You are on page 1of 2

‫المحور الثاني‪ :‬العدالة كأساس للحق‬

‫الطرح اﻹشكالي‪ :‬من أين يستمد الحق مشروعيته ؟ هل من ق وة الق انون والمؤسس ات أم م ن‬
‫ق وة اﻷف راد والخطاب ات المهيمن ة ؟ وم ا ه ي طبيع ة العﻼق ة ب ين الح ق والعدال ة ؟ ه ل ه ي‬
‫عﻼقة تكامل وتداخل أم تباعد وتنافر ؟‬
‫‪ ‬تصور آﻻن ‪:‬‬
‫ﻻ يمكن الحديث حسب أﻻن عن الحق إﻻ في إطار المساواة بين الناس‪ ،‬فالقوانين العادلة ه ي الت ي يك ون‬
‫الجمي ع أمامه ا سواس ية ‪ ،‬والح ق ﻻ يتجس د إﻻ داخ ل المس اواة باعتباره ا ذل ك الفع ل الع ادل ال ذي تعام ل‬
‫الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائم ة بي نهم ‪ .‬وهن ا يتح دث أﻻن ع ن الس عر الع ادل ويمي زه‬
‫عن سعر الفرصة ‪ ،‬بحيث أن اﻷول هو المعلن داخل السوق والذي يخضع ل ه الجمي ع بالتس اوي ‪ ،‬بينم ا‬
‫الثاني هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين‪ ،‬كأن يكون أحدهما مخمورا واﻵخر واعيا أو يكون أحدهما‬
‫عالما بقيمة المنتوج واﻵخر جاهﻼ بذلك‪.‬‬

‫إن افتقاد الفعل أو السلوك لعنصر التساوي معناه أنه مناف للحق ومعاد له ‪ ،‬وتستمد المساواة أساسها مما‬
‫هو متعارف ومت داول ب ين الن اس ‪ ،‬ويمك ن إيع از ذل ك إل ى كونه ا المب دأ الوحي د ال ذي يمك ن ع ن طريق ه‬
‫تحقيق توزيع عادل للمكتسبات والحظوظ ب ين اﻷف راد ‪ ،‬بغ ض النظ ر ع ن جنس هم أو ل ونهم أو انتم ائهم‬
‫اﻻجتماعي وفي هذا اﻹطار يقول أﻻن‪:‬‬

‫" لقد ابتكر الحق ضد الﻼمساواة‪ ،‬والقوانين العادل ة ه ي الت ي يك ون الجمي ع أمامه ا سواس ية ‪ ،‬أم ا أولئ ك‬
‫الذين يقولون أن الﻼمساواة هي من طبيعة اﻷشياء فهم يقولون قوﻻ بئيسا"‬

‫‪ ‬تصور باروخ سبينوزا‪:‬‬


‫يؤكد باروخ س بينوزا ب أن الغاي ة الت ي تص بو الديمقراطي ة إل ى تحقيقه ا ‪ ،‬ه ي جع ل الن اس يعيش ون وف ق‬
‫مقتضيات العقل ‪ ،‬حتى يتم تخليصهم من الشهوات ‪ ،‬إن ك ل خ رق له ذه الغاي ة يجع ل البن اء ال ديمقراطي‬
‫ينهار بكامله ‪ ،‬لذلك ينبغي على الحاكم أن يتحمل مسؤولية كاملة في المحافظة عل ى تل ك الغاي ة ‪ ،‬وعل ى‬
‫الرعاي ا اﻻنص ياع ل ه وﻷوام ره وللق وانين الت ي تس نها ‪ .‬فم ا طبيع ة تل ك الق وانين ؟ إنه ا تعن ي ف ي نظ ر‬
‫سبينوزا حرية الفرد في المحافظة على حالته ووضعيته كما تحددها له السلطة العليا المتمثلة في الحاكم‪،‬‬
‫وهي السلطة القائمة على تفويض اﻷفراد حقوقهم في العيش وفق رغباتهم الخاصة لشخص آخر ‪ ،‬حت ى‬
‫يحافظ على حماية ذواتهم ويعتبر خرقا للقانون كل تصرف يقوم به شخص م ا ‪ ،‬بحي ث يك ون في ه إلح اق‬
‫الضرر لشخص آخر‪ ،‬اﻷمر الذي يجعل من ذلك التصرف خرقا للق انون الم دني ‪ ،‬وبالت الي خرق ا لس لطة‬
‫وأوامر الحاكم ‪.‬‬

‫انطﻼقا من ذلك نستطيع القول بأن العدل هو ذلك اﻻستعداد الذي ينبغ ي أن يك ون للف رد ﻷن ه يعط ي لك ل‬
‫ذي حق حق ه ‪ ،‬وفق ا لمقتض يات الق انون الم دني‪ ،‬أم ا الظل م فه و س لب لحق وق الغي ر تح ت ذريع ة تفس ير‬
‫خاص للقانون المدني‪ ،‬وبناء عليه ينبغ ي عل ى القض اة تحقي ق الع دل وع دم التفري ق ب ين الن اس والتعام ل‬
‫معهم سواسية بناء على ذلك القانون‪.‬‬
‫‪ ‬تصور شيشرون‪:‬‬
‫يؤكد شيشرون أن القوانين والمؤسسات ﻻ تضمن بأي شكل من اﻷشكال قيام مجتمع ع ادل ‪ ،‬ويع ود ذل ك‬
‫إل ى أن المش رع ق ادر عل ى ف رض ق وانين عل ى الش عب ل يس ﻷن ه يه دف م ن ورائه ا إل ى إش اعة الع دل‬
‫والمساواة بين الناس ‪ ،‬ولكن فقط لغرض تحقيق منافع خاصة به ‪ ،‬وهكذا فإن تحقيق العدالة لن يتحقق م ا‬
‫لم يتم إقامتها على الطبيعة‪ ،‬باعتبارها اﻷساس الوحيد الذي يكفل لها البقاء والثب ات ‪ ،‬نظ را لكونه ا نابع ة‬
‫من أحاسيس مشتركة وعامة ‪ ،‬إنه مهما تكن درجة ومتانة وقوة القانون ‪ ،‬فإننا ﻻ يمكن أن نعتبره اﻷساس‬
‫الذي يمكن عبره الوصول إلى مجتم ع ع ادل ومتس او ‪ ،‬حي ث إن ت اريخ التش ريعات اﻹنس انية ق د ب ين أن‬
‫القوانين عادة ما ما توض ع ل يس لغ رض خدم ة الش عب وإنم ا لخدم ة واض عيها ‪ ،‬مم ا يجع ل م ن الق انون‬
‫سلطة أو قوة بيد طبقة تستخدمها من أجل إرغام الجميع على الخضوع والتبعي ة له ا ‪ ،‬له ذا الس بب وج ب‬
‫التفكي ر ف ي أس اس آخ ر يمك ن أن تتحق ق بفض له العدال ة ‪ ،‬ول م يج د شيش رون أحس ن م ن إرج اع الفع ل‬
‫اﻹنساني إلى الطبيعة باعتبارها العنصر الذي يشترك فيه الجميع ‪ ،‬فالناس يميزون عادة بين الخير والشر‬
‫والحسن والقبيح باعتماد أحاسيسهم الطبيعية وليس باعتماد عنصر آخر‪.‬‬

You might also like