You are on page 1of 2

‫دليل العناية‬

‫المتأمل في هذا العالم المترابط األجزاء يجد فيه الداللة الواضحة على قدرة خالقه‪ ،‬وكمال علمه وحكمته‬
‫‪.‬وحسن لطفه وعنايته بالعالم كله إذ الرعاية شاملة لكل أفراده‪ ،‬والعلم محيط َبكـل جزئياته‬

‫ب ال َيعْ لَ ُم َها ِإالَّ ه َُو َو َيعْ لَ ُم َما فِي ْال َبرِّ َو ْال َبحْ ر َو َما َتسْ قُ ُ‬
‫ط مِنْ َو َر َق ٍة ِإالَّ َيعْ لَ ُم َها َوال َح َّب ٍة فِي {‬ ‫َوعِ ْندَ هُ َم َفا ِت ُح ْال َغ ْي ِ‬
‫ِ‬
‫ين‬ ‫س ِإالَّ فِي ِك َتا ٍ‬
‫ب م ُِب ٍ‬ ‫ب َوال َي ِاب ٍ‬ ‫ض َوال َر ْط ٍ‬ ‫ت اَألرْ ِ‬ ‫}ظلُ َما ِ‬‫‪.‬األنعام آية ‪ُ 59‬‬

‫}‪..‬و َما َتحْ ِم ُل مِنْ ُأ ْن َثى َوال َت َ‬


‫ض ُع ِإالَّ ِبع ِْل ِمهِ‪{...‬‬ ‫‪.‬فـاطر آية ‪َ 11‬‬

‫فالناظر بعين البصيرة في هذا العالم كله‪ :‬علويه‪ ،‬وسفليه‪ .‬كبيره‪ ،‬وصغيره‪ ،‬يـجد فيه العناية التامة به أوال‪،‬‬
‫وبمن خلق هللا له هذه الموجودات وسخرها له ثانيا‪ ،‬فالسماوات وأفالكها واألرض ومحتويـاتها‪ ،‬خلقت‬
‫ت َواَألرْ َ‬
‫ض َو َما َب ْي َن ُه َما ِإالَّ ِب ْال َح ّق} األحقاف آية ‪3‬‬ ‫‪ .‬بـالحق‪ ،‬وبه حفظت‪ ،‬كما قـال تعالى‪َ { :‬ما َخلَ ْق َنا ال َّس َم َاوا ِ‬

‫ين} األنبياء آية ‪16‬‬ ‫{و َما َخلَ ْق َنا ال َّس َما َء َواَألرْ َ‬
‫ض َو َما َب ْي َن ُه َما العِ ِب َ‬ ‫‪.‬وقال تعالى‪َ :‬‬

‫فإذا تأمل اإلنسان بفكره وعقله في بعض جزئيات هذا العالم المسخر لمصالحه والتي عليها استقرار حياته‪،‬‬
‫كفاه ذلك دليالً واضحا‪ .‬وحجة بينة على أن هذا العالم مخلوق لخالق‪ ،‬حكيم قدير عليم قد قدر هذا العالم‪،‬‬
‫‪.‬فأحسن تقديره‪ .‬ونظمه فأتقن تنظيمه‬

‫فمن تلك الجزئيات‪ ،‬الشمس‪ ،‬وما تضمنته من مصالح عليها قوام حياة الناس وأحوالهم‪ ،‬وحياة المخلوقات‬
‫‪.‬جميعا‪ ،‬من حيوان ونبات‪ ،‬فإن الناظر فيها يلمس كمال العناية‪ .‬واللطف من هللا تعالى والرحمة بهذا اإلنسان‬

‫تعاقب الليل والنهار‪ :‬وأول ما ينتج عن طلوع الشمس وغروبها‪ ،‬تعاقب الليل والنهار‪ ،‬واللذان هما من أعجب‬
‫{ومِنْ آ َيا ِت ِه اللَّ ْي ُل َوال َّن َها ُر َوال َّشمْ سُ َو ْال َق َم ُر ال َتسْ ُج ُدوا لِل َّشمْ ِ‬
‫س‬ ‫آيات هللا‪ ،‬و بدائع مصنوعاته‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫ون} سورة فصلت آية ‪37‬‬ ‫‪َ .‬وال ل ِْل َق َم ِر َواسْ ُج ُدوا هلل الذِي َخلَ َقهُنَّ ِإنْ ُك ْن ُت ْم ِإيَّاهُ َتعْ ُب ُد َ‬
‫َّ‬

‫فلوال تسخير العليم القدير لها لتعطل أمر العالم‪ ،‬إذ كيف يتصرف الناس‪ ،‬ويسعون لكسب معاشهم‪ ،‬وطلب‬
‫أرزاقهم‪ ،‬إذا لم يكن هناك ضياء يبصرون به‪ ،‬ثم كيف يكون لهم قرار وهدوء تستريح به أبدانهم‪ .‬ويستعيدون‬
‫فيه قواهم‪ ،‬إذا لم يكن هناك ليل يسكنون فيه‪ .‬فنعمة الليل والنهار الناتجين عن طلوع الشمس وغروبها من‬
‫أعظم آيات اللطيف الخبير‪ ،‬الذي جعل تلك الشمس المشرقة للناس بمنزلة السراج يرفع ألهل البيت‪ ،‬زمنا ً‬
‫لقضاء حوائجهم‪ ،‬ثم يغيب عنهم مثل ذلك الزمن‪ ،‬ليهدءوا ويستريحوا تماما كما هدي اإلنسان إليقاد مصباحه‬
‫عند الحاجة إليه‪ ،‬وإطفائه بعد قضائها‪ .‬وقد نبه هللا عباده إلى تلك العناية والرحمة به‪ ،‬في جعله الليل والنهار‬
‫متعاقبين‪ ،‬ليتمكنوا من طب المعاش والسعي في تحصيل الرزق في النهار المبصر‪ ،‬والهدوء والراحة في‬
‫لباس الليل الهادئ‪ .‬وبين أن ذلك التصريف الحكيم حاصل بأمره وتقديره‪ ،‬ومشيئته وإرادته‪ .‬يقول تعالى‪{ :‬قُ ْل‬
‫ُون}‬ ‫‪َ.‬أ َرَأ ْي ُت ْم ِإنْ َج َع َل هللا َعلَ ْي ُك ُم اللَّ ْي َل َسرْ َمداً ِإلَى َي ْو ِم ْالقِ َيا َم ِة َمنْ ِإلَ ٌه َغ ْي ُر هللا َيْأتِي ُك ْم ِبضِ َيا ٍء َأ َفال َتسْ َمع َ‬

‫ار َسرْ َمداً ِإلَى َي ْو ِم ْالقِ َيا َم ِة َمنْ ِإلَ ٌه َغ ْي ُر هللا َيْأتِي ُك ْم ِبلَي ٍْل َتسْ ُك ُن َ‬
‫ون فِي ِه َأ َفال {‬ ‫قُ ْل َأ َرَأ ْي ُت ْم ِإنْ َج َع َل هللا َعلَ ْي ُك ُم ال َّن َه َ‬
‫‪ُ }.‬تبْصِ ر َ‬
‫ُون‬
‫ار لِ َتسْ ُك ُنوا فِي ِه َولِ َت ْب َت ُغوا مِنْ َفضْ لِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم َت ْش ُكر َ‬
‫ُون{‬ ‫}ومِنْ َرحْ َم ِت ِه َج َع َل لَ ُك ُم اللَّ ْي َل َوال َّن َه َ‬
‫القصص آية ‪َ _71‬‬
‫‪73.‬‬

‫أي لعلكم تشكرون نعمة هللا وإحسانه إليكم‪ ،‬ولطفه وعنايته بكم‪ ،‬في جعله الليل والنهار متعاقبين‪ ،‬على الدوام‬
‫واالستمرار؛ وقد خص آية الليل بحاسة السمع لقوة سلطانها في هدوء الليل‪ ،‬إذ تسكن فيه الحركات‪ ،‬كما‬
‫خص آية النهار بالبصر لشدة إدراكه المبصرات فيه‪ ،‬هذه المخلوقات التي هي السماوات وأفالكها‪ ،‬واألرض‬
‫ومحتوياتها جميعها مسخرة بأمر خـالقها محفوظة بعنايته المستمرة في كـل لحظة فهو الخالق لكل شيء‪،‬‬
‫ِين} األعراف آية‬ ‫ار َك هللا َربُّ ْال َعالَم َ‬ ‫اآلمر له بما أراد‪ ،‬القائم بحفظه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬أال لَ ُه ْال َخ ْل ُق َواَألمْ ُر َت َب َ‬
‫ض َمنْ‬ ‫ت َو َما فِي اَألرْ ِ‬ ‫‪ 54‬وقال تعالى‪{ :‬هللا ال ِإلَ َه ِإالَّ ه َُو ْال َحيُّ ْال َقيُّو ُم ال َتْأ ُخ ُذهُ سِ َن ٌة َوال َن ْو ٌم لَ ُه َما فِي ال َّس َم َاوا ِ‬
‫ون ِب َشيْ ٍء مِنْ عِ ْل ِم ِه ِإالَّ ِب َما َشا َء َوسِ َع‬‫ِيط َ‬ ‫َذا الَّذِي َي ْش َف ُع عِ ْندَ هُ ِإالَّ بِِإ ْذ ِن ِه َيعْ لَ ُم َما َبي َْن َأ ْيد ِ‬
‫ِيه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم َوال ُيح ُ‬
‫ظ ُه َما َوه َُو ْال َعلِيُّ ْال َعظِ ي ُم} البقرة آية ‪255‬‬ ‫ض َوال َيُؤ و ُدهُ ِح ْف ُ‬ ‫ت َواَألرْ َ‬ ‫‪ُ .‬كرْ سِ ُّي ُه ال َّس َم َاوا ِ‬

‫فهو قيوم السماوات واألرضين‪ ،‬فال قيام لهما وال استقرار إال به سبحانه وتعالى – كما قال تعالى‪ِ{ :‬إنَّ هللا‬
‫ان َحلِيما ً َغفُوراً} فاطر آية‬ ‫ت َواَألرْ َ‬
‫ض َأنْ َت ُزوال َولَِئنْ َزالَ َتا ِإنْ َأمْ َس َك ُه َما مِنْ َأ َح ٍد مِنْ َبعْ ِد ِه ِإ َّن ُه َك َ‬ ‫يُمْ سِ ُ‬
‫ك ال َّس َم َاوا ِ‬
‫‪41.‬‬

You might also like