Professional Documents
Culture Documents
عقدة ليليث
عقدة ليليث
ترمز الصورة األسطورية لليليث( 2ليليثا) إلى الجزء المحرم من النفس األنثوية .فليليث تعتز
باستقالليتها وفاعليتها الجنسية ،وترفض األمومة .ليليث هي كل امرأة ،ولكن ليس كل امرأة
تجرؤ ،على خبرة هذا الجانب .األمر الذي يقود إلى عواقب وخيمة كما يظهر ذلك المحلل النفسي،
هانس يوأخيم ماس.
تعني ليليث في اللغة العبرية "العتمة" .ومنذ أكثر من ثالثة آالف سنة تطلق عليها في األساطير
تسمية جنية الليل المجنحة .واعتبرها السومريون والبابليون واآلشوريون والكنعانيون والفرس
والعبريين والعرب والتويتونيون 3آلهة وغاوية وقاتلة لألطفال .ووفق التفسيرات العبرية المتأخرة
كانت ليليث وفق سفر التكوين الزوجة األولى آلدم .فحسب الروايات اليهودية خلق هللا سبحانه
وتعالى ليليث ،الزوجة األولى آلدم بالطريقة نفسها التي خلق بها آدم .غير أن آدم وليليث لم يتفقا
مع بعضهما أبداً .فلم تكن ليليث مستعدة للخضوع آلدم .وقد بررت مطالبتها بالمساواة مع آدم بأنها
قد خلقت من التراب نفسه الذي ُخلق منه آدم .وقد عبرت ليليث عن مساواتها مع آدم من خالل
امتناعها عن أن يلقي آدم جسده فوقها أثناء ممارسة الجنس .فقد أرادت أن تكون مشاركة في الفعل
الجنسي بصورة فاعلة و"تنام" فوق آدم.
1
Hans-Joachim Maaz. (2001). "Die Nachtseite des Weiblichen - der Lilith-Komplex".
Psychologie Heute. 3 (53-44).
:) 1( 2هي الروح الشريرة في الميثولوجيا السامية ،تقيم في األماكن المظلمة وتهاجم األطفال .ليليث شيطانة عواصف من
بالد الرافدين تُرافق الريح ،واعتُقِد أنها تحمل المرض والموت .ظهرت شخصية ليليث للمرة األولى كشيطان أو روح
مرتبطة بالرياح والعواصف ،عُرفت باسم ليليتو في سومر ،حوالي 3000قبل الميالد .يُرجع العديد من الباحثين التركيب
الصوتي السم ليليث إلى العام 700قبل الميالد ..تظهر ليليث في المعارف اليهودية باعتبارها شيطان الليل ،وكبومة نائحة
في طبعة الكتاب المقدس الملك جيمس :)2( .زوجة آدم األولى في األساطير اليهودية
3التويتونيون :شعب جيرماني قديم أو سلتي قديم
2
عقدة ليليث online version2000
قاد امتناع ليليث عن الخضوع آلدم إلى قلقه وغضبه .وأدت حدة الخالفات بينهما إلى هروب
ليليث من الجنة في النهاية .ومن هنا نشأت الصورة األولى لليليث باعتبارها "األنثى الشهوانية"،
والحقا ً باعتبارها آلهة الدعارة والجن واالستمناء.
ويصور التلموديون 4ليليث على شكل أنثى متبرجة ومغرية ،ذات شعر طويل ونهدين نصف
عاريين تغوي الرجال وتهدد األطفال .وفي قصة فاوست لغوته يسأل الدكتور فاوست في أثناء
الطيران السحري على ظهر وعل الجبال :ومن هذه التي هنا؟ أجاب ميفستو :إنها ليليث ،الزوجة
األولى آلدم ،احذر من شعرها الرائع ،من عقدها التي تزهو به ،فإذا ما طوقت الشاب به ،فإنها
لن تدعه يذهب أبداً.
وحسب الروايات فقد عاقب هللا ليليث لرفضها الخضوع ،وعلى هروبها من الجنة .وكان العقاب:
بأن قضي عليها أبدا ً أن تظل غاوية شهوانية وقاتلة أطفال مرعبة وأن تعيش في األماكن الموحشة
والمقفرة من األرض-بين الحيوانات الكاسرة.
أما بالنسبة للحضارة المسيحية فيعد من األهمية بمكان أن ترجمة لوثر للتوراة لم تتمسك بدقة
بالنص التوراتي األصلي .فالنص التوراتي األصلي يشير بوضوح إلى أن حواء هي الزوجة الثانية
آلدم .ويروي النص األصلي عن آدم قوله" :هذه المرة رجل من رجلي" .ووفقا ً لذلك فقد كانت
حواء "المحاولة الثانية" .وعلى عكس حواء فقد استبعدت ليليث من التوراة كلية تقريبا ً وال يرد
ذكر لها إال عند .)34.14( jesaja
فعندما اشتكى آدم ربه بعد هروب ليليث من الجنة بأنه قد مل البقاء وحيداً ،حلت رحمة هللا
عليه ،فخلق له حواء .ولكنه لم يخلقها من التراب كما فعل بليليث ،وإنما من أحد أضالعه هذه
المرة .ومن ثم فقد خلق هللا حواء لتكون خاضعة وليس مساوية آلدم .ونتيجة لهذا فقد كان من
الممكن أن يحل الود والوفاق الدائم بين الزوجين في الجنة ،من خالل وجود جنس مسيطر وجنس
خاضع ،لو لم تتدخل األفعى –التي ترمز في هذه الصورة إلى ليليث كذلك -وتغري حواء نحو
دفع آدم لتغريه بأكل التفاح ،وتعيد بهذا تأجيج نار المعصية والصراع من جديد.
وعلى هذا النحو قُسمت صورة األنثى منذ عشرات اآلالف من السنين إلى حواء وليليث ،حيث
تقدس البطريركية صورة حواء وتلعن صورة ليليث وتحرمها .وعليه فإن حواء ترمز لخضوع
المرأة والسلبية الجنسية وللزواج األحادي monogamyولألمومة "المضحية" وللمطبخ والعبادة
وتربية األوالد وخدمتهم .وهو في الواقع مجرد جانب واحد فقط من األنوثة .أما الجانب اآلخر
فتعبر عنه ليليث التي ترمز للمساواة والفاعلية الجنسية والرغبة ورفض اإلنجاب واألمومة.
وعليه فإننا نتعرف في كل من حواء وليليث على وجهين من الوجود األنثوي ،منفصالن عن
بعضهما ومتنافران على األغلب ،ويمتلكان مشاعر عدائية تجاه بعضهما .يمثالن نمطين مختلفين
من النساء :القديسة والعاهرة.
حواء ،المرأة الحنون والوفية المخلصة والخاضعة للرجل .بالمقابل نجد ليليث تمثل حياة اللذة
والرغبة واإلغراء والشهوة واالستقالل .أما الرجال فهم دائما ً مشتاقون إلى كال الوجهين وخائفون
في الوقت نفسه من كال الوجهين من األنوثة .إنهم يصدون خوفهم من الملل وفقدان الرغبة في
الزواج بحواء من خالل المعشوقات أو االنغماس مع للعاهرات .ونتيجة للخوف من القوة األنثوية
وجيشان الرغبة واالستقاللية يحاولون قمع ومقاومة أي مظهر من مظاهر ليليث في كل امرأة
وتحريمه أخالقياً.
غير أن تحريم وإنكار ليليث بالنسبة للرجال والنساء معا ً يعد منبعا ً للمعاناة الوخيمة التي ال يمكن
وصفها ولصراع الجنسين المرير وللعالقات غير السعيدة ،وهو السبب الكامن خلف ما يسمى
"االضطرابات المبكرة" لدى األطفال.
تحتوي عقدة ليليث على ثالثة مظاهر مقموعة أومنكرة أومنقسمة أومهملة أو محرمة من األنوثة:
-1المرأة المساوية للرجل ،والتي الهي أدنى وال أعلى منه ،وإنما مساوية له ،الناشئة من
األصل نفسه ومجهزة من ثم بالحقوق نفسها.
-2المرأة الفاعلة جنسياً ،المستقلة برغباتها والتي تتمتع بقوة جذب وإغراء ،األمر الذي
يجعلها غير مهتمة بأن يتم اختيارها و"أخذها" .إنها واعية لحاجاتها الجنسية ،وتستطيع
تأمين إشباع رغباتها ويمكن أن تكون معطاءة فاعلة في ممارسة الجنس.
-3المرأة الكارهة لألطفال التي ترفض األمومة ،كي ال تكون مربوطة ومأسورة وملزمة
ومتعلقة.
تنشأ عقدة ليليث في الباثولوجيا المبكرة للعالقة بين األم وطفلها .فعندما تنجب امرأة تعاني من
مشاعر النقص وتتسم بالخوف وعدم الثقة بأمومتها ،فإن حيوية الطفل العارمة وحاجاته الملحاحة
سوف ترعبها ،ألنه قد تم تنشيط قَ َد َرها الذاتي المبكر بشكل حتمي من خالل الطفل ،األمر الذي
يجعلها تنقل عدم استقرارها الذاتي الناجم عن أزمتها المتذبذبة إلى طفلها .وسوف تنقل إلى طفلها
الرفض والصد بشكل الشعوري ،طالما ظلت تتهرب من حقيقتها الذاتية المبكرة ،ولم تتمثلها
4
عقدة ليليث online version2000
انفعالياً ،بعكس كل القناعات والرغبات الشعورية المتمثلة في رغبتها في أنها ستقوم باألمر بشكل
أفضل من أمها ،وهنا يتحول إنكار العدوانية تجاه الطفولة إلى مأساة.
فالطفل ،غير المرغوب من أمه وغير المرحب به والمرفوض وغير المقبول في حيويته
وفردانيته ال شعورياً ،يدرك الرفض وانعدام قيمته منذ البداية ،وهذا ما يجعل الطفل يشكك في
حقه في الحياة وفي قيمته الذاتية .أما المأساة الحقيقية فتتمثل في أن مثل هذا الرفض يمكن أن يتم
توصيله للطفل من األم بصورة ال شعورية كلية -بالضبط كتعبير عن عقدة ليليث .ونتيجة للجرح
النرجسي للطفل ينشأ ضعف في التماهي لديه كاضطراب أساس .5وهكذا ينشأ من الطفل "آدم"،
الذي ال يستطيع أن يتحمل سوى "حواء" ضعيفة وخاضعة كي يكون هو قويا ً وصلباً ،ومن البنت
تنشأ "حواء" التي عليها أن تنكر قيمتها من تلقاء نفسها ،كي يتم تحملها في العالقة الزوجية ،وكي
ال تضطر للهروب إلى الوحدة .وكوالدين سوف يعيق "آدم وحواء" طفلهما في تفتحه االنفعالي
ونشاطاته الحيوية ،ويعتبرانه موضوعا ً للتربية عليه أن يكون مجبرا ً على النظام واألدب والسيطرة
على مشاعره ،كي يتم لجم حيويته وتدفقه الجنسي الهدار .ومن خالل هذا األمر يتم تحريف المرأة
المستقبلية إلى امرأة مطيعة والرجل المستقبلي إلى مستفيد بارد ال حياة فيه.
غير إن القصور في األمومة الطيبة واألصيلة بشكل خاص يجعل الطفل يعيش حالة نقص األم
(الفقدان النفسي لألم ،(Mother Deficitاألمر الذي يجعله في المستقبل ،كرجل أو امرأة ،يبحث
في شريكه الزوجي عن بديل ،وهو ما ال يتم أبدا ً بصورة مرضية على اإلطالق .واألب المقيد
بعقدة ليليث لن يتمكن-كثالث -من إيجاد الطاقة والشجاعة للتثليث ،ولهذا أيضا ً لن يشكل بالنسبة
للطفل إمكانية تعويضية وحامية ضد نقص األم وتسممها .وكأب غير مثالث أو أم غير متثالثة
تظل العالقات كلها مثبته على األم وتتجلى على األغلب من خالل لوم األب واتهامه وكرهه .ومن
ثم يتم اتهام األب بأنه مسؤول عن كل اضطرابات النمو ،ويظل نقص األم المبكر متخفيا ً يعيث
فساداً .ويبرز هذا بصورة أشد كلما كان األب أكثر فشالً بالفعل ويخشى مواجهة األم.
أما العواقب النفسية االجتماعية لمركب ليليث فهي وخيمة .وتتمحور األعراض العامة لدى كال
الجنسين حول ضعف التماهي كرجل أو كامرأة ،بكل المخاوف وعدم الثقة في العالقة الزوجية.
إذ تلقي المرأة بنفسها طواعية نتيجة حاجة ال شعورية أو حتى مجبرة نتيجة سيطرة بطريركية في
موضع أدنى وتابع ،تعذب من خالله الرجل بأشواقها ورغباتها غير المحققة وتهدد العالقة بخيباتها
وحقدها وتدمرها .وتجعلها ليليث المكبوته في داخلها تعيسة-ضمآنة ،لوامة-متذمرة ،تفرغ
5االضطراب األساس هو األضطراب األول الذي تنشأ كل االضطرابات النفسية الالحقة منذ الطفولة وحتى الرشد على أساسه .فكل
أشكال االضطرابات النفسية فيما بعد تقوم على جذور هذا االضطراب.
5
عقدة ليليث online version2000
انفعاالتها بشكل شيطاني( .والمقصود بالشيطاني 6هنا سلوكا ً تحاول المرأة من خالله بشكل مباشر
ومتخف الحصول على السلطة من خالل الشكوى والمعاناة واالتهامات).
والرجل في عقدة ليليث يظل غير مخلص وغير واثق من رجولته .ويحاول إخفاء ضعف
تماهيه من خالل النقود والسلطة والوجاهة .إنه ينفخ نفسه ويسعى للحفاظ على عالقاته مسيطرا ً
وسائدا ً من خالل التباعد .Distanceويظل االندماج المشحون بالحب والثقة مهددا ً ويتم تالفيه.
أما العالقات بالنساء فيتم تجنيسها ،Sexualizationوهكذا يتم تحقير التوق نحو شريكة مساوية
بالقيمة من خالل االستعمال الجنسي "والطيران" .7الجانب اآلخر للمشكلة الكامنة نفسها يتم تفريغها
من خالل العجز الجنسي .ومن خالل حرمان المرأة من الحصول على استجابة لتهيجها ،من خالل
قضيب نائم ،ال ينتصب ،فإنها تعاقب لوجودها كحوا ،بدالً من االعتراف كرجل بالشهوانية الذاتية
اليليثية 8وتحدي المرأة.
وعادة يحاول كال الجنسين التنافس مع بعضهما في عالقتهما نحو السعادة المفقودة .ففي طور
العشق يبدو اآلخر وكأنه يحقق ويرغب بكل األشواق ،إلى أن يرهق كالهما اآلخر في سباقه نحو
التوكيد واالهتمام وأن يكون مقبوالً .وينقالن غضب خيبتهما الوجودية والمبكرة والموجودة أصالً
منذ أمد طويل نحو بعضهما ،وهي ما كان يفترض أن يوجهانها باألصل لوالديهما ،ويدمران بهذا
كل تقارب ودي وشفافية متفهمة ألزمتهما الذاتية.
ويتم بالنيابة توليد المعاناة من صراعات العالقة الزوجية ومن الحروب الصغيرة اليومية
والخيبات واالعتالالت المتكررة الالمتناهية ،التي تصبغ الحياة الزوجية بطابعها ،من أجل التمكن
من إبراز صراعات مفهومة وقابلة للتحديد ،وكي ال يجدان نفسيهما مجبران على تذكر قدرهما
الباكر والغامض كلية .وبالتالي يتم تحويل المعاناة المبكرة التي ال تطاق إلى مأساة راهنة مستقرة
ودائمة.
لقد أسهمت عقدة ليليث في نشوء حركة تحرير المرأة .إنهن يناضلن بالدرجة األولى ضد
السيطرة غير المحقة للرجال ،المستندين في تسلطهم إلى السلطة التي منحهم إياها العهد القديم.
ولكن كما رأينا فإن هذا الفهم خاطئ ،ألن وجود ليليث وبالتالي عدم نضج آدم قد تم حجبه باألصل.
وكذلك فعلت المسيحية ،حيث أنكرت ليليث إلى أكبر حد ،ويندر جدا ً أن نجد أي طفل قد عرف
شيئا ً في الكنيسة عن ليليث .غير أن الحركة النسائية قد جعلت من أسطورة ليليث أسطورتها هي
وغالبا ً ما استخدمت اسم ليليث ،غير أن عقدة ليليث الكلية عادة ما اليتم إدراكها ،ألن صراع
الجنسين يظل هو النقطة المركزية .فالرجل يعد هدفا ً منافسا ً ووغداً ،وغالبا ً ما يتم تمجيد الجنسية
في صورتها االستمنائية أو السحاقية ،وغالبا ً ما تظل إشكالية األمومة محجوبة .وفي صراع المرأة
نحو الحصول على العمل والشهرة االجتماعية الموازية للرجل يتم إنكار األمومة وتبخيسها ،ويتم
النظر لرياض األطفال مع االنفصال المبكر جدا ً للطفل عن أمه على أنه ضرورة ال بد منها .وعلى
هذا النحو يتم بشكل حتمي توريث نقص األم الذي تقوم عقدة لوليت عليه ،إلى الجيل التالي.
أما أهم جزء من عقدة ليليث ،الذي اعتبره شخصيا ً مدمرا ً للحضارة ومصدرا ً أساسيا ً للعنف
والحروب –الصغيرة منها والكبيرة -فهو المظهر المعادي لألطفال .إنه الطراز البدئي لألم
المرعبة والموحشة والمستنزفة والملتهمة ،التي تسرق األطفال المولودين حديثا ً وتقتلهم ،التي
تمتص دماء الطفل وتشفط حتى لب العظم .ولهذا فإن اليهود األرثوذكسيين ما زالوا حتى اليوم
يلبسن النساء اللواتي يلدن حجباً .وفي ثقافات وميثولوجيا كثير من الشعوب تظهر المخلوقات
الخاطفة لألطفال والماصة للدماء على هيئة امرأة غاوية ،وهذا يدل على نموذج بدئي عام.
يدرك ويشير المرضى الذين يعانون من ضعف في التماهي واضطرابات القيمة الذاتية وحاالت
من القلق –أي من أعراض أمراض مبنية بصورة مبكرة للذات -في الجلسات التحليلية المعمقة
إلى خبرات رفض مهددة من األم .وغالبا ً ما يكونوا قد فصلوا بشكل مبكر عن أمهاتهم وكانوا
ضحايا لالستغالل النرجسي من األم .وتتحول معرفة أن األم كانت متسلطة وعدوانية ومطالبة
وشافطة ،وأن الطفل كان موضوعا ً إلشباع هذه الحاجات ،تتحول إلى معرفة مرة ومؤلمة وممزقة
للقلب ومعذبة ،غالبا ً ما تثير كذلك حنقا ً قاتالً واشمئزازا ً مكثفاً.
والمظهر المعادي لألطفال لألم ليس هو المشكلة المرهقة والمهددة بحد ذاته ،وإنما إنكاره وكبته
في عقدة ليليث .فأسطورة ليليث تظهر لنا جانبا ً طبيعيا ً وحتميا ً من شخصية األنثى ،يتيح لنا فهم
رفض األم ،ألنه من خالل الوالدة تتم إعاقة االستقاللية والمساواة المهنية واالجتماعية ،وحتى
االهتمامات الجنسية لفترة زمنية معينة .وغالبية األمهات يرفضن هذه الحقيقة من خالل من خالل
األمومة نفسها أو من خالل االلتزام بحركة تحرير مع صراع إيدويولوجي من أجل حقوق المرأة،
ال يحتل فيه األطفال أي مكان.
وعلينا ونتيجة لكم من الخبرات العالجية أن نفترض بأن الطفل يشعر باتجاه األم هذا نحوه،
قبل فترة طويلة من تمكنه من فهم ذلك بطريقة منطقية وقبل أن يتمكن من مواجهة ذلك لفظياً.
وقد تعلمنا من خالل األبحاث الحديثة حول الرضيع ،أنه ينشأ منذ البداية تواصل متبادل بين الطفل
واألم .أي أن الطفل ليس مجرد متلق سلبي للرعاية األمومية الطيبة أو السيئة ،وإنما يسهم بفاعلية
7
عقدة ليليث online version2000
في بناء العالقة مع األم .وبالتالي فهو مجهز بمجموعة من المنعكسات الوالدية والقدرات
التواصلية ،تساعده على االتصال وتنظيم العالقة .وبهذا فإن كل أم ستتذكر ال شعوريا ً من خالل
طفلها بصورة حتمية خبراتها األولى المبكرة .فالطفل يتواصل مع "الطفل الداخلي" ألمه إن صح
التعبير .ويتحدث دانييل شتيرن عن "تشكيلة األمومة" motherhood-constellationالخاصة.
وهي حالة تدخل فيها كل أم بعد الوالدة ،تختلط فيها ال شعوريا ً الخبرات مع أمها -الخبرات كابنة-
مع بديهية األم الشعورية المترافقة باالتجاهات المعروفة والمرغوبة تجاه الطفل .إن القدرة المهمة
لألم على التعاطف المتفهم مع طفلها يتحدد بدرجة كبيرة من خالل خبراتها الباكرة عندما كانت
هي نفسها رضيعاً .فالكيفية التي استجابت من خاللها لها أمها ،وتفهمتها وفهمتها وتقبلتها فيها،
ووضعت حدودها ،وعاشت فيها حبها وأوصلت إعاقاتها ،تحدد إلى مدى بعيد على ما يبدو األمومة
الذاتية.
تنتقل حالة األم ،أي مخاوفها وشكها ،عدم ثقتها وصراعاتها المتناقضة ،رفضها وخيباتها،
وحبها وتعاطفها بصورة جسدية في بادئ األمر ،حيث تحتوي نوعية النظرات والمالمسات
وطريقة الحمل والحضن واإليماءات واإلشارات والصوت تأثيرات جوهرية .ومن هنا فليس من
المستغرب أن يعزى لبريق عينا األم ،وتقبلها للوجود الطفولي والتعرف الحنون على حاجاته
أهمية كبيرة في تشكيل خبرة القيمة الذاتية عند الطفل.
في كثير من العالجات كان علي أن أشهد الضياع الحائر للناس ورعبهم العميق عندما يدركون
أنهم لم يحصلوا وال مرة على نظرات الحب من أمهاتهم ،وأحيانا ً لم تقع نظراتهم على نظرات
أمهاتهم على اإلطالق .إن االتجاه الالشعوري لألم نحو طفلها ،وحتى الخبرات الباكرة غير
المذللة وغير المعروفة لألم تؤثر على ما يبدو على الطفل بشكل أشد بكثير من األمومة
المرغوبة والشعورية ،وحتى أكثر من تلك األمومة المكتسبة من خالل دراسة كتب التربية
واإلرشاد .وهكذا يتحول الطفل المستجيب والطبيعي جدا ً والناشط حيويا ً إلى تهديد للدفاع
األمومي ويضع تعويض خبراتها الذاتية المبكرة الصادمة موضع الشك .وهذا باألصل نتيجة
لعقدة ليليث أم األم ،أي عقدة الجدة .وعندما تقوم األم الشابة بإنكار ذلك الجزء من عقدة ليليث
فيها ،ذلك الجزء الرافض للطفل والخائف منه ألنه يمكن أن يلحق األذى باألنوثة المستقلة
والتواقة ،فإنها سوف تنقل إلى طفلها نتيجة عدم أصالتها أو إرهاقها المتعب لألعصاب وتوترها
االتهامي ،وتفرخ فيه "اضطرابا ً مبكراً" من خالل الجرح النرجسي.
ال يوجد رجل يستطيع أن يكون رجالً مع "حواء" ،وال توجد امرأة تمتلك فرصة أن تنضج مع
"آدم" إلى امرأة .فآدم وحواء يعيدان إنتاج حياة ال تطاق نتيجة عقدة ليليث ،يسممان حياتهما
8
عقدة ليليث online version2000
المشتركة من خالل خيباتهما المتنامية ويزيدان بهذا معاناة أطفالهما التي يمكن تجنبها .فقط من
خالل دمج "ليليث" في ذاتهما يمكنهما أن يصبحا مثاالً ألوالدهما في الحب والحياة السعيدة ولتمثل
وتقبل المعاناة التي ال يمكن تجنبها في حياة زوجية مسؤولة .غير أن كالهما أرادا بكل السبل
الهروب من "ليليث" .وهنا يتحول "آدم" بالنتيجة إلى "محارب" و"حواء" إلى "شيطان رجيم".
وال يستطيع الطفل االنفكاك من أمه وكسب زوجته كشريك حياة وشريك جنسي مساو له ،إال
عندما يكون اشتياقه األمومي مشبعاً ،أو عندما يتعلم التمكن من الحزن على نقص األم لديه بين
الحين واآلخر-ليس بهدف تصحيح الواقع أو تهدئة النقص الحقاً ،كما هو األمر في ثقافة كاملة
متمركزة على المتعة تسعى نحو التسويق بشكل إدماني أو حتى كما يوهم كثير من المعالجين
النفسيين متعالجيهم.
ترغب كثير من النساء إعطاء الرجل الذي يعاني من عقدة ليليث ما كان يمكن ألمه أن تعطيه
إياه وما هو مفقود لألبد .أو أنه يريد معاقبة كل امرأة بكل وسيلة ممكنة لتعاسة أمه.
كان على فرويد أن يخترع "عقدة أوديب" من أجل جنسنة التثبيت المنتشر بكثرة على األم ،ومن
أجل إعطاء –بطريقة خاطئة لألسف -المأساة النفسية االجتماعية الباكرة تفسيرا ً دافعيا ً نظرياً .إن
إساءة استخدام التحليل النفسي الفرويدي األرثودوكسي ألسطورة أوديب وتحميل الذنب العظيم
للوالدين اللذين أرادا قتل ابنهما في علم نفس الجنس الموهوم ،جعلت جزءا ً كبيرا ً من العالج
النفسي يتحول إلى نظام إنكار وتكيف في خدمة عقدة ليليث.
يفيد تشكل الصراعات العصابية "األوديبية" بشكل خاص في صد المحتويات النفسية المهددة
الناجمة عن الرفض والتقليل من القيمة المبكرين .وكل العالجات النفسية التي تهتم بشكل مكثف
ولفترة طويلة بتفسير التورطات اإلنسانية الالنهائية واألزمات واالعتالالت المتصدرة ،تشكل
بأسلوبها هذا خطرا ً كبيرا ً يتمثل "بتهذيب" عواقب األزمات الباكرة ،من أجل تمويه عدم األمن
الحياتي األساسي والسببي .والبد من االعتراف أنه لن يتمكن المرء في كثير من الحاالت فتح
الهلع الباكر على اإلطالق أو ال يجوز له ذلك على اإلطالق ،ألن اإلطار العالجي أو الطاقة
الموجودة للمعالج لن تكفي ،من أجل أن يترك مارد الحياة الباكرة الذي ال يمكن تصوره يصبح
مدركا ً ويتم تمثله انفعالياً.
واألريكة Couchليست في كل األحوال هي المكان األمثل الذي ينفجر عليه الغضب القاتل
والكره العميق واأللم الجارح والنفور المسبب لإلقياء والحزن الممزق للقلب ،والذي يمكن نقله
بشكل مقصود من خالل عملية النقل إلى المعالج .إذ أن االنفعاالت الباكرة والتوق الباكرين يكونان
شديدان إلى درجة أنه ال بد من اتخاذ إجراءات عالجية أخرى ،نسعى إلى تحقيقها في عالج نفسي
9
عقدة ليليث online version2000
تحليلي للجسد في غرفة نكوص وحماية مركزية .وتشير الخبرات العالجية التي أمكن حتى اآلن
جمعها في هذه األطر العالجية إلى أن األطفال الذين يعانون من نقص باكر في األم (عجز
أمومي) ،أي يعانون من انجراح نرجسي أساسي يحاولون بطرق ووسائل متنوعة ومتعددة
الحصول على حب األم ،ذلك أن نقص الحب يهدد بقاءهم.
تمثل جنسنة العالقة محاولة متكررة للشبان ،من أجل "امتالك" األم ،ومحاولة البنت نحو إيجاد
نوع من التعويض عند األب على األقل .ويبعث االهتمام الجنسي genitalالنامي والمعرفة
المتنامية حول جنسانية الوالدين مع ما ينتمي لذلك من هوامات إضافية األمل بإمكانية التحرر
وإيجاد سر الحب في الجنسية .و ال يمكننا أن نؤيد ونثبت وجود ما يسمى بالتشكيلة "األوديبية":
باعتبارها مرحلة طبيعية من النمو النفسي ،يرغب فيها الولد تبجيل أمه ويكبت األب .ففي كل
األحوال فإن مثل هذه الرغبات تقوم على أساس اضطراب طفلي مبكر .ففي "عقدة أوديب" يتم
السعي نحو تعويض نقص األم المبكر ،األمر الذي ال يمكن أن ينجح على اإلطالق ،غير أن
التثبيت غير السعيد على األم والصراعات بالنيابة تضمن ذلك التوازن ،ويمكنها أن تقدم دعما ً
كذلك.
تصف أسطورة أوديب عواقب الذنب األسري :فعندما ال يريد الوالدان تقبل الطفل ،ينزلق األب
وابنه – بتحد من األب -في نزاع قاتل كرمز للعنف الدموي بين الرجال ،وتدخل األم وابنها في
زواج غير مسموح – األمر الذي ال يمكن أن يعرفه إال األم -كرمز للعالقات الزوجية غير السعيدة
والمدمرة .كالهما ناجم عن الكره وضعف التماهي من المأساة المبكرة.
أما في عقدة ليليث فإنه يرمز إلى عدم نضج الرجل والمرأة بشكل خاص ،الذي نمى عن حاجة
مبكرة غير مذللة (لألم) .و"آدم" و" حواء" يورثان عدم نضجهما إلى أوالدهما ،بحيث أنهما
يتوقعان بالنسبة لحاجاتهما من األطفال أكثر مما يكونان قادران على إدراك حاجات طفلهما
وإشباعها بقدر ما يستطيعون .وعن عقدة ليليث عند الوالدين تنشأ "االضطرابات المبكرة" عند
األطفال ،والتي يرغبان بشفائها من خالل التورط "األوديبي".
عقدة ليليث تجعل من األمهات أمهات كاذبات ،يخدعن أطفالهن بوعود الحب الزائفة ،أكثر مما
يستطعن منحه لهم في الواقع .ويردن في النهاية وبشكل الشعوري أن يكافئهن أوالدهن على
م ساعيهن الشديدة ،ألنهن هن أنفسهن غير ممتلئات بحب األم باألصل ،حيث يقمن عندئذ باستغالل
حب أطفالهن ،األمر الذي يبرر "تسمم األم .Mother –Poisoning " 9أما الرجال فيظلون في
9األم السامة
10
عقدة ليليث online version2000
عقدة ليليث صبيان طفليون متعلقون باألم ،ويتحولون إلى آباء محبطين أو هاربين ،حيث ال يكونوا
موجودين كثالث محرر وموازن ،ألنهم يستجيبون بغيرة مرضية على اهتمام زوجاتهم بأطفالهم،
حتى وإن كانت هذه األمومة تعاش ناقصة ومتشنجة.
وهكذا يتم إهداء عقدة ليليث غير المتغلب عليها عند األمهات واآلباء في كل األحوال إلى
الطفل على شكل نقص األم وتسممها وفشل األب وسوء استخدام األب وإرهاب األب.
والمرأة التي تنكر "ليليث" وتعيش "حواء" سوف تلحق بشكل حتمي بطفلها األذى من خالل
إنكارها الالشعوري وأنوثتها المخفضة واألحادية الجانب .وهذا يفسر لنا كثرة اضطرابات
الشخصية النرجسية لدى كثير من الناس ،عدا عن العنف الصريح النادر على سبيل المقارنة ضد
األطفال والخطر المتنامي لمرض مجتمع نرجسي متفش – مجتمع عليه أن يوجد مزيدا ً من مصادر
اإلشباع النرجسي األولي وبالتالي ينمي طبيعة إدمانية هدامة على المستوى الفردي والجماعي.
والرجل الذي ينكر "ليليث" ويعيش "آدم" سوف يعيش بشكل حتمي في الطفل صورة منافس على
األم .ولهذا سوف يرعب الطفل أو يسيء معاملته ،وسوف يوجه غضب خيبته نحو شريكته ويهرب
إلى المومسات أو إلى الكحول أو إلى العمل أو إلى صراع السلطة.
أما المرأة المدموجة فيها ليليث (المتكاملة فيها كل من حواء وليليث بالتساوي) سوف ترغب
بالرجل كشريك لها تكمل ذاتها معه كند لها ،ال تكون معه مضطرة للخضوع وال ترغب بالسيطرة
وال ترهق نفسها معه في صراع تنافسي .وتكون أما ً مع إدراك ما يرتبط بذلك من تقييد وارتباط
حر ،األمر الذي يمكنها من مواجهة الطفل بإخالص وصراحة ضمن حدودها ،وإدراك األلم حول
القصور الذي ال يمكن تجنبه والتعبير عنه .وسوف تمتلك الشجاعة لالعتراف أمام الطفل بشكل
خاص أنها يمكنها أن تشعر بالرفض والخوف والكره لطفلها ،ولكن هذه مشكلتها هي وليست
مشكلة الطفل ،وأن األمور ستسير بخير عندما يستجيب الطفل لهذا بضيق وحزن .غير أنه لن
يكون للحقيقة التي تشعر بها أية عواقب هدامة على اإلطالق .بالمقابل فإنه من المؤكد أن الحب
الكاذب واالتجاه المتخفي يسبب االضطرابات والمرض والعنف .واألم الصادقة واألصيلة سوف
تبارك منذ البداية انفصال واستقاللية الطفل من حيث المبدأ.
أما الرجل المدمجة ليليث فيه (التي تتكامل فيه كل من ليليث وحواء) فسوف لن يحول زوجته
إلى أم له وسوف يعيش زوجته ندا ً وإغناء وإكمال وتنمية له ،ويتشارك معها الحياة ويبنيها بشكل
فاعل وإبداعي .إنه رجل منفصل عن األم ،يتصرف بالفعل من داخله ،من ذاته ،دون أن يكون
عليه ألن يحقق شيئا ً أو يبرهنه أو يصارعه مدفوعا ً بعوزه الداخلي .إنه ال يستطيع تحمل وجوده
لوحده فحسب بل ويستطيع االستمتاع بفردانيته النادرة وخصوصيته الوجودية .طفله ليس منافسا ً
11
عقدة ليليث online version2000
له وإنما وظيفة طبيعية ،يتحول بالنسبة له معلما ً ومدربا ً ومثاالً أعلى .ويستطيع احترام اختالف
الخلف بوصفه تعبير عن عمليات النمو الحيوية.