You are on page 1of 11

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية؛القنيطرة‬

‫شعبة الفلسفة‬

‫الفصل السادس‬

‫وحدة العلوم المعرفية‬

‫‪1‬‬
‫السنة الجامعية‪:‬‬

‫‪2021- 2020‬‬

‫األستاذان‪:‬‬

‫حسان الباهي‬

‫و‬

‫عزالدين العمراوي‬

‫مفهوم العلوم المعرفية ومجاالتها‬

‫أوال ‪:‬الذكاء الصناعي‬

‫‪ -‬بدايات الذكاء الصناعي‪:‬آالن تورينغ‬


‫‪ -‬الذكاء الطبيعي والذكاء الصناعي؛ إشكاالت فلسفية‬
‫‪ -‬الذكاء الصناعي القوي والضعيف‬

‫ثانيا‪ :‬فلسفة العقل‬

‫‪ -‬المقاربتين الثنائية والواحدية‬

‫سيرل ‪ :‬الوعي والقصدية‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬الباهي حسان‪ ،‬الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة‪ ،‬دار افريقيا الشرق المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2012‬‬ ‫•‬

‫عبد الكريم بلحاج‪ ،‬المدخل إلى علم النفس المعرفي‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪.2009 ،‬‬ ‫•‬

‫‪ -‬الجابري فليفل صالح‪ ،‬فلسفة العقل‪ ،‬التكامل العلمي والميتافيزيقي‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2012‬‬ ‫•‬

‫‪ -‬الباهي حسان‪ ،‬فلسفة الفعل‪ ،‬اقتران العقل النظري بالعقل العملي‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء المغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫•‬
‫األولى‪.2016‬‬

‫‪ -‬ميشيوكاكو مستقبل العقل‪ ،‬االجتهاد العلمي لفهم العقل وتطوير وتقويته‪ ،‬ترجمة سعد الدين خرفان‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪،‬‬ ‫•‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،447‬أبريل ‪.2017‬‬

‫‪- Touring ,A.M,. Camputing Machinery and Intelligence, Mind, 1950 .‬‬

‫‪-McCarthy, John, Programs with common sense, Computer Science Department Stanford University, 1959.‬‬

‫‪- Wilder penfieled, Mystery of the Mind: Acritical Study of Consciousness And The human Brain, Princeton‬‬
‫‪Priceton Univ. Press,1975.‬‬

‫‪- Gardner, Howard Earl , Frames of Mind ,the theory of multiple intelligences, Basic Books New York, 1993.‬‬

‫‪-Guttenplan Samuel, A Companion to the Philosophy of Mind, Copyright © Blackwell Publishers Ltd, 1994.‬‬

‫‪-Searle, John. R, Minds, Brains and Science , REITH LECTURES, TRANSMISSION: 7 November 1984 – Radio 4‬‬
‫‪1984.‬‬

‫‪-Searle, John R., Mind, Language And Society Philosophy in the Real World, Copyright by John R. Searle 199.8‬‬

‫‪-Clark Andy, Mind ware , An Introduction To The Philosophy Of Cognitive Science, New York Oxford Oxford‬‬
‫‪University Press 2001.‬‬

‫العلوم المعرفية‪:‬مفهومها ومجاالتها وأهميتها‪:‬‬

‫يجمع عددا من الحقول ينتمي بعضها للعلوم البحتة وأخرى للعلوم اإلنسانية‪ ،‬وكلها‬
‫تبتغي فهم آليات التفكير الطبيعي (اإلنسان والحيوان) الصناعي كالحواسب؛ أي كل‬
‫نسق معرفي يسعى إلى دراسة طبيعة الفكر‪ ،‬والطرق التي يشتغل بها العقل ويتعامل بها‬
‫مع المعرفة في مختلف صورها ومضامينها‪ ،‬بدءا بجمعها ومعالجتها حتى تمثلها ونقلها‬
‫لآلخرين‪ .‬أصبح مفهوم المعرفية يحيل على الطرق التي تعمل وفقا لها العلوم المعرفية‬
‫عندما تعمد إلى فهم القدرات العقلية عند اإلنسان والكائنات األخرى‪ ،‬طبيعية وصناعية‪.‬‬
‫حيث بدأ االهتمام بدراسة مختلف األنساق المعرفية الطبيعية والصناعية خاصة بظهور‬

‫‪3‬‬
‫الذكاء الصناعي والسعي إلى نمذجة سلوكيات اإلنسان حتى يتمكن الحاسوب من‬
‫محاكاتها؛ لنصبح أمام تعابير من قبيل الثورة المعرفية‪ ،‬وعصر المعرفة‪ ،‬والمجتمعات‬
‫المعرفية‪ ،‬ومن الناحية السياسية أصبحنا نتحدث عن الحكومة اإللكترونية والبرلمان‬
‫االلكتروني والدمقراطية االلكترونية‪ ،‬ومن الناحية االقتصادية عن النقود االلكترونية‬
‫واالقتصاد المعرفي‪ .‬حيث أصبح المعلومة سلعة‪ ،‬وظهرت شركات كبرى إلنتاج‬
‫وصنع وتوزيع المعلومة‪ ،‬وأصبح اقتصاد العديد من البلدان يعتمد أساسا على المعلومة‪.‬‬
‫جعلت من المعلومة موردا اقتصاديا تتقاسم أرباحه أطراف تتمثل في شركات اإلنتاج‬
‫والتجهيز والتوزيع؛ لتصبح بذلك المعلومات سلعة اقتصادية وتصبح برامجها وبنوك‬
‫بياناتها بمثابة أصول اقتصادية‪ .‬وبذلك ساهمت في زيادة تدفق السلع والخدمات‬
‫ورؤوس األموال في المعامالت المالية والتجارة االلكترونية‪ ،‬وما يعرف باالقتصاد‬
‫االلكتروني‪ .‬فطغت مؤسسات تحالفت فيها القوة االقتصادية مع القوة المعلوماتية ضمن‬
‫ما يسمى باقتصاديات المعرفة وهو ما شجع التحالف بين القطب المعلوماتي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬كما أصبحنا أمام مفاهيم مثل‪ ،‬الفجوة الرقمية‪ ،‬و األجهزة الذكية‪،‬‬
‫واألدمغة االلكترونية‪ ،‬والنقود االلكترونية ‪،‬واألسلحة الذكية‪ ،‬والبنايات الذكية ‪،‬واآلالت‬
‫الذكية‪ ،‬والمدن الذكية‪.‬‬

‫تهتم العلوم المعرفية بمختلف الوظائف التي يقوم بها اإلنسان مثل اإلدراك‪ ،‬والفهم‪،‬‬
‫والتذكر‪ ،‬واستخدام اللغة‪ ،‬والقدرة على الحساب‪ ،‬واتخاد القرار‪ ،‬ومعالجة الخبر‪،‬‬
‫وغيرها من الوظائف التي يؤديها العقل‪ .‬بذلك يعين تصور المعرفية مجموع العمليات‬
‫الذهنية التي تسمح بمعرفة األشياء وفهمها وتمييزها وتصنيفها وتناولها‪.‬هذه المقاربة‬
‫المتعددة الجوانب للمعرفية تحاول بناء نماذج تفسر الكيفية التي يعمل بها العقل في‬
‫معالجته للمعلومة؛ خصوصا بعد أن تبين أن المعرفة تشمل عدة عمليات ذهنية مثل‬
‫الوعي والذاكرة‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وهو ما يفسر ما أحدثته من أثر على العديد من العلوم‬
‫الطبيعية أو اإلنسانية‪ ،‬لما حملته من مشروع حددت أهدافه العامة في إعادة النظر في‬
‫العديد من التصورات القضايا‪ ،‬والتي من شأنها أن تتيح فهما مغايرا لطرق اشتغال‬
‫العقل البشري في سعيه إلى اكتساب معارف جديدة‪ ،‬أو إعادة استثمار معارف مخزونة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫هكذا شكل البحث في سيرورة اإلدراك والمعالجة واالستدالل والعقد والتخزين والتذكر‬
‫عند اإلنسان واآللة مواضيع أساسية بالنسبة للعلوم المعرفية‪ .‬وعليه‪ ،‬سعت إلى الكشف‬
‫عن السبل التي يتمثل بها اإلنسان المعارف و القدرة على الربط بين معلومات‬
‫وعالمات ووقائع ترد عليه متفرقة‪ .‬ومدى وعي الفرد بالعمليات المعرفية التي‬
‫يستخدمها وقدرته على تقويمها‪ .‬وكيف يقوم بتوزيع قدراته المعرفية وهو يواجه مشكل‬
‫ما أو يتخذ قرارا‪ .‬فهي تستهدف دراسة مختلف وجوه النشاط المعرفي‪ ،‬مثل تحديد‬
‫الكليات اللغوية أو المبادئ العامة التي تتحكم في السلوك اللغوي‪.‬‬

‫تثير العلوم المعرفية العديد من األسئلة المنهجية من قبيل ما هي طبيعة التمثل؟ ما هي‬
‫المسلسالت الذهنية التي نستحضرها في اإلدراك وفي التذكر؟ وما دور عملية‬
‫االستدالل في ذلك؟ ما هو دور النماذج المعلوماتية في تطور النظريات المعرفية؟ ما‬
‫هي طبيعة الفكر؟ ما هو الوعي؟ كيف نستدل ؟ كيف نستخدم اللغة؟ هل يمكن‬
‫للحواسيب أن تفكر وأن تكون لها مشاعر وأحاسيس كما هو حال اإلنسان؟ كيف يمكن‬
‫أن ندرس العقل؟ بأية كيفية يعمل العقل؟ وتكمن األهمية النظرية للعلوم المعرفية في‬
‫الخصائص التالية‪:‬‬

‫أوال ‪:‬تسعى إلى تقديم معرفة دقيقة آلليات المعرفة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تمثل الجذع المشترك للعديد من العلوم الطبيعية واإلنسانية‪ ،‬لتشكل بذلك مكان‬
‫التقاء العلوم اإلنسانية بعلوم الطبيعة‪ .‬فهي تسعى مثل العلوم اإلنسانية إلى دراسة تكون‬
‫وتحول التمثالت الذهنية‪ ،‬كما تطمح كما هو حال العلوم الطبيعية إلى تقديم تفسيرات‬
‫سببية‪ .‬العلوم المعرفية مجموعة من الحقول العلمية التي تسعى إلى دراسة آليات التفكير‬
‫اإلنساني‪ ،‬الحيواني والصناعي‪ ،‬وبصفة عامة كل نسق معرفي‪ ،‬أي كل نسق معقد‬
‫لمعالجة الخبر والقادر على تعلم وحفظ ونقل المعارف‪ .‬ولهذا فتصور المعرفية يعين‬
‫ذلك المجهود الذي يسمح بمعرفة األشياء وفهمها وتمييزها وتنظيمها ومعالجتها باعتماد‬
‫إجراءات فكرية عدة‪ .‬إنها سيرورة تمتد من التمثيل إلى الفعل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫اهتم التوجه المعرفي بتناول القدرات العقلية وبعملية المعرفة؛ ومدى فهم الفرد ووعيه‬
‫بالعمليات المعرفية التي يستخدمها وقدرته على تقويمها‪ .‬وكيف يقوم بتوزيع قدراته‬
‫المعرفية وهو يواجه مشكل ما‪ .‬على مستوى التطبيق أحدثت العلوم المعرفية تطورات‬
‫على مستوى تصور أنظمة المراقبة والتواصل‪ ،‬وأنظمة الخبرة‪ ،‬والتشخيص الطبي‬
‫وأنظمة للمراقبة والترجمة اآللية‪ .‬فهي تستهدف دراسة مختلف وجوه النشاط المعرفي‪.‬‬
‫على هذا‪ ،‬حدد بعض الدارسين موضوع "المعرفية" بكونه فرع من المعلوميات‪ ،‬و لها‬
‫كموضوع تعلم وتمثل صوري للمعارف وصيغ االستدالل بهدف محاكاتها بالحاسوب‪،‬‬
‫ومادام الحاسوب ليس سوى آلة ال تحتوي إال على مبادئ رياضية فقد شكل الحاسوب‬
‫كأداة للمحاكاة والتأويل الرمزي أهم الخصائص األساسية التي بنت عليها العلوم‬
‫المعرفية موضوعاتها‪ .‬وعليه‪ ،‬فإذا كانت العلوم المعرفية قد التقت حول هدف أساسي‬
‫يتمثل في استخدام الحاسوب لمعالجة الرموز‪ ،‬فقد حددت مشروعها في البحث في‬
‫مختلف العمليات الذهنية التي يستخدمها اإلنسان‪ ،‬والكشف عن الطرق التي يعمل بها‬
‫الدماغ‪ ،‬وذلك بهدف جعل الحاسوب قادرا على محاكاة المقومات األساسية التي يرتكز‬
‫عليها اإلنسان في معالجته للموضوعات التي يطرحها‪.‬‬

‫يبقى أن نتساءل عما إذا كانت العلوم المعرفية في ارتباطها بتحليل وظائف المخ وعمل‬
‫الخاليا العصبية تعمل على رد المعرفة إلى مجرد محفزات جسمية وردود أفعال متعلقة‬
‫باألعصاب‪ ،‬أي إلى ربط اإلنسان بطبيعته الحيوانية (أي كمجرد كائن حي) والمادية‬
‫الخالصة‪ .‬فهل ستنجح هذه العلوم في ربط قوانين السببية بظواهر بيولوجية وعصبية‬
‫خالصة بحيث يصبح السلوك اإلنساني مجرد استجابة أو رد فعل لمحفزات مادية‬
‫صرفة تنبعث من محيطه وتنتهي عند استجابات المخ والخاليا العصبية؟ هل ستتحول‬
‫الظواهر الثقافية بما تقوم عليها من عوامل التنوع والتفرد وتشكيل "الهوية" إلى مجرد‬
‫ظواهر نتجت عن تاريخ طويل من المغامرات الجينية؟ أو بعبارة أخرى إلى ظواهر قد‬
‫تفسر عمليات االختيار ولكنها ال تسببها وال تشكل دوافعها الحقيقية على العكس من كل‬
‫ما أكدته لنا الدراسات الظاهراتية عبر مفاهيم "الوعي و"القصدية"؟ بعبارة أخرى أيضا‬
‫هل يمكن رد اإلنسان إلى مكوناته البيولوجية البحتة وتفسير سلوكه وغايته بحاصل‬
‫‪6‬‬
‫رغباته ومنافعه؟ كل هذا بغاية تحديد وضبط قدرات العقل اإلنساني بالنسبة للكائنات‬
‫األخرى الطبيعية والصناعية‪.‬‬

‫يتبين مما سلف‪ ،‬أن المقاربة المتكاملة االختصاصات للمعرفة والتي تجمع ماهو‬
‫مشترك بين علوم مثل علم النفس‪ ،‬وعلوم األعصاب‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والفلسفة‪،‬‬
‫والسبرنتيقا‪ ،‬والذكاء الصناعي من بين مجاالت أخرى الهادفة إلى دراسة مختلف‬
‫األنساق الطبيعية والصناعية‪ ،‬هي مقاربة أحدثت تحوال عميقا في المنظومة المعرفية‬
‫حيث ركزت على الكيفية التي يشتغل بها العقل‪ ،‬خصوصا بعد أن ادعى العديد من‬
‫الدارسين أن بإمكان اآللة أن تقوم بهذا النوع من المعالجة؛ بل ذهب بعضهم إلى القول‬
‫إن اآللة يمكن أن تفيدنا في اكتشاف الطرق التي يعمل بها اإلنسان‪ .‬في هذا المقام‬
‫تجاوزت األبحاث والدراسات المعرفة اإلنسانية والحيوانية لتهتم بما هو صناعي‪،‬‬
‫كالحواسيب‪ .‬فكان أن طرح السؤال المتعلق بما إذا كانت الغاية هو صنع آلة تساعد‬
‫اإلنسان أم أن تقوم مقام اإلنسان‪ .‬وهو ما يعني هل اآللة قادرة فقط على إنجاز بعض‬
‫المهام التي يقوم بها اإلنسان‪ ،‬أم أن اآللة قادرة على أن تعوض اإلنسان وأن تقوم بكل‬
‫ما يقوم به بشكل ال يمكن معه التمييز بين عمل اآللة وعمل اإلنسان‪.‬‬

‫على هذا‪ ،‬سعت العلوم المعرفية إلى دراسة مختلف وجوه النشاط المعرفي من خالل‬
‫فحص العمليات العقلية والوجدانية المتمثلة في الذكاء والذاكرة والتذكر والعواطف‬
‫والوعي واإلرادة‪ ،‬وغيرها من العمليات التي استهدفت تناول المعرفة في مختلف‬
‫صورها ومضامينها‪ .‬إنها الوظائف التي يقوم بها العقل اإلنساني في تمثله لألشياء‬
‫انطالقا من إدراكنا لها والتي نستند إليها في استدالالتنا وتتحكم في أفعالنا‪.‬‬

‫تجمع العلوم المعرفية بين مجموعة من الحقول التي تنتمي إلى المباحث الطبيعية‬
‫واإلنسانية بهدف دراسة وفهم آليات التفكير الطبيعي( اإلنسان والحيوان)‪ ،‬وكذا‬
‫الصناعي كالحواسب؛ أو كل نسق معرفي يسعى إلى دراسة طبيعة الفكر‪ ،‬والطرق‬
‫التي يتعامل بها العقل مع المعرفة في مختلف صورها ومضامينها‪ ،‬بدءا بتعلمها‬
‫ومعالجتها حتى تخزينها ونقلها لآلخرين‪ .‬هو إذن مبحث متعدد التخصصات يهتم‬

‫‪7‬‬
‫بمختلف السيرورات العقلية التي تنتقل بنا من التحليل إلى التقويم‪ ،‬أو من التمثل إلى‬
‫الفعل‪ .‬وبالجملة‪ ،‬يهتم بكل الوظائف التي يقوم بها دماغ اإلنسان‪ ،‬مثل اإلدراك‪،‬‬
‫والفهم‪ ،‬والتذكر واستخدام اللغة‪ ،‬والقدرة على الحساب‪ ،‬ومعالجة الخبر‪ ،‬وتدبير‬
‫النزاع‪ .‬فتصور المعرفية يعين تلك العمليات الذهنية التي تسمح بمعرفة األشياء‬
‫وفهمها وتمييزها وتصنيفها وتناولها ومعالجتها واتخاذ القرار‪ .‬هذه المقاربة المتعددة‬
‫الجوانب للمعرفية تحاول بناء نماذج قادرة على تفسير الطرق التي يعمل بها العقل في‬
‫معالجته للمعلومة؛ خصوصا بعد أن تبين أن المعرفة تشمل عدة عمليات ذهنية مثل‬
‫الوعي والذاكرة‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وهو ما يفسر ما أحدثه من أثر على العديد من العلوم‬
‫الطبيعية أو اإلنسانية‪ ،‬لما حملته من مشروع حددت أهدافه العامة في إعادة النظر في‬
‫العديد من التصورات والقضايا‪ ،‬والتي من شأنها أن تتيح فهما مختلفا ومغايرا لطرق‬
‫اشتغال ا لعقل البشري في سعيه إلى اكتساب معارف جديدة‪ ،‬أو إعادة استثمار معارف‬
‫مخزونة‪.‬‬

‫وبالجملة‪ ،‬تجمع العلوم المعرفية ما هو مشترك بين علوم مثل علم النفس(خاصة علم‬
‫النفس المعرفي) وعلوم األعصاب واللسانيات(اللغويات) والمنطق والفلسفة(فلسفة العقل‬
‫التي هي الدراسة الفلسفية لطبيعة العقل) والسبرنتيقا والذكاء الصناعي وعلوم األحياء‬
‫واألنتربلوجيا‪ ،‬وعلم االجتماع من بين مجاالت أخرى الهادفة إلى دراسة مختلف‬
‫األنساق الطبيعية والصناعية أحدثت تحوال عميقا في المنظومة المعرفية القائمة‪ ،‬سواء‬
‫من الوجهة الوظيفية أو اإلجرائية‪ .‬يتبين أن المقاربة المتعددة االختصاصات للمعرفية‬
‫والتي تجمع ما هو مشترك بين علوم مثل علم النفس(خاصة علم النفس المعرفي)‬
‫وعلوم األعصاب واللسانيات(اللغويات) والمنطق والفلسفة(فلسفة العقل التي هي‬
‫الدراسة الفلسفية لطبيعة العقل) والسبرنتيقا والذكاء الصناعي من بين مجاالت أخرى‬
‫الها دفة إلى دراسة مختلف األنساق الطبيعية والصناعية أحدثت تحوال في المنظومة‬
‫المعرفية القائمة‪ ،‬سواء من الوجهة الوظيفية أو اإلجرائية‪ .‬حيث سعوا إلى جمع مباحث‬
‫مختلفة(علوم األعصاب وعلم النفس واللسانيات والذكاء الصناعي والفلسفة ‪ )...‬لتحليل‬
‫المسلسالت التي تتدخل في تكوين ووظيفة العقل‪ ،‬ويسعون إلى وصف وتفسير‬
‫‪8‬‬
‫ومحاكاة الوظائف المعرفية‪ .‬هذا النوع من االهتمام أفضى بهم إلى اقتراح نظريات‬
‫للعقل‪ .‬هناك تكامل إذن تكامل في االستشكال واالستدالل بين مختلف هذه الحقول التي‬
‫تمثل العلوم المعرفية جذعها المشترك‪ .‬باعتباره مجال متعدد التخصصات فالعلوم‬
‫المعرفية تستخدم معطيات ناجمة عن فروع عدة خاصة اللسانيات واالنتربلوجيا وعلم‬
‫النفس وعلوم األعصاب والفلسفة والذكاء الصناعي‪.‬‬

‫بالتقاء عدة حقول مثل الفلسفة وعلم النفس والذكاء الصناعي وعلوم األعصاب‬
‫واللسانيات واألنتربلوجيا‪ ،‬إلخ‪ .‬وقد كان التقاء هذه العلوم في منتصف الخمسينات عندما‬
‫بدأ الدارسون في مختلف المجاالت بتطوير نظريات العقل القائمة على تمثالت معقدة‬
‫وإجراءات الحساب‪ .‬تعود أصولها إلى ‪ 1950‬عندما عمد الباحثون في مختلف‬
‫المجاالت إلى البدء في تطوير نظريات العقل المؤسسة على تمثالت معقدة وإجراءات‬
‫حسابية‪ .‬يعود تاريخ ظهور العلوم المعرفية إلى سنة ‪ 1956‬حيث عقدت المحاضرة‬
‫األولى حول الذكاء الصناعي وتطبيقاته في علم النفس‪ ،‬وقد ساهم فيها المعلوماتيين‬
‫‪ Allen Newell‬و ‪ John McCarthy‬و‪،Marvin Minsky‬والرياضي كلود‬
‫شانون‪ Claude Shannon‬واالقتصادي وعالم النفس هربرت سيمون ‪Herbert‬‬
‫‪ Simon,‬واللساني تشومسكي وعالمي النفس جورج ميلر ‪ George Miller‬وجون‬
‫سويت‪ ،John Swets‬وعالمي األعصاب ‪David Hubel‬و‪. Torsten Wiesel‬‬
‫سنوات قبل ذلك وفي نيويورك عقدت لقاءات خاصة مابين ‪1946‬و‪ 1953‬جمعت‬
‫الرياضيين جون فان نيومان‪ ،‬ونوبرت واينر‪ ،Norbert Wiener‬وكلود شانون‪،‬مع‬
‫عالم األعصاب ‪ ،Warren McCulloch‬وكذلك األنتربلوجيون ‪Margaret‬‬
‫‪، Mead‬و ‪ Gregory Bateson‬بهدف خلق علم عام يهم كيف يبتغي تحديد‬
‫وظائف العقل‪ .‬وقد حددت في هذه الفترة بعض المحاور الكبرى التي ستشكل نقطة‬
‫انطالق العلوم المعرفية‪ ،‬وكان أحدها ظهور الحاسبات االلكترونية ثم الحواسب‪ ،‬مع‬
‫مع ‪Norbert‬‬ ‫تطور نظرية الخبر أو المعلومة مع كلود شانون‪ ،‬والسيبرنتيقا‬
‫‪ Wiener‬وجون فان نيومان ثم ترينغ ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫سيعمل ماكرتي الذي يعتبر أب الذكاء الصناعي في سنة ‪ 1956‬على تنظيم لقاء لمدة‬
‫شهر في‪ CollegeDartmouth‬إلثارة انتباه الباحثين إلى أهمية البحث في مجال‬
‫الذكاء الصناعي‪ .‬بالتالي فإن مفهوم الذكاء الصناعي يعود إلى محاضرة ألقاها ماكرتي‬
‫في هذا المؤتمر لتعيين برنامج يسعى إلى صنع آلة ذكية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬عرفه على أنه عبارة‬
‫عن برامج معلوماتية تستهدف القدرة على أداء نفس المهام التي يقوم بها اإلنسان‪.‬‬
‫و لتحقيق هذا الغرض يكفي تزويدها ببرامج قادرة على القيام بمهام يقوم بها اإلنسان‪.‬‬
‫وقد كان ماكرتي أول من أعطى هذا اإلسم لهذا الحقل‪ ،‬و الهدف هو وصف الذكاء‬
‫بصورة يمكن من إعادة إنتاجه من طرف اآللة‪ .‬أعطت المحاضرة انطالقا لمناقشات‪،‬‬
‫وأنشأت مراكز للبحث في هذا المجال‪ .‬وانطالقا من هذا الوقت سيعرف هذا المبحث‬
‫باسم الذكاء الصناعي‪ .‬وقد أعطى هذا االنطالقة للعديد من المطارحات التي همت قدرة‬
‫الحواسب‪ .‬فكانت البداية بالسؤال المتعلق بما إذا كان الذكاء الصناعي هو مجموعة من‬
‫اإلجراءات التي تسعى إلى إعادة إنتاج السلوك اإلنساني‪ ،‬أم محاولة لنمذجة السلوك‬
‫اإلنساني‪.‬‬

‫ولصنع آلة قادرة على محاكاة سلوكيات اإلنسان كان البد من فهم العقل ووظائفه‪ .‬لذا‬
‫فالعلوم المعرفية نتاج ما هو مشترك بين علم النفس واللغويات والذكاء الصناعي‬
‫وفلسفة العقل واالنتربلوجيا وعلم األعصاب‪ ،‬وغيرها من الحقول التي ظهرت نتيجة‬
‫هذا الحقل المعرفي‪ ،‬وكذلك مجاالت تطبيقية مثل هندسة المعرفة الذي هو علم وتقنية‬
‫تخص المعالجة اآللية للمعارف‪ ،‬وما يهم أنظمة الخبرة‪ ،‬إلخ‪ .‬بذلك التقت حول مجموعة‬
‫من المو اضيع التي تسعى من خاللها إلى فهم آليات الفكر اإلنساني والحيواني‬
‫والصناعي‪ ،‬أي كل نسق معقد قادر على تعلم وحفظ ونقل المعارف‪ .‬تثير العلوم‬
‫المعرفية العديد من األسئلة المنهجية التي يتطلب األمر فحصها‪ .‬ماهي طبيعة التمثالت؟‬
‫ما هو الدور الذي تلعبه النماذج الحاسوبية في تطور النظريات المعرفية ؟ العلوم‬
‫المعرفية تهم البحث في التفكير اإلنساني ودماغ اإلنسان‪ .‬الفكرة األساسية التي‬
‫نستخرجها تتمثل في إمكان نمذجة الفكر اإلنساني كحاسوب يعمل على البنيات‬
‫الرمزية‪.‬‬
‫‪10‬‬
11

You might also like