You are on page 1of 76

‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .

‬ديسمبر ‪2022‬م‬

‫برعاية أمير منطقة الرياض المركز‬


‫وقع مذكرة تفاهم مع مجلس‬
‫شباب منطقة الرياض‬

‫التسامح‬
‫ركيزة لتعزيز التعايش‬
‫وتحقيق التنمية والتطور‬

‫المدنية ال يفرق بين‬


‫ّ‬ ‫أول دستور للدولة‬
‫وثيقة المدينة ّ‬
‫مواطنيها من حيث الدين أو العرق أو الجنس‬
kacnd www.kacnd.org
‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬
‫االفتتاحية‬
‫يطل علينا العدد التاســع واألربعون من جملة "احلوار" اليت‬
‫يصدرها مركــــز امللـــك عبد العزيز للحــــوار الـوطين‬
‫ال وثريًا مبجموعة من القضايا واملواضيع املتنوعة اليت‬‫حاف ً‬
‫تبلور رسالة املركز وأهدافه حنو تعزيز الرؤى والتصورات‬
‫احلواريــة املختلفة‪ ،‬مبا حيقق املصلحــة العامة ويعزز قيم‬
‫التعايش والتالحم ويقوي النسيج االجتماعي‪.‬‬ ‫مجلة فكرية ثقافية فصلية تصدر عن‬
‫ويتضمــن العــدد جمموعة ألبــرز الفعاليات الــي نفذها‬
‫مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني‬
‫املركــز خــال الفتــرة املاضية‪ ،‬ومنهــا تنظيمــه اللقاء‬
‫التعريفــي الثاين للمركــز الوطين الســتطالعات الرأي‬
‫لقاء تعريفيــً بالربنامج اإلعدادي‬ ‫رئيس مجلس األمناء‬
‫العــام‪ ،‬وأيضا تنظيمــه ً‬
‫لــرواد النقل واخلدمات اللوجســتية وكذلك مشــاركته‬ ‫د‪ .‬عبدالعزيز السبيل‬
‫يف حماضرة لطــاب الكلية التقنيــة بالقويعية‪ ،‬إضافة‬
‫إىل توقيعــه مذكــرة تفاهم مع جملس املنطقة الشــرقية‬ ‫نائب رئيس مجلس األمناء‬
‫للمسؤولية االجتماعية‪.‬‬ ‫األمين العام‬
‫ويف نــدوة العــدد اليت ســلط الضــوء خالهلا علــى جهود‬ ‫د‪ .‬عبدالله بن محمد الفوزان‬
‫اململكة يف ترسيخ التسامح وتعزيزه داخل املجتمع‪ ،‬وذلك‬
‫أمهية التســامح ودورة يف تعزيز السالم والتعايش وحتقيق‬ ‫أعضاء مجلس األمناء‬
‫التنمية والتطور‬ ‫د‪ .‬إحسان بن علي بوحليقة‬
‫عــاوة على ذلك‪ ،‬ســلّط العدد الضوء علــى وثيقة املدينة‬ ‫أ‪ .‬سعود بن عبدالرحمن الشمري‬
‫املنــورة ودورهــا يف إرســاء قيــم املواطنــة والتشــاركية‬ ‫د‪ .‬زهير بن فهد الحارثي‬
‫والتنــوع والتعدد‪ ،‬نظرًا الحتوائها على الكثري من املبادئ‬ ‫د‪ .‬محمد‏بن عبدالله العوين‬
‫ري يف تأســيس حيا ٍة‬
‫بشــكل كب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الدســتورية اليت تسهم‬
‫د‪ .‬غادة بنت غنيم الغنيم‬
‫مدنيــ ٍة حتكم بالقانــون‪ ،‬وحتترم مبدأ ســيادة القانون‪،‬‬
‫أ‪ .‬كوثر بنت موسى األربش‬
‫وتراعــي مجيــع اجلوانــب احلضارية واإلنســانية ومجيع‬
‫أ‪ .‬محمد بن عبدالله الشريف‬
‫مكونات املجتمع على خمتلف أطيافه‪.‬‬
‫د‪ .‬نعمان بن محمد كدوة‬
‫كما حيوي العدد جمموعة من التقارير أبرزها‪ :‬جوانب‬
‫د‪ .‬أفنان بنت عبدالله الشعيبي‬
‫التمكني االجتماعي للمرأة السعودية‪ ،‬وكذلك عرض‬
‫جتربــة التعايــش يف مدينــة كازان الروســية‪ ،‬وأيضا‬
‫دور الرياضــة يف تعزيــز التواصــل والتقريب الشــعوب‬ ‫نائب األمين العام‬
‫ببعضها ونشر قيم التسامح التعاون والتآخي بينهم ونبذ‬ ‫إبراهيم بن زايد العسيري‬
‫التعصب‪ ،‬إضافة إىل قــراءة يف كتاب "الصداقة قيمة‬
‫مدير التحرير المكلف‬
‫أخالقية جوهرية" ملؤلفه الدكتور ميشيل حنا متياس‪،‬‏‬
‫عبدالرحمن بن محمد القرني‬
‫عــاوة علــى ذلك يضــم العــدد جمموعة مــن املقاالت‬
‫‪magazine@kacnd.org‬‬
‫الرصينــة الــي شــارك يف إعدادها خنبــة من خمتلف‬ ‫‪00966 11 2665777 Ext 5027‬‬
‫األطياف الفكرية‪.‬‬
‫هيئة التحرير‬
‫علي العيسى ‪ -‬شحاتة اسماعيل ‪ -‬علي القرني‬
‫هيئة التحرير‬
‫اآلراء واألفكار الواردة في المجلة ال تعبر بالضرورة عن‬
‫رأي المجلة أو رأي المسؤولين فيها‬
‫‪3‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬
‫في هذا العدد‬

‫‪6‬‬
‫المركز يوقع مذكرة تفاهم مع مجلس‬
‫المنطقة للمسؤولية االجتماعية‬

‫‪11‬‬
‫اثنينية الحوار تسلّ ط الضوء على‬
‫أهمية تعزيز الهوية الوطنية لدى‬
‫النشء‬

‫‪14‬‬
‫انطالق برنامج توافق لتعزيز دور األسرة‬
‫في تحقيق التالحم الوطني باألحساء‬

‫المدنية ال‬
‫ّ‬ ‫أول دستور للدولة‬
‫وثيقة المدينة ّ‬
‫يفرق بين مواطنيها من حيث الدين أو العرق‬
‫أو الجنس‬
‫‪20‬‬
‫‪4‬‬
‫‪34‬‬
‫في يومه العالمي‪..‬‬
‫كيف يصبح التضامن اإلنساني واقعا؟‬

‫‪42‬‬
‫الرياضة‪ ..‬جسر للتواصل وتقريب‬
‫الشعوب وتوحيدها‬

‫‪64‬‬
‫اليوم العالمي للتسامح‪ ..‬تذكير‬
‫بإحالل ثقافة السالم ودعوة لنبذ‬
‫التعصب والكراهية‬

‫‪68‬‬
‫القيم االجتماعية‪ ..‬ركيزة أساسية من‬
‫ركائز األمن الثقافي‬

‫‪5‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫بحضور ورعاية أمير المنطقة الشرقية‬

‫أخــــــــبــــــــار الــــــحــــــوار‬
‫الــمــركــز يــوقــع مــذكــرة تــفــاهــم مــع مجلس‬
‫الــمــنــطــقــة لــلــمــســؤولــيــة االجــتــمــاعــيــة‬
‫برعايــة وحضور صاحب الســمو امللكي األمري ســعود بن نايف‬
‫بــن عبد العزيز أمري املنطقة الشــرقية الرئيــس الفخري ملجلس‬
‫املنطقة الشــرقية للمســؤولية االجتماعية (أبصر)‪ ،‬وقّع املركز‬
‫مؤخرًا مذكرة تفاهم مع جملس املنطقة الشــرقية للمســؤولية‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬حبضــور ســعادة الدكتور‪ /‬عبــد اهلل بن حممد‬
‫الفوزان األمني العام للمركز‪.‬‬
‫وهتــدف االتفاقية اليت وقّعها كل من ســعادة نائب األمني العام‬
‫للمركز األســتاذ‪ /‬إبراهيم بن زايد العســري‪ ،‬وصاحبة السمو‬
‫األمرية‪ /‬عبري بنت فيصل بن تركي رئيســة جملس أمناء املجلس‬
‫إىل تعزيز ثقافة احلوار وترســيخ قيم التالحم الوطين يف الداخل‬
‫بــن خمتلف أطياف املجتمع‪ ،‬إضافة إىل تطوير اجلهود التعاونية‬
‫املشتركة بني الطرفني‪ ،‬استنادا إىل أفضل املمارسات العاملية‪،‬‬
‫ومبا يتسم بالشــمولية واالســتدامة واجلدوى والقابلية للتنفيذ‪،‬‬
‫فضال عن بناء شراكات استراتيجية مع املؤسسات احلكومية‬
‫واخلاصة وغري الرحبية فيما يصب يف خدمة الفرد واملجتمع عرب‬
‫إطار تعاوين استراتيجي ممنهج‪.‬‬
‫وهبذه املناسبة‪ ،‬رفع سعادة األمني العام للمركز الدكتور‪ /‬عبد‬
‫اهلل الفــوزان جزيل الشــكر إىل صاحب الســمو امللكي األمري‬
‫ســعود بــن نايف بن عبد العزيــز أمري املنطقة الشــرقية الرئيس‬
‫الفخري ملجلس املنطقة الشــرقية للمسؤولية االجتماعية (أبصر)‬
‫علــى رعايته وحضوره حلفل توقيع هذه االتفاقية‪ ،‬معربا عن بالغ‬
‫للتعــاون‪ ،‬من بينها‪ :‬وضع مبــادئ توجيهية لربامج ثقافة احلوار‪،‬‬ ‫اعتزازه هبذه الشــراكة مع املجلس‪ ،‬الذي يعد أحد أبرز روافد‬
‫ويف مقدمتهــا االهتمام بربامــج التدريــب وورش العمل‪ ،‬والقيام‬ ‫تعزيز ومتكني ثقافة املســؤولية االجتماعيــة والعطاء التنموي‪،‬‬
‫بالعمل على تكامل الربامج النوعية املختلفة‪ ،‬وحتســن فاعلية‬ ‫مبا ينعكس إجيابا على خطط التنمية املستدامة باململكة‪.‬‬
‫املوجود منها‪ ،‬إضافة إىل تنفيذ برامج مشتركة تساهم يف تعزيز‬ ‫وأوضــح الفوزان أن املركز يرحب مبثل هــذه اخلطوات املهمة‬
‫التعايش والسالم املجتمعي‪ ،‬وإبراز املكتسبات الوطنية وحتسني‬ ‫الــي تتوافق مع جهوده يف دعم مشــاريع املســؤولية االجتماعية‬
‫صــورة املجتمع الســعودي والعمل على ذلك خــال اإلمكانات‬ ‫لتحقيــق رؤية اململكــة ‪ 2030‬للتنمية املســتدامة‪ ،‬مؤكدا أن‬
‫املتاحة لدى الطرفني‪.‬‬ ‫خاصا للمســؤولية االجتماعيــة‪ ،‬نظرا‬‫اهتمامــا ً‬
‫ً‬ ‫املركز يــويل‬
‫كما تنص بنود االتفاقية على إنشــاء قواعد معلومات مشتركة‬ ‫لدورها الكبري يف بناء واستقرار ومتاسك وتالحم املجتمع‪ ،‬وهو‬
‫حــول ثقافة احلوار والتســامح واالعتــدال والوســطية‪ ،‬وتبادل‬ ‫ما يتقاطع مع أهداف ورسالة املركز بنشر وترسيخ قيم التعايش‬
‫النشــرات واإلصــدارات العلميــة‪ ،‬فضــا عن إعــداد البحوث‬ ‫والتطــوع والتالحم بني كافة أطياف املجتمــع‪ ،‬منوها باجلهود‬
‫والدراسات االجتماعية ذات العالقة مبوضوع احلوار والتعايش‪،‬‬ ‫واملشــاريع واملبــادرات اليت يقدمهــا املجلس لتحقيــق التكامل‬
‫مــع حث اجلهات احلكومية واألهلية على املشــاركة يف نشــر‬ ‫وتوحيــد اجلهود بني القطاع احلكومــي واخلاص وغري الرحبي‬
‫قيم التعايش واالعتدال بني كافة شرائح املجتمع‪ ،‬ودعم اجلهود‬ ‫‪ ،‬معربــا عن أمله بــأن تتم ترمجة ما جاء يف تلــك االتفاقية إىل‬
‫يف هذا املجال‪ ،‬إضافة إىل إقامة مســابقات ثقافية واملشــاركة‬ ‫خمرجــات متميزة‪ ،‬مبــا يواكب طموحاتنــا يف حتقيق األفضل‬
‫يف إقامة املعــارض واملحاضرات التثقيفية واإلرشــادية واملقاهي‬ ‫بعطاء مستمر وعمل جاد‪.‬‬
‫احلوارية والربامج اليت تسهم يف تعزيز النسيج املجتمعي‪.‬‬ ‫وتتضمــن االتفاقيــة اليت متتد لثالث ســنوات جمــاالت متعددة‬

‫‪6‬‬
‫برعاية أمير منطقة الرياض‬

‫الــــمــــركــــز يــــوقــــع مـــــذكـــــرة تـــفـــاهـــم مــع‬


‫مـــجـــلـــس شـــــبـــــاب مـــنـــطـــقـــة الـــــريـــــاض‬
‫رعــى صاحــب الســمو امللكــي األمري‬
‫فيصــل بــن بنــدر بــن عبدالعزيــز أمري‬
‫منطقة الرياض يف قصر احلكم مؤخرًا‬
‫توقيــع مذكــريت تفاهــم بــن جملس‬
‫شــباب منطقــة الرياض ومركــز امللك‬
‫عبدالعزيــز للحــوار الوطــي واملركــز‬
‫الوطــي لتعزيــز الصحــة النفســية‪.‬‬
‫وتضمنــت االتفاقيــات إقامــة عــدد من‬
‫النشــاطات والربامج يف جماالت الشباب‬
‫وتعزيــز التعاون يف البحوث والدراســات‬
‫العلميــة املشــتركة والتواصــل الفعال‬
‫يف ســبيل حتقيــق األهــداف املنشــودة بــن عبدالرمحــن القحيز واألمــن العام حضر حفل توقيــع املذكرتني أمني عام‬
‫للتطويــر مــن الشــباب والشــابات ملركز امللــك عبدالعزيز للحوار الوطين جملس املنطقــة بإمارة الريــاض علوش‬
‫يف املنطقــة فكريــً واجتماعيــً‪ .‬الدكتــور عبــداهلل بن حممــد الفوزان بن فارس الســبيعي ورئيس جملس أمناء‬
‫ومثــل توقيع االتفاقيات أمني عام جملس ومدير عام املركز الوطين لتعزيز الصحة مركز امللــك عبدالعزيز للحوار الوطين‬
‫شــباب منطقة الرياض الدكتور حممد النفســية الدكتور عبداحلميد احلبيب‪ .‬الدكتور عبدالعزيز السبيل‪.‬‬

‫ســـمـــو نــــائــــب أمــــيــــر نـــــجـــــران يــتــســلّ ــم‬


‫تــقــريــرا ألعـــمـــال فـــرع الــمــركــز بالمنطقة‬ ‫ً‬
‫نوه صاحب الســمو امللكي األمري تركي‬ ‫ّ‬
‫بن هذلول بن عبد العزيز نائب أمري منطقة‬
‫جنران جبهود فــرع املركز باملنطقة‪ ،‬وما‬
‫يقوم بــه من مبادرات وفعاليات تســهم يف‬
‫تنميــة ثقافة احلــوار ليجعل منها أســلوبًا‬
‫للحيــاة‪ .‬جــاء ذلك خــال لقــاء مسوه يف‬
‫مكتبه بديــوان اإلمارة مؤخرا مبدير عام‬
‫فــرع املركــز مبنطقــة جنران راشــد بن‬
‫حممد آل منجم‪.‬‬
‫وتسلّم مسو نائب أمري منطقة جنران تقريرًا‬
‫عن أعمال الفرع‪ ،‬وما حققه خالل الفترة‬
‫املاضية‪ ،‬اشــتمل على مــا نفذ من دورات تنظيم ملتقى "شرورة تستاهل" مبشاركة أهداف رؤيــة اململكة ‪ ،2030‬من خالل‬
‫تدريبيــة يف تنميــة مهــارات االتصال يف جامعــة جنــران وإدارة التعليــم باملنطقة‪ ،‬التأكيــد علــى أمهية احلوار ومناقشــة‬
‫احلوار بالتعاون مع املديرية العامة للشؤون واألعمــال واألنشــطة والفعاليــات الــي القضايــا املهمــة على املســتوى الوطين‪،‬‬
‫الصحية مبنطقة جنران‪ ،‬ومشاركة الفرع نفذها املركز‪ ،‬حتقيقــً لرؤيته وأهدافه وصــو ًال إىل حتقيــق التعايــش املجتمعــي‬
‫يف املناسبات العامة والوطنية‪ ،‬إضاف ًة إىل بتعزيز قيم التالحم الوطين‪ ،‬انسجامًا مع والنهوض باملجتمع‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫يهدف إلى التعريف بمنهجية وأعمال مركز رأي‬

‫أخــــــــبــــــــار الــــــحــــــوار‬
‫المركز ينظم اللقاء التعريفي الثاني‬
‫للمركز الوطني الستطالعات الرأي العام‬

‫الفوزان‪ :‬مركز رأي هو أحد الوسائل لدعم صنّ اع القرار‬


‫وتعزيز روح التكامل والشراكة مع األجهزة الحكومية‬
‫ومــؤســســات المجتمع الــمــدنــي والــقــطــاع الــخــاص‬
‫إحدى وســائل مركــز احلوار الوطين لدعــم ص ّناع القرار‪،‬‬ ‫نظم املركز مؤخرًا مبقره‏يف الرياض اللقاء التعريفي الثاين‬
‫تعزيزًا لروح التكامل والشــراكة مــع األجهزة احلكومية‬ ‫للمركز الوطين الســتطالعات الرأي العام (رأي)‪ ،‬حبضور‬
‫ومؤسســات املجتمــع املدين ومؤسســات القطــاع اخلاص‪،‬‬ ‫األمــن العام للمركز الدكتور عبداهلل الفوزان وممثلني من‬
‫وذلــك عرب التفاعل مع برامج وخطط ومشــروعات املركز‪،‬‬ ‫كافة اجلهات املشاركة‪.‬‬
‫والــي نرجو أن تليب رؤى وتطلعات والة أمرنا يف حتقيق رؤية‬ ‫ويســعى املركــز من خالل تنظيــم هذا اللقــاء إىل التعريف‬
‫الســعودية ‪ 2030‬اليت يقودها صاحب السمو امللكي األمري‬ ‫مبنهجية وأعمال مركز رأي وسبل تطوير التعاون والشراكات‬
‫حممــد بن ســلمان بــن عبدالعزيز ويل العهــد رئيس جملس‬ ‫مع األجهزة احلكومية ومؤسســات املجتمع املدين وكذلك‬
‫الوزراء‪ ،‬حتت رعاية خادم احلرمني الشــريفني امللك سلمان‬ ‫مؤسسات القطاع اخلاص يف جمال استطالعات الرأي العام‪.‬‬
‫بن عبد العزيز حفظهما اهلل‪.‬‬ ‫ويف بداية اللقاء‪ ،‬رحب سعادة األمني العام للمركز الدكتور‬
‫وأوضــح الفوزان أن مركز رأي يعد أول مركز يف اململكة‬ ‫عبــد اهلل بــن حممد الفــوزان باحلضور من ممثلــي األجهزة‬
‫معتمد رمسيًا يف إعداد وتنفيذ استطالعات الرأي العام واليت‬ ‫احلكومية ومؤسســات املجتمع املدين ومؤسســات القطاع‬
‫تســهم يف رســم السياســات والتوجهات للجهات املشاركة‬ ‫اخلاص والشخصيات العامة واإلعالميني‪.‬‬
‫وقياس نبض الشــارع يف موضوعــات معينة من خالل النتائج‬ ‫وقــال الفوزان‪" :‬أتقدم لكم بالشــكر على مشــاركتنا يف‬
‫املحايــدة واملوثوقــة اليت يتم الوصــول إليها بالطــرق الفنية‬ ‫ثاين لقاءاتنا الذي نســلط خالله الضوء على أعمال ومنهجية‬
‫واملنهجيــة العلمية اليت تتفق مع أفضل املمارســات العاملية‪،‬‬ ‫املركــز الوطــي الســتطالعات الــرأي العــام (رأي) وهــو‬

‫‪8‬‬
‫مــــركــــز رأي يـــســـهـــم فـــــي صـــنـــع الـــســـيـــاســـات‬
‫والــــقــــرارات الــحــكــومــيــة مـــن خـــال االســتــطــاعــات‬
‫بتكليف من مركز امللك عبدالعزيز للحوار الوطين"‪.‬‬ ‫وباالعتماد علــى تقنيات متطورة يف هذا املجال‪ ،‬وبإشــراف‬
‫هــذا وشــهد اللقــاء عرضــاً مرئيًا بــن خالل األمــن العام‬ ‫خــرات وطنية متخصصة ‪ ،% 100‬وجلنة من اخلرباء وفريق‬
‫للمركــز أن اســتطالعات الرأي العام الــي ينفذها مركز‬ ‫عمل متخصص يف مجع املعلومات وحتليلها‪.‬‬
‫"رأي" تقــوم وفق منهجية علمية هتدف إىل الوصول إىل أفراد‬ ‫وبين أن مركز رأي يعتمد يف إجراء استطالعات الرأي العام‬‫ّ‬
‫املجتمــع هبدف التعرف علــى اآلراء والتصورات واالجتاهات‬ ‫على منهجية عمل تقوم على توافر مركز اتصال هاتفي يعمل‬
‫واألفــكار وردة الفعــل ووجهات النظر جتــاه موضوع حمدد‬ ‫وفق أفضــل تقنيات االتصاالت واملعلومــات وهو يضم نظاما‬
‫واملعــارف واملشــاعر واالهتمامــات واالحــكام‪ ،‬مبينــً أن‬ ‫إلكترونيــا مطورا ألغراض االســتطالعات‪ ،‬يتم من خالله‬
‫موضوعات االســتطالعات تشــمل القضايا العامة والصورة‬ ‫إجراء االتصاالت ومجع البيانات خالل فترات زمنية قصرية‪،‬‬
‫الذهنية واإلخبارية وقياس رضا العمالء‪.‬‬ ‫وكل ذلك يتم بإشراف فريق من الكفاءات الوطنية‪.‬‬
‫يذكــر أن مركز "رأي " يقــوم باملراجعة الداخلية من خالل‬ ‫وقــال الفــوزان‪" :‬منذ انطالقته قبل عشــرة أعــوام‪ ،‬أصبح‬
‫فريــق علمي يضــم جمموعة مــن األكادمييني الســعوديني‬ ‫مركز رأي بيت خربة متخصصا يف جمال استطالعات الرأي‬
‫املتخصصني يف عــدة جماالت حبثية ملراجعــة مجيع مراحل‬ ‫كونــه جهة مســتقلة تعد ضمن مؤسســات املجتمع املدين‪،‬‬
‫وإجراءات االســتطالع علميًا وإحصائيــً وفنيا والتأكد من‬ ‫واليت يســلط الضوء فيها على خمتلــف القضايا االجتماعية‬
‫دقة االستطالع‪.‬‬ ‫واالقتصادية والتربوية وغريها"‪ ،‬مضيفا‪" :‬أنه وهلل احلمد حقق‬
‫املركز تقدمًا يف مؤشرات األداء حيث بلغ عدد استطالعات‬
‫وهتــدف االســتطالعات الــي جيريهــا املركــز إىل دعــم‬
‫الــرأي العــام الــي نفذها ز منذ تأسيســه أكثــر من ‪300‬‬
‫صناع القرار وتعزيز مشــاركة املواطن يف صنع السياســات‬
‫اســتطالعًا استفادت منها أكثر من ‪ 70‬جهة‪ ،‬فيما بلغ عدد‬
‫والقــرارات احلكومية‪ ،‬وتعزيز قنــوات االتصال بني أفراد‬
‫املواطنني املشاركني يف االستطالعات املنفذة حىت منتصف‬
‫املجتمــع واألجهزة احلكومية ومؤسســات املجتمع املدين‪،‬‬
‫أكتوبــر اجلــاري أكثر مــن ‪ 400‬ألف مبحــوث‪ ،‬تنوعت‬
‫وتقــدمي نتائــج وتقارير علميــة موثقة حول قضايــا املجتمع‬
‫بــن القطاع العام واخلــاص‪ ،‬وتناولت العديــد من املواضيع‬
‫املختلفــة‪ ،‬واإلســهام يف دعــم وتطوير وحتســن اخلدمات‬
‫والقضايا الوطنية اهلامة‪ ،‬هذا عدا عن االستطالعات العامة‬
‫احلكومية‪.‬‬
‫اليت هتتم بالقضايا العامة للمجتمع واليت جيريها مركز رأي‬

‫‪9‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫خالل مشاركته في محاضرة لطالب الكلية التقنية بالقويعية‬

‫أخــــــــبــــــــار الــــــحــــــوار‬
‫األمين العام للمركز‪ :‬المملكة تؤمن بقدرات الشباب وتدرك‬
‫حاجتهم للدعم والتمكين للقيام بدورهم في تحقيق التنمية‬

‫وتطرق الفوزان إىل اجلهود الوطنية املشــرفة إلعداد الشباب‬ ‫أوضح ســعادة األمني العام للمركــز الدكتور‪ /‬عبداهلل بن‬
‫من خالل توفري التعليــم والتخصصات املتنوعة اليت تواكب‬ ‫حممــد الفــوزان‪ ،‬أن اململكة تؤمــن بقدرات شــباهبا على‬
‫العصــر وتلــي احتياجات ســوق العمل وتتوافق مــع قدرات‬ ‫إحــداث التغيري اإلجيــايب‪ ،‬والنهوض باملجتمــع إىل مصاف‬
‫الشــباب وتطلعاهتم املســتقبلية‪ ،‬الفتًا إىل أن اململكة متنح‬ ‫املجتمعــات الرائدة‪ ،‬كمــا تدرك حاجتهــم القصوى للدعم‬
‫مكافآت مادية للتشــجيع على التعليم وتوفري مســتلزماته‪،‬‬ ‫وللتمكني وتنمية مهاراهتم للقيام بدورهم املأمول واإلســهام‬
‫كما أهنــا وفرت مراكــز التدريب املجانيــة يف اجلامعات‬ ‫َلص ُعد‪.‬‬
‫يف حتقيق التنمية املستدامة على كافة ا ُّ‬
‫واملعاهد‪.‬‬ ‫وأضــاف الفــوزان خــال مشــاركته يف حماضــرة لطالب‬
‫وأضاف الفوزان‪" :‬كما أن للمواطنة حقوقا فلها واجبات ومن‬ ‫الكلية التقنية بالقويعية‪ ،‬حتت عنوان‪" :‬الشــباب واملسؤولية‬
‫أمهها صدق االنتماء للوطن‪ ،‬فالوطنية ال تكون بالقول بقدر‬ ‫الوطنية"‪ ،‬أن الشــباب ميثل الركيزة األساســية يف املجتمع‬
‫ما تكون بالفعل‪ ،‬كما تتطلب اإلخالص يف العمل والصدق‬ ‫وهم من يبين احلاضر ويصنع املســتقبل‪ ،‬كما أهنم حمرك‬
‫يف التعامل‪ ،‬وااللتزام بقوانني الدولة وتشــريعاهتا وأنظمتها‪،‬‬ ‫أساسي للتنمية املستدامة وأحد أهم قضايا التركيز يف رؤية‬
‫واملشــاركة الفاعلة يف تنمية املجتمــع وهنضته‪ ،‬وتعزيز قيم‬ ‫اململكة ‪.2030‬‬
‫التســامح والتعايش والتعاون يف ضوء حتقيق التالحم الوطين‬ ‫ولفت إىل أن هناك مســؤوليات تقع على كاهل الشباب جتاه‬
‫وتعزيز التنمية املســتدامة‪ ،‬وكذلك دعم الدولة ومساندهتا‬ ‫وطنهم‪ ،‬وعليهم تعقد اآلمــال ليكونوا حاملني لثقافة جتمع‬
‫والتعبري عن الوالء واالنتماء يف مجيع األحوال"‪.‬‬ ‫ما بني مواكبة العصر يف علومه وفنونه‪ ،‬وما خلفه أســافنا‬
‫وذكر األمني العام للمركز أن الشباب يف مجيع املجتمعات‬ ‫من ثقافة إســامية ومعارف عربية ومــا يتحلى به من مبادئ‬
‫اإلنسانية ميرون بتحديات عدة والشباب يف اململكة يواجهون‬ ‫وأخالق‪.‬‬
‫بعض تلك التحديات واليت تتمثل يف توفري فرص عمل تتناسب‬ ‫وأشــار إىل أن مفهوم الوطنية منســجم مع الفطرة واإلســام‬
‫مــع ختصصاهتــم وتوائــم قدراهتــم املعرفيــة وإمكاناهتم‬ ‫كون اململكة مهبط الوحي وقبلة املســلمني ومنطلق رسالة‬
‫املهارية‪ ،‬وتلبية احتياجات ســوق العمــل اليت تتطلب مهارات‬ ‫اإلســام الســمحة‪ ،‬والوطنية تعين حب الشخص وإخالصه‬
‫نوعية تواكب مستجدات العصر‪ ،‬والتأسيس حلياة مستقرة‬ ‫لوطنــه وهي تشــمل االنتمــاء إىل األرض والنــاس والعادات‬
‫كالزواج واملسكن وغريها من التحديات‪.‬‬ ‫والتقاليد والفخر بالتاريخ‪ ،‬والتفاين يف خدمة الوطن‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫اثنينية الــحــوار تسلّ ط الــضــوء على أهمية‬
‫تــعــزيــز الـــهـــويـــة الــوطــنــيــة لــــدى الــنــشء‬
‫نظــم املركــز مؤخــرًا مبقــره يف الرياض‬
‫"اثنينيــة احلوار" حتت عنــوان‪" :‬تعزيز اهلوية‬
‫الوطنيــة لــدى النــشء"‪ ،‬حبضــور كل من‬
‫األكادمييــة والباحثــة يف أدب الطفــل‬
‫الدكتــورة‪ /‬وفــاء بنــت إبراهيم الســبيل‪،‬‬
‫واألكادمييــة وكاتبــة الــرأي الدكتورة‪/‬‬
‫نادية بنت عبد اهلل الشهراين‪.‬‬
‫وتنــاول اللقــاء الــذي أداره مديــر اإلعــام‬
‫واالتصــال باملركــز األســتاذ‪ /‬إبراهيم بن‬
‫ســعود احلوتان عــدة حماور أمههــا مفهوم‬
‫نادية الشهراني‪:‬‬ ‫وفـــــاء الــســبــيــل‪:‬‬ ‫اهلويــة الوطنيــة ومكوناتــه‪ ،‬وأمهية دعم‬
‫الشــعور بالوطنية للمحافظة على اســتقرار‬
‫المؤثرات الخارجية‬ ‫الـــهـــويـــة الــســعــوديــة‬ ‫املجتمــع‪ ،‬مبــا يســهم يف محايــة النســيج‬
‫كاإلعالم والمجتمع‬ ‫تتكامل مع مبادئ الدين‬ ‫املجتمــع‪ ،‬والطــرق واألســاليب التربويــة‬
‫الــمــدرســي تشكل‬ ‫اإلسالمي السمح لبناء‬ ‫لدعم الشــعور بالوطنية لدى النشء ومبادئ‬
‫رؤيــة اململكــة يف تعزيــز اهلويــة الوطنية‬
‫هـــــويـــــة األبـــــنـــــاء‬ ‫مجتمع يــعــتــز بهويته‬ ‫لــدى النشء‪ ،‬إضافة إىل أمهية الشــراكة‬
‫الوطنية‬ ‫الوطنية‬ ‫والتكامــل املؤسســي واملجتمعــي لدعــم‬
‫الشــعور باهلوية الوطنية واملحافظة عليها يف‬
‫والعريب واإلسالمي وتدرك أمهية املحافظة‬ ‫خالل غرس السلوكيات واملمارسات العملية‬ ‫ظل املتغريات احلديثة‪.‬‬
‫عليه لتعزيز اهلوية الوطنية‪.‬‬ ‫الدالة على حب الوطن واالنتماء له‪ ،‬موضحة‬ ‫واســتهلت الدكتــورة‪ /‬وفاء الســبيل اللقاء‬
‫وحذرت الشــهراين من املؤثــرات اخلارجية‬ ‫أن األســرة املستقرة هي اليت تشبع حاجات‬ ‫بتعريــف مفهــوم اهلوية الوطنيــة والصفات‬
‫كاإلعــام واملجتمع املدرســي يف حال عدم‬ ‫الطفل وتعد عامال مهما من عوامل ســعادته‬ ‫والســمات الــي يتميز هبا الفــرد وتعرب عن‬
‫وجــود الوعــي الــكايف يف تشــكيل هوية‬ ‫واتزانه وتكامل شــخصيته‪ ،‬ومن مث قدرته‬ ‫شــخصيته وانتمائــه واعتــزازه‪ ،‬مبينة أهنا‬
‫األبناء‪ ،‬مشــددة على أمهية تكامل اجلهود‬ ‫على التفاعل بشكل إجيايب مع املجتمع‪.‬‬ ‫الصــورة اليت تعكــس معتقداتــه وعاداته‬
‫بــن مجيع املؤسســات واهليئــات يف حتقيق‬ ‫فيمــا أكدت الدكتورة‪ /‬نادية الشــهراين‬ ‫واجتاهاتــه وفكــره وقيمــه‪ ،‬موضحــة أن‬
‫اهلدف املطلوب وهــو تعزيز اهلوية الوطنية‪،‬‬ ‫أمهيــة تعزيــز اهلويــة الوطنيــة يف مرحلــة‬ ‫املقصــود باهلوية الوطنية هــي جمموعة من‬
‫معتربة أن التعليم له دور هام يف تربية النشء‬ ‫التنشــئة مــع التركيز على اهلويــة الوطنية‬ ‫العــادات إضافــة اىل اللغة والتاريــخ والقيم‬
‫وغــرس القيم الوطنية منذ الســنوات األوىل‬ ‫الســعودية ومكامن قوهتا‪ ،‬الفتة إىل الدور‬ ‫والديــن واألشــياء املاديــة املشــتركة اليت‬
‫لتكريس الثوابت الوطنية وترسيخ ودعائمها‬ ‫الذي تنهــض به املناهــج التعليمية يف تعزيز‬ ‫تكون مصدرا للوفاق والتضامن االجتماعي‬
‫األساسية‪.‬‬ ‫اهلويــة الوطنية لــدى النشء يف ضــوء رؤية‬ ‫بني األفراد‪.‬‬
‫وحظــي اللقــاء بالعديــد مــن املداخــات‬ ‫السعودية ‪.2030‬‬ ‫واعتربت السبيل أن اهلوية السعودية تتكامل‬
‫واملقترحات من املشــاركني واملشــاركات‬ ‫واســتعرضت الشــهراين مشــروع تعزيــز‬ ‫مع مبادئ الدين اإلســامي السمح‪ ،‬مشرية‬
‫الذيــن أكــدوا على ضــرورة تعزيــز اهلوية‬ ‫الشخصية الســعودية كأحد برامج الرؤية‬ ‫إىل أمهيــة مشــاركة مؤسســات املجتمــع‬
‫والثقافة الوطنية بنقل املفاهيم للطفل‪ ،‬وبث‬ ‫من خــال إعداد جمتمع حيــوي لتؤكد أن‬ ‫املدين كفاعل أساسي إىل جانب التعليم يف‬
‫الوعي فيه بتاريــخ وطنه وإجنازاته‪ ،‬وتثقيفه‬ ‫الثــروة احلقيقية للوطــن تكمن يف املجتمع‬ ‫بناء جمتمع املواطنة وتكوين اهلوية وحتقيق‬
‫باألمهيــة اجلغرافيــة واالقتصادية للوطن‪،‬‬ ‫بأفــراده املمثلــن للهويــة الوطنيــة بعمقها‬ ‫األمن وبناء جمتمع يعتز هبويته الوطنية‪.‬‬
‫إىل جانب تعويده على العمل املشــترك وحب‬ ‫العريب اإلسالمي واحلضاري‪ ،‬ولتؤكد أننا‬ ‫وأشــارت إىل أمهيــة دور األســرة يف تنمية‬
‫العمل خلدمة وطنه‪.‬‬ ‫نفتخر بإرثنــا الثقايف والتارخيي الســعودي‬ ‫روح الوطنيــة واملواطنة يف نفوس أطفاهلا من‬

‫‪11‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫خالل لقاء حواري أقامه بمنطقة جازان‬

‫أخــــــــبــــــــار الــــــحــــــوار‬
‫المركز يستعرض جوانب التمكين‬
‫االجتماعي للمرأة السعودية‬

‫لقــاء حواريًا يف‬


‫ً‬ ‫أقــام املركز مؤخــرًا‬
‫منطقــة جازان حتت عنــوان "التمكني‬
‫االجتماعي للمرأة السعودية"‪ ،‬مبشاركة‬
‫املستشارة التربوية الدكتورة‪ /‬هنى علي‬
‫الشــريف‪ ،‬ومدير عام فرع بنك التنمية‬
‫باملنطقة األســتاذ‪ /‬سعود جباد البقمي‪،‬‬
‫وحبضور ‪ 26‬شابا وشابة‪.‬‬
‫وتناول اللقاء الذي أداره األســتاذ‪ /‬عبد‬
‫اهلل حيــى علواين عدة حمــاور أمهها‪:‬‬
‫أثر متكني املرأة على املجتمع واألسرة‪،‬‬
‫ودور اجلهــات التمويليــة يف دعم املرأة‬
‫اقتصاديًا‪ ،‬وأرقــام وإحصائيات ومناذج‬
‫على مســتوى التشــريعات والسياسات‬ ‫أصحــاب القــرار واملجتمــع‪ ،‬والدعــم‬ ‫مميزة لتمكني املرأة يف منطقة جازان‪.‬‬
‫بتمكينها اقتصاديا من خالل اجلهات‬ ‫والتعزيز والشعور باألمان‪.‬‬ ‫ويف بدايــة اللقــاء‪ ،‬حتدثــت الدكتورة‬
‫الداعمــة لألســر املنتجــة‪ ،‬وتعزيــز‬ ‫شريكا‬
‫ً‬ ‫وقالت علواين إن املرأة أصبحت‬ ‫هنى الشريف عن عدد من اجلوانب اليت‬
‫اخنــراط املــرأة يف ريــادة األعمــال‪،‬‬ ‫فاعل يف رفعــة الوطن ومنائه‪ ،‬وحققت‬‫ً‬ ‫ختــص متكني املــرأة إداريــا‪ ،‬وأثرها‬
‫وترســيخ ثقافــة العمل احلــر كأحد‬ ‫جناحات نوعيــة تباينت جماالهتا علميًا‬ ‫يف املجتمــع واســتعرضت قصص جناح‬
‫روافد متكني املرأة‪ ،‬كما تطرق إىل‬ ‫واقتصاديــً وسياســيًا واجتماعيًا‪ ،‬وال‬ ‫لقيــادات نســائية أثبــن قدراهتــن يف‬
‫التسهيالت اليت تقدم للمرأة لالستفادة‬ ‫زالت الفرص متاحة ملشاركتها وإظهار‬ ‫اإلبداع والنجاح وأثر ذلك على املجتمع‪.‬‬
‫من اخلدمــات التمويلية الــي يقدمها‬ ‫إبداعاهتا يف كافة املجاالت‪.‬‬ ‫وأشــارت إىل املتطلبــات اهلامــة‬
‫بنــك التنمية الفتا إىل أن عدد الطلبات‬ ‫مــن جهته اســتعرض األســتاذ ســعود‬ ‫لتمكــن املرأة املتعلقة بوضوح األنظمة‬
‫املمولــة لإلناث من وثائــق العمل احلر‬ ‫البقمــي أثــر التمكــن االقتصــادي‬ ‫والسياســات‪ ،‬والدمــج يف فــرق العمل‬
‫خــال العامــن املاضيــن يف منطقة‬ ‫للمــرأة‪ ،‬ومســامهتها يف التنميــة‪،‬‬ ‫ومتابعــة التدريــب والتوجيــه‪ ،‬إضافة‬
‫جازان بلغ حوايل ‪ 18156‬طلبا‪.‬‬ ‫وســلط الضوء علــى اجلهــود املبذولة‬ ‫إىل متطلبــات جمتمعيــة متمثلة يف ثقة‬

‫‪12‬‬
‫تهدف إلى تعزيز الشراكة والتعاون بينهما وخدمة أهدافهما المشتركة‬

‫يوقع مذكرة تفاهم‬


‫ّ‬ ‫المركز‬
‫مع الجمعية الوطنية لحقوق اإلنسان‬
‫وقّع املركز ‪ ،‬مذكرة تفاهم مشــترك‬
‫مــع اجلمعيــة الوطنية حلقوق اإلنســان‬
‫لتعزيــز الشــراكة والتعــاون بينهمــا‪،‬‬
‫وهتــدف االتفاقية ‪-‬اليت وقّعها ســعادة‬
‫نائب األمــن العام للمركز األســتاذ‪/‬‬
‫إبراهيــم بن زايد العســري‪ ،‬وســعادة‬
‫رئيس اجلمعية املستشار‪ /‬خالد بن عبد‬
‫الرمحن الفاخري‪ ،‬إىل حتقيق شراكة‬
‫جمتمعية بني املركز واجلمعية وخدمة‬
‫أهدافهما املشتركة‪ ،‬وإيصال الرسائل‬
‫املطلوبة ملختلــف أفراد وفئات املجتمع‪،‬‬
‫من خالل اإلمكانيات املتاحة لدى كل‬
‫من خالل قنواهتما الرمسية‪ ،‬فضال عن‬ ‫عن تفعيــل األيــام العامليــة املعنية ذات‬ ‫منهما‪.‬‬
‫االســتفادة من الربامج الوطنية املعتمدة‬ ‫الصلــة باختصاصــات الطرفــن ومنها‬ ‫وتتضمــن االتفاقية التعــاون يف العديد‬
‫لدى كل طرف‪.‬‬ ‫اليــوم العاملي حلقــوق االنســان واليوم‬ ‫من املجاالت أبرزهــا‪ :‬عقد ورش العمل‬
‫يذكــر أن مركــز امللك عبــد العزيز‬ ‫العاملي للتسامح‪.‬‬ ‫والربامج التدريبية واســتطالعات الرأي‬
‫للحــوار الوطــي يعقــد العديــد مــن‬ ‫كما تنص االتفاقية على قيام الطرفني‬ ‫العــام‪ ،‬إضافة إىل التعــاون يف األعمال‬
‫االتفاقيات ومذكرات التفاهم والتعاون‬ ‫بتهيئــة املرافــق املتاحة لديهمــا إلقامة‬ ‫البحثيــة املعرفية وتبــادل نتائج البحوث‬
‫مع العديد من مؤسسات املجتمع املدين‬ ‫احللقــات التدريبية املتعلقة بربامج كل‬ ‫وإعداد الدراســات‪ ،‬وإقامــة الفعاليات‬
‫لتفعيــل وتعزيــز الشــراكة املجتمعية‬ ‫منهمــا‪ ،‬فضال عن تشــجيع منســويب‬ ‫واألنشــطة املجتمعيــة‪ ،‬إضافــة إىل‬
‫وترســيخ ثقافة احلوار واملشاركة حول‬ ‫الطرفــن على املشــاركة يف امللتقيات‬ ‫االستفادة من خربات منسويب الطرفني‪،‬‬
‫مشــكالت وقضايا املجتمــع املختلفة‪،‬‬ ‫والنــدوات الــي يقدمهــا كل طرف‪،‬‬ ‫ومشــاركتهم يف املحافــل املحليــة‬
‫وتقدمي أفضل احللــول املقترحة لتعزيز‬ ‫كذلــك يقــوم الطرفــان باإلعالن عن‬ ‫واإلقليميــة اليت تعزز الوعــي الوطين‪،‬‬
‫الوحدة الوطنية والنسيج املجتمعي‪.‬‬ ‫الربامج اليت يقيماهنا بالشراكة بينهما‬ ‫وترســخ قيم التالحم املجتمعي‪ ،‬فضال‬ ‫ّ‬

‫‪13‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫انطلاق برنامـج توافـق لتعزيـز دور األسـرة‬

‫أخــــــــبــــــــار الــــــحــــــوار‬
‫فـي تحقيـق التالحـم الوطنـي باألحسـاء‬

‫أقــام فرعا املركــز ووزارة املوارد البشــرية والتنمية االجتماعية‬


‫افتتاحيا لبــدء "برنامج توافق‬
‫ً‬ ‫لقاء‬
‫باملنطقة الشــرقية‪ ،‬مؤخــرًا‪ً ،‬‬
‫– دور األســرة يف تعزيــز التالحم الوطين" مبحافظة األحســاء‪،‬‬
‫وذلك حبضور سعادة مدير فرع املركز بالشرقية الدكتور خالد‬
‫البديوي‪ ،‬وسعادة مساعد املدير العام لقطاع التنمية بفرع الوزارة‬
‫بالشرقية األستاذة ابتسام احلميزي‪ ،‬وسعادة مدير مركز التنمية‬
‫وممثلي مجعيات‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية باألحســاء األستاذ مســاعد السعيد‬
‫التنمية املشاركني يف الربنامج باملحافظة‪.‬‬
‫وكان أمري املنطقة الشرقية صاحب السمو امللكي األمري سعود‬
‫دشــن يوم األربعاء ‪ 02‬ذي‬‫بن نايف بن عبد العزيز حيفظه اهلل قد ّ‬
‫بفــرع الوزارة باملنطقة الشــرقية األســتاذة ابتســام احلميزي أن‬ ‫القعدة ‪1443‬هـ برنامج توافق‬
‫برنامج توافق يأيت انطالقًا من رؤية السعودية حنو جمتمع حيوي‬
‫الذي يســعى إىل تعزيز دور األسرة يف ترســيخ قيم التالحم وبناء‬
‫مواطنه مســؤول‪ ،‬حيث حظــي وهلل احلمد برعايــة كرمية من‬
‫الوعــي بأمهية محاية التماســك الداخلي للمجتمــع‪ ،‬إميانًا بأن‬
‫مسو أمري املنطقة الشــرقية األمري ســعود بن نايف بن عبدالعزيز‬
‫األسرة هي احلاضن األول لصيانة الوحدة الوطنية‪.‬‬
‫ومبتابعة مسو نائبه‪ .‬وأشارت إىل أن الربنامج كان مبادرة مباركة‬
‫بالشــراكة بني فرع املوارد البشــرية والتنميــة االجتماعية وفرع‬ ‫ويهدف الربنامج إىل تقوية متاســك األســرة وتعزيز دورها يف بناء‬
‫مركز امللك عبدالعزيز للحوار الوطين‪ ،‬وســيتم تنفيذه من خالل‬ ‫قيــم التالحم الوطين‪ ،‬وتعزيز مهارات اآلبــاء واألمهات يف غرس‬
‫مدربــن معتمدين لدى مركز احلوار الوطين يف مقرات منظمات‬ ‫القيم الوطنية لدى األبناء‪ ،‬ومعاجلة أبرز املمارسات األسرية اليت‬
‫القطــاع غري الرحبي عــر ثالث مراحل انطالقا من األحســاء مث‬ ‫قد ُتضعف قناعات األبناء وتؤثر على سلوكهم يف جمال التالحم‬
‫الدمــام واخلرب كمرحلة ثانية وختامًا يف القطيف واجلبيل وحفر‬ ‫الوطــي؛ من خالل تنفيذ أكثر من ‪ 120‬برناجما يق ّدمها مدربون‬
‫الباطن‪ ،‬ومثنت احلميزي لكافة شركائنا يف النجاح تكاملهم‬ ‫ومدربــات معتمدون مــن قبل مركــز امللك عبد العزيــز للحوار‬
‫وتعاوهنم املثمر يف سبيل حتقيق اهداف الربنامج‪.‬‬ ‫الوطين‪.‬‬
‫وقــدم كل مــن فــرع وزارة املوارد البشــرية وفــرع مركز امللك‬ ‫ويأيت هذا اللقاء لبدء تنفيذ املرحلة األوىل من الربنامج يف املنطقة‬
‫عبدالعزيــز للحوار الوطين باملنطقة الشــرقية شــكرمها ألمري‬ ‫الشرقية‪ ،‬واليت تستهدف حمافظة األحساء خالل عام ‪1444‬هـ‪.‬‬
‫املنطقة الشــرقية صاحب الســمو امللكي األمري ســعود بن نايف‬ ‫وهبذه املناســبة‪ ،‬أوضح ســعادة مدير فرع مركز احلوار الوطين‬
‫ومســوه نائبــه صاحب الســمو امللكي األمري أمحــد بن فهد بن‬ ‫باملنطقة الشرقية الدكتور خالد البديوي أن هذا الربنامج يسعى‬
‫ســلمان حفظــه اهلل وملحافظ األحســاء صاحب الســمو امللكي‬ ‫لتعزيز دور األســرة لتواكــب التطورات اليت يشــهدها جمتمعنا‬
‫األمري ســعود بن طالل بن بدر حيفظه اهلل على دعمهم للربنامج‬ ‫الســعودي‪ ،‬لتظل األسرة نواة لتقدمنا وأصالتنا كما كانت منذ‬
‫ورعايتهــم له‪ ،‬مما ســيكون له أثره يف جناحــه وحتقيق أهدافه‬ ‫تأسيس بالدنا وصو ًال إىل تطلعات اململكة ‪.٢٠٣٠‬‬
‫الوطنية‪.‬‬ ‫من جانبها أوضحت ســعادة مســاعد املدير العــام لقطاع التنمية‬

‫‪14‬‬
‫خالل االستطالع الذي أجراه مركز رأي حول التشجير في المملكة‬

‫‪ %76‬من المشاركين فيه سمعوا‬


‫بمبادرة "السعودية الخضراء"‬
‫أجــرى املركــز الوطين الســتطالعات‬
‫الرأي العــام (رأي) التابــع ملركز امللك‬
‫عبد العزيز للحوار الوطين استطالع رأي‬
‫عام حول التشــجري يف اململكة شــارك‬
‫اﻟﺘﺸﺠﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬ ‫فيــه ‪ 2098‬مــن املواطنني مــن خمتلف‬
‫مناطــق اململكة‪ ،‬مثلت نســبة الذكور‬
‫اﻟﻤﺸﺎرﻛﻮن‬ ‫منهم ‪ %77‬ونسبة اإلناث ‪.%23‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪77‬‬
‫‪2098‬‬ ‫وقد جاءت نتائج االســتطالع على النحو‬
‫إﻧـﺎث‬ ‫ذﻛﻮر‬
‫التــايل‪ %76 :‬مــن املشــاركني مسعــوا‬
‫مببادرة "الســعودية اخلضــراء"‪ ،‬وحول‬
‫ﺳﻤﻌﻮا ﺑﻤﺒﺎدرة "اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ اﻟﺨﻀﺮاء"‬
‫‪76%‬‬ ‫رأي املواطنني يف أســباب تدهور الغطاء‬
‫النبايت يف املنطقة اليت يسكنون هبا رأى‬
‫رأي اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﺣﻮل أﺳﺒﺎب ﺗﺪﻫﻮر اﻟﻐﻄﺎء اﻟﻨﺒﺎﺗﻲ ﻓﻲ‬ ‫‪ %33‬أن الســبب هو سلوكيات بشرية‪،‬‬
‫اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻜﻨﻮن ﺑﻬﺎ‬ ‫فيما رأى ‪ %59‬أن السبب هو تغري املناخ‪،‬‬
‫فيمــا رأى ‪ %3‬أن النمو الكبري يف أعداد‬
‫أﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ‬ ‫اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻋﺪاد اﻟﻤﺎﺷﻴﺔ‬ ‫ﺗﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﺎخ‬ ‫ﺳﻠﻮﻛﻴﺎت ﺑﺸﺮﻳﺔ‬
‫املاشــية هو الســبب‪ ،‬بينمــا رأى ‪ %5‬أن‬
‫‪5%‬‬ ‫‪3%‬‬ ‫‪59%‬‬ ‫‪33%‬‬
‫السبب هو أنشطة التعدين‪.‬‬
‫وحــول أكثــر فائــدة يراهــا املواطنون‬
‫للتشــجري‪ ،‬قال ‪ %22‬منهــم إن هلا فوائد‬
‫اجتماعيــة مثــل تعزيــز جــودة احلياة‪،‬‬
‫أﻛﺜﺮ ﻓﺎﺋﺪة ﻳﺮاﻫﺎ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻟﻠﺘﺸﺠﻴﺮ ﻫﻲ‬
‫والصحــة العامة‪ ،‬والترفيــه‪ ،‬فيما يرى‬
‫‪9%‬‬ ‫‪69%‬‬ ‫‪22%‬‬ ‫‪ %69‬أن هلــا فوائــد بيئيــة مثــل تلطيف‬
‫ﻓﻮاﺋﺪ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ‬ ‫ﻓﻮاﺋﺪ ﺑﻴﺌﻴﺔ‬ ‫ﻓﻮاﺋﺪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫الطقــس واحلــد مــن الغبار‪ ،‬وحتســن‬
‫)ﻣﺜﻞ ﺗﻨﺸﻴﻂ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ‪ ،‬ﺗﻮﻓﻴﺮ‬ ‫)ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻄﻴﻒ اﻟﻄﻘﺲ‪ ،‬اﻟﺤﺪ ﻣﻦ‬ ‫)ﻣﺜﻞ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺟﻮدة اﻟﺤﻴﺎة‪،‬‬ ‫جــودة التربــة‪ ،‬بينما يــرى ‪ %9‬أن فوائد‬
‫ﻓﺮص وﻇﻴﻔﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ‪،‬‬ ‫اﻟﻐﺒﺎر‪ ،‬ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺟﻮدة اﻟﺘﺮﺑﺔ (‬ ‫ﺗﺤﺴﻴﻦ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬اﻟﺘﺮﻓﻴﻪ (‬
‫ﻣﻨﺘﺠﺎت ﻏﺬاﺋﻴﺔ وﻃﺒﻴﺔ (‬
‫التشــجري اقتصاديــة‪ ،‬مثــل تنشــيط‬
‫الســياحة البيئية‪ ،‬وتوفري فرص وظيفية‬
‫ﺗﻘﻴﻴﻢ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺟﻬﻮد ﺗﺸﺠﻴﺮ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‬
‫يف املجتمعــات املحليــة وتوفــر منتجات‬
‫أو اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻓﻴﻬﺎ‬
‫غذائية وطبية‪.‬‬
‫ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ‬ ‫ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ‬ ‫ﻋﺎﻟﻴﺔ‬ ‫وحول تقييم املواطنني ملشاركة األهايل‬
‫‪47%‬‬ ‫‪32%‬‬ ‫‪21%‬‬ ‫يف جهود تشــجري املدينــة أو القرية اليت‬
‫يقيمــون فيها‪ ،‬قــال ‪ %21‬إهنــم يروهنا‬
‫عالية‪ ،‬فيما قال ‪ %32‬متوسطة‪ ،‬يف حني‬
‫‪www.ncpop.org.sa‬‬ ‫‪+966 11 2665747‬‬ ‫‪+966 11 2665778‬‬ ‫‪ncpop@kacnd.org‬‬ ‫‪@ksaopinions‬‬ ‫اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻻﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم‬
‫يرى ‪ %47‬أن املشاركة منخفضة‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫بحضور ‪ 93‬متدرباً ومتدربة‬

‫أكـــاديـــمـــيـــة الـــحـــوار‬
‫أكاديمية الحوار للتدريب تقيم‬
‫دورتين في "الحوار المجتمعي"‬

‫احلوار بني الشــباب بشــكل مستمر وبأســاليب خمتلفة‬ ‫نظمت أكادميية احلوار للتدريب التابعة للمركز مؤخرًا‬
‫جلعل احلوار أسلوب حياة وممارسة مستدامة‪.‬‬ ‫عن بعــد دورتني تدريبيتني يف مســار "احلــوار املجتمعي"‬
‫وألقــى الربنامج الضوء علــى مناذج من الســرة النبوية‪،‬‬ ‫قدمهــا الدكتــور زيــد اخلمشــي‪ ،‬واألســتاذة‪ /‬موضي‬
‫ومناذج متنوعة من املجتمعات البشرية‪ ،‬كما تناول مهارة‬ ‫املطريي‪ ،‬حبضور ‪ 93‬متدربًا ومتدربةً‪.‬‬
‫التفكــر الناقد‪ ،‬ومفهوم االعتدال والوســطية‪ ،‬ومفهوم‬ ‫واشــتمل برنامج احلوار املجتمعي الــذي يهدف إىل تعزيز‬
‫التعايش املجتمعي‪ ،‬ومفهوم القيم املشــتركة‪ ،‬التعاون‪،‬‬ ‫قيم احلوار والســلم االجتماعي على جمموعة من املحاور‬
‫واالحترام‪ ،‬والتراحم‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫أبرزهــا مفهــوم احلــوار املجتمعــي‪ ،‬ومهــارات التواصل‬
‫وشــهد الربنامــج يف هنايتــه إقامــة ورشــة عمــل متعلقة‬ ‫اإلجيايب بــن أفراد املجتمــع‪ ،‬واألثر احلضــاري للحوار‬
‫باملوضوع ملساعدة املتدربني واملتدربات على تنمية قدراهتم‬ ‫على الفــرد واملجتمع‪ ،‬والتمييز بني املمارســات اإلجيابية‬
‫يف حتقيــق التفاعل والتواصل اإلجيــايب مع اآلخر وتعزيز‬ ‫والسلبية يف احلوار املجتمعي‪ ،‬إضاف ًة إىل عرض القصص‬
‫العالقة به‪.‬‬ ‫واألمثلــة لتوضيح ضــرورة تفعيل وتطويــر وتأصيل ثقافة‬

‫‪16‬‬
‫تنفذه لصالح وزارة النقل والخدمات اللوجستية ويهدف إلى تنمية مهارات وقدرات منسوبيها‬

‫ً‬
‫تعريفيا بالبرنامج‬ ‫لقاء‬
‫تنظم ً‬
‫أكاديمية الحوار للتدريب ّ‬
‫اإلعدادي لرواد النقل والخدمات اللوجستية‬

‫الكفــاءات واملوهوبــن ليقدمــوا أفضل اخلدمــات للمواطن‬ ‫نظمت أكادميية احلوار للتدريب التابعة للمركز مؤخرًا لقاء‬ ‫ّ‬
‫حد ســواء جبودة عالية‪ ،‬مبــا حيقق أهداف رؤية‬ ‫واملقيم على ٍّ‬ ‫افتتاحيــا للتعريف باملشــروع الذي تنفذه لصــاحل وزارة النقل‬
‫اململكة ‪.2030‬‬ ‫واخلدمات اللوجســتية حتت عنوان‪" :‬الربنامج اإلعدادي لرواد‬
‫أن أكادميية احلوار تقدم الربنامج اإلعدادي‬ ‫اجلدير بالذكر َّ‬
‫ٌ‬ ‫النقل واخلدمات اللوجستية"‪.‬‬
‫لرواد النقل واخلدمات اللوجســتية‪ ،‬والــذي مت بناؤه مبنهجية‬ ‫واف ُتتح اللقاء بكلمة لسعادة األستاذ‪ /‬إبراهيم بن زايد العسريي‬
‫علميــة ووفق أعلــى املواصفات واملعايري وفق ســتة مســارات‬ ‫نائــب األمني العــام للمركز‪ ،‬مثّن فيها التعاون املشــترك بني‬
‫أساســية تتضمــن تطبيق مقيــاس بريكمان وتنفيذ جلســات‬ ‫الــوزارة واملركز ممثال يف أكادميية احلوار للتدريب‪ ،‬والذي‬
‫توجيه‪ ،‬وتنفيذ جمموعة متنوعة مــن األدوات التأهيلية تتمثل‬ ‫ُت ِّو َج بانطالقة هذا املشــروع الذي يهدف لتنمية مهارات القيادة‬
‫يف الربامج التدريبة وورش العمــل والزيارات امليدانية وحلقات‬ ‫املميزة واملوهوبني الشــباب من منسويب ومنسوبات وزارة النقل‬
‫النقاش ودراسة احلاالت واللقاءات التعريفية وتصميم املشاريع‬ ‫واخلدمات اللوجستية‪ ،‬مبا يسهم يف دعم واكتشاف قدراهتم‬
‫لترمجة ونقل حمتوى التعلم يف مناذج علمية ختدم األداء‪.‬‬ ‫ومواهبهــم‪ ،‬مشــرًا إىل أن املركــز أوىل أمهية خاصة ملجال‬
‫ويقدم املشروع جمموعة من املدربني املعتمدين لدى األكادميية؛‬ ‫التدريب‪ ،‬وأســس لذلك أكادميية متخصصــة تقوم بالعديد‬
‫حيــث يســتهدف (‪ )75‬مــن املوهوبــن وذوي األداء املتميز من‬ ‫من املســؤوليات‪ ،‬ومن بينها تطوير أداء العاملني يف القطاعات‬
‫منســويب ومنسوبات وزارة النقل واخلدمات اللوجستية‪ ،‬سيتم‬ ‫احلكومية واألهلية ومؤسســات املجتمع املختلفة‪ ،‬مبا حيقق‬
‫إحلاقهــم بـــ (‪ )36‬دورة تدريبيــة و(‪ )5‬زيــارات ميدانية و(‪)7‬‬ ‫مســتهدفات رؤية اململكــة ‪ 2030‬اليت أكــدت على أمهية‬
‫عــروض تعلــم و(‪ )4‬تطبيقات ومشــاريع عمليــة‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫تأهيــل وإعــداد الكوادر البشــرية واالســتثمار يف رأس املال‬
‫ِدها مخس جمموعات تدريبية‪ ،‬وذلك‬ ‫صناعة (‪ )15‬مبــادرة ُتع ُّ‬ ‫البشري‪.‬‬
‫على مدى (‪ )600‬ساعة تدريبية ستنفذ خالل ستة أشهر واليت‬ ‫وأكد سعادته على حرص املركز منذ بداية تأسيسه على أن‬
‫ُتعترب املدة الزمنية للربنامج‪.‬‬ ‫يكون حاضن ًة لتوليد األفكار من خالل تنظيم وإقامة حلقات‬
‫هذا وســيكون املشــاركون على موعد مع رحلة ممتعة مليئة‬ ‫النقاش وورش العمل والربامــج وامللتقيات والندوات واللقاءات‬
‫متر بعــدد من املحطات‪ ،‬بدءا مبســار املهارات‬ ‫بالفائــدة اليت ُّ‬ ‫واســتطالعات الرأي العامة اليت اســتفادت منهــا العديد من‬
‫الشــخصية ومسار اجلدارات الوظيفية ومسار القيادة والتغيري‬ ‫اجلهات احلكومية ومنها وزارة النقل واخلدمات اللوجستية‪،‬‬
‫مرورا مبســار اإلدارة واجلودة ومســار االســتراتيجية ومسار‬ ‫وذلك يف ضوء إميان املركز بأمهية التكامل والتنســيق بني‬
‫صناعــة املبادرات واملشــاريع وصوال إىل ختــام الربنامج الذي‬ ‫هــذه اجلهات للمســامهة يف صنع القرار والسياســات العامة‬
‫سيساعد املشــاركني على تنمية مهاراهتم الشخصية والفنية‬ ‫ليكون جسرا للتواصل بني مجيع فئات املجتمع‪.‬‬
‫وحتســن وتطوير كفاءاهتم املهنية وزيــادة إنتاجيتهم وتعزيز‬ ‫كما أعرب ســعادته عن أمله بأن حيقق هذا الربنامج أهدافه‬
‫الرضا الوظيفي لديهم‪ ،‬مبا حيقق األهداف املنشودة للربنامج‪.‬‬ ‫املأمولــة اليت تســعى هلا الــوزارة يف دعم منســوبيها من ذوي‬

‫‪17‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫أكاديمية الحوار تناقش أهمية الحوار‬

‫أكـــاديـــمـــيـــة الـــحـــوار‬
‫ومشاركة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مشاركا‬ ‫األسري بحضور ‪82‬‬
‫أكادمييــة‬ ‫نفــذت‬
‫َّ‬
‫احلوار للتدريــب التابعة‬
‫للمركز مؤخرًا عن ُبعد‬
‫برنامج "احلوار األسري"‬
‫مبشاركة ‪ 82‬مشاركًا‬
‫ومشاركةً‪.‬‬
‫ويهــدف الربنامــج الذي‬
‫قدمتــه املدربــة منــرة‬
‫العريــدي‬ ‫إبراهيــم‬
‫إىل تنميــة مهــارات‬
‫املشــاركني يف احلــوار‬
‫األســري واجتاهاهتــم‬
‫حنوه مبــا يعــزز تالحم‬
‫األســرة واكتســاهبا‬
‫قيــم التالحــم والتعايش‬
‫املجتمعي‪.‬‬
‫وناقش الربنامج حتديد‬
‫مفهوم األســرة وتوضيح‬
‫املجتمــع‬
‫َ‬ ‫أمهيتهــا يف‬
‫ووظائفهــا وأركاهنــا‪،‬‬
‫وحتديد مقومات جناحها‬
‫والتعرف إىل‬
‫ُّ‬ ‫ومعوقاهتا‪،‬‬
‫مفهوم احلوار األسري‪.‬‬
‫أن‬
‫اجلديــر بالذكــر ّ‬
‫ٌ‬ ‫األســباب تأثري وســائل‬ ‫معوقاته والعوامل املؤثرة‬ ‫ومتكــن املشــاركون‬ ‫ّ‬
‫احلوار األســري يعد من‬ ‫التواصل االجتماعي على‬ ‫فيــه‪ ،‬وحتليــل واقعه يف‬ ‫يف هناية اجللســة األوىل‬
‫أهم الربامج اليت يقدمها‬ ‫األبنــاء وانشــغال اآلباء‬ ‫اململكــة‪ ،‬والتعرف إىل‬ ‫مــن إثــراء الربنامج من‬
‫املركــز انطالقــا مــن‬ ‫بأعماهلــم الوظيفيــة‪،‬‬ ‫أمهية احلــوار بني اآلباء‬ ‫خــال تقدمي إضــاءات‬
‫كون األسرة هي األساس‬ ‫كما متت مناقشة اآلثار‬ ‫واألبناء‪.‬‬ ‫نوعية وأفكار مبتكرة‬
‫الفعلي لبناء املجتمعات‪،‬‬ ‫املترتبــة على ذلك‪ ،‬ومن‬ ‫وشــهد الربنامج مناقشة‬ ‫حــول أمهيــة احلــوار‬
‫ويســتهدف الربنامــج‬ ‫أمهها اتساع الفجوة بني‬ ‫أهم األساليب املستخدمة‬ ‫األسري ودوره يف حتقيق‬
‫نشــر املفاهيــم الثقافية‬ ‫الطرفني‪ ،‬وتراجع فرص‬ ‫لغرس ثقافة احلوار لدى‬ ‫التماسك األسري‪.‬‬
‫االجتماعيــة‬ ‫والقيــم‬ ‫االســتقرار األســري‪،‬‬ ‫األبناء‪ ،‬وتوضيــح أنواع‬ ‫كمــا تطــرق الربنامــج‬
‫للحــوار األســري‪ ،‬وذلك‬ ‫كمــا عرضــت املدربة‬ ‫احلــوارات مــع األبنــاء‬ ‫أمهيــة‬
‫َّ‬ ‫إىل توضيــح‬
‫عرب الــدورات واحلقائب‬ ‫أبــرز مهــارات احلــوار‬ ‫وأمهيتهــا‪ ،‬وأســباب‬ ‫األســري‪،‬‬ ‫احلــوار‬
‫والربامــج‬ ‫التدريبيــة‬ ‫الفعالــة واملجديــة بــن‬ ‫غياب احلــوار بني اآلباء‬ ‫أشــكاله‬ ‫وتطبيــق‬
‫التثقيفية احلوارية‪.‬‬ ‫اآلباء واألبناء‪.‬‬ ‫واألبنــاء ومن أهــم هذه‬ ‫بنجــاح‪ ،‬ومناقشــة أهم‬

‫‪18‬‬
‫مـــــقــــــال‬
‫الحوار الرشيد‬
‫في العصر الجديد‬
‫حال مــن األحوال‪،‬‬
‫االســتغناء عنه بأي ٍ‬ ‫ال شــك أن احلــوار كقيمــة وضرورة‪،‬‬
‫خاصة يف هذه املرحلة املتطورة من واقع فـــاضـــل الــعــمــانــي‬ ‫أصبــح مطلبــً وإحلاحــً مــن أي ٍ‬
‫وقت‬
‫العــامل الذي أصبح قرية كونية صغرية كاتب رأي‬ ‫وحتــول إىل حالــة متقدمة‬
‫ّ‬ ‫مضى‪ ،‬بــل‬
‫وقريبة من تطلعات وحتديات كل إنسان‬ ‫ومتطــورة مــن الوعــي املتبــادل واملزاج‬
‫العــامل احلديث الــذي يواجــه الكثري‬ ‫على كوكب األرض‪.‬‬ ‫املشــترك بني الشــعوب واألمم مبختلف‬
‫مــن الصعوبات والتحديــات على كافة‬ ‫أفرادهــا ومكوناهتــا‪ .‬فاحلــوار وبقية‬
‫يف عصرنــا الراهن الذي بات ُيعرف‬
‫الصعد واملستويات‪.‬‬ ‫القيــم واملضامــن الثقافية واإلنســانية‬
‫بالعصر احلديث والذي تزدحم فيه كل‬
‫احلــوار كأفــق حضــاري وقيمــة‬ ‫ألوان ومالمح التطور والتسارع‪ ،‬الثقايف‬ ‫مر بالكثري مــن املحطات والتمرحالت‬
‫واالجتماعــي واالقتصــادي والتقــي إنسانية‪ ،‬هو منصة للتقارب بني الثقافات‬ ‫خــال مســرته النهضوية الــي امتدت‬
‫واإلعالمــي والتواصلــي‪ ،‬أصبــح لزامًا وتفاعــل بني احلضــارات‪ ،‬وهو رســالة‬ ‫لقــرون طويلة مــن التنظــر والتفعيل‪،‬‬
‫على "اإلنســان املعاصر" املحاصر بكل ســامية ُتخاطب و ُتجــادل كل األفكار‬ ‫فقد بدأ بســيطًا وعفويًا كما هي كل‬
‫تلــك األدوات واملنصــات املتعــددة‪ ،‬أن والقناعات باحتــرام وحكمة‪ ،‬من أجل‬ ‫البدايــات والرغبات‪ ،‬حيث كان جمرد‬
‫يتســلح حبزمة كبرية وكثرية من القيم بنــاء جســورًا مــن الثقــة والطمأنينة‪،‬‬ ‫تــداول وجتادل يف النقــاش والتعبري‪ ،‬مث‬
‫واملبادئ اإلنسانية العصرية ويف مقدمتها لتنمــو وتنهض املجتمعات واألمم بكافة‬ ‫تطور ملــداءات وفضاءات أكثــر تنوعًا‬
‫"احلوار العصري"‪ .‬هذه احلزمة العصرية أفرادهــا وتعبرياهتا معتــادة على التنوع‬ ‫واختالفــً‪ ،‬مث أصبــح أكثــر فعاليــة‬
‫مــن القيم واملبادئ وإن بدت إرثًا تقليديًا واالختــاف‪ ،‬وتكــون لغــة "احلــوار‬ ‫وتأثريًا حينما استخدم كعالقة تشاورية‬
‫يف نوعيتها ومضموهنا إال أهنا متعصرنة الرشيد" هي األكثر نربة ووضوحًا‪.‬‬ ‫وتكاملية بــن املتناظرين واملتحاورين‪،‬‬
‫يف شــكلها وتوجهاهتا‪ ،‬أي أهنا خلطة‬ ‫حتــول احلــوار خــال العصــور‬ ‫إىل أن ّ‬
‫عصريــة من األصالــة واحلداثة ووصفة‬ ‫احلديثــة إىل ثقافة‪/‬صناعــة هلا أدواهتا‬
‫ســحرية تقليدية ومتحضرة‪ ،‬كل ذلك‬ ‫ومقوماهتا‪.‬‬
‫التركيب املعقد والشــخصية العصرية‬ ‫اآلن‪ ،‬بل ومنذ بزوغ األلفية الثالثة‪ ،‬أي‬
‫للحوار احلديث‪ ،‬من أجل أن يتناسب مع‬ ‫خالل العقدين املاضيني‪ ،‬مل يعد احلوار‬
‫طبيعة وظروف العصر احلديث‪.‬‬ ‫جمــرد ثقافة ُتســهم يف تنمية التســامح‬
‫احلوار والتسامح والعدالة واالحترام‬ ‫واالحتــرام والتفاهــم والتعايــش وقبول‬
‫واحلرية وقبــول اآلخر وغريها من القيم‬ ‫اآلخــر‪ ،‬وثقافة لنبذ الفرقــة والتعصب‬
‫والثقافــات األصيلــة الــي تســتحق أن‬ ‫والتطرف واألنانية والتزمت‪ ،‬رغم أمهية‬
‫وجه الضمري اإلنســاين‪ ،‬آن‬
‫شــكل و ُت ّ‬
‫ُت ّ‬ ‫وخطورة كل ذلك‪ ،‬ولكن ثقافة احلوار‬
‫هلا أن تتمظهر وتتموج يف كل تفاصيلنا‬ ‫جتــاوزت كل ذلك وأكثــر‪ ،‬فهي اآلن‬
‫الصغــرة والكبــرة‪ ،‬ولكنهــا أيضــً‬ ‫أحد أهم مرتكزات ومستويات العالقات‬
‫حباجة ماســة ألن تكــون أكثر مرونة‬ ‫اإلنسانية املســتدامة‪ .‬احلوار اآلن‪ ،‬ليس‬
‫وعصرنــة لتتالءم وتنســجم مع معطيات‬ ‫ترفــً خنبويًا أو صــورة جتميلية‪ ،‬بل هو‬
‫ومتطلبــات املرحلــة اجلديــدة من عمر‬ ‫حاجــة ضرورية وحق أصيــل ال ميكن‬

‫‪19‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫عالمة مضيئة في تاريخ الحضارة اإلسالمية واإلنسانية‬

‫وثيقة المدينة‬
‫المدنية ال يفرق بين‬
‫ّ‬ ‫أول دستور للدولة‬
‫ّ‬
‫مواطنيها من حيث الدين أو العرق أو الجنس‬

‫‪20‬‬
‫جاءت الوثيقة لبناء دولة مدنية حضارية فعملت على‬
‫القضاء على النزعات السياسية والقبلية والعشائرية ومراكز‬
‫القوى وعملت على إخضاع الجميع لمرجعية الدولة التي أنيط‬
‫بها تحقيق العدل وتنظيم القضاء بين أفراد المجتمع‬

‫مل تكــن هجرة النيب صلى اهلل عليه وســلم إىل املدينــة املنورة هربًا‬
‫غيرت مســار‬ ‫أو خوفًا على نفســه من القتل أو األســر‪ ،‬ولكنها هجرة ّ‬
‫حتولت فيها الرسالة اإلسالمية من مرحلة‬ ‫الدعوة اإلسالمية‪ ،‬حيث ّ‬
‫الدعوة إىل مرحلة الدولة‪ ،‬فكانت حبق دستورًا لدولة جديدة‪ ،‬يؤسس‬
‫لكيان الدولة وحيفظ احلقوق وينظم العالقات بني أفراد املجتمع‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫الزنعات السياســية والقبلية والعشــائرية‬ ‫وكمــا نعرف مجيعــا‪ ،‬فإن هجــرة النيب‬ ‫عالمة مضيئة‬
‫ومراكــز القوى يف ذلــك املجتمع‪ ،‬حيث‬ ‫صلــى اهلل عليــه وســلم وأصحابــه إىل‬
‫فبعد هجرة النيب َصلَّى َُّ‬
‫الل َعل َْي ِه َو َسل ََّم إىل‬
‫أقصــت الزعامــات املتعــددة يف املدينة‪،‬‬ ‫املدينــة املنورة مل تكن حمــض صدفة أو‬
‫ومنعتها من التدخــل يف صالحيات الدولة‬ ‫قرارًا ارجتاليًا‪ ،‬بــل كان ذلك عن ترتيب‬ ‫املدينة املنــورة كتب وثيقــة املدينة‪ ،‬اليت‬
‫األساســية وتعطيل القانــون‪ ،‬كما منعت‬ ‫وختطيط حمكــم؛ ألن اهلدف منها كان‬ ‫اعتربهــا البعض من أهم وأوائل الدســاتري‬
‫كل مــا يتعــارض مــع ســيادة القانــون‪،‬‬ ‫بناء دولة وإنشــاء أمة‪ ،‬وهذا اهلدف حيتاج‬ ‫يف العــامل‪ ،‬فيمــا مساها البعض "دســتور‬
‫وعملــت علــى إخضــاع اجلميــع ملرجعية‬ ‫اىل ختطيــط دقيــق ووضع أليــات لتنفيذه‬ ‫املدينــة"‪ ،‬أو "العهــد النبوي" أو "الدســتور‬
‫الدولة اليت أنيط هبا حتقيق العدل وتنظيم‬ ‫تكــون قابلــة للتطبيــق‪ ،‬ومبــا أن هدف‬ ‫املــدين" أو "صحيفــة املدينــة"‪ ،‬وقد اعترب‬
‫القضاء‪ ،‬فكان االنتقال من الوالء للقبيلة‬ ‫اهلجــرة كان بنــاء دولــة تســع اجلميع‪،‬‬ ‫هذه الوثيقة اليت وضعت يف الســنة األوىل‬
‫أو اجلماعة إىل الوالء للدولة أوىل أولويات‬ ‫ووضــع نظــام حضــاري يراعــي اجلوانب‬ ‫للهجرة‪ ،‬أي عام ‪623‬م‪ ،‬أول وثيقة حقوقية‬
‫الدولة‪.‬‬ ‫اإلنســانية للمجتمع ككل‪ ،‬فقد كانت‬ ‫يف تاريــخ العرب على األقل‪ ،‬وعقد مواطنة‬
‫متقدم على عصره‪ ،‬وعالمة مضيئة يف تاريخ‬
‫املدينــة املنورة آنذاك بيئــة خصبة لتكون كمــا أن املدينــة مل تكــن وقتئــذ ذات‬ ‫احلضارة اإلسالمية واإلنسانية‪ ،‬وهلذا فقد‬
‫مكانة دينيــة كما كانــت عليه مكة‬ ‫مركزًا هلذه الدولة‪.‬‬
‫أطنــب فيه املؤرخــون واملستشــرقون على‬
‫ويف ذلــك الوقت مل تكــن املدينة ختضع أو بيــت املقدس‪ ،‬وليســت هلــا أي أمهية‬ ‫مدار التاريخ اإلســامي‪ ،‬واعتربوه مفخرة‬
‫حلكم واحد‪ ،‬بــل كانت جمرد زعامات جتاريــة‪ ،‬وال يوجد لديها أي جتمع ميكن‬ ‫ومعل ًَما‬
‫من مفاخــر احلضارة اإلســامية‪َ ،‬‬
‫متفرقــة وقوميات خمتلفة وأديان شــى‪ ،‬أن حتتكــم إليــه كمــا كان يف مكة؛‬ ‫معا‪.‬‬
‫من معامل جمدها اإلنساين والسياسي ً‬
‫فقد كانت تضم وقتها املسلمني واليهود‪ ،‬الــي كان جيتمــع أهلهــا يف دار النــدوة‬
‫وينقسم املســلمون إىل مهاجرين وأنصار‪ ،‬إلبــرام األمور املهمة‪ ،‬وتعلق القرارات اليت‬ ‫والدستور يف النظم السياسية املعاصرة هو‬
‫واليهود لديهــم ثالث قبائل هم بنو النضري تصدر منها على جدار الكعبة‪.‬‬ ‫القانون األعلى للدولة‪ ،‬والذي يتضمن عدة‬
‫بنود قانونية حتدد شــكل الدولة‪ ،‬وتنظم‬
‫وبنــو قريظة وبنو قينقــاع وقد مشلت هذه ونصــت الوثيقة على بنود كثرية يف حقوق‬ ‫العالقة بني الســلطات فيهــا‪ ،‬وتنص على‬
‫الوثيقة كل هذه األطياف واعتربت اليهود املســلمني فيمــا بينهــم‪ ،‬وحقــوق اليهود‬ ‫الواجبات واحلقوق األساسية‪ ،‬ويكون هو‬
‫وواجباهتم‪ ،‬بغية تنظيم العالقة بينهم على‬ ‫جزءا من مواطين الدولة‪.‬‬
‫وقبائلهم ً‬
‫احلكــم ملا حتته من األنظمــة والقوانني‪،‬‬
‫أن يتصــدى مبقتضاها اجلميع ألي عدوان‬
‫دولة وفاقية‬ ‫حيــث ال جيــوز ألي قانــون أن خيالــف‬
‫خارجي علــى املدينة‪ ،‬وبإبرام هذه الوثيقة‬ ‫الدستور‪ ،‬وهذه املخالفة موجبة لنقض أي‬
‫وقــد جــاءت الوثيقــة لبنــاء دولــة مدنية وإقــرار مجيــع الفصائل مبــا فيها صارت‬ ‫قانون‪.‬‬
‫حضاريــة‪ ،‬فعملــت علــى القضــاء علــى املدينــة دولــة وفاقية‪ ،‬رئيســها الرســول‬

‫وثيقة المدينة نقلة حضارية من مرحلة القبيلة لمرحلة الدولة‬


‫واألمة راعية الحقوق والحريات فيها الدقة والموضوعية ليس فيها‬
‫الفخر الكاذب‬

‫‪22‬‬
‫وضع النبي صلى الله عليه وسلم وثيقة تنظم العالقات في المدينة‬
‫وهي تمثل الدستور في المصطلح الحديث لذا تعتبر أول دولة دستورية‬
‫تنشأ على دستور منذ والدتها‬
‫تأسيس الدولة متثل الدستور يف املصطلح‬ ‫جيتمع فيه املسلمون‪ ،‬يطيعون إمامًا واحدًا‬ ‫َصلَّــى َُّ‬
‫الل َعل َْي ِه َو َس َّــل َم‪ ،‬وصارت املرجعية‬
‫احلديث‪ ،‬لذا تعترب دولة النيب حممد صلى‬ ‫فــا يتقدمــون عليه‪ ،‬ويتابعونــه يف أفعال‬ ‫العليا للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وصارت مجيع‬
‫اهلل عليه وســلم أول دولة دســتورية تنشأ‬ ‫الصالة‪ ،‬وال يتخلفون عنه‪ ،‬فرييب املسجد‬ ‫احلقوق اإلنسانية مكفولة‪ ،‬كحق حرية‬
‫على دستور منذ والدهتا‪ ،‬خالفا ملا كانت‬ ‫فيهــم الســمع والطاعــة‪ ،‬وبذلــك يهيئهم‬ ‫االعتقاد وممارســة الشــعائر‪ ،‬واملســاواة‬
‫عليه األمم والدول السابقة‪.‬‬ ‫لطاعة ويل أمرهم وإمامهم بعد ذلك‪.‬‬ ‫والعدل‪.‬‬

‫سلطة تقديرية‬ ‫وبالتزامن مع بناء املســجد‪ ،‬فرض رســول‬ ‫ولــذا فقــد كان أي حتــرك للدعــوة‬
‫اهلل صلــى اهلل عليــه وســلم املؤاخــاة بني‬ ‫اإلســامية يف املدينــة مقيــدًا بنظــام‬
‫كانــت الــدول تقــوم أوال مث تكــون‬ ‫املهاجريــن واألنصار‪ ،‬ليمهــد بذلك لقيام‬ ‫تلــك الدولــة‪ ،‬وأي خــروج عــن نظامها‬
‫األحــكام فيهــا عرفيــة ختضع لســلطة‬ ‫املجتمع الواحد املتوحد الذي يشــد بعضه‬ ‫يعتــر انقالبًا عليها مما يشــكل خطرًا‬
‫احلاكم التقديرية دون قوانني أو ضوابط‬ ‫بعضًا ويســهم يف بناء دولته وأمته‪ ،‬فاألمم‬ ‫علــى مســرة الدعوة اإلســامية يف حال‬
‫تضبطهــا‪ ،‬مث يبــدأ حــكام هــذه الدول‬ ‫ال بد هلا من كيان بشري يؤمن هبا ويدافع‬ ‫ظهورها وانتشارها‪ ،‬كما أهنا ستكون‬
‫بتنظيــم األحــكام مبــا يناســبها شــيئاّ‬ ‫عنهــا‪ ،‬وال يكــون ذلك مــامل يكن هذا‬ ‫خبضوعها لذلك النظام تابعة له بشــكل‬
‫فشــيئاّ‪ ،‬أمــا الدولــة اإلســامية فكان‬ ‫الكيــان حيمل هــم بعضه بعضــً ويؤازر‬ ‫أو بآخر؛ ألنه هو الذي سينظم حتركاهتا‬
‫بناؤهــا بكافة مقوماهتا منذ النواة األوىل‬ ‫بعضــه بعضًا ويقف مع بعضه البعض حىت‬ ‫ويقيدها‪ ،‬وبناء عليــه فقد اعتربت وثيقة‬
‫لتأسيســها‪ ،‬فجــاءت الوثيقــة اليت مثلت‬ ‫تــذوب الفــوارق بينهم‪ ،‬ويكونــوا كلهم‬ ‫أو دســتور املدينــة حبــق نقلــة حضارية‬
‫دســتور الدولة‪ ،‬وألن قائد هذه الدولة نيب‬ ‫علــى قلب رجل واحد فيكونوا أمة واحدة‬ ‫من مرحلــة القبيلة ملرحلــة الدولة واألمة‬
‫مرسل وميثل الدين فإن ما يتصوره الذهن‬ ‫كما أراد اهلل تعاىل هلم‪.‬‬ ‫راعيــة احلقــوق واحلريات‪ ،‬فيهــا الدقة‬
‫أن هذه الدولة ستكون دولة دينية ال تقبل‬ ‫واملوضوعية‪.‬‬
‫وفور إنشــاء ذلك الكيان البشري‪ ،‬كان‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫البــد مــن نظــام ينظمــه ويبــن احلقوق‬
‫والواجبــات وما له ومــا عليه‪ ،‬فعمل صلى ولكن علــى العكس من ذلــك‪ ،‬وجدنا‬
‫اهلل عليه وســلم فور وصولــه للمدينة على الوثيقة متثــل يف حقيقتهــا الدولة املدنية‬ ‫أمة واحدة‬
‫ومــن املعروف أن أهــل املدينة كانوا على وضــع وثيقــة تنظم العالقــات يف املدينة‪ ،‬وهــي اليت حتكم بالقانــون وحتترم مبدأ‬
‫علــم مــن الكتــب الســابقة مببعث نيب وإن وضــع مثل هــذه الوثيقة مباشــرة مع ســيادة القانــون وتراعي مجيــع اجلوانب‬
‫آخــر الزمــان‪ ،‬وكانوا بانتظــاره حىت إن‬
‫اليهود كانوا يهــددون أهل املدينة أنه إذا‬
‫خرج ســيكون لنــا النصر بــه عليكم‪،‬‬
‫لذلــك كلــه شــاءت إرادة اهلل تعــاىل أن‬
‫تكون املدينة هــي مركز انطالق الدولة‬
‫اإلســامية الفتية واليت قامت على أسس‬
‫متينة منذ أول يوم من والدهتا‪ ،‬فقد ولدت‬
‫الدولة بيوم اهلجرة‪.‬‬
‫وليس ذلك عجبًا فمنذ اليوم األول لوصول‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم املدينة املنورة‪،‬‬
‫عمل على إرســاء قواعد الدولة؛ فبىن فيها‬
‫مســجدًا ليكــون املــكان الــذي جيتمع‬
‫فيــه املســلمون‪ ،‬وتــزول الفــوارق بينهم‪،‬‬
‫وتظهــر وحدهتــم؛ فالدولــة ال تقــوم على‬
‫أفــراد متفرقني‪ ،‬وإمنا تقــوم على جمموع‬
‫موحــد؛ حيــث إن بناء املســجد يشــكل‬
‫دولة وجمتمعًا مصغرًا‪ ،‬فاملســجد مكان‬

‫‪23‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫احلضارية واإلنســانية ومجيــع مكونات‬
‫املجتمــع على خمتلــف أطيافــه وتنوعه‪،‬‬

‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫فكانــت هــذه الوثيقة أول دســتور لدولة‬
‫مدنيــة يف العــامل‪ ،‬فهي دولــة قائمة على‬
‫مبدأ املواطنة والتشاركية والتنوع والتعدد‬
‫دون النظر للون والعرق واجلنس‪ ،‬فكفلت‬
‫حقوق اجلميع‪ ،‬حمققة العدل واملســاواة‪،‬‬
‫وضمنت حرية العقيدة منذ بداية نشأهتا‪،‬‬
‫حيث انطوى حتت لوائها العريب والعجمي‪،‬‬
‫ففيهــا القرشــي واخلزرجــي واألوســي‪،‬‬
‫والفارســي واحلبشــي والرومي‪ ،‬وحفظت‬
‫لليهــود املوجوديــن على أرضهــا حقوقهم‬
‫الدينية واملدنية ومل تقصي أحدًا منهم‪.‬‬

‫أطنب المؤرخون والمستشرقون على‬


‫ميز هذه الوثيقة أهنا وضعت‬‫ومــن أبرز ما ّ‬
‫للتطبيــق العملــي فليــس فيهــا فرضيات‬
‫مدار التاريخ اإلسالمي في الدستور المدني‬ ‫أو نظريــات‪ ،‬وقــد حددت مالمــح الدولة‬
‫واعتبروه مفخرة من مفاخر الحضارة اإلسالمية‬ ‫ومكوناهتــا حبيث بــرزت املدينة كدولة‬
‫سياســية ذات ســيادة وقانــون بقيــادة‬
‫ــمــا مـــن مــعــالــم مــجــدهــا اإلنــســانــي‬
‫ومــعــلَ ً‬
‫َ‬ ‫الرســول حممد صلــى اهلل عليه وســلم‪،‬‬
‫معا‬
‫والسياسي ً‬ ‫فأصبحــت دولــة هلا أرض وقيادة وشــعب‬
‫ونظــام حيكمها‪ ،‬تضاهي به نظام الدول‬
‫اليت ال تســتقل هذه الصحيفة يف إثباهتا؛‬ ‫العظمى يف ذلك الوقــت وتباهي به العامل فإن «قبــول اآلخــر»‪ ،‬والتشــريع ألجله‪،‬‬
‫بــل يكون ث ََّم دالئــل أخرى مقوية له‪ ،‬فال‬ ‫أمجع‪ ،‬وتتميز بــه عن كل الدول القائمة وألجــل ما ُي َن ِّظم حياتــه بني أفراد املجتمع‬
‫إشكال أن ُيس َتدل هبا من باب االستئناس‬ ‫ويرد عنه الظلم‬
‫املسلم‪ ،‬وحيفظ له حقوقه ُّ‬ ‫حينئذ‪.‬‬
‫باحلديث الضعيف فيها‪.‬‬ ‫إن وقع عليه‪ ..‬كل هذا يستحيل وجوده يف‬
‫أما الوجه الثالث فيشــتمل على ما ال يتعلق‬ ‫َج ِر‬
‫جمتمــع يقوم علــى الدكتاتورية واحل ْ‬
‫باألحكام الشــرعية‪ ،‬كاالســتناد إليها‬ ‫على اآلخرين‪ ،‬أو التضييق عليهم‪.‬‬ ‫صحة الوثيقة‬ ‫َّ‬
‫مــن جهة الوقوع التارخيــي‪ ،‬كالقول بأن‬ ‫وعلى رغم اختالف العلماء واملؤرخني على‬ ‫ولعــل هــذه الصفــات اليت حوهتــا وثيقة‬
‫هــذه أول وثيقــة دســتورية يف التاريخ‪ ،‬أو‬ ‫صحتهــا؛ حيث أثبتها‬
‫هــذه الوثيقة ومدى َّ‬ ‫املدينــة قبــل أربعــة عشــر قــرن مازالت‬
‫االستناد إليها لذكر حماسن الشريعة يف‬ ‫البعــض ونفاها آخرون‪ ،‬إال أن أصل وجود‬ ‫تعتربهــا الدســاتري احلديثــة معايــر‬
‫يعبر عــن حفظ احلقوق‬ ‫النظــام وأن ذلك ِّ‬ ‫مثل هــذه الوثيقة ثابت‪ ،‬وإمنا اخلالف يف‬ ‫جلودهتا‪ ،‬فقد اشــتملت الوثيقة على ‪52‬‬
‫يف النظــام اإلســامي‪ ،‬مث يذكــر ما يف‬ ‫كامل الوثيقة اليت ســاقها ابن إســحاق‪،‬‬ ‫بنــ ًدا‪ 25 ،‬منها ختتص بأمور املســلمني‪،‬‬
‫معان شرعية كالعدل والنصح‬ ‫الوثيقة من ٍ‬ ‫حيــث مل يثبت ذلك بســند صحيح‪ ،‬وهلذا‬ ‫و‪ 27‬بنــ ًدا ينظــم العالقــة بني املســلمني‬
‫والــر‪ ،‬والتكافــل االجتماعــي‪ ،‬وصلــة‬ ‫فاالســتدالل هبا جيــب أن يراعــي ذلك‪،‬‬ ‫واليهــود‪ ،‬وتثبت مواد هــذه الوثيقة مبا ال‬
‫الرحم‪ ،‬والوفــاء بالعهد‪ ،‬ونصرة املظلوم‪،‬‬ ‫فال ُيســ َتند إىل كل حرف فيها يف حكم‬ ‫للشــك ما كانــت عليه الدولة‬ ‫يدع جما ًال ِّ‬
‫ومحاية غري املســلمني‪ ،‬وحريــة االعتقاد‬ ‫شــرعي ال يقــوى عليه الدليــل الضعيف‪،‬‬ ‫اإلسالمية وهي يف هذه املرحلة األوىل من‬
‫هلــم‪ ،‬واالتفــاق على الدفاع عــن املصاحل‬ ‫وهلذا فاالســتدالل هبذه الصحيفة ميكن‬ ‫تامة‪ ،‬وإفساح‬‫البناء والتأســيس من حرية َّ‬
‫املشــتركة‪ ،‬والوقــوف ضــد الظلــم‪،‬‬ ‫أن يتحقــق مــن ثالثة وجــوه‪ ،‬يتعلق األول‬ ‫لآلخرين للمشــاركة واملعايشــة القائمة‬
‫والفساد‪ ،‬والبغي‪ ،‬واملساواة بني املسلمني‪،‬‬ ‫باالســتدالل بأصــل الوثيقــة‪ ،‬ومبــا صح‬ ‫علــى احترامهــم‪ ،‬كما يظهــر ذلك من‬
‫والنهي عن مواالة األعداء‪.‬‬ ‫من ألفاظهــا فيما ميثل الثــاين األحكام‬ ‫خالل القــراءة املتأنِّية لبنود هذه الوثيقة‪،‬‬

‫هذه الصفات التي حوتها وثيقة المدينة قبل أربعة عشر قرناً مازالت‬
‫تامة‬
‫تعتبرها الدساتير الحديثة كمعايير لجودتها لما اشتملت عليه من حرية َّ‬
‫وإفساح لآلخرين للمشاركة والمعايشة القائمة على احترامهم‬

‫‪24‬‬
‫مـــــقــــــال‬
‫التعايش وانعكاسه في عصر‬
‫التواصل االجتماعي‬
‫ســــــهــــــوب بــــــغــــــدادي‬
‫كاتبة رأي‬

‫إن مســألة التعايــش وتقبل االختالفات الــي تقدمها املجتمعات‬


‫العصرية‪ ،‬خاص ًة يف خضم الثورة الرقمية وآثار العوملة تشــكل‬
‫حتديــا يف بعض األحيــان‪ ،‬فنجــد التنوع الثقــايف واحلضاري‪،‬‬ ‫ً‬
‫واللغوي‪ ،‬وغريه من االختالفات الالزمة لتطور وازدهار األمم وفق‬
‫املعايري الراهنة‪ ،‬إذ تعترب ضريبة التقدم وسرعة اإلجناز واالنفتاح‬
‫بعض الســلبيات اليت تواجه البعض ال حمالــة كالتعليقات غري‬
‫املســتحبة على مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬حيث يشــكل عدم‬
‫حتديا لألغلبية‪ ،‬إال أن الطرية األمثل‬
‫ً‬ ‫التفاعــل مع تلك التعليقات‬
‫تكمــن يف تفعيل مبدأ الرقابــة الذاتية أثناء التفاعل مع املحتوى‬
‫واألشخاص‪.‬‬
‫وذكرهتــا يف مقال ســابق يل‪" :‬فالكلمة الــي خترج ال تعود‪،‬‬
‫جرحا أكــر من جرحك لدى الشــخص‬ ‫ً‬ ‫وتأثريهــا قد يســتقي‬
‫املعــي"‪ ،‬لذا نكرب دور اجلهات املختصــة بالرقابة على املحتوى‬
‫الرقمي يف اململكة وتشــريع وتطبيــق العقوبات الالزمة –محانا‬
‫اهلل وإياكم‪ -‬من هذا املوطن‪ ،‬وقد ملســنا أمسى معاين التعايش‬
‫والترحيب مبختلف احلضــارات والثقافات يف جمتمعنا املضياف‬
‫الذي لطاملا اتســم بالكرم الطائــي‪ ،‬خاص ًة اليوم يف ظل انفتاح‬
‫اململكة على العامل اخلارجي‪ ،‬من خالل إتاحة السياحة مبختلف‬
‫التأشريات املخصصة هلذا الغرض‪ ،‬فكانت االنطباعات إجيابية‬
‫وهلل احلمد‪ ،‬ســواء كان املعين التنوع البيئي أم الثقايف اخلاص‬
‫بالشعب‪.‬‬
‫والتنــوع يف املجتمعات‬
‫ّ‬ ‫ختامــً‪ ،‬إن االختالف ال يعين اخلالف‪،‬‬
‫يعد من مواطن القوة‪ ،‬فكلما اتســمت اجلموع بالتقبل والتعايش‬
‫وازدهارا‪ ،‬فكونوا خمتلفني ال متخالفني‪.‬‬
‫ً‬ ‫كانت أكثر إنتاجية‬

‫‪25‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫دعوا إلحداث توازن في مقاربات العالم حول مفاهيمه‬

‫مختصون‪ :‬التسامح ركيزة لتعزيز‬


‫التعايش وتحقيق التنمية والتطور‬

‫نظمــه املركز مؤخــرًا بالتزامن مع‬


‫ســ ّلط املشــاركون يف ملتقى التســامح الــذي ّ‬
‫اليوم العاملي للتســامح الضوء على جهود اململكة يف ترســيخ التسامح وتعزيزه داخل‬
‫املجتمع‪ ،‬مؤكدين أمهية التسامح ودوره يف تعزيز السالم والتعايش وحتقيق التنمية‬
‫والتطور الذي تسعى له املجتمعات املستقرة مبختلف جنسياهتم وأعراقهم ودياناهتم‬
‫وثقافاهتم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪27‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬
‫أســف"‪ ،‬الفتًا إىل أن مســؤوليات الساسة‬ ‫واإلنصــات للرأي اآلخر‪ ،‬وقبول االختالف‬ ‫فضيلة كبرى‬

‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫والقــادة‪ ،‬واملنظمات واهليئات والشــعوب‬ ‫دينيــا ومذهبيا وعرقيا‪ ،‬قيم ال تتحقق إىل‬
‫يف البدايــة أكد ســعادة الدكتــور عبد‬
‫تزداد وتكرب‪ ،‬وحري باجلهود أن تتضافر‬ ‫بتبين وممارسة هذه الفضيلة الكربى‪.‬‬
‫العزيــز الســبيل رئيــس جملــس أمنــاء‬
‫وجتتمع‪ ،‬لتحويل فضيلة التسامح إىل واقع‬ ‫وأضاف الســبيل‪" :‬أنه رغم احتفاء األديان‬
‫املركز أن امللتقى جاء تفاعال من املركز‬
‫يعيشه األفراد وحتتفي به الشعوب‪.‬‬ ‫والثقافــات والقوانــن هبــذه الفضيلــة‪،‬‬
‫ومشــاركة العامل احتفاءه بيوم التسامح‪،‬‬
‫والتأكيد عليها‪ ،‬فــإن املراقب لألحداث‬
‫والعمــل علــى تأصيل هــذه الفضيلة اليت‬
‫يف مواطــن كثــرة مــن العامل‪ ،‬ســيجد‬
‫اإلسالم دين التسامح‬ ‫العنــف والقتــال واحلــروب والصراعــات‬
‫أكدها اإلسالم‪ ،‬عرب التوجيهات القرآنية‬
‫فيما أوضح معايل الشيخ الدكتور يوسف‬ ‫الكرمية‪ ،‬ومن خالل أقوال وأفعال النيب‬
‫تتضاعــف وتزداد‪ ،‬لذا‪ ،‬فإن االحتفاء بيوم‬
‫بن ســعيد عضو هيئــة كبــار العلماء أن‬ ‫الكرمي عليه أفضل الصالة وأمت التسليم‪،‬‬
‫التســامح يتحقق نظريًا بشــكل كبري‪،‬‬
‫اإلســام ديــن التســامح‪ ،‬موضحــً أن‬ ‫الفتا إىل أن التسامح قيمة عظيمة ينضوي‬
‫لكن بالنظر إىل املمارســات العاملية جند‬
‫تأصلة يف الشــريعة‬ ‫حتتها ويرتبط هبــا عدد كبري من القيم‪،‬‬
‫جذور قيم التســامح ُم ِّ‬ ‫هــذه الفضيلــة تتراجــع وتنحســر بكل‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مبينًا أن التسامح أحد األخالق‬ ‫مؤكــدا أن التعايــش‪ ،‬واحتــرام الغــر‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫السبيل‪ :‬التسامح قيمة عظيمة ينضوي‬
‫تحتها ويرتبط بها عدد كبير من القيم‬

‫املؤمتــرات الدوليــة كانــت دائمًا تركز‬ ‫اليت حرص اإلســام على ترســيخها لدى‬
‫علــى إدخــال القيم الدينيــة وتتحفظ على‬ ‫املســلمني‪ ،‬جتاه أنفســهم وجتــاه اآلخرين‬
‫مــا يتعارض معها‪ ،‬مع تقبل وتفهم القوانني‬ ‫مجيعا‬
‫ً‬ ‫عاما بني بين البشر‬
‫فجعل التسامح ًّ‬
‫الدولية؛ فالتســامح أصل من األصول اليت‬ ‫حيث منع اإلســام التعرض لدور العبادة‪،‬‬
‫قامت عليها الدولة»‪.‬‬ ‫ملا هلا من شــأن فيه‪ ،‬فلم يهدمها الرســول‬
‫ودعــا ابن معمر إىل ضــرورة إحداث توازن‬ ‫ومل يهدمهــا أبــو بكــر وال عمــر‪ ،‬فقــد‬
‫يف مقاربات العامل حول مفاهيم التســامح‬ ‫تسامح الرسول وصحابته مع أهل الكتاب‬
‫والتعايــش واحلــوار‪ ،‬مــع حفــظ كرامة‬ ‫وغريهم‪ ،‬كما جاء يف وثيقة املدينة عندما‬
‫الشــعوب والتزاماهتا األخالقيــة والقيمية‬ ‫وصى على دور العبادة‪.‬‬
‫ّ‬
‫املخصوصة‪.‬‬ ‫فيمــا قال معايل األســتاذ فيصــل بن عبد‬
‫الرمحن بن معمر املشرف العام على مشروع‬
‫ســام للتواصــل احلضاري‪ ،‬إن التســامح‬
‫أسلوب حياة‬ ‫ال يعــي التمــدن على طريقة حمــددة‪ ،‬أو‬
‫متثّل قيم جمتمع ما‪ ،‬على حســاب اهلويات من جهة أخرى‪ ،‬أوضح ســعادة نائب رئيس‬
‫واخللفيات الثقافية لكل جمتمع‪ ،‬مشــرًا جملــس األمنــاء واألمــن العــام للمركز‬
‫إىل أن الســعودية أعلنت رفضها يف أكثر الدكتــور عبــد اهلل الفــوزان‪ ،‬أن رؤيــة‬
‫من مناســبة سياسة قســر املجتمعات على اململكــة ‪ 2030‬أكدت أمهية تعزيز قيم‬
‫االلتزام بتوجهات معينــة‪ ،‬وأن ذلك ال يقع التسامح لدى املجتمع‪ ،‬الفتا إىل أهنا هتدف‬
‫إىل الوصول ملجتمع حيوي يوفر للمواطنني‬ ‫يف جمال التسامح يف شيء‪.‬‬
‫وأضــاف‪« :‬عندمــا حتضــر الســعودية يف احلياة الكرمية يف وطنهم وينقلهم ملصاف‬

‫‪29‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫الفوزان‪ :‬رؤية المملكة ‪ 2030‬أكدت أهمية‬
‫الدول املتقدمة‪.‬‬
‫وأشــار الفــوزان إىل أننــا عندمــا نــرى‬
‫التسامح هدفًا لتنمية القدرات البشرية يف تعزيز قيم التسامح لدى المجتمع‬
‫اململكة‪ ،‬فإن ذلك يؤصل لفكرة مؤداها‬
‫أن التســامح جيب أن يكون أسلوب حياة الفــرد نفســه وانتهــاء باملجتمع ككل‪ ،‬الطموحة ســننتقل من رؤية التسامح على‬
‫للمجتمــع بكل أطيافه وفئاتــه‪ ،‬بدءا من مضيفــا أننــا ففــي ظــل رؤيــة اململكة أنه مسة أو فضيلة فقط لرؤيته كاستثمار‬

‫‪30‬‬
‫ابــن سعيد‪ :‬التسامح أحــد األخــاق التي‬ ‫اجتماعــي يف أنفســنا وأســرنا وجمتمعنا‬
‫وبالدنا الكرمية‪.‬‬
‫حرص اإلسالم على ترسيخها لدى المسلمين‬ ‫واســتعرض ســعادته جهود املركز لتعزيز‬
‫التســامح بوصفه إحدى مؤسسات املجتمع‬
‫تجاه أنفسهم وتجاه اآلخرين‬ ‫الوطنيــة املعنية بغرس هــذه الفضيلة منذ‬

‫واثنينية احلوار ومعرض احلوار‪.‬‬ ‫تأسيسه‪ ،‬فجعلها أحد أهدافه اليت يسعى‬
‫لترســيخها لدى كافة أطياف املجتمع من‬
‫خالل التركيز على الفئات األكثر حاجة‬
‫مواقف إنسانية‬ ‫عرب توجيــه التدخــات املتمثلــة بالربامج‬
‫بدورها تناولت ســعادة األســتاذة مشــاعل‬ ‫واألنشطة واملبادرات اليت ينفذها‪ ،‬مبينا أن‬
‫املبارك مديــر عام إدارة التطــوع يف وزارة‬ ‫املركز يســهم يبذل بالتعاون والتنسيق مع‬
‫املوارد البشــرية والتنميــة االجتماعية دور‬ ‫اجلهات ذات العالقة جهودا حثيثة ليكون‬
‫التســامح يف العمل التطوعي‪ ،‬موضحة أن‬ ‫التســامح أحــد عناصــر ثقافــة املجتمــع‬
‫مفهوم التسامح يرتبط على أرض اململكة‬ ‫اجلاذبة لآلخر كقوة ناعمة يتم تســويقها‬
‫بالتطــوع ارتباطــً متجذرًا‪ ،‬واســتعرضت‬ ‫بواقعها احلقيقي‪ ،‬الســيما يف ظل ارتباط‬
‫املبــارك الدراســة الــي أجرهتــا منظمة‬ ‫الصورة الذهنية حول التســامح يف املجتمع‬
‫‪ IAVE‬عن أثر التطوع يف احلس اإلنساين‬ ‫الســعودي أمام بعض املجتمعــات األخرى‬
‫وارتبــاط تأثــره بتطور احلس اإلنســاين‬ ‫حبقائق غري واقعية وغري صحيحة‪ ،‬هدفها‬
‫لدى الشــباب واكتساب املهارات‪ ،‬وكما‬ ‫تشويه صورة املواطن السعودي‪.‬‬
‫سلطت الضوء على أبرز املبادرات واملواقف‬ ‫وأوضــح الفــوزان أن املركــز وانطالقــا‬
‫اإلنســانية بالعمــل التطوعــي‪ ،‬وأبــرزت‬ ‫مسؤوليته املجتمعية ودوره الوطين له جهود‬
‫منجزات العمل التطوعي وأثره االجتماعي‬ ‫هامة يف تعزيز مستوى التسامح يف املجتمع‬
‫واالقتصادي حىت شهر أكتوبر ‪2022‬م‪.‬‬ ‫الســعودي من خالل تنظيم وإقامة العديد‬
‫بينمــا تنــاول معايل األســتاذ عبــد العزيز‬ ‫من الفعاليات والربامج واملشــاريع املتنوعة‬
‫اخليال نائــب رئيس هيئة حقوق اإلنســان‬ ‫واليت تتم عــر إداراته املختلفة واليت يأيت‬
‫مفهوم التســامح‬ بوصفه مفهومًا إنســانيًا‬ ‫من أبرزها مؤشــرات التسامح والدراسات‬
‫يتداخــل مــع حقــوق اإلنســان يف كل‬ ‫االجتماعية واللقاءات والديوانيات احلوارية‬
‫اجلوانــب‪ ،‬مشــرا إىل أن األقــرب مــن‬ ‫والربامج التدريبية إضافة إىل برنامج نسيج‬

‫‪31‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نـــــــــــــدوة الــــــعــــــدد‬
‫التفاسري هو تعريف اليونيسكو للتسامح‬‪،‬‬
‫ابن معمر‪ :‬البد من إحــداث تــوازن في مقاربات‬ ‫الــذي ركــز علــى ثــاث مفــردات هي‬
‫االحتــرام والقبول والتقدير؛ وبذلك فإنه ال العالم حول مفاهيم التسامح والتعايش والحوار‬
‫ينطوي بالضرورة على املســاواة أو التنازل‬
‫أنظمة وتشريعات‬ ‫أو التســاهل اليت خيشــى منهــا يف هتديد بعض األحداث تراجعًا يف مستوى التسامح‬
‫الثقافات واخللفيات االجتماعية اخلاصة‪ .‬بني املختلفني يف املجتمع الواحد‪.‬‬
‫فيما قال ســعادة الدكتــور فهد الطياش‬ ‫وأضــاف اخليال‪ ،‬أن «التســامح كان هو‬
‫األساس يف كل االتفاقيات العاملية املتعلقة‬
‫حبقوق اإلنســان‪ ،‬وأن التسامح يكون لنا‬
‫وعلينا يف اآلن نفســه‪ ،‬وذلــك من أجل أن‬
‫يقبلنا اآلخر من املنطلق نفسه»‪ ،‬منوهًا بأن‬
‫الســعودية واحدة من الدول املؤثرة عامليًا‪،‬‬
‫وجيب بإزاء ذلك تطوير مفاهيم مشتركة‬
‫مع األمم األخــرى‪ ،‬ال تقصر املفاهيم على‬
‫جزئيــات صغــرة‪ ،‬وتفــرط يف املحصلــة‬
‫النهائية للمشتركات اإلنسانية‪.‬‬
‫وأكد اخليــال أن العــامل الرقمي أصبح‬
‫يشــغل حيــزًا واســعًا يف حيــاة املجتمع‪،‬‬
‫وبفضله أصبح املجتمع مفتوحًا على اآلخر‪،‬‬
‫وفــرض ذلك منطــً جديدًا مــن التواصل‬
‫بني العــامل‪ ،‬موضحًا أن هنــاك فرقًا بني‬
‫متانة التشــريعات القانونية اليت تتمتع هبا‬
‫الســعودية وتتعلق بتعزيز التسامح وتثبيت‬
‫أسسه‪ ،‬واتفاقها مع املعايري الدولية‪ ،‬وبني‬
‫املعايري االجتماعية اليت تشهد إشكاليات‬
‫يف أطروحات تتناقض مع قيمة التســامح‪،‬‬
‫كمــا نلمس ذلك على منصــات التواصل‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬وهو األمر الــدي حيدث يف‬
‫كل املجتمعــات البشــرية‪ ،‬اليت تعكس‬

‫‪32‬‬
‫الخيال‪ :‬التسامح يقوم على ُركن كرامة اإلنسان‬ ‫عضو جملس الشــورى ونائــب رئيس جلنة‬
‫اإلعــام يف املجلس إن اإلعالم الســعودي‬
‫ومراعاة حقوقه البشرية من غير تمييز‬ ‫بــدأ بتغيري البيئة من خــال تأكيده على‬
‫احترام حقــوق األفراد‪ ،‬مبينــا أن أنظمته‬
‫الوسائل واحلمالت والربامج‪ ،‬كما نصت‬ ‫اإلعالم للعام املــايل ‪ 1442-1443‬العمل‬
‫متنع نشر أو تداول أي حمتوى يتعارض مع‬
‫هــذه القرارات على أن تقــوم هيئة اإلذاعة‬ ‫علــى إعداد اســتراتيجية لدمــج الوافدين‬
‫النظام أو الشرع‪ ،‬مشريا إىل أن من قرارات‬
‫والتلفزيــون بعمل دراســة إلطــاق قنوات‬ ‫باململكة من خالل منظومة متكاملة من‬
‫جملس الشــورى فيما خيــص تقرير وزارة‬
‫أو منصــات إعالمية بلغــات أهم اجلاليات‬
‫يف اململكــة مــع ختصيــص ســاعات بث‬
‫هلــا يف إذاعاهتا لتعزيز معرفتهــا بالثقافة‬
‫السعودية‪.‬‬
‫أما الدكتــور ناصح البقمي عضو جملس‬
‫الشــورى وعضو جلنة الشــؤون اإلسالمية‬
‫والقضائية‪ ،‬فتحدث عن أمهية التســامح‬
‫واســتعرض عددا من النماذج من التسامح‬
‫واحلفــاظ على العــود يف عهد الرســول‪،‬‬
‫مبينا أن اإلســام دين التســامح واالنفتاح‬
‫على العامل‪ ،‬الفتــا إىل أن هناك مجاعات‬
‫وحورت‬
‫تدعي اإلسالم انغلقت على أنفسها ّ‬
‫التســامح علــى طريقتها‪ ،‬مشــرا إىل أن‬
‫موضــوع التنظيــم اإلعالمي املطــروح أما‬
‫جملس الشورى سيغطي مجيع املوضوعات‬
‫املطروحــة‪ ،‬مبينــا أن تداخــل العمــل بني‬
‫اجلهــات هو مــا أخر هذا طــرح التنظيم‪،‬‬
‫موضحــا أن اللجنــة الشــرعية يف املجلس‬
‫تبحث عددا مــن األنظمة وقد مت التواصل‬
‫مع عدد من اجلهــات صاحبة االختصاص‬
‫لكــي يتــم إصــدار أنظمــة وتشــريعات‬
‫تتناسب مع اإلعالم‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫أحد القيم األساسية التي تقوم عليها العالقات بين الشعوب‬

‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫في يومه العالمي‪..‬‬
‫ً‬
‫واقعا؟‬ ‫كيف يصبح التضامن اإلنساني‬

‫شهد العامل يف هناية القرن املاضي حتوالت اجتماعية‬


‫وسياســية وعســكرية دالــة‪ ،‬كان من آثارها انتشــار‬
‫واســع للحروب واملجاعات‪ ،‬وهو مــا دفع بالعديد من‬
‫املنظمات واهليئات واملؤسســات الدولية إىل االهتمام‬
‫بالقضايا ذات االرتباط بالتضامن اإلنساين ترسيخًا‬
‫ملبدأ العيش املشــترك‪ ،‬وتأكيدًا على القيم اإلنسانية‬
‫النبيلة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪35‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬
‫تأتي أهمية اليوم العالمي للتضامن اإلنساني في خضم ما نعيشه‬

‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫اليوم في العالم من حروب وكوارث ومشاكل اقتصادية ومجاعات وغيرها‬
‫ليكون أحد أهم األيام الدولية التي تثبت فكرة اإلخوة اإلنسانية بين‬
‫الشعوب والديانات المختلفة‬
‫عنه‪.‬‬ ‫الشراكة والتعاون فيما بينهم على أداء‬ ‫خلق إنساني رفيع‬
‫والتضامــن هو الشــعور الســامي الذي‬ ‫املهمــات مبختلف أنواعهــا‪ ،‬وينعكس‬
‫وميثّــل التضامن اإلنســاين أحــد القيم‬
‫يطغــى علــى روح املجتمــع‪ ،‬فيجعلــ ُه‬ ‫أثره اإلجيايب على اجلميع‪.‬‬
‫األساســية والعامليــة الــي تقــوم عليها‬
‫يتكاتف ويســاند بعضه البعض‪ ،‬سعيًا‬ ‫عــرف التضامــن بأنــه أحــد القيــم‬
‫وي ّ‬‫ُ‬ ‫العالقات بني الشــعوب والدول‪ ،‬كونه‬
‫للعمل للوصول ملســتقب ٍل أفضل للجميع‪.‬‬ ‫األساســية للعالقات الدوليــة يف القرن‬
‫خلقًا إنســانيًا رفيعًا له مكانة مرموقة‬
‫وهو القيمة اليت جتعل من الفرد ميد يده‬ ‫احلادي والعشرين‪ ،‬حيث يستحق الذين‬
‫يف القلــوب حيــث يشــجع النــاس على‬
‫بالعون ألخيه الفرد‪.‬‬ ‫يعانــون (ومن مل يســتفيدوا كثريا من‬
‫معــا‪ ،‬وحــدوث ألفــة وتبادل‬ ‫االندمــاج ً‬
‫وال شــك أن هــذه القيمــة الــي عندما‬ ‫العوملة) املســاعدة والعون ممن استفادوا‬
‫للخــرات والتجــارب فيمــا بينهــم‪،‬‬
‫يتحلى هبا األشــخاص واألســر وتطغى‬ ‫كثريا منها‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬يعد تعزيز‬
‫بعضا يف ك ّل شيء‪،‬‬‫فيساعدون بعضهم ً‬
‫على املجتمع‪ ،‬فإهنا بالتأكيد ستسمح‬ ‫التضامــن الــدويل‪ ،‬يف ســياق العوملــة‬
‫معا‪،‬‬
‫ً‬ ‫املجتمع‬ ‫أبناء‬ ‫حيث هو يقوي روابط‬
‫لــه بالتصدي علــى أصعــب التحديات‬ ‫وحتــدي تزايد التفاوتــات‪ ،‬أمرا ال غىن‬
‫ويعزز الصالت بني األشــخاص‪ ،‬ويعزز‬
‫مــن حــروب وأوبئة وكــوارث فالتحلي‬
‫بالتضامــن اإلنســاين كقيمــة‪ ،‬يعين‬
‫كذلك اإلميان باالختالف والتنوع الغين‬
‫للثقافات واحلضارات واألعراق واألديان‬
‫حول العامل وســيدفع هذا اإلميان الفرد‬
‫لقبــول اآلخر‪ ،‬وبالتــايل التعاون والعمل‬
‫معــه لبنــاء جمتمــع أقل فقــرًا وأفضل‬
‫للجميع‪.‬‬

‫وطـأة العولمة‬
‫وبنــاء على ذلــك يعد مفهــوم التضامن‬
‫اإلنساين أحد أبرز القيم املعززة للعالقة‬
‫بني الشــعوب والــدول‪ ،‬تأكيــدًا على‬
‫مبدأ التضامن بــن الدول واملجتمعات‪،‬‬
‫مسامهة يف التخفيف من وطـــأة العوملة‬
‫الــي زادت اهلــوة الطبقيــة والتفاوتات‬
‫االجتماعية والثقافية‪ ،‬وحاصرت التنوع‬
‫اإلنســي مبختلــف مشــاربه احلضارية‬
‫فكان تدخل عدد من املنظمات الدولية‪،‬‬
‫ا يف إهناء عــدد مــن الصراعات‬ ‫عامــ ً‬
‫ا عــن املســاعدة يف‬‫واحلــروب‪ ،‬فضــ ً‬
‫اجلوانــب ذات االرتباط بقضايا الصحة‬
‫والتعليم وحتسني ظروف العيش بشكل‬
‫عام‪.‬‬
‫كمــا أن هــذا املفهــوم اعتمــد رمسيًا‬
‫من طــرف األمم املتحدة منذ نشــأهتا‪،‬‬
‫وذلك رغبــة يف حتقيق التعــاون الدويل‬
‫حلــل املشــاكل الدوليــة ذات الطابــع‬

‫‪36‬‬
‫يكتسب التضامن أهمية كبيرة إذ ال يمكن أن يقام المجتمع إال‬
‫من خالل التضامن والتعاون وإذا ما كان ال بد من إظهار التضامن‬
‫اإلنساني فإنه سيكون خالل الجوائح التي تضرب البشرية من دون‬
‫تمييز بين الدول والشعوب‬

‫والرئيس الســابق للجمهوريــة البولندية‬ ‫قواعد التعاون الدويل ملواجهة التحديات‬ ‫االقتصــادي أو االجتماعي أو الثقايف أو‬
‫احلاصــل على جائزة نوبل للســام ليخ‬ ‫العامليــة‪ ،‬ذات الطابــع االقتصــادي أو‬ ‫اإلنســاين‪ ،‬هبدف أن تصل البشرية إىل‬
‫فاليســا يف عــام ‪ ،1983‬حيــث اعتــر‬ ‫االجتماعــي أو الثقــايف أو اإلنســاين‪،‬‬ ‫مرحلة يعيــش كافة أفرادهــا يف أمن‬
‫أن التضامــن اإلنســاين ميكن أن يؤثر‬ ‫كما تدعو فيه إىل رفع مســتوى الوعي‬ ‫وســام‪ ،‬باعتباره مقيــاس لتطور األمم‬
‫إجيابــً يف العامل‪ ،‬داعيــً منظمة األمم‬ ‫العــام بأمهية التضامــن‪ ،‬وتعزيز ثقافة‬ ‫والشــعوب ومواكــب للبعد اإلنســاين‬
‫املتحــدة لتحديــد يــوم دويل للتضامــن‬ ‫املشــاركة للقضاء علــى مظاهر الفقر‬ ‫الــذي يــرز اجلوانب املضيئة للمســرة‬
‫اإلنساين‪ ،‬وأضاف‪« :‬املطلوب التضامن‬ ‫وضمان الكرامة للجميع‪.‬‬ ‫اإلنسانية النبيلة للبشرية‪.‬‬
‫وليس الشــفقة‪ ،‬جيــب أن توحد جهود‬ ‫وهلذا فقد أعلنت اجلمعية العامة يوم ‪20‬‬
‫املجتمــع الــدويل للتفــوق علــى أولوية‬ ‫ديسمرب‪ ،‬يومًا دوليًا للتضامن اإلنساين‪،‬‬
‫املصاحل الوطنية لصاحل مبدأ التضامن‬ ‫المصالح الوطنية‬ ‫وهــو يوم تؤكد فيــه حكومات العامل‬
‫اإلنساين»‪ ،‬ويف عام ‪ 2000‬حددت دول‬ ‫وتعود فكرة حتديد يوم دويل للتضامن‬ ‫ضرورة االلتزام بتعزيز التضامن لتحقيق‬
‫العــامل التضامــن باعتباره أحــد القيم‬ ‫اإلنساين إىل مؤسس احلركة العمالية‬ ‫أهــداف التنمية املســتدامة‪ ،‬وترســيخ‬
‫األساســية الضرورية للعالقات الدولية‬
‫يف القــرن احلادي والعشــرين‪ ،‬ذلك من‬ ‫سعت األمم المتحدة من تحديد يوم لالحتفاء‬
‫خالل إعالن األلفيــة الثالثة (تضمن ما‬ ‫بالتضامن اإلنساني لتحقيق مجموعة من األهداف‬
‫منها االحتفاء بوحدة الكيان البشري رغم تنوعه من‬
‫جيب القيام به للقضاء على الفقر)‪.‬‬
‫ويتكون شــعار اليوم الــدويل للتضامن‬
‫ّ‬
‫اإلنســاين من رســم للكــرة األرضية؛‬ ‫حيث الثقافات والديانات والعادات والتقاليد‬

‫‪37‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫احلكومات بضرورة احترام التزاماهتا‬ ‫حيــث يتــم التركيــز علــى القطــب الرمسية واملدونات على شبكة اإلنترنت‬
‫يف االتفاقات الدولية‪ ،‬الســيما ما يتعلق‬ ‫الشــمايل‪ ،‬وهــو يصــور كل القــارات من املجموعات أو األفــراد أو املنظمات‬
‫منهــا بالتضامــن اإلنســاين كتقــدمي‬ ‫باستثناء القارة القطبية اجلنوبية‪ ،‬وأربع امللتزمة بالتضامن العاملي‪.‬‬
‫املســاعدات لبلد منكوب (كما فعلت‬ ‫دوائــر متحــدة املركز ميثــل درجة من‬
‫الواليــات املتحدة األمريكية وفرنســا‬ ‫خط العرض‪ ،‬وحييط هبذا الرسم صور‬
‫جتــاه هايييت بعد الزلــزال الذي أصاب‬ ‫حروب وكوارث‬ ‫أغصــان الزيتون‪ ،‬اليت متثل الســام‪،‬‬
‫اجلزيرة عام ‪ ،2007‬وتســبب خبسائر‬ ‫يكــون لون الشــعار هــو يف كثري من وتــأيت أمهية اليــوم العاملــي للتضامن‬
‫كبــرة يف األرواح واملمتلكات) فضال‬ ‫األحيــان األزرق‪ ،‬على الرغم من أنه يتم اإلنســاين يف خضم ما نعيشــه اليوم يف‬
‫عــن رفع مســتوى الوعي العــام بأمهية‬ ‫طباعته باللون األبيض على خلفية زرقاء العامل من حروب وكوارث ومشــاكل‬
‫التضامــن‪ ،‬مــن خــال املحاضــرات‬ ‫اقتصادية وجماعــات وغريها‪ ،‬ليكون‬ ‫على علم األمم املتحدة‪.‬‬
‫والندوات واملقاالت اليت تتحدث عن هذا‬ ‫وتشمل أنشــطة االحتفال باليوم الدويل أحــد أهم األيــام الدولية الــي أطلقتها‬
‫األمر وكذلك تشــجيع النقاش بشــأن‬ ‫للتضامــن اإلنســاين تعزيــز محــات منظمــة األمــم املتحدة علــى اإلطالق‪،‬‬
‫ســبل تعزيز التضامن لتحقيق األهداف‬ ‫عديدة‪ ،‬منها حظر األلغام األرضية وجعل وذلــك ملــا حيمله هــذا اليــوم من معىن‬
‫اإلمنائية لأللفية‪ ،‬مبــا يف ذلك القضاء‬ ‫الصحة والــدواء يف متنــاول املحتاجني عميــق وبعيــد وأصيــل‪ ،‬يثبــت فكرة‬
‫على الفقر‪.‬‬ ‫إضافة إىل جهود اإلغاثة ملساعدة أولئك اإلخوة اإلنســانية بني الشعوب واألعراق‬
‫عــاوة على تشــجيع مبــادرات جديدة‬ ‫الذين عانوا من آثار الكوارث الطبيعية والديانات املختلفة‪.‬‬
‫تشــرك يف اجلميــع يف مكافحة الفقر‬ ‫أو اليت من صنع اإلنســان وأيضا حتقيق وقد ســعت منظمــة األمــم املتحدة من‬
‫والعــوز وتدفعهــم للتضامــن يف ســبيل‬ ‫التعليــم للجميــع وكذلــك مكافحــة حتديد يوم لالحتفال بالتضامن اإلنساين‬
‫هذا اهلدف الســامي‪ ،‬كمبادرة إنشاء‬ ‫الفقــر والفســاد واإلرهاب‪ ،‬وعــادة ما لتحقيــق جمموعة من األهــداف‪ ،‬منها‬
‫صنــدوق للتضامن العاملــي‪ ،‬الذي مسي‬ ‫يتم الترويج هلــذا اليوم من خالل مجيع االحتفــاء بوحدة الكيان البشــري رغم‬
‫بـــالصندوق االســتئماين التابع لربنامج‬ ‫أشــكال وســائل اإلعالم‪ ،‬مبا يف ذلك تنوعه (من حيــث الثقافات‪ ،‬الديانات‪،‬‬
‫األمــم املتحــدة اإلمنائــي‪ ،‬ويهدف إىل‬ ‫مقاالت املجالت واخلطب يف املناســبات العــادات والتقاليــد) إضافــة لتذكري‬

‫‪38‬‬
‫واجب جيب أداؤه‪.‬‬ ‫وتــؤدي إىل اســتدامتهما علــى الصعيد‬ ‫القضــاء على الفقــر‪ ،‬وتعزيــز التنمية‬
‫كمــا أظهرت هــذه اجلائحــة أنه على‬ ‫قوامها‬
‫العاملي؛ إضافة إىل إنشاء عالقة ُ‬ ‫البشــرية والرخاء االجتماعي يف البلدان‬
‫احلكومــات يف مجيع أحنــاء العامل‪،‬‬ ‫الثقــة واالحتــرام املتبــادل بــن الدول‬ ‫النامية وهو يوم يضاف إىل اليوم العاملي‬
‫ضمــان اســتمرار توفــر اخلدمــات‬ ‫واجلهات من غري الدول‪ ،‬من أجل تعزيز‬ ‫للغــذاء يف ‪ 16‬أكتوبــر‪ ،‬واليوم العاملي‬
‫الصحيــة األساســية ومحايــة النظــم‬ ‫السالم واألمن والتنمية وحقوق اإلنسان؛‬ ‫للقضــاء على الفقر واليوم العاملي للعمل‬
‫الصحية ومســاعدة الناس على مواجهة‬ ‫وكذلــك تعزيز نظــام اجتماعي ودويل‬ ‫اإلنســاين ف وغريهــا مــن املناســبات‬
‫الشــدائد من خالل احلماية االجتماعية‬ ‫ا جلميــع حقوق‬ ‫يتيــح تطبيقــً كامــ ً‬ ‫الدوليــة اليت تنم عن احلالة املزرية اليت‬
‫واخلدمات األساسية‪ ،‬ومحاية الوظائف‬ ‫اإلنسان واحلريات األساسية‪.‬‬ ‫يعيشها كثري من الناس على كوكب‬
‫ودعم املشروعات الصغرية واملتوسطة‪.‬‬ ‫ويكتســب التضامن أمهية كبرية‪ ،‬إذ‬ ‫األرض‪ ،‬مما يؤرق ذوي الضمائر احلية‪،‬‬
‫ال ميكــن أن يقام املجتمع إال من خالل‬ ‫ويقــض مضاجــع أصحــاب النفــوس‬
‫التضامــن والتعــاون‪ ،‬وإذا مــا كان ال‬ ‫املتيقظة‪.‬‬
‫المملكة نموذج‬ ‫بد من إظهار التضامن اإلنســاين‪ ،‬فإنه‬
‫ســيكون خالل اجلوائح الــي تضرب‬
‫للتضامن اإلنساني‬ ‫البشــرية مجعــاء مــن دون متييــز بني‬ ‫الثقة واالحترام‬
‫وقــد ضربت اململكــة أروع األمثلة يف‬ ‫الدول والشعوب وما جائحة كورونا إال‬ ‫وطاملــا شــكل التضامن الــدويل مبد ًأ‬
‫التضامن اإلنســاين‪ ،‬وكانت األكثر‬ ‫إحدى هــذه اجلوائح الــي كان ينبغي‬ ‫أساســيًا يقــوم عليــه القانــون الدويل‬
‫متيــزًا وفاعلية‪ ،‬حيث اســتطاعت أن‬ ‫أن يظهــر فيهــا التضامن اإلنســاين يف‬ ‫املعاصــر‪ ،‬هبدف احلفــاظ على النظام‬
‫ترســخ قيمة العمل اخلريي واإلنساين‬ ‫أعلى مستوياته‪ ،‬إذ أبرزت هذه اجلائحة‬ ‫الــدويل وضمان بقــاء املجتمــع الدويل‬
‫لتحســن حياة الشــعوب‪ ،‬منذ النشأة‬ ‫بشكل جلي أمهية التضامن اإلنساين‪،‬‬ ‫ويتلخــص اهلدف العــام مــن التضامن‬
‫على يد املؤســس امللــك عبدالعزيز –‬ ‫وعظمت احلاجة إىل ممارسته وتطبيقه‬ ‫َّ‬ ‫الدويل يف إنشاء بيئة مواتية ملنع والقضاء‬
‫طيــب اهلل ثــراه – فقد بذلــت جهودا‬ ‫مــن األفــراد واهليئــات واملجتمعــات‬ ‫على أســباب التفاوت وعدم املساواة بني‬
‫كبــرة ومســاعي حثيثــة للتعبري عن‬ ‫الدوليــة‪ ،‬إذ حتول التضامن اإلنســاين‬ ‫الدول وضمنهــا‪ ،‬والعقبــات اهليكلية‬
‫تضامنها مع الفئات واملجتمعات كلها‬ ‫مــن قيمة وفضيلة نســعى لنشــرها إىل‬ ‫والعوامل اليت تولّد الفقر وعدم املساواة‬

‫‪39‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫الــدور اإلنســاين والتنمــوي الفاعــل‬
‫الــذي تقوم به جتــاه الــدول املحتاجة‬ ‫يعد التضامن اإلنساني خلقاً إنسانياً رفيعاً‬

‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫واملتضررة‪ ،‬لتجعل من البعد اإلنساين‬ ‫له مكانة مرموقة في القلوب حيث يشجع الناس‬
‫هنجــً ثاب ًتــا يف سياســتها‪ ،‬حيث جاء‬
‫تدشــن مركز امللك ســلمان لإلغاثة‬ ‫معا وحدوث ألفة وتبادل للخبرات‬ ‫على اإلندماج ً‬
‫واألعمال اإلنسانية الذي سجل حضورًا‬ ‫والتجارب فيما بينهم كما يقوي روابط أبناء المجتمع‬
‫دوليــً الفتًا يف املشــهد اإلنســاين من‬
‫خالل تنفيذه لـ ‪ 1.705‬مشاريع إنسانية‬
‫معا ويعزز الروابط بين األشخاص‬
‫ً‬
‫وإغاثيــة يف ‪ 69‬دولــة حــول العــامل‪،‬‬
‫بقيمة جتاوزت ‪ 5‬مليارات و‪ 430‬مليون‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وقيمها الدينية واحلضارية‬ ‫املحتاجــة للعون واإلغاثة واملســاعدة‪،‬‬
‫و‪ 528‬ألــف دوالر أمريكي‪ ،‬شــاملة‬ ‫والتارخييــة‪ ،‬وجهودهــا املســتمرة يف‬ ‫وذلك من خالل تقدمي برامج إنســانية‬
‫تلك املشروعات قطاعات حيوية عدة‪.‬‬ ‫تأصيــل روح العطــاء والعمل اخلريي‪،‬‬ ‫وإغاثيــة للــدول حول العــامل بصرف‬
‫هاما‬
‫ويشــكل العمل التطوعي رك ًنا ً‬ ‫ومبادئهــا الدبلوماســية احلكيمة يف‬ ‫النظــر عن عرقها أو دينهــا أو مكان‬
‫يف أعمال املركز إذ نفذ ‪ 159‬برناجمًا‬ ‫تعزيز التضامن اإلنساين كنهج راسخ‬ ‫وجودهــا‪ ،‬إمياهنــا بأمهيــة الــدور‬
‫تطوعيًا يف جماالت متعددة يف ‪ 19‬دولة‬ ‫يف ظل املسرية التنموية الشاملة بقيادة‬ ‫اإلنســاين والتنموي الفاعل الذي تقوم‬
‫حول العامل‪ ،‬استفاد منها أكثر ‪362‬‬ ‫خادم احلرمني الشــريفني امللك سلمان‬ ‫به جتــاه الــدول املحتاجــة واملتضررة‬
‫ألف مســتفيدًا‪ ،‬منهــا برامج طبية يف‬ ‫بن عبــد العزيز حفظــه اهلل‪ ،‬حتقيقًا‬ ‫وهلــذا فقــد تركت أيــادي بيضاء يف‬
‫مكافحة العمى واألمراض املسببة له‪،‬‬ ‫ألهداف رؤية اململكة ‪.2030‬‬ ‫خمتلف أرجــاء املعمورة‪ ،‬أصبح العامل‬
‫وجراحة القلب املفتوح والقسطرة‪ ،‬إىل‬ ‫وتكمن ريادة اململكة يف جمال العمل‬ ‫أمجــع يقــدر هــذا الــدور الســعودي‬
‫جانب برامــج اجلراحات املتخصصة‪،‬‬ ‫اخلريي واإلنساين على مستوى العامل‬ ‫اإلنساين الذي يدعو إىل الفخر‪.‬‬
‫وذلــك مبشــاركة كــوادر ســعودية‬ ‫يف العديــد مــن املبــادرات اإلنســانية‬ ‫وتســتمد اململكــة هــذا النهــج‬
‫متطوعــة من األطبــاء واملتخصصني‪،‬‬ ‫واملساعدات من منطلق إمياهنا بأمهية‬ ‫انطالقــً مــن التعاليم اجلليلــة للدين‬

‫‪40‬‬
‫مـــــقــــــال‬
‫والحوار والتمكين تعزز‬ ‫بالتسامح‬
‫إجــراء أكثر من‬ ‫والــذي متكنوا من‬

‫مكانتها اإلنسانية (‪)2/1‬‬ ‫المملكة‬


‫‪ 46‬ألف عملية جراحية وتقدمي العالج‬
‫آلالف املســتفيدين مــن األســر ذوي‬
‫الدخل املحدود يف الدول املستهدفة‪.‬‬

‫اململكة هذا األمر على حممل اجلد‪،‬‬ ‫تويل اململكة أمهية متعاظمة لقضية‬
‫د‪.‬هادي بن علي اليامي‬
‫ومتسكت باحلفاظ على تلك احلقوق‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وحرصت منذ توحيدها‬
‫كاتب رأي‬ ‫مهما كانــت الظروف واملالبســات‪،‬‬ ‫علــى تأكيــد هــذه احلقيقــة‪ ،‬فقد‬
‫الطفــل واملتعلق بتجرمي بيــع األطفال‬ ‫حــى أصبحت صيانة حقوق اإلنســان‬ ‫نصت املادة (‪ )26‬من النظام األساسي‬
‫واســتغالهلم‪ ،‬واتفاقيــة حقــوق‬ ‫مبفهومها الشــامل الواســع وتعزيزها‬ ‫للحكم علــى أن الدولة "حتمي حقوق‬
‫األشــخاص ذوي اإلعاقــة‪ ،‬وامليثــاق‬ ‫ومنع التغول عليها واقعا تعززه األحداث‬ ‫اإلنســان وف ًقا للشــريعة اإلســامية"‪.‬‬
‫العريب حلقوق اإلنســان‪ ،‬كما قامت‬ ‫وتؤكده الوقائع‪.‬‬ ‫كما أشارت املادة (‪ )36‬إىل أن الدولة‬
‫بإجراء تعديالت أساســية استكملت‬ ‫ومــع أن حقوق اإلنســان ظلــت تتمتع‬ ‫"تقــوم بتوفري األمن جلميــع املواطنني‬
‫النواقص يف منظومتها التشريعية‪.‬‬ ‫حبمايــة من أعلــى مســتويات القيادة‬ ‫واملقيمــن‪ ،‬وال جيــوز تقييد تصرفات‬
‫طيلــة العقــود الســابقة‪ ،‬إال أن ما مت‬ ‫أحــد أو توقيفه أو حبســه إال مبوجب‬
‫حتقيقه خالل السنوات السابقة يف ظل‬ ‫أحكام النظام"‪ .‬أمــا املادة (‪ )37‬فقد‬
‫قيــادة خادم احلرمني الشــريفني امللك‬ ‫أكدت على "حرمة املســاكن وعدم‬
‫ســلمان بن عبد العزيــز – حفظه اهلل‬ ‫دخوهلا بغري إذن صاحبها‪ ،‬وال تفتيشها‬
‫– ميثل فصال جديدا من االهتمام غري‬ ‫إال يف حالة معينة يبينها النظام"‪ ،‬فيما‬
‫املســبوق بتعزيز هذه القيم اإلنسانية‪،‬‬ ‫تشــدد املادة (‪ )38‬على "أنه ال جرمية‬
‫ال ســيما بعــد إقــرار رؤيــة اململكة‬ ‫بناء على نص شــرعي أو‬ ‫وال عقوبة إال ً‬
‫‪ ،2030‬ولتأكيــد ذلك يكفي القول‬ ‫نظامي"‪.‬‬
‫إنه خــال هذه الفتــرة مت إصدار ‪60‬‬ ‫هــذه املــواد الواضحة الــي جاءت يف‬
‫قرارًا إصالحيًا تتناول حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫أهــم وثيقة قانونية تثبــت أن االهتمام‬
‫والتحقت اململكة بالعديد من القوانني‬ ‫الســعودي حبقــوق اإلنســان هو هنج‬
‫واملواثيــق اإلنســانية‪ ،‬ووقّعــت علــى‬ ‫اختطتــه الدولة منذ تأسيســها‪ ،‬وأنه‬
‫معظمها‪ ،‬مع حتفظها على ما يتعارض‬ ‫ناتــج عن قناعة داخلية وينبع من رغبة‬
‫مع الدين اإلســامي وثوابت املجتمع‪،‬‬ ‫املجتمع وتوجهات القيادة‪ ،‬وليس ملجرد‬
‫وهو حق أقرته املنظمات الدولية‪.‬‬ ‫الرغبــة يف مســايرة املجتمع الدويل أو‬
‫فقــد صادقت علــى املواثيــق الدولية‬ ‫االستجابة لضغوط‪.‬‬
‫املتعلقة بالقضاء على مجيع أشــكال‬ ‫وفــق هــذا املفهــوم الواضــح اهتمت‬
‫التمييــز العنصــري‪ ،‬والتمييــز ضــد‬ ‫الدولة على مــر تارخيها بتأكيد هذه‬
‫املــرأة‪ ،‬واتفاقية مناهضــة التعذيب‪،‬‬ ‫املعــاين الســامية‪ ،‬وأظهــرت حرصا‬
‫وغــره من ضروب املعاملــة أو العقوبة‬ ‫كبــرا علــى تعزيزهــا وترســيخها‪،‬‬
‫القاســية أو غري اإلنســانية أو املهينة‪،‬‬ ‫ومل تتســاهل علــى اإلطــاق مــع أي‬
‫واتفاقية حقــوق الطفل‪ ،‬والربتوكول‬ ‫حمــاوالت لتجاوزها‪ ،‬ألن تلــك القيم‬
‫االختيــاري التفاقيــة الطفــل بشــأن‬ ‫املثلى هي جوهر ما جاءت به الشــريعة‬
‫جتنيد األطفال يف الزناعات املسلحة‪،‬‬ ‫اإلســامية اليت اختذهتا هــذه البالد‬
‫والربوتوكــول االختيــاري التفاقيــة‬ ‫دستورا ونظاما للحكم‪ ،‬لذلك أخذت‬

‫‪41‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫بعيداً عن الصراعات السياسية‬

‫الــريــــاضـــة‬
‫جسر للتواصل وتقريب‬
‫الشعوب وتوحيدها‬

‫منذ القدم واإلنســان يبحث عن وســيلة للتعارف والتقارب بني الشعوب‪ ،‬ويف‬
‫سبيل ذلك وجد العديد من الوسائل كالفن واملوسيقى‪ ،‬لكن تبقى الرياضة‬
‫إحدى أهم تلك الوســائل لتوطيد العالقات بني شــعوب العامل وتوحيدها‪،‬‬
‫ونشــر السالم واملحبة والتســامح ونبذ العنف والتطرف بينها‪ ،‬نظرًا ملا فيها‬
‫من تنافس شريف‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫تضطلع الرياضة بدور كبير في مواجهة أشكال‬
‫العنصرية والتعصب‪ ،‬ومكانتها المهمة في مناهضة‬
‫هذه الظواهر السلبية‬

‫‪43‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫الرياضة تلعب دوراً هاماً في تعزيز عالقات وأواصر األخوة‬

‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫خاصة إذا ما كانت تلك الشعوب تلتقي فعلياً في‬
‫ً‬ ‫بين الشعوب‬
‫مشتركات كثيرة‬

‫ٍ‬
‫حــد‬ ‫والطبقــات االجتماعيــة علــى‬‫اجلمعية العامــة‪ ،‬ولطاملا قام مكتب‬ ‫أداة فعالة ومرنة‬
‫ســواء‪ ،‬وهي تؤدي أيضــً دورًا بارزًا‪،‬‬
‫األمم املتحدة املعين بتســخري الرياضة‬
‫وطاملا أثبتت الرياضــة أهنا أداة فعالة‬
‫إذ تعزز التكامل االجتماعي والتنمية‬ ‫ألغــراض التنمية والســام بالتقريب‬
‫ومرنة لتعزيز أهداف السالم والتنمية‪،‬‬
‫االقتصاديــة يف خمتلــف الســياقات‬ ‫بني البشــر عن طريــق الرياضة ودعم‬
‫وهلذا فقد أقرت األمم املتحدة ‪ 6‬أبريل‬
‫اجلغرافية والثقافية والسياسية‪ ،‬كما‬ ‫مبــادرات تســخري الرياضــة ألغراض‬
‫مــن كل عام يومــا دوليــا للرياضة‪،‬‬
‫تشــكل الرياضــة أداة قويــة لتوطيد‬ ‫السالم‪ ،‬بدءًا من املناسبات الرياضية‬
‫وهــو ميثل فرصة للتعــرف على الدور‬
‫الروابــط والشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬ ‫الضخمــة وصــوال إىل األنشــطة‬
‫اإلجيــايب الــذي تلعبــه يف املجتمعات‬
‫ولتعزيــز املثــل العليا للســام واألخوة‬
‫الشــعبية‪ ،‬حىت إن الــدول واملنظمات‬
‫ويف حياة الناس يف مجيع أحناء العامل‬
‫والتضامــن والالعنــف والتســامح‬ ‫الكربى تستثمر الرياضيني املشهورين‬
‫بعيــدًا عــن الصراعات السياســية او‬
‫والعدالة‪.‬‬
‫كسفراء للسالم وقيادة جهود التآخي‬
‫املصاحل الضيقة‪.‬‬
‫وإحــال الــود والصلــح ودفــع جهود‬
‫ومتتلــك الرياضــة القدرة علــى تغيري‬
‫السالم ورأب سوء العالقات أو مظاهر‬
‫نوافذ وأبواب‬ ‫التهميش والزناع‪.‬‬
‫العــامل‪ ،‬فهي حــق أصيــل وأداة قوية‬
‫وتتحــدث منظمة األمم املتحدة للتربية وصــدق الروائي اإلجنليــزي جورج أور‬ ‫لتقويــة الروابــط االجتماعيــة وتعزيز‬
‫والعلــم والثقافــة (اليونيســكو) عن ويل مؤلف رواية مزرعة احليوانات حني‬ ‫التنمية املســتدامة والسالم والتضامن‬
‫تســخري الرياضــة مــن أجل الســام كتب مقاال عن الرياضة والسالم بني‬ ‫واالحتــرام‪ .‬فمنــذ بدايــة األهــداف‬
‫والتنميــة‪ ،‬وتــرى أن ممارســتها هــي الشــعوب‪ ،‬فند فيه أقوال بعض الناس‬ ‫اإلمنائيــة لأللفيــة يف عــام ‪2000‬م‪،‬‬
‫وســيلة ُمعترف هبا لتعزيز السالم؛ إذ بــأن الرياضة تقرب وتقــوي العالقات‬ ‫اضطلعــت الرياضــة بــدور حيــوي‬
‫إهنــا تتغاضى عن احلــدود اجلغرافية بني الشعوب‪ ،‬ألهنا أصبحت يف الواقع‬ ‫يف القــرارات املتعــددة الصــادرة عن‬

‫‪44‬‬
‫تعتبر الرياضة بحد ذاتها ترسيخاً لوحدة الشعوب وتآخيها عبر تنظيم‬
‫البطوالت والمنافسات العالمية والدولية واستضافتها بشكل منتظم في‬
‫مختلف قارات العالم‬

‫ســببا يف ختفيــض التوتر بني‬


‫ً‬ ‫كانت‬ ‫واملعرفة‪ ،‬مما ُيضاعف فرص التالقي‬ ‫مصــدرا إلثــارة مشــاعر الكراهيــة‬
‫البلديــن وتركــت انطباعــً طيبــً‪،‬‬ ‫والتآخي‪ ،‬وهلذا فقــد أخذت الرياضة‬ ‫وتوتري العالقات بني الشــعوب يف بعض‬
‫كما يستذكر الشــعبان األمريكي‬ ‫املقــرب بــن الشــعوب والصانــع‬
‫ّ‬ ‫دور‬ ‫األحيان‪ ،‬وكما يقول اخلبري الفرنسي‬
‫والصيين مباراة تنس الطاولة بني فريق‬ ‫لدفء العالقات‪.‬‬ ‫باســكال بوين فيس يف مقال عنوانه‬
‫الواليــات املتحدة األمريكيــة وفريق‬ ‫اجلغرافيــة السياســية للرياضــة فإن‬
‫الصــن الشــعبية والــي مثلــت نقطة‬ ‫الرياضة قد تنعش مشــاعر األخوة يف‬
‫مهمة يف إعادة العالقات الدبلوماســية‬ ‫مطاحنات وحروب‬ ‫العالقات بني الشعوب أو العكس‪.‬‬
‫بني البلدين‪.‬‬ ‫وعلــى مر التاريخ‪ ،‬كانت كرة القدم‬ ‫وتعتــر الرياضــة حبد ذاهتا ترســيخًا‬
‫ولعــل املتأمل لوضع الرياضة يف العامل‬ ‫عالجــً ألمــراض الشــعوب‪ ،‬فبعد أن‬ ‫لوحدة الشــعوب وتآخيها عــر تنظيم‬
‫جيدها باتت حتتل مكانة كربى‪ ،‬إذ‬ ‫كانــت تثــر املطاحنــات واحلروب‪،‬‬ ‫البطوالت واملنافسات العاملية والدولية‬
‫ميكن هلا أن تصنــع ثقافتها اخلاصة‬ ‫أصبحــت اليــوم تصلــح ما أفســدته‬ ‫واستضافتها بشكل منتظم يف خمتلف‬
‫الــي تتجــاوز ثقافــات التقســيم‪،‬‬ ‫السياســة وختبطاهتا‪ ،‬ونستشــهد من‬ ‫قــارات العامل‪ ،‬وهــذا يفتــح النوافذ‬
‫واملساعدة يف نشر قيم التعاون والتآخي‬ ‫التاريخ مبباراة كرة القدم اليت مجعت‬ ‫واألبــواب بــن الثقافــات والشــعوب‬
‫بني الشــعوب‪ ،‬وتعميــم ثقافة اإلجناز‬ ‫بني منتخب االحتاد السوفيييت السابق‬ ‫والتعــرف على جمتمعات وقيم وأمناط‬
‫والتعــاون واإلجيابيــة‪ ،‬فهي متثل أحد‬ ‫ومنتخــب أملانيــا الفيدرالية الســابقة‬ ‫ســلوكية واطالع على جتارب بينية‪،‬‬
‫اجلسور اليت تربط الشعوب ببعضها‪،‬‬ ‫واليت أقيمت فـــي أجـسـبـورج‪ ،‬واليت‬ ‫و ُتعزز الرياضة احلديثة تدفق املعلومات‬

‫‪45‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫تمتلك الرياضة القدرة على تغيير العالم‪ ،‬فهي حق أصيل وأداة‬

‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫قوية لتقوية الروابط االجتماعية وتعزيز التنمية المستدامة والسالم‬
‫والتضامن واالحترام‪.‬‬
‫وإضافة لكوهنا جسر حمبة وتواصل‬
‫بــن الشــعوب مبا حتمله مــن أهداف‬
‫قيمــة وترويح ملــا داخــل النفس‪ ،‬فإن‬
‫الرياضــة تزيل كل املطبات والعقبات‬
‫وتودد العالقات بني الشعوب‪.‬‬

‫ممارسة سامية‬
‫ومن املتعارف عليــه أن الرياضة بتنوع‬
‫تعد أكرب نشــاط إنساين‬ ‫أشــكاهلا ُّ‬
‫علــى كوكب األرض‪ ،‬يعكس َ‬
‫منط‬
‫ويجســد يف صورته‬ ‫حيــاة اإلنســان‪ُ ،‬‬
‫البدائية احلاجات اجلسدية والذهنية‪،‬‬
‫ذلك أهنا ممارسة سامية هتذب العقل‬
‫والبدن والروح كما حتقق غاية مهمة‬
‫هي بناء اإلنســان فكريا وجســديا‪،‬‬
‫ومتنحــه القوة املنشــودة‪ ،‬وفضال عن‬
‫ذلــك فإن فيها نوعا مــن الترفيه الذي‬
‫جيعل اإلنســان أكثر نشــاطا يف أداء‬
‫عمله وواجباتــه‪ ،‬والترويح عن النفس‬
‫والقلب‪.‬‬
‫وعــاوة علــى فوائدهــا االجتماعيــة‬
‫والصحية‪ ،‬فــإن الرياضة ال تؤثر على‬
‫اللياقة البدنية تأثريًا مباشرًا فحسب‪،‬‬
‫بل تغرس أيضًا لــدى األطفال وصغار‬
‫السن خيارات أســاليب حياة صحية‪،‬‬
‫وتســاعدهم علــى أن يبقوا نشــطني‪،‬‬
‫وأن يكافحوا اإلصابة باألمراض غري‬
‫السارية‪.‬‬
‫وقد ســلطت العديــد من الدراســات‬
‫التمارين الرياضية وحدوث حتســنات االكتئاب والقلق‪.‬‬ ‫الــي أجرهتا منظمة الصحــة العاملية‬
‫يف إحســاس اإلنسان بقدر نفسه وثقته‬ ‫الضــوء على قــدرة التماريــن البدنية‬
‫ال عن تأثــرات إجيابية‬
‫بنفســه‪ ،‬فض ً‬ ‫على تنشيط الصحة العقلية اإلجيابية‬
‫تفاعل واهتمام‬ ‫ووجد ارتباط بني‬
‫لــدى األشــخاص الذيــن يعانــون من‬ ‫والتطور اإلدراكي‪ُ .‬‬

‫يمكن للرياضة أن تصنع ثقافتها الخاصة التي تتجاوز ثقافات‬


‫التقسيم والمساعدة في نشر قيم التعاون والتآخي بين الشعوب‬
‫وتعميم ثقافة اإلنجاز والتعاون واإليجابية‬

‫‪46‬‬
‫تُ عزز الرياضة الحديثة تدفق المعلومات والمعرفة مما ُيضاعف فرص التالقي‬
‫المقرب بين الشعوب والصانع لدفء العالقات‬
‫ّ‬ ‫والتآخي كما أخذت دور‬

‫الرياضــة املرأة ملجاالت مل تعهدها من‬ ‫توفدهــم الــدول لتمثيلهــا يف هــذه‬ ‫ويعبــر عن أمهيــة الرياضة من خالل‬‫ّ‬
‫قبل بســبب الضغــط املتأثــر بالتمييز‬ ‫البطوالت أو تلك‪.‬‬ ‫كثــر مــن املؤشــرات أبرزهــا حجم‬
‫يف كثــر من األحيــان‪ ،‬إال أننــا بتنا‬ ‫ال عن هذا‪ ،‬فــإن الرياضة ختلق‬ ‫وفض ً‬ ‫التفاعل واالهتمام الذي يكاد يشــمل‬
‫اليوم وبفضل الرياضة نشــهد رياضات‬ ‫صداقات وعالقات إنسانية بني الشباب‬ ‫مجيــع قاطــي الكوكــب بشــكل‬
‫نســائية وبطالت أوملبيات من النســاء‬ ‫حتقق ألوانًا من التقارب بني الشــعوب‬ ‫إرادي وال إرادي‪ ،‬فهــي ُتحاكــي‬
‫ميثلــن بلداهنــن يف حمافــل حمليــة‬ ‫من شــأنه أن يســهم بشكل كبري يف‬ ‫مشــاعر املتعة والفضــول واحلماس‪،‬‬
‫ودوليــة‪ ،‬وهــذا أرســى يف املجتمعات‬ ‫نشــر ثقافة التعايش السلمي اإلنساين‬ ‫وتعبر عن شغف االنتماء لدى اإلنسان‪،‬‬‫ّ‬
‫نظرة ســليمة للمرأة بعيدًا عن التمييز‬ ‫بني البشر على حنو أفضل‪ ،‬كما أهنا‬ ‫كمــا أهنا حمــركًا اقتصاديــً بات‬
‫والتفرقة‪.‬‬ ‫جتمع الشباب من الدول ذات العالقات‬ ‫ُيجســد استثمارات وأســواق وتداوالت‬
‫املتوترة‪ ،‬ورمبا ساهم ذلك يف التقريب‬ ‫مهمة لدول ومؤسسات وأفراد‪.‬‬
‫بني الدول‪ ،‬وحل معضالت األمور‪.‬‬ ‫وإذا كان التنافــس الرياضــي بــن‬
‫التعصب والتفرقة‬ ‫وإضافــة إىل ذلك‪ ،‬تشــجع الرياضة‪،‬‬ ‫الشــعوب أمــرًا مندوبًا إليه يف شــى‬
‫كمــا اقترنــت ممارســة الرياضــة‬ ‫يف أبسط أشــكاهلا‪ ،‬على املشاركة‬ ‫املحافل ملا حيققه مــن تبادل الثقافات‬
‫ودعمت‬
‫وتعلمهــا بالتربيــة واألخــاق ّ‬ ‫املتوازنــة ولديهــا القــدرة علــى تعزيز‬ ‫واخلربات‪ ،‬وحيقق التعارف اإلنســاين‬
‫الصفات احلميدة اليت من شــأهنا أن‬ ‫املســاواة بني اجلنســن‪ ،‬ومــن خالل‬ ‫بني البشــر بغض النظر عــن الدين أو‬
‫جتعل مــن األفراد واثقني بأنفســهم‪،‬‬ ‫الرياضــة والنشــاط البــدين ميكن‬ ‫اجلنــس‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬فإن الرياضة يف‬
‫خاصة بني األوســاط الشبابية‪ ،‬حيث‬ ‫متكني النساء والفتيات ومساعدهتن‬ ‫ال‬
‫املحافــل العاملية تعد معرضًا أو حمف ً‬
‫أظهرت بعض الدراســات أن الرياضة‬ ‫يف االســتفادة مــن أثرهــا اإلجيــايب‬ ‫عامليــً تعرض فيــه الدول والشــعوب‬
‫ختفف من حدة املشكالت االجتماعية‬ ‫علــى األحــوال الصحيــة والنفســية‬ ‫ثقافتهــا‪ ،‬وأخالقهــا‪ ،‬وحضارهتــا‪،‬‬
‫وحل بعضها‪ ،‬مثل مشــكالت اجلنوح‬ ‫ِّ‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬وهلــذا فقــد أدخلــت‬ ‫ومبادئهــا‪ ،‬من خــال شــباهبا الذين‬

‫‪47‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫أطيــــــــاف الحــــــــــوار‬
‫علــى املســتويني الشــعيب واملجتمعي‬ ‫مانديال وهو أبرز املناضلني ضد الظلم‬ ‫واالحنراف‪ ،‬والتكيف االجتماعي‪.‬‬
‫جتمع بني املشــاركني يف السعي إىل‬ ‫والعنصريــة يف العامل بــأن “الرياضة‬ ‫ويربز دور الرياضة األساسي واهلام يف‬
‫حتقيــق أهداف ومصاحل مشــتركة؛‬ ‫هلا ســلطة تغيري العامل”‪ ،‬معتربًا إياها‬ ‫مواجهة الكثري من الظواهر الســلبية‬
‫واكتســاب قيم االحترام والتســامح‬ ‫أداة للتغيري‪ ،‬ويصنفها بأهنا ‪“:‬ســلطة‬ ‫ومنها ظاهرة التعصــب والتفرقة دون‬
‫واللعب النظيــف‪ ،‬وتطوير الكفاءات‬ ‫توحيــد النــاس”‪ ،‬و“الرياضــة ختلق‬ ‫الوقــوف عند األقليــات يف املجتمعات‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫األمــل يف مــكان ال يوجــد فيــه إال‬ ‫ووضعهــم‪ ،‬كوهنــا مــن أكثــر‬
‫وبإمكان الرياضــة‪ ،‬بوصفها قامسًا‬ ‫اليأس‪ ،‬إهنا أقوى من احلكومات يف‬ ‫املكونات املجتمعيــة عرضة للتمييز‬
‫مشــتركًا أعظم وشــغفًا مشتركًا‪،‬‬ ‫إســقاط احلواجز العنصرية”‪ ،‬وهذا‬ ‫والعصبية املوجهة ضدها‪ ،‬حيث متنح‬
‫أن تبين جســور بني الطوائف بصرف‬ ‫الــرأي هــو خالصــة مســرة نضالية‬ ‫الرياضة األقليات فرصة إلثبات الذات‬
‫النظــر عــن االختالفــات الثقافية أو‬ ‫خالدة يف تارخينا املعاصر يف مناهضة‬ ‫والتميــز وعدم العزلة واالنطواء‪ ،‬فهي‬
‫االنقســامات السياســية بينهــا‪ .‬ويف‬ ‫التمييــز وأنظمــة الفصــل العنصري‬ ‫تساعدهم على االندماج والتكيف مع‬
‫أوقــات الــزاع أو انعدام االســتقرار‪،‬‬ ‫وكســر احلواجــز املفروضة بســبب‬ ‫حميطهم‪ ،‬وتكســر أيضــً احلواجز‬
‫ميكــن أن متنح األنشــطة الرياضية‬ ‫اللون والعرق‪ ،‬جتربة تكللت بوصوله‬ ‫بينهــا وبني باقي مكونــات املجتمع‪،‬‬
‫املشــاركني إحساســً بــأن األمــور‬ ‫كأول رئيس ذو بشــرة سوداء جلنوب‬ ‫ومــع مــرور الوقــت وبــروز النشــاط‬
‫طبيعية‪.‬‬ ‫إفريقيا‪.‬‬ ‫واملوهبة يصل الكثريون ممن أصبحوا‬
‫وحــى حتقــق الرياضــة أهدافهــا‬ ‫وإضافة إىل ذلك‪ ،‬ميكن اســتخدام‬ ‫رموزًا ومشــاهري يف جمتمعاهتم وتعرب‬
‫يتطلــب ذلــك التركيز علــى الرصد‬ ‫الرياضــة كأداة جمديــة ملنــع الزناع‬ ‫باقي املكونات عن اعتزازها بالعالقة‬
‫الفعــال وتوجيه األنشــطة الرياضية‪،‬‬ ‫والعمل على حتقيق سالم يدوم طويالً‪،‬‬ ‫مع هــؤالء أو انتمائهم لــذات املجتمع‬
‫واإلمكانات اإلجيابية للرياضة حيث‬ ‫وذلــك ألن الرياضــة وعامليتها لديهما‬ ‫الرياضي أو الوطين‪.‬‬
‫إهنا ال تتطور تلقائيًا بل تتطلب التدخل‬ ‫القدرة على ختطي حــدود الثقافات‪،‬‬ ‫كمــا تضطلع الرياضة بــدور كبري‬
‫املهين واملســؤولية االجتماعية لغرض‬ ‫وكثــرًا مــا هتيــئ الرياضــة‪ ،‬يف‬ ‫يف جماهبــة أشــكال العنصريــة‬
‫البناء والتكامل‪.‬‬ ‫مســامهتها يف حتقيق السالم‪ ،‬بيئات‬ ‫والتعصب‪ ،‬وذلك ما يعرب عنه نيلسون‬

‫‪48‬‬
‫مـــــقــــــال‬
‫وتأصيل القيم‬ ‫القيادة‬
‫أكثر من‬ ‫والــذي متكنوا من إجــراء‬
‫‪ 46‬ألف عملية جراحية وتقدمي العالج‬
‫آلالف املســتفيدين مــن األســر ذوي‬
‫الدخل املحدود يف الدول املستهدفة‪.‬‬
‫خيلو حديث أي مسؤول سعودي يف أي‬ ‫عندما نتأمل يف قراراتنا اليومية سواء‬
‫حمفل دويل مــن التأكيد على محاية‬ ‫املهين منها أو الشــخصي سنجد أننا‪-‬‬
‫د نــــاديــــة الــشــهــرانــي‬ ‫قيــم الدولــة املســتمدة من الشــريعة‬ ‫بال وعــي غالبا‪ -‬نتخذهــا يف ثانية أو‬
‫اإلســامية الســمحة واهلوية العربية‬ ‫أقــل وفقا لبنية قيمية متأصلة ســاهم‬
‫أكادميية وكاتبة رأي‬ ‫األصيلة‪.‬‬ ‫يف بنائها العديد مــن املؤثرات‪ ،‬واليت‬
‫موحد للمفاهيم القيمية على املســتوى‬ ‫وقد نتصور جدال ضرورة تطابق القيم‬ ‫مــن أمهها الديــن والثقافــة واإلعالم‬
‫العائلي أو املؤسســي ضــروري أيضا‪،‬‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬بل ومنيل العتبــار ما هو‬ ‫والتعليــم واملجتمــع‪ .‬ويتشــكل البناء‬
‫فممارســة القيــم وضدهــا وإرســال‬ ‫مــن أولوياتنــا مهما للجميــع‪ .‬ولكن‬ ‫القيمــي عنــد اإلنســان مبكــرا‬
‫الرسائل املتضاربة دون إدراك لعواقب‬ ‫هذا ليس هو احلال‪ ،‬إذ خيتلف الناس‬ ‫مبالحظتــه لقيــم والديــه واملقربــن‬
‫اخلــاف بني التنظــر والتطبيق هتدم‬ ‫اختالفــا كبــرا من حيــث أولوياهتم‬ ‫منــه‪ ،‬فيبــدأ بتبــي بعضهــا وحتدي‬
‫القيــم يف نفوس النــشء دون وعي من‬ ‫القيميــة باعتبار املؤثرات اليت أشــرنا‬ ‫البعــض اآلخــر وفقا ملا يتعــارف عليه‬
‫مصــدر التأثري‪ ،‬كالوالدين أو املربني‬ ‫هلــا ســابقا ومــا يترتب علــى تفاعلها‬ ‫حميطه وما يغذيه بــه والداه ومربوه‪،‬‬
‫واملعلمــن والشــخصيات االعتبارية‪،‬‬ ‫معــا مــن هرم شــخصي أو مؤسســي‬ ‫ويف مرحلــة الحقــة تتدخل املؤسســة‬
‫وقد ننتبه إىل هذه املغالطة متأخرا مما‬ ‫للقيــم‪ .‬فاملمارســات الواقعيــة تؤكد‬ ‫التعليمية واألقــران واإلعالم لصياغة‬
‫جيعل كلفــة التصحيح مرتفعة للغاية‬ ‫ارتبــاط القيــم ارتباطا وثيقــا باهلوية‬ ‫مشهد القيم‪ .‬هذه املؤسسات تعزز‪ ،‬أو‬
‫وغري مضمونة‪.‬‬ ‫نؤمل‬
‫الــي خنتارهــا‪ ،‬والرؤية الــي ّ‬ ‫هتدد‪ ،‬بأسلوب أو آخر ما غرسه اآلباء‬
‫إن أمهيــة القيــم برأيــي تكمــن يف‬ ‫حتقيقها‪ ،‬والرســالة الــي نعمل على‬ ‫واملربون يف أبنائهم لتظهر قيم وختتفي‬
‫مســاعدهتا للفــرد واملؤسســة علــى‬ ‫إيصاهلــا‪ ،‬واألهــداف اليت حتركنا‪،‬‬ ‫أخــرى عند وصــول اإلنســان للنضج‬
‫ضبط بوصلــة القرار واجتاه احلركة‬ ‫لذا يتوجــب علينــا إدراك أن ما نؤمن‬ ‫الــكايف ومرحلة اخلــروج عن الطوق‬
‫خالل رحلة حتقيق األهداف‪ ،‬وإضافة‬ ‫به ونتكــئ عليه من القيــم يف وطننا‬ ‫وممارســة ما يؤمن به مــن قيم حبرية‬
‫البعد األخالقي للمشــاريع واملبادرات‬ ‫ال يتطابــق مع ما تقوم عليــه القيم يف‬ ‫كاملــة‪ .‬ولــذا كلمــا كان الغرس‬
‫أيــا كان جماهلــا ومســتواها‪ ،‬ممــا‬ ‫مؤسســات ودول أخــرى‪ .‬ولكن هذا‬ ‫قويا والبيئة ســليمة قيميا ومتفقة على‬
‫يوســع دائرة انتشار القيمة املنشودة يف‬ ‫ال يلغي ســعة املشــتركات القيمية‪،‬‬ ‫مصــادر القيم ومقنعــة ومتصاحلة مع‬
‫املجتمــع على املــدى البعيد‪ .‬واحلقيقة‬ ‫فالقيم املتقاربة هي ما جيمع اإلنسانية‬ ‫االختالفات الشخصية البسيطة زادت‬
‫أن تأخر األثر مسة من السمات املميزة‬ ‫حــن تفرقهــا املصــاحل‪ .‬ومــا أقصده‬ ‫فرص جتاوز التخبطات القيمية اليت ال‬
‫للقيم‪ ،‬ويصدق فيهــا املثل القائل‪" :‬إن‬ ‫بالقيم اإلنســانية هنا هــو القيم العليا‬ ‫مفر منها يف العامل اجلديد‪ ،‬وجتاوزها‬
‫البذرة اليت تغرســها اليوم سيجلس يف‬ ‫كاحتــرام الكبــر ورمحــة الصغري‬ ‫اإلنسان ومن حوله بسالم‪ .‬بينما كلما‬
‫ظلها أبناؤك غدا"‪.‬‬ ‫والتعاطــف والنبــل والكــرم وحتمل‬ ‫زادت الفجــوة القيمية يف املجتمع بدءا‬
‫املســؤولية والصدق وشرف اخلصومة‬ ‫من األســرة وصوال للمؤسسة والشارع‬
‫واالستدامة على سبيل املثال‪ .‬ومن املهم‬ ‫ظهرت النماذج املتطرفة ميينا ويسارا‪،‬‬
‫أيضــا إدراك أن رحلــة تأصيــل القيم‬ ‫وكل منهــم يظن أنــه ميتلك احلقيقة‬
‫كغريها من املشــاريع حتتاج ملنظومة‬ ‫املطلقــة‪ .‬وهلــذا الســبب برأيــي تويل‬
‫مؤسسية متكاملة تقوم بنشر الثقافة‬ ‫حكومة اململكة ملف القيم الوطنية‬
‫ومحــل لواء القــدوة وصناعــة التغيري‬ ‫أمهية كــرى‪ ،‬ألن تعزيــز املنظومة‬
‫ومراقبــة األداء والتحســن املســتمر‬ ‫القيم يصنــع ســياجا أخالقيا يصعب‬
‫للنتائــج‪ ،‬كما أن االتفاق على تعريف‬ ‫اختراقــه من اخلارج‪ ،‬وهلذا حتديدا ال‬

‫‪49‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫تشكل الرباط الذي يوحد أفراد المجتمع في جو من الوئام بعيداً عن العداوة والتعصب‬

‫قـــــــراءة فــــي كــتــاب‬


‫"الصداقة قيمة أخالقية جوهرية"‪ ..‬كتاب يستعرض‬
‫أهمية الصداقة كضامن أساسي للتعايش بسالم‬
‫والوسطى واحلديثة واملعاصرة‪ ،‬حيث‬
‫يرى املؤلف أن الصداقة حاجة إنسانية‬
‫أساسية‪ ،‬ومقوم جوهري‪ ،‬بل قد يكون‬
‫شرطًا للحياة األخالقية‪ ،‬مبينا أنه على‬
‫رغم أمهية التنظري هلا كقيمة أخالقية‬
‫أساسية يف حياة اإلنسان‪ ،‬فإن الصداقة‬
‫قد استبعدت من النظرية األخالقية منذ‬
‫القرن الرابع حىت القرن العشرين من‬
‫تاريخ الفلسفة‪.‬‬
‫ويستهل ميشيل كتابه الذي يتألف‬
‫من سبعة فصول بفرضية مؤداها أنه إذا‬
‫كانت الصداقة حاجة إنسانية‪ ،‬فإنه‬
‫يتعني االستنتاج بالضرورة‪ ،‬أنه ال ميكن‬
‫للنظرية األخالقية أن تكون وافية إذا‬
‫مل تتضمن الصداقة كمكون مركزي‬
‫يف حتليل احلياة السعيدة مشريا إىل أن‬
‫تصور النموذج االخالقي أفرز معيارًا‬
‫لتقييم كفاءة النظرية األخالقية‪،‬‬
‫ولكي تكون وافية عليها أن تأخذ بعني‬
‫االعتبار مجيع القيم األخالقية الكامنة‬
‫يف الرؤية األخالقية للجماعة‪.‬‬
‫ويتكأ الكاتب على أقول بعض‬
‫الفالسفة‪ ،‬ومنهم دي مونتني‪ ،‬يعترب‬
‫"أن الطبيعة مل جتهزنا ألمر من األمور‬ ‫بـ‪" :‬الصداقة قيمة أخالقية جوهرية"؛‬ ‫تعترب الصداقة من أهم وأمسى العالقات‬
‫بأفضل مما جهزتنا للصحبة"‪ .‬أما أرسطو‬ ‫ليقدم دراسة حتليلية نقدية للصداقة‪،‬‬ ‫اإلنسانية بعد عالقات الرحم والزواج‪،‬‬
‫فيالحظ "أن املشرعني أبدوا اهتمامًا‬ ‫بوصفها قيمة أخالقية مركزية‪ ،‬إضافة‬ ‫خاص ًة إذا كانت الصداقة قائمة على‬
‫بالصداقة أكثر من العدالة‪ .‬إن ذروة‬ ‫للدور الذي اضطلعت به يف النظرية‬ ‫الصدق والوضوح واملحبة‪ ،‬حيث ال‬
‫الكمال يف الصحبة تتمثل يف الصداقة؛‬ ‫األخالقية يف العصور الكالسيكية‬ ‫وحيدا دون‬
‫ً‬ ‫يستطيع اإلنسان أن يعيش‬
‫وجود صديق خملص جبانبه‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن انتمائه دينيًا أو أيديولوجيًا‪،‬‬
‫تتمثل السمة األنطولوجية للصداقة في‬ ‫ولعل أهم رابط هلذه العالقة هو الصداقة‬
‫حقيقة أنها شرط ال يمكن االستغناء عنه للنمو‬ ‫احلقيقية‪ ،‬حيث ال ميكن اكتمال أي‬
‫نظرية أخالقية؛ دون النظر يف الصداقة‬
‫والتطور اإلنساني وهي أساسية لدرجة أننا‬ ‫كقيمة جوهرية يف احلياة اإلنسانية‪.‬‬
‫ال نستطيع تحقيق أنفسنا من دون تلبية هذه‬ ‫دراسة حتليلية نقدية‬
‫الحاجة‬ ‫ويأيت كتاب ميشيل حنا متياس املعنون‬

‫‪50‬‬
‫التعاون والسالم والود ونبذ العداوة‬ ‫اجتماعية‪ ،‬ال حياة عزلة‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫ألن أي نوع آخر ينتج عن اللذة أو املصلحة‬
‫والتعصب والفوضى‪.‬‬ ‫العزلة ال تنتهي؛ مبجرد التواجد مع‬ ‫أو الضرورة العامة أو اخلاصة‪ ،‬أو‬
‫ومن هذه الفكرة‪ ،‬يرى املؤلف أن‬ ‫اآلخرين‪ ،‬والتفاعل معهم اجتماعيًا‬ ‫ال من‬‫بسببها‪ ،‬يكون أقل مجا ًال ونب ً‬
‫الصداقة هبذا احلجم اإلنساين ضامن‬ ‫أو رمسيًا‪ ،‬أو حىت التعاون معهم على‬ ‫الصداقة احلقيقية‪ ،‬وهلذا السبب ال‬
‫أساسي للتعايش؛ كوهنا ال تقتصر على‬ ‫مشروع ما‪ .‬فاإلنسان ميكن أن يشعر‬ ‫يعد صداقة حقيقة‪ ،‬ألن هذه األنواع‬
‫أولئك الذين ينتمون للعشرية أو الطائفة أو‬ ‫مبرارة العزلة وسط اجلماهري‪" ،‬ألن‬ ‫حتقق غاية أو هدفًا أو مثرة ختتلف عن‬
‫الدين‪ ،‬وألن الصداقة حاجة أنطولوجية‪،‬‬ ‫اجلمهور ليس صحبة‪ ،‬والوجود البشري‬ ‫الصداقة بذاهتا‪".‬‬
‫فإن ذلك يعين أهنا عنصر أساسي يف‬ ‫ليست سوى متحف صور‪ ،‬والكالم ليس‬
‫نسيج الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬أو أهنا توجد‬ ‫سوى صنج رنان‪ ،‬إذا مل توجد حمبة"‬
‫يف هذا النسيج كميل طبيعي‪ ،‬ومنه‬ ‫بتعبري فرانسيس بيكو‪.‬‬ ‫صنج رنان‬
‫يأيت االدعاء بأهنا عنصر مكون يف‬ ‫ويشري املؤلف إىل احلاجة إىل الصداقة‬ ‫ويرى املؤلف أن صداقة اللذة واملنفعة‬
‫الدافع للوجود االجتماعي‪ ،‬الذي يتضمن‬ ‫باعتبارها مطلبًا كامنًا يف الطبيعة‬ ‫تعكر جو العالقات اإلنسانية؛ نظرا‬
‫بدوره‪ ،‬فكرة أهنا موجودة يف الطبيعة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬أي أن اإلنسان لديه ميل‬ ‫ملحدوديتها الزمنية‪ ،‬حيث متوت بتحقيق‬
‫اإلنسانية كقدرة‪.‬‬ ‫طبيعي إىل أن حيب اآلخر وإىل أن يتلقى‬ ‫اللذة‪ ،‬وتنبه هلذه القضية فرانسيس‬
‫وفيما يتعلق بالصداقة كأحد عناصر‬ ‫حمبته‪ ،‬ذلك أن الصداقة تشكل الرباط‬ ‫بيكون‪ ،‬الذي يرى أن الكائنات‬
‫السعادة‪ ،‬يقول املؤلف إن الصداقة‬ ‫الذي يوحد أعضاء املجتمع وفقا لشروط‬ ‫اإلنسانية مفطورة على أن تعيش حياة‬
‫احلقيقية مغروسة يف املحبة املتبادلة‬
‫والثقة والعطاء ومواصلة التحقق الذايت‪،‬‬
‫مبينًا أن التفاهم واالحترام والثقة املتبادلة‬ ‫يشير المؤلف إلــى الحاجة إلــى الصداقة‬
‫شروط ضرورية للصداقة‪ ،‬مشريًا إىل أن‬ ‫باعتبارها مطلباً كامناً في الطبيعة اإلنسانية أي‬
‫هذا النوع من الصداقة قد ال يكون‬
‫مصدر سعادة الفرد الكاملة‪ ،‬ولكن‬ ‫أن اإلنسان لديه ميل طبيعي إلى أن يحب اآلخر‬
‫بناءه على اخلري املتبادل‪ ،‬جيعله مصدرًا‬ ‫وأن يتلقى محبته‬

‫‪51‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫يقول المؤلف إن الصداقة الحقيقية مغروسة في المحبة المتبادلة‬

‫قـــــــراءة فــــي كــتــاب‬


‫والثقة والعطاء ومواصلة التحقق الذاتي وإن التفاهم واالحترام والثقة‬
‫المتبادلة شروط ضرورية للصداقة‬
‫تصور أرسطو يف الصداقة‪ ،‬مث حيلل‬ ‫يف النظرية األخالقية يعكس حتو ًال يف‬ ‫للسعادة‪ ،‬وهكذا تصبح الصداقة‬
‫نظرية شيشرون للصداقة‬ ‫طريقة فهم الفالسفة أنفسهم للسلوك‬ ‫بني البشر واجبًا‪ ،‬مضيفا أنه ميكن‬
‫مث يعرض الكاتب الصداقة يف العصور‬ ‫األخالقي عامة‪.‬‬ ‫اإلقرار بسهولة أن السعي وراء الصداقة؛‬
‫الوسطى ليناقش بعد ذلك حتول‬ ‫ويف تفسريه لطريقة حتول النموذج‬ ‫كشعور باخلري األمسى حنو اآلخر‪،‬‬
‫النموذجني الثقايف واألخالقي من ثقافة‬ ‫األخالقي‪ ،‬حيدد الكاتب اخلاصية‬ ‫ليس واجبًا عاديًا‪ ،‬وإمنا واجب مشرف‬
‫العصور الكالسيكية إىل ثقافة العصور‬ ‫األخالقية اليت تضفي على فعل أو سلوك‬ ‫يفرضه العقل‪.‬‬
‫الوسطى‪ ،‬مبينًا أن هذا التحول الذي‬ ‫امليزة األخالقية بأن جتعله أخالقيًا‪ ،‬وفقًا‬
‫نتج عن حتول ثقايف راديكايل برز فيه‬ ‫ملعايري الثقافة اليت متنحه هذه الصفة‪،‬‬
‫نظام اجتماعي جديد أنتج ثقافة جديدة‪،‬‬ ‫وحيدد جمموعة القيم واملعتقدات اليت‬ ‫قيمة أخالقية مركزية‬
‫وذلك بتحديد خصائص رؤية العامل يف‬ ‫تشكل رؤية اجلماعة للعامل مث يعرض‬ ‫ويرى ميشيل أنه على الرغم من أن‬
‫العصر الوسيط‪ ،‬وتصور هذه الرؤية‬ ‫طريقة التحول يف النموذج األخالقي‬ ‫الصداقة صعبة املنال‪ ،‬فإهنا تبقى‬
‫للخري األمسى‪ ،‬مؤكدًا أن الصداقة‬ ‫لثقافة ما عرب الزمن بطبيعة احلال‬ ‫حاجة جوهرية‪ ،‬وال نستطيع االستنتاج‬
‫غري ضرورية لتحقيق السعادة وفق هذا‬ ‫وهو حتول مؤ ٍد بطبيعته إىل تغري أمناط‬ ‫أنه ميكن جتاهلها أو إمهاهلا أو‬
‫النموذج‪ ،‬وهذا أدى إىل هتميش قيمتها يف‬ ‫السلوك األخالقي‪ ،‬وتغري يف املفاهيم‬ ‫التقليل من أمهيتها‪ ،‬فمن املتعارف‬
‫النظرية األخالقية هلذه العصور‪.‬‬ ‫اليت يتحقق هبا اخلري األمسى يف رؤية‬ ‫عليه أن السعادة‪ ،‬كما العدالة واحلرية‬
‫ويف عرضه للنظرية األخالقية احلديثة‬ ‫هذه اجلماعة أو الثقافة‪.‬‬ ‫واحلقيقة واجلمال‪ ،‬مثال أعلى؛ ولكن‬
‫اليت استبعدت فيها الصداقة‪ ،‬ال يبدو‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬مل يتوقف الناس عن حماولة‬
‫متياس الذي قد ا ّتبع بنية نظرية واحدة‬ ‫اكتشاف طرق ممكنة لتحقيقها‪ ،‬ما‬
‫حني ناقش النظرية األخالقية يف العصور‬ ‫الخيرة‬
‫ِّ‬ ‫اإلرادة‬ ‫يعين أن املسألة اليت جيب االنتباه إليها‪،‬‬
‫الكالسيكية‪ ،‬والوسطى‪ ،‬مبينًا‬ ‫ويؤكد متياس أن جناح هذه الصداقة‬ ‫هي أن النمو يف اإلنسانية‪ ،‬هو مهمة ال‬
‫أن الثقافة األوروبية احلديثة فريدة‬ ‫رهني بانبثاقها من اإلرادة اخلرية‬ ‫ميكن التخلي عنها‪.‬‬
‫بإجنازاهتا‪ ،‬بارزة بثراء هذه اإلجنازات‬ ‫لإلنسان‪ ،‬فيقول "هذا ما دفع أرسطو إىل‬ ‫ويقول ميشيل إن الفالسفة حني استبعدوا‬
‫وعمقها‪ ،‬ورائعة بتقدمها‪ ،‬ويراها هي‬ ‫القول بأن الفضيلة هي أساس الصداقة‪.‬‬ ‫الصداقة كقيمة أخالقية مركزية من‬
‫الدافع العملي للتقدم الروحي واملادي يف‬ ‫لذا‪ ،‬فال ميكن ألساس الصداقة‬ ‫نظرياهتم األخالقية كانوا قد استبعدوا‬
‫مجيع أحناء العامل‪.‬‬ ‫احلقيقية أن يكون عاطفة ذاتية‪ ،‬بل‬ ‫مفهومًا متجذرًا يف النموذج األخالقي‬
‫هو نوع من العاطفة املنبثقة من اإلرادة‬ ‫للجماعة‪ ،‬ووظفوا النظرية األخالقية‬
‫اخل ِّيرة‪ ،‬وبشكل أكثر دقة‪ ،‬من‬ ‫لتعكس ما يرونه ُهم مهمًا أو مركزيًا‬
‫منطلق فلسفي‬ ‫الشخصية الصاحلة اخلرية‪ ،‬مضيفًا أن‬ ‫من القيم الدينية‪ ،‬أو الفلسفية أو‬
‫دنيوي‬ ‫اخلري يوجد عند اإلنسان اخلري الصاحل‬ ‫األيديولوجية‪ ،‬ال على ما تراه الثقافة‪،‬‬
‫كحالة‪ ،‬يوجد كزنعة أو ميل‪ ،‬وهذه‬ ‫ينظرون‪ ،‬هلا مركزيًا وأولوية يف‬ ‫اليت ّ‬
‫الزنعة مستنبطة من قيم أخالقية ذات ويف عرضه ضعف وقصور وإخفاقات‬ ‫بنائها الثقايف والقيمي‪.‬‬
‫صالحية موضوعية‪ ،‬على األقل بالنسبة املجتمع األورويب احلديث الفادحة‪،‬‬
‫ويشري املؤلف إىل أن األخالق والثقافة‬
‫حييله متياس إىل أخطاء الشباب الفادحة‬ ‫للفرد عينه‪.‬‬ ‫األخالقية َيفترض أهنما عنصران‬
‫وسوء فهم النقاد املعاصرين للحضارة‬
‫ويف بنائه ملحاججته‪ ،‬يعتمد متياس على‬ ‫جوهريان يف مجيع ثقافات العامل‪ ،‬وأن‬
‫األوروبية احلديثة‪ ،‬ومييل ميشيل إىل‬
‫مناقشة وعرض “النموذج األخالقي”‪:‬‬ ‫الفالسفة الذين حيللون األخالق يف‬
‫جتنب بناء حكم معياري‪ ،‬كما يصف‬
‫يعرض مكانة الصداقة يف نظريات‬ ‫الثقافات املختلفة إمنا مهمتهم فحص‬
‫احلياة اإلنسانية على مستوى الفرد أو‬
‫الصداقة يف العصر اهلليين (الثقافة‬ ‫دوافع هذه األخالق ومنطلقاهتا مبناهج‬
‫اجلماعة باملغامرة العظيمة” اليت يثمنها‪،‬‬
‫اليونانية القدمية) والعصر اهللنسيت‬ ‫خمتلفة‪ ،‬بغية الكشف عن تفسري البنية‬
‫مث يقول ال ميكن احلكم على املغامرة‬
‫(الذي اع َترب فالسفته الصداقة قيمة‬ ‫النظرية للسلوك األخالقي اإلنساين‪،‬‬
‫وكأن أوصافه السابقة هلا جمردة من أي‬
‫أخالقية مركزية) وذلك بأن يناقش‬ ‫مؤكدًا أن استبعاد الفالسفة للصداقة‬
‫حكم‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫يرى المؤلف أن صداقة اللذة والمنفعة تعكر صفو العالقات اإلنسانية‬
‫لمحدوديتها الزمنية‬
‫وتفسريها‪ ،‬يصف الكاتب هذا الفهم‬
‫الطارئ بأنه فهم أثرى وأعمق وأكثر‬
‫عقالنية وميضي يف منح هذا الفهم‬
‫أوصافًا أخرى على تلك الشاكلة‪.‬‬
‫ويف حتليله للنموذج األخالقي املعاصر‪،‬‬
‫يعين ميشيل مؤسسات املجتمع املعاصر‪:‬‬ ‫ّ‬
‫العلم والتكنولوجيا‪ ،‬السياسة‪ ،‬والفن‪،‬‬
‫مث خيلص بعد مناقشة الجتاهات فلسفة‬
‫معاصرة إىل أن استبعاد الصداقة من‬
‫النظرية املعاصرة راجع إىل أهنا ليست‬
‫متطلبًا أخالقيًا وليست عنصرًا أو شرطًا‬
‫للحياة الصاحلة وفق النموذج األخالقي‬
‫والثقايف يف هذا العصر‪ ،‬وبذلك ال‬
‫تكون حاجة إنساني ًة أصالً‪.‬‬
‫ويوضح الكاتب أنه إذا كانت الصداقة‬ ‫ويف حتول النموذج الثقايف احلديث‪ ،‬ال‬
‫للطبيعة اإلنسانية‪.‬‬
‫حاجة أنطولوجية‪ ،‬وإذا كانت تنبثق‬ ‫ويف مناقشته لغياب الصداقة من النظرية‬ ‫يؤرخ الكاتب للتحوالت بقدر ما يسرد‬
‫عن هذا النوع من احلاجة‪ ،‬فنستطيع‬ ‫األخالقية احلديثة‪ ،‬ال يقول الكاتب‬ ‫أوصافه هلا بأسلوب أديب‪ ،‬حيث يرى‬
‫استنتاج أن العالقة اليت توحد كائنني‬ ‫بغياب الصداقة نفسها من النموذج‬ ‫هذا التحول نوعا من التجديد وقفزة‬
‫إنسانيني يف رباط الصداقة هي عالقة‬ ‫الثقايف يف العصر احلديث‪ ،‬بل يقول‬ ‫لألمام بشجاعة وحكمة‪ ،‬كانت‬
‫أنطولوجية أو إنسانية؛ وعليها أن تكون‬ ‫إهنا موجودة يف النموذج الثقايف‪ ،‬غائبة‬‫نتيجته إصالحًا دينيًا‪ ،‬وثورتني‪ :‬الزراعية‬
‫من املادة نفسها اليت تشكل عناصر‬ ‫يف النظرية‪ ،‬ولكنه حييل غياهبا يف‬ ‫والصناعية‪ ،‬وأنتجت أمجل األعمال‬
‫تصور الفالسفة‬ ‫الفنية تعرب عن رؤيتهم جلمال الطبيعة‬
‫الطبيعية اإلنسانية‪ ،‬وإال فستكون‬ ‫النظرية األخالقية إىل ّ‬
‫شيئًا خارجيًا مفروضًا عليها؛ ومن مث‬ ‫أنفسهم للنظرية األخالقية‪ ،‬فقد كانت‬ ‫الفتًا إىل أن هذا التحول أنتج رؤية جديدة‬
‫لن تكون استجابة أصيلة للحاجة‪،‬‬ ‫النظرية األخالقية عند فالسفة هذا‬ ‫للعامل‪ ،‬أنتجت بدورها منوذجًا ثقافيًا‬
‫فإذا كانت الغاية من العالقة‪ ،‬هي أن‬ ‫العصر أداة معيارية لتعيني الشروط‬ ‫جديدًا‪ ،‬من مالحمه‪ :‬سيادة العقل‪،‬‬
‫تقوم بوظيفة الربط بني شخصني على‬ ‫النظرية والعملية لإلصالح االجتماعي‪،‬‬ ‫اإلنسانوية‪ ،‬الدينامية‪ ،‬مث يوضح كيف‬
‫املستوى اإلنساين‪ ،‬جيب أن تكون‬ ‫وهذا جعل فالسفة هذا العصر ينشغلون‬ ‫ظهرت هذه املالمح يف مؤسسات املجتمع‬
‫عالقة إنسانية؛ وإال ال تكون هلا صلة‬ ‫عن الصداقة‪ ،‬وعن وصفهم وتفسريهم‬ ‫احلديث ويف الفن والفلسفة‪ ،‬ماضيًا يف‬
‫باحلاجة املنشودة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي إذن‬ ‫برمته‪ ،‬بتعيني‬
‫للنموذج األخالقي للثقافة ّ‬‫سرده لتجليات هذه املالمح يف املؤسسات‬
‫منط للوجود‪ ،‬أو بصورة أدق‪ ،‬هي منط‬ ‫مالمح إعادة تنظيم املجتمع‪ ،‬غري أن‬ ‫املختلفة‪.‬‬
‫للوجود اإلنساين‪.‬‬ ‫املؤلف اختار هناك أن يعزو سبب غياب‬ ‫ويرى املؤلف أن معىن اخلري األمسى يف‬
‫ويف الفصل األخري يشري الكاتب إىل أن‬ ‫رؤية فالسفة العصر احلديث كامن يف‬
‫الصداقة من النظرية والعالقات اإلنسانية‬
‫وأن هذا‬ ‫يف احلياة‪ ،‬كالمها‪ ،‬إىل سبب ديين‪.‬‬ ‫الطبيعة اإلنسانية (من منطلق فلسفي‬
‫الصداقة حاجة إنسانية أساسية‪ّ ،‬‬
‫جيعلها متطلبًا أخالقيًا جوهريًا يف احلياة‬ ‫دنيوي‪ ،‬ال من منطلق ديين ‪-‬كما يف‬
‫العصور الوسطى‪ ،‬وأن اخلري األمسى‬
‫تغيير جذري‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ويرى أن الصداقة‪ ،‬بوصفها‬
‫عالقة إنسانية‪ ،‬هي أعلى صور التواصل‬ ‫يتمثل يف حتقيق السعادة يف هذه احلياة‪،‬‬
‫اإلنساين‪ ،‬إهنا تواصل يف الفعل‪ ،‬فيه‬ ‫وهذا ميهد القول عند بعض الفالسفة ويف مناقشته للصداقة يف النظرية‬
‫ذاتان تتمتعان بأكثر حلظات الوجود‬ ‫مببدأ املنفعة وتكون اللذة هي مبدأ األخالقية املعاصرة‪ ،‬يؤكد الكاتب أن‬
‫ثراء‪ ،‬على مستوى الفكر والفعل فهما‬ ‫التمييز األخالقي) وعند آخرين منهم النموذج الثقايف املعاصر مل يطرأ عليه‬
‫يتشاركان أفكارًا ومشاعر وجتارب‪،‬‬ ‫مببادئ أخرى‪ ،‬مشريا إىل كثرة تغيري جذري عن النموذج الثقايف احلديث‬
‫ويتعاونان على مشاريع قيمية‪ ،‬ويبذالن‬ ‫النظريات األخالقية‪ ،‬وتفاوت تصورات احلداثي‪ ،‬لكن تغيريًا طرأ ال يف نوع‬
‫جهدمها للعناية بنفسيهما وباآلخرين‪.‬‬ ‫الفالسفة ملبدأ اخلري األمسى‪ ،‬وفهمهم القيم واملعتقدات ولكن يف طريقة فهمها‬

‫‪53‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نماذج مدن في التعايش‬
‫نموذج فريد للتسامح والتعايش‬

‫كــــازان‪..‬‬
‫بوتقة للثقافات واألديان المختلفة‬

‫‪54‬‬
‫ش ّكلت مدينة كازان الروسية منوذجًا للتسامح والتعايش‬
‫السماوية‬
‫ّ‬ ‫بني أديان العامل وثقافاته‪ ،‬خصوصًا أتباع الكتب‬
‫تشجع على‬
‫الثالثة‪ ،‬وذلك بفضل قِيمها وسياساهتا اليت ِّ‬
‫التعدد العرقي والديين‬
‫ُّ‬ ‫االنفتاح وقبول اآلخر‪ ،‬وحتترم‬
‫وجتــرم التمييز والكراهية‬
‫ّ‬ ‫واملذهيب وحرية املعتقد‪،‬‬
‫والعنصرية‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نماذج مدن في التعايش‬
‫تجمع عاصمة جمهورية تتارستان بين ثقافة وتقاليد الشرق والغرب‬
‫ويعيش بها المسلمون والمسيحيون واليهود في سالم ووئام‬

‫وتعــد كازان واحــدة مــن أمجل املدن‬ ‫كأس العــامل لكرة القــدم‪ ،‬ويعيش‬ ‫مدينة السالم‬
‫الروســية وهــي تلقب مبدينة الســام‬ ‫فيهــا ممثلون عن ‪ 115‬جنســية‪ ،‬ويبلغ‬
‫تقــع كازان وهي إحــدى أكرب املدن‬
‫وهي تشتهر بكثرة املواقع السياحية‪،‬‬ ‫عــدد ســكاهنا مليون نســمة‪ ،‬وميثل‬
‫الروســية علــى هنــر الفولغــا‪ ،‬وتبعد‬
‫حيــث شــغلت عاصمة تتارســتان اليت‬ ‫التتار أكثر من ‪ 50%‬منهم‪ ،‬فيما حيتل‬
‫املدينة مسافة ‪ 800‬كلم من العاصمة‬
‫زارها أكثر من ‪ 100000‬ســائح كل‬ ‫الروس املركز الثاين من حيث العدد‪،‬‬
‫الروســية موســكو‪ ،‬وزادت شــهرهتا‬
‫عام‪ ،‬املركز الثالث يف أوروبا والثامن‬ ‫وتعترب اللغتان الروســية والتتارية لغتني‬
‫العامليــة مــع احتضان روســيا ملباريات‬
‫يف العــامل‪ ،‬كمــا أن عــدد الرحالت‬ ‫حكوميتني ومتساويتني يف احلقوق‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫تمتزج على أرض كازان العديد من الحضارات الشرقية والغربية كما‬
‫أنها موطن العشرات من القوميات المختلفة األعراف واألجناس‬

‫ذلك بطولتــان عامليتان هلوكي اجلليد‬ ‫على إنشاء مدينة كازان خالل ‪2005‬‬
‫يف األعــوام ‪ 2005‬و‪ ،2011‬وبطولــة‬ ‫واألحداث والفعاليــات الرياضة املهمة‬
‫األلعــاب الصيفيــة اجلامعيــة يف العام‬ ‫يف إعطاء دفعــة قوية لتحديث املدينة‪،‬‬
‫‪ 2013‬بطولة العامل مببارزة الســيوف‬ ‫ومت حتويــل قريــة اجلامعــات إىل حرم‬
‫(‪ ،)2014‬كمــا اســتضافت عاصمة‬ ‫جامعــي حديث‪ ،‬وحتول وســط املدينة‬
‫تتارســتان مباريات مــن بطولة كأس‬ ‫إىل نقطــة جــذب للشــباب‪ ،‬وينطلــق‬
‫العامل لكرة القدم يف العام ‪.2018‬‬ ‫املتــرو الذي أعيــد بناؤه مــن اجلنوب‬
‫كمــا متتلك املدينة عــددًا كبريًا من‬ ‫إىل الشــمال بالقرب من كازان أرينا‪،‬‬
‫املرافــق املخصصة ملمارســة الرياضة‬ ‫ونظــرًا لإلقبال الســياحي على املدينة‬
‫والترفيه النشط‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص‬ ‫فقــد مت إدراج اللغــة اإلجنليزيــة على‬
‫هنــاك املجمعــات الرياضيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫اللوحات والالفتات يف املدينة‪.‬‬
‫ميكــن لعــب اهلوكــي أو ممارســة‬
‫رياضة التــزجل والتزحلق على اجلليد‪،‬‬
‫واحلدائــق املائيــة الــي حتتــوي على‬ ‫أحداث رياضية‬
‫املســابح وألعــاب املالهــي‪ ،‬أمــا هلواة‬ ‫رياضيــً‪ ،‬تــأيت كازان كإحــدى‬
‫االســتجمام النشــط فتوجــد حديقــة‬ ‫أكثــر مدن روســيا جتهيــ ًزا من حيث‬ ‫االستكشــافية والرحــات إىل املعامل‬
‫جمهزة حببال ومركز لسيارات السباق‬ ‫البنيــة التحتيــة الرياضية‪ .‬ففــي العام‬ ‫السياحية يف كازان واملنطقة املحيطة‬
‫الصغرية (كارتينغ)‪.‬‬ ‫‪ 2009‬وضمن اســتطالع على شبكة‬ ‫جــدا‪ ،‬كمــا أدرج املوقع‬
‫هبــا مذهلة ً‬
‫ومتتزج علــى أرض كازان العديد من‬ ‫اإلنترنت اعترف الروس هبا كعاصمة‬ ‫األجنــي تريب أدفيــزور كازان ضمن‬
‫احلضــارات الشــرقية والغربية كما‬ ‫البــاد الرياضــة‪ .‬وقــد اســتضافت‬ ‫تصنيــف أســرع الوجهــات الســياحية‬
‫أهنــا موطن العشــرات مــن القوميات‬ ‫كازان أحداثــً رياضيــة متعددة على‬ ‫النامية يف العام ‪.2014‬‬
‫املختلفة يف األعراف واألجناس كذلك‬ ‫املســتويني الوطــي والعاملــي‪ ،‬مبا يف‬ ‫وسامهت االحتفاالت مبرور ‪ 1000‬عام‬

‫‪57‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نماذج مدن في التعايش‬
‫تجمع مدينة السياحة الدينية بين األديان السماوية الثالثة في مبنى‬
‫واحد يضم مسجدا وكنيسة أرثوذكسية وكنيسا يهوديا يعرف باسم معبد‬
‫كل األديان‏‬

‫يضم مسجدًا وكنيســة أرثوذكسية الــي يتجه إليها كل مــن يزور مدينة‬ ‫تعترب هذه املدينــة مبثابة بوتقة تنصهر‬
‫وكنيســة يهودية‪ ،‬تعرف باســم معبد “كازان” بل واملواطنني التتار‪ ،‬ويقفون‬ ‫فيهــا الثقافــات واألعــراق املختلفة‪،‬‬
‫كل األديــان أو املعبــد العاملــي الذي أمامه بانبهار وإعجاب‪.‬‬ ‫حيث جتمع مدينة السياحة الدينية بني‬
‫يعــد واحدًا من أهم املعامل الســياحية‬ ‫األديان السماوية الثالثة يف مبىن واحد‬

‫‪58‬‬
‫نظرا ألهمية المدينة السياحية وضعتها منظمة اليونسكو ضمن‬
‫قائمة التراث العالمي كما تم اختيارها في العام ‪ 2016‬المدينة األفضل‬
‫لإلقامة في روسيا للمرة الرابعة على التوالي‬

‫والكثري من أتباع الديانات واملذاهب‪،‬‬ ‫يف ضواحي مدينــة كازان وهو نصب‬ ‫تصميم فريد‬
‫ولكــن ال أحــد يأخــذ األمــر جبدية‬ ‫معماري غري عادي مت بناؤه على شاطئ‬
‫وطاملا عرف هذا الصرح الديين مبلتقى‬
‫ويعترب املــكان دار عبادة حقيقية تقام‬ ‫هنر الفولغا بتصميم فريد ليكون مقر‬
‫الطرق بني اإلسالم واملسيحية وهو يقع‬
‫هبا الشعائر‪ ،‬بل هي جمرد رمز للثقافة‬ ‫عبــادة لـــ ‪ 16‬ديانة ومذهبــً خمتلفني‬

‫‪59‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫نماذج مدن في التعايش‬
‫والكنيــس اليهودي واملعبــد البوذي‪،‬‬ ‫نوع من الصلوات وال تقام أي احتفاالت‬ ‫والتالحم وتالقي احلضارات‪.‬‬
‫إضافــة إىل معــامل لـــ ‪ 16‬ديانة حول‬ ‫جمرد مبــى ثقايف‪،‬‬ ‫يف داخلــه‪ ،‬فهــو ّ‬ ‫وممــا مييــز هــذا املعبــد أن تصميمه‬
‫العامل‪.‬‬ ‫فهــو ليس مكان عبادة باملعىن احلريف‬ ‫الــذى يضــم الطــراز اإلســامي مــع‬
‫أمــا داخل املعبــد فتجد علــى اجلدران‬ ‫للكلمــة بــل هو مســاحة إلتقــا ٍء بني‬ ‫معــامل الكنيســة األرثوذكســية‬
‫و“صورا جتسد‬
‫ً‬ ‫واألسقف “آياتًا قرآنية”‬ ‫خمتلــف األديان واالعتقــادات من أجل‬ ‫والكاثوليكيــة وغريها مــن املجامع‬
‫السيد املسيح” حبسب العقيدة املسيحية‬ ‫إجيــاد قواســم مشــتركة بينهم مبىن‬ ‫الكبــرة وتنعكس صــور قباب معبد‬
‫ً‬
‫و“متثــال لبوذا”‪ ،‬و“جنمــة داود”‪ ،‬إىل‬ ‫جيمع بني تصميم املســجد والكنيسة‬ ‫كل األديــان‪ ،‬حيث أنه ال تقام فيه أي‬

‫‪60‬‬
‫وحيتوي املســجد علــى أكرب مصحف‬ ‫تدرجييًا‪ ،‬يف خطــوات صغرية ومن هنا‬ ‫جانب “لوحات فنية” لصاحب الفكرة‬
‫يف العــامل‪ ،‬طوله متــران وعرضه متر‬ ‫جاءته فكرة إنشــاء املعبد على أساس‬ ‫ومؤســس املعبد وهــو النحــات التتاري‬
‫ونصــف املتــر وعــدد صفحاتــه ‪632‬‬ ‫اجتماع عــدد من املعابــد الدينية حيث‬ ‫“إلدار خانوف”‪ ،‬الــذى كان حلمه أن‬
‫صفحــة ويزن حنــو ‪ 800‬كيلوجرام‪،‬‬ ‫يصلي املسلمون واملســيحيون والبوذيون‬ ‫ال تكــون هنــاك كراهية بــن الناس‬
‫ومتت طباعته على الورق األسكتلندي‪.‬‬ ‫حتت سقف واحد‪.‬‬ ‫على أســاس الدين‪ ،‬فقد كان خانوف‬
‫ويركز املســجد يف الداخل على تاريخ‬ ‫إنســانًا عظيمًا‪ ،‬وحلم جبلب اإلنسانية‬
‫اإلسالم يف منطقة الفولغا‪ ،‬ويتميز هذا‬ ‫إىل االنســجام العاملــي‪ ،‬وإن كان‬
‫املســجد بتصميم فريد جيذب الســياح‬ ‫تحفة معمارية‬
‫اليه‪ ،‬حيث انه يتمتع ببناء خارجي ابيض‬ ‫اليوم‪ُ ،‬يعد هذا الصرح الديين الذي بات‬
‫اللون‪ ،‬ويتكون من تفاصيل رائعة منها‬ ‫رمسيا باملركز الــدويل للوحدة‬
‫ً‬ ‫يســمى‬
‫القبــب الزرقاء‪ ،‬واملــآذن املرتفعة ذات‬ ‫ثقافيــا ومكانــً‬
‫ً‬ ‫ا‬‫ز‬‫ً‬ ‫مركــ‬ ‫الثقافيــة‪،‬‬
‫اللون االزرق ايضــً‪ ،‬والنقوش الفريدة‬ ‫تقيم فيه عائلــة خانوف‪ ،‬ويهدف املعبد‬
‫من نوعها اليت تنتشر على مجيع املبىن‪.‬‬ ‫الــذي ال ينشــط حلســاب أي ديانة إىل‬
‫تعزيــز التفاهم بني األديــان وأن يكون‬
‫معبــد الثقافة واحلقيقــة‪ ،‬كما وصفه‬
‫السياحة‬ ‫مؤسســه‪ ،‬كما يطمــح املعبد كذلك‬
‫وإضافة إىل معبد كل الديانات ومسجد‬ ‫ألن يكون مســتقبال جمتمعــً فلكيًا‬
‫قل شــريف‪ ،‬هناك الكثري من الفنادق‬ ‫ومدرســة بيئيــة ومدرســة لألطفــال‬
‫مبدينــة كازان الــي توفر الســياحة‬ ‫ومدرسة فنية ومركز إعادة تأهيل‪.‬‬
‫للمسلمني وتســميها السياحة احلالل‪،‬‬ ‫كما حتتضن كازان مسجد قل شريف‬
‫وتركز هذه الفنــادق على كل ما هو‬ ‫ثاين أحد أعظم مســاجد أوروبا‪ ،‬فهو‬
‫مســموح يف العقيدة اإلســامية وتقوم‬ ‫ثاين أكرب مســجد يف روسيا وأوروبا‪،‬‬
‫بعمل عروض ترفيهية ومراعاة األطعمة‬ ‫ويعتــر حتفة معمارية ال مثيل هلا‪ ،‬وقد‬
‫اليت تتناســب مع املسلمني حبيث توفر‬ ‫بين هذا املسجد يف عام ‪ 1551‬وكان‬
‫الراحة الكاملة للسياح املسلمني بكل‬ ‫مــن أشــهر مســاجد روســيا يف ذلــك‬
‫هذه االمتيازات‪.‬‬ ‫الوقت ومسي بذلك نســبة لقول شريف‬
‫ويعد الكرملني يف وسط مدينة كازان‬ ‫ُ‬ ‫الذي تــويف هو وطالبه أثناء الدفاع عن‬
‫هو نقطة االنطالق يف اجلوالت السياحية‬ ‫كازان ضد القوات الروسية يف حصار‬
‫الكتشــاف هذه املدينة الرائعة‪ ،‬وعلى‬ ‫املدينة‪.‬‬
‫بعد خطوات قليلة تظهر منطقة املشــاة‬ ‫فخــال اقتحام كازان مــن قبل إيفان‬
‫أمام الكنيسة األرثوذكسية الروسية‪،‬‬ ‫الرهيــب عــام ‪ 1552‬دمــر املســجد‪،‬‬
‫اليت متتــاز بأربعة أبــراج باللون األزرق‬ ‫ولكــن مت بنــاؤه يف عــام ‪ 2005‬وقد‬
‫وبــرج باللــون الذهــي‪ ،‬كمــا يوجــد‬ ‫ســامهت عــدة بلــدان يف الصنــدوق‬
‫أيضــً معبد يهــودي يف مدينــة كازان‬ ‫الذي أنشــئ لبناء مسجد قول شريف‪،‬‬
‫اليت يعيش فيهــا ما يقرب من ‪ 10‬آالف‬ ‫ومنهــا اململكــة العربية الســعودية‪،‬‬
‫يهودي‪ ،‬ومتتاز املدينة بأجواء التســامح‬ ‫حيث افتتحه وزير الشــؤون اإلسالمية‬
‫بني األديان املختلفة‪.‬‬ ‫واألوقاف والدعوة السابق الشيخ صاحل‬
‫ونظــرا ألمهيــة املدينة الــي تعترب من‬ ‫بــن عبــد العزيــز آل الشــيخ يف الرابع‬
‫أهم املزارات السياحية يف العامل‪ ،‬فقد‬ ‫والعشرين من يونيو ‪.2002‬‬
‫وضعــت منظمة األمم املتحــدة للتربية‬ ‫ويرمــز بناء املســجد إىل لفظ اجلاللة‬
‫والعلم والثقافة (اليونسكو) كازان مع‬ ‫«اهلل» يف اجلــزء العلوي مــن البناء‪8 ،‬‬
‫بعض املدن الروســية األخرى يف قائمة‬ ‫أقــواس متقاطعة وضعــت عليها قبة‪،‬‬
‫التراث العاملي‪ ،‬كمــا مت اختيارها يف‬ ‫تعلو مبىن املســجد أربع مــآذن كبرية‬
‫العــام ‪ 2016‬للمرة الرابعة على التوايل‬ ‫وأربع صغــرة تلمع فوقهــا أهلّة فضية‬
‫باعتبارها املدينــة األفضل لإلقامة هبا‬ ‫ويتســع املســجد لنحو ألف ومخسمائة‬
‫يف روسيا‪ ،‬حىت قبل العاصمة موسكو‬ ‫مصــ ٍل‪ ،‬بينمــا ميكــن أن تســتوعب‬
‫ومدينة سان بطرسربج الشهرية‪.‬‬ ‫الساحة اخلارجية حوايل ‪ 10‬آالف‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫أيـــــــــــــــــــــــام دولــيــــــــــــــة‬
‫منهج حياة ومبدأ من المبادئ الجامعة بين البشر‬

‫اليوم العالمي للتسامح‪..‬‬


‫تذكير بإحالل ثقافة السالم ودعوة‬
‫لنبذ التعصب والكراهية‬

‫‪62‬‬
‫يف الســادس عشــر من نوفمرب من كل عام ميالدي يتم االحتفاء باليوم العاملي للتسامح‬
‫وهــو اليوم الذي دعــت اجلمعية العامــة لألمم املتحــدة‪ ،‬الدول األعضــاء‪ ،‬لالحتفاء به‬
‫من أجل ترســيخ قيم وثقافات التســامح واالحترام والتآخي ونبذ كل أشــكال التعصب‬
‫والكراهية والتمييز‪ ،‬مبا يعزز حلقة الوصل بني الشــعوب ويضفي نوعًا من الطمأنينة‪ ،‬يف‬
‫جانبا‪ ،‬ال سيما يف الوقت احلايل‬
‫العامل ككل‪ ،‬واليت حيتاجها الكثري بغية تنحي الزناعات ً‬
‫الذي يشــهد نوعًا من زيادة التطرف والغلو واتساع الصراعات اليت تتميز بتجاهل أساسي‬
‫للحياة البشرية‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫ للمملكة مسيرة طويلة في نشر التسامح حيث عملت عبر أجهزتها الحكومية‬

‫أيـــــــــــــــــــــــام دولــيــــــــــــــة‬
‫ومؤسساتها التعليمية ومنظماتها المجتمعية على تأصيل هذه الفضيلة العليا‬
‫التي أكدها القرآن الكريم وحثت عليها السنة النبوية الشريفة‬
‫احلضارات لتحقيق حصانة للمجتمعات‬ ‫ومؤسســاهتا التعليميــة‪ ،‬ومنظماهتــا‬ ‫مسيرة طويلة‬
‫مــن التعصــب ونبــذ وشــجب العنــف‬ ‫املجتمعية علــى تأصيل هــذه الفضيلة‬
‫العليــا الــي أكدها القــرآن الكرمي‬ ‫وكجزء من هذا العامل‪ ،‬تعترب اململكة‬
‫والتعاطــف مع كل مكلــوم ومصاب‬
‫وحثت عليها السنة النبوية الشريفة‪.‬‬ ‫من أوائل الــدول اليت ُتعىن هبذا اليوم‪،‬‬
‫يف كل أرجــاء املعمــورة‪ ،‬انطالقًا من‬ ‫وجتعله إحــدى ركائــز هنضتها وذلك‬
‫القيم اإلســامية الســمحة اليت تدعو‬ ‫وقد رعــت اململكــة وتبنــت اخلطاب‬
‫منذ أن أقامها املؤسس امللك عبد العزيز‬
‫لتعزيز األمن واالســتقرار والتسامح بني‬ ‫اإلســامي املتســامح‪ ،‬وتفاعلــت مــع‬
‫آل ســعود طيب اهلل ثراه‪ ،‬والذي كان‬
‫كافــة املجتمعات اإلنســانية مبختلف‬ ‫مشــاريع وبرامج التواصل اإلنســاين‪،‬‬ ‫يــرى أن التســامح بــن الناس أساســً‬
‫جنســياهتم وانتماءاهتــم السياســية‬ ‫ورفضــت بقــوة االســتغالل السياســي‬ ‫للتعايش‪ ،‬وأساسًا لبناء احلضارات‪.‬‬
‫والثقافية ليكونوا نســيجًا واحدًا ضد‬ ‫للديــن‪ ،‬كونه يشــكل هتديــدًا ألي‬ ‫وللمملكــة مســرة طويلــة يف نشــر‬
‫كل ما يهدد تالمحهم ومتاسكهم‪.‬‬ ‫جمتمــع‪ ،‬وعملت علــى تعزيــز احترام‬ ‫التســامح باعتبــاره منهج حيــاة ومبدأ‬
‫وطاملا كانت اململكــة ومازالت ومنذ‬ ‫الديانــات ومل تغفــل التواصــل عــر‬ ‫من املبــادئ اجلامعة بني األفراد‪ ،‬حيث‬
‫مطلع التاريخ منبعًا ومنوذجًا للتســامح‬ ‫املؤسسات املعنية حبوار األديان وتفاعل‬ ‫عملــت عــر أجهزهتــا احلكوميــة‪،‬‬

‫‪64‬‬
‫القبول باآلخر املختلف‪ ،‬الذين يزوروهنا والثقافات املختلفة‪ ،‬رغبة يف بناء عالقات‬ ‫والتعايــش امتــد على مــدى العصور‪،‬‬
‫كوجهــة عمل من خمتلف اجلنســيات سياســية واقتصادية واجتماعية ســليمه‬ ‫تتميز‬
‫وتتجســد فيها التعددية‪ ،‬حيــث ّ‬
‫واألديــان‪ ،‬وهي يف تواصل مســتمر مع على الصعيد الدويل أيضًا‪.‬‬ ‫بكوهنــا أرضــا للتســامح والتعايــش‬
‫الشــعوب العربيــة واإلســامية‪ ،‬ومــع‬ ‫بــن أفــراد جمتمعهــا ومكوناهتــا‬
‫املســلمني الذين يزوروهنــا من خمتلف‬ ‫االجتماعية‪ ،‬إذ ُعرف عنها أهنا تشكل‬
‫التسامح‪ ..‬هدف‬ ‫اجلنســيات للحج والعمرة على اختالف‬ ‫منوذجــً للتعايــش احلضــاري الناجح‬
‫استراتيجي لمركز الملك‬ ‫مشارهبم ومذاهبهم‪.‬‬ ‫بــن أبنــاء الطوائف واملذاهــب الدينية‬
‫هذا املجال يترجم أرقى مسات التعايش عبد العزيز للحوار الوطني‬
‫ولعــل ما توليه اململكــة من اهتمام يف‬ ‫والتيارات الفكرية‪.‬‬

‫ويشكل التســامح إحدى القيم اإلنسانية‬‫ّ‬ ‫والتســامح بني احلضــارات والديانات‬


‫منــذ مئات الســنني‪ ،‬ويعكــس البعد العظيمــة اليت يتبناهــا مركز امللك عبد‬ ‫االستقرار والتنمية‬
‫التارخيــي الذي تتمتع بــه يف املنطقة‪ ،‬العزيــز للحــوار الوطين منذ تأسيســه‪،‬‬ ‫فاململكة ومن خالل مكانتها الثقافية‬
‫باعتبارها بلد السالم واملحبة والتسامح بوصفه إحدى مؤسسات املجتمع الوطنية‬ ‫والدينية واالقتصادية‪ ،‬وتنوعها املذهيب‬
‫وتعدد الثقافات‪ ،‬فعلى املستوى الدويل املعنيــة بترســيخ وتعزيــز هــذه الفضيلة‬ ‫والفكري‪ ،‬وطبيعة عالقاهتا الدولية‪،‬‬
‫ا إياها أحــد أهدافه‬ ‫كانــت سياســات اململكــة املعتدلة األخالقيــة‪ ،‬جاعــ ً‬ ‫يف موقع املرحب واملشــجع على حتقيق‬
‫وخطاهبا اإلنســاين حمل تقدير العامل الســامية الــي يســعى بــدأب وفاعليــة‬ ‫االندمــاج بني أبنائها‪ ،‬إدراكًا منها بأن‬
‫بأســره‪ ،‬كما حققت جناحات كربى لترسيخها عرب أنشطته ومبادراته وبراجمه‬ ‫التعايش آلية إلرســاء أســس االستقرار‬
‫حقنت هبــا دماء وأهنت هبــا نزاعات‪ ،‬ولقاءاتــه املتنوعة‪ ،‬مــن أجل الوصول إىل‬ ‫والتنميــة والعيش املشــترك‪ ،‬وكذلك‬
‫ووظفــت إمكاناهتا لرفــع الظلم وردع جمتمع متعايش أكثر تالمحًا ضد العنف‬
‫العــدوان وتأصيل مبــادئ وقيم حقوق والتطرف والتمييز والكراهية‪.‬‬
‫اإلنســان‪ ،‬ما يفتح للعــامل نوافذ األمل ويــأيت االهتمــام الكبــر الــذي يوليــه‬
‫يف العدالة واحلرية واألخالق السامية‪ ،‬املركز هلذه القيمة‪ ،‬اســتمرارًا ملســرة‬
‫وحتجيــم مســاحات العنــف وتضييــق اململكة الطويلة يف نشر التسامح باعتباره‬
‫اخلناق على كل ما يوفر مناخًا خصبًا منهــج حياة ومبــد ًأ من املبــادئ اجلامعة‬
‫لألصوليات‪ ،‬وتغليب صــوت االعتدال بني البشــر‪ ،‬يســتمد جذوره من العادات‬
‫للجم ضجيــج التطــرف والقضاء على والتقاليــد الســعودية األصيلــة‪ ،‬والقيــم‬
‫اإلرهــاب الــذي اختــذ مــن املخالفني اإلســامية الســمحة الــي تنبــذ العنف‬
‫والتعصــب واإلرهاب‪ ،‬وتدعــو إىل تعزيز‬ ‫واملختلفني هدفًا له‪.‬‬
‫أما على املســتوى الداخلي‪ ،‬فقد ترمجت األمــن واالســتقرار والتســامح األخالقي‬
‫اململكــة جهودهــا بإرســائها مبــادئ واإلنساين بني أهل األرض مجيعًا مبختلف‬
‫احلوار والتســامح والتعايــش يف الداخل جنسياهتم وأعراقهم ودياناهتم وثقافاهتم‬
‫وقامــت بتأطري ذلك‪ ،‬من خالل إنشــائها وانتماءاهتم السياسية والثقافية‪.‬‬
‫ملركز امللك عبــد العزيز للحوار الوطين ويستلهم املركز الذي حيمل اسم امللك‬
‫الذي يهدف لنشــر ثقافــة احلوار وتعزيز املؤسس فكر ومنظومة القيم واملبادئ‬
‫التعايــش يف املجتمــع املحلــي‪ ،‬حيــث ال اليت أرسى قواعدها امللك عبد العزيز‪،‬‬
‫خيفى على أحد أن اململكة تأسست على طيب اهلل ثراه‪ ،‬مؤسس الدولة السعودية‬
‫مبادئ التســامح واالنفتاح جتاه الشعوب وباين هنضتها احلديثة‪ ،‬وهنجه الراسخ‬

‫طالما كانت المملكة ومازالت ومنذ مطلع‬


‫التاريخ منبعاً ونموذجاً للتسامح والتعايش امتد‬
‫على مدى العصور وتتجسد فيها التعددية حيث‬
‫تتميز بكونها أرضاً للتسامح والتعايش بين أفراد‬
‫ّ‬
‫مجتمعها ومكوناتها االجتماعية‬

‫‪65‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫يترجم ما توليه المملكة من اهتمام أرقى سمات التسامح والتعايش‬

‫أيـــــــــــــــــــــــام دولــيــــــــــــــة‬
‫بين الحضارات والديانات ويعكس البعد التاريخي الذي تتمتع به في المنطقة‬
‫باعتبارها بلد السالم والمحبة والتسامح وتعدد الثقافات‬

‫وإقامــة العديد مــن الفعاليات والربامج‬ ‫هبــا مركز امللــك عبد العزيــز للحوار‬ ‫يف جعل أرضها واحة للتسامح والتعددية‬
‫واملشــاريع‪ ،‬ســواء مــن خــال مقــره‬ ‫الوطــي‪ ،‬ويســعى جاهدا لترســيخها‬ ‫والتنوع‪ ،‬يتعايش اجلميع فيها يف كنف‬
‫الرئيســي يف الرياض‪ ،‬أو عرب فروعه‪،‬‬ ‫حىت تكون أســلوب حياة ونقطة التقاء‬ ‫من القبول واالحترام والتناغم واالنسجام‬
‫أو مشرفيه املنتشرين يف خمتلف مناطق‬ ‫بني كافة أطيــاف املجتمع‪ ،‬من خالل‬ ‫والتالحم‪ ،‬فهي أرض التسامح واملحبة‪،‬‬
‫اململكة‪.‬‬ ‫تبنيــه ملبادئ التســامح واملحبة والعيش‬ ‫وحيتضــن ثراها ماليني الوافدين الذين‬
‫وتضمنت تلك الفعاليات إطالق العديد‬ ‫املشــترك كمنهج للوصول إىل جمتمع‬ ‫يعيشــون مع أبنائها بسالم وحمبة لينعم‬
‫مــن امللتقيــات والنــدوات واجللســات‬ ‫أكثر انســجامًا ومتاسكًا وقدرة على‬ ‫اجلميــع فيهــا باألمــن واالســتقرار‪،‬‬
‫واملحاضــرات واملؤمترات واألمســيات‬ ‫مواجهة كل أشكال العنف والتطرف‬ ‫بشــكل جيعلها معينًا للتسامح بأزهى‬
‫وورش العمــل‪ .‬فضال عن تنفيذ الكثري‬ ‫والتعصــب‪ ،‬ومــا قــد يــؤول إليــه من‬ ‫صــوره على مســتوى املنطقــة والعامل‬
‫من الربامج التدريبيــة واملعارض الفنية‬ ‫خالفات وصراعات‪.‬‬ ‫أمجــع‪ ،‬ممــا جعلهــا أمنوذجــً عامليًا‬
‫واألركان التعريفية واملقاهي احلوارية‬ ‫ومنــذ تأسيســه يف العــام ‪1424‬ه‪ ،‬مل‬
‫للتسامح واملحبة والسالم‪.‬‬
‫اليت يهدف من ورائها إىل ترسيخ وتعزيز‬ ‫يدخــر املركــز جهدا يف ســبيل تعزيز‬
‫ثقافــة التســامح وغــرس هــذه القيــم‬ ‫وترســيخ ونشر قيم التســامح يف مجيع‬
‫العظيمة لــدى كافة أطيــاف املجتمع‬ ‫مناحي احليــاة ونبذ أفــكار التطرف‬ ‫قيمة أخالقية‬
‫وفضيلة‬
‫ليجســدوا معانيها اإلنسانية بكل رقي‬ ‫والظــام والكراهيــة والتمييز‪ ،‬حيث‬
‫وحتضــر داخــل اململكــة وخارجها‪،‬‬ ‫أخذ على عاتقه طوال السنوات املاضية‬
‫مبــا يتوافق مع برنامــج التحول الوطين‬ ‫كواجب وطــي ومســؤولية جمتمعية‬ ‫فطاملــا ظــل التســامح ومــازال قيمــة‬
‫‪2020‬م ورؤية اململكة ‪2030‬م‪.‬‬ ‫ترمجــة ذلك اهلدف النبيــل عرب تنظيم‬ ‫أخالقيــة وفضيلة معنويــة نادى وينادي‬

‫‪66‬‬
‫يش ّكل التسامح إحدى القيم اإلنسانية العظيمة التي يتبناها مركز‬
‫الملك عبد العزيز للحوار الوطني منذ تأسيسه بوصفه إحدى مؤسسات‬
‫المجتمع الوطنية المعنية بترسيخ وتعزيز هذه الفضيلة األخالقية‬
‫وضمان حقوق الناس‪.‬‬ ‫"دور اإلعــام يف‏تعزيــز منظومة القيم‬
‫وتناول الفيلم صــورا خمتلفة تربز مدى‬ ‫اإلنسانية"‪ ،‬أما اجللسة الثانية فتطرقت‬
‫التســامح والتعايش بني أطيافه كافة‪،‬‬ ‫إىل دور‏التعليم يف تعزيز القيم اإلنسانية‬
‫ومــدى احترامهــم وقبوهلــم للمختلفني‬ ‫ومحاية النسيج املجتمعي‪.‬‬
‫معهــم يف ظــل رعايــة رمسية وشــعب‬
‫متســامح كرمي مضياف يفخر بالتنوع‬
‫الكبري بني ماليني املقيمني على أرضه‬ ‫القمة العالمية‬
‫مــن خمتلــف دول العــامل‪ ،‬يف حفــاوة‬ ‫للتسامح‬
‫بالغة وتســامح عظيــم‪ ،‬بعيدًا عن كل‬ ‫خارجيًا‪ ،‬شارك املركز يف أعمال القمة‬
‫أشــكال التمييز والفرقة والكراهية‬ ‫العامليــة للتســامح يف اإلمــارات العربية‬
‫بوصفه جمتمعًا متســاحمًا مع اآلخرين‬ ‫املتحــدة والــي تعد أكرب جتمــع لقادة‬
‫ومنفتحًا مع العامل ويتفاعل ويتعاطى مع‬ ‫احلكومات والشخصيات الرئيسية من‬
‫كل شيء ويقبله دون متييز‪.‬‬ ‫القطاعني العام واخلاص وسفراء السالم‬
‫وصانعي التغيــر من مجيع أحناء العامل‬
‫شراكات وإصدارات‬
‫الذين يهدفون ملناقشــة أمهية التســامح‬
‫والســام واملســاواة واالحتفــال بالتنوع‬
‫عالوة علــى ذلك أصدر املركز العديد‬ ‫بــن الناس مــن مجيع مناحــي احلياة‪،‬‬
‫من الكتب واإلصــدارات‪ ،‬كما عقد‬ ‫بغض النظــر عن اختالف وجهات النظر‬
‫الكثري مــن الشــراكات واالتفاقيات‬ ‫السياسية واخللفيات الثقافية والدينية‪.‬‬
‫مــع العديــد مــن الــوزارات واهليئــات‬ ‫ويف جمــال الدراســات والبحــوث‬
‫احلكومية ومؤسســات املجتمع واليت‬ ‫واملؤشــرات‪ ،‬أطلــق املركــز مؤشــر‬
‫يهدف من ورائها لتعزيز قيم التســامح‪،‬‬ ‫التســامح يف نســخته الثانيــة والــذي‬
‫ليصبح الســبيل للعيــش ضمن جمتمع‬ ‫جــرى العمل على تطويــره وإعادة بناء‬
‫متالحم ومتماسك‪.‬‬ ‫بعض أبعــاده وفقًا للتغريات االجتماعية‬ ‫ويــأيت احتفــاء املركز باليــوم العاملي‬
‫ويــأيت مــن أبرز اجلهــات املحلية اليت‬ ‫اليت حدثت‪ ،‬وباتباع أفضل املمارســات‬ ‫للتسامح الذي يوافق السادس عشر من‬
‫أبــرم معها املركــز اتفاقيــات تعاون‪،‬‬ ‫الدولية احلديثة يف قياس التسامح‪.‬‬ ‫شــهر نوفمرب من كل عــام عرب تنظيم‬
‫الرئاســة العامة لشؤون املسجد احلرام‬ ‫ويهدف املؤشر الذي ُأجري اعتمادًا على‬ ‫العديد مــن اللقاء وامللتقيــات والربامج‬
‫واملســجد النبوي واألمانــة العامة هليئة‬ ‫البحــوث العلمية والدراســات امليدانية‬ ‫والندوات‪،‬‬
‫كبار العلماء‪ ،‬والرئاســة العامة هليئة‬ ‫اليت أجراها املركــز إىل الوقوف على‬ ‫ومن أبرزهــا ملتقى حــوارات اململكة‬
‫األمــر باملعــروف والنهي عــن املنكر‪،‬‬ ‫مســتوى التســامح يف اململكة وتعزيز‬ ‫الرابــع الــذي ســلط الضوء علــى دور‬
‫ومعهد األمري خالــد الفيصل لالعتدال‬ ‫ونشر قيمه بني مواطنيها‪ ،‬وهو يعكس‬ ‫اجلهــات احلكوميــة ومؤسســات‬
‫إىل جانب العديد من اجلامعات‪.‬‬ ‫بوضــوح االهتمام الــذي توليه اململكة‬ ‫املجتمع يف تعزيز التســامح‪ ،‬من خالل‬
‫كما اســتطاع املركز أن يفعل تعاونه‬ ‫للقضايا الــي متس التســامح واإلخاء‬ ‫نطاقات خمتلفة من أبرزها دور اجلهات‬
‫مــع عدد مــن املؤسســات الدولية منها‬ ‫والتعايش واحترام وقبول اآلخر‪.‬‬ ‫احلكومية يف تعزيز التســامح والتعليم‬
‫منظمــة األمم املتحــدة للتربيــة والعلم‬ ‫كما أطلق املركز فيلمًا قصريًا بعنوان‬ ‫واإلعالم‪.‬‬
‫والثقافة (اليونسكو)‪ ،‬واملنظمة العربية‬ ‫"التســامح منــا وفينــا"‪ ،‬ســلط خالله‬ ‫وشــهدت فعاليات امللتقــى إقامة ثالث‬
‫للتربية والعلوم والثقافة (إيسيســكو)‬ ‫الضــوء علــى قيمــة التســامح واملحبة‬ ‫جلســات حواريــة‪ ،‬‏تناولــت اجللســة‬
‫وبرنامج األمم املتحدة اإلمنائي‪ ،‬عالوة‬ ‫واالحتــرام املتبادل بــن كل من يعيش‬ ‫االفتتاحيــة "البعد الديــي واالجتماعي‬
‫على املعهد الدويل للتســامح باإلمارات‬ ‫علــى أرض اململكــة‪ ،‬الــي ينطــوي‬ ‫والدويل ‏لتعزيز املشــتركات اإلنسانية‬
‫الذي يعد اجلهــة املنظمة للقمة العاملية‬ ‫دســتورها على قدر كبري من التسامح‬ ‫وآثارهــا علــى الصــورة الذهنيــة‬
‫للتسـامح‪.‬‬ ‫والعــدل واملســاواة واالحتــرام وإعطاء‬ ‫للمملكة"‪ ،‬فيما ناقشت اجللسة األوىل‬

‫‪67‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫في حالة تالزم دائم وال يمكن الفصل بينهما‬

‫ثــــقــــافــــة وفــــنــــون‬
‫القيم االجتماعية‪ ..‬ركيزة أساسية‬
‫من ركائز األمن الثقافي‬

‫أكثر نُ ضجاً‬
‫َ‬ ‫كون‬
‫َ‬ ‫تسود فيها القيم تَ‬
‫ُ‬ ‫البالد التي‬
‫مبد َعة‬
‫ِ‬ ‫باإلضافة إلى كونها مجتمعات‬
‫ِ‬ ‫وفهماً للحياة‬
‫ِ‬
‫نجاح َعظيم‬
‫ٍ‬ ‫ِفي حياتها أوصلتها إلى‬

‫‪68‬‬
‫تشــ ّكل القيم االجتماعية ركيزة أساســية من ركائز األمن الثقايف‪ ،‬انطالقًا من‬
‫الدور الذي تضطلع به يف جتسيد النسيج االجتماعي الذي حيافظ على متاسك‬
‫املجتمع‪ ،‬ويعمل على اســتقراره واستمراره‪ ،‬إضافة إىل احتوائها على املعايري واملثل‬
‫وتوجه ســلوكهم‬ ‫األخالقية واجلمالية والثقافية اليت يتفق عليها أبناء املجتمع‪ّ ،‬‬
‫يف خمتلف جوانب احلياة‪ ،‬ويف خمتلف جماالت تفاعالهتم الدائمة واملؤقتة‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫تهدمها كما أن التفكير القيمي األخالقي‬
‫األمة أو ِ‬
‫ّ‬ ‫ي التي تَ بني‬
‫القيم ِه َ‬

‫ثــــقــــافــــة وفــــنــــون‬
‫هو الذي يدفع اإلنسان للبحث الدائم عن األعمال األخالقية المثالية وهو‬
‫الذي يدفعه أيضا للسمو والرفعة باستمرار وإلى األفضل‬

‫للبحث الدائــم عن األعمــال األخالقية‬ ‫قيم التعليــم وقيم العمــل‪ ،‬أو قيم املرأة‬ ‫أفكار وتصورات‬
‫املثاليــة‪ ،‬وهــو الذي يدفع اإلنســان إىل‬ ‫وقيم الشــباب‪ ،‬كذلك ميكن احلديث‬
‫وعلــى رغم تعدد وتنــوع تعريفها‪ ،‬إال أن‬
‫السمو‪ ،‬والرفعة باستمرار وإىل األفضل‪.‬‬ ‫عن القيــم املجتمعية اليت تعرب عن البناء‬
‫القيم االجتماعية تشــر يف معناها العام‬
‫وترتبط القيم االجتماعية بالثقافة واألمن‬ ‫األخالقي والفكري لكل أبناء املجتمع‪،‬‬
‫إىل مجلة األفكار والتصورات واملفاهيم‬
‫الثقايف ارتباطــً وثيقًا‪ ،‬ويقــول العلماء‬ ‫ذلــك البنــاء الــذي يوجــه ســلوكهم‪،‬‬
‫وتعبر عن‬
‫اليت حتكم ســلوك األفراد‪ّ ،‬‬
‫واملصلحون‪ ،‬إن الثقافة احلقيقية والقيم‬ ‫ويعكــس رغباهتــم وطموحاهتــم يف‬
‫تفضيلهــم‪ ،‬أو تقديرهــم لألشــخاص‪،‬‬
‫األصيلة يف حالة تالزم دائم‪ ،‬وال ميكن‬ ‫جماالت التفاعل املختلفة‪.‬‬
‫أو لألشــياء‪ ،‬أو للموضوعــات‪ ،‬وكذا‬
‫عبر كثريون عن‬ ‫الفصل بينهما‪ ،‬حــى ّ‬ ‫وتضطلع املؤسسات االجتماعية والثقافية‬
‫املعايــر املثاليــة اليت تشــكل مرجعية‬
‫ذلــك بــأن الثقافة والقيم وجهــان لعملة‬ ‫املتنوعــة بــدور أساســي يف تشــكيل‬
‫هــؤالء األفــراد‪ ،‬عنــد تفضيلهــم‪ ،‬أو‬
‫واحــدة‪ ،‬وهــي بالفعــل كذلــك‪ ،‬فال‬ ‫منظومــة القيــم يف املجتمع‪ ،‬ويأيت على‬
‫اختيارهــم لشــكل معني من أشــكال‬
‫ثقافة مؤثرة من دون مســاندة القيم هلا‪،‬‬ ‫رأس هذه املؤسسات األسرة‪ ،‬ومؤسسات‬
‫السلوك أو الفعل‪ ،‬خالل مسرية حياهتم‪.‬‬
‫ولــن تكون القيم مؤثــرة يف املجتمع ما‬ ‫التعليم‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬ومؤسســات املجتمع‬
‫ومــن املعــروف أن القيــم مــن األشــياء‬
‫مل تســندها ثقافــة متثل هويــة املجتمع‬ ‫املدين واملؤسســات الدينية‪ ،‬وهنا جيب‬
‫اليت تكتسب من األشــخاص أصحاب‬
‫كوهنــا مســمدة مــن جــذوره املتميزة‬ ‫التأكيد على أن سالمة وصحة منظومة‬
‫اخلربات ومن العائلــة مثل اآلباء‪ ،‬كما‬
‫وليست الرديئة‪.‬‬ ‫القيم اليت يكتســبها الفــرد‪ ،‬مرتبطة‬
‫ميكــن لإلنســان أن يكتســب قيمــً‬
‫اجتماعيــة‬
‫ّ‬ ‫ومتثــل الثقافــة ظاهــرة‬ ‫بسالمة وصحة هذه املؤسسات‪.‬‬
‫جديدة عــن طريق التجارب اليومية اليت‬
‫مكتسبة‪ ،‬قابلة لالنتشار واالنتقال من‬
‫يقوم هبا خالل اليوم‪ ،‬وتتســع دائرة هذه‬
‫جيــل إىل آخر؛ وهي اإلطــار االجتماعي‬
‫ويتطــور‬ ‫الــذي يعيشــه الفــرد‪ ،‬وينمــو‬ ‫وجهان لعملة واحدة‬ ‫القيم‪ ،‬أو تضيق‪ ،‬حســب نظرة اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫إليها‪ ،‬حيث ميكــن احلديث عن القيم‬
‫من خاللــه‪ ،‬أما األمن الثقــايف‪ ،‬فيمثّل‬ ‫أن البالد‬
‫وتشري العديد من الدراسات إىل ّ‬
‫أكثر‬ ‫كــون‬
‫َ‬ ‫اليت تســو ُد فيهــا القيم َت‬ ‫الفرديــة اليت تعكــس رغباته وتطلعاته‬
‫أهم الدعائــم اليت يقــوم عليها املجتمع‬ ‫َ‬
‫نُضجًا وفِهمًا للحياة‪ ،‬باإلضاف ِة إىل أنّها‬ ‫الذاتية‪.‬‬
‫من عــادات وتقاليد وقيــم وغريها؛ وهو‬
‫مبد َعة فِي حياهتــا أوصلتها‬ ‫جمتمعــات ِ‬ ‫كمــا ميكن احلديث عــن القيم اليت‬
‫وســيلة لتحديد الســلوك أو أداة ملسايرة‬
‫إىل جنــا ٍح َعظيم؛ فالقيــم ِه َي اليت َتبين‬ ‫ً‬
‫اتصال مباشــرًا جبانب معني من‬ ‫تتصل‬
‫أســاليب احلياة هبدف مسايرة التغريات‬
‫هتدمهــا‪ ،‬كمــا أن التفكري‬ ‫األمــة أو ِ‬ ‫جوانــب البنــاء االجتماعــي‪ ،‬أو تتصل‬
‫العاملية‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫ّ‬ ‫واملســتجدات‬ ‫ّ‬
‫القيمي األخالقي هو الذي يدفع اإلنسان‬ ‫بفئــة اجتماعية معينــة يف املجتمع‪ ،‬مثل‬
‫الثقافيــة ألفراد املجتمع‬
‫ّ‬ ‫الذاتية‬
‫ّ‬ ‫محايــة‬

‫‪70‬‬
‫يف اضطالعهــا بــدور هام يف تشــكيل‬ ‫وفاعل ومؤثر‪ ،‬وما هو شكلي من القيم‬ ‫الواحــد‪ ،‬ومــا تضمنــه من قيــم مادية‬
‫الشــخصية الفردية وحتديد أهدافها يف‬ ‫الفاعلة‪.‬‬ ‫وتقدم له معايري‬
‫توجه اإلنسان ّ‬ ‫ومعنوية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫إطــار معيار صحيح‪ ،‬عالوة على إصالح‬ ‫ويف هذا املجال‪ُ ،‬يقصــد باألمن الثقايف‬ ‫السلوك‪.‬‬
‫الفرد نفســيًا وخلقيًا‪ ،‬وضبــط دوافعه‬ ‫الثقافية ومحايتها‬
‫ّ‬ ‫الذاتية‬
‫ّ‬ ‫احلفاظ علــى‬
‫وشــهواته ومطامعه كــي ال تتغلب على‬ ‫الفكرية املعاصرة‬ ‫التيارات‬ ‫وتأمينها من‬
‫عملــه‪ ،‬وتوجهــه حنو اخلري واإلحســان‬
‫ّ‬
‫اليت تســتهدف الشــباب يف دينه وقيمه‬ ‫مسارات وإجراءات‬
‫والواجب‪.‬‬ ‫ولغتــه ومعتقداتــه وحضارتــه‪ ،‬حــى‬ ‫ويشري العلماء واملعنيون بالثقافة إىل أهنا‬
‫والتصــدي هلا‬
‫ّ‬ ‫يتمكــن مــن مقاومتهــا‬‫ّ‬ ‫تدعــم القيم االنســانية‪ ،‬وتســاعد على‬
‫بإجيابيــة وفاعلية يف ظل حتديات عاملية‬ ‫نشــرها وترسيخها‪ ،‬فأينما جتد الثقافة‬
‫أهداف سامية‬ ‫يشــكل يف جمموعه‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫معاصــرة‪ ،‬وهــذا‬ ‫اجليدة ســوف جتد جمتمعًا متمســكًا‬
‫أمــا كيــف تكــون الثقافــة مؤثــرة‪،‬‬ ‫املســؤولية‬
‫ّ‬ ‫لتحمــل‬
‫ّ‬ ‫أساســية‬
‫ّ‬ ‫قاعــدة‬ ‫بقيمــً إجيابي ًة متميزة‪ ،‬وهذا هو اهلدف‬
‫والقيم تشترك معها يف حتقيق األهداف‬ ‫واملشــاركة يف حتقيــق األمــن الثقايف‬ ‫األساســي من أهــداف الثقافة‪ ،‬جيري‬
‫الســامية للمجتمع‪ ،‬فإن ذلك ال ميكن‬ ‫والتقدم والتنمية للمجتمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وفق طرائق وأســاليب ثقافيــة متعددة‪،‬‬
‫أن يتم من دون وســيط فاعــل وحيوي‪،‬‬ ‫وعليه ميكــن القول إن القيم تشــكل‬ ‫قد ختتلــف يف املســارات واإلجراءات‪،‬‬
‫متمثال باملثقــف‪ ،‬فاملعــروف أن املثقف‬ ‫مضمــون الثقافة وحمتواهــا‪ ،‬والثقافة‬ ‫لكنها تلتقي بالنتيجة‪ ،‬يف دعمها للقيم‬
‫أداة الثقافــة‪ ،‬من خالل فكره وإبداعه‬ ‫هي التعبــر احلي عن القيم‪ ،‬كما أهنا‬ ‫اليت تقلل من العــادات والتقاليد والقيم‬
‫ونشــاطه يف مياديــن متعــددة أيضا‪ ،‬إذ‬ ‫تلعب دورًا بارزًا يف حتديد سلوك الفرد‪،‬‬ ‫غري اجليدة يف املجتمع‪ ،‬أي توجد هناك‬
‫البد مــن دحض الفكرة الــي تقول أو‬ ‫وميكن تلخيص أمهيتها يف حياة الفرد‬ ‫حالة مــن التضاد التام بــن ما هو جيد‬

‫ترتبط القيم االجتماعية بالثقافة واألمــن الثقافي ارتباطاً وثيقاً‬


‫ويقول العلماء والمصلحون إن الثقافة الحقيقية والقيم األصيلة في‬
‫حالة تالزم دائم وال يمكن الفصل بينهما‬

‫‪71‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫االجتماعية إحدى اللبنات األساسية التي تبنى بها‬
‫ّ‬ ‫تمثل القيم‬

‫ثــــقــــافــــة وفــــنــــون‬
‫المجتمعات ومن أهم الروابط التي تربط بين أفــراد المجتمع فبها‬
‫يقوى التماسك والترابط بينهم فهي الضمانة الستقرار المجتمعات‬
‫وازدهارها‬
‫أصبح مسة من مســات الواقع احلايل‪،‬‬ ‫متناسقة‪ ،‬وتعطيها أساسًا عمليًا يستقر‬ ‫تؤكد على أن املثقف إنسان خيتلف عن‬
‫علــى املســتويني املحلــي والعاملــي‪،‬‬ ‫يف أذهان أفــراد املجتمع‪ ،‬وذلك لكون‬ ‫اآلخرين‪ ،‬ويعلو مبســتواه عليهم‪ ،‬بل هو‬
‫ا عن االنفتــاح الثقــايف واملعريف‬‫فضــ ً‬ ‫الثقافــة حتتكــم ملعايــر موضوعيــة‬ ‫جزء مهم منهم وال ينبغي أن يتعاىل عليهم‬
‫بــن دول العــامل‪ ،‬وهو مــا أفضى إىل‬ ‫منضبطة تقبل املتســق مــع قيم املجتمع‬ ‫أو ينفصل عنهم ألي سبب كان‪.‬‬
‫تغــر منظومــة القيــم يف العديــد من‬ ‫وتنبذ مــا ينافرهــا‪ ،‬وتســاعد املجتمع‬ ‫ويؤكــد العلماء واملصلحــون على هذه‬
‫املجتمعات‪ ،‬وانتشار بعض القيم الواردة‬ ‫علــى مواجهة التغريات اليت حتدث فيه‪،‬‬ ‫النقطــة املهمــة‪ ،‬إذ ال يصــح مطلقًا أن‬
‫من خارج املجتمع‪ ،‬بفعل ثورة املعلومات‬ ‫وذلك بتحديدهــا االختيارات الصحيحة‬ ‫ينطــوي املثقف حتت شــعور التميز عن‬
‫والشــبكة العنكبوتية‪ ،‬اليت تتعارض‬ ‫اليت تسهل على الناس حياهتم‪ ،‬وحتفظ‬ ‫عامــة الناس‪ ،‬وال ينبغي أن يعزل نفســه‬
‫مــع منظومــة القيم اليت متيــز الثقافة‬ ‫للمجتمــع اســتقراره وكيانــه يف إطار‬ ‫بسبب الشعر بالتفرد واالمتياز الفكري‬
‫الوطنية للمجتمع‪.‬‬ ‫موحــد‪ ،‬وذلــك لكــون القيــم مبثابــة‬ ‫أو اإلبداعي‪ ،‬فهذا األمر يستدعي تقاربًا‬
‫االجتماعية إحدى اللبنات‬
‫ّ‬ ‫ومتثــل القيم‬ ‫امليزان الذي توزن به األشــياء‪ ،‬وبالتايل‬ ‫من اجلماهري وليس تباعدًا عنهم‪.‬‬
‫األساســية اليت تبىن هبــا املجتمعات‪،‬‬ ‫تعــد معيــارًا ملــا يقبــل أو يرفــض مــن‬ ‫أمــا علــى املســتوى االجتماعــي‪ ،‬فإن‬
‫ومن أهم الروابط اليت تربط بني أفراد‬ ‫السلوكيات‪.‬‬ ‫القيــم تلعب دورًا مهمــً يف احلفاظ على‬
‫املجتمع‪ ،‬فبها تنتشــر املحبة بني أفراد‬ ‫متاســك املجتمــع؛ إذ حتدد لــه أهدافه‬
‫األخوة بينهــم‪ ،‬ويقوى‬ ‫املجتمــع‪ ،‬وتعم‬ ‫ومثله العليا ومبادئه املســتقرة‪ ،‬وبالتايل‬
‫ّ‬
‫التماســك والترابط بينهم هبذه القيم‪،‬‬ ‫لبنات أساسية‬ ‫يستقيم املجتمع يف وحدة واحدة حتفظه‬
‫فهــي الضمانــة الســتقرار املجتمعات‬ ‫وقــد ازدادت أمهية القيــم االجتماعية‬ ‫من االختــاف والفرقــة‪ ،‬وتربط أجزاء‬
‫وازدهارها‪.‬‬ ‫يف ظــل ظــروف التغري الســريع‪ ،‬الذي‬ ‫ثقافــة املجتمع بعضهــا بعضًا حىت تبدو‬

‫‪72‬‬
‫وتحليل‬
‫ً‬ ‫وعمقا‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫ً‬ ‫أكثر‬
‫َ‬ ‫اإلنسان أضحى‬
‫ِ‬ ‫القيم لدى‬
‫ُ‬ ‫ارتفعت‬
‫ْ‬ ‫كلما‬
‫والمهارات التي تجعله‬
‫ِ‬ ‫المعارف‬
‫ِ‬ ‫وأجدر بامتالك‬
‫َ‬ ‫تدور حولَ ه‬
‫ُ‬ ‫لألمور التي‬
‫ِ‬
‫المنحرفة‬
‫ِ‬ ‫واألفكار‬
‫ِ‬ ‫الهدامة‬
‫ِ‬ ‫لألفكار‬
‫ِ‬ ‫يتصدى‬
‫فهما‬
‫أكثر ً‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان أضحى‬
‫ِ‬ ‫ومتثلت يف‬
‫ْ‬ ‫جوهرية‬
‫ِ‬ ‫قضايا‬ ‫أن األمــم اليت تنهــار بداية‬‫ويالحــظ ّ‬ ‫ُ‬
‫تدور حولَه‪،‬‬
‫وحتليل لألمو ِر اليت ُ‬
‫ً‬ ‫وعم ًقا‬ ‫اهنيارها‪ ،‬إنّما تكون يف اهنيار القيم‬
‫وال شــك يف أن اخللــل الــذي يصيب‬
‫ِ‬
‫واملهارات اليت‬ ‫ِ‬
‫املعارف‬ ‫وأجدر بامتالك‬
‫َ‬ ‫واألخالق؛ فال ميكن فصل القيم عن‬
‫منظومــة القيم يف املجتمع يؤثر ســلبًا‬
‫جتعلــه يتصــدى لألفــكا ِر اهلدامةِ‪،‬‬ ‫األخالق‪ ،‬فهي تشــترك معًا يف حتديد‬
‫علــى مســرته وحيــول دون تقدمــه‪،‬‬
‫واألفــكا ِر املنحرفــةِ‪ ،‬أو الداعي ِة إىل‬ ‫فالقيم‬ ‫ومينــع هنضتــه يف املســتقبل‪،‬‬ ‫وضبــط الســلوك البشــري يف وجهته‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واإلرهاب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫التطرف‬ ‫متث ُل قــدر َة الفــر ِد على إجيــا ِد مع ًنى‬ ‫واخلاصة ففقدانُهــا أو ضيا ُع‬
‫ّ‬ ‫العامــة‬
‫ّ‬
‫ومن هذا املنطلــق تقتضي احلاجة إىل‬ ‫القيــم من‬ ‫تعــد‬ ‫ِ‬
‫التعــرف عليها‬ ‫وعــدم‬
‫ُ‬ ‫اإلحســاس هبا‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫حلياتِــه وعلــى هــذا ُّ‬
‫ضــرورة إعــادة االعتبار للمؤسســات‬ ‫ميادين احليا ِة‬
‫ِ‬ ‫القضايا اجلوهريــ ِة يف‬ ‫بأعمال عشــوائيةٍ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يقوم‬
‫جيعــ ُل الفر َد ُ‬
‫االجتماعيــة والثقافيــة املعنية بغرس‬ ‫االقتصادي ِة والسياسي ِة واالجتماعيةِ‪،‬‬ ‫لعدم إدراكه‬ ‫ُ‬
‫اإلحباط ِ‬ ‫ويســيطر عليه‬
‫ُ‬
‫القيــم‪ ،‬وحماولــة تذليل ما قــد يؤثر‬ ‫العالقات اإلنســاني ِة‬
‫ِ‬ ‫متس‬
‫نظرًا ألهنا ُّ‬ ‫أعمــال‪ ،‬مما‬
‫ٍ‬ ‫يقــوم به من‬
‫ُ‬ ‫جــدوى ما‬
‫ســلبًا على دورها يف تشكيل منظومة‬ ‫بصورهــا كافــةً‪ ،‬فهــي ضــرور ٌة‬ ‫يترتــب عليــه أشــكال عديــدة مــن‬
‫القيــم اإلجيابية اليت تفــي مبتطلبات‬ ‫بد من توافرها‬ ‫ومعايري ال َّ‬
‫ُ‬ ‫اجتماعيــة‪،‬‬ ‫االختالل‪ ،‬أو التشــوه‪ ،‬الذي طرأ على‬
‫احلاضر وتستجيب لتطلعات املستقبل‪.‬‬ ‫ســواء كانت‬‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫جمتمــع منظ ٍم‬ ‫يف كل‬ ‫منظومة القيم‪.‬‬
‫كمــا تقتضــي احلاجــة ضــرورة‬ ‫متقدمــ ًة أم متأخر ًة‪ ،‬فهــي تتغلغ ُل يف‬ ‫كما يؤدي غياب القيم إىل تراجع بعض‬
‫الســعي الدؤوب من جانب املؤسسات‬ ‫ٍ‬
‫اجتاهات ودواف ٍع‬ ‫األفرا ِد على شــكل‬ ‫القيــم اإلجيابية‪ ،‬مثل قيــم االحترام‪،‬‬
‫احلكوميــة ومؤسســات املجتمــع‬ ‫السلوك الشعوري‬ ‫ِ‬ ‫وتظهر يف‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وتطلعات‪،‬‬ ‫والــوالء‪ ،‬واالنتمــاء‪ ،‬وقيــم املعرفــة‬
‫املــدين‪ ،‬وتفعيل دورها يف اســتنهاض‬ ‫والالشعوري‪.‬‬ ‫واإلبداع‪ ،‬وتقدير الوقت والعمل املنتج‪،‬‬
‫القيــم اإلجيابية الداعمة للمســتقبل‪،‬‬ ‫القيــم هي‬
‫ُ‬ ‫وهلــذا ميكــن القــول إن‬ ‫والتكافــل والتعــاون‪ ،‬واملشــاركة‪،‬‬
‫والعمــل علــى غرســها لــدى خمتلف‬ ‫املثايل ملعاجل ِة‬
‫ُّ‬ ‫واحلل‬
‫ُّ‬ ‫األصوب‬
‫ُ‬ ‫الطريق‬
‫ُ‬ ‫وســيادة بعض القيم الســلبية مثل قيم‪:‬‬
‫الفئات االجتماعية بشكل عام‪ ،‬ولدى‬ ‫جل‬
‫والفكــر يعا ُ‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الســلوكيات‬ ‫تلــك‬
‫َ‬ ‫اإلمهــال‪ ،‬والال مبــاالة‪ ،‬والســلبية‪،‬‬
‫األطفال والناشئة بشكل خاص‪.‬‬ ‫القيــم‬
‫ُ‬ ‫ارتفعــت‬
‫ْ‬ ‫بالفكــ ِر‪ ،‬وكلمــا‬ ‫وعدم تقدير قيمة الوقت‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫العدد ‪ .49‬جمادى األولى ‪1444‬هـ‪ .‬ديسمبر ‪2022‬م‬


‫مــــــقــــــال‬
‫المملكة‬
‫وقيم التسامح‬
‫ودعت إىل إيثار التسامح بني الدول‪ ،‬فلوال‬ ‫رحبا‬
‫إنسانيا ً‬
‫ًّ‬ ‫تشكل قيم التسامح فضاء‬
‫التســامح ما توصلت الدول إىل تفامهات‬ ‫تطل عربه جتارب وخــرات ومواقف على‬ ‫ُّ‬
‫وتسويات‪ ،‬وإىل تأصيل وتغليب العقل على‬ ‫مجيعا‬
‫ً‬ ‫التجــارب‬ ‫هذه‬ ‫ومن‬ ‫العصــور‪،‬‬ ‫مر‬
‫ما يكتنف العامل من إشكاليات‪.‬‬ ‫تتنامــى العالقــات بــن األمم والشــعوب‬
‫وطوال عهودهــا املختلفة مل تأل اململكة‬ ‫وتترســخ‪ .‬إن هذه العالقات ال تعتمد على‬
‫إبراهيم بن زايد العسيري‬
‫جه ًدا يف نشــر هذه القيمــة خاصةً‪ ،‬ومع‬ ‫ما يســمى باملصــاحل الدولية فحســب‪،‬‬
‫نائب األمني العام‬ ‫ما تشــهده اململكة اليوم من انفتاح على‬ ‫ولكنهــا تتالقــى وتزدهر عــر التفاعل‬
‫ذهنية عاملية تليق هبذه البالد الضاربة يف‬ ‫خمتلــف الثقافات واحلضــارات يف عهد‬ ‫اإلنساين‪ ،‬والتواصل الثقايف واملعريف‪.‬‬
‫عمق التاريخ وقيم شعبها األصيلة‪.‬‬ ‫خــادم احلرمني الشــريفني امللك ســلمان‬ ‫وتدلنــا احلضارات اإلنســانية اليت تتن ّقل‬
‫ولعلنــا يف مركز امللك عبدالعزيز للحوار‬ ‫بــن عبدالعزيــز ومسو ويل عهــده األمني‬ ‫مــن مكان آلخــر على خريطــة العامل‪،‬‬
‫الوطين نســتلهم هذه املثل والقيم وجنعلها‬ ‫صاحــب الســمو امللكــي األمــر حممد‬ ‫أن هــذه احلضــارات مل تنشــأ وتزدهــر‬
‫واســعا يشــكل توجهــات لعمل‬ ‫إطــارا‬ ‫بن ســلمان – حفظهمــا اهلل – فإننا أمام‬ ‫داخلــي متامــا‪ ،‬لــدى أمــة من‬
‫ّ‬ ‫بشــكل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املركز بكل نشاطاته وبراجمه‪.‬‬ ‫قيــم تعزز وتنشــر‪ ،‬وتقدم للعــامل صورة‬ ‫األمم‪ ،‬أو شعب من الشعوب‪ ،‬لكن هناك‬
‫وإذا كان العامل حيتفل هذه األيام باليوم‬ ‫ذهنيــة متســاحمة للمملكــة وكيفيــة‬ ‫إسهامات كبرية على مستوى التالقح بني‬
‫الدويل للتســامح الــذي يوافق الســادس‬ ‫إدارة االختالفــات يف عامل يشــوبه القلق‬ ‫الثقافات‪ ،‬وعلى مستوى التجارة البينية‪،‬‬
‫عشــر من شــهر نوفمرب كل عام‪ ،‬فإننا‬ ‫واخلالفات والصراعات‪.‬‬ ‫وأيضــا على مســتوى التواصــل الرمسي‬
‫من خــال لقاءاتنــا وفعالياتنا يف خمتلف‬ ‫إن اململكة اليت تعمل على حتقيق تنميتها‬ ‫جــزرا معزولة‬
‫ً‬ ‫بني الدول‪ ،‬فاألمم ليســت‬
‫مناطــق اململكة نعمل دائمــا على تعزيز‬ ‫املستدامة عرب رؤية ‪ 2030‬تتقدم بشكل‬ ‫بقدر ما هــي فضاءات تنفتح على اآلخر‪،‬‬
‫هذه القيمة‪ ،‬فهي صورة زاهية‪ ،‬واحترام‬ ‫كبري علــى خمتلف الصعــد االقتصادية‬ ‫وكل يســتفيد من املكونات االقتصادية‬
‫الــرأي والرأي اآلخر‪ ،‬وهي قيمة متأصلة‬ ‫والسياســية واالجتماعيــة والثقافيــة‪،‬‬ ‫والعلميــة والثقافيــة واحلضاريــة ما بني‬
‫يف النفوس قبل أن تكون قيمة مكتسبة‬ ‫بوصفهــا وجهــة وحمــط أنظــار العاملني‬ ‫األطراف املختلفة‪.‬‬
‫أو مضافــة‪ ،‬ونعمــل دائما علــى أن يبقى‬ ‫العريب واإلســامي‪ ،‬حيث تقدم منوذجا‬ ‫وتشــكل قيمة‪ ":‬التسامح" واسطة العقد‬
‫التســامح هو الصيغة اليت نتشــارك فيها‬ ‫كبريا‪ ،‬من أجل البناء‬
‫ً‬ ‫وحضاريا‬
‫ًّ‬ ‫إنسانيا‬
‫ًّ‬ ‫يف هذا التواصل اإلنســاين واحلضاري‪،‬‬
‫من أجل تعزيز التالحم الوطين‪.‬‬ ‫والتقــدم والتطويــر‪ ،‬ولعل انعكاســات‬ ‫وهي قيمة تشري إليها الرساالت السماوية‬
‫ذلك تتمثل يف هــذه النهضة التنموية على‬ ‫مجيعا مــن أجــل إعمــار األرض وتعزيز‬ ‫ً‬
‫املســتوى الوطــي مــن جهــة‪ ،‬واحلضور‬ ‫الوعي اإلنساين املشترك‪.‬‬
‫العاملي الالفت من جهة أخرى‪.‬‬ ‫وقــد بذلت اململكــة العربية الســعودية‬
‫ويشــهد العامل أن اهتمــام اململكة بقيم‬ ‫منذ تأسيسها على يد امللك عبدالعزيز آل‬
‫االعتدال والوســطية والتعايش من خالل‬ ‫ســعود – طيب اهلل ثراه – جهو ًدا كبرية‬
‫إنشاء املؤسسات املعنية به‪ ،‬هو انعكاس‬ ‫يف تعزيــز هــذه القيمة الفضلــى النبيلة‪،‬‬
‫هلــذا التعامل الوســطي املتســامح الذي‬ ‫فأســهمت يف حل عدد كبري من القضايا‬
‫يصــب يف هنايــة األمر يف تقــدمي صورة‬ ‫العربية واإلســامية عرب خمتلف العهود‪،‬‬

‫‪74‬‬
‫اليوم العالمي‬
‫للتـســــــامــــــــح‬

‫‪kacnd‬‬ ‫‪www.kacnd.org‬‬

You might also like