Professional Documents
Culture Documents
ورياضة
يأتي شهر رمضان كل عام مع مجموعة متكررة من حاالت الجدل .مثال ،هناك الخالف
الشهير حول موعد صالة الفجر ،واألحاديث التي تمأل صفحات التواصل االجتماعي عن
الفجرين الكاذب والصادق ،أضف إلى ذلك الجدل حول رؤية الهالل ،البعض يلتزم بالرؤية
الشرعية ،واآلخر بالحسابات الفلكية ،واآلخر يقول إن ارتفاع القمر عن الشمس ،ولو بدرجة
واحدة ،يشير إلى أن الشهر قد بدأ ،وبالطبع ينضم إلى ذلك كله جدل حول ما إن كان صيام
رمضان مفيدا للجسم أم ال ،وللصوم تأثير على الصائم من الناحية الجسمانية ،إضافة إلى
ً
خاصة وأن الناحيتين الدينية واالجتماعية ،ومن الضروري التعرف على أهم هذه التأثيرات،
بعض الدول تشهد صياما ً يصل إلى 20ساعة يوميا ً خالل شهر رمضان؛ والسؤال :هل يمكن
.أن يكون ذلك جيداً على الصحة؟ وفيما يلي ما يحدث للجسم أثناء الصيام لمدة 30يوما ً
قد وجد البشر عبر تاريخهم فوائد كثيرة للصيام ،حيث اعتقد البعض أنه ينظم عمليات الجسد،
وينظفه من بقايا األكل ،وأنه يعالج الكثير من األمراض ويطرد األرواح الشريرة ،ولكن البحث
العلمي حول فوائد الصيام بدأ من القرن التاسع عشر ،وحاليا أقام باحثو هارفارد تجاربهم على
نوع من الديدان األسطوانية يبلغ متوسط عمره أسبوعين ،وهو ما يمثل فترة جيدة جدا لدراسة
تأثيرات الصوم المتقطع أو الحميات الغذائية عليها ،وتبين أن هناك حالتين لميتوكوندريا خاليا
تلك الديدان ،إما ملتحمة وإما مفككة ،هنا أكدت التجارب أن تلك الحميات لها دور في دفع
الميتوكوندريا إلى الحالة الملتحمة ،وهي حالة أكثر شبابا من األخرى ،والتي بدورها ترفع من
عمر الديدان ألنها تدفع بالبيروكسيسومات ،عضيات خلوية تسبح في السيتوبالزم الخلوي ،إلى
.تعديل التمثيل الغذائي الخاص بالدهون
اما في االنسان،يتعرض الجسم خالل فترة الصيام إلى تفاعالت كيمياوية ،لذا من المهم أن
نعرف أن لكل شخص طاقة أساسية مالئمة له ،وبدونها ال يستطيع العيش وهي كمية الطاقة
الحرارية األساسية التي يحتاج إليها جسم اإلنسان في حالة الراحة أي بدون بذل أي جهد
جسماني ،ويستطيع من خاللها المحافظة على التفاعالت الكيماوية في الجسم لتتم عملية
.التوازن في الطاقة التي يتم تزويدها للدماغ األعصاب ،الكليتين وبقية أعضاء الجسم
ويستطيع جسم اإلنسان التأقلم واتباع مسار كيميائي معين لضمان استمرار قدرته على األداء،
بدون الطعام لفترة زمنية معينة وخالل شهر رمضان الكريم يمتنع الصائم عن تناول الطعام
والشراب يومياً ،ما بين 13و 18ساعة خالل اليوم لمدة شهر كامل ،وبشكل عام صوم
رمضان مفيد وصحي وآمن لألشخاص الذين يتمتعون بوضع صحي سليم وال تأثير سلبي له
.على القلب والرئتين ،الكبد ،الكليتين والعينين
وقد أثبت الكثير من األبحاث أن كمية الطاقة الحرارية األساسية التي يحتاج إليها جسم اإلنسان
في حالة الراحة تنخفض بـ %1كل يوم خالل الصوم حتى تصل إلى %75من قيمتها العادية،
أي أن كمية الطاقة التي يحتاج إليها الشخص خالل الصوم هي أقل من تلك التي يحتاج إليها
.في األيام العادية
بشكل عام ينخفض الوزن نتيجة للصوم واتباع النصائح واإلرشادات الغذائية السليمة لفترة
الصوم؛ أما في حالة المبالغة في تناول األطعمة الغنية بالدهنيات والسكريات فيزداد الوزن
ويختل النظام الغذائي من أثر الصيام وحرمان الجسم الغذاء ثم يفاجأ بالكميات الضخمة للطعام
.مختلفة الفوائد ،وربما تكون لها أضرار أكثر من فائدتها
والنخفاض الوزن تأثير إيجابي على توازن ضغط الدم ،السكري ،الكبد الدهني وغيرها من
األمراض؛ خالل ساعات الصوم ،ينخفض مستوى السكر في الدم مما يؤدي إلى انخفاض
الذي يقسم ) (Glucagonمستوى هرمون األنسولين ،بالتالي إفراز هرمون الجلوكاجون
الكلوجين (سكر متوفر في الكبد) من أجل تحويله إلى الطاقة بدالً من الجلوكوز (سكر من
الطعام)؛ واأليام األولى من الصيام ينخفض مستوى الكولسترول في الدم ،لكنه سرعان ما
.يعود مع الوقت إلى مستواه ما قبل الصوم
أما بالنسبة للدهنيات وتأثير الصوم عليها فهذا يتعلق بنوع األطعمة التي يتناولها الصائم خالل
الشهر الكريم فعند استهالك األطعمة الغنية بالدهنيات والسكريات تزداد نسبتها بشكل ملحوظ
وللصوم فوائد كثيرة ،لكن أيضا ً مخاطر لذلك ينصح باتباع نصائح غذائية مالئمة واستشارة
.الطبيب في حالة اإلرهاق والتعب الشديد أو ظهور أية أعراض أخرى تثير الشك
إذاً بعد أن فهمنا اآللية من وراء التغييرات التي تحدث في الجسم خالل الصوم ،يجب أن
نستوعب أثر الصيام على أجسامنا؛ ومنها أن الجسم يحتاج للطاقة دائماً؛ كي يتم ّكن من تشغيل
كل أعضاء وأجهزة الجسم ،بالتالي عند تناول الطعام ،فإن عمليات ووظائف هذه األجهزة
تمشي تماما ً كما يفترض كما في حال الصيام من الطبيعي أن يقل عمل ونشاط الجهاز
الهضمي بشكل كبير وملحوظ
وختاما يجب ان نجيب على سؤال مهم ،هل الصيام عبادة ام عالج؟
هنا نقول بوضوح إن الصيام عن الطعام هو عملية مفيدة للجسم ،لكنها -بصورة عالجية-
ُتمارس بقواعد مختلفة ،أما الصيام الديني فهو عبادة للتقرب إلى هللا ،وال يُفترض من الصائم
خاللها أن يهتم بالتساؤل عن فوائدها الطبية إلثبات صحة معتقده ،ولكن عليه فقط أن يهتم
بممارسة ما أمره هللا به مهما كانت طبيعته ألن ذلك هو جوهر ما يعنيه اإليمان ،وقد أمره هللا
أيضا أن يحافظ على حياته من الهالك ،بالتالي عليه أن يتبع كل القواعد الطبية الممكنة لتجنب
الضرر أثناء الصوم ،أو تجنب الصوم نفسه إن كان سيتسبب في اإلضرار بحياته ،وهي
.رخصة وضعها النص القرآني بوضوح للمسلمين