Professional Documents
Culture Documents
السياسة الداخلية للمغرب الأقصى
السياسة الداخلية للمغرب الأقصى
597
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
مخطط البحث:
أولا :مقدمة حول البحث والمغرب األقصى:
أ -اليدف عن البحث واشكاليتو ومنيجو والمصادر والمراجع.
ب -مقدمة عامة عن المغرب األقصى قبيل تسمم السمطان أحمد المنصور السمطة.
ثاني ا :السمطان المنصور السعدي وسياسته الداخمية عمى الصعد كمّها:
أ -تعريف بالسمطان أحمد المنصور السعدي.
ب -سياسة أحمد المنصور السعدي الداخمية وتتضمن ما يأتي:
-1التنظيمات اإلدارية لمدولة السعدية في عيد أحمد المنصور السعدي.
أً -اإلدارة المركزية.
ب -اإلدارة اإلقميمية.
ً
-2الحياة االجتماعية لممغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور.
-3الحياة االقتصادية لممغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور.
-4الحياة الفكرية لممغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور.
-5الحياة العمرانية لممغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور.
-6الحياة العسكرية لممغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور.
-7األوضاع المالية لممغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور.
-8الثورات التي قامت ضد السمطان أحمد المنصور.
-9نياية حكم السمطان أحمد المنصور ووفاتو.
ثالث ا :الخاتمة :أهم النقاط التي توصل إليها البحث.
598
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
الهدف من البحث:
ىدف البحث إلى تسميط الضوء عمى شخصية تاريخية وطدت أركان الدولة السعدية
في المغرب األقصى بين عامي 1578و 1663من خالل قمع التمردات الداخمية التي
قامت ضد السمطة سواء بين القبائل ،أو من قبل بعض أفراد األسرة السعدية الحاكمة ىذا
من الجانب الداخمي .أما خارجياً فقد استطاع السمطان أحمد المنصور أن يفيد من
حنكتو السياسية في تجنيب المغرب خسارة مناطق أخرى منو لصالح إسبانيا أو الدولة
العثمانية ممثمة في حكومتيا الموجودة في الجزائر.
أفاد المنصور من تشديد قبضتو عمى مفاصل الدولة السعدية في االىتمام بباقي
جوانب الحياة اإلنسانية عمى الصعد كميا :السياسية ،واالجتماعية ،واالقتصادية،
والفكرية ،والعمرانية والعسكرية؛ مما جعل من المغرب بحق دولة مرىوبة الجانب.
إن الدراسات العممية التي تناولت ىذه الشخصية وسياستيا الداخمية قميمة ،وىي غير
موجودة عمى مستوى مراكز البحث والجامعات السوريا ،لذلك وجدت في دراسة السياسة
الداخمية ليذه الشخصية فرصة مناسبة لسد النقص الذي تحتاج إليو مراكز البحث
والباحثون والطالب في جامعاتنا السورية.
إشكالية البحث:
تتمحور اإلشكالية في البحث حول اإلجابة عن مجموعة من التساؤالت التي نمخصيا بما يأتي:
-كيف استطاع السمطان أحمد المنصور أن يوظف خبرتو اإلدارية والسياسية -التي اكتسبيا
خالل إقامتو في استانبول -في إدارة المغرب األقصى في جميع المجاالت ونجاحو في ذلك.
593
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
-كيف استطاع السمطان أحمد المنصور أن يجنب المغرب األطماع العثمانية ممثمة بحكومتيا
في الجزائر المجاورة ،مع أنو أسس جيشاً جديداً أغمب قياداتو وعناصره كانوا من األتراك
العثمانيين حيث كان التأثير العثماني واضحاً في المباس والتسميح ،ولكنو استطاع مع ذلك أن
يجنب المغرب األقصى ىذه األطماع.
-قرب السمطان أحمد المنصور العمماء واألدباء المغاربة واتصل مع عمماء من المشرق العربي،
وخاصة من سوريا ومصر ،وىذا يدل عمى الطابع العروبي في توجياتو ،إذ أفاد من ىؤالء في
تطوير الحياة الفكرية التي وضع أسسيا وشجعيا بحيث أصبح المغرب األقصى مرك اًز أدبياً
يقصده األدباء والعمماء من شتى أنحاء العالم ،ثم كيف نجح المنصور في قيام ىؤالء العمماء
خاصة من مصر والشام في الدعاية لو ألن يكون خميفة المسممين بدالً من السمطان
العثماني ،وبالتالي بأحقيتو في إعالن ذلك.
-لماذا بنى المنصور قصر البديع الذي يعد -كما وصفو معاصروه -تحفة فنية تضاىي أثار
المسممين في الشام واألندلس والدولة العثمانية ،أليس من أجل تخميد اسمو وأسرتو في التاريخ؟
مع أنو كان يعرف أن ىذا القصر سيكمفو مبالغ كبيرة لن تكفييا خزينة المغرب؛ األمر الذي
دفعو إلى احتالل السودان عام .1591
ىذه التساؤالت جميعيا التي تؤلف إشكالية البحث أجيب عنيا من خالل عرضنا لجوانب
الحياة المغربية كميا في عيد السمطان أحمد المنصور :إدارياً ،وسياسياً ،واجتماعياً ،واقتصادياً،
وفكرياً وعسكرياً.
اعتمد البحث عمى المنيج الوصفي والتحميمي لألحداث ومقارنتيا ببعضيا ،واستنتاج
المعمومات التي تخدمو ،إذ قام البحث بربط األحداث بمسبباتيا.
593
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
المصادر والمراجع:
اعتمد البحث عمى مصادر أصمية معاصرة لمسمطان أحمد المنصور والسيما :الناصري،
والفشتالي واليفرني ،وعمى مراجع حققت ليذه المصادر خاصة مثل :السيد عبد الكريم كريم الذي حقق
بعض ما كتبو الفشتالي .وكذلك ىناك المؤرخ الفرنسي ىنري تيراس الذي اعتمد عمى مصادر مقربة
من السمطان أحمد ،فضالً عن بعض المراجع الحديثة التي نقمت عن ىذه المصادر.
ب -مقدمة عامة عن المغرب األقصى قبيل تسمم السمطان أحمد المنصور لمسمطة:
ما أن بدأ المغرب األقصى يستعيد عافيتو وقوتو في عيد مؤسس األس ةر السعدية محمد الشيخ
السعدي حتى عاد لمفوضى ،وذلك بعد أن أقدم ابنو وخميفتو موالي عبد اهلل الغالب باهلل (-1557
،)1574الذي اتصف بقساوة القمب إزاء أسرتو إذ أقدم عمى قتل بعضيم ،وىرب ثالثة من إخوتو
وىم :عبد الممك وأحمد المنصور وعبد المؤمن إلى استانبول عاصمة الدولة العثمانية.)1
وقد اكتسب أحمد المنصور من إقامتو في استانبول خبرة في المسائل السياسية
والدولية ،واحتك مع سفراء وقناصل الدول األوروبية فييا ،واطمع عمى أحوال الدول
األوروبية وما يجري بينيا من منافسات من أجل السيطرة عمى الحوض الغربي لممتوسط
وتيديد الدولة العثمانية وطردىا من شمال إفريقيا.)2
ش ا ااارك أحم ا ااد المنص ا ااور ف ا ااي معرك ا ااة وادي المخ ا ااازن الت ا ااي وقع ا اات ع ا ااام،)3 1578
أو م ا ااا أطم ا ااق عميي ا ااا معرك ا ااة المم ا ااوك الثالث ا ااة (عب ا ااد المم ا ااك ،والمتوك ا اال ،وسيباس ا ااتيان)،
فارس ،محمد خير ،عامر ،محمود :تاريخ المغرب العربي الحديث ،المغرب األقصى ،ليبيا ،منشورات
-)1
البرتغال سيباستيان وحميفو المتوكل ابن أخ عبد الممك وبين عبد الممك وأحمد المنصور من الجانب
المغربي ،وانتصر فييا المغرب وتوفي القادة الثالث عبد الممك سمطان المغرب والمتوكل وسيباستيان
ممك البرتغال ،وأطمق عمييا بعض المؤرخين األوروبيين معركة المموك الثالث ،وعمى إثر ىذا
االنتصار بويع أحمد المنصور سمطاناً عمى أرض المعركة.
599
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
وبحنكتا ااو السياسا ااية اس ا ااتطاع إخفا اااء خب ا اار وف ا اااة أخي ا ااو عب ا ااد المم ا ااك ف ا ااي المعرك ا ااة خشا ااية قم ا ااب
االنتص ا ااار المغرب ا ااي إل ا ااى ىزيم ا ااة ،وبوي ا ااع أحم ا ااد المنص ا ااور س ا اامطاناً عم ا ااى المغ ا اارب األقص ا ااى
عشية انتياء المعركة ،إذ كان وصولو إلى الحكم أحد أىم نتائج ىذه المعركة.
دخ ا اال الس ا اامطان أحم ا ااد المنص ا ااور إل ا ااى مدين ا ااة ف ا اااس عاص ا اامة الدول ا ااة الس ا ااعدية ف ا ااي
15آب عا ااام 1578حيا ااث جا ااددت فا اااس وشا ااعبيا البيعا ااة لا ااو ،واعتا اارف لا ااو بالقيا ااادة
ف ا ااي أنح ا اااء المغ ا اارب كمي ا ااا ،)1ف ا اااذا ك ا ااان وال ا ااده محم ا ااد الش ا اايخ ى ا ااو المؤس ا ااس الحقيق ا ااي
لمدولا ااة السا ااعدية و ارسا اام سياسا ااتيا الداخميا ااة والخارجيا ااة ،ف ا اان ابن ا او أحما ااد المنصا ااور ىا ااو
ال ا ااذي وطا ا ا ةد ى ا ااذه السياسا ا ااة ف ا ااي الاا ااداخل والخاا ااارج ،وظيا ا اار ذلاا ااك جميا ا ااً إذ كاا ااان رجا ا اال
السا ا اااعة وقا ا ااد اسا ا ااتطاع بخبرتا ا ااو وحنكتا ا ااو السياسا ا ااية أن يا ا ااداري وي ارعا ا ااي جميا ا ااع الا ا اادول
األوروبيا ااة الطامع ا ااة فا ااي المغ ا اارب األقص ا ااى دون أن يفا اارط بش ا اابر م ا اان أ ارض ا اايو ،وأبق ا ااى
األم ا ااور كم ا ااا كان ا اات ف ا ااي عي ا ااد وال ا ااده ،حاصا ا ا اًر إس ا اابانيا ف ا ااي بع ا ااض المواق ا ااع الس ا اااحمية،
وق ا ااد أف ا اااد م ا اان الصا ا اراع ال ا اادولي وخاص ا ااة ب ا ااين إس ا اابانيا وبريطاني ا ااا ،وك ا ااان ي ا اادخل ت ا ااارة
بتح ا ااالف م ا ااع بريطاني ا ااا ض ا ااد إس ا اابانيا ،وت ا ااارة أخ ا اارى بتح ا ااالف م ا ااع إس ا اابانيا ليبع ا ااد ش ا اابح
أطماع األتراك العثمانيين المحتمين لمجزائر عن حدود المغرب األقصى الشرقية.
تسا ا ااتحق ىا ا ااذه الشخصا ا ااية التاريخيا ا ااة العظيما ا ااة أن نسا ا اامط الضا ا ااوء عمييا ا ااا ونعا ا اارف
الظا ا ااروف الداخميا ا ااة والخارجيا ا ااة التا ا ااي سا ا اااعدتيا عما ا ااى رسا ا اام سياسا ا ااة داخميا ا ااة وخارجيا ا ااة
لممغا اارب األقصا ااى لتجعا اال منا ااو دولا ااة قويا ااة مرىوبا ااة الجانا ااب؛ خطا ااب األوروبي ا اون ودىا ااا
خ ا ا ااالل م ا ا اادة حك ا ا اام الس ا ا اامطان أحم ا ا ااد المنص ا ا ااور الت ا ا ااي امت ا ا اادت ب ا ا ااين ع ا ا ااامي -1578
.1663وبداي ا ا اةً البا ا ااد ما ا اان التعريا ا ااف بيا ا ااذه الشخصا ا ااية التا ا ااي طبعا ا اات تا ا اااريخ المغا ا اارب
األقصى بطابعيا.
1
)-Terrasse : Op, cit., p. 191-192.
644
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
ىو أبو العباس أحمد المنصور السعدي ،لقب بالذىبي بعد غزو سوتغاي في السودان
(القارة السوداء) لكثرة الذىب الذي جمبو منيا .)1ولد أحمد المنصور بمدينة فاس عاصمة
المغرب في عام 1549م ،والده محمد الشيخ بن محمد القائم بأمر اهلل الزيدني الحسني
السعدي مؤسس األسرة السعدية ،والدتو مسعودة بنت الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد
اهلل ،بويع حاكماً عمى المغرب -كما ذكر سابقًا -في ساحة معركة وادي المخازن .)2اكتسب
السمطان أحمد المنصور– كما أسمفنا -في أثناء إقامتو في عاصمة الدولة العثمانية خبرة
بالمسائل السياسية والدولية وقضايا البحر األبيض المتوسط والسيما حوضو الغربي ،وتجمت ىذه
الخبرة في سياستو الداخمية التي شممت نواحي الحياة جميعيا.
من أىم ما عرف عن أحمد المنصور تنظيماتو اإلدارية ،وقد أكد عمى ذلك المؤرخ
الفشتالي بقولو ....." :كان المنصور متطمعاً ألخبار النواحي باحثاً عنيا غير متراخ في
قراءة ما يرد عميو من رسائل من عمالو ،وال يبطئ في الجواب ويقول :كل شيء يقبل
التأخير إال مجاوبة العمال عمى رسائميم ،وكان لو عيون في جميع أنحاء المغرب ،فمو
الحموي ،يوسف " :مقالة عن أعالم مغاربة من التاريخ، "،جريدة المساء ،المغرب .2612/7/27
- )1
ويكيب ااديا ،الموس ااوعة الحا ارة :المنت اادى العرب ااي لم اادفاع والتس ااميح ،الموض ااوع ع اان ش اامال إفريقي ااا ،ت اااريخ
- )2
.2616/12/11
644
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
من رجالو المصطفين عمى كل مرقبة رصداء ،وعمى كل ثنية نقباء ،وفي كل خموة وخموة عيون
حفظة ،موكمين بنقل ما يحدث من قصة أو خبر ،أو يدور عمى األلسنة من كالم أو ىذر.)1"....
كان المنصور شديد الحذر في اإلدارة ،وفي سبيل ذلك اخترع أشكاالً من الخط
العربي عمى عدد حروف المعجم يكتب بيا ما يريد االطالع من أس ارره وميمات أموره
وأخباره ،وال يفيمو غيره حتى لو وقع ذلك في يد عدوه .كما وفق المنصور في التنظيم
اإلداري لمدولة بين التأثيرات العثمانية والتقاليد المغربية.)2
-1التنظيمات اإلدارية لممغرب األقصى في عهد السمطان أحمد المنصور:
يمكننا أن نميز بين نوعين من ىذه التنظيمات ىما :اإلدارة المركزية واإلدارة اإلقميمية:
أا -اإلدارة المركزية:
كانت اإلدارة المركزية لمدولة السعدية مكونة من عدد من العناصر ،وذلك عمى النحو اآلتي:
-السمطان :يحتل السمطان أحمد المنصور مركز الصدارة في جياز الحكم ،إذ كان يعد
أعمى سمطة في ىذا الجياز ،وقد حمل المنصور لقب الخميفة كغيره من الحكام
السعديين ،وذلك إلثبات أحقيتيم بخالفة المسممين بدالً من األتراك العثمانيين ،بحكم
أصميم المنحدر من ساللة الرسول الكريم (ص).
-الحاجب :كان الحاجب يكمف بتنظيم العالقات بين السمطان أحمد وباقي الموظفين
الكبار في الدولة السعدية.
-الوزير :وىو بمثابة الوزير األول (رئيس الوزراء حالياً) ،وكانت ميمتو تنظيم السياسة العامة
لمبالد وتنفيذىا.
الفشتالي ،عبد العزيز :مناىل الصفا في مآثر موالينا الشرفا ،تحقيق د .عبد الكريم كريم ،مطبوعات
-)1
644
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
-كاتب السر :وىو الكاتب الخاص لمسمطان أحمد المنصور ،والمسؤول عن ضبط مراسالت
السمطان الداخمية والخارجية ،وكان يساعده عدد من الكتاب.
-صاااحب خ ازائن الاادار :وىااو بمن لزاة وزياار الماليااة اليااوم ،ويكمااف بالسااير عمااى ضاابط مااداخيل الدولااة
السعدية ومصروفاتيا.
-أصحاب المشورة :وىم الييئة االستشارية التي يمجأ إلييا السامطان عنادما يناوي اتخااذ بعاض القا اررات،
وكانت مكونة من عدة شخصيات متنفذة عدة مثل :قادة الجيش ،الفقياء وزعماء بعض القبائل.
-صاحب المظالم :وكان يوكل إليو تمقي الشكاوى من المواطنين ورفعيا إلى السمطان أحمد
المنصور لمبت فييا.)1
ب -اإلدارة اإلقميمية:
ً
قام السمطان أحمد المنصور بتقسيم المغرب األقصى إلى اثنتي عشرة والية أو إقميماً أسند
إدارتيا لرجال يثق بيم ،إذ كان عمى رأس كل منيا عامل بمنزلة نائب عنو في اإلقميم ،وكان يتمتع
بصالحيات واسعة ،وقد أناب المنصور أبناءه في أقاليم خاصة كفاس ومكناس والسوس ومراكش.
وقسم السمطان أحمد المنصور األقاليم نفسيا إلى قيادات يرأسيا قائد أو باشا يدير شؤونيا العامة،
ويبت في القضايا المدنية والمنازعات ،ويساعده صاحب الشرطة المكمف بالحفاظ عمى األمن،
وكذلك القاضي الذي كان يكمف بالنظر في القضايا الشرعية ،فضالً عن شيوخ القبائل الذين عيد
إلييم بميمة تأمين سالمة الطرق.)2
-2الحياة الجتماعية لممغرب األقصى في عهد السمطان أحمد المنصور:
استقرت أوضاع المغرب األقصى في عيد السمطان أحمد المنصور ،فعمرت بعض
المدن الساحمية بعد انسحاب قوات االحتالل البرتغالي منيا ،وشيدت مدن أخرى جديدة،
-)1
أبو العباس ،أحمد بن خالد الناصري :االستقصاء ألخبار دول المغرب األقصى ،الجزء الثالث ،
منشورات و ازرة الثقافة واالتصال ،المغرب ،2661ص.115
-)2حركات ،إبراىيم :المغرب عبر التاريخ ،الجزء الثاني ،دار الرشاد الحديثة،الدار البيضاء ،2663ص.25
645
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
مثل :تطوان وشفشاون وتارودانت ،كما عرفت مدن أخرى توسعاً عمرانياً ،ذلك كمو ساعد
عمى زيادة عدد السكان في المغرب األقصى بسبب استقرار حدود البالد واتساعيا
بالسيطرة عمى الصحراء واحتالل السودان ،ومع ذلك فقد اتسم المجتمع المغربي بطغيان
حياة البدو وقمة التجمعات السكانية الحضرية.)1
عرف المغرب انفتاحاً ميماً عمى الخارج خالل القرن السادس عشر الميالدي بشكل
عام ،وعيد حكم السمطان أحمد المنصور بشكل خاص ،إذ توافدت عناصر بشرية
مختمفة مثل :األندلسيين ،وأعداد من األتراك العثمانيين في إطار المساعدة العسكرية،
وأعداد كبيرة من السودانيين بعد احتالل السودان عام 1591قدموا لمخدمة في المغرب،
وأعداد من األوروبيين قدمت لمتجارة باإلضافة إلى أعداد من األسرى األوروبيين ،وقد
انصيرت ىذه العناصر البشرية مجتمعة تدريجياً داخل المجتمع المغربي ،وتركت فيو
مؤثرات حضارية امتزجت بحضارتو العربية اإلسالمية ،وتركت ىذه التأثيرات آثارىا في حياة
سكان المغرب األقصى األصميين بعدة نقاط منيا :المباس والعادات والمغة والموسيقا .)2
أما فيما يتعمق بعدد سكان المغرب في عيد أحمد المنصور فان المصادر لم تورد ما يفيد أية
عممية إحصائية ،حتى لدى أقرب المصادر التي عاصرت المنصور وكتبت عن عيده.
-3الحياة القتصادية لممغرب األقصى في عهد السمطان أحمد المنصور:
وتشمل عناصر االقتصاد األساسية المعروفة وىي الزراعة والصناعة والتجارة ،فقد شكمت
الزراعة النشاط الرئيس لسكان المغرب األقصى إال أنيا تميزت بمحدودية االنتشار وتقنيات عيود
سابقة ،كما أن القطاع الزراعي اعتمد اعتماداً أساسياً عمى زراعة قصب السكر ،حيث خصصت
لو مزارع واسعة في مناطق واسعة من البالد.
-ال يوجد أي تقديرات حقيقية لمكتاب والمؤرخين المغاربة يمكن أن نذكرىا ىنا ( الباحث).
)1
-)2
الدولة السعدية وعيد االستقرار واالزدىار ،فترة أحمد المنصور الذىبي ،المغرب.2613/12/ 22 ،
646
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
كما عرف المغرب األقصى زراعات أخرى مثل الحبوب بأنواعيا المختمفة :كالقمح والشعير
والذرة والعدس والفول ،وقام بالتوسع في زراعة األشجار المثمرة ،والسيما أشجار التوت لتربية النحل،
وانتاج العسل.)1
وعرف النشاط الحرفي والصناعي في المغرب األقصى نشاطاً كبي اًر حيث كان يقوم عمى تحويل
المواد األولية الزراعية والمعادن المحمية إلى مصنوعات تفي بالغرض لسد حاجات األسواق المحمية.
واشتيرت بعض المناطق المغربية بصناعات ميزتيا مثل :الصناعات النحاسية التي اشتيرت فييا
مناطق السوس ،وبصناعة الصوف باألشكال واألنواع جميعيا في منطقة دكالة.
عمل السعديون عمى تطوير بعض الصناعات مستفدين من خبرات األندلسيين واألوروبيين،
وأىميا صناعة السكر ،وقد أنشأ السمطان أحمد المنصور معاصر قصب السكر في منطقتي حاحة
وشوشاة.)2
أما فيما يتعمق بالتجا ةر الداخمية فمم تكن حركة المبادالت التجارية الداخمية ذات حجم كبير فمعظم
سكان المغرب األقصى كانوا يستقرون في البوادي ،واعتمدوا في معيشتيم عمى إنتاج حاجات
أساسية تخص التبادل اإلسبوعي لممنتجات في األسواق التي كانت تعقد في مدن رئيسة.
ونشطت حركة التجارة الخارجية ،وانتعش االقتصاد الوطني المغربي ،وذلك بزيادة حركة التبادل
التجاري مع الخارج ،والسيما مع الدول األوروبية وبشكل خاص بريطانيا التي استوردت نترات
البوتاسيوم المغربي المشيور مقابل أصناف من األخشاب جمبيا المنصور لبناء أسطولو ،وكانت
تحتكرىا الممكة أليزابيت شخصياً ،وقد أفاد المغرب من حركة العوائد الجمركية ،وقدوم أعداد من
التجار األوروبيين-بسبب التسييالت التي قدميا السمطان أحمد -في نمو تجارتو الخارجية وتحقيق
أرباح عادت بالفائدة عمى البالد بشكل عام.)3
-)1
كريم ،عبد الكريم :المغرب في عيد الدولة السعدية ،شركة المطيع لمنشر ،الدار البيضاء ،طبعة ثانية،
.225 ،1977
-)2
الفشتالي :مصدر سابق ،ص .216
حركات :مرجع سابق ،ص.265
-)3
647
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
كان السمطان أحمد المنصور واسع الثقافة ،وقد جمع بين الثقافتين المغربية التقميدية والخبرة
بالمسائل العصرية والدبموماسية واإلدارية.
قرب السمطان المنصور العمماء والفقياء المغاربة ،)1وكانت لو اتصاالت دائمة مع عمماء
الدين في المشرق العربي والسيما الشام ومصر والحجاز ،فكتب إلى شريف مكة حسن
بن أبي نمر يوصي بأحد فقياء المغرب البارزين الذي كان يرأس قافمة الحج المغربي،
وكان ىدف المنصور من ذلك تأكيد رابطة الرحم التي تصل األسرة السعدية بآل البيت
أشراف مكة .كان ييدف من وراء ذلك سياسياً ،تأكيد أحقيتو باإلمامة أيض ااً دون
الس امط اان العثم ااني ،وق اد س ااعدت سياس ا اة الدول اة العثماني اة ض اد المصال اح العا اربي اة
واإلس االميا اة ،وممارستيا المتناقضة مع مبادئ اإلسالم وقواعده ،في الترحيب العربي
عموماً وخاصة في المشرق العربي بدعوة السمطان المغربي أحمد المنصور لتسمم
الخالفة الياشمية.)2
كما كاتب المنصور عمماء مصر طالباً اإلجازة عمى يدييم ،ومنيم أبو عبد اهلل محمد
بن أبي الحسن البكري الصديقي ،وبدر الدين القرافي المالكي ،كما كان لو اتصاالت مع
عمماء الشام.
وسياسة المنصور ىذه بالتقرب من عمماء المشرق العربي جعمت العرب في ىذه
األقطار يفخرون بو كقائد وخميفة عظيم ،وأخذوا ينتظرون ساعة الخالص من الحكم
العثماني ،ولم يعد ىؤالء يقرون بشرعية الخالفة العثمانية وأخذوا يدعون إلى إمارة
المنصور العربية العموية ،وقد صرح البكري أحد عمماء مصر بمعاداة األتراك واإلعراب
محمد ،نجاح ،أبو جبل ،كاميميا :تاريخ الوطن العربي الحديث (بالد الشام والعراق) ،منشورات جامعة
-)2
دمشق ،2669-2668ص.173
648
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
عن رغبتو أن يكون الخالص عمى يد المنصور ،ورد ةد الشعراء المغاربة الحمم بعودة وحدة
البالد العربية عمى يديو.)1
عرفت الحياة الفكرية انتعاشاً كبي اًر في المغرب األقصى في القرن السادس عشر
الميالدي ،وبمغت ذروتيا في عيد السمطان أحمد المنصور ،إذ تعددت المراكز العممية،
وتزايد عدد المؤلفات في مختمف المجاالت العممية ،ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل
نجمميا في النقاط اآلتية:
شمل النشاط الفكري عدة عموم منيا الشرعية والنقمية والعموم العقمية ،فضالً عن
ترجمة عدد من أميات الكتب من عدة لغات .كان السمطان أحمد المنصور نفسو يرعى
العمم والمتعممين ،ويعقد مجالس عممية عامة وخاصة في أوقات محددة من العام يدعو
إلييا األدباء والشعراء والمفكرين من شتى أنحاء المغرب ،وكان السمطان إلى جانب
مشاركتو في العموم المغوية والشرعية أديباً وشاع اًر ورياضياً موىوباً.
ىذه الدعوات كميا من عمماء المشرق لمسمطان أحمد المنصور لم تغير شيئاً ،ويبدو لنا أنو كان متفق
-)1
عمييا معيم من أجل تعريف الناس بو في مشرق البالد العربية ومغربيا وبأنو من األشراف ،ويحق لو
أن يكون خميفة لممسممين (الباحث).
كريم :مرجع سابق ،ص .188-187
-)2
643
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
وقد عرف عن السمطان أحمد المنصور مواظبتو عمى قراءة أميات كتب الحساب والجبر
واليندسة القميدس ،وكانت حاشيتو تكاد تكون كميا من العمماء واألدباء حتى قادة الجيش ووالة
األقاليم .وأىم ما يمكن ذكره تأليفو لكتابين ميمين ىما:
" كتاب المعارف في كل ما تحتاج إليو الخالئف" وىو كتاب في عمم السياسة.
وكتاب "العود أحمد" وجمع فيو األدعية المأثو ةر عن الرسول (ص) والمأخوذة من كتب الحديث
والصحاح .)1تركز عمى الرصيد الميم الذي خمفو مفكرو العصر السعدي في عيد المنصور عمى
ثالثة أنواع رئيسة ىي :المختصرات ،والشروح والحواشي ،والمؤلفات األصمية ،فضالً عن استنساخ
واسع لمكتب وقراءتيا وانتقائيا في ظل انتشار المكاتب العامة والخاصة.)2
-5الحياة العمرانية لممغرب األقصى في عهد السمطان أحمد المنصور:
نشطت حركة العمران في شتى أنحاء المغرب األقصى بشكل عام وفي الجنوب والعاصمة
بشكل خاص ،إذ شيد عيد السمطان أحمد المنصور إعادة بناء عدد من المباني الدينية والعسكرية
وتوسيعيا وتجديدىا ،أىميا بناء ضريح السعديين وقصر البديع ،)3الذي يمثل أبرز ما بناه المنصور،
إذ أقدم المنصور عمى بناء ىذا القصر بسبب حبو لمعظمة والمظاىر الفخمة ليخمد بو نفسو وأسرتو
من بعده ،ويذكر الفشتالي السبب الذي دفع المنصور لبناء ىذا القصر بقولو" :ما بعثني عمى ذلك إال
إذا نظرت إلى آثار سمفنا الكريم أجد أثار الموحدين وما زالت تنازعيا فضل تنجيز وضخامة واحتفال،
أربي عمييا وآثار بني مرين تجاذبيا رداء التأنق وربما شقت في تنميق الحمة وبديع الطراز فأبيت
ألىل النبوة أن يكون الفضل والشفوف آلثار من دونيم من الدول عمى آثارىم فمم أرض إال بما
يضفي عمى آثار الدولتين" .)4نستنتج من ىذا القول أن المنصور أراد أن يخمد أسرتو بعمل
-)4
كريم :مرجع سابق ،ص .233
643
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
جميل يضفي عمى ما بنتو األسر التي حكمت المغرب قبمو ،ويكون قبمة لألدباء والشعراء
والعمماء من أصقاع األرض كميا.
حاول المنصور أن يجعل من ىذا القصر تحفة فنية ال مثيل ليا تجمع بين تقاليد المشرق
العربي ومغربو ،وحشد لبنائو الصناع من أنحاء المغرب األقصى كمو ،وكان يجتمع في كل يوم
مع أرباب الصنائع وخبراء البناء وأصحاب المعرفة والكفاية في التنميق والتشييد ،حتى شارك في
بنائو األسرى األوروبيون ،وأنشأ المنصور لمصناع سوقاً عظيمة يقصدىا التجار ببضاعتيم،
وجمب المنصور الرخام لقصره من إيطاليا ،وقد الحظ الكاتب الفرنسي المعاصر مونتين في
أثناء زيارتو إليطاليا أن مقالع من المرمر كانت تعمل لحساب ممك المغرب قرب بيزة ،وكان
المنصور يدفع ثمنو سك اًر وزنة بوزنة.)1
استمر العمل إلنجاز قصر البديع بين عامي 1594-1578أي ست عشرة سنة،
وكانت أبعاد القصر متوسطة ،ولكن زخرفاتو كانت آية في الجمال ،وقد حوت الساحة
الكبيرة داخل القصر عمى المسابح واألراضي المزروعة بالورود.)2
وكانت تيجان األعمدة المرمرية عمى شكل قطع يحمل بعضيا الطابع الكالسيكي
بناء عمى طمب
اإلغريقي ،وبعضيا اآلخر عمى الطراز المغربي األندلسي ،وقد صنعت ً
خاص من السمطان أحمد المنصور ،وقد طمب الغرانيت من ممكة إنكمت ار أليزابيت التي
أوفدت مبعوثاً خاصاً إلى إيرلنده لتأمينو لمسمطان أحمد.)3
بالغ الكتاب والشعراء في مدح قصر البديع والتغني بو ،وزعموا أنو فاق ما عداه من
أوابد سالفة كاىرام القاىرة وغمدان اليمن وزىراء األندلس وقباب الشام.)4
2)-
Coissac de Chaverbière: Histoire du Maroc, payot, Paris 1931, p. 319.
3)-
Terrasse : Op, cit., p. 195.
فارس :تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ،مرجع سابق ،ص .71
-)4
649
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
ومع جمالية ىذا القصر والمبالغ المالية التي كمفيا إلنجازه فقد قام موالي اسماعيل
(الذي وطد حكم األسرة العموية التي تعاقبت عمى حكم المغرب بعد انييار األسرة
السعدية) بيدمو ،وال نعرف األسباب التي دفعت السمطان اسماعيل إلى القيام بذلك ،ربما
جاء ذلك من أن كل أسرة تتولى الحكم تريد أن تمحو ما قامت بيا األسرة التي سبقتيا
كي تمحو من ذاكرة السكان أمجادىا وبالتالي يساعد األسرة الحالية في السيطرة عمى
البالد بسيولة.
كما عمل المنصور عمى إعادة بناء قصبة الموحدين وتجديدىا ،والسيما إعادة تأىيل
الحدائق في القصبة ،وتجديد المنارة الموجودة فييا.)1
نضيف إلى ذلك قيام السمطان السعدي بتشييد عدد من األعمال العمرانية ذات
الطابع العسكري وترميميا ،كالقالع والثغور في شمال المغرب األقصى.
استمر الفن المعماري المغربي واألندلسي عبر الفن المعماري السعدي بحيث حافظوا عمى
مواد البناء ،وأدخموا تحسينات عمييا مع الحفاظ عمى أسموب التجميل نفسو داخل ىذه األوابد.
قبمت الدولة السعدية في عصر السمطان أحمد المنصور ببعض التأثيرات العثمانية،
مثل المباس العسكري العثماني مع إدخال بعض التعديالت عميو ،وحمل قادة الجيش
السعدي األلقاب العثمانية مثل الباي والباشا ،وبقيت ىذه األلقاب تستخدم في الجيش
طيمة مدة حكم السمطان أحمد المنصور.)2
كان القائد العام لمجيش المغربي في عصر المنصور مصطفى باي ،وقائد حرس القصر
والخزينة الباشا محمد ،وأوكمت قيادة العموج (المسيحيين الذين أجبروا عمى اعتناق اإلسالم) إلى
2)-
Terrasse : Op, cit,. p. 196.
644
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
شخص من بينيم ،واىتم السمطان أحمد المنصور بالجيشين بنوعيو البري والبحري .وقسم السمطان
أحمد الجيش البري إلى قسمين ىما:
كانت العناصر األساسية ليذا الجيش من األتراك العثمانيين والعموج واألندلسيين ،واعتمد ىذا
الجيش في تسميحو عمى األسامحة النارية الحديثاة التي كانت تساتورد من أوروباا وأطماق عميو عساكر
النار .كما تأثار ىاذا الجيش باألسموب العثماني من حيث لباسو وألقابو وتقسيماتو ،وبرز من قادتو:
منصور باي ،أبو الثناء محمود باشا صاحب خزائن الدار ،وقائد جيش الوالي المعموجي المعروف
بجيش االنكشارية كذلك جؤذر باشا قائد جيش األندلس الذي بدأ عممية فتح السودان ،والفتى عمر
قائد جيش السوس ،)1وقسم المنصور األعاجم في جيشو النظامي إلى أقسام تتولى شؤونو الخاصة
في الحضر والسفر.)2
أما فيما يتعمق بتعداد جيش المنصور النظامي باالعتماد عمى ىنري روبير ،فقد وصل عدد
عناصر ىذا الجيش في عام (1663العام الذي توفي فيو السمطان) إلى 46666ألف عسكري
كانت موزعة كما يأتي:
4666 -آالف من العموج.
4666 -آالف من األندلسيين القادمين من إسبانيا.
1566 -من قبائل زواوة القادمين من الجزائر.
36566 -ألف من األتراك العثمانيين.)3
نرى أن الغالبية العظمى من الجيش النظامي في عصر السمطان أحمد من األتراك العثمانيين،
وىنا يتبادر إلى الذىن السؤال اآلتي :لماذا لم تتج أر الدولة العثمانية ممثمة بحكومتيا في الجزائر بضم
2)-
Terrasse : Op, cit,. p. 195.
الفشتالي :مصدر سابق ،ص .261
-)3
644
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
المغرب األقصى؟ والسيما أن القول الفصل كان وما زال لمقوة العسكرية ،وأن غالبية جيش المنصور
من األتراك العثمانيين .سؤال ال يمكن اإلجابة عنو بدقة ،ويبقى برسم الباحثين والمؤرخين والميتمين
بالتاريخ العثماني بشكل خاص.
قسم المنصور جيشو النظامي إلى ست فرق ،ثالث فرق منيا تضم محاربين مجيزين بثياب
زاىية عمى الطريقة العثمانية ،وفرقة من أجل المطبخ والتموين ،وفرقة من أجل الخدمة وحماية أسوار
مدينة مراكش وأبوابيا ،وفرقة أوكل لعناصرىا نقل البريد والقيام باالتصال بين وحدات الجيش.)1
بالمقابل ،حرص المنصور عمى عدم زج ىذا الجيش في حروب خارجية والسيما مع األعداء
العثمانيين في الجزائر واإلسبان المحتمين لبعض الموانئ والمدن المغربية ،واكتفى ببناء قالع حصينة
في المدن المغربية الرئيسة حيث يوجد الخطر وخاصة في مدن :تازا ،فاس ،مراكش والعرائش
لمجابية أي عدوان خارجي سواء من قبل األتراك العثمانيين في الجزائر أم من اإلسبان .)2كما تجنب
المنصور زج جيشو في حروب مع القبائل المغربية المتحصنة في الجبال.
بمعنى آخر كان ىذا الجيش مكمفاً بحماية السمطان أحمد ،والقيام بالعروض العسكرية
واالستعراضات فقط.
الثاني :الجيش التقميدي:
اعتمد المنصور في تشكيل ىذا الجيش عمى أسموب التجنيد التقميدي المعروف في المغرب قبل
عصره ،وعمى األسمحة التقميدية غير النارية كالسيف والرمح وغيرىا ،وأطمق عميو عسكر األسنة،
وكان أغمب عناصر ىذا الجيش من العرب الشراقة .)3ومن إقميم السوس جنوب المغرب األقصى.
4)-
Terrasse : Op, cit., p. 193.
2)-
Terrasse : Op, cit,. p. 1
أطمق اسم العرب الشراقة في المغرب األقصى عمى القبائل العربية التي قدمت من المشرق العربي والسيما من الجزي ةر
-)3
العربية ،في مرحمة وصول أجداد السعديين والعمويين إلى المغرب األقصى ،واستقرارىم في جنوب المغرب وشرقو
(الباحث).
644
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
قام المنصور بتجميع الجيش التقميدي في معسكرات خاصة في مدينتي فاس ومراكش
وضواحييما ،وكانوا يأتمرون بأوامره مباشرة.
اىتم المنصور أيضاً بأمر البحر واألسطول ،إذ أوكل قيادة األسطول المغربي لمريس
إبراىيم الشط الذي كان يمثل بالنسبة إلى السمطان أبرز رجال البحرية المغربية ،وجعل
قيادة األسطول المغربي في ثغر العرائش)1؛ وذلك عمى ما يبدو ليقطع الطريق عمى
إسبانيا التي ألحت عمى المنصور بالحصول عميو بعد أن ضمت البرتغال عام ،1586
فاعتقدت أن من حقيا ضم موانئيا المحتمة في المغرب ،ومنيا وأىميا بالنسبة إلييا ميناء
العرائش ،ولكن سياسة أحمد المنصور الحكيمة وحنكتو مكنتو من منع إسبانيا من
تحقيق ىدفيا.
-احتكار الدولة ممثمة بالسمطان لبعض الصناعات مثل السكر والممح وعائداتيم.
645
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
عجزت ىذه الموارد كميا ،مع ضخامتيا ،عن سد متطمبات السمطان أحمد المتزايدة.)1
األمر الذي دفعو لفرض ضريبة جديدة عمى السكان أطمق عميو اسم "النايبة" ،إذ اتخذ
المنصور من الحبوب والسمن والغنم أساساً ليذه الضريبة الجديدة وضاعفيا ،وطمب أن
يتم دفعيا نقداً ال عيناً.)2
استخدم المنصور في جبايتو لمضرائب أسموب الشدة والقسوة؛ مما زاد في نقمة
السكان والمرابطين ،وكذلك نقمة عدد من أبناء أسرتو الين حمموا لواء الثورة ضده األمر
الذي أدخل المغرب في معارك دامية دفع ثمنيا بالنتيجة أبناء المغرب ،وانيار اقتصاده
وأصبح ممزقاً إلى عدة إمارات بعد أن كان دولة واحدة موحدة تحت حكم المنصور.
شيد عصر السمطان أحمد المنصور عدداً من الثورات القبمية شممت أنحاء المغرب
كمو ،وكان السمطان قاسياً في التصدي ليا وقمعيا مستخدماً أقسى األساليب من مصادرة
خيل القبائل الثائرة وسالحيا وىدم ديارىا واتالف مزروعاتيا.)3
كما ثار عمى السمطان عدد من أفراد أسرتو ،إذ ثار عميو ابن أختو أبو سميمان داوود
في عام ،1579ولكن السمطان تمكن من االنتصار عميو ،وطرده من جبال األطمس
الكبرى ،ولجأ إلى الصحراء إلى عرب الودايا حيث توفي عندىم عام 1596وتخمص
1
)-Terrasse: Op, cit., p. 197.
) فارس :تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ،مرجع سابق ،ص .73
- 2
646
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
السمطان من خطره ،كما ثار عميو الناصر ابن أخيو الغالب بأمر اهلل وذلك عام 1595
بتحريض من إسبانيا.
كان الناصر في عيد والده حاكماً عمى إقميم تادال ،وحين تولى أخوه محمد المتوكل
الحكم في المغرب سجنو ،وبقي في السجن حتى أطمق السمطان عبد الممك سراحو ،ولكن
بعد وفاة عبد الممك في معركة وادي المخازن عام 1578رحل إلى إسبانيا ،وأمضى فييا
مدة من الزمن ثم عاد إلى مميمة في المغرب ،وقد تحالف مع اإلسبان لمضغط عمى عمو
المنصور إلجباره عمى تسميم ميناء العرائس لإلسبان ،)1وبالفعل استخدمو اإلسبان كورقة
رابحة أخيرة ودعموه وحرضوه عمى الثورة ضد عمو المنصور ،ولكنو أخفق واستطاع
المنصور االنتصار عميو ،وع ةد انتصاره نص اًر عمى إسبانيا التي حرضتو.
كانت السنوات األخيرة من حكم السمطان أحمد المنصور حزينة ،فقد انتشر مرض
الطاعون في شتى أنحاء المغرب ،واستمر يعصف بالبالد سبع سنوات متتالية أىمك
كبير من السكان ،وأقفرت المدن واألرياف وتعطمت الزراعة ،وىاجر كثير
اً خالليا عدداً
من السكان المغاربة من المدن والقرى إلى الجبال ،ورافق الطاعون قحط ومجاعة استمرتا
ثالث سنوات ،ولكن أكثر ما ترك أث اًر سيئاً لدى المنصور خروج ابنو وولي عيده المأمون
عميو .)2تمكن المنصور من تأديبو وسجنو ولكن بعد وفاتو عاد النزاع بين أبناء المنصور
وتمزق المغرب القوي ،وأصبح حكام المغرب ألعوبة بيد المرابطين وأصحاب الطرائق
الصوفية.
كان المنصور نفسو ضحية مرض الطاعون إذ توفي عام 1663تاركاً البالد لمصير
مظمم ،بعد أن عاش المغرب في عصره دولة مرىوبة الجانب داخمياً وخارجياً ،مثمت فترة
1
) -Terrasse : Op, cit., p. 199.
فارس :تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ،مرجع سابق ،ص.71-76
-)2
647
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
حكمو العصر الذىبي الذي شمل مجاالت الحياة جميعيا ،ليسدل الستار في النياية عمى
ىذه الشخصية التاريخية التي أدت دو اًر ميماً في لمحافظة عمى وحدة المغرب األقصى
ضد أعداء الداخل والخارج.)1
يمكننا أن نذكر أىم النقاط الرئيسة التي توصمنا إلييا من ىذا البحث كما يأتي:
-1اكتسب المنصور حنكة سياسية وخبرة إدارية ومالية وذلك في إثناء إقامتو في مدينة
استانبول عاصمة الدولة العثمانية ،واحتكاكو برجال السياسة والقانون والمثقفين
واألدباء من شتى أنحاء العالم آنذاك .أفاد المنصور من ىذه الخبرة نظرياً وفعمياً
عمى أرض الواقع ،بعد مبايعتو حاكماً عمى المغرب األقصى عشية انتياء معركة
وادي المخازن ،1578حيث طور مجاالت الحياة جميعيا ،األمر الذي عاد بالفائدة
عمى البالد داخمياً ،وأصبحت مرىوبة الجانب في عيون أعدائيا في الخارج.
-2تعكس لنا سياسة المنصور اإلدارية واختياره لمساعديو من المفكرين واألدباء ورجال
العمم نيتو في بناء دولة قوية األركان ،وىذا ما حدث في الواقع.
-3إن قيام المنصور باالىتمام بالحياة االقتصادية ،وتشجيع زراعة قصب السكر
واحتكار صناعتو لنفسو ،تعكس لنا تفكير الرجل في التحكم بالسوق العالمية ليذه
المادة التي درت عمى المغرب أرباحاً كبيرة بسبب بيعو في األسواق األوروبية ولو
مدة من الزمن قبل أن يجمب سكر الب ارزيل من قبل الفرنسيين ،ىذا كمو يؤكد لنا قوة
إرادة المنصور في صنع القرار ليس داخمياً فحسب بل خارجياً.
-4يعكس تشكيل جيش عمى الطراز األوروبي الحديث (ولو كان أغمب عناصره من
األتراك العثمانيين) العالقة التي كانت تربط المنصور ببعض الدول األوروبية والسيما
648
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
بريطانيا عدوة إسبانيا ،حيث تمكن المنصور أن يوظف ىذه العالقة ويستغميا في
محاربة ىذه األخيرة ،وكبح جماحيا في توسيع رقعة احتالليا لألراضي المغربية.
-5لم يبن المنصور قاعدة عسكرية في المغرب فحسب ،بل بنى قواعد اقتصادية
واجتماعية وفكرية ،ألنو كان يدرك تماماً أن توحيد الجبية الداخمية يعطي الدولة
عنصر قوة في مواجية االستعمار الخارجي؛ لذلك قضى المنصور عمى الثورات التي
قامت بيا القبائل المغربية ،وكذلك ثورات أسرتو ،ونجح بذلك ،فضالً عن أنو لم يفرط
في أثناء مدة حكمو بأي شبر من أراضي المغرب األقصى ألية دولة خارجية.
-6إن اىتمام المنصور بالمظاىر الفخمة الكثيرة – وىذه تبدو لنا نقطة سمبية في
سياستو -أثقل كاىل خزينة الدولة ،فمع الموارد التي كانت تدخل الخزينة المغربية،
توجو إلى فرض ضرائب جديدة عمى السكان؛ األمر الذي دفع الشعب المغربي لمتمرد
ضده ،وكانت سياسة فرض ضرائب جديدة أول أسفين دق في نعش الدولة المغربية.
-7تمكن المنصور في مدة حكمو من فرض المركزية في إدارة البالد من خالل ربطو
األمور الميمة كميا ،سياسياً وادارياً وحتى اقتصادياً ،بيده ،إذ كان يعرف أنحاء
المغرب كميا من خالل أعوانو الذين كانوا عمى اتصال مباشر معو ،وكذلك عن
طريق احتكاره زراعة السكر والممح وصناعتيما والمتاجرة بيما مع الدول األوروبية.
-8أخي اًر ومع ذكاء المنصور وحنكتو إال أنو ارتكب خطأ فادحاً في توزيع مدن المغرب
عمى أبنائو ،وجعميم نواباً لو ،إذ دفع ثمن ذلك ،فقد ثار عميو ابنو وولي عيده
المأمون ،وانقسم المغرب إلى دولتين بعد وفاتو :األولى يقودىا المأمون ومركزىا
مدينة فاس ،والثانية يقودىا زيدان ومقرىا مدينة مراكش .وعاش المغرب بعد وفاة
المنصور حالة من الفوضى والتمزق بعد أن كان دولة قوية مرىوبة الجانب في
عصره ،وظيرت اإلمارات المحمية ،وأصبح حكام األسرة السعدية ألعوبة بيد الزعماء
المرابطين وأصحاب الطرائق الصوفية ،وبقي ىذا األمر عمى ىذا الحال حتى تمكنت
643
عقٍل نمٍر السٍاسة الذاخلٍة للمغرب األقصى فً عهذ السلطان أحمذ المنصىر السعذي...
األسرة العموية من دخول العاصمة مراكش والقضاء عمى األسرة السعدية عام 1659
والحمول محميا في حكم المغرب.
-1الفشتالي ،عبد العزيز :مناىل الصفا في مآثر موالينا الشرفا ،تحقيق د .عبد الكريم
كريم ،مطبوعات و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية والثقافية ،المغرب .1972
-2الناصري ،أبو العبا بن خالد :االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى ،خمسة
أجزاء ،منشورات و ازرة الثقافة والتصال ،المغرب .2661
-3محمد ،نجاح ،أبو جبل ،كاميميا :تاريخ الوطن العربي الحديث (بالد الشام والعراق)،
منشورات جامعة دمشق.2669-2668 ،
-4حركات ،إبراىيم :المغرب عبر التاريخ ،الجزء الثاني ،دار الرشاد الحديثة ،الدار البيضاء
.2663
-5فارس ،محمد خير :تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ،منشورات جامعة دمشق،
.2663-2662
-6فارس ،محمد خير ،عامر ،محمود :تاريخ المغرب الحديث ،المغرب األقصى-
ليبية ،منشورات جامعة دمشق.2664-2663 ،
-7كريم ،عبد الكريم :المغرب في عيد الدولة السعدية ،الطبعة الثانية ،شركة المطيع
لمنشر ،الدار البيضاء .2663
الموسوعات:
643
مجلة دراسات تارٌخٍة– العذد( 535كانىن الثانً-حسٌران) و(536تمىز-كانىن األول) لعام 5439هـ7152/م
-ويكيبيديا ،الموسوعة الحرة ،المنتدى العربي لمدفاع والتسمي ،تاريخ .2664 /12/11
األبحاث:
-1الحموي ،يوسف" :أعالم مغاربة من التاريخ ،جريدة المساء ،المغرب .2616/7 /27
-2الدولة السعدية وعيد االستقالل واالزدىار(فترة حمد المنصور الذىبي) ،ممتقى طمبة
التاريخ والحضارة ،المغرب 22كانون األول .2613
*******************
649