Professional Documents
Culture Documents
تتناول الدراسة تطور تنظيم جيش التحرير الوطني في المرحلة الثالثة: الملخص بالعربية
، والتي تميزت بأحداث معلمية بارزة1960-1958 من عمر الثورة التحريرية الجزائرية
والمتمثلة أساسا في اإلستراتيجية،وضعت أسس بداية النهاية للوجود الفرنسي في الجزائر
أي استراتيجية الحكومة الفرنسية ومشاريعها المختلفة السيما، واإلستراتيجية المضادة
واستراتيجية جيش التحرير الوطني في، بهدف القضاء على الثورة، العسكرية منها
التصدي لها بفضل التطورات التنظيمية التي عرفها والتي إستطاع من خاللها أن يتماشى
. والخطط العسكرية الفرنسية الجديدة
L'étude porte sur l'évolution de l'organisation de :Résumé
l'Armée de libération nationale dans la troisième étape de la vie de
la révolution éditoriale de l'Algérien 1958-1960, qui a été marquée
par les événements de premier plan paramétrique, et ont jeté les
bases du début de la fin de la présence française en Algérie,
principalement représentée dans les contre-mesures stratégiques
et stratégiques, à savoir la stratégie du gouvernement français et
de divers projets, en particulier les militaires , afin d'éliminer la
révolution et de la stratégie de l'Armée de libération nationale pour
y faire face grâce aux évolutions réglementaires connues qui a
réussi à être en ligne à travers laquelle l'armée française et de
nouveaux plans.
333
الكلمات المفتاحية :جيش التحرير الوطني-التسليح –األسالك الشائكة-الثورة الجزائرية-
اإلمداد-التنظيم-اإلستراتيجية-التكوين –التموين-العمليات العسكرية-حرب العصابات-
التجنيد-مخطط شال-الحكومة المؤقتة ,
المقدمة :
لقد شهدت الثورة التحريرية الجزائرية منذ انطالقها في 1نوفمبر 1954تطورات تنظيمية
هامة خاصة فيما تعلق منها بالجانب العسكري لجيش التحرير الوطني ،الذي ولد مع ميالد
هذه الثورة ومن رحمها ،فإذا كانت المرحلة األولى وهي مرحلة اإلنطالق قد واجهت بعض
الصعوبات السيما التسليح ،فإن المرحلة الثانية وهي مرحلة التنظيم والممتدة تاريخيا من
سنة 1958-1956عرفت تنظيما محكما بفعل ق اررات مؤتمر الصومام ،خاصة العسكرية
منها التي أعطت لجيش التحرير الوطني بعده الحداثي على غرار جيوش العالم أنذاك
،على الرغم من بعض النقائص المتولدة حقيقية عن الصعوبات التي كان يواجهها في
الميدان،أما المرحلة الثالثة والممتدة من 1960-1958فقد عرفت هي األخرى تطورات
التنظيمية ،خاصة بعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19سبتمبر
،1958وما أحدثته من تنظيمات هيكلية نابعة من و ازرات رسمية تسهر على تنظيم الجيش
وتشرف على عملياته القتالية ،وتعمل على توفير وسائل الدعم واإلسناد تماشيا
واإلستراتيجية االستعمارية الجديدة التي جاء بها الجنرال ديغول ،والهادفة أساسا إلى القضاء
على الثورة التحريرية ،ولذلك جاءت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بتنظيم وهيكلة
جديدة لجيش التحرير الوطني ،فماهي هذه الهيكلة وكيف تصدت للمشاريع العسكرية التي
قام بهل الجنرال ديغول للقضاء على الثورة ؟
الو ازرات العسكرية للحكومة المؤقتة
لقد كان لالتصال دور كبير خالل الثورة التحريرية ويبرز هذا الجانب بشكل أساسي في
االستفادة من الطلبة الجزائريين الملتحقين بالثورة ،خاصة بعد إضراب 19ماي 1956
حيث ظهرت اإلذاعة الجزائرية في نفس السنة ،والتي تعبر حقيقة عن مستوى تنظيمي
334
عالي بلغه جيش التحرير أنذاك ()1ومع ظهور الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية انبثقت
عنها ثالث و ازرات وهي و ازرة التسليح والتموين على رأسها محمدي السعيد ،و ازرة العالقات
العامة واألخبار على رأسها عبد الحفيظ بوصوف ،و ازرة القوات المسلحة على رأسها كريم
بلقاسم .
لقد اضطلعت هذه الو ازرات بتنظيم جيش التحرير الوطني ،والسهر على حل المشاكل التي
تواجهه خاصة مشكل التسليح ،الذي بدأ يتزايد حدة مع وضع األسالك الشائكة المكهربة
على الحدود الشرقية والغربية بهدف خنق الثورة في الداخل ،كما طرح مشكل أخر وهو
تكوين وتدريب إطارات قادرة على مواكبة ومواجهة االستراتيجية الفرنسية الجديدة ،ولقد
اعتمد كريم بلقاسم في هذا الجانب على مجموعة من الضباط الجزائريين الفارين من الجيش
الفرنسي مثل عبد القادر شابو ،محمد زرقيني ،خالد نزار ،مولود ايدير ،وقد وجهت انتقادات
الذعة لو ازرة بلقاسم في عجزها عن اختراق األسالك المكهربة باإلضافة إلى صعوبة نقل
السالح إلى الداخل ()2
التجنيد
لقد لعبت القاعدة الشرقية دو ار بار از في عملية التجنيد ،من خالل استقبال طلبات التجنيد
من كل فئات الشعب الجزائري خاصة القادمين من الخارج ،وزاد حجم هذه الطلبات بعد
إضراب الطلبة في 19ماي )3(1956ولقد تم اإلعتماد خاصة خالل هذه الفترة على
الضباط الفارين من الجيش الفرنسي ،والذين التحقوا بجيش التحرير الوطني ،ومنهم
الضابط مولود إيدير الذي جعله كريم بلقاسم مسؤول مكتبه العسكري في القاهرة ،ما أدى
إلى إثارة حفيظة القيادات الثورية ()4هذا وقد سجلت بأوراس النمامشة 18حالة فرار سنة
1955و 65في شهر فيفري ، 1956كما سجلت 30حالة فرار منظمة شهريا ()5وقد بلغ
عددهم سنة 1958ب 872بين جنود وضباط و1191سنة 1959ما سبب انهيار
معنوي لدى الجيش الفرنسي ()6
335
لجنة العمليات العسكرية
تعود جذور تأسيس لجنة العمليات العسكرية إلى قرار لجنة التنسيق والتنفيذ بعد خروجها
دورتها في شهر
من العاصمة باتجاه تونس بعد معركة الجزائر ،حيث تقرر في إحدى ا
أفريل 1958توزيع جديد للمهام واألدوار بتأسيس قيادتان ،لجنة العمليات العسكرية
الشرقية ،ولجنة العمليات العسكرية الغربية ( )7وقد تأسست بفعل تزايد الضغط على الثورة
جراء خطي شال وموريس فكانت تونس – غار الدماء -مقر القيادة الشرقية بقيادة محمدي
السعيد ويساعده كل من عمار بوقالز ،والعقيديين عواشرية والعموري ،أما الغربية فمقرها
الناضور بقيادة العقيد هواري بومدين بمساعدة قايد أحمد ( )8وكانت الواليات األولى والثانية
والثالثة تحت قيادة لجنة العمليات الشرقية ،أما الواليات الرابعة والخامسة والسادسة تحت
قيادة لجنة العمليات العسكرية الغربية ( )9ومايالحظ على هذين اللجنتين أن اللجنة الغربية
كانت أكثر تنظيما وتطو ار من الغربية ،حيث أستطاع العقيد هواري بومدين في أقل من
سنة تكوين 1500جندي في مختلف التخصصات العسكرية ،ومن مراكزها وجدة ،بركان
،كيداني وتعتبر النواة األساسية لهيئة األركان العامة فيما بعد ،حيث سعت هذه األخيرة
إليجاد لباس موحد لجنود المناطق الحدودية مطابقا للطبيعة المناخية للمناطق ( )10ينما
القاعدة الشرقية عرفت اضطرابات ونقص في التكوين وهذا راجع إلى بعض الخالفات التي
كانت موجودة في المنطقة ()11
لقد أسندت للجنة العمليات العسكرية مهام عسكرية هامة لتنظيم جيش التحرير الوطني ،
تتلخص في تخريب منشآت العدو وقطع األسالك الشائكة وتوزيع اإلمدادات بشكل عادل
بين كل وحدات جيش التحرير على الحدود ،وكذا التكوين السياسي والعسكري ألفراد جيش
التحرير الوطني وتزويدهم بمختلف الخبرات العسكرية ()12
اإلستراتيجية العسكرية لجيش التحرير الوطني
336
بعد وصول الجنرال ديغول إلى الحكم في فرنسا إثر حركة 13ماي ، 1958التي سقطت
على إثرها الجمهورية الفرنسية الرابعة وقامت الجمهورية الخامسة ،والتي وضع لها الجنرال
ديغول بنفسه دستورها ومشاريعها الجديدة خاصة فيما تعلق بالثورة الجزائرية التي شكلت
صلب اهتماماته ،السيما وأن هذه األخيرة كانت لها اليد الطولى في سقوط الجمهورية
الرابعة ،راح الجنرال ديغول بمعية قادته العسكريين والسياسيين يضعون تصورات تحولت
إلى مشاريع ميدانية مختلفة عسكرية ،سياسية ،اقتصادية ،وكذلك اجتماعية بهدف القضاء
على الثورة التحريرية ،ومن المشاريع العسكرية مشروع األسالك الشائكة المكهربة على
الحدود الشرقية والغربية الجزائرية وكذا مشروع شال العسكري .
اختراق األسالك الشائكة المكهربة
ينسب هذا المشروع في تسميته إلى القائدين العسكريين ،آندري موريس وزير الدفاع الوطني
الفرنسي والذي تم اإلنتهاء من إنجاز هذا الخط نهاية ، 1957حيث يمتد على الحدود
الشرقية من القالة شماال إلى منطقة قرين بالوادي جنوبا بمسافة 450كلم ،وعلى الحدود
الغربية من مرسى بن مهيدي شماال حتى منطقة بشار جنوبا بمسافة 750كلم ،أما الخط
الثاني المعروف بخط شال فينسب إلى قائد القوات الفرنسية في الجزائر شال موريس وتم
إنشاؤه سنة ،1959ويدعم الخط األول على الحدود الشرقية ()13وان كان المجال اليسعنا
في هذه الدراسة إلى التعريف الدقيق بالخطين إال أن الغرض واضح من إنشائهما وهو خنق
الثورة التحريرية ،إال أن مايهمنا أكثر هو إستراتيجية جيش التحرير الوطني في إختراق هذه
الخطوط الجهنمية .
جابهت الثورة التحريرية الخطوط الشائكة بتكوين تقنيين مختصين في المجال ،وهنا يتحدث
فتحي الديب عن مشروع تكوين فرق هندسة عسكرية جزائرية تحت إشراف ضباط مصريين
لوضع استراتيجية االختراق ،وتم إنشاء سدين نموذجين في القاهرة خلف أهرامات الجيزة
للتدريب الميداني على اإلختراق ()14لكن فتحي الديب في كالمه لم يتطرق إلى مصير
المشروع ،إال أن محاوالت جيش التحرير الوطني على الحدود ظلت قائمة ومستميتة بتطوير
337
حرب العصابات وقطع الهاتف وتدمير الطرق ()15كما استخدم المقص ذات المقبض
البالستيكي ،أو الحفر في األرض تحت األسالك ومن ثمة العبور عبر هذه الحفر بعد
رفع األسالك بأعمدة خشبية ،لكن هذه العمليات كانت كثيرة الخطورة ما أدى بوفاة العديد
من الجنود مقارنة بعدد الناجين منهم ،وبناءا على ذلك قررت الحكومة المؤقتة وضع هجوم
شامل على هذا الخط إال أن هذا الهجوم كان مصيره الفشل ،حيث قام كريم بلقاسم في
سبتمبر 1958بمعاقبة لجنة العمليات العسكرية وتخفيض رتب بعض كبار ضباطها ،وتم
توقيف البعض األخر حيث أدرك خطورة هذا الخط قائال ":يجب أن يزول هذا العائق أو
يجب إيجاد الطريقة التي تسمح بمرور العتاد ،وان مساعدة األجنبي ستكون ضرورية ،
ينبغي إنزال هذا العتاد بالطائرات "( )16وعلى الرغم من ذلك فإنه اليمكننا بأي حال من
األحوال الحكم على إستراتيجية جيش التحرير الوطني في عمليات اإلختراق بالفشل التام
رغم خطورة المهمة ،بل استطاعت فصائل من جيش التحرير الدخول والمساهمة
الفرنسية بتاريخ 06جوان le monde 1957في عملية إمداد الداخل خاصة بالسالح
،وهذا ما اعترفت به جريدة
بأن فرق من كومندوس الثورة قد استطاعت أن تخترق األسالك المكهربة بشكل فعال في
مشرية ،وكانت الدورية الفرنسية هي ضحية الخط بعد محاولة فاشلة لتعقب
(المتمردون)ومطاردتهم ،وأضافت في 9جانفي 1958بأن جنود جيش التحرير قد تضاعف
وكذا تسليحهم ،وأن جزء كبير من هذه األسلحة قد إجتاز خط موريس ()17و لكن في
مقابل هذه اإلنجازات فإن ضريبة الدم كانت جد غالية ،حيث من الفترة 1جانفي إلى 25
أفريل 1958استشهد 1702مجاهد وحوالي 4000مواطن حسب التقرير الذي رفعه
أوعمران إلى لجنة التنسيق والتنفيذ ،كما تم أسر 154جندي بسبب الجروح أو نفاذ الذخيرة
وحجز 1078قطعة سالح و 72800خرطوشة ذخيرة وهذه الحصيلة –المبالغ فيها نوع
ما –حسب التقرير السنوي العام بعمليات جيش التحرير الوطني ضد خط موريس ،المرفع
إلى وزير الدفاع الفرنسي من طرف العميد الركن أالر ()18
338
التصدي لمخطط شال
ينسب المخطط في تسميته إلى الجنرال شال موريس القائد األعلى للقوات المسلحة الفرنسية
في الجزائر سنة ،1959والمخطط يندرج ضمن اسراتيجية ديغول العسكرية للقضاء على
الثورة التحريرية ،حيث بدأ تنفيذ مخططه في فيفري 1959بالمنطقة الخامسة بالغرب
الجزائري وراعى في هذا التقسيم الجغرافي التقسيم المتبع لدى جيش التحرير الوطني
()19واعتمد مخططه على تجميع كل القوات الفرنسية في المنطقة المستهدفة لمدة طويلة
قادرة على إحباط قوات جيش التحرير الوطني وهذه العملية تعتمد على سلك مناطق جبلية
التي تعتبر مأوى جيش التحرير ،وتعتمد على المظليين وقوات اللفيف األجنبي ()20وقد
أعطى لكل عملية إسمها الخاص ،فالتاج بالمنطقة الخامسة ،والحزام بالمنطقة الرابعة ،
والمنظار بالمنطقة الثالثة ،واألحجار الكريمة بالمنطقة الثانية ،والش اررة بالمنطقة األولى
،كما أخذ مخططه هذا الترتيب الزمني حيث بعد اإلنتهاء من منطقة يبدأ بالمنطقة الموالية
،وهكذا حتى القضاء النهائي على الثورة ()21
لكن جيش التحرير الوطني تفطن للعملية واتبع استراتيجية قائمة على تفادي المواجهة
المباشرة مع قوات شال ،وذلك من خالل اإلنتقال إلى الواليات المجاورة ،وكذا التفرق على
شكل فصائل وأفواج سريعة الحركة ()22كما كثف جيش التحرير الوطني من اتصاالته
بالسكان بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن العدو ،واختيار أماكن تضاريسية
وعرة لإلختباء يصعب على القوات الفرنسية النظامية الوصول إليها ،وبهذه االستراتيجية
فشل مخطط شال كما فشل غيره ،على الرغم من أن العمليات في الوالية الواحدة كانت
تستغرق شهو ار عدة ()23
العمليات العسكرية
339
اعتمدت االستراتيجية العسكرية لجيش التحرير الوطني خالل هذه الفترة ()1958-1960
على التكثيف من عملياته العسكرية ردا على سياسة الجنرال ديغول من جهة ،واسماع
صوت الثورة للعالم من جهة ثانية ،خاصة بعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية
في 19سبتمبر 1958واإلعتراف الدولي الذي حظيت به ،ولهذا كان لزاما عل جيش
التحرير الوطني مواصلة تدمير قوات العدو واإلستحواذ على أكبر كمية من األسلحة ،مع
الجنوح بأقصى مايمكن إلى الحركة والخفة والتفرق ثم اإللتقاء بعد ذلك ،والهجوم ()24فقد
كانت قوات جيش التحرير الوطني منظمة في عملياتها العسكرية ،مستهدفة مراكز حيوية
،إقتصادية وعسكرية فرنسية ،على الرغم من وجودها في الجبال والوديان ،والتتنقل إال
بحلول الظالم ( )25حتى الجنرال ديغول شهد بقوة جيش التحرير الوطني خاصة سنة
1958حيث يقول ...":وكانت اإلشتباكات حامية الوطيس ،من جراء وعورة األرض
واستبسال العدو )26( "...إال أنه في المقابل يخفي هزائم جيشه.
إن اإلمكانيات الضخمة التي سخرتها فرنسا عسكريا واقتصاديا وسياسيا ،من أجل القضاء
على الثورة خاصة في هذه الفترة بالتحديد ،ماجعلها تستنجد بالحلف األطلسي ،وتبحث في
أرشيف التاريخ العسكري الفرنسي عن خطط عسكرية جهنمية لتطبيقها على الثورة الجزائرية
،ورغم ذلك لم تكن هذه الخطط بمنأى عن استراتيجية جيش التحرير الوطني في عملياته
العسكرية ا لمختلفة ،التي اعتمدت بدرجة أولى على دراسة العدو دراسة فذة تمكنه من
كشف كل خباياه لكسب المعركة بأقل الخسائر ،وهذا ما يوضحه أحد عقداء الوالية األولى
إذ يقول ...":قبل القيام بأي عملية عسكرية كنا ندرس العدو دراسة دقيقة ،من حيث العدد
،العتاد ،نوع التسليح ،وحتى الوقت والمكان لتحقيق النصر ،وعادة ما نختار المساء أو
قبيل غروب الشمس ألن المعركة تكون في صالحنا بحلول الليل ،ألننا نتجنب من خالله
الطيران ومدفعية الميدان ،وأهم مانقوم به سواء أثناء أو بعد المعركة هي الغنائم ،المتمثلة
في جمع السالح بدرجة أولى ثم وثائق العدو ،ولقد لعب العامل التضاريسي دو ار هاما في
نجاحنا ،من خالل معرفتنا الجيدة بالمنطقة ،خاصة وأننا نمارس حرب العصابات )27("...
340
كما لعب العمل الفدائي (حرب المدن)دو ار فعاال في التصدي الستراتيجية الجنرال ديغول
،وذلك من خالل شن هجومات عسكرية ضد المواقع الفرنسية ومشاريع المعمرين ()28
ليس في الجزائر فحسب بل في فرنسا ،فيما اصطلح عليها تاريخيا بالوالية السابعة ،حيث
كتبت وألول مرة وكاالت أنباء عالمية يوم 26أوت 1956بأن هناك العديد من األهداف
اإلقتصادية والعسكرية في فرنسا تم استهدافها ()29كما وصفت وكالة األنباء األمريكية أن
ماحدث في باريس هي سابقة من نوعها ،ولم يقم الوطنيون الجزائريون من قبل بتوجيه مثل
هذه الضربات أبدا ( )30ولهذا شكلت هذه العمليات التصعيدية لجيش التحرير الوطني في
الداخل وفي الخارج ،في األرياف وفي المدن ،في الجبال وفي القرى ،ورقة ضغط هامة
على الحكومة الفرنسية ،وسند قوي للدبلوماسية الجزائرية في الخارج.
الدعم العسكري واللوجيستي لجيش التحرير الوطني
يعتبر الدعم العسكري واللوجيستي سر نجاح الجيوش في العالم وعليه تتوقف مدى فاعليتها
في كسب المعارك بأقل الخسائر ،وكما ذكرنا في هذه الدراسة أن القواعد الخلفية لجيش
التحرير الوطني لعبت دو ار كبي ار في تغطية هذا الدعم ،إال أن مرحلة الدراسة -1958
1960ميزتها خصوصيات غابت عن المراحل السابقة من عمر الثورة ،أبرزها إنشاء
األسالك الشائكة المكهربة على طول الحدود الشرقية والغربية ما علق عمليات اإلمداد إلى
الداخل ،خاصة باألسلحة التي شكلت محور العمليات العسكرية الكبرى لجيش التحرير
الوطني .
التسليح
شكلت أهمية التسليح قضية بالغة الخطورة خالل الثورة التحريرية ،ذلك بأن نجاح العمل
العسكري الميداني يتوقف على نوع وكمية السالح المستخدم ،ومن المعروف على أن
تسليح وحدات جيش التحرير الوطني في المراحل األولى من الثورة إعتمد بشكل أساسي
على شحنات األسلحة المرسلة من طرف أصدقاء الثورة سواء الرسميين أو العامين ،وكذا
من مقتنيات السوق السوداء ،إال أن هذه الفترة شكلت الخطورة بمكان في قضية إمداد
341
الداخل بالسالح بسبب سياسة التطويق المنتهجة من طرف الحكومة االستعمارية ()31
ماجعل جيش التحرير الوطني يعتمد على التسليح الذاتي عن طريق غنائم المعارك أو
ماتبقى لدى بعض الجزائريين من أسلحة معظمها بنادق صيد ،أو مخلفات الحرب العالمية
الثانية وهي قليلة جدا ()32كما تم اإلعتماد على مخلفات القنابل الفرنسية التي لم تنفجر
واستخدامها كمادة أولية في صنع الذخيرة ،السيما وأن هذه األخيرة كانت يدوية تقليدية
وغير متوفرة ،وبفعل ذلك تم استخدام األسلحة البيضاء في العديد من العمليات( )33خاصة
فيما تعلق بتصفية الخونة .
ينشر أحد الكتاب الفرنسيين مجموعة من الوثائق التي (تدين )مصر لدعمها الثورة الجزائرية
بالسالح ،كما يؤكد من جهة ثانية بأنه في مرحلة معينة من مراحل الثورة أصبح تسليح
جيش التحرير الوطني تسليحا ذاتيا بشكل كامل ،مع مرور بعض األسلحة األوتوماتيكية
الحربية عبر الحدود والتي كان مصدرها األساسي تونس وليبيا()34كما أفاد تقرير للوالية
الثانية سنة 1962أنه من بين ثمانية مجاهدين هناك خمسة أشخاص يمتلكون بنادق صيد
( )35هذا مايبين أن شحنات األسلحة عبر الحدود كانت غير كافية وهذا راجع إلى تصعيد
العمليات العسكرية ضد القوات الفرنسية .
ويضيف هذا الكاتب أن شحنات أسلحة جيش التحرير الوطني كانت تتحذ منحى أخر عبر
الحدود الغربية الجزائرية بمحاذاة نهر ملوية ،وأن معظمها عبارة عن أسلحة طومسون
()36هذا إضافة إلى مكاتب التسليح بدمشق وفرانكفورت بألمانيا ،وكذا دور األنظمة العربية
الرسمية في إمداد الثورة بالسالح على غرار النظام العراقي بقيادة عبد الكريم قاسم سنة
1958بعدة طائرات شحن محملة باألسلحة من بغداد نحو ليبيا()37وكذا من العربية
السعودية إلى مصر أو من تركيا إلى طرابلس أو من العراق إلى طرابلس (. )38
التكوين العسكري
يعرف جندي جيش التحرير الوطني – خاصة في المراحل األولى من عمر الثورة -على
أنه مناضل يحمل السالح ،وهذا راجع إلى التكوين البسيط الذي تلقاه خالل الثورة حيث
342
اليتعدى التدريب على التسديد والرماية ،لكن مع التطورات التنظيمية التي عرفها أخذ
التكوين العسكري حي از هاما من اهتمامات الثورة ،وهذا ما أقرته األوامر العشرة لجيش
التحرير الوطني فيما يخص تكوين الجيش حيث جاء في األمر الثالث":تطوير المستوى
المادي والنفسي والتقني لقوات جيش التحرير الوطني "(. )38
ولهذا الغرض ولصعوبة إنشاء مراكز تدريبية خاصة داخل التراب الوطني ،فقد تم إنشاؤها
خلف الحدود الجزائرية المغربية والتونسية كقواعد دعم واسناد لوحدات جيش التحرير الوطني
في الداخل ،ودعمت بمكونين ذات كفاءات عالية تتماشى واالستراتيجية الفرنسية المدعمة
قواتها بالحلف األطلسي ()39ولهذا اعتمد كريم بلقاسم على الضباط الفارين من الجيش
الفرنسي لإلشراف على معسكرات التدريب والمدارس العسكرية ،ومن بينهم الرائد إيدير
مولود ()40ومن بين المدارس التي تم أنشاؤها خلف الحدود ،والتي ساهمت بشكل فعال
في تحسين مستوى التكوين العسكري ألفراد جيش التحرير الوطني ،مدرسة اإلطارات
لتكوين المجاهدين بتونس التي تعلم كل المبادئ العسكرية والخبرات الفنية التي تم اكتسابها
من الجيش الفرنسي وكذلك مدرسة الكاف (تونس) المتخصصة في تطوير التكوين
العسكري لضباط الثورة (. )41
الدعم اللوجيستي
من الواضح أن العسكري يلزمه ألداء مهامه ثالث وسائل وهي :السالح ،األرض ،والغذاء
هذا األخير الذي يعتبر مسألة صعبة جدا خاصة بعد لجوء قوات المستعمر إلى حصار
ومراقبة كل مراكز التموين ،بتسميم المياه وقطع األشجار ،ومصادرة كل التموين الذي كان
يحصل عليه الشعب ،ومحاصرة األرياف ليال ونها ار لمراقبة دخول وخروج أفراد جيش
التحرير الوطني ،وهذا من أجل خنق الثورة وافشالها (. )42
تنوع التموين في الثورة التحريرية حيث كان نوعان :تموين داخلي اعتمد على الشعب أساسا
بطرق مختلفة بالغذاء والمال ،هذا األخير الذي كان يجمع عن طريق اإلشتراكات ،الهبات
الحرة ،التبرعات ،الغرامات ،الضرائب ،الزكاة ( )43أما فيما يخص التموين والتمويل
343
الخارجي فكان يعتمد باألساس على القواعد الخلفية للثورة في المغرب ،منها قاعدة الناظور
،طنجة ،تطوان ،الرباط ،وتونس وليبيا وأهمها قاعدة طرابلس بداية من )44(1958خاصة
بعد إنشاء األسالك الشائكة المكهربة حيث إقتضت االستراتيجية تكوين مناضلين محترفين
مسبلين لهذه العملية التي ستعرف تراجعا ملحوظا بعد أن أصبحت معظم الجهات مناطق
محرمة (. )45
لقد سعت الثورة إليجاد مصادر تمويلية قارة بعد انطالقها وفي مراحلها المتقدمة ،ولو أن
انطالقها اعتمد على أموال خزينة الثورة التي لم تتجاوز مليون فرنك فرنسي قديم ،وتم
وضع مشرفين عليها أمثال صديق تامزالي ،ثم محمود شريف ،ثم أحمد فرنسيس ،ثم بن
يوسف بن خدة وكانت لجبهة التحرير الوطني فروعا تمويلية في المشرق والمغرب
،وحسابات بنكية في أوروبا وخزينة مركزية بدمشق (. )46
الخاتمة :
تعبر المرحلة الثالثة من عمر الثورة الجزائرية 1960-1958من المحطات البارزة في
تاريخ الثورة ،إذ من خاللها تأكدت ملحمة الجزائر النضالية ،وترسخت فكرة تحقيق أهدافها
من جهة ،وتصديها لمختلف السياسات اإلستعمارية من جهة ثانية ،مهما تغيرت المواقف
و الحكومات أو حتى الجمهوريات ،ولم يكن للثورة الجزائرية أن يتحقق هدفها لوال التطور
التنظيمي المحكم ألجهزتها السيما الجهاز العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني
،ومؤسساته العسكرية المنبثقة عن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ،هذا إلى جانب
تفعيل دور مراكز التدريب التي تحولت إلى مدارس أكاديمية تتماشى والتقاليد العسكرية
أنذاك ،لمواجهة اإلستراتيجية الفرنسية الجديدة والتصدي لمختلف مشاريعها أكانت إغرائية
أم ردعية ،والتغلب على مختلف الصعاب السيما مشكل التسليح ماخلق نوع من الالتكافؤ
بين جيش عرمرم مدجج بأسلحة الحلف األطلسي ،وبين جيش يعتمد في غالبية سالحه
على بنادق الصيد وحرب العصابات ،حيث من رحم هذه المقارنة البسيطة ولدت عظمة
الثورة الجزائرية المستمدة أساسا من عظمة شعبها ،الذي يعتبر الدعامة األساسية لها فهو
344
كالماء بالنسبة للسمكة ،ولم يتوقف هذا الدعم بتوقف اإلطار الزماني لدراستنا بل تواصل
حتى إعادة إسترجاع السيادة الوطنية ،حيث تدعم أكثر بداية من 1960بميالد هيئات
عسكرية جديدة للثورة ،واقتراب هذه األخيرة من تحقيق هدفها ،بدخولها في المرحلة األخيرة
من عمرها.
الهوامش:
-1عمار قليل ،ملحمة الجزائر الجديدة ،ج ،2الطبعة األولى ،دار البعث قسنطينة (الجزائر )،1991،ص102
-2جمال يحياوي ،التسليح أثناء الثورة التحريرية ،الطبعة األولى،منشورات القصبة ،الجزائر ،ص67
-3عمار قليل ،المصدر السابق ،ص66
-4محمد العربي الزبيري ،تاريخ الجزائر المعاصر ،ج،2الطبعة الثالثة ،اتحاد الكتاب العرب،دمشق ،1999ص125
-5المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ،1954استراتيجية العدو الفرنسي لتصفية الثورة
الجزائرية ،الجزائر ، 2007،ص250
-6رمضان بورغدة ،الثورة الجزائرية والجنرال ديغول ،1962-1958الطبعة األولى ،منشورات البونة ،عنابة (الجزائر)2012
،ص254
-7عبد المجيد بوزبيد ،اإلمداد خالل حرب التحرير الوطني ،الطبعة الثانية ،و ازرة المجاهدين ،الجزائر ،2007ص53
-8علي كافي ،من المناضل السياسي إلى القائد العسكري ،1962-1946الطبعة األولى،دار القصبة للنشر والتوزيع،الجزائر
،1999ص69
-9عبد المجيد بوزبيد ،المصدر السابق ،ص53
-10شاوش حباسي ،من وثائق الثورة الجزائرية محاضر جلسات إجتماع لجنة العشرة من 11أوت إلى 16ديسمبر ،1959مجلة
الدراسات اإلنسانية ،العدد،2جامعة الجزائر ،2002ص692
-11عبد المجيد بوزبيد ،المصدر السابق ،ص53
-12شاوش حباسي ،من وثائق الثورة الجزائرية محاضر جلسات إجتماع لجنة العشرة من 11أوت إلى 16ديسمبر
،1959مجلة الدراسات اإلنسانية ،العدد،2جامعة الجزائر ،2002ص 692
-13محمد قنطاري ،سدود األسالك الشائكة وحقول األلغام على الحدود الجزائية دورها وتأثيرها في الثورة ،سلسلة
ملتقيات،الملتقى الوطني األول حول األسالك الشائكة واأللغام ،المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة
أول نوفمبر،1954الجزائر، 1996ص61
-14فتحي الديب ،عبد الناصر وثورة الجزائر ،الطبعة الثانية ،دار المستقبل العربي ،القاهرة ،1990ص395
-15أحمد مريوش ،األسالك الشائكة في الجزائر هل هي استراتيجية جديدة لخنق الثورة أم هي إعتراف رسمي بنجاحها ،سلسلة
ملتقيات،الملتقى الوطني األول حول األسالك الشائكة واأللغام ،المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة
أول نوفمبر،1954الجزائر، 1996ص143
345
-16رمضان بورغدة ،المرجع السابق ،ص252
-17أحمد مريوش ،األسالك الشائكة في الجزائر هل هي استراتيجية جديدة لخنق الثورة أم هي إعتراف رسمي بنجاحها ،سلسلة
ملتقيات ،الملتقى الوطني األول حول األسالك الشائكة واأللغام ،المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة
أول نوفمبر،1954الجزائر، 1996ص151
-18محمد عجرود ،أسرار حرب الحدود ،1958-1957منشورات الشهاب ،الجزائر ،2014ص42
-19شارل ديغول ،األمل ،التجديد،1962-1958ترجمة سموحي فوق العادة وأحمد عويدات ،الطبعة األولى ،منشورات عويدات
،بيروت ،1971ص68
20-Mohamed Teguia, l armée de libération national en wilaya 4,editon Casbah,
Alger 2002,p120
-21عمار قليل ،المصدر السابق ،ص156
-22بوعالم بن حمودة ،الثورة الجزائرية معالمها األساسية ،دار النعمان ،الجزائر ،2012ص336
-23عمار قليل ،المصدر السابق ،ص157
-24محمد الطاهر عبيدي ،قبسات من ثورة نوفمبر 1954كما عايشها ،الشهاب ،الجزائر ،ص94
-25شارل ديغول ،المصدر السابق ،ص 58
-26شارل ديغول ،نفسه ،ص59
-27محمد الطاهر عبيدي ،المصدر السابق ،ص95
-28عمار قليل ،المصدر السابق ،ص66
-29عمار قليل ،نفسه ،ص 155
-30رمضان بورغدة ،المرجع السابق ،ص59
-31عمار قليل ،المصدر السابق ،ص66
32-Jacque Doscer ,SOS Alerie ,editions aux carrefours du monde ,paris,p70
-33عمار قليل ،المصدر السابق ،ص67
34-Jacque Doscer,op.cit,p 70
-35عمار قليل ،المصدر السابق،ص270
36- Jacque Doscer,op.cit,p 71
-37عبد المجيد بوزبيد ،المصدر السابق ،ص46
-38عبد المجيد بوزبيد ،نفسه ،ص 111
39- Djamel Balfardi ,El moudjahid organe central de front de libération national , T1, imprime
en Yougoslavie ,juin 1962,p 72
،ص50 الشهاب،الجزائر ،منشورات حرب ،يوميات نزار -خالد
-41 40خالد نزار ،مذكرات اللواء خالد نزار ،الطبعة األولى
،منشورات الشهاب ،الجزائر ،2012ص 35
346
révolution 42-Mohamed Guentari ,organisation politico administrative et militaire de la
2000,p213 Algérienne 1954-1962 office des publication universitaire ,Algérie
2011 الجزائر، طالسيج كوم، الطبعة األولى،1962-1954 التموين والتسليح إبان الثورة التحريرية، أبوبكر حفظ هللا-43
58ص،
46 ص، المصدر السابق، عبد المجيد بوزبيد-44
45- Mohamed Guentari,op.cit,p213
35 ص، المرجع السابق، أبوبكر حفظ هللا-46
347