Professional Documents
Culture Documents
ش رُوط ص ال ِة
ال ُجمُعة ،وتحدي ًدا ،العدد الذي تنعقد به ،والمكان الذي تقام فيه ،وه ل يش ترط له ا أن تص لى
في المسجد أم ال ؟
أما العدد الذي تنعقد به ،فق د أجم ع األئم ة على أن الجماع ة ش رط لص حة ص الة الجمع ة؛
لقوله -صلى هللا عليه وسلم :-
"الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة ،إال أربعة :عبد مملوك أو امرأة أو ص بي أو
مريض"؛ رواه أحمد وأبو داود عن طارق بن شهاب.
واشترط الشافعية والحنابلة إلقامة الجمعة أربعين رجالً ،وذهب اإلمام أبو حنيفة في األصح
عنه إلى اشتراط ثالثة رجال غير اإلمام ولو ك انوا مس افرين أو مرض ى ،واش ترط البعض
اث ني عش ر غ ير اإلم ام ،ويش رط فيهم أن ال يكون وا مس افرين وه و م ذهب المالكي ة في
المشهور عنهم.
ومن تأم ل الس نة الص ريحة ال واردة في ه ذا الب اب ،علم أن ه ليس هن اك نص ص ريح في
اشتراط عدد معين إلقامة الجمعة ،واألصل في الشريعة عدم االش تراط إال ب دليل من كت اب
أو سنة أو قياس صحيح؛
ففي الصحيحين من حديث عائشة.عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال" :فما بال
أقوام يشترطون ش روطا ً ليس ت في كت اب هللا! م ا ك ان من ش رط ليس في كت اب هللا -ع ز
وجل -فهو باطل ،وإن كان مائة شرط ،كتاب هللا أحق ،وشرط هللا أوثق" .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجمع ة تنعق د ب اثنين فص اعدا ،وه و ق ول أبي محم د بن
حزم ،والشوكاني ،واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية أنها تنعقد بثالثة رجال ،إمام ومس تمعين.،
هذا؛
وأقوى ما احتج به الجمهور على اشتراط العدد ما رواه أبو داود وابن ماج ه وغيرهم ا عن
كعب بن مالك ،أنه كان إذا سمع الن داء ي وم الجمع ة ت رحم ألس عد بن زرارة ،فقلت ل ه :إذا
سمعت النداء ترحمت ألسعد بن زرارة ،ق ال" :ألن ه أول من جم ع بن ا في ه زم الن بيت من
اض َة ،قلت :كم ِيع ْال َخ َ
ض َماتِ ،فِي َه ْز ٍم ِمنْ َح رَّ ِة َبنِي َب َي َ حرة بني بياضة في نقيع ،يقال لهَ :نق ِ
أنتم يومئذ ،قال :أربعون"،
وال يخفى أنها حكاية فعل ال يستفاد منها واجب وال شرط؛ كما هو مقرر في أصول الفقة.
قال أبو محمد بن حزم في "المحلى" ( )250 /3بعدما روى هذا الحديث" :وال حجة له في
هذا؛ ألن رسول هللا -ص لى هللا علي ه وس لم -لم يق ل :إن ه ال تج وز الجمع ة بأق ل من ه ذا
العدد ،نعم والجمعة واجبة بأربعين رجالً ،وبأكثر من أربعين ،وبأقل من أربعين؟!" .اهـ.
وقال أبو العباس شيخ اإلسالم ابن تيمية في "المستدرك على مجموع الفتاوى" ( ،)127 /3
واالختيارات (" :)86 /2وتنعقد الجمعة بثالثة ،واحد يخطب ،واثنان يستمعان ،وهو إحدى
الروايات عن أحمد ،وق ول طائف ة من العلم اء ،وق د يق ال بوجوبه ا على األربعين؛ ألن ه لم
يثبت وجوبه ا على من دونهم ،وتص ح ممن دونهم؛ ألن ه انتق ال إلى أعلى الفرض ين
كالمريض ،بخالف المسافر فإن فرضه ركعتان" .اهـ.
وهو تفصيل يليق بشيخ اإلس الم ،وينطب ق على أحوالن ا في يومن ا ه ذا ،أع نى أنه ا ال تجب
على من دون األربعين وإنما تشرع فقط فتأمله!
وق ال الش وكاني في "الس يل الج رار المت دفق على ح دائق األزه ار" (ص:)182 :
"...والحاصل أن صالة الجماعة قد صحت بواحد مع اإلمام ،وصالة الجمعة هي ص الة من
الصلوات ،فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعق د ب ه الجماع ة فعلي ه ال دليل ،وال دلي ل؛ وق د
عرفناك غير مرة أن الشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المش روط عن د انع دام
شرطه ،فإثب ات مث ل ه ذه الش روط بم ا ليس ب دليل أص الً ،فض الً عن أن يك ون دليالً على
الشرطية ،مجازفة بالغة ،وجرأة على التقول على هللا وعلى رسوله وعلى شريعته.
والعجب من كثرة األق وال في تق دير الع دد ح تى بلغت إلي خمس ة عش ر ق والً ،وليس على
شيء منها دليل يستدل به قط ،إال قول من قال إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعق د ب ه س ائر
الجماعات" .اهـ.
أما المكان الذي تقام فيه ،وهل يشترط لها أن تصلى في المسجد أم ال؟ ف ذهب المالكي ة إلى
أن المسجد شرط لوجوب صالة الجمعة ،وذهب جمهور األئمة المتبعين وغيرهم إلى ج وا ُز
أدا ِء ال ُجمُع ِة في أيّ مكان ،ولم يشترطوا إلقامتها أن تكون في المسجد ،وه و ال راجح؛ ألن ه
لم يرد ما يدل على اشتراط المسجد لصالة الجمعة.
ج اء في "المغ ني"( ..." :)246 /2ولن ا ،أن مص عب بن عم ير جم ع باألنص ار في ه زم
النبيت في نقيع الخضمات ،والنقيع :بطن من األرض يستنقع فيه الماء مدة ،فإذا نضب الماء
نبت الكأل".
شرع لها االجتماع والخطبة ،فجازت فيما يحت اج وقال أيضًا (" :)248 /2ولنا :أنها صالة ُ
إليه من المواضع ...قال أب و داود :س معت أحم د يق ول :أي ح د ك ان يق ام بالمدين ة ،ق دمها
مصعب بن عمير وهم مختبئون في دار ،فجمع بهم وهم أربعون" .اهـ .وق ال الش وكاني في
"الس يل الج رار"(ص )182 :متعق ًب ا ق ول ص احب "مختص ر األزه ار" (ومس جد في
أيض ا لم ي دل علي ه دلي ل يص لح للتمس ك ب ه لمج رد مس توطن)" :أق ول :وه ذا الش رط ً
االستحباب ،فضالً عن الشرطية ،ولقد كثر التالعب بهذه العب ادة وبل غ إلي ح د تقض ي من ه
العجب .والح ق أن ه ذه الجمع ة فريض ة من ف رائض هللا س بحانه ،وش عار من ش عارات
اإلس الم ،وص الة من الص لوات :-فمن زعم أن ه يعت بر فيه ا م ا ال يعت بر في غيره ا من
الصلوات ،لم يسمع منه ذلك إال بدليل وقد تخصص ت بالخطب ة ،وليس ت الخطب ة إال مج رد
موعظة يتواعظ بها عباد هللا ،فإذا لم يكن في المكان إال رجالن قام أحدهما يخطب واس تمع
له اآلخر ،ثم قأما فصليا صالة الجمعة" .اهـ.
وقال ابن رشد -المالكي -في "بداي ة المجته د ونهاي ة المقتص د" ( – )170 /1في مع رض
كالمه عن شروط الوجوب والص حة المختص ة بي وم الجمع ة " :-والس بب في اختالفهم في
اشتراط األحوال واألفعال المقترنة بها ،ه و ك ون بعض تل ك األح وال أش د مناس بة ألفع ال
الصالة من بعض ،ولذلك اتفقوا على اشتراط الجماعة ،إذ كان معلومًا من الشرع أنه ا ح ال
ً
شرطا في ذلك؛ لكون ه من األحوال الموجودة في الصالة ،ولم ير مالك المصر وال السلطان
شرطا؛ لكونه أقرب مناس بة ،ح تى لق د اختل ف ً غير مناسب ألحوال الصالة ،ورأى المسجد
المت أخرون من أص حابه ه ل من ش رط المس جد الس قف أم ال؟ وه ل من ش رطه أن تك ون
الجمعة راتبة فيه أم ال؟ وهذا كله تعمق في ه ذا الب اب ودين هللا يس ر! ولقائ ل أن يق ول :إن
هذه لو كانت شروطا ً في صحة الصالة ،لما ج از أن يس كت عنه ا الن بي -ص لى هللا علي ه
اس َم ا ُن ِّز َل ِإ َلي ِْه ْم}[النح ل ،]44:ولقول ه وسلم -وال أن يترك بيانها؛ لقوله تع الى{ :لِ ُت َبي َِّن لِل َّن ِ
ون} [النحل ."]64:اهـ .هذا؛ اخ َت َلفُوا فِي ِه َو ُه ًدى َو َرحْ َم ًة لِ َق ْو ٍم يُْؤ ِم ُن َ
تعالى{ :لِ ُت َبي َِّن َل ُه ُم الَّذِي ْ
وقد ظن البعض أن من لم تجب عليه صالة الجمعة للع ذر -مث ل ح ال المس لمين الي وم -ال
تقبل منه الجمعة إذا ص الها ،وه و كالم باط ل ال دلي ل علي ه ،ب ل ق ام ال دليل على خالف ه،
فالمرأة ال تجب عليها صالة الجمعة وإذا صلتها قبلت منها باإلجماع.
وقد نصّ األئمة على صحة ما ذكرناه؛
فقد جاء في كتاب "األم"( )218 /1لإلمام الشافعي " :ومن قلت ال جمعة عليه من األحرار
للعذر بالحبس ،أو غيره ومن النساء ،وغير البالغين ،والمماليك :-فإذا ش هد الجمع ة ص الها
ركعتين ،وإذا أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى ،وأجزأته عن الجمعة( :ق ال :الش افعي):
وإنما قيل ال جمع ة عليهم -وهللا تع الى أعلم -ال يحرج ون بترك ه" .اهـ .وج اء في "نهاي ة
المحتاج إلى شرح المنهاج" ( )287 /2في الفقه الشافعي(" :ومن صحت ظه ره) ،ممن ال
جمعة عليه( ،صحت جمعته) ،باإلجماع كالصبي والعبد والمرأة" .اهـ.
وكذلك نص اإلمام ابن قدامة في "المغني"( )253 /2على أن من لم تجب عليه الجمع ة إن
صالها أجزأته ،فق ال(":وإن حض روها أج زأتهم) ،يع ني تج زئهم الجمع ة عن الظه ر ،وال
نعلم في هذا خال ًفا؛
قال ابن المنذر أجمع كل من نحف ظ عن ه من أه ل العلم أن ال جمع ة على النس اء ،وأجمع وا
على أنهن إذا حضرن فصلين الجمع ة أن ذل ك يج زئ عنهن؛ ألن إس قاط الجمع ة للتخفي ف
عنهن ،فإذا تحملوا المشقة وصلوا ،أجزأهم ،كالمريض" .اهـ.
وق ال ش يخ اإلس الم في "مجم وع الفت اوى" (" :)166 /23وكم ا ال تجب الجمع ة على
المريض والمسافر والعبد ،وإن جاز له فعلها" .اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فيجوز أداء صالة الجمعة في المنازل في زمان األوبئة العامة ،والجمع ة وإن
كانت غير واجبة على المكلفين في المسجد لحف ظ النفس ،كم ا س بق بيان ه في فت وى" :حكم
ترك الجمع ة والجماع ة بس بب ف يروس كورون ا" ،إال أن ه يش رع أداؤه ا في الم نزل ألمن
العدوى،
والقول بعدم وجوبها ال ينافي صحتها لمن ص الها؛ كم ا س بق ذك ره من كالم األئم ة .ه ذا؛
وقد أطلت الكالم في تلك المسألة؛ لشدة الحاجة إليها ،ولبيان ضعف المخالف ،وإلظهار أن ه
ال تعارض بين عدم الوجوب من جهة وجواز الفع ل من جه ة أخ رى ،وللتنبي ه على بطالن
دعوى أن األحوط صالة الظهر خروجً ا من الخالف.
ومن تأمل كالم أكثر من انتدب لتلك النازلة ،وجد أن غرض القوم نصر المس ألة الحاض رة
بما أمكن من باطل أو حق ،وال يبالون بأن يهدموا ب ذلك أل ف مس ألة لهم ،ثم ال يب الون بع د
ذلك بإبطال ما صححوه في هذه المسألة إذا أخذوا في الكالم في أخرى؛ قال ه أب و محم د بن
حزم في كتابه "اإلحكام في أصول األحكام،،
وهللا أعلم.