You are on page 1of 18

‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫الباب التاسع‪ :‬باب جامع مختصر‬

‫في سيرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا عليه‬
‫وعلى آله وسلم‪.‬‬

‫"يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون"‪.‬‬

‫"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما‬
‫رجاال كثيرا ونساء واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا"‪.‬‬

‫"يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم‬
‫ومن يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزا عظيما"‪.‬‬

‫أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وعلى آله‬
‫وسلم وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪.‬‬

‫هذا الباب الذي نتذاكره اليوم هو مقدمة للكالم عن سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في‬
‫أبواب أخر تليه‪ ،‬ألن الكالم ‪ -‬كما ذكرنا إن شاء هللا تعالى في الحصص الماضية‪ -‬بأن هذه‬
‫الدروس دروس االعتصام بالكتاب والسنة هي دروس تفصيلية‪ ،‬ليست بالكالم المجمل‪ ،‬ولذلك‬
‫انتقلنا إلى الكالم بعد أن تكلمنا عن كتاب هللا تبارك وتعالى في بابين بشكل مفصل‪ ،‬وفي‬
‫أبواب سابقة بشكل مجمل في الكالم عن الوحي‪ ،‬فجاء الدور الكالم عن سنة رسول هللا صلى‬

‫‪1‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫هللا عليه وسلم بشكل تفصيلي‪ ،‬ومن المناسب جدا قبل الكالم عن السنة الكالم عن صاحبها‬
‫عليه الصالة والسالم بمعرفة سيرته‪ ،‬ومعرفة سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم هي فرد من‬
‫أفراد االقتداء‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى "لقد كان لكم في رسول هللا أسوة حسنة"‪ .‬فال يمكن‬
‫للعبد أن يحصل له اتباع النبي صلى هللا عليه وسلم على الوجه األكمل وهو جاهل بمتبوعه‬
‫الذي يتبعه وهو النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال شك أن معرفة مفصل سيرته صلى هللا عليه‬
‫وسلم لها فوائد كثيرة‪ ،‬فإنها توقف العبد على عظم هذا النبي الكريم صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ويتعرف فيها عن صفته الخلقية والخلقية‪ ،‬عن صفته الخلقية حتى إذا أكرمه هللا برؤيته في‬
‫المنام عرفه أنه هو ولم يلبس عليه الشيطان كما يحدث عند كثير من الناس‪ ،‬يقول لك رأيت‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في المنام‪ ،‬تقول له‪ :‬صفه لي‪ ،‬يقول لك‪ :‬رأيت رجال وجهه مشرق‬
‫لحيته بيضاء‪ ،..‬تقول له‪ :‬كذبت‪ ،‬لعب بك الشيطان‪ ،‬ما هذا الذي رأيت بالنبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فإنه صلى هللا عليه وسلم كان أسود اللحية‪ ،‬والشعرات البيضاء معدودة (قرابة ستة‬
‫عشر شعيرة عدها أصحابه عليه الصالة والسالم)‪ .‬فمعرفته عليه الصالة والسالم ومعرفة‬
‫أخالقه ومعرفة أحواله بعد نزول الوحي سواء في الفترة المكية أو الفترة المدنية وما واكبها‬
‫من التشريعات والغزوات إلى أن قبضه هللا تعالى وقد أكمل به الدين وأتم بهم الحجة وبين به‬
‫المحجة‪ ،‬فهذا الباب الذي يسر هللا تبارك وتعالى جمعه إذا حفظه طالب العلم سهل عليه بإذن‬
‫هللا تبارك وتعالى استحضار المهمات من سيرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬ألن السيرة‬
‫المؤلفات فيها كثيرة واألحداث فيها كثيرة يصعب حفظها على هذا النحو‪ ،‬ولكن إذا ضبطت‬
‫الطالب األصول المهمة في سيرته صلى هللا عليه وسلم انضبطت عنده سيرته صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫قبل البداءة في الكالم عن الموضوع الذي نريد أن نتكلم عنه‪ ،‬أريد أن أشير إشارة مهمة‬
‫جدا‪ ،‬وهو أن تناولنا لسيرة النبي صلى هللا عليه وسلم في مادة االعتصام ليس المقصود منها‬
‫هو سرد وحكاية الوقائع‪ ،‬وإنما المقصود هو استلهام العبر والدروس التي لها تعلق بباب‬
‫االعتصام‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫وثانيها التنبيه على الطرق الصحيحة والمنهجية التي كان عليها العلماء في دراسة سيرة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫المسألة الثالثة التنبيه على األخطاء التي وقعت في دراسة الناس لسيرة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬سواء تعلق الخطأ بإثبات ما لم يثبت‪ ،‬أو الخطأ المتعلق ‪ -‬وهو األهم‪ -‬بسوء الفهم‬
‫والخطأ في االستدالل‪ .‬وسيأتي الكالم إن شاء هللا تعالى عن هذه األمور في إبانه‪.‬‬

‫قبل أن نشرع في ذلك ‪ -‬في بيان الضوابط واألصول المهمة التي ينبغي االعتناء بها في‬
‫دراسة سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬نسمع إلماحة خفيفة عن وقائع سيرة النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم؛‬

‫فهرس تاريخي متسلسل ألحداث وقائع السيرة والتشريعات ونحو ذلك؛‬

‫‪ ‬الحدث‪ :‬ميالد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬


‫‪ ‬التاريخ‪ :‬الثاني عشر ربيع األول عام الفيل سنة ‪ 870‬ميالدية‬
‫‪ ‬إسالم حمزة بن عبد المطلب في السنة الثانية أو السادسة للبعثة‬
‫‪ ‬هجرة الحبشة في رجب في السنة الخامسة للبعثة‬
‫‪ ‬رجوع مهاجرة الحبشة‬
‫‪ ‬الهجرة األولى إلى مكة في شوال في سنة خمس أو ست للبعثة‬
‫إسالم عمر بن الخطاب في سنة خمس أو ست للبعثة‬ ‫‪‬‬
‫تعليق الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة هالل محرم سنة سبع للبعثة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬وفاة السيدة خديجة أم المؤمنين في السنة العاشرة للبعثة‬
‫‪ ‬وفاة أبي طالب في السنة العاشرة للبعثة‬
‫‪ ‬خروج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى الطائف في شوال في السنة العاشرة للبعثة‬
‫‪ ‬اإلسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة أو سنتين أو ثالث‬
‫‪ ‬هجرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى المدينة هالل ربيع األول أو أواخر صفر‬
‫‪3‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫‪ ‬المؤاخاة بين المهاجرين واألنصار بعد الهجرة بخمسة أو تسعة أشهر‬


‫‪ ‬سرية حمزة بن عبد المطلب في رمضان في السنة األولى للهجرة‬
‫‪ ‬بناء النبي صلى هللا عليه وسلم بعائشة أم المؤمنين في شوال في السنة األولى للهجرة‬
‫‪ ‬سرية أبي عبيدة بن الحارث في السنة األولى للهجرة‬
‫‪ ‬سرية سعد بن أبي وقاص في آخر شوال في السنة األولى للهجرة‬
‫‪ ‬انتداب مشروعية الجهاد في أوائل السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة األبواء وودان في صفر في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة مواطن في ربيع األول في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة العشيرة في جمادى األولى أو اآلخرة في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة بدر الكبرى األولى بعد بضع ليال من العشيرة في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬سرية عبد هللا بن جحش في رجب من السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في منتصف رجب للسنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬تشريع فريضة الصيام شعبان في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬تشريع فريضة الزكاة في رمضان في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬خروج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى لثالث ليال أو ثمان خلون‬
‫من رمضان في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬نصر هللا في بدر الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬صالة العيد أول صالة يصليها النبي صلى هللا عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬تشريع الزكاة بعد رمضان في السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬إجالء يهود بني قينقاع عن المدينة في أوائل السنة الثالثة للهجرة وقيل في شوال في‬
‫السنة الثانية للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة ذي أمر أو غزوة غطفان ربيع األول في السنة الثالثة للهجرة‬

‫‪4‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫‪ ‬قتل كعب بن األشرف في ربيع األول في السنة الثالثة للهجرة‬


‫‪ ‬سرية زيد حارثة ‪ /‬سرية القردة مستهل جمادى األولى في السنة الثالثة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة أحد السبت خمسة عشر شوال في السنة الثالثة للهجرة‬
‫‪ ‬خروج النبي صلى هللا عليه وسلم إلى حمراء األسد األحد ستة عشر شوال في السنة‬
‫الثالثة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة الكدر في السنة الثالثة للهجرة‬
‫‪ ‬تزوج النبي صلى هللا عليه وسلم بالسيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين في السنة الثالثة‬
‫للهجرة‬
‫‪ ‬سرية أبي سلمة بن عبد األسد في محرم في السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية عبد هللا بن أنيس في محرم في السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية الرجيع صفر السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية القراء في صفر في السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة بني النضير في ربيع األول السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة بدر اآلخرة في شعبان في السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬تزوج النبي صلى هللا عليه وسلم بزينب بنت خزيمة أم المساكين في رمضان في السنة‬
‫الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬تزوج النبي صلى هللا عليه وسلم بأم سلمة في شوال في السنة الرابعة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة للهجرة عند ابن إسحاق ويرى البخاري أنها بعد‬
‫خيبر‬
‫‪ ‬تحريم الخمر في السنة الرابعة للهجرة عند ابن إسحاق والسادسة عند الدمياطي‬
‫والثامنة عند ابن حجر‬
‫‪ ‬غزوة دومة الجندل في ربيع األول في السنة الخامسة للهجرة‬

‫‪5‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫‪ ‬قدوم وفد بني مزينة في رجب في السنة الخامسة للهجرة‬


‫‪ ‬قدوم وفد ضمام بن ثعلبة في رجب في الخامسة للهجرة أو سنة تسع للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة بني المصطلق (المريسيع) في شعبان في السنة الخامسة للهجرة أو في شعبان‬
‫في السنة السادسة للهجرة على رأي ابن إسحاق والطبري‬
‫‪ ‬غزوة الخندق (األحزاب) في شوال في السنة الخامسة للهجرة‬
‫‪ ‬تزوج النبي صلى هللا عليه وسلم بزينب بنت جحش أم المؤمنين في السنة الخامسة‬
‫للهجرة‬
‫‪ ‬تزوج النبي صلى هللا عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان في السنة الخامسة للهجرة‬
‫وقيل السادسة وقيل السابعة‬
‫‪ ‬تشريع فريضة الحج في السنة الخامسة للهجرة وقيل السادسة وقيل التاسعة‬
‫‪ ‬قدوم وفد عبد القيس (الوفادة األولى) في السنة الخامسة للهجرة أو قبلها‬
‫‪ ‬سرية محمد بن مسلمة قبل نجد في محرم السنة السادسة للهجرة ويرى ابن كثير أنها‬
‫بعد خيبر‬
‫‪ ‬غزوة بني لحيان في جمادى األولى في السنة السادسة للهجرة‬
‫‪ ‬تشريع صالة الخوف في غزوة بني لحيان في السنة السادسة للهجرة وقيل السنة‬
‫الرابعة في ذات الرقاع‬
‫‪ ‬قتل سالم بن أبي الحقيق في رمضان في السنة السادسة للهجرة وقيل في ذي الحجة‬
‫الخامسة‬
‫‪ ‬سرية كرز بن جابر الفهري في شوال في السنة السادسة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة ذي قرد في السنة السادسة للهجرة قبل الحديبية‪ ،‬وجزم بن البخاري أنها قبل‬
‫خيبر بثالث ليال‬
‫‪ ‬عمرة الحديبية في ذو القعدة في السنة السادسة للهجرة‬

‫‪6‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫‪ ‬غزوة الحديبية في السنة السادسة للهجرة‬


‫‪ ‬تحريم النساء المسلمات على أزواجهن المشركين وتحريم المشركات على أزواجهن‬
‫المسلمين في السنة السادسة للهجرة‬
‫‪ ‬بدء إرسال الكتب إلى الملوك واألمراء أواخر السنة السادسة للهجرة أو أوائل السنة‬
‫السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬تحريم المسلمات على المشركين في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬خروج النبي صلى هللا عليه وسلم لغزوة خيبر في مطلع السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬تحريم لحوم الحمر األهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير في غزوة خيبر‬
‫في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬تحريم نكاح المتعة في خيبر أيضا في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم مهاجري الحبشة إلى المدينة بعد فتح خيبر في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬دخوله صلى هللا عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان بعد خيبر في السنة السابعة‬
‫للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم األشعريين قبل خيبر في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة ذات الرقاع في السنة السابعة للهجرة بعد خيبر عند البخاري وأصحاب السير‬
‫قالوا بأنها قبل خيبر سنة أربع أو خمس للهجرة أو أوائل السادسة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية غالب بن عبد هللا الكلبي في رمضان في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية بشير في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬عمرة القضاء ‪ /‬قضية القصاص في ذو القعدة في السنة السابعة للهجرة‬
‫‪ ‬تزوج النبي صلى هللا عليه وسلم بميمونة بنت الحارث في ذو القعدة في السنة السابعة‬
‫للهجرة‬

‫‪7‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫‪ ‬إسالم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة في أول صفر في السنة‬
‫الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة جمادى األولى في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة ذات السالسل جمادى اآلخرة في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬خروجه صلى هللا عليه وسلم لغزوة الفتح في عاشر رمضان للسنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬فتح مكة في عشرين من رمضان للسنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬هدم العزى لخمس بقين من رمضان في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬خروج النبي صلى هللا عليه وسلم في غزوة حنين في خمس أو ست شوال في السنة‬
‫الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬مسير النبي صلى هللا عليه وسلم لغزو الطائف في شوال في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬عمرة الجعرانة في أواخر ذي القعدة في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬تحريم المتعة في تحريما باتا في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬إسالم أبي العاص بن الربيع في السنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية عدي إلى طيء لهدم صنمها (الفلس) ربيع األول للسنة الثامنة للهجرة‬
‫‪ ‬غزوة تبوك في رجب في السنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم ثقيف مسلمين في رمضان في السنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم وفد رسول ملوك حمير في رمضان في السنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬بعث الصديق أميرا على الحج في ذو الحجة في السنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬توارد الوفود عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم وفد عبد القيس (الوفادة الثانية) في السنة الثامنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬كتاب النبي صلى هللا عليه وسلم ألهل نجران في السنة التاسعة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم وفد اليمن في السنة التاسعة للهجرة‬

‫‪8‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫‪ ‬سرية خالد إلى بني الحارث بن كعب بنجران ربيع االخر أو جمادى األولى في السنة‬
‫العاشرة للهجرة‬
‫‪ ‬سرية علي إلى بني مدحش في رمضان في السنة العاشرة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم وفد بجيلة في رمضان في السنة العاشرة للهجرة‬
‫‪ ‬خروج النبي صلى هللا عليه وسلم من المدينة لحجة الوداع في السبت خمس وعشرين‬
‫ذو القعدة للسنة العاشرة للهجرة‬
‫‪ ‬دخول النبي صلى هللا عليه وسلم مكة في حجة الوداع األحد أربعة ذو الحجة في السنة‬
‫العاشرة للهجرة‬
‫‪ ‬قدوم وفد محارب في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة‬
‫‪ ‬كتاب مسيلمة الكذاب للنبي صلى هللا عليه وسلم ورد النبي عليه في آخر السنة العاشرة‬
‫للهجرة‬
‫‪ ‬بعث أسامة لغزو الروم في آخر صفر في السنة الحادية عشرة للهجرة‬
‫‪ ‬ابتداء مرض النبي صلى هللا عليه وسلم أواخر صفر أو أول ربيع األول في السنة‬
‫الحادية عشرة للهجرة‬
‫‪ ‬وفاة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في اإلثنين أول ربيع األول‪ ،‬أو الثاني أو الثاني‬
‫عشر منه في السنة الحادية عشرة للهجرة‪.‬‬
‫إذن فهذه إطاللة على مسيرة النبي صلى هللا عليه وسلم من جهة األحداث من والدته‬
‫صلى هللا عليه وسلم إلى وفاته عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫نتكلم اآلن عن مقدمات وأصول مهمة في دراسة سيرة النبي عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫السيرة هي الطريقة والهيأة‪ ،‬مأخوذة من السير‪ ،‬والمقصود هو ما سار عليه النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ .‬وقد جاء ذكر السيرة في القرآن بمعنى الطريقة والهيئة كما في قوله تعالى‬
‫"سنعيدها سيرتها األولى"‪ .‬وأما ما يقصد بالسيرة فهو ما أثر عن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم وعن أصحابه وعن التابعين وعن من بعدهم من أهل العلم في وصف حال سير النبي‬
‫‪9‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وحال طريقته وهيأته من بلوغ صلى هللا عليه وسلم إلى أن توفاه هللا‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬فهذه هي السيرة‪.‬‬
‫اهتم بها العلماء قديما وحديثا‪ ،‬ألنه بهديه عليه الصالة والسالم تتبين األمور‪ ،‬كما قال‬
‫جل وعال "لقد كان لكم في رسول هللا أسوة حسنة" يقول ابن القيم رحمه هللا في زاد‬
‫المعاد‪' :‬وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى هللا عليه وسلم فيجب‬
‫على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته ونشأته ما‬
‫يخرج به عن الجاهلين به ويدخل في عداد أتباعه وشيعته وحزبه‪ ،‬والناس في هذا بين‬
‫مستقل ومستكثر ومحروم‪ ،‬والفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم' انتهى‪.‬‬
‫ومعرفة سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم تبعث في قلب المؤمن قوة اإليمان وتبعث فيه‬
‫أنواعا من الخير والهدى‪ ،‬وتعينه على االستمساك بالحق‪ ،‬كما قال تعالى "فاستمسك بالذي‬
‫أوحي اليك إنك على صراط مستقيم" "وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون"‪.‬‬
‫واالهتمام بالسيرة النبوية هو من صفات العلماء أتباع السلف الصالح‪ ،‬ومن سمات طلبة‬
‫العلم الجادين‪ ،‬وكما قلنا بدأ االهتمام بموضوع السيرة ‪ -‬سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫مبكرا في تاريخ اإلسالم‪ ،‬فقد ذكر العلماء أن أبان بن عثمان بن عفان هو أول من دون‬
‫سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم ودون مغازيه‪ ،‬وكانت وفاة أبان سنة خمس ومئة من‬
‫الهجرة‪ .‬وممن شهر أيضا في رواية السيرة وتتبعها عروة بن الزبير بن العوام‪ ،‬فقد كان‬
‫إماما في المغازي‪ ،‬وله مغازي ألفها وجمعها باسم 'مغازي عروة'‪ .‬وممن اهتم أيضا بسيرة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ابن شهاب الزهري (اإلمام المعروف سيد المحدثين في زمانه)‬
‫فقد جمع فيها كتابا في المغازي بما ذكره له عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وممن كتب أيضا في‬
‫السيرة من التابعين عاصم بن عروة بن قتادة‪.‬‬
‫وبهذا الجرد السريع يتبين أن كتابة السيرة كانت متقدمة جدا في تاريخ المسلمين‪ ،‬مما‬
‫يدلك على االهتمام بالسيرة مبكرا‪ ،‬وقد جمع محمد بن إسحاق المدني كتابا في المغازي‬
‫والسيرة بإشارة من أبي جعفر المنصور‪ .‬وهذا محمد بن إسحاق هو أشهر من كتب في‬

‫‪10‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫السيرة‪ ،‬ثم جاء ابن هشام اللغوي المعروف وانتقى من هذا الكتاب انتقاء أثنى عليه العلماء‪،‬‬
‫وهو المعروف بسيرة ابن هشام‪ ،‬وكتاب ابن إسحاق الذي هو األصل هو في عداد المفقود‬
‫ولم يبق منه إال ما جمعه عنه ابن هشام‪ ،‬وابن هشام روى عن ابن إسحاق هذا الكتاب‬
‫بواسطة رجل‪ ،‬وأكثر مرويات السيرة من مرويات ابن إسحاق‪ ،‬إذن شخصية ابن إسحاق‬
‫مهمة جدا في ناحية تدوين السيرة‪ ،‬لكن مرتبته (يعني في الحفظ) قال البيهقي في السنن‬
‫الكبرى‪' :‬الحفاظ يتوقون ما ينفرد به ابن إسحاق'‪ ،‬وقال الذهبي في تاريخ اإلسالم‪' :‬الذي‬
‫استقر عليه األمر أن ابن إسحاق صالح الحديث وأنه في المغازي أقوى منه في األحكام'‪.‬‬
‫وهذه شهادة مهمة من إمام كبيرفي علم الرجال وهو اإلمام الذهبي وهو من أهل االستقراء‬
‫التام‪ .‬وممن اهتم أيضا بالسيرة ابن حزم أيضا في كتابه 'جوامع السير'‪ ،‬وكذلك ابن سيد‬
‫الناس ألف أيضا في السيرة‪ .‬وممن كتب أيضا فيها الواقدي‪ ،‬ومن أهل العلم من يأتمنه في‬
‫المغازي والسير‪ ،‬ومنهم من قال 'إن شأنه في المغازي كشأنه في الحديث ال يقبل حديثه'‪،‬‬
‫فالصحيح أن ما ينفرد به الواقدي ال يؤخذ به‪ .‬وكذلك ممن كتب ابن سعد في أول كتابه‬
‫'الطبقات'‪.‬‬
‫طريقة أهل الحديث في تدوين السيرة؛ اعتنى أهل الحديث في كتابة السير أو السيرة‬
‫من جهتين؛‬
‫الجهة األولى‪ :‬من جهة ما ضمنوه في مصنفاتهم من الصحاح والمسانيد بذكر السيرة‬
‫سواء أكانت مبوبة أو لم تكن مبوبة‪ ،‬فتجد مثال كتاب المغازي في صحيح البخاري وكتاب‬
‫السير في صحيح مسلم‪.‬‬
‫وأما الجهة الثانية فهو ما أفردوه من المصنفات في ذكر السيرة‪ ،‬وفيها ما يصح وفيها‬
‫ما ينكر‪ ،‬من ذلك دالئل النبوة للبيهقي ودالئل النبوة ألبي نعيم ودالئل النبوة للفريابي‪.‬‬
‫ومن أهم المالحظات العلمية التي ينبغي الوقوف عندها طويال أن كتب السير ليست‬
‫معتنية بالصحيح‪ ،‬وإنما يذكر فيها ما نقل في السيرة‪ ،‬ولهذا قال الحافظ العراقي‪' :‬وليعلم‬

‫‪11‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫الطالب أن السيرة تجمع ما صح وما قد ينكر'‪ ،‬فسيرة ابن إسحاق مثال فيها ما هو صحيح‬
‫كثير‪ ،‬وفيها ما هو أيضا منكر'‪.‬‬
‫وهذا يحيل إلى الطريقة الصحيحة التي يؤخذ بها السيرة‪ ،‬كيف نأخذ السيرة؟‬
‫‪ ‬أول مصدر من مصادر السيرة وأعظم ما يؤخذ منه سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫القرآن‪ ،‬بمعنى ينبغي تتبع المواضع التي لها تعلق بالسيرة وجاءت في القرآن‪ ،‬ويعلم ذلك‬
‫بمعرفة كالم أهل التفسير في تلك اآليات‪ .‬فمثال نجد بأن غزوة بدر ذكرت في القرآن‪ ،‬غزوة‬
‫أحد ذكرت أحداثها في القرآن وإن لم تذكر باسمها‪ ،‬غزوة حنين ذكرت‪ ،‬غزوة تبوك‪...‬‬
‫‪ ‬المصدر الثاني األحاديث الصحيحة‪ ،‬خاصة التي في الصحيحين‪.‬‬
‫‪ ‬المصدر الثالث كتب السيرة وكتب التواريخ كتاريخ الطبري‪ ،‬لكن بقيد أن األخذ يكون‬
‫مما ال يتعارض مع الكتاب والسنة‪ ،‬أخذ ما ال يتعارض مع الكتاب والسنة‪ .‬وانتبهوا هنا لم‬
‫نقل أخذ ما يصح‪ ،‬ألن مسألة السير والتواريخ ال يشترط فيها العلماء وأهل السير الصحة إال‬
‫إذا تعلق األمر باستنباط األحكام‪ ،‬إذا أردنا أن نستنبط حكما من السيرة هنا البد أن يكون‬
‫الكالم عن الصحة‪ ،‬أما مسألة استكمال األحداث التاريخية فيتساهل ويتسامح العلماء في هذا‬
‫األمر‪ ،‬لكن بقيد عدم معارضة ما جاء في هذا الخبر ‪ -‬وإن كان فيه ضعف‪ -‬عدم معارضته‬
‫ما جاء في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫إذن فإذا وجدنا حالة في كتب المغازي والسير ولم يكن مخالفا للكتاب والسنة فال بأس من‬
‫األخذ به واعتماده ألنه أرفع درجة باالتفاق من أحاديث بني إسرائيل‪ ،‬وقد قال النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪' :‬حدثوا عن بني إسرائيل وال حرج'‪ ،‬ومن ذلك أيضا كتاب ابن كثير 'البداية‬
‫والنهاية'‪.‬‬
‫يقول الشيخ صالح المنجد‪' :‬البد أن نفرق في حديثنا عن األحاديث الضعيفة في جناب‬
‫السيرة النبوية المطهرة بين مقامات ثالثة؛‬
‫المقام األول أن علماء الحديث ال يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من األبواب‬
‫التي يجوز رواية األحاديث الضعيفة فيها وحكايتها ونقلها في الكتب والمجالس وحلق العلم‬

‫‪12‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫والدرس‪ ،‬لكن ال على سبيل الجزم بنسبتها إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإنما على سبيل‬
‫الحكاية والنقل والرواية'‪ .‬يقول عباس الدوري‪' :‬سمعت أحمد بن حنبل وسئل وهو على‬
‫باب أبي النضر هاشم بن القاسم فقيل له يا أبا عبد هللا ما تقول في موسى بن عبيدة الربذي‬
‫وفي محمد بن إسحاق (ابن إسحاق يعني صاحب السيرة) فقال‪' :‬أما محمد بن إسحاق فهو‬
‫رجل تكتب عنه هذه األحاديث كأنه يعني المغازي ونحوها‪ ،‬وأما موسى بن عبيدة فلم يكن‬
‫به بأس‪ ،‬ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد هللا بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬قال فأما إذا جاء الحالل والحرام أردنا قوما هكذا‪( ..‬وقبض أبو الفضل‬
‫على أصابع يديه من يديه كليهما ولم يضم اإلبهام) وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو‬
‫العباس'‪.‬‬
‫إذن طريقة أهل الحديث في التعامل مع المرويات التي في الحالل والحرام التي تبنى‬
‫عليها األحكام إذا جاء الحالل والحرام أردنا قوما هكذا‪ ،‬يعني يشددون‪ ،‬أما إذا كان األمر‬
‫في غير ذلك فاألمر أهون‪ .‬ويقول عبد الرحمن بن مهدي وهو أيضا من أئمة الحديث‬
‫يقول‪' :‬إذا روينا عن النبي صلى هللا عليه وسلم في الحالل والحرام واألحكام شددنا في‬
‫األسانيد وانتقينا الرجال‪ ،‬وإذا روينا في فضائل األعمال والثواب والعقاب والمباحات‬
‫والدعوات تساهلنا في األسانيد' ذكره الحاكم في المستدرك عن الصحيحين‪ .‬وقد عقد‬
‫الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية بابا بعنوان 'باب التشدد في أحاديث األحكام‬
‫والتجوز في فضائل األعمال'‪ ،‬قال‪' :‬قد ورد عن غير واحد من السلف أنه ال يجوز حمل‬
‫األحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إال عمن كان بريئا من التهمة بعيدا من الظنة‪ ،‬وأما‬
‫حديث التنقيد والمواعظ وغير ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ'‪ ،‬وأورد فيه أسانيد‬
‫عن سفيان الثوري قال‪' :‬ال تأخذوا هذا العلم في الحالل والحرام إال من الرؤساء‬
‫المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان‪ ،‬وال بأس بما سوى ذلك من المشايخ'‪.‬‬
‫وعن ابن عيينة قال‪' :‬ال تسمعوا من بقية (يعني بقية بن الوليد) ما كان في سنة‪،‬‬
‫واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره'‪ ،‬وذكر أيضا قول اإلمام أحمد الذي مر معنا‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫فمن هنا امتألت كتب العلماء والمحدثين في القديم والحديث بمثل هذه الروايات التي ال‬
‫يجدون فيها شذوذا أو نكارة تستوجب الرد والحذر‪ ،‬ولكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا‬
‫يوردونها على سبيل جزم النسبة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإنما لفضائل العمل أو‬
‫استفسار األخبار أو كل ما ال يترتب عليه تشريع أو اعتقاد‪ .‬إذن هذه نقطة واضحة‪ ،‬هذه‬
‫المسألة فيها توسط وإفراط وتفريط‪ ،‬كسائر األمور‪ ،‬فمن الناس من يعامل مرويات السيرة‬
‫كاألحاديث وهذا تشدد مخالف لطريقة المحدثين‪ ،‬ومن الناس من ال يعبأ‪ ،‬يخلط الصحيح‬
‫والضعيف‪ ،‬ال ضوابط عنده‪ ،‬سواء تجده يستنبط يعني حكما تعبديا أو حكما منهجيا ويبني‬
‫عليه وهو في أصله مبني على قصة ضعيفة أو لم تثبت أو لم يصح إسنادها‪ ،‬فهذا أيضا فيه‬
‫مخالفة‪ ،‬والوسط هو ما كان عليه أئمة الحديث كاإلمام أحمد والسفيانين وعبد الرحمن بن‬
‫مهدي ممن سمعتم كالمهم رحمهم هللا ‪.‬‬
‫المقام الثاني يعني أن من سبق من التساهل في أسانيد السير والمغازي ال يعني إطالقا‬
‫أننا ننسب للرسول صلى هللا عليه وسلم على وجه الجزم كالما لم يثبت باألسانيد الصحيحة‬
‫أو الحسنة سواء في األحكام أو العقائد أو الفضائل أو السير والمغازي أو غيرها من أبواب‬
‫العلم والدين‪ ،‬فالتساهل في مغازي والسير هو تساهل فيه على مستوى النقل والبحث‬
‫العلمي فحسب‪ ،‬وليس على مستوى جزم النسبة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫المقام الثالث؛ أما ما ورد عن طريق الكذابين والوضاعين وسراق الحديث‪ ،‬وما اشتمل‬
‫على نكارة أو شذوذ ال يصدر مثله عن النبي صلى هللا عليه وسلم فمثله ال يروى إال على‬
‫سبيل التحذير منه‪ ،‬وال يحكى إال على وجه التنبيه على غلطه‪ ،‬كي ال يتخذ حجة للطعن‬
‫على الدين‪ ،‬وال يكون سببا في إفساد تصورات الناس اإلجمالية عن أبواب الفضائل والسير‬
‫والمغازي‪ ،‬فما كان في كتب الباحثين والمؤلفين من مقاصد تسعى إللغاء الروايات‬
‫الضعيفة من كتب السيرة بالكلية ومنع التحديث بها وترك كتابتها وعدم استئناس الناس‬
‫منها‪ ،‬فهذه مقاصد غير محررة وهي محل نظر وال تتسق مع مناهج المحدثين األوائل‬
‫الذين نقلوا لنا هذه الروايات في كتبهم واستأنسوا بها وساقوها في حديثهم مساق اإلحاطة‬

‫‪14‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫والعناية‪ .‬وهكذا فالعلم باب واسع ال يجوز ألحد حصره فيما يراه برأيه صحيحا‪ ،‬ويسوي‬
‫بين الضعيف والمكذوب‪ ،‬فيتعامل معهما بوزان واحد وال يفرق بين درجة الثبوت ودركة‬
‫عدم الثبوت‪ ،‬إذن فنفرق بين المرويات الضعيفة والمرويات المكذوبة‪ ،‬فالمرويات المكذوبة‬
‫هذه ال تذكر إال على سبيل التنبيه إلى أنها كذب‪ .‬يقول الدكتور أكرم ضياء العمري ‪ -‬وهذا‬
‫له كتاب جيد في السيرة‪ -‬يقول‪' :‬ينبغي مالحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الروايات‬
‫التاريخية‪ ،‬فهم يتساهلون في رواية األخبار التاريخية كما نالحظ عند ثقات المؤرخين مثل‬
‫محمد بن إسحاق وخليفة بن خياط والطبري‪ ،‬حيث يكثرون من األخبار المرسلة‬
‫والمنقطعة‪ ،‬كما أن الطبري يكثر النقل عن رواة في غاية الضعف مثل هشام بن الكلبي‬
‫وسيف بن عمر التميمي ونصر بن مزاحم وغيرهم‪ ،‬وال شك أن عدم تمحيص المؤرخين‬
‫لألخبار كما فعلوا في الحديث واكتفاءهم بإلقاء العهدة على الرواة المذكورين في أسانيد‬
‫الروايات ألقى عبئا كبيرا على المؤرخ المعاصر المسلم‪ ،‬ألنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم‬
‫للوصول إلى الروايات الصحيحة‪ ،‬بعد فهم وتطبيق منهج المحدثين‪ ،‬وهو أمر لم يعد سهال‬
‫ميسورا كما كان بالنسبة لخليفة بن خياط أو الطبري بسبب تضلعه في مناهج المحدثين‬
‫وطريقة سبرهم للروايات وتمييزها‪ ،‬قال‪..' :‬وعلى أية حال فنحن ال نبخس قدامى‬
‫المؤرخين حقهم وفضلهم‪ ،‬فقد جمعوا لنا المادة األولية باألسانيد التي تمكننا من الحكم‬
‫عليها‪ ،‬ولو بعد جهد وعمل‪ ،'...‬وهذه مسألة مهمة جدا‪ ،‬فكثير من الناس من مجرد أن يرى‬
‫مثال الطبري ذكر مثال قصة سواء في سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم أو سيرة الصحابة‬
‫أو الخلفاء‪ ،‬بمجرد أنه ذكرها في كتابه يعتقد أنها صحيحة‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬فالطبري قد ساق‬
‫لك القصة كاملة وبرئت عهدته‪ ،‬فانظر أنت في اإلسناد‪ ،‬قال‪..' :‬واآلن ماذا بعد سبر‬
‫الروايات وتمييز صحيحها من سقيمها‪ ،‬قال‪ :‬المطلوب اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها‬
‫ثم الحسنة ثم ما يعتضد به من الضعيف لبناء الصورة التاريخية ألحداث المجتمع‬
‫اإلسالمي في عصر صدر اإلسالم'‪ ،‬ألن السيرة عموما سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫أو غيره نحن نتكلم على األقل فترة النبوة التي هي مهمة لنا ألنها محل االقتداء هي ثالث‬

‫‪15‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫وعشرون سنة‪ ،‬كم فيها من شهور وكم فيها من أيام‪ ،‬لك أن تتصور كم وقع‪ ،‬أي قد سمعتم‬
‫سرد األحداث المهمة وهي كثيرة جدا‪ ،‬ناهيك عما يحصل في كل غزوة‪ ،‬في كل سفر من‬
‫أقواله صلى هللا عليه وسلم و أفعاله أو أفعال غيره مما يشهد ذلك المشهد‪ ،‬فحتى تستكمل‬
‫صورة الحدث البد أن ترتضي (وهذه هي السر لماذا المحدثون كانوا يقبلون هذه الروايات‬
‫الضعيفة) حتى تستكمل صورة الحدث بالقيود التي ذكرنا‪.‬‬
‫أيضا من القواعد المهمة واألصول المهمة في فهم ودراسة السيرة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم؛ عدم التالزم بين الصحة والشهرة‪ .‬قال الشيخ األلباني رحمه هللا في الضعيفة‪' :‬ال‬
‫تالزم بين الصحة والشهرة'‪ ،‬هي قاعدة عموما في األحاديث والمرويات‪ ،‬ويكتسي هذا‬
‫األمر أهمية في السيرة‪ ،‬فكون القصة مشهورة ليس دليال على صحتها إال في بعض‬
‫األمور القليلة‪ ،‬وفي هذه يرجع إلى كالم العلماء‪ ،‬وهي التي يقول فيها العلماء يعني 'أغنت‬
‫شهرتها عن دراسة إسنادها'‪.‬‬
‫أيضا من القواعد المهمة في دراسة السيرة الصحيحة ما ذكره أكرم العمري قال‪' :‬ال‬
‫يعني ذلك نفي وقوع األمر تاريخيا (عندما يأتي المحدث ويضعف الرواية بناء على قواعد‬
‫الحديث فهذا ال يعني ذلك نفي وقوع األمر تاريخيا)‪ ،‬بل عدم ثبوته فقط‪( ،‬وهذا أمر دقيق‬
‫بين المسألتين) ال يعني ذلك نفي وقوع األمر تاريخيا بل عدم ثبوته فقط'‪ ،‬عندما يقول‬
‫المحدث في رواية ما مثال في قصة ما يعني هذا الخبر ال يصح أو أنه ضعيف‪ ،‬فمثال قصة‬
‫سفر النبي صلى هللا عليه وسلم إلى الشام وهو صغير مع عمه أبي طالب ورآه بحيرى‬
‫الراهب‪ ،‬فقصة بحيرى الراهب منهم من يثبتها ومنهم من ال يثبتها‪ ،‬وعلى قول من يثبتها‬
‫يعني كالشيخ األلباني رحمه هللا يثبتها لكن يشير إلى بعض األحداث التي فيها نكارة‪ ،‬مثال‬
‫يقول بأن ذكر أبي بكر وبالل في القصة منكر‪ .‬إذن المقصود هو عندما يحكم المحدث‬
‫بضعف رواية ما هذا ليس معناه أنها لم تقع‪ ،‬وإنما إخبار عن عدم الثبوت‪ ،‬هو يخبر بناء‬
‫على دراسته أن هذا لم يقع بناء على هذا الحديث أو لم تثبت هذه الرواية على طريقة‬

‫‪16‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫المحدثين‪ ،‬أما وقوع األمر ووقوع هذا الحدث في نفس األمر فهذا شيء آخر‪ .‬فالمسألة هنا‬
‫دقيقة جدا تحتاج إلى تأمل‪.‬‬
‫المدارس في السيرة النبوية؛ يعني ما كتب في السيرة يمكن تقسيمه (كما ذكر الشيخ‬
‫صالح آل الشيخ) إلى خمسة مدارس؛ هناك المدرسة اللغوية‪ ،‬والمدرسة القومية‪ ،‬ومدرسة‬
‫الفقهاء والمحدثين والعلماء‪ ،‬والمدرسة الرابعة المدرسة الدعوية المعاصرة‪ ،‬والخامسة‬
‫مدرسة الروايات والقصة‪.‬‬
‫يعني إذا أردت أن تستقرئ ما كتب في السيرة من أول ما كتب إلى زماننا فهو ال‬
‫يخرج عن هذه المدارس الخمسة‪.‬‬
‫المدرسة اللغوية‪ :‬هذه المدرسة اهتم فيها أصحابها بأن يتناولوا السيرة باالهتمام بما فيها‬
‫من لغة صحيحة‪ ،‬فإن من نقل السيرة عن ابن إسحاق نقلوها بلغة صحيحة عن التابعين‪،‬‬
‫ونقلوا فيها أشعارا وخطبا للعرب والصحابة‪ ،‬ولذلك تجد ابن هشام وهو اللغوي المعروف‬
‫قد اهتم بسيرة ابن إسحاق‪ ،‬وأتى السهيلي بعد ذلك وألف شرحا لسيرة ابن هشام سماه‬
‫'الروض األنف' وقد شرح فيه غريب السيرة‪.‬‬
‫المدرسة الثانية المدرسة القومية‪ :‬وأصحاب هذه المدرسة إنما كتبوا في السيرة تعصبا‬
‫للعرب والعربية‪ ،‬وكانوا يرون أن شأو العرب قد ارتفع بعد مجيء النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم فالبد من ذكر سيرته‪ ،‬وأصحاب هذه المدرسة إنما كتبوا فيها تقليدا للفرس واليونان‬
‫الذين كانوا يكتبون كتبا في سير عظمائهم‪ ،‬ويمثل لهذه المدرسة بما كتبه طه حسين في‬
‫كتابه 'على هامش السيرة'‪ ،‬فهؤالء الناس ليس غرضهم تعظيم رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم أو االقتداء به‪ ،‬بل تعصبا للجنس العربي‪ ،‬كما أن األمم األخرى كانوا يكتبون عن‬
‫عظمائهم فهؤالء أيضا كتبوا بهذا االعتبار‪.‬‬
‫المدرسة الثالثة مدرسة الفقهاء والعلماء والمحدثين‪ :‬هذه هي التي ينبغي االعتناء بها‪ ،‬و‬
‫أصحاب هذه المدرسة إنما تناولوا السيرة لتوضيح مسائل فقهية ومسائل عقدية‪ ،‬وممن اهتم‬

‫‪17‬‬
‫الدرس العاشر‬ ‫دروس االعتصام‬

‫بكتاب السيرة على هذا النهج ابن القيم رحمه هللا في كتابه 'زاد المعاد'‪ ،‬ولهذا ينصح‬
‫العلماء بدراسة هذا الكتاب 'زاد المعاد' البن القيم رحمه هللا‪.‬‬
‫المدرسة الرابعة المدرسة الدعوية المعاصرة‪ :‬وأصحاب هذه المدرسة عنوا بالسيرة من‬
‫جهة مسائل دعوية يؤصلونها في نفوس أتباعهم على اختالف مشاربهم‪ ،‬ولكنهم لم ينظروا‬
‫إلى ما صح في السيرة وما لم يصح فيها‪ ،‬وهذه الكتب التي ألفت في السيرة في هذه‬
‫المدرسة تشكل خطرا كبيرا من الناحية المنهجية‪ ،‬فإن فيها بعض االستنباطات وبعضهم‬
‫يستدل على االغتياالت في السيرة‪ ،‬وبعضهم يستدل على هجرة المجتمع اإلسالمي والحكم‬
‫بتكفيره بناء على السيرة‪ ،‬ألن فيها بعض المجازفات واألمور الخطيرة‪ ،‬وبعضهم يستدل‬
‫على المظاهرات في المساجد بناء على بعض األحداث في السيرة (فهم منكوس) فهذه وهللا‬
‫أعلم من أخطر المدارس في السيرة‪.‬‬
‫المدرسة األخيرة الخامسة مدرسة الروايات والقصة‪ :‬وهؤالء كتبوا في السيرة على أنها‬
‫رواية وقصة عوضا عن الروايات الهابطة المنتشرة في هذا العصر‪ ،‬يعني ربما يكون ‪-‬‬
‫إن شاء هللا ‪ -‬مقصدهم مقصود حسن من جهة تقديم بديل للناشئة‪ ،‬من جهة أن يرتبط الناس‬
‫بنبيهم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأن يرتبطوا بالصحابة‪ ،‬خير من أن يرتبطوا يعني بشخصيات‬
‫ربما تكون وهمية ال حقيقة لها في الواقع‪.‬‬

‫إذا فنقف هنا إن شاء هللا‪ ،‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك‬
‫وأتوب إليك‪.‬‬

‫ألقاه الشيخ أحمد المغير يوم األحد ‪ 28‬رجب ‪1444‬هـ ‪ 19 /‬فبراير ‪ 2023‬م‬

‫‪18‬‬

You might also like