You are on page 1of 5

‫‪ :‬منهج الفيلم الروائي )‪1‬‬

‫منذ قرن كانت مهارة الحرفي هي السبيل الوحيد الذي يكفل تسجيل صورة شخص أو مكان أو شيء‬
‫من أجل المتعة أو الستخدامها كمرجع‪ ،‬أما اليوم فقد حل علم التصوير محل تلك المهارة الحرفية‪ .‬ومنذ‬
‫األيام األولى للمونتاج السينمائي وحتى الوقت الحاضر ومعظم حرفية الفيلم الروائي التي انبعثت من‬
‫األستوديوهات تبنى على حقيقة أن الكاميرا تستطيع أن تنقل الظواهر فوتوغرافيا على السليلوز‬
‫الحساس ‪ ،‬وأنه يمكن من النيجاتيف عمل طبعة تعرض مكبرة على الشاشة بواسطة آلة العرض ‪،‬‬
‫ونتيجة ذلك أن االهتمام الذي وجه إلى الممثلين والمنظر كان أكثر مما وجه للمنهج الذي عن طريقه‬
‫أمكن إظهاره على الشاشة‪ .‬وهذا النظام اإلنتاجي يتالءم تماما مع التنظيم اإلداري لألستوديو‬
‫السينمائي الحديث ‪ ،‬فالحركات المناسبة للكاميرا والميكروفون تخلق أطواال متعددة من السليلويد‬
‫تتطلب مجرد التهذيب والجمع في تتابع صحيح لنحصل في النهاية على شيء له طبيعة الفيلم‪،‬‬
‫وأحيانا تستخدم حيل الكاميرا أو الصوت البارعة إلبراز مثال فكرة مرور زمن أو إلبراز تغير المنظر‪ .‬إن األمر‬
‫ليس بهذه السهولة ‪ ،‬ولكن الناحية الجوهرية هي أن الفيلم المنتج فيض من الحياة ويعبر عن المغزى‬
‫‪.‬بواسطة نقل التمثيل إلى الشاشة والكلمات إلى مكبر الصوت‬

‫لذلك فمهارة الفنان تكمن في معالجة القصة وإرشاد الممثلين في اإللقاء والتعبير بالحركة وتجميع‬
‫المناظر المنفصلة على هيئة فيلم وتحركات الكاميرا وتناسب المجموعات‪ .‬في كل هذا يساعده كتاب‬
‫الحوار والمصورون ومهندسو المناظر وخبراء الماكياج ومسجلو الصوت والممثلون أنفسهم ‪ ،‬بينما يقوم‬
‫‪ .‬قسم المونتاج بتجميع المناظر التي تنتهي حسب ترتيبها األصلي‬

‫وفي هذه الحدود فإن الفيلم الروائي قد اتبع التقاليد المسرحية في موضوعه بدقة ‪ ،‬وبمرور الزمن‬
‫استبدل باألشكال المسرحية األشكال السينمائية ‪ ،‬وبالتمثيل المسرحي التمثيل السينمائي طبقا‬
‫‪.‬لمتطلبات الكاميرا والميكروفون‬

‫‪ :‬منهج الفيلم التسجيلي )‪2‬‬

‫إال أن المجموعة الفكرية المقابلة إذ تقر نفس الوظائف األولية للكاميرا والميكروفون وآلة العرض‪ ،‬تبدأ‬
‫في االعتقاد بأن أي شيء يصور أو يسجل على السليولويد ال يكون له معنى حتى يصل إلى منضدة‬
‫المونتاج ‪ ،‬وأن المهمة األولية لإلبداع السينمائي تكمن في المنبهات المادية والعقلية التي يمكن أن‬
‫يقدمها من يقوم بالمونتاج ‪ .‬فطريقة استخدام الكاميرا والعديد من حركاتها وزوايا الرؤية بالنسبة‬
‫لألشياء التي تصور والسرعة التي تظهر بها الحوادث بل وحتى ظهور األشخاص واألشياء أمامها ‪ ،‬كل‬
‫هذا تهيمن عليه الطريقة التي ينجز بها المونتاج ‪ ،‬وينطبق هذا تماما على الصوت ‪ ،‬ومثل هذا المنهج‬
‫يتضمن أن عقال واحدا يتحمل مسئولية شكل الفيلم الكامل ومعناه ‪ ،‬ويجري عملية المونتاج ‪ ،‬كما يقوم‬
‫‪.‬في بعض الحاالت بالتصوير‪ ،‬وذلك حال ال يالئم مناهج اإلنتاج الواسع النطاق بتاتا‬

‫وفي هذه الحدود حدث تحول بعيد عن التقاليد المسرحية إلى ميادين الواقع الواسعة‪ ،‬حيث اعتبرت‬
‫تلقائية السلوك الطبيعي خاصية سينمائية ‪ ،‬واستخدام الصوت بطريقة خالقة استخداما ترديديا ‪ ،‬وهذا‬
‫‪.‬هو األساس الحرفي للفيلم التسجيلي بال شك‬

‫إن الفيلم التسجيلي يتطلب طرقا جديدة في بنائه‪ ،‬ومبادئ جديدة في إنتاجه‪ ،‬مغايرة لتلك التي تحكم‬
‫الفيلم الروائي‪ ،‬واألهم من كل ذلك أنه يتطلب موقفا جديدا من السينما‪ .‬فما هو هذا الموقف‪ ،‬وما هي‬
‫المواد والوسائل الفنية التي يستخدمها العاملون في حقل الفيلم التسجيلي للتعبير عن هذا الموقف؟‬

‫‪ :‬المتفرج والفيلم التسجيلي والروائي‬


‫ال يهتم الفيلم التسجيلي بما يسمى العقدة ‪ ،‬وهي عبارة عن أحداث تدور حول أشخاص ومواقف‬
‫تنشأ عن سلوكهم ‪ ،‬وإنما يهتم بفكرة تعبر عن هدف محدد ‪ ،‬ولذلك فهي تتطلب من المتفرجين‬
‫اهتماما مختلفا عن ذلك الذي تتطلبه الرواية العادية‪ ،‬فاألحداث ـ والعواطف الفردية في الرواية ‪ ،‬أهم‬
‫من أي شيء آخر ‪ .‬ويساعد على تأكيد ذلك في أذهان الجماهير نظام النجوم الذي يتخذ ستارا‬
‫‪.‬لتفادي الموضوعات المتصلة بالواقع ‪ ،‬ويتيح الفرص العديدة الستغالل عامل الجنس‬

‫أما الفيلم التسجيلي فجاذبيته من نوع مغاير تماما‪ ،‬فليس له قصة فردية‪ ،‬وال نجوم مشهورين‪ ،‬وال‬
‫يعتمد على الثراء الفاحش الذي تحاط به األفالم الروائية‪ .‬إن الفيلم التسجيلي يعتمد كلية على‬
‫‪.‬االعتقاد بأنه ال شيء يجذبنا أكثر من أنفسنا‪ ،‬إنه يعتمد على اهتمام الفرد بالعالم المحيط به‬

‫وإذا تضمن الفيلم التسجيلي أشخاصا فهم ثانويون بالنسبة للفكرة األساسية فيه‪ ،‬ولذلك فمشاكلهم‬
‫الخصوصية ال أهمية لها‪ .‬وهم في العادة يلعبون دورهم في الفيلم كما يؤدونه في حياتهم العادية‬
‫تماما‪ .‬أما الدراما في القصة والبناء في الشخصيات‪ ،‬فليس في أيديهم ‪ ،‬بل في طريقة المخرج‬
‫وأسلوبه ومنهجه ‪ ،‬إنهم أنماط اختيروا من الجماعة ليصوروا عقلية وتفكير هذا القطاع االجتماعي أو‬
‫ذاك ‪ .‬وإذا وجدت مناظر ضخمة ‪ ،‬فألنها أصيلة ‪ ،‬وألنها تنبع بشكل طبيعي من الموضوع ‪ .‬والخالصة هي‬
‫أن للفيلم التسجيلي دائما هدفا محددا يرمي إلى تحقيقه ‪ ،‬وهذا الهدف هو الذي يجب أن يكون‬
‫‪.‬العامل األول في جذب المتفرج‬

‫ولكن يجب أن نذكر ان عدم وجود القصة أو النجوم في الفيلم التسجيلي ‪ ،‬يضطر المتفرج إلى‬
‫اإلحساس الشديد بوسائل عرض الموضوع ‪ ،‬فالتصوير الضعيف والمونتاج غير المتقن ‪ ،‬أو استعمال‬
‫الصوت استعماال غير سليم‪ ،‬كل ذلك يظهر فيه بوضوح ‪ ،‬بينما في الفيلم الروائي قد يخفي االنبهار‬
‫بالموقف نفسه كل هذه العيوب أو بعضها ‪ .‬وهكذا نخرج من ذلك بأن العيوب في الفيلم التسجيلي تبدو‬
‫بارزة ألنه ليس هناك ما يخفيها ‪ ،‬ولذلك علينا االهتمام بالحرفية‪ .‬ولكن دون أن نسمح لها أبدا بأن تلعب‬
‫‪ .‬الدور األول في الفيلم ‪ ،‬ذلك الذي يجب أن يعطى دائما للموضوع وللفكرة‬

‫والموضوع في الفيلم التسجيلي يجب أن يعرض بمنتهى الوضوح والتلخيص ‪ ،‬بحيث تمهد كل نقطة لما‬
‫بعدها ‪ ،‬وبحيث ال ينقطع حبل التفكير أو تسلسل األفكار‪ .‬ويجب أن يكون الفيلم التسجيلي قصيرا ‪ ،‬ال‬
‫يزيد عن ثالثة أو أربعة فصول‪ ،‬ففي عصر السرعة الذي نعيش فيه ليس هناك وقت للمناقشات‬
‫المطولة ‪ .‬فكثير من الموضوعات لها جوانب متعددة ‪ ،‬وبغير مراعاة الحرص ‪ ،‬يحتمل االندفاع فيها مما‬
‫يعقد الموضوع ويطيله ‪ .‬إن عشرين أو ثالثين دقيقة من التركيز التام تساوي الكثير إذا نجح المخرج في‬
‫‪.‬االستغالل السليم ‪ .‬وهذه المدة في الواقع أقصى ما نستطيع أن نتطلبه من المتفرج العادي‬

‫وفى كثير من األحيان يعتقد البعض أن الفيلم التسجيلى هو مجرد فيلم قصير فحسب أو أن القصر هذا‬
‫من خصائص الفيلم التسجيلى وحده ‪ ,‬وهذا خطأ ال ينبغى لنا أن ننساق خلفه ‪ ,‬فالفيلم التسجيلي‬
‫يمكن أن يكون فيلمًا قصيرًا وممكن أيضا أن يكون فيلمًا طويًال ‪ ,‬وشأنه في ذلك شأن األفالم الروائية ‪,‬‬
‫فهي من الممكن أن تكون أفالمًا قصيرة أو أفالمًا طويلة والذي يحدد ذلك هو طبيعة الموضوع ذاته‬
‫فالموضوع وطريقة المعالجة هو الذي يفرض طول أو قصر الفيلم وليس كونه فيلمًا تسجيليًا أو روائيًا ‪.‬‬
‫هذا وعند التعامل مع الحقيقة فى أحد األفالم يجب أن تتغير الحقيقة نوعًأ ما فيجب أن نختار منها‬
‫ونعطيها صيغة معينة وشكًال ما ‪ .‬إن صناع األفالم يحاولون جاهدين أن يعطوا المتفرج اإلحساس‬
‫والشعور ‪ ,‬ويقدموا انطباعًا للحقيقة الموجودة فعليًا حتي إذا لجأ بعضهم إلي استخدام التكنيك‬
‫السينمائي الواضح إلنجاز هذا ‪ .‬إذا فالسينما التسجيلية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي‬
‫‪ .‬فيها والمعالجة تكون خالفه وهذا هو الجانب الذاتي في السينما التسجيلية‬

‫وألن كل اتجاه في السينما يعكس السمات االجتماعية والسياسية للمرحلة التي يظهر فيها ـ وهذه‬
‫بدورها انعكاس للظروف االقتصادية القائمة ‪ .‬لذا فإن منهج الفيلم التسجيلي ـ كنوع متميز من الفيلم ‪،‬‬
‫وكتعبير عن إحساس اجتماعي وتفكير فلسفي يختلف جد االختالف في الهدف والشكل عن دوافع‬
‫التسلية الخاصة بالفيلم الروائي ـ قد أصبح حقيقة مادية نتيجة للمطالب االجتماعية والسياسية‬
‫‪.‬والتعليمية‬

‫أى أن الفيلم التسجيلى هو فيلم مصمم أساسا ليقدم معلومات ويؤثر فى المتفرج ويحثه ‪ ,‬أنه فيلم ذو‬
‫رسالة يبيع أفكاره فى كل مجاالت المعرفة اإلنسانية ‪ ,‬ويستمد مادته من واقع الحياة ‪ ,‬سواء كان ذلك‬
‫مباشرة أو عن تكوين هذا الواقع وهو يعتمد على فكرة رئيسية وتكون له قيمة اجتماعية كذلك ‪ .‬وأهم‬
‫ما يميز الفيلم التسجيلى هو أنه ينبع دائمًا من الواقع ‪ ,‬فالواقع هو الموضوع الرئيسى الذى ينطلق منه‬
‫ولكن يجب أن يكون الخيال هنا أساسه الواقع ونابعًا منه أى أننا ال يجب أن نترك العنان لخيالنا الروائى‬
‫‪ .‬يبتدع أشياء غير موجودة فى هذا الواقع‬

‫‪ :‬الحرفة والفيلم التسجيلي والروائي‬


‫كما ذكرنا من قبل‪ ،‬إن الفيلم التسجيلي عمل فردي إذا قورن بالفيلم الروائي ‪ ،‬ولكننا هنا يجب أن‬
‫نوضح أن الفيلم التسجيلي االجتماعي الذي ننشده يعالج موضوعات ال يستطيع عقل فرد واحد أن يلم‬
‫‪.‬بها دون معاونة الخبراء‪ ،‬وخاصة إذا كانت األهداف كما ذكرنا اجتماعية أو سياسية‬

‫وإذا كنا قد أخضعنا الفكرة والموضوع للمناقشة ‪ ،‬فإن التعبير عنها سينمائيا هو من عمل الفنان ‪،‬‬
‫وبتعاونه مع غيره من الفنانين‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال إذا جمع بين هؤالء الفنانين هدف اجتماعي واحد‬
‫يريدون تحقيقه ‪ ،‬وإذا سمحنا للمخرج بأن يفعل ما يشاء في إحدى الجزر النائية ‪ ،‬فإن المخرج الذي‬
‫يعمل في الجبهة الداخلية معبرا عن بعض مظاهر المشاكل السياسية واالجتماعية التي تغشى عادة‬
‫‪.‬مجتمعا بكامله ‪ ،‬يجب عليه أال ينفرد بالرأي إذا أراد أن يكون لعمله أية قيمة‬

‫وكثيرا ما نسمع مقولة ان الفيلم التسجيلى اكثر اثارة بالنسبة للمونتير وانه يستطيع فيه التعبير عن‬
‫نفسه اكثر‪ .‬وتكون االسباب المذكورة هى ‪ :‬حرية أكبر فى الحركة ‪ ،‬نوع من الحكاية قابل للتأثر‬
‫بالمونتاج ‪ ،‬وفرصة النقاش االعمق مع المخرج ‪ .‬فممارسة السينما التسجيلية كما كانت تمارس جعلت‬
‫االخراج والمونتاج فى الواقع فى اتصال حميم‪ .‬والن غالبية االصوات كانت تضاف فى المونتاج ‪ ،‬فان كال‬
‫منها كان يوزن بدقة‪ .‬فلم يكن يكتفى كما هو الحال فى ايامنا هذه بفيض من الكالم يغرق الجميع ‪ .‬لقد‬
‫كان السنيمائى يتعلم كيف يعتمد على المونتاج كعنصر ضرورى فى االخراج نظرًا لعدم توافر التسهيالت‬
‫الحالية فى تسجيل الصوت وال الموارد السهلة من "االفالم" التى جاء بها الفيديو‪ .‬هكذا‪ ،‬استطاع‬
‫المخرجون والمونتيرون لتقاربهم بعضهم البعض من التعاون بشكل اكثر خصوبة ‪ .‬واستمرت هذه الميزة‬
‫‪.‬عندما كانوا معًا يقومون بعمل فيلم طويل روائى‬

‫وهناك اختالف كبير بين تصوير الفيلم التسجيلى وبين تصوير الفيلم الروائى ‪ ،‬ويؤثر هذا االختالف‬
‫مباشرة على المونتاج ‪ ،‬ففى الفيلم الروائى‪ ،‬كل شى معروف مسبقا او مبدئيا ‪ ،‬والراكور يجب ان‬
‫يكون موجودًا ‪ ،‬والنصوص وتحركات الكاميرا والممثلين يتم تنظيمها من اجل ذلك‪ .‬على النقيض من ذلك‬
‫يستدعى الفيلم التسجيلى عادة احداثا ال تحدث إال مرة واحدة بحيث يصبح من الصعب "تقطيعها "مع‬
‫تغيير احجام اللقطات ومحاورها ومع التداخل الذى يتطلبه المونتاج ‪ .‬حتى وان تعلق االمر بلقاءات ‪ ،‬فان‬
‫الشخصيات المتحدثة ال تستطيع ان تحكى بالضبط القصة نفسها بالكلمات نفسها من لقطة إلى أخرى‬
‫‪.‬النها شخصيات هواة يرتجلون‬

‫وهكذا نرى أن مونتاج الفيلم الروائى يميل ‪ ،‬ناحية العرض التمثيلى ‪ .‬لكن مونتاج الفيلم التسجيلى‬
‫يجب ان يربط بين العرض التمثيلى والصدق ‪ ،‬والواقع ان المونتاج ال يظهر الواقع ‪ ،‬وانما الصدق او‬
‫الكذب‪ .‬اننا نصل هنا إلى االيديولوجية ‪ ،‬والدرس االخالقى ‪ ،‬فى حدود ان المونتاج يستطيع ان يولد من‬
‫االحداث معنى خاطىء ‪ ،‬ومن هنا تكون االفالم الدعائية مخادعة ونسبية‬

‫ولكن يظل هناك فرق مهم بين الفيلم التسجيلى والفيلم الروائى ‪ ،‬هو فى الطريقة التى يمر بها الزمن‬
‫داخل الفيلم ‪ .‬ان الطريقة التى يمر بها الزمن فى السينما ترتبط ارتباطا وثيقا فى الفيلم التسجيلى‬
‫والروائى على السواء بنوعية الشخصيات ‪ ،‬والحوار‪ ,‬واالخراج ‪ ،‬وهذا ال يعنى ان المتفرجين ال "يفصلون"‬
‫فى اى منهما ‪ ،‬وربما ليس الطريقة نفسها او فى الموضع نفسه‪ ،‬ان حقيقة ان تحكى لنا احداث‬
‫حقيقية او غير حقيقية او ان يكون اصحاب هذه االحداث الحقيقيون هم الذين يحكونها لنا ‪ ،‬تؤثر بشكل‬
‫هائل على الطريقة التى ندركها ‪ .‬إننا نتقبل من شخص واقعى ان يكون مترددًا ‪ ،‬ولكن بطء ممثل ما‬
‫سيجعل صبرنا ينفذ ‪ ،‬ان احد ادوار المونتير الرئيسية هى ان يدرك هذه الفروق الزمنية وان يشعر دائما‬
‫‪ .‬بانقباض او استطالة الزمن المفاجئة‪ .‬وفى ذلك‪ ،‬ال تستطيع اية قاعدة او اى نظام ارشاده‬

‫اذن نجد أن اهمية الفيلم التسجيلى تكمن فى وجهة نظر السينمائى فى موضوعه اكثر مما تكمن‬
‫فى الموضوع نفسه‪ ،‬وهناك خطأ شائع يعتقد ان الموضوع القوى يكفى لصنع فيلم قوى ‪ .‬فمثال عندما‬
‫ُطلب من محمود سليمان أن يقوم بإخراج فيلمًا تسجيليًا ‪ ,‬اختار ان يقدم لنا "السيدة التى تتعيش من‬
‫سن السكاكين" بأسم " أنهم يعيشون بيننا " ‪ .‬هذه المرأة المتواضعة ذات المهنة المتواضعة التى‬
‫ستختفى ‪ ,‬مثلها فى ذلك كثير من المهن االخرى الصغيرة ‪ ،‬اثارت مشاعرنا اكثر بكثير من النجوم‬
‫العاديين الذين ال يمل الناس من ان يحكوا لنا حياتهم الصاخبة‪ .‬هذه الضرورة فى ايجاد اسلوب محدد‬
‫فى تقديم حدث واقعى هى التى يهملها التليفزيون احيانًا‪ .‬لقد عودنا التليفزيون على رؤية شهادات‬
‫ولقاءات ووثائق من االرشيف دون أى راكور صورة ‪ .‬وتتحقق االستمرارية فقط فى الصوت ‪ ،‬سواء تعليقا‬
‫يقرأه صحفى شارحا الصور المتتالية ‪ ،‬او كلمات الشخصية المتحدثة التى تدلى بما عندها ‪ ،‬وقد تصور‬
‫اللقطات فى تناقض مع اكثر القواعد االسلوبية بدائية المستخدمة فى السينما ولكن ليس لهذا اهمية‬
‫تذكر‪ .‬المهم هو صدق الخطاب ‪ .‬ان غياب االسلوب اصبح اسلوبًا فى حد ذاته‪ ،‬او دليال على الصدق وقد‬
‫استخدم فى الوقت نفسه فى االعالن وفى االفالم التسجيلية السيئة ‪ ،‬فى هاتين الحالتين هناك‬
‫‪.‬رغبة فى خداع المتفرج‪ ،‬الننا نحاول ان نجعله يصدق صورًا سرقت من الواقع‬

‫إن األفالم التسجيلية تنغمس انغماسًا كامًال في قلب الحياة ‪ ,‬وتعايش الواقع السياسي ‪ ,‬واالجتماعي‬
‫‪ ,‬واالقتصادي ‪ ,‬واإلنساني متابعة وراصدة كاشفة ومضيئة ‪ .‬وبناء عليه فرسالة الفيلم التسجيلي لها‬
‫خطورتها ودورها وأهميتها من خالل ما يشاهده المتفرج سواء في دور العرض أو علي شاشة‬
‫التليفزيون ‪ ,‬ومن خالل عرض الحقائق والظواهر المختلفة تتشكل وجهة نظر المتفرج ويتكون رأي عام‬
‫وذوق خاص بما يشاهده ‪ ,‬فمخرج الفيلم التسجيلي يفهم ما يطرحه فهما صادقًا وعميقًا ويحاول أن‬
‫يبلوره بفكر وموهبة صادقة وعميقة لكي يضعه في القالب السينمائي المناسب ‪ ,‬ومن خالل تقنيات‬
‫سينمائية عالية ومتطورة تفرضها طبيعة التطور الهائل الذي يجتاح عالمنا اآلن ‪ .‬ويعتبر كل فيلم‬
‫تسجيلي حالة في حد ذاته ‪ ,‬وبحسب موضوع كل فيلم ونوعيته وظروف إنتاجيه يمكن تحديد شكل‬
‫السيناريو الخاص به ‪ ,‬فالمعروف أن المساحة التي يعمل فيها الفيلم التسجيلي مساحة كبيرة جدًا ‪,‬‬
‫‪ .‬هي المنطقة الواسعة التي تمتد بين الواقع المحض وبين الخيال المحض‬

‫وقد ظل الفيلم التسجيلي طوال عدة سنوات من عمره يعتمد علي الصورة والتعليق ‪ ,‬ومع تطور تقنيات‬
‫التصوير ‪ ,‬والتسجيل الصوتي أمكن تبني عناصر السينما المباشرة في الفيلم التسجيلي ‪ ,‬بحيث يمكن‬
‫تصوير شخوص الفيلم التسجيلي وتسجيل أصواتهم الحية وهم يتكلمون وهم يتعاملون مع اآلخرين ‪,‬‬
‫كما أمكن إجراء اللقاءات الحية معهم ‪ .‬لقد استطاعت السينما بمعطياتها الكبيرة ‪ ,‬وإمكانياتها‬
‫التكنولوجية المتطورة أن تنفذ إلي أسرار العمل الفني وأن تقف عند المالمح الدالة ‪ ,‬والتعبيرات النابضة‬
‫بوجدان الفنان ‪ ,‬فتركز عليها وتسلط األضواء ‪ ,‬فإذا هي تتكشف للمتفرج فى رؤية شاعرة ‪ ,‬وإذا هو يري‬
‫من خالل العدسة السحرية ما يراه من خالل النظرة المباشرة إلي العمل الفني ‪ .‬وأصبح أمام‬
‫السينمائي التسجيلي أشكال عدة وقوالب مختلفة تتميز فيما بينها حسب الهدف المطلوب بلوغه ‪,‬‬
‫وحسب نوعية وطبيعة المادة المراد تناولها ‪ ,‬وخصائص الجمهور المستهدف ‪ .‬فالطبيعة والحياة تحويان‬
‫صراعات ال تقل في حدتها عن الصراع الدرامي في المسرح أو الرواية أو القصة ‪ ,‬ولكن المهم هو رؤية‬
‫القائم باالتصال للواقع المحيط واختياره للعناصر ذات األهمية للجمهور المستهدف ‪ .‬ولم تقتصر رسالة‬
‫الفيلم التسجيلي علي عالم الفن التشكيلي الرحيب ‪ ,‬وإنما نفذ الفيلم إلي دنيا العلوم بأسرارها‬
‫الغربية ‪ ,‬وإلي العوالم الكونية الزاخرة فحلق في الفضاء ‪ ,‬وغاص في أعماق البحار ‪ ,‬وتحولت المواد‬
‫‪ .‬التعليمية إلي عالم الصورة ‪ ,‬فكان لها نفاذها وفاعليتها‬

‫******‬

‫نستخلص مما سبق أن الفيلم التسجيلي هو شكل مميز من اإلنتاج السينمائي يعتمد كلية علي‬
‫الواقع سواء في مادته أو في تنفيذه ‪ ,‬ال يهدف إلي الربح المادي والتسلية بل يهتم بالدرجة األولي‬
‫بتحقيق أهداف خاصة ترتبط بالنواحي اإلعالمية أو التعليمية أو الثقافية أو حفظ التراث والتاريخ ‪ ,‬مخاطبا‬
‫دائما العقل بشكل أو بآخر ‪ ,‬ويتسم بالمباشرة والوضوح ‪ ,‬وغالبًا ما يتسم بقصر زمن العرض بحيث‬
‫يتطلب درجة عالية من التركيز ‪ ,‬ويتوجه في الغالب إلي فئة محددة ( مجموعة مستهدفة من‬
‫المتفرجين) ‪ .‬وإذا كان شعار الفيلم الروائي والسينما الروائية ( السينما فن وصناعة وتجارة ) ‪ ,‬فإن‬
‫‪ .‬شعار الفيلم التسجيلي والسينما التسجيلية عمومًا هو ( السينما رسالة وفن وعلم )‬

You might also like