Professional Documents
Culture Documents
تناول كثير من الباحثين العرب واألجانب الحديث عن النار اإلغريقية(؛) ،معن حيه
خواصها وتركيبها وتاريخ صناعتها ،ولئن الذي لم يتم إلقاء الضوء عليه هوكيفية انتقالها
إلى المسلمين ،وهل عرفها تجل الروم شوب أخرى ،ثم معرفة القدر الذي صار إليه تطور هذه
النار عند المسلمين ،لدرجة أنهم أصبحوا سادة البحار ،وخاصة ابحر المتوسط الذي كان
يعرف تجل نزول المسلين إليه أ ببجر الروم أ .وهذا هو موضوع هذه الدراسة.
النار اإلغريقية من األسلحة البحرية الفتاكة التي شاع استعمالها في العصور الوسطى،
وخاصة عند الدولة البيزنطية في أول األمر ،واحتفظ بسريتها أباطرة هذه الدولة ،ولم .يسمحوا
ألحد أن يعرف سر صناعتها ،حتى تكون حكرا لهم(.)٢
أطلق الروم( )٣على هذه النار عدة أسماء فكان من بينها ٠:النار البحرية ،٠
أما الذي أطلى عليها اسم النار اإلغريقية ٢€ل] ط٣00ع فكان الفرنج الالتين؛ عندما
حضروا إلى الشرق في نهاية القرن الحادي عشر الميالدي ومطلع القرن الثاني عشر (أواخر
الخامس الهجري ومطلع القرن السادس) ،ولم يكن لديهم أدش معرفة بهذا السالح للبحري
الفتاك ،فقد فوجوئا به عندما بدأت أساطيلهم تغد من غرب أوربا إلى الشرق ،خاصة أساطيل
مدينة بيزا التجارية ،وأخذت سفقهم تحتك يسغن األسطول اليدزنطي ،لكنها لم تستطع مقاومة
003ه سفن األسطول البيزنطي المسلح بتلك النار ،فتروى المؤرخة اليونانية آنا كومنيتا
€0010003ابنة اإلمبراطور الكسيوس األول كومنين !38 1 €01111101108ة0ك (-٤٧٣
١٢هل ١١١٨- ١٠٨١/م) ما حدثة عندما اشتبكت سفن األسطول الذي أعده والدها
اإلمبراطور الكسيوس كومتين في القسطنطينية ،وما انضم إليه من سفن األقاليم البيزنطية
القريبة ،حيث كان معلقا في مقدمة كل سفينة رأس سبع ،أو ما يشههه من الحيوانات
المتوحشة ،مصنوع من البرونز ،والرؤوس فاغرة أفواهها ،وتتصل أنابيب بهذه األفواه،
وتنطلق منها النار السائلة ا 0مال] ا€ا1أ0٩ا ا ،فلم تستطع سفن بيزا الصمود أمام تلك النار.
وتؤكد آنا كومنينا أن الفرنجة الالتين (الصليبيون) لم يكن لديهم أدش معرفة بهذا السالح
البحري ،لذلك فوجوئا به ،ولم يستطيعوا الصمود أمامه ،فهربت سفن بيزا طلبا للنجاة( )٠
من هنا أطلق الفرنج على ذلك السالح الفتاك الذي تميزت به دولة الروم اإلغريق اسم *
النار اإلغريقية ً ]11*0اا €٣00أ ،ألده سالح انفرد به اإلغريق ،أهللي اإلمبرطورية البيزنطية.
وفي تتبعنا لتاريخ استخدام النار في الحروب ،وجد أن ذلك لم يكن وليد العصور
الوسطى فقط ،فقد ذكر المؤرخ ثيوكيديدس 08ا))11ال100ا 1ما حدث عام ٤٢٤ق٠م من
استخدام الرومان لهذه النار ،حيث وجهوا إلى مدينة ديليوم سفينة كانت تخرج منها النيران؛
بواسطة منفاخ-متصل بجزع شجرة مجوف .كما ورد في بعض المصادر وصف معركة بحرية
القرن الثالث قبل الميالد؛ استخدم فيها براميل خشبية مملؤة بالقار والفحم ،كانت حدثت في
توق وتقذف على سفن األعداء .كذلك أشارت المصادر إلى استخدام تركيبات مختلفة من النار
في القرن الرايع ميالدي ،حيث ادخل إليها الذغط(.)٦
ومن الجدير بالذكر أن المسلمين غرفوا استخدام الحراقات ،وهي السفن التي تقذف
الذار( ،)٧منذ القرن الثاني الهجري ا التاسع الميالدي ،فقد أشار الطبري إلى أن الخليفة
العباسي محمد األمين ( ١٩٨٠١٩٣ل٨١٣-٨٠٩/م) أ أمر بعمل خمس خراقات في دجلة
على خلقة األسد والغيل والئقاب والحدة والغرس ،وأنفق في عملها ماأل عطينا أ ،ويبدوأن
هذا العمل كان جديدا في نوعه في الدولة اإلسالمية ،مما دفع الشاعر أبونواس إدى ندح
األمين وهوعلى ظهر نلك السسر) ،مع مالحظة أن هذه الحراقات كاتت تعمل بالنغئد.
ثم شاع بعد ذلك استخدام هذه الحراقات في أنهار الدولة العباسية ،فيشير ابن خلكان إلى
الواقعة في بحر إيجه ،فقد شن الرومان عدة هجمات على هذه الجزر ،انظر :
3. 601.ا 1/ا ٧3ؤ>ا ¥٠٣د ٢١١ال؛أ3٢٦ح٦3۴٧٠۴ 8٧كا0؛أءا۴0٣)1 0ال 0جً1٦ا
المؤرخ ثيوكيديدس ،هو أحد قادة أثينا العسكريين ( ٣٩٦٠٤٧٠ق٠م) ،اشترك في الحرب ٠
البليبونيزية بين أثينا وأسيرطة ،ثم ترك الخدمة في الجبش ليعكف على كتابة التاريخ .انظر:
سيد الناصري :اإلغريق ،القاهرة ،۴١٩٩٧ص٣٤٨-٣٤٣؛ حامد زيان :منهج البحث
التاريخي ،القاهرة د٠ت،ص٣ه٠١
( )7الحراقة ا الحراقات :نوع من السفن الحربية ،استخدمت لحمل األسلحة النارية ،وهي سفن خفيفة
الحركة ،ووصفها ابن مماتي في القرن السادس الهجري ا الثاني عشر الميالدي أنها كانت تعمل
بمئة مجداف.
انظر :ابن مماتي :قوانين الدواوين ،نشر عزيز سوريال عطية ،القاهرة ١٩٩١م ،ص٣٤٠؛
انظر ايضائ :درويش النخيلي :السفن اإلسالمية على خروف المعجم ،جامعة اإلسكندرية
١٩٧٤م،ص.٣٧-٣٢
(و) الطبري :تاريخ األمم والملوك ٠،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،القاهرة د٠ت ،ج ،٨ص ٠ ٩ه،
ديوان أبونواس.
أبو نواس هو أبو علي الحسن بن هانن ،من أئمة شعراء العصر العباسي ،اشتهر بوصفه ٠
للخمر والنساء ،اتصل بالخليفة محمد األمين وكان من أخص جلسائه ،توفى عام
٢٨٥د٨٩٨/م ٠انظر :العمري :مسالك األبصار في ممالك األمصار ،أبوظبي ٢٠٠٦م،
ج،١٤ج،٢ص.٣١-٢٩
٠من الملفت للنظر أن وصف المؤرخة آنا كومنينا للحراقات قاذفات النار اإلغريقية ،يقترب من
وصف الحراقات التي استخدمها الخليفة األمين في نهر دجلة ،فاألولى اتخذت أشكال رؤوس
الحيوانات المفترسة ،والثانية على شكل األسد والغيل ،وهو ما يجعلنا نالحظ ثمة تأثيرا
متبادالبين الجانبين ،ولعل العباسيين هم الذين أخذوا ذلك عن الروم.
١١٨
أن القائد والوزير طاهر بن الحسبن( ،)٩كانت له حراقة يركبها في نهر دجلة لئتزهة
والئثقل( ،)١٠كذلك يذكر ابن األثير في األحداث التي واكبت مقتل الخليفة محمد األمين بن
هارون الرشيد (شهر المحرم عام ١٩٨دلم سبتمبر عام ٨١٣م) أن اا األمين حاول الهرب من
بغداد في حراقة هرثمة خوفا من اظاهر بن الحسينا)( ،)١١وبعد مغتل األمين خمل ولديه موسى
وعبداهـ في حراقة .إلى مدينة شينيا ثم أرسال إلى عمهما المأمون(.)١٢
وهكذا انتشرت الحراقات التي كانت تعمل بالنغط في نثك سرة في أنهار الدولة
التنقل والنزهة ،فيشير الشابشتي إلى أن السيدة زبيدة زوجة العباسية ،وكثر استخدامها في
الخليفة هارون الرشيد ا اجتازت يوهتا في دجلة بحزاقتها آ(٠)١ ٣
ومن المالحظ أن هذه الحراقات -،التى استخدمت -للنزهة والتثقل فى -تلك سرة ،كان
استخدامها قاصرا على الخلفاء وزوجاتهم وأمراء الدولة العباسية وقوادها ،وذلك لما كانت
تتكلغه تلك الحراقات من نفقات باهظة ،فقد أشار أبو هالل الصابي إلى ما كان ينفقه الوزير أبو
الحسن علي بن محمد بن موسى بن الغرات من أموال ،ويتضح منها أنها كانت مبالغ مالية
كبيرة تنفق شهرنا على هذه الحراقات ،خاصة المبالغ -المخصصة لشراء النفط والمشاقة
(ه) هو أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق ماهان ،فارسي األصل ،كان من أكبر أعوان
المأمون العباس ،واستعان به األخير في محاربة أخيه األمين وقتله ،ثم علت منزلته في الدولة
العباسية زمن المأمون ،توفى عام ٢٠٧د٨٢٢/م ٠انظر :ابن خلكان :وفيات األعيان وأنباء
الزمان ،نشر دار صادر ،بيروت د٠ت ،ج ،٢ص١٧ه٢٣-ه ،وعن حياة طاهر بن أبناء
الحسين ،انظر :ابن طيفور :تاريخ بغداد ،بيروت ٢٠٠٩م ،ص٠١٠٩-٨١
( )٤٠وفيات األعيان ،ج ،٢ص.٥١٩
( )٤٤الطبري ; تاريخ األمم والملوك ،ج ،٨ص٤٨؛ ابن األثير :الكامل في التاريخ ،ج ،٦صه.٢٨
( )٤2السيد عبدالعزيز سالم ،أحمد مختار العبادي :تاريخ البحرية اإلسالمية ،بيروت ١٩٦٩م،
صه٠١١
شينيا ذقرهة بين بغداد وواسط .انظر الصفدي ١:لوافيبالوفيات ،بيروت ٢٠٠٠م ،ج،٢٢ ا
ص٠٩١
( )٤٥الديارات إلى أماكن الزيارات ،نشر كوركيس عواد ،بغداد ١٩٦٦م ،صه٠٤
١١٩
للذغاطات(.)١٤
ويستفاد من ذلك العرض أن استخدام النار المحمولة على الحراقات ،سواء في الحروب
أو النزهة والتنقل ،غرف منذ القدم ،عرفه الرومان كما عرفه بعد ذلك المسلمون ،في حين لم
يعرفه الفرنج الالتين إال فيما بعد.
الوسطى ،حيث تم أما الجديد الذي حدث بالنسبة الستخدام النار ،فيرجع الى الصور
اكتشاف تركيبة جديدة أشد فتكا وأكثر حرقا.
أما هذه التركيبة الجديدة فهي من اختراع مهندس يسمى كالينكوس ،111111€118ح أقام
في مدينة هليوبوليس (بعلبك) ببالد الشام في أواخر القرن السابع ا أوائل الثامن الميالدي،
د ( )١٥أنكالينكوس هرب ويذكر اإلمبراطور قسطنطين السابع (٩-٩١٢ه٩م٤٨-٣٠٠/
من هليوبوليس ولجأ إلى القسطنطينية زمن اإلمبراطور قسطنطين الرابع (-٦٦٨ه٦٨م)(.)١١
والمعروف أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان (٦٠٠٤١هلم٦٨٠٠٦٦١م) كان قد شدد إغاراته
البحرية على شواطئ اإلمبراطورية البيزنطية بآسيا الصغرى ،بعد أن أصبحت البحرية
اإلسالمية تتمتع بقوة كبيرة ،وبمراكز بحرية هامة على حساب اإلمبراطورية البيزنطية في كل
من قبرس ورودس وبض جزر بحر إيجه ،مثل جزر خيوس كما هيمنت على مواني ازمير
وليكبا وقيليقية ،ولم يقف األمر عند ذلك بل تقدم األسطول األموي حتى وصل إلى القرب من
( )14تحفة األمراء في تاريخ الوزراء ،نشر خليل المنصور ،بيروت ١٩٩٨م ،ص .٢٠
علي بن محمد بن موسى بن الغرات ،ولد عام ٢٤١ه—اه ه٨م ،وتوفى عام ٣١٢د٩٢٤/م، ٠
تولى وزارة المعتز بالله العباسي (ه٣٢٠-٢٩د٩٣٢-٩٠٨/م) ،ثالث مرات ،كما تولى
المعتضد العباسي (٢٨٩ —٢٧٩هلم٩٠٢٠٨٩٢م) ٠انظر :الصابي :تحفة وزارة الخليفة
األمراء ،ص١ ١؛ الذهبي :تاريخ اإلسالم ووفيات المشاهير واألعالم ،تحقيق :مصطفى
عبدالقادر عطا ،بيروت ه ٢٠٠م ،ج ،٧ص٧١٣-٧١٢؛ العمري :مسالك األبصار في ممالك
األمصار ،نشر مركز زايد للتراث والتاريخ ،العين ٢٠٠٢م ،ج ، ١١ص .١١٥٠١١٣
المشاقة :جاء في المعجم الوسيط المشقة والمشاقة قطعة من القطن ،استخدمت في الحراقات ■
بأن تبلل بالئغط الستخدامها في النفاطات .انظر :المعجم الوسيط ،ج ،٢ص٩٠٧؛ الصابي :
تحفة األمراء ،ص ٢ ٠هامئى .١
النفاطات :جمع نفاطه ،وهي أذاة من النحاس كان يرمي بها النفط .انظر :الصابي :تحنة ٠
األمراء ،ص ٢ ٠هامش .٢
( )15توج اإلمبراطور قنسطنطين السابع عام ٩١٢م عقب وفاة والده ليو السادس ،لكنه لم يمارس
الحكم إال ءامه٩٤م .انظر:
(. 132-247.ا 11* 1957,ج1م¥د|0€ 8*3*6, €٠؛*١6 6٧280ء*0٢٧ 0۴أ5ا1ر )٧ :ا0٢5ج0$*٢0
(ح )1إدارة اإلمبراطورية البيزنطية ،ترجمة د .محمود سعيد عمران ،ص.١٨٢
حمل اإلمبراطور قسطنطين الرابع لقب آ بوجوناتوس 5ال*03هغ0م ا أي الملتحي .انشر : ٠
الروم ،القاهرة ١٩٦٣م،ص.٢٣١ سيد الناصري:
١٢٠
سطئطيغية(٠)١٧
وإزاء تهديد المسلمين البحري للدولة البيزنطية ،أخذ مهندسو,؛ وعلماء القسطنطينية في
التفكير في صناعة سالح بحري يدرءون به هذا الخطر ،وحتى ال تقع القسطنطينية في يد
المسلمين ،ومن هنا كان اختراع ٠النار السائلة ٠أو11النار البحرية ٠أوا النار الرومانية ٠٠
وتي شاع إطالق اسم ا) النار اإلغريقية أ عليها بعد ذلك.
وكما سبق القول فإن المهندس كالينيكوس السوري األصل الذي كان نقيعا بي
القسطنطينية آنذاك؛ قام بتطوير النار التي استخدمت في -الحروب قديتا ليجحها أشد فغا،
فجطها مزيحا من النفط والزيت والكبريت ،ويصب هذا المزيج في أنابيب من نحاس ذات
فوهة توقد منها ج األنابيب ،وتوضع هذه األنابيب في اسطوانة مستديرة داخل المدفع ،شذي
حملته الحراقات ،ثم تقذف على سفن األعداء ،وبمجرد ارتطامها بالهدف تشتعل نار فيها حتى
لوىنذلكفيشاء(.)١٨
وبعد أن تأكد الروم من فعالية هذا التركيب الجديد ،أمر اإلمبراطور فسطفطين الرابع
بقذفه على سفن األسطول األموي الذي أخذ في مهاجمة القسطنطينية ،ذلك الهجوم الذي استمر
خمس سنوات (٤ه٩-هد٦٧٩-٦٧٤/م)(ً١٩ا ،إلى أن اشتد الروم في قذف المسلمين
بالناراإلغريقية ،فأصاب تلك السفن الدمار واشتطت بها الحرائق ،مما أدى إلى١فشل األسطول
األموي في تحقيق هدفه في االستيالء على القسطنطينية ،وعادت بقية السفن دون أن تحرز
نجاحا ،وفي أثناء عودتها صادفها عاصفة بحرية حطمت مطمها ،وعجل ذلك بعقد اتفاقية
سالم ۴أ هدنة |ا بين معاوية بن أبي سفيان وقنسطنطين الرابع لمدة ثالثين عانا( .)٢٠
ويرى بعض الباحثين أن هذه التركيبة الجديدة من النار اختراع مصري ،ويطلون ذلك
بأن المهندس كالينكوس كان مقيائ في مدينة هليوبوليس المصرية (عين شمس الحالية)،
وتشير الدكتورة سعاد ماهر( )٢٣إلى أن المؤرخ جيبون يؤكد أن هذه النار من اختراع
أحد المصريين ،ويعتمد في ذلك على ما ورد عند المؤرخ جورج كدرنيوس من أن ائلينيكوس
المصرية( ٠ )٢٤ كان مصريا من مدينة هليوبوليس
ولكننا إذا أمعنا النظر لوجدنا أن هذه النار كانت سرا احتفظ به األباطرة البيزنطيين ،ولم
يعرف سر صناعتها سواهم ،وتسلحت به أساطيلهم ،سواء سفن العاصمة أو أساطيل األقاليم،
وال يفي وجود هذا السالح على بعض سفن أساطيل األقاليم أنها هشت بهذا اإلقليم ،فهناك
فرق بين أماكن وجود هذا السالح وبين أماكن تصنيعه ،خاصة أنه لديغا توصية من اثنين من
أباطرة الدولة البيزنطية؛ يوصون فيها بادال يسمح البيزنطيون بأن يشرب سر صناعة هذا
غير أنه يستشف من تلك التحذيرات ،أنه كانت هناك محاوالت من قبل األمم المجاورة
للدولة البيزنطية ،بأن يتعرفوا على سر صناعة هذه النار ،حتى اليكونوا أقل قوة من قوة
البحرية البيزنطية ،ومن بين تلك األمم كان المسلمون الذين فتكت بهم هذه النار مرتين
متتاليتين :األولى أثناء محاصرة معاوية بن أبي سفيان للقسطنطينية وهو حصار السنوات
الخمس (٥٩٠٥٤هلم٦٧٩ - ٦٧٤م ،والثانية أثناء محاصرة مسلمة بن عبدالملك بن مروان
للقسطنطينية عام ٩٩هلم٧١٧م(.)٢٧
وبالفعل ،وبرغم كل ما أحاط به حكام الدولة البيزنطية هذه النار بالسرية ،وإصدار
األوامر التي تحرم تصديرها إلى الدول المجاورة ،فإن المسلمين استطاعوا الوصول الس سر
صناعتها ،وقاموا بتطويرها بصورة جعلتها أكثر فتكا.
فقد وردت إشارة عند المؤرخ المغربي ابن ءذاري( ،)٢٨إلى أن أسطول األغالبة الذي
توجه إلى صقلية عام ٢٢٠هلمه٨٣م بأوامر من الحاكم األغلبي زيادة اللهبناألغلب(-٢٠١
٢٢٣ه٠لم٨٣٧-٨١٦م)( )٢٩وكان بقيادة إبراهيم بن عبدالله ،كان من بين سغنه حراقات،
٩١٢٠٨٨٦( 160م٣٠٠-٢٧٣/ل) الذي حذر في كقابه ( )25اإلمبراطور األول هو ليو السادس ٧،
تكتيكا ||)3أ€ا3آ من اإلباحة بسر صناعة النار البحرية ،كما فرض عقوبات صارمة على كل من
يمد البالد المعادية بالعتاد الحربي ،أما اإلمبراطور الثاني فهوقنسطنطين السابع
ا|٩~٩١٢( ٧ه ٩م٣٤٨-٢٩٩/د) الذي حذر هو اآلخر في كتابه إدارة اإلمبراطورية البيزنطية
الذي أهداه لولده ووفي عهده رومانوس الثاني ،حذر من تسريب سر صناعة النار السائلة إلى أي
دولة أخرى ،ومن يفعل ذلك يطرد من رحمة الكنيسة.
انظر :قسطنطين السابع :إدارة اإلمبراطورية البيزنطية ،ص٦٨؛ وسام فرج :النار اإلغريقية،
ص.١٤٦
( )26ستيفن رنسيمان :تاريخ الحضارة البيزنطية ،القاهرة ١٩٦١م ،ص١٨٢؛ السيد الباز العريني:
تاريخ الدوأل البيزنطية ،ص.٣٦٣
) 1997,ه0٢تك 0د6ا٠ا٦ا٦٣0اع 6ارآ05 :ا(1٦8٣ا6٠أءآ (٣ ع٦0٢ء٦0٢0$ : $ا(1>6،اال546*547; 1
;0٣٧, 9* 87أ$أا1
إبراهيم العدوي :األمويون والبزينطيون ،القاهرة ١٩٥٣م ،ص؛ ١٧٠-١٦؛ وسام فرج :العالقات
-بين اإلمبراطورية البيزنطية والدولة األموية ،اإلسكندرية ١٩٨١م ،ص.١٦١٠١٤٧
( )23البيان المغرب في أخبار االدلس والمغرب ،نشر كوالن بورفنسال ،د.ت ،ج ، ١صه ٠١٠٦— ١٠
(و )2زيادة الله بن األغلب :هو أبومحمد زيادة الله بن إبراهيم بن األغلب ،توفي والية .أفريقية في ذي
الحجة عام ٢٠١د /يونيه٨١٧ .م ،اشتهر يسفك الدماء والغلظة في معاملة.الجند ،,توش ض رجب
عام ٢٢٢هلم يونيه ٨٣٧م بعد أن حكم المغرب إحدى وعشرين عاائ .انظر :ابن عذاري؛ البيان
المغرب ،ج ،١ص١٠٧-٩٦؛ انظر أيفتا :محمد محمد زيتون :القيروان ودورها في الحشارة
١٢٣
فأصاب له الئصارى حراقة من مراكبه أ .والمعروف أن الحراقة كانت معدة لقذف ضار الحارقة،
ومعنى ذلك أن األغالبة استطاعوا اكتشاف سر صناعة هذه التار ،وطحوا بها أساطيلهم في فترة
العصور الوسطى اإلسالمية خاصة في القرنين الثالث والرابع الهجريين ا القاسع والعاشر
للميالد.
وهتا البد من ذكر أن أساطيل المسلمين في البحر المتوسط ،شان لها ثالث مراكز
رئيسية :المركز األول في شرق البحر المتوسعد ،وقواعده في كل من كريت ويالد الشام
ومصر ،والمركز الثاني في غرب البحر المتوسط ،وقواعده في االندلس ،في حين كان المركز
الثالث لهذا األسطول في وسط البحر المتوسط ،وقواعده في شمال أفريقية وصقلية بعد ذلك،
وهذا األسطول األخير هو الذي كانت تتواله دولة األغالبة.
ومن بين هذه األساطيل الثالثة؛ وصل أسطول األغالبة إلى سر صناعة ضار البحرية،
فكيف تم لهم ذلك ؟
إن األحداث السياسية ،التي عاصرت تلك الفترة ،هي القي ساعدت على معرفة األغالبة
سر صناعة النار البحرية ،ذلك أن القائد البيزنطي-أيفيميوس |(11011١108ال £الذي كان قائد
األسطول البيزنطي بصقلية (طرنجار 3٢108ج ،)1<٣00توجه إلى رادة الله بن االلب عام
٢١١د٨٢٦/م مستثجذا به(م.
فتروي المصادر التاريخية :أنه حدث خالف شديد بين أيغيميوس واإلمبراطور البيزنطي
العموري (٨٢٩-٨٢ .م/ه ٢١٤-٢٠هـل) إثر اختطاف األول إلحدى الراهبات ميخائيل شاتي
والزواج منها باإلكراه ،مما دفع اإلمبراطور إلى إصدار أوامراه الى قائد ثغر صقلية فوتينوس
1*1060108بالقبض على أيغيميوس وإحضاره إلى القسطنطينية-
غير أن أيغيميوس انتصر على القائد فوتينوس وأعلن نفسه إمبراطورا في صقلية ،لكئه
لم يستطع صمود أمام القائد البيزنطي ابالطها؛ كما تسميه المصادر اإلسالمية ،حيث أنزل
النجدة من زيادة الله بن األغلب ،واعدا.إياه بإيفميوس هزيمة كبيرة ،مما دفع األخير إلى طلب
ا بملك جزيرة صقلية ااأ أو على األقل يكو.ن تابتا له في صقلية ويدفع له جزية سنوية( ا.)٣
اإلسالمية ،القاهرة١٩٨٨.م ،ص-١٢٣ه .١٢ويقول الذهبي فه توفى عام ٢٢٣هـ٨٣٨/م ،شلر :
تأريخ اإلسالم ،بيروت ه ٢٠٠م ،ج ،٦ص٩ه.
) 0x101 ,6'01 1997,اءأ1٢00اء 00۴65501* : 1116ء|3118065.ه16اًا (1
انظر أيضا :فازيليف ،العرب والروم ،القابرة د.ت ،ص٦٨؛ السيد البأز العريني :تاريخ الدولة
البيزنطية ،ص.٢٧٣-٢٧٠
طرنجار 05أ3٢ج٢00ه :لقب حمله نائب قائد الثغر البحري 5الج6؛ 5 3وأطلق عليه كذلك ا
نائب.أمير.البجر .انظر :رنسيمان :الحضارة البيزنطية ،القاهرة ١٩٦١م،ص.١٧٧-١٧٦
( )31النويري :نهاية األرب في فنون األدب ،القاهرة ١٩٨٣م ،ج ،٢٤ص٤ه-٣هه٣؛ ابن األثير:
١٢٤
جاء هذا العرض على لهوى األغالبة ،الذين كانوا تواقين لتحقيق نصر بحري كيير يتيح
لهم السبطرة على جزر البحر المتوسط المواجهة لهم ،فقد سبق أن شنوا عدة إغارات عدى
صقلية لكن دون أن تحقق ذجلخا(٠)٣٢
ولذلك سارع زيادة الله إلى تلبية رغبة أيغيميوس عسى أن ينجح في بسط يده على
صقلية ،ووافقه في ذلك بض فقهاء وعلماء القيروان( ،)٣٣فتقرر بقاء أيغيميوس يسفنه في
ميناء سوسة حتى يتم إعداد الحملة المنشودة( .)٣٤لكن كيف يتسنى لألغالية التعب على
األسطول البيزنطي الرابض بصقلية ،وهو المعد إعدادا جيدا ،ومسلخا بالنار اإلغريقية ؟ ،كل
هذا جعل األغالبة يفكرون في ضرورة أن تضم سفنهم حراقات تقذف النار الحارقة.
الباحثين أن األغالبة استعانوا بمعلومات وخبرة القائد البحري (طرنجار ال يستبعد بعض
البحر) إيفيميوس افي كشف سر صناعة هذه الغار(ه ،)٣أثناء وجوده في ميناء سوسة منتظرا
إعداد الحملة التي وعده بها زيادة الله( ،)٣٦وبطبيعة الحال فإن حقد وكره إيفيميوس
لإلمبراطور البيزنطي ،ولمعظم القادة البيزنطيين في صقلية ،هوالذي دفع أيغيميوس إلى إفشاء
سر صناعة النار الحارقة ،وقبل ذلك االستعانة بالمسلمين(٠)٣٧
ودفع حرص األغالبة لمعرفة كافة التفاصيل عن صناعة النار البحرية ،أنهم أخذوا
يتصيدون حراقات البيزنطيين حاملة هذه النار ،أثناء المعارك البحرية ,التي نشبث بينهم وبين
الكامل -في التاريخ ،ج ،٦صه٣٣؛ انظر أيضائ :فازيليف :العرب والروم ،ص٠٦٩-٦٨
( )32النويري نهاية األرب في فنون األدب ،ج ،٢٤صهه٣؛ انظر أيضثا :حامد زيان :الحضارة
اإلسالمية بصقلية ،ص.١ ٨
( )33النويري :نهاية األرب في فنون األدب ،ج ،٢٤صهه٦-٣ه٣؛ وسر أيضائ :تقي الدين عباس
الدوري :صقلية عالقاتها بدول البحر المتوسط اإلسالمية ،العراق ١٩٨٠م ،ص .٤٨وعن
ادوامل التي ساعدت زيادة الله بن األغلب على غزوصقلية .انظر :حامدزيان :دراسات في
تاريخ العالم اإلسالمي ،القاهرة ٢٠١٠م ،ص.١٣٦
) 5ه (3 ٦6ااعا٧23٢ة؛0٣٧٠ي5ا٠ر>٧ :ا0٧٠٣5 ; 3. 183ا1950,
فازيليف :العرب والروم ،القاهرة د.ت ،ص.٧٢
سوسه :يقول عنها الحميري أنها من بالد أفريقية على ساحل البحر ،إليها تنسب الثياب ٠
الرقيقة السوسية ،ومنها ركب أسد بن القرات غازنا صقلية .انظر ن الروض المعطار في خبر
األقطار،لبذان*١٩٨م،ص.٣٣١
( )35السميد عبدالعزيز سالم ،أحمد مختار العبادي :تاريخ البحرية اإلسالمية ،بيروت ١٩٦٩م ،صه .١١
( )36البكري :جغرافية األندلس وأوربا ،نشر عبدالرحمن الحجي ،بيروت ١٩٦٨م؛ ابن األثير :
الكامل في التاريخ ،ج ،٦ص-٣٣٤ه.٣٣
) ; ٦ 1912,298ا0سئ ٢€,أ)3آل1ع 30د6٢0أ5٤0٢٧ 0۴ 635أااه 1( 8٧٣¥ :
السيد الباز العريني :الدولة البيزنطية ،بيروت ١٩٨٢م ،ص .٢٧١
١٢٥
البحرية البيزنطية ،بعد توجه اسد بن ضرات بمراكيه إليها( ،)٣٨ووفعه عام ٢١٣ه—٨٢٨/م
متأثرا بالوباء الذي تغشى في صقلية( ،)٣٩ثم مواصلة القادة المسلمين عمليات الفتح ،فيشير
مؤرخ ابن األثير الجزري ،إلى أنه في هام ٢٢ ٠ه/٠ه٨٣م ،بعد تولي أبو األغلب إبراهيم بن
عبداهـ أمر قيادة سيات السكرية في صقلية ،اشتبك مع أسطول بيزنطي في رمضان من هذا
العام (مايو ه ٨٣م) وانتصر عليه ،واستولى على معظم ما به من سفن ،وسن بينها حراقة
بيزنطية((*).
والشك في أن األغالبة استفادوا بما وجد على ظهر هذه الحراقة من آالت ومعدات لقذف
النار ،وذلك حتى يتم لهم الوقوف على كل أسرار هذه الصناعة.
وهكذا كان لألغالبة فضل السبق في كشف سر النار اإلغريقية الدي احتفظ بها
البيزنطيون أمذا طويال ،وأخذت الحرفات قاذفة النار تظهر في اسطول األغالدة منذ ذلك
الوقت( ،)٤١ومن هنا جاءت اإلشارة السابقة البن عذارى ،من أسر البيزنطيين إلحدى حراقات
األغالبة في أواخر .عام ٢٢٠ز/ه٨٣م(ى).
احتفظ األغالبة بسر صناعة النار الحارقة ،مثلما احتففن به البيزنطيون سابغا ،فإننا لم
نجد أحد صوص تشير إلى استخدام الحراقات قاذفة النار الحارقة في أي سن األساطيل
السالمية األخرى بالبحر المتوسط في تلك الفترة .واستمر ذلك حتى نل ففاطميون محل
األغالبة في حكم تونس ،والقضاء على دولتهم ،واستقرارهم في مدينة ا رقادة أ عاصمة
األغالبة عام ٢٩٧د٩١٠/م(٠)٤٣
أخذ الفاطميون بعد استقرارهم في إفريقية ،في سرف على النار الحارقة التي
استخدمها األغالبة ،وأثبتوا أنهم قادرون على تطوير هذا السالح ،وتفوقوا في ذلك تفوقا كبيرا،
لدرجة أنهم أحرزوا انتصارات بالغة على البحرية البيزنطية في موقعة المجاز ،عند مضيق
( )٥٥يشير البكري إلى أن عدد المراكب التي صحبت أسد بن الغرات سبعون مركبا ،انظر :جغرافية
االدلس واوربا ،ص٠٢٢٠
(ألأل) ابن االير :الكامل في التاريخ ،ج ،٦ص٠٣٣٦
( )٠٥الكامل في التاريخ ،ج ،٦ص.٣٣٩-٣٣٨
(م فازيليف :العرب والروم ،ص ٧٤-٧٢؛
٦ ٢٢١$1£*6, $1 297-299.ا3د ا6٢٢خ5 0 ٧ 0۴ 635اا٢٧ : ٨ 1ال8
( )٠2البيان المغرب ،س٠١ ٠ ٦
( )٠٥ابن االر ؛ الكامل في التاريخ ،ج ،٨ص٤٨؛ المقريزي :اتعاظ الحنفا بذكر الفاطميين الخلفا،
القاهرة بلبعة الذخائر ،د.ت،ج،١ص.٦٣
رقاذة :بلدة بإفريقية بينها وبين ألقيروان مسيرة أربعة أيام ،بثاها إبراهيم بن األغلب ،وجعل ا
بها قصورا عجيبة وبنى بها مسجدا ،واتخذها عاصمة له .انظر :ياقوت الحموي :معنم
البلدان ،بيروت ١٩٥٧م ،ج ،٣صهه.
١٢٦
سيئي عام ٤ه٣ه—/ه٩٦م ،وكان للحراقات الفاطمية دور كبير في هذا االنتصار(؛؛).
ويؤكد ابن خلدون أن البحرية الفاطمية ،تفوقت على األساطيل البيزنطية ،واستطاعتا أن
تفرض نفوذها على البحر المتوسط(ه؛) ،فقد تابع حكام هذه الدولة االهتمام باألسطول ،ومابه
من معدات ،خاصة بعد انتقالهم إلى مصر عام (٣٥٨هـ٩٦٩/م) فعمل المعز لدين الله الفاطمي
(٣٦٥ —٣٤١هـ —٩٥٢/ه٩٧م) على االهتمام باألسطول ،وععل على إنسا؛ السفن بمختلف
اواعها ،ومن بينها الحراقات ،ورصد لإلنفاق على ذلك األموال الطائلة( ؛) .فبلى دارا لصناعة
صفن بمصر بالمقى(٧؛) ،أ ولم نر مثلها في البدر على ميناء ا ،1وبنى بها ستمائة سفينة
حربيه؛) ،وإذا كان هذا األسطول اقد تعرض للحريق زمن خليفته العزيز بالله (-٣٦٥
٣٨٦هـ/ه٩٩٦-٩٧م) ؛ال أن الفاطميين استطاعوا خالل ثالثة أشهر فقط إعادة بناء هذا
األسطول مرة أخرى(؟؛).
والواقع أنه كان النتقال الفاطميين من المغرب إلى مصر ،واتخاذهم القاهرة عاصمة
لهم ،أثره في تطوير البحرية الفاطمية ،فالمعروف أن هصر قبل اإلسالم كانت مركزا لصناعة
السفن ،واستمر ذلك بعد الفتح اإلسالمي لها ،حيث اتخذها معاوية بن أبي سفيان دارا لصناعة
السفن ،واعتمد على البحارة المصريين في اسطوله الجديد .واشتهرت في مصر عدة أماكن
لصناعة السفن منها :جزيرة الروضة ،والقلزم (السويس) ،واإلسكندرية .كذلك عسل
الطولونيون على االهتمام بالبحرية اهتماما كبيزا( ٠ة) ،كما اهتم محمد ين شج األنشيد
باإلضافة إلى ذلك فإن نيل مصر .شهد وجود حراقات تقذف يالنار ،تعمل بالنغط ،مثلما
شاهدنا ذلك في نهر دجلة بالعراق ،وأخذت تلك الحراقات تجوب مياه النيل أثناء االحتفاالت
للنزهة والتنقل زمن الفاطميين( ٢ه)٠
غير أن اضطراب أمر األسطول المصري في أواخر الدوله الفاطمية ،وخاسة بعد أن
أقدم الوزير شاور على حرق عدد كبير من سفن األسطول ،خوفا سن مدك بيت المقدس
عموري األول (١١٧٤-١١٦٢م٨/هه٧٠-هه.زلم يقلل من أهمية األسطول الغاطمي(٣ه)٠
لم يقل اهتمام األيوبيون بأمر األسطول ،واستخدام سالح النار الحارقة ،عن اهتمام من
سبقهم من حكام ،لدرجة أن صالح الدين األيوبي ،أنشأ ديوانا خامائ باألسطول غرف باسم |)
ديوان األسطول^ ،وأوقف لإلنفاق عليه ما يرد من بعض البلدان(٤ه)٠
كذلك استفينم األيوبيون سالح النار الحارقة مثلما استخدمه الفاطميون من قبل ،وكائه
الحراريق قاذفة النار جزءا هانا في األسطول األيوبي ،فقد عدد ابن مماتي(هه) أنواع السفن
التي استخدمت في األسطول األيوبي فكان منها الحراقة(٦ه) ٠ويشير المقريزي أن الملك صالح
نجم الدين أيوب (٦٤٧-٦٣٦هلم١٢٤٩-١٢٣٩م) عندما وجه عام ٦٣٨هلم١٢٤٠محملة
بحرية إلى اليمن جهز بها * زردخاناه وشواني وحراريق اا(٧ه)٠
تكون ببرميل من القار ،ذات ذنب يقارب الرمح طوال ،وكان يصحبها صوت هائل كدوي الرعد،
وكأنها طائر في الجو ،تشع بنور كبير يكاد معه من بداخل المعسكر يرى كل شيء كافة في
وضح سهر .)٠٨
ويطق أحد الباحثين بقوله :إن إطالق النار اإلغريقية ال يصاحبه حدوث دوي كدوي
الرعد ،ولربما أطلق المصريون مدافع محشوة بالبارود مصاحبة إلطالق قذائف ضار اإلغريقية
إلحداث هلع وخوف في نفوس الغرذجة(٩ه).
ويصدق هذا الرأي إلى حد بعيد ،فإن جوانغيل ،ومن معه ،لم يكن لديهم حتى هذه الفترة
علم بسر صناعة النار الحارقة ،وال بكيفية عملها ،ولربما سمعوا عنها فقط عندما قدموا إلى
الشرق افي اشكل الحمالت الصليبية ،كما أشارت إلى ذلك المؤرخة آنا كومنينا( .)٦ ٠
وفي دراسة حديثة ،قام بها بعض الباحثين الشبان في التاريخ والكيمياء ،أثبتوا أن هذا
الدوي ناتج عن استخدام النفط وهو أحد عناصر النار الحارقة؛ عندما يتم تسخينه أثناء قذف
تلكضار(٠)٦١
هذا مع مالحظة أنه مع معرفة األيوبيين بسالح النار الحارقة ،إال أنهم استخدموه في
أضيق الحدود ،وفي حاالت الضرورة القصوى ،فلم يصادفنا في مختلف مصادر الصر األيوبي،
إشارات كثيرة توحي باستخدامها بصورة كبيرة أثناء المعارك البحرية الكثيرة التي داررحاها
على شواطئ مصر والشام ،أو في تلك الحمالت البحرية التي شنها األيوبيون على مختلف
الشام. المدن التي استولى عليها الفرنج بسواحل بالد
وإذا كانت البحرية األيوبية قد أهمل شأنها في الفترة التي عاصرت سقوط الدولة
األيوبية ،والتي انتهت بقيام دولة المماليك ،لدرجة ان األسطول أصبح مهمال ،وصار لفظ أ
أسطولي أ الذي يحمله من يحمل في األسطول ،من االلفاظ التي ينظر إليها بعين االحتقار،
لدرجة أن المقريزي ،ءمدة٠مؤرخي مصر في العصور الوسطى ،يقول إنه صارت الخدمة في
). األسطول عارا يسب به الرجال(
ويستخلص من النص السابق :أن السلطان الظاهر بيبرس اهتم بأمر األسطول وما به
السفن استخدمت في الحرب والتجارة ،وهي مأخوذة عن ( )62بطسة :وتنطق أيضا بطشة ،نوع من
األسبانية ،استعملها الفرنج ،كما عرفها المسلمون من خالل الحروب الصليبية .انظر :ابن واصل
:مفرج الكروب ،ج ،٢ص ٧٧هامش ١؛ درويش النخيلي :السفن اإلسالمية ،ص٠١٧~١٤
( )63ابن واصل :مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ،نشر :جمال الشيال ،القاهرة ١٩٥٧م ،ج،٢
ص.٣٣١
( )64ابن االير :الكامل في التاريخ ،-ج ،١٢ص٠٣٢٩
المرنة :نوع من السفن الكبيرة التي استخدمها الفرنج ،وهي مصفحة بالحديد حتى ال تؤثر ٠
فيها النار ،ويبدو أن الفرنج قاموا بتصنيعها لتقيهم شر النار االغريقية .انظر :ابن االير :
الكامل ،ج ،٢ص٣٢٤؛ ابن واصل :مفرج الكروب ،ج ،٣ص ٢٦٠هامش ٠١
( )65المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار ،ج ، ٢ص ٠١٩٤
( )66يقصد بها دار الصناعة بمصر ،وهي دار صناعة السفن التي كانت بساحل مصر القديمة ،وكانت
موضع دار خديجة بئت الفتح بن خاقان أنشأها محمد بن طغج األخشيد عام ه ٣٢هلم٩٣٧م،
واستمرت قائمة بممر حتى عام ٧٠٠ه—١٣٠١/م .انظر ة المقريزي :السواعظ واالعتبار،
ج،٢ص.١٩٦
( )67المقريزي :المواعظ واالعتبار ،ج ، ٢ص .١٩٤
١٣٠
من حراريق التي كانت جزءا هانتا في أسطوله ،لمواصلة محاربة الصليبيين ،تله الحراريق
التي كانت تعمل بالنار الحارقة التي احتفظ بسر صناعتها العصريون منذ أيام الفاطميين
واأليوبيين باإلضافة إلى تسليحها أبغتا بالنغط.
غير أننا ،منذ البدايات األولى لدولة المماليك ،الحظنا عدم توسع المماليك في استخدام
النار الحارقة فلم نعد نسمع عن تجهيز حراقات لقذف النار في المعارك البحرية التي خاض
غمارها المماليك ،وإن كانت تلك الحراريق قد انزوت لتعمل في مياه النيل ،في التنقل
واالحتفاالت.
فطى سبيل المثال :يذكر المؤرخ أبو الغدا أنه عندما عزم السلطان الظاهر بيبرس علس
غزو جزيرة قبرس ،عام ٦٦٩هلم١٢٧٠م ،أعد أسطوال تكون من عشر شواني ،ولما تحطمت
تلك الشواني على يد القبارسة في ميناء ليماسول (اليميسون) بقبرس أعد شواني أخرى(٠)٦٨
ولم يشر النص السابق إلى استخدام المماليك للحراقات أو النار الحارقة ،وإنما اعتمدوا
على الشواني .كذلك في عام ٧٠٢د١٣٠٣/م ،أثناء سلطنة الناصر محمد بن قالوون الثانية
(٧٠٨-٦٩٨هم١٣٠٨- ١٢٩٨م) عندما ازداد خطر القراصنة الفرنج الموجودين بجزيرة
أرواد( ،)٦٩حيث أخذوا يشنون منها هجماتهم على سفن المماليك المتجهة إلى ساحل الشام ،قام
األمير سيف الدين اطدمر الكرجي ،بتعمير عدة شواني ،سيرها إلى أرواد ،حث أنزلت عدة
هزائم بمن في هذه الجزيرة من االفرنج وخربوا أسوارها وفرضوا عليها نفوذهم( ٠)٧
مع مالحظة أنه وجدت ،في بعض األحيان ،داخل سالح البحرية المملوكية سفن ترسي
بالنغط وليس بالنار الحارقة ،وهناك فرق كبير كما سبقت اإلشارة بين استخدام النفط واستخدام
النار الحارقة -التار اإلغريقية -فقد أشار المقريزي إلى أنه في نفس العام أي عام
٧٠٢د١٣٠٣/م :أ جهزت الشواني بالعدد والسالح والتغطية واألزودة *( ،)٧١والحظ هنا أن
المقريزي لم يشر إلى وجود حراقات داخل األسطول المملوكي وهي المجهزة لقذف سار
الحارقة ،وإنما أشار فقط إلى وجود جماعة النفطية ،وهم الرجال الذين يقومون بتزويد هذه
كذلك في أواض دولة المماليك ،عندما عزم السلطان األشرف بريسباي(ه ٠٨٢
الطرائد واالبه ،)٧٣ولم ٨٤١هـ—ا ١٤٣٨- ١٤٢٢م) على غزو جزيرة قيرس ،أمر بتجهيز
نعد نسمع ض ذكر .لوجود حراقات في األسطول المملوكي,
وهكذا لم يعد المماليك يستخدمون النار االغريقية أو النار الحارقة ،واستبدلوا تركيب
تلك النار بألنغط الذي استخذموه في حراقاتهم العابرة لمياه النيل ،ومن ثم أخذ يظهر في
مصادر العصر المملوكي مصطلح النفطية ،وهم الرجال الذين يعملون على ظهر تلك الحراقات
ويقومون بتزويدها بقطع القماش المبللة بالنغط ،أو إلى أولئك هرجال هذين يعملون على ظهر
النفط في القتال البحري ،ويعود ذلك إلى أن المماليك آخذوا في الشواني حيث استخدم
االستفادة من آبار النفط هتي وضعوا أيديهم عليها بمنطقة البحر األسود وآذرييجان(*٠)٧
ونتيجة التوسع في استخدام النفط ،بدال من مركب النار اإلغريقية ،ظهرت فرقة جديدة
عصر المماليك البحرية أطلق عليها الزراقون ،وكانت تعمل على ظهور الحراقات يرمون
األعداء بالنار الحارقة بواسطة قدور النفط ،وشكلوا فرقة خاصة في األسطول المملوكي ،وكان
لتلك الغرقة قائد أطلق عليه ا مقدم الزراقون* ،ومن أشهر من تولى أمر هذه الغرقة األمير
سيف هدين كهرداس الزراق( حم
( )72راجع البحث الذي قام به كذ من طارق منصور ومحاسن الوقاد :النفط استخدامه وتطوره عند
المسلعين ٩٢٣-٦٤د١٧-٦٨٤/ه١م ،القاهرة ٢٠٠٦م٠
(ألإل) ابن تفري بردي :النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،القاهرة ١٩٧١م ،ج ،١٤ص.٢٧٦
وعن تفاصيل غزوبرسباي لجزيرة قبرس ،انطر :حامن زيان ة المماليك ،القاهرة ٢٠١١م،
ص.١٤٤-١٤٣
الطرائد :جمع ،والمفرد طريده ،وهي سفينة صغيرة سريعة الحركة ،أكثر ما كان يمل ٠
عليها الخيل .انظر درويش النخيلي :السفن الحربية ،ص٨٩؛ سعاد ماهر ة البحرية في
مصر اإلسالمية ،ص٣ه٤-٣ه.٣
استعملها األغربة :جمع ،والمغرد غراب ،وهو من المراكب البحرية شديدة الهاس، ٠
المسلمون والغرنج على السواء ،ومنه الصغير والكبير حسب عدد مجادينه ،ويقول اين
مماتي أنه يطلق عليها أيطائ اسم ٠شيني * ٠انظر قوانين الدواوين ،ص٣٤ ٠؛ انظر أيفتا;
درويش النخيلي :السفن اإلسالمية ،ص - ١ * ٤ه .١٠
( )74فاطمة حسن وقاد :دور األسطول المصري في الحروب الصليبية ،رسالة ماجستير ،آداب القاهرة
١٩٩٨م ،ص .٢١٧—٢١٦وعن تطور استخدام النفط عند المسلمين ،انظر :طارق منصور
ومحاسن الوقاد :النفط :استخدامه وتطوره عند المسلمين ٩٢٣~٦٤ه— ١٧—٦٨٤/ه ١م،
ص.١٧-١٢
( )75هو سيف الدين كهرداس المنصوري ،لعئق باسمه لقب الزراق فصار يقال له كرداس الزراق،
يقول عنه ابن حجر :ا كان ذكيا فطنا له عناية بالكتب العلمية أ ،تولى امر قيادة األسطول الذي
١٣٢
أما تلك النار الحارقة ،فقد اختفى استخدامها شيائ فشينا ،خاصة بعد اتساع استخدام
البارود في القرن التاسع الهجري ا الرايع عشر ألميالدي والخامس عشر للميالدي(٠)٧٦
توجه لغزو جزيرة أرواد عام ٧ * ٢د١٣٠٣/م ،توفى عام ٧١٤د١٣١٤/م ٠وجزيرة أرواد
تقع بالقرب من ساحل بالد الشام قبالة انطرطوس (طرطوس حاليا) .انظر :اليونيلي :ذيل مرآة
الزمان ،أبو ظبي ٢٠٠٧م ،ج ،٢ص ٦٨١؛ ابن حجر :الدرر الكامنة ،القاهرة د ت ،ج،٣
صه٦-٣٠ه.٣
(ج )7ستفين رنسيمان :الحضارة البيزنطية ،ص.١٨٣