You are on page 1of 236

‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....

‬احملاضرة األوىل‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬
‫المحاضرة األولى من محاضرات الدعاء‬
‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪:‬‬

‫الدّعاء في طول المشيئة اإللهية‬

‫توطئة‬

‫كان البحث في السنة السابقة حول عالم الملكوت‪ ،‬والفروع المتعلقة بالملكوت‪ ،‬وما‬
‫زلنا بعون هللا تبارك وتعالى نواصل هذا البحث إال إنّ هللا تبارك وتعالى وفّقنا خالل‬
‫هذه السنة بدراسة منفصلة عن حياة كميل بن زياد النخعي وذلك مق ّد ً‬
‫مة لدراسة دعاء‬
‫كميل المشهور قراءته عند ال ّ‬
‫شيعة اإلمامية‪ ،‬فدرسنا في جلسات ع ّدة شخصية كميل‬
‫وإثبات إنّ ك ّل الطرق الصوفية السنية تقريبا ً تمر بكميل بن زياد النخعي عن طريق‬
‫ٌ‬
‫سقط واق ٌع بين الحسن البصري واألمير (عليه‬ ‫الحسن البصري‪ ،‬وأثبتنا أن هناك‬
‫السالم)‪ ،‬فاجمعت ال ُس ّنة الصوفية على أن الحسن البصري أخذ كل معارف ِه من األمير‬
‫(عليه السالم) حتى ابن تيمية اعترف بذلك ولم يناقشه‪.‬‬
‫إنما الكالم في أن الحسن البصري هل تلقّى كل هذه الحقائق‪ ،‬والمعارف عن األمير‬
‫مباشر ًة؟ أو عن أحد أصحابه؟ فأثبتنا خالل هذه ال ّدراسات المستوعبة أنه أخذ هذه‬
‫المعارف عن األمير (عليه السالم) بواسطة كميل بن زياد النخعي(رحمه هللا)‪.‬‬
‫فبعد إثبات هذا المطلب اتضح أن كل ما لدى عرفاء ال ُس ّنة من حقائق‪ ،‬ومعارف‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫إلهية كلها ترجع إلى األمير (عليه السالم)‪ ،‬وإلى كميل بن زياد‪ ،‬ويشهد على علو‬
‫درجة كميل بن زياد هذا الدعاء المروي عنه‪ ،‬باسم دعاء كميل‪ ،‬وتشهد عليه روايات‬
‫ُنقلت عن كميل ولو بأسانيد مختلفة‪ ،‬وحتى مُر َسلة‪ ،‬ولكن بعض‬ ‫عرفانية ع ّدة‬
‫األحاديث رواها أهل ال ُس ّنة‪ ،‬وحتى دعاء كميل أثبتنا أنّ فقرات من دعاء كميل رواها‬
‫أهل ال ُس ّنة وليس ال ّ‬
‫شيعة فقط‪.‬‬
‫على كل تقدير انتهينا عن هذا البحث المفصل والذي هو تالي تلو البحث عن‬
‫معروف الكرخي وإثبات صلة معروف الكرخي باإلمام الرضا (عليه السالم)‪.‬‬
‫فأثبتنا بحمد هللا‪ ،‬بحول هللا‪ ،‬بعون هللا‪ ،‬وبعناية األمير (عليه السالم) أن كل ما لدى‬
‫ال ُس ّنة من روايات‪ ،‬وحكايات‪ ،‬ومعارف عن الحسن البصري كلها تصل إلى كميل ابن‬
‫زياد النخعي‪ ،‬وعن طريق كميل تصل إلى األمير ( عليه السالم) إذ بحثناها بحثا‬
‫مفصال‪.‬‬
‫فوصلنا إلى نفس دعاء كميل‪ ،‬فبدأنا مجالس ع ّدة لدراسة حقيقة الدعاء؛ ألن دعاء‬
‫كميل يعتبر من صغريات الدعاء‪ ،‬وأحد مصاديق الدعاء‪ ،‬فأول شيء يجب أن نعرف‬
‫الدعاء‪.‬‬

‫حقيقة الدعاء‪:‬‬

‫الدعاء تار ًة يستخدم بمعنى المناجاة مع هللا تبارك وتعالى‪ ،‬وأخرى يستخدم‬
‫بمعنى الطلب من هللا بتحقيق ما نتمناه ولم نقدر على تحقيقه بقدراتنا‪ ،‬وبمشيئتنا‪،‬‬
‫وبأعمالنا‪ ،‬وبتخطيطنا‪ ،‬وبتدبيرنا‪ ،‬فنطلب ُه من هللا تبارك وتعالى‪ ،‬فنطلب من هللا تبارك‬
‫ّ‬
‫يحقق هذه األمنيات‪ ،‬و الطلبات‪ ،‬فنحن يجب أن ندرس الطلب ما هي حقيقة‬ ‫وتعالى أن‬
‫الطلب؟ والداعي ماذا يطلب؟ يعني‪ :‬ما معنى الطلب؟ وما معنى الدعاء؟ وما معنى‬
‫حقيقة ال ّدعاء؟ ألن هللا تبارك وتعالى ضمن اإلجابة(( َو َقا َل َرب ُك ُم ْادعُونِي أَسْ َت ِجبْ‬
‫لَ ُك ْم ۚ))(غافر‪ ) ٦٠ :‬إذا دعوتموني فأنا أجيبُ دعوتكم‪.‬‬
‫يجب أن نلتفت إننا تارة ندرس هذا المعنى بالمنظار العالي‪ ،‬وأخرى بالمنظار‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫ال ّداني‪ .‬المنظار العالي يعني ماذا؟ المنظار العالي يعني‪ :‬نحن ننظر كما هللا تبارك‬
‫وتعالى ينظر إلى الدعاء أي هللا كيف ينظر إلى الدعاء‪ ،‬والمالئكة المقربون كيف‬
‫ينظرون إلى ال ّدعاء؟ ألنه توجد عوالم مرتفعة‪ ،‬وتوجد عوالم عالية تختلف نظراتهم‪،‬‬
‫وتوجّ ههم بالنسبة إلى ال ّدعاء عن التوجّ هات واألفكار واآلراء التي نحنُ ننظر بها إلى‬
‫ال ّدعاء‪.‬‬

‫مستويات الدعاء‬

‫فال ّدعاء له مستويان‪:‬‬

‫المستوى األول‪ :‬معنى الدعاء على حسب مستوانا(بالمنظار الداني)‪:‬‬


‫المستوى الثاني‪ :‬معنى الدعاء على حسب مستوى هللا والعوالم العليا(بالمنظار‬
‫العالي)‪:‬‬
‫فللدعاء على حسب مستوانا معنى‪ ،‬وللدعاء على حسب مستوى هللا والعوالم‬
‫األخرى و العوالم العليا معنى آخر‪.‬‬

‫دراسة المستوى األول‪ :‬معنى الدعاء على حسب مستوانا‪:‬‬


‫نحنُ على حسب مستوانا نقول نريد شيء إما شيئا دنيويا‪ ،‬أو أخرويا‪ ،‬فهذا‬
‫ّ‬
‫يتحقق في الخارج بسبب عجزنا‪ ،‬أو بسبب عدم توفر العوامل الالزمة‬ ‫الشيء ال‬
‫لتحقيق هذا الشيء في الخارج‪ ،‬فماذا نفعل؟ نطلب من هللا‪ ،‬ونبكي‪ ،‬ونتضرع‪ ،‬ونقول‪:‬‬
‫يا هللا يا هللا‪ ،‬فاهلل تبارك وتعالى يترحّم علينا‪ ،‬فيقول يا عبدي؛ ألنك طلبت هذا مني‪،‬‬
‫وبكيت‪ ،‬وأبكيت‪ ،‬وأزعجتنا بكثرة دعائك "هيا نعطيك هذا الطلب الذي تريده‪ ،‬فنقول‬
‫الحمد هلل‪ .‬هذا هو الفكر السّائد في أوساطنا أن الدعاء معناه أن هناك شي ٌء لم يتحقق‪،‬‬
‫فنطلب ُه من هللا‪ ،‬ونص ّر عليه‪ ،‬ونضغط عليه‪ ،‬ف ُنجبرهُ على أن يقبل‪ ،‬فيقبل إما بالبكاء‪،‬‬
‫أو بالصدقة أو بأي شيء‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫الخلل الفكري الذي تسببه رؤية الدعاء من المستوى الداني‪:‬‬


‫هذه الفكرة تعني‪ :‬إن هللا جالس في مكان ما عندهُ شيء‪ ،‬ما عندهُ مشيئة‪ ،‬ما عندهُ‬
‫أي شيء فقط ينظر نحن ماذا نطلب نحن مثال‪ :‬نطلب هذا حسنا ً خذ هذا الذي طلبته‪،‬‬
‫وإذا تصر كثيراً تأخذ كثير‪ ،‬فهذا هو الفكر السّائد‪ ،‬و هذا الفكر من المستوى ال ّداني‬
‫غلط‪ ،‬فكيف يجب أن ننظر إلى الدعاء؟‬

‫شرح وإيضاح لمفهوم العوالم وماهيتها‪:‬‬

‫لكي نجيب على هذا السؤال؟ يجب أن ندرس العوالم‪ ،‬وندرس الدعاء ومعناه‬
‫بالنسبة لكل عالم‪.‬‬
‫نحن عندنا حسب الفهم القرآني المهم هو الفهم القرآني‪ :‬ثالثة عوالم‪:‬‬
‫الذات اإللهية المقصود الذات اإللهية وليس الذات الربوبية‪ ،‬فالربوبية اس ٌم ناز ٌل‬
‫ومرتبة نازلة‪ .‬واأللوهية شيء آخر‪.‬‬
‫إذن الذات اإللهية وعالم األمر‪ ،‬وعالم الخلق‪ .‬قال تعالى(( لَ ُه ْال َخ ْل ُق َوا ْألَ ْم ُر ))‬
‫(االعراف‪ )54 :‬فـالضمير (له) يرجع إلى الذات اإللهية في اآلية الشريفة‪.‬‬
‫فإذن األول‪ :‬يكون الذات(غيب الغيوب)‪ ،‬والثاني‪ :‬عالم األمر‪ ،‬و الثالث‪ :‬عالم‬
‫الخلق‪.‬‬
‫عالم الخلق‪:‬‬

‫ماذا يعني عالم الخلق؟ عالم الخلق ليس نحن فقط _كما سيتبين_ فعالمُنا في أسفل‬
‫درجات العوالم‪ .‬فأسفل العوالم هو عالم المادة‪ ،‬ونحن نعيش في عالم المادة‪ ،‬أسفل‬
‫العوالم فما معنى الخلق؟‬
‫حبيبي‪ :‬معنى الخلق‪ ،‬معنى آخر‪ ،‬فاألسماء اإللهية هو عالم الخلق مثالً هللا كريم‬
‫الكرم من عالم الخلق‪ ،‬ومثال هللا رحيم‪ ،‬هللا كذا كذا‪ ،‬فهذه الصفات من عالم الخلق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫عالم األمر(األحدية)‪:‬‬

‫حسنا ً إذا كانت هذه الصفات من عالم الخلق‪ ،‬فأين عال ُم األمر؟ عال ُم األمر أكبر‪،‬‬
‫وأعلى من عالم الخلق قال تعالى(( لَ ُه ْال َخ ْل ُق َو ْاألَ ْمرُ))(االعراف‪ )54 :‬ويوجد في‬
‫وح ۖ قُ ِل الرو ُح ِمنْ أَم ِْر َربِّي))(‬ ‫القرآن الشريف قوله تعالى(( َو َيسْ أَلُو َن َ‬
‫ك َع ِن الر ِ‬
‫اإلسراء‪ )85 :‬فقوله تعالى((أمر ربي)) يعني‪ :‬يقول أنتم ما تفهمون‪ ،‬فيجب أن نتكلم‬
‫عال ما تصل إليه عقول‬
‫ٍ‬ ‫باإلجمال معكم لماذا؟ ألن هذا العالم عالم األمر مستواهُ‬
‫الحكماء‪ ،‬و الفالسفة‪ ،‬فكيف باألشخاص االبتدائيين العاديين‪.‬‬
‫ما هو عالم األمر؟ عالم األمر هو‪ :‬عالم األحدية أول ما يتحقق وال يمكننا أن نقول‬
‫األحدية خلق ال يمكن القول األحدية من الخلق‪ ،‬فاألحدية عالم األحدية هو عالم‬
‫اإلشارة إلى الحق إلى الذات اإللهية‪ ،‬ومظهر هذا العالم هو روح القدس ليس الروح‬
‫األمين بل رو ُح القُدس‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي (قدس سره) في (اإلنسان الكامل) وهو من أحسن‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬والخلق هو‪:‬‬ ‫الكتب في العرفان االسالمي يقول‪ :‬إن الواسطة_ الوسيط_ بين‬
‫رو ُح القدس؛ ألن رو ُح القدس برز ٌخ بين اإلمكان‪ ،‬و الوجوب‪ ،‬وهو أو ُل تعيينات‬
‫ّ‬
‫الحق‪.‬‬
‫الذات اإللهية(غيب الغيوب)‪:‬‬

‫الذات اإللهية ال يمكن اإلشارة إليه بأي نحو من أنواع اإلشارة؛ ألنك باإلشارة‬
‫ح ّددته وهذه الحقيقة ال يمكن تحديدهُا ال بالوهم‪ ،‬وال باإلشارة الحسّية‪ ،‬وال باإلشارة‬
‫العقلية أبدا‪ .‬أبدا‪ .‬أبدا‪ .‬منتف عن ُه كل الصفات‪ ،‬واألمير (عليه السالم) يقول في نهج‬
‫البالغة((لشهادة كل موصوف أنه غير الصفة))‪ ،‬فهو يُنكر تحقق الصفات للحق تبارك‬
‫وتعالى؛ ألن هذه الصفات تح ّدد الذات‪ ،‬فال يمكن اإلشارة إلى الذات األحدية بأي نحو‪.‬‬
‫فإذن ال يمكن أبدا اإلشارة إليه‪ .‬نعم‪ .‬يمكن االشارة في عالم أنزل‪ .‬في عالم أدنى‬
‫من عالم الذات؛ ألن عالم الذات ال يمكن اإلشارة إليه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫االشارة ممكنة لعالم االمر بـ(هو) فقط‪:‬‬

‫عالم األحدية يمكن اإلشارة إليه بح ٍّد واحد‪ ،‬فيمكن االشارة إليه بـ(هو) فقط و هو‬
‫إشارة مبهمة إلى هذه الذات البسيطة عن كل الجهات حتى عن قيد البساطة؛ ألنك إذا‬
‫قيّدت هللا تبارك وتعالى بالبساطة فقد ح ّددته‪.‬‬
‫من هنا األمير (عليه السالم) يقول(( لشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ))‬
‫ويقول((وكما ُل توحيد ِه نف ُي الصفات عنه))‪ ،‬فال يمكن وصفه‪ ،‬فلماذا تنفي الصفات‬
‫عنه؟ ألنك إذا وصفت الذات بالصفة فقد ح ّددت ُه‪ ،‬وهذا شرك‪.‬‬
‫فالمرتبة الثانية عبارة عن مرحلة األحدية‪ ،‬وفي هذه المرحلة تستطيع أن تشير‬
‫إلى الذات‪.‬‬
‫فأنت هنا في االحدية تستطيع أن تشير ولكن االشارة لألحدية فقط إشارة من دون‬
‫ح ّد يعني‪.‬‬
‫اتساع االشارة في العوالم النازلة من األحدية‪:‬‬

‫أنت في هذا العالم في عالم االمر في األحدية تشير بـ(هو) وهل هذا حد‪ ،‬حد‬
‫للذات؟ ال بل حد لهذا العالم لعالم األحدية نقبل‪ ،‬فالحد هو لألحدية ولكن ليس حد للذات‬
‫ليس لغيب الغيوب ليس حد لنفس الذات يعني‪ :‬ليس حد لغيب الغيوب‪.‬‬
‫فهذه الحقيقة غيب الغيوب بمعنى من المعاني _ليس بالدقة العقلية_ نزلت هذه‬
‫الحقيقة ليست هنا في األحدية‪ ،‬فهذا شيء آخر‪ ،‬فاألحدية يعني تح ّددت بح ٍّد واحد وهو‬
‫(هو) األحدية؛ ألن األحدية التفات الحق إلى ذاته‪.١‬‬
‫وبعد عالم األحدية في المراتب النازلة تأتي باقي الحدود‪ ،‬والصفات‪ ،‬وذاك يكون‬
‫عالم الخلق يعني‪ :‬بعد األحدية يأتي عالم األسماء اإللهية ومنه يبدأ عالم الخلق‪ ،‬فعالم‬
‫الخلق ليس عالمُنا فقط بل عالمُنا أسفل أسفل الموجودات يعني نحن أسفل عالم الخلق‪.‬‬

‫‪ 1‬تكفلت حماضرات األحدية ببيان معىن األحدية‪.‬‬


‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫الواحدية عبارة عن عالم الخلق‪:‬‬


‫إذن في قوله تبارك وتعالى (( لَ ُه ْال َخ ْل ُق َو ْاألَ ْمرُ))(األعراف‪ )54 :‬يشير إلى‬
‫شيئين‪ :‬بعبارة أخرى إن الذات اإللهية هللا تبارك وتعالى يمتلك شيئين هما‪ :‬األحدية‪،‬‬
‫والواحدية‪ ،‬وهذا الخلق عبارة عن الواحدية‪.‬‬
‫قرب بعض االسماء من األحدية‪:‬‬
‫توجد أسماء قريبة من األحدية بحيث يمكن أن نقول إن اثنين من األسماء قريبان‬
‫هللا ُ أَ َح ٌد))(االخالص‪ )١ :‬فـ(هو) لعالم‬
‫من األحدية وهما‪ :‬هو و هللا قال تعالى((قُ ْل ه َُو ه‬
‫األحدية‪ ،‬و(هللا) أيضا ً؛ ألن(هللا) عبارة عن الذات المـُستجمع لجميع الصفات الكمالية‪،‬‬
‫فاالسم هللا قريب من األحدية وفي الوقت نفسه يختلف عن األحدية لكن بلحاظ من‬
‫اللحاظات‪ ،‬و وجه من الوجوه‪ ،‬ومبرر من المبررات يمكن ع ّدهُ من األحدية‪.١‬‬

‫األحدية برزخ بين الحق والخلق‪:‬‬

‫المهم هذا العالم عالم األحدية ليس ممكنا ً‪ ،‬وليس واجبا ً‪ ،‬بل برزخ بين اإلمكان‪ ،‬و‬
‫الوجوب‪ .‬الذات اإللهية البسيطة من كل جهة هي الذات التي تكون واجبة أما الذات‬
‫األحدية هي التجلّي األول‪ ،‬والظهور األول عن الحق تبارك وتعالى‪ ،‬فأول ظهور هو‬
‫األحدية‪ ،‬وهذا ليس واجبا وليس ممكنا‪ .‬الممكن يبدأ من الخلق من عالم الواحدية‪ ،‬ومن‬
‫هنا يقولون األحدية برز ٌخ بين الحق و الخلق‪.‬‬
‫الواصلون إلى األحدية محكمون بأحكام األحدية‪:‬‬

‫ليس كل األنبياء واصلون إلى األحدية في هذا العالم‪ ،‬فاألنبياء الواصلون إلى‬
‫األحدية مثال النبي األكرم نبينا (صلى هللا عليه واله)‪ ،‬و األئمة (عليهم السالم) ومن‬

‫‪1‬‬
‫ألن االسم اهلل ظهور لألحدية واالحدية باطن له فهو هبذا اللحاظ قريب من االحدية فضال عن كونه مستجمع لكل‬
‫االمساء والصفات أي كل االمساء مضمحلة فيه حبدودها وماهياهتا ورسومها مضمحلة فيه ‪،‬فهو هبذا اللحاظ يقرتب‬
‫من االحدية أيضا لذا ‪،‬فاالسم اهلل برزخ بني االحدية ‪،‬والواحدية ‪،‬فتارة جنعله من االحدية ‪،‬وأخرى من الواحدية‬
‫حسب اللحاظ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫حذا حذوهم من األنبياء واصلون إلى مرتبة األحدية‪ ،‬أي واصلون إلى مرتبة روح‬
‫القدس قال تعالى ((وأيّدناه بروح القدس))(البقرة‪ )8٧ :‬يعني عيسى (عليه السالم)‬
‫صار مظهراً لروح القدس يعني وصل إلى مقام األحدية‪.‬‬
‫من هنا يقولون نقطة الوحدة بين األحدية والواحدية‪ ،‬هو النبي األكرم (صلى هللا‬
‫فان في روح القدس‪ ،‬ومتح ّد مع روح القدس‪ ،‬وروح القدس‬ ‫عليه واله)؛ ألن النبي ٍ‬
‫ّ‬
‫للحق تبارك وتعالى إذن النبي مرآة كاملة هلل تبارك وتعالى بلحاظ فنائه في‬ ‫مرآة كاملة‬
‫روح القدس‪ ،‬ومن جهة أخرى إن كل الخالئق يرجعون إلى حقيقة النبي‪ ،‬فهو صار‬
‫برزخا ً بين األحدية‪ ،‬والواحدية‪ .‬يعني هو برزخ بينهما كما أن روح القدس برز ٌخ بين‬
‫ّ‬
‫الحق وبين الخلق النبي أيضا يتصّف بصفات روح القدس‪ ،‬يعني‪ :‬ال يوجد فرق بين‬
‫النبي (صلى هللا عليه واله وسلم) وبين هللا إال حد واحد‪ ،‬وهو حد األحدية‪.‬‬
‫ومن هنا يقول الشيخ محمود الشبستري(قدس سره) وهو أحد كبار العرفاء في‬
‫أشعار ِه خالصت ُه هو‪:‬‬
‫بين األحد‪ ،‬واألحمد يوجد فرق بالميم‪ ،‬وكل العالم مستغرق في هذا الميم‪.‬‬
‫بالفارسي‪:‬‬
‫زا احمد تا احد يک ميم فرق است‪.‬‬
‫من األحد الى األحمد الفارق ميم واحد‬
‫جهانی اندر ان يک ميم غرق است‬
‫يعني كل العالم مستغرق في بحر هذا الميم‪ ،‬يشير إلى هذا المعنى‪.‬‬
‫إذن نحن عندنا ثالثة عوالم‪:‬‬
‫الذات اإللهية(غيب الغيوب‪ ،‬أو غيب الهوية)‪ ،‬و عالم األمر(األحدية)‪ ،‬و عالم‬
‫الخلق(يبدأ من الواحدية)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫عوالم عالم الخلق‪:‬‬


‫عالم األسماء الكلية‪ ،‬وبعده يأتي عالم األرواح‪ ،‬وعالم األنفس (النفوس)‪ ،‬و عالم‬
‫الملكوت‪ ،‬وعالم الملك‪ ،‬وعالم الناسوت‪ ،‬وعالم إلى تحت األرض؟ فكم من العوالم‬
‫نحنُ ال نعرفها‪.‬‬

‫دراسة المستوى الثاني‪ :‬معنى الدعاء على حسب مستوى هللا والعوالم‬
‫العليا(بالمنظار العالي)‪:‬‬
‫اختالف الدعاء في عالم األمر عنه في عالم الخلق‪:‬‬

‫نريد ندرس الدعاء وكان بحثنا في هذا‪ :‬إذا أهل األحدية ال ّساكنون‪ ،‬القاطنون في‬
‫عالم األحدية عندما ينظرون إلى الدعاء كيف ينظرون إلى ال ّدعاء؟ هم ينظرون بشكل‬
‫آخر حبيبي! هم يقولون أراد هللا أن يعطي لهذا العبد هذا الشيء‪ ،‬فيمنّ علي ِه بهذا‬
‫الشيء‪ ،‬فيُلقي في قلب ِه أن يتضرع‪ ،‬وأن يدعوا هللا تبارك وتعالى يعني‪ :‬ال ّدعاء في‬
‫طول المشيئة اإللهية‪ .‬هللا يريد يعطيه‪ ،‬فهو يطلب‪.‬‬
‫قال‪ :‬المولوي الرومي‪.‬‬
‫چون خدا خواهد که غفاری کند‪.‬‬
‫ميل بنده جانب زاری کند‪.‬‬
‫إذا أراد هللا تبارك وتعالى يريد أن يتقمّص بقميص الغفارية يُلقي في روع العبد‬
‫أن يبكي ويتضرع‪ ،‬ويطلب من هللا‪ ،‬وهللا يعطيه‪ ،‬ولكن بسبب رأفت ِه‪ ،‬وكرم ِه‪ ،‬وعظمت ِه‬
‫يقول‪ :‬يا عبد أنت طلبت‪ .‬وأنا ألجلك أعطيتك مع أنه ليس للعبد أي دور‪ ،‬فيظن العبد‬
‫ُ‬
‫تعبت مثال عشرين يوما‪ ،‬أو أربعين يوما طلبت‪ ،‬فحصلت على هذا األمر‪ .‬إذا‬ ‫أنه‪ :‬أنا‬
‫كان هذا تفكيرك‪ ،‬فمن فوق يضحكون عليك وأصل المطلب نحنُ نريد نعطيك‬
‫فألهمناك الطلب‪ ،‬وثم اعطيناك مثل الشخص الذي يعطي لولده‪ ،‬أو لحفيده ماالً‪،‬‬
‫ونقودا‪ ،‬ويأخذه ويجعله في جيبه‪ ،‬وبعد فترة يقول حبيبي عندك نقود قليلة ُتقرضني‬
‫ويجري الحديث بين الجد والطفل مثال كم تريد يا جد؟ هذا المقدار أريد‪ .‬ولكن بعد كم‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫يوم تعطيني‪ ،‬ويعطيه والجد يقول له‪ :‬هذا قليل جدا‪ .‬أنا أعطيتك‪ ،‬وكل هذه األمور لعبة‬
‫لكي ترضى أنت‪.‬‬
‫( چون که با کودک سر وکارت فتاد‪ .‬بس زبان کودکی بايد گشاد‪) .‬‬
‫عندما كان عيشك مع األطفال‪ ،‬فيجب أن تتعلّم لسان األطفال‪ ،‬وتعيش مع أفكارهم‬
‫ومستواهم الفكري‪.‬‬
‫فأهل األحدية‪ ،‬ودون األحدية‪ ،‬من المالئكة المقربون إذ كثير من المالئكة ما‬
‫وصلوا إلى مقام األحدية العالون فقط وصلوا إلى مقام األحدية‪ ،‬ومن هنا قال تعالى((‬
‫ِين))(ص‪ )٧5 :‬يا شيطان هل أنت استكبرت؟ أو أنت كنت‬ ‫ت أَ ْم ُك َ‬
‫نت م َِن ْال َعال َ‬ ‫أَسْ َت ْك َبرْ َ‬
‫من العالين الذين لم أوجب عليهم أن يسجُدوا آلدم لماذا؟ ألن آدم يسجُد لهم؛ ألن هم‬
‫مسجود آلدم‪ ،‬فمن هؤالء العالون؟ في قصة آدم (عليه السالم) في هذا الشأن يقول‬
‫العارف ابن الفارض بحق الرسول األكرم(صلى هللا عليه واله وسلم)‪:‬‬
‫فلي منه(فيه) معنى شاهد بأبوتي‬ ‫ُ‬
‫كنت إبنُ آدم طينة(صورة)‬ ‫واني وإن‬
‫يعني على الرغم من أني ابن آدم من ناحية الطين والماء‪ ،‬ولكن أنا أبوهُ أبو آدم‬
‫يعني ماذا أبو آدم؟ يعني آدم صار مسجُوداً للمالئكة؛ ألجلي‪ ،‬وحتى آدم يجب أن يسجُد‬
‫للنبي‪.‬‬
‫النبي مظهر لألحدية‪:‬‬
‫ما معنى النبي مظهر األحدية‪ :‬حبيبي كل عالم الخلق يرجع إلى عالم األمر تكوينا ً‬
‫للحق‪ ،‬والسم األحدية تكوينا ً يسجُد يعني‪ :‬ال يستطيع إال أن‬
‫ّ‬ ‫فكل ما في الوجود يسجُد‬
‫ّ‬
‫ومتحقق من األحدية ونازل من األحدية‪ ،‬فإذن ليس كل‬ ‫يسجد‪ ،‬فكل شيء مت ّكون‪،‬‬
‫المالئكة المُقرّ بين واصلين إلى مقام األحدية‪.‬‬
‫وهؤالء الذين لم يصلوا إلى مقام األحدية‪ ،‬ولكن لهم صلة بمقام األحدية يضحكون‬
‫علينا عندما نتف ّكر نحنُ طلبنا‪ ،‬وأصررنا‪ ،‬وألححنا كثيراً‪ ،‬وصمنا‪ ،‬وصلّينا‪ ،‬وتص ّدقنا‪،‬‬
‫وكذا و كذا‪ ،‬وبسبب مجاهداتنا‪ ،‬وبسبب دعائنا هللا أعطانا يعني‪ :‬ضغطنا عليه‪ ،‬فصار‬
‫ال بد أن يعطينا‪ ،‬يعني هللا تبارك وتعالى صنع هذا الشيء بسبب ضغطنا وتضرعنا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫هذا التفكير أضحوكة للعاليين‪ ،‬فعندما يتف ّكرون إن هذا العابد يعبد هللا على هذا‬
‫األساس يضحكون عليه‪ ،‬ومن هنا هذا الشخص ممنوع أن يصل إلى مقام األحدية؛‬
‫ألنه يرى نفسه؛ ألنه يرى هللا تبارك وتعالى متأثر‪ ،‬فاهلل تبارك وتعالى ليس متأثرا بأي‬
‫شيء‪ .‬وحقيقة األمر‪ :‬هللا يريد يعطيك هذا الشيء فيُلقي في قلبك ال ّدعاء‪.‬‬
‫إذن الدعاء في عالم األمر يختلف عن الدعاء في عالم الخلق‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة األوىل من حماضرات الدعاء ‪1 ..............................................‬‬
‫البحث‪1 ...................................................................... :‬‬
‫ال ّدعاء يف طول املشيئة اإلهلية ‪1 ....................................................‬‬
‫توطئة ‪1 .........................................................................‬‬
‫حقيقة الدعاء‪2 ................................................................ :‬‬
‫مستويات الدعاء‪3 ...............................................................‬‬
‫املستوى األول‪ :‬معىن الدعاء على حسب مستوانا(باملنظار الداين)‪3 ............... :‬‬
‫املستوى الثاين‪ :‬معىن الدعاء على حسب مستوى اهلل والعوامل العليا(باملنظار العايل)‪3 :‬‬
‫دراسة املستوى األول‪ :‬معىن الدعاء على حسب مستوانا‪3 ....................... :‬‬
‫اخللل الفكري الذي تسببه رؤية الدعاء من املستوى الداين‪4 ...................... :‬‬
‫شرح وإيضاح ملفهوم العوامل وماهيتها‪4 ............................................ :‬‬
‫عامل اخللق‪4 ................................................................... :‬‬
‫عامل األمر(األحدية)‪5 ........................................................... :‬‬
‫الذات اإلهلية(غيب الغيوب)‪5 ................................................... :‬‬
‫االشارة ممكنة لعامل االمر بـ(هو) فقط‪6 ............................................ :‬‬
‫اتساع االشارة يف العوامل النازلة من األحدية‪6 ...................................... :‬‬
‫الواحدية عبارة عن عامل اخللق‪7 ...............................................:‬‬
‫قرب بعض االمساء من األحدية‪7 ................................................. :‬‬
‫األحدية برزخ بني احلق واخللق‪7 .................................................. :‬‬
‫الواصلون إىل األحدية حمكمون بأحكام األحدية‪7 .................................. :‬‬
‫عوامل عامل اخللق‪9 .............................................................. :‬‬
‫دراسة املستوى الثاين‪ :‬معىن الدعاء على حسب مستوى اهلل والعوامل العليا(باملنظار‬
‫العايل)‪9 ........................................................................:‬‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة األوىل‬

‫اختالف الدعاء يف عامل األمر عنه يف عامل اخللق‪9 ................................. :‬‬


‫النيب مظهر لألحدية‪10 ......................................................... :‬‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬
‫الطاه َ‬‫ّبين َّ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬
‫المحاضرة ال ّثانية من محاضرات الدّعاء‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬ ‫شيخ قاسم ّ‬ ‫لسماحة ال ّ‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َشهر‬

‫البحث‬
‫ضرورة التجاوز عن النفس وطلباتها للوصول إلى الفناء الذاتي‪.‬‬

‫أشعار للعارف ابن الفارض المصري‪:‬‬


‫ِزدني ب َفرْ طِ الحُبّ فيك َتحيّرا‬
‫وارح ْم حشىً بل َظى هواك تسعّرا‬
‫َ‬
‫ً‬
‫حقيقة‬ ‫ك‬
‫ك أن أرا َ‬
‫وإذا سألت َ‬
‫فاس َمح وال تجع ْل جوابي لن َترى‬
‫يا قلبُ َ‬
‫أنت وع َدتني في ُحبّهم‬
‫صبراً فحاذر أن َتضِ َ‬
‫يق و َتضجرا‬ ‫َ‬
‫هو الحياةُ فم ْ‬
‫ُت ِب ِه‬ ‫إنَّ الغرا َم َ‬
‫موت و ُتع َذرا‬
‫ص ّبا ً فحقّك أن َت َ‬
‫َ‬
‫قُل للّ َ‬
‫ذين تق َّدموا َقبلي ومِن‬
‫بعدي و َمن أضحى ألشجاني َي َرى‬
‫ولي اسمعوا‬
‫عني خذوا وبي اقتدوا َ‬
‫الورى‬ ‫وتح ّدثوا َ‬
‫بصبابتي بين َ‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫الحبيب و َبيْننا‬ ‫ولقد خلَ ْو ُ‬


‫ت مع َ‬
‫النسيم إذا سرى‬
‫ِ‬ ‫أر ّق َ‬
‫من‬ ‫سِ رٌّ َ‬
‫وأبا َح َطرْ في َن ْظر ًة ْ‬
‫أمل ُتها‬
‫ت معروفا ً و ُك ْن ُ‬
‫ت ُم َن َّكرا‬ ‫َف َغد َْو ُ‬
‫وجاللِ ِه‬
‫بين جمالِ ِه َ‬
‫ت َ‬ ‫َف ُد ِه ْش ُ‬
‫وغدا لسانُ الحال ع ّني م ُْخ ِبرا‬
‫محاسن وجْ هه‬
‫ِ‬ ‫ك في‬‫فأَدِرْ ل َِحا َظ َ‬
‫جميع الحُسْ ِن فيه ُم َ‬
‫ص َّورا‬ ‫َ‬ ‫َت ْل َقى‬
‫لو أنّ ُك ّل الحُسْ ِن يك ُم ُل صُور ًة‬
‫ورآهُ كان ُم َهلِّالً و ُم َكبِّرا‬

‫توطئة‪:‬‬
‫كان الكالم في كيفية النظر إلى الدعاء‪ ،‬وأنه تار ًة ننظر بالمنظار األمري وأخرى‬
‫ننظر إلي ِه بالمنظار الخلقي على أساس ((لَ ُه ْال َخ ْل ُق َو ْاألَمْ ُر))(االعراف‪ ،)٥٤ :‬فبالنسبة‬
‫إلى المنظار األول في الحقيقة هذا ال ّدعاء الصادر عن اإلنسان ناشئ من المشيئة‬
‫ٌ‬
‫مقترنة مع دعاء هذا‬ ‫اإللهية التي تعلّقت بتحقيق شيء في الخارج إال ّ أن هذه المشيئة‬
‫ال ّداعي‪ ،‬فكأن هللا تبارك وتعالى يريد أن ينفذ مشيئت ُه ولكن من خالل دعوة هذا ال ّداعي‬
‫إذن الفضل للمشيئة وليس لل ّداعي‪.‬‬

‫الدعاء ظهور للمشيئة االلهية‪:‬‬


‫وهذا النوع من التفكير يمنع السالك‪ ،‬وال ّداعي من الوقوع في المهالك؛ ألن‬
‫اإلنسان إذا استمر في ال ّدعاء‪ ،‬وأحسّ أن ك ّل دعائه‪ ،‬أو ك ّل دعواته‪ ،‬أو أكثر دعواته‬
‫تستجاب تحصل له حالة الغرور‪ ،‬فيتف ّكر أنه هو السبب في اجابة دعواته‪ ،‬في ّدعي‬
‫الربوبية‪ ،‬فيحسُ أنه على بساط القرب وما يطلب شيء من هللا إالّ هللا تبارك وتعالى‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫ّ‬
‫ينفذهُ إذن يصبح هللا تبارك وتعالى والعياذ باّلِل خادما ً لمشيئت ِه‪ ،‬وطلبات ِه‪ ،‬ومن هنا تبدأ‬
‫األنانية‪ ،‬وال ّنفسانية‪.‬‬
‫ماذا نفعل حتى نتحصن من االنزالق؟ المشكلة في تو ّجه هذا الداعي‪ ،‬فهذا‬
‫ال ّداعي يجب‪ ،‬وينبغي له أن يلتفت إلى أن هذا ال ّدعاء‪ ،‬وهذا البكاء‪ ،‬وهذا االبتهال‪،‬‬
‫وهذا التضرع ليس من ُه بل هذا ظهور مشيئة هللا‪ ،‬فاّلِل تبارك وتعالى منَّ علي ِه بأن‬
‫ّ‬
‫تتحقق هذه المشيئة في هذا المجرى مجرى دعائ ِه‪ ،‬وليس له أي فضل‪ ،‬ويستطيع هللا‬
‫طريق آخر يضبط ُه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تبارك وتعالى عن‬
‫فعدم االلتفات إلى حقيقة ال ّدعاء في عالم األمر يسبب مشاكل نفسية لدى ال ّداعي‬
‫على م ّر الزمان دائما يعني يكون هكذا يسبب مشاكل‪ ،‬وبالتدريج يقع في االستدراج‪ ،‬و‬
‫المكر اإللهي‪.‬‬
‫معنى المكر االلهي‪:‬‬
‫المكر اإللهي يعني ماذا؟ يعني‪" :‬توارد النعم مع سوء األدب" يعني‪ :‬هللا تبارك‬
‫وتعالى يعطيك ك ّل شيء تطلب ُه‪ ،‬ولكن أنت ما عندك أدب‪ ،‬فهذا خطِ ر‪ ،‬فال يغ ّرك‬
‫استجابة دعواتك كما غ ّر بلعم بنْ باعوراء؛ ألن بلعم بن باعوراء أي شيء كان يطلب‬
‫من هللا‪ ،‬و هللا كان يعطي ِه‪ ،‬فقال أنا من المقرّ بين‪ ،‬فدعا على موسى؛ ألنه كان يرى‬
‫نفسه من المقرّ بين‪.‬‬
‫إذن المشكلة في سوء األدب‪ .‬سوء األدب من أين حصل؟ سوء األدب نشأ من أنه‬
‫تحقق الشيء‪ ،‬فيرى لتضرع ِه تأثيراً‪ ،‬ويصبح السالك أعمى عن‬
‫ّ‬ ‫يرى لدعائه تأثيراً في‬
‫رؤية هذ ِه الحقيقة‪ ،‬وهي أن دعاءه في طول المشيئة اإللهية‪ .‬وهللا تبارك وتعالى يريد‬
‫يمنَّ عليك بشيء‪ ،‬فيلهمُك‪ ،‬ويبعث فيك التوجه نحو ال ّدعاء‪ ،‬وأنت ترى هذا ال ّدعاء من‬
‫نفسك‪ ،‬وعندما هللا تبارك وتعالى يستجيب دعواتك ترى نفسك من أفضل عباد ِه؛ ألنه‬
‫لماذا هللا ما يستجيب لألخرين‪ ،‬فهذه المشكلة موجودة في كثير م ّنا‪ ،‬في حياتنا‬
‫االعتيادية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫فمثال إذا شخص خاصمنا في المال‪ ،‬أو في الكالم ثم يبتعد ع ّنا وتأتي سيارة‬
‫تصطدم به فماذا نقول؟‪ :‬آه انظر أنت كسرت‪ ،‬أو جرحت قلبي‪ ،‬فصار هكذا‪ ،‬هذا كفر‪،‬‬
‫هذه نفسانية‪ ،‬هذه أنانية‪ ،‬فالقصة شيء آخر‪.‬‬
‫لماذا ترى نفسك من عباد هللا المُخلَصِ ين الذين هللا تبارك وتعالى دائما يس ّددهم‬
‫لماذا أنت تتف ّكر هكذا؟ وترى نفسك‪ ،‬فهذا من سوء األدب إذن تقع في مشكلة رؤية‬
‫النفس إذ تتراءى لك نفسك بأحسن‪ ،‬وأجمل الصور‪ ،‬فتراها قريبة من هللا مثال‪ ،‬فتقول‬
‫ك ّل َمنْ عارضني‪ ،‬فهو بعيد عن هللا‪ ،‬وك ّل َمنْ أحبني‪ ،‬فهو قريب من هللا‪.‬‬
‫فهل هذه عبودية؟! هذه ليست عبودية بل هذه ربوبية‪ ،‬دعوة الربوبية‪.‬‬
‫الناشئ من البكاء الكثير‪ ،‬يبكي يطلب من هللا‪ ،‬أصبح مستجاب الدعوة‪.‬‬
‫أقول لكم‪ :‬أكثر االشخاص الذين عندهم حالة استجابة ال ّدعوات أكثرهم مبتلون بالمكر‬
‫اإللهي‪ ،‬واالستدراج؟ ألن أكثرهم ما عندهم أدب‪ ،‬ومبتلون بسوء األدب لكن هم ما‬ ‫ٰ‬

‫يعرفون‪ ،‬وأهل األدب يعرفون أن هذا العمل‪ ،‬وهذا النحو من التوجّه خالف األدب‪،‬‬
‫وهذا من سوء األدب‪.‬‬

‫اليمكن استخدام االمام جسرا للطلبات‪:‬‬


‫مثالً أنا آتي وأجعل اإلمام (عليه السالم) جسراً لوصولي إلى مراتب دنيوية أنا‬
‫أعتقد باإلمام الرضا(عليه السالم)‪ ،‬وأنا خادم لإلمام الرضا (عليه السالم)‪ ،‬وأنا كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ولكن اإلمام ميت‪ .‬ذهب‪ .‬انتهى‪ .‬والناس يعتقدون به‪ ،‬بل الماليين من الناس‬
‫يعتقدون بهذا اإلمام‪ ،‬النفس تقول لإلنسان مثال‪ :‬لماذا أنت جالس هكذا استخدم هذا‬
‫االمام‪ ،‬هذه آلة‪ ،‬هذه وسيلة‪ ،‬هذه ماكنة تستطيع أن تشغلها لنفسك؟ وممكن هذا اإلنسان‬
‫ال يقبل أن يتق ّدم بهذا األمر ولكن الخ ّناسون يصرّون علي ِه‪ ،‬يصرّ ون علي ِه‪ :‬ال يا حبيبي‬
‫واجب عليك أن تفعل وتستخدم االمام وآخر شيء يجعل اإلنسان اإلمام (عليه السالم)‬
‫جسراً ل ّدنياهُ مثل األشخاص الذين يجعلون هللا تبارك وتعالى جسراً لمطالبهم ال ّدنيوية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫قصة‪ :‬خداع أهل المدينة‪:‬‬


‫هللا يرحم الحاج أبو فخر الطهراني نقل لنا قصة غريبة جداً‪ ،‬وفي غاية الغرابة‬
‫ُ‬
‫كنت ألطمئن بهذه القصة يقول‪ :‬في مدينة (محالت) وأكثر‬ ‫ولو لم ينقل ُها هو لي ما‬
‫الناس بالمدينة في الزمن السابق مثال قبل ستين سنة كانوا يشتغلون خارج المدينة في‬
‫الزراعة‪ ،‬فالصبح يخرجون إلى الصحراء‪ ،‬ويشتغلون بالغابات وكذا وفي العصر‬
‫يرجعون‪ ،‬فحصلت عندهم سرقات لكن ليس معلوما ً من سرق؟ إذ يرجعون إلى‬
‫بيوتهم‪ ،‬فما من أحد بالمدينة‪ ،‬والناس الموجودون بالمدينة قليلون ويرون أنهم سرقوا‬
‫ويصرخون‪ :‬ال يوجد أثاثنا‪ ،‬و ال توجد بضاعتنا‪ ،‬ويبحثون وال يجدون‪ ،‬فيمشون إلى‬
‫عالِم بالمدينة‪ ،‬وهذا العالم كان ي ّدعي أنه مرتبط باّلِل كثيراً‪ ،‬وأن هللا يكشف له الحقائق‪،‬‬
‫فيذهبون إليه ويقولون له‪ :‬أنت عالِم بالغيب موالنا‪ .‬سيدنا‪ .‬شيخنا‪ .‬من سرقنا؟ ثم قالوا‬
‫ال نريد من سرقنا‪ .‬أين بضاعاتنا؟ فهو يقول مثال‪ :‬غداً تأتون لي‪ ،‬وأنا أتكلم مع هللا‪،‬‬
‫وأسأل عن مكان بضاعتكم المسروقة‪ ،‬وفي الغد يأتي الناس إليه فيقول‪ :‬فالن بضاعتك‬
‫تحت الشجرة الفالنية في تلك الغابة‪ ،‬في تلك الحديقة أمشي إلى هناك‪ ،‬وابحث‪ ،‬تجدها‪،‬‬
‫والمسكين يمشي‪ ،‬ويبحث ويجد بضاعته فيقول‪ " :‬هللا أكبر "‪ ،‬فيرجع إليه ويقول له‪:‬‬
‫مشكورين‪ .‬موالنا‪ .‬هل أعطيك شيئا؟ " قال‪ :‬ال‪ .‬أبداً‪ ،‬أبداً‪ ،‬فقط دعاؤكم‪ ،‬دعاؤكم فقط‪.‬‬
‫وهذه القصة استمرت عشرات المرات بحيث اشتهر هذا الشخص بأنه بسبب صلته‬
‫باّلِل عندما يطلب من هللا هللا يُريه مكان هذه السرقات‪ .‬و بعد فترة قبضوا عليه إذ هو‬
‫من كان يقوم بأعمال السرقة‪ ،‬فالناس عندما يمشون إلى خارج المدينة يسرق هو‬
‫اغراضهم وال يأخذ شيئا منها فقط يضعها في مكان اخر حتى يشتهر بين الناس عندما‬
‫يسألونه عن مكانها ويخبرهم‪ ،‬فيقولون هذا متصل بالغيب‪ ،‬ويعرف الغيب‪.‬‬
‫أنا قلت هذا شيء غريب لو لم ينقل ُه أبو فخر الطهراني ما كنت ألصدق بهذا‬
‫ّ‬
‫تتحقق هذه األمور‪.‬‬ ‫الكالم لكن كل شيء في هذه الدنيا ممكن يصير ويحدث وممكن‬
‫فال يوجد فرق بين هذا اللص‪ ،‬وبين ذاك اآلخر الذي اشتهر بأنه مستجاب ال ّدعوة‬
‫والناس يمشون إليه وهو ال يسرق‪ ،‬ولكن يطلب من هللا بأدوات مختلفة‪ :‬إما‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫بالحجابات‪ ،‬أو بكذا‪ ،‬وكذا‪ ،‬وهللا يضبط له! فهذا سوء األدب‪.‬‬
‫نحنُ نقول الفرض األعلى إن االنسان يبكي‪ ،‬ويتضرع‪ ،‬ويدعو‪ ،‬وهللا يكشف له‬
‫هذا من سوء األدب‪ .1‬حبيبي معرفة هذه األمور صعبة قليالً على االنسان‪.‬‬

‫األنبياء واألئمة عليهم السالم ال يطلبون إال ما يريده هللا تعالى ويشاؤه‪:‬‬
‫بشكل عام األنبياء الكملين‪ ،‬واألئمة (عليهم السالم)‪ ،‬واألولياء بالنسبة إلى طلباتهم‬
‫ُون إِ َّال أَن َي َشا َء َّ‬
‫هللا ُ ۚ ))(االنسان‪ )٣٠‬يعني‬ ‫(و َما َت َشاء َ‬
‫ما عندهم أي طلب قال تعالى( َ‬
‫ماذا؟ يعني إذا يريدون شيء‪ .‬أول شيء ال يريدون إال ّ ما يريده هللا تبارك وتعالى‪ ،‬فهم‬
‫يريدون ُه لماذا؟ ألنهم جاوزوا عالم الخلق‪ ،‬ووصلوا إلى عالم األمر‪ ،‬وصارت مرآة‬
‫وجودهم‪ ،‬وصار وجودهم مرآة لمشيئة هللا تبارك وتعالى‪ ،‬وال تنعكس في مرآة‬
‫ضمائرهم إال ّ المشيئة اإللهية‪ .‬يعني الشيء الذي هللا تبارك وتعالى ال يريدهُ ال يقع في‬
‫ُون إِ َّال أَن َي َشا َء َّ‬
‫هللا ُ ۚ))(االنسان‪ ،)٣٠ :‬فهم مظاهر‬ ‫قلوبهم‪ ،‬حتى هم يريدوه (( َو َما َت َشاء َ‬
‫مشيئة هللا‪.‬‬
‫اليمكن تصور أن األنبياء واألئمة اليعرفون ماذا يريد هللا‪:‬‬
‫إذا قلنا إنهم في واقعة ال يعرفون هللا ماذا يريد‪ ،‬فيطلبون‪ ،‬ويصرّ ون‪ ،‬وكذا‪ ،‬وكذا‪،‬‬
‫وهللا يكشف لهم‪ .‬ال‪ .‬ليس هكذا‪ ،‬فحتى طلباتهم‪ ،‬وأدعيتهم ما تكون إالّ باإلذن اإل ٰلهي‬
‫إذا سُم َح لهم‪ ،‬إذا أُذ َِن لهم يطلبون‪ ،‬وإذا لم يُؤذن لهم‪ ،‬فمعناهُ هللا تبارك وتعالى ال يريدهُ‬
‫ال بالنسبة إليهم‪ ،‬وال بالنسبة إلى غيرهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يعين‪ :‬الفرض األعلى إذا كان الدعاء وجعل اهلل أو االمام وسيلة نستخدمها الغراض دنيوية بالتضرع والبكاء مرفوض‬
‫ومن سوء األدب بالتايل الفروض األدىن قطعا مرفوضة ومن سوء األدب كاستعمال احلجابات وغريها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫الدعاء بالنسبة إلى عالم الذات‪:‬‬


‫نحنُ تكلمنا عن عالم األمر‪ ،‬والخلق أما ال ّدعاء بالنسبة إلى عالم الذات‪ ،1‬فال‬

‫يوجد دعاء هناك؟ ألن كل الصفات هناك زائلة‪ ،‬كل التعيّنات زائلة‪.‬‬
‫إذن المنظار األولي بالنسبة إلى الدعاء إمّا في عالم األمر‪ ،‬وإمّا في عالم الخلق‬
‫أمّا بالنسبة إلى عالم الذات اإللهية‪ ،‬فال يوجد دعاء‪ ،‬وال يوجد مدعو‪ ،‬وال يوجد داعي‪.‬‬
‫ال يوجد أي شيء؛ ألنه هناك هللا تبارك وتعالى فقط‪.‬‬

‫السالك بمقدار اقترابه إلى المبدأ األعلى تنخفض طلباته‬


‫ّ‬
‫الحق يجب أن‬ ‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬ويسلك طريق‬ ‫بشكل عام السالك عندما يريد يمشي إلى‬
‫يتجاوز عن كل الطلبات سوا ٌء الطلبات ال ّنفسانية‪ ،‬أو حتى الطلبات اإللهية؛ ألن أحد‬
‫األمور التي يجب أن يتجاوزهُ السالك هو الطلب؛ ألن الطلب صفة من الصفات‬
‫والسالك يجب علي ِه أن يتجاوز عن الصفات‪ ،‬يحب هللا جيد عندك حب من هللا‪ ،‬ولكن‬
‫يجب أن تصل إلى مستوى حتى هذا الحب يزول عنك؛ ألن الحب من الصفات‪ ،‬وأنت‬
‫يجب أن تتجاوز عن الصفات‪ .‬تحب ُه ألجلك‪ ،‬أو ألجله؟ إذا تحب ُه ألجلك‪ ،‬فأنت ما تقبل‬
‫الهجران‪ ،‬وال تقبل البُعد‪ ،‬ولكن إذا تحب ُه ألجله تقبل أي شيء‪ ،‬و كل شيء يكون عندك‬
‫بالتساوي‪.‬‬

‫عالمة التجاوز عن الطلب‪:‬‬


‫عالمة التجاوز عن الطلبات أن يكون كل شيء متساو عندك سوا ٌء هللا تبارك‬
‫وتعالى اعطاك‪ ،‬أو منعك‪ ،‬وهذه الحالة في البداية ال تحصل للسالك بل تحصل لدى‬
‫المتأخرين الذين جاوزوا األنانية وجاوزوا االشارة إلى أنفسهم يعني‪ :‬للذين فوق‬

‫‪ 1‬املقصود من التكلم عن الدعاء يف عامل األمر هو منظور الدعاء من األعلى ال أن الدعاء يقع يف عامل االمر ففي عامل‬
‫االمر عامل االحدية اليوجد هناك اال احلق والدعاء متصور يف عامل اخللق بالتايل رؤية الدعاء من املنظور العايل من‬
‫منظور االحدية والعوامل العالية دون االحدية للدعاء يف قبال الدعاء من املنظور الداين يف عامل املادة ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫المتوسطين‪ ،‬الذين هم وصلوا إلى قريب المبدأ األعلى إذ يجب أن يكون كل شيء‬
‫بالنسبة إليهم على السواء لماذا؟ ألنهم يفقدون أنفسهم‪ ،‬والشخص الذي يفقد نفس ُه كيف‬
‫يلتذ‪ ،‬ويأخذ بمرتبة دانية من نفس ِه؟ ألن الطلبات تجليات لل ّنفس‪ ،‬ومراتب دانية من‬
‫ال ّنفس‪ ،‬واألدب فإذن هؤالء جاوزوا األنانية‪ ،‬وجاوزوا اإلشارة إلى أنفسهم‪ ،‬فحتما ً‬
‫يتجاوزن باقي األمور أيضا ً‪.‬‬
‫فمثالً نحن نريد أن نضحّي بأنفسنا ألبينا‪ ،‬أو ألمنا‪ ،‬أو ألخينا‪ ،‬أو ألودنا‪ ،‬أو ألحد‬
‫نض ّحي بكامل وجودنا‪ ،‬فهل يصح لنا أن نقول‪ :‬نحن نضحّي بكل شيء ألجل فالن‬
‫ولكن أنا ال أضحّي بهذا ّ‬
‫الظفر‪ .‬أنا أحتفظ به‪ .‬هذا خطأ يعني‪ :‬أنت ض ّحيت بكل شيء‪.‬‬
‫أنت أفنيت كل وجودك في سبيله وتريد تحتفظ بشيء ضئيل‪ ،‬الشخص الذي ضحّى‬
‫بوجود ِه أمام هللا تبارك وتعالى‪ ،‬وأفنى حقيقت ُه‪ ،‬أو يريد يفني حقيقت ُه في هللا تبارك‬
‫وتعالى ليس هناك معنى؛ ألن يبقى عنده طلب ال طلبات نفسانية‪ ،‬وال طلبات أخروية‬
‫فاليصح أن يقول مثال‪ :‬يا هللا! يا هللا! أنا أعطيك‪ ،‬فأعطني الجنة‪ .‬ياّلِل أوصلني إلى‬
‫مقام الفناء‪ ،‬وفي نفس الوقت يكون عندي دار في الجنة فقط أعيش هناك‪ ،‬ومرتاح‬
‫وكذا هذا ما يصير‪ .‬فأنت يجب أن تتجاوز عن كل شيء‪ ،‬وعندما تريد تتجاوز عن‬
‫نفسك يجب أن تتجاوز عن طلباتك‪ ،‬ومن الطلبات الصفات‪ ،‬يعني الصفات اإلنسانية‬
‫ت ختلف عن الذات أنت يجب أن تتجاوز عن صفاتك حتى تستطيع أن تصل إلى الذات‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫إذن ال يطلبون شيئا‪ ،‬والسالك بالمقدار الذي يمشي‪ ،‬ويسلك الطريق تنخفض‬
‫طلباته‪ ،‬فكلما يمشي أكثر‪ ،‬وكلما يقترب إلى المبدأ األعلى تنخفض طلبات ُه؛ ألنه يرى‬
‫هللا تبارك وتعالى يعرف كل شيء‪ .‬هللا يعرف فقره‪ .‬هللا يعرف غناه‪ .‬هللا يعرف‬
‫مرضه‪ .‬هللا يعرف صحته‪ ،‬فقوله‪ :‬أنا أريد كذا هذا خطأ‪ .‬هو محيط بك‪ .‬هو قادر‪ .‬هو‬
‫ناظر يرى كل حركاتك‪ .‬ومن هنا الذين يصلون إلى قرب مرحلة الفناء ال يطلبون من‬
‫هللا شيئا يقولون‪(( :‬علمك بحالي يغني عن سؤالي))‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫السالك في طريق الصعود إلى الحق اليطلب شيئا‪:‬‬


‫ّ‬
‫الحق يجب أن تقطع كل العقبات‪ ،‬وكل الموانع عندما‬ ‫إذن هذا عند الذهاب إلى‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬ويتم الفضل‪ ،‬ويحصل الفناء الكلي‪.‬‬ ‫تصل إلى‬
‫طلب السالك بالرجوع هو طلب الحق‪:‬‬
‫فان في‬
‫بالرجوع تطلب ولكن من يطلب هللا يطلب؛ ألن هللا معك‪ ،‬وأنت أصبحت ٍ‬
‫هللا‪ ،‬فالنبي (صلى هللا عليه واله وسلم) يطلب وبعد الطلب يدعو هذا يكون مقام البقاء‬
‫في هللا‪ ،‬ففي مقام البقاء باّلِل النبي (صلى هللا عليه واله وسلم) يدعو‪ ،‬واإلمام يدعو‪،‬‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك‬ ‫والعارف الكامل يدعو‪ ،‬ويطلب ولكن ليس هو؛ ألنه أفنى نفس ُه في‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫إذن ال تقيسوا دعاء النبي (صلى هللا عليه واله وسلم) بدعائنا‪ ،‬فالنبي (صلى هللا‬
‫عليه واله وسلم) طلب ودعا‪ ،‬وأنا أيضا ً أطلب‪ ،‬وأدعو‪ .‬الماهية تختلف حبيبي! هو في‬
‫ُون إِ َّال أَن َي َشا َء َّ‬
‫هللا ُ ۚ))(االنسان‪ ) :٣٠‬بالحقيقة هذه اآلية‬ ‫(و َما َت َشاء َ‬
‫عالم البقاء في هللا ( َ‬
‫ُون إِ َّال أَن َي َشا َء َّ‬
‫هللا ُ ۚ))؛ ألنهم أصبحوا مرائي ّلِل تبارك وتعالى‪،‬‬ ‫(و َما َت َشاء َ‬
‫تقول ( َ‬
‫ويستحيل أن يطلبوا إال ما يشاء هللا‪ ،‬يستحيل‪ ،‬ولكن نحنُ هللا يريد شيء‪ ،‬ونحنُ نريد‬
‫شيء آخر‪ .‬هللا يريد لنا الفقر‪ ،‬ونحنُ نريد الغنى‪ ،‬ونتوسّل بألف ح ّجة‪ ،‬بألف دليل‪،‬‬
‫وبألف وسيلة حتى نحصل على هذا الغنى‪ ،‬أو هللا بالنادر يريد لنا الغنى‪ ،‬ونحنُ نري ُد‬
‫الفقر ما يصير‪ ،‬يمينا ً يساراً تتوجّه إليك األموال‪ ،‬أنا قلت هذا قليل‪.‬‬

‫السبب في اختالف طلبات االنبياء واالولياء عن طلباتنا‪:‬‬


‫السبب في مسألة أن األنبياء (عليهم السالم) و األولياء عليهم السالم ما يطلبون‪،‬‬
‫أو إذا طلبوا طلباتهم تختلف عن طلباتنا‪ ،‬فطلباتنا شيء آخر طلباتنا نفسانية لكن‬
‫يحقق هذه الحقيقة‪ ،‬فالنبي يطلب؛ ألنه أصبح مظهراً ّلِل‬
‫ّ‬ ‫طلباتهم طلبات هللا‪ ،‬فاّلِل يريد‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫العارف الواصل دعاؤه مظهر للمشيئة اإللهية‪:‬‬


‫إذن مشيئة هللا تبارك وتعالى نافذة في ضمائر أهل المعرفة‪.‬‬
‫أتذكر قضيتين كنت شاهدا فيهما‪:‬‬
‫القضية األولى‪:‬‬
‫ُ‬
‫كنت طالبا و عمري سبعة عشر سنة تقريبا‪ ،‬وكنت معمّما‪،‬‬ ‫أتذكر قبل الثورة‬
‫وذهبت مع بعض األصدقاء إلى بيت الشيخ البهجة (قدس سره)‪ ،‬وطلبنا من ُه إرشادت‪،‬‬
‫فجلست في المجلس وكان جماعة من المشايخ متواجدين‪ ،‬فأحد المشايخ قال‪ :‬آية هللا‬
‫الشيخ محمد الفگور اليزدي اآلن في المستشفى أخبروا الشيخ بهجت أن فالنا ً في‬
‫المستشفى‪ ،‬وهو مريض‪.‬‬
‫ماذا قال الشيخ؟ قال‪ :‬إِ َّنا ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َوإِ َّنا إِلَ ْي ِه َرا ِجع َ‬
‫ُون‪.‬‬
‫ُ‬
‫تعجبت وقلت في نفسي ال يصير‪ .‬يعني‪ :‬كيف هو مريض والشيخ ال يدعو له‬
‫شيخ‬‫ُون؟! الكل سكتوا‪ .‬ما هي القصة؟ بعد السكوت ال ّ‬ ‫ويقول‪ :‬إِ َّنا ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َوإِ َّنا إِلَ ْي ِه َرا ِجع َ‬
‫التفت إلى الناس والناس تعجبوا‪ ،‬وبدأوا يقولون‪ :‬إن شاء هللا هللا ينقل مرض ُه إلى أعداء‬
‫اإلسالم‪ .‬لكن في الغد توفى‪ .‬وذهبنا إلى تشييع ِه و انتهى‪.‬‬
‫ً‬
‫صفة‪،‬‬ ‫فال يستطيع يدعو له؛ ألنه أصبح _حسب مستواهُ_ مظهراً للمشيئة اإللهية‬
‫أو فعالً‪ ،‬أو ذاتا ً هذه قضية رأيتها بأم عيني‪.‬‬

‫القضية الثانية‪:‬‬
‫قصة وقضية أخرى في مشهد عندما هللا تبارك وتعالى منَّ علينا باللجوء إلى اإلمام‬
‫الثامن (عليه السالم) اشترينا بيتا بعيدا عن مدينة مشهد في قرية صغيره اسمها(شهرك‬
‫رضوي) وكان بيتنا يبعد وقتئ ٍذ سبعة عشر كيلو مترا تقريبا ً عن الحرم وكنا بصعوبة‬
‫نأتي للحرم‪ ،‬ونذهب وكان عصر الجمعة عندنا مجلس وفي أحد الجمع صار دوري‬
‫في اقامة المجلس في بيتنا‪ ،‬فالسيد الطهراني (قدس سره) جاء إلى بيتنا لنحيي مجلس‬
‫عصر الجمعة ودعاء السمات‪ ،‬السيد بهذا الهيكل المهيب وبهذا الشكل االلهي دخل في‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫"قصبة" صغيرة‪ ،‬فالناس كلهم تو ّجهوا‪ ،‬وقالوا لعلّ ُه من زعماء إيران من زعماء‬
‫الجمهورية اإلسالمية مثالً‪ ،‬وبعد المجلس خرجنا‪ ،‬فرأينا جماعة اجتمعوا من األهالي‬
‫من هذه "القصبة"‪ ،‬اجتمعوا منتظرين خروج السيد‪ ،‬و امرأة بدأت تتكلم‪ :‬يا سيدنا‬
‫زوجي اآلن بالسجن وأطلب منك أن تدعو ل ُه‪ ،‬أو تتوسّط ل ُه حتى يخرج من السجن‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت أعرفها‪ ،‬وال أعرف هذا الشخص الذي بالسجن من هو وما هي‬ ‫هذه المرأة ما‬
‫القصة أبداً يعني فوجئت بمجيئ هؤالء الناس! السيد بدأ يتريث قليال‪ ،‬وتوقف قليال‪،‬‬
‫بعدها قال‪" :‬أنا لست من المسؤولين‪ .‬لست مسؤوالً في الجمهورية اإلسالمية‪ .‬أنا‬
‫شخص عادي ولم يد ُع ألطالق سراح هذا الشخص المسجون‪.‬‬
‫ّ‬
‫بحق‬ ‫اآلن لو كنا نحنُ وسألنا أحدهم الدعاء مثالً نقول‪ :‬إن شاء هللا يفرّج عن ُه‬
‫ّ‬
‫بحق دم فالن‪ ،‬وكذا‪ ،‬أي نأتي بألف نب ُي‪ ،‬و وص ُي لماذا؟ حتى‬ ‫الحسين (عليه السالم)‪،‬‬
‫هذا ال يتأذى م ّنا‪ .‬ونقول هذه الكلمات‪ ،‬صحيح‪ ،‬يعني‪ :‬في الدعاء ال توجد أموال‪ ،‬وال‬
‫يحتاج شيء منا سوى نقول بعض الكلمات حتى من طلب الدعاء ما ينزعج م ّنا؟!‬
‫لكن السيد ال‪ .‬ما دعا ل ُه وال شيء أبداً سكت وذهب‪ .‬بعد يومين أخبرنا أن هذا الرجل‬
‫أُعدم‪ .‬فبالنسبة للسيد (قدس سره) ما يأتي في قلب ِه أن يدعو له حتى ي ّدعو‪ .‬ولكن نحنُ‬
‫في أي قصة أي أحد يطلب م ّنا نبدأ بـ‪ :‬إن شاء هللا كذا‪ ،‬وبعد نعطي ِه وصفات يعني‬
‫وصفة أفعل كذا‪ ،‬ونسخة مثال‪ :‬اقرأ كذا‪ .‬أفعل كذا‪ .‬أشرب كذا‪ .‬ال سيما ال ّنساء هذا‬
‫عندهم كثيرا‪.‬‬
‫� حبيبي‪ .‬أول شيء اإلنسان يجب أن يبتعد عن هذا في قلبه وإذا ما يستطيع‬
‫أول شيء يجب مراجعة قلب ِه‪ ،‬ويرى ماذا جاء في قلب ِه‪ ،‬وليس قلب كل أحد يجب أن‬
‫يرى؛ ألنه القلوب تختلف‪.‬‬
‫فنحنُ في هذا الدعاء لكل أحد مثال ال ّدعاء ل ُه بالصحة بالعافية نجعل هللا تبارك‬
‫وتعالى_ خالصته_ جسراً لكي نجلب الناس‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫اختالف موقف أهل السلوك من الدعاء عن غيرهم من الناس‪:‬‬


‫فماذا يهمنا؟ يعني هذا الشخص يموت ال يموت‪ .‬وهل ينبغي أن يكون مرتاح‬
‫عندي‪ ،‬ويفرح بدعائي حتى ينتهي‪ .‬من الناحية العادية هذا صحيح لكن لو كان شخص‬
‫عادي أهالً وسهالً لكن عند أهل السلوك االمر يختلف‪.‬‬

‫ضرورة مراقبة السالك لطلب قلبه ليكون مطابقا ً مع المشيئة اإللهية‪:‬‬


‫أهل السلوك يجب أن يمشوا بطريقة بعيدة عن المجامالت‪ ،‬فيبتعدون عن‬
‫المجامالت‪ ،‬وينتبهون ان هذا الكالم الذي يصدر في قلبي‪ ،‬ويصدر من لساني هل‬
‫ُ‬
‫تعودت على أي أحد‬ ‫ناشئ من القلب؟ هل بالحقيقة قلبي احترق لهذا الشخص؟ أو‬
‫يطلب أي شيء‪ ،‬أنا أقول أي شيء‪ .‬ممكن يحترق قلبي‪ ،‬فأقول إن شاء هللا أنا أدعو ل ُه‬
‫إن شاء هللا‪ ،‬وإذا ال يحترق ال ادعو له‪ ،‬لماذا تدعو له بكلمات قلبُك ال يؤمن بهذ ِه‬
‫الكلمات‪ ،‬فهذا بالتدريج يولد النفاق‪ ،‬والنفاق يعني أسوأ شيء في الطريقة تعرفون(( إِنَّ‬
‫َ‬
‫ار))(النساء‪ )١٤٥ :‬ليس فقط أولئك المنافقين؛ ألنه‬‫ِين فِي ال َّدرْ كِ ْاألسْ َف ِل م َِن ال َّن ِ‬
‫ْال ُم َنا ِفق َ‬
‫بالتدريج من الداخل اإلنسان يقع أمام هللا‪ ،‬فيجب أن ننتبه أن أدعيتنا بدل أن توصلنا‬
‫إلى هللا تبارك وتعالى تجعلنا أمام مشيئة هللا‪ ،‬فاّلِل يريد شيء‪ ،‬وأنا أريد شيء‪.‬‬
‫السالك قبل أن يصل إلى هللا تبارك وتعالى يطلب من هللا عبور عقبات نفس ِه‪ ،‬ح ّل‬
‫المشاكل‪ ،‬ولكن في نفس الوقت‪ ،‬يجب أن يجلس ك‪. . . .‬‬
‫في السابق في القرى مثالً كان الحمار (أجلّكم هللا) واسطة النقل وطريقة الجلوس‬
‫بأن واحد يجلس مثل هذا الذي يركب دراجة‪ ،‬و واحد كان يجلس بشكل آخر بحيث إذا‬
‫يريد ينزل بسرعة ينزل؛ ألن الشخص الذي غير مُتم ّكن من الجلوس على الحمار‪،‬‬
‫حتى ينزل يطول‪ ،‬و نحنُ في طلباتنا صح نطلب من هللا‪ ،‬ولكن يجب أن نلتفت أن هذا‬
‫ال ّدعاء ممكن غير مطابق مع المشيئة اإللهية‪ ،‬وأنا أريد المشيئة اإللهية‪ .‬أنا أريد هذا‬
‫الذي هو يريد‪ .‬عندنا عارف همداني اسمه بابا طاهر العريان‪ .‬يقولون العاري‬
‫مشهور‪ ،‬وما درس شيء‪ ،‬والسبب في وصول ِه إلى تلك المراتب أنه دخل إحدى‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫الحوزات‪ ،‬المدارس العلمية في مدينة همدان‪ ،‬فرأى الطالب عندهم كتب ويقرؤون‪،‬‬
‫يقرؤون القرآن‪ ،‬ويتكلمون بنحو صحيح‪ ،‬وهو كان بسيطا ً جداً قال‪ :‬كيف أنتم استطعم‬
‫أن تتعلموا العربية وتدرسون‪ ،‬بدأوا يمزحون مع ُه وكان هناك مسبح (حوض ماء) في‬
‫المدرسة‪ .‬ومدينة همدان معروفة بالبرودة لحد اآلن‪ ،‬وأتذكر إذ كانت عائلتنا من همدان‬
‫أحيانا ً يكسرون الثلج حتى يحصلوا على الماء؛ ألنه في السابق لم يكن هناك "حنفية"‬
‫وهذه األمور‪ .‬فواحد من الطلبة قال له‪ :‬حبيبي سبب تعلمنا نحنُ في هذا الوقت كسّرنا‬
‫هذا الثلج ودخلنا في هذا الحوض ورجعنا‪ ،‬فأصبحنا هكذا‪.‬‬
‫هو َق ِب َل قال‪ :‬سُبحان هللا‪ .‬فراح‪ ،‬فكسّر الثلج ودخل الماء ثم خرج عندما خرج‬
‫أصبح بابا طاهر بقدرة هللا‪ .‬بسبب صفاء قلبه وهذه المسألة كثيراً اتفق مثلها‪.‬‬
‫أتذكر كان عندي خال‪ ،‬توفي بمشهد كان يشتغل هنا بمشهد‪ ،‬وأيضا ً خادم لألمام‬
‫الرضا (عليه السالم)‪ .‬قال لي‪ :‬يوم من األيام تأخرت صالة عصري قليال‪ ،‬فجئت‬
‫أصلي أمام الشباك الفوالذي‪ ،‬ورأيت شخصا ً كان يبكي كثيراً‪ .‬بعد أن أنهيت الصالة‬
‫سألته‪ :‬لماذا أنت تبكي كثيراً؟ تريد ماال‪ ،‬تريد شيئا آخر‪ .‬ماذا تريد؟ قال‪ :‬ال أريد أي‬
‫شيء‪ ،‬فقط أنا حصلت لي حالة منذ زمن‪ .‬واآلن هذه الحالة ذهبت من يدي قال له‬
‫خالي‪ :‬ما مشكلتك؟ وهذه الحالة ماذا كانت؟ قال‪ :‬عندنا نهر في مدينة نيشابور‪ ،‬عندنا‬
‫نهر كبير‪ ،‬وكنت شابا ً أريد أمشي‪ ،‬وكان عندنا مثالً جسر‪ ،‬وهذا الجسر ُخ ّرب‪،‬‬
‫وعندما أريد أعبر هذا النهر ما أستطيع‪ ،‬فوجدت سيداً من السادة‪ ،‬من األشراف‪ ،‬فهو‬
‫قال ماذا تريد؟ قلت ل ُه أريد أن أعبر هذا‪ ،‬قال نعم أعبر ال توجد مشكلة! قلت ال‬
‫أستطيع‪ ،‬سأقع إن عبرت‪ ،‬قال قُ ْل ( بسم هللا) مثلي‪ ،‬قال السيد ( بسم هللا ) ودخل في‬
‫النهر وعبر‪ ،‬وانتهى‪ ،‬وأنا خلفه‪ ،‬ومن ذاك الوقت لفترة طويلة كنت أعبر هذا النهر‬

‫هللا الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم)) وينتهي األمر‪ ،‬وما كان أحد يعرف‪ .‬بعد فترة قلت‬ ‫بـ(( ِبسْ ِم‬
‫اكتشف أحد هذا األمر‪ ،‬ومن ذاك الوقت ذهبت الحالة وأنا منذ عشرين سنة‬ ‫ألحد‪ ،‬أو‬
‫ولح ّد اآلن آتي أبكي عند اإلمام الرضا (عليه السالم) حتى يعطيني هذه الحالة‪ ،‬وال‬
‫يعطيني‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫كان الكالم عن بابا طاهر بابا طاهر ل ُه شعر رباعي جيد‪:‬‬


‫رباعية بابا طاهر‪:‬‬
‫يکی درد ويکی درمان پسندد‬
‫يکی وصل ويکی هجران پسندد‬
‫من از درمان ودرد ووصل وهجران‬
‫پسندم انچه را جانان پسندد‬
‫الترجمة‪:‬‬
‫واحد يحبُ ال ّداء واحد يحبّ الدواء‬
‫واحد يحب الوصل واحد يحب الهجران‬
‫أنا من ال ّداء‪ ،‬والدواء‪ ،‬والوصل‪ ،‬والهجران‬
‫أنا أطلب الشيء الذي هو يريدهُ لي‪.‬‬
‫ال أريد أنا هذا‪ .‬يا هللا أنا أريد هذا‪ ،‬فضبطه‪ .‬ال‪ .‬يا هللا أنا أريد الشيء الذي أنت تريد!‬
‫هذا في نهاية المطاف يصير في أول األمر يجب أن ال نقول هكذا وإال ّ هللا ج ّديٌّ في‬
‫هذه األمور‪َ .‬‬
‫ابق في مكانك هناك حتى أتفرغ عن أمري‪ .‬هذا بالتدريج يحصل‬
‫لإلنسان‪ .‬يتوجّه إلى العقبات في الطريق‪ ،‬ففي سلوك ُه يصل إلى مستوى يعرف أن‬
‫الطلب من أكبر العقبات أمام السالك ويجب أن يتجاوز عن الطلب؛ ألن الطلب ينافي‬
‫التسليم‪.‬‬
‫أنا يجب أن أسلم نفسي‪ ،‬فبسبب التوجّه المحض إلى التسليم‪ ،‬والتسليم أمام هللا‬
‫تبارك وتعالى يستطيع السالك أن يتجاوز عن ال ّنفس‪ ،‬وطلباتها‪ ،‬وتجلّياتها‪ ،‬فاّلِل تبارك‬
‫وتعالى بسبب صدقه يدخل ُه في عالم الفناء الذاتي‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الثّانية من حماضرات ال ّدعاء ‪1 ..............................................‬‬
‫البحث ‪1 .......................................................................‬‬
‫ضرورة التجاوز عن النفس وطلباهتا للوصول إىل الفناء الذايت‪1 .‬‬
‫أشعار للعارف ابن الفارض املصري‪1 :‬‬
‫توطئة‪2 :‬‬
‫الدعاء ظهور للمشيئة االهلية‪2 :‬‬
‫معىن املكر االهلي‪3 :‬‬
‫الميكن استخدام االمام جسرا للطلبات‪4 :‬‬
‫قصة‪ :‬خداع أهل املدينة‪5 :‬‬
‫األنبياء واألئمة عليهم السالم ال يطلبون إال ما يريده اهلل تعاىل ويشاؤه‪6 :‬‬
‫الميكن تصور أن األنبياء واألئمة اليعرفون ماذا يريد اهلل‪6 :‬‬
‫الدعاء بالنسبة إىل عامل الذات‪7 :‬‬
‫السالك مبقدار اقرتابه إىل املبدأ األعلى تنخفض طلباته ‪7 .............................‬‬
‫عالمة التجاوز عن الطلب‪7 :‬‬
‫السالك يف طريق الصعود إىل احلق اليطلب شيئا‪9 :‬‬
‫طلب السالك بالرجوع هو طلب احلق‪9 :‬‬
‫السبب يف اختالف طلبات االنبياء واالولياء عن طلباتنا‪9 :‬‬
‫العارف الواصل دعاؤه مظهر للمشيئة اإلهلية‪10 :‬‬
‫أتذكر قضيتني كنت شاهدا فيهما‪10 :‬‬
‫القضية األوىل‪10 :‬‬
‫القضية الثانية‪10 :‬‬
‫اختالف موقف أهل السلوك من الدعاء عن غريهم من الناس‪12 :‬‬
‫ضرورة مراقبة السالك لطلب قلبه ليكون مطابقا مع املشيئة اإلهلية‪12 :‬‬
‫رباعية بابا طاهر‪14 :‬‬
‫‪15‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية‬

‫الرتمجة‪14 :‬‬

‫‪٥‬‬

‫‪16‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬
‫الطاه َ‬‫ّبين َّ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬
‫المحاضرة ال ّثالثة من محاضرات الدّعاء‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬ ‫شيخ قاسم ّ‬ ‫لسماحة ال ّ‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َشهر‬

‫البحث‪:‬‬
‫حقيقة الدعاء تختلف من عالم إلى عالم‪:‬‬

‫اشعار للعارف ابن الفارض المصري (قدس سره)‬


‫ت ليَالً بذي َسلَم‬
‫بد ْ‬
‫نار ليلى َ‬
‫هل ُ‬
‫فالعلَم‬
‫بارق الح يف الزوراء َ‬
‫ْأم ٌ‬
‫اح نَعما َن َهالّ نَسمةٌ َس َحراً‬ ‫ْأرو َ‬
‫وماءَ َوجرةَ َهالَّ هنْلة ب َفم‬
‫البيد ُمعتسفاً‬ ‫الظعن يَطوي َ‬ ‫يا سائق ّ‬
‫إضم‬
‫الشيح من َ‬ ‫جل بذات ّ‬ ‫الس ّ‬‫طَ َّي ّ‬
‫عاك اهللُ ُم ْعتَمداً‬‫عُ ْج باحلمى يا َر َ‬
‫الرند واخلُُزم‬ ‫ذات ّ‬ ‫الضال َ‬ ‫مخيلةَ ّ‬
‫ف بسل ٍع وسل باجلزع هل ُمطَرت‬ ‫وق ْ‬
‫بالرقْ َمتَ ْْي أُثَْيالت مبُْن َسجم‬
‫ّ‬
‫حى‬
‫ض ً‬ ‫يق ُ‬ ‫العق َ‬ ‫ت َ‬ ‫ك اهللَ إن ُج ْز َ‬ ‫ناشدتُ َ‬
‫غري ُُْمتَشم‬ ‫السالَ َم عليه ْم َ‬ ‫فاقْ َر ّ‬
‫ت صريعاً يف ديَارُك ُم‬ ‫وقُ ْل تَرْك ُ‬
‫للس َقم‬ ‫حياً كمي ٍ‬
‫الس ْق َم ّ‬‫ت يُعريُ ُّ‬ ‫ّ َْ‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫س‬‫يب ناب عن قَبَ ٍ‬ ‫فَم ْن فؤادي ََل ٌ‬


‫ومن جفوينَ َد ْم ٌع فاض كال ّد َي‬
‫وهذه ُسنَّةُ العُ ّشاق ما علقوا‬
‫ضو من األ َل‬ ‫فخالَ عُ ْ‬ ‫ٍ‬
‫ب َشادن َ‬
‫يا الئماً الََمين يف حبّه ْم س َفهاً‬
‫ت ل تَلُم‬ ‫فلو أحبَْب َ‬
‫املالم ْ‬
‫ف َ‬ ‫ُك ّ‬
‫الوصل والوّد العتيق وبال‬ ‫وح ْرَمة ْ‬ ‫ُ‬
‫الوثيق وما قد كان يف الق َدم‬ ‫َع ْهد َ‬
‫بس ْل َو ٍان وال بَ َد ٍل‬‫عنهم ُ‬
‫ت ْ‬ ‫ما ُح ْل ُ‬
‫السلوا ُن من شيَمي‬ ‫ُّل و ُّ‬ ‫ليس التبد ُ‬
‫َ‬
‫عل طَْي َف ُك ُم‬
‫الرقاد جلَفين َّ‬ ‫ُرّدوا ّ‬
‫مبضجعي زائر يف غفلة احلُلُم‬
‫ت‬ ‫آهاً اليّامنا باخلَيف لو بَقيَ ْ‬
‫َع ْشراً وواهاً عليها كيف ل تَ ُدم‬
‫أسفي لو كان ينفعُين‬ ‫هيهات وا َ‬
‫فات وانَ َدمي‬ ‫أو كا َن ُُيدي على ما َ‬
‫كرماً‬‫عين إلي ُك ْم ظبَاءَ املُْن َح ََن َ‬ ‫ّ‬
‫ظر لغَ ْريهم‬ ‫يف ل يَْن ْ‬ ‫ت طَْر َ‬‫عه ْد ُ‬
‫لقاض أتَى يف ُحكْمه َع َجباً‬ ‫طَوعاً ٍ‬
‫بس ْفك دمي يف احل ِّل واحلََرم‬ ‫أَفْىت َ‬
‫يسمع الشكوى وأب َك َم ل‬ ‫َص َّم ل َ‬ ‫أَ‬
‫ُُير جواباً وعن حال املشوق عمي‬
‫َ‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫كان الكالم في حقيقة الدعاء وقد اتضح بأن الدعاء كباقي األشياء من الصفات‬
‫واألفعال له حقيقة في كل عالم من العوالم‪ ،‬فيختلف في عالم عن عالم آخر‪ ،‬فمعنى‬
‫الدعاء في عالم األمر يختلف عن معنى الدعاء في عالم الخلق‪ ،‬ومعنى الدعاء في عالم‬
‫الخلق يختلف عن معنى الدعاء في عالم اآلخرة‪.‬‬

‫الدعاء في عالم اآلخرة يتحول إلى التسبيح والتنزيه‪:‬‬


‫الدعاء في عالم اآلخرة شيء آخر وقد أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى‪:‬‬
‫ك اللَّ ُه َّم َو َت ِح َّي ُت ُه ْم فِي َها َس َال ٌم ۚ َوآ ِخ ُر دَعْ َوا ُه ْم أَ ِن ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ‬ ‫{دَعْ َوا ُه ْم فِي َها ُسب َْحا َن َ‬
‫ِين}[يونس‪ ،]١٠ :‬وهذا القول في جنة النعيم دعوى هؤالء يعني‪ :‬دعائهم‪ ،‬فماذا‬ ‫ْال َعالَم َ‬
‫يطلبون من هللا ((سبحانك اللهم)) فهل هذا دعاء؟ وكيف صار هذا دعاء؟ سبحان هللا‬
‫كيف اصبح دعا ًء في عالم اآلخرة في جنة النعيم‪.‬‬

‫صيرورة التسبيح دعاء في اآلخرة‪:‬‬


‫هذا ما يوضحه شيخنا االستاذ الشيخ المصطفوي(قدس سره) في كتاب "التحقيق‬
‫في كلمات القرآن الكريم" في المجلد الثالث ذيل مادة (دعو) إذ يدرس هذه المادة‪،‬‬
‫والشيخ (قدس سره)بعد أن يذكر نصوصا ً عن أهل اللغة يقول‪(( :‬والتحقيق أن األصل‬
‫الواحد في هذه المادة‪ :‬هو طلب شيء ألن يتوجه إليه‪ ،‬أو يرغب إليه‪ ،‬أو يسير‬
‫إليه))(التحقيق‪ ،)٢38 :3 :‬فندعوا هللا يعني‪ :‬نطلب من هللا أن يلتفت إلينا‪ ،‬و ندعوا‬
‫جماعة إلى بيتنا يعني‪ :‬نطلب منهم أن يأتوا إلى بيتنا‪(( ،‬ففي كل مورد بحسبه‪ ،‬وهذا‬
‫المعنى قريب من الندب‪ ،‬ويعبّر عنه بالتركية(جاغرماق)_ألن الشيخ (رحمة هللا عليه)‬
‫كان تركيا‪ ،‬فأول شي يذكر وفقا ً لـ"حب الوطن من اإليمان" يذكر مفاد الكلمة بالتركية‬
‫_وبالفارسية بكلمة دعوت كردن وخواندن))( التحقيق‪.)٢38 :3 :‬‬
‫إذن يوجد في الدعاء ندا ٍء‪ ،‬فأين حرف النداء؟ حرف النداء غير موجود‪ ،‬وقول‪:‬‬
‫دعوت‪ ،‬فأنت تدعو أحد إذن أنت بحاجة إلى مخاطب في الدعاء‪ ،‬وهذا مستتر في‬
‫كلمة دعا‪ ،‬فدعا هللا تعني يا هللا‪ ،‬فدعا يستتر‪ ،‬أو يتضمن فيها المخاطب كما إن حرف‬
‫النداء غير موجود والمخاطب المستتر يكون حسب المورد فقول‪ :‬دعوت هللا تعني‪ :‬يا‬
‫هللا‪ ،‬وقول دعوت فالن تعني يا فالن حسب المورد يعني تدعو‪.‬‬

‫غاية الدعاء‪:‬‬
‫فلماذا تدعو؟ تدعوا ليلتفت إليك‪ ،‬أو يسير إليك‪ ،‬أو يأتي إليك‪ ،‬وفي كل شخص‬
‫السبب يختلف عن االخر‪ ،‬فبالنسبة إلى هللا تبارك وتعالى تدعو هللا أن ينظر إليك‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫بأسمائه الحسنى‪ ،‬فتصبح مرآة‪ ،‬ومصداقا ً ألسمائه الحسنى‪ ،‬فأنت تريد أن ينظر إليك‬
‫ويلتفت إليك؛ لتصبح أنت مرآة له‪ ،‬أو مرآة ألسمائه‪ ،‬أو هو يحق ّق أحد االسماء فيك‬
‫مثال‪ :‬أنت فقير تدعو هللا لتصبح غنيا ً‪ ،‬والغنى من األسماء اإللهية إذن أنت تطلب من‬
‫هللا أن ينظر إليك‪ ،‬فتتحول من الالشيء إلى الشيء‪ ،‬وتتحول من الفقر المادي إلى‬
‫الغنى المادي‪ ،‬أو الغنى المعنوي‪ ،‬أو حسب ما تدعو‪ ،‬أو أنت مريض تدعو هللا وتقول‪:‬‬
‫يا هللا‪ ،‬فتدعوه معناها أن ينظر إليك ينظر اليك‪ .‬ولماذا تريد أن ينظر إليك؟ لكي‬
‫يشفيك‪ ،‬فاّلِل تبارك وتعالى ينظر إليك باالسم الشافي‪ ،‬أو ينظر اليك باالسم الغني‪ ،‬أو‬
‫ينظر إليك بالشيء الذي أنت تطلبه من هللا إذن الدعاء معناه الطلب طلب التوجه‪،‬‬
‫وااللتفات إلى الداعي‪.‬‬
‫يصل العالمة المصطفوي (رحمه هللا) إلى قوله تعالى في جنات النعيم{دَ عْ َوا ُه ْم‬
‫ّلِل َربِّ‬‫ك اللَّ ُه َّم َو َت ِح َّي ُت ُه ْم فِي َها َس َال ٌم ۚ َوآ ِخ ُر دَعْ َوا ُه ْم أَ ِن ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬ ‫فِي َها ُسب َْحا َن َ‬
‫ِين}[يونس‪ ،]10 :‬بداية اآلية تثبت وجود دعوتين األولى بداية دخولهم في جنة‬ ‫ْال َعالَم َ‬
‫النعيم فقالوا ((سبحانك اللهم)) والثانية في االخير بعد دخولهم في قوله تعالى ((وآخر‬
‫دعواهم أن الحمد ّلِل رب العالمين))‪ ،‬فيقول العالمة الشيخ المصطفوي (قدس سره)‪:‬‬
‫((فإنهم إذا دخلوا جنات النعيم‪ ،‬وشاهدوا فيها من آثار عظمة هللا وجبروته ما لم‬
‫يشاهدوها في الدنيا‪ ،‬وعاينوا من الرحمة‪ ،‬والنعمة‪ ،‬والوسعة‪ ،‬ومظاهر القدرة‪ ،‬والعزة‪،‬‬
‫يتحقق لهم صغر أنفسهم‪ ،‬وذلتها‪ ،‬وحقارتها‪ ،‬وقصور‬ ‫ّ‬ ‫والكبرياء ما لم يعاينوها‪ ،‬فقد‬
‫عرفانهم‪ ،‬وفقرهم‪ ،‬وعجزهم في مقابل تلك العظمة‪ ،‬والجالل‪ ،‬والجمال‪ ،‬فال يبق لهم‬
‫ميل‪ ،‬وال طلبٌ ‪ ،‬وال دعوة ))(التحقيق‪ ،)٢4٢ :3 :‬فمعناه‪ :‬إنه في جنات النعيم ينتهي‬
‫الدعاء؟ ال ينتهي الدعاء بل يتحول الدعاء إلى شيء آخر‪ ،‬وإن قيل‪ :‬لماذا في جنات‬
‫النعيم اليوجد دعاء؟ ألن_ان شاء هللا كلنا في جنات النعيم وهللا يرزقنا الجنة _ في‬
‫جنات النعيم نعرف أنه ال يوجد شيء في العالم ّإال هللا تبارك وتعالى هيئه لنا‪ ،‬فأنا‬
‫كنت أطلب شيئا كان موجود عندي محصّل ولم التفت له‪ ،‬أو سيحصل؛ ألنه في الجنة‬
‫الحق على العالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يصل_االنسان_ إلى ادراك حقيقة العالم‪ ،‬ونظام العالم‪ ،‬وسيطرة‬
‫الحق على كل الموجودات‪ ،‬وقدرته‪ ،‬ونفوذ مشيئته‪ ،‬ولم يبق شيء في العالم‬ ‫ّ‬ ‫وسيطرة‬
‫إال وان مشيئته نافذة فيه‪ ،‬وهذه المشيئة مشيئة عادلة رحمانية رحيمية صحيحة مطابقة‬
‫مع الحقائق مطابقة مع مصالحي‪ ،‬فاإلنسان في الجنة بسبب ارتفاع االوهام‪ ،‬والتجاوز‬
‫عن األوهام المانعة عن فهم‪ ،‬وإدراك حقائق العالم يصل إلى أن كل شيء مضبوط في‬
‫مكانه كل شيء‪ ،‬فإذا كان كل شيء مضبوط في مكانه و ال يوجد تقصير وال يوجد‬
‫قصور فماذا أطلب؟‪.‬‬
‫إذن هنا أهل الجنة يلتفتون إلى دعواتهم في الدنيا‪ ،‬ويقولون‪ :‬هللا أكبر نحن من‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫خالل دعواتنا في الدنيا بالحقيقة وفي اللب كنا ننقص هللا تبارك وتعالى؛ ألننا نريد هذا‬
‫ونريد هذا ونطلب ضبط هذا‪ ،‬وضبط هذا‪ .‬حبيبي‪ :‬كل شيء مضبوط أنت لم تشاهد‬
‫كل شيء مضبوطا هناك‪ ،‬ففي الحقيقة في الدنيا عندما نطلب من هللا وندعوه في شيء‬
‫فهذا معناه‪ :‬نحن عندنا شيء من االعتراض على هللا بسبب عدم معرفتنا بحقيقة‬
‫الكون‪ ،‬وحقيقة العالم‪ ،‬وقوانين العالم وأن كل شيء مضبوط في العالم‪ ،‬وهنا عندما‬
‫نصل لجنة النعيم نعتذر من هللا تبارك وتعالى ونقول‪ :‬يا هللا نحن نقدسك سبحانك أنت‬
‫منزه من أن نحن ندعوك في الدنيا حسب الظاهر ندعوك ونقترب اليك في الباطن‪،‬‬
‫فنحن ننقصك‪ ،‬وننقصك‪ ،‬ونوجه إليك االعتراضات؛ ألننا اآلن في جنات النعيم عرفنا‬
‫أن كل شيء مضبوط‪.‬‬
‫وهذا األمر مهم جداً البد من االلتفات إليه إذن حقيقة الدعاء في عالم االخرة تتحول‬
‫إلى التسب ّيح تتحول إلى التنزيه‪.‬‬

‫دعاء أهل اآلخرة في عالم الناسوت نفس دعاء أهل الجنة‪:‬‬


‫نجد أن دعاء أهل اآلخرة في هذه الدنيا نفس الشيء بالنسبة لدعاء أهل الجنة‪،‬‬
‫فدعواتهم تنزيهية أيضا‪ ،‬يعني‪ :‬إن األنبياء(عليهم السالم)‪ ،‬واألولياء‪ ،‬واألئمة (عليهم‬
‫السالم)‪ ،‬والعرفاء الكمّلين دعواتهم دعوات تنزيهية؛ ألنهم اآلن يعيشون في جنات‬
‫النعيم وعندما يطلبون من هللا شيء ال يوجهون إليه اعتراضات؛ ألنهم يعرفون أن كل‬
‫شيء مضبوط‪ ،‬فال يطلبون من هللا يا هللا‪ :‬ضبط هذا‪ ،‬وضبط هذا‪ ،‬وهذا األمر ليس‬
‫مضبوطا‪ ،‬فيا هللا ضبطه‪ ،‬وال يطلبون المال‪ ،‬وال يقولون‪ :‬أنا عندي كذا وأريد كذا ال‪،‬‬
‫فكل شيء مضبوط‪ ،‬وهم يعرفون‪ ،‬ويشاهدون قوانين الحق تبارك وتعالى مثلهم مثل‬
‫أصحاب النعيم‪.‬‬
‫فيا حبيبي‪ :‬كل شيء في هذا العالم مضبوط وأنت لم تشاهد ومن هنا يجب أن‬
‫نلتفت‪ ،‬ونعوذ باّلِل من أن نوجه إليه االعتراضات من خالل األدعية‪ ،‬ومن خالل‬
‫العبادات‪ ،‬والطاعات‪ .‬الطاعات‪ ،‬والعبادات التي تقترن باالعتراض لكن هللا تبارك‬
‫وتعالى يتعايش معنا على حسب فهمنا‪ ،‬وعلى حسب مستوانا‪.‬‬
‫هللا تبارك وتعالى ال يرد علينا وال يضربنا؛ ألننا فقراء فكريا ً‪ .‬فقراء عقليا ً‪ .‬فقراء‬
‫من كل الجهات في هذه الدنيا فقراء‪.‬‬

‫االعتراض بالدعاء ممنوع‪:‬‬


‫هللا يقول‪َ { :‬و َقا َل َر ُّب ُك ُم ْادعُونِي أَسْ َت ِجبْ لَ ُك ْم}[غافر‪ ،]60 :‬االن في الدنيا يقول‬
‫((ادعوني)) وفي اآلخرة حسب ما تقدم ال يقول ((ادعوني)) ويقول لماذا فعلتم هذا‬
‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫((ادعُونِي أَسْ َت ِجبْ لَ ُك ْم)) ولكن ما قلت أن‬ ‫ْ‬ ‫كيف يمكن ذلك؟ الجواب‪ :‬نعم أنا قلت‬
‫توجهوا لي االعتراضات‪ ،‬واآلن وأنت في جنة النعيم استغفر من الدعاء وهذا شيء‬
‫غريب استغفر من دعائك؛ ألن كان فيه جهة نقص بالنسبة إليّ ‪ ،‬وأهل الجنة في جنات‬
‫ك اللَّ ُه َّم َو َت ِح َّي ُت ُه ْم فِي َها َس َال ٌم ۚ َوآ ِخ ُر دَعْ َوا ُه ْم أَ ِن ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ‬ ‫النعيم { َدعْ َوا ُه ْم فِي َها ُسب َْحا َن َ‬
‫ِين}[يونس‪.]10 :‬‬ ‫ْال َعالَم َ‬
‫تتمة كلمة العالمة المصطفوي(قدس سره)‪:‬‬
‫➖إذن نحن نواصل كلمات سماحة الشيخ (قدس سره )‪(( :‬فال يبقى لهم ميل‪ ،‬وال‬
‫طلبٌ ‪ ،‬وال دعوةٌ وهم حيران )) (التحقيق‪)٢4٢ :3 :‬يصبحون حيارى لماذا؟ ألن كل‬
‫ت افكارهم‬ ‫شي مضبوط‪ ،‬مشيئة هللا نافذة في كل شيء‪ ،‬فيتحير ويحصل له التحير(( كلّ ْ‬
‫وحسرت أبصارهم _مقابل (فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر كليال)_فيكون ذكره‬ ‫ْ‬
‫ك اللَّ ُه َّم ))‪ ،‬فينزهون هللا تعالى عمّا قالوا فيه‪ .‬بمقتضى فكرهم‪ ،‬وعالمهم‬ ‫حينئ ٍذ(( ُسب َْحا َن َ‬
‫المادي المحدود )) (التحقيق‪.)٢4٢ :3 :‬‬
‫نحن في حياتنا وبين بعضنا البعض أحيانا نقول‪ :‬هذا األمر هللا تبارك وتعالى ما‬
‫كان يريد يعطيني‪ ،‬وأنا صُمت‪ ،‬صُليت‪ ،‬تعبت‪ ،‬ختمت القرآن حتى الزمت نفسي أن‬
‫اضبطه‪ ،‬حبيبي‪ :‬هذا خطأ هللا أقرب إلينا من حبل الوريد‪ ،‬وأرحم بنا من آبائنا‬
‫وأمهاتنا‪ ،‬فعندما يبكي الولد الصغير كل العائلة تسأل لماذا يبكي؟ وتتوجه إليه وتضبط‬
‫أموره‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى يضبط أمورنا أكثر من هذا الطفل الباكي‪.‬‬
‫الشيء الذي يريده هللا تبارك وتعالى منا هو سعة الفهم‪ :‬وسعوا فهمكم وثقوا بي‪،‬‬
‫فأنا عندي العظمة‪ ،‬أنا عندي القدرة‪ ،‬أنا عندي كل شيء‪ ،‬أنا عندي المشيئة‪ ،‬و هذا‬
‫العالم ما ضبطته‪ ،‬وما خلقته هراء وكل شيء في هذا العالم في مكانه‪ ،‬وفي محله‪،‬‬
‫فقرك في محله‪ ،‬غناك في محله‪ ،‬طاعتك في محلها عصيانك في محله! سبحان هللا‬
‫عصيانك في محله الزم في هذه الساعة تعصيني حتى تقلل من نفسك‪ ،‬وال ترى نفسك‬
‫مقربا عندي‪ ،‬وكبيرا‪ ،‬وفائقا ً على باقي الناس‪ ،‬و ال ترى نفسك أكبر من الناس؛ ألنك‬
‫تعبد هللا كثيراً ال حبيبي هللا يبتليك بالعصيان‪.‬‬
‫تتمة كلمة العالمة المصطفوي(قدس سره الشريف)‪:‬‬
‫وهي كلمات نورانية جدا من الشيخ (قدس سره)‪(( :‬نعم إنهم انتقلوا إلى عالم وراء‬
‫عالم ادراكهم‪ ،‬واتسعت دائرة حياتهم‪ ،‬وانشرحت صدورهم‪ ،‬وتنورت بصائرهم‪،‬‬
‫ً‬
‫ناقصة‬ ‫حقائق‪ ،‬وأمور‪ ،‬ومشاهد لم يدركوها في الدنيا‪ ،‬فيرون معارفهم السابق‬ ‫ّ‬ ‫وأدركوا‬
‫محدود ًة ويقولون‪(( :‬سبحانك اللهم ))‪ ،‬فأنت المتعالي عمّا نقول‪ ،‬و المن ّزه عمّا‬
‫نتصور‪ ،‬ونتوهم‪ ،‬ونتخيل‪ .‬فهو فوق اإلدراك‪ ،‬والتعقل‪ ،‬والتفكر‪ .‬وال يخفى أن حقيقة‬
‫التسبيّح في هذا العالم أيضا ال يمكن ّإال بعد االنقطاع‪ ،‬واالنسالخ‪ ،‬والتجرد‪ ،‬وال ّتبتل‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫عما في العالم‪ ،‬حتى يقول‪ :‬سبحانك اللهم ))(التحقيق‪.)٢43-٢4٢ :3 :‬‬


‫نحن أحيانا ً نرى أحد مثال يسبح هللا‪ .‬نقول ماذا تقول؟ يقول أنا أسبح‪.‬‬
‫أنا أتذكر في ليلة من الليالي كنا نمشي مع المرحوم السيد كمال الموسوي (قدس سره )‬
‫مع جماعة من تالمذته‪ ،‬وأصدقائه متوجهين إلى بيت أحد تالمذته؛ إلقامة مجلس الذكر‬
‫وفي الطريق حالة السيد كانت قوية جداً يعني‪ :‬ما يستطيع يمشي كان يتمايل يمينا ً‬
‫ويساراً كأنه يريد يقع؛ ألنه لم يكن في هذه الدنيا‪ ،‬وأنا بسبب جهالتي سألته سؤاال‪،‬‬
‫فطال في حالته حتى رجع‪ ،‬وعندما رجع بعد خمس دقائق تحسنت حالته‪ ،‬وسألني ماذا‬
‫سألته؟ قلت كذا‪ ،‬فأجابني بعد ذلك أنا تأسفت أنا لماذا سألت هذا‪ ،‬فالعالمة المصطفوي‬
‫يقول‪ :‬إن حقيقة التسبيح ال تعرف إال بعد االنقطاع‪ ،‬واالنسالخ‪ ،‬والتجرد‪ ،‬والتبتل عما‬
‫في العالم‪ ،‬ونحن نلتفت لظاهر المسائل ومن تلك القصص‪:‬‬
‫كان عندنا واحد من الشباب ابن أحد العلماء من مشاهير علماء مدينة قزوين التحق‬
‫أخيرً ا بالسيد كمال الموسوي (قدس سره) وجماعته وكان في الطريق عند توجه السيد‬
‫وجماعته إلقامة مجالس الذكر كان يأخذ السبحة وكان يقرأ شيئا‪ .‬السيد (قدس سره)‬
‫التفت إليه وقال له‪ :‬ماذا تقرأ؟ علمنا حتى نحن نستفيد من كلماتك؟! قال‪ :‬أنا اسبّح‪.‬‬
‫فلمعرفة التسبيح يقول العالمة الشيخ المصطفوي(قدس سره)‪ :‬وال يخفى أن حقيقة‬
‫التسبيح في هذا العالم ايضا ال يمكن ّاال بعد االنقطاع‪ ،‬واالنسالخ‪ ،‬والتجرد‪ ،‬والتبتل‬
‫عما في العالم حتى يقول‪(( :‬سبحانك اللهم))‪.‬‬

‫مجهولية الدعاء في الذات اإللهية‪:‬‬


‫كل الموجودات وكل األعيان فانية في الذات اإللهية بال ح ّد مثل قطرة الماء التي‬
‫تضعها في البحر‪ ،‬فهذه القطرة موجودة في البحر لكن ال تستطيع أن تشير إليها؛ ألنك‬
‫إذا ُتشير إليها‪ ،‬فهذه االشارة ح ّد‪ ،‬فلن تستطيع أن تشير إلى هذه القطرة‪ ،‬ولكن هذه‬
‫القطرة موجودة في البحر‪ ،‬والموجودات بكاملها بال حدودها بال ماهياتها بال نواقصها‬
‫الحق تبارك وتعالى بسيطة الحقيقة كل األشياء وليس بشي منها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫موجودة في‬
‫بسيطة الحقيقة تعني الحقيقة الكاملة البسيطة لكل األفراد موجودة فيه‪ ،‬ونحن جئنا‬
‫الحق{إنا ّلِل وأنا إليه راجعون}]البقرة‪ ،[١56 :‬فنرجع إلى أصلنا‪ ،‬فنحن كنا هناك‬ ‫ّ‬ ‫من‬
‫ّ‬
‫تتحقق الكثرة في الذات اإللهية‪.‬‬ ‫ولكن لسنا بحدودنا‪ ،‬وماهياتنا حتى‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى بنحو‬ ‫إذن إذا كانت الموجودات‪ ،‬و األعيان الثابتة موجودة في‬
‫تحقق هذه الموجودات هناك ال نعرفه؛ ألننا لسنا في‬ ‫ّ‬ ‫من االنحاء الذي ال نعرف كيفية‬
‫تحقق هذه الموجودات في عالم الالهوت عن‬ ‫ّ‬ ‫ذاك العالم وال يمكن الوصول إلى حقيقة‬
‫طريق العلم؛ ألن العلم وهو الوسيلة للمعرفة هذا العلم يجب أن تضعه إلى جانب‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫وتدخل ((دع نفسك وتعال ))‪ ،‬وهناك كل األوصاف‪ ،‬وكل الصفات ومنها العلم تفنى‬
‫وتنعدم حتى يتمكن الموجود في الدخول في عالم الذات‪ ،‬وفي عالم الالهوت كل‬
‫الحدود البد أن تخلع‪ ،‬وتترك‪ .‬والعلم من حدود الشيء بل كل الصفات وكل شيء الزم‬
‫تضعه وال يبقى عندك أي شيء إذا تم ذلك أهال وسهال وعندما دخلت في عالم‬
‫الالهوت ليس أنت دخلت‪ ،‬فأنت ال يمكن اإلشارة إليك‪ ،‬فاألعيان الثابتة موجودة في‬
‫بنحو ال نعرفه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى‬
‫األعيان تريد الظهور كما أن هللا تبارك وتعالى يريد يظهر نفسه لنفسه يريد أن‬
‫يرى نفسه‪ ،‬فتحقق العالم بهذه المشيئة وهذا أمر ثابت فلسفيا ً‪ ،‬و عرفانيا ً‪ ،‬ومنطقيا ً‪،‬‬
‫وشرعيا ً حسب الشرائع‪.‬‬
‫الموجودات أيضا يريدون أن يتحققوا في عالم ال نعرف عنه أي شيء في عالم ال‬
‫توجد أي كثرة فيه‪ ،‬وال يوجد أي ح ّد‪ ،‬وال توجد أي ماهية ‪.‬‬
‫التحقق يعني‪ :‬يدعون إلى التحقق ويريدون أن يخرجوا إلى النور‬ ‫ّ‬ ‫فاألعيان يطلبون‬
‫ويظهرون أنفسهم ويتحققون باألسماء اإللهية‪.‬‬
‫يمكن تقريب األمر هناك بمثال من واقعنا في األسواق نجد الزبائن يفحصون بالسوق‬
‫حتى يشترون شيء كما أن أصحاب البضائع الباعة يفحصون عن زبائنهم‪ ،‬فهناك‬
‫أسماء إلهية هم أيضا يفحصون عن الزبائن حتى يتجلّون عليهم وهذا شيء غريب ال‬
‫نعرفه أصال ال نستطيع أن ندركه؛ ألنه عالم المحو‪ ،‬وعالم الفناء ولكن نرى ظال‬
‫ّ‬
‫لتحقق‪،‬‬ ‫بالعلم في العوالم النازلة‪ .‬نرى صورا ضعيفة عن دعاء األعيان يدعون‬
‫وظهور األسماء فيهم‪ ،‬فهناك إذن يوجد دعاء ولكن ال نعرف عنه أي شيء‪ ،‬وحتى ال‬
‫نستطيع تصويره ولكن بالبرهان نعرف أنه هناك أيضا يوجد دعاء إذن تخلصنا من‬
‫مسالة أن الدعاء في كل عالم يختلف عن العالم اآلخر عالم األمر عرفنا عالم الخلق‬
‫عرفنا عالم اآلخرة عرفنا عالم الذات ال نعرفه؛ ألنه عالم الذات وأيدينا ال تصل إليه‬
‫وأفكارنا ال تصل اليه؛ ألن كل شيء الزم يمحى‪ ،‬ويفنى ولكن أكيدا هناك يوجد‬
‫دعاء ولكن كيف ال نعرف؟‬

‫دعاء األولياء‪:‬‬
‫وإذا نظرنا بهذا المنظار إلى حقيقة الدعاء نعرف لماذا األنبياء‪ ،‬واألولياء ما‬
‫يدعون لكل شيء حتى يستأذنون من الحق تبارك وتعالى؛ ألن الدعاء فعل منهم وإذا‬
‫يتحقق هذا الشيء في الخارج‪ ،‬فال يوجد فرق بين إيجاد هذا الطير من‬ ‫ّ‬ ‫يدعون حتما‬
‫الطين من قبل النبي عيسى (عليه السالم) وبين دعائه؛ ألن الدعاء‪ ،‬أو التصرف‪ ،‬أو‬
‫اإلحياء كلها من مقولة ال ّنفس‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫وذات النبي عيسى (عليه السالم)وكل شيء يخرج من هنا_الفم_ يجب أن يكون‬
‫الحق تبارك وتعالى وبال إذن يواجه العقوبة‪ .‬ومن هنا أحيانا بعض الطلبات‬ ‫ّ‬ ‫مأذونا من‬
‫هللا تبارك وتعالى ما يقبل بها‪ ،‬وممكن النبي يسأل وهللا تبارك وتعالى يقول له‪ :‬ال تسأل‬
‫هذا قضاء حكمي وال يمكن تغييره مثل النبي إبراهيم (عليه السالم) عندما جاء‬
‫المالئكة قال‪ :‬لماذا جئتم‪ .‬قالوا‪ :‬جئنا نهدم بيوت آل لوط{ َفلَمَّا َذ َه َ‬
‫ب َعنْ إِب َْراهِي َم الرَّ ْو ُع‬
‫َو َجا َء ْت ُه ْال ُب ْش َر ٰى ي َُجا ِدل ُ َنا فِي َق ْو ِم لُوطٍ ‪ .‬إِنَّ إِب َْراهِي َم لَ َحلِي ٌم أَ َّواهٌ ُّم ِنيبٌ }[هود‪،]75-74 :‬‬
‫ولكن المالئكة قالوا له هذا الجدال منك ما يصير يعني‪ :‬هذا العذاب يتحقق حتما ً‪،‬‬
‫وترك ابراهيم (عليه السالم) الدعوة وترك الدعاء‪ ،‬وكذلك ينقل الشيخ صدر الدين‬
‫الجويني وهو ابن سعد الدين الجويني المدفون في جوين هنا له كتاب باسم معاني‬
‫السبطين في فضائل السبطين في هذا الكتاب ينقل رواية عن النبي (صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم) إذ سأل النبي ربه في حاالته الخاصة العرفانية بشأن األمير (عليه السالم)‪:‬‬
‫يا هللا أريد ضمانا لعلي وأوالد علي (عليهم السالم) هللا تبارك وتعالى أوحى إليه‪ :‬يا‬
‫حبيبي يا محمد أترك هذا األمر؛ ألن قضائي قائم‪ ،‬ونافذ بأن يبتلى علي وأوالد علي‬
‫بعدك‪ ،‬فال تسألني في هذا األمر‪ ،‬فعلي وأوالده مبتلون بهذه األمة وهذه الرواية أهل‬
‫شيعة لم ينقلوها بل السنة نقلوها‪.‬‬ ‫السّنة نقلوها ليس نحن‪ ،‬فال ّ‬
‫النبي (صلى هللا عليه واله )يستفسر فقط يا هللا‪ :‬يمكن هذا؟ هللا يقول‪ :‬ال يمكن هذا‬
‫قضاء‪ ،‬هنا نفرض لو كنا نحن بدل النبي (صلى هللا عليه واله وسلم) فترانا سنصرّ‬
‫عليه ونطلب منه أن يضبط لنا االمر ونقول‪ :‬يا هللا ما يصير أرسل لنا جبرائيل أرسل‬
‫لنا ميكائيل؛ ألننا نتفكر أن هللا تبارك وتعالى مثل مدير االدارة ونطلب منه وعندما‬
‫يقول‪ :‬ال مخالف للقوانين نرسل له السكرتير إلقناعه ونرسل له من هنا وهنا حتى‬
‫يقبل‪ .‬ال حبيبي القضاء ليس هكذا‪ ،‬فهذا هو السبب والسّر في أن األنبياء‪ ،‬واألولياء‪،‬‬
‫والكملين عندما يريدون يدعون يستفسرون من هللا هل يطلبون‪ ،‬أو ال يطلبون‪ ،‬ونحن‬
‫ما نتفكر بل نبدأ يا هللا‪ :‬أنا أريد المال‪.‬‬

‫الطلب قد يأتي بنتائج مغايرة‪:‬‬


‫ومما يذكر أن هناك أحد االشخاص طلب من هللا أن يعطيه المال الكثير بنحو ما‬
‫يقدر أن يعدها وأص ّر على طلبه أص ّر كثيرا هللا قال‪ :‬ال توجد مشكلة‪ ،‬فصار هذا‬
‫الشخص موظفا بالبنك وبدأ يعمل بعد النقود‪ ،‬وسابقا لم تكن هذه االجهزة لع ّد النقود‬
‫موجودة‪ ،‬وكذا‪ .‬فأحيانا اإلنسان يطلب من هللا شيئا ويص ّر على هللا‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى‬
‫يعطيه شيئا مثل ذاك الشيء الذي هو يريده مثال يريد بيت ال توجد مشكلة يعطيه بيت‬
‫ولكن يمكن بالبداية قدر ان ال يعطيه بيت؛ ألنه أفضل له ولكن قد هللا يعطيه بيت ثم‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫يتضح هذا البيت فيه مشاكل‪ ،‬فهذا الشخص الذي اشتراه منه هذا كان لواحد آخر‬
‫ويبقى يركض عشر سنوات حتى يصل الى الشخص الذي احتال على هؤالء أمال بحل‬
‫المشكلة‪.‬‬
‫يعني االنسان قد يشتري بدعائه مشاكل لنفسه‪.‬‬
‫مثال الرجل‪ ،‬والمرأة مثالً المرأة تريد تطلب من هللا زوجا ً صالحا ً مؤمن متدين وفي‬
‫قلبه وفي قلبها ثريا هللا يضبط لها‪ ،‬أو بالعكس الرجل يطلب من هللا زوجة مطيعة‬
‫وكذا‪ . .‬وكذا‪ . .‬وكذا بعد فترة يصلون إلى طلبهما والحمد ّلِل أنا طلبت من هللا وهللا‬
‫اعطاني ولكن باألخير ينفصلون‪ ،‬أو تحدث مشاكل بينهما مثال‪.‬‬
‫أنا اتذكر واحد من األصدقاء كان من المشايخ كان من الطلبة تزوج هنا بواحدة‬
‫في مكة بعد مكاشفاته‪ ،‬ومشاهداته‪ ،‬وكذا‪ . .‬وكذا قال‪ :‬هللا ضبط لي‪ ،‬وبعد كم سنة‬
‫رأيته وبدأ يلعن المرأة بشكل غريب‪ ،‬قلت له‪ :‬حبيبي أنت طلبت‪ ،‬قال‪ :‬نعم أنا طلبت أنا‬
‫اخطأت الزم ما أطلب من هللا هذه المرأة لكنه_في وقتها_ أص ّر في طلبه أصّر وهكذا‬
‫كانت النتائج‪.‬‬
‫نرى هذا المطلب في طلباتنا على م ّر الدهور‪ ،‬والعصور‪ ،‬فأحيانا ً مثال‪ :‬قبل‬
‫عشرين سنة أنا أطلب شيئا‪ ،‬أي شيء وبعد عشرين سنة يتضح لي إن هذا الذي كنت‬
‫أطلبه كان سما بالنسبة إليّ وهللا تبارك وتعالى لم يقض حاجتي برحمته‪ ،‬لم يقض‬
‫حاجتي وأنا دائما كنت أزعل من هللا‪ ،‬و أقول‪ :‬أنا يا هللا آتي وأبكي ولآلن بكيت كثيرا‬
‫وأنت لم تحقق طلبي‪ .‬إذ كنت أسأل و هللا تبارك وتعالى ما يجيب‪ ،‬وبعد عشر سنين‬
‫ألتفت إن عدم قضاء حاجتي كان صحيحا مائة بالمائة ولو كان هللا تبارك وتعالى‬ ‫ُ‬
‫قضي حاجتي لكنت من الهالكين‬
‫والحمد ّلِل رب العالمين‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الثّالثة من ُماضرات ال ّدعاء ‪1 ..............................................‬‬
‫البحث‪1 :‬‬
‫حقيقة الدعاء ختتلف من عال إىل عال‪1 :‬‬
‫اشعار للعارف ابن الفارض املصري (قدس سره) ‪1 ...............................‬‬
‫توطئة‪3 :‬‬
‫الدعاء يف عال اآلخرة يتحول إىل التسبيح والتنزيه‪3 :‬‬
‫صريورة التسبيح دعاء يف اآلخرة‪3 :‬‬
‫غاية الدعاء‪3 :‬‬
‫دعاء أهل اآلخرة يف عال الناسوت نفس دعاء أهل اجلنة‪5 :‬‬
‫االعرتاض بالدعاء ممنوع‪5 :‬‬
‫جمهولية الدعاء يف الذات اإلَلية‪7 :‬‬
‫دعاء األولياء‪8 :‬‬
‫الطلب قد يأيت بنتائج مغايرة‪9 :‬‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬
‫المحاضرة الرابعة من محاضرات الدّعاء‬
‫شيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬ ‫لسماحة ال ّ‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َشهر‬

‫البحث‪:‬‬
‫المشيئة اإللهية في باطنٌ األعيان وتظهر عند استمرار الطلب ال بالجبر وال‬
‫بالتفويض‪.‬‬

‫أشعار للعارف ابن الفارض المصري(قدس سره)‪:‬‬


‫ك حمتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِ ِفي‬‫قليب حُيَ ّدثين بأَنّ َ‬
‫ف‬ ‫داك عرفت أم مل تَـع ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫روحي ف َ َ َ َ‬
‫نت الذي‬ ‫ض َح ّق َهو َاك إن حك ح‬ ‫مل أَق ِ‬
‫ثلي َمن يَفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أسى وم َ‬ ‫مل أقض فيه ً‬
‫نفس ِه‬
‫وباذ حل ِ‬ ‫ما يل ِسوى روحي ِ‬
‫َ‬
‫ليس ِِبحس ِرف‬ ‫ب َمن يَـهواهح َ‬ ‫يف حح ّ‬
‫أسعفتَين‬ ‫ِ ِ‬
‫يت هبا فقد َ‬ ‫فلَئن َرض َ‬
‫ف‬‫يا َخيبة املسعى إذا مل تحسعِ ِ‬
‫َ َ َ‬
‫وماِني‬ ‫نام ِ‬ ‫يا مانِعي طيب امل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ َ‬
‫ف‬‫قام بِه ووجدي املتل ِ‬ ‫ثوب الس ِ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫يت يل‬ ‫َعطفاً على َرمقي وما أب َق َ‬
‫من جسمي املضىن وقليب امل َدنَ ِ‬
‫ف‬
‫ح‬ ‫ٍَ ح‬
‫ال حُماطلي‬ ‫صح‬ ‫فالوج حد باق وال ِو َ‬‫َ‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫فان واللّقاء حم َس ّويف‬ ‫والصبـر ٍ‬


‫ّح‬
‫ضع‬‫مل أَخل من حس ٍد عليك فال تح ِ‬
‫ح ََ‬
‫ف‬ ‫يال امل ِرج ِ‬ ‫سهري بتَشنِيع اخلَ ِ‬
‫ح‬ ‫ََ‬
‫جنوم اللّ ِيل هل ز َار ال َكَرى‬ ‫واسأَل َ‬
‫ف‬‫جفين وكيف يزور من مل يـع ِر ِ‬
‫حَ َ‬ ‫َ‬
‫ض حج حفوهنا‬ ‫ال َغرَو إن َش ّحت بغحم ِ‬
‫ف‬‫موع ال ّذر ِ‬
‫وس ّحت بال ّد ِ ّ‬ ‫عيين َ‬
‫موقف التودي ِع ِمن‬ ‫وِبا جرى يف ِ‬
‫َ‬
‫ول ِ‬
‫املوقف‬ ‫شاهدت َه َ‬
‫ح‬ ‫أ ِمل النّـ َوى‬
‫ك فعِد به‬ ‫إن مل يكن وصلٌ َلدي َ‬
‫ت وال تفي‬ ‫ِ‬
‫أ ََملي َوَماطل إن َو َعد َ‬
‫عز الوفا‬ ‫ي إن ّ‬ ‫منك َلد ّ‬‫فاملطلح َ‬
‫َ‬
‫ف‬‫حبيب مسعِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ص‬ ‫كو‬ ‫ُيلو‬
‫ح‬ ‫ََ‬
‫ألنفاس النّ ِسي ِم تَعِلّةً‬
‫ِ‬ ‫أه حفو‬
‫تشويف‬
‫و َلوجه َمن ن َقلَت َش َذاهح ّ‬
‫فلَعل نار جواِني هبب ِ‬
‫وهبا‬ ‫حح‬ ‫َّ َ‬
‫أن تنطَفي و َأوّد أن ال تنطَفي‬
‫ومن‬
‫أهل حوّدي أنتم أ ََملي َ‬ ‫يا َ‬
‫ادا حك حم يا أَه َل حوّدي قد حكفي‬ ‫نَ َ‬
‫عحودوا لِما حكنتحم عليه من الوفا‬
‫الويف‬ ‫َكرماً فإّن َذلِ َ ِ‬
‫ك اخل ّل َ‬ ‫َ ّ‬
‫وحياتِ حكم وحياتِ حكم قَ َسماً ويف‬
‫عحمري بغ ِري حياتِ حكم مل أحلِف‬
‫لو أَ ّن حروحي يف يدي َوَوَهبتحها‬
‫صف‬ ‫ملب ّشري بِ حق حدومكم مل أحن ِ‬
‫حَ‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫كان الكالم في حقيقة الدعاء واتضح إن ال ّدعاء تختلف حقيقت ُه في كل عالم عن‬
‫العالم اآلخر‪ ،‬وقد تق ّدم أن المشيئة اإللهية عندما تعلقت باألعيان الثابتة الموجودة في‬
‫ف وح ّد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى بنحو ال ينافي بساطة ذاته وال يستلزم أي تكثر وتأل ٍ‬

‫تحقق المشيئة في عالم األمر‪:‬‬


‫ّ‬
‫تتحقق باألعيان عن طريق طلبهم طلب األعيان‪ ،‬وندبهم‬ ‫هذه المشيئة اإللهية‬
‫ودعائهم للوصول إلى ما هو مضبوط‪ ،‬ومرسوم لهذه األعيان‪.‬‬

‫المشيئة االلهية طور من أطوار العين‪:‬‬


‫إذن المشيئة اإللهية في الموجودات‪ ،‬في كل موجود ليست خارجة عنها‪ ،‬فكما أن‬
‫هللا تبارك وتعالى داخل في األشياء ال بالممازجة‪ ،‬وخارج عنها ال بالمباينة كذلك‬
‫صفات ُه؛ وألن المشيئه من الصفات‪ ،‬فالمشيئة داخلة في األشياء ال بالممازجة‪ ،‬وخارجة‬
‫عنها ال بالمباينة‪ ،‬فهي من ذات العين من ذات الموجود من ذات الشيء ومن خالل‬
‫الشيء‪ ،‬ومن باطن الشيء وهي تفرض وجودهُ وتفرض تنفيذهُ وتحق ّق ُه‪ ،‬و ال يوجد‬
‫ّ‬
‫لحقائق‬ ‫عامل خارجي باسم المشيئة يفرض على العين ايجادها‪ ،‬وتحققها؛ ألن كل هذه ا‬
‫موجودة في داخل الموجود‪ ،‬وفي داخل هذا الوجود‪ ،‬أو الشيء‪ ،‬أو قل داخل هذه العين‬
‫تتحقق بأسمائ ِه حسب شاكلة كل عين‪ ،‬وحسب‬ ‫ّ‬ ‫الثابتة‪ ،‬فاألعيان الثابتة تطلب من هللا أن‬
‫ما رُس َم‪ ،‬وتقرر لها من األزل‪ ،‬وحسب ما ُخطط لها من األزل‪.‬‬

‫الطلب المستمر في االعيان صورة للمشيئة‪:‬‬


‫فالمشيئة اإللهية عندما تنطبع‪ ،‬وتظهر في األعيان الثابتة تظهر بصورة طلب هذه‬
‫األعيان تحقيق شيئا في أنفسهم‪ ،‬فهذه العين الثابتة تطلب الظهور باالسم الكذائي مثالً‬
‫باالسم القادر‪ ،‬أو باالسم الحامد‪ ،‬أو بأي نوع‪ ،‬وقسم من األسماء‪.‬‬
‫فتار ًة هذه األعيان تطلب الظهور باالسم الجمالي‪ ،‬وأخرى باالسم الجاللي‪ .‬فإذا‬
‫شقاء‬ ‫كان باالسم الجمالي يكون سعيداً‪ ،‬وإذا كان باالسم الجاللي يكون شقيا ً‪ ،‬فال ّ‬
‫والسّعادة في األعيان نابع من طلبها هي تطلب هذا األمر من داخلها من صميمها‪ ،‬بهذا‬
‫بطن أُم ِه ))‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بطن أُم ِه وال ّ‬
‫ش ْقي َش ْقي في‬ ‫ِ‬ ‫تتضح الرواية‪ (( :‬السّعيد َس ْ‬
‫عيد في‬
‫فال يوجد عامل خارجي‪ ،‬وال توجد علل خارجية‪ ،‬فالمشيئة‪ ،‬والطلب من داخل ِه‬
‫من صميم ِه؛ ألن المشيئة اإللهية تدخل من داخل ِه‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى ينفذ مشيئت ُه من‬
‫داخل هذا الموجود كما إن هللا تعالى داخل في األشياء مشيئت ُه داخلة في األشياء‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫حال االنسان في عالم المادة انعكاس لطلبه في عالم األمر‪:‬‬


‫ومما تقدم نصل إلى أنه ال يمكن القول واالعتراض لماذا هللا خلقني هكذا! وإن هللا‬
‫مثالً ظلمني وإن هللا فعل كذا أو كذا بيّ ‪ ،‬فكل ما فيك هو نتيجة طلبك‪ ،‬ونتيجة لطلب‬
‫هذه العين‪.‬‬
‫إذن إذا كان في هذه العين الثابتة طلب مستمر من صميم ذاتها‪ ،‬فهذا دليل على‬
‫وقوع المشيئة اإللهية‪ .‬بعبارة أخرى‪ :‬استمرار طلب العين الثابتة للشيء‪ ،‬فهذا يعني‬
‫تعلق المشيئة اإللهية بهذا الشيء؛ ألن الطلب الداخلي المستمر انعكاس للمشيئة‬
‫اإللهية‪ ،‬فالمشيئة ليست من الخارج‪ ،‬وليست دافعا ً خارجيا‪ ،‬وليس هناك شيء ي ُدفعه بل‬
‫من صميم ذاته إما يطلب الشقاء‪ ،‬أو يطلب السعادة من داخل ِه‪.‬‬

‫الحقائق في أنفسهم‪ ،‬وخروجهم من‬ ‫ّ‬ ‫لتحقيق بعض‬‫ّ‬ ‫إذن طلب األعيان الثابتة‪ ،‬ودعائهم‬
‫عالم الكمون‪ ،‬وظهورهم في الخارج‪ ،‬وتحققّهم باألسماء اإللهية هذا شيء في صميم‬
‫عالم‬
‫ٍ‬ ‫ذاتهم‪ .‬وظهور لمشيئة هللا تبارك وتعالى‪ .‬وهذا ما قلناهُ من إن ُه ال ّدعاء في كل‬
‫يختلف عن العالم اآلخر‪.‬‬
‫وخططت في شاكلتها الرحمة‪ ،‬فهي تطلب‬ ‫ْ‬ ‫فالعين التي شاكلتها ُرس ْ‬
‫ّمت مثال بالرحمة‬
‫الرحمة وهللا تبارك وتعالى يجيب‪ْ (( :‬ادعُونِي أَسْ َت ِجبْ َل ُك ْم))(غافر‪.)6٠ :‬‬
‫فاالستجابة ال تختص بجانب السعادة‪ ،‬والرحمة‪ .‬وكل من يطلب يُستجاب له سواء‬
‫يطلب السعادة‪ ،‬أو يطلب الشقاء‪ ،‬وال تختص االستجابة بمن يطلب السعادة بل يشمل‬
‫حتى هذه األعيان الثابتة التي تطلب الشقاوة إذ بعض األعيان يطلبون ال ّ‬
‫شقاوة هللا‬
‫يعطيهم كما في هذه الدنيا نفس الشيء بعض األشخاص يطلبون من هللا يا هللا علمني‬
‫علم االحتيال كيف احتال على الناس؟ يا هللا هذا المسكين يريد يشتري مني شيئا‪ ،‬وأنا‬
‫اطلب منك أن تمكنني من االحتيال علي ِه حتى أغش ُه‪ .‬هللا تبارك وتعالى يستجيب‬
‫شقاوة قال‬ ‫شقاوة ويدعو لل ّ‬ ‫ويقبل‪ ،‬فيعطي ِه؛ ألن ُه يطلب وطلبه مستمرا لكن يطلب ال ّ‬
‫تعالى‪ (( :‬قُ ْل ُك ٌّل َيعْ َم ُل َعلَ ٰى َشا ِكلَ ِتهِ))( االسراء‪.)84 :‬‬
‫فكل موجود في العالم يعمل على وفق شاكلت ِه ومعنى الشاكلة‪ :‬الهكيل العام الذي‬
‫هللا خطط ُه لهذه العين ور ّس َم ُه‪ ،‬فاّلِل تبارك وتعالى َرسّم هذا الهيكل العام لهذه العين‬
‫الثابتة‪ ،‬ورسّم لغيرها ذاك الهيكل العام المختلف لذا نجد أن كل عين الثابتة ال تستطيع‬
‫أن تطلب غير شاكلتها‪ ،‬فكل عين ثابتة أكيداً تطلب شاكلتها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫ظهور المشيئة اإللهية على األعيان ال بالجبر وال بالتفويض‪:‬‬


‫وهذا البحث ليس له صلة بمسألة الجبر‪ ،‬واالختيار؛ ألن األعيان الثابتة متحققة‬
‫قبل تعلق االختيار‪ ،‬والجبر؛ ألن االختيار والجبر من عالم الخلق؛ ألن االختيار صفة‬
‫والصفة في عالم الخلق ونحنُ نتكلم عن عالم األمر‪.‬‬
‫نتكلم عن األعيان الثابتة في عالم الالهوت‪ ،‬في عالم العلم الربوبي‪ ،‬أو قل مرتبة عليا‬
‫في عالم الالهوت‪ ،‬والذات اإللهية‪ ،‬فهذه األعيان الثابتة تطلب شيئا ً من هللا‪ ،‬وهذا‬
‫شقاوة؟ هذا الطلب‬ ‫الطلب يكون على وفق شاكلتهم‪ ،‬فال تقولون لماذا هؤالء طلبوا ال ّ‬
‫للشقاوة بسبب شاكلتهم‪ ،‬وكان على وفق شاكلتهم‪ ،‬فاّلِل تبارك وتعالى لم يجبرهم‪ ،‬و ال‬
‫يوجد جبر؛ ألن الجبر‪ ،‬واالختيار في عالم الخلق‪ ،‬واالختيار من الصفات ونحن نتكلم‬
‫في عالم االمر الذي هو قبل هذه األمور التي مقرها في عالم الخلق‪ .‬والشاكلة موجودة‬
‫في صميم الشيء‪ ،‬وفي صميم وذات الشيء قبل الخلق‪.‬‬
‫الحق تبارك وتعالى وكان هذا الطلب‬ ‫ّ‬ ‫إذن إذا العين الثابتة طلبت شيئا ً من‬
‫مستمراً‪ ،‬فمعناهُ أنه يكون وفق مشيئة هللا تبارك وتعالى؛ ألن الطلب المستمر والمتأكد‬
‫ظهورا للمشيئة اإللهية على مرآة هذه األعيان الثابتة‪.‬‬
‫االن ننزل من األعيان الثابتة نأتي إلى عوالم أخرى‪.‬‬

‫المشيئة في عالم المادة‪:‬‬


‫بعض األشخاص من بداية حياتهم يطلبون شيئا ً ولو في ضمائرهم ممكن ما‬
‫يبدون طلباتهم‪ ،‬ولكن يحبون بعض األمور‪ ،‬والطلبات‪ ،‬فمثال بعض األشخاص يحبون‬
‫أن يصبحوا أثرياء‪ ،‬وبعد خمسين سنة‪ ،‬أو بعد سبعين سنة‪ ،‬أو في أواخر حياتهم‬
‫يصبحون أثرياء‪ ،‬أو قد ال يتحقق لهم الثراء‪ ،‬فنجد همهم أنهم ما زالوا فقراء في هذه‬
‫الدنيا‪ ،‬ولكن هذا الفقير من هؤالء الذين يحبون الثراء ولدهُ يصبح غنيا ً مثال؛ ألن الولد‬
‫امتداد للوالد وحقيقته (الولد سَّر أبي ِه) كما ورد في بعض الروايات‪ ،‬فهو نفس الوالد‬
‫واستمراره استمرار للوالد‪ ،‬فالوالد الذي طلب الغنى هللا تبارك وتعالى لم يعطه بل‬
‫اعطى للولد الذي أصبح غنيا وهذا نشاهده كثيرا‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬شخص فقير ضعيف دائما يطلب‪ :‬يا هللا يا هللا لماذا أنا فقير؟‬
‫وكذا‪ ،‬فيصبح ولده غنيا ً بل من أكبر األغنياء في العالم يعني‪ :‬إن الطلب الذي كان‬
‫يطلبه والده كان طلبا مستمرا‪ ،‬فمعناهُ إن هللا تبارك وتعالى أجاب ُه‪ ،‬واستجاب لطلبه‬
‫ولكن هل االجابة كانت للداعي نفسه ال بل كانت لولده‪ .‬ولدهُ الذي هو سّرهُ وامتداده‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫أهمية استمرار الطلب‪:‬‬


‫بعض األشخاص يحبون السير والسلوك ولكن لم يوفقوا للسير والسلوك‬
‫والعرفان‪ ،‬فالشخص الذي يكون محبا للسلوك والعرفان ولم يوفق في حياته لهذا‬
‫الطريق وكان لهذا الشخص شخصا محبوبا جداً‪ ،‬فبعد وفاته يدخل هذا المحبوب لذاك‬
‫الشخص الذي لم يوفق للسلوك والعرفان يدخل في الطريق بشكل غريب من دون أن‬
‫يعرف وهذا المحبوب قد يكون ابن ُه‪ ،‬أو زوجت ُه‪ ،‬فيدخل في السلوك ومن القصص‬
‫المؤكدة لهذا المعنى قصة زوجة الشهيد شمران‪.‬‬

‫قصة زوجة الشهيد شمران‪:‬‬


‫فالشهيد شمران(رحمه هللا) كان باطنه يفحص عن التوحيد‪ ،‬ويفحص عن العرفان‬
‫والظروف لم تسمح ل ُه بأن يتصل بأستاذ ربّاني إذ الظروف‪ ،‬وأجواء الحرب آنذاك لم‬
‫تسمح ل ُه ولكن هذه النار في باطنه كانت موجودة‪ ،‬فاستشهد ولم يعقب ال بنت‪ ،‬وال ولد‬
‫ولكن هذه الحرارة انتقلت إلى زوجته‪ ،‬فمن دون أن تعرف زوجته‪ ،‬وبعد وفاته بمدة‬
‫قليلة تحولت حالتها‪ ،‬فبدأت تفحص‪ ،‬وتفحص‪ ،‬فوصلت إلى سماحة السيد الطهراني‬
‫(قدس سره)؛ ألنها أصبحت ( ادامه) بالفارسي يعني استمرار أي أصبحت استمراراً‬
‫ّ‬
‫يتحقق‪.‬‬ ‫لزوجها‪ ،‬فهذا المعنى‬
‫اذن الطلب المستمر يفيد‪ ،‬يفيد يعني‪ :‬الشيء الذي أنت تطلب ُه يتحقق ولو بعد مائه‬
‫يتحقق ولك‪ ،‬أو ألبنك‪ ،‬أو لحفيدك إلى آخر الزمان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سنة يتحقق لك إما فيك‬
‫وكثير من األنبياء العظام كانوا يطلبون مقامات وهللا تبارك وتعالى لم يعطهم في‬
‫هذه ال ّدنيا ولكن أعطى هذه المقامات إلى أوالدهم‪ ،‬وأحفادهم‪ ،‬ولنبينا (صلى هللا عليه‬
‫واله وسلم)‪ ،‬وألبناء النبي ( صلوات هللا وسالمه عليهم اجمعين)هذا المطلب واضح‬
‫في الروايات وفي القرآن الكريم من ذلك قوله تعالى‪َ (( :‬وإِ َّن ُه فِي ْاآلخ َِر ِة لَم َِن‬
‫ِين)) (النحل‪ ،)١٢٢ :‬فالنبي إبراهيم (عليه السالم) في عالم اآلخرة يصبح من‬ ‫الصَّالِح َ‬
‫الصالحين‪ ،‬ولكن عالم الصلوح وهو عالم فوق عالم الفناء‪ ،‬فالنبي ابراهيم (عليه‬
‫السالم) وصل إلى عالم الفناء‪ ،‬ولكن ليس بالنحو الكامل وصل بشكل الحال ال بشكل‬
‫المقام‪ ،‬واالستمرار‪ ،‬والحالة المستمرة‪ ،‬ولكن أوالدهُ وحفيدهُ نبينا (صلى هللا عليه واله‬
‫وسلم) وأوالد النبي (صلوات هللا وسالمه عليهم ) وصلوا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫أهمية قابلية القابل في تحقق المشيئة‪:‬‬


‫إذن إذا نرى الوجود أمراً واحداً مستمراً كالنهر‪ ،‬فهذا النهر عندما تنظرون إليه‬
‫تشاهدون شيئا واحدا ولكن عنده سيالن‪ .‬شيئا واحدا مستمرا‪ ،‬والموجودات نفس‬
‫مستمر للعين الثابتة ظهور‬
‫ٍ‬ ‫الشيء نفس هذا النهر الواحد الذي فيه سيالن إذن كل طل ٍ‬
‫ب‬
‫للمشيئة اإللهية على ّ‬
‫الطول‪ ،‬فكثير من األنبياء طلبوا من هللا أشياء هللا تبارك وتعالى لم‬
‫يعطهم ولكن أعطى لذريتهم؛ ألنهم طلبوا‪ ،‬ولو لم يطلبوا ما كان يعطيهم‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من أنهم طلبوا في هذا العالم ّإال أن عالم المادة عالم الكون‪ ،‬والفساد‪ .‬عالم الضيق‪،‬‬
‫ّ‬
‫تحقيق كل شيء في هذا العالم‪.‬‬ ‫والظلمة ال يمكن‬

‫دور قابلية القابل في تحقق المشيئة‪:‬‬


‫هللا تبارك وتعالى يجيب الطلبات لكن البد من تحقق القابلية في القابل‪ ،‬فمثال البطل‬
‫االيراني المعروف حسين رضا زاده يستطيع أن يرمي شيئا ً ثقيالً إلى مسافة خمسين‬
‫مترا لكن هذا البطل هل يستطيع أن يأخذ قشا‪ ،‬أو هذا الحشيش الصغير ويرميه‬
‫لمسافة مترين قطعا ما يستطيع‪ ،‬فهل المشكلة في هذا البطل؟ ال المشكلة ليست بهذا‬
‫البطل بل المشكلة بالقش؛ ألن وزنه الخفيف يحتم أن ال يصل لمترين عند الرمي‪.‬‬
‫إذن هللا تبارك وتعالى يجيب الطلبات وهذا الشيء الذي ال يجيب طلباته على‬
‫الرغم من استمرارية الطلب لديه السبب في عدم اجابة الطلب إن المكان ما يتحمل‬
‫طلبه‪ ،‬وإال هللا تبارك وتعالى على الطول يجيب‪ ،‬فأنت ما تستطيع ال توجد مشكلة عند‬
‫هللا تبارك وتعالى يعامل ابنك مثل ما يعاملك؛ ألنه امتداد لك فان استطاع ابنك اعطاه‬
‫وان لم يستطع أيضا ال توجد مشكلة ينتقل األمر لحفيدك ويعامله على إنه أنت وإنه‬
‫وامتداد لك‪ ،‬وإذا ما صار ولم يستطع‪ ،‬فال توجد مشكلة ينتقل األمر لزوجتك فإنها منك‬
‫فإن تحقق طلبك والمكان والظروف تسمح بذلك فأمر جيد وإن ما صار ينتقل األمر‬
‫لحفيد حفيدك وهكذا إلّى أن يتحقق الطلب وهذا األمر متحقق‪.‬‬
‫بعض الناس يطلبون السّلطنة‪ ،‬والحكومة هللا تبارك وتعالى ما يعطيهم بل يسلط‬
‫عليهم إما الكالب‪ ،‬أو يسلط عليهم بعض النساء اللواتي هن ممكن أقسى من الكالب‪،‬‬
‫أو يسلط عليهم اشخاص أسوأ من الكالب‪ ،‬ولكن أحدهم يريد ويطلب أن يكون حاكما ً‬
‫و وليا ً وسلطانا ً ما يصير لكن ابنه يصبح سلطانا ً‪ ،‬أو حفيدهُ يصبح سلطانا ً ونرى هذا‬
‫كثيرا في العالم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫تقرر المشيئة في عالم األعيان الثابتة وفي عالم الخلق التطبيق‪:‬‬


‫قلنا إن المشيئة اإللهية تعلقت باألعيان الثابتة قبل خلقهم وقبل ظهورهم في هذا‬
‫شقاوة‪ ،‬وكل هذه األمور ُتقرر في ذاك العالم في عالم األمر‪،‬‬ ‫العالم إذن السّعادة‪ ،‬وال ّ‬
‫وفي هذا العالم تطبيق لما قُرّر‪.‬‬
‫ومن ه ّنا العارف الهروي الخواجة عبد هللا األنصاري الهروي(ابو اسماعيل‬
‫الهروي) يقول‪:‬‬
‫الكل يخافون من المستقبل‪ ،‬ومن النهاية‬
‫وعبد هللا يخاف من األولى‪.‬‬
‫يعني‪ :‬الكل يخاف من اآلخرة يوم القيامة وماذا يصير هناك؟ وهل يأخذوننا إلى الج ّنة‪،‬‬
‫أو إلى ال ّنار لذا قال‪ :‬أنا ما أخاف من اآلخرة بل أخاف من األول وماذا ُكتب لي إذ ال‬
‫أستطيع أعرف ماذا كتب لي وما عندي معرفة به‪.‬‬

‫حالة االنسان في عالم الناسوت مرآة لما حصل هلل في العوالم العليا‪:‬‬
‫عالم األمر مرتبة نازلة من عالم الالهوت‪ ،‬وعالم الخلق بمراتبه مرتبة نازلة من عالم‬
‫األمر‪ ،‬واآلخرة باطن العالم‪ ،‬وهذا العالم عالم الملك باطن ُه عالم الملكوت‪.‬‬
‫عالم الملكوت باطن هذا العالم ونحنُ عندنا برزخان‪ :‬برزخ نزولي‪ ،‬وبرزخ صعودي‪.‬‬
‫برزخ نزولي‪ :‬عندما ك ّنا في عالم الالهوت ن ّزلنا ومُررنا على اآلالف من العوالم من‬
‫دون أن نتذكرها وفي كل عالم عندما مررنا به وبدأنا بالنظر‪ ،‬واألخذ من تلك العوالم‬
‫واآلن بسبب كثافة العالم المادي‪ ،‬وغلظته‪ ،‬وظلمته نسينا كل شيء من أوله إلى آخره‬
‫وإال نحن مررنا بعوالم كثيرة وفي كل عالم أخذنا‬ ‫في عالم ال ّناسوت الذي نحن فيه‪ّ .‬‬
‫شيئا ً من ذاك العالم‪ .‬ومعنى أخذنا‪ :‬إننا نظرنا ورأينا هللا تبارك وتعالى في ذاك العالم‬
‫وتحققّنا بشيء من ذاك العالم حتى وصلنا إلى هذا العالم‪.‬‬

‫سبب الغفلة عن الحق في عالم الناسوت وتصريح نجم الدين الرازي‪:‬‬


‫لماذا في هذا العالم عالم الناسوت نحنُ نصبح غافلين؟ تحصل لنا الغفلة الكثيرة؛‬
‫ألننا في تلك العوالم عندما ك ّنا ننزل كان عندنا غفلة‪ .‬نظرنا دخلنا في عالم من‬
‫العوالم قلنا‪ :‬فلنستريح هنا ونبقى هنا وكذا‪ . .‬وكذا‪ ،‬فتعودنا على ذاك العالم وبدأنا‬
‫نلعب في ذاك العالم‪ ،‬فاللعب هنا والغفلة هنا ناشئ من الغفلة‪ ،‬واللعب في ذاك العالم‪،‬‬
‫شيخ نجم الدين الرازي صاحب كتاب مرصاد العباد وهو كتاب‬ ‫وهذا ما صرّح به ال ّ‬
‫نفيس ويصرّح في الصفحه " ‪:"٥8‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫))از عبور او بر چندين هزار عوالم مختلفة روحاني وجسماني تا آنگه كه بقالب‬
‫پيوست هفتاد هزار حجاب نوراني وظلماني پديد آمده بود چه نگرش او بهر چيز در‬
‫عوالم اگرچه ثاني الحال وسبب كمال او خواست بود حاالهريكى حجابى شد تا‬
‫بواسطة آن حجب از مطالعة كليّة عوالم ملكوت ومشاهدة جمال اح ّديت وذوق‬
‫مخاطبة حق وشرف قربت محروم ماند و از علّيّين قربت باسفل السافلين طبيعت‬
‫افتاد))‪.‬‬
‫خالصت ُه‪ :‬إن األنسان عندما م ّر على تلك العوالم السابقة توقف بشكل غير ضروري‪،‬‬
‫َف َ‬
‫لعب وبدأ باللعب في تلك العوالم‪ ،‬فعندما يأتي إلى هذا العالم يُبتلى بالشيء نفسه‪.‬‬
‫ومن ه ّنا العرفاء يقولون العالم السفلي مرتبة نازلة من العالم العلوي‪.‬‬

‫أبيات العارف ميرفندرسكي‪:‬‬


‫چرخ با اين اختران‪ ،‬نغز و خوش و زيباستی‬
‫صورتی در زير دارد آنچه در باالستی‬
‫صورت زيرين اگر با نردبان معرفت‬
‫بررود باال همان بااصل خود يکتاستی‬
‫الترجمة‪ :‬الفلك مع هذه األنجم لطيف وحلو وحسن‬
‫لكل ما في الفوق صورة في التحت نازلة‬
‫لو صعدت بسلم المعرفة من هذه الصورة إلى فوق‬
‫لترى هذه الصورة النازلة متطابقة كامال مع الحقيقة هناك‬
‫وهي قصيدة مفصلة من الحكيم العارف ميرفندرسكي حول أن كل شيء في هذا‬
‫العالم المادي هو صورة مصغرة من ذاك العالم‪ .‬وأساسا ً هذا العالم المادي هذا العالم‬
‫نسخة ضئيلة (فتوكپى) صغير من العوالم العليا‪.‬‬

‫العالقة بين العوالم‪:‬‬


‫عالم البرزخ النزولي مرتبة نازلة من عالم العقل‪ ،‬وعالم العقل مرتبة نازلة من‬
‫عالم الروح‪ ،‬وعالم الروح مرتبة نازلة من عالم األحدية‪ ،‬وعالم األحدية مرتبة نازلة‬
‫من عالم الالهوت إذن هذه الغفالت التي نشاهدها في حياتنا‪ ،‬أو التوجهات التي نرى‬
‫في حياتنا إننا نتوجه إلى هللا‪ ،‬أو أحيانا تحصل لنا الرحمة اإللهية الواسعة‪ ،‬أو أحيانا ً‬
‫تحصل لنا حاالت مختلفة كل هذه األمور مراتب نازلة مما مضت علينا‪ ،‬وممّا مضينا‬
‫فيه من العوالم‪ ،‬وممّا وقع علينا في تلك العوالم‪ ،‬ممّا شاهدناه في العوالم األخرى‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫مشاهدة الشيخ علي المؤذن‪:‬‬


‫ينقل الشيخ نجم الدين الرازي حكاية عن الشيخ محمد كوفي وهو كان ساكن‬
‫بنيسابور والذي ينقل بدوره عن الشيخ علي المؤذن الذي قال‪ :‬حصلت لي حالة رأيت‬
‫نفسي من الوقت الذي هللا تبارك وتعالى انزلني من عالم الالهوت‪ ،‬فشاهدت نفسي‬
‫أنزل في المراتب من ذلك العالم العالي المرتبة إلى مرتبة دانية‪ ،‬ومن تلك المرتبة‬
‫إلى مرتبة أدنى منها‪ ،‬وكلما أم ّر على عالم من تلك العوالم أشاهد أهل هذا العالم يبكون‬
‫عليَّ ويقولون‪ :‬هذا المسكين طردوهُ من فوق واآلن مصيرهُ إلى أسفل السافلين إلى‬
‫عالم الناسوت‪ ،‬فقد أ ُبعد عن مقام القرب اإللهي‪ .‬هكذا كانوا يقولون‪ ،‬وحتى كانوا‬
‫يبكون عليَّ ‪ ،‬وأنا أيضا تأثرت وقلت‪ :‬كيف هؤالء الموجودون المتواجدون في هذه‬
‫العوالم يبكون عليَّ ‪ ،‬ولماذا هللا تبارك وتعالى ينزلني من ذلك المقام؟ مقام القرب‬
‫والراحة‪ ،‬واإلنس لكن هللا تبارك وتعالى صا َح عليهم وقال‪ :‬يا أهل هذه العوالم أنا لم‬
‫أ ُن ّزل هذا العبد من ذاك المقام السامي إلى عالم الناسوت للبعُد بل أنا أنزل ُه لكي يراني‬
‫في ذلك العالم أيضا ً يقول‪:‬‬

‫أبيات فروغی البسطامی‪:‬‬


‫با صد هزار جلوه برون آمدی که من‬

‫با صد هزار ديده تماشا کنم تو را‬


‫الترجمة‪:‬‬
‫طلعت بمائة ألف تجل‪.‬‬
‫حتی أشاهدك فيها بمائة ألف عين‪.‬‬
‫يعني‪ :‬أنت تجليت عليَّ من مائة ألف جلوة و غمزة وهذه األمور حتى أنا من مائة ألف‬
‫عين أشوفك في هذه االشياء‪.‬‬
‫شر ل نسان عندما ين ّزل ُه من ذاك المقام السامي إلى هذا‬ ‫اذن هللا تبارك وتعالى لم يرد ال ّ‬
‫العالم بل يريد ل نسان أن يراهُ في كل العوالم‪.‬‬
‫وعندما نتجاوز هذا العالم نتذكر العوالم األخرى وهللا تبارك وتعالى في مواقع من‬
‫القرآن يوبخنا يقول‪ :‬لماذا ال تتذكرون وأما تتذكرون إذ كان عهد بيننا وبينكم‪ ،‬فلماذا‬
‫ما وفيتم بعهودكم ومعناه؟ أنكم كنتم في تلك العوالم على نحو الحقيقة ال على نحو‬
‫شتم في عوالم أخرى‪ ،‬وجئتم هنا في عالم‬ ‫المجاز بعبارة أخرى‪ :‬أنتم أيها العباد ع ّ‬
‫الناسوت‪ ،‬فنسيتم‪ ،‬وعندما نسيتم أنا أذكركم‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫ُور ِه ْم ُذرِّ َّي َت ُه ْم َوأَ ْش َه َد ُه ْم َعلَ ٰى أَنفُسِ ِه ْم أَلَسْ ُ‬


‫ت ِب َر ِّب ُك ْم ۖ‬ ‫ُ‬ ‫(( َوإِ ْذ أَ َخ َذ َر ُّب َ‬
‫ك مِن َبنِي آ َد َم مِن ظه ِ‬
‫ِين‬
‫ك فِي السَّا ِجد َ‬ ‫َقالُوا َبلَ ٰى ۛ َش ِه ْد َنا ۛ))(األعراف‪ .)١٧٢ :‬وقال في موارد اخرى (( َو َت َقلُّ َب َ‬
‫) )( الشعراء‪ ،)٢١9 :‬فبالنسبة إلى النبي ( صلى هللا عليه واله وسلم) يقول له تبارك‬
‫وتعالى‪ :‬أنا رأيتك تتقلب بين السّاجدين من آبائك عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫شيخ نجم الدين الرازي هو تلميذ لنجم الدين الكبرى‪ ،‬نجم ال ّدين الكبرى هو من‬ ‫وأما ال ّ‬
‫كبار عرفاء بين النهرين شمال خراسان ومعروف بـ(ولي تراش )يعني صانع األولياء‬
‫كان عندما يتوجه إلى أحد يبدل ُه وكأنه عندهُ أكسير معنوي بمجرد أن يتوجه إلى‬
‫شخص يبدل ُه‪ ،‬وكان عنده جماعة من التالمذة أصبحوا كلهم من ال ّكملين منهم الشيخ‬
‫شيخ مجد ال ّدين البغدادي كان‬ ‫شيخ مجد ال ّدين البغدادي ال ّ‬ ‫سعد الدين الجويني ومنهم ال ّ‬
‫من أبرز تالمذته نجم ال ّدين الكبرى إال أن السّلطان محمد خوارزم شاه السّلجوقي قتل ُه‬
‫شيخ مجد ال ّدين البغدادي كان أستاذا لنجم ال ّدين الرازي صاحب‬ ‫وذبح ُه صبراً‪ ،‬فال ّ‬
‫كتاب مرصاد العباد الذي يعد من أحسن ما صنف في العرفان‪ ،‬ونفس الكتاب كتبه‬
‫بالعربية‪.‬‬
‫شيخ مجد ال ّدين البغدادي لم يكنْ من بغداد في العراق بل كان من بغداد التي هي‬ ‫ال ّ‬
‫قصبة في ما وراء النهرين بالد خوارزم‪.‬‬
‫شيخ مجد ال ّدين‬ ‫كان السّلطان محمد خوارزم شاه شابا ً وصارت أم ُه من تالمذة ال ّ‬
‫البغدادي‪ ،‬وكانت تأتي إليه وتأخذ عنه األوراد‪ ،‬واألذكار‪ ،‬والتعاليم‪ ،‬وبعد فترة تزوج‬
‫بها سراً‪ .‬وهي أم السّلطان وفي يوم من االيام‪ ،‬أو ليلة من الليالي انكشف للسلطان أن‬
‫شيخ مجد الدين البغدادي وهذا الخبر كان ثقيال عليه‪ ،‬فكيف تصبح‬ ‫أم ُه تزوجت من ال ّ‬
‫أمه هكذا وهو شاب وما كان يعرف فأمر بذبح الشيخ مجد ال ّدين وقطع رأسه‪ ،‬فذهبوا‬
‫وقتلوا الشيخ وأخذوا رأسه إليه ثم ند َم من هذا األمر وقال‪ :‬ما أصنع؟ قالوا له‪ :‬ال يوجد‬
‫شيخ نجم ال ّدين الكبرى‪ ،‬فتعتذر الي ِه‪ ،‬فذهب إليه‬ ‫طريق إال أن تمشي إلى أستاذ ِه ال ّ‬
‫معتذراً وقال‪ :‬يا شيخ أنا اخطأت وأنا حاضر ألي شيء وكان قتلي زوج أمي عن‬
‫طريق الخطأ‪ .‬قال الشيخ نجم الدين الكبرى‪ :‬ما ينفع شيء اآلن وانتهى األمر وما يفيد‪.‬‬
‫شيخ مجد‬ ‫قال السلطان‪ :‬ماذا يعني ما يفيد‪ .‬قال الشيخ نجم الدين الكبرى‪ :‬بسبب قتلك لل ّ‬
‫ال ّدين تذهب سلطنتك وملكك وهللا يسلط عليك شرار الناس‪ ،‬فهج َم المغول عليهم في‬
‫أقل من سنة‪ ،‬فقتلوهم ولم يرحموا صغيراً‪ ،‬وال كبيراً‪ ،‬بل قتلوا حتى قططهم‪ ،‬فهذه‬
‫مسألة مهمة جداً األنسان يجب أن يلتفت‪ :‬إن أهل العرفان‪ ،‬أهل الطريق محترمون عند‬
‫هللا تبارك وتعالى ولو ص ّدر عنهم ما ص ّدر حسب فهمك‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫يقول المولولي في المثنوي الشريف‪:‬‬


‫ما لم يتألم قلب الولي ورجال هللا‪.‬‬
‫هللا تبارك وتعالى ما يوجه إليهم البالء ما ينزل إليهم البالء‪.‬‬
‫البالء والعقوبة سبب ُه أن قلب أحد األولياء أصبح متألما من السلطان‪ ،‬أو من الحكومة‪،‬‬
‫فاّلِل تبارك وتعالى يسلط عليهم شرار الناس‪ ،‬فاستمرت الحكومة المغولية مائة سنة‪،‬‬
‫أو مائة وكذا سنة‪ ،‬فتغير كل شيء‪ ،‬ففي مدينة نيسابور كانوا ثالثة ماليين مسلما لم‬
‫يبق منهم واحد وقتلوا كلهم هكذا‪.‬‬

‫قصة‪ :‬نتائج مخالفة أهل العرفان‪:‬‬


‫من أحدى هذه القصص أيضا في الحكومة الصفوية على الرغم من أن الحركة‬
‫شايخ الطريق وكان الشاه اسماعيل الصّفوي‬ ‫الصفوية كانت حركة عرفانية يقودها م ّ‬
‫شيخا ً للطريقة وكان يعطي أذكارا‪ ،‬و أورادا وكذا لكن بدأ العلماء بمخالفة أهل المعرفة‬
‫وفي أواخر الحكومة الصفوية هرب أهل المعرفة من إيران يعني‪ :‬أخرجوهم‬
‫وأصبحوا حيارى يتنقلون من مكان إلى مكان هاربين‪ ،‬فاّلِل تبارك وتعالى سلط عليهم‬
‫شرار الخلق من االفغان إذ جماعة من االفغان هاجموا اصفهان وحاصروها مدة سنة‬
‫وقتلوا كل من كان فيها بما فيهم السّلطان والعلماء وكل شيء وكانوا من المخالفين‬
‫ألهل المعرفة و استولوا على إيران لفترة طويلة وكل هذا بسبب أن علماء الظاهر‬
‫بدأوا بعداوة أهل المعرفة‪.‬‬

‫قصة مقتل أحد أهل السلوك وما خلفته‪:‬‬


‫ومن تلك القصص قصة حدثت في كرمان كان أحد أهل السلوك باسم مشتاق علي شاه‬
‫معروف وكان من أهل الجذبة‪ ،‬والناس هجموا عليه بتحريك أحد العلماء وكان اسمه‬
‫شيخ عبد هللا إذ حرض الناس على هذا المسكين‪ ،‬فهجموا عليه وقتلوهُ وقطعوهُ إربا ً‬ ‫ال ّ‬
‫إربا ً _اآلن للشيخ مشتاق علي شاه مزار في مدينة كرمان_ وعندما كان الناس يقتلون‬
‫العارف مشتاق علي شاه قال لهم‪ :‬يا أيها الناس ارحموا قططكم‪ .‬ارحموا كالبكم‪ ،‬فلم‬
‫يمض إال أشهرا حتى اغا محمد خان القاجاري حاصر مدينة كرمان‪ ،‬وقتل‪ ،‬وقتل‬
‫حتى فتح مدينة كرمان وعندما فتح كرمان قال‪ :‬أريد تل من العيون‪ ،‬فاخذ الجيش يقتلع‬
‫عيون الناس عملوا من عيون أهل كرمان تال من العيون‪ ،‬فأصبح اسم مدينة كرمان‬
‫مدينة كوران وقتلوا القطط أيضا ً وقتئ ٍذ تذكروا كالم العارف مشتاق علي شاه هذا الذي‬
‫شيخ الذي حرض عليه مات واآلن لمشتاق‬ ‫كان يموت ويقول‪ :‬ارحموا قططكم‪ ،‬وهذا ال ّ‬
‫علي قبة عالية والناس يمشون إليه ويتوسلون به ويزورونه‪ ،‬ويوجد زقاق باسم ذاك‬
‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫الشيخ اآلن اسم ُه شو! اسم ُه زقاق عبد هللا سيگ يعني‪ :‬زقاق عبد هللا الكلب‪ ،‬فالناس‬
‫يقولون عبد هللا الكلب وليس بيدهم بل هللا تبارك وتعالى جعل هذا في لسانهم‪ ،‬فلمشتاق‬
‫علي شاه مزار الناس يمشون إليه يزورون ويتوسلون به وللذي حرض عليه زقاق‬
‫باسم عبدهللا الكلب‪.‬‬
‫وأنا ذهبت كثيراً لقبر العارف مشتاق علي شاه واستفدت من ُه وكان لطيفا جداً‪ ،‬روح‬
‫لطيف‪ ،‬فهذه قصة أخرى‪ ،‬وإلى ما شاء هللا هذه القصص موجودة‪.‬‬

‫قصة الشيخ نجم الدين الكبرى مع المغول‪:‬‬


‫إن المغول كانوا عندما يهجمون على مدينة يرسلون إلى كبار العلماء والزهاد‬
‫الصوفية‪ ،‬ويقولون لهم‪ :‬إننا ما عندنا معكم عداء‪ ،‬فتفضلوا واخرجوا حتى ال يصيبكم‬
‫مكروه‪ ،‬فأرسلوا للشيخ نجم الدين الكبرى بهذا فلم يقبل بالخروج وقال لهم‪ :‬ال أنا‬
‫عشت مع هؤالء وأموت مع هؤالء‪ .‬مع أن هجوم المغول كان من دعائه‪ ،‬فاستشهد بيد‬
‫المغول‪ ،‬وكذلك العطار النيشابوري أيضا استشهد بيد المغول‪.‬‬

‫ايذاء األولياء ومحاربتهم يتسبب بنتائج وخيمة على البالد والعباد‪:‬‬


‫وفي أواخر المشروطة في إيران في زمان فتح علي شاه وفي أواخر حياته بدأ في‬
‫ايران ظهور تيار ضد أهل المعرفة‪ ،‬والعرفان وبدأ أهل المعرفة‪ ،‬والعرفان يُالحقون‪،‬‬
‫ويُقتلون‪ ،‬ويُسجنون‪ .‬وبدأ أهل الظاهر‪ ،‬والسلطة يضغطون عليهم‪ ،‬ويضيقوا عليهم‪،‬‬
‫والنتيجة‪ :‬خسارة إيران الحرب أمام روسيا إذ كانت هناك حرب بين إيران وروسيا‬
‫وإيران انكسرت في هذه المعركة‪ ،‬وسلمت مدن كثيرة إلى روسيا ولآلن مئتي سنة‪ ،‬أو‬
‫أكثر وإيران قد انكسر ظهرها من تلك الواقعة إلى اآلن‪ .‬وخسرت ايران بالد القوقاز‪،‬‬
‫فكلها راحت من يد إيران بسبب معاهدة كرمانشاه وفي هذه المعاهدة سلمت أراضي‬
‫كثيرة تقريبا نصف ايران وأعطيت إلى روسيا بسبب هذه الحرب‪ ،‬والسبب األساس‬
‫كان إيذاء األولياء‪ ،‬ومحاربة األولياء‪ ،‬ومحاربة أهل المعرفة وهذا الشيء يجب أن ال‬
‫يفعله أحد ونسأل هللا تبارك وتعالى أن ال يبتلي هذه الحكومة حكومة الجمهورية‬
‫اإلسالمية التي أريقت لتأسيسها دماء طاهرة وزاكية أن ال يبتليها بهذه المصيبة‪،‬‬
‫والمصاعب التي اشرنا اليها من ناحية معارضة ومعادات أهل المعرفة‪.‬‬

‫والحمد ّلِل رب العالمين‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الرابعة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 ..............................................‬‬
‫البحث‪1 :‬‬
‫باطن األعيان وتظهر عند استمرار الطلب ال باجلرب وال بالتفويض‪.‬‬ ‫املشيئة اإلهلية يف ٌ‬
‫‪1‬‬
‫أشعار للعارف ابن الفارض املصري(قدس سره)‪1 :‬‬
‫توطئة‪3 :‬‬
‫حتقق املشيئة يف عامل األمر‪3 :‬‬
‫املشيئة االهلية طور من أطوار العني‪3 :‬‬
‫الطلب املستمر يف االعيان صورة للمشيئة‪3 :‬‬
‫حال االنسان يف عامل املادة انعكاس لطلبه يف عامل األمر‪4 :‬‬
‫ظهور املشيئة اإلهلية على األعيان ال باجلرب وال بالتفويض‪5 :‬‬
‫املشيئة يف عامل املادة‪5 :‬‬
‫أمهية استمرار الطلب‪6 :‬‬
‫قصة زوجة الشهيد مشران‪6 :‬‬
‫أمهية قابلية القابل يف حتقق املشيئة‪7 :‬‬
‫دور قابلية القابل يف حتقق املشيئة‪7 :‬‬
‫تحقرر املشيئة يف عامل األعيان الثابتة ويف عامل اخللق التطبيق‪8 :‬‬
‫حالة االنسان يف عامل الناسوت مرآة ملا حصل هلل يف العوامل العليا‪8 :‬‬
‫سبب الغفلة عن احلق يف عامل الناسوت وتصريح جنم الدين الرازي‪8 :‬‬
‫أبيات العارف مريفندرسكي‪9 :‬‬
‫العالقة بني العوامل‪9 :‬‬
‫مشاهدة الشيخ علي املؤذن‪10 :‬‬
‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪...................‬احملاضرة الرابعة‬

‫أبيات فروغی البسطامی‪10 :‬‬


‫يقول املولويل يف املثنوي الشريف ‪12 ............................................‬‬
‫قصة‪ :‬نتائج خمالفة أهل العرفان‪12 :‬‬
‫قصة مقتل أحد أهل السلوك وما خلفته‪12 :‬‬
‫قصة الشيخ جنم الدين الكربى مع املغول‪13 :‬‬
‫ايذاء األولياء وحماربتهم يتسبب بنتائج وخيمة على البالد والعباد‪13 :‬‬

‫‪15‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬
‫المحاضرة الخامسة من محاضرات الدعاء‬
‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫توطئة‬
‫كان الكالم في مسألة أنّ الدعاء عند األنبياء (عليهم السّالم) يختلف عن ال ّدعاء عندنا؛‬
‫ُون إِ اال أَن‬ ‫أل ّنهم والسيّما نبيّنا المكرّ م مظاهر لمشيئة هللا وظهور لمشيئة هللا ( َ‬
‫(و َما َت َشاء َ‬
‫هللاُ)) [سورة التكوير‪.]٢٩ :‬‬ ‫َي َشا َء ا‬

‫وهنا نستدرك من الخطأ اللّسانيّ الّذي صدر ع ّنا في المجالس السّابقة قرأنا (وما‬
‫ُون إِ اال أَن َي َشا َء ا‬
‫هللاُ)) وليست‬ ‫يشاؤون ّإال أن يشاء هللا) واآلية المباركة هي ( َ‬
‫(و َما َت َشاء َ‬
‫ُون" يعني‪ :‬األنبياء‬ ‫"و َما َت َشاء َ‬‫صلة بالمسألة ولكن هذا المعنى يعني َ‬ ‫ٌ‬ ‫بظاهرها ليست لها‬
‫هللاُ)) هذه قاعدة اصطناعية نأخذها من‬ ‫ُون إِ اال أَن َي َشا َء ا‬ ‫واألولياء وال ّكملين ( َ‬
‫(و َما َت َشاء َ‬
‫مجموع اآليات‪ ،‬والرّوايات‪ ،‬فإ ّنه هناك روايات كثيرة حول األئمّة (عليهم السّالم) في‬
‫ال ّزيارة الجامعة الكبيرة وفي غيرها تصل إلى مرتبة ال ّتواتر‪ ،‬أو فوق ال ّتواتر مع أ ّنهم‬
‫محال مشيئة هللا‪ ،‬أو أ ّنهم مجالّي مشيئة هللا‪ ،‬وأ ّنهم كلما يشاؤون مشيئتهم هي مشيئة هللا‬
‫شيعة إلى مستوى ال ّتواتر‪ ،‬أو فوق‬ ‫تبارك وتعالى هذه موجودة في رواياتنا روايات ال ّ‬
‫ال ّتواتر بالمضمون ليس بالكالم‪ ،‬بال ّنصّ ‪.‬‬
‫هللا‪ .‬عبارةٌ عن قاعدة اصطناعية اصطادها العرفاء‬ ‫ُون إِ اال أَن َي َشا َء ا‬
‫إذن‪َ :‬و َما ي َشاء َ‬
‫ُون إِ اال أَن َي َشا َء ا‬
‫هللاُ))‪.‬‬ ‫من مجموع الرّوايات اإال أنّ اآلية المباركة هي‪َ ( :‬‬
‫(و َما َت َشاء َ‬

‫البحث األول‪:‬‬

‫االستدالل القرآني بأنّ النّب ّي(صلى هللا عليه واله) واألئ ّمة (عليهم ال ّ‬
‫سالم) واألولياء‬
‫هم مظاهر لمشيئة هللا‪:‬‬
‫ً‬
‫حقيقة‬ ‫يمكن االستدالل باآليات المباركات على أ ّنهم مظاهر لمشيئة هللا وأ ّنهم‬
‫مشيئة هللا‪ ،‬فمثالً‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫ْت إ ْذ َر َمي َ َٰ‬


‫ْت َولَكِنا ا َ‬
‫هللا‬ ‫(و َما َر َمي َ ِ‬
‫‪ .١‬في اآلية المباركة يقول هللا تبارك وتعالى‪َ ( :‬‬
‫َر َم َٰى))[ سورة االنفال‪ ]١٧ :‬ال ّنبيُّ (صلى هللا عليه واله) َر َم َٰى وهللا تبارك وتعالى‬
‫ْت هللا تبارك وتعالى ينفي أيّ شيء‬ ‫ار َمي َ‬
‫ْت)) يعني‪ :‬أنت أيها النبي " َم َ‬ ‫يقول‪َ (( :‬و َما َر َمي َ‬
‫َٰ‬ ‫ْت إِ ْذ َر َمي َ‬
‫ْت (( َولَكِنا ا َ‬
‫هللا َر َم َٰى))‬ ‫ار َمي َ‬
‫ْت ولكن َم َ‬‫ْت)) نعم يقبل أنت َر َمي َ‬ ‫ار َمي َ‬
‫(و َم َ‬‫بقوله( َ‬
‫يعني‪َ :‬ر َمي ُتك في طول َر َمية هللا‪ ،‬يعني عملك في طول عمل هللا‪.‬‬
‫و الرّمي فع ٌل والفعل في طول المشيئة‪ ،‬يعني مالم يشأ اإلنسان شيئا ً هذا الشيء ما‬
‫يتحقّق في الخارج‪.‬‬
‫إذن إذا كان فعل ُه في طول المشيئة‪ ،‬وفعل ُه في طول مشيئة هللا‪ ،‬فتكون مشيئت ُه في‬
‫طول مشيئة هللا يعني‪ :‬ال ّنبيُّ (صلى هللا عليه واله) هنا صار مظهراً ومرآ ًة لمشيئة هللا‬
‫الر َمية‪.‬‬
‫في َ‬
‫‪ .٢‬عندما يتكلّم عن قصّة صلح الحديبية قال تعالى((إِنا الاذ َ‬
‫ِين ُي َب ِايعُو َن َك إِ ان َما ُي َب ِايع َ‬
‫ُون‬
‫هللا))[سورة الفتح‪ ]١٠ :‬جاء ال ّناس بايعوا ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله)‪ ،‬فاهلل تبارك‬ ‫اَ‬
‫ُون ا َ‬
‫هللا))‪.‬‬ ‫وتعالى هنا يقول‪ :‬ما بايعوك بل (( ُي َب ِايع َ‬
‫شاعر يأتي ويتكلّم‬
‫ه ّنا تار ًة نفترض أنّ هذا الكالم تمثي ٌل شعريٌّ حبيبي مثل هذا ال ّ‬
‫بالفارسيّة نقول‪:‬‬
‫آسمان به ريسمان می باف‬
‫يعني‪ :‬يخيط السّماء باألرض‪.‬‬
‫شخص الّذي هو‬ ‫شاعر هكذا يأتي بمعاني يُشبّه شيء بشيء‪ .‬يؤثر على األوهام‪ ،‬فال ّ‬
‫ال ّ‬
‫المخاطب أحيانا ً يحصل له اندفاع‪ ،‬ويتأثر‪ ،‬ويدفع أمواال للشعراء السيّما السّالطين‬
‫شعراء يترصدون ماذا يقولون‪ :‬وفي أيّ وق ٍ‬
‫ت‬ ‫شعراء‪ .‬وال ّ‬
‫والذين كان عندهم كثير من ال ّ‬
‫فيدرسون حالة السلطان مثالً السّلطان إذا كان حزينا ً أو غاضبا ً‪ ،‬والسّلطان إذا كان‬
‫غاضب يجب الك ّل يخافون منه؛ ألنه في أيّ لحظة ممكن يقول اقتلوا هذا وليس معلوم‬
‫ماذا يحصل بسبب غضبه؟ فالبالط‪ ،‬والحاشية‪ ،‬والمأل بحاجة إلى هؤالء ال ّ‬
‫شعراء‬
‫لتضبيط السّلطان لكي يرجع إلى مزاجه الطبيعي وهذا األمر معروف‪.‬‬
‫قصّة معروفة في إيران في زمن أحد وزراء ناصر ال ّدين شاه القاجاري باسم آغا‬
‫خان ال ّنوري كان وزيراً للسّلطان نصر ال ّدين شاه القاجاري‪ ،‬وكان عندهُ سوء المزاج‬
‫المشكلة فيه بسبب اليبوسة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫اليبوسة‪ :‬هي السبب في سوء الخلق‪ .‬اليبوسة تسبب الغضب تسبب ال ّ‬


‫شدة بالكالم‬
‫وبال ّتدريج يولّد السّوداء‪ ،‬وينشر السّوداء في ك ِّل البدن‪ ،‬وإذا استولت السّوداء على‬
‫البدن فك ّل شيء يصدر منه؛ أل ّنه يصبح خيال ّيا ً‪ ،‬وهم ّيا ً‪.‬‬
‫ونادر شاه األفشاري أيضا كان مبتلى باليبوسة كان مبتلى بهذا األمر بسبب‬
‫مشكلة بالمعدة‪.‬‬
‫فهذا اغا خان الوزير مبتلى بهذه اليبوسة‪ ،‬وال ّناس يأتون إليه يريدون منه أن يوقع‬
‫ويسير أمر الدولة مثال يعطي األوامر‪ :‬هذه الحكومة لك‪ .‬وهذه الضيعة لك‪ .‬وهذا‬
‫األمر لك‪ .‬وهذا الجيش لك‪ .‬وإذا كان سيّ ء الخلق ال يمكن تسيير أمر الدولة وأخذ‬
‫التواقيع منه‪ ،‬فماذا يصنع؟ كان عندهُ خادم هذا الخادم يعمل له الشاي ويعمل له بعض‬
‫األمور وكان أطباء قالوا له أنت بسبب هذه المشكلة في األحشاء في منتصف ال ّنهار‬
‫مثالً في السّاعة العاشرة يجب أن تشرب عصير من االجاص؛ أل ّنه هذا اآلجاص‬
‫يسبب اللّين يليّن األحشاء‪ ،‬فيرتاح بعد أن يخرج من الحمام ويرجع يضحك ويبدأ‬
‫بالسّيطرة على ال ّناس‪ ،‬ويحكم‪ ،‬ويصدر أحكاما ً‪ ،‬فهو كان يشرب هذا ال ّ‬
‫شيء بالسّاعة‬
‫العاشرة مثالً ك ّل يوم‪ .‬ال ّناس‪ ،‬أو ال ّزبائن‪ ،‬أو الرّ عية عرفوا أنّ هذه المشكلة موجودة‬
‫فيه‪ .‬وإ ّنه دائما يأكل االجاص‪ ،‬وهذا الخادم أيضا ً عرف أنّ ال ّناس يعرفون هذه‬
‫المشكلة‪ ،‬فالناس عندما يريدون أن يتق ّدمون بطلب من الوزير يأتون إلى الخادم‬
‫خذ هذه األموال وأضف إليه أجاص أكثر من‬ ‫ويعطونه األموال بهذا العذر خذ حبيبي؟ ْ‬
‫االجاص المعتاد ح ّتى يكون مرتاحا ً‪ ،‬وعندما نتكلّم معه ال توجد صعوبة بأحشائه‬
‫ويتكلّم معنا بحالوة‪ ،‬ففي ك ّل يوم هذا الخادم كان ممكن ما يضيف بل يأخذ من هؤالء‬
‫باسم اإلضافة على أساس أموال "آللو پول آلو"‪.‬‬
‫هللا)) هذا الكالم ليس كالما ً‬ ‫ُون ا‬ ‫ففي قوله تعالى((إِنا الاذ َ‬
‫ِين ُي َب ِايعُو َن َك إِ ان َما ُي َب ِايع َ‬
‫شعر ّيا ً‪ ،‬فالسّالطين بحاجة إلى شعراء‪ .‬وهللا تبارك وتعالى يتكلّم عن حقائق والقرآن‬
‫ب لَ َد ْي َنا َل َعلِيٌّ َحكِي ٌم)) [سورة الزخرف‪ ]٤ :‬أي فيه‬ ‫(وإِ ان ُه فِي أ ُ ِّم ْال ِك َتا ِ‬
‫كما قال تعالى( َ‬
‫حكمة حبيبي‪ :‬الحكمة تختلف عن ال ّتشبيهات واالستعارات وبقية المسائل واألمور‬
‫شعريّة بل فيه حكمة فيه حقيقة‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ْت إ ْذ َر َمي َ َٰ‬
‫ْت َولَكِنا ا َ‬
‫هللا َر َم َٰى)) [سورة‬ ‫(و َما َر َمي َ ِ‬ ‫إذن هللا تبارك وتعالى عندما يقول‪َ ( :‬‬
‫حقيقة هللا كان يرمي عندما أنت رميت‬ ‫ً‬ ‫االنفال‪ ]١٧ :‬يتكلّم بحكمة ويتكلّم بدقّة إن‬
‫وليس بالمجاز‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫هللا يرحم شيخنا األستاذ المصطفوي (ق ّدس س ّره) ما كان يعتقد بوجود المجاز في‬
‫القرآن؛ أل ّنه يمسّ بحقيقة القرآن‪ ،‬فالقرآن ليس فيه مجازاً‪ ،‬وك ّل ما يتكلّم به هللا تبارك‬
‫وتعالى عن لسان حقيقة‪ ،‬وحقائق ولكن نحنُ نتف ّكر بعقولنا المنخفضة‪ ،‬ونتصوّ ر أ ّنه‬
‫ُون ا‬
‫هللا))ويأتون ويمسّون يد ال ّنبيِّ‬ ‫ك إِ ان َما ُي َب ِايع َ‬ ‫يتكلّم عن المجاز‪(( .‬إِنا الاذ َ‬
‫ِين ُي َب ِايعُو َن َ‬
‫(صلى هللا عليه واله) ويبايعون ُه ويقولون‪ :‬ما معنى مبايعة النبي؟‬
‫يقول يعني‪ :‬أيّ شيء يصدر من النبي أيّ فعل‪ ،‬وأيّ عمل‪ ،‬وأيّ خطور‪ ،‬فهو إلهيّ‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬فهو فعل‪ ،‬وعمل‪ ،‬وخطور إلهي من ال ّنبيِّ (صلى هللا عليه واله وسلم)؛‬
‫ً‬
‫فانية في هللا تبارك وتعالى فصار مرآ ًة هلل تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫ألنّ حقيقت ُه صارت‬

‫اب ۖ َوه َُو َي َت َولاى الصاالِح َ‬


‫ِين))‬ ‫‪ .3‬أيضا ً اآلية المباركة‪ (( :‬إِنا َولِي َِّي ا‬
‫هللا ُ الاذِي َن از َل ْال ِك َت َ‬
‫[سورة األعراف‪ ]١٩٦ :‬يتكلّم عن ال ّنبيِّ (صلى هللا عليه واله) (( َوه َُو َي َت َولاى‬
‫ِين)) يعني‪ :‬هللا تبارك وتعالى هو يتولّى الصّالحين بعبارة أخرى‪ :‬الصّالحون‬ ‫الصاالِح َ‬
‫يقومون باألعمال من دون إرادتهم؛ ألنّ المتولّي ألعمالهم هو هللا تبارك وتعالى‪ ،‬فهو‬
‫يتصرّف فيهم‪ ،‬فهم يعملون ولكن عملهم في الحقيقة عمل هللا تبارك وتعالى‪.‬‬
‫إذن مشيئته في طول مشيئة هللا تبارك وتعالى بهذه اآليات‪ ،‬وتوجد آيات أخرى إن‬
‫شاء هللا نشير إليها أيضا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫البحث الثاني‪:‬‬
‫موارد ترك ال ّن ّ‬
‫بي (صلى هللا عليه واله) للدّعاء‪.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫واآلن نحنُ لسنا بصدد بيان هذه األمور وبحثنا في ال ّدعاء‪ ،‬وفي تعلّق مشيئة ال ّنبيِّ‬
‫(صلى هللا عليه واله وسلم) بال ّدعاء إذ تختلف هذه المشيئة عن تعلّق مشيئتنا بال ّدعاء‪،‬‬
‫فدعاء ال ّنبيِّ (صلى هللا عليه واله وسلم)يختلف عن دعائنا باألساس وبالهوية؟ ألنّ‬
‫مشيئة ال ّنبيِّ (صلى هللا عليه واله وسلم)هي مشيئة هللا‪ ،‬وإمّا نحنُ مشيئتنا ليست مشيئة‬
‫هللا‪.‬‬
‫اآلن ن ّدرس مسألة لماذا ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم)‪ ،‬أو األمام‪ ،‬أو الوليّ‬
‫الكامل أحيانا ً ما يطلب‪ ،‬وما يدعو‪ ،‬ويترك ال ّدعاء لماذا هو يترك ال ّدعاء؟ مع أ ّنه‬
‫الظاهر بحاجة إلى ال ّدعاء ولو دعاء لضبط ك ّل شيء‪ ،‬ولكن هو ال يدعو لماذا‬ ‫حسب ّ‬
‫هو اليدعو؟ حسب فحصنا توجد خمسة موارد لهذا المعنى‪ :‬لعدم دعاء ال ّنبيّ (صلى هللا‬
‫عليه واله وسلم) وتركه لل ّدعاء وهذه الموارد الخمسة حسب المراتب وحسب الحاالت‬
‫الموجودة لل ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم)هي‪:‬‬

‫األول‪ :‬المورد األول‪ :‬في حالة الفناء األولياء اليستطيعون أن يشيروا إلى أنفسهم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اإلنسان الّذي يصل إلى الفناء في البداية ممكن البدن ال يتحمّل‪ ،‬فيقع على‬
‫األرض؛ أل ّنه يصبح فارغا ً‪ ،‬ومتجاوزاً عن ك ِّل ال ّتعيّنات‪ ،‬فالبدن‪ ،‬والجسد ال يتحمّل ال‬
‫الطول يستطيع أن‬ ‫يتحمّل الفناء‪ ،‬فحينئ ٍذ ما يصدر عنه أيّ فعل‪ ،‬ولكن بال ّتدريج‪ ،‬وعلى ّ‬
‫يتمالك نفس ُه‪ ،‬وفي الوقت نفسه الّذي هو في حالة الفناء يصدر منه أفعال مثالً‪ :‬يصلّي‬
‫وفي الصّالة توجد حركات وهو في الوقت نفسه أثناء صالته فان في هللا‪ ،‬فالذي‬
‫يصدر منه حركات الصالة‪ ،‬عندما تصدر منه حركات الصالة وهو في حالة الفناء‬
‫وحيث أ ّنه ال يوجد عب ٌد‪ ،‬وال يوجد طلبٌ ‪ ،‬وال يوجد سؤا ٌل‪ .‬والبدن موجود بحاله‬
‫وحركاته في الصالة لكن حقيقت ُه أ ّنه هذا ال ّنبيُّ (صلى هللا عليه واله وسلم)‪ ،‬أو هذا‬
‫اإلمام (عليه السالم)‪ ،‬أو هذا العارف الكامل ما يرى نفسه؛ أل ّنه في حالة الفناء‪ ،‬فال‬
‫يستطيع أن يشير إلى نفس ِه‪ .‬نحنُ اآلن نستطيع أن نشير إلى أنفسنا‪ .‬نحن نحسُّ‬
‫بالوجود‪ .‬نحسُّ أ ّننا موجودين‪ .‬نحسُّ بوجودنا وجدانا ً‪ .‬لكن األنسان في حالة الفناء ما‬
‫يستطيع يحسّ بوجود ِه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫حقيقة حالة الفناء‪.‬‬


‫أتذكر م ّرة سألت أستاذنا (رحمه هللا)السيد كمال الشيرازي (ق ّدس س ّره) قلت له‪:‬‬
‫ماهي مواصفاتها؟ قال‪ :‬السّالك يُصبح بحال أ ّنه كأنه أضاع نفسه‬
‫َ‬ ‫ماهي حالة الفناء؟‬
‫يضيّع نفس ُه‪ .‬بعبارة أخرى‪ :‬ال يستطيع أن يشير إلى نفس ِه‪.‬‬
‫لكننا وأل ّننا دائما ً ملتفتين إلى ذاتنا‪ ،‬فهل صار‪ ،‬وهل حصل لنا وقت نحن لم نستطيع‬
‫أن نلتفت إلى ذاتنا؟ الجواب‪ :‬ال بل ح ّتى في ال ّنوم في ال ّنوم نحنُ متذكرين أنفسنا يمكن‬
‫في الغيبوبة ليست الغيبوبة الّتي أحيانا ً بالبنج وكذا ال في الغيبوبة الذهنية‪ ،‬أو‬
‫السرحان الذهني اإلنسان في حاله ولكن يغيب عن نفسه‪ .‬يغيب عن حقيقت ِه‪ .‬ال يغيب‬
‫شخص الّذي‬ ‫شخص الّذي عندهُ ال ّتجرّد عن المادة يغيب عن بدن ِه‪ ،‬أو ال ّ‬
‫عن بدنه‪ .‬لكن ال ّ‬
‫عندهُ ال ّتجرّد عن الصّورة يغيب عن صورت ِه يعني برزخه‪ ،‬أو يغيب عن معناهُ‪ ،‬ولكن‬
‫حقيقت ُه في حالها‪.‬‬
‫ففي حالة الفناء اإلنسان يغيب عن حقيقت ِه‪ ،‬فال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) إذا‬
‫غاب عن حقيقت ِه ما يبقى عنده سؤا ٌل‪ ،‬والطلبٌ ‪ ،‬وال أيّ شيء‪ ،‬فال مجال لل ّدعاء‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت هو يمشي في األسواق‪ ،‬ولكن ك ّل هذه األمور تتح ّقق من ُه ولكن ( َ‬
‫(وه َُو‬
‫ِين)) المتولّي هو هللا تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫َي َت َولاى ٱل ا‬
‫صلِح َ‬
‫ٌ‬
‫وفانية‬ ‫ٌ‬
‫وفانية فيه‪،‬‬ ‫الحق تبارك وتعالى‪،‬‬‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫مندكة في‬ ‫إذن في هذه الحالة حيث إنّ ذات ُه‬
‫في الذات اإلحدية‪ ،‬فبطبيعة الحال المراتب ال ّدانية من الوجود‪ ،‬ومنها الصّفات‪ ،‬ومنها‬
‫الحق تبارك وتعالى والنبي‪ ،‬أو الفاني ماعنده مشيئة ح ّتى نقول‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫فانية في‬ ‫المشيئة أيضا ً‬
‫مشيئت ُه في طول مشيئة هللا‪ .‬ماعندهُ مشيئة‪ .‬ماعندهُ إرادة؛ وألنّ ال ّدعاء طلبٌ ‪ ،‬و ّ‬
‫الطلب‬
‫بحاجة إلى اإلرادة‪ ،‬وبحاجة إلى المشيئة وهو ماعنده فال دعاء‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫المتصرف في‬
‫ّ‬ ‫المورد الثاني‪ :‬وجود نسبة من الفناء في حالة البقاء لألولياء ويكون‬
‫أفعالهم هو هللا تعالى‪.‬‬
‫أحيانا ً حالة الفناء هذه الحالة ليست موجودة عند ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم)‪،‬‬
‫أو الوليّ ‪ ،‬أو الوليّ الكامل ولكن يسحبُها‪ ،‬فهو ليس في حالة الفناء ولكن حالة الفناء‬
‫طعمها بين فكيه و يحسُّ بلسان ِه ذوقا ً حالة الفناء‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬هذه الحالة بعد الفناء حالة البقاء‪ ،‬ففي حالة البقاء يُشير إلى نفس ِه بخالف‬
‫حالة الفناء‪ ،‬ففي حالة الفناء ما يستطيع أن يشير إلى نفس ِه إذ يفقد نفس ِه‪ ،‬وفي حالة‬
‫البقاء يشير إلى نفسه فيقول بلسان المعنى‪ :‬لي نفسٌ لي وجو ٌد‪ .‬ولكن يرى وجودهُ‬
‫أحيانا ً منعزال عن ُه‪ .‬يرى وجودهُ من جميع حقائق ِه من الجسد‪ ،‬وال ّروح ‪ ،‬والمثال‪،‬‬
‫ٌ‬
‫متصلة به‬ ‫والمعنى و ك ّل هذه األمور‪ ،‬فيرى نفس ُه غير هذه األشياء‪ ،‬وك ّل هذه األمور‬
‫ٌ‬
‫مربوطة به‪ ،‬وهي له ولكن ليس هو المتصرّ ف فيها‪.‬‬

‫قصص في حاالت ال ّت ّ‬
‫جرد لألولياء‪:‬‬
‫شبيه هذه الحالة بمراتب دانية تحصل كثيرا للعرفاء مثالً‪:‬‬
‫ُ‬
‫كنت‬ ‫‪ .١‬العالمة الطباطبائي (ق ّدس س ّره) في ال ّنجف األشرف نقل عن ُه أ ّنه قال‪ :‬عندما‬
‫تحت تعاليم السيد القاضي (ق ّدس س ّره) عندما أصلّي حصلت ليّ حالة ال ّتجرّد في‬
‫فرأيت نفسي تصلّي ولكن‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فذهبت إلى فوق‪ . . .‬فوق‪،‬‬ ‫الصّالة‪ ،‬فانفصلت عن نفسي‪،‬‬
‫العالمة ّ‬
‫الطباطبائيّ ( ق ّدس س ّره) كان يصلّي‬ ‫حقيقتي في مكان آخر‪ ،‬فهذا البدن بدن ّ‬
‫ولكن حقيقت ُه شي ٌء آخر في مكان آخر أرفع من هذا العالم بسبب ا ّتصال هذا البدن بهذه‬
‫الحقيقة يُنسب الي ِه فعل الصّالة‪ ،‬ولكن بالحقيقة هو ما يصلي؛ ألن ّه ليس هنا‪.‬‬
‫‪ .٢‬أحد أوالد المرحوم الشيخ محمد جواد األنصاري الهمداني (ق ّدس س ّره) نقل أ ّنه بعد‬
‫وفاة أبي ك ّنا كثيراً متضايقين‪ ،‬وحيارى‪ ،‬فجئت إلى ال ّزيارة زيارة اإلمام الرضا (عليه‬
‫شريف وع ّر ُ‬
‫فت‬ ‫الطباطبائي (ق ّدس س ّره) في الحرم ال ّ‬ ‫بالعالمة ّ‬
‫ّ‬ ‫السالم) بمشهد‪ ،‬فالتقيت‬
‫نفسي‪ ،‬وقلت‪ :‬أنا هكذا حالتي أبي توفى وتركنا كيف نسير؟ فبدأ هو يفتقدني ويتكلّم‬
‫سمت عليه باإلمام الرضا (عليه السالم) أن‬ ‫ُ‬ ‫طلبت من ُه‪ ،‬وأ ْق‬
‫ُ‬ ‫معي بحالوة‪ ،‬وبهدوء‪ ،‬وأنا‬
‫يقول لي‪ :‬بماذا هللا تبارك وتعالى تفضل عليه؟ هذه القصّة قبل تقريبا ً قريب ستين سنة‪،‬‬
‫لطباطبائيّ (ق ّدس س ّره) أمتنع وآخر شيء قال أنا من زمان عندما أُصلي‬ ‫فالع ّالمة ا ّ‬
‫لست أصلّي؟ أنا أخرج من هذا العالم جسدي يصلي يقوم‪ ،‬ويركع‪ ،‬ويسجد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أحسُّ أنا‬
‫ولكن أنا في مكان آخر‪ ،‬وهذا صار عاد ًة بال ّنسبة إليا ‪ ،‬فال يوجد أحد يعرف هذا حتى‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫بالعالمة ّ‬
‫الطباطبائيّ (ق ّدس س ّره) _هللا أكبر_ فهم يرونه موجود‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الّذين يأتمون‬
‫ماهي القصّة وهو فقط يفهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويركع‪ ،‬ويسجد‪ ،‬وما يرون‬
‫وفي هذه الحالة نحنُ نتكلّم عن الحالة‪ ،‬اإلمام (عليه السالم) أو ال ّنبيّ (صلى هللا عليه‬
‫واله وسلم) هو ليس في حالة الفناء‪ ،‬ويستطيع يشير إلى نفسه ولكن ليس هو بل في‬
‫نسبة من حالة الفناء‪ ،‬وفي هذه الحالة هللا يتولّى الصّالحين‬ ‫ٌ‬ ‫هذا المورد وهو وجود‬
‫المتصرّف هو هللا وليس النبي‪ ،‬أو اإلمام المتصرّف‪ ،‬وفي هذه الحالة أيضا ً ال‬
‫ّ‬
‫والطلب في طول أ ّن ُه‬ ‫يستطيع يسأل‪ ،‬وال يستطيع أن يدعو؛ ألنّ ال ّدعاء‪ ،‬والسّؤال‪،‬‬
‫(أنا) موجود وهنا في هذا المورد (أنا) ليس موجوداً‪ ،‬نعم البدن موجود‪ ،‬ولكن أنا ليس‬
‫هذه الحقيقة حقيقتي ليست هذه‪.‬‬
‫‪ .3‬حالة التجرد أيضا ال يوجد فيها دعاء‪ :‬نقل السيد الكشميري (رضوان هللا عليه) أ ّننا‬
‫ك ّنا نقتدي ب بالشيخ بهجت (ق ّدس س ّره) عندما كان تلميذاً لل اس ِّيد القاضي (ق ّدس س ّره)‬
‫في ال ّنجف‪ ،‬وك ّنا نريد أن نمشي إلى كربالء‪ ،‬ففي مكان صارت صالة جماعة‪،‬‬
‫شيخ بهجت (ق ّدس س ّره) كبر رأيته خرج من‬ ‫وق ّدمناهُ‪ ،‬وصلّينا خلف ُه قال بمجرّد أنّ ال ّ‬
‫بدن ِه ذهب‪ ،‬فالشيخ بهجت لم يقل وهذا الكالم ال اسيِّد الكشميري (ق ّدس س ّره)نقله وقال‪:‬‬
‫أنا رأيت ُه أصالً ليس موجوداً‪ ،‬وهذا المورد ليس مورد البقاء بل هو مورد التجرد وهذا‬
‫المورد مراتب دانية وليس هو حالة البقاء بعد الفناء بل هذه حالة التجرد‪.‬‬
‫وفي حالة البقاء بعد الفناء هذا النبي‪ ،‬أو اإلمام (عليه السالم)‪ ،‬أو الولي صحي ٌح أ ّنه‬
‫شيء الّذي نقول هو بدن ُه‪ ،‬أو جسدهُ‪ ،‬أو أيّ شيء وبين هذا‬ ‫تصح ال ّنسبة بين هذا ال ّ‬
‫ال ّنبيّ ‪ ،‬أو الوليّ ‪ ،‬ولكن هو منفصل عن ُه‪ .‬وفي هذه الحالة أيضا ً في التجرد إذن‬
‫بالحاضر ما يستمر التنجرد يعني‪ :‬بال ّدوام ما يستمر يعني‪ :‬أحيانا ً يكون‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحالة إذن ال يوجد دعاء‪ ،‬وال توجد دعوة؛ أل ّنه منْ يدعو؟ فال يوجد أحد ليس مثل‬
‫األوّ ل مثل الفناء ويختلف عن األوّ ل لكنه اليستطيع أن يدعو أيضا‪.‬‬
‫‪ .٤‬شبيه حالة البقاء باهلل بعد الفناء‪ :‬ما نقل ُه سيِّدنا األستاذ الطهراني (ق ّدس س ّره) في‬
‫الرّوح المجرّد عن ال اسيِّد الح ّداد (ق ّدس س ّره) قال كنت ذهبت ح ّتى أتوضأ رأيت أصالً‬
‫ما أستطيع أتوضأ أصالً ما أعرف الوضوء وبعد رأيت ك ّل شيء يأتي يعني‪ :‬كأ ّنه من‬
‫دون إرادتي يتح ّقق الوضوء‪.‬‬
‫الطواف حول البيت‬ ‫وكذلك بالنسبة للطواف في الحج _بعد إذا ما أنسى_ بال ّنسبة إلى ّ‬
‫أيضا ً قال‪ :‬أنا ما أعرف كيف؟ ولكن صار مضبوط حسب التكليف يعني‪ :‬ح ّج حجا‬
‫مضبوطا وك ّل شيء مضبوط‪ ،‬وفي هذه الحالة هذه حالة الفناء تختلف عن حالة ال ّتج ّرد‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫الموجودة عندهم؛ ألنّ حالة ال ّتجرّد في بداية ّ‬


‫الطريق كانت لهم‪ ،‬وهذه الحالة في نهاية‬
‫ّ‬
‫الطريق‪.‬‬

‫المورد الثالث‪ :‬في حالة البقاء األولياء هم مظاهر لألسماء اإلله ّية الكلّ ّية‪.‬‬
‫العارف بعد ال ّرجوع من الفناء‪ ،‬وفي مرحلة البقاء تحصل له حالة‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫شيء‪ .‬يرى نفس ُه مفيضا ً لك ِّل العالم؛ أل ّنه يصبح مظهراً لالسم‬
‫يرى نفس ُه مفيضا ً لل ّ‬
‫القادر‪ ،‬أو مظهراً لالسم الحيّ ‪ ،‬أو مظهراً ألحد األسماء اإللهيّة حينئ ٍذ ال يوجد طلب‬
‫ال يوجد دعاء‪ .‬ال يوجد سؤال‪ ،‬فهو يفيض‪ ،‬ويتصرّف‪ ،‬ويعطي‪ ،‬فما يجلس يطلب‪ ،‬فال‬
‫يوجد طلب‪ .‬اليوجد أيّ شيء‪ .‬ممكن بالبدن‪ .‬البدن ممكن يسأل‪ .‬يسجد‪ .‬يعمل‪ ،‬ولكن‬
‫في هذه الحالة هو يشير إلى نفسه ليس مثل األوّ ل‪ ،‬وال مثل ّ‬
‫الثاني يشير إلى نفسه؛‬
‫أل ّنه يرى نفس ُه مظهراً لإلرادة اإللهيّة للمشيئة اإللهيّة‪ ،‬ولكن هو المتصرّف في‬
‫األشياء‪ ،‬وعندما كان متص ّرفا ً في األشياء بعد ال يوجد طلب ال يوجد دعاء ال يوجد أيّ‬
‫شيء يعني‪.‬‬

‫صرف األولياء‪:‬‬
‫ت ّ‬
‫ألنّ األولياء هم مظاهر لألسماء الكلّيّة اإللهيّة‪ .‬وهذه األسماء الكلّيّة اإللهيّة متحقّقة في‬
‫أرواحهم وفي مراتب نازلة منهم‪ .‬يعني‪ :‬ح ّتى في أجسادهم‪ ،‬فجسد ال ّنبيّ ‪ .‬جسد الوليّ ‪.‬‬
‫جسد اإلمام‪ .‬هذا الجسد يختلف عن باقي األجساد بحرمة األسماء الّتي تجلّت في هذه‬
‫الرّوح وبتبع ال ّتجلّي في الرّوح تجلّت في الجسد‪.‬‬

‫قصص في تجلّي األسماء اإلله ّية الكلّ ّية على مراتب دانية من ّ‬
‫الروح‪:‬‬
‫‪ .1‬قصة السامري‪:‬‬
‫هذا السّامري كيف استطاع أن يأخذ عج ً‬
‫ال ل ُه خوا ٌر‪ ،‬ويقول لبني إسرائيل هذا‬
‫إل ُهكم وإلهنا وبني إسرائيل عبدوهُ‪.‬‬
‫ال ّنبيّ موسى (عليه السالم) عندما جاء وسأل السّامري كيف استطعت أن تصنع هذه‬
‫البقرة‪ ،‬أو هذا العجل‪ ،‬فهذا العجل يتكلّم‪ .‬يتكلّم يعني‪ :‬يخرج من ُه صوت هواء كيف‬
‫ُول)) [سورة طه‪]٩٦ :‬عندما كان ينزل‬ ‫ض ًة مِّنْ أَ َث ِر الرا س ِ‬
‫ت َق ْب َ‬
‫استطعت قال‪َ (( :‬ف َق َبضْ ُ‬
‫جبرائيل(عليه السالم)على ال ّنبيِّ موسى (عليه السالم) كنت أراه؛ ألنّ السّامري كان‬
‫من أهل السّلوك كان عندهُ رؤيا باطنيّة كان يعرف هذا الحالة يعرف بنزول جبرائيل‬
‫ويعرف بهذا المكان الّذي فيه حقيقة جبرائيل (عليه السالم) نزلت _ويعرف حالة‬
‫ُ‬
‫حسست‬ ‫موسى (عليه السالم) ويالحظ كيف_بدأ تغير ال ّنبيّ موسى (عليه السالم)‪ ،‬وأ‬
‫بنزول الوحي‪ ،‬فأخذت قطعة من األرض من ال ّتراب‪ ،‬ونفخت فيها‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫‪ .2‬قصة الشجرة‪:‬‬
‫شجرة‪ُ (( :‬نود َ َ‬
‫ك َمن فِي ال ان ِ‬
‫ار َو َمنْ‬ ‫ُور َ‬
‫ِي أن ب ِ‬ ‫هللا تبارك وتعالى يقول في قصّة ال ّ‬
‫ار"‪ :‬هو "هللا"‪،‬‬ ‫َح ْولَ َها ))[سورة النمل‪ ] ٨ :‬قوله تعالى(( َو َمنْ َح ْولَ َها)) َمنْ ؟ " َمن فِي ال ان ِ‬
‫"و َمنْ َح ْولَ َها"‪ :‬ال ّنبيّ موسى(ع) واألرض المق ّدسة‪ ،‬يعني‪ :‬هذه الحقيقة عندما تجلّت‬ ‫َ‬
‫على الرّوح تتجلّى على مراتب دانية من الرّوح‪.‬‬

‫‪ .3‬قصة القس في زمان اإلمام العسكري (عليه السالم)‪:‬‬


‫ومن هنا في زمن اإلمام العسكري (عليه السالم ) جاء قسِّيس‪ ،‬أو ظهر قسِّيس‬
‫في عام الجدب‪ ،‬إذ ال يوجد مطر‪ .‬ال يوجد ماء‪ .‬فظهر القس ورفع يدي ِه إلى السّماء‬
‫وطلب الماء‪ ،‬فاهلل تبارك وتعالى أنزل الماء‪ ،‬وكلّما المسلمون ذهبوا وطلبوا الماء هللا‬
‫لم يجبهم‪ ،‬وهذا القسِّيس‪ .‬هذا ال ّنصرانيّ طلب فاعطاه هللا‪ ،‬فالخليفة بدأ يتحيّر في هذا‬
‫ماهي القصّة؟ فدلّوه على اإلمام العسكري (عليه‬
‫َ‬ ‫األمر نحنُ خليفة ال ّنبيّ وما نعرف‬
‫ماهي القصّة يا حسن بن علي العسكري (عليه السالم) قال‪ :‬السّبب في‬ ‫َ‬ ‫السالم)‪:‬‬
‫المسألة أ ّنه حصل على قطعة من عظام أحد األنبياء السّابقين‪ ،‬قطعة من عظامهم‪،‬‬
‫فجعلها بين إصبعيه ورفع ُه إلى السّماء‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى بحرّمة هذه العظام أنزل له‬
‫المطر‪ ،‬فخذوا هذا العظم منه "وخالص" ينتهي‪ ،‬وما يستطيع انزال المطر‪ ،‬فأخذوا‬
‫هذه العظام من ُه‪ ،‬فلم يستطيع أن يصنع شيء‪ .‬يعني‪ :‬يكون في بدنه وفي عظامه أيضا ً‬
‫بركة ول ُه حرّ مة عند هللا‪.‬‬

‫‪ .4‬قصة الشيخ العارف العالمة المصطفوي(قدس سره)‪:‬‬


‫شامخين ّإال أ ّن ُه‬
‫شيخ حسن المصطفوي (ق ّدس س ّره) كان من العرفاء ال ّ‬
‫هللا يرحم ال ّ‬
‫مجهول؛ أل ّنه لم يكنْ عنده تالمذة وكذا‪ .‬حصل في بداية شباب ِه على خاتم من أحد‬
‫األنبياء السّلف‪ .‬كان هذا مع ُه وبهذا الخاتم كان يضبط بعض المشاكل ببركة هذا‬
‫الخاتم‪.‬‬
‫ً‬
‫وعقبة بيني وبين هللا‪،‬‬ ‫رأيت إن هذا الخاتم صار مانعا ً بيني وبين هللا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬بعد فترة أنا‬
‫فأخذ هذا الخاتم ورماهُ في ال ّنهر‪ .‬رماهُ في ال ّنهر؛ أل ّنه كان يريد أن يتجاوز العقبات‪،‬‬
‫ففي هذه الحالة في حالة ال ّتصرّف الّذي يحسُّ بأ ّنه هو المتص ّرف في األشياء‪ ،‬ولكن‬
‫بسبب ش ّدة ال ّتجلّي عليه يحس بأنه هو المتصرف لذا يقول‬
‫الحافظ الشيرازي عندما‪:‬‬
‫➖(نقش روی تو چو بر آينه ی جام افتاد‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫صوفی از خنده ی وی در طمع خواب افتاد )‬


‫➖هذا الكأس؛ كأس الخمر هؤالء أهل ُه يقولون‪ :‬عندهُ تأللؤ فوق ُه‪ ،‬بسبب صفائه ينعكس‬
‫عليه بعض األشياء الصّور أو مثالً الماء أيضا ً هكذا‪ ،‬الماء الصّافي أيضا ً هكذا‪. . . .‬‬
‫يقول‪ :‬نحن كأس‪ ،‬فاهلل تبارك وتعالى عندما يتجلّى فيّنا هذا ال ّتجلّي بسبب ش ّدة ال ّتجلّي‬
‫نحسّ أ ّن ُه نحنُ نفعل هذا‪.‬‬
‫شعر للصاحب بن عباد الّذي يقول في ِه عن الخمر والكأس‪.‬‬
‫التنسوا هذا ال ّ‬
‫رق الزجا ُج َو َر اقت الخم ُر‬
‫ا‬
‫َوتشابها َف َتشاكل األَم ُر‬
‫َف َكأ َ ان ُه خم ٌر َوال َقد ٌح‬
‫َو َكأ َ ان ُه َقد ٌح َوال خم ُر‬
‫الكأس والخمر بسبب ش ّدة لطافت ِه أنا ما أستطيع أن أُميّز بين هذا خم ٌر أو هذا كأسٌ‬
‫وال ّ‬
‫شاعر يقول‪:‬‬
‫تناهت تصاعدت في مراق الع ّز رتبتهم‪ . .‬فظن أنه ُم باهلل مغرور‬
‫تصغير سُليمان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وال تقس فظلهم باألنبياء أجل‪ . . .‬فأن سلمانهم عند‬
‫الثالثة‪ ،‬في هذه الحالة حالة بعد الفناء في حالة البقاء‬ ‫➖فعلى ك ّل تقدير هذه الحالة ّ‬
‫يتصرّف ويرى نفسه هو المعطي ويد ُّل عليه من اآليات المباركات‪َ (( :‬و َما َن َقمُوا إِ اال‬
‫هللا ُ َو َرسُول ُ ُه مِن َفضْ لِهِ))[سورة التوبة‪ ،] ٧٤ :‬فقوله تعالى((أَ ْغ َنا ُه ُم ا‬
‫هللاُ‬ ‫أَنْ أَ ْغ َنا ُه ُم ا‬
‫َو َرسُول ُ ُه)) ال ّرسول كيف يغنيهم؟ ال ّرسول كان فقيراً ما عندهُ أيّ شيء‪ .‬كيف يغنيهم؟‬
‫هللا يغنيهم؛ ألنّ له الوالية الكلّيّة‪ ،‬فال ّنبيُّ (صلى هللا عليه واله وسلم) ملحق باهلل تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬فهو أيضا ً يُغني هذا دلي ٌل على الوالية ال ّتكويّنيّة لل ّنبيِّ (صلى هللا عليه واله‬
‫وسلم) إن شاء هللا يأتي في وقته بحث هذا المطلب‪.‬‬

‫نقص في العالم‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وجه ال ّتام لألولياء لعظمة هللا تعالى بأ ّن ُه اليوجد‬
‫المورد الرابع‪ :‬ال ّت ّ‬
‫هذه الحالة تختلف عما ذكرناه سابقا وال توجد حالة مشابهة لها‪ ،‬والذي يوجد شيء‬
‫آخر إذ في هذه الحالة في هذا المورد ال ّنبيّ ‪ ،‬أو الوليّ ‪ ،‬أو اإلمام‪ ،‬أو الكامل في هذه‬
‫الحالة يرى نفسه وال يرى نفسه مرآ ًة هلل‪ ،‬وال يرى نفسه مظهراً من مظاهر هللا؛ ألنّ‬
‫حاالتهم مختلفة بسبب الجامعيّة‪ ،‬وهم بين حاالت مختلفة يأتون ويذهبون‪ .‬كما أنّ هللا‬
‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫الرحمن‪ ]٢٩ :‬كذلك األئمّة‪ ،‬واألولياء‬ ‫َٰ‬ ‫تبارك وتعالى‪ُ (( :‬ك ال َي ْو ٍم ه َُو فِي َشأْ ٍن))[سورة‬
‫الكمّلين أيضا ً لهم حاالت مختلفة‪ ،‬ويظهرون في مجالّي مختلفة‪ ،‬وأشكال مختلفة‪ ،‬ففي‬
‫هذه الحالة ملتفت إلى نفسه‪ ،‬وال يرى نفسه مرآ ًة هلل‪ ،‬ولكن توجّه ُه ال ّتام إلى عظمة‬
‫العالم‪ ،‬وعظمة الخالق‪ ،‬وعظمة ال ّتدبير‪ ،‬وعظمة المدبّر‪ ،‬فيرى إنّ ك ّل ما يحتاج ُه‬
‫اإلنسان قد رتبه وضبطه و هيأه هللا تبارك وتعالى له إذن ما يستطيع أن يسأل شيئا‪،‬‬
‫فيسأل ماذا؟ إذ ك ُّل شيء موجود‪ ،‬وك ُّل شيء حاضر‪ ،‬وك ُّل شيء جاهز في وقته‪ .‬نقل‬
‫عن الشيخ عباس القوجاني (رحمة هللا عليه) يوصي ال اسيِّد القاضي(ق ّدس س ّره) أ ّن ُه‬
‫قال‪:‬‬
‫اگر من جای خدا بودم‬
‫كنت مكان هللا لم أُغيّر أيّ شيء في العالم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لو‬
‫فك ّل شيء مضبوط‪ .‬الفقير يجب أن يكون فقيراً‪ ،‬والغني يجب أن يكون غن ّيا ً‪،‬‬
‫والسلطان يجب أن يكون سلطانا ً‪ ،‬فكل شيء مضبوط‪.‬‬
‫هذه الحالة موجودة في هذا ال ّ‬
‫شيخ‪ ،‬وهذا السّالك‪ ،‬فيرى عظمة هللا تبارك وتعالى في‬
‫ك ِّل شيء‪ ،‬وت ّدبيره تا ّم‪ ،‬و ال يوجد نقص في العالم‪ ،‬وإذا ال يوجد نقص في العالم يطلب‬
‫ماذا؟ يسأل ماذا؟ يدعو أليّ شيء؟ فما يستطيع أن يدعو‪.‬‬

‫اإللهي اللّد ّن ّي‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المورد الخامس‪ :‬األولياء هم مظاهر للع ْلم‬
‫وأمّا األخير الحالة االخيرة أنّ ال ّنبيا (صلى هللا عليه واله وسلم)‪ ،‬أو اإلمام (عليه‬
‫السالم) ما يلتفت إلى عظمة الكون‪ ،‬وتدبير هللا‪ ،‬وال ّنظام األت ّم‪ ،‬ونفوذ مشيئت ِه ما ينظر‬
‫شيء الّذي أريد أطلب ُه من‬ ‫إلى هذا‪ ،‬بل ينظر إلى شيء آخر‪ ،‬ومرتبة نازلة‪ ،‬وأن هذا ال ّ‬
‫هللا هل يكون لصالح ِه أم ال؟ هل يكون لصالح ال ّناس أم ال؟ فه ّنا يتصل بالعلم اإللهي‬
‫شيء يجب أن يكون هكذا‪،‬‬ ‫ويصبح مظهراً للعلم اإللهيّ ‪ ،‬فيرى أ ّنه هذا العمل‪ ،‬وهذا ال ّ‬
‫شفاعة؛ أل ّنه يضرُّ ‪ ،‬فال حاجة له‪ ،‬ص ّح مثال‪ :‬إ ّنه جائعا ً‬ ‫فالمجال لل ّدعاء‪ ،‬والمجال لل ّ‬
‫يجب أن يكون جائعا ً إلى وقت ِه‪ ،‬أو أ ّنه يصدر من ُه بعض األفعال القبيحة‪ ،‬فهذا له حكمة‬
‫العلم اإللهيّ ‪ ،‬أو ْ‬
‫العلم اللّد ّنيّ في ِه فال يطلب‪.‬‬ ‫ومعرفة الحكمة وراء األشياء سببه ظهور ْ‬

‫قصة الخضر(عليه السالم)‪:‬‬


‫إذن قصة الخضر(عليه السالم)بالنسبة للنبي موسى كان يعمل بعكس التوقع ولم‬
‫شيء هو متوقع ال ّنبيّ موسى (عليه‬
‫يطلب‪ ،‬ويطلب العكس عكس توقع موسى‪ .‬يعني‪ :‬ال ّ‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫السالم) يتوقع أنّ الخضر(عليه السالم)يعمله‪ .‬يعمله بالعكس‪ ،‬وهذا كثير واقع عند‬
‫األولياء‪.‬‬

‫قصص في معرفة األولياء للحكمة اإللهيّة‪.‬‬


‫القصة األول‪:‬‬
‫أحد العرفاء كانت ل ُه حالة آخر حيات ِه كان في سكرات موت ِه يمشي ويرجع‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫يمشي إلى ذاك العالم‪ ،‬ويرجع م ّرة هنا وهناك‪ ،‬وذاك كان في وقت الخالفات بين آية‬
‫شاه‪ ،‬وخالفات كثيرة وعندما مات‬ ‫شاه‪ ،‬وكان ال ّناس خرجوا مص ّدقة لل ّ‬
‫هللا الكاشاني وال ّ‬
‫في سكراته في ذهابه ورجوعه كان يقول‪ :‬محمد رضا شاه يجب أن يكون باق ّيا ً‪ .‬يجب‬
‫محيطة بهذه العارف وتطلب من ُه اإلجابة‪،‬‬‫ً‬ ‫فبقي؛ ألنّ األجواء كانت‬
‫َ‬ ‫أن يكون باق ّيا ً‪،‬‬
‫فعندما يذهب إلى ذاك العالم‪ ،‬فيطرح هذا األمر‪ ،‬فيقولون ل ُه هذا يجب يبقى‪ .‬هل بقائ ُه‬
‫هذا بمعنى أ ّنه مؤمن؟ ال بل يجب بعد كم سنة يخرجون ُه من إيران بالضّرب يعني‬
‫مسألة انه مؤمن وكذا هذا شيء آخر‪ ،‬وقصّة أخرى‪ ،‬فالحاصل في المورد الخامسة‬
‫العارف يلتفت إلى مصالح األشياء ومفاسدها وتصبح بصيرت ُه قويّة ج ّداً‪ ،‬فيرى‬
‫المصالح‪ ،‬والمفاسد عن ُب ُع ٍد‪ ،‬وال ّناس ما يرون أنفهم‪ ،‬مايرون رأس أنفهم هو يقول‪:‬‬
‫يجب أن يكون هكذا‪.‬‬

‫القصة الثانية‪:‬‬
‫شيخ األنصاريّ (ق ّدس‬ ‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) قال‪ :‬نقل عن ال ّ‬ ‫هللا يرحم ال اسياد ّ‬
‫رأيت امرأ ًة حجابها ليس‬
‫ُ‬ ‫كنت في حرم اإلمام الحسين(عليه السالم) و‬ ‫ُ‬ ‫س ّره) أنه قال‪:‬‬
‫جيّداً‪ ،‬وفي حرم اإلمام الحسين (عليه السالم) في هذا المكان المق ّدس‪ ،‬فقمت ألذهب‬
‫بالذهاب في هذه اللّحظات‬‫بدأت ّ‬
‫ُ‬ ‫إليها‪ ،‬وأقول لها‪ :‬يا أختي اِحْ َتفِظِ ي بحجابك‪ .‬عندما‬
‫شيء الّذي يصل إليا من السّوء أكثر من الخير الّذي يصل‬ ‫ورأيت ال ّ‬
‫ُ‬ ‫حسبت ك ّل شيء‬
‫إل ايها من الخير‪ ،‬فتركت‪.‬‬
‫فالحظوا بكم لحظة وكيف حسب ُه؟ يعني‪ :‬أقوى من الكومبيوترات وماذا حسب؟ ماذا‬
‫درس؟ هذا بسبب إنه صار مظهراً للعلم اإللهيّ وعرف الحكمة‪ ،‬ونحنُ ما نعرف شيء‬
‫من هذه األمور نحنُ خارج عن هذه األمور‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ ا ِ‬
‫هلل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫المحتويات‬
‫توطئة ‪1 ...............................................................................‬‬
‫البحث األول‪1 :‬‬
‫االستدالل القرآين بأن النب(صلى اهلل عليه واله) واألئمة (عليهم السالم) واألولياء هم مظاهر ملشيئة‬
‫اهلل‪1 :‬‬
‫البحث الثاين‪5 :‬‬
‫موارد ترك النب (صلى اهلل عليه واله) للدعاء‪5 .‬‬
‫األول‪ :‬املورد األول‪ :‬يف حالة الفناء األولياء اليستطيعون أن يشريوا إىل أنفسهم‪5 .‬‬
‫حقيقة حالة الفناء‪6 .‬‬
‫املورد الثاين‪ :‬وجود نسبة من الفناء يف حالة البقاء لألولياء ويكون املتصرف يف أفعاهلم هو اهلل‬
‫تعاىل‪7 .‬‬
‫قصص يف حاالت التجرد لألولياء‪7 :‬‬
‫املورد الثالث‪ :‬يف حالة البقاء األولياء هم مظاهر لألمساء اإلهلية الكلية‪9 .‬‬
‫تصرف األولياء‪9 :‬‬
‫قصص يف جتلي األمساء اإلهلية الكلية على مراتب دانية من الروح‪9 :‬‬
‫‪ .1‬قصة السامري‪9 :‬‬

‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة‬

‫‪ .2‬قصة الشجرة‪10 :‬‬


‫‪ .3‬قصة القس يف زمان اإلمام العسكري (عليه السالم)‪10 :‬‬
‫‪ .4‬قصة الشيخ العارف العالمة املصطفوي(قدس سره)‪10 :‬‬
‫املورد الرابع‪ :‬التوجه التام لألولياء لعظمة اهلل تعاىل بأنه اليوجد نقص يف العامل‪11 :‬‬
‫املورد اخلامس‪ :‬األولياء هم مظاهر للع ْلم اإلهلي اللدين‪12 .‬‬
‫قصة اخلضر(عليه السالم)‪12 :‬‬
‫قصص يف معرفة األولياء للحكمة اإلهلية‪13 .‬‬
‫القصة األول‪13 :‬‬
‫القصة الثانية‪13 :‬‬

‫‪15‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬
‫المحاضرة السادسة من محاضرات الدعاء‬
‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫البحث‪:‬‬
‫فلسفة الدعاء وعلته‪:‬‬

‫أشعار للعارف ابن الفارض المصري(قدس)‪:‬‬


‫🔹أدِرْ ِذ ْك َر َمن أهْ وى ولو ب َم ِ‬
‫الم‬
‫ب مُدامي‬ ‫الحبي ِ‬ ‫َ‬
‫أحاديث َ‬ ‫فإنّ‬
‫🔹ل َي ْش َه َد َس ْمعِي َمن أُحبُّ وإن نأى‬
‫بطيفِ َمنام‬ ‫الم ال َ‬ ‫بطيفِ َم ٍ‬ ‫َ‬
‫🔹فلي ِذ ْكرُها َيحلو على ك ّل صيغ ٍة‬
‫وإنْ َم َزجوهُ ع ُِّذلي بخِصام‬
‫ش ِري‬ ‫صال ُم َب ّ‬‫بالو ِ‬ ‫🔹كأنّ َعذولي ِ‬
‫كنت لم أط َمعْ ِب َر ّد سالم‬ ‫ُ‬ ‫وإن‬
‫ت روحي ب ُحبّها‬ ‫🔹بر َ‬
‫ُوحي َمن أتل ْف ُ‬
‫يوم حِمامِي‬ ‫فحان حِمامي قب َل ِ‬ ‫َ‬
‫ولذ لي ْ‬
‫اط‬ ‫🔹ومن أجلها طاب افتضاحي ّ‬
‫وذلّي بعد ع ّز َمقامي‬ ‫طِ راحي ُ‬
‫🔹وفيها حال لي بعْ َد ُنسْ كِي ته ُّتكي‬
‫وخ ْل ُع عِ ذاري وارتكابُ أثامي‬ ‫َ‬
‫صلّي فأشدو حين أتلو ِب ِذ ْك ِر َها‬ ‫🔹أ َ‬
‫وأط َربُ في المحراب وهي إمامي‬ ‫ْ‬
‫ّت باسْ مها‬ ‫مت ل َبي ُ‬
‫أحر ُ‬ ‫وبالحج إن َ‬ ‫َ‬ ‫🔹‬
‫ْ‬
‫مساك فِط َر صيامي‬ ‫َ‬ ‫وع َنها أرى ِ‬
‫اإل‬
‫🔹وشأني بشأني معربٌ وبما جرى‬
‫ُعربٌ ِب َه َيامي‬ ‫َج َرى وانتحابي م ِ‬
‫هائم‬
‫ب بالصّباب ِة ٍ‬ ‫🔹أرو ُح بقل ٍ‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫هام‬
‫ف بالكآبة ِ‬ ‫وأغ ُدو ب َطرْ ٍ‬
‫ْ‬
‫وطرْ في ذا بمعنى َجمالِها‬ ‫فقلبي َ‬ ‫🔹 ْ‬
‫ِين َقوام‬‫م َُع ّنىً وذا مُغرىً ِبل ِ‬
‫ومي مفقود وصُبحي لك البقا‬ ‫🔹و َن َ‬
‫وشوقي نام‬
‫َ‬ ‫ُهدي موجود‬‫وس َ‬
‫🔹و َعقدي وعهدي لم ي َُح ّل ولم َي ُحل‬
‫والغرام غرامي‬ ‫ِي وجْ دي َ‬ ‫َو َوجْ د َ‬
‫األسرار ِجسْ مي من الضّنى‬ ‫ِ‬ ‫🔹يشِ فّ عن‬
‫ف َي ْغدو بها معنىً ُنحو ُل عظامي‬
‫جوانح‬
‫ٍ‬ ‫🔹طري ُح َجوى حبٍّ جري ُح‬
‫جفون بال ّدوام د ََوامي‬
‫ٍ‬ ‫قري ُح‬
‫في ال َهوا‬ ‫ْت من ل ُ ْط َ‬ ‫جاري ُ‬‫هوى َ‬ ‫🔹صري ُح ً‬
‫سيم لمامي‬ ‫س َُحيْراً فأنفاسُ ال ّن ِ‬
‫🔹صحي ٌح علي ٌل فاطلبوني مِن الصَّبا‬
‫ففيها كما شاء ال ّنحو ُل مُقامي‬

‫محدود ّية عالم الما ّدة هي سبب ال ّتعارض في تحقيق ال ّطلبات‪:‬‬


‫كان الكالم في حقيقة ال ّدعاء‪ ،‬واآلن ندرس مسألة ال ّدعاء من زاوية أخرى وهي‪:‬‬
‫عالم هذا العالم محدو ٌد‬
‫ٍ‬ ‫لماذا ندعو؟ وماهي فلسفة الدعاء؟ وعلّته؟ نحنُ نعيش في‬
‫ّ‬
‫والظلمة‪ ،‬والضّيق‪ ،‬وعدم السّعة‪.‬‬ ‫بحدود ومق ّي ٌد بقيود‪ .‬ملي ٌء بالكثافة‪ ،‬والغلظة‪،‬‬
‫وبطبيعة الحال نحن بوصفنا موجودين في هذا العالم الما ّديّ نريد نتعايش‪ ،‬ونتفاعل مع‬
‫هذا العالم‪ ،‬ويت ّم ال ّتفاعل‪ ،‬وال ّتعايش بتحقيق آمالنا وما يخطر على بالنا‪ ،‬وما يخطر‬
‫على أفكارنا‪ .‬ونريد تطبيق هذه األفكار في الخارج وفي العالم الما ّديّ ‪.‬‬
‫ضيق وليس واسعا ً‪ ،‬فهنا يقع ال ّتزاحم بين طلباتنا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ّإال أنّ العالم المادي‬
‫وآمالنا‪ ،‬وبين آمال اآلخرين‪ ،‬وطلبات اآلخرين وإراداتهم‪ ،‬أو يقع ال ّتزاحم‪ ،‬وال ّتنافي‪،‬‬
‫الطبيعية المسيطرة على هذا العالم الما ّد ّ‬
‫ي‬ ‫وال ّتعارض بين طلباتنا‪ ،‬وبين القوى ّ‬
‫المحدود‪ ،‬فمثالً‪ :‬نحن نريد نصل إلى المكان الفالني بأقرب وقت أو قل بلحظة واحدة‬
‫ّ‬
‫بالطيران؟ لو ك ّنا طيراً لوصلنا إلى ذاك المكان سريعا‬ ‫كطرفة عين فهل يمكن‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫بالطيران ّإال أنّ قوانين الجاذبية تمنعنا عن الوصول إلى المكان المقصود عن طريق‬
‫الطيران؛ ألن عندنا ثقل‪ ،‬ولسنا بخفة ّ‬
‫الطير‪ ،‬فال نستطيع أن نطير‪ ،‬وال نستطيع أن‬
‫نحلّق في السّماء‪ ،‬فالب ّد من المشي تارة يكون سيرا باالقدام وهو يؤخر وتارة يكون‬
‫المشي بحاجة إلى سيّارة‪ ،‬وال ّسيّارة بحاجة إلى بنزين‪ ،‬والبنزين بحاجة إلى أموال‪،‬‬
‫وإلى أمور مختلفة‪ ،‬فال نستطيع نتغلب على ك ّل هذه األمور بلحظة واحدة‪ ،‬فتحول بين‬
‫طلباتنا‪ ،‬وبين وقوعه في الخارج إرادات أخرى‪ ،‬وقوانين حاكمة ومفروضة على‬
‫العالم بخالف عالم األخرة بخالف عالم التجرد بخالف عالم الملكوت‪.‬‬

‫العالم المجرد يشبه عالم االذهان‪:‬‬


‫شيء يتح ّقق في فكرنا ليس‬
‫فكما أ ّننا في أذهاننا بمجرد أن يخطر شيء هذا ال ّ‬
‫بالخارج بل يتح ّقق في فكرنا؛ ألنّ الفكر شي ٌء حضوري‪ .‬الفكر موجو ٌد حضوري‬
‫والعلم الحضوري موجود في أنفسنا‪ ،‬وبمجرد أن نتوهّم شيء يكون هذا ال ّ‬
‫شيء موجو ٌد‬
‫في أفق نفسنا وغير موجود في الخارج‪ ،‬ولكن موجود هنا في الذهن‪ ،‬أو قل موجود‬
‫في برزخنا‪ ،‬أو موجود في مثالنا؛ ألنّ اإلدراكات ليست ما ّدي ًّة بل هي‪ :‬عوارض تقع‬
‫على ال ّنفس‪ ،‬وال ّنفس المجرّدة وهذه العوارض مجرّدة بمعنى وملحقة بالحسِّ بمعنى أي‬
‫أنّ لها صورة‪ ،‬فإذن هي بتعبير آخر‪ :‬من المثال المقيّد‪ ،‬وليس من المثال المنفصل‪.‬‬
‫إذن الخارج‪ .‬أو قل‪ :‬الواقع الموضوعيّ ليس كأنفسنا‪ ،‬وال نستطيع أن نحقّق ما يخطر‬
‫ببالنا بسرعة في الخارج‪ ،‬بل نحن بحاجة إلى ألف شيء لتحقيقه بالخارج لماذا؟ ألنّ‬
‫العالم الما ّديّ عالم مظلم‪ .‬عالم ثقيل أي‪ :‬عنده ثقل‪ ،‬وعنده ظلمة‪ ،‬وعنده ضيق‪ ،‬وإذا‬
‫جاوزنا هذا العالم الما ّد ّ‬
‫ي _وإن شاء هللا_ هللا تبارك وتعالى أدخلنا في ملكوته‪ ،‬وأدخلنا‬
‫في جنته ك ّل مانطلبه يكون مهيأ عندنا بسرعة بال مزاحمة‪.‬‬
‫من أمثلة المحدودية وجود الميزانية‪ ،‬أوالموازنة السنوية للدول ففي ك ّل مملكة‬
‫يحددون شيئا معينا من األموال كموازنة‪ ،‬فمثال ميزانية إيران‪ ،‬وميزانية العراق‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫وميزانية لبنان‪ ،‬وسوريا‪ .‬وأنا أريد أمواال كثيرة ح ّتى أعيش‪ ،‬وفالن الموظف أيضا ً‬
‫يريد أمواال كثيرة‪ .‬حسنا ً حبيبي‪ :‬اذا ك ّل هؤالء الموظفين يعطون ما يريدون وتطبق‬
‫رغباتهم و تنفّذ ك ّل طلباتهم‪ ،‬فميزانية أمريكا ما تسعهم؛ ألن الميزانية محدودة‪ ،‬وهكذا‬
‫العالم الما ّديّ محدود‪ .‬فالكل تريد مثال‪ :‬أنا أريد هذا‪ ،‬وذاك يريد هذا‪ ،‬فيقع ال ّتزاحم‪،‬‬
‫وال ّتزاحم ناشئ من ضيق المحل‪ ،‬والمحل ماذا يعني؟ المحل هو‪ :‬العالم الما ّديّ ‪.‬‬

‫ال تزاحم في العوالم المجردة‪:‬‬


‫بخالف الجنة‪ ،‬وبخالف عالم البرزخ‪ ،‬فأيّ شيء أنت تريده ُيهيأ لك من دون أن‬
‫شجرة‬ ‫ً‬
‫مزاحمة مع اآلخر‪ ،‬فأنت تريد أحسن فاكهة‪ ،‬وأنت تريد الفاكهة من هذه ال ّ‬ ‫تكون‬
‫بسرعة هللا يعطيك‪ ،‬وذاك اآلخر يريد الفاكهة نفسها أي من نفس ال ّ‬
‫شجرة هللا تبارك‬
‫وتعالى يعطيه؛ ألنه ال نفاد لعطايا الرّبّ ؛ ألنّ عالم اآلخرة عالم المجردات‪ .‬وعالم‬
‫المجردات م ّتسع بسعة هللا تعالى‪ ،‬وال توجد فيه قواعد‪ ،‬وقوانين طبيعية تمنعنا وتحول‬
‫بيننا وبين إرادتنا‪.‬‬

‫اختالف ماهية عالم اآلخرة عن ماهية عالم المادة‪:‬‬


‫ماهيّة عالم اآلخرة الم ّتسعة بسعة هللا تعالى تختلف عن ماهيّة عالم الما ّدة‬
‫المحدودة نحن اآلن مثالً في ال ّ‬
‫شتاء نريد الدفء ونريد أن تكون الشمس موجودة‬
‫لتدفئنا وهذا مستحيل وليس معناه إن هللا ال يستطيع بل ال يمكن أن يرسل إليك‬
‫شمس في الشتاء‪ ،‬وفي الوقت نفسه جارك يقع عليه ّ‬
‫الثلج‪ ،‬فهذا‬ ‫شمس‪ ،‬فتدفئك ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫مستحيل؛ ألن العالم ضيق‪ ،‬عالم الما ّدة ضيق بخالف عالم اآلخرة‪.‬‬
‫في عالم اآلخرة أهل الج ّنة‪ ،‬وأهل ال ّنار في مكان واحد‪ ،‬ومالك موجود في الجحيم‬
‫من دون أن يتأثر من الجحيم‪.‬‬
‫أو كما يقال بالرّوايات إن بعض الكفّار الّذين هم كانوا جيّدين في هذه الحياة ال ّدنيا‬
‫بحيث لم يسرقوا‪ ،‬ولم يسرفوا‪ ،‬ولم يظلموا‪ ،‬ولم يقتلوا‪ ،‬و ما سلبوا أموال ال ّناس فقط ما‬
‫كانوا يعتقدون باهلل‪ ،‬وكان عندهم السّخاء‪ ،‬وكان عندهم الرّحمة‪ ،‬فهؤالء هللا ماذا يصنع‬
‫بهم؟ هللا تبارك وتعالى كتب أن يمأل جهنم‪ .‬أن يمأل الجحيم من الكافرين إذ يدخلهم في‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫اس أَجْ َمع َ‬ ‫الجحيم قال تعالى ( َ َ َ‬


‫ِين)) (سورة هود‪)١١٩ :‬‬ ‫(ألمْ َألنَّ َج َه َّن َم م َِن ْٱل ِج َّن ِة َوٱل َّن ِ‬
‫ولكن يحيطهم بحاجز مثال‪ ،‬أو يضعهم في مكان داخل جهنم بحيث التصل إليهم نار‬
‫جهنم‪ ،‬فهم في جهنم‪ ،‬ولكن ال تؤلمهم ال ّنار‪.‬‬
‫إذن لماذا هكذا؟ ألنّ حقيقة العالم‪ .‬حقيقة عالم اآلخرة وماهيته يختلف عن عالم‬
‫الما ّدة‪.‬‬

‫سبب طلب الدّعاء تذليل محدود ّية عالم الما ّدة‪:‬‬


‫إذن طلباتنا بل ك ّل طلباتنا في هذا ال ّدنيا ما تتح ّقق ولن تتحقّق بسبب غلظة الما ّدة‪،‬‬
‫وكثافة الما ّدة‪ ،‬وظلمة المادة‪ ،‬وضيق المادة‪ ،‬وهنا ماذا نصنع لتحقيقها؟ نتوسل بهنا‪،‬‬
‫وهناك‪ ،‬وهناك ح ّتى نضبط ما يمشي‪ ،‬فأنت كيف تريد أن تتعارك مع الكهرباء؟ كيف‬
‫تريد أن تتعارك مع قانون الجاذبية؟ كيف تريد أن تتعارك مع دوران ال ّ‬
‫شمس‪ ،‬دوران‬
‫األنجم‪ ،‬واألرض؟ وك ّل هذه األمور ال تستطيع‪ ،‬فتتوسل إلى هللا وهنا يأتي دور ال ّدعاء‬
‫لهذا نحن نحتاج إلى ال ّدعاء‪.‬‬
‫عالم بحيث أيّ شيء نريده يتحقق لنا وتحصل عليه بمجرد الخطور‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫لو كنا في‬
‫فما ك ّنا ندعو‪.‬‬

‫الدعاء في طول وجود طلبات غير متحققة‪:‬‬


‫ال ّدعاء في طول ّ‬
‫الطلب‪ ،‬وعدم تحقيق الطلّب ال بالقوة‪ ،‬ال بالفكر‪ ،‬ال بالتخطيط‪،‬‬
‫ال بغيرها‪ ،‬فهنا نقول‪ :‬يا هللا يا مسبّب األسباب دلّني على الخير‪ .‬دلّني‪ ،‬أوصلني إلى‬
‫هذه المقامات الّتي ال أستطيع أصل إليها‪ ،‬أو أدفع ديوني‪ ،‬وأشفي مرّ ضاي‪ ،‬وأشفي‬
‫مرضي‪ ،‬فاألطباء أصبحوا عاجزين‪ ،‬أو اطالوا في شفائي ولم يستطيعوا أن يصنعوا‬
‫شئا لي‪ ،‬فيأتي دور ال ّدعاء‪.‬‬

‫الفرق بين المناجاة والدعاء‪:‬‬


‫وهنا يجب أن نفرق بين المناجاة‪ ،‬و ال ّدعاء‪ .‬المناجاة‪ :‬حاجة فطريّة في البشر‬
‫سوا ٌء كان عنده طلب أم ال‪ ،‬فالمناجاة شي ٌء آخر‪ .‬وهذا الّذي نسمّيه بال ّدعاء في كثير‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫من األدعية توجد المناجاة‪ .‬ونحن ال نتكلّم عن المناجاة‪ ،‬نحن نتكلّم عن ال ّدعاء بمعنى‪:‬‬
‫ّ‬
‫الطلب‪.‬‬
‫إذن عرفنا أ ّنه لماذا نحتاج إلى ال ّدعاء؟ فالسّبب في احتياجنا إلى ال ّدعاء‪ ،‬والسبب‬
‫في ذهابنا إلى ال ّدعاء السّبب هو ثقل الما ّدة‪ ،‬وتزاحم الما ّدة‪ ،‬وتزامن األسماء المتع ّددة‬
‫الطبيعية‪ ،‬واإلراديّة‪ ،‬واإلنسانيّة الما ّديّة‪ ،‬وغير الما ّديّة على مورد واحد‪ ،‬فنعجز عن‬ ‫ّ‬
‫تحقيق طلباتنا‪ ،‬فهنا نتوسل إلى قدرة أعظم من ك ّل هذه األمور‪ ،‬فنريد إنجاز وتنفيذ‬
‫بشكل يكون لسان حالنا‪ :‬هو يستطيع يدبّر نحن ال نستطيع أن‬
‫ٍ‬ ‫بشكل مباشر‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫طلباتنا‬
‫ندبّر‪.‬‬

‫توجه جميع الموجودات في الدّعاء إلى هللا تبارك وتعالى‪:‬‬


‫ّ‬
‫توجد في الرّوايات مطالب حول عالم الملكوت‪ ،‬وعالم الغيب‪ ،‬ففي بعض‬
‫الرّوايات يقول‪ :‬ال ّدنيا بال ّنسبة إلى عالم الملكوت ((كحلق ٍة ملقا ٍة في الفالة)) أي‪ :‬في‬
‫الصحراء‪ .‬أصالً ال يقاس هذا بهذا‪ ،‬يعني شيء عدم‪ . .‬عدم‪ . .‬عدم‪.‬‬
‫تف ّكروا صحراء مساحتها اآلالف من الكيلو مترات وضاع م ّنا خاتم وال نعرف في‬
‫أيّ مكان يمينا ً‪ ،‬يساراً‪ ،‬شماالً‪ ،‬فهذا العالم الما ّديّ كهذا الخاتم الذي ضاع منا‬
‫بالصحراء((كحلقة ملقاة في فالة)) مع أنّ هذا العالم الما ّديّ كبي ٌر وليس صغيراً ولآلن‬
‫لم يكتشفوا كم عدد الكرات السّماويّة‪ ،‬واأل ّنجم؟ وكم عدد المنظومات الشمسية‪ ،‬أو‬
‫المجموعات الشمسية في الكون‪ ،‬فع ّدة عشرات من المنظومات‪ ،‬بل مئات المنظومات‪،‬‬
‫والتي هي أكبر من المنظومة ال ّ‬
‫شمسيّة‪ .‬وتوجد كواكب تدور حولها‪ ،‬فكم عدد األنجم؟‬
‫النعرف‪ .‬وإلى أين ينتهي هذا العالم؟ النعرف‪ ،‬وكم عدد مخلوقات هللا تبارك وتعالى؟‬
‫النعرف‬

‫ال ّنملة‪ ،‬الصّرصر‪ ،‬الحية هل نستطيع أن نع ّدها؟ فك ّل صنف من هذه الحيوانات لها‬
‫مئات من االصناف واألقسام‪ .‬ال ّنملة أ ّ‬
‫ي نملة منها؟ نملة تكون كبيرة ج ّداَ إذا تعضّ‬
‫اإلنسان ممكن يموت‪ ،‬ونملة صغيرة أصالً ما عندها وزن‪ ،‬فك ّل هذه الموجودات هللا‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫يرزقها‪.‬‬
‫وك ّل هذه الموجودات عندهم طلبات صباحا ً ومسا ًء وليالً ونهاراً وهللا يجيبهم‪ ،‬فك ّل‬
‫هذه ال ّنمالت وهذه الموجودات لهم صلة بربّهم‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى معهم فير ّد على‬
‫سؤالهم‪ ،‬فيجيب دعواهم‪.‬‬
‫كم عددهم؟ كم أصنافهم؟ ما نعرف‪ ،‬فمن الوقت الّذي هللا تبارك وتعالى خلق هذه‬
‫الكرة كرة األرض‪ ،‬كم أصناف من الحيوانات ظهرت على بسيطة األرض؟ ال‬
‫نعرف‪.‬‬
‫كم عدد مخلوقات هللا تبارك وتعالى تحت الماء؟ النعرف‪.‬‬
‫ألنّ األرض تكون ربع األرض يابسة والباقي ماء و نحن هذه األرض ما نعرف‬
‫كم عدد الموجودات فيها‪ ،‬فكيف بالبحر؟!‬

‫بي سليمان (عليه السالم) عن تحقيق طلبات الموجودات‪:‬‬‫صة عجز ال ّن ّ‬


‫ق ّ‬
‫توجد رواية‪ .‬أو حكاية ‪ -‬أنا ما أتذكر‪ -‬مفادها ان هللا تبارك وتعالى عندما‬
‫يح ُغ ُد ُّو َها َش ْه ٌر‬ ‫(ولِ ُسلَ ْي َم َ‬
‫ان الرِّ َ‬ ‫أعطى لسليمان القدرة على ك ّل شيء و لسليمان الريح ( َ‬
‫َو َر َوا ُح َها َش ْه ٌر ۖ )) (سورة سبأ‪ )١٢ :‬أعطاه الرّيح‪ .‬وكان يجلس على بساطه وهذا‬
‫البساط يطير‪ ،‬ويمشي إلى مكان بعيد وينزل إلى الجيش وكذا‪ .‬وكذا‪.‬‬
‫يوم من األيام ال ّنبيّ سليمان (عليه السالم) فرح وهذا الفرح جيّد يعني‪ :‬إلهي‬
‫وفي ٍ‬
‫يوم‬
‫سأل الرّبّ تبارك وتعالى‪ :‬يا هللا ممكن تعطيني القدرة أن أرزق ك ّل مخلوقاتك في ٍ‬
‫واحد أنا أرزقهم‪ .‬أوحى هللا إليه‪ :‬يا سليمان ال تستطيع أن ترزق مخلوقاتي‪ ،‬وخلقي؛‬
‫ألنّ عندي خالئق أنت ال تستطيع أن ترزقهم‪ .‬قال‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬ال توجد مشكلة أجمع‬
‫األرزاق ألحد مخلوقاتي‪ ،‬فجمع وبدأ بجمع األرزاق لمدة شهر‪ ،‬أو أكثر من شهر ك ّل‬
‫يوم ال ّناس يمشون‪ ،‬ويجتمعون ويأتون باألرزاق‪ .‬قال‪ :‬اجعل األرزاق قرب البحر‪ .‬بعد‬
‫فترة طويلة هللا أوحى إليه غداً يأتي إليك أحد مخلوقاتي أرزق ُه‪ .‬في الصّباح خرج‬
‫حوت كبير ج ّداً لم يره من قبل سليمان (عليه السالم)‪ ،‬ولم يسمع عنه شيء‪ ،‬ال في‬
‫التاريخ‪ ،‬وال في الكتب‪ ،‬وال من آبائه‪ ،‬وأجداده‪ ،‬جاء هذا الحوت وقال‪" :‬السّالم عليكم"‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫يا نبيُّ هللا يا سليمان‪ .‬النبي سليمان(عليه السالم)‪" :‬أهال وسهال" ماذا تريد؟‬
‫الحوت‪ :‬أريد لقمة الفطور صباحا ً‪ .‬النبي سليمان‪ :‬ال توجد مشكلة أعطوه ك ّل ما‬
‫جمعوه بكم شهر أعطوه‪ ،‬فأكل وأكل وقال للنبي‪ :‬هذا كان ً‬
‫لقمة واحد ًة يانبيُّ هللا أنا ال‬
‫أستطيع أن أشبع بهذا‪ .‬فهذه لقمة الصّباح وما استطاعت أن تشبعني فكيف بالخالئق؟‬
‫وماذا طلبت من هللا تعالى؟‬

‫بأرض فال ٍة‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫عالم بالقياس إلى العالم الّذي فوقه كحلق ٍة ُملقا ٍة‬
‫ٍ‬ ‫كل ُّ‬
‫عالم الما ّدة عالم ضيق‪ ،‬فعالم المادة بالقياس إلى عالم المجردات كحلق ٍة مُلقا ٍة‬
‫بأرض فال ٍة في الصحراء الممت ّدة مثل صحراء (عرعر )‪ ،‬أو أكبر منها‪ ،‬أو صحراء‬
‫ٍ‬
‫لوط في إيران‪.‬‬
‫كذلك عالم الملكوت بالقياس إلى عالم الجبروت حلقة ملقاة في صحراء الجبروت‪،‬‬
‫وكذلك "حبيبي"‪ :‬عالم الجبروت بالقياس إلى عالم الالهوت نفس ال ّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫ومن هنا يقولون‪ :‬عن األولياء ال ّسيّاح في الفيافيّ الالهوتيّة ك ّل ما يمشي ويسيح‬
‫في الفيافي الالهوتية ال تنتهي الفيافي إذ ال يوجد انتهاء من هذه الصّحراء‪.‬‬
‫الصّحراء؛ أل ّنها ما فيها عالمة ومن هنا يقولون‪ :‬يشبهون عالم الالهوت‬
‫بالصّحراء؛ أل ّنه ال يوجد امتياز‪ .‬ال توجد ميزة فكلها صحراء‪ ،‬وك ّل ما تمتد عينك ما‬
‫تراه صحراء مثل رؤيتك للبحر‪ ،‬فالبحر نفس ال ّ‬
‫شيء ففي وسط البحر عندما تمشي‬
‫ك ّل ما تنظر يمينا ً‪ ،‬ويساراً ال يوجد ساحل‪.‬‬

‫دخول االعيان في العوالم يجعل االعيان خاضعة لمقتضيات تلك العوالم ومتسانخة‬
‫معها‪:‬‬
‫نحن ننتقل من عالم الما ّدة إلى عالم الملكوت‪ ،‬وهنا في عالم المادة عندنا نوايا‪ ،‬و‬
‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫عندنا معاصي قلبيّة جارحيّة‪ ،‬أو جوانحيّة‪ ،‬وكذلك أعمال خالصة لوجه هللا‪ ،‬أو أعمال‬
‫جي ّدة‪ ،‬وعندما ندخل عالم الملكوت‪ ،‬عالم البرزخ؛ وألنّ عالم البرزخ م ّتسع‪ ،‬فتصبح‬
‫أنفسنا أيضا ً م ّتسعة‪ ،‬وعندما ا ّتسعت أنفسنا‪ ،‬ت ّتسع نوايانا‪ ،‬وت ّتسع أفعالنا‪ ،‬فهنا نرى‬
‫ال ّنوايا ال َّسيِّئة الّتي ك ّنا نأتي بها كبيرة ج ّداً كجبل أبو قبيس ونقول‪ :‬ما هذا؟‬
‫الجواب ياتيك‪ :‬هذا عملك‪ .‬هذه خطوراتك‪ .‬هذه نواياك‪ .‬وبالعكس نرى أعمالنا‬
‫الجيّدة الصغيرة كبيرة ج ّداً ونتعجب ونقول مثال‪ :‬يا هللا‪ .‬أنا ما صنعت هذه األعمال‬
‫الكبيرة‪ .‬الذي عملته شيئا بسيطا‪ ،‬فيأتي الجواب‪ :‬ص ّح‪ .‬عملك كان بسيطا ً في ال ّدنيا‬
‫بسبب ضيق الدنيا واآلن العالم عالم مُو َّس ٌع وأنت أصبحت موسّعا ً‪ .‬أصبحت مُوسَّعا ً‪.‬‬
‫إذن األعمال تعلوّ ‪ ،‬وتكبر‪ ،‬وتضخم‪ ،‬وتنمو‪ ،‬فالسّبب هو ال ّتجرّد يعني السنخية‬
‫وتحقّق المسانخة بين اإلنسان وبين العالم الّذي دخل فيه‪.‬‬
‫يعني‪ :‬أل ّني جاوزت عالم الما ّدة‪ ،‬فدخلت عالم الملكوت ويجب أن أكون متسانخا ً‬
‫مع العالم الملكوتيّ ‪.‬‬
‫ومعنى المسانخة‪ :‬أنّ نفسي بما فيها بك ّل ما فيها تكبر وتنمو‪.‬‬
‫إذن السّبب في علو األعمال‪ ،‬وضخامتها‪ .‬وعظمة ال ّنوايا سوا ٌء سي ً‬
‫ِّئة‪ ،‬أو جي ّد ًة‬
‫العالم المجرد الّذي دخلنا فيه‪.‬‬
‫يطلع اإلنسان على أعماله في عالم البرزخ لسعة هذا العالم بالقياس إلى عالم‬ ‫ّ‬
‫الما ّدة المقرون بال ّنسيان‬

‫من اختالفات العوالم المجردة عن العالم المادي‪:‬‬


‫نسيان األعمال في العالم المادي وتذكرها في العوالم المجردة‪:‬‬
‫نحن نتكلّم عن عالم البرزخ‪ ،‬وعالم المثال‪ ،‬فكيف يختلف عن عالم الما ّدة؟ عندنا‬
‫بعض ال ّنتائج منها‪ :‬نحن في هذه ال ّدنيا يصدر م ّنا كثير من األعمال ننساها من صغرنا‬
‫إلى كبرنا بل أحيانا ً يسألوني عن البارحة ماذا أكلت حبيبي؟ يا هللا‪ .‬ما أعرف‪ .‬يجب‬
‫أن يتف ّكر االنسان كثيراً ح ّتى يتعرّف ماذا أكل‪ .‬حسنا ً حبيبي‪ :‬ماذا صنعت بال ّناس؟‬
‫أكلت مال منْ ؟ ظلمت منْ ؟ يقول مثال‪ :‬أنا ما ظلمت أحد الحمد هلل إذ ينسىاالنسان ك ّل‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫هذه االمور والسّبب غلظة الما ّدة‪ ،‬وكثافة الما ّدة‪ ،‬ظلمة الما ّدة‪ ،‬وعندما يدخل في عالم‬
‫أوسع ّ‬
‫يطلع على أعماله؛ أل ّنه متوسّع‪ ،‬والعالم صار مُوسَّعا ً وبالتالي ت ّتسع شاكلته‪ ،‬و‬
‫الظرف ي ّتسع وعندما ي ّتسع يرى‪ ،‬و ّ‬
‫يطلع على ما صدر منه‪.‬‬ ‫ت ّتسع ظرفيته‪ ،‬فهذا ّ‬
‫وسبب هذا االطالع أيضا ً سعة عالم الغيب‪ .‬سعة عالم البرزخ بالقياس إلى عالم‬
‫الما ّدة‪ ،‬فعالم الما ّدة مقرونٌ بال ّنسيان‪ ،‬فال يوجد أحد يتذكر ك ّل ما صدر عنه بسبب‬
‫ظلمة الما ّدة‪ ،‬وبسبب تراكم المادة و ّتزاحمها‪ .‬وبسبب القوّ ى المختلفة المتضادة‬
‫المتغايرة فهذا يجره إلى ذاك الجانب وذاك يجره إلى ذاك الجانب وغلبت الوهم ما‬
‫تسمح له‪ ،‬والسّبب في غلبة الوهْ م أيضا ً ظلمة هذه الما ّدة وكثافة هذه الما ّدة‪.‬‬

‫من اختالفات العوالم المجردة عن العالم المادي‪:‬‬


‫الفهم والمعرفة الدقيقة للحقائق الكونية لن تتضح اال بالعوالم المجردة‪:‬‬
‫في عالم الما ّدة نحن ال نستطيع أن ندرك الحقائق الكونيّة والقوانين الموجودة في‬
‫ك ّل العالم بشكل حقيقيّ فندرس الفلسفة‪ .‬ندرس العرفان‪ .‬ندرس‪ ،‬ونتف ّكر وهذه االمور‬
‫جيدة لكن مغزى الحقائق الكونية لن تتضح لنا ولن نعرف بصورة دقيقة كيفيّة إدارة‬
‫ّ‬
‫الحق؟ كيفية ت ّدبيره؟ كيفيّة خلق ِه؟ كيفيّة جالل ِه؟ كيفيّة جمال ِه؟‬ ‫ّ‬
‫الحق للعالم؟ كيفيّة قدرة‬
‫كيفيّة انتقام ِه؟ كيفيّة رحمته؟‬
‫ومن هنا قال‪ :‬ادخرت رحمتي ألهل اآلخرة‪ .‬يعني‪ :‬واحد من المائة بال ّدنيا والباقي‬
‫باآلخرة لماذا؟ ألنّ الما ّدة ما تتحمّل مثل‪ :‬هذا القش الذي ما تستطيع أن ترميه لمسافة‬
‫مترين‪ .‬ليس له قابلية للرمي لمسافات بعيدة‪ .‬فالما ّدة هكذا ما تتحمّل قابلية ظهور‬
‫األسماء اإللهية الكلية ولكن عندما دخلت في عالم اآلخرة‪ ،‬وفي عالم الملكوت تفهم‬
‫أشياء أخرى‪ ،‬وأوّ ل شيء تتعرف على سعة خلق هللا تبارك وتعالى‪ .‬أوّ ل شيء تراه‬
‫عندما تخرج من بيتك العنكبوتيّ عوالم المتناهيّة‪ ،‬وفي ك ّل هذه العوالم المسيّطر‬
‫والمهيّمن هو هللا تبارك وتعالى‪ ،‬وترى الخالئق مليارات من الخالئق هللا يرزقهم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫محدودية التفكير في العالم المادي‪:‬‬


‫اآلن ال نتف ّكر بتلك السعة والشمولية بل نحن فقط نتف ّكر بحدود مثال‪ :‬أنا‪ ،‬وعائلتي‪،‬‬
‫وإذا توسعت بالتفكير مثال أقول‪ :‬أنا كنت ممتازاً‪ ،‬و صديقي‪ ،‬وجاري‪ ،‬والباقي ما‬
‫ٌ‬
‫خلق في العالم الخلق‪ .‬أنا كان تفكيري محدودا‬ ‫يخصني‪ .‬أصالً ما أتف ّكر انه يوجد هللا‬
‫ْحان َّ ِ‬
‫هللا_ ك ّل العالم‬ ‫أنا وعائلتي لكن عندما يدخل االنسان في عالم الملكوت يرى _ ُسب َ‬
‫من األزل إلى األبد مليء بالمخلوقات‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى كلهم يرزقهم ح ّيا ً‪ ،‬وميّتا ً‬
‫الرّزق المعنويّ ‪ ،‬أو الرّ زق الما ّديّ ‪ ،‬أو أيّ شيء وهذا لن يتحقّق في هذه ال ّدنيا بسبب‬
‫ظلمة ال ّدنيا‪ ،‬وضيق ال ّدنيا ولكن عندما دخلنا في عالم الملكوت تتضح لنا هذه األمور‬
‫بسبب تح ّقق السّنخيّة‪ ،‬وبسبب تحقّق المسانخة بيننا‪ ،‬وبين العالم الّذي نعيش فيه‪.‬‬
‫اآلن نحن ال نستطيع أن نعيش تحت األرض؛ أل ّنه ال توجد سنخيّة‪ ،‬وال نستطيع‬
‫أن نعيش داخل الماء؟ ما عندنا سنخيّة‪ ،‬فكيف نتنفس؟ ولكن هذا الحوت يكون بداخل‬
‫الماء وهللا تبارك وتعالى أعطاه جهازا‪ ،‬وهذا الجهاز يأخذ األوكسجين من الماء وما‬
‫يحتاج أن يخرج‪ ،‬ويأخذ األوكسجين من الهواء‪ ،‬فهذا الجهاز يضبط له أمر االوكسجين‬
‫الحظ هذا الحوت الكبير في ك ّل دقيقة بحاجة إلى كم من األوكسجين؟ كم كيلو؟ مائة‬
‫كيلو أوكسجين مثال؟ ف منْ أين يأتي هذا األوكسجين؟ ومن دون األوكسجين ما‬
‫يستطيع الحياة ويستطيع ال ّدم ان يجري بداخله‪ ،‬فجريان ال ّدم بحاجة إلى أوكسجين‪،‬‬
‫القلب بحاجة إلى أوكسجين‪ ،‬وأيّ موجو ٍد بحاجة لالوكسجين‪ ،‬فكيف هذا الحوت‬
‫يشتغل؟ الجواب قلنا‪ :‬هللا تبارك وتعالى أعطاه جهازا وهذا الجهاز ال نستطيع نحن‬
‫نفهمه‪ ،‬وندرسه‪ ،‬ونخترعه‪ .‬وهذا الجهاز يب ّدل الماء إلى أوكسجين‪ ،‬أو يأخذ منه‬
‫أوكسجين‪ ،‬إذ يحلّل الماء‪ ،‬فالماء مركب من األوكسجين والهيدروجين‪ ،‬وهو يأخذ الماء‬
‫وينقل الهيدروجين يأخذ األوكسجين‪.‬‬
‫وهذه الحية‪ ،‬أو هذا ال ّدود بداخل األرض لعشرة أمتار تحت األرض وال يوجد‬
‫ماء‪ ،‬وال يوجد أيّ شيء‪ ،‬فكيف يعيش؟ كيف يعيش هذا ال ّدود بداخل هذا العمق من‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫األرض من دون أوكسجين؟ هذا أيضا ً المسكين عنده دم‪ ،‬عنده جهاز أمعاء وأحشاء‬
‫وك ّل هذه األمور‪ ،‬فكيف يعيش؟‬
‫نحن عندما دخلنا في عالم الملكوت بسبب المسانخة‪ ،‬وبسبب تح ّقق السّنخيّة بيننا‬
‫وبين عالم الملكوت نفهم إذ نصبح ملكوت ّيا ً‪ ،‬فنفهم هذه الحقائق كما أ ّننا إذا دخلنا في‬
‫الماء وتحقّقنا بجهاز ال ّتنفس الموجود عند الحوت‪ ،‬نحن أيضا ً نستطيع نعيش ألف سنة‬
‫بداخل اللّب بسبب السّنخيّة‪.‬‬
‫إذن في هذا العالم عندما دخلنا في هذا العالم الحقائق تتجلّى لنا‪ ،‬والمانع عن ظهور‬
‫الحقائق في هذه ال ّدنيا‪ ،‬هو ضيق الما ّدة‪ ،‬وظلمة الما ّدة‪ ،‬وثقل الما ّدة‪ ،‬و محدوديّة الما ّدة‪.‬‬

‫العذاب والعقاب وال ّنعمة كلّها راجعة إلى ازدياد العقل وقلة العقل‪:‬‬
‫ننتقل إلى مطلب آخر‪ :‬وهو مطلب مهم‪ :‬لماذا اإلنسان يتعلّم‪ ،‬أو يفرح؟ السّبب في‬
‫شخص الّذي يفهم أ ّنه بعد أسبوع‬
‫الفرح‪ ،‬وفي العذاب هو العقل‪ ،‬والفهم‪ ،‬فمثالً‪ :‬ال ّ‬
‫يموت‪ ،‬فإنه سيتأثر‪ ،‬ويبكي وال ّدم لن يصل إلى قلبه ربما إلى ما شاء‪.‬‬
‫شخص الّذي وصل إليه خبرا ولو بالخطأ وهذا الخبر مفاده‪ :‬أنت ربحت في‬
‫وال ّ‬
‫مسابقة مائة ألف دوالر سيفرح وربما يمكن أن يموت بسبب ش ّدة الفرح بعد ذلك قد‬
‫يتضح خطأ الخبر وانه ليس هو‪ ،‬والمقصود جاره مثال!‬
‫ك ّل عذاب ال ّنفس وراحة ال ّنفس ناشئة من اإلدراكات‪ ،‬عندما اإلنسان يدخل في‬
‫عالم الملكوت تتقوّ ى إدراكاته‪ ،‬وتمت ّد سعة عقله يعني‪ :‬عقله ي ّتسع وعندما ي ّتسع يتعلّم‪،‬‬
‫من ماذا؟ ممّا فقده‪ ،‬ويفرح ممّا هو واج ٌد له إذن العذاب‪ ،‬والعقاب‪ ،‬وال ّنعمة كلّها راجعة‬
‫إلى ازدياد العقل وقلة العقل‪.‬‬
‫الحظوا المجانين ال يتأثرون باالقوال واالخبار فمثال ق ْل للمجنون‪ :‬حبيبي بعد كم‬
‫يوم تصير حربا عالميّة ثالثة‪ ،‬فما تجده مهتما؛ أل ّنه ما يفهم‪ ،‬أو تقول له‪ :‬داعش يأتي‬
‫يفجّر وكذا‪ .‬فتراه غير متأثر وما يفهم شيئا مما تقوله‪ .‬يفجّر فليفجّر ما يخصني ما‬
‫يفهم‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫أمّا إذا عرف وفهم أو االنسان الذي يعرف ويفهم أ ّنه يصبح كذا‪ ،‬أو ممكن يصير‬
‫كذا وكذا تجده مايستطيع أن ينام نحن عندنا بالفارسيّ شع ٌر؛‬
‫بيچاره آن كسى که گرفتار عقل شد‬
‫خوشبخت آنکه کره خر آمد و االغ رفت‬
‫الترجمة‪:‬‬
‫شخص الّذي أبتلى بالعقل‪.‬‬
‫المسكين ال ّ‬
‫والمرتاح الّذي سلب عنه العقل فجاء إلى ال ّدنيا كولد الحمير و َكبُر إلى أن وصل‪،‬‬
‫أصبح حميراً كامالً فخرج من هذه ال ّدنيا‪.‬‬
‫بمجرد ال ّدخول في عالم البرزخ والمكث فيه يتقوّ ى العقل بسبب المسانخة بين‬
‫شخص الّذي دخل في عالم الملكوت وبين عالم الملكوت؛ ألنّ عالم الملكوت م ّتسع‪،‬‬
‫ال ّ‬
‫فعندما ا ّتسع يحصل له العذاب؛ أل ّنه يتقوّ ى عقله‪ ،‬فيرى مضارهُ‪ ،‬ويرى مصالح ُه‪،‬‬
‫فيتنعّم بما عنده‪ ،‬ويتعلّم بما ليس عنده‪ ،‬أو يتعلّم بما هو سيّ ء عنده‪.‬‬

‫السالك ال يخاف من الموت‪:‬‬


‫نأخذ نتيجة وهي‪ :‬حيث أنّ عالم الملكوت‪ ،‬وعالم الغيب فيهما السّعة وفيهما‬
‫ال ّنوران ّية أهل السّلوك يجب أن يتم ّنو ّنه؛ ألنّ بدخولهم في عالم الملكوت وبتجاوزهم‬
‫عن عالم الما ّدة ودخولهم في عالم الملكوت عن طريق الموت يتقوّ ى عندهم ك ّل شيء‪،‬‬
‫ّ‬
‫والظلمات‪ .‬وإذا هو‬ ‫فك ّل هذه األمور والسّلبيات الّتي ذكرناها ناشئة من عالم الما ّدة‬
‫يريد ال ّتوسع وال ّتكامل‪ ،‬والسّلوك الحقيقي يجب أن يكون جاهزاً للموت وأن ال يخاف‬
‫من الموت‪ .‬وإذا خاف السالك من الموت معناه أ ّنه ما عنده سلوك‪ ،‬فالسّالك الحقيقي‬
‫ما يخاف من الموت‪.‬‬
‫ً‬
‫عالمة للمؤمنين‪ ،‬وعدم طلبه‪ ،‬وعدم‬ ‫ومن هنا هللا تبارك وتعالى جعل طلب الموت‬
‫*ولَن‬
‫ِين َ‬
‫صا ِدق َ‬ ‫عالمة للكافرين والمنافقين قال تعالى(( َف َت َم َّنوُ ا ْال َم ْو َ‬
‫ت إِن ُكن ُت ْم َ‬ ‫ً‬ ‫تم ّنيه‬
‫ِين))( البقرة‪ )٩٥-٩٤ :‬ما يريدون‬ ‫الظالِم َ‬ ‫هللا ُ َعلِي ٌم ِب َّ‬ ‫ت أَ ْيد ِ‬
‫ِيه ْم ۗ َو َّ‬ ‫َي َت َم َّن ْوهُ أَ َب ًدا ِب َما َق َّد َم ْ‬
‫الموت إذن ال يمكن لسالكٍ في طريق هللا أن يخاف من الموت‪ ،‬وإذا يريد يعرف نفسه‬
‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫ويمتحن نفسه يجب أن يالحظ هل يخاف من الموت أم ال؟ إذا كان خائفا ً حبيبي! !‬
‫أرجع من جديد أبدأ من جديد‪ ،‬ف ّ‬
‫الظاهر أ ّنك ما تع ّرفت على هذه الحقيقة‪ ،‬وهي‪ :‬إنّ هذا‬
‫العالم عالم مظلم‪ ،‬وأن ذاك العالم عالم ال ّنور عالم البساطة‪ ،‬عالم اإلدراك الصّحيح‬
‫عالم ال ّتعقل‪ ،‬فإذا أنت تقتصر بهذا العالم معناه‪ :‬إ ّنك ال تستطيع السلوك‪ ،‬وال تحبّ‬
‫السّلوك‪ ،‬و ما تتظاهر به كلّ ُه نفاق‪ ،‬وكذب‪ ،‬فالسّالك يجب أن ال يخاف من الموت‪،‬‬
‫ولكن إذا ما يخاف من الموت ليس معناه‪ :‬أ ّنه ي ْ‬
‫ُقدم نفسه للموت‪.‬‬

‫عدم الخوف من الموت ال يعني إلقاء ال ّنفس إلى ال ّتهلكة‪:‬‬


‫ال ّنبيُّ عيسى (عليه السّالم) كان على صخرة في أعلى جبل وجاء إليه ال ّ‬
‫شيطان‬

‫قال‪ :‬هل هللا قاد ٌر على أن يحفظك؟ قال‪ :‬نعم هللا تبارك وتعالى قادر‪ .‬قال‪ِ :‬‬
‫أرم بنفسك‪،‬‬
‫هللا يحفظك‪ .‬قال لن أفعل‪ .‬ولماذا أنا أرمي نفسي؟ وال احتاج أن أرمي نفسي من هذا‬
‫شاهق من األرض ح ّتى أجرب هللا؟ أنا واضحة عندي قدرة هللا‪.‬‬
‫الجبل ال ّ‬

‫صة ظهور قدرة هللا تعالى في موت ال ّن ّ‬


‫بي سليمان (عليه السالم)‪:‬‬ ‫ق ّ‬
‫ومن هنا ال ّنبيّ سليمان (عليه السالم) رغم ك ّل ما أمتلك وكان الجن واإلنس‪:‬‬
‫ور رَّ اسِ َياتٍ)) (سبأ‪:‬‬ ‫ان َك ْال َج َوا ِ‬
‫ب َوقُ ُد ٍ‬ ‫يب َو َت َماثِي َل َو ِج َف ٍ‬ ‫(( َيعْ َملُ َ‬
‫ون لَ ُه َما َي َشا ُء مِن م ََّح ِ‬
‫ار َ‬
‫‪ )١٣‬يعملون له محاريب‪ ،‬و تماثيل‪ ،‬ويشتغلون عنده هو جاء على المردة ح ّتى يرى‬
‫العمل‪ ،‬وكان يتكأ على عصاه‪ ،‬فتوفّى وهو متكأ على عصاه‪ ،‬الحظ‪ :‬هللا تبارك وتعالى‬
‫كيف يظهر قدرته‪ ،‬فتوفّى‪ ،‬وال ّناس‪ ،‬والجن كانوا يتفكرون أ ّنه يراهم‪ ،‬فيعملون يعملون‬
‫ح ّتى هذه ال ّنملة(االرضة) جاءت وأكلت هذه العصا‪ ،‬فوقع‪ ،‬فعرفت الجن أ ّنهم كانوا في‬
‫شديد؛ أل ّنهم ما كانوا يعرفون أنّ سليمان توفّى‪.‬‬
‫شديد‪ ،‬العذاب ال ّ‬
‫العذاب ال ّ‬

‫الحياة والممات عند االولياء شيء واحد‪:‬‬


‫أمّا األنبياء واألولياء‪ ،‬األنبياء واألولياء‪ ،‬فالحياة والممات عندهم شيء واحد‪،‬‬
‫لماذا؟ أل ّنهم وصلوا إلى عالم ال ّنور وا ّتسعوا بسعة هللا ورأوا كل الذي ال ّناس يريدون‬

‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫أن يرونه‪ ،‬فالسّنخيّة ال ّنورانيّة بينهم‪ ،‬وبين العوالم الرّبوبيّة تمت وهم في هذه ال ّدنيا‪ .‬و‬
‫الظلمات‪ ،‬فأبدانهم في األبدان وأرواحهم في المأل األعلى‪.‬‬ ‫في عالم الما ّدة‪ .‬وفي عالم ّ‬
‫وأمّا المتوسطون قلنا‪ :‬أوّ ل قدم للسّالك يجب أن ال يخاف من الموت‪ ،‬فإذا خاف‬
‫فهو ليس بسالكٍ هذا بالبداية‪ ،‬وقلنا‪ :‬األنبياء ما عندهم رغبة ال بالحياة وال بالممات؟‬
‫ألنّ الحياة والممات عندهم سيّان‪.‬‬
‫المتوسطون يشتاقون إلى الموت؟ أل ّنهم لم يصلوا إلى مراتب في هذه ال ّدنيا‬
‫ويعرفون أنّ هذه المراتب موجودة بعد الموت يعني‪ :‬موجودة باالبتعاد عن الما ّدة‪.‬‬

‫س ّالك المتوسطين للموت‬ ‫صة‪ :‬طلب أحد ال ّ‬ ‫ق ّ‬


‫هللا يرحم سيِّدنا األستاذ الطهراني (ق ّدس س ّره) كان يقول‪ :‬أحد تالمذته باسم حا ّج‬
‫هادي أبهريّ خانصمنيّ قال‪ :‬جاء إلى األمام الرضا (عليه السالم) وطلب منه الموت‬
‫وأص ّر‪ ،‬وأكبّ ‪ :‬هيّا بسرعة ياعلي بن موسى الرِّ ضا أنا أريد الموت‪ .‬ما عندي مزاج‬
‫أعيش في ال ّدنيا‪ .‬قال ال َّسيِّد عاش ثالثين سنة بعد هذا ال ّدعاء‪.‬‬
‫طلب ولكن بعد هذا األصرار واإللحاح وكذا ح ّتى يموت عاش ثالثين سنة‪ ،‬وهذا‬
‫من المتوسطين يعني‪ :‬أمّا الكمّلين وصلوا إلى هذه المراتب‪ ،‬فتكون الحياة والموت‬
‫عندهم على السّواء‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫هلل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪15‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة السادسة من حماضرات الدعاء ‪1 ........................................‬‬
‫البحث‪1 :‬‬
‫فلسفة الدعاء وعلته‪1 :‬‬
‫أشعار للعارف ابن الفارض املصري(قدس)‪1 :‬‬
‫املادة هي سبب التّعارض يف حتقيق الطّلبات‪2 :‬‬ ‫حمدوديّة عامل ّ‬
‫العامل اجملرد يشبه عامل االذهان‪3 :‬‬
‫ال تزاحم يف العوامل اجملردة‪4 :‬‬
‫اختالف ماهية عامل اآلخرة عن ماهية عامل املادة‪4 :‬‬
‫املادة‪5 :‬‬
‫سبب طلب ال ّدعاء تذليل حمدوديّة عامل ّ‬
‫الدعاء يف طول وجود طلبات غري متحققة‪5 :‬‬
‫الفرق بني املناجاة والدعاء‪5 :‬‬
‫توجه مجيع املوجودات يف ال ّدعاء إىل اهلل تبارك وتعاىل‪6 :‬‬ ‫ّ‬
‫ب سليمان (عليه السالم) عن حتقيق طلبات املوجودات‪7 :‬‬ ‫قصة عجز النّ ّ‬
‫ّ‬
‫بأرض فالةم‪8 :‬‬
‫كحلقة ُملقاةم م‬
‫م‬ ‫كل عا ممل بالقياس إىل العامل الّذي فوقه‬
‫دخول االعيان يف العوامل جيعل االعيان خاضعة ملقتضيات تلك العوامل ومتساخنة‬
‫معها‪8 :‬‬
‫من اختالفات العوامل اجملردة عن العامل املادي‪9 :‬‬
‫نسيان األعمال يف العامل املادي وتذكرها يف العوامل اجملردة‪9 :‬‬
‫من اختالفات العوامل اجملردة عن العامل املادي‪10 :‬‬
‫الفهم واملعرفة الدقيقة للحقائق الكونية لن تتضح اال بالعوامل اجملردة‪10 :‬‬
‫حمدودية التفكري يف العامل املادي‪11 :‬‬
‫العذاب والعقاب والنّعمة كلّها راجعة إىل ازدياد العقل وقلة العقل‪12 :‬‬
‫السالك ال خياف من املوت‪13 :‬‬
‫عدم اخلوف من املوت ال يعين إلقاء النّفس إىل التّهلكة‪14 :‬‬
‫‪16‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة‬

‫ب سليمان (عليه السالم)‪14 :‬‬


‫قصة ظهور قدرة اهلل تعاىل يف موت النّ ّ‬
‫ّ‬
‫احلياة واملمات عند االولياء شيء واحد‪14 :‬‬
‫الس ّالك املتوسطني للموت ‪15 .................................‬‬
‫قصة‪ :‬طلب أحد ّ‬ ‫ّ‬

‫‪17‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬
‫المحاضرة السابعة من محاضرات الدعاء‬
‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪:‬‬
‫لماذا تتبدّل ال ّطلبات (األمنيات)‪:‬‬

‫توطئة‪:‬‬
‫الطلب الخاصّ من هللا تبارك وتعالى‬ ‫كان الكالم في ال ّدعاء وأنّ حقيقة ال ّدعاء هو ّ‬
‫لتحقيق ما في ضمير ال ّداعي خارجاً‪ ،‬والمقصود من الخارج‪ :‬يعني األعم من الوقوع‬
‫الخارجي‪ ،‬أو في نفسه‪ ،‬وقلبه مثالً‪ :‬أحيانا ً اإلنسان يطلب من هللا تبارك وتعالى حالة‬
‫نفسانيّة هذه الحالة ال ّنفسانيّة ليست بالخارج بل موجودة في قلبه‪ .‬في نفسه‪ ،‬فهو يطلب‬
‫شيء في الخارج بمعنى خارج فكره‪ ،‬فتكون ال ّنفس‪ ،‬واألوصاف ال ّنفسانيّة‬ ‫تحقيق هذا ال ّ‬
‫أيضا ً في الخارج‪.‬‬

‫ووصلنا إلى أنّ حقيقة ال ّدعاء‪ :‬هي طلب اإلنسان وقلنا إنّ حقيقة ال ّدعاء تختلف في‬
‫عالم عن العالم اآلخر‪ ،‬فحقيقة ال ّدعاء في عالم الخلق تختلف عن حقيقة ال ّدعاء في‬
‫ٍ‬ ‫ك ِّل‬
‫عالم األمر‪ ،‬وكذلك حقيقة ال ّدعاء تختلف عن حقيقته في ٍ‬
‫عالم آخر‪.‬‬

‫مقدمات تمهيدية‪:‬‬
‫حقيقة االعيان الثابتة‪:‬‬
‫ِّ‬
‫الحق تبارك وتعالى؛ ألنّ ك ّل‬ ‫فوصلنا إلى مسألة األعيان ّ‬
‫الثابتة الموجودة في‬
‫الحق تبارك وتعالى‪ ،‬فهذه األعيان ّ‬
‫الثابتة الّتي‬ ‫ِّ‬ ‫الموجودات صائرة إليه وفانية في‬
‫يسمّونها باألعيان ّ‬
‫الثابتة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫األعيان ال ّثابتة حقيق ّية الوجود ولكن ليست لها آثار خارج ّية‪:‬‬
‫ضح لماذا يقولون‪ :‬ال ّثابتة؟‬‫ّأوالا‪ :‬نو ّ‬
‫يقولون الثابتة؛ ألنّ هذه األعيان ليست متحقّقة وموجودة‪ .‬يعني‪ :‬ليس لها وجود‬
‫خارجي‪.‬‬
‫إذن ليست بالوجود‪ ،‬أو ليست موجود ًة‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه هل يمكن القول‪ :‬إن‬
‫االعيان الثابتة موجود وهميّ ؟ الجواب‪ :‬ال يمكن القول بأنّ هذه الموجودات الفانية في‬
‫الحق تبارك وتعالى موهُومة؟ ال‪.‬‬‫ِّ‬
‫فاالعيان الثابتة‪ :‬حقيقة ولكن حقيقتها ليست لها آثار خارجية‪ ،‬ومن هنا يقولون‪:‬‬
‫عين ثابتة ليست موجودة؛ لل ّتمييز بين الوهْ م‪ ،‬وبين الوجود الخارجي‪ ،‬فهذه العين‬
‫بالثبوت‪ :‬األعيان ّ‬
‫الثابتة‪.‬‬ ‫الثابتة ليست خارجيّة‪ ،‬وال وهميّة إذن يسمّونها ّ‬

‫ثان ّياا‪ :‬تتح ّقق األعيان ال ّثابتة باألسماء اإلله ّية‪:‬‬


‫الثابتة في مقام الالهوت‪ّ ،‬‬
‫والذات اإللهيّة فانية‪ ،‬ومندكة‪ ،‬وفي‬ ‫وقلنا إنّ هذه األعيان ّ‬
‫الوقت نفسه طالبة‪ ،‬وداعية‪ .‬يعني‪ :‬هي تطلب الخروج(والظهور) يوجد شعر بالفارسيّة‬
‫يقول‪:‬‬
‫پرى رو تاب مستوری ندارد‬
‫چو در بندی سر از روزن بر آرد‬
‫الترجمة‪:‬‬
‫الحسناء ال تتحمّل السّتار والحجاب‬
‫إذا غلقت عليها الباب تطلّع من ال ّنافذة‬
‫أل ّنها تريد أن تظهر نفسها‪.‬‬

‫عالقة ظهور األعيان الثابتة بالطلب والدعاء‪:‬‬


‫عين ثابتة هي تريد تظهر نفسها‪ ،‬وفي مقام االظهار بحاجة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫كل موجودٍ‪ ،‬وكل‬
‫الطلب) وهنا يأتي دور تعلّق األسماء اإللهيّة بها؛ أل ّنها عن طريق األسماء‬ ‫ال ّدعاء ( ّ‬
‫الظهور والبروز؛ ألنّ األسماء وهذا شيء دقيق ج ّداً‪.‬‬ ‫تستطيع ّ‬
‫ت َع ْنهُ)) في مقام‬ ‫(و َك َما ُل َت ْوحِي ِد ِه َن ْفيُ اَل ِّ‬
‫ص َفا ِ‬ ‫ِّ‬
‫الحق ( َ‬ ‫األسماء اإللهيّة فانية في‬
‫الذات ال يوجد اسم‪ ،‬وال رسم‪ ،‬وال صفة ال توجد هذه األمور‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬ ‫ّ‬
‫الثابتة هناك تطلب ال ّتحقّق‪ ،‬وال ّتحقّق ال يمكن ّإال باألسماء‪.‬‬ ‫األعيان ّ‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫األسماء اإلله ّية في ال ّذات األحد ّية موجودة بال حدود‪:‬‬


‫الذات األحديّة في ّ‬
‫الذات الرّبوبيّة‪ ،‬بال حدودها‪.‬‬ ‫إذن األسماء اإللهيّة موجودة في ّ‬
‫الذات األحديّة صحيح ُتفنى ولكن فنائها‬‫هذا الّذي نقول‪ :‬من ان هذه االسماء تفنى في ّ‬
‫ليس بمعنى عدم وجودها بل هي موجودة بال ح ّد‪ ،‬وهذا هو أحد الفوارق بين ال ّ‬
‫شيخيّة‬
‫وبين المدرسة العرفانيّة‪.‬‬
‫الفرق االعتقادي في األسماء اإلله ّية بين ال ّ‬
‫شيخ ّية والمدرسة العِرفان ّية‪:‬‬
‫شيخ عباس القوجانيّ م ّرة سأل أستاذه ال َّسيِّد القاضي(ق ّدس‬ ‫هللا يرحم ال ّ‬
‫شيخيّة ما الفرق بيننا وبينهم؟ فهم يعتقدون بك ِّل ما نحن نعتقد‪،‬‬ ‫س ّره)‪ :‬سيِّدنا هؤالء ال ّ‬
‫ويبكون على الحسين (عليه السّالم)‪ ،‬ويصلّون‪ ،‬وال يوجد أيّ خالف بيننا في أيّ‬
‫شيء‪ ،‬فلماذا أنتم تتح ّرزون منهم؟‬
‫شيخ أحمد‬ ‫قال‪ :‬ال َّسيِّد القاضي(قدس)‪ :‬غداً أجلبْ معك شرح ال ّزيارة الجامعة لل ّ‬
‫األحسائي‪ .‬في اليوم التالي جاء الشيخ عباس القوجاني(رحمه هللا) بشرح الزيارة‬
‫الجامعة‪ ،‬فقال له السيد القاضي ‪ :‬أبدأ بالقراءة من الصفحة الفالنية‪ ،‬فبدأ بالقراءة‪ ،‬و‬
‫الذات األحديّة ال يوجد اسم‪ ،‬وال رسم‪ ،‬وال صفة‪ ،‬ال يوجد‬ ‫حاصل قراءته‪ :‬أ ّنه في ّ‬
‫شيء‪ .‬ال َّسيِّد القاضي بعد تلك القراءة قال‪ :‬يعني ما الذي ليس موجودا؟ يعني‪ :‬هللا ليس‬
‫بخالق‪ .‬هللا ليس بكذا صفة ‪.‬إذن هذا الّذي نعبُدهُ شيء موهوم؛ أل ّنه ما‬ ‫ٍ‬ ‫بعالم‪ .‬هللا ليس‬
‫ٍ‬
‫عنده هذه األمور‪ ،‬فمن أين جاءت هذه األمور؟‬

‫كل االوصاف موجودة في الحق بال حدودها وبال ماهياتها‪:‬‬


‫الحق تبارك‬ ‫ِّ‬ ‫الصحيح القول‪ :‬كل هذه الصفات‪ ،‬وكل هذه األوصاف موجودة في‬
‫وتعالى بال حدودها‪ ،‬بال ماهيّاتها ك ّل هذه األشياء‪ ،‬ك ّل هذه الصّفات‪ ،‬ك ّل هذه‬
‫وإال هذه الحقيقة الّتي نسمّيها ّ‬
‫بالذات‬ ‫الحق ولكن ال بالح ّد‪ّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األوصاف موجودة في‬
‫بعالم وليس بقادر وليس بكذا صفة مثال كيف نعبُدهُ؟ هذا هو‬ ‫ٍ‬ ‫اإلله ّية إذا ليس هو‬
‫شيء‬ ‫شيخ أحمد االحسائي شيء موهوم‪ ،‬وال ّ‬ ‫الفارق‪ .‬فاإلله الّذي ي ِ‬
‫ُبديه‪ ،‬ويع ّرفه ال ّ‬
‫الحق ولكن بال‬ ‫ّ‬ ‫الصحيح الحقيقي الّذي يقوله العارف هي إن هذه الصفات موجودة في‬
‫حدودها مثل البحر‪ ،‬ففي البحر تجد القطرة موجودة‪ ،‬وال ّنهر أيضا ً موجود‪ ،‬والبحيرة‬
‫أيضا ً موجودة في هذا البحر الكبير‪ ،‬فك ّل هذه األمور موجودة فيه بال أنّ يكون فيها ح ٌّد‬
‫هكذا نحن نقول‪ ،‬إذن هذا هو الفارق على ك ّل تقدير‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫ثالثاا‪ :‬حقيقة األعيان ال ّثابتة واألسماء اإلله ّية موجودةٌ في ال ّذات األحد ّية بال حدود‪:‬‬
‫نحن اآلن ال ندخل في هذه المباحث الفلسفيّة‪ ،‬و العرفانيّة إ ّنما نقول هذه األعيان‬
‫الظهور بماذا؟ تطلب الظهور باألسماء‪ .‬السؤال اآلخر و‬ ‫الظهور‪ .‬تطلب ّ‬ ‫الثابتة تطلب ّ‬ ‫ّ‬
‫أين األسماء هذه االسماء ؟ الجواب‪ :‬حقيقة االسماء موجودة بال حدودها في األحدية‬
‫الثابتة الّتي هي ثابتة في عالم الالهوت‬ ‫أيضا‪ .‬إذن نحن نواجّه شيئا ً غريبا ً‪ ،‬فاألعيان ّ‬
‫بال حدودها وبال أنّ تستوجب ال ّتكثر والكثرة وال ّتأليف وهذه ال ّتفاصيل بال هذه األمور‬
‫تطلب ظهورها بأشياء_باالسماء_ هذه األشياء(االسماء) أيضا ً ليست موجودة بحدودها‬
‫الحق تبارك وتعالى بل موجودة بال حدودها وبال ماهيتها‪ ،‬فما هو هذا عالم ال ّتوحيد‬ ‫ّ‬ ‫في‬
‫حبيبي؟ عالم التوحيد بال انتهاء‪.‬‬

‫عجز الصفات عن ادراك عالم التوحيد‪:‬‬


‫وال نعرف عن ُه أيّ شيء؛ ألنّ المعرفة معناها العلم‪ ،‬والعلم‪ :‬صفة‪ .‬وال مجال‬
‫الذات وال لما يجري في ّ‬
‫الذات ال مجال له ّإال بالعلم والعلم فاني عاجز‪ ،‬لماذا‬ ‫لمعرفة ّ‬
‫نعطل العقل بل نقبل العقل‪ ،‬ولكن العقل له ح ٌّد مثل هذا القش الّذي‬ ‫ّ‬ ‫عاجز؟ نحن ال‬
‫تتحكم قابليته به‪ ،‬فمثالً؛ البطل الفالني الذي يستطيع أن يرمي وزنا‪ ،‬أوثقالً حديد ّيا ً إلى‬
‫عشرين مترا‪ ،‬أو خمسين مترا‪ ،‬أو مائة متر هل يستطيع أن يرمي هذا القش لهذه‬
‫المسافات البعيدة ؟الجواب‪ :‬اليستطيع؛ ألنّ هذا القش ما يتحمّل وتعلّق القدرة‪ ،‬عدم‬
‫شيء بهذا العمل ناشئ من عدم ظرفيته وناشئ من عدم تم ّكن هذا‬ ‫تعلّق القدرة بهذا ال ّ‬
‫شيء(القش)‪ ،‬يعني‪ :‬ناشئ من شاكلته وقابليته لذا اليتمكن العلم من ادراك الذات‬ ‫ال ّ‬
‫األحدية ‪.‬‬

‫انتفاء العلم في ال ّذات األحد ّية‪:‬‬


‫إذن بال ّنسبة إلى قصّة األعيان‪ ،‬فنحن عندنا ثالثة أشياء‪ّ :‬‬
‫الذات اإللهيّة‪ ،‬األسماء‬
‫الطريق يمر بالعلم‪،‬‬‫الثابتة‪ ،‬و النعرف عنهم أيّ شيء لماذا؟ ألنّ ّ‬ ‫اإللهيّة‪ ،‬األعيان ّ‬
‫والعلم ال يستطيع أن يدخل هناك‪ ،‬واذا نريد أن نذكر مثال لعجز العلم مثاال من الواقع‬
‫نمثل له بالبراكين ‪:‬إذ توجد جبال في العالم تخرج منها ال ّنار تخرج منها البراكين‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وهذا البركان يثور ويصعد ونحن نريد نعرف ما موجود بداخله؟ وماهي القصّة؟‬
‫وطبيعة هذه القصص الموجودة فيه كيف تكون ؟ كيف نستطيع أن نعرف؟ فنحن إذا‬
‫نقترب منه نموت‪ ،‬وأيّ جهاز نرسل بداخله يحوّ له إلى رماد‪ ،‬فال نستطيع أن نعرف ما‬
‫بداخله؟‪.‬‬
‫شمس من‬ ‫شمس فال نستطيع أن نعرف ما يجري داخل كرة ال ّ‬ ‫ومن األمثلة أيضا ‪:‬ال ّ‬
‫تفاعالت وقضايا و نقترب منها بالسّفن الفضائيّة لنعرف ما يجري ولكن هذا االقتراب‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫له حد وإذا اقتربنا أكثر‪ ،‬فك ّل السّفينة وك ّل من فيها يتحوّ ل إلى رماد حبيبي! والعلم‬
‫هكذا ‪ .‬العلم ما يستطيع أن يقترب إلى ما فوقه‪ ،‬فهذا العالم‪ :‬عالم ّ‬
‫الذات االلهيّة‪ .‬عالم‬
‫ال ّتوحيد فوق عالم الصفات والعلم من الصفات إذن فوق العلم‪.‬‬

‫الدخول لألحدية يقتضي المسانخة معها ‪:‬‬


‫ومن هنا أوّ ل شيء يجب أن تضع ح ّدك على األرض تضعه إلى جانب‪ ،‬وتضع‬
‫ماهيتك إلى جانب ‪ .‬وإذا تريد تضع ماهيتك‪ ،‬وحقيقتك‪ ،‬وحدودك إلى جانب‪ ،‬فما يبقى‬
‫ّإال "هللا" وهذا الّذي تشير إليه اآلن هذه حدودك وإذا وصلت إلى مرتبة ال يمكن‬
‫اإلشارة إليك؛ ألنّ اإلشارة تحديد إذن خالص العلم يخرج عن الموضوع ألنه غير‬
‫موجود في ذاك العالم لذا مادام غير موجود ال يمكن تحقيق المعرفة بصفة العلم‪.‬‬

‫رابعاا‪ :‬معنى كمون األعيان ال ّثابتة في ال ّذات األحد ّية‪:‬‬


‫واآلن ننتقل إلى مسألة أخرى وهي ‪ :‬هل هذا الكمون الّذي يقال عنه‪ ،‬كمون‬
‫الحق‪ .‬هل معناه أ ّنها مثالً موجودة بالقوّ ة؟ هل‬
‫ّ‬ ‫األعيان‪ ،‬وأن األعيان ّ‬
‫الثابتة كامنة في‬
‫يمكن ال ّتعبير عنها بالهيولى؟ الهيولى مثل‪ :‬القابلية‪ .‬هل يمكن القول ان االعيان كامنة‬
‫يعني تمتلك القابلية فقط تمتلك االستعداد فقط أم إن كمون األعيان له معنى آخر؟‬
‫شجرة ممكن اآلالف من‬ ‫مثالً‪ :‬هذه البذرة كامن فيها بطيخ‪ ،‬أو شجرة وفي هذه ال ّ‬
‫شيء موجود في بذرة صغيرة‪.‬‬ ‫الجوز‪ ،‬أو لوز‪ ،‬أو أيّ شيء‪ ،‬فك ّل هذا ال ّ‬
‫شجرة؟ فهل تستطيع أن تقول ان هذه‬ ‫ومن هنا إذا يقال من أين جاءت هذه ال ّ‬
‫الشجرة ليست من هذه البذرة؟ ال‪ .‬فمن دون البذرة ما يمكن أن تكون هذه الشجرة‬
‫ّ‬
‫وإال لصدر ك ّل شي ٍء عن ك ِّل شيء‪.‬‬

‫قانون المسانخة‪:‬‬
‫شجرة من هذه البذرة وإ ّنما صدرت عن ال ّتراب‪ ،‬إذن ماهي‬ ‫إذا لم تصدر هذه ال ّ‬
‫المشكلة في إن تخرج من ال ّتراب؟ المشكلة إنه ال توجد سنخية بين التراب وهذه‬
‫الشجرة فهل يمكن ان يخرج الحديد‪ ،‬أو األعمدة الحديدية من التراب؟ اليمكن أيضا؛‬
‫ألنه ال توجد سنخيّة بين التراب وأعمدة الحديد ويجب أن توجد السّنخيّة بينهما‪ .‬واال‬
‫لصدر كل شيء عن كل شيء‪.‬‬

‫معنى الهيولى عند الفالسفة‪:‬‬


‫إذن في الفلسفة سواء المشائيّة‪ ،‬أواإلشراقيّة‪ ،‬أوالحكمة المتعاليّة يثبتون وجوداً‬
‫باسم الهيولى‪ .‬الهيولى يعني‪ :‬االستعداد_ ال تخافوا من الهيولى يعني شيئا ً مخيفا ً ال_‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫شيء الّذي هنا فيه استعداد مثال‪ :‬هذا الماء فيه‬ ‫الهيولى يعني‪ :‬االستعداد‪ .‬أي أن هذا ال ّ‬
‫استعداد باإلضافة إلى هذه الصّورة الّتي نشاهدها له فيه استعداد ألن تجعل فيه مثالً‪:‬‬
‫عشب‪ ،‬أو وردة وتبدأ هذه الوردة بال ّنشاط والوردة تتغذى من هذا الماء‪ ،‬وبعد فترة إذا‬
‫كان الماء جيّداً وما فيه غش بال ّتدريج تنمو الوردة إذن االستعداد وجود ولكن أسفل‬
‫الموجودات؛ ألنّ ما يبان‪ .‬هذا االستعداد يبان؟ ما يبان‪ ،‬فبين اآلالف من البذور‬
‫التي أمامك مثال فانت التعرف أي بذرة لديها (االستعداد)؛ ألنه البد من تحقق شرائط‬
‫خاصة وفي مناخات و أجواء خاصة يجب أن تتوفر‪ ،‬فتخرج من هذه البذرة مثالً‬
‫األشجار‪ ،‬أو النباتات‪ ،‬أو أشياء أخرى‪.‬‬
‫شجرة كامنة فيها‪.‬‬ ‫شجرة‪ .‬تعني‪ :‬هذه ال ّ‬ ‫هذه القابلية يعني‪ :‬تبديل هذه البذرة إلى ال ّ‬
‫كامنة في هذه البذرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الحق؟ كامنة باللّسان‪ .‬باللّغة يمكن‬
‫ِّ‬ ‫فهل يمكن القول بأنّ األعيان ّ‬
‫الثابتة كامنة في‬
‫لكن بالحقيقة ال يمكن أن نصفها بأيّ صفة؛ أل ّنها في عالم ال ّتوحيد‪ .‬نثبت أ ّن ُه موجود‬
‫هيولى‪ ،‬موجود من الهيولى (استعداد)‪.‬‬
‫االستعداد جوهر يعني‪ :‬يقسمون الجواهر إلى خمسة‪ :‬هيولى‪ ،‬وصّورة‪ ،‬وجسم‪،‬‬
‫ونفس‪ ،‬وعقل‪ .‬والجوهر ماهي ماهيّته؟ الجوهر ماهية إذا وجد و جد ال في موضوع‪،‬‬
‫و العرض ماهيّة إذا وجد وجد في موضوع‪ .‬يعني ‪:‬الجوهر إذا وجد وجد بصورة‬
‫نافذة وما يحتاج لشيء ألجل أن يوجد فيه بخالف العرض ّإال أنّ الهيولى في ظهورها‬
‫دائما ً تكون مع الصّورة‪.‬‬

‫اليمكن وصف األعيان الثابتة بالهيولى‪:‬‬


‫الحق تبارك وتعالى‬ ‫ِّ‬ ‫الثابتة الموجودة في‬ ‫هل يمكن وصف األعيان ّ‬
‫بالهيولى(االستعداد)؟ ال؛ أل ّننا إذا نصفها باالستعداد‪ ،‬و القابلية معناه ح ّددناها وتحديد‬
‫الحق تبارك وتعالى بالتالي نخرج عن الموضوع ونكون خارج‬ ‫ّ‬ ‫األعيان يساوق تحديد‬
‫‪2‬‬
‫الحديث عن الذات االحدية‪.‬‬
‫الذات اإللهيّة‪ ،‬وشؤونها‪ :‬من األسماء‪ ،‬والصّفات‪ ،‬واألعيان مخفية‬ ‫إذن حقيقة عالم ّ‬
‫عندنا وال يمكن االطالع عليها؛ أل ّننا غير قادرين على فهمها؛ ألنّ الفهم ال مجال له‬

‫‪ 1‬يعين ‪:‬من أجل تقريب املعىن نلجأ للسان وللغة لنقرب املعىن واال حقيقة االعيان حمكومة باحكام الذات االحدية يف ذاك‬
‫العامل الذي اليوصف بوصف والحيد حبد اال بقيد االحدية‪.‬‬
‫‪ 2‬فضال عن إن حماضرات األحدية قد بينت إن عامل األحدية عامل الفعلية واالشتداد الوجودي وال ميكن تصور االعيان‬
‫بشكل االستعداد فقط ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫ي مجال؛ ألنّ الفهم ح ٌّد‪،‬‬ ‫هناك‪ ،‬بعبارة أخرى‪ :‬هناك في عالم الذات األحدية ليس للفهم أ ّ‬
‫ط ًوى))‬ ‫س ُ‬ ‫ك ِب ْال َوا ِد ْال ُم َق َّد ِ‬ ‫ك ۖ إِ َّن َ‬ ‫وأوّ ل شيء يجب أن تخلع حدك قال تعالى(( َف ْ‬
‫اخلَعْ َنعْ لَ ْي َ‬
‫(سورة طه‪ ،)١٢ :‬فال ّنعل يعني‪ :‬الحدود‪ .‬الحدود ال ّنفسيّة‪.‬‬

‫عدم فهم مسألة حقيقة األعيان الثابتة وكيفية ظهورها تسبب في انكار مسألة وحدة‬
‫الوجود‪:‬‬
‫مسألة فهم حقيقة األعيان ّ‬
‫الثابتة وكيفيّة ظهورها ؟وماهيّة ظهورها في نهاية‬
‫الغرابة‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ألنّ العقل ال يستطيع أن يصل إليها وهذا هو السّبب في إنكار مسالة وحدة‬
‫الوجود‪ ،‬فما يفهمون هذه الحقيقة ‪ ،‬والما ّدة فيها غموض‪ ،‬وهم يريدون أن يفهموا‬
‫لكن عندما ما يفهمون ينكرون‪.‬‬

‫ليس كل مالم يفهم ينكر‪:‬‬


‫المسألة التي يجب االلتفات إليها أ ّن ُه الشي ٍء الذي ال نفهمه ال نستطيع إنكاره‪ ،‬أبو‬
‫علي ابن سينا يقول‪ :‬ك ّل ما تحتمل شيء فذرْ ه في بوتقة اإلمكان ّإال أن يأتي دليل على‬
‫ِّ‬
‫الحق تبارك وتعالى‪،‬‬ ‫نفيه‪ ،1‬فهذا العارف المسكين يقول‪ :‬ك ّل الموجودات فانية في‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫الحق ال بحدودها‪ .‬ال بماهيّاتها‪ .‬ولكن وجودها‪ ،‬فهي موجودة في‬ ‫ِّ‬ ‫وموجودة في‬
‫بال ماهيّات وبال إ ّنيّات‪ .‬موجودة هناك وال يمكن وصفها بوصف البساطة وعدم‬
‫ال ّتركيب‪ ،‬واليمكن ح ّتى وصفها باإلطالق‪ ،‬اليمكن وصفها بالبساطة؛ أل ّنه ح ٌّد أيضا ً إذ‬
‫ال يمكن اإلشارة إليها بأيّ نحو من أنحاء اإلشارة الحسيّة‪ ،‬أو اإلشارة الوهميّة‪ ،‬أو‬
‫اإلشارة العقليّة‪ ،‬فاإلشارة العقليّة بالحدود وال يوجد حدود‪ ،‬فال يمكن وصفها‪.‬‬
‫العارف يقول‪ :‬اآليات والرّوايات قائمة عل ان هذه الموجودات متجهة للحق قال‬
‫تعالى ((إِ َّنا ِ َّ ِ‬
‫هلل َوإِ َّنا إِلَ ْي ِه َرا ِجع َ‬
‫ُون))(البقرة‪ )١٥٦ :‬أي‪ :‬كلنا نمشي ‪.‬‬
‫يعني‪ :‬من أين جئنا؟ وهذه الموجودات من أين جاءت؟ من عالم ال ّتوحيد‬
‫جاءت‪.‬‬
‫وهذه الموجودات ترجع إليه م ّرة أخرى‪ ،‬فكيف جاءت؟ وكيف ترجع؟ هذا شيء‬
‫ليس بالسّهولة يعطيك معرفته ؟‬
‫نحن جئنا في هذه ال ّدنيا وممكن معرفتنا تستغرق اآلالف من السّنين إذ يطول في‬
‫هذه ال ّدنيا‪ ،‬وفي البرزخ‪ ،‬وفي القيامة‪ ،‬وفي الج ّنة ح ّتى هللا تبارك وتعالى يكشف لنا‬

‫ان ما َمل ي ُذ ْد َك عْنه قَائِم الب ره ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِمن الغَرائِ ِ‬
‫ب فَ َذ ْرهُ ِيف بُ ْق َعة اإلم َك َ ْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ان‪)).‬‬ ‫َ ُ ُ ُْ َ‬ ‫ع َسَْ َع َ َ َ‬
‫(( ُك ُّل َما قَ َر َ‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫عن هذه الحقيقة‪.‬‬


‫فهذ الحقيقة ليست مسألة صناعة الصّواريخ مثال ح ّتى نأخذ من هنا وهنا أو‬
‫باإلنترنت نحصل على شيء من المعلومات أو نخترق موقع ما وكذا ح ّتى نحصل‬
‫على المعلومات‪ ،‬بل هذه حقيقة وشيء ها ّم وهي حقيقة العالم‪ :‬كيفيّة رجوع‬
‫الحق وهي ليس شيئا ً بتلك البساطة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الموجودات للحق‪ ،‬وكيفيّة نزول الموجودات من‬

‫غلبة األنانية وانكار غير المعروف‪:‬‬


‫ال ّناس متعودون بسبب غلبة ال ّنفسانيّة واألنانيّة يقول‪ :‬الحم ُد هلل أيّ شيء يمكن‬
‫معرفته أعرفه‪ ،‬فإذا ال أعرف‪ ،‬فمعناه أنه ليس موجوداً؛ ألنّ القرار‪ :‬إ ّنه أنا أعرف ك ّل‬
‫وإال كنت عرفته مثالً يقال‪ :‬للسّلطان‬ ‫شيء الّذي لم أعرفه ليس موجوداً ّ‬ ‫شيء وال ّ‬
‫الفالني يا سلطان‪ :‬يوجد في العالم طائر يكون كذا‪..‬وكذا‪..‬وكذا يقول ال ليس موجوداً‬
‫شرق والغرب إذن ليس موجوداً‪ ،‬في ّتكل على‬ ‫لو كان موجوداً لحصّلته؛ ألني سلطان ال ّ‬
‫سلطنته‪ ،‬وقدرته‪ ،‬ومشيئته‪.‬‬
‫شيء الذي لم تتعلّق به قدرتي‪ ،‬فهو غير موجود‪ ،‬والعلم نفس‬ ‫مفاد كالمه ‪ :‬إن ال ّ‬
‫شيء فـ(( ال َّناسُ أَعْ َدا ُء َما َج ِهلُوا)) ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫شيء الّذي ال يفهمه بعد هذا اإلنسان‬ ‫عندما يكون اإلنسان بهذا المستوى ينكر ال ّ‬
‫مثال‪ :‬يأتي إلى مسألة ال ّتوحيد يقولون‪ :‬مستحيل وجود مسألة وحدة الوجود وكيف توجد‬
‫وحدة الوجود؟ حبيبي‪ :‬هذه الكتب الّتي كتبوها حول الموضوع هذه وحدة الوجود‬
‫وكذا‪ .‬يقولون‪ :‬خرافات‪ ،‬فهؤالء المساكين جماعة من الحمقاء‪ .‬جماعة من البسطاء ما‬
‫عندهم عمل جلسوا يتكلّمون وكذا‬
‫ويقولون‪ :‬مايمكن أصالً هكذا يكون التوحيد‪.‬‬
‫الفاهمين منهم يتوقفون يقولون‪ :‬النعرف‪ ،‬النتع ّقل وهذا ما نشاهده من المرحوم ال َّسيِّد‬
‫شهيد الصّدر (ق ّدس س ّره) في شرح بحوث العروة‬ ‫الخوئي (ق ّدس س ّره) وال َّسيِّد ال ّ‬
‫الوثقى‪ ،‬ففي بحوث في شرح العروة الوثقى عندما يصل إلى مسألة المرت ّد‪ .‬ومنْ‬
‫المرت ّد؟ ومنْ غير مرت ّد وفالن؟ يتكلّمون عن مسألة وحدة الوجود ال َّسيِّد الخوئي (ق ّدس‬
‫شيء أنا ما أتعقّل‪ .‬حبيبي‪ .‬هم أيضا ً يقولون‪ :‬هذا ال يمكن تعقّله‪،‬‬ ‫س ّره ) يقول هذا ال ّ‬
‫ت واحداً من العرفاء يقول يمكن تعقّله‪.‬‬ ‫الك ّل يقولون‪ :‬ك ّل العرفاء ها ِ‬
‫هم يقولون‪ :‬ال يمكن تعقّله؛ ألنّ العقل هنا ال يستطيع أن يدخل‪ ،‬فالعقل ح ٌّد‪ ،‬العاقل‬
‫يريد يفهم هذا المعنى‪ ،‬بماذا يريد يفهم؟ بعقله؟ العقل صفة‪ ،‬والصّفة ح ٌّد‪ ،‬فال يمكن إذن‬
‫أنت ما أبديت شيئا ً جديداً‪ ،‬الكالم هم يقولون‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫خامسا‪ :‬ال تفهم حقيقة األعيان ال ّثابتة في ال ّذات األحد ّية ّإال بالفناء الكلّ ّي‪:‬‬
‫الطريق الوحيد هو الوصول إلى عالم الفناء الكلّيّ إذا هللا تبارك وتعالى َمنّ علينا‬ ‫ّ‬
‫وأوصلنا إلى هناك نفهم هذا المعنى ولكن فهمنا في طول وجودنا هناك‪ .‬ال أ ّنه دخلنا‬
‫الذات‪ ،‬فهذا الكالم الّذي قاله ديكارت‪:‬‬ ‫ففهمنا‪ .‬ال الفهم‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والعلم في طول ّ‬
‫(من فکر میکنم پس هستم)‬
‫أنا أفكر إذن أنا موجود‪.‬‬
‫الك ّل ردوا عليه؛ ألنّ ال ّدليل على وجودك ليس هو العلم بل وجودك دليل على‬
‫العلم على علمك (من فکر میکنم پس هستم ) أنا أفكر إذن أنا موجود هذا غلط؛ ألنّ‬
‫في أنا أفكر أنت تشير إلى ماذا؟ أنت تشير إلى ماذا؟ في المرحلة السّابقة من علمك‪،‬‬
‫يجب أن تأخذ نفسك في المرتبة السّابقة من العلم مفروضا ً ومحقّقا ً‪ ،‬فتشير إلى نفسك‪،‬‬
‫فأنت قبل علمك موجود‪ ،‬بعد ذلك تريد تثبت وجودك بالعلم هذا مستحيل النه يلزم‬
‫صة معروفة أنا أفكر إذن أنا موجود‪.‬‬ ‫الدور وهذه الق ّ‬
‫بعض األشخاص أيضا ً بالغرب من أوروبا واحدة راقصة قالت‪ :‬أنا أرقص فأنا‬
‫كالً حسب حاله‪.‬‬ ‫موجودة‪ ،‬أو أنا احتال فأنا موجود ّ‬

‫سره) في ال ّتصدي الدّعاء فهم مسألة وحدة الوجود‬ ‫شيخ البهائي (قدّ س ّ‬ ‫صة ال ّ‬‫ق ّ‬
‫بالعقل المجرد‪:‬‬
‫شيخ البهائي (ق ّدس س ّره) كان أحد العلماء من اصفهان يعارضه في‬ ‫في زمن ال ّ‬
‫شيخ البهائي (ق ّدس‬ ‫شيخ البهائي (ق ّدس س ّره) ال ّ‬ ‫مسألة وحدة الوجود‪ ،‬فكان يتكلّم مع ال ّ‬
‫س ّره) يقول‪ :‬هكذا مثالً يأتي بال ّدالئل فنحن بال ّدليل الفلسفيّ يمكننا إجماالً إثبات إنّ ك َّل‬
‫الموجودات فانية في هللا أمّا حقيقتها ال نستطيع نعرفها‪ .‬نحن ال نقول ما عندنا أدلة‬
‫عندنا أدلة فلسفيّة قويّة ج ّداً على وحدة الوجود إذ نثبته إجماالً أمّا تفصيالً النعرف‬
‫شيخ البهائي (ق ّدس س ّره)‪.‬‬ ‫شيئا‪ .‬فهذا العالم لفترة من ال ّزمن كان يناقش ال ّ‬
‫يدق على‬ ‫يوم من األيام صباحا ً رأيت أحد ّ‬ ‫شيخ البهائي (ق ّدس س ّره) قال‪ :‬في ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫شيخ الفالني جاء‪.‬‬ ‫بابي في اصفهان‪ ،‬فتحوا الباب ورأوا الطارق فقالوا‪ :‬ال ّ‬
‫قال الشيخ البهائي ‪:‬أهالً وسهالً_بعد الترحيب_ سأله الشيخ البهائي‪ :‬ماذا صار حبيبي؟‬
‫قال العالم‪ :‬باللّيل البارحة فكرت في الموضوع‪ ،‬فمنتصف اللّيل عرفت مسألة وحدة‬
‫الوجود وان كالم الفالسفة اإللهيّين وكالم العرفاء مضبوط ج ّداً ‪.‬‬
‫شيخ البهائي (ق ّدس س ّره) قال‪ :‬كيف حبيبي في دقيقة واحدة حصل لك العلم‬ ‫ضحك ال ّ‬
‫الطريق ثالثين سنة‪ ،‬أو أربعين سنة‪ ،‬أو خمسين سنة يبكون‬ ‫بهذا المعنى مع أنّ أهل ّ‬
‫يتض ّرعون‪ ،‬وألف رياضة‪ ،‬وألف مشكلة وألف يتحمّلون ح ّتى هللا يعطيهم أوال يعطيهم‬
‫بل يعطي للقليل منهم‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫ً‬
‫شريعة لك ِّل وار ٍد ّإال أن يتلوه واحد بعد واحدٍ‪ ،‬فكيف أنت‬ ‫تعالى هللا أنّ يكون‬
‫البارحة باللّيل وفي منتصف اللّيل انكشف لك هذا‪ .‬ال حبيبي‪ :‬ذاك الوقت الّذي كنت‬
‫تنكر هذا المعنى ماكنت تفهم ماذا تنكر؟‬
‫اآلن الّذي أنت تثبت أيضا ً ما تفهم ماذا تثبت؟ ال إنكارك له قيمة‪ ،‬وال إثباتك له قيمة‪.‬‬

‫الوصول إلى الفناء الك ّل ّي هو فضل ٌ من هللا تعالى‪:‬‬


‫فالوصول إلى حقيقة هذا المعنى‪ ،‬وانكشاف كيفيّة تح ّقق األشياء‪ .‬وكيفيّة صدور‬
‫ّ‬
‫الحق وهذا الفناء ليس بيدنا‪،‬‬ ‫الحق‪ ،‬من ّ‬
‫الذات اإللهيّة‪ .‬ال يتم ّإال بالفناء في‬ ‫ّ‬ ‫األشياء من‬
‫ّ‬
‫بالطلب‪ .‬بالبكاء‪ ،‬آخر شيء بيد‬ ‫أنت تبكي‪ .‬تتضرع ‪.‬تقوم بأذكار‪ .‬بأوراد‪ .‬برياضات‪.‬‬
‫هللا‪.‬‬

‫سره) إلى الفناء الكلّ ّي‬


‫س َّيد القاضي (ق ّدس ّ‬ ‫صة وصول ال َّ‬‫ق ّ‬
‫الطهراني (ق ّدس س ّره) حكاية عن ال َّسيَّد القاضي (ق ّدس س ّره)‬ ‫نقل سيِّدنا األستاذ ّ‬
‫ال َّسيَّد القاضي (ق ّدس سرّ ه) كان يمشي كثيراً إلى مسجد السّهلة إذ كان يعتكف فيه‬
‫للوصول إلى هذا المعنى‪ .‬للوصول إلى الفناء‪ ،‬وشهود الفناء‪ ،‬وفي ليل ٍة من اللّيالي‬
‫والطريق تعرفون من مسجد‬ ‫ّ‬ ‫خرج من مسجد السّهلة قاصداً الرّجوع إلى ال ّنجف‪،‬‬
‫السّهلة للنجف طويل نوعا ما ولم يكنْ وقتئ ٍذ سيّارة وكذا والوقت كان في منتصف‬
‫الطريق‬ ‫اللّيل إذا تتحرّك بعد ثالث ساعات مثالً تصل إلى ال ّنجف‪ ،‬وفي اطراف ّ‬
‫شارع أو‬ ‫حفروا حفر كبيرة ليس بئراً يعني أمكنة كبيرة لكي يضبطون مثالً جادة ال ّ‬
‫شيء فحفروا‪ ،‬وفي نفس الوقت في هذه اللّيلة المظلمة جاءت عاصفة كبيرة‪ ،‬فال َّسيِّد‬
‫رأى من بعيد موجودا كبيرا رأى حيوانا كبيرا‪ .‬كبيرا ج ّداً بدأ يمشي نحوه يعني‪ :‬بهذه‬
‫العاصفة كأ ّنه ليس معروفا ً هناك ذئاب أو أسد فال يوجد شيء من هذه الحيوانات‬
‫انذاك‪ ،‬فتعجب ال َّسيِّد من هذا الحيوان الكبير رأى الحيوان بدأ يركض نحوه وفي هذا‬
‫الوقت هذه العاصفة أخذت ال َّسيِّد ورمت ُه‪ ،‬وقذفت ُه بداخل أحد هذه الحفر‪ ،‬فوقع بداخل‬
‫الحفرة‪ .‬الحظوا اللّيلة المظلمة‪ ،‬والمخيفة‪ ،‬والعاصفة يعني‪ :‬اجتمع ك ّل شيء‪ ،‬وال َّسيِّد‬
‫تضرع يعني‪ :‬أكيد حالته حالة ال ّتضرع وقتئ ِذ عندما وقع بداخل هذه الحفرة ال َّسيِّد‬
‫(ق ّدس س ّره) كان يقول‪ :‬حضر عنده اإلمام الحجّة (عليه السّالم) ببدنه ال بالمكاشفة‪،‬‬
‫وبقي ال َّسيِّد‬
‫َ‬ ‫ضر ببدنه المق ّدس وأدخل ُه في عالم الفناء الكلّيّ ‪ ،‬أدخله في عالم الفناء‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫في هذه الحفرة ح ّتى الصّباح وبالصّباح جاء الشيخ جواد السّهالنيّ _ وأنا رأيت شيخ‬
‫جواد السّهالنيّ قبل خمسة عشر في سنة في سوريا في دمشق‪ -‬ما أدري‪ -‬ممكن قبل‬
‫عشرة سنوات توفّى أو بهذه الحدود تقريبا ً عمره كان كبيراً؛ ألنّ عمره كان مائة‬
‫سنة_ وأخذ بيد ال َّسيِّد وأخرجه من الحفرة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫الذات األحد ّية‪:‬‬ ‫سادسا‪ :‬األعيان ال ّثابتة هي شؤون إله ّية في ّ‬


‫الوصول إلى ال ّتوحيد وال ّتعرف على كيفيّة نزول الموجودات وكيفيّة تحقّق‬
‫الموجودات النعرف عنه شيئا‪.‬‬
‫الرحمن‪)٢٩:‬فهذه الموجودات‪ ،‬هذه األعيان‬ ‫ٰ‬ ‫قال تعالى (( ُك َّل َي ْو ٍم ه َُو فِي َشأْ ٍن)) (‬
‫الثابتة شؤون إلهيّة النعرف عنها شيئا وقوله تعالى(( ُك َّل َي ْو ٍم ه َُو فِي َشأْ ٍن )) يعني‪ :‬له‬ ‫ّ‬
‫تجلّيات بداخلها‪.‬‬
‫شمس ألف قضية بل مليار من القصص والنعرف عنها أيّ شيء ّإال‬ ‫اآلن بداخل ال ّ‬
‫شمس‪ ،‬فنعرف‪.‬‬ ‫أنّ نصبح شمسا ً‪ ،‬فنتعرف على داخلنا‪ ،‬أو نكون بداخل ال ّ‬

‫سالك ال ّتج ّليات اإلله ّية بعد المراقبة والدّعاء‪:‬‬


‫تتجلّى على ال ّ‬
‫إذن نحن مثل هذا اإلناء بالرّياضة‪ .‬بالمراقبة‪ .‬بال ّدعاء‪ .‬بك ِّل شيء نهيّأ هذا اإلناء‬
‫لصب الماء فيه‪ .‬السؤال منْ يصب في االناء؟ ليس أنا‪ .‬اإلناء ال يستطيع هو يضبط ‪،‬‬
‫ويطلب نعم لكن هللا تبارك وتعالى وبيد أوليائه يت ّم هذا المعنى يتم الصب في االناء‪.‬‬
‫إذن األفضل لهؤالء الّذين يضحكون على العرفاء أن يضبطوا هذا الجانب ب ّدل‬
‫أن يقولوا_ أعوذ باهلل_ مثالً ال َّسيِّد الح ّداد ( ق ّدس س ّره) كان د ّجاالً إذ أحد أستاذتنا‬
‫وصف ال َّسيِّد الح ّداد ( ق ّدس س ّره) د ّجاالً لماذا؟ أل ّنه نقل عنه أ ّنه كان بال ّسيّارة يريد‬
‫يشير إلى نفسه لم يستطيع أن يشير إلى نفسه إذن هو د ّجال!! ما هذا الفهم ؟ حبيبي‪.‬‬
‫كيف ال ّناس يقلدونك وأنت بهذا المستوى مستوى ج ّداً منخفض كيف يمكن االعتماد‬
‫على فتواكم كيف هذا شيء صعب؟‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬ا ّتصاف األعيان ال ّثابتة بأوصاف وأحكام العالم الّذي ُّ‬
‫تمر به‬
‫الثابتة تطلب‪ ،‬وتدعو للخروج من الكمون والخفاء إلى‬ ‫حاصل الكالم إنّ األعيان ّ‬
‫الظهور واإلظهار باألسماء؛ ألنّ الّذي تخرجها هي األسماء‪ ،‬فلذا يطلبون اال ّتصاف‬ ‫ّ‬
‫باألسماء‪ ،‬ويطلبون ال ّتوسع في هذه األجزاء‪ .‬في ك ِّل هذه المراحل‪.‬‬
‫ال ّنزول من عالم ال ّتوحيد عن طريق األسماء‪ ،‬وفي ك ّل عالم هذه العين‪ ،‬أو هذه‬
‫األعيان تمر وت ّتحد مع العالم الّذي تدخل فيه‪ ،‬و ت ّتصف بأحكام‪ ،‬و أوصاف هذا العالم‪،‬‬
‫فعندما تنزل إلى عالم المثال في السّير ال ّنزوليّ تتحد مع المثال ال ّنزوليّ ‪ ،‬وعندما تأتي‬
‫شيء ألجل‬ ‫إلى هذا العالم عالم الما ّدة يجب أن تصبح ما ّدي ًّة؛ أل ّنها ال تأتي ألجل هذا ال ّ‬
‫عالم ت ّتحد مع ذاك العالم ح ّتى تتعرّف على‬ ‫ٍ‬ ‫أن تكون مادية بل هذه األعيان في ك ّل‬
‫العالم‪ ،‬وإذا ما ت ّتحد مع هذا العالم و لم ت ّتصف بأوصاف هذا العالم ولم ت ّتصف بأحكام‬
‫هذا العالم كيف تستطيع تعرف هذا العالم؟ اال ّتصاف بأوصاف العالم ال يت ّم ّإال باال ّتحاد‬
‫مع هذا العالم ومن هنا هذا الجوهر الق ّدسيّ ال ّنازل من فوق‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫ك م َِن ال َم َح ِّل األَرْ َف ِع‬ ‫َه َب َط ْ‬


‫ت إِلَ ْي َ‬
‫رج َو َت َب ِ‬
‫رقع‬ ‫ات َت َب ٍ‬‫َورْ َقا ُء َذ ُ‬
‫شيخ الرّئيس ابن سينا‪.‬‬ ‫هذه القصيدة العيّنيّة لل ّ‬
‫ابن سينا على الرّغم من أ ّنه رئيس المشائين وليس اشراق ّيا ً ّإال أنّ هذه القصيدة ت ّدل‬
‫على أ ّنه أصبح اشراق ّيا ً؛ أل ّنه يعتقد بأنّ الرّوح موجودة قبل البدن ال أنّ الرّوح تتحقّق‬
‫من خالل البدن‪.‬‬

‫زولي لألعيان ال ّثابتة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫سير ال ّن‬


‫إنكار المشائين ال ّ‬
‫المشاؤون ما يقبلون السّير ال ّنزوليّ ويقبلون السّير الصّعوديّ إجماالً ولكن السّير‬
‫هللا ُ أَ ْخ َر َج ُكم‬ ‫ال ّنزوليّ ما يقبلونه‪ ،‬ويعتمد المشاؤون اإلسالميون على بعض اآليات‪َ (( :‬و َّ‬
‫ار َو ْاألَ ْف ِئ َد َة ۙ لَ َعلَّ ُك ْم‬ ‫ص َ‬‫ُون َش ْي ًئا َو َج َع َل لَ ُك ُم ال َّسم َْع َو ْاألَ ْب َ‬ ‫ون أ ُ َّم َها ِت ُك ْم َال َتعْ لَم َ‬
‫ُط ِ‬ ‫مِّن ب ُ‬
‫ُون)) (النحل‪ )٧٨ :‬يعني أنتم عندما خرجتم ودخلتم في هذا العالم ماكنتم تعلمون‬ ‫َت ْش ُكر َ‬
‫و ما كان عندكم علم وال كذا إذن يعني‪ :‬أنتم لم تكونوا موجودين ولو كانوا موجودين‬
‫حتما ً كان عندهم علم ويستندون بهذه االية الشريفة‪.‬‬
‫عالم‬ ‫الثابتة تقول‪ :‬كل موجو ٍد في أيّ‬ ‫ولكن هذا غلط يعني‪ :‬ألنّ القاعدة الفلسفيّة ّ‬
‫ٍ‬
‫ي ّتحد مع هذا الموجود ( ال يعرفُ شيء َشيئا ً ّإال ِب َما من ُه فِيهِ) يجب أن تكون سنخيّة‬
‫ح ّتى تعرف أي لمعرفة هذا الشيء يجب أن تصبح هذا الشيء فتتعرف عليه فضال‬
‫ان ِبأ َ ْل َفيْ َع ٍام‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن إنّ الرّوايات البالغة ح ّد ال ّتواتر المعنويّ حول َخلَ َق ْاألرْ َوا َح َق ْب َل ْاأل ْب َد ِ‬
‫إلى ما شاء هللا نحن درسناه في بعض تعاليمنا وفي بعض الكتب واآليات أيضا ً كثيرة‬
‫شأن على ك ّل تقدير‪.‬‬ ‫بهذا ال ّ‬
‫شيخ الرّئيس يقول‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ك م َِن ال َم َح ِّل األَرْ َف ِع‬
‫ت إِلَ ْي َ‬‫َه َب َط ْ‬
‫رج َو َت َب ِ‬
‫رقع‬ ‫َورْ َقا ُء َذ ُ‬
‫ات َت َب ٍ‬

‫رقع يعني‪ :‬تختفي‪ ،‬تظهر‪ :‬تختفي ‪.‬هذه مراتب الكون في هذا‬ ‫رج يعني‪ :‬تظهر‪َ ،‬ت َب ِ‬
‫َت َب ٍ‬
‫المرتبة تظهر‪ .‬في تلك المرتبة تختفي‪ .‬هذه القصيدة قصيدة معروفة صحّ حناها له في‬
‫شرح ال ّتلمسانيّ إذ عثرنا عليه وحقّقناه وإن شاء هللا‪ ،‬هللا يمن علينا بطبعه‪ ،‬على ك ِّل‬
‫تقدير‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬ا ّتصاف األعيان ال ّثابتة في عالم الما ّدة بالهيولى‪:‬‬


‫نزلت في السّير ال ّنزوليّ ت ّتصف في عالم الما ّدة‪ :‬أوّ الً‬
‫ْ‬ ‫الثابتة عندما‬‫هذه العين ّ‬
‫بالهيولى ثم بالصّورة والجسم وهكذا تبدأ وتتحرّك‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫السبب في تبدل األمنيات‪:‬‬


‫اآلن نحن ك ّل هذه المطالب كانت توطئة وتمهيد و مق ّدمة لبيان لماذا أمنياتنا‬
‫تتحوّ ل وتتب ّدل؟ نحن في ك ّل فترة من حياتنا عندنا أمنية‪ ،‬بعد فترة نترك هذه األمنية‬
‫تأتي أمنية جديدة‪.‬‬

‫قصص بعض االمنيات‪:‬‬


‫األولى ‪:‬‬
‫صة ٍ‬ ‫الق ّ‬
‫كنت طفالً صغيراً كنت قبل دخولي للمدرسة وقتئ ٍذ كان قفل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تذكرت عندما‬ ‫اليوم‬
‫باب بيتنا مرتفع وما كانت يدي تصل إلى هذا القفل ألفتح ُه ولكن األوالد اآلخرون‬
‫األكبر م ّني كانوا يفتحونهُ‪ ،‬وكانت أمنيتي الوحيدة وقتئ ٍذ أن تصل يدي إلى هذا القفل‬
‫وأفتحه وكنت أقول كثيرا‪ :‬يا هللا متى أنا أ ْك َب ُر ح ّتى أتم ّكن من هذا‪.‬‬

‫صة ال ّثان ّية ‪:‬‬


‫الق ّ‬
‫الطابق ّ‬
‫الثانيّ وأريد أن أرى ال ّناس بداخل هذا‬ ‫أو كان عندنا شباك وك ّنا نعيش في ّ‬
‫ال ّزقاق فما استطيع الوصول للشباك بسبب ارتفاعه وما كان عندي شيئا استعين به‬
‫على الوصول للشباك وأحيانا ً آتي بالوسادات واجعل ُه فوق بعض وما اتمكن من‬
‫الوصول للشباك وكنت أتف ّكر‪ :‬يا هللا م ّتى أستطيع أنّ أصل للشباك ألرى الناس في‬
‫ْ‬
‫ووصلت يدنا لهذا بألف‬ ‫ً‬
‫حقيقة همّي الوحيد كان هذا‪ ،‬وبعد فترة َكبُرنا‬ ‫االسفل يعني‪:‬‬
‫شيء‪.‬‬

‫بتوسع عالم المادّ ة‪:‬‬‫ّ‬ ‫سع طلبات األعيان ال ّثابتة‬ ‫تتو ّ‬


‫بعد األمنية تروح ويأتي شيء جديد يعني‪ :‬تتحوّ ل من أمنية إلى أمنية‪ ،‬فلماذا هذا‬
‫التحول ؟‬
‫ت ّتوسع األمنيّات و تتغيّر بتوسّع الفكر‪ ،‬بتوسّع الصّفات‪ ،‬بتوسّع اإلدراكات‪ ،‬هذه‬
‫اإلدراكات أيضا ً تتوسّع بسبب توسّع الما ّدة‪.‬‬
‫نمو الما ّدة‪ ،‬فالما ّدة تنمو الفكر بال ّتدريج ينمو ينمو‪ ،‬فتأتي أشياء أخرى‪ ،‬وبعد فترة‬
‫يأتي األكل وبعد فترة يقول يا هللا‪ :‬أنا أريد أن أصبح رئيّسا ً لك ِّل العالم‪.‬‬
‫ً‬
‫طاغية فيأخذه ويقتله‬ ‫الحظوا األطفال واحد طفل يصبح سلطانا ً واآلخر مثالً‬
‫ويضربه‪ ،‬هذه أمنياتنا‪ ،‬بال ّتدريج‪.‬‬
‫األوّ ل هذا الولد الّذي خرج ألوّ ل فترة وأنجبته أمّه هل كان يهوي السّلطنة؟ ما‬
‫كان ما يفهم السّلطنة‪ ،‬وما كان يفهم كيف يركب على رقاب ال ّناس ويضربهم بالسّوط‬
‫ح ّتى يتم ّكن منهم ما كان يعرف ذلك‪ ،‬وما كان يعرف القصور‪ ،‬وما كان يعرف‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫السيارات‪ ،‬وما كان يعرف "مارسيدسات"‪ ،‬وما كان يعرف هذه األمور بال ّتدريج‬
‫يحصل له‪ ،‬وشيء غريب‪.‬‬

‫تحول ال ّطلبات في عالم الما ّدة‬


‫صة ّ‬ ‫ق ّ‬
‫يقولون‪ :‬أحد ال ّرسّامين في الغرب كان خبيراً ج ّداً في ال ّرسم وال ّنقش طلبوا من ُه‬
‫بالطريق‪ ،‬فرسمه‪،‬‬‫ّ‬ ‫أن ينقش ويرسم صورة شخص بريء يعني‪ :‬معصوم فرأى ولداً‬
‫الطفل في نهاية البراءة والعصمة‪ .‬واإلنسان يعني‪ :‬يتعجب ويسمو‬ ‫رسم صورته‪ ،‬وهذا ّ‬
‫في عصمته وفي براءته‪ .‬بعد مضي عشرين سنة قالوا لهذا ال ّنقاش و أصبح "ختياراً"‬
‫قالوا له تعال أرس ْم لنا أسوأ صورة إلنسان رأيته في حياتك‪ ،‬فذهب إلى السّجن ورأى‬
‫المسجونين فانتخب واحداً‪ ،‬فبدأ يرسم صورته وبعده لم ينت ِه منه قالوا هل تعرف منْ‬
‫الطفل الّذي قبل عشرين سنة رسمته كأ ّنه‬ ‫هذا الّذي رسمته؟ أخيراً قال‪ :‬ال‪.‬قالوا‪ :‬تذكر ّ‬
‫بريء إنه هو؟!‬
‫الطفل البريء في بداية حياته لو كنت تسأله ماذا تريد يا‬ ‫فاإلنسان يتحوّ ل وهذا ّ‬
‫حبيبي؟ ماذا تريد؟ يقول‪ :‬لقمة خبز تكفيني‪ .‬قطعة من الحلوى ليأكلها‪ .‬اآلن تسأله ماذا‬
‫تريد؟ يقول أنا أريد أن أقتل ك ّل ال ّناس ح ّتى أرتاح‪ .‬البعض هكذا‪.‬‬

‫اختالف طلبات األعيان ال ّثابتة باختالف شواكلها والعوالم الّتي ُّ‬


‫تمر بها‬
‫بقي البحث في ك ّل هذه الكلمات هذه المطالب كانت توطئة لكيفيّة‬ ‫إن شاء هللا َ‬
‫عالم يختلف عن‬ ‫الطلب راجع إلى شاكلة األعيان ّ‬
‫الثابتة‪ ،‬والطلّب في ك ِّل‬ ‫الطلب‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ب آخر‬ ‫الطلب يتب ّدل إلى طل ٍ‬‫اآلخر‪ ،‬وح ّتى في ك ِّل عالم يتحوّ ل ك ّل يوم وك ّل فتر ٍة هذا ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وهكذا إلى متى؟‬

‫اطمئنان األعيان ال ّثابتة بانتفاء ال ّطلبات‪:‬‬


‫إلى أن يصل إلى حالة االطمئنان‪ .‬عندما يصل إلى حالة االطمئنان يعني ماذا؟‬
‫يعني ال يوجد طلب؟ اليوجد شيء (( َيا أَ َّي ُت َها ال َّن ْفسُ ْالم ْ‬
‫ُط َم ِئ َّن ُة ارْ ِجعِي إِلَى َربِّكِ َراضِ َي ًة‬
‫َمرْ ضِ ي ًَّة َف ْاد ُخلِي فِي عِ َبادِي َو ْاد ُخلِي َج َّنتِي )) (الفجر‪ )٣٠-٢٩ :‬ال تستطيع ترجع إلى‬
‫الطلب بكامل أقسامه ح ّتى تتم ّكن تصل‬ ‫ربّك وأنت تطلب شيئاً‪ ،‬ويجب أنّ تخرج عن ّ‬
‫إلى االطمئنان‪ .‬االطمئنان والسّكون‪ ،‬السّكون مافيه طلب‪ ،‬يعني إذا طلبت شيئا ً هذه‬
‫شخص الّذي وصل إلى االطمئنان ماعنده ّإال‬ ‫حركة‪ ،‬والحركة مخالفة للسّكون‪ ،‬وال ّ‬
‫السّكون ماعنده طلب‪ ،‬ما عنده هذه األمور الّتي نحن نشاهدها ‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫هلل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة السابعة من حماضرات الدعاء ‪1 .........................................‬‬
‫البحث‪1 ................................................................... :‬‬
‫ملاذا تتب ّدل الطّلبات (األمنيات)‪1 ............................................. :‬‬
‫توطئة‪1 .................................................................... :‬‬
‫مقدمات متهيدية‪1 .......................................................... :‬‬
‫حقيقة االعيان الثابتة‪1 ...................................................... :‬‬
‫األعيان الثّابتة حقيقيّة الوجود ولكن ليست هلا آثار خارجيّة‪2 .................... :‬‬
‫نوضح ملاذا يقولون‪ :‬الثّابتة؟ ‪2 .............................................‬‬ ‫ّأوالا‪ّ :‬‬
‫ثانيّ ا‪ :‬تتح ّقق األعيان الثّابتة باألَساء اإلهليّة‪2 ................................... :‬‬
‫عالقة ظهور األعيان الثابتة بالطلب والدعاء‪2 .................................. :‬‬
‫األَساء اإلهليّة يف ال ّذات األحديّة موجودة بال حدود‪3 ........................... :‬‬
‫الشيخيّة واملدرسة العِرفانيّة‪3 ............... :‬‬
‫الفرق االعتقادي يف األَساء اإلهليّة بني ّ‬
‫كل االوصاف موجودة يف احلق بال حدودها وبال ماهياهتا‪3 ......................:‬‬
‫ثالثا‪ :‬حقيقة األعيان الثّابتة واألَساء اإلهليّة موجودة يف ال ّذات األحديّة بال حدود‪4 . :‬‬
‫عجز الصفات عن ادراك عامل التوحيد‪4 ....................................... :‬‬
‫انتفاء العلم يف ال ّذات األحديّة‪4 .............................................. :‬‬
‫الدخول لألحدية يقتضي املساخنة معها ‪5 ..................................... :‬‬
‫رابعا‪ :‬معىن كمون األعيان الثّابتة يف ال ّذات األحديّة‪5 ........................... :‬‬
‫قانون املساخنة‪5 ............................................................. :‬‬
‫معىن اهليوىل عند الفالسفة‪5 .................................................. :‬‬
‫الميكن وصف األعيان الثابتة باهليوىل‪6 ........................................ :‬‬
‫عدم فهم مسألة حقيقة األعيان الثابتة وكيفية ظهورها تسبب يف انكار مسألة وحدة‬
‫الوجود‪7 ........................................................................:‬‬
‫ليس كل مامل يفهم ينكر‪7 .................................................. :‬‬
‫‪15‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة‬

‫غلبة األنانية وانكار غري املعروف‪8 ............................................ :‬‬


‫خامسا‪ :‬ال تفهم حقيقة األعيان الثّابتة يف ال ّذات األحديّة ّإال بالفناء الكلّ ّي‪9 ...... :‬‬
‫الدعاء فهم مسألة وحدة الوجود بالعقل‬ ‫سره) يف التّصدي ّ‬ ‫الشيخ البهائي (ق ّدس ّ‬
‫قصة ّ‬ ‫ّ‬
‫اجملرد‪9 ......................................................................... :‬‬
‫الوصول إىل الفناء الكلّ ّي هو فضل من اهلل تعاىل‪10 ............................ :‬‬
‫سره) إىل الفناء الكلّ ّي ‪10 .....................‬‬ ‫السيَّد القاضي (ق ّدس ّ‬‫قصة وصول َّ‬ ‫ّ‬
‫سادسا‪ :‬األعيان الثّابتة هي شؤون إهليّة يف ال ّذات األحديّة‪11 .................... :‬‬
‫السالك التّجلّيات اإلهليّة بعد املراقبة وال ّدعاء‪11 .....................:‬‬ ‫تتجلّى على ّ‬
‫متر به ‪11 .............‬‬ ‫سابعا‪ :‬اتّصاف األعيان الثّابتة بأوصاف وأحكام العامل الّذي ُّ‬
‫زول لألعيان الثّابتة‪12 ................................. :‬‬ ‫السري النّ ّ‬
‫إنكار املشائني ّ‬
‫املادة باهليوىل‪12 .......................... :‬‬ ‫ثامنا‪ :‬اتّصاف األعيان الثّابتة يف عامل ّ‬
‫السبب يف تبدل األمنيات‪13 ................................................ :‬‬
‫قصص بعض االمنيات‪13 ................................................... :‬‬
‫القصة األ ٍوىل ‪13 ........................................................... :‬‬ ‫ّ‬
‫القصة الثّانيّة ‪13 ........................................................... :‬‬ ‫ّ‬
‫املادة‪13 .............................. :‬‬ ‫بتوسع عامل ّ‬ ‫تتوسع طلبات األعيان الثّابتة ّ‬
‫ّ‬
‫املادة ‪14 ..........................................‬‬ ‫حتول الطّلبات يف عامل ّ‬
‫قصة ّ‬‫ّ‬
‫متر هبا ‪14 ..........‬‬ ‫اختالف طلبات األعيان الثّابتة باختالف شواكلها والعوامل الّيت ُّ‬
‫اطمئنان األعيان الثّابتة بانتفاء الطّلبات‪14 .................................... :‬‬

‫‪16‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬
‫المحاضرة الثامنة من محاضرات الدعاء‬
‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث ‪:‬‬
‫الطلبات المؤقتة الفانية والطلبات األصيلة في االنسان‬

‫أشعار للعارف ابن الفارض المصري(قدس)‪:‬‬


‫أ َبرْ ٌق‪ ،‬بـدا مـنْ جانِـ ِ‬
‫ب ال َغ ْـو ِر‪ ،‬المـعُ‪،‬‬
‫عـت‪ ،‬عـنْ وج ِه ليلي‪ ،‬البراقِـ ُع‬ ‫ِأم ارْ َت َف ْ‬

‫فـصـار بوجهـهـا‬
‫َ‬ ‫أسفـرت ليـالً‪،‬‬
‫ْ‬ ‫نعـ ْم‬
‫المحـاسـن سـاطـ ُع‬
‫ِ‬ ‫نهـاراً‪ ،‬بــ ِه نــو ُر‬

‫ْ‬
‫تزاحـمـت‬ ‫و لـمَّـا تجـلَّ ْ‬
‫ـت للقـلـوبِ‪،‬‬
‫للعاشقـيـن‪ ،‬مـطـامـ ُع‬
‫َ‬ ‫عـلـى حُسنـهـا‪،‬‬

‫لِطلعتهـا َتعْ ـ ُنـو الـبـدورُ‪ ،‬ووجْ هُـهـا‬


‫وهــي طـوالـ ُع‬
‫َ‬ ‫لـ ُه تسـجـ ُد األقـمـارُ‪،‬‬

‫ت األهــوا ُء فيـهـا‪ ،‬و ُحسنـهـا‬ ‫تجمَّعـ ِ‬


‫المـحـاسـن جـامــ ُع‬
‫ِ‬ ‫ألنــواع‬
‫ِ‬ ‫بـديـعٌ‪،‬‬

‫حـان َحيِّهـا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بخمـر الحـبِّ فـي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫سكرت‬
‫للعاشقـيـن‪ ،‬مـنـافـ ُع‬‫َ‬ ‫و فــي خـمـرهِ‪،‬‬
‫ِيه َما إِ ْث ٌم َك ِبي ٌر َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬
‫اس) [سورة البقرة‪ ]٢١٩ۗ :‬يعني‪ :‬في‬ ‫يشير إلى (قُ ْل ف ِ‬
‫الخمر والميسر‪.‬‬
‫ِعـزهـا‪،‬‬‫ـت ذالا‪ ،‬وانخِفـاضـا ً ل ِّ‬ ‫ً‬ ‫ضـعْ ُ‬ ‫توا َ‬
‫ف َق ْـدري‪ ،‬فـي هواهـا‪ ،‬ال َّتـواضـ ُع‬ ‫َف َشـرَّ َ‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫خفـوض الجنـابِ‪ ،‬فحبُّهـا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫صـرت َم‬ ‫فإنْ‬
‫لِ َق ْـد ِر َمقـامـي ‪،‬فــي المحـبَّـةِ‪ ،‬رافِــ ُع‬

‫أعـيـش متيَّـمـاً‪،‬‬
‫َ‬ ‫وإنْ َق َس َم ْ‬
‫ـت لــي أنْ‬
‫ِّـيـن‪ ،‬شـائ ُع‬
‫بيـن المحب َ‬‫َ‬ ‫فشوقـي لهـا ‪،‬‬

‫أيــن دِيــارهُ؟‬
‫َ‬ ‫يقـو ُل نسـا ُء الحـيِّ ‪:‬‬
‫العاشـقـيـن بـالقِــ ُع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فقـلـت‪ :‬دِيـــا ُر‬

‫فإنْ ل ْم يكـنْ لـي فـي حِماهـنَّ َم ْوضِ ـعٌ‪،‬‬


‫فلـي فـي حِمـى ليلـى بليـلـي مـواضِ ـ ُع‬

‫توطئة‪:‬‬
‫الطلبات الكاملة في األعيان ا‬
‫الثابتة‪ ،‬فوصلنا إلى أنا طلبات اإلنسان‬ ‫كان الكالم في ا‬
‫ورغبات ِه تتوساع بتوساع مشاعر ِه‪ ،‬فك ال ما تتوساع مشاعر اإلنسان يأتي دور ازدياد‬
‫الطلبات‪ ،‬فاإلنسان البالغ من العمر مثالً عشر سنوات طلبات ُه مقتصرةٌ في اطار‬ ‫ا‬
‫مشاعر ِه وفي اطار إدراكات ِه وعواطف ِه الخاصاة‪ ،‬فهو لو كان صب ايا ً يطلب دراجة‬
‫يركبها‪ ،‬ولو كانت صبي ًاة وفتا ًة تطلب دماية تلعب بهذه ال ادماية يعني (عروسة)‪.‬‬
‫عالقة طلبات االنسان بتوسع ادراكات االنسان ومشاعره‪:‬‬
‫إذن طلبات اإلنسان دائما ً تتح ادد وتتكياف وتتوساع حسب مشاعرهِ‪ ،‬ومشاعر‬
‫ا‬
‫فالطفل الاذي لم‬ ‫اإلنسان تختلف باختالف العالم الاذي يعيش فيه وتوساع العالم عندهُ‪،‬‬
‫يبلغ أكثر من عشر سنوات ما يفهم عن العالم شيئاً‪ ،‬فإذا ال يفهم عن العالم شيئا ً تكون‬
‫اعت مشاعرهُ وخرج عن‬ ‫دائرة طلبات ِه وأمنيات ِه محدودة بحدود طفولته‪ ،‬ولكن إذا توس ْ‬
‫اطار وحدود قريت ِه وخرج عن مدينت ِه‪ ،‬فشاهد أنه يوجد عالم‪ ،‬وتوجد قارة‪ ،‬وتوجد‬
‫كرة‪ ،‬وتوجد مملكة‪ .‬هنا مثال يقول ما المشكلة أن اتح اكم بك ال العالم وك ُّل العالم يصبح‬
‫عبدا لي؟ أل انه تعرا ف على أنا هناك عالما ً من العوالم‪.،‬‬
‫الحمد هلل البشر ما يستطيع أن يطير‪ ،‬وال يستطيع أن يخرج من هذه الكرة‬
‫وإال لو كان عنده امكانيات‪ ،‬وقوى‪ ،‬ووسائل‪ ،‬وأدوات‪ ،‬ألخذ ك ال‬ ‫األرضية البسيطة‪ ،‬ا‬
‫هذه الكرات‪ ،‬واألنجم وكان يذهب إلى كاتب العدل ويبدأ بتسجيل هذه الكرات واالنجم‬
‫باسمه‪ :‬كرة الاشمس لي‪ ،‬كرة القمر لي‪ ،‬كرة المريخ لي‪ ،‬فإذن الحمد هلل ادوات االنسان‬
‫ليست واسعة‪ .‬إذ بسبب محدودياة قدرت ِه فإن أمنياته‪ ،‬وطلباته أيضا ً محدودة ومقتصرة‬
‫الطفل الاذي ولد في البداية القوة الباصرة لهذا‬ ‫على قدر ما يمتلك من أدوات‪ ،‬فمثالً ا‬
‫الطفل تكون محدودة إذ ما ترى ك ال شيء‪ ،‬وإذا ترى ترى أماه‪ ،‬و أبيه‪ ،‬و أخيه‪ ،‬و‬ ‫ا‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫أخته‪ ،‬وخاله‪ ،‬وعمه وهذه األشياء القريبة منه يعني‪ ،‬ولكن القوة الباصرة إذا تقوا ت‬
‫ت دائرة شعاع البصر لها‪ ،‬فإنه يرى أن في العالم توجد‬ ‫ت وامت اد شعاعها و امت اد ْ‬‫وامت اد ْ‬
‫مثال مارسيدس و يوجد بيت كبير‪ ،‬و قصور‪ ،‬وتوجد طائرة‪ ،‬فتبدأ الطلبات ويقول‪ :‬أنا‬
‫أريد طائرة خاصاة‪ ،‬وتوجد سفينة في البحر‪ ،‬فأنا أريدها وأريد كذا وكذا السابب توساع‬
‫الباصرة‪.‬‬
‫ا‬
‫والطلبات‪،‬‬ ‫إذن توساع العالم الما اديا عند اإلنسان يحرا ك ُه في مسألة األماني‪،‬‬
‫فطلبات ُه تنمو‪..‬تنمو ‪..‬ومن ه انا يقع ال اتزاحم والخالفات والعراك وحرب وحروب‬
‫وأحيانا ً بعض الحروب في العصور الساابقة قبل أكثر من ألفي سنة أو ثالثة آالف سنة‬
‫تمتد لقرن‪ ،‬أو لقرنين ‪ ،‬فال توجد حرب لمدة سنة‪ ،‬أو سنتين‪ ،‬وال لعقد‪ ،‬عقدين‪.‬‬

‫قصة الحرب بين مصر واليونان‪:‬‬


‫ت أكثر من قرن و السابب في تحقاق هذه‬ ‫الحرب بين مصر وبين اليونان امت اد ْ‬
‫الحرب العنيفة المدمارة‪ ،‬أنا أحد الملوك إماا في اليونان‪ ،‬أو في مصر سمع بأنا هناك‬
‫جاري ٍة حسناء في المملكة الفالنياة َسم َِع بها ما رأها‪ ،‬فهواها‪ ،‬فطلبها ولم يق ادموها له‬
‫فشن حرباً‪ ،‬فمات العاشق‪ ،‬والمعشوق والحرب مستمرة ألجيال كثيرة‪.‬‬ ‫َ‬
‫هذا كله بسبب قوا ة السمع حبيبي! فلو كان هذا الملك أص اما ً ما كان يسمع هذه‬
‫المواصفات الوهمياة وما كانت هناك حرباً‪.‬‬
‫مقتل الشاه شجاع‪:‬‬
‫األمير تيمور هجم على إيران وس اخر شمال إيران طبرستان وك ال هذه المناطق‬
‫كانت مناطق صعبة ‪ ،‬جبال وغابات س اخرها كلها‪.‬‬
‫بتلي بمرض‬ ‫السبب في هجوم االمير تيمور إن قسما من جيش األمير تيمور أ ُ َ‬
‫المالريا‪ ،‬فسأل االطباء ماذا يفيد لهذا المرض؟ وما هو دوائهِ؟ قالوا له ليمون من‬
‫شيراز وك ال ليمون ما يفيد إال الليمون الموجود في شيراز هذا دواءه‪ .‬قال االمير‬
‫شيرازيا وطلب منه حامض‬ ‫شاه شجاع ال ا‬ ‫تيمور‪ :‬ال توجد مشكلة وكتب رسالة إلى ال ا‬
‫"جهرم" وهو موجود أحيانا ً بالساوق ليمون "جهرم"‪ ،‬فهو طلب من السلطان شجاع‬
‫برسالته وقال له ‪:‬بعد التحية والترحيب ومقدمات من قبيل ‪:‬أنا في خدمتك ‪ ،‬وأنا أحبك‪،‬‬
‫بتلي بمرض المالريا وهم بحاجة إلى‬ ‫وأنا خادمك وكذا ثم قال ‪:‬ان مقدار من جيشي أ ُ َ‬
‫ليمون شيراز "جهرم"‪.‬‬
‫السالطان شجاع ف اكر أن االمير تيمور يريد يلعب به‪ ،‬فهجم عليه بالكالم يعني‪ :‬ر اد‬
‫على رسالته بأقسى الكلمات مادام الفاصل بين شيراز وبين طبرستان ألف وخمس‬
‫مائة كيلو متر‪ ،‬فألقسي عليه بالكالم ‪.‬يعني‪ :‬إذا يريد يأتي إلينا االمير تيمور يحتاج‬
‫لشهر أو أكثر ومادام هذا الجيش بعيدا أس اب ُه وكذا فبدأ يس اب ُه ‪.‬‬
‫الملك تيمور عندما رأى هذا الجواب المنكر‪ .‬قال ال توجد مشكلة نحن طلبنا منك‬
‫اللميون ولم ترسله‪ ،‬فنحن نأتي ونأخذ الليمون‪ ،‬فهجم على شيراز وقتل شاه شجاع‬
‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫وأخذ الليمون وهذا الليمون صار ذريعة‪ .‬فك ال هذه الحروب سببها ال اتوساع توساع‬
‫المشاعر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫من كالم األمير (عليه السالم)‪:‬‬
‫أمُرُّ على اللَّئيم َي ُسبُّني‪ -‬فمضيت عنه قلت اليعنيني‪.‬‬
‫أي يسمع بأ ُ ُذن ِه‪ ،‬فيقول لعل ُه أراد غيري‪ .‬ويبرر لمن يسب بقوله مثال‪ :‬ال‪.‬ليس انا‬
‫المقصود وهو ممكن طلب غيري أحدا آخرا‪.‬‬
‫رأت هذا‪ ،‬هذا ج اداً مه ام يعني‪.‬‬
‫ْ‬ ‫يعني‪ :‬يجعل سمع ُه كأ ان ُه ما سمع هذا‪ ،‬أو عين ُه ما‬

‫حتمية الموت في نظام العالم للحد من رغبة اإلنسان في توسيع طلباته‪:‬‬


‫الطلبات‪ ،‬وإذا اإلنسان يتعراف على طرق الحيال‪،‬‬ ‫ال اتوساع في المشاعر يوساع ا‬
‫ويعرف كيف يحتال على اآلخرين؟ اضافة الى معلوماتهِ‪ ،‬فال اناس ما يستطيعون أنا‬
‫يعيشوا‪.‬‬
‫وهنا نعرف لماذا هللا بنى هذا العالم على أساس إن االنسان يمر بمراحل عمرية‬
‫من طفولة‪ ،‬وشباب‪ ،‬وشيخوخة‪ ،‬ثم المقابر‪ .‬ونعرف لماذا ال اناس ما يبقون كثيراً في‬
‫شيب ص اح إنه ماعنده القدرة وما‬ ‫شخص الاذي دخل في ال ا‬ ‫هذا العالم؟ السبب إن ال ا‬
‫شيء بعقل ِه أو بحيات ِه‬‫بقي هذا ال ا‬
‫يستطيع يمشي وما يمتلك القوة ولكن عقل ُه قوا يا ‪ ،‬ولو َ‬
‫أكثر من هذا المقدار ربما يقوموا باالحتيال على العالم بهذه القوة العقلية والخبرة التي‬
‫امتلكوها‪.‬‬
‫شيوخ والمشايخ يبقون أكثرمن مائة سنة يبقون مائة وخمسين‬ ‫مثالً لو فرض ان ال ا‬
‫سنة‪ .‬فما النتيجة؟ حبيبي‪ :‬يحتالون على ك ال العالم؛ أل انهم يعرفون ك ال االحتياالت‬
‫شباب ما يعرفون شيئا‪ ،‬فالكهول مثال‬ ‫شباب‪ ،‬وفي المقابل ال ا‬ ‫يعرفون أن يستخدموا ال ا‬
‫يستخدمون الكلمات وكذا و يستولي على ال اناس‪ ،‬فيجب أن يموت وما يبقى ا‬
‫وإال هذه‬
‫شيخ في مجال تنمية نفس ِه‪ ،‬وتربية نفس ِه ك ال العالم‬ ‫ال اتجارب الكثيرة لو استخدمها هذا ال ا‬
‫يخرب‪ ،‬فنظام العالم يقتضي إنا اإلنسان الاذي يفقد قوا ته ولكن يمتلك تجارب كثيرة‬
‫وإال يخرب الحياة نهائ ايا ً سوا ٌء في اإلنسان‪ ،‬أو الحيوان‬ ‫يجب أن يموت وما يبقى كثيراً ا‬
‫أو في أيا شيء‪.‬‬

‫توساع العالم الما اديا قلنا يسبب توساع المشاعر وتوساع المشاعر يسبب توساع‬
‫شهوات‪ ،‬واللاذائذ‪.‬‬
‫األمنيات‪ ،‬من الحبا ‪ ،‬والبغض‪ ،‬والكراهياة‪ ،‬وال ا‬
‫ومن ه انا‪ ،‬تالحظون؛ ورد في الحديث الشريف ‪:‬يشيب ابن آدم وتشبا فيه‬
‫خصلتان‪ :‬طول األمل واتباع الهوى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هذا القول يستشهد به االمري عليه السالم وقد استشهد به االمام السجاد عليه السالم يف بعض املواقف إذ كان يردده‬
‫دائما‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫أي ك ال ما يكبر عمرهُ ويقترب من الموت تحصل له حالة جمع األموال‪ ،‬ويريد‬
‫جمع األموال؛ أل انه يرى أنا في جمع األموال القدرة‪ ،‬ويرى انه يستطيع بهذا المال أن‬
‫يستخدم اآلخرين ويستغل اآلخرين ويتح اكم باآلخرين‪ ،‬ولو ماعندهُ مزاج وما عندهُ‬
‫شيء من القدرة‪.‬‬
‫شاب ي اتكأ على قوتهِ‪ ،‬وعلى بدن ِه وما يتطلاع إلى آفاق جديدة‬ ‫شباب‪ ،‬فال ا‬
‫بخالف ال ا‬
‫من االحتياالت‪ ،‬والكذب وكيفياة استغالل ال اناس‪.‬‬

‫التمييز بين الطلبات الحقيقية والمؤقتة واالهتمام بالطلبات الحقيقة‪:‬‬


‫والطلبات تتغيار على طول‬ ‫ا‬ ‫وشيء آخر نراهُ في األمنيات ( ا‬
‫الطلبات) أنا األمنيات‬
‫ا‬
‫والطلبات‪ ،‬فننتهي إلى هذه ال انتيجة‪ :‬أنا‬ ‫الزمن‪ ،‬حسب تغيار المشاعر تتغيار األمنيات‬
‫هناك طلبات مؤقتة فانية زائلة‪ ،‬وهناك طلبات أصيلة في اإلنسان‪.‬‬
‫اإلنسان أحد أمنيات ُه أن يكون عندهُ صديقا ً حميما ً يح اب ُه ويضحا ي ألجله بال طمع وهذا‬
‫شيخوخة أيضا ً لكن‬ ‫شباب‪ ،‬وموجود في ال ا‬ ‫الطلب موجود في ا‬
‫الطفولة‪ ،‬وموجود في ال ا‬
‫باقي اللاذات تأتي وتروح حسب‪ :‬البدن مثل ‪:‬األكل والمسائل الجنسياة أو الرائاسة‪ ،‬هذه‬
‫األمور مؤقتة والرائاسة يعني‪ :‬ليست الرائاسة ال انهائياة بل الرئاسة المؤقتة عموما‪ ،‬فهذه‬
‫والطلبات المؤقتة‬‫ا‬ ‫الطلبات تأتي وتروح إذن نحن يجب أن نمياز بين ا‬
‫الطلبات الحقيقياة‪،‬‬
‫الطلبات الحقيقياة األصيلة الموجودة‬ ‫بالطلبات الحقيقياة‪ ،‬أوا نكتشفها أين هذه ا‬
‫ا‬ ‫ونهت ام‬
‫ال انابعة من صميم ذاتنا ومن اعماقنا؟‬
‫الطلبات بعد ذلك نهت ام بهذه ا‬
‫الطلبات ‪.‬‬ ‫أوا ل شيء نتعراف على هذه ا‬

‫ظهور الطلبات المرسوخة في نفس اإلنسان عند العجز‪:‬‬


‫شخص عن أحد علماء ال انجف قال أنا‬‫ٍ‬ ‫ال َّسيِّد كمال الموسويا (ق ادس س اره) نقل عن‬
‫حضرت احتضار ثالثة أشخاص من علماء النجف عندما كانوا متوجا هين للموت عند‬ ‫ُ‬
‫احتضارهم رأيتهم وك ال واحد طلب شيئا ً ومات ولم يتح اقق‪:‬‬
‫القصة األولى‪:‬‬
‫قال‪ :‬رأيت أحد المعارف وهو في حالة االحتضار كان يقول مُتنا ولم نعرف‬
‫شبهة ابن كمونة؟ كيف‬ ‫ا‬
‫والظاهريا ‪ .‬كيف نجيب على ُ‬ ‫حقيقة الجمع بين الحكم الواقعيا‬
‫والظاهريا هذا مصطلح أصوليا وهو كيفياة الجمع بين‬ ‫ا‬ ‫يمكن الجمع بين الحكم الواقعيا‬
‫شهيد‬ ‫ا‬
‫والظاهريا ‪ ،‬وك ال أحد له مسلك في بيان كيفية الجمع مثالً‪ :‬لل َّسيِّد ال ا‬ ‫الحكم الواقعيا‬
‫الصادر مسلك قويا بهذا المجال‪ .‬قال الشخص المحتضر هذا الكالم وذهب‪ .‬ومات ‪.‬‬
‫القصة الثانية‪:‬‬
‫الشخص الثاني من العلماء قال أنا رأيت ُه في حالة االحتضار_ وفي حالة‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫االحتضار ك ال ما في الضمير يخرج وما يستطيع يخفيه‪ ،‬ويخبئه بل يأتي للخارج من‬
‫الباطن _ قال‪ :‬مُتنا ولم نجامع الجماعة جياداً قال هذا ومات‪.‬‬
‫القصة الثالثة‪:‬‬
‫الشخص الثالث‪ :‬رأيناهُ قال‪ :‬مُتنا ولم نحصل على معرفة شهودياة هلل تعالى‪،‬‬
‫ياليت ك انا نتعراف على هللا أكثر‪ ،‬و يا ليتنا نحسُّ عن طريق المشاهدة والمكاشفة نتطلاع‬
‫ونتعرا ف على هللا تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ال حضوا كم هو الفرق بين هذه ا‬
‫الطلبات‪ .‬الطلبات واألمنيات المرسوخة في نفس‬
‫اإلنسان عند الموت وعند فقد القوى تظهر‪.‬‬
‫ظهور ما في النفس عند الغضب‬
‫يقولون‪ :‬في الغضب اإلنسان يخرج دفائنه من ضمير ِه‪ ،‬فعندما يغضب على أحد‬
‫يقول‪ :‬أنت فالن أنت فالن ‪.‬فالن يتكلام مع صديقه بكلمات لم يتفوه بهذه الكلمات طيلة‬
‫عمره‪ ،‬خباأهُ خباأ نظرت ُه عنه‪ ،‬فيقول له مثال‪ :‬أنت جبان‪ .‬أنت غشاش‪ .‬أنت كذا‪ ..‬بسبب‬
‫الغضب‪ ،‬ولكن بغير الغضب في الحاالت العادياة ما يبدي هذه األمور لماذا؟ أل انه في‬
‫حالة الغضب لم يتمالك نفس ُه كذلك في حالة العجز‪.‬‬
‫في حالة العجز القوى بدأت تتالشى‪ ،‬فهنا يبدي ما في ضميرهِ‪ ،‬ومن هنا "فك ُّل‬
‫إنا ٍء بالاذي في ِه ينضحُ" أيا أحد‪ ،‬أيا شيء يكون بداخل ِه يظهرهُ‪.‬‬
‫توجد رباعياة ألبي سعيد أبي الخير بالفارسياة‪:‬‬
‫* گر در طلب گوهر و کانی کانی‬
‫‪ -‬لو كنت في طلب الجواهر والمعادن فأنت الجوهر والمعدن‬
‫*ور در طلب لقمه نانی نانی‪.‬‬
‫‪ -‬لو كنت فاحص عن لقمة الخبز فأنت لقمة الخبز‪.‬‬
‫المثال االخر‪:‬‬
‫*اين نکت ٔه رمز اگر بدانی دانی‬
‫هر چيز که در جستن آنی آنی‬
‫‪ -‬أنت أيا شيء تطلب ُه أنت هو‪،‬‬
‫أنت نفس طلبك ونفس مطلوبك‪.‬‬
‫الطلب‪ ،‬وإذا‬‫فمياز طلبك ماذا تطلب؟ هذا ج اداً مه ام ماذا تطلب؟ وتر اكز على هذا ا‬
‫كان طلبك صادقا ً فأكيد تصل الي ِه‪.‬‬
‫وصول الشيخ عباس القوجاني إلى طلبه الحقيقي‪:‬‬
‫شيخ عباس القوجاني وصيا ال َّسيِّد القاضي (ق ادس س اره) أ انه قال‪ :‬أنا‬‫ُنقل عن ال ا‬
‫شيء الاذي اطلب ُه في هذه ال انشأة أصل إلي ِه ح اتى لو لم أحصل عليه في هذه‬ ‫أتيقن أنا ال ا‬
‫ال انشأة؛ ألنا هذا ا‬
‫الطلب طلب قويا ‪.‬‬
‫وبالمناسبة أتذكر عندما جئنا إلى مشهد بعد فترة‪ ،‬بعد كم شهر ك انا في مجلس‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫شيخ عباس‬‫ال ا‬ ‫الطهرانيا (ق ادس س اره) فهو قال نحن تراسلنا مع‬ ‫عصر الجمعة لل َّس ِّيد ا‬
‫ال ا‬
‫شيخ عباس‬ ‫القوجاني عن طريق الكويت ووصلناه وهو كان ساكنا ً بال انجف‪ ،‬وكتب‬
‫كانت حرب‪،‬‬ ‫القوجاني إلى ال َّسيِّد إ اني كنت أحاول أن آتي إلى إيران‪ ،‬فطريقت ُه هو أ انه‬
‫الحرب قائمة بين إيران والعراق ‪.‬‬
‫قال‪ :‬طريقتة أ انه ف اكرت أن أذهب إلى الح اج وبالباسبورت اإليرانيا من الح اج آتي‬
‫إلى إيران‪ ،‬ألنا عائلت ُه كلاهم كانوا في إيران وهو لوحده كان يعيش بال انجف‪، ،‬وهو كان‬
‫يضبط ك ال شيء من أكل ُه و شرب ُه وك ال أمور بيت ُه هو كان يقوم بها‪ ،‬فجئت إلى‬
‫الحجاز الساعودية وبعد الح اج تو اجهت إلى إيران ولكن تذكرت كالما ألستاذي ال َّسيِّد‬
‫القاضي (ق ادس س اره) فأ انه قال‪ :‬أنت هذا الاذي تطلب ُه ستصل إلي ِه في نهاية حياتك وفي‬
‫فانصرفت عن المجيء إلى إيران؛ أل انه في إيران ال توجد غربة الغربة‬ ‫ُ‬ ‫الغربة‪،‬‬
‫بال انجف‪ ،‬فرجعت إلى ال انجف وقبلت هذه العيشة المتواضعة ومات بال انجف‪.‬‬
‫بعد ذلك ال َّسيِّد في رسالة سأل ُه هل هذا الاذي قال لك ال َّسيِّد القاضي (ق ادس س اره)‬
‫هل تح اقق بال انسبة إليك؟ فر اد عليه‪ :‬طالئعه ظهرت هذا فناء في عالم الفناء‪ ،‬وطلب من‬
‫ال َّسيِّد أن يدعو له بأنا يت ام هذا األمر وهو يصل إلى هذا المستوى‪ ،‬فأمرنا ال َّسيِّد بأن‬
‫شيخ من اإلمام‬ ‫يجب عليكم جميعا ً أن تمشوا إلى اإلمام ال ارضا (عليه الساالم) وتطلبوا لل ا‬
‫شره به ال َّسيِّد القاضي ( ق ادس‬ ‫أنا اإلمام (عليه السالم) أن يوصل ُه إلى هذا المقام الاذي ب ا‬
‫س اره) وقال له‪ :‬أ انه في آخر حياتك يحصل لك‪ ،‬فك ال األصدقاء وال ارفقاء ذهبوا‪ ،‬بعد كم‬
‫شهر جاء خبر وفاته وأقام له ال َّسيِّد مجلسا ً تأبين ايا ً له‪.‬‬
‫الطلب األكيد أنا أعرف بسبب هذه‬ ‫شيء الاذي موجود فيَّ وهو ا‬ ‫هو كان يقول هذا ال ا‬
‫الطلب‪ .‬أنا أعرف أ اني سأصل إلى مطلوبي ولو لم يكنْ في هذه‬ ‫ال انفاسة نفاسة هذا ا‬
‫ال انشأة ولكن أعرف أ انه‪.‬‬
‫➖يقول‪ :‬المولويا ال اروميا ‪:‬‬
‫* گر اژدهاست بر در عشق است چون زمرد‬
‫با برق اين زمرد تو دفع اژدها کن‬
‫الثعبان على الباب‬ ‫‪ -‬يقول‪ :‬لو كان ا‬
‫العشق والحبا مثل ال ازمرد‪ .‬ال ازمرد بسبب صفائه يختبرون هذا ال ازمرد أصليا أو‬
‫غير أصليا ‪ ،‬القدماء كانوا يختبرون ُه يضعون ُه أمام عين األفاعي بسبب شفافيت ِه األفعى‬
‫عندما ينظر إلى ال ازمرد يموت يرى نفس ُه في هذا ال ازمرد ماذا يصير نحن مانعرف؟‬
‫ولكن بمجرد لو كان ال ازمرد حقيق اياً‪.‬‬
‫* گر اژدهاست بر در عشق است چون زمرد‬
‫‪-‬العشق كال ازمرد‬
‫*با برق اين زمرد تو دفع اژدها کن‬
‫الثعبان‪.‬‬ ‫‪ -‬ببرق هذا ال ازمرد ادفع عن نفسك ا‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫ينبغي معرفة الطلب وتحديده‪:‬‬


‫إذن األساس هو ا‬
‫الطلب وكثير من ال اناس ما ينامون باللايل يسهرون اللايل وأحيانا ً‬
‫بال انهار يتعبون‪ ،‬يبكون ألف شيء تشاهد عنهم‪ ،‬ولكن المه ام ماذا يريدون؟ هذا هو‬
‫شوائب‪ ،‬إذا صنعت هذا‪ ،‬تح اقق هذا‬ ‫المه ام‪ ،‬ح ادد طلبك‪ ،‬ح ادده وخلاصه ا‬
‫ونظفه عن ك ال ال ا‬
‫ا‬
‫الطلب قطعيٌّ ‪ ،‬حتما ً يتح اقق‪.‬‬
‫قصة الشيخ األنصاري ‪:‬‬
‫هذه القصاة نقلها لنا ال َّسيِّد كمال الموسوي (ق ادس س اره) وكم م ارة أنا قلتها لألخوة‬
‫شيخ محمد جواد األنصاريا (ق ادس س اره) جاء إلى مشهد وحصلت له حالة‬ ‫هنا‪ .‬ال ا‬
‫فطلب من تالمذت ِه قال‪ :‬أمشوا والحظوا‪ ،‬وهاتوا شخصا قلب ُه محترق ح اتى‬ ‫َ‬ ‫القبض‪،‬‬
‫أراه وأنظر له‪ ،‬فتتغيار حالتي‪ ،‬وأخرج من هذا القبض‪ ،‬ولكن قبض األولياء ما يزول‬
‫بسهولة مثالً‪ :‬جماعة يأتون ويطلبون بسهولة ما يزول بل بحاجة إلى شيء قويا ‪.‬‬
‫شباك الفوالذي لإلمام ال ارضا‬ ‫ال اتالمذة خرجوا قالوا‪ :‬ماذا نصنع؟ جاؤوا إلى جانب ال ا‬
‫(عليه السالم) رأوا شخصا يبكي‪ ،‬ويبكي‪ ،‬ويبكي‪ ،‬وما ينتهي من البكاء‪ ،‬يعني‪ :‬هذه‬
‫ال ادمعة ما تتوقف‪ .‬بقوا عندهُ ساعة ساعتين قالوا‪ :‬هذا ما ينظر ال يمينا ً‪ ،‬وال يساراً فقط‬
‫متوج ِه إلى اإلمام ال ارضا (عليه السالم) و يبكي‪ .‬قالوا‪ :‬هذا قلبه محترق‪ ،‬فأخذوا بيده‪،‬‬
‫شيخ‪،‬‬ ‫شيخ األنصاريا (ق ادس س اره) أتوا به إلى ال ا‬‫وهو ما سأل لماذا؟ واوصلوهُ إلى ال ا‬
‫شيخ بمجراد أن نظر الي ِه قال لهم أر ِجعوهُ بعد ذلك اثناء ارجاعه واحد من طلبة‬ ‫ال ا‬
‫شخص الباكي قال حبيبي‪ :‬ماهي مشكلتك؟ أنت تبكي كثيراً كم ساعة‬ ‫الشيخ سأل هذا ال ا‬
‫شيخ عرف إن هذا الشخص ما عندهُ حرارة‪.‬‬ ‫وأنت تبكي‪ .‬قال‪ :‬فقدت أموالي‪.‬فال ا‬

‫يجب أن ال يكون الطلب رخيصا‪:‬‬


‫شباك‬ ‫االنسان يأتي عند الشباك الفوالذي لإلمام (عليه السالم) و يطلب قرب ال ا‬
‫الفوالذي‪ ،‬ويبكي‪ ،‬ويذل‪ ،‬وكذا‪ ،‬و كذا‪ .‬فماذا يطلب؟ يطلب مثال‪ :‬ال ادعاء على الحماة‬
‫بحق اإلمام الحسين (عليه‬ ‫ا‬ ‫هللا يدمارها‪ ،‬أو ال ادعاء على العروسة‪ ،‬أو فالنا ً ظلمني‬
‫السالم) أن يفعل به كذا‪ ،‬أو باهلل‪ ،‬و تاهلل‪ ،‬وكذا‪ ،‬وكذا أنا أفوز باالنتخابات‪ ،‬أو مثالً ‪:‬‬
‫أصنع كذا‪ .‬ك ال هذه األمور يا حبيبي دنيوياة ص اح‪ .‬أنت تبكي كثيراً لكن ك ال العالم‬
‫يبكون عليك فطلبك رخيص ليس له قيمة ‪ ،‬ولكن هذا ا‬
‫الطلب الراخيص هللا يعطيه؛ ألنا‬
‫االنسان يطلب ُه ولكن ماذا تطلب؟ هذا هو المه ام‪.‬‬
‫الطفل يبكي عندك يريد بسكويت‪ ،‬عندما يريد أموال ‪،‬وعندما يريد شيئا يبكي‪..‬‬ ‫ا‬
‫يبكي‪..‬يبكي وأنت ما تستطيع تتحمال أوا ل شيء تنصحه بنصائح لقمانياة‪ ،‬فما يقبل‪ .‬بعد‬
‫ذلك تستدل عليه ببراهين سينويه‪ ،‬فما يقبل آخر شيء تصيح عليه من صيحات نازياة‬
‫خذ حبيبي‪ .‬أرحني من صوتك أُعطيك‪.‬‬ ‫وهتلرياة‪ ،‬فما يسكت وآخر شيء تقول‪ :‬له تعال ْ‬
‫الطلب يطلبه ولكن طلبه ليس صحيحاً‪ ،‬فكيف بطلب هللا‬ ‫هذا نتيجة االستقامة على ا‬
‫تبارك وتعالى وطلب معرفته؟!‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫األديان السماوية والسلوك اإللهي يدفعان االنسان إلى االنصراف من الظاهر إلى‬
‫الباطن‪:‬‬
‫بشكل عا ام األديان الساماوياة والسالوك اإللهيا يج ار اإلنسان نحو عالم ال اتوحيد ونحو‬ ‫ٍ‬
‫عالم ال اتجراد أي نحو اإلنصراف إلى الباطن يعني‪ :‬يصرف اإلنسان من ظاهره إلى‬
‫باطنه هذا هو أساس ال ادين‪.‬‬
‫فال ادين قبل أن يكون برنامجا ً لهذه الحياة الما ادياة هو برنام ٌج لل ادفع نحو عالم‬
‫ال اتوحيد‪ ،‬و عالم ال انور‪ ،‬وعالم ال اتجراد‪.‬‬
‫ومن خطأ بعض المثقفين اإلسالمياين الذين صرا حوا في كتبهم أنا اإلسالم قبل أن‬
‫يكون ل ُه برنامجا ً لآلخرة ل ُه برنامجا ً لل ادنيا فهم ينظرون بال انظرة ال ادنيوياة‪.‬‬
‫بشكل عا ام‪ ،‬وهدف أهل المعرفة جرا‬ ‫ٍ‬ ‫ك ال هدف اإلسالم وهدف األديان الساماوياة‬
‫اإلنسان ودفع اإلنسان إلى باطن ِه؛ ألنا باطن ُه أوسع من ظاهرهِ‪ ،‬وما دام لم يتوجاه إلى‬
‫ٌ‬
‫زرق‬ ‫باطن ِه اليستطيع أن يمياز بين طلباتهِ‪ ،‬ويبقى حماراً في هذه ال ادنيا؛ ألنا ال ادنيا لها‬
‫ورق‪ .‬ال ادنيا لها تزيين فتخطف اإلنسان‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫السالك مادام لم يدخل في عالم التجرد يكون طلبه في خطر مالم ينكشف له عالم‬
‫التجرد ‪:‬‬
‫الساالك إلى هللا دائما ً في الخطر مالم ينكشف له عالم ال اتجراد‪ .‬ال اتجراد عن الما ادة‪،‬‬
‫ال اتجراد عن الصاورة ومالم يدخل في عالم المعنى‪.‬‬
‫ماذا يعني عالم المعنى ؟ هو عالم مثل هذا العالم وهو أوسع بكثير و يجب أن‬
‫يدخل السالك في هذا العالم ويرى هذا العالم‪ ،‬ويحسُّ بهذا العالم ح اتى يؤمن بهذا العالم‬
‫َٰ‬
‫ِين))‬‫ون م َِن ْالمُو ِقن َ‬
‫ض َو ِل َي ُك َ‬‫ت َو ْاألَرْ ِ‬ ‫قال تعالى(( َو َك َذ ِل َ‬
‫ك ُن ِري إِب َْراهِي َم َملَ ُك َ‬
‫وت ال َّس َم َاوا ِ‬
‫[سورة األنعام‪.] ٧٥ :‬‬
‫ك ال الاذين يتكلامون عن العرفان‪ ،‬والسالوك‪ ،‬وكذا‪ ،‬وكذا ك ال كلماتهم جيادة لكن إذا لم‬
‫يرى هذا األمر يرجع عن السلوك يعني‪ :‬بعد فترة من ال ازمن يقول‪ :‬أنا ثالثين سنة‬
‫أتكلام عن أمور لم تحصل لي شيء‪ ،‬فممكن أصال تكون خطأ‪.‬‬

‫الطلب الحقيقي هو عالم التوحيد‪:‬‬


‫إذن ه ُّم اإلنسان الوحيد يجب أن يكون ال اتوجاه إلى هذا المعنى‪ ،‬وال يت ام هذا اإال‬
‫الطلب األصيل الحقيقيا النابع‬ ‫بتجريد ال انية‪ .‬بتجريد الهماة‪ ،‬وتمييز األمنيات‪ ،‬واختيار ا‬
‫اس َعلَ ْي َها ۚ َال َت ْبدِي َل ل َِخ ْل ِق‬
‫هللا الَّتِي َف َط َر ال َّن َ‬ ‫من أعماق اإلنسان وهو ال اتوحيد‪ (( :‬ف ِْط َر َ‬
‫ت َّ ِ‬
‫َٰ‬ ‫َّ ِ َٰ‬
‫ُون)) [سورة الروم‪. ]٣٠ :‬‬ ‫ك ال ِّدينُ ْال َق ِّي ُم َولَكِنَّ أَ ْك َث َر ال َّن ِ‬
‫اس َال َيعْ لَم َ‬ ‫هللا ۚ َذلِ َ‬
‫ال اتوحيد وال اتوجاه إلى عالم ال اتوحيد هو األمنية األساسياة‪ ،‬والطلاب الحقيقيا ألهل‬
‫المعرفة وبمشاهدته لعالم ال اتوحيد‪ ،‬أو لعالم ال اتجراد عن الما ادة والصاورة يتم اكن السالك‬
‫من نبذ العالقات ال ادنيوياة‪.‬‬
‫في عالم ال اتج ارد يرى السالك نفس ُه وحيداً ‪:‬ال ابن‪ ،‬وال أخ ‪ ،‬وال أخت ‪ ،‬وال أ ام‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫حقيقة‪ ،‬فحينئذٍ؛ يفحص بعد ان يرجع‬‫ً‬ ‫وال أيا شيء ك ال هذه األمور أصالً غير موجودة‬
‫إلى هذه ال ادنيا يحبا روح ُه وانه الزال بهذا الجانب‪ ،‬وما يهت ام لك ال ما يتحقاق في هذه‬
‫ال ادنيا من الصاعوبات‪ ،‬والمشاكل‪ ،‬ومغريات الدنيا وتزييناتها وال تستطيع ال ادنيا أن‬
‫تغ ارهُ؟ أل انه رأى ذاك العالم بالعين شاهده يعني‪ :‬مشاهدة حقيقياة مباشرة‪ ،‬فيؤمن بهذه‬
‫الوعود‪.‬‬
‫الوصول إلى عالم التوحيد بإرجاع كل شيء إلى األسماء اإللهية‪:‬‬
‫وطريقة الوصول إلى هذا المعنى هو توساع المشاعر الراوحانياة‪ ،‬فاإلدراكات يجب‬
‫أن تتوساع مثالً‪ :‬ك ال شيء يراه يرجعه إلى األسماء اإللهياة‪ ،‬أيا شيء يراه مثالً‪ :‬يرى‬
‫بالطريق بالحرم قد أضاع والديه ويبكي‪ ،‬فيتذكر نفس ُه‪ :‬أنا جئت في هذه‬‫ا‬ ‫ابن‪ ،‬أو ولد‬
‫ال ادنيا وأصبحت ضائعا ً وأنا كنت في عوالم القوس ال اربوبيا ‪ ،‬وكنت احلاق في سماء‬
‫المعرفة في سماء المشاهدات ونزلت هنا أليا شيء؟ ح اتى أنا تركت ك ال هذه األمور ‪.‬‬
‫مثالً‪ :‬في الساابق كان الساالطين يضعون شاهينا‪ ،‬أو عقابا بجانبهم _توجد طيور‬
‫قوياة وكان السلطان يحترمها و يطعمها_ قال‪ :‬الحظوا‪ ،‬يوجد طائر مثل هذا عقاب‪،‬‬
‫شاهين يترك ك ال هذه الع ازة وك ال هذا القرب ألجل ماذا؟ ألجل شيء خسيس وبعيد‬ ‫أو ال ا‬
‫عن البالط الملكي ‪.‬‬
‫قصة عدم طرد السلطان لكلبه‪:‬‬
‫يقول العطار ال انيسابوريا في الساابق الساالطين عندما يذهبون إلى الصحراء‬
‫للصايد كان معهم كالبا ً‪.‬‬
‫شيء‪ ،‬والكالب الملوكياة‬ ‫السالطان يرمي ويصطاد والكلب يمشي ويأخذ هذا ال ا‬
‫والكلب الملكيا كان يختلف عن باقي الكالب‪ ،‬كان مرصاع بالجواهر مثالً؛ نحن نرى‬
‫هذا الكلب العادي نرى انه يوجد حبل عليه‪ ،‬أما كلب السلطان ال يوجد عليه الحبل‬
‫البسيط بل عليه شيء مرصاع وج ايد لماذا؟ الن هذا كلب السالطان محترم‪ ،‬وأحيانا ً‬
‫بعض الكالب في هذه الجمعية كانوا يمشون ويسيرون مع السالطان و واحد من‬
‫الكالب يبتعد عن باقي الكالب لماذا؟ مثالً‪ :‬يرى أنثى منهم‪ ،‬أو يرى أكال‪ ،‬أو شيء‬
‫طري‪ ،‬على الرغم من انهم مؤدبين إذ أدبوهم وال يأخذون اإال من السالطان ولكن أحيانا ً‬
‫يصير هكذا‪ ،‬فالسالطان ماذا يصنع يقول‪ :‬اتركوا هذا الكلب‪ ،‬وممنوع هذا الكلب أن‬
‫يكون معنا اال إن أحد الوزراء استأذن من السالطان وقال ‪ :‬يا سلطان إذا تريد تتركه‬
‫وتنفيه عن نفسك‪ ،‬وتنفيه عن جنبك اسمح لنا أن نرفع هذه الجواهر عنه ‪.‬يعني‪ :‬نرفع‬
‫الهيكل المرصع يعني‪ :‬حرام هذه الجواهر وهذا ا‬
‫الذهب تبقى عنده وكذا‪.‬‬
‫السالطان ماذا قال؟ قال‪ :‬ال‪ .‬اتركوه‪ ،‬قالوا لماذا؟ _هذه نكتة دقيقة_ قالوا لماذا؟‬
‫قال‪ :‬هو اآلن تارك لنا‪ .‬وهو ابتعد ع انا ولكن بعد فترة يتذكرنا‪ .‬كيف يتذكرنا؟ بهذا‬
‫الذهب في عنقه‪ ،‬يقول‪ :‬عندما يرى طوق الذهب أنا من‬ ‫الطبق من ا‬‫الاذي في عنقهِ‪ ،‬بهذا ا‬
‫زمان كنت كلب السالطان واآلن أنا افحص عن أشياء خسيسة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫صة نفس قصاة اإلنسان‪ ،‬فاإلنسان مع هذه المشاعر ومع هذه القوى‬ ‫هذه الق ا‬
‫الباطنياة الاتي هللا اعطاها لإلنسان فقط ولم يعطها لباقي الحيوانات يترك هللا تبارك‬
‫وتعالى وهللا تبارك وتعالى يقول‪ :‬ال توجد مشكلة‪ .‬ال توجد مشكلة تبقى هذه القوى‬
‫عندك يوم من األيام تتذكرني‪ ،‬وتتذكر انك كنت عندي‪ ،‬فتركتني وأنت السابب‪ ،‬على‬
‫ك ال تقدير‪.‬‬
‫أسباب عدم وصول االنسان الى عالم التجرد‪:‬‬
‫الظاهر نحو الباطن لكي‬ ‫بشكل عا ام يدفع اإلنسان نحو الباطن يصرف ُه عن ا‬ ‫ٍ‬ ‫ال ادين‬
‫يتم اكن من ال اتجاوز عن ال اتعلقات‪ ،‬والوصول إلى العالم الاذي كان فيهِ‪ ،‬وتحقيق أمنيات ِه‬
‫األصلياة الحقيقياة الاتي معه وبال اتجريد وبسبب ال اتو اجه إلى الباطن هذه األمنيات تتطوا ر‪،‬‬
‫بتطوا ر المشاعر والسابب في تتطوا ر المشاعر ‪:‬هو مشاهدته لعوالم أخرى إذ يجب أن‬
‫ير هذه األشياء ليس معلوما ً ممكن يترك‪ ،‬وكثير من‬ ‫يرى في هذا العالم‪ ،‬ولو لم َ‬
‫والذوق وآخر شيء تركوا؛ أل انهم لم يشاهدوا شيئاً‪،‬‬ ‫الطعم ا‬ ‫األشخاص الاذين حصل لهم ا‬
‫وكثيراً ما يقولون‪ :‬نحن جئنا ولم نشاهد شيئا ً حسناً‪.‬‬
‫أوا ل شيء‪ :‬طلبك لم يكنْ صادقا ً‪.‬‬
‫ثاني شيء‪ :‬لم تهت ام‪ ،‬يجب االبتعاد عن أهل ال ادنيا أنت لم تبتعد‪ ،‬ويجب االبتعاد عن‬
‫اللاذات‪ ،‬وأنت لم تبتعد عن اللاذات‪ ،‬وكنت تتف اكر يمكن الجمع بين ال ادنيا واآلخرة‪ ،‬نعم‬
‫أجمع‪ ،‬فاإلمام الصاادق(عليه السالم) كان يعيش أحسن عيشة وفي الوقت نفسه كان‬
‫واصال وإماما ‪.‬‬
‫حبيبي‪ :‬في ك ال مليون شخص ممكن واحد يستطيع الجمع بين ال ادنيا واآلخرة‬
‫شيطان يأتي يرينا هؤالء األشخاص الاذين ليس‬ ‫وممكن ال يوجد هذا الشخص ولكن ال ا‬
‫معلوما ً يعني انهم وصلوا‪.‬‬
‫و اإلمام الصاادق (عليه السالم) قصاته تختلف‪ .‬اإلمام شيء آخر‪ ،‬وهناك أشخاص‬
‫عادياين مثال كان سلطانا ً وفي الوقت نفسه عارفا ً‪ ،‬فنحن نجمع بين السالطنة وبين‬
‫العرفان هذا مستحيل حبيبي!! هذا وهْ م منك ‪.‬‬
‫فمثالً‪ :‬األكل ص اح البدن بحاجة إلى األكل ولكن الحاجة إلى األكل ليس شيئا ً حقيق ايا ً‬
‫في اإلنسان كيف؟‬
‫نحن نذكر لكم ع ادة أمثلة‪ :‬يوجد أشخاص في العالم هؤالء لفترة طويلة لم يأكلوا‬
‫شيئا ً وكانوا جيادين ويعيشون‪.‬‬
‫القصة األولى‪:‬‬
‫شافعي الكبرى _اآلن أنا ما‬ ‫يقول‪ :‬السابكي أحد المؤرخين في كتاب طبقات ال ا‬
‫بشخص في‬‫ٍ‬ ‫أعرف أيا مجلاد هذا قرأته قبل ممكن عشرين سنة_ يقول‪ :‬أنا سمعت‬
‫منطقة ما وراء ال انهر تركستان أ انه عشرين سنة لم يأكل شيئا ولم يشرب ماء‪ ،‬فأنا لم‬
‫أص ادق االمر‪ ،‬فذهبت إليه ورأيته وكنت مع ُه ورأيت انه نعم لم يأكل‪ ،‬ولكن ك ال شيء‬
‫على حال ِه ولكن البطن كانت بالداخل يعني‪ :‬ليس مثلنا كنت معه لفترة طويلة لم يأكل‬
‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫ولم يشرب وقال‪ :‬أنا تعودت على هكذا واالكل والشرب ليس مه اما ً عندي هذا شيء‬
‫غريب يعني‪.‬‬
‫القصة الثانية‪:‬‬
‫شيخ عالء الدولة السامناني أحد العرفاء قال كان لي تلميذاً هو لفترة طويلة ما‬ ‫ال ا‬
‫كان يشرب وما كان يأكل‪ ،‬وك ال ما أصرُّ عليه يجب أن تشرب يجب تأكل ما كان‬
‫شيخ السامناني إ انه أصبح مظهراً لالسم الصامد قرأنا في دعاء‬ ‫يستمع‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ال ا‬
‫ص َمد" ما يأكل ‪،‬فإذا وقعنا في مجاعة يجب‬‫ص َمداً ال ُيط َع ُم" إذا قال‪َ ":‬‬
‫الجوشن الكبير"يا َ‬
‫ص َمد"ح اتى ما نحتاج إلى األكل‪.‬‬
‫ص َمد يا َ‬ ‫أن نذكر هذا االسم "يا َ‬
‫القصة الثالثة‪:‬‬
‫أتذكر في زمن األستاذ ا‬
‫الطهرانيا (ق ادس س اره) أحد اصدقائنا وكان اقدم م انا بكثير‬
‫عند الَّسيِّد قال‪ :‬أنا أعرف اشخاص ما يح اسون البالبرد وال بالحر يعني‪ :‬الصايف‬
‫شتاء ثياب‬ ‫شتاء عندهم سياان‪ ،‬ولكن الك ال يلبسون بال ا‬
‫شتاء عندهم سياان‪ ،‬الصايف وال ا‬ ‫وال ا‬
‫شتوياة هم أيضا ً يلبسون‪ ،‬الك ال يلبسون شيئا ً خفيفا ً ولكن هم أصالً ما يحساون ال بالبرد‬
‫شيء بال انسبة إلى بعض األشخاص إذ ال يوجد فرق عندهم بين اللايل‬ ‫وال بالحر ونفس ال ا‬
‫وال انهار‪ ،‬يعني‪ :‬باللايل كأنه نهار عندهم وهم يرون ك ال شيء ولكن ال اناس ينامون هم‬
‫أيضا ً ينامون متعودين على هذا الشيء‪.‬‬
‫شرب وباقي األمور ليست طلبات أصلياة وحقيق اية‬ ‫هذا معناه أنا ال انوم‪ ،‬واألكل ‪ ،‬وال ا‬
‫ويمكن ال اتجاوز عنها‪.‬‬
‫الطلب الحقيقيا ؟ وهي المعرفة باهلل تبارك‬ ‫الطلب الحقيقيا ماهو ا‬ ‫فلنفحص عن ا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫هلل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الثامنة من حماضرات الدعاء ‪1 ..........................................‬‬
‫البحث ‪1 .................................................................. :‬‬
‫الطلبات املؤقتة الفانية والطلبات األصيلة يف االنسان ‪1 ............................‬‬
‫أشعار للعارف ابن الفارض املصري(قدس)‪1 ................................... :‬‬
‫توطئة‪2 .................................................................... :‬‬
‫عالقة طلبات االنسان بتوسع ادراكات االنسان ومشاعره‪2 ...................... :‬‬
‫قصة احلرب بني مصر واليونان‪3 .............................................. :‬‬
‫مقتل الشاه شجاع ‪3 .........................................................‬‬
‫حتمية املوت يف نظام العامل للحد من رغبة اإلنسان يف توسيع طلباته‪4 ............ :‬‬
‫التمييز بني الطلبات احلقيقية واملؤقتة واالهتمام بالطلبات احلقيقة‪5 ................ :‬‬
‫ظهور الطلبات املرسوخة يف نفس اإلنسان عند العجز‪5 ......................... :‬‬
‫القصة األوىل‪5 .............................................................. :‬‬
‫القصة الثانية‪5 .............................................................. :‬‬
‫القصة الثالثة‪6 .............................................................. :‬‬
‫ظهور ما يف النفس عند الغضب ‪6 .............................................‬‬
‫وصول الشيخ عباس القوجاين إىل طلبه احلقيقي‪6 ............................... :‬‬
‫ينبغي معرفة الطلب وحتديده‪8 ................................................ :‬‬
‫قصة الشيخ األنصاري ‪8 .................................................... :‬‬
‫جيب أن ال يكون الطلب رخيصا‪8 ............................................ :‬‬
‫األديان السماوية والسلوك اإلهلي يدفعان االنسان إىل االنصراف من الظاهر إىل‬
‫الباطن‪9 ........................................................................ :‬‬
‫السالك مادام مل يدخل يف عامل التجرد يكون طلبه يف خطر مامل ينكشف له عامل‬
‫التجرد ‪9 ....................................................................... :‬‬
‫الطلب احلقيقي هو عامل التوحيد‪9 ............................................ :‬‬
‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة‬

‫الوصول إىل عامل التوحيد بإرجاع كل شيء إىل األمساء اإلهلية‪10 .................:‬‬
‫قصة عدم طرد السلطان لكلبه‪10 ............................................ :‬‬
‫أسباب عدم وصول االنسان اىل عامل التجرد‪11 ................................ :‬‬
‫القصة األوىل‪11 ............................................................ :‬‬
‫القصة الثانية‪12 ............................................................ :‬‬
‫القصة الثالثة‪12 ............................................................ :‬‬

‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬
‫المحاضرة التاسعة من محاضرات الدعاء‬
‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫رمضان ل َِعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬
‫البحث ‪:‬‬
‫جملة من االستدراكات على المحاضرات السابقة‪:‬‬

‫بقي استدراك عمّا مضى حول عدم إمكانية معرفة ما الذي يدور وما هو متحقّق‬ ‫َ‬
‫الذات اإللهيّة‪.‬‬ ‫في ّ‬
‫الذات‪،‬‬‫هللا ُ َن ْف َس ُه)) [آل عمران‪ ]٣٠ :‬تحذرنا من ّ‬ ‫فأوّ لا‪ :‬اآلية الكريمة (( َوي َُح ِّذ ُر ُك ُم َ‬
‫فاهلل تبارك وتعالى يثبت ل ُه نفسا ا ويحذرنا من نفس ِه والمقصود من تحذيره من نفسه‬
‫يعني‪ :‬يحذرنا من التفتيش عن نفس ِه وعن ال ّتوجه إلى كشف ما في نفس ِه والسّبب ج ّداا‬
‫الذات اإللهيّة ل يمكن أن يتعلّق العلم بها ول يمكن معرفة ما في هللا وما‬ ‫واضح؛ ألنّ ّ‬
‫شيء ال ّنازل ل يستطيع‬ ‫الذات وال ّ‬ ‫في ذاته عن طريق العلم؛ ألنّ العلم مرتبة نازلة من ّ‬
‫شيء العالي‪.‬‬ ‫أن يحيط بال ّ‬
‫ثانيا‪ :‬وتشير إلى هذا المعنى اآلية الكريمة األخرى عندما ال ّنبيّ عيسى (ع)‬
‫ك أَ َ‬
‫نت‬ ‫يخاطب هللا تبارك وتعالى فيقول‪َ (( :‬تعْ لَ ُم َما فِي َن ْفسِ ي َو َل أَعْ لَ ُم َما فِي َن ْفسِ َ‬
‫ك ۚ إِ َن َ‬
‫ب))[المائدة‪ ]١١٦ :‬يعني‪ :‬أيّ شيء يدور في خاطريّ وفي نفسيّ وفي‬ ‫َع َال ُم ْال ُغيُو ِ‬
‫ك((‪ ،‬فأوّ ل شيء‪ :‬أثبت أنّ هلل تبارك‬ ‫وجوديّ أنت محيط به (( َو َل أَعْ لَ ُم َما فِي َن ْفسِ َ‬
‫وتعالى نفساا‪ ،‬ونفس هللا تبارك وتعالى يعني‪ :‬ذاته‪ .‬وذاته تختلف عن ال ّنفس الّتي‬
‫يستخدمها الفيلسوف‪ ،‬أو العارف‪ ،‬أو المتكلّم الذي يقول‪ :‬مثالا هذه الموجودات لها‬
‫نفوس‪ ،‬نفوس فلكيّة‪ ،‬ولها نفوس أرضيّة‪ ،‬ولها نفوس جبروتيّة؟ ل‪ .‬هللا تبارك تعالى‬
‫نفسه يعني‪ :‬ذاته‪.‬‬
‫الحق ماهيّت ُه إ ّنيّت ُه إذ مقتضى العروض معلوليته)) الحكيم السّبزواريّ (ق ّدس‬ ‫(( ّ‬
‫س ّره) على ك ّل تقدير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫عالقة الدعاء والطلب المتبادل بين األعيان ال ّثابتة واألسماء اإلله ّية‬
‫ّأوالا‪ :‬دعاء وطلب األعيان ال ّثابتة لالسماء اإللهية‪:‬‬
‫الثابتة عندما تريد‬‫ننتقل إلى ما تق ّدم أيضا ا في الجلسات السّابقة حول أنّ األعيان ّ‬
‫أن ُتظهر نفسها ل طريقة إلظهار نفسها ّإل بال ّتوسّل‪ ،‬وال ّتوجه‪ ،‬والستعانة باألسماء‬
‫الثابتة ولو لم ت ّتصف هذه األعيان مثال ‪:‬بصفة‬ ‫اإللهيّة‪ ،‬فاألسماء اإللهيّة ُتظهر األعيان ّ‬
‫الحياة‪ ،‬بصفة العلم بصفة كذا وكذا لم تظهر‪ ،‬فتبقى من دون اإلشارة وما زالت في‬
‫حالة من الغموض‪ ،‬وعدم ال ّتوجه‪ ،‬وعدم امكانية ال ّتوجه؛ أل ّنه ل يمكن أن نشير إلى‬
‫الحق تبارك وتعالى؛ ألنّ ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫الثابتة وهي موجودة‪ ،‬و مندكة‪ ،‬وفانية في‬ ‫األعيان ّ‬
‫الميزات‪ ،‬وك ّل الكثرات‪ ،‬وك ّل ال ّتعينات تزول قبل الوصول إلى ّ‬
‫الذات األحديّة ‪.‬‬

‫ثانيا ا‪ :‬دعاء وطلب األسماء اإلله ّية لألعيان ال ّثابتة ‪:‬‬


‫هذه الصّفات والسماء نحنُ تكلّمنا عن دعاء األعيان لألسماء بأن يتجلّى عليها‬
‫الثابتة‪ ،‬فهل هذا ال ّدعاء خاصّ باألعيان أو‬ ‫السم الفالنيّ ح ّتى تظهر حقيقة هذه العين ّ‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى بال‬ ‫يشمل األسماء أيضاا؟ ألنّ األسماء اإللهيّة أيضا ا موجودة في‬
‫أيّ حد وبال أيّ تركيب وبال أيّ ماهيّة؟‬
‫الحق‪ ،‬وهذه األسماء عندما تريد تظهر كيف تظهر؟ ما‬ ‫ّ‬ ‫األسماء أيضا ا موجودة في‬
‫تظهر األسماء ّإل باألعيان الثابتة‪ ،‬فمثالا‪ :‬اسم الحياة كيف هذا السم الّذي ل يمكن‬
‫اإلشارة إليه بأيّ أنحاء اإلشارة من الشارة الوهميّة‪ ،‬والحسيّة‪ ،‬والعقليّة‪ ،‬و السمائيّة‬
‫فإذا ل يمكن اإلشارة إلى هذا السم‪ ،‬فكيف يظهر هذا السم ؟‬
‫السم بحاجة إلى موضوع ألجل أن يظهر ؛ أل ّنه اسم‪ ،‬فيتح ّقق‪ ،‬فيتجلّى هذا السم‬
‫على أحد األعيان‪ ،‬فتصبح هذه العين حي اّة(من السم الحي او الحياة)‪ ،‬أو تصبح هذه‬
‫عالمة(من السم العالم) فالسم‬ ‫ا‬ ‫العين قادر اة(من السم القادر)‪ ،‬أو تصبح هذه العين‬
‫بحاجة إلى عين إذن األعيان بحاجة إلى األسماء في ظهورها ل في وجودها‪،‬‬
‫واألسماء أيضا ا بحاجة إلى األعيان‪.‬‬
‫ولكنّ كأ ّنه األعيان بحاجة إلى وجود أقوى هذا نسمّي ِه مثالا باختالف ال ّتعابير إلى‬
‫مالك‪ ،‬إلى قادر‪ ،‬إلى هذه األسماء ح ّتى تتجلّى عليها األسماء ما تحتاج إلى هذا‪،‬‬
‫األسماء تفحص عن زبائن مثال‪ :‬نحن باإلنترنت‪ ،‬أو بالسّوق‪ ،‬أو بالسّيارة نفحص عن‬
‫الذات األحديّة ح ّتى تتجلّى عليها‪،‬‬ ‫زبائن نلتقطهم‪ ،‬فاألسماء تفحص عن األعيان في ّ‬
‫تتجلّى عليها ّ‬
‫بالظهور‪.‬‬
‫إذن كما يمكن تصوّ ر ال ّدعاء في جانب األعيان كذلك يمكن تصوّ ر ال ّدعاء في‬
‫جانب األسماء‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫اختالف شواكل األعيان ال ّثابتة في تل ّقيها لألسماء اإلله ّية‪:‬‬


‫وهناك يقع تضارب ك ّل اسم يريد أن يتجلّى على عين‪ ،‬فهذا السم يريد يتجلى و‬
‫بمقدار كذا يريد يتجلى ‪،‬وذاك السم أيضا‪.‬‬
‫وهناك بعض األعيان قابليتها ج ّداا قويّة ول يمكن ال ّتعبير عن القابلية بالستعداد ‪،‬‬
‫هذا يعني‪ :‬مشكلة في البيان(ألن العيان في األحدية ليست على نحو الستعداد بل‬
‫محكومة بأحكام الحدية وقوتها قوة الحدية) لذا البيان يعجز عن التعبيرعلى ك ّل‬
‫تقدير‪.‬‬
‫الثابتة مثال تقبل الرّحمة اإللهيّة أكثر من تلك العين وهناك(في األحدية)‬ ‫هذه العين ّ‬
‫شواكل شواكل األعيان إذ تختلف بعضها عن البعض اآلخر‪ ،‬فشاكلة هذه‬ ‫يأتي دور ال ّ‬
‫العين تختلف عن شاكلة تلك العين‪.‬‬
‫في ماذا تختلف الشواكل ؟ تختلف الشواكل في تل ّقي األسماء وظهور األسماء‬
‫الثابتة ما شمّت رائحة الرّحمة‬ ‫شواكل‪ ،‬واألعيان ّ‬ ‫وتجلّي األسماء عليها‪ ،‬فبعض ال ّ‬
‫نهائياا‪ ،‬فعندما تنزل هذه العين وتصل إلى هذه الدنيا تراهُ ما في قلبه شفقة ول رحمة‬
‫يغ وصُنع قلب ُه من الحجر‪.‬‬ ‫يعني‪ :‬كأ ّنه َ‬
‫ص َ‬

‫ٰ‬
‫الرحمن‪:‬‬ ‫المغولي لالسم‬
‫ّ‬ ‫انعدام تل ّقي شاكلة جنكيز خان‬
‫أحد قوانين جنكيز خان المغوليّ ‪ :‬إ ّنه لو كان في أحد جيوش ِه شخصا يترحّ م‬
‫ويتلطف على موجود في الحرب كان يجب على قائد الجيش أن يقتلهُ؛ أل ّنه ممنوع‬
‫يكون في قلبك رحمة‪.‬‬
‫ففي أحدى هجمات أحد الجيوش‪ ،‬المغوليّة عندما هجموا على إيران‪ ،‬أو منطقة‬
‫أخرى رأى أحد الجنود ولداا صغيراا رضيعا ا فجعل رأس احد القتلى في فم هذا ّ‬
‫الطفل‬
‫والطفل تف ّكر أ ّنه ثدي أ ّم ِه وبدأ يرضع ال أ ّنه عندما أحس إنه ليس ثدي أُمّه بكى‬
‫ّ‬
‫والجندي كان يضحك‪ ،‬فرأى القائد هذا الفعل من الجندي وقال له‪ :‬لماذا صنعت هذا؟‬
‫شخص ‪.‬فعندما عاتبه القائد لم يكن‬ ‫يجب أن تقتله‪ ،‬فقتل الطفل الرضيع وقتل هذا ال ّ‬
‫عتابه أنك لماذا توقفت عن القتل بل عتابه بأنك يجب أن تقتل الطفل الرضيع !‬
‫فبعض ال ّناس هللا تبارك وتعالى ما جعل في قلبه رحمة‪.‬‬

‫ٰ‬
‫الرحمن بكامله‪:‬‬ ‫بي مح ّمد (صلى هللا عليه واله) لالسم‬ ‫تل ّقي شاكلة ال ّن ّ‬
‫الرسول األكرم (صلى هللا عليه واله) على العكس من البعض‪ ،‬فشاكلت ُه مخمّرة‬
‫ومص ّنع ُه من الرّحمة ال ّنهائيّة‪ .‬يعني‪ :‬شاكلة ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله ) كانت بحيث‬
‫الثابتة للرسول األكرم ل توجد رحمة ّإل‬ ‫الذات اإللهيّة هذه العين ّ‬ ‫الذات األحديّة في ّ‬ ‫في ّ‬
‫تجلّت عليها فصار‪َ (( :‬و َما أَرْ َس ْل َنا َ‬
‫ك إِ َل َرحْ َم اة لِّ ْل َعالَم َ‬
‫ِين)) (األنبياء‪.(١٠٧ :‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫بي مح ّمد (ص) في الدّنيا واآلخرة‪:‬‬ ‫الرحمة ال ّتكوين ّية لل ّن ّ‬ ‫ّ‬


‫ِين)) (األنبياء‪ (١٠٧ :‬يا أيُّها ال ّنبيّ أنت رحمة‬ ‫(( َو َما أَرْ َس ْل َنا َ‬
‫ك إِ َل َرحْ َم اة لِّ ْل َعالَم َ‬
‫ألهل هذه ال ّدنيا‪ ،‬وألهل اآلخرة ‪.‬‬
‫رحمة يعني‪ :‬أ ّنه يرحم‪ ،‬وال ّدين‬‫ا‬ ‫الظاهر يقولون‪:‬‬ ‫ما هو معنى ال ّرحمة؟ حبيبي‪ :‬أهل ّ‬
‫اإلسالميّ رحمة لل ّناس‪ ،‬واإلسالم رحمة للناس ‪.‬‬
‫هللا تبارك وتعالى أتى بال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم)؛ وأل ّنه رسول فأتى‬
‫شريعة وهذه رحمة كبيرة‪.‬‬ ‫بالكتاب وال ّ‬
‫ِين)) يعني يقول‪ :‬رحمة ألهل الدنيا‬ ‫لكن هللا تبارك وتعالى يقول(( َرحْ َم اة لِّ ْل َعالَم َ‬
‫ورحمة ألهل اآلخرة أيضا ا‪ ،‬فأنت يا رسول هللا رحمة في اآلخرة‪ ،‬فماهي رحمة ال ّنبيّ‬
‫(صلى هللا عليه واله)؟ ففي الدنيا وبالنظر للسان الكتب‪ ،‬فهؤلء جماعة موسويّون‪،‬‬
‫وجماعة نصرانيون‪ ،‬وجماعة من أصحاب ال ّنبيّ إبراهيم (عليه السالم) و ال ّنبيّ لم يكنْ‬
‫بال ّنسبة إليهم رحمة في هذا العالم وعلى هذا المنظار يكون نبيُّ ك ّل قوم رحمة لقوم ِه‬
‫ا‬
‫رحمة ألهل اآلخرة؟‬ ‫ولكن ال ّنبيّ نبيّنا رحمة ألهل األخرة فلماذا صار‬
‫هذا دليل على الولية ال ّتكوينيّة لل ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) يعني‪ :‬يستدلون‬
‫بهذه اآلية المباركة على أ ّن ُه إذا كان رحمت ُه في اآلخرة معناهُ الرّحمة ال ّتكوينيّة؛ أل ّنها‬
‫تشمل المسيحيّ ‪ ،‬والكافر‪ ،‬وك ّل من في ذاك العالم عالم الخرة‪.‬‬
‫يعني‪ :‬إذا كانت الرحمة بالبالغ والتبليغ ألهل الدنيا فكيف يكون رحمة ألهل‬
‫األخرة؟ هل بالبالغ ال ّرساليّ !؟ ل ‪ .‬فال يوجد هناك رسالة ؟ إذن ل يوجد طربق ّإل أن‬
‫نقول المقصود من ال ّرحمة ‪ :‬الرّحمة الّتكوينيّة والرسول األكرم (صلى هللا عليه واله‬
‫وسلم) مظهرها إذن حيث كانت رحمت ُه في اآلخرة رحمة تكوينيّة‪ ،‬فحتما ا تكون‬
‫رحمت ُه في ال ّدنيا أيضا ا رحمت ُه رحمة تكوينيّة‪ ،‬وهذا دليل على أنّ ال ّنبيّ (صلى هللا‬
‫عليه) صاحب الولية ال ّكليّة اإللهيّة‬

‫بي (صلى هللا عليه واله) لالسم هللا‪:‬‬ ‫سبب مظهر ّية ال ّن ّ‬
‫شواكل وصل أمرها ووصلت حقيقتها في مقام تلقّي األسماء اإللهيّة بأنّ‬ ‫بعض ال ّ‬
‫السم اإللهيّ األقرب يتجلّى عليها بكامل ِه ول يوجد شيء أقرب إلى اسم هللا ّإل الرّحمة‬
‫هللا أَ ِو ْادعُوا الرَ حْ َم َن أَ اّيا َما َت ْدعُوا َفلَ ُه ْاألَسْ َما ُء ْالحُسْ َنى)‬
‫اإللهيّة‪ :‬قال تعالى ((قُ ِل ْادعُوا َ َ‬
‫هللا أَ ِو ْادعُوا الرَ حْ َم َن))‪ 1‬يعني جعل الرّحمن عدل‬ ‫(األسراء‪ )١١٠ :‬فقوله ((قُ ِل ْادعُوا َ َ‬
‫ِين)) يعني‪:‬‬ ‫هللا تبارك وتعالى فالشخص الّذي يوصف بـ(( َو َما أَرْ َس ْل َنا َ‬
‫ك إِ َل َرحْ َم اة لِّ ْل َعالَم َ‬
‫شاكلتك شاكلة الرّحمة اإللهيّة الكاملة يعني‪ :‬أنت أوسع في تلقّي السم هللا‪ ،‬ومن ه ّنا‬

‫‪1‬‬
‫هناك استدالل آخر عن طريق هذه اآلية الشريفة ذكره الشيخ قاسم الطهراين يف حماضرات األحدية ومفاده ان الداعي‬
‫اىل االسم اهلل البد وان يكون قد وصل حلقيقة االسم اهلل واال الميكن أن يدعوا لالسم اهلل وهو مل يصل إليه ومع‬
‫هذا االستدالل يكون لدينا دليال جديدا لوصول النيب األكر لالسم اهلل ومههريته له‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫أيضا ا صار ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) مظهراا لالسم هللا‪.‬‬

‫شريعة المح ّمد ّية‬ ‫شريعة الع ّيسو ّية مع ال ّ‬ ‫سبب ا ّتحاد ال ّ‬
‫نبيّان في القرآن هما مظهران لالسم هللا اح ُدهم ال ّنبيّ عيسى (عليه السالم) (( َقا َل‬
‫اب َو َج َعلَنِي َن ِب اّيا)) ( مريم‪ )٣٠:‬فـ((عبد هللا )) يعني‪ :‬مظهرا هلل‪.‬‬ ‫إِ ِّني َع ْب ُد َ ِ‬
‫هللا آ َتان َِي ْال ِك َت َ‬
‫واآلخر نبينا الكريم(صلى هللا عليه واله وسلم) ففي سورة الجن يصف القران ال ّنبيّ‬
‫(صلى هللا عليه واله) بعبد هللا (( َوأَ َن ُه لَمَا َقا َم َع ْب ُد َ ِ‬
‫هللا َي ْدعُوهُ َكا ُدوا َي ُكو ُن َ‬
‫ون َعلَ ْي ِه لِ َب ادا))‬
‫شاكلة كان مظهراا لالسم هللا‪.‬‬ ‫رحمة للعالمين بهذه ال ّ‬ ‫ا‬ ‫(الجن ‪ ،)١٩:‬فحيث أ ّنه كان‬
‫ومن ه ّنا شريعة ال ّنبيّ عيسى (عليه السالم) وشريعة نبيّنا محمّد (صلى هللا عليه‬
‫شريعة‬ ‫شريعة المسيّحيّة ال ّ‬ ‫واله وسلم)؛ ألنّ كليهما يرجعان إلى اسم (هللا)‪ ،‬فال ّ‬
‫شريعة اإلسالميّة في آخر ال ّزمان‪ ،‬فينزل ال ّنبيّ عيسى (عليه‬ ‫ال ّنصرانيّة تلتقي بال ّ‬
‫السالم) إلى األرض‪ ،‬فيصلّي خلف اإلمام؛ أل ّنهما مظهران لسم واحد وهو اسم هللا‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫صفات في ال ّذات األحد ّية بال حدودها‪:‬‬
‫تح ّقق األعيان واألسماء وال ّ‬
‫إذن هذا الّذي قلنا األسماء والصّفات تحتاج في ظهورها إلى األعيان ّ‬
‫الثابتة تحتاج‬
‫ّ‬
‫الحق بال أيّ تعين وبال أيّ‬ ‫في ظهورها ل في تحق ّقها‪ ،‬فاألسماء‪ ،‬والصّفات متحقّقة في‬
‫تكثر إذن هذا الكالم‪ ،‬كالم متين وصحيح‪.‬‬‫ّ‬

‫كالم العرفاء حول العالقة بين األعيان ال ّثابتة‪ ،‬واألسماء اإلله ّية‪:‬‬
‫نرجع إلى كالم بعض العرفاء مثالا قول الشيخ األكبر ابن عربي(قدس )يقول‪:‬‬
‫فلوله لم أوجد ولولي لم يكن‬
‫ول ب َد لي في كون ذاتي من اثنين‬

‫أنت ماذا يعني هذا الكالم ؟‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫أنت‪ ،‬ولو لم أكنْ أنا لم تكنْ‬ ‫ولولي لم يكنْ‬
‫َ‬ ‫يعني‪:‬‬
‫وهل هذا دليل على زندقة؟‬
‫ّ‬
‫الوهابيّة الحمقاء يقولون‪ :‬هذه زندقة ‪.‬ل يا حبيبي‪ :‬هذا مقام الظهور يقول‪ :‬ألنّ‬
‫الظهور بحاجة إلى األسماء‪ ،‬فيقول‪ :‬لألسماء اإللهيّة مثالا منها‬ ‫الثابتة في مقام ّ‬
‫األعيان ّ‬
‫السم األحد لو لم أكنْ أنا لم تظهر أنت ما يقول لم تتح ّقق بل يقول‪ :‬لم تظهر و هذا‬
‫الكالم صحيح ومضبوط؛ ألنّ األعيان في ظهورها بحاجة إلى األسماء‪ ،‬واألسماء‬
‫أيضا ا في ظهورها بحاجة إلى األعيان‪.‬‬
‫البسطامي في التوافق بين األسماء اإلله ّية واألعيان ال ّثابتة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مشاهدة أبي يزيد‬
‫توجد مشاهدة‪ ،‬مكاشفة معروفة ألبي يزيد البسطامي هللا تبارك وتعالى في حالت‬
‫خاصّة مع الرّبّ هللا قال‪ :‬له يا أبا يزيد هل تسمح أن أنا أنشر خطاياك وذنوبك الّتي‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫شرفاء‪ ،‬فال ّناس ماذا يصنعون بك؟ إذا أنا افضح أمرك‬ ‫تفعلها في الخفاء عند الناس ال ّ‬
‫وأقول لل ّناس هذا أبو يزيد البسطامي صنع كذا وكذا في الخفاء! ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ياربّ هل تسمح أن أقول شيئا ا عن رحمتك‪ ،‬ولطفك‪ ،‬وسترك‪ ،‬وغفرانك وهللا‬
‫لو قلت وبيّنت شيئا ا ضئيالا عن عفوك‪ ،‬ورحمتك‪ ،‬وغفرانك لك ّل ال ّناس‪ ،‬فالناس كل‬
‫تر أحداا عابداا مؤمنا ا في األرض يعني‪ :‬الك ّل يعصونك؛ ألنّ‬ ‫الناس يعصونك ول َ‬
‫الرّحمة اإللهيّة هكذا‪.‬‬
‫هذه حالت‪ :‬ليس معناه الوحي أتى بل حالت‪ :‬فصار ال ّتوافق بينهما بين هللا‬
‫اس رحمته‬ ‫تبارك وتعالى وأبي يزيد البسطامي ‪ ،‬فاهلل ل يفضح أمرهُ وهو ل يكشف لل ّن ِ‬
‫وسعة غفران ِه‪.‬‬
‫إذن هذا الكالم الّذي أحيانا ا نسمعه من العرفاء يشير إلى هذا المعنى يعني‪ :‬األعيان‬
‫في ظهورها بحاجة إلى األسماء‪ ،‬واألسماء في ظهورها بحاجة إلى األعيان‪ ،‬هذا‬
‫شيء يعني‪ :‬محاكاة بينهما حتما ا بين األعيان واألسماء توجد تفاعالت وتوجد‬ ‫ال ّ‬
‫تجاذبات في ّ‬
‫الذات األحديّة‪.‬‬
‫اإللهي اللّد ّن ّي على أعيان أوليائه الك ّملين بعد فناءهم في ال ّذات األحد ّية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫تجلّي العلم‬
‫هللاُ‬ ‫نحنُ ل نعرف أيّ شيء عن هللا؛ ألنّ هللا تبارك وتعالى يقول‪َ (( :‬وي َُح ِّذ ُر ُك ُم َ‬
‫َن ْف َس ُه))(آل عمران‪ ،)٣٠ :‬وال ّنبيّ عيسى (عليه السالم) أيضا ا يقول ‪َ ((:‬تعْ َل ُم َما فِي َن ْفسِ ي‬
‫ب)) (المائدة ‪(١١٦:‬‬ ‫نت َع َال ُم ْال ُغيُو ِ‬‫ك أَ َ‬
‫ك ۚ إِ َن َ‬ ‫َو َل أَعْ لَ ُم َما فِي َن ْفسِ َ‬
‫الذات اإللهيّة ماذا تقولون؟ ل أبدا ل نستطيع أن نفهم‪،‬‬ ‫ففي ال ّنفس اإللهيّة‪ ،‬وفي ّ‬
‫ي‬ ‫الحق غير قادر على فهم أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫متى ل نستطيع أن نفهم؟ ألنّ علمنا قبل الوصول إلى‬
‫الحق يعني‪ :‬العارف إذا أفنى نفس ُه‬ ‫ّ‬ ‫الذات اإللهيّة‪ ،‬وأمّا العلم عند الرجوع عن‬ ‫شيء في ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى ثم رجع عن الفناء ووصل إلى عالم البقاء‬ ‫ّ‬ ‫وفُنيت نفس ُه وذاته في‬
‫هنا يأتي دور العلم يأتي دور الصّفات بهذا العلم يفهم شيئاا؛ ألنّ هذا العلم في سفره من‬
‫الحق‪ ،‬وهوعلم‬ ‫ّ‬ ‫بالحق يعني العلم ليس علم ُه بل علم‬ ‫ّ‬ ‫بالحق يعني‪ :‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫الحق إلى الخلق‬ ‫ّ‬
‫رف فالعبد ما يعرف‪،‬‬ ‫رف هللا َع َ‬‫الحق مع ُه‪.‬ف إذن إذا َع َ‬ ‫ّ‬ ‫الحق؛ ألنّ‬‫ّ‬ ‫لد ّنيّ ‪ .‬نعم‪ .‬علم من‬
‫وهذا قصّة أخرى ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫وهذا معناهُ عندما الئمّة (عليهم السّالم)‪ ،‬أو العرفاء يتكلّمون عن شيء عن‬
‫تبارك وتعالى كالمهم صحيح في عالم البقاء باهلل‪.‬‬
‫الحق ليس‬ ‫ّ‬ ‫الحق في مشي ِه إلى‬‫ّ‬ ‫في عالم قبل البقاء يعني‪ :‬عندما السّالك يمشي إلى‬
‫الحق مع نفسهِ‪ ،‬فالعلم الموجود فيه ولو توسّع علم نفساني وليس علما ا إله ّياا‪ ،‬فال‬ ‫ّ‬ ‫مع‬
‫يقدر أن يفهم عن هللا شيئاا‪ ،‬ولو َعلِ َم َع ْل َم األوّ لِين واآلخرين؛ أل ّنه ما ذاق تلك الحقيقة ‪.‬‬
‫ا‬
‫سعة وضيقا ا ‪:‬‬ ‫تختلف شواكل األعيان ال ّثابتة في ال ّذات اإلله ّية‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى تختلف ك ّل عين عن اآلخرى بشاكلتها‪،‬‬ ‫األعيان ّ‬
‫الثابتة في‬
‫ولكن صحيح إنّ في هذا البحر العمالق هذا البحر الّذي ل ساحل له‪ ،‬وهذا المحيط‬
‫أنت ممكن تتصوّ ر أن داخل هذا المحيط يوجد داخله البحر‪ ،‬ويوجد داخل البحر‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫بحيرة‪ ،‬وداخل البحيرة حوض‪ ،‬وداخل الحوض كأس من الماء‪ ،‬وهكذا األعيان ّ‬
‫الثابتة‬
‫ا‬
‫سعة‪ ،‬وضيقا ا من دون إمكانية‬ ‫الحق تبارك وتعالى شواكلهم تختلف‬ ‫ّ‬ ‫الموجودة في‬
‫اإلشارة إليها كما قلنا ولكن هذه حقيقة يعني‪ :‬ال ّ‬
‫شواكل تختلف‪.‬‬
‫دعاء األعيان ال ّثابتة لألسماء اإلله ّية الكامنة فيها لظهورها‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك‬ ‫هذه العين ّ‬
‫الثابتة عندما تنزل في السّير ال ّنزوليّ تنزل ثم تعود إلى‬
‫وتعالى‪ ،‬فعندما تنزل تفقد ما كان حاصالا عندها‪.‬‬
‫شيء الّذي وجدَ لم يعدم‬ ‫تفقد ليس بمعنى الفقدان الحقيقيّ بل تكمن ويختفي‪ ،‬فال ّ‬
‫شيء الموجود لم يعدم أبداا إذن ماذا يصير؟ الذي يصير ويحدث ان هذه المواصفات‬ ‫ال ّ‬
‫تختبئ ك ّل ما تنزل في عالم يختفي ماتحل للعين في العالم السابق وتنزل ح ّتى تصل‬
‫إلى أسفل السّافلين واآلن عندما تريد العين ان ترجع‪ ،‬فيرجع ما كان مختبئا ا ِ‬
‫فيها ويبدأ‬
‫ّ‬
‫بالظهور‪.‬‬

‫الوحدة األسمائ ّية في شاكلة أمير المؤمنين (عليه السالم)‪:‬‬


‫إذن شاكلة األمير (عليه السالم) عندما نزلت‪ ،‬وعندما رجعت ما زاد عليها شيء‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك‬ ‫واحد‪( ،‬علي)(عليه السالم) قبل ال ّنزول إلى هذه ال ّدنيا‪ ،‬وبعد وصول ِه إلى‬
‫وتعالى شيء واحد يعني‪ :‬ما زاد ول نقص لماذا؟ هللا تبارك وتعالى قبل أن يخلق‬
‫كان هللا ُ ول َم َيكنْ َم َع ُه شيء)) ثم ظهر الخلق‪ ،‬هذا الخلق العجيب الغريب الّذي‬ ‫الخلق (( َ‬
‫ل يصل إلي ِه فهمنا‪.‬‬
‫كان هللا ُ َولَم َيكنْ َمع ُه شيء واآلن‬
‫يوجد كالم عن العارف عن الجنيد البغداديّ ‪َ (( :‬‬
‫كان ((يعني‪ :‬هللا تبارك وتعالى رغم صدور هذه الكثرات عن ُه اآلن ليس كثيراا‪،‬‬ ‫َك َما َ‬
‫واآلن على حال ِه من ال ّتفرّد‪.‬‬
‫العطار ال ّنيشابوريّ يقول ‪:‬‬
‫*دائما او پادشاه مطلق است‬
‫در کمال عز خود مستغرق است‪.‬‬
‫‪-‬يعني بال ّدوام هو السّلطان المطلق وجالس في مقام ع ّز ِه وع ّزتهِ‪ ،‬بل لم‬
‫كان هللا ُ َولم َيكنْ مع ُه شيء واآلن َكما َ‬
‫كان"‬ ‫يتنازل‪َ ":‬‬
‫هذا الكالم موجود في كلمات اإلمام موسى ابن جعفر (عليه السالم) فكأنّ الجنيد‬
‫الظروف واألجواء ما كانت تسمح ل ُه أن‬ ‫البغداديّ أخذهُ عن اإلمام (عليه السالم) ولكن ّ‬
‫يوصل ُه إلى اإلمام الكاظم (عليه السالم) هذا مذكور ومسند إلى اإلمام الكاظم (عليه‬
‫السالم) عن طريق أحد أصحابه ‪.‬‬

‫عدم تغير شواكل األعيان ال ّثابتة عند نزولها‪ ،‬و رجوعها من و إلى ال ّذات اإلله ّية‪:‬‬
‫الذات اإللهيّة بسبب بساطتها وعلى الرغم من ما صدر عنها بالخلق مازالت على‬ ‫ّ‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫بساطتها‪.‬‬
‫ِ‬
‫األعيان الثابتة التي قلنا لك ّل عين شاكلة وشاكلة هذه العين تختلف عن تلك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شاكلة تنزل عن المقام الالهوتي هذه العين عندما تنزل وتتطوّ ر ويأتي ويرى العوالم‬ ‫ال ّ‬
‫ممكن ألف سنة كم من اآللف من السّنين تأتي‪ ،‬وتنزل وعندما ترجع هل تزيد شيئا ا‬
‫نفسها؟ ما تزيد شيئاا؛ ألنّ هللا تبارك وتعالى صاغها بشاكلتها الّتي كانت ماهيّتها‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫وحقيقتها وموجودة فيها في ك ّل هذه العوالم تظهر وتكمن حقيقتها فهل تفقد؟ ما تفقد بل‬
‫تكمن وتختبئ عند ال ّنزول‪ ،‬وت ّتضح‪ ،‬وتظهر عن الصّعود‪ ،‬فبال ّنسبة إلى ك ّل عين يمكن‬
‫القول أ ّنها" كا َنت واآلن َك َما هي على َحالها"‬
‫إذن ومن هنا يستدل اإلمام بحالت ِه على أ ّننا ك ّنا مثالا عند هللا تبارك وتعالى ك ّنا‬
‫أنوارا كلّنا أنواراا مثالا؛ نسبّح عند ربّنا‪.‬‬
‫ك ّل هذه الولية ال ّتكوينيّة لألئمّة عليهم السّالم ولألولياء في الحقيقة كانت كاملة في‬
‫الثابتة ظهرت ثم رجعت الي ِه هذا أيضا ا مطلب‪.‬‬ ‫ذواتهم وأعيانهم ّ‬
‫إذن تصورنا ال ّدعاء في األسماء‪ ،‬وتصوّ رنا الدعاء في األعيان‪ ،‬وفي الحقيقة‬
‫ال ّدعاء ل يزيد عليهم شيئا ا إ ّنما ُيظهر ما كان مختبئا ا فيهم على مرّ ك ّل هذه العوالم الّتي‬
‫األعيان ّ‬
‫الثابتة تم ّر عليها ‪.‬‬
‫رجوع الكثرة األسمائ ّية الوهم ّية لألعيان ال ّثابتة إلى وحدتها‪:‬‬
‫ومن هنا يقول أهل المعرفة‪ :‬ال ّنهايات هي الرّجوع إلى البدايات‪ .‬وقلنا ‪:‬هذه‬
‫المسألة فالعين ال ّراجعة إلى محلها ل تزيد على شاكلتها شيئا ا وهذا يعني‪ :‬رجوع الكثير‬
‫إلى الواحد والكثرة إلى الوحدة‪.‬‬
‫ومراد العارف من قوله‪ :‬إنّ الكثرة وهميّة‪ .‬فالعارف يقول‪ :‬نحن ل نرى الكثرة‬
‫لحبيبي‪ :‬كما أنّ هللا تبارك وتعالى بال ّنسبة إليه يقال ‪َ (( :‬‬
‫كان هللا ُ َول َم َيكنْ مع ُه شيء‬
‫كان)) يعني ماذا؟ يعني‪ :‬هذه الكثرة ترجع إلى الوحدة‬ ‫كان))‪((،‬واآلن َكما َ‬ ‫واآلن َكما َ‬
‫يعني‪ :‬هذا أنت م ّر اة تنظر هذه الحقيقة بالعين اليمنى‪ ،‬وأخرى بالعين اليسرى‪.‬‬
‫الذات األحديّة األحديّة ل‬ ‫وفي الحقيقة هللا تبارك وتعالى ليس واحداا ول كثيراا ّ‬
‫ت ّتصف بأيّ شيء ل بالوحدة ول بالكثرة إذن هذه الوحدة والكثرة وكذا وكذا هذا في‬
‫عالمنا وهي تقيّدات في علمنا في إدراكاتنا هذه المسألة موجودة أيضا ا في األعيان إذن‬
‫هذا قصدهم من قولهم ان الكثرة وهميّة وليس شيئا ا آخر‪.‬‬

‫وجود األسماء اإلله ّية هي عين الوجود لألعيان ال ّثابتة‪:‬‬


‫قلنا إنّ حقيقة رجوع الكثير إلى الواحد هذه المسألة ت ّتضح حقيقتها عند الرّجوع‬
‫الذهاب وقبل الوصول إلى‬ ‫الحق تبارك وتعالى؛ ألنّ العلم بهذا المعنى لو كان قبل ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫الحق هذا ما يفيد؛ أل ّنه ما وصل ح ّتى يفهم‪ ،‬ما وصل إلى األعيان ّ‬
‫الثابتة‪ ،‬ما وصل‬ ‫ّ‬
‫الى مأوى ومعدن األسماء والصّفات ح ّتى ي ّتصف بهذا وذاك ي ّتصف بهذا‪ ،‬فما يعرف‬
‫ّ‬
‫والحق تبارك‬ ‫شيئا ا عنهم‪ ،‬والصّفات دائما ا عبارة عن الصّلة بين األعيان‪ ،‬أو بين العين‬
‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫وتعالى ‪.‬‬
‫ّ‬
‫األسماء كيف تظهر؟ بمقايسة هذه العين الثابتة إلى هذا‪ ،‬إذ تقيس هذا الوجود إلى‬
‫هذا‪ ،‬ومانسبة هذا الوجود بهذا الوجود؟ الجواب هو‪ :‬علّته‪ ،‬فصار علّ اة‪ ،‬وهذا سببهُ‪،‬‬
‫هذا ما نسبته؟‬
‫هذا الوجود يحبّ هذا الوجود‪ ،‬وهذا الوجود اآلخر يحبّ هذا الوجود يأتي الحبّ ‪،‬‬
‫وهذا الموجود يبغض هذا الموجود‪.‬‬
‫فإذن الصّفات‪ ،‬واألسماء عبارة عن الصّلة‪ ،‬أو ال ّرفض‪ ،‬أو كيفيّة تعامل هذه‬
‫الموجود بالموجود اآلخر‪.‬‬
‫أنت تتعامل مع الموجود اآلخر إمّا بالحبّ أو بالضّرب والبُغض‪ ،‬أو باإلحسان‪،‬‬
‫أو باإلكرام‪ ،‬ما لم يكنْ هناك موجود ل توجد صلة لألسماء‪ ،‬والصّفات دون وجدو‬
‫الموجود‪.‬‬

‫تح ّقق عين الوجود لألعيان ال ّثابتة من خالل تج ّلي ّ‬


‫الرحمة اإلله ّية عليها‪:‬‬
‫الحق تبارك وتعالى إذا لم تكنْ هناك أعيان ولم تكنْ هناك موجودات‪ ،‬فأين‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك‬
‫الرّحمة اإللهيّة؟ وكيف تظهر رحمته وعلى ماذا تظهر ؟ إذا فرضنا انه ليوجد شيء‪.‬‬
‫ومن ه ّنا هللا تبارك وتعالى في رواية في بحار األنوار وجدتها من زمان مفادها‬
‫‪:‬إذا ال ّناس كلّهم لم يعصوا هللا تبارك وتعالى كلّهم أصبحوا من األصوليّين‪ ،‬أهل‬
‫األصوليّين ليس األصول ال ّتيار األصوليّ كلّهم على خطى اإلمام ما يصدر منهم أيّ‬
‫خطأ‪ ،‬هللا يم ّل منهم يعني‪ :‬أنا ما أحبّ هكذا أنا أحبّ عباداا يعصو ّنني ح ّتى أترحّم‬
‫عليهم واعفو عنهم‪ ،‬فيخلق هللا تبارك وتعالى عباداا هم يعصون ُه فيترحّ م عليهم هذا‬
‫معناه ماذا؟ دقيقة هذه المسائل‬
‫‪.‬‬
‫إذن يجب أن ل ننظر إلى أهل المعصية بعين الغرور؛ أل ّنهم رغم أ ّنهم عصوا هللا‬
‫تبارك وتعالى إ ّل أ ّنهم مظاهر لرحمت ِه‪ ،‬وعطفهِ‪ ،‬ولو لم يكنْ هؤلء العصاة موجودون‪،‬‬
‫فكيف هللا يتجلى برحمته يعني‪ :‬لو لم أكنْ أنا مذنبا ا كيف يتجلّى هللا تبارك وتعالى عليّ‬
‫بالعطف والرّحمة والغفران‪.‬‬
‫إذن األسماء عبارة عن الصّلة والرّابطة وكيفيّة تعامل األعيان الموجودة مع‬
‫الحق تبارك وتعالى‪ ،‬ولو لم تكنْ األعيان ل توجد‬ ‫ّ‬ ‫أنفسها ومع األعيان األخرى ومع‬
‫أسماء‪ ،‬لو لم تكنْ األسماء لم تظهر األعيان‪ ،‬فهذا الكالم يعني‪ :‬ليس‪ :‬صعبا ا وخطأ ا‬
‫ا‬
‫وزندقة وكذا ‪.‬‬ ‫وكفراا‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َ ِ‬
‫هلل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة التاسعة من حماضرات الدعاء ‪1 .........................................‬‬
‫األول‪ :‬استحالة إحاطة العلم بال ّذات اإلهليّة ‪1 ............................‬‬ ‫البحث ّ‬
‫البحث الثّاينّ‪ :‬عالقة الدعاء والطلب املتبادل بني األعيان الثّابتة واألمساء اإلهليّة ‪2 ....‬‬
‫ّأوالا‪ :‬عالقة دعاء وطلب األعيان الثّابتة لالمساء اإلهلية‪2 ......................... :‬‬
‫ثانيا‪ :‬عالقة دعاء وطلب األمساء اإلهليّة لألعيان الثّابتة ‪2 ........................ :‬‬
‫اختالف شواكل األعيان الثّابتة يف تل ّقيها لألمساء اإلهليّة‪3 ........................ :‬‬
‫محن‪3 .......................... :‬‬ ‫املغول لالسم الر ٰ‬
‫ّ‬ ‫انعدا تل ّقي شاكلة جنكيز خان‬
‫محن بكامله‪3 .............. :‬‬ ‫حممد (صلى اهلل عليه واله) لالسم الر ٰ‬‫يب ّ‬ ‫تل ّقي شاكلة النّ ّ‬
‫حممد (ص) يف ال ّدنيا واآلخرة‪4 ............................ :‬‬ ‫يب ّ‬‫الرمحة التّكوينيّة للنّ ّ‬
‫ّ‬
‫يب (صلى اهلل عليه واله) لالسم اهلل‪4 ........................... :‬‬ ‫سبب مههريّة النّ ّ‬
‫احملمديّة‪5 ...............................‬‬ ‫الشريعة ّ‬‫الشريعة العيّسويّة مع ّ‬‫سبب ّاّتاد ّ‬
‫الصفات يف ال ّذات األحديّة بال حدودها‪5 ................ :‬‬ ‫ّت ّقق األعيان واألمساء و ّ‬
‫كال العرفاء حول العالقة بني األعيان الثّابتة‪ ،‬واألمساء اإلهليّة‪5 ................... :‬‬
‫البسطامي يف التوافق بني األمساء اإلهليّة واألعيان الثّابتة‪5 ......... :‬‬
‫ّ‬ ‫مشاهدة أيب يزيد‬
‫الكملني بعد فناءهم يف ال ّذات األحديّة‪6:‬‬ ‫دينّ على أعيان أوليائه ّ‬‫اإلهلي اللّ ّ‬
‫جتلّي العلم ّ‬
‫ختتلف شواكل األعيان الثّابتة يف ال ّذات اإلهليّة سعةا وضيقا‪6 ..................... :‬‬
‫دعاء األعيان الثّابتة لألمساء اإلهليّة الكامنة فيها لههورها ‪7 ........................‬‬
‫الوحدة األمسائيّة يف شاكلة أمري املؤمنني (عليه السال )‪7 ......................... :‬‬
‫عد تغري شواكل األعيان الثّابتة عند نزوهلا‪ ،‬و رجوعها من و إىل ال ّذات اإلهليّة‪7 ... :‬‬
‫رجوع الكثرة األمسائيّة الومهيّة لألعيان الثّابتة إىل وحدهتا‪8 ........................ :‬‬
‫وجود األمساء اإلهليّة هي عني الوجود لألعيان الثّابتة‪8 ........................... :‬‬
‫الرمحة اإلهليّة عليها‪9 .............:‬‬ ‫ّت ّقق عني الوجود لألعيان الثّابتة من خالل جتلّي ّ‬
‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة التاسعة‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين والصالة‬
‫والسالم على محمد واله الطيبين الطاهرين‬

‫المحاضرة العاشرة من محاضرات الدعاء‬


‫لسماحة الشيخ قاسم الطهراني (حفظه هللا )‬
‫رمضان ل َِعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫األول‪:‬‬
‫البحث ّ‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى‬ ‫سنخ ّية بين اإلنسان وبين‬
‫القرآني على وجود ال ّ‬
‫ّ‬ ‫الدّليل‬

‫تق ّدم في المباحث السّابقة أنّ المشكلة األساسيّة لإلنسان والعقبة الهامّة في وصول ِه‬
‫الحق تبارك وتعالى هي نفس ُه ووجودهُ واإلحساس بإ ّنيّتهِ‪ ،‬فهو يستطيع أن يشير‬
‫ّ‬ ‫إلى‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى أن اليتمكن اإلنسان من اإلشارة إلى‬ ‫إلى نفس ِه ويجب في الفناء في‬
‫نفس ِه يقول العطار ال ّنيشابوريّ ‪:‬‬
‫‪ -‬از خويش بی نشان شو تا بی نشان بيبني‪.‬‬
‫الترجمة‪:‬‬
‫ال يعرفُ شي ٌء شيئا اإال بما من ُه فيهِ‪.‬‬
‫أي شيء ال يستطيع أن يعرف حقيقة اآلخر ّإال بالمقدار الموجود من اآلخر في‬
‫كيان ِه وفي ذات ِه‪.‬‬
‫الحق بدليل‪َ {:‬و َن َف ْخ ُ‬
‫ت فِي ِه مِن‬ ‫ّ‬ ‫فعالم ال ّتوحيد موجود فينا وعندنا سنخيّة مع‬

‫روحِي}[الحجر‪ ،]٢٩:‬والرّوح من عالم األمر نفخت في اإلنسان (( َو َن َف ْخ ُ‬


‫ت فِي ِه مِن‬

‫روحِي)) ما يقول من رو ِح َنا بضمير الجمع إذ أحيانا ً يقول‪ :‬في القرآن الكريم‪(( :‬من‬
‫رو ِح َنا)) ولكن هنا يصرّ ح ويأتي بضمير المفرد الـ(ياء) فيقول ((من روحي)) يعني‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫(و َن َف ْخ ُ‬
‫ت فِي ِه مِن روحِي))‪.‬‬ ‫نفسه ذاته ( َ‬

‫عدم الحد وعدم الماهية مظاهر السنخية بين االنسان والحق‪:‬‬


‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى السّنخيّة ‪:‬هي عدم الح ّد‪،‬‬ ‫إذن توجد سنخيّة بين اإلنسان‪ ،‬وبين‬
‫عدم الماهيّة‪ ،‬فاإلنسان يستطيع أن يصل إلى مستوى ما يحس بذات ِه‪ ،‬ويصل إلى‬
‫مرحلة ال يستطيع أن يشير إلى نفس ِه وبال ّتالي تفقد عندهُ ماهيّت ُه‪ ،‬وتفقد عنده حدودهُ‪،‬‬
‫شيء‪ ،‬فنحنُ عندما نشير‬ ‫والرسم‪ ،‬والماهيّة يمكننا اإلشارة إلى ال ّ‬
‫ِ‬ ‫ورسوم ُه؛ أل ّننا بالح ّد‪،‬‬
‫شخص الّذي ليس ل ُه حد‪ .‬ليس ل ُه‬ ‫إلى فالن نشير أليّ شيء فيه؟ نشير إلى ماهيّتهِ‪ ،‬وال ّ‬
‫مح ٌل لإلشارة وال يقبل أيّ اعتناء‪ ،‬وال يقبل أيّ إشارة حسي ًّة‪ ،‬وهمي ًّة‪ ،‬عقلي ًّة‪ ،‬صفاتية‪،‬‬
‫اسمائية‪.‬‬
‫شيء الّذي ال يمكن اإلشارة إليه هو في الحقيقة بال ح ّد وهذا المعنى عدم‬
‫هذا ال ّ‬
‫(و َن َف ْخ ُ‬
‫ت فِي ِه مِن رو ِحي))‪ ،‬فالرّوح اإللهيّة ليس لها‬ ‫الح ّد موجود فينا بدليل قوله تعالى‪َ (:‬‬
‫حد‪ .‬الرّوح يعني‪ّ :‬‬
‫الذات‪ ،‬ذاته‪.‬‬

‫معالجة(مظاهر النفس) االمنيات والطلبات ومخالفة النفس بترويضها يجعل ال ّنفس‬


‫اإللهي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫في محط ّ الفناء‬
‫الحق تبارك وتعالى ّإال بفناء ال ّنفس وإلغاء الحدود‬
‫ّ‬ ‫ال يمكن الوصول إلى‬
‫وال ّرسوم‪.‬‬
‫واألماني واألمنيات واآلمال مظاهر لل ّنفس‪ ،‬مادامت األماني موجودة‪ ،‬فال ّنفس‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك‬ ‫موجودة‪ ،‬يجب أن نعالج هذه األمنيات هذه ّ‬
‫الطلبات‪ ،‬ومن هنا السّالك إلى‬
‫وتعالى يجب أن اليعتني بطلبات ِه‪.‬‬

‫الطعام اللّذيذ والمشايخ كبار السن يحبون ّ‬


‫الطعام اللّين أل ّنهم‬ ‫فمثالً االنسان يحب ّ‬
‫اليملكون أسنانا‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالطعام فيه دسم‪ ،‬وحلو ال ّ‬
‫شباب يحبّونهُ‪ ،‬ولكن هذه األمور أمور تافهة وزائدة‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫المه ّم أنّ بدنك بحاجة إلى مواد غذائيّة جيّدة هذا المقدار يكفيك أمّا البحث عن‬
‫الكماليات في األكل وأن هذا الطعام البد معه "سلطة"‪ ،‬ويجب أن يكون مع ُه‬
‫كذا‪..‬وكذا‪ ،‬وأن يكون طعم ُه كذا ح ّتى اإلنسان يشتهيه‪ .‬السؤال هنا لماذا يشتهيه؟‬
‫فاالنسان إذا كان جائعا ً يأكله‪ ،‬وإذا لم يكن جائعا ً يتركهُ‪.‬‬
‫للطعم إذا صار جائعا ً يأكل أيّ شيء وإذا ليس‬ ‫مثل الحيوانات‪ ،‬فالحيوان ما يهت ّم ّ‬
‫جائعا ً ما يأكل بل يترك األكل ‪،‬ولكن نحنُ نرى كثير من األشخاص الّذين يموتون‬
‫بسبب األكل الكثير؛ أل ّن ُه أحبّ هذا ّ‬
‫الطعام فأكل ُه‪ ،‬فمات‪.‬‬
‫الحظوا طول اللسان تقريبا ثالثة سنتمترات‪ ،‬أو أربع سنتمترات وهذا اللّسان هو‬
‫الذي يكشف عن المذاق لالنسان إذ يتعرف االنسان على ّ‬
‫الطعم بواسطة اللسان‬
‫بواسطة أول اللسان وليس آخر اللّسان‪ .‬ولو نظرنا بدقة سنجد إن ك ّل هذه المعارك‪،‬‬
‫ك ّل هذه الخالفات‪ ،‬ك ّل هذه االحتياالت ألجل هذه األربع سنتمترات التي هي طول‬
‫اللسان أي التزاحم والتعارك ألجل أن أتذوق جيّداً‪!.‬‬
‫الطعام عندما يدخل في جوف االنسان ويتجاوز الفم واللسان يعني‪ :‬دخل ا ّ‬
‫لطعام‬
‫فما يهمك طعمه وما تحسّ ماذا أكلت‪ ،‬أكلت خبزا أم أكلت اللّحم‪ ،‬أو أيّ نوع من اللّحم‬
‫أكلت؟ ليس مه ّما ً يعني‪ :‬االنسان مايحسّ بالطعم ‪ ،‬ويحسّ بال ّ‬
‫شبع إذن السّالك يجب أن‬
‫يكون يخالف أمنيات ِه في األكل‪ ،‬وال ّ‬
‫شرب وكذا‪.‬‬

‫ضرورة االهتمام باألكل والشرب لتقوية البدن ال للّذة‪:‬‬


‫االنسان يجب أن يعتني ببدن ِه ولكن ال يعتني بطلبات ِه‪ ،‬وكمالياتهِ‪ ،‬أنا أحبّ هكذا‪ ،‬أنا‬
‫أحبّ آكل مثالً هذا األكل ويجب حتما ً أن يكون معه بطاطا‪ ،‬وطماطة‪ ،‬و كذا و كذا‪ .‬ال‬
‫‪.‬‬

‫شرب‪:‬‬ ‫سره) حول األكل وال ّ‬


‫س ِّيد الخوئي (ق ّدس ّ‬ ‫سره) لل َّ‬
‫س ِّيد القاضي (ق ّدس ّ‬
‫وصية ال َّ‬
‫ال اسيِّد القاضي (ق ّدس س ّره) قال‪ :‬لل اسيِّد الخوئي (ق ّدس س ّره) الذي كان تلميذاً‬
‫وال اسيِّد‬ ‫الطعام للقوّ ة ال ّ‬
‫للطعم‪.‬‬ ‫لل اسيِّد القاضي (ق ّدس سرّ ه) لفترة‪ .‬قال ل ُه‪ُ :‬ك ْل ّ‬
‫القاضي (ق ّدس س ّره) كان يشرب ال ّ‬
‫شاي لوحده من دون سكر وبعد شرب الشاي يأكل‬
‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫بعده قليال من السكر؛ ألنّ بالعراق يضيفون السكر بداخل ال ّ‬


‫شاي ‪،‬وليس مثلنا‪ ،‬فنحنُ‬
‫نجعل القند في الفم ومن ثم نشرب الشاي بعده ‪ .‬العربي ما يستطيع أن يجعل القند في‬
‫الفم ويشرب الشاي يقول‪ :‬مستحيل كيف أنت تأكل هكذا‪ ،‬فالقند يقع في فمي‪ ،‬يقع في‬
‫حلقي ويتعجبون إذا يرون إيرانيّ ‪ ،‬أو تركيّ يشرب ال ّ‬
‫شاي ويجعل حبّة من القند في‬
‫فمه ويشرب الشاي السيد القاضي (قدس سره) كان يشرب ال ّ‬
‫شاي لوحده وبعد يأكل‬
‫قليل من السّكر‪.‬‬
‫فقال السيد الخوئي (قدس سره)‪ :‬لل اسيِّد القاضي (ق ّدس س ّره)‪ :‬إذا نفسي تشتهي الشاي‬
‫وصار الزما أن أشرب الشاي‪ ،‬فأنا أشبع ُه بشيء غير الحلو‪ ،‬ث ّم بعد حين أشرب‬
‫الحلو؛ أل ّنه الزم أشرب‪ ،‬فال اسيِّد القاضي (ق ّدس س ّره) قال‪ :‬أنت مزجت السّلوك‪،‬‬
‫والعرفان بالفقاهة يعني‪ :‬عن طريق الفقاهة مزجت بين السّلوك‪ ،‬والعرفان ولكن السيد‬
‫الخوئي ترك إذ كان لفترة تلميذا للسيد القاضي ث ّم بعد حين ترك‪.‬‬
‫فطلب البطن وعبوديّة البطن هذا شيء خطر أوّ ل شيء السّالك يجب أن يبتعد عنهُ‪.‬‬
‫فمثالً يدعون ُه إلى مائدة مأدبة فماذا يخطر على فكره عندما يرى الطعام عندما‬
‫الطعام جيّد إليا أم ذاك ّ‬
‫الطعام جيد لي ؟ هذا ممنوع‬ ‫يرى اصناف الطعام هل يقول هذا ّ‬
‫للسّالك‪ .‬ممنوع ألهل السّلوك وهذا غلط‪.‬‬
‫وكذلك ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) كان عندما ينام‪ ،‬ينام على جلد المعز‪،‬‬
‫بحيث في بعض االحيان عندما كان يستيقظ من ال ّنوم كان جلد المعز قد ترك أثرا على‬
‫وجه ِه الشريف‪.‬‬
‫يجب على السّالك في حيات ِه أن يتجنب هذه األمور أمور ال ّراحة الكثيرة مثالً يبتعد‬
‫شيئا‪ ،‬فشيئا وبالتدريج يتعوّ د وتكون ال ّراحة‪ ،‬وعدم ال ّراحة سيّان عندهُ ّ‬
‫وإال في وقت ِه‬
‫يأتي دور اللّذائذ ال ّنفسيّة‪ ،‬والجسديّة‪ ،‬فتخطفه‪ ،‬وتمنعه وتصبح س ّداً‪ ،‬ومانعا ً عن‬
‫وصوله‪.‬‬

‫تخفيف الطلبات والرغبات وآمال النفس‪:‬‬


‫ّ‬
‫والطلبات‪ ،‬والرّغبات ويجب أن تخفّف‪.‬‬ ‫من مظاهر ال ّنفس‪ :‬األمنيات‪ ،‬واآلمال‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫فمثال عندما يقولون‪ :‬صار هكذا يقول‪ :‬إن شاء هللا خيرا‪ .‬ال توجد مشكلة‪ ،‬وعندما‬
‫يقولون صار كذا أيضا يقول‪ :‬ال توجد مشكلة‪ ،‬فال يفرح‪ ،‬وال يحزن‪ ،‬فالقضايا الّتي‬
‫تقع في العالم كلّها بعين هللا‪ ،‬فال توجد مشكلة‪.‬‬

‫ظلمة ال ّنفس سببها كثرة ال ّطلبات‬


‫األشخاص الّذين عندهم آمال كثيرة‪ ،‬وأمنيات كثيرة هؤالء عندهم ظلمة واإلنسان‬
‫ما يستطيع أن يجلس معهُم وعندما تجلس معهم وتراهم "أوه" كأ ّنهم يريدون أن‬
‫يعيشون حياة ال ّنبيّ نوح (عليه السالم) أريد هذا وأريد هذا‪.‬‬

‫قصّة في ظلمة ال ّنفس‬


‫ُ‬
‫كنت في مدرسة من المدارس في مدينة قم‪ ،‬وجاء لنا شيخ وكان‬ ‫أتذكر قبل ّ‬
‫الثورة‬
‫من أصحاب المنبر في طهران مع صديقه‪.‬‬
‫جاء إلينا وتكلّم وكان عندهُ بيت وسيارة وكذا‪ .‬وقبل ّ‬
‫الثورة كان هذا مه ّم يعني‪ :‬أحد‬
‫المشايخ تكون عنده سيارة يعني كان وضعه ممتازا‪ ،‬فجرى الكالم وقتئذ عن بيت ِه‬
‫شيخ عنده بيت وكذا وكذا‪ .‬ال ّ‬
‫شيخ قال‪ :‬أنا ما أحبّ هذا‬ ‫فصديقي قال‪ :‬هذا سماحة ال ّ‬
‫البيت‪ ،‬أنا أحبّ البيت الذي أبني ِه بنفسي ال أ ّنني أشتريه من أحدهم هذا البيت اشتريت ُه‬
‫وهو ليس مضبوطاً‪ ،‬أنا احب أن أشتري قطعة من األرض وأبني بناية وفق ما أح ّبهُ‪،‬‬
‫وكان عمرهُ وقتئذ لعلّه كان خمسة وأربعين سنة‪ ،‬وبعد كم سنة سألت صديقي ماذا‬
‫صار؟ قال‪ :‬ال ّ‬
‫شيخ اصطدم بالسّيارة وذهب إلى العالم اآلخر‪.‬‬
‫فاإلنسان األمنيات تأكلهُ‪ ،‬األمنيات تأكل حياته‪ .‬واألشخاص الّذين عندهم أمنيات‬
‫ّ‬
‫بالظلمة بخالف األشخاص الّذين‬ ‫كثيرة ما يستطيع اإلنسان أن يجلس معهم‪ ،‬إذ يحسّ‬
‫ما عندهم أمنيات‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫سبب ح ّبنا لألطفال‪:‬‬


‫ماهو السبب الذي يجعلكم تحبون األطفال الصّغار كثيراً؟ تحبّون األطفال ألن‬
‫ّ‬
‫والطويلة‪ ،‬والعريضة‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫الطفل ما يهت ّم‪ ،‬ما تلوثت طينته باألمنيات الفاسدة‪،‬‬
‫يحبّه‪ .‬واالنسان يميل إلى أيّ شيء فيه بساطة‪ ،‬أيّ شيء ليس فيه تر ّكب وما أدري‬
‫هذه األمور ال ّزائدة ‪ ،‬ألنّ هذه البساطة فطر ّية‪.‬‬

‫الروح والمادة‪:‬‬
‫سنخ ّية بين ّ‬ ‫عدم ال ّ‬
‫الرّوح اإلنسانيّة بسبب أ ّنها من هللا تبارك وتعالى ت ُم ّل من اللّذائذ الجسديّة إذا كانت‬
‫الطول وعلى الدوام ‪ ،‬فممكن تلتذ لدقيقة‪ ،‬أو لساعة ولكن إذا استمرت في هذه‬ ‫على ّ‬
‫اللّذات‪ ،‬والملذات يحصل لها ملل والسبب في حصول الملل؛ أل ّنه ليس بين الما ّدة‬
‫والرّوح سنخيّة حقيقيّة‪ ،‬فالرّوح من عالم والما ّدة من عالم آخ فالما ّدة مظلمة‪ ،‬ثقيلة‪،‬‬
‫فاجتمع هذان العالمان في وجودنا الرّوح‪ ،‬والما ّدة‪ ،‬واالنغمار والخوض الكثير في‬
‫اللّذائذ الجسميّة‪ ،‬والجسديّة يسبب ملل الرّ وح‪ ،‬يسبب كآبة نفسيّة‪ ،‬ولو أن ألف طبيب‬
‫ن ْفسانيّ يأتون ويعالجون ما يستطيعون وال يوجد طريق ّإال المخدرات ح ّتى ينام‪.‬‬

‫الروح والمادة‪:‬‬
‫قصص في عدم المسانخة بين ّ‬
‫العباسي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫صة المتوكل‬
‫ق ّ‬
‫المتوكل العباسيّ جاء إلى أحد قال أنا عندي ملل‪ .‬قال يا أمير المؤمنين لماذا‬
‫عندك ملل؟ أنت أمير المؤمنين‪ ،‬أنت ك ّل ال ّ‬
‫شرق والغرب بيدك‪ .‬قال‪ :‬ال تقول هذا‬
‫الكالم‪ .‬اآلن عندي ثالث مائة وصيفة وجارية‪ ،‬حسناوات ال أميل إليهم‪ ،‬وما أحبّ أن‬
‫أراهم‪ ،‬ما هذه الحياة؟‬

‫سطان في كتاب تاريخ الحكماء البن القفطي‪:‬‬


‫صة ال ّ‬
‫ق ّ‬
‫اقرؤوا كتاب تاريخ الحكماء للقفطي يتكلّم عن األطباء وكذا مثالً؛ السّلطان‬
‫الفالنيّ كان جالسا ً على مائدته عشرين طبيبا إذ يحضرون مائدته‪.‬‬
‫ويتفقون السّلطان ماذا يأكل؟ألنهم يحسبون الطعام ويصنفونه هذا حار وهذا بارد‬
‫فيشيرون عليه كل هذا وبعده كل هذا وال تأكل هذا وعندما ينتهي دورهم األول في‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫تحديد نوع الطعام المناسب للسلطان ينتقلون لدراسة ّ‬


‫الطقس ومناسبته للسلطان وثم‬
‫دراسة حاالت السّلطان كيف هي حاالته في أوّ ل ال ّنهار‪ ،‬وفي وسط ال ّنهار‪ ،‬وفي آخر‬
‫ال ّنهار‪ ،‬وفي أوّ ل اللّيل ؟ وحسب حاالته يقدمون نصائحهم ‪.‬‬
‫عشرين طبيبا يجلسون على المائدة ح ّتى يرون ماذا يأكل؟ وماذا يصير؟ هذا‬
‫عيش حبيبي؟! هذه حياة؟! ما تستطيع أن تأكل شيئا ‪.‬‬

‫صة أحد المسؤولين‪:‬‬‫ق ّ‬


‫أتذكر أحد المسؤولين كان طيارا في الرّتبة ّ‬
‫الثانيّة كان يقول‪ :‬وهللا عندما لم نكن‬
‫في المسؤولية وفي الرّئاسة كان احسن لنا‪ ،‬إذ نمشي إلى أيّ مكان‪ ،‬ونذهب إلى أيّ‬
‫مكان بحريتنا ودون تقييد واآلن ما نستطيع وما يمكن أبداً‪ ،‬فال نستطيع أن نعيش‬
‫بحرّ يّة‪ ،‬ك ّنا عندما نريد أن نمشي ونزور اإلمام (عليه السالم) نذهب ونزور بكل‬
‫براحة االن هذا مستحيل! إذ في منتصف اللّيل يغلقون األبواب علينا _السمح هللا_‬
‫ألنه من المحتمل إن االمبريالية العالميّة عندها غزو‪ ،‬وهجوم علينا‪ ،‬فهل هذه دنيا‬
‫يعني‪.‬؟!‬

‫الفارسي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫صة سلمان‬‫ق ّ‬
‫يقال سلمان الفارسيّ كان حاكما ً لخوزستان لمنطقة من إيران ما أشترى شيئا‪ ،‬و‬
‫ما بنى شيئا‪ ،‬وكان عنده جلد كان يجلس عليه‪ ،‬وينام عليه‪ ،‬ويصلّي عليه‪ ،‬وفي أحد‬
‫األيام أخبروه انه ‪:‬جاء السّيل يا سلمان وأخذ يخرب البيوت‪ ،‬فأخذ هذا الجلد على‬
‫ظهر ِه وهرب‪.‬‬
‫ونحنُ لو يقولون لنا ‪ :‬اآلن يأتي زلزال سنتحيّر ماذا نأخذ؟ أوّ ل شيء الكروت يكون‬
‫بقربنا إذا ال سامح هللا صار شيء الكروت يجب يكونوا‪ .‬أما ال ّنساء أوّ ل شيء يجب ان‬
‫يكون عندهم ومعهم ألبوم الصّور هذا أه ّم شيء‪.‬‬
‫شخص الذي عندهُ طفل ويكون ّ‬
‫الطفل بجانبه إذا كانت هزة شديدة وخطرة يترك‬ ‫و ال ّ‬
‫الولد وك ّل شيء_ في أمان هللا_ فأوّ ل شيء يجب أُنجّي نفسي‪.‬؟‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫صة أحد األغنياء‪:‬‬


‫ق ّ‬
‫كثيرا من األغنياء عندهم ملل من حياتهم المترفة‪ ،‬والمليئة بالغناء‪ -‬أنا أتذكر‪-‬‬
‫أشخاص لم يكونوا أغنياء كثيراً ولكن بال ّنسبة لنا كانوا ج ّداً أغنياء‪ ،‬وأنا بطفولتي‬
‫أتذكرهم‪ ،‬واتذكر واحدا منهم إذ كان من أقربائنا البعيدين يعيش براحة وم ّرة كنت معه‬
‫ُ‬
‫كنت في وقتها أريد أن أذهب إلى الحوزة في زمن الشاه يعني‪ :‬أصبح طالب علم‬ ‫و‬
‫فهو قال‪ :‬أنا أيضا ً أحبّ ذلك‪ ،‬فبعد شهر آتي وأصبح شيخا ً تعبت من الملذات الجنية‬
‫وغيرها من كذا‪ ،‬وكذا‪ .‬تعبت فقليال آتي للحوزة وأرى ماهي القصّة؟‬
‫ومن هؤالء أيضا ما اتذكره من أحدهم كان دائما ً يأكل بالصّبح العسل والقيمر ‪،‬‬
‫وبالظهر رأس‪ ،‬وكراع وباللّيل يأكل كذا‪ ،‬فم ّرة أتذكر جاء إلى بيتنا قال أنا تعبت أريد‬
‫أيّ شيء موجود عندكم نأكله‪ ،‬ونحنُ ما عندنا ّإال البطاطا‪ .‬قال‪ :‬تكفي البطاطا هيّا‬
‫أطبخوها ‪ ،‬وطبخت أمّي البطاطا مع قليل من ال ّزبدة والملح قلت‪ :‬مستحيل يجب أن‬
‫نشتري شيئا‪ .‬قال‪ :‬ال ال ‪.‬أنا أحبّ هذا الطعام‪ ،‬فأكل جيّدا‪.‬‬

‫سالطين‪:‬‬ ‫صة أحد ال ّ‬


‫ق ّ‬
‫أو بعض السّالطين يقال مثالً ذهب إلى الصّحراء‪ .‬ذهب إلى أحد أبناء الصّحراء‬
‫جلس عنده وشرب منه من إبريق ِه ال ّ‬
‫شاي وهذا اإلبريق وسخ من الخارج ومن داخله‬
‫وسخ‪ ،‬فشرب منه وقال‪ :‬ما شاء هللا! كم حلو هذا وكم هو جيّد‪.‬‬
‫هذا معناه أنّ اإلنسان يم ّل من اللّذائذ لماذا ي ُملّ؟ على ّ‬
‫الطول ي ُم ّل؛ أل ّن ُه مالك‬
‫وصاحب لروح من عالم أصفى روح من عالم آخر‪ ،‬والما ّدة أيضا في االنسان ‪،‬‬
‫وصعب الجمع بينهما‪ ،‬ومن هنا يحس بالملل عندما تتغلب عليه اللّذات الفانيّة‪.‬‬

‫صة معاوية بن يزيد بن معاوية‪:‬‬ ‫ق ّ‬


‫في ال ّتاريخ يذكرون معاوية بن يزيد‪ ،‬فيزيد بن معاوية كان عنده ابن باسم معاوية‬
‫خليفة بعد هالك أبيه خليفة وكان من أهل ّ‬
‫الطريق‪ ،‬وكان متديّنا‪ ،‬فخلع نفسه و‬ ‫ً‬ ‫وصار‬
‫خلع ك ّل شيء قال‪ :‬ما أحبّ الخالفة وهللا وباهلل أنا ما استطيع القيام بالخالفة‪ ،‬فقالت ل ُه‬
‫ك يعني‪ :‬قبل اإلنجاب لو كانت نطفتك لم تنعقد‬ ‫أ ُ ّم ُه يا ليتك كنتا خرقة حيض ولم أَل ِْد َ‬
‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫كنت قطرة حيض وخرقة حيض ولم امتلك ولم أكنْ أميراً للمؤمنين على‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ياليت‬
‫المسلمين‪ ،‬يعني‪ :‬كان عندهُ تعب‪.‬‬
‫اآلن الحظوا في المنطقة ك ّل المعارك والخالفات صارت على أساس أمور‬
‫وهميّة مث ً‬
‫ال هذا الملك يريد يتوسّع‪ ،‬أو يريد يجعل ابنه ُملكا ً الباقون ما يقبلون‪ ،‬فتصير‬
‫ً‬
‫خاطئ ظلمانيّ وبسبب‬ ‫معارك وتموت نفوسا والعالم كله يتحرّك‪ ،‬وك ّل هذا لفكر‬
‫ّ‬
‫الطلب وبسبب األمنية مغلوطة‪.‬‬

‫صة إظهار ماكان مخفيا ً في ال ّنفس من طلبات‬


‫ق ّ‬
‫أتذكر في بداية الحرب ك ّنا باألهواز فأتوا باألسرى وكان فيهم أشخاص برتب‬
‫عسكرية مثالَ شخص كان برتبة عقيد ولكن ما كان عنده هذه ال ّنجمات أي نزع رتبته؛‬
‫أل ّنه بالحرب ممنوع استخدام الرتبة أو أيّ شيء يظهر مكانته العسكرية؛ أل ّنه ممكن‬
‫يصبح أسيراً وتسبب له الرتبة العسكرية المشاكل‪ ،‬فتعرفوا عليه إذ أتوا بأفالم له‬
‫فيديوهات عندما صدام في المعركة الكذائيّة أعطاهُ نجمة لهذا الضابط فصار عقيدا‪ ،‬أو‬
‫صار مثالً لوا ًء؛ أو صار عميداً فالحرس عرفوا أنّ هذا فالن العقيد الفالن ‪.‬‬
‫أتذكر واحد من الحرس كان من خرمشهر (المحمرة) من العرب قال له ‪:‬حبيبي‬
‫يا فالن‪ .‬لماذا ما عندك هذه ال ّنجمة هذه الرتبة؟ أنت ال ّرائد‪ .‬أنت القائد‪ ،‬قال‪ :‬ال نريدها‬
‫‪.‬ما أريدها أنا متوجّه إلى هللا ال أريد نجمة وال شيء‪ ،‬فقال له‪ :‬لماذا ذاك اليوم عندما‬
‫صدام جاء وأعطاك هذه ال ّنجمات وأنت أخذتها بالولع لماذا أخذتها؟ فاإلنسان إذا‬
‫ُرت أيدي ِه عن الملذات ال ّنفسانيّة يقول‪ :‬ال نريد‪ .‬ال نريد ولكن يقول‪ :‬المولويّ‬
‫َقص ْ‬
‫الروميّ ‪:‬‬
‫* نفس اژدرهاست او کی مرده است‬
‫از غم بی حالتی افسرده است ‪.‬‬
‫‪ -‬ال ّنفس مثل ّ‬
‫الثعبان لم تمت‪.‬‬
‫ً‬
‫نائمة وال تستطيع أن تظهر‪ ،‬فكلّنا عندنا هذه الحالة‪.‬‬ ‫اآلن صارت‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫الرياضة تكمن في مخالفة مظاهر ال ّنفس‪:‬‬


‫حقيقة ّ‬
‫األمير (عليه السالم) على الرغم من وصول ِه إلى الوالية الكلّيّة اإللهيّة يقول‪ :‬ما‬
‫خيّرت في شيئين اإال كان أيهما أقسى إليّ ففعلتهُ‪ ،‬يعني‪ :‬لو دار األمر بين أمرين‬
‫أحدهما أسهل لنفسيّ ‪ ،‬واآلخر أصعب لنفسيّ أنا اختار األصعب‪ .‬عوّ د نفسه على هذا‬
‫باألكل بال ّ‬
‫شرب‪.‬‬
‫لماذا بالح ّج عندما تحجون ممنوع إذا تحسّوا برائحة غير طيبة أن تأخذوا بأنفكم‬
‫بل يجب أن تتعوّ د حبيبي‪ .‬يجب أن تتعوّ د على هذه األمور‪.‬‬
‫ومن هنا بعض المشايخ يأمرون تالمذتهم باألعمال الّتي ليست من شأنهم مثل‬
‫شيخ يقول له‪ :‬مثالً ألربعين يوما رياضتك هي‪:‬‬
‫شيخ‪ ،‬وال ّ‬
‫شخص تاجر يأتي إلى ذاك ال ّ‬
‫ّ‬
‫تنظف أجلكم هللا الحمامات بشوق وأدب‪ ،‬وإخالص يجب تغسل هذه الحمامات ح ّتى‬ ‫أن ّ‬
‫قليل ينخفض‪.‬‬

‫صة ابن الملك في مخالفة ال ّنفس ّ‬


‫بالرياضة أفضل من األربعين ّيات‪:‬‬ ‫ق ّ‬
‫هذه القصّة معروفة عن أحد مشايخ طهران نقلها لنا المرحوم حا ّج فخر ّ‬
‫الطهرانيّ‬
‫ولكن بعد حين أنا قرأتها في الكتب وعرفت اسم ال ّ‬
‫شخص‪.‬‬
‫كان أحد المشايخ في طهران باسم شيخ محمّد حسن أحد مشايخ العرفان واجتمع‬
‫حول ُه جماعة كثيرة وكذلك من الرباط الملكيّ في زمان ناصرال ّدين شاه اجتمع إليه‪،‬‬
‫أحد أوالد الملك اآلن‪ -‬ما أتذكر اسمه‪ -‬ظهير ال ّدولة حصلت له حاالت وتوجّه إلى‬
‫الملكوت وتو ّجه إلى السّير‪ ،‬والسّلوك وطلب من أحد األشخاص أن يدل ُه على شيخ‬
‫يأخذ بيد ِه فقال له‪ :‬عليك بال ّ‬
‫شيخ محمّد حسن‪ ،‬فذهب إلي ِه في وقت كان المطر ينزل‬
‫والطقس ليس جيّداً‪ ،‬و ّ‬
‫بالطبع ركبوا‪" ،‬كالسكه" يعني عربة ركبوا هذه العربة وعلى‬ ‫ّ‬
‫شكل موكب واحد في األمام‪ ،‬و واحد بالخلف‪ ،‬وجماعة معهم وخرج ابن الملك و كان‬
‫خروجه ليس سهالً‪ ،‬فخرج إلى السّوق وجاء إلى باب هذا ال ّ‬
‫شيخ‪ ،‬فهذا الوسيط ّ‬
‫دق‬
‫الباب ودخل ابن الملك‪.‬‬
‫الطقس ممطر ومايرافق المطر من ماء وطين وك ّل شيء مبلل وكذا وكان ابن‬‫و ّ‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫الملك يلبس (بوتا طويال) مشدود والبد من فتح هذه الخيوط التي شد بها البوت وابن‬
‫الملك ما يستطبع ان يتنحى وينزل يفتح تلك الخيوط فواحد من خدم ِه بسرعة بدأ ونزل‬
‫وبدأ بفتح هذه الخيوط‪ .‬فدخل وسلم‪:‬‬
‫_سالم عليكم ‪.‬‬
‫_سالم عليكم‪" .‬اهالً وسهالً" وجلس‪.‬‬
‫هذا الوسيط قال ‪:‬سماحة ال ّ‬
‫شيخ هذا ابن الملك حصلت له جذبات إلهيّة لفترة‬
‫الحق تبارك وتعالى‪ ،‬وما يستطيع أن يعيش‪ ،‬وكأ ّنه بين األرض والسّماء‬
‫ّ‬ ‫وتو ّجه إلى‬
‫فاآلن أتيت به إلى خدمتك ح ّتى َتمُنا علي ِه بأذكار‪ ،‬وأوراد‪ ،‬وأربعينيّات إن شاء هللا‬
‫يصبح من العرفاء وابن الملك إذا يصبح عارفا ً فهذه المملكة تصبح جيّد ًة‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫شيخ سكت وكان عنده جماعة‪ ،‬فأخذ كشكوال فارغا ورماهُ إلى ابن الملك‪.‬‬
‫وقال له‪ :‬سماحة ابن الملك يجب أن يخرج اآلن خارجا ً ويقرأ القراءة وقتئذ‬
‫بمعنى االستجداء يقرأ علي ‪..‬علي‪..‬علي يقرأ ح ّتى يحصل أمواال ‪ ،‬فنحنُ جماعة من‬
‫الفقراء جالسين هنا ما عندنا غداء ونريد نأكل وما عندنا شيء‪ ،‬فهو يمشي ويحصل‬
‫على أموال ويأتي بها لنا ح ّتى نشتري شيئا نأكل ُه ‪.‬‬
‫هذا الوسيط قال‪ :‬لو سمحت سماحة ال ّ‬
‫شيخ أنا من خالص أموالي و وهللا‪ .‬وباهلل‪ .‬أنا‬
‫خمّست ُها واديت حقوقها ومافيها أيّ شيء إذا تسمحون اليوم تكونون ضيوفا ً عندنا‬
‫واعفي سماحة ابن الملك عن هذا األمر‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫شيخ قال‪ :‬ليس عندنا هزل في هذا االمر وعندنا شغل ما تستطيعون ذلك هيّا‬
‫اخرجوا خارجا ً وصرخ عليهم‪ ،‬فابن الملك رأى إنه ال يوجد طريقا آخر‪ ،‬فأخذ هذا‬
‫الكشكول من الشيخ وخرج خارجا ً وهو ممتأل بالوهْ م وكأنه لبس أصفاداً وبدأ بالقراءة‬
‫ّ‬
‫بالطريق اجتمعوا "أوه" ظهير ال ّدولة‬ ‫علي‪..‬علي‪..‬علي بدأ بقراءة علي ‪..‬علي وال ّناس‬
‫يقرأ علي‪..‬علي حتما ً يوجد شيئا‪ ،‬حتما يريد يمتحننا‪ ،‬فيأتون إلي ِه بعض األغنياء بدل‬
‫السّكة العاديّة يعطون سكة ذهب بأعداد مثال بدل الواحدة يعطون عشرة ويقولون اآلن‬
‫ندفع عشرة بعد ذلك نأخذ مائة والبعض اآلخر يقولون‪ :‬ظهير الدولة صار مجنونا ً‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫وكذا‪.‬‬
‫فبدأ ظهير ال ّدولة بعلي‪...‬علي وبال ّتدريج امتلئ هذا الكشكول ح ّتى وصل إلى‬
‫تقاطع ومفترق طرق‪ ،‬فوقع على األرض من شدة األمر يعني‪ :‬بسبب الضّغط النفسي‪:‬‬
‫كيف أنا كذا ولماذا أنا أصبحت هكذا؟ وقع على األرض‪ ،‬فأخذوه إلى البيت ألربعين‬
‫يوما كان بالفراش وبعد األربعين يوما‪ ،‬وفي يوم األربعين جاء إليه ال ّ‬
‫شيخ محمد حسن‬
‫"اهالً وسهالً" كيفك مشكورين قال‪ :‬حبيبي!! أربعين يوما ما كانت تكفيك يجب ُتكسّر‬
‫نفسك‪ ،‬وهذا التكليف بدل ع ّدة أربعينيّات‪ ،‬وأربعين يوما أنت في بيتك مغمى عليك قد‬
‫ضبط أمرك في السلوك‪ ،‬وبعد فترة من ال ّزمن صار وص ّيا ً له يعني‪ :‬تالمذة هذا ال ّ‬
‫شيخ‬
‫في السّلوك رجعوا إليه وهو صار شيخا ً‪ ،‬ومرب ّيا ً معروفا ولالن يوجد سالك هنا وهنا‪،‬‬
‫ح ّتى بمشهد _ أنا وجدت_ يصلون إليه إلى هذا ابن الملك الّذي صنع هكذا‪ ،‬فالسّلسلة‬
‫ّ‬
‫والطريقة باقية لالن‪.‬‬
‫شيء الّذي هو فعله خالف ال ّنفس‪ ،‬خالف المشتهيات وهذا كان كثيراً‪.‬‬
‫إذن ال ّ‬

‫السالك ترك األوهام‬


‫يجب على ّ‬
‫صة أستاذ مع تلميذه في كيف ّية تخليصه من أوهامه‪:‬‬
‫ق ّ‬
‫أحد المشايخ أمر تلميذه_ وتلميذه كان شخصا ً موقّراً محترما ً_ قال‪ :‬يجب عليك‬
‫أن تأخذ "شكمبة" (امعاء الحيوان) المشيمة ‪.‬وأن تجعل هذه المشيمة عندك مع مافيها‬
‫من األوساخ وتحملها على ظهرك وتسير أول سيرك يكون من أوّ ل السّوق إلى آخر‬
‫السّوق‪ ،‬ويجب عليك أن تم ّر بالناس ‪ ،‬وبدأ التلميذ يطالب بال ّتخفيف ويقول وهللا‬
‫مستحيل هذا‪.‬‬
‫قال‪ :‬يجب أن تعمله‪.‬‬
‫فجعل المشيمة على كتف ِه وبدأ يمشي ويتف ّكر بما يقوله ال ّناس عنه ‪:‬إن هذا‬
‫ال ّ‬
‫شخص محترم كيف يفعل هذا وكيف كذا؟ بعد أن انتهى األمر جاء إلى أستاذه‪.‬‬
‫قال فعلت؟ قال‪ :‬نعم‪.‬أنا مت ح ّتى أنهيت هذا األمر‪.‬‬
‫قال‪ :‬اآلن أرجع إلى السّوق أسال أنا الصّبح جئت إلى هنا ماذا كنت احمل؟ ذهب‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫إلى هذا البقال وإلى هذا القصاب وسألهم قالوا‪ :‬ما كان عندك شيء‪ ،‬أنت تم ّر ماعندك‬
‫شيئا‪.‬‬
‫قال‪ :‬الحظ هذا الذي كنت تشعر به من الوهْ م الكبير جدا‪ ،‬فوهمك يجب أن‬
‫ينكسر‪ ،‬وأنت تتصوّ ر أنّ ك ّل من السّوق ينظر إليك ماذا تصنع؟ هذا وهْ م وكل يشتغل‬
‫بأموره وأنت آخر شيء تأتي بخاطرهم‪ ،‬وأنت تتف ّكر أنّ الك ّل يتركون ك ّل شيء‬
‫وينظرون إليك ‪.‬‬
‫إذن ترك العادات‪ ،‬ترك العادات ليس العادات اإلسالميّة بل العادت تعني‪ :‬ترك‬
‫األوهام والخياالت من أوجب الواجبات ألهل ّ‬
‫الطريق‪ ،‬على ك ّل تقدير‪.‬‬

‫شيء عندهُ سواء‪:‬‬‫ٍ‬ ‫سالك إلى مستوى كل ّ‬


‫وصول ال ّ‬
‫بعض األمور يجب تخفيفها ح ّتى بال ّتدريج مظاهر ال ّنفس وهي عبارة عن األمنيات‬
‫والطلبات واآلمال تنخفض تنخفض تنخفض وتصل إلى مستوى بحيث يصل اإلنسان‬ ‫ّ‬
‫إلى مستوى أن ك ّل شيء يكون عنده سيّان‪ ،‬فهنا يبدأ السّلوك‪ ،‬من هنا يبدأ السّلوك‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫محط الفناء اإللهيّ ‪.‬‬ ‫هنا يبدأ كيف نحنُ نجعل ذاتنا ونفسنا في‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ ا ِ‬
‫هلل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة العاشرة من حماضرات الدعاء ‪1 .........................................‬‬
‫األول‪1 ............................................................. :‬‬ ‫البحث ّ‬
‫احلق تبارك وتعاىل ‪1 ...........‬‬
‫السنخيّة بني اإلنسان وبني ّ‬‫ال ّدليل القرآنّ على وجود ّ‬
‫عدم احلد وعدم املاهية مظاهر السنخية بني االنسان واحلق‪2 ..................... :‬‬
‫معاجلة(مظاهر النفس) االمنيات والطلبات وخمالفة النفس برتويضها جيعل النّفس يف‬
‫اإلهلي‪2 ............................................................:‬‬
‫حمط ّّ الفناء ّ‬
‫ضرورة االهتمام باألكل والشرب لتقوية البدن ال للّذة‪3 .......................... :‬‬
‫الشرب‪3 :‬‬
‫سره) حول األكل و ّ‬ ‫للسيِّد اخلوئي (ق ّدس ّ‬
‫سره) َّ‬
‫السيِّد القاضي (ق ّدس ّ‬
‫وصية َّ‬
‫ختفيف الطلبات والرغبات وآمال النفس‪4 ...................................... :‬‬
‫ظلمة النّفس سببها كثرة الطّلبات ‪5 ............................................‬‬
‫سبب حبّنا لألطفال‪6 ....................................................... :‬‬
‫الروح واملادة‪6 .............................................. :‬‬
‫السنخيّة بني ّ‬
‫عدم ّ‬
‫الروح واملادة‪6 ..................................... :‬‬
‫قصص يف عدم املساخنة بني ّ‬
‫العباسي‪6 ....................................................... :‬‬
‫ّ‬ ‫قصة املتوكل‬
‫ّ‬
‫السطان يف كتاب تاريخ احلكماء البن القفطي‪6 .......................... :‬‬ ‫قصة ّ‬‫ّ‬
‫قصة أحد املسؤولني‪7 ....................................................... :‬‬ ‫ّ‬
‫الفارسي‪7 ...................................................... :‬‬
‫ّ‬ ‫قصة سلمان‬ ‫ّ‬
‫قصة أحد األغنياء‪8 ......................................................... :‬‬ ‫ّ‬
‫السالطني‪8 ....................................................... :‬‬ ‫قصة أحد ّ‬ ‫ّ‬
‫قصة معاوية بن يزيد بن معاوية‪8 .............................................. :‬‬ ‫ّ‬
‫قصة إظهار ماكان خمفيا يف النّفس من طلبات ‪9 .................................‬‬ ‫ّ‬
‫الرياضة تكمن يف خمالفة مظاهر النّفس‪10 .............................. :‬‬ ‫حقيقة ّ‬
‫بالرياضة أفضل من األربعينيّات‪10 ............... :‬‬
‫قصة ابن امللك يف خمالفة النّفس ّ‬‫ّ‬
‫السالك ترك األوهام ‪12 ............................................‬‬ ‫جيب على ّ‬
‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة العاشرة‬

‫قصة أستاذ مع تلميذه يف كيفيّة ختليصه من أوهامه‪12 .......................... :‬‬


‫ّ‬
‫كل شيء عنده سواء‪13 ........................... :‬‬‫السالك إىل مستوى ّ‬ ‫وصول ّ‬

‫‪15‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬

‫المحاضرة الحادية عشرة من محاضرات الدّعاء‬


‫شيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬ ‫لسماحة ال ّ‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪ :‬طرق ال ّتغلب على مظاهر ال ّنفس‬

‫توطئة‪:‬‬
‫ّ‬
‫الملذات ال ّنفسيّة‪ .‬وقطع العالئق‪ ،‬وتخفيف األمنيات‬ ‫كان الكالم في كيفيّة ال ّتقليل من‬
‫واألماني‪ ،‬واآلمال‪ ،‬وهناك طرق ع ّدة لل ّتخفيف‪ .‬وبال ّتدريج إزالة هذه األمنيات بوصفها‬
‫مظاهر لل ّنفس وظهورات لل ّنفس اإلنسانيّة‬

‫ّأوالً‪ :‬تذ ّكر الموت‪:‬‬


‫االلتفات إلى زوال اآلمال‪ ،‬واألمنيات بالموت‪َ ،‬ف َتذ ّكر الموت نعم العون في قلع‬
‫العالقات؛ ألنّ العُلقة‪ ،‬واألمنية‪ ،‬وال ّتعلق باألشياء ناشئ من تصوّ ر وزعم وظنّ أ ّننا‬
‫بقي ال ّدهر كأنّ ك ّل العالم يقولون‪ :‬ال ّناس يموتون فليموتوا‪ ،‬فأنا باقي‪ ،‬أنا حي‪،‬‬
‫باقون ما َ‬
‫على الرغم من أن ُّه باللّسان ممكن يقول ‪ :‬نعم الك ّل يموت‪ .‬نحن نموت ولكن القلب ما‬
‫يقبل الموت‪ .‬الموت لل ّناس ممكن ونحن باقون!‬
‫االعتقاد بالبقاء هو السّبب في امتداد العالئق واستمرارها وتح ّقق األماني‬
‫واألمنيات‪.‬‬
‫اإلنسان الّذي يعرف أ ّنه بعد فترة طويلة يموت فمثالً‪ :‬عندما نركب سفينة في‬
‫البحر صار البحر هائجا بأمواجه المتالطمة والسّفينة تسير يمينا ً ويساراً وك ّل لحظة‬
‫ممكن تنقلب السّفينة وممكن نموت في هذه الحالة كيف تكون حالتنا‪ ،‬أو مثالً ّ‬
‫بالطائرة‬
‫الطائرة _بعد أن اقلعت الطائرة وبعد نصف ساعة أعلنوا‬ ‫الطائرة _أكثرنا راكبين ّ‬ ‫ّ‬
‫اعزائي‪ .‬أحبائي نحن بعد ربع ساعة نسقط على األرض ف ّكروا ماذا تريدون‬
‫تصنعون؟‬
‫هناك ماذا يأتي في ذهنك؟‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫شاي وبعد ذلك أموت؟ أو‬ ‫هل تقول‪ :‬مادام أريد أن أموت فألشرب قليالً من ال ّ‬
‫تقول‪ :‬أنا جائع أوّ ل شيء الزم آكل بعد ذلك فألمت‪ ،‬أو أحصل على هذا المال! ال‪.‬‬
‫أصالً تزول ك ّل العالئق‪ ،‬ويكون ما عندك عُلقة بشيء؛ ألنّ بعد ربع ساعة أنا أموت‬
‫والسّبب هو علّمك بال ّزوال‪ ،‬فكيف يمكننا أن نكون دائما ً على العلم بال ّزوال؟ أحد‬
‫ّ‬
‫الطرق ال ّتذ ّكر بالموت‪.‬‬

‫كيف ّية تذ ّكر الموت‪:‬‬


‫شكل‪ :‬من خالل زيارة األموات ك ّل يوم إذا‬ ‫ال ّتذ ّكر بالموت يكون بهذا ال ّ‬
‫تستطيعون‪ ،‬ففي بعض القرى الجبانة "المقبرة" قريبة من البيت‪ ،‬واإلنسان عندما‬
‫يستيقظ ويريد يخرج من البيت يرى الجبانة أمام ُه‪ ،‬فيرى األقرباء يعني‪ :‬يتذ ّكر أقربائه‬
‫عم ُه‪ .‬خاله ‪.‬أقربائه‪ .‬آباءه‪ .‬أجداده‪ .‬كلّهم نائمين‪ ،‬فهم كانوا مثلي أحياء‪ ،‬فيتذ ّكر الموت‬
‫و إذا ما يمكن ك ّل يوم ك ّل أسبوع عليه ّ‬
‫الذهاب إلى المقابر‪.‬‬
‫وال ّتأمل في المقابر ليس مثل هذه المقابر الّتي يمشي ال ّناس إليها ويرون في هذه‬
‫المقابر مواد وأشياء تفرح اإلنسان وتسبب الفرح له مثالً‪ :‬أجهزة للرّياضة ويوجد‬
‫مطعم فيه بيتزا ومتوفر فيها خدمات للتواصل مثل الفيسبوك وأشياء أخرى وأغراض‬
‫وبرودة‪ ،‬وطقس حلو هذا مستحيل فهذه مقابر المسيحيين‪.‬‬
‫فالمقبرة الزم ُتذ ّكر اإلنسان باآلخرة و في السّابق في ك ّل مدينة كانت مقابر ع ّدة‬
‫شغل وللعمل يرون هذه‬ ‫بل في ك ّل محلة كانت مقبرة‪ ،‬وال ّناس عندما يخرجون لل ّ‬
‫المقابر ويتوقفون خمسة دقائق‪ ،‬عشرة دقائق يقرؤون الفاتحة ألمواتهم بعد ذلك‬
‫يذهبون وتبقى فكرة الموت عند اإلنسان ح ّتى ّ‬
‫الظهر‪.‬‬
‫مثالً‪ :‬في الضّاحية ع ّدة جبانات موجودة وال ّناس يخرجون فيرون المقبرة‬
‫ويقرأون الفاتحة فيتذ ّكرون‪.‬‬

‫الفكرة المسيح ّية في تذ ّكر الموت‪:‬‬


‫ولكن في البالد الكبيرة مثل مدينة مشهد المق ّدسة األطبّاء قالوا ممنوع أن تكون‬
‫الجنائز بداخل المدينة‪ ،‬فهذا يسبب األمراض وال ّناس يموتون وهذا مخالف للصّحة‬
‫العامة ماذا نصنع؟قالوا‪ :‬اتركوا داخل المدينة واخرجوا األموات إلى عشرين كيلو‬
‫مترا‪ ،‬وممكن ك ّل سنة مرة تزور األموات أو وال م ّرة‪ ،‬فال تستطيع أن تمشي وتقرأ‬
‫الفاتحة ألمواتك‪.‬‬
‫هذه الفكرة فكرة مسيحي ّة؛ ألنّ الغالب على المسيحيّين البسط وبسبب غلبة البسط‬
‫بشكل عا ّم عندهم فرح وعندهم االجتناب عن األشياء الّتي تولّد الحزن‪ ،‬والموت يذ ّكر‬
‫ٍ‬
‫اإلنسان بالحزن‪ ،‬فماذا يصنعون؟ يخرجون األموات إلى خارج المدينة‪ ،‬وأيّ أحد يريد‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫يزور امواته يمشي يزور في ك ّل سنة م ّرة مثالً‪ ،‬ولكن هذا خالف ال ّتعاليم اإلسالميّة‪،‬‬
‫الموت الزم يكون أمامك‪.‬‬

‫الفكرة اإلسالم ّية في تذ ّكر الموت‪:‬‬


‫إذن على الحاكم اإلسالميّ أن يأمر بأن تكون المقابر في مناطق مختلفة مثالً‪:‬‬
‫اآلن نحن في مدينة مشهد عندنا مناطق مختلفة المنطقة األوّ لى‪ ،‬المنطقه ّ‬
‫الثانية‪،‬‬
‫بنحو يجعل ال ّناس عندما يخرجون‬‫ٍ‬ ‫الثالثة‪ ،‬ففي ك ّل منطقة الزم توجد جبانة‬‫المنطقة ّ‬
‫يرون الموت‪ ،‬فأكيدا هذا التوجه للموت والمقابر التي تكون أمام الناس يخفّف من‬
‫االحتياالت‪ ،‬ويخ ّفف من السّرقة‪ ،‬ويخفّف الطلبات في ك ّل شيء‪ ،‬ويذ ّكر اإلنسان بكثير‬
‫من هذه األمور‪.‬‬
‫شعائر وجود المساجد وإبراز المساجد في‬ ‫وكذلك هذا من شعائر هللا‪ ،‬فمن ال ّ‬
‫المناطق بحيث أنّ هناك مسجد وهناك مسجد وال ّناس يمشون إليها ويطلبون من هللا‬
‫تبارك وتعالى شفاء مرضاهم‪ ،‬أو ح ّل مشاكلهم‪ ،‬فهذا من وظائف ال ّدولة اإلسالميّة‪.‬‬
‫فزيارة األموات في ك ّل يوم‪ ،‬أو في ك ّل أسبوع‪ ،‬أو في ك ّل شهر هذا أمر الزم‪.‬‬

‫طريقة أخرى لتذ ّكر الموت (طريقة اعداد قائمة باسماء الموتى)‪:‬‬
‫حبيبي‪ :‬إذا ما نستطيع الذهاب إلى المقابر‪ ،‬وما عندنا سيارة وما عندنا كذا وما‬
‫نقدر أن نذهب للمقابر ال توجد مشكلة ؟ يجب أن تأخذ دفترا تكتب فيه ك ّل َمنْ تتذ ّكر‬
‫أ ّنه كان ح ّيا ً‪ ،‬و رأيته‪ ،‬وعشت معه‪ ،‬وأكلت معه‪ ،‬وذهبت إلى بيته وهو جاء إلى بيتك‬
‫وكنت صديقا ً معه‪ ،‬أو كنت من بعيد تعرفه‪ ،‬ورأيته بأ ُ ّم عينيك اكتب اسمه‪ ،‬وستصير‬
‫لديك قائمة كبيرة وك ّل يوم تطالعها و تورّ ق فيها ورقتين‪ ،‬أو ثالثة أوراق‪ ،‬أو أربع من‬
‫هذه األوراق فهذا ج ّداً مه ّم‪.‬‬
‫أوّ ل األمر اإلنسان ربما ما يتذ ّكر؛ أل ّنه ما يهت ّم باألمر لكن بال ّتدريج وعندما‬
‫القائمة تطول وتشغل "دفترا" من مائة ورقة من اسماء أقربائه‪ ،‬من أصدقائه وأحيانا ً‬
‫يترك بعض الخواطر والحكايات عنهم ح ّتى يتذ ّكر‪ ،‬فبهذه الطريقة تدخل فكرة الموت‬
‫في مخه وتكسّر أمنياته ّ‬
‫الطويلة‪.‬‬
‫أمانيه الطويلة مثل قوله‪ :‬إن شاء هللا أنا أشتري قطعة من األرض وأبني بيتا هكذا‬
‫مواصفاته‪ ،‬وإن شاء هللا أشتري سيارة وإن شاء هللا أجعل رأس مالي في ذاك البنك‪،‬‬
‫أو في ذاك المشروع االقتصادي وأحصل على األموال وكذا‪..‬وكذا‪..‬وكذا ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫بناء أكثر ال ّناس حياتهم على أساس الوهم ال العلم بزوال الحياة‪:‬‬
‫قصّتنا مثل قصّة ذاك الرّجل الّذي كان في القرية‪ ،‬في الضّيعة‪ ،‬فجمع مقدارا من‬
‫البيض‪ :‬بيض من ال ّدجاج في بيته‪ ،‬فأخذه وجعله في "زنبيل" قال آتي به إلى المدينة‬
‫وأبيعه وأحصل على األموال‪.‬‬
‫جاء إلى المدينة وجعله في مكان أمامه ح ّتى ال ّناس يأتون ويشترون وفي الوقت‬
‫نفسه بدأ يتف ّكر‪ :‬إن شاء هللا أبيع هذا البيض وأشتري م ّرة أخرى دجاج أكثر وال ّدجاج‬
‫يبيض لي البيض‪ ،‬وفي الم ّرة القادمة آتي بثالثة‪ ،‬أو أربعة من الزنابيل وخالل مدة من‬
‫الزمن مثالً‪ :‬ستة أشهر آخذ ك ّل السّوق‪ ،‬سوق البيض إذ يكون بيدي وتصل إليَّ‬
‫األموال الكثيرة‪ ،‬فأمشي وال ّناس ك ّل ال ّناس يطلبون أن يُزوّ جو ّنني بناتهم؛ أل ّني‬
‫أصبحت ثر ّيا ً ‪ ،‬وأنا ما أقبل ك ّل البنات‪ ،‬فأنا اذهب إلى الحاكم وأطلب بنته‪ ،‬فهو يرى‬
‫إن عندي أمواال كثيرة‪ ،‬فيقبل‪ ،‬فيزوّ جني ببنته‪ ،‬و يوم من األيّام أتزوج بنت األمير‬
‫وكذا _ومازالت هذه االفكار في فكره ووهمه_ وأصبح مرتفعا بأموالي وأموالي في‬
‫تصاعد مستمر‪ ،‬ويوم من األيّام أطلب أنا من زوجتي بنت األمير أن تجلب لي قليالً‬
‫من الماء ألني ضمآن وهي تعترض وتقول ماذا ؟ أنا بنت األمير أذهب أنت أجلب‬
‫خادمة عندك‪ ،‬وأنا أتعصّب‪ ،‬فأضربها برجلي‪ ،‬فضرب برجل ِه‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫لست‬ ‫الماء لنفسك أنا‬
‫على هذا ال ّزنبيل الّذي فيه البيض وانكسر ك ّل البيض وخلص انتهى ك ّل ما كان يتف ّكر‬
‫فيه بكسب البيض انتهى واستيقظ من وهمه‪.‬‬
‫نحن أيضا ً هكذا نحن نعمل أفكارا‪ ،‬وخياالت‪ ،‬وأوهاما ولكن الواقع قاسي‪ .‬الحياة‬
‫قاسية ليس هذا الّذي نحن نتصوّ ره سهال وحقيقيا نحن نتصوّ ر الحياة مثل االفالم مثالً‪:‬‬
‫نرى األفالم كيف أحد االشخاص في األفالم األمريكية يكون "كماندوز" أمريكي يدخل‬
‫معسكرا ويقتل ك ّل ال ّناس ويؤسّس جمهورية ويأتي وهذا وهم كبير‪ ،‬وهذه أوهام‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫حقيقة الموت ووهم الحياة‪:‬‬


‫اإلنسان البد أن يكون حقيقيا وتذ ّكر الموت يجعل اإلنسان واقع ّيا ً ويخرجه عن‬
‫المثاليّة وعن الوهم‪.‬‬
‫خططت له وك ّل ما دبّرت له بسؤال واحد من أحدهم‪،‬‬ ‫يعني‪ :‬ليس معلوما ً ك ّل ما ّ‬
‫شيء ينتهي ببساطة وك ّل هذه األوهام تنتهي‪.‬‬ ‫أو بزكام واحد‪ ،‬أو باصطدام واحد هذا ال ّ‬
‫الكثير من السّياسيّين المساكين كم كانت عندهم آمال لكن ناموا ولم يستيقظوا‪.‬‬
‫فعندما نمشي إلى المقابر نرى هذه الصّور للشباب إذ أكثرهم شباب‪ ،‬أو في س ّننا‪،‬‬
‫فهذا المسكين خرج من بيته مثلي أنا الصّبح أخرج من البيت ح ّتى أحصل أموال‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫وأشتغل وكذا‪..‬وكذا ولم يرجع هو مثلي لم يقولوا له أنت في اليوم الفالنيّ تموت ما هو‬
‫الفرق بيني وبين هؤالء؟‬
‫عندهم آمال‪ ،‬عندهم أمنيات وتركوا ك ّل هذه األمور والتحقوا باألموات ما هو‬
‫الفرق بيني وبين هؤالء؟‬
‫هذا التفكر يسبّب الرجوع للواقع وتقليل الطلبات‪ ،‬يعني بالمجيء إلى المقابر‪ ،‬أو‬
‫بمطالعة قائمة الّذين كانوا من أصدقائي‪ ،‬أو أعرفهم من الموتى‪ ،‬فيصبح الموت ح ّيا ً‬
‫أمامي‪ ،‬وح ّيا ً في ضميري‪ ،‬وحياة األموات في ضميري تسبّب حياة قلبيّة بال ّنسبة إليَّ ‪.‬‬
‫في الحقيقة نحن موتى نحن اآلن مق ّيدون في البدن العنصري ال نستطيع أن نطير‬
‫في العوالم العليا‪ .‬ال نستطيع نفهم‪ .‬ال نستطيع ّ‬
‫نلتذ بعنايات هللا‪.‬‬
‫ال نستطيع أن ندخل الرّحمة اإللهيّة وهؤالء الموتى أصحاب ال ّتراب ليسوا مغيّبين‬
‫مثلنا‪ ،‬وفي الحقيقة نحن أصحاب ال ّتراب‪ .‬وهم ليسوا أصحاب ال ّتراب نحن أصحاب‬
‫ال ّتراب‪ ،‬في كثير من األوقات بسبب حماقتنا نتأسف على هؤالء الموتى‪ .‬ونقول مثال‪:‬‬
‫هذا المسكين رأيته مات‪ .‬مسكين ما عنده شيء وكذا‪ .‬ترك ك ّل شيء فنقرأ له الفاتحة‬
‫ح ّتى قليالً يرتاح حبيبي‪ :‬األمر بالعكس دعاء هؤالء مستجاب بال ّنسبة إلينا ونحن عندنا‬
‫نظرة خاطئة عن األموات‪ ،‬فنتصوّ ر هؤالء المساكين بحاجة إلى دعائنا ما عندهم أيّ‬
‫شيء وكذا‪...‬وكذا؟ ص ّح بمعنى من المعاني ص ّح‪ .‬ولكن نحن أفقر؛ أل ّننا في معرض‬
‫شهوات‪ ،‬في معرض األمنيات‪ ،‬في معرض الرّئاسات‪ ،‬في معرض األموال‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫الطغيان وك ّل هذه األمور اآلن هؤالء بريئون منها‪ ،‬و مرتاحون من هذه األمور‪.‬‬ ‫و ّ‬
‫هذا بحث الموت له ال ّدخل القويّ وال ّتأثير القويّ في ال ّتقليل من األماني واآلمال‬
‫واألمنيات ‪.‬‬

‫ثانياّ‪ :‬التفكر في سبب الخلق‪:‬‬


‫ثاني شيء التفكر‪ :‬نتف ّكر في السبب الذي هللا تبارك وتعالى خلقنا ألجله‪ ،‬فلماذا‬
‫خلقنا؟ خلقنا لكي نحصل بالصّعوبة على قطعة من األرض وخالل خمسة سنوات‬
‫نبنيها‪ ،‬ونتزوج‪ ،‬ونأتي بع ّدة أوالد‪ ،‬واألوالد ك ّل واحد منهم يطلب مني شيئا فواحد‬
‫منهم يقول أريد هذا يا أبي‪ ،‬واآلخر ‪:‬أنا أريد هذا‪ ،‬واآلخر‪ :‬أنا أريد هذا‪ ..‬إلى آخر‬
‫حياته‪ ..‬إلى آخر حياتنا يطلب منا ‪.‬‬
‫الحظوا‪ :‬بالحيوانات الحيوان مأمور بتربية ولده ح ّتى يكبُر وعندما يكبر ولده‬
‫يتركه للحياة‪ ،‬فمثال هذا الكلب‪ :‬ولده كبُر فهل يالحقه األب‪ ،‬أو األ ّم؟‬
‫هذا ابني كبُر يريد يتزوج‪ ،‬فبأيّ كلبة يتزوج؟ ومن أين يحصل على أموال؟ أبدا‬
‫فهم ال يهتمون بهذي المسائل اذا كبر الولد ولد الحيوان يتركه االب وتتركه األم‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫وكانهم يقولون له‪ :‬هيّا في أمان هللا‪.‬‬


‫ولكن في اإلنسان أتذكر امرأة كبيرة بالعمرة‪ ،‬وولدها أيضا ً كبير بالعمر وهذه‬
‫االمرأة الكبيرة بالسن (األ ّم) كانت متأثرة بهذا الولد ومهتمة به‪ ،‬على الرغم من أن‬
‫الولد عمره ربما ستين‪ ،‬أو ثمانين سنة ركبوا الباص وأنا أيضا ً كنت بالباص الحظت‬
‫إن األم كانت تكلم االبن بنبرة األم وكأنها مسيطرة على حياته وحركاته وكذا! هذا‬
‫االبن عمره ستين سنة‪ ،‬أو أكثر حبيبي ‪:‬هذا يكفي‪ ،‬هذا غلط‪ ،‬هذه حماقة‪.‬‬

‫انقطاع العالئق في الحيوانات بينما عدم انقطاعها في اإلنسان‪:‬‬


‫فالحيوان ينجب االوالد ويعتني باألوالد ح ّتى يكبروا وبعد أن يكبروا ينتهي دوره‬
‫أما بني البشر‪ ،‬بني آدم‪ ،‬فيالحقون األبناء واألوالد ح ّتى بعد أن يتزوجوا وح ّتى بعد أن‬
‫حقيقة البد من السير بنظام العالم ونظام الحيوانات في حد التربية‬ ‫ً‬ ‫ينجبوا فما هذا؟‬
‫واعطاء فرصة لالبناء ليعيشوا ويتحملوا مسؤولياتهم وكذلك عدم اضاعة العمر في‬
‫هذا التتبع الزائد واالهتمام بالغاية التي خلق االنسان من اجلها‪ .‬فاالنسان حيوان مع‬
‫شيء زائد وهو العقل فاتباع نظام العالم في الحيوان من قبل االنسان يعطيه مساحة‬
‫للتفكر والتوجه للحق تبارك وتعالى‪.‬‬
‫الفكر والتفكر مهم ج ّداً إذ نتف ّكر لماذا هللا خلقنا؟ هل خلقنا لكي نعيش من الصّبح‬
‫ح ّتى اللّيل نركض ونركض للقمة العيش‪ ،‬وفي اليوم التالي نبدأ من جديد عملية‬
‫الركض حول لقمة العيش‪ ،‬وفي آخر اليوم نحصل على أموال بالصّعوبة وكذلك‬
‫االحتفاظ باألموال بصعوبة؛ ألنّ ك ّل السّراق يأتون ويريدون يأكلون أموالنا ويأكلو ّننا‪،‬‬
‫فآخر شيء ماذا يصير إذا جمعت األموال؟ الذي يصير ‪:‬أنت حي واألوالد يتعاركون‬
‫بينهم حول تقسيم اإلرث‪.‬‬

‫سبب في امتداد العالئق‬‫االعتقاد بالبقاء هو ال ّ‬


‫في هذا البيت في هذه الغرفة كانت عندنا امرأة مستأجرة‪ ،‬امرأة كبيرة السن مع‬
‫ابن واالبن أيضا ً تقريبا ً كان كبير السن أيضا والمرأة كان عندها أوالد آخرين أيضا ً‬
‫يعني بنات وابن آخر ‪ ،‬وهذا االبن الذي معها كان يحتفظ باأل ّم ويساعدها ح ّتى توفّيت‬
‫فاجتمع األوالد‪ :‬البنات‪ ،‬واالبن اآلخر واتذكر كان شهر رمضان حبيبي‪ :‬صار عراك‬
‫بين االخوان وكأنه قامت القيامة هنا عراك بين األوالد على أساس أين أموال أُمّنا؟‬
‫وأخذوا يكيلون التهم ويتقاذفون أنواع الفاحشة واأل ّم ميّتة أمامهم‪ ،‬فاالبن األكبر الذي‬
‫الذهب‪ ،‬و "السّوارات" وك ّل‬ ‫معها قبل أسبوع عرف أنّ األ ّم بدأت تموت‪ ،‬فخبأ ك ّل ّ‬
‫شيء كان عنده خبأه‪.‬‬
‫واستمر العراك من مجلس الفاتحة ولآلن و كانوا كبارا بالسّنّ نحن نعيش هكذا‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫نداوم على العمل ليالً ونهاراً ونعمل ونشتغل ونشتغل ونحصل على مال في حياتنا‬
‫على الرغم من أن الك ّل يأكلون مالنا ونحن احياء‪ ،‬فكيف ببعد الموت‪.‬‬
‫هذه قصّة حقيقيّة حصلت في طهران قبل ثالثين سنة تقريبا ً في أيّام الحرب ‪.‬‬

‫صة رجوع إنسان الى الحياة بعد أن توهموا بموته‪:‬‬ ‫ق ّ‬


‫كان هناك شخص عنده أموال كثيرة وفجأة توفّى واألوالد اجتمعوا ماذا يصنعون؟‬
‫قالوا حسنا ً األب توفّى واألموال موجودة وكذا‪..‬وكذا‪..‬قالوا حسنا ً ماذا نصنع ؟ قالوا‬
‫الحظوا‪ :‬هذا أبونا تو ّفى وخلص انتهى أمره وما عندنا وقت نمشي ندفن ُه ونكفن ُه‬
‫وكذا‪..‬وكذا‪ ..‬و المه ّم اآلن أن نحصل على هذه األموال التي تركها؟ وكيف نصرفها؟‬
‫وكيف نقسّمها؟ أتفق األوالد على أ ّنه من دون خالف‪ .‬من دون عراك من دون كذا‬
‫نقسّم األموال‪.‬‬
‫وماذا نصنع بهذه الجنازة الملعونة؟ ا ّتصلوا بالبلدية سابقا ً البلدية كانت مسؤولة‬
‫عن الجنازات التي ليس لها أحد‪ ،‬فاالوالد اتصلوا بالبلدية و قالوا لهم‪ :‬هناك رجل كبير‬
‫توفى وما نعرفه تعالوا خذوه‪ ،‬وقتئ ٍذ البلدية لم تكن مثل اآلن تأتي بسرعة فجاءت‬
‫السّيارة‪ ،‬سيارة "امبوالنس" ألخذ الجنازة وحملوه ووضعوه في السيارة‪ ،‬فقال السائق‬
‫خذ هذه األموال أدفنه في أيّ مكان‬ ‫َمنْ يأتي معنا؟ قالوا حبيبي ما عندنا وقت نأتي معه ْ‬
‫تريد ‪.‬قال‪ :‬مستحيل حبيبي الزم واحد يأتي معي‪ .‬قالوا‪ :‬ال نحن عندنا ألف شغلة خذه‬
‫وخلص‪ .‬قال‪ :‬نعم على العين‪ ،‬فركبوا األب (الميت) في السيارة وبدأ السّائق يمشي‬
‫الطريق استيقظ‪ ،‬فرأى‬ ‫وهذا المسكين لم يكن ميتا ً بل كانت عنده نوبة قلبيّة وفي أثناء ّ‬
‫يدق من الخلف على السائق فتوقف السّائق‪ .‬ونزل ليرى ان‬ ‫انه في سيارة الموتى‪ ،‬وبدأ ّ‬
‫الميت حي‪ .‬فقال له‪ :‬وهللا أنت ميت وأنا أحملك إلى المقبرة‪ .‬قال الرجل الميت إذا أنا‬
‫ميت‪ ،‬فأين أوالدي؟ قال‪ :‬األوالد قالوا ال نهتم بالذهاب مع الجنازة و امشي ادفنه ونحن‬
‫ما عندنا وقت‪.‬‬
‫ما َق ِب َل الرجل وقال للسائق‪ :‬أنت تكذب‪ ،‬وحتما ً يوجد شيئا غير صحيح وربما‬
‫أنت خطفتني‪ ،‬وتريد تصنع شيئا لي وكذا‪ .‬قال السائق‪ :‬وهللا وباّلِل اخبرتك الحقيقة ‪.‬قال‬
‫ال‪ :‬أرجعني وق ْل لألوالد المنظمة‪ ،‬اإلدارة ما َق ِبلت ّإال أن يأتي واحد‪ ،‬أو اثنين معه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال توجد مشكلة‪ .‬قال للسائق‪ :‬وال تقل أنا مستيقظ بل أنا ميت‪.‬‬
‫دق الباب قالوا من هناك ؟ قال‪ :‬أنا السّائق سائق سيارة الموتى‬ ‫فرجع السائق و ّ‬
‫قالوا ماذا حدث؟ قال وهللا ذهبنا إلى هناك ورئيس اإلدارة قال ما يصير الزم اثنين أو‬
‫ثالثة يأتون مع الجنازة‪ ،‬فبدؤا يسبّون أباهم ‪:‬هللا يلعنه ‪،‬هللا كذا ‪.‬هذا الملعون ح ّتى‬
‫جنازته صارت مشكلة بال ّنسبة إلينا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫قال ال اعرف تعالوا‪ ،‬فجاؤوا وفتحوا باب السيارة وهم مستمرون بسبّ أباهم وهو‬
‫يسمع وبمجرد سمع استيقظ‪ .‬قال‪ :‬يا مالعين‪ :‬صرفت ك ّل حياتي لكم‪ ،‬و ضحّ يت‬
‫ألجلكم‪ ،‬وجمعت األموال وأنتم هكذا صنعتم بي‪ .‬هيّا وطردهم وأخرجهم بنفس اليوم‬
‫من ذلك البيت وأعطى البيت لهذا السّائق؛ أل ّنه احترمه‪ ،‬فهذه القصّة صارت قصّة‬
‫غريبة وهذا السّائق بهذا األدب الّذي عمل هللا أغناه‪ ،‬وهذا الرّجل ترك ك ّل األوالد فما‬
‫هذه الحياة ؟ وماهي فائدتها؟‬

‫شاعرعبيد زاگاني مع أوالده ال ّثمانية‪:‬‬ ‫صة ال ّ‬


‫ق ّ‬
‫شعراء_ كان عنده‬ ‫هذه قصّة معروفة عن عبيد زاگاني _عبيد زاگاني كان أحد ال ّ‬
‫ثمانية أوالد‪ ،‬واألوالد بعد ما كبر الشاعر رأى األوالد ما يحترمونهُ‪ ،‬وزوجات اوالده‬
‫ما تعتني به‪ ،‬والحفيد ما يعتني به‪ ،‬والولد ما يعتني به‪ .‬قال أنا أعرف ماذا أصنع بكم؟‬
‫رأى الولد األوّ ل الكبير في يوم من األيّام‪ ،‬فقال له ‪:‬تعال حبيبي وقال له‪ :‬أنا في شبابي‬
‫جمعت أمواالً وحصلت على كنز وخبأته‪ ،‬فأنا أخاف أن أموت ويبقى هذا الكنز مخفيا‬
‫و ما يحصل عليه أحد‪ ،‬فأريد أن أُدلّك على الكنز بشرط أن ال تقول ألحد من أخوتك‬
‫ويبقى هذا ال ّس ّر بيني وبينك وبعد موتي أنت تمشي وتأخذ الكنز قال نعم‪ .‬وهللا حبيبي يا‬
‫أبي أنا ما كنت أعرف أنت هكذا محبتك بالنسبة إليّ ‪ ،‬فرجع إلى البيت قال لزوجته‪:‬‬
‫اهتمي بوالدي باكله وكافة مستلزماته وحوائجه عليك بالدجاج ‪،‬واللحم‪ ،‬والزم نحترم‬
‫شغل والعناية بأبيه‬ ‫أبي قالت ما القّصة؟ قال لها القصّة هكذا‪ ،‬فبدأت العروس بال ّ‬
‫واألحفاد كلهم يحترمونه وفي يوم آخر تكلّم بنفس الكالم مع ولد آخر بنفس القصة من‬
‫انه خبأ كنزا وكذا وبهذه القصة أخبر جميع أوالده وك ّل واحد أخذ يتنافس مع اآلخر‬
‫في الخدمة لألب ويجلسون أمامه مؤدبين وما يتكلّمون بشيء وسابقا ً ال عندما يريد‬
‫يتكلّم يقولون له اسكت االمر ال يعنيك وأنت قد خرفت وكبرت‪ .‬اسكت و األمر انعكس‬
‫اآلن الك ّل يسكتون ح ّتى األب يتكلّم وبعد فترة وفي يوم من االيام توفى عبيد زاگاني‬
‫فك ّل األوالد أوّ ل عمل عملوه ذهبوا إلى المكان الّذي أبوهم دلّهم عليه واخبرهم به‪،‬‬
‫فذهبوا إليه الولد األكبر رأى األخ اآلخر واألخ اآلخر رأى اآلخر واجتمعوا ثمانية‬
‫قالوا ما القصّة لماذا كلنا هنا؟ قالوا ال توجد مشكلة وال نتعارك بل نوزع الكنز بيننا‬
‫وأخذوا يحفرون و بنبشون المكان الّذي وصفه لهم وتحت ال ّتراب وصلوا إلى صندوق‬
‫صغير فتحوه‪ ،‬و وجدوا فيه ورقة قالوا‪ :‬حتما ً هذه خريطة الموقع‪ ،‬ففتحوا الصندوق‬
‫فوجدوا بيتا من الشعر قد كتبه لهم‪:‬‬
‫من دانم و خدا داند و تو هم دانی‬
‫که يک لایر ندارد عبيد زاگانی‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫يعني‪ :‬هللا تبارك وتعالى يعرف‪ ،‬وأنا أعرف عبيد زاگاني كان ما عنده وال فلس‪،‬‬
‫قال هذا لألوالد يعني‪ :‬أنا عملت هذا لكي تحترمو ّنني آخر أيّام حياتي وأعيش براحة‪،‬‬
‫واللّعن على طمعكم‪ ،‬اللّعن على حرصكم‪.‬‬
‫حقيق ًه يجب على اإلنسان أن يجلس ويتف ّكر فالحياة دوامة ونحن في ال ّدوامة من‬
‫الصّبح إلى المساء في الدوامة‪.‬‬
‫الحظوا اآلن بجانب الباصات في الصّباح في السّاعة السّادسة صباحا ال ّناس‬
‫يركضون وكذا‪ ،‬وكذا ليعودوا ويحملون معهم أغراضا و عندما يصلون إلى البيت‬
‫بحيث إن احد هؤالء المساكين ما يستطيع أن يفتح الباب بسبب االغراض التي‬
‫يحملها فك ّل يديه مليئة بشيء‪ ،‬ويدق الباب برجله ح ّتى يفتحونه‪ ،‬فيأتون األوالد إليه ال‬
‫يأتون ليساعدونه بل يأتون ليأكلوا‪ ،‬فك ّل أحد يأتي يجلس ويأكل‪.‬‬

‫اتباع اإلنسان وهمه يحجبه عن رؤية الحقيقة‪:‬‬


‫أحد األشخاص كان في أنفه قليال من االنحراف وكان دائما يشتري أغراضا بيده‬
‫ويأتي إلى الباب ويدق الباب وزوجته تأتي وتأخذ االغراض منه‪ ،‬وفي يوم من األيّام‬
‫ما استطاع أن يعمل شيئا‪ ،‬فرجع إلى البيت بال شيء بال اغراض المرأة زوجته عندما‬
‫فتحت الباب رأت إن زوجها ما عنده أي شيء؛ أل ّنها كانت دائما ً تنظر إلى يديه‪ ،‬هذه‬
‫الم ّرة ما رأت شيئا بيديه‪ ،‬فنظرت إلى وجهه وقالت‪ :‬أنفك فيه انحراف قليل‪ .‬قال‬
‫حبيبتي لعشرين سنة وانفي فيه هذا االنحراف وأنت ما رأيت أنفي اال اليوم؛ أل ّنها‬
‫كانت دائما ً تنظر إلى يديه ما تنظر إلى وجهه‪.‬‬

‫ال ّتقليل من مظاهر ال ّنفس بالفكر‪:‬‬


‫هذه دوامة ونحن الزم نخرج من هذه ال ّدوامة‪ ،‬نخرج من هذه العاصفة والخروج‬
‫بالفكر والتفكر في سبب الخلقة ‪:‬لماذا هللا خلقنا ؟‬
‫شكل الّذي نشاهده ليس فيها أيّ شيء‬ ‫يعني صارت حياتنا الحياة الما ّديّة بهذا ال ّ‬
‫فالبد من السؤال عن سب الخلقة والبحث عن مبرر عقلي مبرر أخالقي أنا جئت‬
‫لماذا؟ أعيش أليّ شيء؟ أنا أعيش يعني كأ ّنه أنا داخل في شيء ال أعرف محتواه‪ ،‬هنا‬
‫بال ّتدريج يلتفت أنّ أكثر أمنياته كانت أمنيات وهميّة غير حقيقيّة؛ ألنّ المه ّم أن يعرف‬
‫ّ‬
‫والطلبات الّتي أبرزها‬ ‫هللا تبارك وتعالى لماذا خلقني؟ ك ّل هذه األمنيات الّتي أريدها‬
‫وهي تخرج من نفسي كلّها مخالفة لمسيرة الخلق ولمسيرة العالم ال ّتكوينيّ ‪.‬‬
‫هللا خلقنا لشيء واألمنيات تسوقنا إلى شيء آخر‪ ،‬فبقوّ ة الفكر بال ّتدريج اإلنسان‬
‫ّ‬
‫والطلبات ‪.‬‬ ‫تتقلل عندنا وتتضاءل عندنا األمنيات‪ ،‬والعالئق‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫ثالثاً‪ :‬محدود ّية عالم الما ّدة وعدم تح ّقق أكثر األمنيات ‪:‬‬
‫يجب على اإلنسان أن يلتفت إلى أنّ أكثر أمنياته ما تتحقّق يعني‪ :‬كلّها وهم؛ ألنّ‬
‫أمنياتي متع ّددة‪.‬‬
‫أتذكر كان عندي أستاذ بالكفاية في يوم من األيّام ذهبنا إلى بيته لل ّتوديع؛ أل ّنه كان‬
‫وقت شهر رمضان‪ ،‬أو شهر محرم وهي أوقات تعطل فيها الدروس وهذا كان قبل‬
‫الثورة‪ ،‬فذهبنا إلى بيته وكان هو أيضا ً قد دعانا إلى بيته‪ ،‬فذهبنا لل ّتوديع‪ ،‬فجاء بفاكهة‬ ‫ّ‬
‫شيخ‬ ‫شاه وك ّل شيء كان مضبوطا ومرتبا‪ ،‬فبدأنا باألكل قلنا سماحة ال ّ‬ ‫ج ّيدة في زمن ال ّ‬
‫ُك ْل معنا ‪ .‬قال‪ :‬عندما كنت مثلكم كنت أتمنى آكل واحدا من هذه االشياء‪ ،‬واآلن‬
‫حصلت على هذه االشياء وهذه الفواكه لكن ما عندي أسنان و ال استطيع األكل و إذا‬
‫أكلت يسبب لي االنتفاخ في المعدة‪ ،‬فأنا مريض و ال استطيع أن آكل شيئا‪.‬‬
‫فأنت تريد أحسن المشتهيات باألكل ولكن هذا ما يستمر؛ أل ّنك بال ّتدريج تشيب وما‬
‫تستطيع أن تتمتع بها‪ ،‬وماتستطيع أن تستفيد منها‪ ،‬وأنت تحصل على أموال كثيرة‬
‫الثمانين ما تستطيع تستخدم هذه األموال ‪ ،‬وما تعرف ماذا تصنع بها؟ فك ّل‬ ‫وفي سنّ ّ‬
‫الملذات تتعارك وتتزاحم مع عمرك ّإال أن تطلب أن ال تصبح شيخا و أن ال تحصل‬ ‫ّ‬
‫شيخوخة يعني‪ :‬تبقى شابا ً الى آخر عمرك وهذا مستحيل ومن المستحيل أن ال‬ ‫لك ال ّ‬
‫تبتلي بفراق األحبة‪ ،‬بفراق األوالد‪ ،‬أن ال تبتلي باألمراض‪ ،‬فك ّل هذه المشتهيات‬
‫تتعارك مع مشتهيات إمّا منك أو مشتهيات أناس آخرين‪ ،‬فال ّناس أيضا ً يريدون أمواال‪،‬‬
‫وال ّناس أيضا ً يريدون قصورا إذن أمنياتي وآمالي تتعارك مع أمنيات اآلخرين‪ ،‬والما ّدة‬
‫الطلبات‪ ،‬فهنا إذن يقع التزاحم‬ ‫مقيّدة‪ ،‬والما ّدة محدودة وال تستطيع الما ّدة تلبية ك ّل ّ‬
‫الطبيعية‪ ،‬والقوّ ى غير ّ‬
‫الطبيعي ّة ك ّل‬ ‫وتمنع االمنيات والطلبات من التحقق‪ ،‬وكذلك القوّ ة ّ‬
‫هذه األمور تمنع عن تحقّق األمنيات أيضا‪ ،‬فالذي يتحقق من أمنياتك شيئا قليال وكذلك‬
‫واألمنيات التبقى ثابتة بل تبقى فترة ثم تتحوّ ل‪.‬‬

‫قصص تبدّل أمنيات اإلنسان إلى أمنيات أخرى باستمرار الحياة‪:‬‬


‫أنت تريد تصبح مثالً‪ :‬مهندسا ً في الكهرباء لكن بعد فترة تغير هذه األمنية فمثال‬
‫شاه ‪،‬وصار مهندسا ً في الكهرباء وبعد مدة من‬ ‫ابن عمتي درس الكهربائي في زمن ال ّ‬
‫الزمن ترك الهندسة وصار تاجراً بالسّوق واآلن لعلّه ما يعرف شيئا عن الكهرباء‬
‫نهائيا ً‪.‬‬
‫شيخ بدأ بال ّدراسة درس في الحوزة بعد مدة من الزمن رأى إن‬ ‫ومثال ذاك ال ّ‬
‫الحوزة ما تفيد واشتغل بال ّتجارة‪ ،‬فاألمنيات تختلف ‪.‬‬
‫وأنا ذهبت م ّرة _ قبل خمس عشرة سنة‪ ،‬أو أكثر_ إلى دكتور األسنان وكنت‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫أمشي إليه أكثر من م ّرة‪ ،‬فم ّرة ذهبت إليه قلت أين هذا الدكتور؟ قالوا ليس موجوداً‬
‫حسنا ً أين مكانه الجديد؟ أين عيادته ؟ قالوا ترك العيادة‪ .‬قلت‪ :‬ماذا صار؟ قالوا صار‬
‫تاجراً للحديد يبيع ويشتري الحديد وكذا‪ ،‬فالحظ الوقت الّذي كان يدرس فيه طب‬
‫األسنان كانت أمنيته أن يصبح دكتوراً اخصائيا ً ولكن بعد فترة كان يسبّ أباه وأُمّه‬
‫وأخاه فهم السّبب في هذه الخسارة ولو دخل في السّوق لكان أحسن لماذا هو صار‬
‫هكذا؟‬

‫صعوبات‪:‬‬‫رابعاً‪ :‬اقتران األمنيات بالمصائب وبال ّ‬


‫يجب على اإلنسان أن يلتفت إلى أنّ أكثر أمنياته تقترن بالمصائب‪ ،‬بالمشاكل‪،‬‬
‫بالصّعوبات ممكن أنت تحصل على مال وتصبح غن ّيا ً اال ان أوّ ل شيء تفقده هو‬
‫الصّديق الحبيب‪ ،‬الصّديق الّذي ليس له طمع بك وال بمالك‪ ،‬فاألغنياء ما عندهم‬
‫أصدقاء؟ ألنّ ك ّل أحد يأتي يتصادق معه ألجل ماله ح ّتى األغنياء يأتون يتصادقون‬
‫ويصبحوا أصدقاء لألغنياء مع أ ّنهم ليسوا فقراء لماذا يأتون يصبحون أصدقاء‬
‫لألغنياء؟ أل ّنهم يفكرون ويحتملون انه ممكن يوم من األيّام أنا أخسر‪ ،‬فأحتاج إليهم ‪.‬‬
‫أكثر األمنيات معها مصائب ومشاكل والرّئاسة مثالُ‪ :‬الرّئاسة الك ّل يسبّونك‪ ،‬الك ّل‬
‫يدعون عليك‪ ،‬ك ّل شيء يتح ّقق في العالم أنت السبب فيه مثل‪ :‬أحد األشخاص الّذي‬
‫شكوى ما عندي‬ ‫صوّ ت آلية روحاني في هذه االنتخابات اليوم ا ّتصل بنا وبدأ بال ّ‬
‫ت له ال توجد مشكلة‬ ‫مصير‪ .‬وكذا‪ .‬أنت يا حبيبي صوت له فأمشي ْ‬
‫وخذ منه أنت صوّ َ‬
‫أنت السّبب‪.‬‬
‫على ك ّل تقدير األمنيات مقترنة بالمصائب واإلنسان عندما يتمنى شيئا ً يلتفت إلى‬
‫أ ّنه توجد مشاكل فيه‪ ،‬وتصبح المشاكل مقترنة باألمنيات وحية باألمنيات يعني ذات‬
‫حياة فهناك تتضاءل األمنيات وتخفّف من أمنياتي ‪.‬‬
‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة احلادية عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة احلادية عشر من حماضرات ال ّدعاء ‪1 ....................................‬‬
‫البحث‪ :‬طرق التّغلب على مظاهر النّفس ‪1 .....................................‬‬
‫توطئة‪1 .................................................................... :‬‬
‫ّأولا‪ :‬تذ ّكر املوت‪1 .......................................................... :‬‬
‫كيفيّة تذ ّكر املوت‪2 ......................................................... :‬‬
‫الفكرة املسيحيّة يف تذ ّكر املوت‪2 ............................................. :‬‬
‫الفكرة اإلسالميّة يف تذ ّكر املوت‪3 ............................................ :‬‬
‫طريقة أخرى لتذ ّكر املوت (طريقة اعداد قائمة بامساء املوتى)‪3 .................... :‬‬
‫بناء أكثر النّاس حياهتم على أساس الوهم ل العلم بزوال احلياة‪4 ................. :‬‬
‫حقيقة املوت ووهم احلياة‪4 ................................................... :‬‬
‫ثانياّ‪ :‬التفكر يف سبب اخللق‪5 ................................................ :‬‬
‫انقطاع العالئق يف احليوانات بينما عدم انقطاعها يف اإلنسان ‪6 ....................‬‬
‫السبب يف امتداد العالئق ‪6 ..................................‬‬‫العتقاد بالبقاء هو ّ‬
‫قصة رجوع إنسان اىل احلياة بعد أن تومهوا مبوته‪7 ............................... :‬‬
‫ّ‬
‫الشاعرعبيد زاگاين مع أولده الثّمانية‪8 .................................... :‬‬
‫قصة ّ‬‫ّ‬
‫اتباع اإلنسان ومهه حيجبه عن رؤية احلقيقة‪9 .................................... :‬‬
‫التّقليل من مظاهر النّفس بالفكر‪9 ............................................ :‬‬
‫املادة وعدم حت ّقق أكثر األمنيات ‪10 ........................ :‬‬
‫ثالثا‪ :‬حمدوديّة عامل ّ‬
‫قصص تب ّدل أمنيات اإلنسان إىل أمنيات أخرى باستمرار احلياة‪10 ............... :‬‬
‫وبالصعوبات‪11 ............................... :‬‬‫رابع ا‪ :‬اقرتان األمنيات باملصائب ّ‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬
‫المحاضرة الثانية عشرة من محاضرات الدّعاء‬
‫لسماحة ال ّشيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪:‬‬
‫األفعالي من أقوى الطرق في التغلب على التجليات النفسانية‬
‫ّ‬ ‫التوجه إلى ال ّتوحيد‬

‫توطئة‪:‬‬
‫اليوم تصادف ّ‬
‫الذكرى السّنويّة لرحيل العارف باّلِل ال َّسيِّد هاشم الح ّداد (ق ّدس هللا‬
‫س ّره) فلنقرأ الفاتحة مع الصّلوات على روحه ّ‬
‫الطاهرة‪.‬‬
‫كان الكالم في كيفيّة ال ّتقليل من األمنيات واألماني وقلنا إ ّنه هناك طرق ع ّدة‬
‫لتضئيل األماني‪ ،‬واألمنيات وبال ّتالي تحديد‪ ،‬وتقليل ال ّتجليات ال ّنفسيّة المتمثلة في اآلمال‬
‫والطلبات منها‪ :‬االلتفات إلى الموت إلى أن وصلنا إلى ال ّتوجّ ه إلى ال ّتوحيد‬ ‫ّ‬ ‫والرّغبات‪،‬‬
‫األفعاليّ وال يوجد شيء أقوى في قلع األمنيات من جذورها أقوى من ال ّتوحيد‬
‫األفعاليّ ؛ ألنّ بال ّتوحيد األفعالي اإلنسان يتم ّكن من ال ّتغلب على ال ّتجليات ال ّنفسانيّة‬
‫كيف؟‬

‫السبب الذي جعل التوجه للتوحيد األفعالي أقوى طرق قهر تجليات النفس‪:‬‬
‫ّأوالً‪ :‬انتفاء اإلحساس باالختيار‪:‬‬
‫ّ‬
‫والطلبات دائما ً في طول اإلحساس باالختيار فإذا‬ ‫يجب أن نعرف إنّ األمنيات‪،‬‬
‫اإلنسان يحسُّ باالختيار فإنه يرغب في شيء‪ ،‬أو يطلب شيئا‪ ،‬بعبارة أخرى ‪:‬عندما‬
‫يحسُّ االنسان أ ّنه مختار يرغب في شيء أو يطلب شيئا أمّا اإلنسان الّذي ما يحسُّ‬
‫باالختيار‪ ،‬أو يرى أنّ األمر ليس بيده‪ ،‬فهو ّ‬
‫بالطبع ما عنده طلب ما عنده رغبة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫المطلوب االعتقاد المبرم بالتوحيد االفعالي في قلع مظاهر النفس‪:‬‬


‫هذا التأثير للتوحيد االفعالي مشروط باالعتقاد المبرم يعني‪ :‬إذا شهده قلبا ً يحقق‬
‫أثره أما باللّسان‪ ،‬فال يحقق أثره‪ ،‬فالك ّل يقولون ك ّل األمور بيد هللا‪ ،‬فهذا كالم باللّسان‬
‫وال يفيد‪.‬‬
‫(و َّ‬
‫هللا ُ َخلَ َق ُك ْم َو َما‬ ‫فاالعتقاد المبرم األكيد هو المؤثر والمطلوب قال تعالى( َ‬
‫َتعْ َمل ُ َ‬
‫ون))(الصافات‪ )96:‬أي ك ّل ما تعملونه هذا من هللا تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ال يمكن اإلحساس باألماني واألمنيات وصدور األماني واألمنيات والرّغبات‬
‫والطلبات من ال ّنفس اإلنسانيّة بوصفها تجليات لل ّنفس اإلنسانيّة ّإال باإلحساس باالختيار‬ ‫ّ‬
‫ومعنى االحساس باالختيار أن نحس بأنه ‪:‬ليَّ القدرة‪ .‬ليَّ االختيار فأطلب هذا‪ ،‬أو ذاك‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬معنى التوحيد االفعالي ‪:‬إن االنسان مظهر لالسماء االلهية‪:‬‬


‫هل هذا يعني إن معنى ال ّتوحيد األفعاليّ أ ّننا ننكر االختيار في أنفسنا‪ ،‬فنصبح من‬
‫المجبرين‪ ،‬من الجبريّة هل هذا معناه هذا؟‬
‫الجواب‪ :‬ال‪ .‬بل معنى االعتقاد بال ّتوحيد األفعالي ونفي االختيار عن أنفسنا معناه‬
‫(و َعلَّ َم آ َد َم ْاألَسْ َما َء ُكلَّ َها))( البقرة‪)3١:‬‬
‫أنّ اإلنسان مظه ٌر لألسماء اإللهيّة قال تعالى( َ‬
‫فـ( َعلَّ َم) بمعنى تحقّق اإلنسان بهذه األسماء‪ ،‬ومن تلك األسماء اسم المختار‪ ،‬واسم‬
‫القادر‪ ،‬فاإلنسان حتما ً مختار‪ ،‬وحتما ً قادر؛ أل ّنه مظه ٌر لألسماء اإللهيّة‪ ،‬فاّلِل تبارك‬
‫ّ‬
‫الحق تعالى في‬ ‫وتعالى قاد ٌر ومختا ٌر واإلنسان نفسه؛ ألنّ اإلنسان مرتبة نازلة من‬
‫األسماء والصّفات وغيرها ‪.‬‬

‫الحق تعالى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫مظهر ّية اإلنسان لألسماء اإلله ّية أل ّنه مرتبة نازلة من‬
‫(وقُل رَّ بِّ‬ ‫مثالً اإلنسان ربٌّ ولكن ربوبيّته تختلف عن ربوبيّة هللا قال تعالى( َ‬
‫صغِيرْ اً) (االسراء‪ )٢٤:‬يعني‪ :‬األب‪ ،‬واأل ّم هما ربٌّ بال ّنسبة إلى‬ ‫ارْ َحمْ ُه َما َك َما َر َّب َيانِي َ‬
‫الطفل إذن يطلق عليه اسم الرب‪ ،‬أو في قّصة ال ّنبيّ يوسف (عليه السّالم)‪ .‬هذان‬ ‫ّ‬
‫شخصان اللّذان رأ َيا في المنام فعبّر رؤيا أح ُدهما بأ ّنه (( َف َيسْ قِي َر َّب ُه َخمْ رً ا ۖ))‬ ‫ال ّ‬
‫"ر َّبهُ" ‪.‬‬
‫(يوسف‪َ )٤١:‬‬

‫دقة التعبير القرآني‪:‬‬


‫بأدق المعاني فهي‬ ‫ّ‬ ‫الكلمات الموجودة في القرآن الكريم هللا تبارك وتعالى اختارها‬
‫(و ِب ْال َح ِّق أَ َ‬
‫نز ْل َناهُ َو ِب ْال َح ِّق َن َز َل ۗ )) (االسراء ‪) ١٠5:‬‬ ‫ليست كلمات شعريّة قال تعالى( َ‬
‫حق؛ أل ّنه مطابق للواقع‪ .‬وهللا‬ ‫بالحق‪ .‬يعني‪ :‬ك ّل كلماته ح ّتى الواو من القرآن ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫أنزله‬
‫تبارك وتعالى أطلق اسم الرّبّ لإلنسان الوالد‪ ،‬والوالدة‪ ،‬والسّلطان مثالً (( َيسْ قِي َر َّب ُه))‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫سيِّدهُ إذن اإلنسان ربٌّ أي مظه ٌر للربوبيّة ولكن مظهريته تختلف ومحدودة‪.‬‬

‫ّ‬
‫الحق تعالى‪:‬‬ ‫ربوبي لذات‬
‫ّ‬ ‫الوالدان تجل ٍّ‬
‫يجب على اإلنسان أن يتزوج‪ ،‬ويجب على اإلنسان أن يكون أبا ً ح ّتى تظهر فيه‬
‫الرّبوبيّة قال الرسول األكرم(صلى هللا عليه واله وسلم)‪َ ((:‬تناكحوا َتناسلوا فإني أُباهي‬
‫شريعة اإلسالميّة‬ ‫بكم األمّم يوم َالقيامةِ)) ولو بالسّقط‪ ،‬لماذا هذا ال ّتأكيد الكثير في ال ّ‬
‫على ال ّنكاح وال ّزواج؟‬
‫ليس فقط هذه القصّة الجنسيّة بل بسبب ك ّل واحد من األب‪ ،‬واأل ّم يصبحان مظهراً‬
‫للربّ بال ّنسبة إلى ولده‪ ،‬وهذا الولد إيّ مشكلة تواجهه يتوجّه إلى أبيه‪ ،‬أو إلى أُمّه‪ .‬أ ّ‬
‫ي‬
‫مشكلة في حياته‪ .‬أيّ شيء يرى هو يتوجه إليهما ألنهما يربّيانه ‪.‬‬
‫واأل ّم‪ ،‬واألب ك ّل حياتهم‪ ،‬ك ّل أفكارهم‪ ،‬ك ّل رغابتهم يجمعونها بشأن تربية هذا‬
‫الطفل فيصبحان ر ّبا ً له‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ّ‬
‫للحق تعالى‪:‬‬ ‫اإلحسان إلى الوالدين مرتبة دون العبودية‬
‫ضى‬‫وجعل اإلحسان باألب‪ ،‬واأل ّم في مرتبة نازلة من العبوديّة قال تعالى((و َق َ‬
‫ك أَالَّ َتعْ ُب ُدو ْا إِالَّ إِيَّاهُ َو ِب ْال َوا ِل َدي ِ‬
‫ْن إِحْ َساناً))(اإلسراء‪)٢3:‬يعني‪ :‬جعل اإلحسان للوالدين‬ ‫َر ُّب َ‬
‫في المرتبة دون العبوديّة ّلِل؛ أل ّنهما مظهران لالسم (الرّبّ ) ولو مظهران مجازيان‬
‫ولكن مظهران لالسم الرّبّ ‪ .‬وكذلك اإلنسان مظه ٌر لالسم المختار‪ ،‬واالسم القادر‪.‬‬

‫األفعالي اليسلب االختيار من اإلنسان‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ّتوحيد‬


‫شخص الّذي يعتقد بال ّتوحيد األفعاليّ وأنّ ك ّل األفعال من هللا تبارك وتعالى هذا‬ ‫فال ّ‬
‫ال ينكر االختيار‪.‬‬
‫ال يمكن لإلنسان المؤمن ال ّسالك أن يقول اإلنسان ليس مختاراً‪ .‬اإلنسان مجموعة‬
‫ت فِي ِه مِن رُّ وحِي))(الحجر‪)٢9:‬‬ ‫(و َن َف ْخ ُ‬
‫من الصّفات اإللهيّة ومظه ٌر لألسماء اإللهيّة ( َ‬
‫(و َعلَّ َم آ َد َم ْاألَسْ َما َء ُكلَّ َها))(البقرة‪ُ ( )3١:‬كلَّ َها) أي ك ّل األسماء‬
‫باإلضافة إلى قوله تعالى( َ‬
‫ومن األسماء المختار‪ ،‬القادر‪ ،‬المقتدر‪.‬‬

‫األفعالي عند األولياء‪:‬‬


‫ّ‬ ‫حقيقة ال ّتوحيد‬
‫إذن ما هو معنى ال ّتوحيد األفعاليّ ؟ معنى ال ّتوحيد األفعاليّ يعني‪ :‬اختياريّ في‬
‫ّ‬
‫الحق‪ .‬بعبارة أخرى‪ :‬هللا اختار‪ ،‬فأنا‬ ‫الحق تبارك وتعالى وظ ٌّل ألختيار‬‫ّ‬ ‫طول اختيار‬
‫أختار‪ ،‬فاختياريّ دوما ً في طول اختيار هللا‪ ،‬وقدرتيّ في طول قدرة هللا وهي مرآة‬
‫وظ ّل لهذه الصّفة إذن االعتقاد بال ّتوحيد األفعاليّ ليس معناه الجبر‪.‬‬
‫ومسألة ال ّتوحيد األفعاليّ شيء مسلّم به في اآليات وفي الرّوايات إذن اختيار‬
‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫الحق تبارك وتعالى؛ ألنّ ك ّل صف ٍة موجودة فينا بالمجاز ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان معناه هو اختيار‬
‫الحق تبارك وتعالى‪ .‬استعرناها بالمجاز ولكن عنده‬ ‫ّ‬ ‫هذه الصّفات نحن استعرناها من‬
‫بالحقيقة ‪ :‬كما قال ابن الفارض‪:‬‬
‫مُعا ٌر ل ُه بل ُحسْ نُ ك ّل َمليحِة ‪.‬‬ ‫ليح ُحس ُن ُه منْ َجمالها‬
‫ف ُك ّل َم ٍ‬
‫الرؤية المجازية قنطرة للرؤية الحقيق ّية‬
‫بشكل عا ّم اإلنسان في هذه الحياة ال ّدنيويّة يسعى نحو الجمال بمختلف مجاالته من‬
‫ٍ‬
‫الوردة‪ ،‬من البيت‪ ،‬من السّيارة‪ ،‬من المرأة‪ ،‬من األوالد‪ ،‬من ك ّل شيء في الحقيقة‬
‫اإلنسان يفحص عن الجمال المطلق ولك ّنه بسبب ضيق نفسه يرى هذا الجمال الحقيقيّ‬
‫في هذه المصاديق المجازيّة ومن هنا يقولون‪ :‬المجاز قنطرة الحقيقة على ك ّل تقدير‪.‬‬
‫بعيداً عن المباحث الكالميّة‪ ،‬فنحن مختارون باختيار هللا تبارك وتعالى؛ أل ّننا‬
‫مجموعة من الصّفات اإللهيّة‪ ،‬أو قل‪ :‬مظه ٌر لألسماء اإللهيّة‪ ،‬مرتبة نازلة من األسماء‬
‫اإللهيّة حسب تصريح القرآن‪ ،‬والرّوايات وكلمات األنبياء واألولياء‪.‬‬

‫األفعالي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الدّليل القرآني على ال ّتوحيد‬
‫وال ّدليل على ال ّتوحيد األفعاليّ في القرآن الكريم يقول كثيرا‪(( :‬قُ ْل ُك ٌّل مِّنْ عِ ن ِد‬
‫هللا)) أيّ فعل يصدر منكم هذا‬ ‫هللا))(النساء‪ )٧8:‬أي‪ :‬ك ّل ما تفعلونه ((قُ ْل ُك ٌّل مِّنْ عِ ن ِد َّ ِ‬
‫َّ ِ‬
‫من هللا حقيقة‪ ،‬يعني‪ :‬بالحقيقة وليس بالمجاز ليس أ ّنه قسم منه لكم وقسم منه لنا‪ ،‬كما‬
‫المتكلّمون يقولون‪.‬‬

‫األفعالي عند المتكلّمين‪:‬‬‫ّ‬ ‫حقيقة ال ّتوحيد‬


‫ال ّتيار الكالميّ هكذا ال يستطيع أن يقبل ال ّتوحيد األفعاليّ يقول‪ :‬المقصود أ ّنه هللا‬
‫أعطاك القدرة‪ ،‬وفوّ ضك‪ ،‬وأنت مختار في هذه الحدود‪ ،‬فأنت وهللا معا ً شريكان في هذا‬
‫(و َما‬
‫هللا)) أيّ فعل يصدر منك من هللا‪ ،‬أو قوله تعالى ( َ‬ ‫الفعل؟ ال‪(( .‬قُ ْل ُك ٌّل مِّنْ عِ ن ِد َّ ِ‬
‫ْت إ ْذ َر َمي َ ٰ‬
‫هللا َر َم ٰى))(األنفال‪)١٧:‬يغني‪ :‬أنت رميت ولكن أنت لست راميا ً‬ ‫ْت َولَكِنَّ َّ َ‬ ‫َر َمي َ ِ‬
‫ال ّرامي أنا هذا ال ّتوحيد األفعاليّ ‪.‬‬

‫األفعالي لفناء مظاهر ال ّنفس‪:‬‬


‫ّ‬ ‫السالك إلى ال ّتوحيد‬ ‫ثالثاً‪ّ :‬‬
‫توجه ّ‬
‫فمسألة ال ّتوحيد األفعاليّ شيء واضح في ال ّنصوص ال ّدينيّة سوا ٌء في الكتاب‪ ،‬أو‬
‫ال ُّس ّنة‪.‬‬
‫هذه توطئة وتمهيد للمسألة الّتي نريد إثباتها وهي‪ :‬كيف إنّ ال ّتوجّه إلى ال ّتوحيد‬
‫األفعاليّ أقوى وسيلة وأبقى آنة للقضاء على ال ّنفس‪ ،‬وللقضاء على أمنيات ال ّنفس ؟‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫األفعالي سار في كل ّ األفعال الجوارحية والجوانحية على ح ٍد سواء‪:‬‬‫ّ‬ ‫ال ّتوحيد‬


‫بشكل عا ّم تقسّم أفعاله إلى قسمين‪ :‬األفعال الجوانحيّة‪ ،‬واألفعال‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان‬
‫الجوارحيّة‪ ،‬الجوارحية يعني‪ :‬اليد‪ ،‬ال ّرجل‪ ،‬اللّسان‪ ،‬العين‪ ،‬السّمع‪ ،‬ك ّل هذه األعمال‬
‫التي تصدر عن هذه الجوارح جوارحية‪.‬‬
‫شخص ويميل قلبي إلى‬ ‫وتوجد أعمال جوانحية قلبيّة أعمال قلبيّة‪ :‬أنا أحبُّ هذا ال ّ‬
‫شيء‪ ،‬وأنا أبغض هذا‪ ،‬فهذه أفعال قلبيّة(جوانحية) ص ّح‪.‬‬ ‫شيء‪ ،‬وأنا أطلب هذا ال ّ‬‫هذا ال ّ‬
‫ال ّتوحيد األفعاليّ الزم يكون في كلّيهما‪ ،‬فال تستطيع أن تقول األفعال الجوارحيّة‬
‫نعم فيها توحيد أفعالي‪ ،‬واألفعال الجوانحيّة ليس فيها توحيد أفعالي ال تستطيع أن تقول‬
‫هكذا‪.‬‬

‫الحق تعالى وال يرتب األثر ّإال عليه‪:‬‬


‫ّ‬ ‫سالك ُينسب كل ّ اإلفعال إلى‬ ‫ال ّ‬
‫أوال‪ .‬بال ّنسبة إلى أفعال ال ّناس‪:‬‬
‫اآلن أوّ ل شيء ننظر إلى أفعال ال ّناس ث ّم بعد ذلك ننظر إلى أفعالنا‪ ،‬فبال ّنسبة إلى‬
‫ال ّناس واحد يأتي وأنت تكرمه‪ ،‬وتعطيه أيّ شيء‪ ،‬وتفتح له المجال‪ ،‬وتفتح له قلبك‪،‬‬
‫وتفتح له باب بيتك‪ ،‬فيأتي معك ويسايرك لسنة‪ ،‬أو لسنتين‪ ،‬أو لثالث سنين بعد ذلك‬
‫يذهب ويأخذ خنجرا ومن الخلف بهذا الخنجر يضربك‪ ،‬ويطعنك‪ ،‬وأنت تتوجع وال‬
‫تستطيع أن تنام باللّيل لماذا هو هكذا؟ لماذا صنع هكذا؟ لماذا كذا وكذا؟ إذا أنت تعتقد‬
‫بال ّتوحيد األفعاليّ وإنّ ك ّل األفعال من هللا تبارك وتعالى ما تتأثر‪ .‬ما تتأثر أصالً الفعل‬
‫شكل‪ ،‬هللا بعثه ح ّتى يؤذيني ماهو السّبب؟ هذه مسألة‬ ‫ليس فعله‪ ،‬فاّلِل بعثه بهذا ال ّ‬
‫أخرى‪.‬‬
‫شخص الّذي خالف صنيعتي وبدل أن يحسن إليَّ أسا َء إليَّ‬ ‫إذا اعتقدنا بأنّ هذا ال ّ‬
‫ك م َِن ْاألَمْ ِر َشيْ ءٌ))(آل عمران‪ )١٢8 :‬هذا من‬ ‫ْس لَ َ‬
‫هذا الشخص ليس بيده شيء ((لَي َ‬
‫هللا‪ .‬هللا بعثه هكذا‪.‬‬
‫نحن ال ننظر إلى شاكلته وسوئه وسريرته‪ .‬نحن ما نهتم بهذه األمور فهذا الفعل‬
‫شخص بعناية هللا وبإرادة هللا‪ ،‬فهل تتأذى منه؟ أم ال‬ ‫صدر في عالم ال ّتكوين من هذا ال ّ‬
‫تتأذى منه‪ .‬هل تنتقم منه؟ هل تنتظر وقتا تجده وتصنع له فعال أسوء من فعله أم ال‬
‫يوجد هكذا تفكير عندك أم ال؟‪.‬‬
‫إذن ك ّل شيء صدر من االشخاص الخارجيين ويخالف أمنياتنا ورغباتنا نحن‬
‫البد أن ال نتأثر من هذه األمور لماذا؟ أل ّننا نرى ك ّل األمور بيد هللا‪ ،‬ومن هللا‪ ،‬وبإرادة‬
‫هللا‪ ،‬وبعناية هللا‪ ،‬وتحت قدرة هللا‪ ،‬ومشيئة هللا‪ ،‬وعلينا أن ننام براحة‪ ،‬وال نتف ّكر في‬
‫االنتقام‪ ،‬وال نطلب من هللا يقضي عليه يدمّر بيته ويخرّب حياته ال‪ ،‬هذا المسكين ك ّل‬
‫األمور بيد هللا ليس األمر بيده‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫نتيجة االعتقاد بالتوحيد األفعالي‪:‬‬


‫القضاء على الحاالت النفسانية الظلمانية‪:‬‬
‫فنتيجة االعتقاد بال ّتوحيد األفعاليّ يقضي على ماذا؟ يقضي على هذه الحاالت‬
‫ال ّنفسانيّة‪ ،‬فبسبب االعتقاد بالتوحيد األفعالي أنت لن تقوم باإلنتقام من الشخص الذي‬
‫يسيء إليك‪ ،‬ولن تقوم باإلساءة إليه لن تقوم بشيء ضده لماذا؟ ألن هذا فعله فعل هللا‬
‫شخص ح ّتى يسبّني؟ هذه‬ ‫فهل تستطيع أن تتعارك مع هللا؟ فأفحص لماذا هللا بعث هذا ال ّ‬
‫مسألة أخرى‪ ،‬اآلن نأتي لماذا مثالً صار هكذا؟‬

‫نتيجة االعتقاد بالتوحيد األفعالي‪:‬‬


‫عدم المديونية ألحد والشعور بالمديونية هلل فقط‪:‬‬
‫مثال أحد األشخاص جاء وقام بأفعال جيدة لي وهذه األفعال كنت أُحبّها‪ ،‬ومطابقة‬
‫مع مشتهياتي‪ ،‬فأقول‪ :‬الزم أكرم هذا الشخص؛ أل ّنه عن طريقه حصلت مثال على‬
‫أموال كثيرة‪ ،‬أو احترامات زائدة‪ ،‬أوكذا وكذا هل هذا القول صحيح؟ ال ‪.‬هذا أيضا ً‬
‫غير صحيح‪ ،‬فهذا المسكين الذي عن طريقه تحققت لك أشياء جيدة ص ّح الزم‬
‫تحترمه؛ أل ّنه مجرى لعناية هللا ولكن ليس األمر بيده‪ ،‬وأنت لست مديونا ً ألحد أنت‬
‫مديون ّلِل وأمام هللا‪ ،‬ومن هنا ممكن بسبب تصورات الشخص الخاطئة يقع في خطأ‬
‫شخص الذي أكرمه كثيراً و أهتم به كثيراً وذلك مثال عندما يأتي الشخص‬ ‫مع هذا ال ّ‬
‫الذي أكرم ويطلب من الذي تم اكرامه مثال شيئا مخالفا‪ ،‬و من أجل ما قام به من‬
‫أعمال حسنة واكرام يقوم الشخص الذي تم اكرامه بأعمال مخالفة لعقيدته‪ .‬مخالفة ّلِل‪.‬‬
‫شخص ال‪ .‬فيجب ان ال توجد هكذا حاالت وهذه الحاالت‬ ‫مخالفة لشرع هللا ألجل هذا ال ّ‬
‫تنتفي نهائيا ً؛ ألنّ هذا الفعل(فعل االحسان واالكرام) لم يكن فعله وأنت أيها الشخص‬
‫شخص بل أنت مديون ّلِل تبارك وتعالى إذن هنا‬ ‫الذي تم اكرامه لست مديونا ً لهذا ال ّ‬
‫نلتفت إلى تأثير االعتقاد بال ّتوحيد األفعاليّ بال ّنسبة إلينا ‪.‬‬

‫ثانيا‪ .‬بال ّنسبة إلى أفعالنا‪:‬‬


‫وإمّا إذا نرجع إلى أعمالنا‪ ،‬فهل قول أو تفكر االنسان في أن يقول مثال لالشخاص‬
‫الذين عمل لهم شيئا‪ :‬حبيبي أنا فعلت كذا بال ّنسبة إليك‪ .‬أنا أحسنت إليك أنت ‪.‬أمر‬
‫صحيح ؟‬
‫عندما تحسن ألحد ص ّح إحسانك مشكورا ولكن يجب أن ال تطلب قباله شيئا‪ ،‬وال‬
‫شخص شيئا ً؛ ألنّ الفعل ليس فعلك الفعل هو فعل فعل هللا وأنت كال ّنهر‬ ‫تتوقع من هذا ال ّ‬
‫حبيبي‪.‬‬
‫بعبارة أخرى ال ّتلميذ‪ :‬الواسطة واألستاذ‪ :‬ح ّتى الواسطة ال توجد بل أنت نهر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫شكل هل يستطيع‬ ‫ففي ال ّنهر الماء يجري و إرادة هللا كانت جارية فيك بهذا ال ّ‬
‫ال ّنهر أن يكون نهرا من دون الماء؟ يعني هذا المجرى هل يستطيع أن يقول و يتبختر‪:‬‬
‫أنا الّذي بسبب هويتيّ وشاكلتيّ الهامّة والمهمّة هذا ال ّنهر دخل فيَّ ‪ ،‬هذا الماء يخرج‬
‫شيء ليس له شيء‪.‬‬ ‫م ّني؟ ال‪ .‬لو لم تكنْ أنت غيري‪ .‬هذا ال ّ‬
‫إذن إحسانك إلى ال ّناس يجب أن ال تتوقع أنّ هؤالء ير ّدون عليك ((قُل َّال أَسْ أَل ُ ُك ْم‬
‫َعلَ ْي ِه أَجْ رً ا إِ َّال ْال َم َو َّد َة فِي ْالقُرْ َب ٰى))( الشورى‪ )٢3:‬أنا ال أسألك عليه أجراً؛ أل ّنه هذا‬
‫ليس أنا هذا من هللا‪ ،‬ولكن فقط مودة أهل بيتي وهي ترجع إليكم‪ .‬ليست راجعة إليَّ بل‬
‫ترجع إليكم وهذه المودة جيّدة لكم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬تصحيح نسبة ال َّ‬


‫س ِّيئات‪:‬‬
‫يجب أن كل ما أراه سي ً‬
‫ِّئة أراه من نفسي‪ ،‬الَّسيِّئات من نفسي ال أراها من هللا؛‬
‫أل ّني لو أراها من هللا لتخربط ك ّل شيء‪.‬‬
‫وإلى متى تنسب السَّي ِّئات إلى نفسك؟ تنسب السيئات إلى نفسك ح ّتى تتعلّم‬
‫وتتعرّ ف على ال ّنظام الكامل اإللهيّ الموجود في العالم‪ ،‬فإذا وصلت إلى لوح القضاء‪،‬‬
‫والقدر‪ ،‬والمشيئة اإللهيّة تعرف أن ما صدر أي سيئة ال منك وال من أيّ أحد غيرك‬
‫الذنب صدر‬ ‫وأيّة إساءة صدرت من ال ّناس هذا الصدور كان خلفه ألف حكمة وهذا ّ‬
‫مة لشيء‬‫م ّني‪ ،‬وهذه الخطور ال ّنفسانيّة الّتي خطرت على نفسيّ وكان قبيحا ً كان مق ّد ً‬
‫جميل‪.‬‬

‫كل ُّ س ِّي ٍة في عالم الوجود هي مقدّمة ٍ‬


‫ألمر حسن‪:‬‬
‫ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) كان على المنبر يخطب‪ ،‬فخطر بباله هل هللا تبارك‬
‫خطر في باله استغفر((أسْ َت ْغ ِف ُر َ‬
‫هللا‬ ‫َ‬ ‫وتعالى خلق إنسانا ً أعلم م ّني في العالم‪ .‬بمجرد أن‬
‫َربِّي)) ما هذا الكالم هللا تبارك وتعالى قال‪ :‬بسبب هذا الخاطر يجب أن تمشي وترى‬
‫ال ّنبيّ الخضر(عليه السّالم) وهذه القصّة الطويلة المذكزرة في القرآن الكريم إذن ك ّل‬
‫ب في عالم الوجود مق ّدمة لشيء آخر‪ ،‬فاإلنسان مالم يصل إلى حقيقة ال ّنظام الكلّ ّي‬ ‫ذن ٍ‬
‫المتين القوّ يّ في العالم يجب أن يرى ك ّل ال َّسيِّئات من نفسه‪ ،‬وأمّا إذا وصل إلى ذاك‬
‫العالم سيرى أ ّنه ال يوجد فرق بين هذا‪ ،‬وهذا ‪.‬‬
‫نرجع إلى ال َّسيِّئات الّتي تصدر م ّنا هذا في مجلس سابقا ً درسناه بال ّتفصيل‪.‬‬

‫نزول البالء حسب المشيئة اإلله ّية‪:‬‬


‫اإلنسان يبتلى بالمصائب في هذه ال ّدنيا يبتلي بابتالءات مختلفة فكيف انظر إلى‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫شخص الّذي يحبّني أُبتليَّ بالمصائب والباليا‬ ‫مصائب االنسان ؟ مثال‪ :‬إذا كان هذا ال ّ‬
‫أقول هذا ترقية له؛ أل ّنه يح ّبني‪ ،‬فحتما ً هذا شخصٌ جيّد‪ ،‬فهذا االبتالء سبب ترقيته‬
‫وعلوّ درجاته‪ ،‬وإذا كان سيّئا ً معي أسا َء إليَّ أقول هذا البالء نتيجة إساءته بال ّنسبة إليَّ‬
‫فإنا المحور فإنا الفرعون أنا أنا ؟! هذه أنانيّة حبيبي هذه األمور تجري حسب مشيئآت‬
‫كلّيّة إلهيّة ليس لها صلة بأنا وأنت وغيري‪.‬‬

‫معرفة سبب نزول البالء‬


‫المصائب الّتي تأتي إليَّ وأَبتلي بها كيف أعرف هذه من ال َّس ِّيئات وهذه سيِّئة‬
‫بال ّنسبة إليَّ ‪ ،‬أو حسنة بال ّنسبة إليّ ‪ ،‬فاألمر يختلف تار ًة هذه المصيبة‪ ،‬أو اآلالم‪،‬‬
‫والمصائب الّتي تبتلي بها قد تسبب لك وتولّد لك المصائب الجزع وإذا كانت المصائب‬
‫خطيئة صدرت منك وهذه عقوبة‪ .‬وهذه المصائب‬ ‫ٌ‬ ‫مقترنة مع جزعك‪ ،‬فمعناه أ ّنه‬
‫عقوبة لمعاصيك‪ ،‬وإمّا إذا في مجال المصائب والمشاكل واآلالم أنت صابر وما‬
‫ونعمة وليس ً‬
‫نقمة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تشتكي ألحد وتصبر هذا معناه أ ّنه في الحقيقة جزا ًء‬

‫نزول البالء تربية إله ّية لإلنسان‬


‫مقترنة مع شوقك‪ ،‬وحبّك لهذه المصائب‪ ،‬أو عدم‬‫ً‬ ‫وإمّا لو كانت هذه المصائب‬
‫اعتنائك بها‪ ،‬فالصّبر معناه أ ّنه ليس مالئما ً معك ولكن أنت تصبر ولكن أحيانا ً‬
‫المتاعب‪ ،‬والمشاكل أصالً أنت تمشي نحوها‪ ،‬وتحبّها هذا معناه أنّ هذه المصيبة ليست‬
‫نقم ًة عليك هذه تربية بال ّنسبة إليك‪ ،‬وهللا تبارك وتعالى يريد يدفعك وير ّبيّك ويوصلك‬
‫إلى مقامات عالية‪.‬‬

‫ّيني (هللا يرحمه) عند البالء‬ ‫س ِّيد بهاء الد ّ‬


‫صة حال ال َّ‬ ‫ق ّ‬
‫ُنقل أنّ ال َّسيِّد بهاء ال ّدينيّ (هللا يرحمه) كان مبتل ّيا ً وصار مقعداً وما كان يستطيع‬
‫شيخ بهجت (هللا‬ ‫أن يمشي يعني رجله وكذا‪ .‬وفي أواخر حياته وصل الخبر إلى ال ّ‬
‫يرحمه) قالوا فالن آية هللا بهاء ال ّدينيّ صار به مرضا مزمنا ً‪ ،‬وهو اآلن و مقعداً وال‬
‫ِيم)) عشرين م ّرة‬ ‫(بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬
‫يستطيع أن يمشي قال هذا سهل يقرأ ( ِ‬
‫وبعدها يقرأ هذا ال ّدعاء بمجرد أن يقرأه يستطيع أن يمشي‪ .‬هيّا قولوا له أن يصنع‬
‫هكذا‪ ،‬هذا الوسيط ركض ركض ح ّتى وصل إلى ال َّسيِّد بهاء ال ّدينيّ قال‪ :‬سيِّدنا أنا كنت‬
‫شيخ بهجت وجرت قصّتكم فقال‪ :‬قولوا لل َّسيِّد يعمل هذا في نفس اللّحظة يستطيع‬ ‫عند ال ّ‬
‫أن يقوم‪ .‬قال‪ :‬ال أنا أحبّ هذا‪ .‬أنا ال أريد ذلك‪ .‬قال الوسيط‪ :‬سيِّدنا تمشي‪ .‬تروح وكذا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال‪ .‬ما أحتاج أبدا أبدا ما أحتاج‪.‬‬
‫هو يحبّ البقاء هكذا وهذا يعني ‪ :‬أوّ ل شيء الحركة‪ ،‬والسّكون صارت عنده‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫سيّان‪ .‬احترام ال ّناس‪ ،‬وازدراء ال ّناس‪ ،‬وعداوة ال ّناس سيّان عنده وهذا جيّد وذو مرتبة‬
‫عالية إذن بال ّنسبة إلى أفعالنا ال َّسيِّئة‪ ،‬أو المصائب الّتي تقع علينا هذه لها قواعد أخرى‬
‫لمعرفة أنّ ماهي القصّة‪.‬‬
‫والحاصل ال يوجد شيء أقوى في قلع جذور األنانيّة وال ّتجليات األنانيّة من‬
‫الرّغبات واآلمال واألمنيات ّ‬
‫الطويلة أقوى من ال ّتوجّه إلى ال ّتوحيد األفعاليّ ‪.‬‬

‫ترويض ال ّنفس على عدم طلب األجر على اإلحسان‬


‫أتذكر قبل لعلّه قبل خمس وعشرون سنة ما أعرف تعلّمت من أحد ما‪ ،‬أو جاء‬
‫في فكري هذا المعنى أ ّني الزم أن أُعاشر أصدقائي بهذا الوصف ك ّل ما أُحسن إليهم‬
‫يجب أن ال أتوقع إحسانا ً منهم بل يجب أن أتوقع منهم طعنا ً من الخلف ك ّل األشخاص‪،‬‬
‫فإذا لم يطعن‪ ،‬فهذا هو إحسانه؛ أل ّني كنت متوقعا أن يطعن من الخلف‪ ،‬فلم يطعن‬
‫وهذا شيء جيّد‪ ،‬وهذا يكفي هذا يكفيني‪ ،‬وهذا جوابٌ ‪ ،‬ور ٌّد جمي ٌل لك ّل إحساني بال ّنسبة‬
‫إل َّيه‪ ،‬وإذا طعن كنت متوقعا ً نعم‪ .‬وأتذكر كنت أُر ّدد هذا الكالم لع ّدة أشخاص من‬
‫أصدقائي لم يكونوا أصدقائي يعني‪.‬‬

‫ّ‬
‫الحق تعالى ‪:‬‬ ‫األفعالي دائما ً ينظرون إلى األفعال من منظار‬
‫ّ‬ ‫أهل ال ّتوحيد‬
‫أتذكر كنت في شهر كذا في السّنة األوّ لى جئنا إلى مشهد‪ ،‬فك ّنا تقريبا ً في ضيعة‬
‫في قرية خارج مشهد؛ أل ّنه البيوت كانت غالية وماكنت أستطيع أن أشتري بيتا في‬
‫ودق الباب ولك ّنه‬
‫ّ‬ ‫مشهد وفي ليلة من اللّيالي رأيت في المنام أنّ شابا ً جاء إلى بيتي‬
‫كان في ظلمة وفي محيطه كأ ّنه كان يوجد ضوء ضئيل ج ّداً وأصرَّ عليَّ بشيء وإنا لم‬
‫أقبل أنا ما أعرف ماذا كان؟ وماذا يطلب؟ انا ماكنت أعرف بالمنامات‪ ،‬وفي صّباح‬
‫شاب ؟ "أهالً‬ ‫دق علي الباب‪ ،‬فتحت الباب‪ ،‬فرأيت هذا ال ّ‬ ‫اليوم التالي رأيت أحدا ّ‬
‫دالني عليك وأنا من تالمذة فالن‬ ‫شخص الفالني و ّ‬ ‫وسهالً" من طهران‪ .‬قال‪ :‬رأيت ال ّ‬
‫شيخ وهو يأخذ بيدك وكذا وكذا هذه‬ ‫دالني عليك وقال يجب أن تمشي إلى هذا ال ّ‬ ‫ّ‬
‫األوهام وكذا‪ ،‬وك ّل ما أنا أنكرت رددت وهللا أنا مثلك أنا ما عندي شيء‪ .‬قال‪ :‬ال‬
‫شيخ ما قب َل ألحْ عليه‪ ،‬انتبه أن ال تتركه على ك ّل‬ ‫مستحيل فألَ َّح؛ أل ّنه قال‪ :‬إذا ال ّ‬
‫األحوال‪ .‬آخر شيء قلت له تفضل‪ .‬تعال اجلس عندنا ماذا تصنع؟ قال أنا أشتغل‬
‫بطهران كان عندي معمل وكذا وكذا قلنا له ‪:‬أشياء صغيرة ك ّنا نعرفها وأن يكون على‬
‫تواصل معي فأنا ما عندي ال موبايل‪ ،‬وال تليفون وخلص انتهى في أمان هللا‪.‬‬
‫وذهب وبعد كم أسبوع جاء ومعه شخيين اثنين آخرين‪ ،‬فأصبحوا ثالثة أشخاص‬
‫نعم وهللا هذا صديقي هذا كذا وكذا‪ ،‬فأصرّوا ماذا نصنع؟ أنا وقعت في الحيرة قالوا ‪:‬‬
‫نحن نريد نأتي إلى مشهد وكذا فباعوا بيوتهم في طهران وجاؤوا إلى مشهد ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫هؤالء بحاجة إلى شغل أل ّنهم في حياتهم ما أخذوا شيئا صغيرا أصغر من القلم‬
‫بأيديهم أي لم يعملون وكذا؛ أل ّنهم كانوا موظفين اثنين كانوا موظفين حبيبي‪ :‬يريدون‬
‫يشتغلون هنا كيف يشتغلون على ك ّل تقدير أوّ ل شيء استأجروا بيتا بعد ذلك ضبطنا‬
‫حذا ًء من هنا وهنا وتعلّمت واألوالد‬ ‫لهم معمال يشتغلون في صنع األحذية أنا أصبحت ّ‬
‫وأخي وكذا وضبطنا لهم معمل لألحذية ح ّتى يأكلوا ويشربوا؛ ألنّ ما عندهم أيّ شيء‪،‬‬
‫فك ّل أوقاتي في المعمل هذا كذا وهذا كذا ؛ أل ّنه أنا أتعلّم حتى أُعل ُمهُم أكثر وبعد أن‬
‫انتقلت إلى هذا البيت كان يأتون لي وكذا وكذا والعوائل ويبقون ونحن أنا وزوجتي في‬
‫خدمتهم في ك ّل شيء يعني بك ّل بساطة‪ ،‬وكنت أتذكر هذا المعنى وأحيانا ً أقول لهم‬
‫ست سنوات صارت مشاكل بعد وفاة ال ّسيِّد‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان الزم يكون هكذا لكن بعد‬
‫الطهرانيّ وكلّهم أصبحوا أعدا ًء بال ّنسبة لنا بعدها يتكلّمون علي‪ ،‬فبعد فترة من ال ّزمن‬ ‫ّ‬
‫يعني تقريب لعلّه ثماني عشرة سنة جاء واحد منهم على الباب قبل سنتين أيّام ال ّزيارة‬
‫أيّام الرّبيع الولد جواد قال لي‪ :‬يا أبي جاء واحد مستأجر يريد غرفة قلت‪ :‬ال توجد‬
‫مشكلة أنا نزلت رأيت أحداً "أهالً وسهالً" ما تعرفت عليه‪ .‬قلت كم عائلتكم؟ كم‬
‫عددكم؟ كم يوم تريدون تبقون؟ قال ما تعرفني ياشيخ؟ قلت وهللا لم أعرفك قال نعم أنا‬
‫فالن قلت‪ :‬هااا‪ .‬أهالً وهللا ما تذكرته ‪.‬‬
‫أحسست بالبغض بال ّنسبة إليهم جاؤوا‪ ،‬واعتذروا ويعني أحيانا ً‬ ‫ُ‬ ‫ال تألّمت‪ ،‬وال‬
‫صدر م ّنا كذا‪ ،‬وقبل كم فترة رأيت ولده‪ ،‬ولد صغير كبُر هذا الولد وما أعرفه ‪ ،‬رأيته‬
‫بالحرم يعني رأيت شابا تقريبا ً ثالثين سنة جاء إليّ وسلّم عليّ ‪ .‬قال‪ :‬أنت فالن؟ قلت‬
‫نعم‪ .‬قال ‪:‬تعرفني؟ قلت‪ :‬ال‪ .‬ما أعرفك عفواً‪ .‬قال أنا فالن ابن فالن حسنا ً "أهالً‬
‫وسهالً" ولكن أنا أريد آخذ منك براءة الذمة االستحالل أل ّني أنا وأبي وأُمّي وكلّنا‬
‫تكلّمنا ضدك كثيراً خالل عشرين سنة ح ّتى تعبنا يعني بعد اآلن أتف ّكر لماذا نحن تكلّمنا‬
‫عنك؟‬
‫قلت‪ :‬حالل حبيبي أمشي ليس مه ّما ً أصالً ليس مه ّما ً أنت ال تتف ّكر بعد ذلك أبوه‬
‫جاء‪ ،‬يعني يصير اإلنسان هذه الحالة بعد عشرين سنة ‪.‬‬
‫اإلنسان يتأثر‪ ،‬ك ّل ما أنت تتكلّم أصالً نحن النر ُّد عليك وال بكلمة ولكن آخر‬
‫شيء تأتي وبعد عشرين سنة وتعرف خطأك‪.‬‬

‫األفعالي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الغرض من ال ّتوحيد‬
‫فالغرض من ال ّتوحيد األفعاليّ ال ّتوجّه إلى هللا‪ ،‬فنحن ليس لنا أيّ دور في أيّ شيء‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫كلّها هللا تبارك وتعالى يضبط ك ّل شيء ‪.‬‬


‫ك ّل شيء ينتهي حبيبي وأكثر المعارك بسبب ال ّتوقعات لماذا أنت ما صنعت‬
‫بال ّنسبة إليَّ هذا األمر؟ أنا أكبر منك أنا دفعت لك كذا‪ ،‬أنا صنعت كذا؟ إذا ما تتوقع‬
‫يوجد شيء ال توجد مشكلة‪ .‬المشكلة تنشأ من ال ّتوقعات ال ّزائدة أنا فعلت كذا وأنت ما‬
‫رددت عليَّ أضف إلى ذلك المآسي التي عند ال ّنساء وهذه هي القصّة واصل المشكلة‬
‫وهي التوقعات الزائدة وك ّل ما كانت العقول ضعيفة تكون هذه المشاكل أكثر‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الثانية عشرة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 .....................................‬‬
‫البحث‪1 ................................................................... :‬‬
‫األفعال من أقوى الطرق يف التغلب على التجليات النفسانية ‪1 ...‬‬
‫ّ‬ ‫التوجه إىل التّوحيد‬
‫توطئة‪1 .................................................................... :‬‬
‫السبب الذي جعل التوجه للتوحيد األفعال أقوى طرق قهر جتليات النفس‪1 ....... :‬‬
‫ّأولا‪ :‬انتفاء اإلحساس بالختيار‪1 ............................................. :‬‬
‫املطلوب العتقاد املربم بالتوحيد الفعال يف قلع مظاهر النفس‪2 .................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬معىن التوحيد الفعال ‪:‬إن النسان مظهر لالمساء الهلية‪2 .................. :‬‬
‫احلق تعاىل‪2 ................... :‬‬
‫مظهريّة اإلنسان لألمساء اإلهليّة ألنّه مرتبة نازلة من ّ‬
‫دقة التعبري القرآين‪2 ......................................................... :‬‬
‫احلق تعاىل‪3 ......................................... :‬‬
‫بوب لذات ّ‬ ‫الوالدان جتل ر ّ‬
‫للحق تعاىل‪3 .......................... :‬‬
‫اإلحسان إىل الوالدين مرتبة دون العبودية ّ‬
‫األفعال ليسلب الختيار من اإلنسان‪3 ............................... :‬‬ ‫ّ‬ ‫التّوحيد‬
‫األفعال عند األولياء‪3 ......................................... :‬‬
‫ّ‬ ‫حقيقة التّوحيد‬
‫الرؤية اجملازية قنطرة للرؤية احلقيقيّة ‪4 ............................................‬‬
‫األفعال‪4 ..........................................:‬‬
‫ّ‬ ‫ال ّدليل القرآين على التّوحيد‬
‫األفعال عند املتكلّمني‪4 ....................................... :‬‬
‫ّ‬ ‫حقيقة التّوحيد‬
‫األفعال لفناء مظاهر النّفس‪4 ....................:‬‬
‫ّ‬ ‫السالك إىل التّوحيد‬ ‫توجه ّ‬
‫ثالثا‪ّ :‬‬
‫كل األفعال اجلوارحية واجلواحنية على حد سواء‪5 ......... :‬‬‫األفعال سار يف ّ‬
‫ّ‬ ‫التّوحيد‬
‫احلق تعاىل ول يرتب األثر ّإل عليه‪5 .............. :‬‬
‫كل اإلفعال إىل ّ‬ ‫السالك يُنسب ّ‬ ‫ّ‬
‫أول‪ .‬بالنّسبة إىل أفعال النّاس‪5 ............................................... :‬‬
‫نتيجة العتقاد بالتوحيد األفعال‪6 ............................................ :‬‬
‫القضاء على احلالت النفسانية الظلمانية‪6 ..................................... :‬‬
‫نتيجة العتقاد بالتوحيد األفعال‪6 ............................................ :‬‬
‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثانية عشرة‬

‫عدم املديونية ألحد والشعور باملديونية هلل فقط‪6 ................................ :‬‬


‫ثانيا‪ .‬بالنّسبة إىل أفعالنا‪6 .................................................... :‬‬
‫السيِّئات‪7 ............................................... :‬‬‫رابع ا‪ :‬تصحيح نسبة َّ‬
‫كل سيِّة يف عامل الوجود هي مق ّدمة ألمر حسن‪7 .............................. :‬‬
‫نزول البالء حسب املشيئة اإلهليّة‪7 ............................................ :‬‬
‫معرفة سبب نزول البالء ‪8 .....................................................‬‬
‫نزول البالء تربية إهليّة لإلنسان ‪8 ...............................................‬‬
‫ين (اهلل يرمحه) عند البالء ‪8 .............................‬‬
‫السيِّد هباء ال ّد ّ‬
‫قصة حال َّ‬ ‫ّ‬
‫ترويض النّفس على عدم طلب األجر على اإلحسان ‪9 ...........................‬‬
‫احلق تعاىل ‪9 ........... :‬‬
‫األفعال دائما ينظرون إىل األفعال من منظار ّ‬‫ّ‬ ‫أهل التّوحيد‬
‫األفعال‪10 ............................................... :‬‬
‫ّ‬ ‫الغرض من التّوحيد‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬
‫المحاضرة الثالثة عشرة من محاضرات الدّعاء‬
‫لسماحة ال ّشيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬
‫البحث‪:‬‬
‫األفعالي من قبل السالكين‬
‫ّ‬ ‫مراتب ومستويات تلقي ال ّتوحيد‬

‫سالم)‪:‬‬ ‫اذلي حول جسد اإلمام علي (عليه ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫س ِّيد علي الوفا ال ّ‬ ‫تأويل كالم ال َّ‬
‫بمناسبة ميالد اإلمام الحسن المجتبى (عليه السّالم) اخترنا قراءة قصيدة ألحد‬
‫شيخ عبد‬ ‫شاذليّ وهو أستاذ لل ّ‬ ‫كبار العرفاء باسم ال َّسيِّد علي الوفا بن ال َّسيِّد محمد الوفا ال ّ‬
‫شعرانيّ وهو بدوره عن أستاذه‬ ‫شعرانيّ وقد ذكرنا حكاية عن عبد الوهاب ال ّ‬ ‫الوهاب ال ّ‬
‫شاذليّ أنّ أمير‬ ‫شاذل ّي حاصله أ ّنه سمع من أستاذه ال َّسيِّد علي الوفا ال ّ‬ ‫ال ّسيِّد علي الوفا ال ّ‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّالم) لم يمت وإ ّنما هو حي بل رفعه هللا إلى‬
‫السّماء كال ّنبيّ عيسى (عليه السّالم)‪.‬‬
‫شكل‬ ‫شيعة اإلماميّة األثنا عشريّة ال يعتقدون به بهذا ال ّ‬ ‫وهذا الكالم بالحقيقة ال ّ‬
‫شيعة ولكن يوجد في‬ ‫وهذا من مختصات ال ّنصيرية‪ ،‬أو جماعات متصرفة من ال ّ‬
‫رواياتنا‪ :‬إنّ الجسد األساسيّ لإلمام (عليه السّالم) بعد وفاته‪ ،‬أو استشهاده يرتفع إلى‬
‫السّماء ويؤتى بجس ٍد آخر بدل عن هذا الجسد‪ ،‬فعلى هذا األساس يمكن تأويل كالم‬
‫شاذليّ وهذا دليل على انتمائه ال ّ‬
‫شيعيّ ‪.‬‬ ‫ال َّسيِّد علي الوفا ال ّ‬
‫شعرانيّ قال أنا تعجبت من كالم أستاذي فذهبت إلى أستاذي اآلخر وهو‬ ‫وال ّ‬
‫شاذليّ هكذا يقول‬ ‫شيخ علي الخواص وهو أحد العرفاء‪ ،‬فقلت هذا ال َّسيِّد علي الوفا ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قال نعم ص ّح كالمه مضبوط علي بن أبي طالب (عليه السّالم) لم يمت وإ ّنما ارتفع‬
‫إلى السّماء رفعه هللا إلى السّماء كال ّنبيّ عيسى (عليه السّالم)‪.‬‬
‫شاذليّ حول نبيّ ال ّرحمة محمّد (صلَّى هللا‬ ‫أبيات من قصيدة ال َّسيِّد علي الوفا ال ّ‬
‫عليه وآله وسلّم)‪:‬‬
‫وهذه األشعار أشعار لل َّسيِّد علي الوفا بشأن نبيّ الرّحمة صلَّى هللا عليه وآله وسلم‬
‫فنتيمّن بهذه االشعار ال ّراقية في والدة حفيده اإلمام الحسن المجتبى عليه السّالم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫ككككن الفككككؤا ُد فعكككك ْ هنيئككككا يككككا جسككككد‬


‫سك َ‬
‫ُ‬
‫أصبحت‬ ‫هذا ال ّنعيم هو المقي ُم إلى األبد‬
‫فككككككي كنكككككك ِ الحبيككككككب ومككككككن يكككككككن‬
‫جكككا َر الحبيكككب فعيشكككه العكككي الرّ غكككد‬
‫َ‬
‫تحكككككت لوائككككك ِه‬ ‫عككككك ْ فكككككي أمكككككان هللا‬
‫ال خكككو فكككي هكككذا الجنكككاب وال نككككد‬
‫ال تخشكككككى فقكككككرا فعنكككككد بيكككككت مكككككن‬
‫كككككك ّل المنكككككى لككككك مكككككن أياديكككككه مكككككدد‬
‫رب الجمكككال ومرسكككل الجكككدو ومكككن‬
‫هككككو فككككي المحاسككككن كل ّهككككا فككككرد أحككككد‬
‫قطككككبُ ال ّنهكككككى غكككككوك العكككككوالم كلّهكككككا‬
‫أعلككككى علككككى سككككار أحمككككد مككككن حمككككد‬
‫روح الوجككككود حيككككاة مككككن هككككو واجككككد‬
‫لكككككواله مكككككا تككككك ّم الوجكككككود لمكككككن وجكككككد‬
‫صكككككككدور جمكككككككيعهم‬ ‫عيسكككككككى وآدم وال ّ‬
‫هكككككم أعكككككين هكككككو نورهكككككا لمكككككا ورد‬
‫أبصككككر الشكككك ّيطان طلعككككة وجهككككه‬ ‫َ‬ ‫لككككو‬
‫فككككي وجككككه آدم كككككان أوّ ل مككككن سككككجد‬
‫أو لكككككو رأ ال ّنمككككككرود نكككككور جمالككككككه‬
‫عبككككد الجليككككل مككككع الخليككككل وال عنككككد‬
‫لكككككن جمككككال الحكككك ّ جكككك ّل فككككال يككككر‬
‫إال بتخصككككككككيص مككككككككن هللا الصّككككككككمد‬
‫كككن الجكككوانح منككك يكككا‬ ‫فابشكككر بمكككن سك َ‬
‫أنكككا قكككد مكككنت مكككن المنكككى عينكككا ويكككد‬
‫صكككفا سكككرّ الوفكككا‬ ‫عكككين الوفكككا معنكككى ال ّ‬
‫نككور الهككد بحككر ال ّنككد جسككد الرّ شككد‬
‫هكككو للصّكككالة مككككع السّكككالم المرتضككككى‬
‫الجكككككامع المخصكككككوص مكككككا دام األبكككككد‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫أبصر الشيّطان طلعة وجهه‬ ‫َ‬ ‫قوله‪ :‬لو‬


‫في وجه آدم كان أوّ ل من سجد‬
‫شيطان أبصر طلعة ال ّنبيّ (صلى هللا عليه‬ ‫شعر في نهاية الرّوعة لو أنّ ال ّ‬ ‫هذا ال ّ‬
‫واله وسلم)‪ ،‬طلعة وجه ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) في وجه آدم‪ ،‬ولو رأ نور‬
‫ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) في وجه آدم لكان من أوّ ل السّاجدين آلدم‪.‬‬
‫شيطان ما رأ نور ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) في آدم ولو‬ ‫المشكلة إن ال ّ‬
‫رآه لسجد آلدم؛ ألنّ النبي األكرم(صلى هللا عليه واله وسلم) رحمة‪ .‬وهذا كالم‬
‫(و َما أَرْ َس ْل َنا َ إِ َّال َرحْ َمة لِّ ْل َعالَم َ‬
‫ِين))‬ ‫مضبوط يعني‪ :‬ألنّ ال ّنبيّ رحمة للعالمين ( َ‬
‫ت ُك َّل َشيْ ٍء))‬ ‫(و َرحْ َمتِي َوسِ َع ْ‬ ‫(األنبياء‪ )١٠٧ :‬من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخر ( َ‬
‫شاملة تقتضي لو ظهرت‬ ‫شيء‪ ،‬فال ّرحمة اإللهيّة ال ّ‬ ‫شيطان من ال ّ‬ ‫(االعرا ‪ ،)١56 :‬وال ّ‬
‫شيطان عن طري رؤية هذا ال ّنور في‬ ‫هذه الرّحمة‪ ،‬ولو طلعت هذه الرّحمة اإللهيّة لل ّ‬
‫وجه آدم لشملته ال ّرحمة ولِ َس َجد‪ ،‬فكالمه مضبوط ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أو لو رأ ال ّنمرود نور جماله‬
‫عبد الجليل مع الخليل وال عند‬
‫هللا يرحمه كي هذه المعاني العرفانيّة يصوغها في أشعار جميلة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لكن جمال الح ّ ج ّل فال ير‬
‫إال بتخصيص من هللا الصّمد‬
‫شيطان ال يستطيع أن ير جمال‬ ‫لكن جمال الح ّ أج َّل وأعلى أن يراه ك ّل أحد‪ ،‬فال ّ‬
‫الح ّ وهو ال ّنور المحمّديّ (صلَّى هللا عليه وآله وسلم) وبعد ذل يشير إلى دقيقة‬
‫أخر فيقول‪:‬‬
‫سكن الجوانح من يا‬ ‫َ‬ ‫فابشر بمن‬
‫أنا قد منت من المنى عينا ويد‬
‫يشير إلى نفسه يقول أبشر َمنْ ساكن جوارح جوانح ؟ َمنْ ساكن بقلب ؟ نبيّ‬
‫الرّحمة‪ ،‬الرّحمة اإللهيّة نور نب ّي موجود هنا(بالقلب) امتن حقيقة ال ّنبيّ (صلى هللا‬
‫عليه واله وسلم) نور ال ّنبيّ (صلى هللا عليه واله وسلم) وهو الرّحمة اإللهيّة الواسعة‬
‫صه؛ ألنّ اسمه علي الوفا ‪.‬‬ ‫في جميع جوارحنا وجوانحنا وقوله‪ ":‬عين الوفا" هذه تخ ّ‬
‫عين الوفا معنى الصّفا س ّر الوفا‬
‫نور الهد بحر ال ّند جسد ال ّرشد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫التوحيد األفعالي ينظر إلى أن أصل الفعل من الحق ال من العبد‪:‬‬


‫كان الكالم في أهمية دور ال ّتوحيد األفعاليّ في تخفي ‪ ،‬وتضائل األمنيات‪ ،‬والمنع‬
‫من ظهور ال ّنفس‪ ،‬وتجليات ال ّنفس‪ .‬قلنا إنّ في ال ّتوحيد األفعاليّ حيك إنّ اإلنسان ما‬
‫يحس باالختيار بل ير اختياره اختيار هللا تبار وتعالى وكذل ال ير لل ّناس‬
‫اختيارا بمعنى‪ :‬إ ّنه في مسألة االختيار الجبر‪ ،‬واالختيار يقع البحك في أنّ هذا الفعل‬
‫ضرورة ؟ فهنا فعل صدر‪ ،‬وهل‬ ‫الصّادر عن اإلنسان هل صدوره باالختيار‪ ،‬أو بال ّ‬
‫حيثيّة هذا الصّدور حيثيّة اختياريّة‪ ،‬أو حيثيّة ضروريّة وجبريّة‪.‬‬
‫في ال ّتوحيد األفعاليّ نعتقد بأ ّنه ال يوجد فعل صدر من االنسان بل الفعل صدر من‬
‫الح ّ ولم يصدر من هذا العبد‪ ،‬فإذن خلص انتهت القّصة تنتهي في أوّ ل األمر‪ ،‬فهذا‬
‫الفعل ليس فعال للعبد بل فعل الح ّ تبار وتعالى إذن ك ّل شيء يقوم به ال ّناس مخال‬
‫لمشتهياتي ومخال ألمنياتي وتطلباتيّ وتوقعاتيّ ليس هو فعلهم بل فعل الح ّ تبار‬
‫ّ‬
‫والطمأنينة‪ ،‬وال ّناس وأهل‬ ‫وتعالى فبهذا تنح ّل المشكلة واإلنسان يحصل له االطمئنان‬
‫السّلو في تلقّيهم وتوجّ ههم إلى ال ّتوحيد األفعاليّ بهذا المعنى على ع ّدة مستويات ‪:‬‬

‫األول‪ :‬النظر إلى أفعال الناس على أنها أفعال هللا تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫المستوى ّ‬
‫شخص الّذي عارضني‪ ،‬وآذاني‪ ،‬وسبّني‪ ،‬وأهانني‪،‬‬ ‫فبعضهم يتف ّكر إنّ هذا ال ّ‬
‫شخص فعله فعل هللا وأكيدا‬ ‫ومنعني عن ك ّل مشتهياتي وحال بيني‪ ،‬وبين أمنياتي هذا ال ّ‬
‫في هذا األمر مصالح بال ّنسبة إليَّ ‪ ،‬أي توجد هنا مصالح بال ّنسبة إليَّ فإ ّني لو فعلت‬
‫شخص جاء ومنعني وصار حائال‬ ‫هذا الفعل ممكن أن أواجه مشكلة أخر ‪ ،‬فهذا ال ّ‬
‫بيني وبين فعليّ ‪ ،‬فأنا أُقدر فعله على أنه في الحقيقة هللا هو الفاعل ّإال أنّ ال ّنتيجة‬
‫ترجع إليَّ ‪.‬‬
‫شخص الّذي صنع بي خيرا‪ ،‬فهذه الصّنيعة ليست له هذه الصّنيعة من‬ ‫أو هذا ال ّ‬
‫شيء الحسن ألبتليت بمشاكل‬ ‫شخص لم يصنع بي هذا الصّنيع وهذا ال ّ‬ ‫هللا ولو أنّ هذا ال ّ‬
‫شخص مطاب مع مصالحيّ ‪،‬‬ ‫المتمثل في هذا ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا كان مض ّرا لي إذن فعل هللا‬
‫ومطاب مع ما هو جيّد لي وما هو مضبوط بال ّنسبة إليَّ ‪.‬‬
‫فتارة اإلنسان هكذا يتف ّكر وهذا ال ّنوع من الفكر جيّد لإلنسان ّإال أنّ فيه رائحة‬
‫ال ّنفس؛ أل ّنه ير نفسه‪ ،‬فيدرس فعل هللا تبار وتعالى في ضوء ما يرجع إليه من‬
‫المتمثل في فعل هؤالء العباد جيّد لمصالحيّ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مفاسد ومن مصالح هذا الفعل اإللهيّ‬
‫ولكن األساس أنّ هذا الفعل كان لصالحيّ فأنا األساس‪ ،‬ففعل هللا يكون لصالح ّي‬
‫هكذا يتف ّكر ولكن بمعنى من المعاني هو سل وخطا خطوة ولكن هذه الخطوة ليست‬
‫كافية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫المستوى الثاني ‪ :‬النظر إلى أن أفعال الناس هي أفعال الحق تعالى في ملكه‪:‬‬
‫اإلنسان يتف ّكر بغض النظر عن المصالح والمفاسد وير هذا الفعل الّذي صدر‬
‫شخص وبهذا الفعل آذاني‪ ،‬أو عاقبني‪ ،‬أو أساء إلي هذا الفعل فعل هللا وأنا‬ ‫من هذا ال ّ‬
‫عبده وهو يتص ّر في ملكه‪.‬‬
‫ما يهمني ماذا صنع؟ سواء آذاني‪ ،‬أو ساعدني‪ ،‬فأنا عبده‪ .‬أنا ملكه هو يتص ّر‬
‫سواء كان هذا الفعل مواف لي‪ ،‬أو مخال لي المه ّم أن يكون هو ربّي و ك ّل ما يصدر‬
‫منه بشأنيّ ال أقول خيرا لي بل أقول‪ :‬هو مال يستطيع أن يفعل بملكه مايشاء سواء‬
‫كان الفعل جيّدا لي‪ ،‬أو غير جيّد‪.‬‬
‫هذا ال ّنوع من الفكر أحسن من األوّ ل وأقرب إلى ال ّتوحيد؛ أل ّني أتفكر أنّ هنا‬
‫شيء صدر من الح ّ وليس لي أيّ شيء وأنا عبده وليس لي ّإال ال ّر ّبيّة وليس له ّإال‬
‫الرّبوبيّة‪.‬‬

‫المستوى الثالث‪ :‬ال ّنظر إلى شواكل األعيان ال ّثابتة‪:‬‬


‫أنا ما أتف ّكر ال في الملكيّة وال في ال ّربوبيّة وهذا الفعل الّذي يصدر من هذا‬
‫خير‪ ،‬وال إلى ما يرجع إليّ من شر‪ ،‬وال‬ ‫شخص أنا ال أنظر إلى ما يرجع إليَّ من ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫شخص هللا تبار وتعالى‬ ‫أنظر إلى أ ّنه فعل هللا وفعل الحاكم في ملكه أنا أقول‪ :‬هذا ال ّ‬
‫بنحو تصدر منه هكذا نوع من األفعال‪ ،‬فال أنظر إلى المصلحة‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫جعل عينه ّ‬
‫الثابتة‬
‫أنظر إلى المفسدة‪ ،‬وال أنظر إلى أيّ شيء‪ ،‬فهذه الهوية هذه العين ّ‬
‫الثابتة لهذا‬
‫شاكلة هللا خلقها وأيّ شيء يصدر منها‪ ،‬فهذا فعل هللا صدر منه ال‬ ‫شخص‪ ،‬هذه ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫أنظر إلى الملكيّة‪ ،‬وال أنظر إلى المصلحة والمفسدة ‪.‬‬
‫الثالك أقو ‪ ،‬وأكبر‪ ،‬وأحسن من المستويين المتقدميين‪ ،‬وأهل السّلو‬ ‫هذا ال ّنوع ّ‬
‫الثالك؛ أل ّنه أقرب إلى ال ّتوحيد‪ ،‬فأنت تنظر إلى شاكلة‬ ‫يجب أن ينظرون إلى هذا ال ّنوع ّ‬
‫شاكلة هكذا خلقت‪.‬‬ ‫شخص وهذه ال ّ‬ ‫هذا ال ّ‬
‫شاكلة ال تتغير‪ ،‬فال تدعو عليه‪ ،‬وال تقول أ ّني مديون بال ّنسبة إليه‬ ‫ومن هنا هذه ال ّ‬
‫شخص يصدر منه هذا الفعل المطاب لشؤونه ولشاكلته وهذا‬ ‫ح ّتى لو لم أكنْ أنا هذا ال ّ‬
‫شخص بهذه ال ّ‬
‫شاكلة‪.‬‬ ‫بسبب أنّ هللا تبار وتعالى خل هذا ال ّ‬

‫توجه العقوبة اإللهية‪:‬‬


‫شخص الّذي أساء إلى أهل السّلو‬
‫ال ّناس وأهل السّلو متفاوتون في حال هذا ال ّ‬
‫بأيّ دليل وأيّ شيء هم أيضا يختلفون‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫توجه العقوبة اإلله ّية‪:‬‬ ‫مراتب ّ‬


‫أ‪.‬في حالة أن السال ال يتف ّكر باالنتقام من شاكلة العين الّتي أساءت له‪ ،‬فمثال‬
‫الثالثة‪ ،‬فماعنده إيّ كراهيّة‪،‬‬ ‫شخص الّذي نظرته إلى ما يصدر من ال ّناس ال ّنظرة ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شاكلة يصدر منه هذا‬ ‫ماعنده أيّ بغيضة‪ ،‬ماعنده إيّ انتقام؛ أل ّنه ير هذا ال ّنوع من ال ّ‬
‫شخص الّذي أساء يتحمّل مشاكل كثيرة من دون أن يعر ؛ أل ّنه آذ‬ ‫شيء‪ ،‬فهذا ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شخصا وهذا الشخص يعتقد إنه بريء و ما يخطر بقلبه أيّ شيء ضده إذن نظام العالم‬
‫هنا يكون ضده‪ ،‬فيعاقبه بسرعة‪.‬‬
‫ب‪ .‬في حالة أن السال يتف ّكر باالنتقام من شاكلة العين الّتي أساءت له‪ ،‬فمثال‬
‫شخص أساء إليَّ ‪ ،‬فأنا أنتقم منه ‪.‬يعني‪ :‬ما ينظر إلى ال ّتوحيد‬ ‫السال يتف ّكر إن هذا ال ّ‬
‫شخص أساء إليّ وأنا الزم في وقت من األوقات و في‬ ‫األفعاليّ أبدا ولسان حاله ‪:‬هذا ال ّ‬
‫شخص المسيء نظام العالم ال يعاديه بسرعة ممكن‬ ‫الوقت المناسب أنتقم منه‪ ،‬فهذا ال ّ‬
‫وبشكل خفي ؛ أل ّن أيها السال جازيته بهذه الحالة‪ ،‬فليست‬ ‫ٍ‬ ‫ت آخر‬ ‫يجازيه في وق ٍ‬
‫حالت حالة طيّبة‪ ،‬وطاهرة‪ ،‬وبريئة‪.‬‬
‫ج‪ .‬تأخر عقوبة اعداء الواصلين إلى التوحيد الذاتي‪:‬‬
‫الذاتيّ ال يبتلون‬‫ومن هنا أعداء األشخاص الواصلين إلى ال ّتوحيد الحقيقيّ ّ‬
‫بالعقوبة بسرعة بل يطول وقت ابتالئهم‪ ،‬ولكن أعداء غير الواصلين ا ّلذين هم في‬
‫درجات منخفضة يوا ّجهون المشاكل ويجازون بسرعة‪ ،‬فسرعة االنتقام ليست دليال‬
‫شخص من أولياء هللا؟ ال‪ .‬سرعة االنتقام أحيانا ناشئة من أنّ هذا‬ ‫على أنّ هذا ال ّ‬
‫شخص في مراتب دانية أل ّن ُه تج ّزء‪ ،‬تج ّزء من هذا الفعل وحصلت له حالة‪ ،‬فتو ّجه‬ ‫ال ّ‬
‫شخص الّذي صنع بي كذا‬ ‫وتأثر من هذا الفعل وخطر بخاطره‪ :‬يا هللا هذا ال ّ‬ ‫إلى هللا ّ‬
‫شيء من هذا الفعل فاّلِل‬ ‫تأثر في س ّره من هذا ال ّ‬ ‫ح ّتى لو لم يكنْ في قلبه بغض ولكن ّ‬
‫تبار وتعالى يجازيه بسرعة على الرّغم من أ ّنه لم يكنْ من األولياء‪.‬‬
‫شخص المسيء بسرعة هذا راجع‬ ‫ولكن لو كان من األولياء هللا ال يجازي هذا ال ّ‬
‫شخص يتجرأ عليه‪ ،‬يؤذيه‪ ،‬يسيّ ء‬ ‫إلى حالة هذا السّال ؛ألنّ هذا السّال عندما هذا ال ّ‬
‫شخص ح ّتى يقع في س ّره شيء بال ّنسبة‬ ‫إليه أصال ما يلتفت إليه‪ .‬أصال ما ير هذا ال ّ‬
‫إليه‪ ،‬فما يكون في قلبه شيء تجاهه ويكون قلبه صافيا تجاهه‪ ،‬وس ّره أيضا صافيا‪.‬‬
‫شخص الّذي في مراتب دانيّة ّ‬
‫يتأثر‬ ‫وال ّس ّر فو القلب وما فيه شيء‪ ،‬فاّلِل يُمهله أمّا ال ّ‬
‫يؤثر؛ ألنّ ال ّت ّأثر أيضا ظاهرة في عالم الكون‪ ،‬في عالم‬ ‫يتأثر هللا بسرعة ّ‬ ‫وعندما ّ‬
‫تأثرت بقوائي حسنا لهذا ال ّت ّأثر أثر في الخارج‪.‬‬ ‫ال ّنظام العا ّم أنا ّ‬
‫يتأثر وهذا هو السّبب في عدم توجّه العقاب‪ ،‬والعقوبة‪،‬‬ ‫ولكن الوليّ الكامل ما ّ‬
‫شهداء (عليه السّالم) بسرعة فلم تتوجّه إليهم العقوبات‬ ‫والجزاء إلى قاتلي سيِّد ال ّ‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫األولياء‬ ‫األمير(عليه السّالم) وكذل‬ ‫بسرعة بل طالت العقوبات لكم سنة وكذل‬
‫الكمّلين‪.‬‬

‫الكرمنشاهي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫علي‬
‫ّ‬ ‫صة وفاة مح ّمد‬ ‫ق ّ‬
‫في إيران في زمن فات كانت هنا ظاهرة غريبة وهي مالحقة أولياء هللا‬
‫ومالحقة أهل السّلو والقضاء عليهم‪ .‬ورئيس هذا االتجاه وعالم هذا االتجاه كان ابن‬
‫الوحيد البهبهانيّ ‪ ،‬فهو كان يالح أهل المعرفة ولو كانوا من العلماء ويوجّه إليهم‬
‫شيخ العار‬‫التهم‪ ،‬فأخذ رئيسهم وهو سيّد اسمه "معصوم علي شاه" وقد مدحه ال ّ‬
‫شيخ محمّد جواد األنصاريّ وقال هو كان من األولياء‪.‬‬ ‫الكبير ال ّ‬
‫ال َّسيِّد معصوم علي شاه كان من األولياء ولكن ممكن توجد في طريقته أخطاء‬
‫ولكن بالرّغم من هذه األخطاء كان هو من األولياء الكمّلين‪.‬‬
‫و كان السيد معصوم من المجذوبين فسجنه محمد علي الكرمنشاهي ثم قتله‪،‬‬
‫وح ّرقه‪ ،‬ورمى رماده في ال ّنهر ح ّتى يتخلّص من ك ّل شيء منه‪ ،‬وأحد تالمذته كان في‬
‫السجن أيضا وطلب هذا التلميذ المسجون من هذا العالم آغا محمّد عليّ الكرمنشاهيّ‬
‫شيخ األنصاريّ _ قال له‪:‬‬ ‫صاحب اتجاه قتل أهل السلو طلب منه _هذا ماقاله ال ّ‬
‫اتركني‪ ،‬فإذا أنت تقتلني فستموت بعدي بسرعة وجنازتي على األرض وال ّناس‬
‫يمشون خل جنازت ‪ .‬قال الكرمنشاهي‪ :‬أنا قتلت من هو أكبر من وهو أستاذ وما‬
‫صار شيئا‪ .‬قال‪ :‬نعم هو واصل إلى مرتبة الجمعية ما يهمّه شيء أنا يهمّني أنا أريد‬
‫أبقى في هذه ال ّدنيا وأطوي هذه المراحل وأصل إلى ما هو المنشود بال ّنسبة إليَّ في‬
‫أتأثر وعندما أتأ ّثر أنت‬‫هذه ال ّدنيا وإذا أنت تقتلني ولم أصل إلى هذا المستو أنا ّ‬
‫تموت‪ .‬فما َق ِب َل كالمه وقال‪ :‬أنا أقتل فقتله وأعدمه وبعد ما أعدمه كان ماشي إلى‬
‫المسجد لكي يصلّي جماعة وكان يم ّر بالسّو ويوجد سق إذ هنا في الساب توجد‬
‫سقو للتظليل‪ ،‬فوقع عليه ومات تحت الرّكام وال ّناس هرعوا للحادك واجتمعوا حول‬
‫جنازته وتركوا جنازة ذا السّال وذهبوا لتجهيز هذا العالم الكرمنشاهي وجهزوه ث ّم‬
‫بعد ذل باقي ال ّناس قالوا هذا الّذي أعدمناه هو الذي قال للعالم الكرمنشاهي لو أنت‬
‫تقتلني أنت تموت قبلي‪.‬‬
‫فحسب هذا البيان اتضح ما السّبب؟ السّبب أ ّنه ما يخطر في قلب هذا الكامل‬
‫شخص يصدر منه‪ ،‬لو لم يكنْ‬ ‫شخص‪ ،‬هذا ال ّ‬ ‫شيء؛ أل ّنه ينظر إلى العين ّ‬
‫الثابتة لهذا ال ّ‬
‫أنا مقابله أو كان أحد آخر‪ ،‬هذا ليس قسرا بل مثل العقرب‪ ،‬فالعقرب عادته أن يلدغ‪،‬‬
‫يلدغ ح ّتى إذا ير حجرا يلدغه وهذه طبيعته وال تستطيع أن توجّه إليه اللّوم فهذه‬
‫شاكلته ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫فالعار وصل إلى مستو عر شواكل الموجودات وأنّ ك ّل شاكلة تقتضي‬


‫شيئا بعيدا عن البغض‪ ،‬والحبّ هذا شاكلته تصنع هكذا ‪ ،‬فشاكلة ابن ملجم هكذا‬
‫شاكلة موجودة فيه وليس له‬ ‫تصنع‪ ،‬وشاكلة شمر بن ذوالجوشن هكذا تصنع‪ ،‬وهذه ال ّ‬
‫شيء وهذه كلّها من هللا‪ ،‬كلّها من َجعل هللا إذن يكون قلبه مرتاح وس ّره مرتاح أمام ك ّل‬
‫شخص الّذي ال ينظر إلى هذا المستو وينظر إلى مستو‬ ‫من يعاديه أو يؤذيه أمّا ال ّ‬
‫متأثر من هذا الفعل ‪.‬‬‫أنزل فعلى يكون ّ‬

‫توجه العقوبة اإلله ّية في نظام العالم‪:‬‬


‫صة تبين سبب سرعة ّ‬ ‫ق ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) في معرفة المعاد أنّ في زمن المشروطة‬ ‫نقل سيِّدنا األستاذ ّ‬
‫الثورة ال ّدستوريّة في إيران فتحوا‬‫فتح المجاهدون أصحاب المشروطة أصحاب ّ‬
‫طهران ودخلوا طهران وكان أحد األشخاص راكبا على فرسه يحمل العتاد والبندقية‬
‫فسابقا لم يكن الرشا موجودا وكان الموجود البندقية وكان يلبس المقاتل العتاد وهذا‬
‫شوارع متبخترا وفي نفس الوقت أخرج من جيبه‬ ‫الشخص كان يمشي مع فرسه في ال ّ‬
‫كيس "التتن"(التبغ) سابقا كانوا يجعلون التبغ في شيء يشبه الغليون لكن فيه شيء‬
‫طويل بحيك كانوا يضعون فيه التبغ ويشعلونه وهذا الشخص المقاتل فو الفرس وبدأ‬
‫يدخن يعني يريد أن يقول ‪ :‬أنا مرتاح وما عندي شيء وال توجد مشكلة‪ ،‬فشرب هذا‬
‫ال ّدخان وعندما انتهى واراد أن يرمي هذا التتن المحرو نظر يمينا‪ ،‬ويسارا‪ ،‬فرأ‬
‫الطري وقد حلّ رأسه بالكامل وأصبح‬ ‫شخصا فقيرا ما عنده أيّ شيء جالس بجانب ّ‬
‫رأسه يتنوّ ر قال‪ :‬لمن هذا اليقطين؟ فذهب بفرسه بقربه ورماه على رأسه وكان حارا‬
‫شخص الفقير وهذا المقاتل الّذي يركب على الفرس ضح‬ ‫فاحتر رأس هذا ال ّ‬
‫تأثر؟ قال هذا اليقطين له صاحب‪ .‬فهذا‬ ‫بصوت عال وهذا الفقير ماذا قال بعد أن ّ‬
‫الفارس ذهب قليال وفرسه بال سبب بدأت بحركات رياضيّة فحركة هنا وحركة هنا‬
‫شخص من الفرس إال أن رجله تعلقت بداخل الرّكاب والفرس بدأ‬ ‫وهنا حتى وقع هذا ال ّ‬
‫بالجري وبدأ رأسه يضرب األرض حتى انفجر رأسه‪ ،‬فهنا عرفوا كالم هذا المسكين‬
‫تأثر وهو كان في مراتب نازلة لذا أثر‬ ‫الذي قال إن لهذا اليقطين صاحب‪.‬فهذا الفقير ّ‬ ‫ّ‬
‫وممكن لو كان من األولياء الكمّلين ما صار شيئا للمقاتل‪.‬‬

‫الخرساني‬
‫ّ‬ ‫صة وفاة الميرزا مهدي‬
‫ق ّ‬
‫أحد العرفاء جاء إلى مشهد واسمه "نور علي شاه" كان من المشايخ يعني عالم‬
‫بالطري وكان‬ ‫ّ‬ ‫دين وأبوه كان إمام جمعة طبس وكان يقرأ األدعية ويقرأ أشعار‬
‫منظره جميل ج ّدا وحسنه كحسن يوس وكان عنده شعر هنا وهنا وعندما يقرأ ال ّناس‬
‫يتوجّ هون وكانت له حاالت الجذب عند القراءة قراءة األشعار‪ ،‬فأحد كبار علماء‬
‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫مشهد آنذا واسمه "ميرزا مهدي الخراسانيّ المشهديّ " أمر بأن يأخذونه‪ ،‬يضربوه‬
‫لماذا تقرأ؟ قال‪ :‬أنا أقرأ أشعارا لنمير(عليه السالم)‪ .‬قال‪ :‬هذا ال يفيد الكالم‪ ،‬فأمر‬
‫بحل رأسه وحلقوا رأسه وضرب ضربه بشيء بال ّرأس وخلص مات وبعد هذه القصّة‬
‫بكم سنة صار صراع على السلطة فكان زمن مقتل نور علي شاه في زمن حكم نادر‬
‫شاه األفشاري وهذا الرجل الذي أمر بقتل نور علي شاه كانت له عالقة بنادر شاه‬
‫ونادر شاه أتى بكثير من خزائن ال ّذهب والفضة واليواقيت وال ّدرر من الهند وخبأها‬
‫شخص‪ ،‬خبأها عند هذا العالم الذي صنع بنورعلي شاه هكذا فبعد فترة من‬ ‫عند هذا ال ّ‬
‫ال ّزمن هجم على مشهد مؤسّس ال ّدولة القاجاريّة آغا محمّد خان القاجاريّ ‪ ،‬فأخذ هذا‬
‫ال ّسيِّد مهدي الخرساني وطلب منه البضائع والودائع المعدنية التي خبأئها عنده نادر‬
‫شاه األفشاري وهو سلّمها إليه لكن بعد فترة حفيد نادر االفشاري رأ مهدي‬
‫الخرساني قريب من الحرم‪ ،‬فطلب منه الودائع‪ .‬قال‪ :‬لقد سلمتها للحاكم الجديد وكذا‬
‫وبدأ يتكلّم فتعصب حفيد نادر فأخذ الفأس_ ألنّ نادر شاه كان عنده فأس يقاتل به‬
‫وكذل حفيده_ وضرب السيد على أ ّم رأسه واستشهد وتوفى‪ ،‬فصار ميرزا مهدي‬
‫شهيد الخرسانيّ على نفس الموضع الّذي هو أمر بحل رأس نور علي شاه وضربه‬
‫على الرأس ح ّتى الموت‪ ،‬فطال الجزاء طال لماذا طال؟ ألنّ نور علي شاه كان من‬
‫الواصلين وهذه الحقيقة كثيرة‪.‬‬

‫نكتة دقيقة ‪:‬‬


‫ومن هنا يجب على اإلنسان أن يراقب نفسه وأوّ ل شيء أن ال يعادي أهل المعرفة‬
‫وأهل السّلو ؛ أل ّنهم اذا ّ‬
‫تأثروا أثروا أكيدا ال سيّما إذا لم يكونوا كاملين فهكذا هذا‬
‫يتأثر بسرعة وحول هذا المعنى حكايات كثيرة‪.‬‬ ‫شخص اآلخر ّ‬ ‫ال ّ‬

‫الهمداني على تلميذه‬


‫ّ‬ ‫صة سبب اعتراض المولى حسين قُلّي‬ ‫ق ّ‬
‫شيخ المولى حسين قُلّي الهمدانيّ تلميذا وأحد األشخاص بدأ بال ّتعار معه‬ ‫كان لل ّ‬
‫ب إلهيّ ومات يعني بسرعة ث ّم بعد ذل وصل‬ ‫شخص فوجئ بغض ٍ‬ ‫فلم ير ّد عليه‪ ،‬فهذا ال ّ‬
‫الخبر إلى المولى حسين قلّي الهمدانيّ أ ّنه صار كذا وكذا‪ ،‬فاعترض على تلميذه قال‬
‫لماذا ما رددت عليه؟ قال ما كنت استطيع الرد‪ ،‬فأنت أمرتني بال ّتجاوز‪ .‬قال‪ :‬لو‬
‫رددت عليه هللا لم يعاقبه بهذه العقوبة‪ .‬فأنت لم تر ّد عليه‪ ،‬فاّلِل تبار وتعالى عاقبه‪.‬‬
‫فإذا أنت تتر العداء وتتر المجادلة وتتر ال ّنقا بسرعة هللا يأتي وهذا شيء‬
‫واضح يعني في األمور ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫سالك إلى تسبيح‪:‬‬ ‫صيرورة استغفار ال ّ‬


‫إذن المراتب قلنا ثالثة في ال ّتوحيد األفعاليّ واإلنسان ك ّل ما يتجاوز من مرتبة‬
‫ويدخل في مرتبة راقية مرتبة أعلى يستغفر من التف ّكر السّاب لماذا أنا كنت هكذا‬
‫شكل‪.‬‬ ‫أتف ّكر؟ لماذا أنا صنعت هكذا؟ ألنّ هللا أوسع من أن يكون ُيعبد بهذا ال ّ‬
‫هنا هذه ال ّدقيقة االستغفار يتحوّ ل إلى ال ّتسبيح لماذا؟ أل ّني استغفر عن ماذا؟ أل ّنه‬
‫كنت أعبده‬ ‫ُ‬ ‫أنا م ّد فكريّ ‪ ،‬م ّد ح ّد فكريّ يعني أصبحت أفهم أكثر من السّاب فاّلِل الّذي‬
‫قبل سنة يختل عن هللا الّذي أنا اآلن أعبده وهنا أبدأ بال ّتسبيح تعالى هللا أن يكون ربّي‬
‫الرّبّ الّذي كنت أعبده قبل سنة؛ ألنّ اآلن ربّي أوسع‪ ،‬ربّي أقو ‪ ،‬فالسال بال ّتدريج‬
‫يتع ّر على سعة هللا وسعة اسمائه وقدرة اسمائه؛ أل ّنه سابقا كان بشكل وآخر يح ّدد‬
‫هللا تبار وتعالى ‪.‬‬
‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الثالثة عشرة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 .....................................‬‬
‫البحث‪1 ................................................................... :‬‬
‫األفعال من قبل السالكني ‪1 ......................‬‬
‫ّ‬ ‫مراتب ومستويات تلقي التّوحيد‬
‫السالم)‪1 ..... :‬‬
‫اذل حول جسد اإلمام علي (عليه ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫السيِّد علي الوفا ّ‬
‫تأويل كالم َّ‬
‫التوحيد األفعال ينظر إىل أن أصل الفعل من احلق ال من العبد‪4 ................. :‬‬
‫األول‪ :‬النظر إىل أفعال الناس على أهنا أفعال اهلل تبارك وتعاىل‪4 .......... :‬‬
‫املستوى ّ‬
‫املستوى الثاين ‪ :‬النظر إىل أن أفعال الناس هي أفعال احلق تعاىل يف ملكه‪5 ........ :‬‬
‫املستوى الثالث‪ :‬النّظر إىل شواكل األعيان الثّابتة‪5 .............................. :‬‬
‫توجه العقوبة اإلهلية‪5 ........................................................ :‬‬
‫توجه العقوبة اإلهليّة‪6 .................................................. :‬‬‫مراتب ّ‬
‫الكرمنشاهي‪7 ........................................... :‬‬
‫ّ‬ ‫علي‬
‫حممد ّ‬‫قصة وفاة ّ‬
‫ّ‬
‫توجه العقوبة اإلهليّة يف نظام العامل‪8 ...................... :‬‬
‫قصة تبني سبب سرعة ّ‬ ‫ّ‬
‫قصة وفاة املريزا مهدي اخلرساينّ ‪8 ..............................................‬‬ ‫ّ‬
‫نكتة دقيقة ‪9 .............................................................. :‬‬
‫قصة سبب اعرتاض املوىل حسني قُلّي اهلمداينّ على تلميذه‪9 ......................‬‬ ‫ّ‬
‫السالك إىل تسبيح‪10 ........................................ :‬‬ ‫صريورة استغفار ّ‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬
‫المحاضرة الرابعة عشرة من محاضرات الدّعاء‬
‫لسماحة ال ّشيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬
‫البحث‪:‬‬
‫س ُّر مرتبة فوق القلب‬
‫اثبات أن ال ّ‬
‫توطئة‪:‬‬
‫ّ‬
‫والطلب الخاصّ‬ ‫كان الكالم في حقيقة ال ّدعاء‪ ،‬فوصلنا إلى أنّ ال ّدعاء هو ال ّندب‬
‫ّ‬
‫المتمثل في طلب تحقيق أ ُم ْنيات‪ ،‬أو نوايا‪ ،‬أو رغبات‪ ،‬فال ّداعي‬ ‫من هللا تبارك وتعالى‬
‫يطلب من هللا تبارك وتعالى أن يح ّقق له رغبات ُه سوا ٌء كانت الرّغبات دنيويّة‪ ،‬أو‬
‫أخرويّة‪ ،‬أو ما شابه ذلك‪.‬‬

‫عدم ظهور كل الرغبات التي في قلب االنسان‪:‬‬


‫ّإّل أ ّنه هناك مطلبٌ دقيق وهو أنّ ك ّل ال ّنوايا‪ ،‬والرّغبات الموجودة في اإلنسان لن‬
‫وطلبات مختبئة في زوايا من زوايا نفسه وح ّتى‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رغبات‪،‬‬ ‫تظهر دائما ً في قلبه‪ ،‬فهناك‬
‫الطول بال ّتدريج ممكن يفهم كانت عندي‬ ‫اإلنسان ّل يعرف أ ّنه يريد هذا‪ ،‬ولكن على ّ‬
‫شيء وكنت ّل أعرفها وهذا ما يسمّى عند أهل ّ‬
‫الطريق بال ّس ّر‪ ِ،‬فهناك قلبٌ‬ ‫رغبة بهذا ال ّ‬
‫يخطر فيه ك ّل شيء وهناك سر‪.‬‬
‫أحيانا ً بعض القلوب كالغابات فيها أنواع من الوحوش‪ ،‬أنواع من السّباع يأتي‬
‫خنزير‪ ،‬وتأتي ذئاب‪ ،‬ويأتي أسد‪ ،‬ونمر‪ ،‬وفيل وك ّل شيء فيه‪ .‬يعني‪ :‬مثل غابة‬
‫الوحوش الموجودة هنا ك ّل شيء موجود فيها‪.‬‬

‫القلوب كالغابات مليئة بالوحوش‪:‬‬


‫ال ّسيِّد مرتضى ال ّرضوي (ق ّدس س ّره) قال‪ :‬ال َّسيِّد الح ّداد (ق ّدس س ّره) جاء إلى‬
‫طهران على ما هو موجود في كتاب الرّوح المج ّرد‪ ،‬فاجتمع عنده تالمذته من ك ّل‬
‫إيران في طهران‪ ،‬وبعد كم يوم أحد ال ّتالمذة‪ ،‬أحد األصدقاء اقترح قال‪ :‬ال َّسيِّد كان‬
‫بكربالء متعب‪ ،‬فلنأخذه إلى حديقة الحيوانات ليرتاح قليال ويرى هذه الحيوانات قال‬
‫شخص الذي كان يتكلّم هكذا كأ ّنه ّل يعرف الموضوع وّل‬ ‫كنت أنا جالس هنا وهذا ال ّ‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫المحمول وما القصّة؟ قلت ما يحتاج يمشي سماحة ال َّسيِّد إلى غابة الوحوش‪ ،‬فغابة‬
‫الوحوش موجودة هنا وك ّل شيء موجود هنا والحمد ّلِل ‪.‬‬
‫فليس ك ّل ما يخطر بالقلب هو كل شيء بل هناك نوايا في السر ّل تجدها في‬
‫القلب ‪ ،‬وتختبئ بالسر‪.‬‬

‫قد يتأخر ظهور ماموجود في سر االنسان لثالثين سنة‪:‬‬


‫نقل عن الجنيد البغداديّ أ ّنه كان هناك شخص من أهل السّلوك وأهل العلم درس‬
‫وسلك وبعد ثالثين سنة من ال ّزهد‪ ،‬والعرفان‪ ،‬والمشاهدات‪ ،‬و المكاشفات طلبه الخليفة‬
‫أن يصبح قاضيا ً في المملكة‪َ ،‬ف َق ِب َل وأصبح قاضيا ً‪ ،‬فلم يتكلّم جنيد عنه بشيء؛ ألنّ‬
‫الجنيد البغداديّ معروف باألدب_ إذ كان مؤدبا ً ج ّداً ح ّتى اشتهر انه عندما يريدون‬
‫يمدحون أحداً ما يقولون هو جلس مع الجنيد سنتين‪ ،‬فإذن هو مؤدب باآلداب؛ أل ّنه‬
‫جلس سنتين مع جنيد_ بعد هذه الفترة جاءت جماعة إلى الجنيد وقالوا شيخنا عندنا‬
‫بعض األمانات من األموال نريد نو ّدعها‪ ،‬فعند َمنْ نو ّدعها؟ قال امشوا إلى هذا‬
‫القاضي و أو ّدعوا عنده األموال؛ أل ّنه حفيظ‪ ،‬وأمين قالوا كيف‪ ،‬فهو أصبح من أعوان‬
‫حفيظ‪ ،‬وأمينٌ حفظ الرّئاسة في قلبه لثالثين سنة‪ ،‬فهو حفيظ‬ ‫ٌ‬ ‫السّلطان؟ قال‪ّ :‬ل‪ .‬هو‬
‫وأمينٌ ؛ أل ّنه ما أظهر هذه الحالة أليّ أحد ح ّتى لنفسه يعني ما بانت منه شائبة الرّئاسة‬
‫ٌ‬
‫حفيظ وأمينٌ ‪.‬‬ ‫أبدا‪ ،‬فهو‬

‫ظهور ال ّطلبات الموجودة في ال ّ‬


‫س ّر عند االضطرار‪:‬‬
‫المشكلة في أهل السّير والسّلوك أ ّنه بعد فترة من المراقبة القويّة في القلب‬
‫وال ّتوفيق على إزالة‪ ،‬وقلع بعض الصّفات الخبيثة‪ ،‬أو تقليلها‪ ،‬و تضئيلها يلتفت إلى‬
‫أ ّنه توجد أشياء أخرى مختبئة في نفسه غير موجودة في القلب؛ ألنّ القلب مرتبة نازلة‬
‫من ال ّس ّر‪.‬‬
‫س ّر اإلنسان‪ :‬هو ماذا يريد؟ وهو ليس معلوما ً وأحيانا ً اإلنسان ّل يعرف نواياه‬
‫شهوة هناك يظهر له ما كان‬ ‫ال ّنفسانيّة ّإّل عند اّلضطرار‪ ،‬وعند الغضب‪ ،‬وعند ال ّ‬
‫مختبئاً‪.‬‬

‫سر اإلنسان وحقيقته‪:‬‬


‫كيف ّية معرفة ّ‬
‫النفس مثل حوض السباحة ترون من الخارج الماء صافيا ج ّداً وتقولون‪ :‬ما شاء‬
‫هللا كم هذا الماء صافيا‪ .‬لكن خذوا واحدا من أعواد الخشب وحركوا الماء من تحته‪،‬‬
‫فك ّل الترسبات تأتي إلى الفوق من ال ّتحت‪.‬‬
‫اإلنسان هكذا في أوقات خاصّة هذه الترسبات وهذه اّلوساخ تخرج من اإلنسان‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫وهذا كثير‪ ،‬وأحيانا ً اإلنسان ّل يعرف حقيقة ما واقعه‪ ،‬وباطنه‪.‬‬

‫عند فناء ال ّنفس تظهر حقيقة باطن اإلنسان‪:‬‬


‫ومن هنا يزيد كان يصلّي جماعة بال ّناس وال ّناس كانوا يأت ّمون به وكان يقرأ‬
‫القرآن على الرغم من انه يشرب الخمر إذ بالخفاء يشرب ولكن كان يصلّي‪ ،‬وفي يوم‬
‫من األيّام في حالة من الحاّلت في حالة ال ُّس ْكر صدر منه هذا الكالم ‪:‬‬
‫ك جا َء وّل وح ٌي نزل‪.‬‬ ‫ل ِع َبت هاشم بالملكِ فال مل ٌ‬
‫يعني‪ :‬هذا ال ّدين اإلسالميّ لعبة سياسيّة وبنو هاشم جاؤوا حكموا على هذا األساس‬
‫السياسي‪ ،‬فاليوجد وحي‪ ،‬وّليوجد نزول‪ ،‬وّليوجد أيّ شيء وهنا ّل يمكن القول بأنّ‬
‫يزيد دائما ً كان يف ّكر هكذا بل في حالة من الحاّلت ظهر تفكيره‪ ،‬وفي حاّلت الوجد‬
‫الما ّديّ في حاّلت ال ُّس ْكر خرج منه هذا الكالم‪.‬‬
‫شيء الّذي‬ ‫شارب شارب الخمر يتكلّم بصدق وال ّ‬ ‫ومن هنا يقال في حالة السُّكر ال ّ‬
‫يتكلم به شارب الخمر يكون صادقا؛ أل ّنه ّل يوجد احتيال في مقام السُّكر؛ ألن حالة‬
‫السُّكر تمنعه؛ ألنّ العقل مختفي وعندما يكون العقل مختفي‪ ،‬فاّلحتياّلت تزول‬
‫وعندما تزول اّلحتياّلت ك ّل شيء موجود يكون صافيا ً له رغم أنّ الخمر حرام(( قُ ْل‬
‫اس َوإِ ْث ُم ُه َما أَ ْك َب ُر مِن َّن ْفع ِِه َما))( البقرة‪ )٢١٩:‬وأحد منافع‬
‫ِيه َما إِ ْث ٌم َك ِبي ٌر َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬
‫ف ِ‬
‫الخمر أنّ اإلنسان يفنى يعني يخرج عن حالة ال ّتدبير‪ ،‬ويرجع إلى باطنه‪ ،‬ويظهر ما‬
‫يكون في باطنه من شهوات ومن تعلّقات‪.‬‬
‫وبعض األشخاص الّذين يشربون الخمر أحيانا ً عندما يشربون الخمر يحصل لهم‬
‫توجّه إلى الرّبّ مع أنّ هذا ال ّتو ّجه ليس موجوداً في حالة الصحو عند الّذين عندهم‬
‫عقل‪.‬‬

‫الفطرة ال ّتوحيد ّية لإلنسان هي ظهور ما موجود في ّ‬


‫سره‪:‬‬
‫حبّ اإلمام الحسين عليه السّالم موجودة بفطرة اّلنسان‪:‬‬
‫أحد المشايخ وكان من خطباء العزاء قال‪ :‬في ليلة من اللّيالي قرأت العزاء في‬
‫بالطريق صادفني أحد‬‫ّ‬ ‫مجلس في شهر محرّ م‪ ،‬وخرجت من البيت الذي فيه العزاء و‬
‫األشخاص الّذين يشربون الخمر وكان سكرانا‪ .‬جاء إليَّ وسلّم عليَّ و بمج ّرد أن سلّم‬
‫عرفت أ ّنه سكران من رائحة الخمر التي فيه‪ .‬قال عفواً سيِّدنا أريد أن تقرأ لي عزاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫يقول الخطيب األيّام أيام محرّم وماذا أقرأ لهذا السّكران؟ يعني‪ :‬يريد أن اقرأ عزا ًء‬
‫شهداء! قلت‪ :‬حبيبي العزاء بحاجة إلى مجلس ومستمع وبحاجة إلى منبر وأنا‬ ‫لسيِّد ال ّ‬
‫بالطريق و ّل يوجد منبر‪ .‬قال ّل يوجد مستمع! أنا مستمع‪ .‬والمنبر ّلتوجد مشكلة‬ ‫ّ‬
‫فركع وقال اجلس على ظهري وابدأ بالقراءة يقول الخطيب‪ :‬أنا رأيت انه ما أستطيع‬
‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫أن أر ّدهُ فجلست وبدأت بزيارة اإلمام الحسين (عليه السّالم) وهو بدأ بالبكاء‬
‫شخص إلى فطرته إذ‬ ‫بكى‪..‬بكى‪..‬بكى‪..‬فماهذا؟ هذا رجوع إلى الفطرة‪ ،‬رجوع هذا ال ّ‬
‫كانت محبّة الحسين (عليه السّالم) مختبئة في نفسه ‪.‬‬

‫سالم‪:‬‬
‫وجه إلى اإلمام الحسين عليه ال ّ‬ ‫رجوع إنسان إلى فطرته بال ّت ّ‬
‫الطريق بطهران وقال‪ :‬يا حبيبي عندي‬ ‫يقال أحد األشخاص جاء إلى أحد أهل ّ‬
‫أخي ما يصلّي أبدا وغير ملتزم‪ ،‬فال توجد صالة‪ ،‬وّليوجد صيام‪ ،‬وّليوجد أيّ شيء‬
‫عنده‪ ،‬فماذا أصنع معه؟ وكلّما أنصحه وآخذ بيده للصالح ّل ينفع معه أبدا‪..‬أبدا‪ .‬قال‪:‬‬
‫حبيبي هذا ليس من شأنه وّل شأني‪ ،‬وّل شأنك‪ ،‬وّل شأن الفالسفة‪ ،‬والكتب‪ .‬قال ماذا‬
‫أصنع؟ قال‪ :‬هذا شأن اإلمام الحسين (عليه السّالم) خذوه إلى كربالء قال ما يأتي إلى‬
‫كربالء هو دائم يشرب الخمر‪ .‬قال‪ :‬خذوه بأيّ حيلة‪ ،‬بأيّ وسيلة خذوه إلى كربالء‪.‬‬
‫قال ضبطنا األموال‪ ،‬وأخذناه وما كان يريد أن يأتي‪ ،‬فاحتلنا عليه وقلنا له‪ :‬أنت حبيبي‬
‫تريد تسافر وكذا‪ ،‬وجاؤوا به إلى كربالء وح ّتى وصوله إلى كربالء ّلتوجد عنده‬
‫صالة‪ ،‬وّليوجد عنده أيّ شيء من مظاهر الصالح‪ ،‬لكن عندما دخل في الرّوضة‬
‫الحسينيّة ونظر إلى الضّريح المبارك تغيّر نهائيا ً وبدأ بالبكاء‪ ،‬والعويل‪ ،‬وكذا وتغيّرت‬
‫حالته بالكامل وهناك قال‪ :‬أقسم بالحسين (عليه السّالم) أن أترك الخمر نهائيا ً‪ .‬فما‬
‫هذا؟ هذا كان في سرّه‪ ،‬في س ّره وفوق قلبه‪ .‬إذ يوجد قلب فيه خواطر وفي قلبه ما كان‬
‫يخطر فيه ّل حسين (عليه السّالم)‪ ،‬وّل حبّ الحسين (عليه السّالم)‪ ،‬ولكن في سرّه‬
‫كان ال ّتوجّه إلى اإلمام الحسين (عليه السّالم)‪.‬‬

‫سر‪:‬‬‫ال ّطلبات الج ّيدة الموجودة في ال ّنفس هي نفسها موجودة في ال ّ‬


‫كما إنّ األشياء غير الجيّدة مخبأة في ال ّنفس األشياء الجيّدة أيضا ً مخبأة في س ّر‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫المراقبة خاصة بالقلب والتصل إلى السر‪:‬‬


‫أهل السّلوك‪ ،‬وأهل المراقبة يقولون راقب قلبك ما يخطر عليه‪ .‬نعم‪ .‬ص ّح تراقب‬
‫و تراقب لعشر سنوات‪ ،‬لعشرين سنة ولكن ّل يت ّم المطلب بالمراقبة؛ ألنّ المراقبة‬
‫خاصّة بالقلب‪.‬‬
‫بال ّنسبة إلى السّر ماذا أصنع؟ فأنا ليس واصالً إلى السّرِّ ‪ ،‬وأنا ّل أعرف ماذا يقع‬
‫فيه؟ وّل أعرف ماهي خبايا نفسي؟ أنا ّل أعرف‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫سره بالوصول‬‫سره) في معرفة ّ‬ ‫سيد مح ّمد مهدي بحر العلوم (ق ّدس ّ‬ ‫صة ّ‬
‫العالمة ال َّ‬ ‫ق ّ‬
‫إلى معرفته بالمشيئة اإلله ّية‪:‬‬
‫يوم‬
‫العالمة ال َّسيِّد محمّد مهدي بحر العلوم لم يضحك لعشرين سنة وفي ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يقال إنّ‬
‫من األيّام رأوا ال َّسيِّد تبسم‪ ،‬فسألوه سماحة ال َّسيِّد نحن ما رأيناك لعشرين سنة تضحك‬
‫اآلن رأيناك تبتسم‪ .‬قال‪ :‬نعم أنا لعشرين سنة كنت أفحص هل يوجد فيَّ عجب أم ّل؟‬
‫وماكنت أعرف هل عندي عجب أم ّل؟ اليوم عرفت الحمد ّلِل ما في شيء من العجب‬
‫أي بعد عشرين سنة عرف‪ ،‬فكيف عرف؟ هو فحص بالقلب‪ ،‬بالقلب ما فيه‪ ،‬ولكن لم‬
‫يطمئنّ انه هل يوجد عجب بال ّس ّر ؟ لذا اخذ كل هذا الوقت‪.‬‬

‫صا ً بال ّ‬
‫س ّر‪:‬‬ ‫خاص بطلبات القلب وليس خا ّ‬
‫ٌّ‬ ‫الدّعا ُء‬
‫الطلبات لم تظهر في القلب‪ ،‬فال يتعلّق بها‬‫ومن هنا عندنا رغبات‪ ،‬وطلبات‪ .‬هذه ّ‬
‫ال ّدعاء‪ .‬دعائنا وأدعيتنا في طول رغباتنا‪ ،‬ونوايانا ّ‬
‫الظاهرة في قلوبنا أمّا الموجودة في‬
‫سرائرنا وهي ليست معلومة لدينا‪ ،‬فليس معلوما أن يتعلق بها الدعاء ‪.‬‬

‫س ّر‪:‬‬
‫االستدالل على وجود ال ّ‬
‫من أين نعرف هناك شيء فوق القلب باسم ال َّسرّ؟ من أين نعرف؟‬

‫ّأوالً‪ :‬الروايات‪:‬‬
‫ّ‬
‫المتمثلة في األدعية مثال ورد في‬ ‫شأن روايات مثالً الكلمات‬ ‫توجد روايات بهذا ال ّ‬
‫الدعاء (وسرّي) أو (وبدوام ا ّتصال سرّي) كما في دعاء كميل بن زياد(( َوّل‬
‫ت َعلَ ْي ِه مِنْ سِ رّي)) فباألدعية كلمة السر المقابلة للقلب‬ ‫ضحْ ني ِب َخفِي َما َّ‬
‫اط َلعْ َ‬ ‫َت ْف َ‬
‫موجودة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أهل ال ّطريق‪:‬‬


‫تجارب أهل ّ‬
‫الطريق تؤكد ذلك وتؤكد وجود مراتب أخرى فوق القلب‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬


‫بشكل غير مباشر‪ ،‬فمثالً ّلحظوا في قصّة إبراهيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يمكن اّلفادة من القرآن‬
‫وقصّة زكريّا (عليهما السّالم)‪ ،‬زكريّا (عليه السّالم) ما كان عنده ولد‪ ،‬فف ّكر أ ّنه يطلب‬
‫بشكل خفي قال‬ ‫ٍ‬ ‫من هللا أنّ هللا تبارك وتعالى يرزقه ولد ولكن كيف طلب؟ طلب‬
‫تعالى(( إِ ْذ َناد َٰى َر َّب ُه نِدَ ا ًء َخ ِف ًّيا)) (مريم‪َ (( )٣ :‬خ ِف ًّيا)) يعني ماذا؟ ولماذا خفي؟ أل ّنه‬
‫شيء الّذي‬ ‫يخاف أنّ يكون مخالفا ً لألدب اإللهيّ ؟ ممكن هللا ما يريد‪ .‬وأنا ّلزم أطلب ال ّ‬
‫هللا تبارك وتعالى يريده ح ّتى ّل تكون هناك منازعة بيني وبين ربّي‪ ،‬فاستجاب له‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫فأعطاه يحيى(عليه السالم)‪ ،‬ولكن في قصّة ال ّنبيّ إبراهيم (عليه السّالم) القرآن ما قال‬
‫إنّ ابراهيم طلب من ربّه ولدا‪ ،‬فهو أصبح عجوزاً وشيخا ً‪ ،‬ولم يكنْ له ولد‪ ،‬وّل خطر‬
‫في قلبه‪ .‬أي ّل يوجد شيء في القلب‪ ،‬ولكن كان في س ّره يريد أن يكون له أوّلد‬
‫وأنبياء ومن هؤّلء األوّلد تستمر ال ّنبوّ ة‪ ،‬والوّلية في صلبه هذا كان في سره‪ ،‬ولكن‬
‫لم يطلبه‪ ،‬فجاءت المالئكة وهو في شيخوخته وزوجته عاقرا ّل تستطيع أن تحمل‬
‫شرك بأوّلد‬ ‫ومن دون أن يطلب‪ ،‬من دون أن يظهر ما في سره قالوا له نحن نب ّ‬
‫ت َف َب َّشرْ ٰ َن َها))(هود‪ )٧١ :‬وقال تعالى (( َقالَ ْ‬
‫ت َيا َو ْيلَ َت ٰى أَأَلِ ُد‬ ‫(وٱم َْرأَ ُتهُۥ َقا ٓ ِئ َم ٌة َف َ‬
‫ض ِح َك ْ‬ ‫‪َ (:‬‬
‫َوأَ َنا َعجُو ٌز َو ٰ َه َذا َبعْ لِي َشي ًْخا))(هود‪ )٧٢ :‬وهذا األمر لم يطلبه ولكن موجود في س ّره‬
‫فلماذا ما يطلب؟ وماهي المشكلة أن ك ّل أحد يطلب ؟ أل ّنه راعى األدب؛ أل ّنه أحسّ أ ّنه‬
‫لو كان هللا تبارك وتعالى يريد أن يعطيني الولد أللقى في قلبي وأنا أطلب‪ ،‬فلم يلقيه‪،‬‬
‫فحتما ً ّل يريد‪ ،‬فسكت ولم يذكره هللا وجازاه هللا بهذا األدب الحسن‪ ،‬فأعطاه ‪.‬‬

‫سر ال ّنبي مح ّمد صلَّى هللا عليه وآله وسلّم مظهرالمشيئة اإلله ّية‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫نرجع إلى نبيّنا ال ّنبيّ محمّد (صلَّى هللا عليه وآله وسلّم) لم يطلب افحصوا‪ ،‬هاتوا‬
‫رواية وفي هذه الرّواية مثالً تقول الرّواية إن ال ّنبيّ (صلَّى هللا عليه وآله وسلّم) طلب‬
‫من هللا أن يعطيه ولداً ذكراً ويصبح نب ّيا ً‪ ،‬أو مثالً يصبح وص ّيا ً ّل توجد هكذا رواية‬
‫ولو رواية ضعيفة ّلتوجد‪ ،‬فلم يخطر بقلبه‪ ،‬وّل في س ّره يعني‪ :‬النبي األكرم أولى من‬
‫ال ّنبيّ إبراهيم (عليه السّالم) فانه ّل في قلبه طلب‪ ،‬وّل في س ّره طلب لماذا؟ ألنّ س ّره‬
‫شيء الّذي هللا تبارك وتعالى يريده له يقع في س ّره‪ ،‬فلم يطلب‬ ‫مظهر المشيئة اإللهيّة وال ّ‬
‫ك َوا ْن َحرْ إِنَّ َشا ِن َئ َ‬
‫ك‬ ‫ص ِّل ل َِر ِّب َ‬ ‫ّل في قلبه وّل في س ّره فنزلت (( إِ َّنا أَعْ َط ْي َنا َ‬
‫ك ْال َك ْو َث َر َف َ‬
‫ه َُو األبتر)) (الكوثر‪١:‬ـ‪ )٣‬ولح ّد اآلن ماليين من أوّلد ال ّزهراء (سالم هللا عليها) في‬
‫مشارق األرض ومغاربها من الهند‪ ،‬أو بنكالدش‪ ،‬أو أبعد مكان‪ :‬ماليزيا إندونيسيا‬
‫على الرغم من ان بيننا وبين إندونيسيا خمسة آّلف كيلو مترا والسادة موجودين هناك‬
‫إلى آخر المغرب العربي سادة بني الحسن‪ ،‬وفي أفريقيا وفي ك ّل العالم فماليين من‬
‫السّادة من نسل ال ّنبيّ (صلَّى هللا عليه وآله وسلّم) أكثر من قصّة ال ّنبيّ إبراهيم عليه‬
‫السّالم‪.‬‬

‫مراتب األنبياء في ال ّطلب‪:‬‬


‫في قصّة ال ّنبيّ إبراهيم عليه السّالم بعد أنّ هللا تبارك وتعالى أعطاه مقام الوّلية‬
‫اس إِ َمامًا ۖ َقا َل َومِن ُذرِّ َّيتِي)) (البقرة‪ )١٢٤ :‬سأل ال ّنبيّ إبراهيم‬ ‫((قا َل إِ ِّني َجاعِ ل ُ َ‬
‫ك لِل َّن ِ‬
‫(عليه السّالم) (( َقا َل َومِن ُذرِّ َّيتِي)) نبيّنا محمّد (صلَّى هللا عليه وآله وسلّم) لم يسأل‬
‫(( َومِن ُذرِّ َّيتِي)) ولكن هللا جعل الوّلية في ذ ّريته ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫ّ‬
‫الحق‪:‬‬ ‫خاص بظهور نور‬‫ٌّ‬ ‫سر اإلنسان‬
‫ُّ‬
‫شيخ عبد الغني النابلسي طبعنا وحقّقنا بعض كتبه مثل‬ ‫يوجد شيخ عارف باسم ال ّ‬
‫شرح صلّوات محي ال ّدين إن شاء هللا يخرج إلى ال ّنور يقول فيه ((توصيل ال ّناس إلى‬
‫الحق خاصٌّ بأوّلد علي إلى يوم القيامة ّل يستطيع أحد أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق توصيل الخلق إلى‬
‫يقوم باإلرشاد وإيصال السّالكين إلى هللا تبارك وتعالى ّإّل علي وأوّلده عليهم السّالم))‬
‫يصرّح ذلك في القلب الحادي عشر وهو من كبار العرفاء وله قصيدة بشأن ال َّسيِّدة‬
‫زينب الكبرى (عليها السّالم) أنا رأيتها في السَّي ِّدة زينب (عليها السّالم) ّلحظوا‪ّ :‬‬
‫سر‬
‫اإلنسان عال ٌم أكبر من قلبه وبال نهاية‪.‬‬

‫سر األنبياء واألولياء بروح القدس‪:‬‬ ‫تأييد ّ‬


‫األنبياء (عليهم السّالم) في مقام القلب قلبهم مطمئنّ ‪ ،‬ما عندهم تزلزل بالقلب أبداً‬
‫ولكن أحيانا يوجد تزلزل أحيانا ً‪ ،‬فإذا صار التزلزل بالسر هللا يؤيّدهم بروح القدس‪ ،‬هللا‬
‫ينزل عليهم السّكينة أمّا قلبهم مطمئنٌّ باإليمان ما عندهم تزلزل‪.‬‬

‫س ّر‪:‬‬
‫وصول الواردات اإلله ّية إلى القلب من ال ّ‬
‫فهناك قلبٌ وهناك سرٌّ فقصّة ال ّس ّر أقوى وبعض األشخاص‪ ،‬وبعض أهل السّلوك‬
‫حتىّ في سرّهم ما عندهم دعاء‪ .‬ما عندهم طلب يسلّمون ك ّل شيء إلى هللا تبارك‬
‫وتعالى؛ أل ّنه أعرف م ّنا بحالنا‪ ،‬فك ّل شيء هو يريد ونحن ما عندنا أيّ شيء ماذا‬
‫َي َت َولَّى‬ ‫(وه َُو‬
‫يدبّر( َ‬ ‫فاّلِل‬ ‫جزئيّة‪.‬‬ ‫وهميّة‬ ‫أمورا‬ ‫نطلب‬ ‫نطلب؟‬
‫الذي أنا أحتاج أمّا من حيث‬ ‫شيء ّ‬ ‫ِين))(اّلعراف‪ )١٩٦:‬وهو يدبّر ك ّل شيء وال ّ‬ ‫الصَّالِح َ‬
‫بشكل دائم أن أطلب منه‪ ،‬فأطلب منه وهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّل أحتسب يضبطه لي‪ ،‬أو يلقي في قلبي‬
‫يحقّقه‪.‬‬

‫الحق المتعال لظهور الفطرة ال ّتوحيد ّية‪:‬‬


‫ّ‬ ‫يجب نسبة األفعال إلى‬
‫الطريق إلى هللا تبارك وتعالى المسألة األساسيّة في ال ّس ّر وكذلك في القلب‬ ‫في ّ‬
‫مراعاة ال ّنسب ‪.‬‬

‫سر السيد الحداد ‪:‬‬‫صة‪ :‬مؤثرية صفاء ّ‬ ‫ق ّ‬


‫ال ّسيِّد الحّداد (ق ّدس س ّره) نقل عنه أ ّنه قال كنت في كربالء تو ّفى أحد األشخاص‬
‫فذهبنا في تشييعه فوصلنا إلى المغتسل وكان الجو بارداً ج ّداً‪ ،‬فعندما بدؤوا بتغسيل هذا‬
‫شخص ذهبت إلى صديق كنت أعرفه وعنده حانوت أو دكان رأيت عنده منقل أنتم‬ ‫ال ّ‬
‫ماذا تقولون؟ (منقلة) فيه قليل من نار‪ ،‬فدخلت وسلّمت عليه وقلت الجو صار بارداً‬
‫شخص بدأ يتعارك معي‪ :‬ما يخصك بالبرد كلّه من هللا‬ ‫وبدأت أتكلم ورأيت أن هذا ال ّ‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫وبدأ يتكلّم معي بكلمات توحيديّة بعيدة عنه‪.‬‬


‫يعني خطر بقلب السيد الحداد هذا الكالم‪ ،‬وبس ّره ّل يوجد شيء ّل يوجد كالم‪.‬‬
‫فماهي المشكلة من قول ان اليوم برد ؟ هذا ان وجد بال ّس ّر توجد مشكلة‪ ،‬ويوجد‬
‫الحق‪ ،‬فنحن عباده فلماذا هذا ّ‬
‫الطقس؟ لماذا هكذا صار؟ هذا صفاء س ّر‬ ‫ّ‬ ‫اعتراض على‬
‫شخص العامّيّ ‪ ،‬فبدأ يتعارك معه أنت لماذا صدر منك‬ ‫السيد الحداد سبّب ّأثرا في هذا ال ّ‬
‫هذا الكالم؟ فتنبّه‪.‬‬

‫سره‪:‬‬
‫صة أحد العرفاء ظهور ما موجود في ّ‬ ‫ق ّ‬
‫رأوا أحد العرفاء بعد وفاته في ال ّنوم قالوا سيِّدنا ماهي أحوالك؟ قال يوم من‬
‫الطقس بارداً وكانت عندي جبّة من الصّوف‪ ،‬فلبستها‪ ،‬فأحسست بال ّراحة‬ ‫األيّام كان ّ‬
‫قلت‪ :‬الحمد ّلِل هذه الجبّة دفّأتني يعني أصبحت دافئا ً بسبب تلك الجبة بعد ذلك تذكرت‬
‫كيف أفكر هكذا؟ واآلن هنا في البرزخ يسألونني نحن دفّأناك‪ ،‬أم الجبّة دفّأتك؟ يعني‬
‫بدأوا يسألونني َمنْ سبّب الحرارة فيك نحن‪ ،‬أم هذه الجبّة؟ ّلحظوا‪ :‬هذا في س ّره ّلزم‬
‫يوجد شيء َخ َط َر بال ّسرّ‪ ،‬أما بقلبه‪ ،‬فال يوجد اعتراض على هللا قلبه مطمئنّ ّليوجد‬
‫شيء من اّلعتراض فيه‪ ،‬بل شيء من اّلعتراض موجود بال ّس ّر ‪.‬‬

‫سره‪:‬‬
‫الكلبايكاني ظهور ما موجود في ّ‬
‫ّ‬ ‫سيد جمال ال ّدين‬ ‫مكاشفة ال َّ‬
‫هللا يرحم سيِّدنا وأستاذنا ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) ينقل في معرفة المعاد حكاية عن‬
‫ال َّسيِّد جمال ال ّدين الكلبايكانيّ ‪ ،‬سيّد جمال ال ّدين الكلبايكانيّ في بدايات طريقه قال كنت‬
‫أتف ّكر في هذه القضايا الّتي تقع من اله ّزات‪ ،‬و األنهيارات‪ ،‬والسّيول وال ّناس يموتون‬
‫مساكين ما عندهم ّل حول وّل قوّ ة‪ ،‬فيقع بينهم أوّلد‪ ،‬وبينهم أطفال‪ ،‬وبينهم مشايخ ما‬
‫ذنب هؤّلء‪ ،‬ماذنبهم يموتون وهذا كان في فكريّ ‪ ،‬وفي مكاشفة رأيت أنه أنا دخلت‬
‫الج ّنة ورأيت كثيرا من الحور العين كلّهم منوّ رين ومعلوم أ ّنهم من المالئكة ولكن‬
‫ب قتلت قوم‬‫بينهم يلعبون بالماء بجانب الحوض وير ّددون هذا الكالم يا ربّ بأيّ ذن ٍ‬
‫متأثرين‪ ،‬فهذه حالة‬ ‫ّ‬ ‫عاد؟ ياربّ لماذا دمّرت قوم هود؟ بدؤوا يسألون من هللا وهم‬
‫شكل وهذا كان في السر والمشكلة في ال ّس ّر ‪.‬‬‫نفسانيّة بداخله انعكست بهذا ال ّ‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة الرابعة عشرة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 .....................................‬‬
‫البحث‪1 ................................................................... :‬‬
‫معرفة‪.‬‬
‫السر هو املشيئة اإلهليّة ‪.......................‬خطأ! اإلشارة المرجعية غير ّ‬
‫ّ‬
‫توطئة‪1 ................................................................ :‬‬
‫عدم ظهور كل الرغبات اليت يف قلب االنسان‪1 ................................ :‬‬
‫القلوب كالغابات مليئة بالوحوش‪1 ........................................... :‬‬
‫قد يتأخر ظهور ماموجود يف سر االنسان لثالثني سنة‪2 ......................... :‬‬
‫السّر عند االضطرار‪2 ............................... :‬‬ ‫ظهور الطّلبات املوجودة يف ّ‬
‫سر اإلنسان وحقيقته‪2 ........................................... :‬‬ ‫كيفيّة معرفة ّ‬
‫عند فناء النّفس تظهر حقيقة باطن اإلنسان‪3 .................................. :‬‬
‫سره‪3 ........................ :‬‬‫الفطرة التّوحيديّة لإلنسان هي ظهور ما موجود يف ّ‬
‫السالم‪4 .................. :‬‬
‫وجه إىل اإلمام احلسني عليه ّ‬ ‫رجوع إنسان إىل فطرته بالتّ ّ‬
‫السر‪4 ................. :‬‬
‫الطّلبات اجليّدة املوجودة يف النّفس هي نفسها موجودة يف ّ‬
‫املراقبة خاصة بالقلب والتصل إىل السر‪4 ...................................... :‬‬
‫سره بالوصول إىل‬
‫سره) يف معرفة ّ‬ ‫حممد مهدي حبر العلوم (ق ّدس ّ‬ ‫السيد ّ‬‫العالمة َّ‬
‫قصة ّ‬ ‫ّ‬
‫معرفته باملشيئة اإلهليّة‪5 ........................................................... :‬‬
‫بالسّر‪5 ............................. :‬‬
‫خاصا ّ‬‫ال ّدعاء خاص بطلبات القلب وليس ّ‬
‫السّر‪5 .................................................:‬‬ ‫االستدالل على وجود ّ‬
‫ّأوال‪ :‬الروايات‪5 ............................................................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهل الطّريق‪5 ..........................................................:‬‬
‫ثالثا‪ :‬القرآن الكرمي‪5 ........................................................ :‬‬
‫حممد صلَّى اهلل عليه وآله وسلّم مظهراملشيئة اإلهليّة‪6 .................... :‬‬
‫سر النّب ّ‬
‫مراتب األنبياء يف الطّلب‪6 ................................................... :‬‬
‫احلق‪7 ......................................... :‬‬ ‫سر اإلنسان خاص بظهور نور ّ‬
‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الرابعة عشرة‬

‫سر األنبياء واألولياء بروح القدس‪7 .......................................:‬‬‫تأييد ّ‬


‫السّر‪7 ................................... :‬‬‫وصول الواردات اإلهليّة إىل القلب من ّ‬
‫احلق املتعال لظهور الفطرة التّوحيديّة‪7 .................... :‬‬
‫جيب نسبة األفعال إىل ّ‬
‫سر السيد احلداد ‪7 ....................................... :‬‬ ‫قصة‪ :‬مؤثرية صفاء ّ‬
‫ّ‬
‫سره‪8 .................................... :‬‬ ‫قصة أحد العرفاء ظهور ما موجود يف ّ‬‫ّ‬
‫سره‪8 ................ :‬‬
‫السيد مجال ال ّدين الكلبايكانّ ظهور ما موجود يف ّ‬‫مكاشفة َّ‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬

‫المحاضرة الخامسة عشرة من محاضرات الدّعاء‬


‫شيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬ ‫لسماحة ال ّ‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫شيطان في مقام ال ّتضليل‪:‬‬


‫البحث‪ :‬ال ّنفس أقوى من ال ّ‬

‫توطئة‪:‬‬
‫وصل الكالم إلى مسألة ال ّس ّر وأنّ هناك شيء يعتبر بمثابة باطن القلب وال ّتعامل‬
‫معه يختلف عن ال ّتعامل مع القلب‪ ،‬فبال ّنسبة إلى التعامل مع القلب ُيتعامل معه‬
‫بالمراقبة‪ ،‬والمنع عن خطور أشياء غير جيّدة في القلب‪ ،‬ومحاولة إلقاء المطالب‬
‫اإللهيّة‪ .‬وبعبارةٌ أخرى تهيئة القلب لنزول اإللهامات اإللهيّة‪ ،‬والرّحمانيّة‪ ،‬ودفع‬
‫شيطانيّة‪ ،‬وال ّنفسانيّة‪ ،‬وحيث وصل األمر إلى مسألة الخواطر ال ّ‬
‫شيطانيّة‪،‬‬ ‫الخواطر ال ّ‬
‫وال ّنفسانيّة يجب االلتفات إلى دقيقة يذكرها أهل المعرفة وهي أنّ ال ّنفس أقوى من‬
‫شيطان في مجال ال ّتضليل‪ ،‬فمعرفة أنّ هللا تبارك وتعالى له أسماء مختلفة منها االسم‬
‫ال ّ‬
‫ال ّنفس‬ ‫شيطان مظه ٌر لالسم المض ّل ّإال أنّ‬ ‫المض ّل‪ ،‬فأحد أسمائه االسم المض ّل‪ ،‬وال ّ‬
‫أَحْ َسنُ‬ ‫ار َك َّ‬
‫هللا ُ‬ ‫اإلنسانيّة ما شاء هللا بسبب انه أحسن الخالقين قال تعالى(( َف َت َب َ‬
‫شيطان في مقام ال ّتضليل‪.‬‬ ‫ْال َخالِق َ‬
‫ِين))(المؤمنون‪ ،) ١4:‬فهذه ال ّنفس اإلنسانيّة أقوى من ال ّ‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫القرآني على إن ا ّتصاف اإلنسان باالسم المضل ّ أقوى من اتصاف الشيطان‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الدّليل‬
‫أوّ الً‪ :‬نستدل على هذا المطلب باآليات القرآنيّة ففي سورة االعراف هللا تبارك‬
‫(وا ْت ُل َعلَي ِْه ْم َن َبأ َ الَّذِي آ َت ْي َناهُ‬
‫وتعالى يذكر قصّة بلعم بن باعورا ويقول تبارك وتعالى( َ‬
‫ين)) (االعراف‪ ،)١٧٥:‬فال ّ‬
‫شيطان‬ ‫آ َيا ِت َنا َفان َسلَ َخ ِم ْن َها َفأ َ ْت َب َع ُه ال َّش ْي َطانُ َف َكا َن م َِن ْال َغ ِ‬
‫او َ‬
‫شيطان المسكين أصبح تابعا ً له‪،‬‬ ‫صار تابعا ً له يعني أصبح هو قائد لل ّ‬
‫شيطان وهذا ال ّ‬
‫شيطان (( َفأ َ ْت َب َع ُه)) يعني تابعه‬
‫شيطان‪ .‬يعني‪ :‬بلعم بن باعورا أصبح فوق ال ّ‬‫فهو فوق ال ّ‬
‫يعني‪ :‬كلّما ال ّ‬
‫شيطان يركض ما يصل إلى بلعم بن باعورا هذا يدل على أنّ اإلنسان‬
‫يصبح في مقام اال ّتصاف باالسم المض ّل أقوى من ال ّ‬
‫شيطان وهذا كال ٌم صحي ٌح يعني؛‬
‫(و َعلَّ َم آ َد َم ْاألَسْ َما َء ُكلَّ َها))( البقرة‪ ،)٣١:‬فعلمه ك ّل األسماء‪،‬‬
‫ألنّ هللا تبارك وتعالى ( َ‬
‫وعلّمه ليس معناه ال ّتعليم ال ّدراسي وتعليم اآلداب وانه مثال أجلسه هناك وهللا بدأ يعلّمه‬
‫(و َعلَّ ْم َناهُ مِن لَّ ُد َّنا عِ ْلمًا))(الكهف‪ )٦٥:‬بال ّنسبة إلى‬
‫باأللفاظ ‪ .‬ال‪ .‬علّمه يعني تح ّقق ( َ‬
‫ال ّنبيّ الخضر (عليه السّالم) إذن العلم اإللهيّ ليس كالعلوم ّ‬
‫الظاهريّة العلم اإللهيّ هو‬
‫اال ّتصاف‪.‬‬

‫وائي على إن ا ّتصاف اإلنسان باالسم المضل ّ أقوى من اتصاف الشيطان‪:‬‬


‫الر ّ‬‫الدّليل ّ‬
‫توجد رواية في توحيد الصّدوق يقول‪ :‬إنّ ّلِل تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما ً‬
‫شيخ الصّدوق يوضّح يقول (أحصاها) يعني ا ّتصف بها‬
‫منْ أحصاها دخل الج ّنة‪ .‬ال ّ‬
‫ومن تلك األسماء االسم (هللا)‪ ،‬االسم (هو)‪ ،‬فا ّتصف بـ(هللا)‪ ،‬ا ّتصف بـ(هو) مثالً‬
‫وحيث أنّ اإلنسان استعداده في اال ّتصاف باألسماء اإللهيّة في ذروة االستعداد وال‬
‫يوجد موجود يكون أقوى منه استعداداً في اال ّتصاف باألسماء اإللهيّة مثله‪ ،‬وحيث أ ّنه‬
‫ا ّتصف بك ّل األسماء اإللهيّة‪ ،‬فإذن هو في مقام اال ّتصاف باالسم المض ّل أقوى‬
‫الموجودات وأكثرهم أحصا ًء وا ّتصافا ً هذا هو ال ّدليل عليه‪.‬‬
‫(وا ْت ُل َعلَي ِْه ْم َن َبأ َ الَّذِي آ َت ْي َناهُ آ َيا ِت َنا َفان َسلَ َخ ِم ْن َها‬
‫فإذن كما تقدم بدليل اآلية القرآنيّة ( َ‬
‫شيطان أصبح‬ ‫ين)) (االعراف‪)١٧٥:‬الصّريحة في أن ال ّ‬ ‫او َ‬ ‫َفأ َ ْت َب َع ُه ال َّش ْي َطانُ َف َك َ‬
‫ان م َِن ْال َغ ِ‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫(و َعلَّ َم آ َد َم ْاألَسْ َما َء ُكلَّ َها ُث َّم‬


‫تابعا ً لبلعم بن باعورا وإذا ضمننا هذا باآلية األخرى ‪َ (:‬‬
‫ِين)) ( البقرة‪)٣١:‬‬ ‫صا ِدق َ‬ ‫ض ُه ْم َعلَى ْال َم َال ِئ َك ِة َف َقا َل أَ ِنب ُئونِي ِبأَسْ َما ِء ٰ َهؤُ َال ِء إِن ُكن ُت ْم َ‬
‫َع َر َ‬
‫نحن نستفيد من هذا أنّ اإلنسان هو في ا ّتصافه باالسم المض ّل كباقي األسماء اإللهيّة‬
‫هو يكون في مرحلة األت ّم استعداداً لالتصاف باالسم المضل‪.‬‬
‫(وا ْت ُل َعلَي ِْه ْم َن َبأ َ الَّذِي آ َت ْي َناهُ‬
‫بلعم باعورا تعرفون هو كان زاهداً بال ّنسبة إليه يوجد ( َ‬
‫آ َيا ِت َنا َفان َسلَ َخ ِم ْن َها)) وهللا تبارك وتعالى آتاه من آياته ولك ّنه انسلخ منها‪.‬‬
‫وشي ٌء غريب أنّ بلعم بن باعورا دعا على ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) ودعا على‬
‫قوم ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) ‪.‬‬

‫من أسباب استجابة الدعاء‪:‬‬


‫ّأوالً‪ّ :‬‬
‫قوة ال ّنفس‪:‬‬
‫في قصّة دعاء بلعم بن باعورا على ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) وقومه‪.‬‬
‫عدو ّلِل وفقا ً لهذه اآلية وموسى كليم هللا‪ .‬وهللا يجب أن ال يستجيب‬
‫بلعم بن باعورا ٌّ‬
‫دعاء بلعم لكنه استجاب دعا بلعم بن باعورا عليهم بأن يكونوا في ال ّتيه يعني يدورون‬
‫بينهم وال يخرجون إذ دعا عليهم وهللا تبارك وتعالى استجاب هذا ال ّدعاء ولكن التيه‬
‫هللاُ لِ ُي َع ِّذ َب ُه ْم َوأَ َ‬
‫نت‬ ‫ان َّ‬ ‫حدث لهم بعد ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) قال تعالى( َ‬
‫(و َما َك َ‬
‫ِيه ْم))(األنفال‪)٣٣ :‬فمفاد هذه اآلية ما يختصّ بال ّنبيّ محمد (صلى هللا عليه واله وسلم)‬
‫ف ِ‬
‫شيء سار وجار كقاعدة‪ ،‬فألربعين سنة يتيهون في األرض (( َقا َل‬ ‫نبيّنا يعني‪ :‬هذا ال ّ‬
‫ض )) (المائدة‪ )٢٦ :‬فهؤالء اليهود‬‫ُون فِي ْاألَرْ ِ‬ ‫َفإِ َّن َها م َُحرَّ َم ٌة َعلَي ِْه ْم ۛأَرْ َبع َ‬
‫ِين َس َن ًة ۛ َيتِيه َ‬
‫من بركة دعاء بلعم بن باعورا تاهوا بالصحراء إذن السّبب هو قوّ ة نفس بلعم بن‬
‫شيطان نفس ال ّ‬
‫شيء إذا‬ ‫شيطان‪ ،‬أو ال ّتابع لل ّ‬
‫باعورا؛ ألنّ عنده قوّ ة في ال ّنفس إذن ال ّ‬
‫شخص الّذي مستجمع ك ّل همّته‪.‬‬
‫يدعو وكان مستجمعا ً همّته هللا ينظر إلى ال ّ‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫ضرع هلل تعالى‪:‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ال ّت ّ‬


‫في قصّة ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) مع فرعون أيضا ً واضحة بهذا ال ّ‬
‫شأن إذ‬
‫تعارك فرعون مع ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم)‪ ،‬فصار القرار انه غداً يجتمع ال ّناس‬
‫وفرعون يُري آياته؛ أل ّنه يرى نفسه ر ّبا ً ‪َ ((:‬ف َقا َل أَ َناْ َر ُّب ُك ُم االعْ لَى))( النازعات‪)٢4:‬‬
‫وال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) أيضا ً يُري آيات ربّه‪ ،‬ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) هو نبيٌّ‬
‫نزل عليه الوحي جبريل (عليه السّالم) فذهب إلى بيته ولسان حاله كانه يقول‪ :‬هللا‬
‫تبارك وتعالى غداً حتما ً يؤيدنا‪ ،‬صار الغد واجتمع ال ّناس وجاء فرعون وجاء ال ّنبيّ‬
‫موسى (عليه السّالم)‪ ،‬التحدي صار على نهر النيل فنهر ال ّنيل كان مثالً يجري من‬
‫شرق إلى الغرب‪ ،‬ففرعون توجّه إليه وقال لل ّنهر أنا ربّك‪ ،‬فيجب عليك أن تسير‬
‫ال ّ‬
‫بالخالف‪ ،‬فتغيّر مسيره وصار يجري من الغرب إلى ال ّ‬
‫شرق‪ .‬قال أنا ربّكم أنا أصنع‬
‫ما أريد‪ ،‬فيا موسى هل تستطيع أن تصنع هكذا؟ تعجب ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم)‬
‫الحق في تلك اللّحظة قال‪ :‬يا هللا ما هذه القصّة؟ أنا نبيّك توصيني أتقاتل‬
‫ّ‬ ‫وتو ّجه إلى‬
‫مع هذا الملعون وهو ي ّدعي أ ّنه ربٌّ وأنت تقول امشي وتقاتل معه وأنا أُهزمه وأنا‬
‫أُكسّره وأنا أضربه قال تعالى (( ْاذ َه َبآ إِلَى فِرْ َع ْو َن إِ َّن ُه َط َغى))( طه ‪ )4٣:‬وبعد كل‬
‫هذا اآلن أنت تصنع هكذا بي فماذا أصنع أنا؟ حينئ ٍذ هللا تبارك وتعالى أوحى إلى ال ّنبيّ‬
‫موسى (عليه السّالم) يا موسى أنت باللّيل ذهبت إلى بيتك ونمت وقلت ‪ :‬هللا يكفيه‪ .‬هللا‬
‫يضبطه‪ .‬وهذا فرعون باللّيل قام وجعل حذاءه على عنقه وخرج حافيا ً بال حذاء وجاء‬
‫بهذه الرّمال وبدأ يبكي‪..‬ويبكي وقال ‪ :‬يا هللا أنا أقل من أن أكون ر ّبا ً‪ .‬أنا عبدك‪ .‬باّلِل‬
‫عليك انظر إليَّ ‪ ،‬وغداً ضبطني‪ ،‬وبيّض وجهي أمام ال ّنبيّ موسى (عليه السّالم) وبدأ‬
‫يبكي ح ّتى الصّبح‪ .‬هنا ما ننظر إلى انه أنت نبيٌّ ‪ ،‬أو فرعون نحن ننظر إلى من بكى‬
‫باللّيل وماذا طلب م ّنا؟ أي أحد بكى باللّيل وطلب م ّنا نحن نعطيه سوا ٌء كان موسى أو‬
‫فرعون ما يهمنا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫الغرض أ ّنه أحيانا ً بعض ال ّطلبات ال ّ‬


‫صادرة عن أهل الغفلة هللا تبارك وتعالى‬
‫قوة نفسهم أو بسبب تضرعهم هلل تعالى‬
‫يقضيها‪ ،‬بسبب جامع ّية خواطرهم أو بسبب ّ‬
‫بالخفاء يبدأ بالبكاء‪.‬‬

‫قصة المغنية‪:‬‬
‫كان في إيران في زمن ال ّ‬
‫شاه مطربة مغنية باسم سوسن اسمها سوسن ليست‬
‫جميلة وعينها حوالء ولكن صوتها جيّد وكانت تغني في البارات والكازينوهات و كان‬
‫فيها شيء من الفطرة السليمة‪ .‬فيها حرارة داخلية وهي أيضا ً ما تعرف هذه الحرارة‪،‬‬
‫وفي ليلة من اللّيالي في أحدى الكازينوهات بدأت تغني‪ ،‬فغ ّنت بهذه الرّباعية‪:‬‬
‫شب های دراز بی عبادت چی کنم‬
‫طبعم به گناه کرده عادت چی کنم‬
‫گويند خدا گناه را ميبخشد‪.‬‬
‫او بخشدو من از خجالت چی کنم‬

‫الترجمة‪:‬‬
‫اللّيالي ّ‬
‫الطويلة من دون العبادة ماذا أصنع؟‬
‫انطبعت نفسيتي ّ‬
‫بالذنوب يا هللا ماذا أصنع؟‬
‫يقولون‪ :‬هللا تبارك وتعالى يغفر ّ‬
‫الذنوب كلّها!‬
‫هو يغفر ولكن أنا ماذا أصنع من الحياء والخجل؟‬
‫فبدأت تغ ّني وال ّناس يشربون المسكرات‪ .‬يعني الخمر‪ ،‬فبدؤوا بالبكاء ورجعوا‬
‫إلى فطرتهم يعني‪ :‬أصبح هذا المجلس كمجلس دعاء كميل أصبح المجلس عمليا ً مليئا‬
‫بالبكاء ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫االضطرار يحقق الطلبات‪:‬‬


‫أحيانا ً بعض أهل المعاصي لمّا يشت ّد عليهم البالء ويحيط بهم البالء يضطرّون‪،‬‬
‫فيطلبون من هللا ((أَمَّن ُي ِجيبُ ْالمُضْ َطرَّ إِ َذا َد َعاهُ َو َي ْكشِ فُ السُّو َء)) ( النمل‪ ،)٦٢ :‬فأي‬
‫أحد يصل إلى حالة االضطرار نحن نجيبه ونستجيب له فقوله تعالى ((أَمَّن ُي ِجيبُ‬
‫المضطر)) ما يقول أَي مؤمن‪ ،‬ما يقول أي مسلم‪ ،‬ما يقول إنسان‪ ،‬أو غير إنسان‪.‬‬
‫وهذا هو ال ّس ّر أنّ بعض األشخاص غير الملتزمين يدعون ويكون في دعائهم‬
‫أثر‪.‬‬

‫ال ّن ُ‬
‫فس لها ربوب ّية كربوب ّية هللا تعالى‪:‬‬
‫هللا يرحم ال ّسيِّد كمال الموسويّ (ق ّدس س ّره) كان يقول لل ّنفس ربوبيّة كربوبيّة هللا؛‬
‫أل ّنها مرتبة نازلة من الرّوح‪ ،‬والرّوح تعمل أيّ شيء‪ ،‬تصنع أيّ شيء‪.‬‬
‫ففي قوله تعالى(( َف َت َم َّث َل لَ َها َب َشرً ا َس ِو ًّيا))( مريم‪ )١٧ :‬في قصّة ال ّنبيّ عيسى‬
‫(عليه السّالم) تنزل الروح‪ ،‬أو إنزال البالء‪ ،‬أو تسديد األولياء‪ ،‬واألنبياء كلّها من‬
‫األمر من عالم األمر ومن عالم الرّوح‪ ،‬روح القدس ( َ َ‬
‫(وأي َّْد َناهُ ِبر ِ‬
‫ُوح‬
‫ْالقُ ُد ِ‬
‫س))(البقرة‪ ،)٨٧:‬فال ّنفس اإلنسانيّة مرتبة نازلة من الرّوح‪،‬أو نسخة نازلة مصغرة‬
‫تصنع نفس ال ّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫مثل الفجر هناك فج ٌر كاذب‪ ،‬وهناك فج ٌر صادق وال يعرف وال يميّز أي أحد‬
‫بين الفجر الصّادق و الفجر الكاذب وأهل ال ُّس ّنة في الفجر الكاذب يصلّون ليس تمام‬
‫شخص الّذي يكون متي ّقظا ً ويعرف أن يميّز‬
‫ك ّل أهل ال ُّس ّنة بعض أهل ال ُّس ّنة‪ ،‬ولكن ال ّ‬
‫بين الفجر الصّادق عن الكاذب هو الشخص المتيقظ الخبير كذلك ال ّنفس اإلنسانيّة‪،‬‬
‫ك ولها ربوبي ٌّة‪ ،‬أي‪ :‬ربوبيّة خاصّة بها ‪.‬‬
‫ال ّنفس اإلنسانيّة لها مُل ٌ‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫المظاهر ال ّتا ّمة لألسماء اإلله ّية واتصافها باالسم المضل ّ ألهل الغفلة والضالل ‪:‬‬
‫شيطان وذكرتم قصّة بلعم‬‫أنتم قلتم اإلنسان في مرتبة اإلضالل يكون أقوى من ال ّ‬
‫بن باعورا‪ ،‬وأمثال بلعم بن باعورا‪ ،‬وإذا كان هكذا‪ ،‬فاإلنسان الكامل بسبب أ ّنه‬
‫م ّتصف بجميع الصّفات اإللهيّة بال ّنحو الكامل‪ ،‬فهو يجب أن يكون مظهراً لالسم‬
‫شيطان أيضا ً؛ أل ّنه من المفترض أن‬
‫المض ّل‪ ،‬فيكون في ا ّتصافه باإلضالل أقوى من ال ّ‬
‫يكون اإلنسان الكامل سوا ٌء ال ّنبيّ ‪ ،‬أو اإلمام‪ ،‬أو الوليّ م ّتصفا ً بك ّل األسماء اإللهيّة‪ ،‬أو‬
‫بجامعهم بال ّنحو األت ّم‪ ،‬وهل ال ّنبيّ صلّى هللا عليه وآله وسلّم مضلٌّ؟ وهل ال ّنبيّ وصل‬
‫إلى هذه المرتبة ؟ نعم‪ ،‬ليس فقط ال ّنبيّ (صلّى هللا عليه وآله وسلّم)‪ ،‬فالقرآن هللا تبارك‬
‫وتعالى((يُضِ ُّل ِب ِه َك ِثيرً ا َو َي ْهدِي ِب ِه َك ِثيرً ا ۚ َو َما يُضِ ُّل ِب ِه إِ َّال ْال َفاسِ ق َ‬
‫ِين))(البقرة‪َ )٢٦ :‬منْ‬
‫يُضلّ؟ القرآن يُضلّ؟ يهدي به كثيراً ويُض ّل به كثيراً‪ ،‬فكيف القرآن يُض ّل؟ إذا تأتي‬
‫إلى القرآن بخلفية‪ ،‬أو بأغراض دنيويّة‪ ،‬فانه يضلك‪.‬‬
‫فمثالً أنت عالم دين في هذه المدينة تريد تشتغل وتصبح شخصا ً بارزاً ويطلبون‬
‫ارتق المنبر وابدأ بالوعظ ‪ .‬قال‪ :‬ال‪ .‬الوعظ ليس شغلي‪ .‬ماذا نصنع‬
‫ِ‬ ‫منك يا شيخ تفضل‬
‫شيخ؟ قال‪ :‬أنا أُفسّر القرآن‪ ،‬فهذا مناسب لي‪ .‬فهو هنا ينظر إلى‬ ‫بك يا سماحة ال ّ‬
‫شؤون االجتماعيّة؛ ألنّ في ا ّتصافه في تفسير القرآن شيء أكثر من ا ّتصافه بأ ّنه‬
‫ال ّ‬
‫خطيب‪.‬‬
‫أتذكر قبل أكثر من أربعين سنة أحد العلماء في أحد األمكنة طلبوا منه أن يرتقي‬
‫المنبر ويبدأ محاضرة لكنه رفض‪ ،‬ث ّم بعد ذلك قال‪ :‬لي أنا رفضت؛ أل ّنه ما يخصني‬
‫شيء المناسب لي هو تفسير القرآن‪ .‬الظاهر حتى يقولون فالنٌ يفسّر‬ ‫المنبر ‪ .‬وال ّ‬
‫القرآن إذن علم ُه كثير‪ ،‬فليس ك ّل أحد يستطيع أن يفسّر القرآن‪.‬‬
‫حبيبي أنت تأتي هنا لسنة‪ ،‬سنتين تدرس تفسير القرآن وبعد تريد ترجع إلى‬
‫القرآن وتجعل القرآن ُسلّما وترتقي وتريد أن تصل مثال إلى مقامات عالية مقامات‬
‫دنيويّة‪ ،‬فالقرآن يضربك يمينا ً ويساراً ويصفقك إذن القرآن يجب ال يمسّه ّإال‬
‫المطهرون‪ ،‬وأنت تتعلّم القرآن‪ ،‬وتد ّرس القرآن‪ ،‬وتعلّم القرآن لل ّ‬
‫شهرة القرآن يخاصمك‬

‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫ويضربك‪ ،‬ويضربك بشكل قوّ ي هنا القرآن أصبح مضالً يُضلك‪.‬‬


‫شمس تطلع على ناحيتين ناحية رياحين‪ ،‬وناحية مع ّفنات ولو لم تكنْ‬
‫حبيبي ال ّ‬
‫شمس ما تش ّم رائحة هذه القاذورات‪ ،‬فهذه ال ّ‬
‫شمس سببت انتشار رائحة هذه‬ ‫ال ّ‬
‫القاذورات فمنْ السّبب؟ هل الشمس هي السبب؟! ال‪.‬‬
‫وشمس ال ّتوحيد‪ ،‬وشمس الوالية‪ ،‬وشمس القرآن إذا تطلع على ال ّ‬
‫شواكل‪ ،‬واألعيان‬
‫ّ‬
‫الثابتة للموجودات فهذه الشواكل واالعيان تظهر بواطنها وليس في هذا ذنب لل ّ‬
‫شمس‪.‬‬
‫شمس أنّ في هذه ال ّناحية بستان مليء بالورود‪ ،‬والعطور‪ ،‬وفي هذا‬
‫ليس ذنب ال ّ‬
‫الجانب مليء باألشياء القذرة‪ .‬نعم باللّيل ال توجد رائحة ال من هنا‪ ،‬وال من هنا ولكن‬
‫عندما تطلع ال ّ‬
‫شمس تظهر الرائحة وهكذا هللا تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫األسفل من ال ّنار‪:‬‬
‫ِ‬ ‫المنافقين في ال ّدركِ‬
‫هذا المنافق الّذي في زمن ال ّنبيّ لو لم يكنْ ال ّنبيّ لو لم يُبعث ال ّنبيّ هذا المنافق‬
‫ماذا كان؟ هل كان منافقا وهل نسميه منافقا ؟ ال‪ .‬لكان مثل باقي األشخاص المشركين‬
‫أشرك باّلِل وهو في جهنم‪ ،‬ولكن هل كان حطبا ً لجهنم؟ وهل كان في أسفل دركٍ من‬
‫ال ّنار؟ ال‪ .‬فلماذا صار في أسفل درك من جهنم؟ ولماذا صار حطبا ً لجهنم؟ ال ّنبيّ هو‬
‫السّبب‪ ،‬فلو لم يُبعث ال ّنبيّ ‪ ،‬فهذا المسكين بجهنم يعني ليس أسفل السّافلين لكن بسبب‬
‫شخص أصبح في ال ّدرك‬ ‫ظهور وطلوع ال ّنبيّ محمّد (صلّى هللا عليه وآله وسلّم) هذا ال ّ‬
‫َ‬
‫ار))(النساء‪،)١4٥ :‬‬ ‫ِين فِي ال َّدرْ كِ ْاألسْ َف ِل م َِن ال َّن ِ‬
‫األسفل من ال ّنار قال تعالى((إِنَّ ْال ُم َنا ِفق َ‬
‫الحق وم ّتصفا بالصّفات الكماليّة‪ ،‬والجالليّة‬ ‫ّ‬ ‫فال ّنبيّ وهذا اإلنسان ك ّل ما كان مقتربا ً إلى‬
‫بشكل آخر إذن هذا‬
‫ٍ‬ ‫اإللهيّة‪ ،‬فهو يصبح مظهراً لالسم المض ّل بصورة أكثر ولكن‬
‫الكالم مضبوط وال توجد منافاة ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫مخالفة األدب ونسبة االشياء الجيدة إلى النفس واالشياء غير الجيدة إلى هللا السبب‬
‫في صيرورة الشيطان شيطانا‪:‬‬
‫شيطان أصبح‬ ‫شيطان لماذا صار شيطاناً؟ كيف صار شيطاناً؟ السّبب في أنّ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شيء غير الجيّد (السّيّ ء)‬ ‫شيء الجيّد إلى نفسه وال ّ‬ ‫ونسب ال ّ‬
‫َ‬ ‫شيطانا ً أ ّنه خالف األدب‬
‫ض‬‫إلى هللا‪ ،‬ففي هذه القصّة ماذا قال؟ (( َقا َل َربِّ ِب َما أَ ْغ َو ْي َتنِي َأل ُ َز ِّي َننَّ لَ ُه ْم فِي ْاألَرْ ِ‬
‫ِين ))(الحجر‪ )٣٩ :‬أنت أَ ْغ َو ْي َتنِي يا ربّ ‪ .‬أنا أغويتك يا شيطان‪ ،‬أو‬ ‫َو َأل ُ ْغ ِو َي َّن ُه ْم أَجْ َمع َ‬
‫أنت نسبت ك ّل شيء جيد إليك واالشياء غير الجيدة آلدم ‪ ،‬فالمشكلة فيك أنت إذ قلت‪:‬‬
‫لبشر‬
‫ٍ‬ ‫ين ))(ص‪ )٧٦ :‬أنا لم أسجد‬ ‫(( َقا َل أَ َنا َخ ْي ٌر ِّم ْن ُه ۖ َخلَ ْق َتنِي مِن َّن ٍ‬
‫ار َو َخلَ ْق َت ُه مِن طِ ٍ‬
‫ال مِّنْ َح َمإٍ‬
‫ص ٍ‬ ‫خلقته من طين (( َقا َل لَ ْم أَ ُكن ِّألَسْ ُج َد لِ َب َش ٍر َخلَ ْق َت ُه مِن َ‬
‫ص ْل َ‬
‫ون))(الحجر‪ ،)٣٣ :‬فإذن أنت نسبت الخير إلى نفسك والسّوء إلى آدم؛ أل ّنه ما في‬ ‫مَّسْ ُن ٍ‬
‫شيء‪ ،‬ث ّم بعد هذه القصّة بعد الطرد عندما ف ّكرت ماذا صار؟ قلت ‪:‬يا هللا أنت السّبب‬
‫في ك ّل هذه المشاكل أنت السّبب‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫ونحن أيضا ً في حياتنا كثيراً نصنع هكذا‪ ،‬فإذا مثالً تصدر م ّنا بعض األشياء غير‬
‫الجيّدة وعندما يأتون يقولون حبيبي لماذا صنعت هذا؟ هللا ح ّرضنا وهكذا؛ ألنّ هللا ما‬
‫يظهر لنا ح ّتى يدافع عن نفسه!‪.‬‬
‫أو مثالً نلقي اللوم والسبب في أهل الخالف‪ .‬أو مثال أهل الفسق‪ ،‬والفجور عندما‬
‫يلقون عليهم القبض؟ ويسألونهم مثال‪ :‬منْ أعطاك هذه‬ ‫يضربونهم‪ ،‬أو عندما‬
‫المخ ّدرات؟ يقول‪ :‬فالن‪ ،‬وأين هذا فالن؟ عندما يبحثون عنه يجدون إن هذا فالن توفى‬
‫قبل شهر‪ ،‬فهنا ُتلقى المشكلة على شخص ميّت‪ ،‬أو شخص بعيد ما يستطيع أحد أن‬
‫يصل إليه‪ ،‬أو شخص مجنون‪ ،‬أو ولد‪ ،‬أو طفل أو كذا‪.‬‬
‫أتذكر أحد األشخاص كان يتعاطى المخ ّدرات قال أنا أحمل المخ ّدرات بداخل‬
‫ّ‬
‫الطائرة وما يعرفون وما يتع ّرفون عليها‪ .‬قلت كيف أنت تفعل هذا وهم عندهم أجهزة‬
‫وكذا‪..‬وكذا قال ‪:‬نعم عندهم ك ّل شيء‪ .‬قلت مثالً كيف؟ ماذا تصنع؟ قال أنا آخذ قفص‬
‫بداخل هذا القفص يوجد عمود وأمأل أطراف هذا القفص بالموا ّد المخ ّدرة وأجعل‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫بداخل هذا القفص قطة‪ ،‬فيقول هذه القطة جميلة‪ ،‬فآخذها معي‪ ،‬وهذا الكلب المخصص‬
‫للتفتيش عندما يرى يهجم على القفص الحرس يقولون ‪ :‬هذا الكلب يتعارك مع القطة‬
‫اتركوه يمشي‪ ،‬وتوجد ألف طريقة‪.‬‬
‫ألق المشكلة على اآلخر ف ّكرْ ‪..‬ف ّكرْ ‪..‬ف ّكرْ ‪ .‬دبّرْ ‪..‬دبّرْ ‪.‬‬
‫المه ّم ألجل تبرئة نفسك ِ‬
‫خط ْط‪ ..‬اجع ْل المشكلة في غيرك‪.‬‬
‫ّ‬

‫شيطان‪:‬‬ ‫ال ّنفس اإلنسانية المض ّلة كال ّ‬


‫شيطان أيضا ً‬ ‫اإلنسان هكذا المشاكل يلقيها على هللا تعالى ويقول ‪:‬هو السّبب‪ .‬ال ّ‬
‫ض َو َأل ُ ْغ ِو َي َّن ُه ْم‬ ‫هكذا (( َقا َل َربِّ ِب َما أَ ْغ َو ْي َتنِي َأل ُ َز ِّي َننَّ لَ ُه ْم فِي ْاألَرْ ِ‬
‫ِين))(الحجر‪ )٣٩:‬أنت أغويتني ما يقول أنا السّبب‪.‬‬ ‫أَجْ َمع َ‬
‫شيطان‪ ،‬فهذه القصّة قبل ال ّ‬
‫شيطان‬ ‫شيطان في نفس ال ّ‬‫إذن هذه ال ّنسبة موجودة قبل ال ّ‬
‫شيء الغير الجيّد في أُفق نفسه يُنسبه إلى‬ ‫شيء الجيّد إلى نفسه وال ّ‬‫وانه يُنسب ال ّ‬
‫الر ٰ‬
‫ّحمن‪ ،‬إلى هللا هذا هو أساس المشكلة‪.‬‬

‫اإللهي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫االعتماد على قوة ال ّنفس من االستدراج‬
‫أحد أسباب الوقوع في االستدراج اإللهّي واالبتعاد عن هللا تعالى‪ ،‬االعتماد على‬
‫قوّ ة ال ّنفس وظهور الكرامات والخوارق من اإلنسان ويعتمد على نفسه‪ ،‬فيرى نفسه‬
‫شخص الّذي‬
‫شخص الّذي ال تصدر منه الكرمات ما ي ّدعي ال ّربوبيّة ال ّ‬
‫عظيمة‪ ،‬فال ّ‬
‫تصدر منه الكرمات‪ ،‬وتصدر منه الخوارق هو ي ّدعي اإلمامة‪ ،‬أو ال ّنبوّ ة‪ ،‬أو اإللوهيّة‪،‬‬
‫أو الوالية أو إلى غير ذلك‪.‬‬

‫سره) في التصرفات‪:‬‬ ‫س ِّيد الحدّاد (قدّس ّ‬ ‫رأي ال ّ‬


‫سُئل ال ّسيِّد الح ّداد (ق ّدس س ّره) عن قصّة ال ّتصّرفات وكذا‪ .‬قال أنا ما تص ّرفت في‬
‫حياتي إال م ّرة واحدة فقط‪ ،‬ففي يوم من األيّام كنت مدينا ً ألحد وهو رآني من بعيد وما‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫كان عندي أموال وهو كان يطلبني ماال‪ ،‬فتوجّ ه إليَّ وكنت أعرف هذا ال ّ‬
‫شخص إذا‬
‫يصل إليَّ تقوم القيامة يعني ما يترك لفظا ً ّإال يوجّ هه إليَّ ويكيلني بالسّبّ ‪ ،‬وال ّ‬
‫شتم في‬
‫نفس الوقت في هذه الحالة حصلت لي حالة االضطرار للرّبّ يا هللا ضبط هذا الموقف‬
‫وفي نفس الحالة اقترب مني وبق َيت كم خطوة ويصل ورأيت شخصا ً آخر ظهر عن‬
‫يميني وصافحني وجعل أمواال بداخل ك ّفيّ ‪ ،‬وأنا أخذت هذا المال وهو سلّم وذهب‪،‬‬
‫وهذا ال ّ‬
‫شخص اآلخر الذي انا مديون له بدأ يصافحني وأخذ األموال التي بكفي وذهب‬
‫بنفس طريقة اعطائي االموال‪.‬‬
‫السيد الحداد كان يرى التصرف والسعي الى التصرف من توجّه النفس واألشياء‬
‫خطر على خاطرهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫الّتي تصدر من األولياء ليست بالقوّ ة بل هللا يسددهم وليس؛ أل ّنه‬

‫قصّة ال ّسيِّد مرتضى ال ّرضويّ ق ّدس س ّره في خلو نفسه دليالً على رجوعه إلى‬
‫فطرته‬

‫السيد مرتضى المقدسي(قدس سره) وداللة خلو القلب‪:‬‬


‫أنا أتذكر في قصّة كان يذكرها المرحوم ال ّسيِّد مرتضى ال ّرضويّ (ق ّدس س ّره)‬
‫ُ‬
‫باحثت أحد األشخاص ووصل األمر إلى أنّ قلت له‪ :‬اآلن أي شيء تريد‬ ‫قال أنا‬
‫تسألني اسأل وأنا أر ُّد عليك‪ .‬اسأل أي سؤال بش ّتى المسائل‪.‬‬
‫المه ّم قال في هذه الحالة لم يكنْ في نفسي أي شيء يعني‪ :‬ليس متهيّئا ً لشيء‪ ،‬فقد‬
‫‪1‬‬
‫جعل خلو نفسه دليالً على صحّة دعواه للقلب الخالي‪.‬‬
‫فاإلنسان يصبح ً‬
‫آلة بيد األرواح العالية في تدبير شؤونه بخلو نفسه من ك ّل ما‬
‫ً‬
‫ووسيلة للموجودات العاليات وهم يدبّرون‬ ‫سوى هللا تعالى‪ .‬يعني أصبح اإلنسان ً‬
‫آلة‬

‫‪ 1‬الشيخ قاسم الطهراين(دامت توفيقاته) معلقا على القصة‪ :‬نقل يل هذه القصة مشيا إىل أن حالته يف ذلك الوقت حالة‬
‫اخللو عن أي معلومة‪ .‬یعين‪ :‬كان مرتقبا أن یلهمه اهلل تعاىل باالجابة مبجرد السؤال‪ ،‬فجعل خلو النفس من أي‬
‫شيء دليال على أن کالمه مل یکن نفسانيا‪ ،‬فالنفس إذا ترید االجابة علی السؤال تشعر بامتالئها بالعلم مع أنه‬
‫شعر خبلوها عن كل معلومة‪ ،‬فالنفس وقتئذ قریبة من الفقر وإذا مت الفقر‪ ،‬فهو اهلل‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫أمره‪ ،‬فإنّ االنسان ماعنده أي شيء والموجودات العاليات يدبّرونه‪ ،‬أمّا أنت (أيها‬
‫ّ‬
‫تخطط وتتف ّكر وإذا قال كذا مثال تقول‪ :‬كذا‪ .‬و إذا قال كذا‪ .‬تقول كذا‪ ،‬فإذا‬ ‫االنسان)‬
‫ٌ‬
‫تخطيط من ال ّنفس وليس من هللا ‪.‬‬ ‫صار تفكير االنسان هكذا‪ ،‬فهذا معناه أ ّنه‬
‫ومن هنا يقال في االستخارة أصل االستخارة أنت تصوم كم يوم ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫تغتسل‪ ،‬وبعد ذلك تصلّي‪ ،‬وبعد الصّالة تسجد وتقول‪ :‬أستخير هللا في عافية‪ .‬ويكون‬
‫قلبك ال يميل إلى هنا وال إلى هنا وأي شيء خطر بخاطرك إن شاء هللا هو ال ّ‬
‫شيء‬
‫الّذي هللا تبارك وتعالى اراده‪ .‬يعني‪ :‬المه ّم في معرفة األشياء خلو ال ّنفس عن رغباتها‬
‫ح ّتى يمأله هللا تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫سره) في رؤية ظل ّ نفسه‪:‬‬


‫س ِّيد علي القاضي (ق ّدس ّ‬ ‫صة أحد تالمذة ال ّ‬
‫ق ّ‬
‫أحد األشخاص كان من تالمذة ال ّسيِّد علي القاضي (ق ّدس س ّره) وهو بعد أستاذه‬
‫أدعى كذا وكذا‪ ،‬واجتمع عنده بعض األشخاص‪.‬‬
‫وبقي في همدان أيام ع ّدة ث ّم خرج من همدان‬
‫َ‬ ‫جاء من النجف إلى مدينة همدان‬
‫ً‬
‫مظلمة بسبب تركنا‬ ‫رأيت همدان صارت‬ ‫ُ‬ ‫وبعد ما خرج قال‪ :‬عندما خرجنا من همدان‬
‫شخص كانت عنده مكاشفات‪ ،‬ومشاهدات‬ ‫لها وبسبب اننا خرجنا منها‪ ،‬وهذا ال ّ‬
‫وتص ّرفات وكذا‪ .‬اال ان ال ّسيِّد ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) قال هو لم يكنْ كاذبا ً بل رأى ظ ّل‬
‫الظلمة كانت من نفسه‪ ،‬فانه رأى ظلمة نفسه؛ ألنّ هذه ّ‬
‫الظلمة كانت‬ ‫نفسه‪ ،‬فهذه ّ‬
‫موجودة هناك‪ ،‬وكثير من ال ّناس يطلبون من هللا المشاهدات‪ ،‬و المكاشفات‪ .‬وبعد ذلك‬
‫فإن المشاهدات والمكاشفات ُس ٌّم بال ّنسبة إليهم فتمنعهم عن ّ‬
‫الطريق ‪.‬‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة اخلامسة عشرة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 ...................................‬‬
‫الشيطان يف مقام التّضليل‪1 ........................... :‬‬
‫البحث‪ :‬النّفس أقوى من ّ‬
‫توطئة‪1 .................................................................... :‬‬
‫املضل أقوى من اتصاف الشيطان‪2 :‬‬
‫ال ّدليل القرآينّ على إن اتّصاف اإلنسان باالسم ّ‬
‫املضل أقوى من اتصاف الشيطان‪2 :‬‬
‫ائي على إن اتّصاف اإلنسان باالسم ّ‬ ‫الرو ّ‬
‫ال ّدليل ّ‬
‫من أسباب استجابة الدعاء‪3 ................................................. :‬‬
‫ّأوالا‪ّ :‬قوة النّفس‪3 ........................................................... :‬‬
‫ضرع هلل تعاىل‪4 ......................................................:‬‬
‫ثانيا‪ :‬التّ ّ‬
‫قصة املغنية‪5 ............................................................... :‬‬
‫االضطرار حيقق الطلبات‪6 ................................................... :‬‬
‫النّفس هلا ربوبيّة كربوبيّة اهلل تعاىل‪6 ........................................... :‬‬
‫املضل ألهل الغفلة والضالل ‪7 ...... :‬‬
‫املظاهر التّ ّامة لألمساء اإلهليّة واتصافها باالسم ّ‬
‫املنافقني يف ال ّدرك األسفل من النّار‪8 .......................................... :‬‬
‫خمالفة األدب ونسبة االشياء اجليدة إىل النفس واالشياء غي اجليدة إىل اهلل السبب يف‬
‫صيورة الشيطان شيطانا‪9 ........................................................ :‬‬
‫كالشيطان‪10 ........................................ :‬‬
‫النّفس اإلنسانية املضلّة ّ‬
‫اإلهلي‪10 .............................. :‬‬
‫االعتماد على قوة النّفس من االستدراج ّ‬
‫سره) يف التصرفات‪10 ................................ :‬‬
‫السيِّد احل ّداد (ق ّدس ّ‬
‫رأي ّ‬
‫ظل نفسه‪12 ......... :‬‬
‫سره) يف رؤیة ّ‬
‫السيِّد علي القاضي (ق ّدس ّ‬
‫قصة أحد تالمذة ّ‬ ‫ّ‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة اخلامسة عشرة‬

‫‪14‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬

‫المحاضرة السادسة عشرة من محاضرات الدّعاء‬


‫لسماحة ال ّشيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪ :‬الدعاء واألذن اإللهي‪:‬‬


‫توطئة‪:‬‬
‫كان الكالم في أنّ مقتضى األدب أن ال يطلب اإلنسان من هللا تبارك وتعالى شيئا ً‬
‫ّإال بإذنه والمقصود من اإلذن‪ :‬أ ّنه تار ًة اإلنسان يعرف أنّ رغباته وتم ّنياته غير‬
‫معاكس من مصالحه ال ّدنيويّة‪ ،‬أو األخرويّة‪ ،‬فهنا‬
‫ٍ‬ ‫مطابقة مع الواقع وأ ّنها في اتجا ٍه‬
‫ّ‬
‫الحق تبارك وتعالى لكي‬ ‫الطلب‪ ،‬ويترك األمر‪ ،‬وأخرى ينتظر إشارة من‬ ‫يمتنع عن ّ‬
‫يبدأ بال ّدعاء ومن دون اإلشارة ما يبدأ؛ أل ّنه يخاف أن ال يكون طلبه موافق للمشيئة‬
‫الطلب بدل عن االستجابة‪.‬‬‫اإللهيّة‪ ،‬فيعاقب على هذا ّ‬

‫تمحيص الدعاء قبل اطالقه‪:‬‬


‫وهذا اإلطالق الّذي نشاهده قال تعالى (( َو َقا َل َر ُّب ُك ُم ْادعُونِي أَسْ َت ِجبْ لَ ُك ْم ۚ )‬
‫(غافر‪ )٦٠ :‬هذا الكالم ال يمكن األخذ بإطالقه‪ ،‬فليس ك ّل ما يقع في خاطرك يجب أن‬
‫تطلبه؛ ألنّ ّ‬
‫الطلب أيضا ً فعل قلبي وعمل جوانحي وال ب ّد من المراقبة فيه‪ ،‬وال ّدقة‬
‫خطر هذا‬ ‫َ‬ ‫الطلب؟ من أين‬ ‫فيه‪ ،‬ومراعاة المسير‪ ،‬ومراعاة المنشأ و من أين نشأ هذا ّ‬
‫األمر بخاطري؟ وتمحيص هذا ّ‬
‫الطلب ح ّتى يتبيّن له أ ّنه عقل ّيا ً‪ ،‬أو شرع ّيا ً‪ ،‬أو قلب ّيا ً‬
‫يص ّح أن يطلب هذا أم ال؟‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة عشرة‬

‫نتائج الدعاء غير الصادر من األذن تكون غير تامة‪:‬‬


‫ولكن أحيانا ً اإلنسان يطلب شيئا ً من هللا تبارك وتعالى من دون مراعاة هذه‬
‫األمور وهللا تبارك وتعالى برحمته‪ ،‬وبسعة رحمته‪ ،‬وعطفه‪ ،‬ورأفته يستجيب دعاؤه‬
‫شيء الّذي أنت تطلبه هللا يعطيك إياه‬
‫َّإال أن يكون في هذه االستجابة شيء‪ .‬يعني ال ّ‬
‫ولكن بجانبه توجد مشاكل تكون مقترنة معه بسبب عدم مراعاتك لألدب؛ ألنه ما وقع‬
‫في قلبك أن تطلب‪ ،‬فطلبت‪ ،‬فاّلِل تبارك وتعالى يعطيك ولكن هذا العطاء محدود إمّا‬
‫شيء الّذي هللا أعطاك يصير مشكلة‬
‫م ّد ًة أو ك ّما ً أو بعد يتحول الطلب إلى مشكلة فهذا ال ّ‬
‫وهذا كثير نحن نواجهه‪.‬‬

‫عدم اللجوء واالعتماد في تحقيق ال ّطلبات على الختومات أو األربعين ّيات‬


‫أو غير ذلك‪:‬‬
‫بعض األشخاص مثال ما يستطيعون اإلنجاب رجاالً‪ ،‬أو نسا ًء وبعد فترة طويلة‬
‫الطلب واالختبارات والفحوصات ومراجعة األطبّاء يتوصلون إلى أمور غريبة‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫فيذهبون إلى أحد إمّا يعطيهم ختومات‪ ،‬وأربعينيّات‪ ،‬أو أعمال‪ ،‬فيقومون‪ ،‬ويشتغلون‬
‫بهذه األمور وبعد فترة هللا تبارك وتعالى يعطيهم بالحجابات‪ ،‬أو مثالً ببعض‬
‫األربعينيّات ويفرحوا ولكن بعد فترة يكبر ويكبر الولد إمّا يموت في شبابه‪ ،‬أو يسبّب‬
‫للوالدين مشاكل ليالً ونهاراً ثم يطلبون من هللا أن يموت هذا الّذي طلبوه قبالً‪.‬‬

‫اإليراني سعدي لرجل في تحقيق طلبه للولد بال ّنذر‪:‬‬


‫ّ‬ ‫صة ينقلها ال ّ‬
‫شاعر‬ ‫ق ّ‬
‫ينقل سعدي أحد شعراء إيران يقول أنا ذهبت إلى مدينة وجدت في هذه المدينة‬
‫رجالً وهذا الرّجل كان متم ّكنا ً وله ولد وقال لي أنا ماكنت أتمكن من اإلنجاب لفترة‬
‫طويلة وك ّل ما أصنع شيئا واعمل طريقة لتحصيل الولد ما ينجح األمر‪ ،‬وفي يوم من‬
‫األيام قالوا لي توجد شجرة في المكان الفالنيّ اذهب إلى هذه ال ّ‬
‫شجرة وأنذر لها شيئا _‬
‫شجرة‪ ،‬أو للّذين يأتون‪،‬‬
‫وهذا األمر موجود لآلن ببعض القرى إذ يعطى نذر لهذه ال ّ‬
‫ويجلسون تحت ال ّ‬
‫شجرة_ فهذا الرجل فعل هذا األمر ويقول‪ :‬ذهبت وطلبت من‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة عشرة‬

‫شاب ال ّرشيد ال ّ‬
‫شيق الجيّد وكذا‪..‬وكذا والولد‬ ‫شجرة‪ ،‬فرجعت فحملت زوجتي بهذا ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫كان حاضراً يستمع قلت الحمد ّلِل‪ .‬هللا أعطاك الولد لكن بعد كم يوم رأيت هذا الولد‬
‫شجرة الّتي أبي طلب منها أن‬
‫جالس مع أصدقاءه وأنا أسمعه قال‪ :‬يا ليت أعرف هذه ال ّ‬
‫يرزقني به وإذا أعرف إين هذه ال ّ‬
‫شجرة أقلعها من جذورها فهذا الولد يطلب موت أبيه‬
‫والوالد يح ّبه‪.‬‬
‫صص كثيرة بين االوالد‪ ،‬فالوالد مستعد أن يموت ألجل ولده والولد‬ ‫ومثل هذه الق ّ‬
‫ينتظر ّ‬
‫بالثواني متى يموت الوالد ح ّتى يأخذ األموال‪ ،‬ويبيع البيت‪ ،‬أو يبنيه من جديد‬
‫وألف ألف شغلة في فكره وفي فكر زوجته وهذا شيء عادي في العالم والسّبب أنت‬
‫بالطلب األكيد وبعد ّ‬
‫الطلب األكيد بدأت‬ ‫ّ‬ ‫عندما رأيت هللا لم يعطيك األوالد بدأت‬
‫بال ّتدبير‪ ،‬فذهبت إلى هذا الكاتب الذي يكتب الرقاع والطالسم والحجابات و هللا بسبب‬
‫من األسباب أعطاك ولكن هذا العطاء مؤقت‪ ،‬فانتبه‪ ،‬فهو برحمته لم يطردك من بابه‬
‫ولكن ما أعطاك خزائنه مثل الفقير الّذي يأتي و ّ‬
‫يدق عليك الباب أعطني‪ ،‬أعطني‪،‬‬
‫وأنت ما تحبّ أن تعطيه ولكن هو يصرّ ‪ ،‬فتعطيه ولكن عندما يطلب كثيراً ماذا‬
‫تعطيه؟ انت تعطيه شيئا بسيطا تعطيه شيئا قليال؛ أل ّنك ما تحبّ أن تعطيه أصال‪ ،‬وهذه‬
‫بشكل وآخر اآلن نحن نذكر ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫المسألة موجودة في العوالم الرّوحانيّة‬

‫اآلثار المترتبة على طلب النبي موسى(ع) بجعل هارون(ع) نبيا‪:‬‬


‫األثر األول‪ :‬قصر عمر النبي هارون(عليه السالم)‪:‬‬
‫هللا تبارك وتعالى في قصة النبي موسى(عليه السالم) يقول له مثال في طور‬
‫ك لِ َن ْفسِ ي))(طه‪ )٤١ :‬امشي إلى فرعون‪ ،‬وأنا‬ ‫سيناء ‪:‬أنت أصبحت نب ّيا ً ((واصْ َط َنعْ ُت َ‬
‫معك (( ْاذ َهبْ إِلى فِرْ َع ْو َن إِ َّن ُه َطغى))(طه‪ )٢٤:‬دمّر حياة فرعون ماذا طلب‬
‫ص ْد ِري‪َ .‬و َيسِّرْ لِي أَم ِْري‪َ .‬و احْ ل ُ ْل ُع ْق َد ًة‬
‫موسى(عليه السالم)؟ ((قا َل َربِّ ا ْش َرحْ لِي َ‬
‫ُون أَخِي‪()).‬طه‪)٢5،3٠:‬‬ ‫مِنْ لِسانِي‪َ .‬ي ْف َقهُوا َق ْولِي‪َ .‬و اجْ َع ْل لِي َو ِزيراً مِنْ أَهْ لِي‪ .‬هار َ‬
‫قال ياربِّ أنا عندي لكنة باللّسان؛ أل ّنه عندما كان صغيرا و أخذ ال ّنار بفمه صارت‬
‫عنده لكنة باللسان‪ ،‬وأرسل هارون معي((وزيرا)) يشير إلى أن يكون نب ّيا ً ويكون‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة عشرة‬

‫مساعداً لي‪ .‬هللا تبارك وتعالى َق ِب َل قال ال توجد مشكلة أنت طلبت له النبوة نحن نعطيه‬
‫مقام ال ّنبوّ ة ما شاء هللا وهذا شيء قويّ ولكن هارون(عليه السالم) مات في حياة ال ّنبيّ‬
‫موسى (عليه السّالم)‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تعارك النبي موسى مع النبي هارون‪:‬‬


‫ثاني شيء‪ :‬بعد أن تتعارك معه‪ ،‬يأخذ بلحيته وبرأسه َقا َل ( َيا اب َْن أ ُ َّم َال َتأْ ُخ ْذ‬
‫ِبلِحْ َيتِي َو َال ِب َر ْأسِ ي ۖ إِ ِّني َخشِ ُ‬
‫يت أَن َتقُو َل َفرَّ ْق َ‬
‫ت َبي َْن َبنِي إِسْ َرائِي َل َولَ ْم َترْ قُبْ َق ْولِي )‬
‫(سورة طه‪ )٩٤:‬يعني صار عراكا بسبب هذا الّذي أنت طلبت م ّنا تحقيقه‪ ،‬فأنت طلبت‬
‫أن يكون هارون نبيا‪ ،‬فأعطيناك خلص وبعد ذلك صار العراك مع حفظ االصل‪ .‬وهذا‬
‫خطر‬
‫َ‬ ‫ال يدل على أن هللا سمح لل ّنبيّ ولكن وقع في قلب موسى(عليه السالم) يعني‬
‫بباله أن يطلب من هو قريب بقلبه وهو هارون أن يكون معه هللا برحمته أعطاه‪.‬‬
‫وهذا بخالف ال ّنبيّ محمّد (صلّى هللا عليه وآله وسلّم) إذ لم يطلب من هللا ولم يقول‬
‫مثال‪ :‬يا هللا أنت أعطيتني مقاما ً محموداً أعطِ ألخي علي (عليه السّالم)‪ .‬ال بل هللا‬
‫أعطاه مباشرة مقام الوالية لعلي أمير المؤمنين (عليه السّالم) من دون طلب ال ّنبيّ‬
‫وال ّنبيّ األكرم(صلى هللا عليه واله) لم يطلب؛ ألنه راعى مقام األدب‪ ،‬فاعطاه هللا دون‬
‫بقي علي وأوالد علي (عليهم السّالم) إلى يوم القيامة نجوما ً وشموسا ً في سماء‬
‫طلب و َ‬
‫المعرفة و سماء الهداية ‪.‬‬

‫اآلثار المترتبة على طلب النبي زكريا(عليه السالم) للوريث‪:‬‬


‫آل َيعْ قُ َ‬
‫وب ۖ‬ ‫ث مِنْ ِ‬ ‫في قصّة ال ّنبيّ زكريّا (عليه السّالم) قال تعالى(( َي ِر ُثنِي َو َي ِر ُ‬
‫َواجْ َع ْل ُه َربِّ َرضِ ًّيا))(مريم‪ )٦ :‬فقد طلب الولد (( إِ ْذ َناد َٰى َر َّب ُه ِن َدا ًء َخ ِف ًّيا ))(مريم‪)3:‬‬
‫بقي يحيى؟ وهل‬ ‫هللا تبارك وتعالى أعطاه ولدا وهو يحيى(عليه السالم) ولكن هل َ‬
‫أعقب؟ ال‪ .‬بل استشهد في شبابه ولم يعقب ‪ ،‬فال ّنبيّ زكريّا عليه السّالم (( َي ِر ُثنِي َو َي ِر ُ‬
‫ث‬
‫آل َيعْ قُ َ‬
‫وب)) يعني‪ :‬ف ّكر أ ّنه يستمر ولك ّنه لم يستمر‪.‬‬ ‫مِنْ ِ‬

‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة عشرة‬

‫التفويض أساس السلوك‪:‬‬


‫شيء‪ ،‬هذا ال ّتفويض يجب‬
‫إذن تفويض األمور إلى هللا تبارك وتعالى هو أساس ال ّ‬
‫أن يت ّم في ال ّسرّ‪ ،‬أنت يجب أن تعرف أنّ هللا تبارك وتعالى بدل أن تطلب منه فهو‬
‫عالم بك ّل شيء عالم بحاالتك وأحوالك ويعرف ك ّل ما تحتاج إليه وهللا يدبّر‪ ،‬هللا‬
‫هللا ِر ْزقُ َها َو َيعْ لَ ُم مُسْ َت َقرَّ َها َومُسْ َت ْو َد َع َها ۚ ُكل فِي‬ ‫(و َما مِن َدا َّب ٍة فِي ْاألَرْ ِ‬
‫ض إِ َّال َعلَى َّ ِ‬ ‫كفيل( َ‬
‫ين))(هود‪ )٦ :‬ك ّل هذه األمور في الكتاب ٰ‬
‫اإللهيّ المبين الواضح عنده يعني له‬ ‫ِك َتا ٍ‬
‫ب م ُِّب ٍ‬
‫المشيئة اإللهيّة الكاملة إذا هذا متح ّقق وموجود‪ ،‬فأنا لماذا أّسأل؟‬
‫َّإال إذا هللا يريد أن يح ّقق أمرا ما‪ ،‬فيوقع في قلب االنسان طلبا مستمرا وليس‬
‫خاطراً وهذا االنسان البد يعرف كيف يميّز بين الخواطر ال ّنفسانيّة‪ ،‬والخواطر‬
‫الرّحمانيّة اإللهيّة ويعرف أن هذا الخاطر خاطر رحمانيّ ‪ ،‬فيعمل به‪ ،‬فيطلب من هللا‬
‫وتكميالً‬
‫ان يعطيه ما وقع في قلبه‪ ،‬وهللا يؤجره‪ ،‬ويضبط األمور إذن هذا كان ت ْتميما ً ْ‬
‫لما تق ّدم ‪.‬‬
‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السادسة عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة السادسة عشرة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 ............................................‬‬
‫البحث‪ :‬الدعاء واألذن اإلهلي‪1 .........................................................:‬‬
‫توطئة‪1 .............................................................................. :‬‬
‫متحيص الدعاء قبل اطالقه‪1 ........................................................... :‬‬
‫نتائج الدعاء غري الصادر من األذن تكون غري تامة‪2 ......................................:‬‬
‫عدم اللجوء واالعتماد يف حتقيق الطّلبات على اخلتومات أو األربعينيّات ‪2 ....................‬‬
‫أو غري ذلك‪2 ........................................................................ :‬‬
‫الشاعر اإليرانّ سعدي لرجل يف حتقيق طلبه للولد بالنّذر‪2 ......................:‬‬
‫قصة ينقلها ّ‬
‫ّ‬
‫اآلثار املرتتبة على طلب النيب موسى(ع) جبعل هارون(ع) نبيا‪3 ............................ :‬‬
‫األثر األول‪ :‬قصر عمر النيب هارون(عليه السالم)‪3 ....................................... :‬‬
‫اآلثار املرتتبة على طلب النيب زكريا(عليه السالم) للوريث‪4 ................................. :‬‬
‫التفويض أساس السلوك‪5 .............................................................. :‬‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬

‫المحاضرة السابعة عشرة من محاضرات الدّعاء‬


‫لسماحة ال ّشيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪:‬‬
‫أقسام تحقيق الدّعاء وتحقيق ال ّطلبات واألمنيات‬
‫أوال‪ :‬قوة النفس‬

‫اذلي‪:‬‬
‫ش ّ‬ ‫س ِّيد مح ّمد الوفا ال ّ‬ ‫ٌ‬
‫أبيات للعارف ال ّ‬
‫هذه االبيات بلسان هللا تبارك وتعالى فكأنّ هللا يتكلّم مع عباده وأهل السّلوك‪ ،‬نقرأ‬
‫قسما ً منها ‪:‬‬
‫أمـرنــا نـرفــعْ ألجـلــك حُجـبـنـا‬
‫✨أطــع َ‬
‫فـإ ّنــا منـحْ ـنـا بـالـ ّرضـا مـَــن أحـبـنـا‬
‫واحـتـم بجـنـابـنـا‬ ‫ـــذ بـحـمـانـا‬ ‫✨ولـ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫لنحـمـيـك مـمـّـا فـيــه أشـــرار خلـقـنـا‬
‫✨وكنْ فــي حـمـانـا خـاضـعـًا مـتـذلّـالً‬
‫َ‬
‫تـلـق الـمـسـرة والـهـنـا‬ ‫وأخـلـصْ لـنـا‬
‫✨وسلّـم إليـنـا األمــر فــي كــ ّل مــا يـكـن‬
‫فـمــا الـقــربُ واإلبــعــاد ّإال بـأمـرنــا‬
‫✨وال تعترضـنـا فــي األمــور فـكــ ّل مـَــن‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫أردنــــاه أحـبـبـنـاه حــتـّـى أحـبَّـنــا‬


‫✨يـُنـادى لــه فــي الـكــون‪ :‬أنـــا نـحـبـه‬
‫فيسـمـع مـَـن فــي الـكـون أمــر مُحـبـنـا‬
‫✨ويـُكـسـى جــــالالً بـالـوقــار ألنـــّـه‬
‫ِّ‬
‫عــزنــا‬ ‫أقـــام بـــإذالل عـلــى بـــاب‬
‫✨رفـعـنـا لـــه حـجـبـا‪ ،‬أبـحـنـاه نـظــرة‬
‫إلـيـنـا وأودعـنــاه مـِــن ســـ ّر سـرّنــا‬
‫✨تـمـسّـكْ بــأذيــال الـمـحـبـة واغـتـنــم‬
‫لـيـال بـهــا تـحـظـى بـأوقــات جمعنا‬
‫ٍ‬
‫✨وقـم فـي ال ّدجـى فاللّيـل ميـقـات مـَـن يــرد‬
‫وصــال حبـيـب فاغـتـنـم فـيــه وصـلَـنـا‬
‫✨فــمــا الـلّـيــل ّإال لـلـمـحـبِّ مـطـيــة‬
‫ومـيـدان سـبــق فاسـتـبـق تـبـلـغ الـمُـنـى‬
‫تـخـش فــي اللّـيـل ظلم ٍة‬
‫َ‬ ‫✨وسـر نحـونـا ال‬
‫وكــنْ ذاكــرً ا فـاألنـس فــي طـيـب ذكـرنـا‬
‫✨وعـــن ذكـرنــا ال يشـغـلـنـّك شــاغــ ٌل‬
‫وال تنـسـنـا واقـصــد بـذكــرك وجـهـنــا‬
‫بــإقــرار كـتـبـنـاه عـنـدنــا‬
‫ٍ‬ ‫✨عـلـيــك‬
‫تـنـس إحسـانـًا بسـطـنـاه عندمــا‬
‫َ‬ ‫وال‬
‫والقصيدة مفصّلة إن شاء هللا نقرأ فقرات منها في اللّيالي القادمة بعون هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫كان الكالم في حقيقة ال ّدعاء وتق ّدم أنّ ال ّدعاء المصطلح يختلف عن ال ّدعاء‬
‫اللّغويّ ‪ ،‬فال ّدعاء المصطلح الموجود عندنا يشمل المناجاة أيضا ً مع أنّ المناجاة شيء‬
‫آخر يختلف عن ال ّدعاء‪.‬‬

‫الفرق بين الدعاء والمناجاة‪:‬‬


‫شخص لكي يلتفت إليه‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫والطلب الخاصّ من‬ ‫ال ّدعاء في حقيقته هو ال ّندب‪،‬‬
‫ويساعده‪ ،‬أو ينظر إليه بنظرة الحنان والمحبّة‪.‬‬
‫أما في المناجاة ال يوجد طلب ودعاء‪ .‬المناجاة مثالً أنت فقدت صديقا ً لك لمدة‬
‫ً‬
‫صدفة‪ ،‬فترتاح عنده‪ ،‬وتجلس معه وتتكلّم عن‬ ‫خمس سنوات‪ ،‬أو لعشر سنوات‪ ،‬فتراه‬
‫ش ّتى المجاالت ال تطلب منه شيئا‪ ،‬وال هو يطلب منك شيئا‪ ،‬ولكن يكون هذا الجلوس‬
‫مقرونا ً بالهدوء‪ ،‬والسّكون‪ ،‬والفرح‪ ،‬واالنبساط‪ ،‬وهذه األمور‪.‬‬
‫الحق تبارك وتعالى و كأ ّنه أمامه ويتذكر نعمه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في المناجاة اإلنسان يجلس مع‬
‫يتذكر عظمته‪ ،‬يتذكر هذه األمور ويُبديها ويتكلّم بهذه الكلمات‪ ،‬ثم ينظر إلى قلبه‪،‬‬
‫فيرى أنّ هللا تبارك وتعالى كأ ّنه هو أيضا ً يتكلّم معه‪ ،‬ويناقشه‪ ،‬تتذ ّكر في تلك الواقعة‬
‫ف من ال ّنار‪ ،‬فأنقذناك‪ ،‬وتوسّلت إلينا‪ ،‬وتوجّهت إلينا‬
‫كنت تعبان وكنت على شفا جر ٍ‬
‫وكذا‪..‬هذا مجلس المؤانسة‪.‬‬
‫ففي المناجاة يوجد مؤانسة أي ‪:‬أُنس‪ ،‬وبسط‪ ،‬بخالف ال ّدعاء على ك ّل تقدير‪.‬‬
‫الطلب‪ ،‬وحقيقته هو ظهور مشيئة هللا تبارك وتعالى على‬ ‫ال ّدعاء كما قلنا هو ّ‬
‫المجالي اإلمكانيّة‪ ،‬أي هللا تبارك وتعالى يريد شيئا‪ ،‬فتنتقش‪ ،‬وترتسم هذه المشيئة‬
‫واإلرادة في قلوب‪ ،‬وفي ضمائر األعيان ّ‬
‫الثابتة‪ ،‬فهم يطلبون من هللا تبارك وتعالى‬
‫شيئا ً ويمشون لتحقيقه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫اختالف األعيان الثابتة في تل ّقيها للمشيئة اإلله ّية‪:‬‬


‫إذن حقيقة ال ّدعاء كما قلنا هو ظهور المشيئة اإللهيّة‪ ،‬واألعيان ّ‬
‫الثابتة في تعلّقها‪،‬‬
‫وفي مظهريتها لهذه المشيئة اإللهيّة مختلفون تمامًا‪ ،‬هذه المشيئة عندما تنعكس على‬
‫الثابتة بما في ذلك المالئكة‪ ،‬والجنّ ‪ ،‬واإلنس‪ ،‬والجمادات‪ ،‬والنباتات‪،‬‬ ‫األعيان ّ‬
‫الثابتة للمشيئة مختلف‪ ،‬فبعضهم‬ ‫والحيوانات‪ ،‬وك ّل الموجودات‪ ،‬فتلقّي هذه األعيان ّ‬
‫ينفّذون ويمتثلون لهذا ّ‬
‫الطلب ال ّتكوينيّ بسرعة بسبب قوّ ة نفوسهم‪ ،‬أو بسبب شفّافيّة‬
‫ضمائرهم‪ ،‬وأعيانهم‪ ،‬والبعض يختلف إذ يطول تحقيق المشيئة عندهم‪ ،‬لوحدهم‬
‫اليستطيعون وهم بحاجة إلى شيء آخر ‪.‬‬
‫هنا اآلن نحن نبدأ بدراسة أقسام تحقيق‪ ،‬وتنفيذ المشيئة‪ ،‬أو قل أقسام تحقيق‬
‫ال ّدعاء‪ ،‬وتحقيق ّ‬
‫الطلبات‪ ،‬واألمنيات‪ ،‬فهناك أقسام عدة لظهورهذه المشيئة‪:‬‬

‫ّأوالً‪ّ :‬‬
‫قوة ال ّنفس‪:‬‬
‫الموجودات ومنها اإلنسان ينفّذ هذه المشيئة بقوّ ة ال ّنفس‪ ،‬فأحيانا ً اإلنسان يريد‬
‫يصنع شيئا‪ ،‬أو يعمل شيئا‪ ،‬وهذا العمل لتحقيقه بحاجة إلى تركيز والمقصود من‬
‫ال ّتركيز أ ّنه يجب أن يجمع ك ّل قواه في مج ٍّل واحد وال يطلب ّإال هذ‪.‬‬
‫وبال ّتاكيد إذا اجتمعت القوى على مج ٍّل واحد‪ ،‬ومطلب واحد‪ ،‬وخرج اإلنسان عن‬
‫شيء الّذي يطلبه يتحقّق إذا لم تكنْ هناك قوّ ة أكبر منه‪،‬‬
‫كثرته ال ّنفسانيّة‪ ،‬فبال ّتأكيد هذا ال ّ‬
‫إذ ممكن بسبب ال ّتزاحم مع القوة األكبر ال يستطيع نحقيق العمل‪ ،‬وفي المقابل ال ّنفس‬
‫األقوى هي الّتي تنفّذ مفعولها‪.‬‬

‫سبب سرعة تلبية طلب األطفال‪:‬‬


‫األطفال لماذا األب‪ ،‬واأل ّم‪ ،‬والخال‪ ،‬والخالة‪ ،‬والعم‪ ،‬والعمّة كلّهم يركضون لتلبية‬
‫طلباتهم لماذا؟ أل ّنه جمع ك ّل قواه في شي ٍء واحد وأنه‪ :‬أريد هذا فيبكي‪..‬ويبكي‪..‬ويبكي‪.‬‬
‫ليوم‪ ،‬ليومين‪ ،‬لثالثة أيّام فبسبب تجميع القوى على طلب واحد والطفل في تلك الحالة‬
‫ليس مش ّتتا ً بل يطلب شيئا واحدا لذا يجاب طلب الطفل‪.‬‬
‫ْ‬
‫وأعطت فعلها‬ ‫ْ‬
‫تضاعفت قواها‪..‬‬ ‫ْ‬
‫ألقت هواها‬ ‫قاعدة عامّة في العالم‪ :‬هي ال ّنفسُ إنْ‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫ُك ّل ذ ّر ٍة ‪.‬‬
‫هذه قاعدة في العالم قاعدة تجميع القوى على شيء واحد‪ ،‬فإذا كانت القوى على‬
‫مص ٍ‬
‫ب واحد ال محال تؤثر‪.‬‬
‫قواها‪...‬وأعطت فعلها ُك ّل ذ ّر ٍة‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫تضاعفت‬ ‫ْ‬
‫ألقت هواها‬ ‫هي ال ّنفسُ إنْ‬
‫ً‬
‫حقيقة هذه‬ ‫هذا الشعر البن الفارض (ق ّدس س ّره) في التائية الكبرى‪ ،‬يعني‬
‫المعجزات‪ ،‬أو حقيقة هذه الخوارق‪ ،‬أو حقيقة هذه األشياء الّتي تصدر من اإلنسان‪ ،‬أو‬
‫ْ‬
‫ألقت هواها"هواها)) يعني‪ :‬ان‬ ‫من غير اإلنسان هو انه تمركز قوة النفس فقوله ((إنْ‬
‫ّ‬
‫أوالطيار‬ ‫شاطر‪،‬‬ ‫التفس تخرج عن ال ّتش ّتت تتمركز‪ ،‬وتر ّكزعلى شيء‪ ،‬ف ّ‬
‫الطبيب ال ّ‬
‫شاطر هو الّذي ير ّكز وال يأتي في ذهنه ك ّل شيء‪ ،‬أو ال يكون‬
‫شاطر‪ ،‬أو األستاذ ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫في ذهنه قوى متش ّتتة بحيث ال يستطيع أن يجمع نفسه على مطلب واحد‪ .‬ال‪ .‬فيجب أن‬
‫ير ّكز‪ ،‬وال ّرامي كذلك ير ّكز بيصيب وإال من دون تركيز مستحيل ان يصيب‪ ،‬فإذن‬
‫ْ‬
‫تضاعفت قواها" يعني القوى المختلفة تجمعها في شيء‬ ‫ْ‬
‫ألقت هواها‬ ‫"هي ال ّنفس إنْ‬
‫مثل س ّد الماء إذ يجتمع الماء خلف ال ّس ّد يضغط‪..‬يضغط‪..‬يضغط ولحظة مثال ترى‬
‫السد ينكسر و يأتي الماء ويخرب ك ّل شيء‪.‬‬

‫تجميع قوى النفس في مطلب واحد واتجاه واحد لتحقيق المطلوب من القواعد‬
‫العامة‪:‬‬
‫هذه المسألة هذه القاعدة موجودة في ك ّل شيء وهذا راجع إلى قوّ ة ال ّنفس وليس‬
‫لها صلة باّلِل‪ ،‬وبالقرب اإللهيّ ‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬فهذه قصّة أخرى‪ ،‬وطرق أخرى لتحقيق‬
‫األمنيات‪ ،‬والرّغبات‪ ،‬فمفاد القاعدة‪ :‬ال ب ّد من ال ّتركيز على الهدف ومن دون ال ّتركيز‬
‫على الهدف ال يت ّم المطلب‪.‬‬

‫الغزنوي وسبب توقف خيوله عن الحركة عند هجومه على‬


‫ّ‬ ‫سلطان محمود‬ ‫صة ال ّ‬
‫ق ّ‬
‫بالد الهند‪:‬‬
‫يقال إنّ السّلطان محمود الغزنويّ شنّ هجوما على بالد الهند باسم الجهاد‬
‫اإلسالميّ ولكن بالحقيقة كان باسم شيء آخر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫هجم وتق ّدم‪..‬تق ّدم إلى أن وصل إلى نقطة في هذه ال ّنقطة رأى أن ك ّل خيوله‬
‫متوقفين ال يتحركون وك ّل ما يضربونهم‪ ،‬ك ّل ما يهددونهم‪ ،‬و يطعمونهم اليحدث شيئا‬
‫والخيول ثابتة التتقدم‪ .‬يعني الجيش متوقف‪ ،‬فالجيش بال أفراس ال يستطيع أن يمشي‪،‬‬
‫إلى أين يمشي؟ وقع في حيرة ماذا أصنع؟ فسأل بعض الخبراء؛ ألنّ الملوك سابقا ً‬
‫كانوا يصحبون معهم أهل الخبرة‪ ،‬وأهل الرّياضة يعني أشخاص فاهمين يكونون مع‬
‫الجيش بحيث إذا صار شيئا ً ال يعرفوه قادة الجيش هؤالء المرتاضين يساعدونهم‪،‬‬
‫فسألهم‪ :‬ما القصّة "حبيبي" هؤالء ال يتحركون؟ على الرغم من أن األطبّاء جاؤوا‬
‫ورأوا الخيول‪ ،‬والخيول ال توجد عندها مشاكل طبّية‪ ،‬وهنا بدأ أحد األشخاص من أهل‬
‫الخلَوة ثم رجع‬
‫الرّياضة‪ ،‬ودخل في الرّياضة‪ ،‬دخل يعني بال ّتعبير الخارجيّ دخل في َ‬
‫وقال‪ :‬ياسلطان ترى هذه ال ّتالل وهذه الجبال؟ قال نعم أرى‪ .‬قال‪ :‬هناك ع ّدة من‬
‫المرتاضين جالسين ومتمركزين كلّهم ح ّتى جيشك ال يتق ّدم وهم ما عندهم سالح وال‬
‫أيّ شيء فقط هم متمركزين قد أجمعوا قواهم وجعلوها في عدم حركة الخيول‪.‬‬
‫قال‪ :‬عجيب ماذا نصنع؟ قال‪ :‬يمكن أن تفعل شيئا‪ .‬قال ماذا أفعل؟ قال ْ‬
‫خذ‬
‫جماعات من جيشك عندهم طبول‪ ،‬ونقارات واالالت التي تصدر أصواتا؟ واذهبوا‬
‫قريبا منهم بمسافة كيلو مترا وابدأوا بالضرب على الطبول وبقية اآلآلت‪ .‬قال‪ :‬ما‬
‫الفائدة؟ قال حتى يخرق الصوت تمركزهم وينتهي التركيز‪ ،‬ففعلوا ماقاله المرتاض‬
‫وبدأوا وصنعوا ماأمرهم له‪ ،‬فرأوا أن الخيول تحركت‪ ،‬فهذه قاعدة عامة‪.‬‬

‫قوة ال ّنفس على الحركات‬


‫حوار أبي سعيد أبي الخير مع ابن سينا حول تأثير ّ‬
‫المتحركة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫القسر ّية للموا ّد‬
‫ابن سينا من الفالسفة اشتاق إلى زيارة أبي سعيد أبي الخير وجاء إلى قرية مهنة‬
‫هذه المهنة ليس معلوما ً هنا‪ ،‬أو في تركمانستان‪ .‬إذ قريب إيران أيضا ً توجد قرية باسم‬
‫مهنة ‪ ،‬وهنا في ايران أيضا ً‪ ،‬ويقال إنه توجد قرية باسم مهنة في أمكنة أخرى‪.‬‬
‫كان ابو سعيد جالسا ً في قرية مهنة في أوّ ل سنة جاء إليها وكان ابن سينا وقتئ ٍذ‬
‫وزيراً لل ّدولة السّامانيّة ودخل وجلس عنده ودخال في خلوة لثالثة أيّام ال يدخل على‬

‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫أبي سعيد وابن سينا أيّ أحد ّإال عند ّ‬


‫الطعام وعند الصّالة يصلّون ويرجعون إلى‪ ،‬وبعد‬
‫المجلس وهذه القصّة معروفة سألوا ابن سينا‪ :‬كيف ترى أبا سعيد أبا الخير قال ك ّل ما‬
‫ذهبنا بنور البرهان وجدنا هذا ال ّ‬
‫شيخ موجود هناك بنور المشاهدة‪ ،‬والعرفان‪.‬‬
‫وسألوا أبا سعيد أبا الخير ما رأيك بأبن سينا؟ قال أيّ مكان‪ ،‬أيّ مرتبة ذهبنا بنور‬
‫المشاهدة‪ ،‬والمكاشفة رأينا هذا األعمى يأتي بعصى البرهان‪ .‬وفي يوم دخال الحمام‬
‫ليستحموا أخذ أبو سعيد أبو الخير نحن نقول "طاس" و رماه إلى فوق‪ ،‬فتوقف فوق‬
‫وما نزل بعد قال يا رئيس الفالسفة يا ابن سينا أنتم تقولون في الفلسفة القس ُر ال يكون‬
‫أكثر ّيا ً‪ ،‬وال دائم ّياً؟ القسر يعني الجبر يعني أنت تريد تصنع شيئا ً خالف ّ‬
‫الطبيعة هذا‬
‫األمر المخالف ّ‬
‫للطبيعة ليس دائم ّيا ً ّ‬
‫وإال لو كان دائم ّيا ً معناه أ ّنه مقتضى طبيعته القس ُر‬
‫ال يكون دائم ّيا ً وال أكثر ّيا ً لماذا توقف هنا؟ عندما أنت ترميه إلى فوق هذا ّ‬
‫الطاس‬
‫يجب أن يقع على األرض وفقا ً لقانون الجاذبية؛ ألن رميك قسر؛ أل ّنه عندما ترميه‬
‫مايمشي إلى ما ال نهاية لمتر‪ ،‬لمترين‪ ،‬ألربع أمتار بعد ذلك يجب أن ينزل‪ ،‬فلماذا ال‬
‫ينزل؟ ابن سينا قال‪ :‬ص ّح‪ .‬هذا الكالم مضبوط‪ ،‬وهذه القاعدة في مكانها ولكن إذا لم‬
‫يكنْ هناك إرادة أما لو كانت خلفه إرادة تمنع عن وقوعه‪.‬‬
‫ونفسك وإرادتك تمنع عن وقوعه على األرض المقصود أ ّنه توجّه أوقفه‪.‬‬

‫سالم‬‫قوة ال ّنفس في أحد المتشرعين بألوه ّية أمير المؤمنين عليه ال ّ‬


‫صة تمركز ّ‬
‫ق ّ‬
‫يقال أحد المتشرعين المؤمنين هذه قصّة واقعيّة ذهب إلى مناطق كرديّة يعتقدون‬
‫بألوهيّة أمير المؤمنين (عليه السّالم)‪ ،‬فبدأ يتكلّم مع أحد مشايخهم ويصحح له عقيدتهم‬
‫وأن عليا لم يكنْ ر ّبا‪ ،‬وعليا كان مربوبا ً وعليا كان كذا وأنتم لماذا تصنعون هكذا؟‬
‫غلو ‪ ،‬وهذا كذا وكذا وبدأ يتكلّم‬
‫لماذا تتف ّكرون هكذا؟ بال ّنسبة ألمير المؤمنين‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫معه ويصحح له افكاره وكان هذا اللقاء في القرية التي تقع في أعلى الجبل‪ ،‬فبعض‬
‫القرى تكون موجودة على الجبل‪ ،‬وهذا ال ّ‬
‫شخص العلوي بعد أن استمع لهذا الشخص‬
‫ومحاوالته في تصحيح العقيدة قال له‪ :‬حبيبي أنا هذه المطالب ما أفهما لكن هذا‬
‫ولدي_ وكان عمره ما يقارب الخمس سنوات‪ ،‬أوال ّ‬
‫ست سنوات_ أنا أقول‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫(يا علي ) وأرميه من هذه الصّخرة إلى الوادي‪ ،‬فعلي يوقفه وآخذ بيدي سالما‪،‬‬
‫فأخذ ولده‪ ،‬وقال يا علي احفظه‪ ،‬ورماه‪ ،‬فوقف بين السّماء‪ ،‬واألرض بعد ذلك نزل‬
‫من الجبل وأخذه إلى جانبه‪ ،‬فأنا أعتقد أنّ عل ّيا ً هو هللا‪ ،‬وأنت ال تعتقد ذلك‪ ،‬فال توجد‬
‫مشكلة لكن منْ إلهك؟ جرب أن تفعل مثلي ارمي ولدك وق ْل إللهك أن يوقفه‪.‬؟ فامتنع‬
‫الرجل وقال هذا ليس شغلي‪ ،‬وهذا ليس دليالً على ألوهيّة أحد‪ ،‬هذا تركيز للقوى ‪.‬‬

‫قوة ال ّنفس تكون مباشر ًة من قبل اإلنسان أو غير مباشرة بواسطة اتصاله بنفوس‬ ‫ّ‬
‫قو ّية‪:‬‬
‫أحيانا ً ال ّتركيز من قبل اإلنسان يكون بصورة مباشر ًة إذ هو يكون صاحب قوّ ة‬
‫نفس‪ ،‬وأحيانا ً ليس له هذا المستوى من القوّ ة لكن هو متصل بأح ٍد آخر بشيخه‪،‬‬
‫ومرشده‪ .‬أما أستاذه ليس بالسّلوك‪ ،‬فهذه قضايا أخرى‪.‬‬

‫شرط عمل قوة النفس غير المباشرة لالنسان أو السالك هو قبول االستاذ وتوجهه‬
‫للتلميذ‪:‬‬
‫شخص من دون توجّه األستاذ‪ ،‬والمرشد ال يستطيع أن يصنع هذا‬ ‫فهذا ال ّ‬
‫فاألستاذ‪ ،‬أو الشيخ البد يقبل هذا االمر حتى يتمكن التلميذ‪.‬‬
‫ً‬
‫حقيقة تصنع‬ ‫هذا كلّه في عالم ال ّنفس‪ ،‬وقصّة ال ّنفس وقوّ ة ال ّنفس شيء غريب يعني‬
‫المعاجز ‪.‬‬

‫خودكي في رؤية هالل شهر رمضان‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫صة الش ّيخ ال ّن‬
‫ق ّ‬
‫هللا يرحم أستاذنا ال ّسيَّد كمال الموسويّ (ق ّدس س ّره) كان يقول هذا الشيّخ‬
‫ال ّنخودكيّ المدفون في الحرم كان من أصحاب ال ّنفوس القويّة‪ ،‬فيوم من األيّام كان‬
‫بال ّنجف وال ّناس اجتمعوا يشاهدون هالل شهر رمضان وكانت السماء مليئة بالغيوم‬
‫والسحاب‪،‬ولرؤية الهالل يجب أن تزول هذه الغيوم‪ .‬ال ّناس اجتمعوا وقالوا مستحيل‬
‫شيخ النخودكي ذهب إلى‬ ‫التمكن من رؤية الهالل في هذا ّ‬
‫الظرف‪ ،‬وفي هذا المناخ‪ ،‬ال ّ‬
‫السّطح وتو ّجه إلى الغيوم وقال‪ :‬امشي بهذا الجانب أنا أريد أرى القمر‪ ،‬فذهبت الغيوم‬
‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫فرأى ههالل الشهر وقال‪ :‬نعم‪ .‬إ ّنه موجود‪ ،‬فصام وهذا الحدث مشهور‪ .‬والشيخ‬
‫النخودكي( هللا يرحمه) ينقل عنه أ ّنه كان بقدرت ِه أن يزيل الجبال عن اماكنها مثالً جبل‬
‫المرس فإنه بسبب قوّ ة نفسه كان يستطيع يأخذ هذا الجبل وينقله مثالً لمائة كيلو متر‬
‫أي ينقله إلى مكان آخر‪ ،‬فهذه القوّ ة كانت عنده ولكن ما قال ما السّبب؟ وال أقول لكم‪.‬‬

‫تقو ّية ال ّنفس ّ‬


‫بالرياضات‪:‬‬
‫أحيانا ً اإلنسان نفسه قويّة وبالرّياضات تتقوّ ى‪ ،‬رياضات ماذا؟ هو يقترن وي ّتحد‬
‫نفس ّيا ً بالموجودات األكثر قوّ ة مثل كرة ال ّ‬
‫شمس‪ ،‬كرة القمر‪ ،‬كرة ال ّزحل‪ ،‬كرة عطارد‬
‫إلى غير ذلك‪ ،‬هؤالء عندهم قوى‪ ،‬فكرة القمر حبيبي أنتم ببيروت بجانب البحر‬
‫المتوسط في األيّام البيض ماذا تصنع؟ (المد والجزر)فالمد يعني يأخذ ك ّل المحيط‬
‫ويرتفع لمترين‪ ،‬أو لثالثة‪ ،‬وأحيانا ً لعشرة أمتار يأخذ ك ّل ماء البحر إلى فوق بسبب‬
‫القمر ويسبب ظاهرة (الجزر والم ّد) فهذه حقيقة‪ ،‬فهل يتح ّقق الجزر والم ّد في العاشر‬
‫شهر القمريّ ؟ ال‪ .‬فقط في الوقت الّذي يكون القمر طالعا ً وقو ّياً‪ ،‬هل بال ّنهار‬
‫من ال ّ‬
‫يوجد؟ ال‪ .‬فقط باللّيل عندما يطلع القمر‪ .‬هل في ك ّل العالم؟ ال‪ .‬في األمكنة الّتي يظهر‬
‫فيها القمرطالعا وقويا‪ ،‬فماذا عند القمر؟ وهل من السهل أنه يستطيع رفع مليارات‬
‫الكيلوغرامات ؟ إذن القمر عنده قوة بها يستطيع أن يرفع ماء البحار‪ ،‬ماء المحيط‪،‬‬
‫ويرفعه لعشرة أمتار بقوته‪.‬‬

‫سنخ ّية نفوس أهل ال ّتسخير مع نفس القمر‪:‬‬


‫ً‬
‫شبيهة بالقمر بسبب‬ ‫أهل ال ّتسخير يقومون ببعض األعمال وتصبح نفسهم‬
‫المسانخة مع نفس القمر_؛ ألنّ ك ّل شيء له نفسٌ ‪ ،‬له رو ٌح_ وبسبب السّنخيّة بينهم‬
‫وبين القمر يحصلون على قوّ ة القمر ولكن ليس بالكامل واحد بالمليار يكفيهم يصنعون‬
‫آالف من االشياء ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫الهندي الّذي أوقف القطار عن الحركة‪:‬‬


‫ّ‬ ‫صة المرتاض‬‫ق ّ‬
‫شيء يعني عليه تواتر_ كان واحد من المرتاضين الهنود وهو‬ ‫بالهند _وهذا ال ّ‬
‫ليس مسلما ً بداخل القطار وما عنده روبية أي ماعنده ثمن ركوب القطار‪ ،‬فأخرجوه‬
‫من القطار وقالوا له‪ :‬امشي هات أموال‪ ،‬فهذا المكان ليس للفقراء والمستجيرين‪،‬‬
‫فأنزلوه من القطار‪ .‬قال‪ :‬أنا أوقف القطار‪ .‬ضحكوا عليه‪ .‬وقالوا له امشي‪ ..‬انزل‪.‬‬
‫توقف المرتاض وبدأ بال ّتركيز على القطار‪ ،‬فك ّل ما حاولوا أن يح ّركون القطار ما‬
‫استطاعوا‪ ،‬فأوقف القطار‪ ،‬وهؤالء اإلوربيين رأوا هذه القصّة ووثقوها يعني هذه‬
‫القصة واقعيّة‪.‬‬

‫سيارة‬‫س ِّيد أبو الحسن الحافظيان في إيقاف ال ّ‬ ‫خودكي باسم ال ّ‬


‫ّ‬ ‫صة تلميذ الش ّيخ ال ّن‬
‫ق ّ‬
‫عن الحركة‪:‬‬
‫هللا يرحم السيِّد كمال الموسويّ قال عن تلميذ لل ّنخودكيّ باسم ال ّسيِّد أبو الحسن‬
‫الحافظيان وهو أيضا ً كان ليس مثله ولكن عنده قوّ ة باإلضافة إلى علم األعداد‪ ،‬علم‬
‫األعداد‪ ،‬والحروف أيضا ً هو علم تسخير يعني ناشئ من قوّ ة روحانيّة هذه األعداد‬
‫والحروف‪ ،‬فأنت إذا تس ّخرها تكون روحانيّة الحروف بيدك ‪.‬‬
‫قال السيد كمال(قدس سره)‪ :‬ال ّسيِّد حافظيان كان في مكان في أطراف طهران مع‬
‫شاه وجاءت جماعة من ال ّ‬
‫شباب وبدأوا يضحكون عليه؛‬ ‫جملة من أصدقائه في زمن ال ّ‬
‫أل ّنه كان عالما ً دينيا ً‪ ،‬بزيه الديني وعمامته بدأوا يلومونه‪ ،‬ويضحكون عليه‪ ،‬فبعد ما‬
‫صنعوا به ما صنعوا ذهبوا يركبون السّيارة_ عندهم سيارة_ ح ّتى يذهبون إلى بيوتهم‬
‫فالسيد حافظيان ما تكلّم بشيء وصبر ح ّتى يركبون السّيارة وبسرعة صنع جذبة على‬
‫األرض باليد وعلى ال ّتراب‪ ،‬فكتب أحرف‪ ،‬وأعداد‪ ،‬فتعطلت السّيارة ونزلوا وما‬
‫استطاعوا يصلحونها‪ ،‬فعرفوا أ ّنه هو السّبب‪.‬‬
‫هذا كلّه قوى نفسانيّة ليس له دخل بال ّدين‪.‬‬
‫ّ‬
‫الطب باسم الطب الهندوسيست‪،‬‬ ‫ومن هنا تشاهدون اآلن يوجد فرع من‬
‫بالهندوسيست يضبطون األمراض مثالً يخرجون األحجار من البدن‪ ،‬أو يعملون‬

‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫عمليات جراحيّة هذا موجود في أمريكيا الجنوبيّة وصوّ روه يعني غرفة عمليات‬
‫الجراحة وكذا من دون يد يعني باإلشارة‪ .‬يعني أقوى من اللّيزر باإلرادة يتحقّق ‪.‬‬

‫شجرة صافيا ً‪:‬‬ ‫شاب الّذي جعل قشر ال ّ‬


‫صة الولد ال ّ‬
‫ق ّ‬
‫قبل شهر رمضان أنا وأحد األصدقاء ك ّنا بالحرم خرجنا من الحرم أحد الشباب‬
‫جاء إلينا وقال لصديقي ولي يا فالن‪ :‬أنا عندي قدرات وكذا وكذا ولكن ال ّناس ال‬
‫مزق البوركوالت‪ .‬يعني أنقل‬ ‫يعتنون بها فأنا أستطيع أُر ّكب البوركوالت‪ ،‬وأ ُ ّ‬
‫بوركوالت من هذا المكان إلى مكان آخر‪ .‬البوركول يعني‪ :‬االلكترون‪ ،‬والبروتون‪،‬‬
‫والنيوترون‪ ،‬وكذا الموا ّد التي تكوّ ن الخلية‪ .‬قال إذا تريدون تشاهدون اآلن شاهدوا‪،‬‬
‫فنظر يمينا وشماال‪ ،‬فرأى شجرة أمامنا وهذه ال ّ‬
‫شجرة لها قشر بداخل يعني بداخل‬
‫شجرة ذهب هذا القشر بمقدار الكفّ ‪ ،‬أو أكثر إذ كان بال قشر وكان بسبب عدم وجود‬‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫مقطع‪ ،‬ومج ّزء‪ .‬قال‪ :‬الحظوا اآلن هذا أجعله صافيا ً‪ ،‬فركز عليه لدقيقة ونحن‬ ‫القشر‬
‫ننظر وبعد مرور الدقيقة تقريبا ً رأيت بعيني سبعين بالمائة من هذه االعوجاجات قد‬
‫صارت صافية‪ .‬قال إذا تصبرون لدقيقتين أُضبطه نهائ ّيا ً ‪.‬‬

‫قوة ال ّنفس‪:‬‬
‫صادرة من ّ‬‫يجب عدم االهتمام باألعمال ال ّ‬
‫ونحن كان عندنا نقطتين سوداويتين بال ّرأس بسبب العلقة(العلق الذي يستخدم‬
‫للعالج) قال‪ :‬يا شيخ إذا تريد اآلن أزيل هذا األثر‪ .‬قال أنا أستطيع وكذا وكذا‪ .‬وفي‬
‫األخير قلت له‪ :‬حبيبي هذا األمور ما تفيدني‪ ،‬فأنا لست طالبا ً لهذه األمور‪ ،‬وأنت لو‬
‫أحييت ميّتا ً أمامي أنا ما يهمّني؛ ألنّ المه ّم كيفيّة صدور هذا العمل منك‪ ،‬اترك هذه‬
‫األمور واشتغل بأمور أخرى‪ ،‬فتعجب المسكين‪ ،‬و كان بدأ يتكلّم ويريد يكمل حديثه‪،‬‬
‫فقلنا عفواً عندنا شغل‪ ،‬وما عندنا وقت نستمع هذا المزخرفات‪ ،‬وهذه ال ّتفاهات‪ ،‬نعم‬
‫تستطيع ان تصنع أيّ شيء‪ ،‬فاصنع ك ّل ما تريد تصنع‪ ،‬فأنا ال أكذبك‪ ،‬أنا رأيتك وكنت‬
‫بجانبك ولكن كل هذا ليس له قيمة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫قوة ال ّنفس عند الموجودات‪:‬‬‫اختالف ّ‬


‫بعض ال ّنفوس نفسها قويّة‪ ،‬بعض األطفال من ّ‬
‫الطفولة عندهم قوّ ة تشاهدونهم‪ ،‬فهم‬
‫بالمشاكل ال يبكون‪ ،‬أحيانا ً ّ‬
‫الطفل ال يبكي وك ّل ما أحد يضربه ال يبكي‪ ،‬أو مثالً وجع‬
‫عنده وهو ال يبكي‪ ،‬فيقولون طفل ال يبكي‪ ،‬فبعض ال ّنفوس قويّة‪ ،‬والبعض اآلخر‬
‫ضعيفة ولكن بالرّياضة تستطيع أن تقوّ ي نفسها‪ ،‬تقوّ ي هذه األمور‪.‬‬

‫تقو ّية ال ّنفس ّ‬


‫بالرياضات‬
‫أنا قبل كم سنة ممكن قبل سنتين‪ ،‬أو أكثر رأيت فلم بال ّتلفاز اإليرانيّ ‪ .‬الفلم كان‬
‫فلما ً يابان ّيا ً‪ ،‬أو صين ّيا ً حول كيف االنسان يستطيع أن يطير؟ واحد شاب جاء ذهب إلى‬
‫أستاذ في هذا المجال‪ ،‬هذا األستاذ قال‪ :‬أوّ ل شيء نضع اوزان في اقدامك فجعل بهذه‬
‫بالرجل اليمنى مائة غرام من الحديد وكذلك وضع نفس الوزن بالرجل اليسرى وقال‬
‫له‪ :‬اركض وبعد فترة‪ ،‬بعد أسبوعين صار المشي عنده سهال بعد أن كان في البداية‬
‫صعبا رغم أ ّنه كان يحمل مائة غرام هنا‪ ،‬ومائة غرام هنا وبال ّتدريج بدأ يضاف‬
‫االوزان ح ّتى وصل إلى خمسة كيلو بهذا الجانب‪ ،‬وخمسة كيلو بهذا الجانب‪.‬‬
‫وبعد ذلك عندما رفع االثقال عنه اصبح يستطيع أن يرتفع بال ّتدريج‪ ،‬فماذا صار؟‬
‫هل حصل على جناح؟ ال‪ .‬هل وزنه خف؟ ال‪ .‬هل تقوّ ت رجاله؟ ال‪ .‬بل هذه الرّوح‬
‫ً‬
‫ملكة‪ ،‬فاستطاع أن يطير‪.‬‬ ‫شيء‪ ،‬وهو أيضا ً تعوّ د‪ ،‬فصار األمر عنده‬
‫تعوّ دت بهذا ال ّ‬
‫إذن أوّ ل شيء من موارد تحقيق األمنيات‪ ،‬وتحقيق الرّغبات قوّ ة ال ّنفس وهذا ليس‬
‫له دخل بال ّدين‪ ،‬والعرفان وكذا هذا شيء طبيعي يعني عادي‪ ،‬وأشياء أخرى هذا راجع‬
‫الى عالم ال ّنفس‪.‬‬
‫طريق آخر راجع إلى عالم الرّوح وهو فناء ال ّنفس‪ ،‬فقر ال ّنفس أن يرى‬
‫ٌ‬ ‫بل لنا‬
‫ً‬
‫حقيقة‪ ،‬فهذا أقوى من قوّ ة ال ّنفس‪.‬‬ ‫نفسه ال شيء‬

‫َو ْال َح ْم ُد ِّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬


‫ِين‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة السابعة عشرة‬

‫المحتويات‬
‫احملاضرة السابعة عشرة من حماضرات ال ّدعاء ‪1 ........................ ................................‬‬
‫البحث‪1 ....................... ................................ ................................ :‬‬
‫أقسام حتقيق ال ّدعاء وحتقيق الطّلبات واألمنيات ‪1 ..................... ................................‬‬
‫أوال‪ :‬قوة النفس ‪1 ................. ................................ ................................‬‬
‫اذل‪1 .......................... ................................ :‬‬ ‫الش ّ‬
‫حممد الوفا ّ‬
‫السيِّد ّ‬ ‫أبيات للعارف ّ‬
‫توطئة‪3 ......................... ................................ ................................ :‬‬
‫الفرق بني الدعاء واملناجاة‪3 ....................................... ................................ :‬‬
‫اختالف األعيان الثابتة يف تل ّقيها للمشيئة اإلهليّة‪4 ................... ................................ :‬‬
‫أ ّوالا‪ّ :‬قوة النّفس‪4 ................ ................................ ................................ :‬‬
‫سبب سرعة تلبية طلب األطفال‪4 ................................. ................................ :‬‬
‫جتميع قوى النفس يف مطلب واحد واجتاه واحد لتحقيق املطلوب من القواعد العامة‪5 .................... :‬‬
‫نوي وسبب توقف خيوله عن احلركة عند هجومه على بالد اهلند‪5 ............... :‬‬ ‫السلطان حممود الغز ّ‬ ‫قصة ّ‬‫ّ‬
‫املتحركة‪6 ........ :‬‬
‫حوار أيب سعيد أيب اخلري مع ابن سينا حول تأثري ّقوة النّفس على احلركات القسريّة للمو ّاد ّ‬
‫السالم ‪7 ...............................‬‬
‫قصة متركز ّقوة النّفس يف أحد املتشرعني بألوهيّة أمري املؤمنني عليه ّ‬ ‫ّ‬
‫ّقوة النّفس تكون مباشرةا من قبل اإلنسان أو غري مباشرة بواسطة اتصاله بنفوس قويّة‪8 .................... :‬‬
‫شرط عمل قوة النفس غري املباشرة لالنسان أو السالك هو قبول االستاذ وتوجهه للتلميذ‪8 ................ :‬‬
‫خودكي يف رؤية هالل شهر رمضان‪8 ................. ................................ :‬‬ ‫ّ‬ ‫قصة الشيّخ النّ‬
‫ّ‬
‫بالرياضات‪9 ......................................... ................................ :‬‬ ‫تقويّة النّفس ّ‬
‫سنخيّة نفوس أهل التّسخري مع نفس القمر‪9 ....................... ................................ :‬‬
‫اهلندي الّذي أوقف القطار عن احلركة‪10 ............... ................................ :‬‬ ‫ّ‬ ‫قصة املرتاض‬
‫ّ‬
‫السيارة عن احلركة‪10 ........... :‬‬
‫السيِّد أبو احلسن احلافظيان يف إيقاف ّ‬ ‫خودكي باسم ّ‬
‫ّ‬ ‫قصة تلميذ الشيّخ النّ‬‫ّ‬
‫الشجرة صافي ا‪11 ................ ................................ :‬‬ ‫الشاب الّذي جعل قشر ّ‬ ‫قصة الولد ّ‬ ‫ّ‬
‫الصادرة من ّقوة النّفس‪11 ............................................. :‬‬ ‫جيب عدم االهتمام باألعمال ّ‬
‫اختالف ّقوة النّفس عند املوجودات‪12 ............................ ................................ :‬‬
‫بالرياضات ‪12 ........................................ ................................‬‬ ‫تقويّة النّفس ّ‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫بسْ ِم اللَّـ ِه الرَّ حْ َم ٰـ ِن الرَّ ح ِ‬


‫ِيم‬
‫ِين والصّالة‬ ‫ّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫َو ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِرين‪.‬‬ ‫ّبين َّ‬
‫الطاه َ‬ ‫والسّالم َعلَى م َُح َّم ٍد َو َعلَى آلِ ِه َّ‬
‫الطي َ‬

‫المحاضرة الثامنة عشرة من محاضرات الدّعاء‬


‫لسماحة ال ّشيخ قاسم ّ‬
‫الطهرانيّ (حفظه هللا )‬
‫رمضان لِ َعام ‪٢٠١٧‬‬
‫َ‬ ‫َش ِ‬
‫هر‬

‫البحث‪:‬‬
‫الفوارق بين األولياء وأهل ال ّتسخير وصدور العادات الخارقة منهم‪.‬‬

‫توطئة‪:‬‬
‫والطلبات الموجودة في اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫كان الكالم في أقسام تحقيق الرّغبات‪ ،‬واألمنيات‪،‬‬
‫وأحد تلك ّ‬
‫الطرق هو االعتماد على ال ّنفس‪ ،‬وقوّ ة ال ّنفس‪ ،‬فبقوّ ة ال ّنفس اإلنسان يحقّق ما‬
‫ال يستطيع األشخاص العاديّين أن يحقّقوها‪ ،‬وتكلّمنا عن حقيقة قوّ ة ال ّنفس وأ ّنها هي‬
‫محور واحد ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫جمع القوى وتركيزها في‬
‫ت فــــعلها ُكــــــ ّل ذ ّر ٍة‬
‫وأعطـــ ْ‬ ‫ْ‬
‫تضاعفت قواها‬ ‫ْ‬
‫ألقت هواها‬ ‫هي ال ّنفسُ إنْ‬
‫يعني بقوةّ ال ّنفس وبتوجّ ه ال ّنفس كثير من األمور تضبط هذا شيء واضح ونحن‬
‫نشاهده في حياتنا االعتياديّة‪ ،‬وأحيانا ً بعض الغرائب تصدر بسبب قوّ ة ال ّنفس‪ ،‬فمثالً‬
‫هؤالء المرتاضون الّذين يجلسون على طبق من المسامير لساعات‪ ،‬أو أليّام يجلسون‬
‫على المسامير هؤالء يستطيعون أن يصنعوا أشياء خارقة للعادة‪.‬‬
‫وبشكل عا ّم ال ّنفس عندما تقوّ ت ّ‬
‫تؤثر على الما ّدة وعلى آثار الما ّدة‪ ،‬فتنفّذ مشيئتها‬ ‫ٍ‬
‫قواها‪...‬وأعطت فعلها ُك ّل ذ ّرةٍ" ك ّل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫تضاعفت‬ ‫ْ‬
‫ألقت هواها‬ ‫في ك ّل شيء "هي ال ّنفسُ إنْ‬
‫شيء يكون تحت تصرّ ف ال ّنفس وهذا مطلب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫قوتهم ال ّنفس ّية الخارقة للعادات إلى هللا تبارك وتعالى‪:‬‬


‫اسناد أهل ال ّتسخير ّ‬
‫ولكن بعض األشخاص يأتون ويقولون ويسندون قوّ تهم ال ّنفسيّة الخارقة للعادات‬
‫وال ّنافذة في الما ّدة يسندونها إلى العمل بالقرآن‪ ،‬أو العمل باألدعية كأ ّنه يقولون هذا من‬
‫هللا يعني يشبّهون أعمالهم بأعمال األولياء‪ ،‬واألنبياء؛ أل ّنهم تصدر منهم بعض‬
‫المعاجز‪ ،‬فيقولون نحن تقريبا ً في هذا المجلّى‪ .‬فيكتبون بالحجابات‪ ،‬أو يتص ّرفون‬
‫ويقولون السّبب في ذلك إنّ مرتاضوا الهند ال يستندون بال ّدعاء ونحن نستند بال ّدعاء‬
‫نحن نستند بالقرآن نكتب لك من القرآن شيء‪ ،‬فيتح ّقق لك كذا وكذا إذن نحن تابعين‬
‫للقرآن‪ ،‬وأخذنا قوّ تنا من هللا تبارك وتعالى‪.‬‬

‫حقيقة أهل التسخير أن عندهم قوة في النفس وال عالقة لهم باالولياء واعمال‬
‫االولياء‪:‬‬
‫مسخرين الّذين هم أهل ال ّتسخير‪ :‬عندهم قوّ ة في ال ّنفس أمّا‬
‫أكثر األشخاص ال ّ‬
‫بشكل غير مباشر‪ ،‬فهؤالء يسندون أعمالهم إلى هللا تبارك وتعالى وإلى‬ ‫ٍ‬ ‫مباشرة‪ ،‬أو‬
‫أوليائه ويضعون أنفسهم في مجمعهم مع أنّ أعمالهم تختلف نهائ ّيا ً عن أعمال األولياء‬
‫واألنبياء‪.‬‬

‫الجوهري بين العادات الخارقة لألولياء وألهل ال ّتسخير أن ما‬


‫ّ‬ ‫الفارق األول ‪:‬الفرق‬
‫يصدر من االولياء يكون من عالم االمر ومايصدر عن أهل التسخير يكون من عالم‬
‫النفس‪:‬‬
‫األنبياء ما يصدر منهم يختلف نهائ ّيا ً عن ما يصدر من هؤالء "أهل ال ّتسخير"‬
‫رغم أنّ السّبب أنّ أعمال األولياء‪ ،‬واألنبياء الخارقة للعادات ناشئة من عالم األمر‬
‫والرّوح‪ ،‬عالم الرّوح‪ .‬وهؤالء أهل التسخير أعمالهم ناشئة من عالم ال ّنفس‪ ،‬فال ّنفس‬
‫ّ‬
‫بالحق تبارك وتعالى‪ ،‬فكما أنّ هللا تبارك وتعالى يحيي‪ ،‬ويميت‬ ‫بسبب تجرّدها لها تش ّب ٌه‬
‫ال ّنفس أيضا ً تحيي‪ ،‬وتميت كما أنّ هللا تبارك وتعالى محيط باألشياء ال ّنفس أيضا ولكن‬
‫جوهرهم يختلف جوهر هذا يختلف عن هذا‪ ،‬وال ّناس االعتياديّين ال يستطيعون أن‬
‫يصلوا إلى جوهر هذا العمل بل يشاهدون هذا العمل صدر منهم حسنا ً ال ّنبي أيضا ً‬
‫صدر منه‪ .‬ال ّنبيّ عيسى (عليه السّالم) شفى جماعة هذا الرّجل أيضا ً يشفي‪ ،‬فإذن هو‬
‫‪2‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫مثله‪ ،‬فالناس االعتياديين ال ينظرون إلى حيثيّة صدور هذه األعمال كيف تكون؟ كيف‬
‫تصدر هذه األعمال من ال ّنبيّ ؟ وكيف تصدر من هؤالء؟ حسنا ً ما يعرفون على ك ّل‬
‫تقدير‪.‬‬

‫سبب ربوب ّية ال ّنفس‪:‬‬


‫ال ّنفس لها ربوبيّة شبيهة بربوبية هللا تبارك وتعالى؛ ألنّ ال ّنفس سوا ٌء ال ّنفس‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬أو ال ّنفس مثالً األفالك وكذا؛ ألنّ لها التجّرد عن الما ّدة وعن الصّورة وك ّل‬
‫موجو ٍد مج ّرد يستطيع أن يتصرّف في موجودات ما ّديّة‪ ،‬وغير مجرّدة‪ ،‬فهذه هي آثار‬
‫ال ّتجرّد وال ّناس يشتبه عندهم االمر‪ ،‬فيتف ّكرون أن آثار ال ّتج ّرد هي آثار الرّوح اإللهيّة‬
‫مع أنّ الفاصل بين ال ّنفس‪ ،‬والرّوح كثير ج ّداً‪ ،‬وبينهما بونا بعيداً هذا بعد نتكلّم عن‬
‫كيفيّة هذا‪.‬‬

‫هراني (ق ّدس‬
‫ّ‬ ‫العالمة ال ّط‬
‫خودكي وانحرافه عن ال ّتوحيد عند ّ‬
‫ّ‬ ‫شيخ ال ّن‬
‫خوارق العادات لل ّ‬
‫سره)‪:‬‬
‫ّ‬
‫هللا يرحم سيِّدنا األستاذ ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) نقل هذه الحكاية أنا أتذكر عندما‬
‫تش ّرفنا بخدمته قبل أن نأتي إلى مشهد ونسكن هنا مع جماعة من األصدقاء جئنا إلى‬
‫مشهد وك ّل يومين ال ّسيِّد كان يقيم لنا مجلسا ويتكلّم عن السّير والسّلوك وعن المطالب‪،‬‬
‫شريف‪ ،‬فبعد _ ً‬
‫مثال_ ساعة كان القرار نمشي إلى‬ ‫وفي يوم من األيّام ك ّنا بالحرم ال ّ‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ ‪ ،‬ال ّ‬
‫شيخ‬ ‫زرت اإلمام (عليه السّالم) وجئت إلى قبر ال ّ‬
‫ُ‬ ‫بيت ال ّسيّد فأنا‬
‫ال ّنخودكيّ كان رجالً متديّنا ً ويختلف عن باقي ال ّناس كان يعتقد بالعرفان ويعتقد بالسّير‬
‫والسّلوك ّإال أ ّنه ذهب إلى ال ّ‬
‫شيخ محمّد البهاريّ (ق ّدس س ّره) لكي يقبله كتلميذ وال ّ‬
‫شيخ‬
‫محمّد البهاريّ (ق ّدس س ّره) ما َق ِب َل ُه على ك ّل تقدير _وتوجد مقابلة حول ال ّ‬
‫شيخ‬
‫ال ّنخودكيّ األصفهانيّ أُجريت معي قبل كم سنة‪ ،‬طلبوا م ّنا الكالم عنه وأنا تقريبا ً مدة‬
‫ساعة تكلّمت مع قومه هو أ ّنه كان مؤمنا ً وجيّداً وكذا‪ ..‬وكان يقبل العرفان‪ّ ،‬إال أ ّنه لم‬
‫يوفق لهذا المصير‪ ،‬من هنا مدرسة ال ّتفكيك‪ ،‬وأهل مدرسة ال ّتفكيك ورجال مدرسة‬
‫ال ّتفكيك كانوا يعادونه بش ّدة؟ أل ّنه كان يعتقد بالعرفان وهم ينكرون العرفان على ك ّل‬
‫‪3‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫تقدير_ فأنا ذهبت إلى قبره وتوسّلت به_ ح ّتى أنا ما كنت أعرف هذه القضايا يعني‬
‫بال ّتدريج ا ّتضحت لي يعني_ فتوسّلت إليه ح ّتى يفتح لنا ّ‬
‫الطريق وبعض األمر وكذا‪..‬‬
‫من دون أن يعرف أحدا‪ ،‬فذهبنا إلى بيت ال ّسيِّد‪ ،‬فبمجرّد أن جلسنا بدأ ال ّسيِّد بمقولة‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ ‪ :‬أ ّنه لم يكنْ من أهل ال ّتوحيد‪ ،‬ولم تنقل عنه حكاية توحيديّة‪ ،‬وال‬
‫ال ّ‬
‫مشاهدة توحيديّة ولم يكنْ له أصحاب من أهل ال ّتوحيد‪ ،‬وتالمذه وإ ّنما كان عنده قوّ ة في‬
‫ال ّنفس وله تسخير الكواكب‪ .‬تسخير الكواكب يعني نفوس الكواكب‪.‬‬

‫خودكي في شفاء مريض‪:‬‬


‫ّ‬ ‫شيخ ال ّن‬
‫صة ال ّ‬
‫ق ّ‬
‫ابتلي بمرض الحمى ال ّدائم‪ ،‬فك ّل ما أجريت‬
‫َ‬ ‫فقال أحد أقربائنا كان مريضا ً بطهران‬
‫له فحوصات‪ ،‬وذهب إلى أطبّاء وكذا ما ضبط األمر آخر شيء أحد اقربائه جاء إلى‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ وطلب منه أن يضبط هذا األمر قال هاتوا هذا المريض‬
‫مشهد إلى ال ّ‬
‫إلينا قال حبيبي شيخنا هذا مستحيل هو بطهران وال يمكنه أن يأتي؛ أل ّنه مريض ك ّل‬
‫يوم يعني ك ّل قواه اضمحلت‪ ،‬قال ال توجد مشكلة‪ ،‬أنت ماذا؟ قال أنا مثل قريبه أخوه‬
‫شخص رطبا ً قال ُك ْل ُه هو يضبط قال هذا الرّجل‬
‫أوما أدري عمّه أو كذا‪..‬أعطى لهذا ال ّ‬
‫في ماهذا؟ كيف يمكن؟ هو‬
‫ش َ‬‫هنا أكل ُه ذاك الرّجل في طهران في نفس السّاعة ضبط ُ‬
‫يأكل ذاك اآلخر يشفى؟ ياهللا ما القصّة ؟‬

‫الرعايا كريم‬
‫فائي مع وكيل ّ‬
‫ش ّ‬ ‫بقصة الحكيم ال ّ‬
‫ّ‬ ‫خودكي‬
‫ّ‬ ‫شيخ ال ّن‬
‫تشبيه خوارق العادات لل ّ‬
‫خان زند‪:‬‬
‫أنا تذكرت قصّة وكيل الرّعايا كريم خان زند مرّ ة قلت لألخوة كريم خان زند كان‬
‫من األلوار‪ ،‬األلوار فـ(لر)‪ ،‬أو جماعة (لر) تمثل منطقة هنا باسم لرستان‪ ،‬فـ(لر)‬
‫تعني معروفين يعني ال يفهمون شيئا ال يميّزون يمينهم عن يسارهم‪ ،‬هو يوم من األيّام‬
‫مرض قالوا ماذا نصنع وكذا؟ قالوا يوجد حكيم معروف وهو‪ :‬حكيم شفائيّ بأصفهان‬
‫َ‬
‫قد جاء إلى شيراز‪ .‬قال هاتوا هذا‪ ،‬فجلبوه إليه وعندما نظر إليه ورآه يعني فحصه قال‬
‫أنا أضبط أنا أضبطه ال توجد مشكلة‪ ،‬فطلب طنجرة وطلب ماء وطلب صابون وطلب‬
‫بعض األعشاب وطلب جهاز لألمالة واألمالة عند األلوار كثير يعني قبيح ج ّداً يعني‬
‫‪4‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫شخص عن طريق مثالً مخرجه فهذا شيء غريب‪،‬‬


‫أحد يدخل الماء في جوف هذا ال ّ‬
‫فكان كريم خان زند ينظر إلى هذه الوقعة وينظر لهذا الحكيم ماذا يريد أن يصنع؟‬
‫شيئا ً فشيئا ً أحسّ أ ّنه ّ‬
‫الظاهر أ ّنه يريد أن يعمل ال ّتنقية واألمالة بال ّنسبة إلى كريم خان‬
‫زند‪ ،‬فتعصب كريم خان كثيراً قال ياسيّد يا حكيم ما هذا؟ لمنْ تصنع؟ فخاف الحكيم‬
‫شفائي وقال‪ :‬ال‪ .‬هذه التنقية لي‪ ،‬فأنا أصنع لنفسي‪ .‬قال ماذا يعني؟ فأنا مريض ما‬
‫الطبابة‪ ،‬فضبطوه وأدخلوا هذه ّ‬
‫الطنجرة‬ ‫يخصّ هذا بهذا‪ ،‬فقال الحكيم‪ :‬هي أحد طرق ّ‬
‫من الماء في بطنه المسكين‪ ،‬وبسبب تضرّع هذا ال ّ‬
‫شخص وتوسّله بأيّ شخص بأيّ‬
‫إمام ضبط األمر وتعافى كريم خان زند‪ ،‬فاألمير الحاكم ضبط وفرح كثيراً وأعطاه‬
‫أمواال وكذا‪ ،‬فقال الحكيم شفائي‪ :‬حسنا ً أستأذن منك قال االمير كريم خان زند‪ :‬ال‪ .‬أنت‬
‫يجب أن تبقى هنا وأيّ وقت أنا أصبحت مريضا ً آتي بك‪ !.‬فهذه القصّة تشبه قصة‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ وهكذا ال ّسيِّد الطهراني (قدس سره) عن الشيخ النخودكي‪ :‬أ ّنه أكل هذا‬
‫ال ّ‬
‫في‪.‬‬
‫ش َ‬‫في ذاك المريض بطهران نهائ ّيا ً ُ‬
‫ش َ‬‫الرّجل هنا و ُ‬
‫و هذا تصرّف ال ّنفس يعني قوّ ة ال ّنفس حسناً‪ ،‬وكثيرة هي حكايات تنسب لل ّ‬
‫شيخ‬
‫ال ّنخودكيّ بحيث يعني يمكن أن تكون كتبا كثيرة إذ باإلمكان كتابتها باسم حكايات‬
‫متف ّرقة‪.‬‬

‫الفارق الثاني بين أفعال األولياء وأفعال أهل التسخيرات أن أفعال األولياء ثابتة باقية‬
‫حتى بعد مماتهم وأفعال أهل التسخيرات تنتهي بموتهم‪:‬‬

‫سيارة بعد نفادها‪:‬‬


‫خودكي حول توفير ما ّدة الوقود (البانزين) لل ّ‬
‫ّ‬ ‫شيخ ال ّن‬
‫صة أخرى لل ّ‬
‫ق ّ‬
‫شيخ في سفرة فركبنا الباص‪ ،‬والباص في‬ ‫كنت مع ال ّ‬
‫ُ‬ ‫مثالً أحد األشخاص قال‬
‫الطريق نفد منه الوقود (البانزين) فنظروا فيه‪ ،‬فال يوجد بانزين‪ ،‬فقال الشيخ‬ ‫منتصف ّ‬
‫النخودكي‪ :‬ال توجد مشكلة هاتوا ما ًء‪ ،‬وجاؤوا بالماء وقرأ شيء على الماء وأدخلوا‬
‫الماء في مخزن البانزين وقال أغلقه وال تفتحه أبداً _هذا القفل ال تفتحه_‪ ،‬فهذا السّائق‬
‫صنع هكذا ولم يفتح القفل وتحرّك وقال لكم أسبوع كنت أمشي من دون بانزين ومن‬
‫دون كذا‪..‬وكذا‪ ،‬وفي يوم من األيّام دخل في ذهني ماذا صنع هذا ال ّ‬
‫شيخ بهذا الخزان؟‬
‫‪5‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫فذهبت وفتحته‪ ،‬فتحته فما فيه قليل من البانزين وعندما فتحه خلص انتهى بعد ذلك‬
‫قالوا لل ّ‬
‫شيخ النخودكي أن السائق فتح قفل الخزان ولم يجد اال القليل من البانزين ‪ ،‬فقال‬
‫لبقي إلى فترة طويلة هو يستفيد من هذا‪ ،‬فهذه القضايا‬
‫َ‬ ‫شيخ النخودكي‪ :‬لو لم يفتحه‬ ‫ال ّ‬
‫موجودة هذه كلّها قال ال ّسيِّد الطهراني(قدس سره) من تسخيره للكواكب‪.‬‬

‫شيء له نفس‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫آني بأنّ لكل ِّ‬
‫الدّليل القر ّ‬
‫ألنّ الكواكب عندها نفس ونفس الكواكب قوّ ي حبيبي نفس كرة األرض نحن‬
‫جالسين على األرض عايشين على األرض الحظوا األرض ماذا؟ لها نفسٌ قال‬
‫ال َفأ َ َبي َْن أَن َيحْ م ِْل َن َها َوأَ ْش َف ْق َن‬ ‫ت َو ْاألَرْ ِ‬
‫ض َو ْال ِج َب ِ‬ ‫تعالى((إِ َّنا َع َرضْ َنا ْاألَ َما َن َة َعلَى ال َّس َم َاوا ِ‬
‫ُوال)) (االحزاب‪ )٧٢:‬يعني عندهم نفوس‬ ‫ان َظلُومًا َجه ً‬ ‫ِم ْن َها َو َح َملَ َها ْ ِ‬
‫اإلن َسانُ ۖ إِ َّن ُه َك َ‬
‫يفهمون‪ ،‬يقبلون‪ ،‬يتف ّكرون‪ ،‬يقبلون أو ال‪ ،‬يعني ك ّل هذه األمور (( َوأَ ْش َف ْق َن ِم ْن َها َو َح َملَ َها‬
‫ان َظلُومًا َجه ً‬
‫ُوال))على ك ّل تقدير‪ ،‬ومن هنا صار هذا الكالم أ ّنه ما نفد‬ ‫ِْ‬
‫اإلن َسانُ ۖ إِ َّن ُه َك َ‬
‫هذا البانزين ما نفد‪.‬‬

‫سبب بقاء اآلثار ال ّتكوين ّية للعادات الخارقة لألولياء ونفادها من أهل ال ّتسخير‪:‬‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) أحد األطبّاء قال لنا‪ :‬ألنّ بعض األطبّاء‬ ‫بعد وفاة ال ّسيِّد ّ‬
‫كانوا يأتون إليه وقال ال ّسيِّد أعطاني أمواال من زمان وقال هذه األموال عندك وأيّ‬
‫أحد من المرضى كان فقيراً أنت أحسب من هذه األموال وعالجه منها يعني ال تأخذ‬
‫منه شيئا وقال هذه األموال كانت عندي‪ ،‬فبقيت طويالً بقيت لكم سنة‪ ،‬وأيّ أحد يأتي‬
‫أنا أحسب‪ ،‬وآخذ منها وأدفع من جيبي بدل من أن آخذ منه ولم تنفد هذه األموال‪ ،‬فهذا‬
‫العمل أين من عمل الشيخ النخودكي‪ ،‬فبين العملين يتضح ال ّتفاوت بين األرض‬
‫والسّماء فهذا من عالم األمر‪ ،‬وعالم الرّوح‪ ،‬وذاك من عالم ال ّنفس‪ ،‬ومن هنا وح ّتى‬
‫هذه القصّة _قصة بقاء االموال لدى الطبيب_ بقيت ح ّتى بعد وفاة ال ّسيّد إذ قال‬
‫الطبيب ‪:‬بعد فترة من وفاته أنا كنت أصرف من هذه االموال على المرضى هكذا‪.‬‬
‫لكن أهل ال ّتسخيرات بمجرّد موتهم ينتهي ك ّل شيء يعني الحجابات تزول‪ ،‬و ّكل‬
‫شيء يزول ومثالً هذا المرض بعد وفاة من عالجه بالتسخيرات تراه يعود مريضا‪ ،‬أو‬
‫‪6‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫كثير من هذه القصّة بخالف األنبياء‪ ،‬واألولياء‪ ،‬والكمّلين؛ أل ّنهم هذا العمل ما صدر‬
‫عن أنفسهم ح ّتى ينتهي بانتفاء ال ّنفس وإ ّنما من عالم األمر‪ ،‬ومن روح القدس ومن‬
‫اق)) (النحل‪)٩٦ :‬‬ ‫عالم الرّوح اإللهيّ ‪ ،‬فيبقى قال تعالى (( َما عِ ندَ ُك ْم َين َف ُد ۖ َو َما عِ ن َد َّ ِ‬
‫هللا َب ٍ‬
‫حسناً‪ ،‬هنا أحد العالئم الفوارق بين أهل ال ّنفوس وأهل األرواح بال ّنسبة لل ّ‬
‫شيخ‬
‫ال ّنخودكيّ حكايات كثيرة‪.‬‬

‫تجرد نفسه‪:‬‬
‫خودكي في شفاء مريض نتيجة ّ‬
‫ّ‬ ‫شيخ ال ّن‬
‫صة أخرى لل ّ‬
‫ق ّ‬
‫أحد المهندسين في زمن رضا شاه ابتليت زوجته‪ ،‬أو بنته‪ ،‬أو أحد اقربائه بمرض‬
‫وما كان يضبط يعني‪ :‬ما كان يُشفى‪ .‬وآخر شيء قالوا له امشي إلى مشهد اإلمام‬
‫ال ّرضا (عليه السّالم) يوجد شيخ يجلس في ال ّزاوية الكذائيّة امشي إليه وهذا المهندس‬
‫ما كان يعتقد باّلِل‪ ،‬وما كان يصلّي‪ ،‬وما كان يصوم ذهب‪ ،‬فذهب إليه ورأى جماعة‬
‫موجودين وك ّل أحد يعني يطلب منه شيئا‪ ،‬وهو يأمر بشيء وآخر شيء وصل ال ّدور‬
‫إليه قال ماهي مشكلتك؟ قال أنا مشكلتي كذا وكذا‪ ،‬قال ال توجد مشكلة ضبط‪ ،‬ضبط‬
‫ولكن أنت مشروط قال تفضل‪.‬‬
‫قال الشيخ النخودكي‪ :‬أوال‪ :‬أنت مشروط أن تصلّي وتصوم؛ أل ّنه عرف أ ّنه ما‬
‫كان يصلّي وما كان يصوم ‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬بشرط أنه من أوّ ل الوقت تشتغل بالصّالة‪ ،‬وال تترك صالتك أليّ سب ٍ‬
‫ب‬
‫من األسباب‪ ،‬قال نعم‪ ،‬فرجع إلى طهران فرأى مريضه مشفيّ يعني‪ :‬صار مشف ّيا ً من‬
‫هذا المرض‪ ،‬فبدأ بالصّالة‪ ،‬والصّوم وكذا وأصبح متديّناً‪ ،‬وطلبه رضا شاه يعني هو‬
‫كان مهندسا ً ورضا شاه كان بجانب الجسر في الشمال‪ ،‬فهو كان داخل هؤالء‪ ،‬بعد‬
‫فترة من ال ّزمن هو كان مهندسا ً ليس على أساس انه المقاول أو السمسار بل هو‬
‫مشرف على العمل باعتباره مهندساً‪ ،‬وهذا المشرف على األموال أكل من االموال‬
‫اموال المشروع واحتال على رضا شاه‪ ،‬فوصل الخبر إلى رضا شاه أ ّنه هو أكل‬
‫االموال ولم يعمل شيئا جيّدا‪ ،‬فقال هذا الرّجل المهندس ‪:‬صار وقت الصّالة صار وقت‬
‫الصّالة‪ ،‬وقالوا سيأتي رضا شاه‪ :‬بحيث من بعيد أنا رأيت قافلة رضا شاه مع‬
‫‪7‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫السّيارات وكذا بدأ يأتي وقد صار وقت الصّالة وأنا عاهدت مع ال ّ‬
‫شيخ النخودكي أن‬
‫أصلّي أوّ ل الوقت‪ ،‬فبدأت بالصّالة "هللا ُ أكبر" و رضا شاه نزل مع هذا المشرف وهذا‬
‫المشرف جعل ك ّل المصائب على عاتق هذا الرّجل المهندس وقال هو السّبب هذا‬
‫المهندس هو السّبب في ال ّتأخير‪ ،‬وهو الّذي سبّب لنا مشاكل‪ ،‬وخسرنا كذا وكذا‪.‬‬
‫قال المهندس‪ :‬رضا شاه كان قادما ً وأنا كنت أصلّي و وصل لي وأنا لم أترك‬
‫صالتي وأسلّم عليه‪ ،‬وأعتذر قلت في نفسي هذا مستحيل أنا عاهدت ال ّ‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ‬
‫بأنّ أواصل صالتي‪ ،‬فواصلت صالتي ح ّتى أنهيت‪ ،‬وبعد ما أنهيت هذا الرّجل‬
‫شخص الّذي‬
‫المشرف كان يتكلّم ضدي أمام رضا شاه‪ ،‬و رضا شاه توقف قال ال‪ .‬ال ّ‬
‫صا ً‪ .‬أنت اللّصّ ‪ .‬أنت اللّصّ المهندس لو كان‬
‫لم يخف م ّني وواصل صالته هو ليس ل ّ‬
‫صا ً لترك صالته وهرب وهذا كلّه نتائج ال ّتجرّ د حسنا ً‬
‫ل ّ‬

‫الصادرة من أهل ال ّتسخير بموتهم‪:‬‬


‫انتهاء آثار األعمال ّ‬
‫أحد الفوارق أنّ اآلثار الصّادرة عن أهل ال ّتسخيرات تنتهي مفعولها بموت هذا‬
‫شخص بخالف األنبياء‪ ،‬واألولياء فمثالً‪ :‬بال ّنسبة إلى هذا األمر نقل لي أستاذنا ال ّسيِّد‬
‫ال ّ‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ شيئا ً؛ أل ّنه‬
‫آية هللا ال ّسيِّد محمود الهاشميّ أنّ أحد األشخاص اعطاه ال ّ‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ هو أيضا ً سلب منه‬
‫كان مبتل ّيا ً بمرض‪ ،‬فأعطاه للحفظ‪ ،‬فبمجرّد فوت ال ّ‬
‫هذا األمر وتعرض لحادث وكذا وتوفّى‪.‬‬

‫الفارق الثالث‪ :‬ابتالء أهل ال ّتسخير بالمشاكل وعدم ابتالء األولياء‪:‬‬


‫فارق آخر‪ :‬إنّ أهل ال ّتسخير عاد ًة يبتلون أمّا بالفقر‪ ،‬اآلن في إيران كثير من‬
‫شيء الّذي يس ّخرون يختلف اآلن تقريبا ً ال‬
‫األشخاص من أهل ال ّتسخير يس ّخرون‪ ،‬ال ّ‬
‫يسخرون األج ّنة وكذا‪ ،‬فهوالء أمّا مبتلون‬
‫ّ‬ ‫يوجد شخص يستطيع يس ّخر األفالك وكذا‬
‫بالفقر مع أ ّنه ك ّل يوم ممكن ال توجد أقل من ثالثة ماليين يصل إليهم‪ ،‬أو مليونين‬
‫يصل إليهم ك ّل يوم وآخر شيء ما تجد عندهم شيء يعني‪ :‬يحتاجون إلى شيء بسيط‪،‬‬
‫حتما ً موجود هذا االمر بلبنان‪ ،‬بالعراق‪ ،‬فهؤالء يعني هللا كتب على هؤالء الفقر‪ ،‬أو‬

‫‪8‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫المرض إذ يبتلون بالمرض‪ ،‬أو بالعراك‪ ،‬أو بالسّجن أو بمشاكل مختلفة و وفاتهم‬
‫أيضا ً موتهم موت غريب يعني كثير من هؤالء إمّا يموتون بال ّنار بالحريق‪.‬‬

‫صة‪ :‬سبب احتراق شخص كان من أهل ال ّتسخير‪.‬‬ ‫ق ّ‬


‫أنا أتذكر بداية ّ‬
‫الثورة واحد شيخ كان بقم وأصبح مساعداً لرئيس القوّ ة القضائيّة‬
‫وكان يأتي ويذهب‪ ،‬وجهه اإلنسان كان يخاف منه بسبب ا ّتصاله ولكن سألت قالوا أ ّنه‬
‫يعمل حجابات ويعمل كذا وكذا‪ ،‬أي م ّتصل باألج ّنة على ك ّل تقدير‪ ،‬في يوم من االيام‬
‫سيارته اصطدمت وسيارته كانت ضد ال ّرصاص ومحصنة يعني‪ :‬مصفّحة‪ ،‬فاحترق‬
‫هو بداخلها وما استطاع أن يفتح له؛ أل ّنه احترق وكثير من هؤالء أمّا يموتون بال ّنار‬
‫أو اختناق‪ ،‬أو من هذا القبيل يعني واضح هذا‪.‬‬
‫ولكن األولياء الكمّلون واألئمّة واألنبياء الّذين تصدر منهم الخوارق والمعجزات‬
‫اليوجد هكذا‪ ،‬أو مثالً بعض األشخاص يبتلون بأمراض تق ّ‬
‫طع أجزاء من بدنهم منهم‬
‫ّ‬
‫تقطع قطعة قطعة هذا كلّه يعني ليس عاد ّيا ً نتيجة هذه األعمال أو يبتلون بالجنون في‬
‫آخر حياتهم يتكلّمون بكلمات وكذا‪.‬‬

‫األخباري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صة‪ :‬سبب قطع رأس الميرزا مح ّمد‬ ‫ق ّ‬
‫بال ّنسبة إلى هذا المعنى كان أحد علمائنا باسم الميرزا محمّد األخباريّ ما كان‬
‫أخباريّ المسلك ولكن كان يقبل العرفان وله كتب كثيرة في الرّجال وهو شخص‬
‫رجالي اشتهر بالمح ّدث ال ّنيسابوريّ ‪ ،‬المح ّدث ال ّنيسابوريّ ليس ال ُّس ّني الّذي تو ّفى في‬
‫القرن ال ّرابع المح ّدث ال ّنيسابوريّ ال ّ‬
‫شيعيّ هو الميرزا محمّد األخباريّ وكان من أهل‬
‫ال ّتسخير جاء إلى إيران وهو كان بإيران لكن المقصود انه طاف البالد آخر شيء‬
‫استقر بإيران في زمن فتح علي شاه القاجاريّ ‪.‬‬
‫وفي زمن فتح علي شاه القاجاريّ صارت حرب طويلة بين إيران وروسيا‬
‫استمرت تقريبا ً عشرين سنة‪ ،‬فتغلبت قوات ال ّروس على إيران فآخر شيء فتح علي‬
‫شاه ف ّكر في أ ّنه يستخدم أهل ال ّتسخيرات وكان للقوات الروسية قائد كبير ما اتذكر‬

‫‪9‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫اسمه اآلن وهو كان قائداً كبيراً وال توجد معركة بين إيران وبين الرّوس اال هو‬
‫كان يقود المعركة وكانت إيران تخسر في هذه المعركة‪ ،‬وآخر شيء قالوا لفتح علي‬
‫شاه‪ :‬يافتح علي شاه هذا شيخ محمّد االخباريّ من أهل ال ّتسخيرات ق ْل له يأتي برأس‬
‫هذا القائد‪ ،‬فأحضره وتلطف به‪ ،‬وقال له‪ :‬أنا أريد أن تأتيني برأس هذا القائد الكبير‬
‫الرّوسي‪ .‬قال‪ :‬ال توجد مشكلة‪ ،‬بعد أربعين يوما ً أنا أجلب رأسه‪ ،‬فذهب إلى ال ّزاوية‬
‫المق ّدسة في عبد العظيم الحسنيّ في طهران وأخذ بمحراب واشتغل أربعين يوما في‬
‫هذا المحراب‪ ،‬وبدأ بأذكار‪ ،‬وأوراد‪ ،‬وبشمعة يعني شمعة العسل عم َل تمثال يعني‬
‫مجسّم يعني تمثال من هذا القائد وجعل بجانبه س ّكين وبدأ يقرأ عليه أوراد وكذا و كذا‬
‫ت‪ ،‬فأرسل رسالة‬
‫وكذا صار يوم األربعين وفتح علي شاه جالس في قصره ينتظر لم يأ ِ‬
‫إلى جماعة أن امشوا إلى ال ّ‬
‫شيخ وقولوا له أين رأس القائد الروسي؟ فذهبوا إليه قال‬
‫اصبروا وكم م ّرة تأتون؛ أل ّنه ح ّتى الغروب ثالث م ّرات‪ ،‬أو خمس م ّرات أرسل‬
‫جماعة له أين رأس القائد الروسي؟ وماذا صار؟ واالربعين يوما صارت وتمت‪،‬‬
‫فيأس فتح علي شاه‪ ،‬يأس وقال‪ :‬هذا الشيخ خربان يعني خرّف يعني أصبح خرفا ً نحن‬
‫رئيس الموانح أعطيناه زمام أمورنا بيد هذا الخرف لكن قبيل الغروب بكم دقائق جاء‬
‫واحد‪ ،‬بالفرس ومعه "خرجيل"(كيس) أتى برأس هذا الرّجل‪ ،‬وقالوا ما القّصة؟‬
‫فالشيخ محمد االخباري اشتغل مع األوراد في اليوم الثالثين‪ ،‬أو يوم الخامس ّ‬
‫والثالثين‬
‫أخذ السّكين وضرب على رأس هذا ال ّ‬
‫شمع‪.‬‬
‫فتح علي شاه فرح كثيراً وعندما سأل عن القصة قال له الشيخ‪ :‬يوجد تأخير‬
‫ّ‬
‫بالطريق أنا قتلته في اليوم الخامس والثالثين‪ ،‬ولكن ح ّتى يأتون برأسه طال االمر‬
‫تأخر وهذا ليس ذنبي يعني فالقّصة ماذا؟ كيف قتله؟ بعد جاءت جماعة من الحرب‬
‫و ّ‬
‫قالوا يا فتح علي شاه نحن دبّرنا عليه و ّ‬
‫خططنا له خطة في مدينة شيشي في مدينة‬
‫شيشة في القوقاز‪ ،‬فأظهرنا ال ّتصالح وانه نحن نريد نتصالح وتعال أنت لوحدك‪ ،‬أو مع‬
‫اثنين من االشخاص ونحن نأتي بإثنين من االشخاص ونجلس؛ الننا نريد نتصالح فقب َل‬
‫هو‪ ،‬بشرط انه ال أنت مسلح‪ ،‬وال نحن مسلحون‪ ،‬ف َق ِب َل؛ أل ّنه كان قو ّيا ً ومعروفا ً جاؤوا‬
‫‪10‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫وبمجرّد أن جلسوا بحيلة واحد منهم قام وأخذ السّيف وعلى رأسه في نفس اللّحظة‬
‫الّذي ال ّ‬
‫شيخ أخذ السّكين وضرب هذا ال ّتمثال ووقع رأسه فهؤالء الذين معه هربوا‬
‫وتركوه وأمسك برأسه ‪.‬فتح علي شاه فرح كثيراً وأعطاه يعني تلطف به‪ ،‬قال ياشيخ‬
‫أرجوك اصنع شيئا ً آخر اصنع لي معروفا آخر‪ ،‬قال تفضل‪ ،‬قال أنا أخطأت في طلب‬
‫رأس هذا الرّجل أنا أريد رأس أمبراطور روسيا قال ماذا تقول أنت؟ يا سلطان أنا‬
‫ضحّيت بنفسي مقابل هذا الّذي قتلته الناس سيقتلونني فهذا الذي قتلته ذهب وأنا‬
‫ضحّيت برأسي وطلبك لرأس االمبراطور صعب ج ّداً ألن أطراف بالطه وقصره‬
‫شيء الّذي استطعت فعله‬
‫شياطين واألج ّنة األقوياء األكفاء وأنا ال أستطيع أنا ال ّ‬
‫مليء بال ّ‬
‫قتل هذا القائد الروسي فذهب‪ ،‬وبعد فترة ال ّناس بدأوا يتكلّمون يا فتح علي شاه انتبه‬
‫لهذا ال ّ‬
‫شخص و َب َّع َدهُ عن نفسك قال لماذا؟ هو أحسن لي‪ ،‬قالوا ال‪ ،‬ممكن يوم من األيّام‬
‫كما أخذ برأس هذا ال ّ‬
‫شخص يأتي برأسك‪َ ،‬ف ِقب َل كالمهم فطرده‪ ،‬فهذا نتيجة العمل‬
‫بال ّنفس وال ّتسخيرات‪ ،‬فبدل أن يحسن إليك يسيّ ء إليك هذا نفس يعني‪ ،‬فهو تألم منه‬
‫يعني صار بينه وبين السّلطان شيء وترك إيران وذهب إلى بغداد إلى العراق‪ ،‬فذهب‬
‫شخص الّذي كان حاكما ً بغداد من قبل العثمانيّين‬
‫وأل ّنه كان مشهوراً بهذه األمور هذا ال ّ‬
‫عظمه وأكرمه وذهب إلى بيته وكان جالسا ً ببيته ولحظة سمعوا أصواتا وبعد ما‬ ‫ّ‬
‫سمعوا كم ساعة سمعوا أصواتا وكذا‪ ،‬والحاكم بدأ يسأل ما القصّة؟ فبعض من ال ّناس‬
‫قالوا توجد جماعة رجال يعني جاؤوا مجموعة رجال‪ ،‬وهذا الشيّخ كان يعرف قال ال‬
‫ياحبيبي جاؤوا يقتلونني‪ .‬قال الحاكم عن ماذا تتكلم؟ منْ يقتلك؟ نحن هنا نحميك ‪.‬قال‬
‫الشيخ‪ :‬هم جاؤوا يقتلونني‪ ،‬فهجموا على المكان وصارت معركة وضربا ً وآخر شيء‬
‫وصلوا إليه وقطعوا رأسه‪ ،‬وهذا الّذي قال أنا ضحّيت برأسي ح ّتى استطعت أن اجلب‬
‫رأس القائد الروسي ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫يجب عدم اللّجوء إلى أهل ال ّتسخير في حل ّ المشاكل‪:‬‬


‫بشكل عا ّم استخدام أهل ال ّتسخير في األمور السّياسيّة‪ ،‬واستخدامهم في ح ّل‬‫ٍ‬
‫المعضالت أبد‪..‬أبد ال يفيد إذا يعطيك شيئا ً يأخذ منك أشياء؛ أل ّنه من ال ّنفس ومن هنا‬
‫يبتلون بكثير من المشاكل‪.‬‬

‫سبب في خروجهم من الدّنيا وهم‬ ‫الفارق الرابع‪ :‬ضعف العقل عند أهل ال ّتسخير هو ال ّ‬
‫ك ّفار‪:‬‬
‫شيخ األنصاريّ (ق ّدس س ّره) كان يقول أيّ أحد يشتغل بال ّتسخيرات‬‫هللا يرحم ال ّ‬
‫ويكون م ّتصالً باألج ّنة بالجان آخر شيء يخرج من ال ّدنيا وهو كافر ح ّتى لو كان‬
‫الجان الّذي هو كان م ّتصالً به كان من المؤمنين‪ ،‬مؤمن‪ ،‬صالح يعني‪ :‬ال يوجد صالح‬
‫بالجنّ ؛ ألنّ حياتهم‪ ،‬حقيقتهم‪ ،‬أوهام‪ ،‬وال ّتوجّه إلى الجزيئيات وأيّ أحد يجلس معهم‬
‫ينقص عقله‪ ،‬فأوّ ل شيء تشاهده في أهل ال ّتسخيرات قلّة عقلهم إذا تجلس معهم وتتكلّم‬
‫عن المعارف اإللهيّة ال يفهمون شيئا‪ ،‬فك ّل األمور جزئيّة يضبطون حمار هذا‬
‫شخص الّذي‬
‫شخص‪ ،‬يضبطون ما أدري هذه أمور جزئيّة‪ ،‬فهذه الجزئيّة هذا ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫يتواصل معهم يفقد‪ ،‬يفقد عقله وإذا فق َد عقله حسنا ً الباليا تتوجّه إليه والعقل نصف‬
‫ال ّدين إذا ماعندك عقل أكيد عند الموت يزول عنك ال ّدين‪.‬‬

‫ميري بال ّنسبة لل ّتسخير‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ش‬‫س ِّيد الك ْ‬
‫حالة ال ّ‬
‫ال ّسيِّد الك ْشميريّ يختلف قليالً هو كان برزخا ً بين هنا وهنا وهو لم ْ‬
‫يكن من األج ّنة‬
‫وال ّتسخير‪ ،‬تسخير األفالك وكذا مثل ال ّنخودكيّ ‪ ،‬وأقل من ال ّنخودكيّ هو مثل ال ّنخودكيّ‬
‫ابتلي وكان مبتل ّيا ً بالفقر يعني‪ ،‬ك ّل ما‬
‫َ‬ ‫وأقل منه وكان يعتقد بالعرفان‪ ،‬والسّلوك ولكن‬
‫يعطونه ما يضبط حياته ‪.‬والسيد الكشميري كان تلميذاً لل ّسيِّد هاشم الح ّداد (ق ّدس س ّره)‬
‫لفترة بعد ذلك تركه‪ .‬والسيد الحداد (قدس سره) عمليا ً كان يحترم السّادة وهو أيضا ً‬
‫محترم كان عند جده‪ ،‬وجده كان محترما ً عند ال ّسيّد القاضي (ق ّدس س ّره) ولكن عمليا ً‬
‫انتهى‪ ،‬هذا نقل عندما كان يريد يأتي إلى إيران هذا شيء دقيق يعني ذهب إلى ال ّسيّد‬
‫يأتي إلى ال ّسيّد‬
‫َ‬ ‫الح ّداد (ق ّدس س ّره)‪ ،‬وال ّسيِّد الح ّداد (ق ّدس س ّره) أوصاه أن يذهب أن‬

‫‪12‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) فم ّرة واحدة فقط جاء وألتقى بال ّسيّد ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره)‬ ‫ّ‬
‫وتركه وال ّسيّد ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس س ّره) كان بمشهد هو جاء م ّرة واحدة ألتقى ثم بعد ذلك‬
‫ترك ال ّسيّد مع أ ّنه أوصاه يعني يذهب إليه يستفيد منه‪.‬‬
‫َو ْال َح ْم ُد ِّلِل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‬

‫‪13‬‬
‫حماضرات الدعاء للشيخ قاسم الطهراني‪....‬احملاضرة الثامنة عشرة‬

‫المحتويات‬
‫المحاضرة الثامنة عشرة من محاضرات ال ّدعاء ‪١...........................................‬‬
‫البحث‪١....................... ................................ ................................ :‬‬
‫الفوارق بين األولياء وأهل ال ّتسخير وصدور العادات الخارقة منهم‪١..................... .‬‬
‫توطئة‪١....................... ................................ ................................ :‬‬
‫اسناد أهل ال ّتسخير قوّ تهم ال ّنفسيّة الخارقة للعادات إلى هللا تبارك وتعالى‪٢................ :‬‬
‫حقيقة أهل التسخير أن عندهم قوة في النفس وال عالقة لهم باالولياء واعمال االولياء‪٢.. :‬‬
‫الفارق األول ‪:‬الفرق الجوهريّ بين العادات الخارقة لألولياء وألهل ال ّتسخير أن ما‬
‫يصدر من االولياء يكون من عالم االمر ومايصدر عن أهل التسخير يكون من عالم النفس‪٢. :‬‬
‫سبب ربوبيّة ال ّنفس‪3......................................... ................................ :‬‬
‫العالمة ّ‬
‫الطهرانيّ (ق ّدس‬ ‫ّ‬ ‫خوارق العادات لل ّشيخ ال ّنخودكيّ وانحرافه عن ال ّتوحيد عند‬
‫سرّ ه)‪3............................. ................................ ................................ :‬‬
‫قصّة ال ّشيخ ال ّنخودكيّ في شفاء مريض‪4................... ................................ :‬‬
‫شيخ ال ّنخودكيّ بقصّة الحكيم ال ّشفائيّ مع وكيل الرّ عايا كريم خان‬ ‫تشبيه خوارق العادات لل ّ‬
‫زند‪4............................... ................................ ................................ :‬‬
‫الفارق الثاني بين أفعال األولياء وأفعال أهل التسخيرات أن أفعال األولياء ثابتة باقية حتى‬
‫بعد مماتهم وأفعال أهل التسخيرات تنتهي بموتهم‪5.............. ................................ :‬‬
‫قصّة أخرى لل ّشيخ ال ّنخودكيّ حول توفير ما ّدة الوقود (البانزين) للسّيارة بعد نفادها‪5.... :‬‬
‫ال ّدليل القرآنيّ بأنّ لك ِّل شي ٍء له نفسٌ ‪٦...................... ................................ :‬‬
‫سبب بقاء اآلثار ال ّتكوينيّة للعادات الخارقة لألولياء ونفادها من أهل ال ّتسخير‪٦........... :‬‬
‫قصّة أخرى لل ّشيخ ال ّنخودكيّ في شفاء مريض نتيجة تجرّ د نفسه‪٧........................ :‬‬
‫انتهاء آثار األعمال الصّادرة من أهل ال ّتسخير بموتهم‪8................................... :‬‬
‫الفارق الثالث‪ :‬ابتالء أهل ال ّتسخير بالمشاكل وعدم ابتالء األولياء‪8....................... :‬‬
‫قصّة‪ :‬سبب احتراق شخص كان من أهل ال ّتسخير‪٩....................................... .‬‬
‫قصّة‪ :‬سبب قطع رأس الميرزا محمّد األخباريّ ‪٩.......................................... .‬‬
‫يجب عدم اللّجوء إلى أهل ال ّتسخير في ح ّل المشاكل‪١٢ ................................... :‬‬
‫الفارق الرابع‪ :‬ضعف العقل عند أهل ال ّتسخير هو السّبب في خروجهم من ال ّدنيا وهم‬
‫ك ّفار‪١٢ ............................ ................................ ................................ :‬‬
‫حالة ال ّسيِّد الك ْشميريّ بال ّنسبة لل ّتسخير‪١٢ .................. ................................ :‬‬

‫‪14‬‬

You might also like