Professional Documents
Culture Documents
منذ قرن كانت مهارة الحرفي هي السبيل الوحيد الذي يكفل تسجيل صورة شخص أو مكان أو شيء
من أجل المتعة أو الستخدامها كمرجع ،أما اليوم فقد حل علم التصوير محل تلك المهارة الحرفية .ومنذ
األيام األولى للمونتاج السينمائي وحتى الوقت الحاضر ومعظم حرفية الفيلم الروائي التي انبعثت من
األستوديوهات تبنى على حقيقة أن الكاميرا تستطيع أن تنقل الظواهر فوتوغرافيا على السليلوز
الحساس ،وأنه يمكن من النيجاتيف عمل طبعة تعرض مكبرة على الشاشة بواسطة آلة العرض ،
ونتيجة ذلك أن االهتمام الذي وجه إلى الممثلين والمنظر كان أكثر مما وجه للمنهج الذي عن طريقه
أمكن إظهاره على الشاشة .وهذا النظام اإلنتاجي يتالءم تماما مع التنظيم اإلداري لألستوديو
السينمائي الحديث ،فالحركات المناسبة للكاميرا والميكروفون تخلق أطواال متعددة من السليلويد
تتطلب مجرد التهذيب والجمع في تتابع صحيح لنحصل في النهاية على شيء له طبيعة الفيلم،
وأحيانا تستخدم حيل الكاميرا أو الصوت البارعة إلبراز مثال فكرة مرور زمن أو إلبراز تغير المنظر .إن األمر
ليس بهذه السهولة ،ولكن الناحية الجوهرية هي أن الفيلم المنتج فيض من الحياة ويعبر عن المغزى
.بواسطة نقل التمثيل إلى الشاشة والكلمات إلى مكبر الصوت
لذلك فمهارة الفنان تكمن في معالجة القصة وإرشاد الممثلين في اإللقاء والتعبير بالحركة وتجميع
المناظر المنفصلة على هيئة فيلم وتحركات الكاميرا وتناسب المجموعات .في كل هذا يساعده كتاب
الحوار والمصورون ومهندسو المناظر وخبراء الماكياج ومسجلو الصوت والممثلون أنفسهم ،بينما يقوم
.قسم المونتاج بتجميع المناظر التي تنتهي حسب ترتيبها األصلي
وفي هذه الحدود فإن الفيلم الروائي قد اتبع التقاليد المسرحية في موضوعه بدقة ،وبمرور الزمن
استبدل باألشكال المسرحية األشكال السينمائية ،وبالتمثيل المسرحي التمثيل السينمائي طبقا
.لمتطلبات الكاميرا والميكروفون
إال أن المجموعة الفكرية المقابلة إذ تقر نفس الوظائف األولية للكاميرا والميكروفون وآلة العرض ،تبدأ
في االعتقاد بأن أي شيء يصور أو يسجل على السليولويد ال يكون له معنى حتى يصل إلى منضدة
المونتاج ،وأن المهمة األولية لإلبداع السينمائي تكمن في المنبهات المادية والعقلية التي يمكن أن
يقدمها من يقوم بالمونتاج .فطريقة استخدام الكاميرا والعديد من حركاتها وزوايا الرؤية بالنسبة
لألشياء التي تصور والسرعة التي تظهر بها الحوادث بل وحتى ظهور األشخاص واألشياء أمامها ،كل
هذا تهيمن عليه الطريقة التي ينجز بها المونتاج ،وينطبق هذا تماما على الصوت ،ومثل هذا المنهج
يتضمن أن عقال واحدا يتحمل مسئولية شكل الفيلم الكامل ومعناه ،ويجري عملية المونتاج ،كما يقوم
.في بعض الحاالت بالتصوير ،وذلك حال ال يالئم مناهج اإلنتاج الواسع النطاق بتاتا
وفي هذه الحدود حدث تحول بعيد عن التقاليد المسرحية إلى ميادين الواقع الواسعة ،حيث اعتبرت
تلقائية السلوك الطبيعي خاصية سينمائية ،واستخدام الصوت بطريقة خالقة استخداما ترديديا ،وهذا
.هو األساس الحرفي للفيلم التسجيلي بال شك
إن الفيلم التسجيلي يتطلب طرقا جديدة في بنائه ،ومبادئ جديدة في إنتاجه ،مغايرة لتلك التي تحكم
الفيلم الروائي ،واألهم من كل ذلك أنه يتطلب موقفا جديدا من السينما .فما هو هذا الموقف ،وما هي
المواد والوسائل الفنية التي يستخدمها العاملون في حقل الفيلم التسجيلي للتعبير عن هذا الموقف؟
أما الفيلم التسجيلي فجاذبيته من نوع مغاير تماما ،فليس له قصة فردية ،وال نجوم مشهورين ،وال
يعتمد على الثراء الفاحش الذي تحاط به األفالم الروائية .إن الفيلم التسجيلي يعتمد كلية على
.االعتقاد بأنه ال شيء يجذبنا أكثر من أنفسنا ،إنه يعتمد على اهتمام الفرد بالعالم المحيط به
وإذا تضمن الفيلم التسجيلي أشخاصا فهم ثانويون بالنسبة للفكرة األساسية فيه ،ولذلك فمشاكلهم
الخصوصية ال أهمية لها .وهم في العادة يلعبون دورهم في الفيلم كما يؤدونه في حياتهم العادية
تماما .أما الدراما في القصة والبناء في الشخصيات ،فليس في أيديهم ،بل في طريقة المخرج
وأسلوبه ومنهجه ،إنهم أنماط اختيروا من الجماعة ليصوروا عقلية وتفكير هذا القطاع االجتماعي أو
ذاك .وإذا وجدت مناظر ضخمة ،فألنها أصيلة ،وألنها تنبع بشكل طبيعي من الموضوع .والخالصة هي
أن للفيلم التسجيلي دائما هدفا محددا يرمي إلى تحقيقه ،وهذا الهدف هو الذي يجب أن يكون
.العامل األول في جذب المتفرج
ولكن يجب أن نذكر ان عدم وجود القصة أو النجوم في الفيلم التسجيلي ،يضطر المتفرج إلى
اإلحساس الشديد بوسائل عرض الموضوع ،فالتصوير الضعيف والمونتاج غير المتقن ،أو استعمال
الصوت استعماال غير سليم ،كل ذلك يظهر فيه بوضوح ،بينما في الفيلم الروائي قد يخفي االنبهار
بالموقف نفسه كل هذه العيوب أو بعضها .وهكذا نخرج من ذلك بأن العيوب في الفيلم التسجيلي تبدو
بارزة ألنه ليس هناك ما يخفيها ،ولذلك علينا االهتمام بالحرفية .ولكن دون أن نسمح لها أبدا بأن تلعب
.الدور األول في الفيلم ،ذلك الذي يجب أن يعطى دائما للموضوع وللفكرة
والموضوع في الفيلم التسجيلي يجب أن يعرض بمنتهى الوضوح والتلخيص ،بحيث تمهد كل نقطة لما
بعدها ،وبحيث ال ينقطع حبل التفكير أو تسلسل األفكار .ويجب أن يكون الفيلم التسجيلي قصيرا ،ال
يزيد عن ثالثة أو أربعة فصول ،ففي عصر السرعة الذي نعيش فيه ليس هناك وقت للمناقشات
المطولة .فكثير من الموضوعات لها جوانب متعددة ،وبغير مراعاة الحرص ،يحتمل االندفاع فيها مما
يعقد الموضوع ويطيله .إن عشرين أو ثالثين دقيقة من التركيز التام تساوي الكثير إذا نجح المخرج في
.االستغالل السليم .وهذه المدة في الواقع أقصى ما نستطيع أن نتطلبه من المتفرج العادي
وفى كثير من األحيان يعتقد البعض أن الفيلم التسجيلى هو مجرد فيلم قصير فحسب أو أن القصر هذا
من خصائص الفيلم التسجيلى وحده ,وهذا خطأ ال ينبغى لنا أن ننساق خلفه ,فالفيلم التسجيلي
يمكن أن يكون فيلمًا قصيرًا وممكن أيضا أن يكون فيلمًا طويًال ,وشأنه في ذلك شأن األفالم الروائية ,
فهي من الممكن أن تكون أفالمًا قصيرة أو أفالمًا طويلة والذي يحدد ذلك هو طبيعة الموضوع ذاته
فالموضوع وطريقة المعالجة هو الذي يفرض طول أو قصر الفيلم وليس كونه فيلمًا تسجيليًا أو روائيًا .
هذا وعند التعامل مع الحقيقة فى أحد األفالم يجب أن تتغير الحقيقة نوعًأ ما فيجب أن نختار منها
ونعطيها صيغة معينة وشكًال ما .إن صناع األفالم يحاولون جاهدين أن يعطوا المتفرج اإلحساس
والشعور ,ويقدموا انطباعًا للحقيقة الموجودة فعليًا حتي إذا لجأ بعضهم إلي استخدام التكنيك
السينمائي الواضح إلنجاز هذا .إذا فالسينما التسجيلية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي
.فيها والمعالجة تكون خالفه وهذا هو الجانب الذاتي في السينما التسجيلية
وألن كل اتجاه في السينما يعكس السمات االجتماعية والسياسية للمرحلة التي يظهر فيها ـ وهذه
بدورها انعكاس للظروف االقتصادية القائمة .لذا فإن منهج الفيلم التسجيلي ـ كنوع متميز من الفيلم ،
وكتعبير عن إحساس اجتماعي وتفكير فلسفي يختلف جد االختالف في الهدف والشكل عن دوافع
التسلية الخاصة بالفيلم الروائي ـ قد أصبح حقيقة مادية نتيجة للمطالب االجتماعية والسياسية
.والتعليمية
أى أن الفيلم التسجيلى هو فيلم مصمم أساسا ليقدم معلومات ويؤثر فى المتفرج ويحثه ,أنه فيلم ذو
رسالة يبيع أفكاره فى كل مجاالت المعرفة اإلنسانية ,ويستمد مادته من واقع الحياة ,سواء كان ذلك
مباشرة أو عن تكوين هذا الواقع وهو يعتمد على فكرة رئيسية وتكون له قيمة اجتماعية كذلك .وأهم
ما يميز الفيلم التسجيلى هو أنه ينبع دائمًا من الواقع ,فالواقع هو الموضوع الرئيسى الذى ينطلق منه
ولكن يجب أن يكون الخيال هنا أساسه الواقع ونابعًا منه أى أننا ال يجب أن نترك العنان لخيالنا الروائى
.يبتدع أشياء غير موجودة فى هذا الواقع
وإذا كنا قد أخضعنا الفكرة والموضوع للمناقشة ،فإن التعبير عنها سينمائيا هو من عمل الفنان ،
وبتعاونه مع غيره من الفنانين ،وهذا ال يتأتى إال إذا جمع بين هؤالء الفنانين هدف اجتماعي واحد
يريدون تحقيقه ،وإذا سمحنا للمخرج بأن يفعل ما يشاء في إحدى الجزر النائية ،فإن المخرج الذي
يعمل في الجبهة الداخلية معبرا عن بعض مظاهر المشاكل السياسية واالجتماعية التي تغشى عادة
.مجتمعا بكامله ،يجب عليه أال ينفرد بالرأي إذا أراد أن يكون لعمله أية قيمة
وكثيرا ما نسمع مقولة ان الفيلم التسجيلى اكثر اثارة بالنسبة للمونتير وانه يستطيع فيه التعبير عن
نفسه اكثر .وتكون االسباب المذكورة هى :حرية أكبر فى الحركة ،نوع من الحكاية قابل للتأثر
بالمونتاج ،وفرصة النقاش االعمق مع المخرج .فممارسة السينما التسجيلية كما كانت تمارس جعلت
االخراج والمونتاج فى الواقع فى اتصال حميم .والن غالبية االصوات كانت تضاف فى المونتاج ،فان كال
منها كان يوزن بدقة .فلم يكن يكتفى كما هو الحال فى ايامنا هذه بفيض من الكالم يغرق الجميع .لقد
كان السنيمائى يتعلم كيف يعتمد على المونتاج كعنصر ضرورى فى االخراج نظرًا لعدم توافر التسهيالت
الحالية فى تسجيل الصوت وال الموارد السهلة من "االفالم" التى جاء بها الفيديو .هكذا ،استطاع
المخرجون والمونتيرون لتقاربهم بعضهم البعض من التعاون بشكل اكثر خصوبة .واستمرت هذه الميزة
.عندما كانوا معًا يقومون بعمل فيلم طويل روائى
وهناك اختالف كبير بين تصوير الفيلم التسجيلى وبين تصوير الفيلم الروائى ،ويؤثر هذا االختالف
مباشرة على المونتاج ،ففى الفيلم الروائى ،كل شى معروف مسبقا او مبدئيا ،والراكور يجب ان
يكون موجودًا ،والنصوص وتحركات الكاميرا والممثلين يتم تنظيمها من اجل ذلك .على النقيض من ذلك
يستدعى الفيلم التسجيلى عادة احداثا ال تحدث إال مرة واحدة بحيث يصبح من الصعب "تقطيعها "مع
تغيير احجام اللقطات ومحاورها ومع التداخل الذى يتطلبه المونتاج .حتى وان تعلق االمر بلقاءات ،فان
الشخصيات المتحدثة ال تستطيع ان تحكى بالضبط القصة نفسها بالكلمات نفسها من لقطة إلى أخرى
.النها شخصيات هواة يرتجلون
وهكذا نرى أن مونتاج الفيلم الروائى يميل ،ناحية العرض التمثيلى .لكن مونتاج الفيلم التسجيلى
يجب ان يربط بين العرض التمثيلى والصدق ،والواقع ان المونتاج ال يظهر الواقع ،وانما الصدق او
الكذب .اننا نصل هنا إلى االيديولوجية ،والدرس االخالقى ،فى حدود ان المونتاج يستطيع ان يولد من
االحداث معنى خاطىء ،ومن هنا تكون االفالم الدعائية مخادعة ونسبية
ولكن يظل هناك فرق مهم بين الفيلم التسجيلى والفيلم الروائى ،هو فى الطريقة التى يمر بها الزمن
داخل الفيلم .ان الطريقة التى يمر بها الزمن فى السينما ترتبط ارتباطا وثيقا فى الفيلم التسجيلى
والروائى على السواء بنوعية الشخصيات ،والحوار ,واالخراج ،وهذا ال يعنى ان المتفرجين ال "يفصلون"
فى اى منهما ،وربما ليس الطريقة نفسها او فى الموضع نفسه ،ان حقيقة ان تحكى لنا احداث
حقيقية او غير حقيقية او ان يكون اصحاب هذه االحداث الحقيقيون هم الذين يحكونها لنا ،تؤثر بشكل
هائل على الطريقة التى ندركها .إننا نتقبل من شخص واقعى ان يكون مترددًا ،ولكن بطء ممثل ما
سيجعل صبرنا ينفذ ،ان احد ادوار المونتير الرئيسية هى ان يدرك هذه الفروق الزمنية وان يشعر دائما
.بانقباض او استطالة الزمن المفاجئة .وفى ذلك ،ال تستطيع اية قاعدة او اى نظام ارشاده
اذن نجد أن اهمية الفيلم التسجيلى تكمن فى وجهة نظر السينمائى فى موضوعه اكثر مما تكمن
فى الموضوع نفسه ،وهناك خطأ شائع يعتقد ان الموضوع القوى يكفى لصنع فيلم قوى .فمثال عندما
ُطلب من محمود سليمان أن يقوم بإخراج فيلمًا تسجيليًا ,اختار ان يقدم لنا "السيدة التى تتعيش من
سن السكاكين" بأسم " أنهم يعيشون بيننا " .هذه المرأة المتواضعة ذات المهنة المتواضعة التى
ستختفى ,مثلها فى ذلك كثير من المهن االخرى الصغيرة ،اثارت مشاعرنا اكثر بكثير من النجوم
العاديين الذين ال يمل الناس من ان يحكوا لنا حياتهم الصاخبة .هذه الضرورة فى ايجاد اسلوب محدد
فى تقديم حدث واقعى هى التى يهملها التليفزيون احيانًا .لقد عودنا التليفزيون على رؤية شهادات
ولقاءات ووثائق من االرشيف دون أى راكور صورة .وتتحقق االستمرارية فقط فى الصوت ،سواء تعليقا
يقرأه صحفى شارحا الصور المتتالية ،او كلمات الشخصية المتحدثة التى تدلى بما عندها ،وقد تصور
اللقطات فى تناقض مع اكثر القواعد االسلوبية بدائية المستخدمة فى السينما ولكن ليس لهذا اهمية
تذكر .المهم هو صدق الخطاب .ان غياب االسلوب اصبح اسلوبًا فى حد ذاته ،او دليال على الصدق وقد
استخدم فى الوقت نفسه فى االعالن وفى االفالم التسجيلية السيئة ،فى هاتين الحالتين هناك
.رغبة فى خداع المتفرج ،الننا نحاول ان نجعله يصدق صورًا سرقت من الواقع
إن األفالم التسجيلية تنغمس انغماسًا كامًال في قلب الحياة ,وتعايش الواقع السياسي ,واالجتماعي
,واالقتصادي ,واإلنساني متابعة وراصدة كاشفة ومضيئة .وبناء عليه فرسالة الفيلم التسجيلي لها
خطورتها ودورها وأهميتها من خالل ما يشاهده المتفرج سواء في دور العرض أو علي شاشة
التليفزيون ,ومن خالل عرض الحقائق والظواهر المختلفة تتشكل وجهة نظر المتفرج ويتكون رأي عام
وذوق خاص بما يشاهده ,فمخرج الفيلم التسجيلي يفهم ما يطرحه فهما صادقًا وعميقًا ويحاول أن
يبلوره بفكر وموهبة صادقة وعميقة لكي يضعه في القالب السينمائي المناسب ,ومن خالل تقنيات
سينمائية عالية ومتطورة تفرضها طبيعة التطور الهائل الذي يجتاح عالمنا اآلن .ويعتبر كل فيلم
تسجيلي حالة في حد ذاته ,وبحسب موضوع كل فيلم ونوعيته وظروف إنتاجيه يمكن تحديد شكل
السيناريو الخاص به ,فالمعروف أن المساحة التي يعمل فيها الفيلم التسجيلي مساحة كبيرة جدًا ,
.هي المنطقة الواسعة التي تمتد بين الواقع المحض وبين الخيال المحض
وقد ظل الفيلم التسجيلي طوال عدة سنوات من عمره يعتمد علي الصورة والتعليق ,ومع تطور تقنيات
التصوير ,والتسجيل الصوتي أمكن تبني عناصر السينما المباشرة في الفيلم التسجيلي ,بحيث يمكن
تصوير شخوص الفيلم التسجيلي وتسجيل أصواتهم الحية وهم يتكلمون وهم يتعاملون مع اآلخرين ,
كما أمكن إجراء اللقاءات الحية معهم .لقد استطاعت السينما بمعطياتها الكبيرة ,وإمكانياتها
التكنولوجية المتطورة أن تنفذ إلي أسرار العمل الفني وأن تقف عند المالمح الدالة ,والتعبيرات النابضة
بوجدان الفنان ,فتركز عليها وتسلط األضواء ,فإذا هي تتكشف للمتفرج فى رؤية شاعرة ,وإذا هو يري
من خالل العدسة السحرية ما يراه من خالل النظرة المباشرة إلي العمل الفني .وأصبح أمام
السينمائي التسجيلي أشكال عدة وقوالب مختلفة تتميز فيما بينها حسب الهدف المطلوب بلوغه ,
وحسب نوعية وطبيعة المادة المراد تناولها ,وخصائص الجمهور المستهدف .فالطبيعة والحياة تحويان
صراعات ال تقل في حدتها عن الصراع الدرامي في المسرح أو الرواية أو القصة ,ولكن المهم هو رؤية
القائم باالتصال للواقع المحيط واختياره للعناصر ذات األهمية للجمهور المستهدف .ولم تقتصر رسالة
الفيلم التسجيلي علي عالم الفن التشكيلي الرحيب ,وإنما نفذ الفيلم إلي دنيا العلوم بأسرارها
الغربية ,وإلي العوالم الكونية الزاخرة فحلق في الفضاء ,وغاص في أعماق البحار ,وتحولت المواد
.التعليمية إلي عالم الصورة ,فكان لها نفاذها وفاعليتها
******
نستخلص مما سبق أن الفيلم التسجيلي هو شكل مميز من اإلنتاج السينمائي يعتمد كلية علي
الواقع سواء في مادته أو في تنفيذه ,ال يهدف إلي الربح المادي والتسلية بل يهتم بالدرجة األولي
بتحقيق أهداف خاصة ترتبط بالنواحي اإلعالمية أو التعليمية أو الثقافية أو حفظ التراث والتاريخ ,مخاطبا
دائما العقل بشكل أو بآخر ,ويتسم بالمباشرة والوضوح ,وغالبًا ما يتسم بقصر زمن العرض بحيث
يتطلب درجة عالية من التركيز ,ويتوجه في الغالب إلي فئة محددة ( مجموعة مستهدفة من
المتفرجين) .وإذا كان شعار الفيلم الروائي والسينما الروائية ( السينما فن وصناعة وتجارة ) ,فإن
.شعار الفيلم التسجيلي والسينما التسجيلية عمومًا هو ( السينما رسالة وفن وعلم )