Professional Documents
Culture Documents
الهامش و تجليّاته في مقامات بديع الزّمان الهمذاني
الهامش و تجليّاته في مقامات بديع الزّمان الهمذاني
ظهرت في العصر العباسي أشكال أدبية اعتبرها فنا جديدا ففسح لها مجاال واسعا جعلها
ترتب ط ارتباط ا وثيق ا ب الت ارث الع ربي الق ديم خالل الق رن ال ارب ع هج ري ،و ه ذا م ا جعله ا تثبت
تمايزه ا كجنس أدبي و كفن مس تقل بذات ه ،ه ذا الن وع الف ني ُع رف بالمقام ة ،وه و ش كل قصص ي
اشتهر به كاتب معروف يلقب ببديع الزمان الهمذاني ،فقد اتخذ هذا النوع األدبي كوسيلة طرح من
خاللها بعض القضايا االجتماعية في قصص قصيرة ،اتخذ لها ارويا واحدا سماه عيسى بن هشام،
و بطال واحدا سماه أبو الفتح االسكندري.
أن النثر العباسي قد شهد تغي ارت كثيرة تجلت في مختلف األساليب و الفنون، هذا يعني ّ
و خلفت نتاج ات أدبي ة ف برزت الحرك ة األدبي ة في العص ر العباس ي ،ه ذا العص ر ال ذي ك ثرت في ه
المش اكل و الفتن و القض ايا االجتماعي ة ،وعلي ه ظه ر في الق رن ال ارب ع هج ري ن وع ن ثري ه و
المقامات على يد عالم معروف هو بديع الزمان الهمذاني.
تعتبر المقامة فنا من فنون األدب الع ربي و شكال قصصيا ،اتخذه الهمذاني كوسيلة طرح
من خاللها القضايا االجتماعية التي كانت تسود في العصر العباسي ،فأبدع في ألفاظها و أساليبها،
ألن الب ديع ك ان ي رغب أن يتعلم تالمي ذه
و ك ان من بين أغ ارض ها تعليم الناش ئة اللغ ة و البي ان؛ ّ
أساليب اللغة العربية و حسن صياغة األلفاظ بدقة بعيدا عن األخطاء اللغوية .
التعرف على النوع النثري الذي
إن الهدف األساسي الختيارنا لهذا الموضوع ،هو الرغبة في ّّ
ذاع صيته في تاريخ األدب العربي في العصر العباسي خالل القرن ال اربع هجري.
ولع ّل الدافع من وارء هذه الد ارسة هو غياب د ارسة أكاديمية تعالج هذا النوع الفني ،الذي
يتن اول في ج وهره قض ايا مس كوت عنه ا في مجتم ع تس وده قض ايا اجتماعي ة ،أين أص بح اإلنس ان
يهمش ك ّل فرد يعارض ثقافته ،لذلك مهمشا و منبوذا من ِقبل المركز الذي ّ
يعد مهيمنا استعمارياّ ، ّ
يكون لنفسه ثقافة مضادة تعاكس كل ما يسلطه هذا المهيمن عليه، اختار هذا األخير -الفرد -أن ّ
لذلك اخترنا المقامة لكونها تعالج موضوع الهامشي بوصفه فردا منسيا ،و مستبعدا من قبل مجتمع
ال يعترف به ،وتجدر اإلشارة
المبحث االول :المقامة
-1لغ ًة:
المقام ة:ب الفتح:المجلس و الجماع ة من أن »:و َ ورد في لس ان الع رب البن منظ ور ّ
ام فق د يك ون ك ّل واح د منهم ا بمع نى اإلقام ة،وق د يك ون بمع نى موض ع
المق ُ
ام و ُ
المق ُ
الن اس،ق ال:و ّأم ا َ
ّ
إن الفع ل إذا ج اوزألن ك إذا جعلت ه من ق ام يق وم فمفت وح،و إن جعلت ه من أق ام يقيم فمض موم ،ف ّ
القي امّ ،
مشبه ببنات األربعة نحو دحرج و هذا ُمدحرجنا .وقوله تع الى»:اَل
ألنه ّالثالثة فالموضع مضموم الميمّ ،
بالض م ،أي ال إقام ة لكم.و َح ُس نت مس ت ٍ
ق ًار و ّ َمق َام ل ُك ْم «؛ أي ال موض ع لكم ،و ق رئ ال ُمق ام لكم،
قاما«،أي موضعا؛و قول لبيد: ُم ً
امها. ُّ
فرج ُ
بمنى،تأب َد َغولها َ
ّ قامها
فم ُعفت الديار محل ها ُ
عز و ج ّلَ » :ك ْم تََرُك وا من ََّج نات َع ْدن و ُعيون و ُزُروع َو َمقام َك ريم«،
يعني اإلقامة ،وقوله ّ
قام الكريم هو المنبر ،وقيل :المنزلة الحسنة«.1 الم ُ
قيل َ :
بمعنى أن المقام يمثل شيئين:
–الخطب ة أو
الن اس.و –المجلس.و ُ قام ةُ) :الجماع ة من ّ
الم َ
أنَ (»:
أم ا في المعجم الوس يط نج د ّ
ّ
قصة قصيرة مسجوعة ،تشمل على عظة أو ملحة ،كان األدباء ي ظهرون فيها العظة أو نحوهما.و – ّ
قام «.2
الم ُ
المقامةُُ :
قام):اإلقامة .و –موضع القيامُ .
(الم ُ
ب ارعتهمُ .
- 1ابن منظور ،معجم لسان العرب ،تح عامر أحمد حيدر ،ارجعه عبد المنعم إب ارهيم ،دار الكتب
العلمية ،بيروت –لبنان ،ط ،1جزء 1424 ،12ه2003 ،م ،ص .587
الدولية ،مصر ،ط1425 ،4ه 2004 ،م ،ص.867
- 2مجمع اللغة العربية ،معجم الوسيط ،مكتبة الشروق ّ
إم اّ خطب ة أو عظ ة ال تي هي أيض ا
الن اس ،أو هي ّ
أن المقام ة هي جماع ة من ّ
ويقص د ب ه هن ا ّ
بالس جع ،فيها مجموعة من العظات من خاللها يقوم األدباء بإظهار قد ارتهم ،و ب
منمقة ّقصة قصيرة ّ ّ
ارعاتهم اللغوية.
/2اصطالحاً:
األقاصيص في القرن ال اربع هو فن المقامات ،و هي القصص القصيرة التي يودعها الكاتبما يشاء من
الدعابة و المجون.
فكرة أدبية،أو فلسفية،أو خطرة وجدانية ،أو لمحة من لمحات ّ
الزمان الهمذاني هو ّأول من أنشأ فن المقامات«.1
أن بديع ّ
وكان المعروف ّ
الزمان الهمذاني هو ّأول من مهّ د الطريق لظهور هذا الفن ،وشيوعه فاعتبره
أن بديع ّ هذا يعني ّ
مؤرخو األدب العربي ارئدا لها.
فالغاي ة من المقام ة ليس ت ت أليف القص ص فق ط ،و ّإنم ا ك ان له ا وظيف ة تعليمي ة ،وهي تعليم
التعرف على أل وان البديع
األخ اذة ،و بأساليبها المسجوعة ،و ّالمنمقة ّ
الناشئة جوهر اللغة العربية بألفاظها ّ
يتعرض لها في مشواره الد
فيها انطالقا من الحركة التمثيلية التي يقوم بها البطل ،و العقدةأو المشكلة التي ّ
ارمي و الفكاهي.
الزمان الهمذاني:
المطلب الثاني :نشأة المقامة عند بديع ّ
تطورها:
-1ظهورها و ّ
إلىأن ه كان ينهي
الزمان مقاماته أثناء تواجده بنيسابور وقد أشار أغلب األدباء و النقاد ّ
ألف بديع ّ
النص وصبه ا ال د روس ال تي ك ان يلقيه ا على الطالب،حيث ك ان يق ّدم لهم بعض المس ائل ال لّغوي ة و ّ
بأنه يقوم بعرض أحاديث ابن دريد التي ألهمته ،وأبهرته مقامته ،وكانت غايته ج
يظن ّ
األدبية ،وهناك من ّ
ّارء هذا أن يعلم هؤالء الطلبة أساليب و لغة العرب.
لم ا أرى أبا بكر محمد بن الحسين بن دريد األزدي أغرب وهذا ما صرح به الحصري قائالّ » :
ب أربعين ح ديثا ،و ذك ر ّأن ه اس تنبطها من ين ابيع ص دره ،وانتخبه ا من مع ادن فك ره ،و أب داها لألبص ار و
البص ائر ،وأه داها إلى األفك ار و الض مائر ،في مع ارض عجمي ة ،وألف اظ حوش ية{}...عارض ه بأربعمائ ة
مقامة في الكدية ،تذوب ظرفا ،و تقطر حسنا« ،2الكن لم تكن أحاديث ابن دريد تدور حول الكدية ،كبديع
الص لة بينهم ا واض حة ،فأح اديث األول ق ام بص ياغتها على
أن العالق ة و ّ الرغم من ذل ك إاّل ّ
الزم ان ،و ب ّ
ّ
الناشئة اللغة ،فالغاية هي نفسها
وتعج باأللفاظ الغريبة ،ألفها قصد تعليم ّ
ّ السجع،
شكل رواية ،فيها نوع من ّ
الص لة
إن من يطلع على كتاب األمالي ،و يق أر بعضا من صفحات مقامات البديع يجد موضع ّ ّ
تتم ة لما ورد في األمالي من وصف
بينهما ؛ فمثال المقامة الحمدانية التي تتناول صفة الفرسهي تكملة و ّ
الس ائل في
تمدها من "خطب ة األع اربي ّ
أن فك رة الكدي ة ،أو الش ّحاذة يمكن أن يك ون ق د اس ّ
الف رس كم ا ّ
1
المسجد الح ارم" ،التي رواها صاحب األمالي عنابن دريد ،وهذا ما يثبت تأثر الهمذاني به-ابن دريد.-
الزمان كذلك من ما كتبه الجاحظ عن أهل الكدية وحيلهم في انت ازع المال ،و لقد استوحى بديع ّ
أن ابن دري د جعل ه يكتب
الن اس ،ومن ي درس مقامات ه يلمس ت أثره به ذا األخ ير ؛ وه ذا يثبت ّ
الطع ام من ّ
بالنس بة للجاح ظ فق د أث ر علي ه من حيث
أم ا ّ
الش كلّ ،
أح اديث تعليمي ة ؛ بمع نى أث ر علي ه من حيث ّ
الموضوع ،فتناول في مقاماته الكدية إضافة إلى هذا برزت في عصر البديع طائفة من أصحاب الكدية
الش خص ال ذي ينح در من بيت ملكي ق ديم في
بالساس انيين ال ذين يع ود أص لهم إلى ساس ان ،ه ذا ّ
ُعرف وا ّ
الدار عندما كان ملكا فأصبح ضائعاالملك ،فقد انتزع منه ّ
بأن ه حرمه والده ُ
فارس ،و الذي قيل عنه ّ
فاحترف و مارس الكدية.
المكدين ،وما
ّ صور فيها حيل ،و خدع
الرصافية هي أيضا نثر لقصيدة األحنف التي ّ المقامة ّ
الساسانية نسبة إلى هذه الطائفة .
سمى إحدى مقاماته بالمقامة ّ
يبرهن تأثره به ّأنه ّ
تعب ر عن ه ذه الطائف ة ،وتص ف طريق ة حيلهم في الكدي ة ،ف نرى فيه ا أب ا الفتح
ه ذه المقام ة ّ
شحاذ عظيم ،وما يلفت نظر القارئ
اإلسكندري بطل المقامات ساساني كبير ،و أديب ّ
-2موضوعات المقامة:
تن اول ب ديعالزمان مواض يعا ش تى في مقامات ه لكنه ا ت دور معظمه ا ح ول المواض يع االجتماعي ة
منها :اآلفات االجتماعية كالفقر،الس رقة ،التسول ،كما خاض في المواضيع الدينية :كالدعوة إلى الزهد
والى التحلي بالمكارم األخالقية وغيرها ،كما تحدث في المواضيع السياسية .
يق ول حس ام محم د علم » :تع ددت موض وعات المقام ة عن د ب ديع الزم1ان الهم1ذانيوالتي اس توحاها
مما كتبه الجاحظ عن قصته عن أهل الكدية ،كما أفاد مما كتبه ابن دريد من أحاديثه المعروفة في كتابه
األمالي .والتي جعلته يأخذ اتجاها تعليميا«.2
طل ع على العملين و ت أثر بهم ا» ومن غير ش ك يعلو في الت أثير في ه العم ل
وه ذا يوض ح أنه قد ا َ
أم ا
األول على العم ل الث اني،ف ابن دري د وجه ه ليكتب أح اديث تعليمي ة؛ أي أن ه أث ر في ه من جه ة الش كلَ ،
الجاحظ فأثر فيه من جهة الموضوع ،إذ جعله يدير أحاديثه أو مقاماته على الكدية«.3
أم ا المعنى
تدور مقامات الهمذاني في معظمها حول موضوع الكدية أي االستعطاء ،كمعنى أولَ ،
اللغوي للكدية فقد ورد في معجم الوسيط بأنه الفعل(»:كدى) الرجل ـ كديا:
كد،و َك ِدي(.أكدى ) الحافر :بلغ ال ُك ِ
دية فال يمكنه أن كدى :لم يبق له ربح ،فهو ٍ
عطاءهُ .و َ قلل
بخل أو َ
َ َ
يز(:وَأعطى قليالً و ِ
ألح في المس ألة .و َبخ َل .و في الت نزياللعز َ
يحفرـ وـ فالن :بل غ الص ح ارء .وـ َ
أ ْكدى).و افتقر بعد غنى.
نقص د بالكدي ة الش حاذة والتس ول ومع نى ذل ك أن ب ديع الزم ان ت أثر ب ابن دري د في مقامات ه ،وأن ه
عارضه بها معارضة كما يضيف شوقي ضيف عمال آخر للجاحظ أثر فيه أث ار بليغا ،إذ تحدث في
بعض كتبه عن أهل الكدية ،و هو الذي أوحى إليه أن يدير أغلب مقاماته على الكدية ،يقول» :وتدور
هذه القصة بين شيخ من أهل الكدية و شاب منهم حديث العهد بالصناعة .فيدور ح وار بينهما ويذكر له
شرف الكدية وأن أصحابها في نعيم ال ينفذ ،ويقص عليه قصة طريفة حدثت له في بلدان الجبل ،و كيف
احتال على أهلها و أخذ منهم األموال«.2
كما استمد هذا الموضوع من » :الطائفة التي برزت وهي أصحاب الكدية في عصره
ٍ
حينئذ بالساسانيين نسبة إلى ساسان ،وهو شخص من بيت ملكي قديم في فارس ،يقال ،وكانوا يعرفون
إن أب اه حرم ه من المل ك ،و يق ال أن ه ك ان ملك ا ،و اغتص ب من ه المل ك دا ار فه امعلى وجه ه محترف ا
للكدية ،وهي أسطورة«.3
إذن تعتبر الكدية موض وعا رئيسيا للمقامات ،وهي في نفس الوقت وسيلة اعتمدها للكشف وفهم
المجتمع ليتعرف عليها القارئ ،لذلك جاءت المقامات لتعبر عن صورة عصر مضطرب عاشه العرب
في النصف الثاني من القرن ال اربع الهجري ،كما اتخذ بطل مقامات الهمذاني وسيلة لكسب المال ،إذ
ي في شكل أديب شحاذ يخلب الجماهير ببيانه العذب ،ويحتال بهذا البيان علىيظهر أبو الفتح االسكندر َ
استخ ارج الد ارهم من جيوبهم .4
وبالرغم من أن التسول الذي يعتبر من أهم الموضوعات للمقامة ،إال أن المقامة قد عالجت إلى
جانب ه موض وعات مختلف ة مث ل النق د بأنواع ه المختلف ة األدبي و االجتم اعي ،كالمقام ة الجاحظي ة و
الشعرية.
- 1شعبان عبد العاطي عطية ،أحمد حامد حسين و آخرون ،معجم الوسيط ،مكتبة ال ّشروق الدولية ،
مصر-القاهرة ،ط1425 ،4ه 2004-م ،ص .780
دار المعارف ،مصر – القاهرة ،ط،3 المقامة - 2شوقي ضيف
أول فب ارير 1954م ،ص ،20بتصرف.
- 3شوقي ضيف ،المقامة ،مرجع سابق ،ص.02
- 4المرجع نفسه ص .42
ففي موض وع النق د يتح ول الهم11ذاني إلى ناق د أدبي يطل ق أحكام ه و آ ارئ ه على الش ع ارء ،وق د
عالما.
أثبت ذائقته الرفيعة في إطالق أحكامه ،والتي فرضتها ظروف عصره و حياته كونه أديباً و مثقفا ً
كم ا خ اض في الج انب ال ديني ،فتح دث عن الوع ظ و دع ا إلى ال زه د و إلى التحلي بمك ارم
األخالق في المقامة الوعظية و الوصية .
-1لغة:
ومنه فالهامش هو اإلكثار في الكالم الذي ال يجدي نفعان ويكون قوال خاطئا غير صائب؛ بمعنى
يكون كالما ليس في محله.
قلن افالن م ا يعيش على اله ِام ش معن اه إنس ان يعيش منع زال عن ّ
الن اس ،و ال يع ترف ب ه المجتم ع ،وه و
منبوذ من قبل المركز ،و ال يخضع لسلطته و ال لقيوده بل و يعيش و يرتاد األماكن التي تقع على ِ
هام
ش المدينة ،كما ينتمي إلى مجتمع دنيء.
- 1ابن منظور،لسان العرب ،تح عامر أحمد حيدر ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان ،مج ،6دط ،د ت ،ص.834
-مجمع اللغة العربية ،معجم الوسيط ،مكتبة ال ّشروق الدولية ،ط1425 ،4ه – 2004م ،ص.4201
ّ 2
-2الهامش اصطالحا:
تق ول هوي دا ص الح » :لق د أطل ق اله امش أول م ا أطل ق كمص طلح يش ير إلى جماع ة بش رية ،و
تتمرد عليه في الغرب ،فقد ظهرت مجموعات كثيرة تسمى بالهامشيين
حركة تقف على يسار المركز ،و ّ
أو الحركة الهامشية«.1
أن الهامش في مفهومه االصطالحي كما أق ّرت هويدا صالح لفظ يطلق على فئة من
وهذا يعني ّ
الرسمية ،فش ّكلت هذه
ضد افت ارضات ،و سلطة المركز فلم تتقبل ثقافتها ّ
البشر المتمردين ،التي كانت ّ
ادة ،تعكس المجتم ع المرك زي فس ّميت ه ذه المجموع ة
الجماع ة ثقاف ة خاص ة له ا وهي ثقاف ة هامش ية مض ّ
بطبقة الهامشيين ،أو الحركة الهامشية لكونها تعيش على هامش المدينة .
أ-هامش11ية إاردي11ة:و تك ون من اختي ار الف رد ب إ اردتهم و رغبتهم ،و ذل ك هروب ا من نم ط عيش هم
القاسي و شظف الحياة عندهم.
ب-هامشية مسلطة :وهي تنتج من التمييز االجتماعي و يكون باستبعاد اآلخر الختالف ُرؤاه ،و
عدم تماثله لما يسلط عليه المركز من افت ارضات و الت ازمات ،فينفيه و ال يعطي له أية أهمية ،و ال
ألنهعارض ثقافة المركز و
فيتمرد هذا األخير(الفرد) و يعيش على هامش المدينة ،فينبذه المجتمع؛ ّ
ّ اعتبار
ضده.
أصبح ّ
و هذا ما أدى باللذين ينتمون للهامش و ينتسبون له أن يقترحوا رؤية نظرهم ،و تص وارتهم التي
للش عب و
السياس ي ال ذي ش ّكل كره ا ّ
تعكس م ا يقترح ه المرك ز ه ذا المس تعمر و المهيمن االجتم اعي ،و ّ
سلط عليهم ثقافته و تعبيره.2
ومن هنا تتضح الكتابة الهامشية التي تتحدى الكتابة المركزية المهيمنة و المسيطرة على ال ّذوق
أن الكتابة
العام و الكلمة ،لتبحث عن صوتها الخاص بها الذي ألفته و اعتادت عليه ،و هذا يد ّل على ّ
الم س تبعد من
أن لغ ة ه ذه األخ يرة –الكتاب ة الهامش ية -هي لغ ة ُ
فع ٌل لتهميش ال ّذات االجتماعي ة؛ بمع نى ّ
ألن ِ
قَباللمرك ز ،أي هي لغ ة دنيئ ة س وقية عامي ة تعكس لغ ة األدب النظي ف ل ذلك ينب ذها المجتم عّ ،
للس خرية ب المركز و
المهمش ون وقف وا موقف ا معادي ا للس لطة الرس مية ،رفض وا ثقافته ا فوج دوا اللغ ة كفرص ة ّ
ّ
مآالته (قوانينه).1
الس بل
الرغبة في معرفة و كشف عالم المهمشين ،يقتضي د ارسة لغتهم باعتبارها تمثل إحدى ّ إن ّ ّ
أو مرجعي ة لل ّرد على الثقاف ة الرس مية ،ل ذلك نج د كت اب اله امش ي دعون إلى ض رورة البحث في الخط اب
الصادمة.2
الهامشي ،انطالقا من لغته الهامشية ّ
إن من سمات لغة المهمشين كونها سلوكا لغويا ،هو إب ارز الفرق بين المعلن و المسكوت عنه ّ
بط ابع نق دي الذع في ش كل خطاب ات ،و ه ذا م ا يح ّدد ممي ازت لغ ة و تعب ير الفئ ة المهمش ة وه ذه
ورد
الخطابات التي تقوم بها هذه الجماعة تم ّكنهم على تغيير مكانتهم من الهامش إلى المركز(المدينة)ّ ،
االعتبار له كونه كان منسيا.
"ألف
نتحدث عن لغة المهمشين ال نقصد لغة كتاب الهامش فقط ،فمثال عندما نطلع على ّ
عندما ّ
الص ارخة
أن نصوصها تزخر بلغة الهامش ّ
ليلة و ليلة" نجد فيها صوت ال ّشعبّ ،أنها مجهولة المؤلف كما ّ
التي تتسم بالج أرة.
إن لغة الهامش ال تتميز بإعالن الفرق بين ما هو معروف مألوف ،و ماهو مخفي و مسكوت ّ
عن ه فق ط ،و ّإنم ا تتس م ك ذلك ب المزج بين اللغ ة العامي ة و الفص يحة ،كم ا تعتم د على الش فاهية و اللهج ة
المحلية. 3
- 1هويدا صالح ،الهامش في األدب االجتماعي ،مرجع سابق ،ص ،250-251بتصرف.
- 2المرجع نفسه ص ،252بتصرف.
- 3هويدا صالح ،الهامش االجتماعي ،مرجع سابق ،ص ،25-254بتصرف.
المبحث الثالث :موضوعات المقامة ذات الصلة بالهامش:
ل(الشحاذة) في المقامة الجرجانية:
ّ التسو
ّ -1-الكدية و
أ-تسميتها:
ألن أحداث القصة جرت في بلد جرجان الذي ارتحل إليه أبو
سميت بالمقامة الجرجانية ّ
الفتح اإلسكندري متج وال ليحتال و يشحذ ،و هذا ما دفعه إلى تسمية مقامته باسم بلد ،و يتضح
يخلب
ُ ذل ك من ق ول ش وقي ض يف}...{»:إذ يظه ر أب و الفتح اإلس كندري في ش كل أديب ش ّحاذ
الد ارهم من جيوبهم ،و هو يت ارءى
الجماهير ببيانه العذب ،و يحتال بهذا البيانعلى استخ ارج ّ
بهذه الصورة في بلدان مختلفة ،و لع ّل هذا ما دفع بديع الزمان إلى أن يسمي المقامات بأسماء
البلدان ،و معظمها بلدان فارسية«.1
لذلك نجد معظم مقامات البديع تحمل أسماء بلدان.
- 1شوقي ضيف المقامة ،دار المعارف بمصر ،كورنيش النيل -القاهرة ،ط 1973،3م ،ص.6
فشفق عليه و أعطوه ما يملكون شكرهم و حمد اﷲ عليهم ثم انصرف ،الكن عيسى بن هشام تبعه
بأنه أبو الفتح اإلسكندري.
و لحق به و حلف ّ
-ج-طبيعة الموضوع في المقامة الجرجانية:
ه ذه المقام ة ذات موض وع قصص ي ي دور ح ول أس لوب من أس اليب المك ّدين ،ه ذا الموض وع
يتمث ل في التس ّول أو الش ّحاذة و اإلس تجداء ،ي دور في ه الح وار بين شخص يتانخياليتان هم ا عيس ى بن
يبتز
هشام ال اروي الذي يروي و ينقل أحداث القصة أو المغامرة ،و أبو الفتح اإلسكندري البطل الذي ّ
و ينتزع أم وال الناس عن طريق استخدام الخدعة رغبةفي جمع المال ،بسبب قسوة الحياة االجتماعية
ألن ه يمث ل األس اس في
علي ه ،فالم ال ك ان من بين األغ ارض ال تي يس عى إليه ا الب ديع في مقامت ه؛ ّ
عصره.1
يظهر أبو الفتح اإلسكندري في هذه المقامة في صورة أديب يشحذ ،و يسلب عقول السامعين
بألفاظ ه العذب ة المس جوعة ،فيحت ال عليهم ب اخت ارع كذب ة لهم فيس تخرج الم ال من جيبهم و هن ا تكمن
المتعة.
أن موض وع المقام ة ص اغه الب ديع على ش كل ن ثر مزج ه بأبي ات ش عرية يم دح فيه ا أه ل
نج د ّ
أن النثر ازحم الشعر الذي يعد لسان المديح في عصر الهمذاني ،فالّنثر هنا
جرجان ،و هذا يد ّل على ّ
يمثل الهامش أما الشعر فيمثل المركز وهذا يتجلى في مقامات الهمذاني.
وفي هذه المقامة بديع الزمان قال المدح نث ار و شع ار بفصاحة حتى يلعب بعقول الناس،
فغايته أن يصوغ ألفاظا لها نغمة موسيقية يصبغها بألوان فنية (السجع ،الجناس) التي كان يعجب بها
عصره.
فيمد
أخ اذةّ ،
المتكس بين يمدح أهل همذان و جرجان بكلمات ّ
ّ نجد البطل يقف موقف الشع ارء
يده و يعطونه ما يملكون ،و يكمل طريقه إلى بلد آخر.
الصيغة(حدثنا عيسى بن هشام قال ،):التي تد ّل على أن البديع حاول أن يقلد
ّ المقامة تبدأ بهذه
بالسند.2
طريقة ابن دريد الذي يبدأ أحاديثه ّ
إذ نجد الحصري يقول:
- 1حنا الفاخوري ،تاريخ األدب العربي األدب القديم ،دار الجيل ،بيروت -لبنان ،ط1986 ،1م ،ص-627
،625بتصرف.
- 2شوقي ضيف المقامة ،دار المعارف بمصر ،كورنيش النيل – القاهرة ،ط1978 ،3م ،ص ،24بتصرف.
» لم ا أرى أب ا بك ر محم د بن دري د األزدي أغ رب ب أربعين ح ديثان و ذك ر أن ه اس تنبطها من
ين ابيع ص دره ،و انتهجه ا من مع ادن فك ره ،و أب داها لألبص ار و البص ائر ،و أه داها إلى األفك ار و
الضمائر في معارض عجمية ،و ألفاظ حوشية{}...عارضهبأربعمائة مقامة في الكدية ،تذوب ظرفا ،و
تقطر حسنا«.1
هذا إذن ما يثبت تأثر البديع بابن دريد.
الجرجانية:
-د -الشخصيات في المقامة ُ
تدور القصة حول شخصيتين خياليتين عيسى بن هشام ال اروي الذي ينقل أحداث القصة ،و
يتعجب من سلوك البطل ،ومن جهة أخرى يشفق عليه ،و الزوجة و األوالد شخصيات مساعدة
الذي ّ
ال تي ارفقت البط ل في مس اره القصص ي ،و أب و الفتح اإلس كندري البط ل ال ذي يظه ر أديب ا عظيم ا ،و
ش ّحاذا و متس ّول م اكر في ص ورة رج ل ليس ط ويال و ال قص ي ار ،يتس ّول بأس لوب يغ ري الس امع و
تحرك المشاعر،
يؤثر فيه ،فنجده يفتخر بنفسه بحركة قصصية فنية معتمدا على جمل قصيرة تلهم و ّ
النفوس.2
تجعل المقامة تكتسي سيمة مسرحية بطابع يبهر ّ
قوم إني امرؤ من أهل اإلس كندرية، ويتضح ذلك في قوله مفاخ ار في مقامته الجرجانية » :يا ُ
ض ْر،
ي ربيع ةَ و ُم َ
ض َر ،و َد َار ْ
الح ْ
الب ْد َو و َ
ت َ عبس ُ ،ج ْب ُ
ت بي ٌ
حب ْ
ليم و ََّر َ
من الثغور األمويةَ ،ن َمتنى ُس ُ
ت «.3
ما ُه ْن ُ
نجد كذلك يستخدم وسيلة لغوية د ارمية من خاللها يصل هدفه في جمع المال حين يقول» :
هدهم َجفو ةً«.4
ألعظمهم َج َفنةً و أز ْ
ْ ملت اش أر َّ ب إلي َّ
أح باؤها ،و لكني ُ ّ قبلني أحياؤها ،و ْ
الش فقة
في هذه المقامة لما يفتخر البطل بنفسه ،يتلقى السامع في حدوده خب ار صاعقا يثير ّ
للمكدي ،يب رز من خاللها مالمح ساخرة لشخصيته من خالل ما حيث يعطي البطل الصورة النفسية ُ
انظروا
يعيش ه في حيات ه االجتماعي ة ،فه و يش كو الفق ر كم ا تظه ر صورةالتش اؤم في شخص يته » :ف ُ
هدته الحاجة. ٍ
مهزول ّ . ِ
األنقاض َرحم ُكم اﷲُ لنقض من
-ه-المكان:
نجد في المقامة الجرجانية ِذ كر السم بلد هو جرجان المكان الذي وقعت فيه أحداث المغامرة،
حيث نجد حنا الفاخوري يقول}...{»:و يجري في إطاره الجغ ارفي حول ما يشبه الرحالت من بلد إلى
بلد«.3
التجول من
ّ أن البديع يجري أحداث قصصه في إطار جغ ارفي يتمثل في الرحلة ،وهذا يعني ّ
بلد إلى بلد آخر يرصد مالمح الحياة و قضايا العصر العباسي ،فيسمي مقامته باسم ذلك البلد الذي
يتجول فيه.
ّ
- 1محمد محمود ال ارفعي ،مقامات بديع الزمان الهمذاني ،مرجع سابق ،ص .33
- 2مرجع نفسه ،ص.53
-حنا الفاخوري تاريخ األدب العربي األدب القديم ،دار الجيل ،بيروت-لبنان ،ط1986 ،1م ،ص.526
ّ 3
مزيفة خيالية ،يسخر فيها بشخصية أبو الفتح انطالقا من العقدة التي تحدث للبطل و يتضح ذلك في
هبت بي إليكم ريح االحتياج .و نسيم اإللفاج.
المقامة الجرجانية » :وقد ّ
كدته الفاقة«.1
هدته الحاجة .و ّ ٍ
مهزول ّ . ٍ
لنقض من األنقاض فانظروا رحمكم اﷲ
-ج-الكذب ،االحتيال ،و ال ُخدع:هو أمر كان في المجتمع العباسي خالل القرن ال اربع ،لذلك
نرى البديع من خالل مقاماته يتخذ شخصية البطل حتى ينقد هذا المجتمع ،بطابع السخرية و االسته
ازء فيظهر أبو الفتح محتاال ذكيا و ك ّذابا بارعا ،يختلق كذبة تؤثر علىالسامع فتغري القلوب و يستخرج
المال من جيوب الناس ،و يظهر ذلك في المقامة الجرجانية » :قال عيسى بن هشام :ف رقت و اﷲ له
العيون.
ْ للطف
َ أغر و رقت
القلوب .و َ
و نلناه ما تاح في ذلك الوقت.«2
-د-ال11دارما :ي برز الب ديع ص ور و مالمح س اخرة لشخص ية أب و الفتح ال ذي يش كو الفق ر ،إذ
يستخدم وسائل لغوية د ارمية ،إذ يتلقى السامع في حدودها أخبا ار تثير الشفقة ،و ذلك حتى يوضح
الس خرية ،و ذلك يتضح في المقامة الجرجانية» :
الحياة المعيشية في العصر العباسي بشظفها بطابع ّ
ه َر ياق ْوُم قلب لي من بينهم ظهر المح ِن. َّ َّإ
ثم ن ال د ْ
- 1محمد محمود ال ارفعي ،مقامات بديع الزمان الهمذاني ،مطبعة السعادة ،مصر ،ط398 ،1ه ،ص
.35
- 2المرجع نفسه ،ص.53
خاتمة:
لقد مكننا هذا البحث من د ارسة فن المقامة التي استطاعت أن تحيط بمجتمعات الناس
في العصر العباسي ،و جعلت القارئ يعايشهم معايشة حقيقية حيث نقلت لهم ع والمهم س واء في األس واق
الشحاذين و المحتالين ،فصورت
ّ أو في المطاعم أو المساجد ،كما تخطت ه ؤالء جميعا إلى اللصوص و
بذلك قضايا و هموم هؤالء القوم من الناحية الفكرية و المعاشية و الثقافية.
أن المقامة فن نثري نشأ في أواخر العصر العباسي خالل القرن ال
أفدنا من هذا العمل التطبيقي ّ
اربع هجري ،وهو شكل قصصي اشتهر به كاتب معروف هو بديع الزمان الهمذاني ،هذا الفن الذي يحمل
في طياته سلسلة من األفكار و المسائل االجتماعية المختلفة ،التي طرحها البديع في مقاماته على شكل
تأنق في ألفاظها و أساليبها فاتخذ لقصصه هذه ارويا واحدا هو عيسى بن هشام،
قصص قصيرة ،برع و ّ
شحاذ يحتال على الناس،
متقمصا شخصية أديب ّ
و بطال واحدا هو أبو الفتح االسكندري الذي يظهر دائما ّ
باخت ارع الحيل و المكائد رغبة في الوصول إلى هدفه الذي يتمثل في استخ ارج المال من جيوب الناس
يوضح الحالة االجتماعية لمجتمعه في العصر العباسي.
دون تعب ،و ذلك حتى ّ
الش عر
الن ثر و ّ
إن المقامات باعتبارها مجموعة حكايات قصيرة نجد ّأنها جمعت في جوهرها بين ّ
ّ
الناشئة اللغة
في وصف الحالة المتردية في زمان الهمذاني ،أما من حيث غرضها فهو يتمحور حول تعليم ّ
و علم البيان ،فقد كان البديع يريد لتالميذه أن يتعلموا أساليب اللغة العربية بألفاظها و بديعها.
لقد سجلت المقامة حض و ًار قويا في الساحة األدبية و النقدية على حد س واءٕ ،او ن كان الشعر قد
إن الن ثر ال يق ل قيمت ه على المنظ وم ،و تعت بر المقام ات تحفة
مث ل المرك ز و ف رض س لطته على الن ثر ،ف ّ
أدبي ة ارئع ة بأس لوبها و مض مونها ال ذي يبعث على االبتس ام و الم رح ،كم ا ت دعو إلى التحلي بمك ارم
األخالق ،فكانت عبارة عن وثيقة تاريخية تصور جزًءا من حياة عصره .
قائمة المصادر و المارجع:
-المعاجم:
-ابن منظور ،معجم لسان العرب ،تح عامر أحمد حيدر ،ارجعه عبد المنعم إب ارهيم ،دار الكتب
العلمية ،بيروت-لبنان ،ط ،1جزء 1424 ،12ه2003-م.
-مجمع اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر ،ط1425 ،4ه-
2004م.
المصادر و المارجع:
-العين الثالثة /تطبيقات في النقد الثقافي وما بعد الكولونيالي ،مؤلف جماعي ،دار ميم ّ
للنشر ،الج
ازئر ،ط.2018 ،1
-حسام محمد علم ،د ارسات في النثر العباسي القسم الثاني ،جامعة األزهر ،كلية الد ارسات
اإلسالمية ،ط1427 ،3ه2006-م.
-حسن عباس ،نشأة المقامة في األدب العربي ،دار المعارف ،دط ،دت.
-حنا الفاخوري ،الجامع في تاريخ األدب العربي األدب القديم ،دار الجيل ،بيروت-لبنان ،ط،1
1986م.
النثر الفني في القرن ال اربع ،مكتبة السعادة ،مصر ،ط ،2جزء ،1دت.
-زكي مباركّ ،