You are on page 1of 17

‫األستـ ـ ـ ــاذة‪ /‬نح ـ ــال ص ـ ـ ـ ـراح‬

‫محاضرات في مقياس القانون المدني ( أحكام االلتزام‪ -‬الجزء الثاني)‪/‬السنة الثانية ليسانس ل م د ( مجموعة أ‪ /‬األفواج ‪،4 ،3 ،2 ،1‬‬
‫‪ 5‬و ‪.)6‬‬

‫الفصــل الثانـي‬

‫التنفيـــذ بطريـــق التعويــض‬

‫سبق أن رأينا أن التنفيذ العيني هو األصل‪ ،‬و لهذا كان التنفيذ بمقابل أو التنفيذ عن طريق التعويض هو طريق‬
‫يلجأ إليه الدائن عندما ال يستطيع أن يتحصل على التنفيذ العيني‪ .‬و على ذلك فالتنفيذ بمقابل يعد طريقا احتياطيا أو‬
‫بديال للتنفيذ العيني ال يلجأ إليه الدائن إال إذا تعذر التنفيذ العيني‪ .‬و لذلك يجب أن نحدد نطاق التنفيذ بمقابل‪ ،‬ثم‬
‫نعرض بعد ذلك لكيفية تقديره‪.‬‬

‫المبحــــث األول‬

‫نطــــــاق التنفيـــــذ بمقابـــــل‬

‫في هذا الصدد سوف ندرس حاالت التنفيذ بمقابل‪ ،‬ثم نعرض للتعويض عن عدم التنفيذ و التعويض عن التأخير‪،‬‬
‫و أخي ار إلمكانية التنفيذ بمقابل لكل التزام أيا كان مصدره‪.‬‬

‫المطلــب األول‬

‫حـــــاالت التنفيــــذ بمقابــــل‬

‫التنفيذ بمقابل وسيلة عالجية تعوض الدائن عما لحقه من ضرر نتيجة لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه تنفيذا عينيا‬
‫أو لتأخره في هذا التنفيذ‪ .‬فهو إذن ليس إال وسيلة احتياطية ال يحتم االلتجاء إليها إال إذا تعذر تنفيذ ذات االلتزام‬
‫بكافة الشروط التي نشأ بها‪ .‬و لذلك تتلخص هذه الحاالت فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا أصبح التنفيذ العيني لاللتزام مستحيال بخطأ المدين‪ ،‬لم يبق إال التنفيذ بطريق التعويض‪ .‬و هذه االستحالة‬
‫متصورة بالنسبة لاللتزام أيا كان محله‪ ،‬عدا االلتزام بدفع مبلغ من النقود حيث أن التنفيذ العيني لهذا االلتزام يعتبر‬
‫ممكنا دائما‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬إذا كان التنفيذ العيني لاللتزام غير ممكن أو غير مالئم إال إذا قام به المدين شخصيا‪ ،‬و لم تجد الغرامة‬
‫التهديدية في التغلب على تعنته و امتناعه‪ ،‬و قد سبق تناول ذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا كان التنفيذ العيني لاللتزام ممكنا و لكن فيه إرهاق للمدين‪ ،‬و إذا كان ذلك ال يلحق بالدائن ضر ار جسيما‪.‬‬

‫‪ -4‬إذا كان التنفيذ العيني ممكنا‪ ،‬و لكن لم يطلبه الدائن و لم يعرضه المدين‪ ،‬و بذلك يكون قد اتجهت إرادتهما‬
‫معا إلى التنفيذ بمقابل‪ ،‬رغم إمكانية التنفيذ العيني‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫التعويض عن عدم التنفيذ و التعويض عن التأخير‬

‫سبق أن رأينا أن ا لتنفيذ بمقابل وسيلة عالجية تعوض الدائن عما يلحقه من ضرر نتيجة لعدم قيام المدين بتنفيذ‬
‫التزامه تنفيذا عينيا أو لتأخره في هذا التنفيذ‪.‬‬

‫و على ذلك فالتعويض نوعان‪ ،‬تعويض عن عدم التنفيذ و تعويض عن التأخير و كالهما تنفيذ بمقابل‪ .‬و هذا‬
‫واضح في التعويض عن عدم التنفيذ حيث يلزم المدين الذي لم ينفذ التزامه تنفيذا عينيا بتعويض يحل محل ما كان‬
‫يجب عليه أن يؤديه‪ .‬و كذلك الحال إذا لم ينفذ المدين التزامه سوى تنفيذا جزئيا أو معيبا‪ ،‬فيلزم بتعويض النقص‪ .‬و‬
‫هو صحيح أيضا فيما يتعلق بالتعويض عن التأخير‪ ،‬إذ أن التنفيذ ال يكون كامال إال إذا قام به المدين في ذات‬
‫الظروف التي كان عليه تأديته فيها‪ ،‬و لذلك يتضمن التأخر في التنفيذ إخالال جزئيا بااللتزام‪ .‬فإذا كان المدين لم‬
‫يوف بدينه إال متأخ ار كان التنفيذ العيني غير كامل‪ ،‬و ألزم بتعويض يحل محل هذا النقص هو التعويض عن التأخير‪.‬‬

‫و من المتصور أن يجتمع نوعا التعويض معا‪ -‬و ذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه فألزم بتعويض عن‬
‫التأخير‪ ،‬ثم أصر على عدم التنفيذ أو أصبح التن فيذ العيني مستحيال بفعله‪ ،‬فيلزم بتعويض عن عدم التنفيذ‪ .‬و إذا تم‬
‫التنفيذ العيني متأخ ار كان للدائن أن يجمع بينه و بين التعويض عن التأخير‪ .‬و على العكس ال يجتمع التنفيذ العيني‬
‫و التعويض عن عدم التنفيذ إال في الحاالت التي يكون التنفيذ العيني فيها ناقصا أو معيبا‪ ،‬فيكون للدائن تعويضا‬
‫عن عدم تنفيذ جزئي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫إمكانية التنفيذ بمقابل لكل التزام أيا كان مصدره‬

‫‪2‬‬
‫كل التزام أيا كان مصدره يجوز تنفيذه عن طريق التعويض‪ ،‬فااللتزام العقدي‪ ،‬سواء كان التزاما بنقل ملكية أو‬
‫التزاما بعمل أو التزاما باالمتناع عن عمل‪ ،‬يكون تنفيذه بطريق التعويض في الحاالت التي تقدم ذكرها‪ ،‬و خاصة إذا‬
‫أصبح التنفيذ العيني مستحيال بخطأ المدين‪.‬‬

‫و االلتزامات التي ال يكون مصدرها العقد يغلب أن يكون تنفيذها بطريق التعويض‪ .‬فااللتزام التقصيري ليس إال‬
‫نتيجة لإلخالل بالتزام قانوني هو أن يتخذ الشخص الحيطة الواجبة لعدم اإلضرار بغيره‪ ،‬و جزاء هذا اإلخالل هو‬
‫التعويض ‪ ،‬و هذه هي المسؤولية التقصيرية‪ .‬و االلتزام الناشئ من اإلثراء بال سبب ليس إال نتيجة لإلخالل بالتزام‬
‫قانوني آخر‪ ،‬هو أال يثرى الشخص على حساب غيره دون سبب‪ ،‬و جزاء هذا اإلخالل هو التعويض‪ .‬و كثي ار من‬
‫االلتزامات القانونية األخرى يكون تنفيذها عن طريق التعويض‪ ،‬كالتزام الجار أال يضر بجاره ضر ار فاحشا و االلتزام‬
‫بعدم إفشاء سر المهنة‪.‬‬

‫المبحـــــث الثانــي‬

‫كيفيـــــة تقديــــر التعويـــض‬

‫األصل في تقدير التعويض أن يتم بمعرفة القاضي‪ ،‬و هذا هو التعويض القضائي‪ .‬و لكن في نطاق االلتزامات‬
‫التعاقدية قد يتفق الطرفان مقدما على مقدار التعويض الذي يلتزم به المدين إذا لم ينفذ التزامه أو إذا تأخر في الوفاء‬
‫به‪ ،‬و هذا هو التعويض االتفاقي أو الشرط الجزائي‪ .‬و أخي ار قد يتكفل القانون بتقدير التعويض الذي يستحق عن‬
‫التأخير في تنفيذ االلتزام‪ ،‬و هذا هو التعويض القانوني‪.‬‬

‫المطلـب األول‬

‫التعويـــض القضائــي‬

‫يجب اعذار المدين و مطالبته بتنفيذ التزامه‪ ،‬و قد رأينا أن هذا واجب في التنفيذ العيني‪ ،‬و هو واجب أيضا في‬
‫التنفيذ بطريق التعويض‪ .‬بل إن االعذار في التنفيذ بطريق التعويض و خاصة في التعويض عن تأخر المدين في‬
‫التنفيذ‪ ،‬له أهمية بالغة كما سنرى‪.‬‬

‫و أكثر ما يبرز االعذار في التعويض القضائي‪ ،‬و إن كان واجبا أيضا في التعويض االتفاقي(الشرط الجزائي)‪ .‬و‬
‫قد آثرنا أن نبحث االعذار في هذا المطلب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫و بعد أن يعذر الدائن المدين‪ ،‬يقيم عليه الدعوى يطالبه بتنفيذ التزامه‪ .‬و نحن هنا بصدد التنفيذ بطريق التعويض‪،‬‬
‫فيطلب الدائن إلى القاضي تقدير التعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء عدم تنفيذ المدين اللتزامه و من جراء‬
‫تأخره في هذا التنفيذ‪.‬‬

‫الفـــــرع األول‬

‫االعـــــــــذار‬

‫تنص المادة ‪ 179‬من القانون المدني‪ ":‬ال يستحق التعويض إال بعد اعذار المدين‪ ،‬ما لم يوجد نص مخالف‬
‫لذلك"‪.‬‬

‫لدراسة االعذار ينبغي أن نعرض لمعنى االعذار‪ ،‬و كيف يتم االعذار‪ ،‬و الحاالت التي ال ضرورة فيها لالعذار‪،‬‬
‫و النتائج التي تترتب على االعذار‪.‬‬

‫الفقــــرة األولـــى‬

‫معنــى االعـــــذار‬

‫اعذار المدين هو وضعه قانونا في حالة المتأخر في تنفيذ التزامه‪ .‬ذلك أن مجرد حلول أجل االلتزام ال يكفي في‬
‫جعل المدين في هذا الوضع القانوني‪ ،‬بل البد من اعذاره‪ .‬فقد يحل أجل االلتزام‪ ،‬و مع ذلك يسكت الدائن عن أن‬
‫يتق اضى التنفيذ من المدين‪ ،‬فيحمل ذلك منه محمل التسامح و أنه لم يصبه ضرر من تأخر المدين في تنفيذ التزامه‪،‬‬
‫و قد رضي ضمنا بمد األجل ما دام يستطيع االنتظار دون ضرر يصيبه من ذلك‪ .‬أما إذا كان الدائن يريد من المدين‬
‫أن ينفذ التزامه الذي حل أجله‪ ،‬فعليه أن يشعره بذلك عن طريق اعذاره بالطرق التي رسمها القانون‪ .‬و عند ذلك‬
‫يصبح المدين ملزما بتنفيذ التزامه فورا‪ ،‬و كل تأخر في التنفيذ يستوجب التعويض‪.‬‬

‫الفقـــرة الثانيـــة‬

‫كيــــف يتـــم االعــــــذار‬

‫تنص المادة ‪ 180‬من القانون المدني‪ ":‬يكون اعذار المدين بإنذاره‪ ،‬أو بما يقوم مقام اإلنذار‪ ،‬و يجوز أن يتم‬
‫االعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في هذا القانون‪ ،‬كما يجوز أن يكون مترتبا على اتفاق يقضي بأن يكون‬
‫المدين معذ ار بمجرد حلول األجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫األصل في اعذار المدين أن يكون بانذاره‪ ،‬و االنذار ورقة رسمية من أوراق المحضرين يبين فيها الدائن في وضوح‬
‫أنه يطلب من المدين تنفيذ التزامه‪ .‬و هذا هو الطريق المعتاد العذار المدين‪ ،‬حتى صح أن يقال‪ " :‬قد أعذر من‬
‫أنذر"‪.‬‬

‫و يبين قانون اإلجراءات المدنية و اإلدارية (‪ )416 -406‬كيف يعلن المحضر اإلنذار‪ :‬يسلم صورة اإلنذار إلى‬
‫المدين نفسه في موطنه‪ ،‬فإن لم يجده سلمها إلى وكيله أو خادمه أو من يكون ساكنا معه‪ ،‬و إال سلمها إلى جهة‬
‫اإلدارة على الوجه الذي بينه قانون اإلجراءات في النصوص المشار إليها‪ .‬و لما كانت المادة ‪ 180‬مدني تقضي بأنه‬
‫يجوز أن يتم االعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في قانون اإلجراءات‪ ،‬وجب الرجوع إلى هذا القانون أيضا‬
‫في ذلك‪.‬‬

‫و ليس اإلنذار هو الطريق الوحيد إلنذار المدين‪ .‬فهناك ما يقوم مقام اإلنذار‪ .‬و أية ورقة رسمية تظهر منها‬
‫بجالء رغبة الدائن في أن ينفذ المدين التزامه تقوم مقام اإلنذار‪ .‬من ذلك التنبيه الرسمي الذي يسبق التنفيذ‪ .‬و من‬
‫ذلك أيضا صحيفة الدعوى‪ ،‬و محضر الحجز‪ ،‬و هو من أعمال التنفيذ‪.‬‬

‫أما إذا كانت الورقة غير رسمية كبرقية مثال فال تكفي لالعذار في المسائل المدنية‪ ،‬إال إذا كان هناك اتفاق بين‬
‫الدائن و المدين على أنها تكفي‪ .‬ذلك أنه يجوز االتفاق على أن يكون المدين معذ ار بمجرد حلول األجل دون حاجة‬
‫إلى أي اجراء‪ ،‬فمن باب أولى يجوز االتفاق على أن االعذار تكفي فيه ورقة غير رسمية أو إخطار شفوي‪ .‬أما في‬
‫المسائل التجارية فيكفي في االعذار أن يكون بورقة غير رسمية وفقا للعرف التجاري‪.‬‬

‫الفقــــرة الثالثـــة‬

‫الحـــاالت التي ال ضـــرورة فيها لالعـــذار‬

‫تنص المادة ‪ 181‬من القانون المدني‪ ":‬ال ضرورة العذار المدين في الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬إذا تعذر تنفيذ االلتزام أو أصبح غير مجد بفعل المدين‬


‫‪ -‬إذا كان محل االلتزام تعويضا ترتب عن عمل مضر‬
‫‪ -‬إذا كان محل االلتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق‪ ،‬أو شيء تسلمه دون حق و هو عالم بذلك‬

‫‪ -‬إذا صرح المدين كتابة أنه ال ينوي تنفيذ التزامه"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫هناك حاالت ال ضرورة فيها لالعذار‪ ،‬و يعتبر مجرد حلول الدين إشعا ار كافيا للمدين بوجوب تنفيذ التزامه و إال‬
‫كان مسؤوال عن التعويض‪ .‬و هذه الحاالت ترجع إما إلى االتفاق‪ ،‬و إما إلى حكم القانون‪ ،‬و إما إلى طبيعة األشياء‪.‬‬
‫و قد نص عليها جميعا في المادتين ‪ 180‬و ‪ 181‬من القانون المدني‪.‬‬

‫فقد يتفق الطرفان مقدما على أن المدين يكون معذ ار بمجرد حلول أجل االلتزام دون حاجة إلى أي إجراء‪ .‬و يكون‬
‫هذا االتفاق صريحا أو ضمنيا‪ .‬و مثل االتفاق الضمني أن يوجب رب العمل على المقاول إتمام البناء في تاريخ‬
‫معين‪ ،‬و أن يشترط الدائن في عقد التوريد وجوب التسليم فورا‪ .‬و يجب أن يكون االتفاق الضمني غير محل شك‪.‬‬

‫و قد يقضي القانون بعدم الحاجة إلى االعذار ‪ ،‬و قد نص فعال في المادة ‪ 181‬مدني على أال ضرورة لالعذار‬
‫في حاالت معينة بعضها كان في حاجة إلى هذا النص‪ ،‬و بعضها يرجع إلى طبيعة األشياء‪.‬‬

‫فأما ما كان في حاجة إلى النص فالحالة التي يكون فيها محل االلتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق‪ ،‬أو رد‬
‫شيء تسلمه دون حق و هو عالم بذلك‪ .‬ففي هذه الحالة يكون المدين سيء النية‪ ،‬و يكون واجبا عليه أن يرد الشيء‬
‫إلى الدائن‪ ،‬و ليس الدائن‪ -‬بمقتضى النص‪ -‬في حاجة إلى اعذاره‪ .‬و من ثم يجب على المدين أن يبادر فو ار إلى رد‬
‫الشيء للدائن دون اعذار‪ ،‬و إال كان مسؤوال عن التأخر في الرد‪.‬‬

‫و أما ما يرجع إلى طبيعة األشياء و ورد مع ذلك فيه النص فثالث حاالت‪:‬‬

‫(أوال) – إذا أصبح تنفيذ االلتزام غير ممكن بفعل المدين‪ .‬فال معنى العذار المدين‪ ،‬و هذا ما تقضي به طبائع األشياء‬
‫ألن االعذار هو دعوة المدين إلى تنفيذ التزامه و قد أصبح هذا التنفيذ غير ممكن أو غير مجد بفعله‪ ،‬فاستحق عليه‬
‫التعويض دون حاجة إلى اعذار‪ .‬و لو كانت استحالة التنفيذ نشأت بغير فعل المدين النقضى االلتزام‪ ،‬و لما كان‬
‫المدين مسؤوال حتى عن التعويض‪ .‬منها أن يكون تنفيذ االلتزام غير مجد إال في وقت معين فيفوت هذا الوقت دون‬
‫أن ينفذ المدين التزامه‪ ،‬كأن يلتزم مقاول ببناء مكان في معرض ألحد العارضين و ينتهي المعرض قبل أن ينفذ‬
‫المقاول التزامه‪ .‬و كأن يلتزم محام برفع استئناف عن حكم و ينتهي ميعاد االستئناف قبل أن يرفعه‪ .‬و منها أن يكون‬
‫االلتزام باالمتناع عن عمل ثم يخل المدين بالتزامه و يأتي العمل الممنوع‪ ،‬فال فائدة من االعذار في هذا الفرض إذ‬
‫أصبح التنفيذ العيني غير ممكن‪.‬‬

‫(ثانيا)‪ -‬إذا كان محل االلتزام تعويضا ترتب على عمل غير مشروع‪ .‬ذلك أن العمل غير المشروع إنما هو إخالل‬
‫بالتزام الشخص أن يتخذ الحيطة الواجبة لعدم اإلضرار بالغير‪ .‬و متى أخل الشخص بهذا االلتزام فأضر بالغير‪ ،‬لم‬
‫يعد التنفيذ العيني لاللتزام ممكنا‪ ،‬فال ضرورة إذن لالعذار‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(ثالثا)‪ -‬إذا صرح المدين كتابة أنه ال يريد القيام بالتزامه‪ .‬فيعد هذا التصريح الثابت بالكتابة ال جدوى في اعذاره‪ ،‬فهو‬
‫قد رد سلفا أنه ال يريد القيام بالتزامه‪ .‬و ال يكفي التصريح أمام شهود‪ ،‬فالقانون قد اشترط الكتابة‪.‬‬

‫الفقــرة الرابعـة‬

‫النتائـج القانونية التي تترتــب عــلى االعذار‬

‫يترتب على اعذار المدين نتيجتان رئيسيتان‪:‬‬

‫(النتيجة األولى) يصبح المدين مسؤوال عن التعويض لتأخره في تنفيذ االلتزام‪ ،‬و ذلك من وقت االعذار‪ .‬أما في‬
‫الفترة التي سبقت االعذار‪ ،‬فال يعوض الدائن المدين عن التأخر في التنفيذ‪ ،‬فالمفروض كما قدمنا أن الدائن قد رضي‬
‫بهذا التأخير و لم يصبه منه ضرر ما دام أنه لم يعذر المدين‪ .‬و النص صريح في هذا المعنى‪ ،‬فقد قضت المادة‬
‫‪ 179‬مدني بأنه" ال يستحق التعويض إال بعد اعذار المدين‪ ،‬ما لم يوجد نص مخالف لذلك"‪.‬‬

‫(النتيجة الثانية) ينتقل تحمل التبعة من طرف إلى آخر‪ .‬و قد قدمنا أن تبعة الهالك في االلتزام بالتسليم تكون على‬
‫المدين بهذا االلتزام إذا كان التزاما تبعيا‪ ،‬و تكون على المالك إذا كان التزاما مستقال‪ .‬و رأينا أن االعذار ينقل تبعة‬
‫الهالك من طرف إلى آخر في كلتا الحالتين على التفصيل الذي قدمناه‪.‬‬

‫و رأينا أيضا أن المدين المعذر إذا أثبت أن الشيء كان يهلك في يد الدائن لو أنه سلم إليه‪ ،‬اندفعت عنه تبعة‬
‫الهالك بالرغم من اعذاره‪ ،‬و انقضى التزامه‪.‬‬

‫و رأينا أخي ار أنه يتحمل مع ذلك التبعة إذا كان الشيء مسروقا متى كان هو السارق‪ ،‬و لو أثبت أن المسروق‬
‫كان يهلك عند المالك لو أنه رد إليه‪.‬‬

‫الفـــرع الثانــي‬

‫النظـــام القانونــي للتعويـــض‬

‫األصل أن القاضي هو الذي يقدر التعويض المستحق‪ .‬لكن هذا التقدير ال يتم إال إذا توافرت شروط استحقاقه‪.‬‬
‫و لذلك يجب أن نعرض لشروط استحقاق التعويض‪ ،‬ثم نعرض بعد ذلك لقواعد هذا التقدير‪ ،‬سواء من حيث طريقة‬
‫التقدير‪ ،‬و عناصر هذا التقدير‪ ،‬و مداه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفقـــرة األولــى‬

‫شـــروط استحقـــاق التعويـــض‬

‫نصت المادة ‪ 176‬مدني‪ ":‬إذا استحال على المدين أن ينفذ االلتزام عينا‪ ،‬حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن‬
‫عدم تنفيذ التزامه‪ ،‬ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب ال يد له فيه‪ ،‬و يكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين‬
‫في تنفيذ التزامه"‪.‬‬

‫هذ النص ينصرف إلى المسؤولية المدنية بنوعيها‪ ،‬سواء أكانت مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية‪ ،‬و يتضح من‬
‫ذلك أن شروط استحقاق التعويض هي نفس أركان المسؤولية المدنية‪ ،‬و هذه األركان هي الخطأ و الضرر و عالقة‬
‫السببية‪.‬‬

‫و لذلك نحيل إلى دراسة المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية في القسم األول من نظرية االلتزام و الخاص‬
‫بمصادر االلتزام‪.‬‬

‫الفـــقرة الثانيـــة‬

‫قواعـــــد تقديــــر التعويــض‬

‫في هذا الصدد سوف ندرس طريقة التعويض‪ ،‬ثم نعرض بعد ذلك لعناصره لنقف بعد ذلك على مداه‪.‬‬

‫أوال‪ -‬طريقــــة التعويـــض‬

‫القاضي يقدر التعويض عادة بمبلغ من النقود‪ ،‬سواء في ذلك المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية ‪ ،‬أو أي‬
‫التزام منشؤه مصدر أخر‪ .‬و مع ذلك قد يكون التعويض غير نقدي في بعض الحاالت‪ ،‬بل تعويضا عينيا فيجوز‬
‫للقاضي أن يحكم بهدم حائط أقامها المالك تعسفا لحجب النور و الهواء عن جاره‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬عناصــــر التعويـــض‬

‫الذي يقوم بتقدير التعويض عادة هو القاضي كما قدمنا‪ ،‬و قد نصت المادة ‪ 182‬مدني‪ ":‬إذا لم يكن التعويض‬
‫مقد ار في العقد أو في القانون‪ ،‬فالقاضي هو الذي يقدره‪ ،‬و يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة و ما فاته من‬
‫كسب‪ ،‬بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بااللتزام أو للتأخر في الوفاء به‪ ،‬و يعتبر الضرر نتيجة طبيعية‬
‫إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫غير أنه إذا كان االلتزام مصدره العقد‪ ،‬فال يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيما إال بتعويض الضرر‬
‫الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد"‪.‬‬

‫و نرى من هذا النص أن للتعويض عنصرين‪ :‬ما أصاب الدائن من الخسارة‪ ،‬و ما ضاع عليه من الكسب‪.‬‬
‫فالقاضي إذن في تقديره للتعويض‪ -‬سواء التعويض عن عدم التنفيذ أو التعويض عن التأخر في التنفيذ‪ -‬يدخل في‬
‫حسابه هذين العنص رين‪ .‬فيقدر أوال ما أصاب الدائن من ضرر بسبب عدم تنفيذ المدين اللتزامه أو بسبب تأخره في‬
‫هذا التنفيذ‪ .‬ثم يقدر بعد ذلك ما فات الدائن من كسب‪ .‬و مجموع هذين هو التعويض‪.‬‬

‫فالمدين الذي ال يقوم بتنفيذ التزامه عن تسليم بضاعة تعهد بتسليمها للدائن‪ ،‬يدفع تعويضا عما أصاب الدائن من‬
‫خسارة بسبب اضط ارره لشراء هذه البضاعة بثمن أعلى‪ ،‬و عما ضاع عليه من ربح بسبب فوات صفقة رابحة ثبت أنه‬
‫كان يعقدها لو قام المدين بتنفيذ التزامه و سلمه البضاعة في الميعاد المتفق عليه‪ .‬و الممثل الذي ال يقوم بتنفيذ‬
‫التزامه من إحياء ليلة تمثيلية يدفع ت عويضا للدائن عما أصابه من خسارة بسبب ما أنفقه في تنظيم هذه الليلة‪ ،‬و عما‬
‫ضاع عليه من ربح كان يجنيه لو أن الممثل قام بالتزامه‪ .‬و هكذا‪.‬‬

‫و غني عن البيان أنه ال يكون هناك محل للتعويض إذا لم يصب الدائن ضرر و لم يفته كسب من جراء عدم‬
‫قيام المدين بتنفيذ التزامه أو من جراء تأخره في ذلك‪ .‬و كثي ار ما يتحقق هذا األمر في حالة مجرد تأخر المدين في‬
‫تنفيذ التزامه‪ .‬و قد يتحقق أيضا في حالة عدم التنفيذ‪ ،‬كما إذا لم يقم محام بالتزامه نحو موكله من التقدم بقيد رهن‬
‫لمصلحته‪ ،‬و يتبين أن تخلف المحامي عن القيام بالتزامه لم يلحق بالموكل ضر ار و لم يفوت عليه نفعا‪ ،‬لو أنه كان‬
‫قيد الرهن لمصلحته لما كان هذا القيد منتجا ألن العقار مثقل برهون سابقة تستغرقه‪.‬‬

‫و الدائن هو الذي يقع عليه عبء اإلثبات‪ ،‬فيثبت مقدار ما أصابه من ضرر و مقدار ما فاته من كسب‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬مـــــدى التعويــــض‬

‫قدمنا أن الغرض األساسي من التعويض هو جبر الضرر الذي أصاب الدائن‪ .‬و لذلك كانت قيمة الضرر كقاعدة‬
‫عامة هي العامل األساسي في تحديد مبلغ التعويض المستحق عنه‪ ،‬إال أن هذا المبدأ يرد عليه قيدان‪ :‬األول خاص‬
‫بكل االلتزامات سواء أكانت عقدية أم غير عقدية‪ ،‬و الثاني خاص بااللتزامات العقدية‪.‬‬

‫أ‪-‬التعويض عن الضرر المباشر دون الضرر غير المباشر‪ :‬ال يلزم المدين في المسؤولية المدنية بنوعيها إال‬
‫بالتعويض عن الضرر المباشر دون األضرار غير المباشرة‪ .‬هذا يفترض بطبيعة الحال أن هناك أض ار ار تعاقبت على‬
‫عدم التنفيذ أو التأخر فيه‪ ،‬مما استلزم معه تحديد ما يسأل عنه المدين من هذه األضرار‪ .‬و لذلك كان المبدأ العام‬
‫في المسؤولية المدنية بنوعيها‪ ،‬هو قصر التعويض على األضرار المباشرة دون األضرار غير المباشرة ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫و الضرر المباشر هو الضرر الذي يعتبر نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بااللتزام أو للتأخر في الوفاء به‪ .‬و يعتبر‬
‫الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول (المادة ‪ 1/182‬مدني)‪.‬‬

‫و بناء على ذلك‪ ،‬فإن ترك الدائن األضرار تتالحق واحد في إثر آخر‪ ،‬رغم أنه كان يستطيع تالفيها ببذل جهد‬
‫معقول‪ ،‬يعتبر هذا خطأ من جانبه يقع عليه نتائجه و ال يسأل عنها المدين‪ .‬و يمكن تبرير هذا الحكم من ناحية أخرى‬
‫بأن األضرار التي تكون نتيجة طبيعية لخطأ المدين التي تثبت كل الثبوت صلتها بعدم تنفيذ االلتزام‪ ،‬هي وحدها التي‬
‫تحتفظ من الناحية القانونية بعالقة السببية بينها و بين الخطأ‪ .‬أما غيرها من األضرار‪ ،‬و هي األضرار غير المباشرة‬
‫التي ال تكون نتيجة طبيعية للخطأ أو التي ال تثبت كل الثبوت اتصالها‪ ،‬فتقطع عالقة السببية بينها و بين الخطأ و‬
‫ال يكون المدعى عليه مسؤوال عنها‪.‬‬

‫ب‪ -‬ال تعويض في المسؤولية العقدية إال عن الضرر المتوقع‪ :‬بعد أن بينت الفقرة األولى من المادة ‪ 182‬مدني‬
‫القواعد العامة في كيفية تقدير التعويض عن الضرر الناتج عن اإلخالل بالتزام أيا كان مصدره‪ ،‬و ذلك ببيان عناصر‬
‫التعويض‪ ،‬و قصر التعويض في المسؤولية المدنية على الضرر المباشر و تحديد المقصود بهذا الضرر‪ ،‬نصت‬
‫الفقرة الثانية من ذات المادة على أن التعويض في المسؤولية العقدية يقتصر على التعويض عن الضرر المتوقع دون‬
‫الضرر غير المتوقع‪ ،‬و ذلك على خالف األمر في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فيما عدا حالتي الغش و الخطأ الجسيم‬
‫حيث يشمل التعويض الضرر المتوقع و غير المتوقع‪.‬‬

‫يجب أن نحدد المقصود بالضرر المتوقع و وقت هذا التوقع و معياره‪:‬‬

‫فمن حيث المقصود بالضرر المتوقع فإنه ال يكفي أن يكون الضرر متوقع في سببه أو وقوعه لكي يسأل المدين‬
‫عن تعويضه كامال بل يجب أن يكون متوقعا في مقداره‪ ،‬فال يسأل المدين إال عن القدر المتوقع منه‪.‬‬

‫العبرة في توقع الضرر بوقت التعاقد‪ .‬فلو أن الضرر لم يكن متوقعا وقت العقد‪ ،‬و لكنه صار ممكن التوقع بعد‬
‫ذلك أي في الفترة ما بين انعقاد العقد و اإلخالل بااللتزام‪ ،‬فال يكون المدين مسؤوال عن تعويضه‪.‬‬

‫معيار توقع الضرر موضوعي مجرد‪ .‬فالضرر المتوقع وفقا لنص المادة ‪ 2/182‬مدني‪ ،‬هو " الضرر الذي كان‬
‫يمكن توقعه عادة " فليس المقصود هو الضرر الذي توقعه المدين فعال أو كان يستطيع هنا المدين بالذات أن يتوقعه‪،‬‬
‫و إنما الضرر الذي كان يمكن أن يتوقعه الشخص العادي لو وجد في مثل الظروف الخارجية التي وجد فيها المدين‪.‬‬

‫المطلــــب الثانـــي‬

‫التعويــض االتفاقــي ( الشـــرط الجزائــي)‬

‫‪10‬‬
‫بعد أن وضعت المادة ‪ 182‬مدني المبدأ و هو أنه " إذا لم يكن التعويض مقد ار في العقد أو في القانون‪ ،‬فالقاضي‬
‫هو الذي يقدره‪ "...‬جاءت المادة ‪ 183‬مدني لتنص على أنه‪ ":‬يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص‬
‫عليها في العقد‪ ،‬أ و في اتفاق الحق‪ ،‬و تطبق في هذه الحالة أحكام المواد ‪ 176‬إلى ‪."181‬‬

‫و على ضوء ذلك يجب أن نعرض أوال للتعريف بالشرط الجزائي‪ ،‬و ثانيا لشروط استحقاق الشرط الجزائي‪ ،‬و‬
‫ثالثا للتكييف القانوني للشرط الجزائي‪ ،‬و رابعا آلثاره و سلطة القاضي إزاءه‪.‬‬

‫الفـــرع األول‬

‫التعريــف بالشـــرط الجزائــــي‬

‫إذا كان األصل أن القاضي هو الذي يقوم بتقدير التعويض على النحو السابق بيانه‪ ،‬إال أنه ليس ثمة ما يمنع من‬
‫اتفاق الطرفين مقدما على مقدار التعويض المستحق للدائن ف ي حالة عدم تنفيذ المدين اللتزامه أو التأخر فيه‪.‬‬

‫فالشرط الجزائي هو اتفاق يقدر فيه الطرفان مقدما مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه‬
‫أو إذا تأخر في تنفيذه‪ ،‬و سمي بالشرط الجزائي ألنه يوضع عادة كشرط ضمن شروط العقد األصلي الذي يستحق‬
‫ا لتعويض على أساسه‪ .‬لكن قد ال يدرج الشرط الجزائي في صلب العقد األصلي بل يتضمنه اتفاق الحق( المادة ‪183‬‬
‫مدني)‪ .‬في هذه الحالة ينبغي أن يكون هذا االتفاق سابق على واقعة إخالل المدين بالتزامه‪ ،‬أي سابقا على عدم تنفيذ‬
‫المدين اللتزامه أو التأخر فيه‪ ،‬ألنه إذا كان الحق ا لها فإنه يعتبر صلحا ال شرطا جزائيا‪ .‬كما أنه ليس هناك ما يمنع‬
‫من االلتجاء إلى الشرط الجزائي في تقدير التعويض المستحق عن اإلخالل بالتزام غير عقدي‪ ،‬فمثال إذا كان اإلخالل‬
‫بالعقد مكونا لجريمة كجريمة خيانة األمانة‪ ،‬و اتفق المتعاقدان سلفا على التعويض عن مسؤولية تقصيرية‪ ،‬و كذلك‬
‫االتفاق على تعويض يستحقه الدائن في حالة فسخ العقد‪.‬‬

‫و كما هو واضح فإن الشرط الجزائي قد يكون شرطا جزائيا عن عدم التنفيذ‪ ،‬و ذك إذا اتفق الطرفان مقدما على‬
‫مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه‪ ،‬و قد يكون شرطا ج ازئيا عن التأخير‪ ،‬و ذلك إذا‬
‫اتفق الطرفان على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن غذا تأخر المدين في التنفيذ‪ .‬و من أمثلة األول‪ ،‬ما تحدده‬
‫السكة الحديد و شركات النقل من مبلغ معين تدفعه المصلحة أو الشركة إذا ما فقد طرد أو تلف‪ .‬و من أمثلة الثاني‪،‬‬
‫ما ينص عليه في عقود المقاوالت من التزام المقاول بدفع مبلغ معين عن كل فترة زمنية معينة يتأخر فيها عن إتمام‬
‫العمل الذي تعهد به‪.‬‬

‫و إذا كان الغالب أن يكون الشرط الجزائي مبلغا من النقود إال أنه ليس هناك ما يمنع من أن يكون شيئا أو عمال‬
‫أو امتناعا أو تقصير ميعاد في استعمال الحق أو تشديد في شروط استعماله أو غير ذلك‪ .‬مثل ذلك اشتراط حلول‬

‫‪11‬‬
‫جميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها‪ ،‬أو إذا اتفق المؤجر و المستأجر على أن يسلم المستأجر‬
‫األرض بعد انتهاء اإليجار خالية من الزراعة و إشترط في العقد أن الزراعة التي تكون قائمة عند انتهاء اإليجار‬
‫تصبح ملكا للمؤجر تعويضا له عن اإلخالل بهذا االتفاق‪ ،‬و في هذه الحاالت لم يكن الشرط الجزائي مقد ار بمبلغ‬
‫معين من النقود‪ ،‬و إنما كان التعويض محددا بغير النقود‪.‬‬

‫الفـــرع الثانــي‬

‫شـــروط استحقـــاق الشــرط الجزائـــي‬

‫يتبين من نص المادة ‪ 183‬مدني سالفة الذكر‪ ،‬أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض‪ ،‬و‬
‫إنما نشأ التعويض من مصدر آخر‪ ،‬يغلب أن يكون عقدا كما مر القول‪ .‬و عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه الناشئ من‬
‫هذا العقد هو السبب في استحقاق التعويض عن عدم التنفيذ‪ ،‬و كذلك تأخر المدين في تنفيذ التزامه العقدي هو السبب‬
‫في استحقاق التعويض عن التأخير‪ .‬و الشرط الجزائي إنما هو تقدير المتعاقدين مقدما لكل من التعويضين‪.‬‬

‫فشروط استحقاق الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض‪ .‬و قد قدمنا أن شروط استحقاق التعويض‬
‫القضائي هي وجود خطأ من المدين‪ ،‬و ضرر يصيب الدائن‪ ،‬وعالقة سببية ما بين الخطأ و الضرر‪ ،‬و اعذار المدين‪.‬‬
‫فهذه هي أيضا شروط استحقاق الشرط الجزائي‪.‬‬

‫شرط الخطأ‪ :‬فال يستحق الشرط الجزائي إذن إال إذا كان هناك خطأ من المدين‪ .‬و الغالب أن يكون هذا الخطأ‬
‫خطأ عقديا كما أسلفنا القول‪ .‬فإذا لم يكن هناك خطأ من المدين‪ ،‬فال مسؤولية في جانبه‪ ،‬و ال يكون التعويض‬
‫مستحقا‪ .‬و من ثم ال محل إلعمال الشرط الجزائي‪ ،‬فما هو إال تقدير لتعويض قد استحق‪ ،‬و لم يستحق التعويض‬
‫كما قدمنا‪.‬‬

‫شرط الضرر ‪ :‬ال يستحق الشرط الجزائي كذلك إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن‪ .‬ذلك أن الضرر من أركان‬
‫استحقاق التعويض‪ ،‬فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقا‪ ،‬و ال محل إلعمال الشرط الجزائي في هذه الحالة‪.‬‬

‫شرط عالقة السببية ‪ :‬ال يستحق الشرط الجزائي إال إذا قامت عالقة السببية بين الخطأ و الضرر‪ .‬أما إذا انتفت‬
‫هذه العالقة بثبوت السبب األجنبي‪ ،‬أو انتفت بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسؤولية العقدية مباش ار و‬
‫لكنه غير متوقع‪ ،‬فعند ذلك ال تتحقق المسؤولية‪ ،‬و ال يستحق التعويض‪.‬‬

‫شرط االعذار ‪ :‬االعذار شرط الستحقاق الشرط الجزائي في جميع األحوال التي يجب فيها اعذار المدين‪ .‬أما في‬
‫األحوال التي ال ضرورة فيها لالعذار‪ ،‬فإنه ال يشترط ‪ .‬و قد تقدم ذكر كل ذلك تفصيال‪ .‬و ما دام التعويض ال يستحق‬

‫‪12‬‬
‫إال باالعذار في األحوال التي يج ب فيها‪ ،‬فإنه إذا لم يقم الدائن باعذار المدين في هذه األحوال لم يكن التعويض‬
‫مستحقا‪ ،‬و ال يكون ثمة هناك محل إلعمال الشرط الجزائي‪ ،‬و قد أشارت المادة ‪ 183‬مدني إلى وجوب تطبيق‬
‫النصوص المتعلقة باالعذار( المادة ‪ 181 -180‬مدني)‪ .‬و أن مجرد وجود شرط جزائي ال يعفي من االعذار‪ ،‬و ال‬
‫يعتبر و جود هذا الشرط اتفاقا صريحا أو ضمنيا على إعفاء الدائن من اعذار المدين‪.‬‬

‫الفــــرع الثالـــــث‬

‫التكييــف القانونـــــي للشـــرط الجزائـــي‬

‫االلتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع لاللتزام األصلي ال التزام أصيل‪ .‬أما االلتزام األصيل الذي يتبعه االلتزام‬
‫بالشرط الجزائي فهو ما التزم به المدين أصال بالعقد أو بغيره من مصادر االلتزام‪ ،‬فقد يلتزم بنقل ملكية أو بعمل أو‬
‫باالمتناع عن عمل‪ ،‬ثم يتفق مع الدائن على مبلغ معين يقدران به التعويض فيما إذا أخل المدين بالتزامه‪.‬‬

‫و يترتب على أن االلتزام بالشرط الجزائي التزام تابع أمران‪(:‬أوال) أن العبرة هي بااللتزام األصلي ال بالشرط‬
‫الجزائي‪(.‬ثانيا) بطالن االلتزام األصلي يستتبع بطالن الشرط الجزائي‪ ،‬أما بطالن الشرط الجزائي فال يستتبع بطالن‬
‫االلتزام األصلي‪.‬‬

‫أوال‪-‬العبرة بااللتزام األصيل ال بالشرط الجزائي‪ :‬ال يستطيع الدائن أن يطالب المدين إال بااللتزام األصلي مادام‬
‫تنفيذه ممكنا‪ .‬كذلك ال يجوز للمدين أن يعرض على الدائن إال االلتزام األصلي‪ .‬و إنما يستطيع الدائن أن يطالب‬
‫بالشرط الجزائي‪ ،‬و يستطيع المدين أن يعرضه على الدائن‪ ،‬إذا أصبح تنفيذ االلتزام األصلي مستحيال بخطأ المدين‪.‬‬
‫أما إذا صبح تنفيذ االلتزام األصلي مستحيال بسبب أجنبي‪ ،‬فقد انقضى هذا االلتزام‪ ،‬و ال يجوز عندئذ للدائن المطالبة‬
‫بالشرط الجزائي‪ ،‬ألن الشرط الجزائي ليس إال تقدي ار لتعويض مستحق‪ ،‬و هنا ال يستحق الدائن تعويضا ما‪.‬‬

‫و ينبني على ما تقدم أن الشرط الجزائي‪ -‬كالتعويض‪ -‬ال يعتبر التزاما تخييريا و ال التزاما بدليا‪ .‬فهو ليس بالتزام‬
‫تخييري‪ ،‬ألن الدائن ال يستطيع أن يختار بين االلتزام األصلي و الشرط الجزائي تنفيذ أيهما‪ ،‬بل هو ال يستطيع أن‬
‫يطلب إال تنفيذ االلتزام األصلي ما دام هذا ممكنا‪ .‬و ألن المدين هو أيضا ال يملك هذا الخيار‪ ،‬بل هو ال يستطيع‬
‫إال أن يعرض تنفيذ االلتزام األصلي ما أمكنه ذلك‪ .‬و الشرط الجزائي ليس بالتزام بدلي‪ ،‬ألن المدين ال يملك أن يعدل‬
‫عن تنفيذ االلتزام األصلي إذا كان ممكنا إلى تنفيذ الشرط الجزائي كبديل عن االلت ازم األصلي‪ .‬و إنما االلتزام بالشرط‬
‫الجزائي هو التزام تابع لاللتزام األصلي‪ ،‬يبقى ببقائه و ينقضي بانقضائه‪ .‬فإذا ما أصبح تنفيذ االلتزام األصلي مستحيال‬
‫بخطأ المدين‪ ،‬تغير محل االلتزام األصلي و أصبح تعويضا تكفل الشرط الجزائي بتقديره‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ثانيا‪ -‬بطالن االلتزام األصلي يستتبع بطالن الشرط الجزائي و ال عكس‪ :‬إذا كان االلتزام األصلي باطال‪ ،‬كان‬
‫الشرط الجزائي و هو التزام تابع باطال كذلك‪ .‬فإذا عقد االلتزام األصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة‪ ،‬أو تعهد‬
‫شخص بارتكاب جريمة و إال دفع مبلغا معينا كشرط جزائي‪ ،‬كان كل من االلتزام األصلي و الشرط الجزائي باطال‪.‬‬

‫و لكن إذا كان الشرط الجزائي باطال‪ ،‬فال يستتبع ذلك أن يكون االلتزام األصلي باطال‪ ،‬ألن الشرط الجزائي التزام‬
‫تابع‪ ،‬فال يتعلق به مصير االلتزام األصلي‪ .‬مثل ذلك أن يشترط الدائن المرتهن‪ ،‬كشرط جزائي إذا لم يستوف الدين‬
‫عند حلوله‪ ،‬أن يبيع العين المرهونة دون إتباع اإلجراءات الواجبة قانونا أو أن يتملك العين‪ ،‬ففي هذه الحالة يكون‬
‫الشرط الجزائي باطال دون أن يبطل االلتزام األصلي‪.‬‬

‫و يترتب على تبعية الشرط الجزائي أيضا أن الدائن إذا اختار عند إخالل المدين بالتزامه األصلي‪ ،‬فسخ العقد بدال‬
‫من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي‪ ،‬سقط االلتزام األصلي بمجرد فسخ العقد ‪ ،‬و سقط معه الشرط الجزائي ألنه تابع‬
‫له‪ ،‬و يطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقا للقواعد العامة التي تقدم ذكرها‪ ،‬و ال يطالب‬
‫بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي‪.‬‬

‫الفــرع الرابــع‬

‫ما يترتـــب عـــلى الشرط الجزائـــي مــن أثــر‬

‫تنص المادة ‪ 184‬مدني‪ ":‬ال يكون التعويض المحدد في االتفاق مستحقا إذا اثبت المدين أن الدائن لم يلحقه‬
‫أي ضرر‪.‬‬

‫و يجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا أو أن االلتزام األصلي قد‬
‫نفذ في جزء منه‪.‬‬

‫و يكون باطال كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين أعاله"‪.‬‬

‫و تنص المادة ‪ 185‬مدني‪ ":‬إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المحدد في االتفاق‪ ،‬فال يجوز للدائن أن يطالب‬
‫بأكثر من هذه القيمة إال إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما"‪.‬‬

‫و نرى من نصوص القانون المدني سالفة الذكر أنه متى وجد الشرط الجزائي على النحو الذي بسطناه‪ ،‬و أصبح‬
‫مستحقا‪ ،‬لم يبق إال القضاء به على المدين‪ ،‬فإنه تعويض مقدر ارتضاه مقدما‪ ،‬فالحكم عليه به حكم بما ارتضاه على‬
‫نفسه‪ .‬و لكن الشرط الجزائي ال يستحق إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر‪ ،‬و هذا ما تنص عليه الفقرة‬
‫األولى من المادة ‪ 184‬مدني‪ ،‬و يتبين من هذا النص أن الشرط الجزائي بالنسبة إلى وقوع الضرر‪ ،‬ال يخلو من فائدة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫فوجود هذا الشرط يجعل الضرر واقعا في تقدير المتعاقدين‪ ،‬و لذلك يفترض وقوع الضرر‪ ،‬و ال يكلف الدائن إثباته‪،‬‬
‫و على المدين إذا ادعى أن الدائن لم يلحقه أي ضرر‪ ،‬أن يثبت ذلك‪ .‬فعبء إثبات الضرر إذن‪ -‬خالفا للقواعد‬
‫العامة‪ -‬ينتقل من الدائن إلى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي‪ .‬يبقى بعد هذا أن الشرط الجزائي‪ -‬كما تقول المادتان‬
‫‪ 185 -184‬مدني‪ -‬قابل للتخفيض و قابل للزيادة‪ .‬هناك ثالث حاالت يجوز أن يتدخل القاضي فيها ليعدل الشرط‬
‫الجزائي‪ .‬فنبحث متى يجوز تخفيضه‪ ،‬و متى تجوز زيادته‪.‬‬

‫الفقـــرة األولـــى‬

‫متى يجــوز تخفيض الشـــرط الجزائــي‬

‫يتبين من ن ص الفقرة الثانية من المادة ‪ 184‬مدني أنه يجوز للقاضي أن يخفض الشرط الجزائي في حالتين‪:‬‬
‫(أولهما) إذا نفذ المدين االلتزام األصلي في جزء منه‪ .‬و (الثانية) إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط‬
‫الجزائي كان مبالغا فيه إلى درجة كبيرة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تنفيذ االلتزام األصلي في جزء منه‪ :‬يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أصال‪،‬‬
‫فإذا كان المدين قد قام بتنفيذ جزء من التزامه‪ ،‬فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي‬
‫بنسبة ما نفذ المدين من التزامه‪ .‬و يعتبر األساس هو المبلغ المقدر في الشرط الجزائي‪ ،‬فيخفض هذا المبلغ إلى‬
‫النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من االلتزام األصلي‪ .‬و يقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي على المدين‪.‬‬

‫و قد يتفق الطرفان على استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين االلتزام األصلي تنفيذا سليما‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫بأن لم ينفذه أصال او نفذه تنفيذا معيبا‪ .‬و في هذه الحالة يستحق الشرط الجزائي كله إذا كان هناك عيب في التنفيذ‪،‬‬
‫نزوال على اتفاق الطرفين‪ .‬و لكن إذا كان هذا العيب غير جسيم بحيث يكون الشرط الجزائي‪ ،‬كتعويض عنه‪ ،‬مبالغا‬
‫فيه إلى درجة كبيرة‪ ،‬جاز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد المناسب كما سنرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬تقدير التعويض في الشرط الجزائي مبالغ فيه إلى درجة كبيرة‪ :‬المبدأ أن الشرط الجزائي في حالة عدم‬
‫التنفيذ يحتفظ بقوته الملزمة‪ .‬و لذلك ال يكفي أن يثبت المدين أن الشرط الجزائي يجاوز مقدار الضرر الذي لحق‬
‫بالدائن‪ ،‬حتى يستطيع القاضي أن يخفض هذا الشرط‪ ،‬و إال نكون قد نزعنا كل فائدة للشرط الجزائي‪ .‬فينبغي أن‬
‫يمارس القاضي هذه السلطة بحذر و بطريقة استثنائية‪ ،‬حالة ما إذا كان الشرط الجزائي مجحفا بالمدين‪ .‬و عبء‬
‫اإلثبات يق ع على المدين‪ ،‬حيث يتعين عليه أن يثبت أن تقدير التعويض كان مبالغ فيه إلى درجة كبيرة‪ .‬فإذا ما أثبت‬
‫المدين ذلك يقوم القاضي بخفض التعويض إلى الحد المعقول‪ ،‬أي إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر‪ ،‬ال إلى الحد‬
‫المساوي للضرر‪ ،‬آخذا في االعتبار إرادة المتعاقدين و مصالح الدائن و حسن نية المدين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫و للقاضي في هذا الصدد سلطة تقديرية واسعة فيما يقرره أو ينفيه من مبالغة في التعويض المشروط أو فيما يراه‬
‫حدا مناسبا لتخفيضه‪ .‬و ال رقابة عليه في ذلك من جانب محكمة النقض‪.‬‬

‫و األحكام التي قدمناها‪ -‬وقوع ضرر الستحقاق الشرط الجزائي و جواز تخفيض هذا الشرط للتنفيذ الجزئي أو‬
‫للمبالغة في التقدير‪ -‬تعتبر من النظام العام‪ ،‬فال يجوز االتفاق على ما يخالفها‪ .‬و قد نصت الفقرة الثالثة من المادة‬
‫‪ 184‬مدني صراحة على ذلك إذ تقول" و يكون باطال كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين أعاله"‪.‬‬

‫و من ثم ال يجوز للطرفين أن يضيفا إلى الشرط الج زائي أنه واجب الدفع على كل حال‪ ،‬حتى لو لم يقع ضرر‬
‫أو قام المدين بتنفيذ االلتزام تنفيذا جزئيا أو تبين أن التقدير مبالغ فيه غلى درجة كبيرة‪ .‬و لو تم االتفاق على ذلك‪،‬‬
‫كان هذا االتفاق باطال لمخالفته للنظام العام‪ ،‬و جاز للقاضي بالرغم من وجوده أال يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين‬
‫أن الدائن لم يلحقه أي ضرر‪ ،‬و أن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ االلتزام تنفيذا جزئيا أو أن‬
‫التقدير كان مبالغ فيه إلى درجة كبيرة‪.‬فالقانون هنا يحمي المدين‪ ،‬و يعتبر أن رضاءه يمثل هذا االتفاق أقرب إلى‬
‫اإلذعان منه إلى القبول‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‬

‫متى تجوز زيادة الشرط الجزائي‬

‫إذا تبين على العكس مما تقدم‪ ،‬أن التعويض المقدر ليس مبالغا فيه بل هو أقل من الضرر الواقع‪ ،‬فإن القاضي‬
‫مع ذلك ال يزيده ليكون مساويا للضرر‪ ،‬بل يحكم به هو‪ .‬و يكون الشرط الجزائي في هذه الحالة بمثابة تخفيف‬
‫لمسؤولية المدين‪ ،‬و االتفاق على التخفيف من المسؤولية أو اإلعفاء منها جائز‪ ،‬فقد قضت الفقرة الثانية من المادة‬
‫‪ 178‬مدني بجواز االتفاق على إعف اء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذه التزامه التعاقدي إال ما ينشأ‬
‫عن غشه أو خطئه الجسيم‪.‬‬

‫و معنى ذلك أنه إذا زاد الضرر على التعويض المقدر‪ ،‬و لكن الدائن أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ‬
‫جسيما‪ ،‬فإن الشرط الجزائي الذي جاز أن يخفف من مسؤولية المدين في حالة الخطأ العادي ال يستطيع أن يخفف‬
‫من مسؤوليته في حالتي الغش و الخطأ الجسيم‪ .‬و ينبني على ذلك أن القاضي يزيد في مقدار التعويض حتى يصبح‬
‫معادال للضرر الذي وقع‪ ،‬و ال يمنعه من ذلك أن التعويض مقدر في الشرط الجزائي‪ ،‬فإن الدائن في اتفاقه مع المدين‬
‫على تقدير ا لتعويض لم يدخل في حسابه غش المدين أو خطأه الجسيم‪ ،‬و ال ينبغي أن يحسب هذا الحساب‪.‬‬

‫على أن الفقرة الثانية من المادة ‪ 178‬مدني تضيف إلى ما تقدم أنه يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن‬
‫الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه‪ .‬و ينبني على ذلك أنه يجوز االتفاق على‬

‫‪16‬‬
‫شرط جزائي يقدر التعويض الذي يستحق من جراء تحقق مسؤولية األشخاص الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه‪،‬‬
‫و ال يجوز للقاضي زيادة هذا التعويض حتى لو جاوز الضرر المبلغ المقدر و وقع غش أو خطأ جسيم من األشخاص‬
‫الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه‪ .‬ذلك أن الشرط الجزائي في هذه الحالة يعتبر اتفاقا على تخفيف المسؤولية‬
‫عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من تابعي المدين‪ ،‬و مثل هذا االتفاق جائز كما قدمنا‪.‬‬

‫‪17‬‬

You might also like