You are on page 1of 11

‫‪1‬‬

‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫الجانب المظلم من األنوثة‬


‫عقدة ليليث‬
‫‪Lilith-complex‬‬

‫ترجمة وإعداد‪ :‬الدكتور سامر جميل رضوان‬


‫‪Prof. Dr. Samer Rudwan‬‬
‫‪University of Nizwa‬‬
‫‪https://orcid.org/0000-0002-8844-1307‬‬
‫‪1‬‬
‫هانس يوأخيم ماس‬

‫ترمز الصورة األسطورية لليليث‪( 2‬ليليثا) إلى الجزء المحرم من النفس األنثوية‪ .‬فليليث تعتز‬
‫باستقالليتها وفاعليتها الجنسية‪ ،‬وترفض األمومة‪ .‬ليليث هي كل امرأة‪ ،‬ولكن ليس كل امرأة‬
‫تجرؤ‪ ،‬على خبرة هذا الجانب‪ .‬األمر الذي يقود إلى عواقب وخيمة كما يظهر ذلك المحلل النفسي‪،‬‬
‫هانس يوأخيم ماس‪.‬‬

‫تعني ليليث في اللغة العبرية "العتمة"‪ .‬ومنذ أكثر من ثالثة آالف سنة تطلق عليها في األساطير‬
‫تسمية جنية الليل المجنحة‪ .‬واعتبرها السومريون والبابليون واآلشوريون والكنعانيون والفرس‬
‫والعبريين والعرب والتويتونيون‪ 3‬آلهة وغاوية وقاتلة لألطفال‪ .‬ووفق التفسيرات العبرية المتأخرة‬
‫كانت ليليث وفق سفر التكوين الزوجة األولى آلدم‪ .‬فحسب الروايات اليهودية خلق هللا سبحانه‬
‫وتعالى ليليث‪ ،‬الزوجة األولى آلدم بالطريقة نفسها التي خلق بها آدم‪ .‬غير أن آدم وليليث لم يتفقا‬
‫مع بعضهما أبداً‪ .‬فلم تكن ليليث مستعدة للخضوع آلدم‪ .‬وقد بررت مطالبتها بالمساواة مع آدم بأنها‬
‫قد خلقت من التراب نفسه الذي ُخلق منه آدم‪ .‬وقد عبرت ليليث عن مساواتها مع آدم من خالل‬
‫امتناعها عن أن يلقي آدم جسده فوقها أثناء ممارسة الجنس‪ .‬فقد أرادت أن تكون مشاركة في الفعل‬
‫الجنسي بصورة فاعلة و"تنام" فوق آدم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Hans-Joachim Maaz. (2001). "Die Nachtseite des Weiblichen - der Lilith-Komplex".‬‬
‫‪Psychologie Heute. 3 (53-44).‬‬
‫‪ :) 1( 2‬هي الروح الشريرة في الميثولوجيا السامية‪ ،‬تقيم في األماكن المظلمة وتهاجم األطفال‪ .‬ليليث شيطانة عواصف من‬
‫بالد الرافدين تُرافق الريح‪ ،‬واعتُقِد أنها تحمل المرض والموت‪ .‬ظهرت شخصية ليليث للمرة األولى كشيطان أو روح‬
‫مرتبطة بالرياح والعواصف‪ ،‬عُرفت باسم ليليتو في سومر‪ ،‬حوالي ‪ 3000‬قبل الميالد‪ .‬يُرجع العديد من الباحثين التركيب‬
‫الصوتي السم ليليث إلى العام ‪ 700‬قبل الميالد‪ ..‬تظهر ليليث في المعارف اليهودية باعتبارها شيطان الليل‪ ،‬وكبومة نائحة‬
‫في طبعة الكتاب المقدس الملك جيمس‪ :)2( .‬زوجة آدم األولى في األساطير اليهودية‬
‫‪ 3‬التويتونيون‪ :‬شعب جيرماني قديم أو سلتي قديم‬
‫‪2‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫قاد امتناع ليليث عن الخضوع آلدم إلى قلقه وغضبه‪ .‬وأدت حدة الخالفات بينهما إلى هروب‬
‫ليليث من الجنة في النهاية‪ .‬ومن هنا نشأت الصورة األولى لليليث باعتبارها "األنثى الشهوانية"‪،‬‬
‫والحقا ً باعتبارها آلهة الدعارة والجن واالستمناء‪.‬‬
‫ويصور التلموديون‪ 4‬ليليث على شكل أنثى متبرجة ومغرية‪ ،‬ذات شعر طويل ونهدين نصف‬
‫عاريين تغوي الرجال وتهدد األطفال‪ .‬وفي قصة فاوست لغوته يسأل الدكتور فاوست في أثناء‬
‫الطيران السحري على ظهر وعل الجبال‪ :‬ومن هذه التي هنا؟ أجاب ميفستو‪ :‬إنها ليليث‪ ،‬الزوجة‬
‫األولى آلدم‪ ،‬احذر من شعرها الرائع‪ ،‬من عقدها التي تزهو به‪ ،‬فإذا ما طوقت الشاب به‪ ،‬فإنها‬
‫لن تدعه يذهب أبداً‪.‬‬
‫وحسب الروايات فقد عاقب هللا ليليث لرفضها الخضوع‪ ،‬وعلى هروبها من الجنة‪ .‬وكان العقاب‪:‬‬
‫بأن قضي عليها أبدا ً أن تظل غاوية شهوانية وقاتلة أطفال مرعبة وأن تعيش في األماكن الموحشة‬
‫والمقفرة من األرض‪-‬بين الحيوانات الكاسرة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للحضارة المسيحية فيعد من األهمية بمكان أن ترجمة لوثر للتوراة لم تتمسك بدقة‬
‫بالنص التوراتي األصلي‪ .‬فالنص التوراتي األصلي يشير بوضوح إلى أن حواء هي الزوجة الثانية‬
‫آلدم‪ .‬ويروي النص األصلي عن آدم قوله‪" :‬هذه المرة رجل من رجلي"‪ .‬ووفقا ً لذلك فقد كانت‬
‫حواء "المحاولة الثانية"‪ .‬وعلى عكس حواء فقد استبعدت ليليث من التوراة كلية تقريبا ً وال يرد‬
‫ذكر لها إال عند ‪.)34.14( jesaja‬‬
‫فعندما اشتكى آدم ربه بعد هروب ليليث من الجنة بأنه قد مل البقاء وحيداً‪ ،‬حلت رحمة هللا‬
‫عليه‪ ،‬فخلق له حواء‪ .‬ولكنه لم يخلقها من التراب كما فعل بليليث‪ ،‬وإنما من أحد أضالعه هذه‬
‫المرة‪ .‬ومن ثم فقد خلق هللا حواء لتكون خاضعة وليس مساوية آلدم‪ .‬ونتيجة لهذا فقد كان من‬
‫الممكن أن يحل الود والوفاق الدائم بين الزوجين في الجنة‪ ،‬من خالل وجود جنس مسيطر وجنس‬
‫خاضع‪ ،‬لو لم تتدخل األفعى –التي ترمز في هذه الصورة إلى ليليث كذلك‪ -‬وتغري حواء نحو‬
‫دفع آدم لتغريه بأكل التفاح‪ ،‬وتعيد بهذا تأجيج نار المعصية والصراع من جديد‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو قُسمت صورة األنثى منذ عشرات اآلالف من السنين إلى حواء وليليث‪ ،‬حيث‬
‫تقدس البطريركية صورة حواء وتلعن صورة ليليث وتحرمها‪ .‬وعليه فإن حواء ترمز لخضوع‬
‫المرأة والسلبية الجنسية وللزواج األحادي ‪ monogamy‬ولألمومة "المضحية" وللمطبخ والعبادة‬

‫‪ 4‬التلمود‪ :‬مجموعة الشرائع والتعاليم اليهودية‬


‫‪3‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫وتربية األوالد وخدمتهم‪ .‬وهو في الواقع مجرد جانب واحد فقط من األنوثة‪ .‬أما الجانب اآلخر‬
‫فتعبر عنه ليليث التي ترمز للمساواة والفاعلية الجنسية والرغبة ورفض اإلنجاب واألمومة‪.‬‬
‫وعليه فإننا نتعرف في كل من حواء وليليث على وجهين من الوجود األنثوي‪ ،‬منفصالن عن‬
‫بعضهما ومتنافران على األغلب‪ ،‬ويمتلكان مشاعر عدائية تجاه بعضهما‪ .‬يمثالن نمطين مختلفين‬
‫من النساء‪ :‬القديسة والعاهرة‪.‬‬
‫حواء‪ ،‬المرأة الحنون والوفية المخلصة والخاضعة للرجل‪ .‬بالمقابل نجد ليليث تمثل حياة اللذة‬
‫والرغبة واإلغراء والشهوة واالستقالل‪ .‬أما الرجال فهم دائما ً مشتاقون إلى كال الوجهين وخائفون‬
‫في الوقت نفسه من كال الوجهين من األنوثة‪ .‬إنهم يصدون خوفهم من الملل وفقدان الرغبة في‬
‫الزواج بحواء من خالل المعشوقات أو االنغماس مع للعاهرات‪ .‬ونتيجة للخوف من القوة األنثوية‬
‫وجيشان الرغبة واالستقاللية يحاولون قمع ومقاومة أي مظهر من مظاهر ليليث في كل امرأة‬
‫وتحريمه أخالقياً‪.‬‬
‫غير أن تحريم وإنكار ليليث بالنسبة للرجال والنساء معا ً يعد منبعا ً للمعاناة الوخيمة التي ال يمكن‬
‫وصفها ولصراع الجنسين المرير وللعالقات غير السعيدة‪ ،‬وهو السبب الكامن خلف ما يسمى‬
‫"االضطرابات المبكرة" لدى األطفال‪.‬‬
‫تحتوي عقدة ليليث على ثالثة مظاهر مقموعة أومنكرة أومنقسمة أومهملة أو محرمة من األنوثة‪:‬‬
‫‪ -1‬المرأة المساوية للرجل‪ ،‬والتي الهي أدنى وال أعلى منه‪ ،‬وإنما مساوية له‪ ،‬الناشئة من‬
‫األصل نفسه ومجهزة من ثم بالحقوق نفسها‪.‬‬
‫‪ -2‬المرأة الفاعلة جنسياً‪ ،‬المستقلة برغباتها والتي تتمتع بقوة جذب وإغراء‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعلها غير مهتمة بأن يتم اختيارها و"أخذها"‪ .‬إنها واعية لحاجاتها الجنسية‪ ،‬وتستطيع‬
‫تأمين إشباع رغباتها ويمكن أن تكون معطاءة فاعلة في ممارسة الجنس‪.‬‬
‫‪ -3‬المرأة الكارهة لألطفال التي ترفض األمومة‪ ،‬كي ال تكون مربوطة ومأسورة وملزمة‬
‫ومتعلقة‪.‬‬

‫تنشأ عقدة ليليث في الباثولوجيا المبكرة للعالقة بين األم وطفلها‪ .‬فعندما تنجب امرأة تعاني من‬
‫مشاعر النقص وتتسم بالخوف وعدم الثقة بأمومتها‪ ،‬فإن حيوية الطفل العارمة وحاجاته الملحاحة‬
‫سوف ترعبها‪ ،‬ألنه قد تم تنشيط قَ َد َرها الذاتي المبكر بشكل حتمي من خالل الطفل‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعلها تنقل عدم استقرارها الذاتي الناجم عن أزمتها المتذبذبة إلى طفلها‪ .‬وسوف تنقل إلى طفلها‬
‫الرفض والصد بشكل الشعوري‪ ،‬طالما ظلت تتهرب من حقيقتها الذاتية المبكرة‪ ،‬ولم تتمثلها‬
‫‪4‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫انفعالياً‪ ،‬بعكس كل القناعات والرغبات الشعورية المتمثلة في رغبتها في أنها ستقوم باألمر بشكل‬
‫أفضل من أمها‪ ،‬وهنا يتحول إنكار العدوانية تجاه الطفولة إلى مأساة‪.‬‬
‫فالطفل‪ ،‬غير المرغوب من أمه وغير المرحب به والمرفوض وغير المقبول في حيويته‬
‫وفردانيته ال شعورياً‪ ،‬يدرك الرفض وانعدام قيمته منذ البداية‪ ،‬وهذا ما يجعل الطفل يشكك في‬
‫حقه في الحياة وفي قيمته الذاتية‪ .‬أما المأساة الحقيقية فتتمثل في أن مثل هذا الرفض يمكن أن يتم‬
‫توصيله للطفل من األم بصورة ال شعورية كلية‪ -‬بالضبط كتعبير عن عقدة ليليث‪ .‬ونتيجة للجرح‬
‫النرجسي للطفل ينشأ ضعف في التماهي لديه كاضطراب أساس‪ .5‬وهكذا ينشأ من الطفل "آدم"‪،‬‬
‫الذي ال يستطيع أن يتحمل سوى "حواء" ضعيفة وخاضعة كي يكون هو قويا ً وصلباً‪ ،‬ومن البنت‬
‫تنشأ "حواء" التي عليها أن تنكر قيمتها من تلقاء نفسها‪ ،‬كي يتم تحملها في العالقة الزوجية‪ ،‬وكي‬
‫ال تضطر للهروب إلى الوحدة‪ .‬وكوالدين سوف يعيق "آدم وحواء" طفلهما في تفتحه االنفعالي‬
‫ونشاطاته الحيوية‪ ،‬ويعتبرانه موضوعا ً للتربية عليه أن يكون مجبرا ً على النظام واألدب والسيطرة‬
‫على مشاعره‪ ،‬كي يتم لجم حيويته وتدفقه الجنسي الهدار‪ .‬ومن خالل هذا األمر يتم تحريف المرأة‬
‫المستقبلية إلى امرأة مطيعة والرجل المستقبلي إلى مستفيد بارد ال حياة فيه‪.‬‬
‫غير إن القصور في األمومة الطيبة واألصيلة بشكل خاص يجعل الطفل يعيش حالة نقص األم‬
‫(الفقدان النفسي لألم ‪ ،(Mother Deficit‬األمر الذي يجعله في المستقبل‪ ،‬كرجل أو امرأة‪ ،‬يبحث‬
‫في شريكه الزوجي عن بديل‪ ،‬وهو ما ال يتم أبدا ً بصورة مرضية على اإلطالق‪ .‬واألب المقيد‬
‫بعقدة ليليث لن يتمكن‪-‬كثالث‪ -‬من إيجاد الطاقة والشجاعة للتثليث‪ ،‬ولهذا أيضا ً لن يشكل بالنسبة‬
‫للطفل إمكانية تعويضية وحامية ضد نقص األم وتسممها‪ .‬وكأب غير مثالث أو أم غير متثالثة‬
‫تظل العالقات كلها مثبته على األم وتتجلى على األغلب من خالل لوم األب واتهامه وكرهه‪ .‬ومن‬
‫ثم يتم اتهام األب بأنه مسؤول عن كل اضطرابات النمو‪ ،‬ويظل نقص األم المبكر متخفيا ً يعيث‬
‫فساداً‪ .‬ويبرز هذا بصورة أشد كلما كان األب أكثر فشالً بالفعل ويخشى مواجهة األم‪.‬‬
‫أما العواقب النفسية االجتماعية لمركب ليليث فهي وخيمة‪ .‬وتتمحور األعراض العامة لدى كال‬
‫الجنسين حول ضعف التماهي كرجل أو كامرأة‪ ،‬بكل المخاوف وعدم الثقة في العالقة الزوجية‪.‬‬
‫إذ تلقي المرأة بنفسها طواعية نتيجة حاجة ال شعورية أو حتى مجبرة نتيجة سيطرة بطريركية في‬
‫موضع أدنى وتابع‪ ،‬تعذب من خالله الرجل بأشواقها ورغباتها غير المحققة وتهدد العالقة بخيباتها‬
‫وحقدها وتدمرها‪ .‬وتجعلها ليليث المكبوته في داخلها تعيسة‪-‬ضمآنة‪ ،‬لوامة‪-‬متذمرة‪ ،‬تفرغ‬

‫‪ 5‬االضطراب األساس هو األضطراب األول الذي تنشأ كل االضطرابات النفسية الالحقة منذ الطفولة وحتى الرشد على أساسه‪ .‬فكل‬
‫أشكال االضطرابات النفسية فيما بعد تقوم على جذور هذا االضطراب‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫انفعاالتها بشكل شيطاني‪( .‬والمقصود بالشيطاني‪ 6‬هنا سلوكا ً تحاول المرأة من خالله بشكل مباشر‬
‫ومتخف الحصول على السلطة من خالل الشكوى والمعاناة واالتهامات)‪.‬‬
‫والرجل في عقدة ليليث يظل غير مخلص وغير واثق من رجولته‪ .‬ويحاول إخفاء ضعف‬
‫تماهيه من خالل النقود والسلطة والوجاهة‪ .‬إنه ينفخ نفسه ويسعى للحفاظ على عالقاته مسيطرا ً‬
‫وسائدا ً من خالل التباعد ‪ .Distance‬ويظل االندماج المشحون بالحب والثقة مهددا ً ويتم تالفيه‪.‬‬
‫أما العالقات بالنساء فيتم تجنيسها ‪ ،Sexualization‬وهكذا يتم تحقير التوق نحو شريكة مساوية‬
‫بالقيمة من خالل االستعمال الجنسي "والطيران"‪ .7‬الجانب اآلخر للمشكلة الكامنة نفسها يتم تفريغها‬
‫من خالل العجز الجنسي‪ .‬ومن خالل حرمان المرأة من الحصول على استجابة لتهيجها‪ ،‬من خالل‬
‫قضيب نائم‪ ،‬ال ينتصب‪ ،‬فإنها تعاقب لوجودها كحوا‪ ،‬بدالً من االعتراف كرجل بالشهوانية الذاتية‬
‫اليليثية‪ 8‬وتحدي المرأة‪.‬‬
‫وعادة يحاول كال الجنسين التنافس مع بعضهما في عالقتهما نحو السعادة المفقودة‪ .‬ففي طور‬
‫العشق يبدو اآلخر وكأنه يحقق ويرغب بكل األشواق‪ ،‬إلى أن يرهق كالهما اآلخر في سباقه نحو‬
‫التوكيد واالهتمام وأن يكون مقبوالً‪ .‬وينقالن غضب خيبتهما الوجودية والمبكرة والموجودة أصالً‬
‫منذ أمد طويل نحو بعضهما‪ ،‬وهي ما كان يفترض أن يوجهانها باألصل لوالديهما‪ ،‬ويدمران بهذا‬
‫كل تقارب ودي وشفافية متفهمة ألزمتهما الذاتية‪.‬‬
‫ويتم بالنيابة توليد المعاناة من صراعات العالقة الزوجية ومن الحروب الصغيرة اليومية‬
‫والخيبات واالعتالالت المتكررة الالمتناهية‪ ،‬التي تصبغ الحياة الزوجية بطابعها‪ ،‬من أجل التمكن‬
‫من إبراز صراعات مفهومة وقابلة للتحديد‪ ،‬وكي ال يجدان نفسيهما مجبران على تذكر قدرهما‬
‫الباكر والغامض كلية‪ .‬وبالتالي يتم تحويل المعاناة المبكرة التي ال تطاق إلى مأساة راهنة مستقرة‬
‫ودائمة‪.‬‬
‫لقد أسهمت عقدة ليليث في نشوء حركة تحرير المرأة‪ .‬إنهن يناضلن بالدرجة األولى ضد‬
‫السيطرة غير المحقة للرجال‪ ،‬المستندين في تسلطهم إلى السلطة التي منحهم إياها العهد القديم‪.‬‬
‫ولكن كما رأينا فإن هذا الفهم خاطئ‪ ،‬ألن وجود ليليث وبالتالي عدم نضج آدم قد تم حجبه باألصل‪.‬‬
‫وكذلك فعلت المسيحية‪ ،‬حيث أنكرت ليليث إلى أكبر حد‪ ،‬ويندر جدا ً أن نجد أي طفل قد عرف‬
‫شيئا ً في الكنيسة عن ليليث‪ .‬غير أن الحركة النسائية قد جعلت من أسطورة ليليث أسطورتها هي‬

‫‪ 6‬الترجمة األفضل لكلمة الشيطانية هي الساحرة الشريرة‬


‫‪ 7‬تطلق على هذا النوع من العالقات عالقات "العصفور الطيار" ينتقل من غصن آلخر‪.‬‬
‫‪ 8‬نسبة إلى ليليت‬
‫‪6‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫وغالبا ً ما استخدمت اسم ليليث‪ ،‬غير أن عقدة ليليث الكلية عادة ما اليتم إدراكها‪ ،‬ألن صراع‬
‫الجنسين يظل هو النقطة المركزية‪ .‬فالرجل يعد هدفا ً منافسا ً ووغداً‪ ،‬وغالبا ً ما يتم تمجيد الجنسية‬
‫في صورتها االستمنائية أو السحاقية‪ ،‬وغالبا ً ما تظل إشكالية األمومة محجوبة‪ .‬وفي صراع المرأة‬
‫نحو الحصول على العمل والشهرة االجتماعية الموازية للرجل يتم إنكار األمومة وتبخيسها‪ ،‬ويتم‬
‫النظر لرياض األطفال مع االنفصال المبكر جدا ً للطفل عن أمه على أنه ضرورة ال بد منها‪ .‬وعلى‬
‫هذا النحو يتم بشكل حتمي توريث نقص األم الذي تقوم عقدة لوليت عليه‪ ،‬إلى الجيل التالي‪.‬‬
‫أما أهم جزء من عقدة ليليث‪ ،‬الذي اعتبره شخصيا ً مدمرا ً للحضارة ومصدرا ً أساسيا ً للعنف‬
‫والحروب –الصغيرة منها والكبيرة‪ -‬فهو المظهر المعادي لألطفال‪ .‬إنه الطراز البدئي لألم‬
‫المرعبة والموحشة والمستنزفة والملتهمة‪ ،‬التي تسرق األطفال المولودين حديثا ً وتقتلهم‪ ،‬التي‬
‫تمتص دماء الطفل وتشفط حتى لب العظم‪ .‬ولهذا فإن اليهود األرثوذكسيين ما زالوا حتى اليوم‬
‫يلبسن النساء اللواتي يلدن حجباً‪ .‬وفي ثقافات وميثولوجيا كثير من الشعوب تظهر المخلوقات‬
‫الخاطفة لألطفال والماصة للدماء على هيئة امرأة غاوية‪ ،‬وهذا يدل على نموذج بدئي عام‪.‬‬
‫يدرك ويشير المرضى الذين يعانون من ضعف في التماهي واضطرابات القيمة الذاتية وحاالت‬
‫من القلق –أي من أعراض أمراض مبنية بصورة مبكرة للذات‪ -‬في الجلسات التحليلية المعمقة‬
‫إلى خبرات رفض مهددة من األم‪ .‬وغالبا ً ما يكونوا قد فصلوا بشكل مبكر عن أمهاتهم وكانوا‬
‫ضحايا لالستغالل النرجسي من األم‪ .‬وتتحول معرفة أن األم كانت متسلطة وعدوانية ومطالبة‬
‫وشافطة‪ ،‬وأن الطفل كان موضوعا ً إلشباع هذه الحاجات‪ ،‬تتحول إلى معرفة مرة ومؤلمة وممزقة‬
‫للقلب ومعذبة‪ ،‬غالبا ً ما تثير كذلك حنقا ً قاتالً واشمئزازا ً مكثفاً‪.‬‬
‫والمظهر المعادي لألطفال لألم ليس هو المشكلة المرهقة والمهددة بحد ذاته‪ ،‬وإنما إنكاره وكبته‬
‫في عقدة ليليث‪ .‬فأسطورة ليليث تظهر لنا جانبا ً طبيعيا ً وحتميا ً من شخصية األنثى‪ ،‬يتيح لنا فهم‬
‫رفض األم‪ ،‬ألنه من خالل الوالدة تتم إعاقة االستقاللية والمساواة المهنية واالجتماعية‪ ،‬وحتى‬
‫االهتمامات الجنسية لفترة زمنية معينة‪ .‬وغالبية األمهات يرفضن هذه الحقيقة من خالل من خالل‬
‫األمومة نفسها أو من خالل االلتزام بحركة تحرير مع صراع إيدويولوجي من أجل حقوق المرأة‪،‬‬
‫ال يحتل فيه األطفال أي مكان‪.‬‬
‫وعلينا ونتيجة لكم من الخبرات العالجية أن نفترض بأن الطفل يشعر باتجاه األم هذا نحوه‪،‬‬
‫قبل فترة طويلة من تمكنه من فهم ذلك بطريقة منطقية وقبل أن يتمكن من مواجهة ذلك لفظياً‪.‬‬
‫وقد تعلمنا من خالل األبحاث الحديثة حول الرضيع‪ ،‬أنه ينشأ منذ البداية تواصل متبادل بين الطفل‬
‫واألم‪ .‬أي أن الطفل ليس مجرد متلق سلبي للرعاية األمومية الطيبة أو السيئة‪ ،‬وإنما يسهم بفاعلية‬
‫‪7‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫في بناء العالقة مع األم‪ .‬وبالتالي فهو مجهز بمجموعة من المنعكسات الوالدية والقدرات‬
‫التواصلية‪ ،‬تساعده على االتصال وتنظيم العالقة‪ .‬وبهذا فإن كل أم ستتذكر ال شعوريا ً من خالل‬
‫طفلها بصورة حتمية خبراتها األولى المبكرة‪ .‬فالطفل يتواصل مع "الطفل الداخلي" ألمه إن صح‬
‫التعبير‪ .‬ويتحدث دانييل شتيرن عن "تشكيلة األمومة" ‪ motherhood-constellation‬الخاصة‪.‬‬
‫وهي حالة تدخل فيها كل أم بعد الوالدة‪ ،‬تختلط فيها ال شعوريا ً الخبرات مع أمها‪ -‬الخبرات كابنة‪-‬‬
‫مع بديهية األم الشعورية المترافقة باالتجاهات المعروفة والمرغوبة تجاه الطفل‪ .‬إن القدرة المهمة‬
‫لألم على التعاطف المتفهم مع طفلها يتحدد بدرجة كبيرة من خالل خبراتها الباكرة عندما كانت‬
‫هي نفسها رضيعاً‪ .‬فالكيفية التي استجابت من خاللها لها أمها‪ ،‬وتفهمتها وفهمتها وتقبلتها فيها‪،‬‬
‫ووضعت حدودها‪ ،‬وعاشت فيها حبها وأوصلت إعاقاتها‪ ،‬تحدد إلى مدى بعيد على ما يبدو األمومة‬
‫الذاتية‪.‬‬
‫تنتقل حالة األم‪ ،‬أي مخاوفها وشكها‪ ،‬عدم ثقتها وصراعاتها المتناقضة‪ ،‬رفضها وخيباتها‪،‬‬
‫وحبها وتعاطفها بصورة جسدية في بادئ األمر‪ ،‬حيث تحتوي نوعية النظرات والمالمسات‬
‫وطريقة الحمل والحضن واإليماءات واإلشارات والصوت تأثيرات جوهرية‪ .‬ومن هنا فليس من‬
‫المستغرب أن يعزى لبريق عينا األم‪ ،‬وتقبلها للوجود الطفولي والتعرف الحنون على حاجاته‬
‫أهمية كبيرة في تشكيل خبرة القيمة الذاتية عند الطفل‪.‬‬
‫في كثير من العالجات كان علي أن أشهد الضياع الحائر للناس ورعبهم العميق عندما يدركون‬
‫أنهم لم يحصلوا وال مرة على نظرات الحب من أمهاتهم‪ ،‬وأحيانا ً لم تقع نظراتهم على نظرات‬
‫أمهاتهم على اإلطالق‪ .‬إن االتجاه الالشعوري لألم نحو طفلها‪ ،‬وحتى الخبرات الباكرة غير‬
‫المذللة وغير المعروفة لألم تؤثر على ما يبدو على الطفل بشكل أشد بكثير من األمومة‬
‫المرغوبة والشعورية‪ ،‬وحتى أكثر من تلك األمومة المكتسبة من خالل دراسة كتب التربية‬
‫واإلرشاد‪ .‬وهكذا يتحول الطفل المستجيب والطبيعي جدا ً والناشط حيويا ً إلى تهديد للدفاع‬
‫األمومي ويضع تعويض خبراتها الذاتية المبكرة الصادمة موضع الشك‪ .‬وهذا باألصل نتيجة‬
‫لعقدة ليليث أم األم‪ ،‬أي عقدة الجدة‪ .‬وعندما تقوم األم الشابة بإنكار ذلك الجزء من عقدة ليليث‬
‫فيها‪ ،‬ذلك الجزء الرافض للطفل والخائف منه ألنه يمكن أن يلحق األذى باألنوثة المستقلة‬
‫والتواقة‪ ،‬فإنها سوف تنقل إلى طفلها نتيجة عدم أصالتها أو إرهاقها المتعب لألعصاب وتوترها‬
‫االتهامي‪ ،‬وتفرخ فيه "اضطرابا ً مبكراً" من خالل الجرح النرجسي‪.‬‬
‫ال يوجد رجل يستطيع أن يكون رجالً مع "حواء"‪ ،‬وال توجد امرأة تمتلك فرصة أن تنضج مع‬
‫"آدم" إلى امرأة‪ .‬فآدم وحواء يعيدان إنتاج حياة ال تطاق نتيجة عقدة ليليث‪ ،‬يسممان حياتهما‬
‫‪8‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫المشتركة من خالل خيباتهما المتنامية ويزيدان بهذا معاناة أطفالهما التي يمكن تجنبها‪ .‬فقط من‬
‫خالل دمج "ليليث" في ذاتهما يمكنهما أن يصبحا مثاالً ألوالدهما في الحب والحياة السعيدة ولتمثل‬
‫وتقبل المعاناة التي ال يمكن تجنبها في حياة زوجية مسؤولة‪ .‬غير أن كالهما أرادا بكل السبل‬
‫الهروب من "ليليث"‪ .‬وهنا يتحول "آدم" بالنتيجة إلى "محارب" و"حواء" إلى "شيطان رجيم"‪.‬‬
‫وال يستطيع الطفل االنفكاك من أمه وكسب زوجته كشريك حياة وشريك جنسي مساو له‪ ،‬إال‬
‫عندما يكون اشتياقه األمومي مشبعاً‪ ،‬أو عندما يتعلم التمكن من الحزن على نقص األم لديه بين‬
‫الحين واآلخر‪-‬ليس بهدف تصحيح الواقع أو تهدئة النقص الحقاً‪ ،‬كما هو األمر في ثقافة كاملة‬
‫متمركزة على المتعة تسعى نحو التسويق بشكل إدماني أو حتى كما يوهم كثير من المعالجين‬
‫النفسيين متعالجيهم‪.‬‬
‫ترغب كثير من النساء إعطاء الرجل الذي يعاني من عقدة ليليث ما كان يمكن ألمه أن تعطيه‬
‫إياه وما هو مفقود لألبد‪ .‬أو أنه يريد معاقبة كل امرأة بكل وسيلة ممكنة لتعاسة أمه‪.‬‬
‫كان على فرويد أن يخترع "عقدة أوديب" من أجل جنسنة التثبيت المنتشر بكثرة على األم‪ ،‬ومن‬
‫أجل إعطاء –بطريقة خاطئة لألسف‪ -‬المأساة النفسية االجتماعية الباكرة تفسيرا ً دافعيا ً نظرياً‪ .‬إن‬
‫إساءة استخدام التحليل النفسي الفرويدي األرثودوكسي ألسطورة أوديب وتحميل الذنب العظيم‬
‫للوالدين اللذين أرادا قتل ابنهما في علم نفس الجنس الموهوم‪ ،‬جعلت جزءا ً كبيرا ً من العالج‬
‫النفسي يتحول إلى نظام إنكار وتكيف في خدمة عقدة ليليث‪.‬‬
‫يفيد تشكل الصراعات العصابية "األوديبية" بشكل خاص في صد المحتويات النفسية المهددة‬
‫الناجمة عن الرفض والتقليل من القيمة المبكرين‪ .‬وكل العالجات النفسية التي تهتم بشكل مكثف‬
‫ولفترة طويلة بتفسير التورطات اإلنسانية الالنهائية واألزمات واالعتالالت المتصدرة‪ ،‬تشكل‬
‫بأسلوبها هذا خطرا ً كبيرا ً يتمثل "بتهذيب" عواقب األزمات الباكرة‪ ،‬من أجل تمويه عدم األمن‬
‫الحياتي األساسي والسببي‪ .‬والبد من االعتراف أنه لن يتمكن المرء في كثير من الحاالت فتح‬
‫الهلع الباكر على اإلطالق أو ال يجوز له ذلك على اإلطالق‪ ،‬ألن اإلطار العالجي أو الطاقة‬
‫الموجودة للمعالج لن تكفي‪ ،‬من أجل أن يترك مارد الحياة الباكرة الذي ال يمكن تصوره يصبح‬
‫مدركا ً ويتم تمثله انفعالياً‪.‬‬
‫واألريكة ‪ Couch‬ليست في كل األحوال هي المكان األمثل الذي ينفجر عليه الغضب القاتل‬
‫والكره العميق واأللم الجارح والنفور المسبب لإلقياء والحزن الممزق للقلب‪ ،‬والذي يمكن نقله‬
‫بشكل مقصود من خالل عملية النقل إلى المعالج‪ .‬إذ أن االنفعاالت الباكرة والتوق الباكرين يكونان‬
‫شديدان إلى درجة أنه ال بد من اتخاذ إجراءات عالجية أخرى‪ ،‬نسعى إلى تحقيقها في عالج نفسي‬
‫‪9‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫تحليلي للجسد في غرفة نكوص وحماية مركزية‪ .‬وتشير الخبرات العالجية التي أمكن حتى اآلن‬
‫جمعها في هذه األطر العالجية إلى أن األطفال الذين يعانون من نقص باكر في األم (عجز‬
‫أمومي)‪ ،‬أي يعانون من انجراح نرجسي أساسي يحاولون بطرق ووسائل متنوعة ومتعددة‬
‫الحصول على حب األم‪ ،‬ذلك أن نقص الحب يهدد بقاءهم‪.‬‬
‫تمثل جنسنة العالقة محاولة متكررة للشبان‪ ،‬من أجل "امتالك" األم‪ ،‬ومحاولة البنت نحو إيجاد‬
‫نوع من التعويض عند األب على األقل‪ .‬ويبعث االهتمام الجنسي ‪genital‬النامي والمعرفة‬
‫المتنامية حول جنسانية الوالدين مع ما ينتمي لذلك من هوامات إضافية األمل بإمكانية التحرر‬
‫وإيجاد سر الحب في الجنسية‪ .‬و ال يمكننا أن نؤيد ونثبت وجود ما يسمى بالتشكيلة "األوديبية‪":‬‬
‫باعتبارها مرحلة طبيعية من النمو النفسي‪ ،‬يرغب فيها الولد تبجيل أمه ويكبت األب‪ .‬ففي كل‬
‫األحوال فإن مثل هذه الرغبات تقوم على أساس اضطراب طفلي مبكر‪ .‬ففي "عقدة أوديب" يتم‬
‫السعي نحو تعويض نقص األم المبكر‪ ،‬األمر الذي ال يمكن أن ينجح على اإلطالق‪ ،‬غير أن‬
‫التثبيت غير السعيد على األم والصراعات بالنيابة تضمن ذلك التوازن‪ ،‬ويمكنها أن تقدم دعما ً‬
‫كذلك‪.‬‬
‫تصف أسطورة أوديب عواقب الذنب األسري‪ :‬فعندما ال يريد الوالدان تقبل الطفل‪ ،‬ينزلق األب‬
‫وابنه – بتحد من األب‪ -‬في نزاع قاتل كرمز للعنف الدموي بين الرجال‪ ،‬وتدخل األم وابنها في‬
‫زواج غير مسموح – األمر الذي ال يمكن أن يعرفه إال األم‪ -‬كرمز للعالقات الزوجية غير السعيدة‬
‫والمدمرة‪ .‬كالهما ناجم عن الكره وضعف التماهي من المأساة المبكرة‪.‬‬
‫أما في عقدة ليليث فإنه يرمز إلى عدم نضج الرجل والمرأة بشكل خاص‪ ،‬الذي نمى عن حاجة‬
‫مبكرة غير مذللة (لألم)‪ .‬و"آدم" و" حواء" يورثان عدم نضجهما إلى أوالدهما‪ ،‬بحيث أنهما‬
‫يتوقعان بالنسبة لحاجاتهما من األطفال أكثر مما يكونان قادران على إدراك حاجات طفلهما‬
‫وإشباعها بقدر ما يستطيعون‪ .‬وعن عقدة ليليث عند الوالدين تنشأ "االضطرابات المبكرة" عند‬
‫األطفال‪ ،‬والتي يرغبان بشفائها من خالل التورط "األوديبي"‪.‬‬
‫عقدة ليليث تجعل من األمهات أمهات كاذبات‪ ،‬يخدعن أطفالهن بوعود الحب الزائفة‪ ،‬أكثر مما‬
‫يستطعن منحه لهم في الواقع‪ .‬ويردن في النهاية وبشكل الشعوري أن يكافئهن أوالدهن على‬
‫م ساعيهن الشديدة‪ ،‬ألنهن هن أنفسهن غير ممتلئات بحب األم باألصل‪ ،‬حيث يقمن عندئذ باستغالل‬
‫حب أطفالهن‪ ،‬األمر الذي يبرر "تسمم األم‪ .Mother –Poisoning " 9‬أما الرجال فيظلون في‬

‫‪ 9‬األم السامة‬
‫‪10‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫عقدة ليليث صبيان طفليون متعلقون باألم‪ ،‬ويتحولون إلى آباء محبطين أو هاربين‪ ،‬حيث ال يكونوا‬
‫موجودين كثالث محرر وموازن‪ ،‬ألنهم يستجيبون بغيرة مرضية على اهتمام زوجاتهم بأطفالهم‪،‬‬
‫حتى وإن كانت هذه األمومة تعاش ناقصة ومتشنجة‪.‬‬
‫وهكذا يتم إهداء عقدة ليليث غير المتغلب عليها عند األمهات واآلباء في كل األحوال إلى‬
‫الطفل على شكل نقص األم وتسممها وفشل األب وسوء استخدام األب وإرهاب األب‪.‬‬
‫والمرأة التي تنكر "ليليث" وتعيش "حواء" سوف تلحق بشكل حتمي بطفلها األذى من خالل‬
‫إنكارها الالشعوري وأنوثتها المخفضة واألحادية الجانب‪ .‬وهذا يفسر لنا كثرة اضطرابات‬
‫الشخصية النرجسية لدى كثير من الناس‪ ،‬عدا عن العنف الصريح النادر على سبيل المقارنة ضد‬
‫األطفال والخطر المتنامي لمرض مجتمع نرجسي متفش – مجتمع عليه أن يوجد مزيدا ً من مصادر‬
‫اإلشباع النرجسي األولي وبالتالي ينمي طبيعة إدمانية هدامة على المستوى الفردي والجماعي‪.‬‬
‫والرجل الذي ينكر "ليليث" ويعيش "آدم" سوف يعيش بشكل حتمي في الطفل صورة منافس على‬
‫األم‪ .‬ولهذا سوف يرعب الطفل أو يسيء معاملته‪ ،‬وسوف يوجه غضب خيبته نحو شريكته ويهرب‬
‫إلى المومسات أو إلى الكحول أو إلى العمل أو إلى صراع السلطة‪.‬‬
‫أما المرأة المدموجة فيها ليليث (المتكاملة فيها كل من حواء وليليث بالتساوي) سوف ترغب‬
‫بالرجل كشريك لها تكمل ذاتها معه كند لها‪ ،‬ال تكون معه مضطرة للخضوع وال ترغب بالسيطرة‬
‫وال ترهق نفسها معه في صراع تنافسي‪ .‬وتكون أما ً مع إدراك ما يرتبط بذلك من تقييد وارتباط‬
‫حر‪ ،‬األمر الذي يمكنها من مواجهة الطفل بإخالص وصراحة ضمن حدودها‪ ،‬وإدراك األلم حول‬
‫القصور الذي ال يمكن تجنبه والتعبير عنه‪ .‬وسوف تمتلك الشجاعة لالعتراف أمام الطفل بشكل‬
‫خاص أنها يمكنها أن تشعر بالرفض والخوف والكره لطفلها‪ ،‬ولكن هذه مشكلتها هي وليست‬
‫مشكلة الطفل‪ ،‬وأن األمور ستسير بخير عندما يستجيب الطفل لهذا بضيق وحزن‪ .‬غير أنه لن‬
‫يكون للحقيقة التي تشعر بها أية عواقب هدامة على اإلطالق‪ .‬بالمقابل فإنه من المؤكد أن الحب‬
‫الكاذب واالتجاه المتخفي يسبب االضطرابات والمرض والعنف‪ .‬واألم الصادقة واألصيلة سوف‬
‫تبارك منذ البداية انفصال واستقاللية الطفل من حيث المبدأ‪.‬‬
‫أما الرجل المدمجة ليليث فيه (التي تتكامل فيه كل من ليليث وحواء) فسوف لن يحول زوجته‬
‫إلى أم له وسوف يعيش زوجته ندا ً وإغناء وإكمال وتنمية له‪ ،‬ويتشارك معها الحياة ويبنيها بشكل‬
‫فاعل وإبداعي‪ .‬إنه رجل منفصل عن األم‪ ،‬يتصرف بالفعل من داخله‪ ،‬من ذاته‪ ،‬دون أن يكون‬
‫عليه ألن يحقق شيئا ً أو يبرهنه أو يصارعه مدفوعا ً بعوزه الداخلي‪ .‬إنه ال يستطيع تحمل وجوده‬
‫لوحده فحسب بل ويستطيع االستمتاع بفردانيته النادرة وخصوصيته الوجودية‪ .‬طفله ليس منافسا ً‬
‫‪11‬‬
‫عقدة ليليث ‪online version2000‬‬

‫له وإنما وظيفة طبيعية‪ ،‬يتحول بالنسبة له معلما ً ومدربا ً ومثاالً أعلى‪ .‬ويستطيع احترام اختالف‬
‫الخلف بوصفه تعبير عن عمليات النمو الحيوية‪.‬‬

You might also like