You are on page 1of 25

‫المدارس المنهجية الكبرى‪:‬‬

‫أوال ـ المدرسة اإلسالمية‪:‬‬

‫بنيت مناهج العلوم االجتماعية في نطاق نموذج متأصل في التراث الفلسفي الغربي‪ ،‬باالستناد‬
‫على خلفية معرفية وأيديولوجية‪" ،‬أما منهجيتها فتقوم أساسا على التمييز بين الموضوعية والذاتية‪ ،‬بين‬
‫المالحظة والشعور‪ ،‬بين عالم الشهادة وعالم الغيب‪ ...‬تمييزا إقصائيا "‪ ،‬ويعُد التأصيل اإلسالمي للعلوم‬
‫االجتماعي ة عب ارة عن عملي ة إع ادة بن اء العل وم االجتماعي ة في ض وء التص ور اإلس المي لإلنس ان‬
‫والمجتم ع والوج ود‪ ،‬وذل ك باس تخدام منهج يتكام ل في ه ال وحي الص حيح م ع الواق ع المش اهد كمص در‬
‫للمعرف ة‪ ،‬بحيث يس تخدم ذل ك التص ور اإلس المي كإط ار نظ ري لتفس ير المش اهدات الجزئي ة المحقق ة‬
‫والتعميمات االمبريقية (الواقعية) وفي بناء النظريات في تلك العلوم بصفة عامة‪.‬‬

‫ف إذا ك انت الم داخل أو األط ر المنهجي ة بمثاب ة القواع د‪ ،‬والمخطط ات المس تخدمة في رؤي ة‬
‫الظ واهر االجتماعي ة‪ .‬فهي تص ورات منهجي ة لرؤي ة الواق ع االجتم اعي وتحلي ل أنظمت ه وظ واهره من‬
‫وجهة نظر معينة‪ ،‬فهي عبارة عن نموذج تصوري للكون واإلنسان والمجتمع والتاريخ‪ ،‬وبناء منهجي‬
‫لتحليل هذا المجتمع وتفسير ظواهره في ضوء افتراضات ذلك النموذج التصوري‪ ،‬فالمدخل المنهجي‬
‫اإلس المي‪ :‬ه و تص ور اعتق ادي يأخ ذ من العقي دة اإلس المية منطق ا ومرجع ا لتحلي ل الس لوك اإلنس اني‬
‫والحياة االجتماعية ويفسر بمقتضاها وفي إطارها الظواهر المجتمعية‪.‬‬

‫"إن المذهبية اإلسالمية تقرر أن الحقيقة العلمية ليست حكرا على التجربة‪ ،‬وأن الوجود الواقعي‬
‫ليس حكرا على الوجود المادي‪ ،‬وأن التزام األسلوب العلمي في دراسة الظواهر االجتماعية ال يتحول‬
‫بالض رورة إلى اعتق اد في العلم كطري ق وحي د مش روع ورفض م ا ع داه من الط رق"‪ ،‬وللمنهجي ة من‬
‫منظور إسالمي أداتان ال ثالثة لها‪ ،‬هما‪ :‬العقل والحس‪ ،‬وليس ثمة طريقة لعمل الحس دون عمل العقل‪،‬‬
‫وليس ثمة وسيلة للعقل في أن يمارس عمله خارج إطار الواقع المحسوس"‪.‬‬

‫وتقابل هذه النظرة الكّلّي ة الشاملة لإلنسان نظرّي ات انشطارّية‪ ،‬ترّك ز في مفهومها لإلنسان وفي‬

‫اهتمامها بهذا اإلنسان على جانب أو شطر معّين من شخصّيته‪ ،‬فترّك ز على الجانب الجسمّي أو الماّد ّي‬
‫كما هو الحال عند الماّد ّيين والحّس ّيين‪ ،‬أو ترّك ز على الجانب العقلي فيه كما هو الحال عند العقلّيين أو‬
‫ترّك ز على الج انب ال روحّي كم ا ه و الح ال عن د ال روحّيين وبعض المتص ّو فة‪ ،‬فالم اّد ّيون ينظ رون إلى‬
‫اإلنس ان على أّن ه ج زء ال يتج زأ من الكون‪ ،‬يخض ع لنفس القوانين ال تي يخض ع له ا س ائر أج زاء ذلك‬
‫الكون الذي يتناول ه العلم بالدراس ة والتحلي ل‪ ،‬وعلى أّن ه يخض ع للدراس ة العلمّي ة والوص ف العلمّي كأّن ه‬
‫عّينة معملّية‪.‬‬

‫إن من المعل وم أن هن اك اتفاق ا يش به اإلجم اع بين المهتمين باإلص الح العل وم االجتماعي ة‬
‫والمهتمين بالعمل على زيادة فاعليتها من خالل إعادة صياغتها في ضوء التصور اإلسالمي على أمور‬
‫ثالث‪:‬‬

‫أن من اهج العل وم االجتماعي ة الحديث ة ونظرياته ا‪ ،‬والمس لمات األساس ية ال تي تق وم عليه ا تل ك‬ ‫‪)1‬‬
‫العل وم في ص ورتها الراهن ة‪ ،‬تتض من كث يرا مم ا يتع ارض أو يتن اقض م ع التص ور اإلس المي‬
‫الصحيح لإلنسان والمجتمع والوجود‪.‬‬
‫أن ه ق د ت رتب على ه ذا القص ور واالختالل االبس تيمولوجي عج ز تل ك العل وم عن التوص ل إلى‬ ‫‪)2‬‬
‫تفسيرات ُم رضية للس لوك الفردي أو للظ واهر االجتماعي ة ال في المجتمع ات اإلس المية وحدها‬
‫وإ نما في غيرها من المجتمعات كذلك‪.‬‬
‫أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في تلك المناهج والنظريات والمسلمات بطريقة جذرية‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫مواقف أصحاب االجتهادات في الموضوع (التأصيل اإلسالمي للمعلوم االجتماعية)‪:‬‬

‫إن مواق ف أص حاب االجته ادات تتف اوت فيم ا بينه ا على مقي اس مت درج ذي ط رفين متق ابلين ( يب دأ من‬
‫جهة بمن يرون التركيز على المصادر الشرعية بشكل يكاد يكون كامال في( بعض الحاالت)‪ ،‬إلى من‬
‫ي رون من الجه ة األخ رى الترك يز على مص ادر العل وم االجتماعي ة الحديث ة بش كل يك اد يك ون ك امال‬
‫في( بعض الحاالت )‪.‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬اتخاذ العلوم الشرعية أنموذجا للتأصيل‪:‬‬


‫ي رون أن التأص يل اإلس المي للعل وم االجتماعي ة إنم ا ه و في ج وهره رج وع إلى المص ادر الش رعية‬
‫(ويالحظ أن من يتخذون هذا الموقف في صورته النقية قد يصلون إلى رفض التأصيل اإلسالمي للعلوم‬
‫االجتماعية أصال وال يرون لهذه العلوم أي مشروعية في الوجود) ‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬االنطالق من أنموذج العلوم االجتماعية الحديثة‪:‬‬

‫بينما نجد من المقتربين من الطرف المقابل يرون أن األصل أننا نريد تأصيال إسالميا "لعلوم‬
‫اجتماعية" قائمة بالفعل ولها مصداقيتها وتأثيرها‪ ،‬فهي محور االرتكاز الذي نعتمد عليه وننطلق منه‪،‬‬
‫وال ذي يكفى في إص الحه اس تبعاد م ا خ الف الش ريعة من نت ائج أو نظري ات توص لت إليه ا تل ك العل وم‬
‫(وبطبيع ة الح ال ف إن أص حاب الص ورة النقي ة له ذا االتج اه يك ادون يرفض ون ك ذلك التأص يل اإلس المي‬
‫للعل وم االجتماعي ة وي رون أن نت ائج ه ذه العل وم بص ور تها الراهن ة هي محص لة لتط بيق منهج علمي‬
‫رصين ال يمكن التشكيك في قيمته وال يحتاج تعديال أو إصالحا)‪.‬‬

‫" ك انت الفك رة الش ائعة عن د م ؤرخي العلم اإلنس اني أن الع رب تن اولوا ه ذه العل وم باألخ ذ أو‬
‫بالتعديل أو بالنقد‪ .‬وإ ذا كان مؤرخو العلم األوروبيين‪ ،‬أنكروا فضل العرب الفلسفي‪ ،‬فإنهم لم يستطيعوا‬
‫على اإلطالق إنك ار فض لهم العلمي‪ ،‬لكن على أس اس أن ه نتيج ة لعل وم اليون ان خاص ة‪ ،‬ونحن نعلم أن‬
‫أفك ار الحس ن بن الهيثم عاش ت في أوروب ا إلى زم ان ليس ببعي د عن ا‪ ،‬كم ا نعلم أن أبح اث الطوس ي في‬
‫الرياضيات وتناوله لهندسة أقليدس ومصادراته‪ ،‬بقيت زمنا طويال يتناولها علماء أوروبا‪ ،‬كما نعلم أن‬
‫كت اب ابن س ينا الط بي ـ الق انون‪ ،‬بقي المرج ع األساس ي لكلي ات الطب في أوروب ا ح تى الق رن الس ابع‬
‫عشر""‪.‬‬

‫لق د ت وّفر للمس لمين من ذ الق دم األس لوب العلمي والمنطقي في البحث‪ ،‬خاّص ة في مج ال العل وم‬
‫الطبيعّي ة والكيمياء‪ ،‬والطب والصيدلة والعلوم الكونّية‪ ،‬فللعلم خصائص واضحة في القرآن الكريم ومنها‬
‫استناده على اإلثبات والبراهين واألدلة‪ ،‬وهذا اإلثبات البد أن يكون واضحا موضوعيا جمهوريا تراه‬
‫جماعة مستفيضة من الناس العدول الرشداء في حالتهم السوية من التعقل واإلدراك‪.‬‬

‫وُيعتبر الفارابي من المتقّد مين في تاريخ تقّد م الفكر‪ ،‬ومن أبرز علماء العرب الذين حاولوا أن‬
‫يؤّس سوا منهًج ا لعلم االجتماع‪ ،‬وعلى الرغم من أّنه تأّثر بفكر أرسطو وأفالطون‪ ،‬إاّل أّنه حاول أن يدمج‬
‫كّل ذلك بالفكر اإلسالمي من خالل كتابه المشهور "أراء أهل المدينة الفاضلة"‪ ،‬الذي أق ّر فيه عن بداية‬
‫االهتم ام بالحاج ة اإلنس انية إلى االجتم اع والتع اون‪ ،‬بمع نى أّن اجتم اع اإلنس ان بأخي ه اإلنس ان ه و‬
‫ضرورة فطرّية واجتماعّية‪ ،‬فعندما يتّم االجتماع يتحّقق التعاون من خالل تقسيم العمل االجتماعي على‬
‫أقوام تختّص كّل فئة بحرفة أو مهنة معّينة‪ ،‬ومن ثّم يتحّقق التكامل‪.‬‬

‫ثم ابن خل دون‪ ،‬مث ل س ابقيه الموس وعيين العظم اء‪ ،‬ال ذين نبغ وا في أك ثر من تخص ص‪ ،‬وك انوا‬
‫ق ادرين على الم زج بين العل وم الش رعية‪ ،‬واإلنس انية‪ ،‬والطبيعي ة‪ ،‬ويرونه ا كله ا ـ إذا ص لحت الني ة‬
‫والهدف ـ علوما إسالمية‪ ،‬وتسمى فلسفة التاريخ عند ابن خلدون بـ" الخلدونية" وهي ‪ ( :‬نظرية جديدة‬
‫مستقلة‪ ،‬لكنها قد تلتقي مع بعض الفلسفات الحديثة‪ :‬كفلسفة هيجل‪ ،‬وماركس‪ .‬لكنها تنهج نهجا متميزا‪،‬‬
‫بوصفها عطاًء فكريا نظريا في مرآة فلسفة تاريخية ذات استحياء واقعي‪ ،‬يمكن تسمية فكرها التاريخي‬
‫بالت اريخ المنظ ور‪ ،‬أي ‪ :‬القاب ل للنظ ر بوس اطة الش هادة المعيش ة‪ ،‬أو الوثيق ة واألرش يف)‪ ،‬ك ان ابن‬
‫خلدون‪ ،‬وهو يتحدث في الفكر التاريخي‪ ،‬أو العمراني‪ ،‬أو السياسي يعتمد على القرآن والسنة‪ ،‬وقصص‬
‫األنبياء‪ ،‬اعتمادا مباشرا‪ ،‬وتحدث عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم (باعتباره النموذج األعلى لتطبيق‬
‫شريعة اإلسالم‪ ،‬التي يدعو إليها ابن خلدون‪ ،‬ويعمل على بيان جدارتها‪ ،‬وأحقيتها وحدها‪ ،‬للتطبيق على‬
‫المجتمع اإلنساني)‪.‬‬

‫المدرسة الوضعية‪: positivism‬‬

‫المدرسة الوضعية‪:‬‬

‫أساس ها الفك ر الوض عي الق ائم على القيم والفلس فة النابع ة من واق ع الحي اة والمع اش‪ ،‬والمرتك ز‬
‫على ما هو طبيعي محسوس عيني وجودي ال على ما هو غيبي ورائي ومثالي‪ ،‬وبذلك فإن المدرسة‬
‫الوضعية نتاج فكر نابع من قيم وفلسفة واقعية‪ .‬فالوضعية تسعى إلى وصف وتحليل الظواهر في إطار‬
‫وجوده ا ك أمر واق ع دون محاول ة تغي ير ه ذا الواق ع‪ .‬لق د ُأطلقت العدي د من التس ميات على الم ذهب‬
‫الوض عّي ‪ ،‬مث ل االّتجاه الطبيعّي ‪ ،‬االّتجاه االمبريقّي واالّتج اه الس لوكّي ‪ ،‬فض اًل على إطالق كلم ة "العلم"‬
‫ذاته ا على ه ذا الم ذهب‪ ،‬وعن دما ُينس ب إلي ه لف ظ الم ذهب ف إّن المقص ود ب ذلك اعتب اره بمثاب ة‬
‫االبستيمولوجيا الفلسفّي ة التي تحظى بالنفوذ الفكرّي في نطاق العلوم االجتماعّية وبدرجات متفاوتة‪.‬‬
‫ترجع بداية المدرسة الوضعية إلى "أوجست كونت" في القرن التاس ع عشر‪ ،‬واستمدت قواعدها‬
‫وتص وراتها النظري ة المتعلق ة بالموض وع والمنهج من البيولوجي ا‪ ،‬فعلى مس توى الموض وع اعتم دت‬
‫المدرس ة الوض عية نم وذج التط ور ال بيولوجي‪ ،‬متخ ذة من ه إط ارا نظري ا في دراس ة التط ور المجتمعي‪،‬‬
‫وسعت إثر ذلك إلى الكشف عن قوانين التطور بأسره‪ ،‬وعلى مستوى المنهج وبالرغم من أن أنصار‬
‫المدرسة الوضعية أقروا بأهمية التجربة‪ ،‬إال أنهم عجزوا عن ابتكار نموذج تجريبي يمكن تطبيقه على‬
‫الوقائع المجتمعية‪ ،‬ومقابل ذلك كانت المقارنة بمثابة البديل المنهجي للتجربة‪ ،‬خاصة أن المقارنة حقق‬
‫استخدامها نجاحا بالغا في تقدم العلوم البيولوجية‪.‬‬

‫أوجست كونت ‪ 1798 (Auguste Comte‬ــ ‪:)1857‬‬

‫ه و فيلس وف اجتم اعي فرنس ي‪ ،‬وع الم اجتم اع‪ ،‬ويعت بره الكث يرون المؤس س الفعلي لعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬وهو مبدع كلمة سوسيولوجيا‪ ،‬جاءت أفكاره متفقة مع أستاذه " سان سيمون" ‪ ،‬ولق د دع ا ك ل‬
‫منهما إلى أهمية وجود علم مستقل عن الفيزياء الطبيعية‪ ،‬يهتم بدراسة الحياة االجتماعية والعمل على‬
‫اكتشاف القوانين االجتماعية‪ ،‬التي يمكن استخدامها في دراسة الظواهر والمشكالت والقضايا الواقعية‬
‫(ولكن بعد هذه فترة انفصل كونت عن أستاذه‪ ،‬وبدأ يهاجم كل منهما اآلخر) ‪ ،‬ويعتبر كونت استقرائيا‬
‫من خالل دعوته إلى مالحظة الظواهر واكتشاف القوانين‪ ،‬ورفضه األنساق الميتافيزيقية للفالسفة‪.‬‬

‫من أهم مؤلفاته‪:‬‬

‫أسس الفلسفة الوضعية‪ Course of positive philosophy:‬في ست مجلدات كاملة نشرت في‬ ‫‪o‬‬
‫الفترة من ‪ 1830‬ـ ‪.1842‬‬

‫مذهب السياسة الوضعية ‪ :System of positive politics‬في أربع مجلدات وركز على دراسة‬ ‫‪o‬‬
‫علم االجتماع النظري‪ ،‬وحل مشكالت العصر وإ صالحه‪ ،‬ظهر في الفترة من (‪ 1851‬ـ‬
‫‪.)1854‬‬
‫سعى كونت لتلخيص أفكاره الوضعية‪ ،‬وظهر ذلك في مؤلفين آخرين وهما (نظرة على‬ ‫‪o‬‬
‫الوضعية)‪ ،‬والثاني (موجز الوضعية وذلك عام ‪.)1855‬‬
‫وقد كتب كونت يقول" وأعني بالفيزياء االجتماعية ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر االجتماعية‬
‫موض وعا لدراس ته باعتب ار أن ه ذه الظ واهر من نفس روح الظ واهر الفلكي ة والطبيعي ة والكيماوي ة‬
‫والفسيولوجية من حيث كونها موضعا للقوانين الطبيعية الثابتة‪.‬‬

‫األسس المنهجية التي تقوم عليها الدراسات االجتماعية‪:‬‬

‫يعد القرن التاسع عشر قرن التأسيس العلمي للدراسات االجتماعية‪ ،‬حيث أسس كونت المدرسة‬
‫الوضعية التي كانت تدعو إلى ضرورة دراسة المجتمع باستخدام نفس األساليب المستخدمة في العلوم‬
‫الطبيعية‪ ،‬وتغطي كافة المنظورات التي تتبنى الدعاوى التالية‪:‬‬

‫أن الحقيقة تنحصر في كل ما هو متاح أمام إدراك الحواس‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أن العلوم الطبيعية واالجتماعية تشترك في أساس منطقي ومنهجي واحد‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أن ثم ة فرق ا جوهري ا بين الواق ع والقيم ة‪ ،‬ف العلم يتعام ل م ع الواق ع (المحس وس)‪ ،‬بينم ا تعكس‬ ‫‪.3‬‬
‫القيمة نظاما للظواهر يتميز باختالفه التام وخروجه عن نطاق العلم‪.‬‬

‫وتعترف الوضعية بشكلين اثنين فقط من أشكال المعرفة‪ ،‬باعتبارهما يحظيان بالشرعية والنفوذ الفكري‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬

‫الش كل االم بريقي‪ :‬وتمثل ه العل وم‪ ،‬وال ذي نس بت ل ه األهمي ة الك برى‪ ،‬اس تلهم الش كل االم بريقي‬ ‫‪‬‬
‫مبادئ ه من ال تراث الفلس في ال ذي م ؤداه أن ك ل أفكارن ا تنبث ق من الخ برة ـ ‪ Experience‬ـ ـ‬
‫ومص درها الخ برة الحس ية‪ ،‬وأي فك رة ال تك ون مس تقاة من تل ك الخ برة ليس ت ب الفكرة الج ديرة‬
‫باالهتمام‪.‬‬
‫والشكل المنطقي‪ :‬ويعكسه المنطق وتشاركه الرياضيات في ذلك‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وتتلخص األس س المنهجي ة ال تي تق وم عليه ا الدراس ات االجتماعي ة عن د "إيم ل دورك ايم"‪ 1‬كأح د رواد‬
‫المدرسة الوضعية في المسلمات اآلتية‪:‬‬

‫إن هناك وحدة في الطبيعة‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫إن الظواهر االجتماعية جزء من العالم الموضوعي أو هي واقعية‬ ‫‪‬‬
‫إن هذه الظواهر تخضع لقوانين ومبادئ خاصة هي قوانين طبيعية ومن ثم فهي تخض ع‬ ‫‪‬‬
‫للبحث العلمي الذي يجب بدوره أن يسترشد بمجموعة قواعد متعددة‪.‬‬

‫وهي مجموعة األسس التي تقوم عليها المدرسة الوضعية‪ ،‬من اعتبار اإلحساس وحده مصدرا للمعرف ة‬
‫االجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلى اعتبار النموذج الطبيعي سلطة مرجعية للعلوم اإلنسانية‪ ،‬وإ خضاع الظواهر‬
‫االجتماعي ة للتج ريب‪ ،‬ويعت بر دورك ايم الظ واهر االجتماعي ة على أنه ا أش ياء خارج ة عن ذواتن ا وه و‬
‫يقول‪" :‬إن الظواهر االجتماعية "أشياء" ويجب أن تدرس على أنها أشياء"‪.‬‬
‫ولقد كان من أخطر نتائج األخذ بالنموذج الطبيعي‪ ،‬أنه تم توحيد الظاهرة اإلنسانية واالجتماعي ة‬
‫بالطبيع ة فس ادت "واحدي ة العل وم"‪ ،‬ال تي س عى دعاته ا إلى فص ل النش اطات اإلنس انية عن ك ل المع ايير‬
‫األخالقية‪ ،‬حتى لم يعد هناك فرق بين اإلنسان والطبيعة‪/‬المادة‪ ،‬بل أصبح جزءا منها ويخضع لقوانينها‬
‫وب ذلك يخض ع لس ماتها ويقب ل بالقي اس الكمي ال دقيق والقابلي ة للتق نين‪ ،‬وك ان من نت ائج ذل ك‪ ،‬اخ تزال‬
‫الظ واهر اإلنس انية في جوانبه ا الحس ية والفيزيقي ة‪ ،‬ح تى لم يع د هن اك ف رق بين الظ واهر اإلنس انية‬
‫والطبيعية‪.‬‬
‫ولقد رفض كثير من العلماء الغربيين فكرة "واحدية العلوم"‪ ،‬وأصروا على التمييز بين الظ واهر‬
‫الطبيعي ة واإلنس انية موض وعا ومنهج ا‪ ،‬أمث ال "ديثلي"‪ Wilhem,Dilthey‬وغ يره من أنص ار "‬
‫الهرمينوطيقا الذين ناهضوا النزعة الوضعية‪.‬‬

‫المنهج الوضعي في فهم المجتمع‪:‬‬

‫ـ ‪ Emile Durkheim‬ايميل دوركايم (‪ 1858‬ـ ‪ :)1917‬فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي‪ ،‬أحد مؤسسي علم االجتماع‬ ‫‪1‬‬

‫الحديث‪ ،‬تتلمذ على أيدي أوجست كونت‪ ،‬وسان سيمون‪ ،‬كرس اهتمامه في علم االجتماع بدراسة التربية والدين‬
‫والقانون‪ ،‬أسس عام ‪1898‬حولية علم االجتماع ‪ ، L'année Sociologique‬من أهم مؤلفاته‪ :‬تقسيم العمل‪ ،‬قواعد‬
‫المنهج في علم االجتماع‪ ،‬االنتحار‪ ،‬الفرد والحياة الجمعية‪.‬‬
‫إذا ك انت المعرف ة الوض عية ت ؤمن باس تحالة الوص ول إلى الحق ائق المطلق ة‪ ،‬وتؤك د على مب دأ‬
‫النسبية‪ ،‬فهي لذلك تولي عناية كبيرة الكتشاف القوانين‪ ،‬ومن ثم الوصول إلى المعرفة الوضعية‪ ،‬وهذه‬
‫األخيرة لن تتحقق إال عن طريق المنهج الوضعي الذي تحدده أربعة إجراءات منهجية أساسية للبحث‬
‫هي‪:‬‬
‫المالحظة‪ " :‬وتقتصر على استخدام الحواس الفيزيائية"‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫التجربة‪ :‬وهي التجربة االجتماعية التي تتم من خالل مقارنة ظاهرتين متشابهتين في كل شيء‬ ‫‪.2‬‬
‫ومختلفتين في شيء جزئي واحد‪.‬‬
‫المنهج المق ارن‪ :‬وتتم المقارن ة أفقي ا وعمودي ا‪ ،‬وهي تكتس ي أهمي ة كب يرة بالنس بة للدراس ات‬ ‫‪.3‬‬
‫االجتماعية؛ حيث يمكن عقد مقارنات بين المجتمعات الحيوانية واإلنسانية‪ ،‬أو بين المجتمعات‬
‫التي تعيش زمنا بعينه‪ ،‬أو بين الطبقات االجتماعية داخل المجتمع الواحد‪.‬‬
‫المنهج الت اريخي‪ :‬وه و أهم اإلج راءات جميعه ا‪ ،‬ح تى أن ك ونت يس ميه المنهج الس امي؛‬ ‫‪.4‬‬
‫وينحص ر في تقصي القوانين العام ة للتغير المس تمر في الفكر اإلنس اني‪ ،‬وليس االقتصار على‬
‫مجرد سرد األحداث فقط‪.‬‬
‫وه ذا م ا ظه ر بوض وح‪ ،‬في معالجات ه السوس يولوجية المتم يزة مث ل معالجت ه لق انون المراح ل‬
‫الثالث ‪ ،Law of Three Stages‬ومحاولته لوضع نظرية عن التقدم الطبيعي ‪Natural progress‬‬

‫للمجتمع اإلنساني تلك الفكرة التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر والممثلة في فكرة النشوء‬
‫والتطور‪.‬‬

‫قانون الحاالت الثالث ‪Law of Three Stages :‬‬

‫لقد استطاع كونت أن يضع قانون الحاالت الثالث والتي يرى أنه توصل لها من خالل تعمقه في تاريخ‬
‫الفك ر البش ري وتفحص ه وتحليل ه‪ ،‬وك ذا االهتم ام بواق ع حاض ره ه و م ا أت اح ل ه اكتش اف ه ذا الق انون‪،‬‬
‫وينص ه ذا الق انون‪ ،‬على أن ك ل معارفن ا بمختل ف مجاالته ا وعلى اختالفه ا وتنوعه ا ودون اس تثناء ق د‬
‫مرت بثالثة مراحل نظرية مختلفة هي‪:‬‬

‫فالحالة األولى يسميها كونت الحالة الالهوتية أو التخيلية‪. The Theological stage‬‬ ‫‪)1‬‬
‫ويسمي الثانية الميتافيزيقية أو التجريدية ‪. The Metaphsical stage‬‬ ‫‪)2‬‬
‫ويسمي الثالثة بالمرحلة العلمية‪ ،‬أو الوضعية ‪. The positive stage‬‬ ‫‪)3‬‬
‫وهذه المراحل أعتبرها مناهج إال أنه استقر على المرحلة األخيرة واعتبرها منهج علمي‪ ،‬هذا‬
‫المنهج ال ذي يس اعد على التط ور‪ ،‬وه و منهج نم وذجي ويعت بر بالمقاب ل المنهج الميت افيزيقي مج رد‬
‫نم وذج عب ور إلى العلمي‪ ،‬ي رتب ك ونت الح االت على مراحله ا إذ ع رف الفك ر البش ري أوال المنهج‬
‫الغيبي إذ كان اإلنسان يرد العلل إلى قوى فوق طبيعية كثيرة تتدخل في تسيير العالم‪ ،‬فكانت األشياء‬
‫والحوادث مرتبطة بها ويتم البحث عنها خارجا وفق ذلك المنهج‪ ،‬ثانيا ومع مرور الزمن تغير المنهج‬
‫األول من الق وى ف وق طبيعي ة إلى الق وى المج ردة ينس ب إليه ا ح دوث األش ياء ألنه ا مرتبط ة بمختل ف‬
‫موجودات العالم‪ ،‬ثالثا فقد هجر اإلنسان المناهج والطرق السابقة في التفكير وصب جل اهتمامه في‬
‫البحث واكتشاف القوانين التي تعمل على حدوث الظواهر والعالقات القائمة بينها وتفسيرها ودراستها‬
‫اعتم ادا على المالحظ ة وإ عم اال لجه د العق ل من خالل التجرب ة ال تي ع ّر فت اإلنس ان عن الطاق ة ال تي‬
‫يمتلكها والقوة التي بحوزته‪ ،‬وعرفته على وحدة قوانين الطبيعة‪.‬‬

‫أهم االنتقادات التي وجهت للمدرسة الوضعية‪:‬‬

‫تعرض ت الوض عية كأس س منهجي للعدي د من االنتق ادات‪ ،‬تع ود في غالبيته ا إلى رفض التعام ل‬
‫مع الظواهر اإلنسانية كأشياء مجردة‪ ،‬يرى معارضو الوضعية أن السلوك اإلنساني غير قاب ل للخض وع‬
‫لق وانين عام ة ودقيق ة‪ ،‬وأن ه ال يمكن فهم الع الم االجتم اعي إال من خالل وجه ة نظ ر األف راد ال ذين‬
‫يش كلون الج زء األساس ي من الظ اهرة االجتماعي ة‪ ،‬ب ل ال يمكن الح ديث عن ظ اهرة اجتماعي ة ب دونهم‪،‬‬
‫وعلي ه ي رى ه ؤالء أن فهم الظ واهر االجتماعي ة ال يمكن أن يتم إال من خالل الب احث ال ذي يش ارك‬
‫اإلنسان ظروفه وله نفس خلفيته المرجعية‪،‬‬

‫"يظه ر القص ور أو الض عف عن د تط بيق الم ذهب الوض عي على م ا يتعّل ق بالحي اة االجتماعّي ة‬
‫اإلنس انية‪ ،‬ل ذلك ك ان على الم ذهب الوض عي أن يتج اوز مش كلة التمي يز بين م ا ه و إنس انّي وم ا ه و‬
‫م اّد ي‪.....‬كم ا أّن ه ذا التمي يز ي ّد عي أّن ك ّل م ا ه و إنس انّي وروحّي وعقلّي أو ذه نّي ‪ ،‬إّنم ا يمّثل نظاًم ا‬
‫للظ واهر يختل ف عن نظ ام الظ اهرة الماّد ّي ة‪ ،‬وال يمكن أن ُيفهم بواس طة الط رق المالئم ة ل ذلك النظ ام‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫لقد لجأ بعض الوضعّيين إلى رفض هذا التراث رفًض ا قاطًع ا بواسطة اختزال كّل ما هو إنسانّي‬
‫إلى مجموع ة من المظ اهر ذات الطبيع ة الماّد ّي ة‪ ،‬وفي ه ذه الحال ة تتح ّو ل الحي اة اإلنس انية إلى ف رع من‬
‫الكيمياء أو البيولوجيا أو إلى علم النفس السلوكي‪.‬‬

‫الوضعية المحدثة‪:‬‬

‫الوض عية المحدث ة هي اتج اه نظ ري في علم االجتم اع‪ ،‬يع ود أول اس تعمال له ا كمص طلح به ذه‬
‫التس مية إلى "نيكوال تيماشيف"‪ ،‬وق د ج اء اس تخدام ص فة "المحدثة" أو "الجديدة" لتوض يح م دى التش ابه‬
‫واالختالف عن وضعية "أوغست كونت" والتي تعرف بالوضعية الكالسيكية أو التقليدية‪ ،‬والمالحظ أن‬
‫استعمال الوضعية المحدثة لم يحظ بنفس االنتشار الواسع الذي لقيت ه الوضعية الكالسيكية‪ ،‬حتى أنه‬
‫عن د أي اس تعمال لكلم ة الوض عية تتب ادر إلى ال ذهن مباش رة وض عية "ك ونت" أساس ا‪ ،‬ونظ را لالنتش ار‬
‫الواسع لهذه األخيرة على حساب الوضعية المحدثة‪ ،‬فقد ساد استعمال مصطلح "علم اجتماع الرياضي"‬
‫أو االتجاه الرياضي في علم االجتماع كمرادف للوضعية المحدثة عوضا عن ذلك‪.‬‬

‫تعود ركائز النزعة الوضعّية الُم حَد ثة بعد انهيار المذهب التط ّو ري إلى ما يتص ّو ره الوضعّيون‬
‫الجدد بأّن مناهج العلم الطبيعي مناسبة لدراسة الظاهرة االجتماعّي ة‪ ،‬حيث تشكلت الوضعية المحدثة‬
‫من خالل التأليف بين عناصر ومنطلقات نظرية تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫النزع ة الكّم ّي ة‪ :‬وهي ال تي تعتم د على منهج الع د والقي اس أساس ا في دراس تها‪ ،‬وت دعو إلى‬ ‫‪)1‬‬
‫ضرورة تعميم هذا المنهج على مختلف مجاالت العلم‪.‬‬
‫النزع ة الس لوكّية‪ :‬وهي ال تي تس تند على أفك ار ع الم النفس الروس ي الش هير "إيف ان ب افلوف‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫وتعتق د أن الش عور ال يمكن معرفت ه موض وعيا‪ ،‬أي ال يمكن أن نطب ق علي ه المنهج العلمي‬
‫الطبيعي‪.‬‬
‫االبستمولوجيا الوضعية وتستمد جذورها من الفلسفة البراغماتية األمريكي ة (النفعّي ة)‪ :‬حيث‬ ‫‪)3‬‬
‫يحص ر نط اق المعرف ة أساس ا في االنطباع ات الحس ية‪ ،‬وم ا ت ؤدي إلي ه من نت ائج‪ ،‬وذل ك على‬
‫اعتبار أن واقع الشيء‪ ،‬يتوقف بالدرجة األولى على إمكانية حدوثه كليا أو جزئيا‪ ،‬على شكل‬
‫مجموع ة من االنطباع ات الحس ية‪ ،‬وال تي هي بمثاب ة خ برة يع بر عنه ا بمفه وم العلي ة‪ ،‬وحين‬
‫نتمكن من التوصل إلى عدد من االنتظامات في هذه االنطباعات الحسية‪ ،‬عندها فقد نستطيع‬
‫التحدث عن القوانين‪.‬‬

‫إن الوضعية المحدثة تؤكد على أن معرفتنا عن العالم تأتي عن طريق العلوم التجريبية وحدها‪ ،‬وذلك‬
‫باالستناد إلى تلك المبادئ المتعلقة باستخدام الطرق الكمية وباالستناد على مبدأين أساسيين‪ ،‬هما‪:‬‬

‫مب دأ التحق ق‪ :‬وال ذي نتح رى أو نخت بر بواس طته ص دق أو ك ذب الفرض يات عن طري ق ع دد‬ ‫‪)1‬‬
‫مح دد من األحك ام والمالحظ ات المدعم ة باألرق ام‪ ،‬وال تي يمكن الحص ول عليه ا (األرق ام)‪،‬‬
‫بالتجربة الحسية‪.‬‬
‫مبدأ اإلجرائية‪ :‬والذي يعني أن كل المعرفة ترجع إلى مجموعة من اإلجراءات (العمليات)‬ ‫‪)2‬‬
‫ال تي يق وم به ا اإلنس ان خالل نش اطه‪ ،‬فال يمكن معرف ة أهمي ة ومع نى أي مفه وم م ا لم نض ع‬
‫إجراءات نتمكن بواسطتها من قياس الظواهر التي يعبر عنها ذلك المفهوم‪.‬‬

‫أوجه الشبه واالختالف بين الوضعية الكالسيكية والمحدثة‪:‬‬

‫يمي ل الوض عيون المح دثون إلى األخ ذ بج ل منطلق ات الوض عية األص يلة عن د ك ونت في فهم‬
‫الواقع‪ ،‬واالهتمام باالتجاه الوضعي بوجه عام والذي في أساسه يركز على تأكيد مقولة أن العلم هو‬
‫وح ده ال ذي يمل ك الحقيق ة " أن الحقيق ة ال نص ل إليه ا إال ب العلم وب العلم وح ده"‪ ،‬وذل ك باالعتم اد على‬
‫منهج وضعي في فهم المجتمع (وهي المالحظة‪ ،‬التجرب ة‪ ،‬المقارنة‪ ،‬واالستدالل التاريخي)‪ ،‬إال أنهم‬
‫يختلف ون معه ا في ك ونهم اس تبدلوا المنهج الت اريخي عن د ك ونت بالمن اهج اإلحص ائية والرياض ية‪ ،‬كم ا‬
‫اختلفت المماثالت العضوية التي قدمها كونت بما في ذلك ما أطلق علي ه بالفيزياء االجتماعية ليحل‬
‫محلها اعتمادا متزايدا على المناهج الرياضية المستخدمة في علم الفيزياء الحديث‪.‬‬

‫بعض رواد الوضعّية الُم حَد ثة‪:‬‬

‫‪ ‬ج ورج لن دربرغ ‪ 1895( Lunndberg‬ـ ‪ :)1966‬ع الم اجتم اع ومن أب رز ممّثلي االّتج اه‬
‫الوضعي الحديث الذي يهدف إلى تحديد اإلجراءات المنهجّية في ضوء االّتفاق واالقتناع بتحديد المفاهيم‬
‫من خالل البحث عن ال دالئل التجريبّي ة أو اإلحص ائّية ال تي تمّثل الظ واهر االجتماعّي ة‪ ،‬وتص ّو رها في‬
‫ض وء مجموع ة من اإلج راءات المح ّد دة وي رى ج ورج لن دربرج ب أّن ك ّل العل وم االجتماعّي ة أو غ ير‬
‫االجتماعّي ة هي بالض رورة أداة أو وس يلة تكّيفّي ة‪ ،‬فك ّل بحث يب دأ ع ادة بع دم الت وازن ال ذي يستش عره‬
‫الكائن العضوي وهذا ما يّتفق تماًم ا مع النزعة السلوكّية التي تتجّنب اإلشارة إلى أّي ة وقائع أو حقائق‬
‫عقلّي ة‪ ،‬ل ذلك تح اول ك ل ض روب التكّي ف في الحي اة اإلنس انّية االق تراب من موق ف الت وازن ال ذي يمّثل‬
‫الحالة الطبيعّية لألمور‪ ،‬وهذا ما يّتفق مع النظرّية السائدة في العلوم الطبيعّية المعاصرة‪.‬‬
‫أغبورن ‪ Ogburn‬م‪ :‬عالم اجتماع أمريكي‪ ،‬كان إحصائيا ومرّبًي ا‪ ،‬وقد لعب دورا محور يا‬ ‫‪‬‬
‫في وض ع حج ر األس اس لالّتجاه ات االجتماعّي ة الحديث ة لق د س عى أغب ورن من خالل دراس اته إلى‬
‫الحص ول على مع امالت ارتب اط بين المظ اهر المختلف ة للظ واهر‪ ،‬مؤّك ًد ا في ذل ك على الموض وعات‬
‫التكنولوجّية واالقتصادّية‪ ،‬وكان مؤّلفه الشهير "اآلثار االجتماعّية للطيران ‪ 1936‬م"‪ ،‬قد جعله قريًب ا من‬
‫الجناح الرياضي للوضعّية الُم حَد ثة‪.‬‬
‫فرانسيس ستيوارت تش ابين ‪ :S. Chapin‬أس تاذ علم االجتم اع‪ ،‬لعب دورا هام ا في إنش اء علم‬ ‫‪‬‬
‫االجتم اع الكّم ي اإلحص ائي في الوالي ات المّتح دة األمريكّي ة م ا بين ‪ 1920‬م و ‪1940‬م‪ ،‬يع د من بين‬
‫الوض عيين الُم ح َد ثين المعت دلين‪ ،‬كون ه اس تعان باالّتج اه التجري بي ال ذي يتمّي ز بدّق ة المنهج التجري بي‪،‬‬
‫والفكرة األساس ّية التي يرتكز عليها هذا المنهج كما ورد في مؤّلفه "التصميمات التجريبّي ة في البحوث‬
‫السوسيولوجّية"‪ ،‬تدور حول منطق التجربة المعملّية‪.‬‬

‫وعموًم ا فإّن الوضعّيين المحدثين يميلون إلى االهتمام باالّتجاه الوضعي الذي يسعى إلى تأكيد‬
‫أّن العلم وح ده ه و ال ذي يمل ك الحقيق ة‪ ،‬كم ا يّتفق ون م ع ك ونت في اعتم اد المالحظ ة واالس تدالل عن د‬
‫إج راء التحلي ل السوس يولوجي‪ .‬كم ا توح د الوض عية المحدث ة إلى درج ة كب يرة بين األس اليب العلمي ة‬
‫والتكميم والقياس‪.‬‬

‫المدرسة الماركسية‪:‬‬
‫الماركس ية تي ار سياس ي وفك ري ومنهج‪ ،‬ينس ب لمدون ة أفك ار"ك‪.‬م اركس" وبدرج ة أق ل إلى‬
‫"ف‪.‬انجل ز"‪ ،‬وترتك ز الماركس ية سياس يا‪ ،‬على تحلي ل الت اريخ والمش اركة في الحرك ة الواقعي ة لص راع‬
‫الطبق ات‪ ،‬من أج ل اإلحاط ة بالنظ ام الرأس مالي‪ ،‬وتنب ني من اهج التحلي ل الماركس ي على دراس ة الت اريخ‬
‫االقتص ادي واالجتم اعي‪ .‬تحل ل الماركس ية المجتم ع ع بر مالحظ ة الوض عية المادي ة‪ ،‬السياس ية‪،‬‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬لكن هذه الوضعية تتنوع بحسب الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪ 1‬ـــ من هو كارل ماركس‪:‬‬

‫ك ارل هنري ك م اركس(‪ 1818‬ـ ‪ :)1883‬ك ان فيلس وف ألم اني‪ ،‬واقتص ادي‪ ،‬وع الم اجتم اع‬
‫وم ؤرخ‪ ،‬وص حفي واش تراكي ث وري‪ ،‬لعبت أفك اره دورا هام ا في تأس يس علم االجتم اع وفي تط وير‬
‫الحركات االشتراكية‪ ،‬واعتبر من أهم االقتصاديين في التاريخ ومن أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ‬
‫البشرية‪ ،‬استحوذت حكومات اشتراكية ثورية تتبنى الفكر الماركسي على الحكم في العديد من البلدان‬
‫في القرن العشرين‪ ،‬مما أدى لتكوين دول اشتراكية كاالتحاد السوفياتي سنة ‪ ،1922‬وجمهورية الصين‬
‫الش عبية س نة ‪ .1949‬كم ا ت أثرت العدي د من نقاب ات وأح زاب العم ال عالمي ا ب الفكر الماركس ي‪ .‬نش ر‬
‫العديد من الكتب أهمها بيان الحزب الشيوعي‪ ،‬ورأس المال‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ مصادر المدرسة الماركسية‪:‬‬

‫انبثقت الماركس ية من مؤلف ات ك ارل م اركس‪ ،‬التي س اعده "فريدريك انجلز" في بعض ها‪ ،‬وعلى‬
‫ال رغم من أن اس م ك ارل م اركس ق د اق ترن ل دى الكث يرين بت اريخ علم االجتم اع وتط وره‪ ،‬ف إن أعمال ه‬
‫نفسها ظلت محل جدل وخالف وتباين قبول الناس لها بشكل واضح‪ ،‬ففي (المعسكر الشرق أيام الحرب‬
‫الب اردة) اعت برت الماركس ية فلس فة عظيم ة األهمي ة ش ديدة الت أثير‪ ،‬في حين ك ان تأثيره ا في الغ رب‬
‫(سابقا) أقل ظهورا وتقديرا حتى عدة عقود‪ ،‬ومن مصادر الفلسفة الماركسية نذكر‪:‬‬

‫أوال ـ الفلسفة األلمانية‪:‬‬


‫من أبرز رجاالت الفلسفة الكالسيكية األلمانية الفيلسوف "هيجل" (‪ 1770‬ـ ‪ ،)1823‬والذي نظر‬
‫إلى الع الم الط بيعي والت اريخي وال روحي بوص فه عملي ة‪ ،‬أي في حرك ة دائم ة‪ ،‬وفي تغ ير دائم (عملي ة‬
‫ديالكتيكي ة)‪ .‬و"ل وفيج فيورب اخ" (‪ 1804‬ـ ‪ )1872‬لعبت فلس فته المادي ة دورا هام ا في وض ع م اركس‬
‫وانجلز للرؤية المادية‪.‬‬
‫ثانيا ـ االقتصاد السياسي االنجليزي‪:‬‬
‫النظري ات االقتص ادية ال تي وض عها ك ل من "آدم سميث" و "ديفيد ريك اردو"‪ ،‬والل ذان أوض حت‬
‫نظريتهما أهمية األساس االقتصادي لنشاط الناس‪ ،‬كما أوضحا أن تطور المجتمع يرتكز على التفاعل‬
‫االقتصادي بين الناس‪.‬‬
‫ثالثا ــ االشتراكية الطوباوية‪:‬‬
‫ومن أهم رموزها "سان سيمون"‪ ،‬و "فورييه"‪ ،‬و "روبرت أوين"‪ ،‬والذين ركزت أفكارهم على‬
‫مطالبتهم بضرورة انتشار الملكية العامة (الجماعية) والعمل الجماعي‪ ،‬بما يسمح بالقضاء على بؤس‬
‫الجماهير‪.‬‬
‫فعلى ض وء االنج ازات النظري ة ألب رز رج االت الفلس فة واالقتص اد السياس ي‪ ،‬واالش تراكية‬
‫الطوباوية‪ ،‬وضع ماركس وانجلز نظرية فلسفية جديدة كل الجدة تجمع ألول مرة في تاريخ العلم بين‬
‫المادية الفلسفية والمنهج الدياليكتيكي‪ ،‬وتعطي تفسيرا علميا لحياة المجتمع البشري‪.‬‬
‫ب دأ "ك ارل م اركس" بدراس ة األوض اع ال تي ك انت س ائدة في بريطاني ا في النص ف األول من‬
‫الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬معت برا إياه ا نموذج ا عام ا للبالد الص ناعية الرأس مالية‪ .‬ومن خالله ا اس تخلص‬
‫نموذج ا يفس ر من خالل ه تط ور المجتمع ات اإلنس انية‪ .‬واس تند في دراس ته على منهجي ة مح ددة تع رف‬
‫بالمنهج الجدلي أو الدياليكتيكي؛ هذه المنهجية التي استوحاها من الفلسفة "الهيجلية المثالية" ال تي ت درس‬
‫األشياء كحقائق في حركة دائمة غير منقطعة‪ ،‬تقوم أساسا على مبدأ النفي‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ الفلسفة الجدلية‪:‬‬

‫وتعني أن القانون الذي يحكم الكون هو قانون الحرك ة والتغ ير المس تمرين‪ ،‬وذل ك على عكس‬
‫فلسفة الثبات التي تعني أن السكون واالستقرار هما القانونان اللذان يحكمان الكون‪.‬‬

‫أسس الفلسفة الجدلية المادية‪:‬‬

‫ــ وحدة وصراع المتضادات (األضداد)‪ :‬يرى ماركس أن كل شيء هو طبيعي‪ ،‬وأن كل ظاهرة تنهض‬
‫على طرفين متعارضين‪ ،‬ومن المستحيل أن يضل هذان الطرفان في سالم‪ ،‬ولكن من المحتمل أن يتولد‬
‫بينهم ا ص راع‪ ،‬وه ذا الص راع ال يقض ي على وح دة الش يء أو الظ اهرة‪ ،‬ب ل ي ؤدي إلى تغلب الط رف‬
‫المعبر عن التقدم على الطرف اآلخر‪ ،‬فيحدث التحول؛ وهذا هو السبيل إلى التطور‪ ،‬وبالتطبيق على‬
‫الواقع السياسي‪ ،‬نجد أن المجتمع الرأسمالي يضم في آن واحد طبقتي البرجوازية والبروليتارية‪ ،‬وكل‬
‫طبقة منهما تفرض وجود الطبقة األخرى؛ وعلى الرغم من التعارض القائم بينهما‪ ،‬فإنهما يؤلفان وحدة‬
‫النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫ــ االنتق ال من الكم إلى الكي ف‪ :‬وه و الق انون ال ذي يعكس التط ور ال بوص فه مج رد تغ ير س طحي‬
‫لألش ياء‪ ،‬ب ل باعتب اره تغ يرا ج ذريا يمس جوانبه ا الداخلي ة‪ ،‬بمع نى أن ه يهتم بكيفي ة س ير التط ور‪ ،‬حيث‬
‫ي رى م اركس أن ه عن دما ت تراكم التغ يرات الكمي ة وتتزاي د(من ناحي ة المق دار)‪ ،‬ف إن التغ ير الكيفي (من‬
‫ناحية الصفات) ال يلبث أن يتم والعكس صحيح‪ .‬فمثال إذا اختفت الملكية الخاصة وهي الكيفية األساس ية‬
‫للنظام الرأسمالي‪ ،‬وحلت محلها الملكية العامة(النظام االشتراكي)‪ ،‬فان نظاما جديدا يحل محل النظام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬والمتمثل في النظام االشتراكي‪.‬‬

‫ــ نفي النفي‪ :‬وه و الق انون ال ذي ينص على أن التط ور عملي ة ص اعدة‪ ،‬أي ارتق اء من األدنى إلى‬
‫األعلى‪ ،‬ومن البس يط إلى المعق د‪ ،‬ويكش ف ه ذا الق انون عن االتج اه الع ام للتط ور في الع الم الم ادي‪.‬‬
‫فت اريخ المجتم ع اإلنس اني يت ألف من حلق ات نفي أو س لب النظم الجدي دة للقديم ة؛ إذ أن ك ل نظ ام جدي د‬
‫يقضي على النظام السابق له‪ ،‬فمثال نجد أن مجتمع الرق قد قضى على المجتمع البدائي‪....‬إن مفهوم‬
‫النفي ال يعني أن الجديد يقضي على القديم نهائيا‪ ،‬وإ نما يحتفظ من القديم على أفضل ما فيه ويدمج ه في‬
‫الجديد ويرقيه إلى أعلى‪.‬‬

‫ويمكن أن نلخص مميزات المنهج الديالكتيكي الماركسي فيما يلي‪:‬‬

‫النظ ر إلى الطبيع ة بوص فها كال موح دا ومتماس كا ترتب ط في ه الموض وعات والظ واهر ارتباط ا‬ ‫‪‬‬
‫عضويا فيما بينها‪.‬‬
‫النظ ر إلى الطبيع ة بوص فها في حال ة حرك ة وتب دل مس تمرين‪ ،‬وتج دد ونم و ال ينقطع ان إذ ثم ة‬ ‫‪‬‬
‫دائما شيء ما يولد وينمو وآخر ينحل ويزول‪.‬‬
‫النظ ر إلى س يرورة النم و بوص فها انتق اال من التب دل الكمي الخفي إلى التب دل الج ذري الكيفي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫والنظ ر إلى التب دل الكيفي بوص فه تب دال ض روريا يحص ل بقف زات ويس ير أب دا إلى األم ام من‬
‫القديم إلى الجديد ومن البسيط إلى المركب ومن األدنى إلى األعلى‪.‬‬
‫النظ ر إلى الطبيع ة وظواهره ا من زاوي ة تناقض ها ال داخلي‪ ،‬أي النظ ر إلى جانبه ا الس الب‬ ‫‪‬‬
‫وجانبه ا الم وجب‪ ،‬إلى ماض يها ومس تقبلها‪ ،‬إلى م ا يختفي فيه ا ويظه ر‪ ،‬ألن مض مون النم و‬
‫الداخلي هو صراع األضداد وألن كل شيء يخضع للظروف والزمان والمكان‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ المادية التاريخية‪:‬‬

‫ترتب ط المادي ة التاريخي ة ارتباط ا تمام ا باإلط ار الع ام للمادي ة الجدلي ة‪ ،‬وتعت بر امت دادا طبيعي ا‬
‫وواقعيا لقضايا الدياليكتيك وفروضه‪ .‬فإذا كانت المادية الجدلية تهتم بالوجود الموضوعي المستقل عن‬
‫ال وعي وبتط ور الع الم والق وانين العام ة ال تي تحكم ه‪ ،‬ف إن المادي ة التاريخي ة تع نى ب الوجود االجتم اعي‬
‫كواقع اجتماعي مستقل عن الوعي االجتماعي لإلنسان وبتطور المجتمع وقوانينه‪ ،‬وبهذا تعني المادية‬
‫التاريخي ة تط بيق المادي ة الجدلي ة على المجتم ع ويعرفه ا "غليزرم ان" بأنه ا النظري ة العام ة العلمي ة‬
‫التاريخي ة ال تي تم استخالص ها من دراس ة التكوين ات االقتص ادية واالجتماعي ة‪ ،‬وهي في نفس ال وقت‬
‫منهج لتحصيل المعرفة"‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ أهم المفاهيم الماركسية‪:‬‬

‫األساس والبناء الفوقي‪ :‬يع ني األس اس مجم وع عالق ات اإلنت اج ال تي تش كل البن اء االقتص ادي‬ ‫‪o‬‬
‫للمجتمع‪ ،‬أما البناء الفوقي فيعني مجموع األفكار والتنظيمات والنظم‪.‬‬
‫قوى اإلنتاج‪ :‬هي مجموعة الوسائل التي تساعد على إنتاج السلع المادية‪ ،‬وتضم أدوات اإلنتاج‬ ‫‪o‬‬
‫واألفراد‪.‬‬
‫عالقات اإلنتاج‪ :‬وهي العالقات التي تنشأ بين الناس من جراء عملية اإلنتاج والتبادل وتوزيع‬ ‫‪o‬‬
‫الس لع المادي ة‪ ،‬وخاص ة فيم ا يتعل ق بكيفي ة تمل ك وس ائل اإلنت اج‪ ،‬كاألراض ي والمب اني واآلالت‬
‫مثال‪.‬‬
‫أسلوب اإلنتاج‪ :‬ومعناه االرتباط القائم بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫أسلوب اإلنتاج= قوى اإلنتاج ‪ +‬عالقات اإلنتاج‬

‫‪ 6‬ــ بعض نقاط القوة في الماركسية‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ـ لفت م اركس االنتب اه إلى األوض اع المأزوم ة للفئ ات المحروم ة في المجتم ع الرأس مالي‪ ،‬وأوض ح‬
‫كيف أن مختلف عناصر البناء االجتماعي تعمل على استمرار الالمساواة االجتماعية على نطاق واسع‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أوضح ماركس في نقده للرأسمالية أنها ليست نظاما حتميا وال عصيا على الهدم‪ ،‬وفي هذا السياق‬
‫رفض التصور السائد بأن الرأسمالية لها وجود مستقل وبذلك كشف زيف أسطورة قوة الرأسمالية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ قب ل ظه ور م اركس ك ان علم اء االجتم اع يوجه ون ج ل اهتم امهم إلى محاول ة فهم الوض ع الق ائم‬
‫وليس انش غالهم بتق ديم تحلي ل نق دي م دفوع بالرغب ة في تحس ين األوض اع الراهن ة ألف راد المجتم ع‪ .‬ولم‬
‫يهتموا إال اهتماما ضئيال بقضايا مثل القدرات واإلمكانات البشرية واإلبداع اإلنساني‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ قدم ماركس بتبنيه للمنهج الجدلي ـ بديال للنظريات السابقة التي أخفقت في التعرف على العالقات‬
‫الخفية بين مختلف عناصر العالم االجتماعي وكيف تعمل هذه العالقات على التأثير في هذا العالم‪ ،‬وقد‬
‫أوضح كيف أن العالقات االجتماعية يمكن أن تكون لها نفس قوة األبنية االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ابتك ر م اركس ع ددا من المف اهيم الجدي دة مث ل اقتص اد الس وق الح ر‪ ،‬تق ديس الس لع‪ ،‬التش يؤ‪،‬‬
‫االيديولوجيا‪ ،‬االغتراب‪ ،‬التي أثرت على تصورات علماء االجتماع الذين جاءوا بعده‪.‬‬

‫يمكن إرجاع بعض االتجاهات واآلراء المناهضة للماركسية إلى قصور في فهم كتابات ماركس‬
‫نفسها‪ ،‬من ذلك مثال أشهر نقد لماركس يركز على‪:‬‬

‫‪‬نبوءته بوقوع الثورة التي لم تقع حتى اآلن‪.‬‬


‫‪ ‬مبالغته في التأكيد على البناء االجتماعي‪ ،‬خاصة نوعيات البناء الموجودة في المجتمع الرأسمالي‪ ،‬وذلك‬
‫على حساب اهتمامه بالعالقات االجتماعية‪.‬‬
‫األهمي ة ال تي أواله ا م اركس للطبق ة و الص راعات الطبقي ة في تفس ير التغ يرات التاريخي ة‬ ‫‪‬‬
‫األساس ية في المجتم ع البش ري جعلت ه يهم ل عالق ات اجتماعي ة أخ رى على ج انب كب ير من األهمي ة‬
‫خاصة القومية والصراع بين األمم‪.‬‬
‫ع دم كف اءة الماركس ية في تفس ير العالق ات الطبقي ة في أنم اط المجتمع ات المغ ايرة للنم ط‬ ‫‪‬‬
‫الرأسمالي‪.‬‬
‫لم يعمق بناء المجتمعات الحديثة الهوة بين البرجوازية و البروليتاريا ولم تختلف منه الشرائح‬ ‫‪‬‬
‫الوسطى من السكان كما أن الطبقة البروليتارية لم تحقق نموا في الوعي االجتماعي بحيث تقوم ب دورها‬
‫التاريخي في الثورة على ما تصور ماركس‪.‬‬

‫ونش ير في األخ ير إلى أن الماركس ية المحدث ة ه و مص طلح يطل ق على أولئ ك المفك رين‬
‫المتمس كين بالماركس ية التقليدي ة كم ا ج اءت عن د م اركس كإط ار نظ ري ومنهجي‪ ،‬ولكنهم ينتق دونها في‬
‫بعض الج وانب‪ .‬وتب دو محاول ة عب د الباس ط عب د المعطي في تق ديم تعري ف إج رائي للماركس ية المحدث ة‬
‫مهمة‪ ،‬حيث لخصها في النقاط التالية‪:‬‬

‫أن الماركسية الجديدة تسلم ابتداء بمفهومات الماركسية ومنطقها المنهجي‪ ،‬والقوانين العامة التي‬ ‫‪)1‬‬
‫توصلت إليها‪.‬‬
‫أن الماركس ية الجدي دة تنطل ق من الحق ائق الجدي دة ال تي يفرزه ا الواق ع أو بعب ارة أك ثر دق ة‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫تتعامل مع القوانين النوعية للتطور االجتماعي‪.‬‬
‫أن الماركس يين الج دد يمكن أن يكون وا ك ل من ال تزم بالبن دين األولين وأتى بع د ال رواد‬ ‫‪)3‬‬
‫المؤسس ين‪ ،‬وق دم إس هاما على طري ق فهم الحق ائق الجدي دة‪ ،‬بش رط أال يخ رج عن اإلط ار الع ام‬
‫المعرفي واإليديولوجي للنظرية‪.‬‬

‫المدرسة البنائية الوظيفية‬


‫ح اولت النظریة البنائیـة الوظیفي ة تفسـير الظـواهر االجتماعي ة من خالل م ا يمكن أن تقدم ه من‬
‫أفكار حول̠ كيفية عمل المجتمعات‪ ،‬ولماذا توجد المؤسسـات واألعراف؟ والنظر ٕاإلى المجتمع باعتباره‬
‫نسق في التوازن‪ ،‬وهذا النسق هو بنـاء منظم ومكون من عدد مـن األجزاء المترابطـة‪ ،‬ولـكل جـزء (أو‬
‫نظـام) مـن هـذه األجـزاء وظیفة یؤديها للحفاظ على بقاء النسق وتوازنه‪.‬‬

‫أوال ــ معنى الوظيفية‪:‬‬

‫يعتبر مصطلح الوظيفية من المصطلحات التي يكثر الجدل حولها في العلوم االجتماعية‪ ،‬وهذا‬
‫راج ع إلى اختالف ات اس تخدامه في الرياض ة والبيولوجي ا وفي العل وم االجتماعي ة وح تى في الدارج ة‬
‫وبمع اني مختلف ة‪ .‬فالوظيفي ة تس تخدم بمع نى‪ :‬النش اط االجتم اعي‪ ،‬وفي كتاب ات أخ رى كم ا تح ّد ث عن ه‬
‫ماكس فيبر تستخدم الوظيفية ككلمة مرادفة للمهنة أو العمل الذي يقوم به الفرد‪.‬‬

‫ويتساءل نيكوال تيماشيف‪ " :‬ما هي الوظيفية"‪ ،‬ويجيب بأن هذا أمر تصعب اإلجابة عليه‪ ،‬وهذا‬
‫راج ع إلى االختالف الكب ير بين اص طالحي " وظيف ة" و "وظيفي" في علم االجتم اع واألنثروبولوجي ا‬
‫الثقافية كما تستخدم الوظيفية بمعنى رياضي‪ ،‬فهي تسير إلى مقدار أهمية متغير ما‪ ،‬تحدد بدورها مقدار‬
‫أهمية متغير آخر‪ ،‬وهذا ما ظهر في أعمال سوروكين‪ ،‬وهناك معنى آخر لهذه الكلمة " تتصل اتصاال‬
‫وثيقا بموقف علم االجتماع واالنثروبولوجيا‪ ،‬إذ يستخدم لإلشارة إلى اإلسهام الذي يقدمه الجزء من أجل‬
‫استمرار الكل‪ ،‬وهذا الكل قد يكون متمثال في المجتمع والثقافة‪ ،‬فعلى الرغم من االختالف بين رادكيف‬
‫ب راون ومالينوفس كي إال أنهم ا متفق ان على أن لب التحلي ل ال وظيفي يمكن في دراس ة الج انب ال ذي‬
‫تلعبه"الفقرات الثقافية واالجتماعية" في المجتمع‪.‬‬
‫وحين نستعرض أعمال االتجاه البنائي الوظيفي نجد أنها وإ ن اختلفت في التفاصيل ـ تتفق على‬
‫النظر إلى الوظيفة على أنها تعني " األثر والنتيجة" وحينما يضاف مصطلح " البناء" فإن ذلك معناه أن‬
‫البناءات تؤدي وظائف‪ ،‬ويعد مفهوم " الدور" في هذا الحال من المفهومات المحورية سواء لفهم النتائج‬
‫أو اآلثار؛ أو لفهم مكونات البناء االجتماعي‪ .‬فالدور هو "الوظيفة بمعنى أن السلوك الذي يؤديه الجزء‬
‫من أج ل بن اء الك ل" وأنم اط العالق ات من األدوار الشخص ية هي ج وهر البن اء االجتم اعي‪ ،‬وبالمث ل‬
‫أنماط العالقات بين النظم االجتماعية هي المفهوم األشمل لبناء المجتمع ككل‪.‬‬

‫ومن ه يمكن ع رض جمل ة التحدي دات المتعلق ة بمفه وم الوظيف ة االجتماعي ة عن د رواد مفك ري النظري ة‬
‫البنائية الوظيفية كما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ دل قسم منها على العمل‪ ،‬وظهرت هذه الداللة في كتابات ماكس فيبر‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ دل قسم منها على مفهوم األنشطة االجتماعية التي يمارسها الفرد في مركزه االجتماعي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ذات داللة رياضية لإلشارة إلى وجود عالقة بين عامل متغير واحد مع عدة عوامل متغيرة أخ رى‬
‫وذات تأثير على قيمها‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ذات داللة اجتماعية كما ظهرت عند كتابات كارل منهايم الذي الحظ أن الحقيقة االجتماعية ما‬
‫هي إال وظيف ة الزم ان والمك ان ال تي تح دث في ه‪ ،‬واس تعمال ال ديمغرافيين ال ذين يرجع ون ارتف اع أو‬
‫انخفاض معدل الوالدات إلى طبيعة المكانة االقتصادية للفرد‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ذات داللة بيولوجية عضوية التي تشير إلى العملية العضوية التي تساهم في المحافظة على سالمة‬
‫أفراد المجتمع وبقائهم‪ ،‬استعملها رادكيف براول‪.‬‬

‫ثانيا ــ ما هي البنيوية الوظيفية ؟‬

‫البنيوي ة الوظيفي ة هي رؤي ة سوس يولوجية ت رمي إلى تحلي ل ودراس ة ب نى المجتم ع من ناحي ة‬
‫والوظائف التي تقوم بها هذه البنى من ناحية أخرى‪ ،‬وبهذا المعنى فان وجود البنى االجتماعية يلزم‬
‫وجود وظائف لها‪ .‬هكذا فالبنية االجتماعية لها وظيفة تؤديها‪ ،‬وكل شئ محكم السير في المجتمع دون‬
‫انتظار للصراع‪ ،‬فالمجتمع عبارة عن لوحة فسيفسائية من الوظائف متسقة ومتوازنة‪ ،‬وللوظيفية ثالثة‬
‫أشكال‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ الوظيفي ة الفردي ة‪ :‬وهي حاج ات الف اعلين االجتم اعين والب نى االجتماعي ة ال تي تظه ر لتلبي ة ه ذه‬
‫الحاجات‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الوظيفية العالقانية‪ :‬وهنا يقع التركيز على آليات العالقات االجتماعية التي تساعد في التغلب على‬
‫التوترات التي تمر بها العالقات االجتماعية‪ ،‬وهذا النوع نجده موضوع اهتمام لدى االنثربولوجين‬
‫أمثال راد كلييف براون و مالينوفسكي ‪ .‬فالوظيفية العالقاتية تعمل مثال عبر شعيرة طقسية من‬
‫الشعائر على التخفيف من التوترات في إطار العالج النفسي ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الوظيفي ة االجتماعي ة‪ :‬ويتم الترك يز على الب نى والمؤسس ات االجتماعي ة الك برى وعلى عالقاته ا‬
‫ببعض ها البعض وتأثيراته ا الموجه ة لس لوكات األف راد والمجتمع ات كالوظيفي ة ال تي تق وم به ا مؤسس ات‬
‫كالجامعة أو المستشفى أو اإلذاعة أو التلفزيون أو األسرة أو المسجد أو المدرسة… فالموضوع متعلق‬
‫بالمجتمع ال باألفراد ‪.‬‬

‫ثالثا ــ البنائية الوظيفية؛ أصول االتجاه‪ ،‬وأهم الرواد‪:‬‬

‫يع د االتج اه البن ائي ال وظيفي ق ديم ق دم النظري ة في علم االجتم اع‪ ،‬حيث أن بعض الم ؤرخين‬
‫يرجع ون ألص وله إلى اإلغري ق وتض رب بج ذورها في أعم ال ال رواد المؤسس ين لعلم االجتم اع‪ ،‬إذ‬
‫تجس دت في أعم ال معظم علم اء األنثروبولوجي ا وعلم االجتم اع‪ ،‬ويرج ع أص ول الم ذهب الح ديث إلى‬
‫"منتس يكيو" وق د يمت د ج ذوره إلى ك ونت‪ ،‬حيث أك د ك ونت على دراس ة الظ واهر االجتماعي ة في حال ة‬
‫التالزم في الوج ود وال ذي أس ماه االس تاتيكة االجتماعي ة‪ ،‬وين درج تحت ذل ك قول ه " جمي ع النظم‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬والمعتق دات‪ ،‬واألخالقي ات التي توج د في مجتم ع معين‪ ،‬ترتب ط ارتباط ا متب ادال فيم ا بينه ا‪،‬‬
‫ول ذلك فإن ه ينبغي إذا أردن ا تفس ير إح داها‪ ،‬أن نكتش ف أوال ذل ك الق انون ال ذي يح دد كيفي ة ارتب اط ه ذه‬
‫الظاهرة بجميع الظواهر األخرى"‪.‬‬

‫كم ا س اهم هرب رت سبنس ر ببعض المالحظ ات الجدي دة بالنس بة للمفه وم ال وظيفي في دراس ة‬
‫المجتم ع حيث بّين نم اذج تطوري ة المجتمع ات تش به النم اذج العض وية‪ ،‬موض حا درج ات التب اين في‬
‫األبني ة المعق دة بحيث يمكن قياس ها من خالل األنم اط المختلف ة التي تظهر به ا العناصر المكون ة للبن اء‪.‬‬
‫فعندما يتكون البناء من عدد من العناصر المتشابهة أو المترابطة فإن كل عنصر منها يميل إلى االكتفاء‬
‫الذاتي ولكن عندما يتألف من عناصر غير متشابهة‪ .‬أي حينما يكون البناء متمايزا من الناحية الداخلية ـ‬
‫يك ون هن اك درج ة عالي ة من االعتم اد المتب ادل بين األج زاء؛ ومن ثم ة كلم ا زادت درج ة التم ايز بين‬
‫مكونات البناء زادت درجة تكامل البناء ككل‪.‬‬

‫إال أن أغلب مناقش ات الوظيفي ة الحديث ة تع ود إلى دورك ايم‪ ،‬ال ذي ت أثر مث ل "هرب رت سبينس ر"‬
‫باالتجاهات العضوية حيث مّيز في كتابه عن " تقسيم العمل االجتماعي بين وظيفة تقسيم العمل وسببه‬
‫الفع ال‪ ،‬فالوظيفي ة تتمث ل في تكام ل أو إع ادة تكام ل المجتم ع‪ ،‬أم ا الس بب ف يرجع إلى تزاي د "المس افة‬
‫األخالقي ة" الناتج ة عن الض غط الس كاني‪ ،‬ويتلخص رأي دورك ايم فيم ا يلي‪ ":‬عن دما يك ون هن اك ض غط‬
‫س كاني متزاي د وتفاع ل اجتم اعي متزاي د أيض ا‪ .‬يح دث تص دع في ض وابط المجتم ع البس يط وزي ادة في‬
‫المنافس ة‪ ،‬مم ا يه دد النظ ام االجتم اعي‪ ،‬ولكن ه يمكن التقلي ل من ح دة ه ذه المنافس ة‪ ،‬أو التحكم فيه ا عن‬
‫طريق إدخال المهام المتخصصة التي تجعل الناس أكثر اعتمادا على بعضهم البعض‪ ،‬وأكثر قدرة على‬
‫تقبل االلتزامات المتبادلة"‪.‬‬

‫إال أن دورك ايم كغ يره من ال ذين س بقوه تعرض وا لنق د ش ديد ه ذا ال ينفي مس اهمتهم الفعال ة في‬
‫تقدم هذا االتجاه ونجاحه‪ .‬وكما سبق الذكر فإن األصول العلمية الحديثة لالتجاه البنائي الوظيفي يرجع‬
‫إلى ماليوفسكي إضافة إلى رادكليف براون حيث كان هدفهم هو دحض أفكار كال المذهبين االنتشاري‬
‫والتط وري الل ذان س يطرا على التفك ير االن ثروبولوجي في الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬حيث اتفق ا م ع القض ية‬
‫القائلة بأن المجتمعات اإلنسانية تنمو من أشكال بسيطة إلى أشكال أكثر تعقيدا‪.‬‬

‫أصول النظرية من األنثربولوجيا إلى البيولوجية إلى السوسيولوجية ‪:‬‬

‫ظه ر مص طلح الوظيفي ة في الثالثين ات من الق رن العش رين عن د علم اء االنثربولوجي ا على‬
‫الخص وص‪ ،‬أمث ال راد كلي ف ب راون ومالينوفس كي‪ .‬وفي األربعين ات دَّر س ه ذان العالم ان في جامع ة‬
‫ش يكاغو مم ا أدى إلى انتش ار مص طلح االنثربولوجي ا الوظيفي ة في الوالي ات المتح دة األمريكي ة‪ .‬وفيم ا‬
‫بعد مثلت أعمال كل من تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون البنيوية الوظيفية في أعمق ما كتب حول‬
‫النظرية التي تنظر إلى المجتمع باعتباره نظاما نسقيا يتمتع بالكثير من االنسجام بين مكوناته البنيوية ‪.‬‬

‫أما النظرية البيولوجية فتعد أحد مرجعيات الوظيفية‪ ،‬ومنها يمكن القول انه إذا كانت العناصر‬
‫المكونة للجسم اإلنساني تكّو ن وحدة بيولوجية متكاملة‪ ،‬أي لوحة فوسيفسائية متكاملة تتسم باالنسجام ‪،‬‬
‫إال أن الوظيف يين وكم ا ه و الح ال في النظري ة االجتماعي ة البيولوجي ة في مالحظاته ا لف روق بين الجس م‬
‫البش ري والمجتم ع ال يتج اهلون أيض ا عنص ر الص راعات في المجتمع ات لكنهم ينظ رون إليه ا بوص فها‬
‫توترات بريئة‪ .‬أي أنها عبارة عن تمهيدات إلى إقامة نظام اجتماعي أفض ل‪ .‬فهي في منظورهم ايجابية‬
‫وليست هدامة للمجتمع ‪.‬‬

‫إن البنيوي ة الوظيفي ة كنظري ة سوس يولوجية ت رى المجتم ع ع دد من التنظيم ات المتراتب ة ال تي‬
‫يساهم كل منها في االستقرار االجتماعي للمجتمع وتركز أكثر على التوازن االجتماعي للمجتمع وليس‬
‫على التغ ير االجتم اعي ‪ .‬فالنس ق االجتم اعي عب ارة عن مجموع ة من العناص ر المترابط ة فيم ا بينه ا ‪،‬‬
‫وأي خلل في أحدها البد وان يؤثر في باقي العناصر‪ .‬وبدورهم يقول الوظيفيون أن النسق االجتماعي‬
‫يمكن أن يحافظ على االستقرار طالما أن كل عنصر يقوم بوظيفة ‪.‬‬

‫يعتبر الرواد الثالثة كونت ودوركايم وسبنسر أهم الرواد االجتماعيين الذين أثروا تأثيرا كبيرا‬
‫على النظري ة البنيوي ة الوظيفي ة‪ ،‬ومن أهم رواد ه ذا االتج اه ن ذكر‪ ،‬مالينوفس كي‪ ،‬راد كلي ف ب راون‪،‬‬
‫روبرث ميرثون‪ ،‬تالكوت بارسونز‪ ،‬وبعض مساهمات ماكس فيبر‪.‬‬

‫مسلمات تحليل الظاهرة االجتماعية من منطلق وظيفي‪:‬‬

‫على الرغم من التباينات بين روافد البنائية الوظيفية فإن هناك اتفاقا عاما حول المسلمات التي‬
‫تنطلق منها أدوات تحليل الظاهرة االجتماعية والتي يمكن أن نلخصها في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ لع ل المس لمة األولى تتعل ق بفك رة" النس ق االجتم اعي" حيث ي رى أص حاب ه ذا االتج اه أن المجتم ع‬
‫ه و نس ق يت ألف من مجموع ة من األج زاء المترابط ة بنائي ا ووظيفي ا ولكن م ا مع نى التراب ط ال وظيفي؟‬
‫ويؤك د ه ذا االتج اه على أن التراب ط البن ائي يتم من خالل عملي ة التب ادل العض وي بين عناص ر النس ق‬
‫وأجزائ ه ويتم ذل ك على أس اس تحدي د األدوار واألفع ال ال تي تحت وي على التب اين من حيث األداء‬
‫وطبيعت ه‪ .‬ونظ را لوج ود التب اين يش كل بالض رورة االعتم اد المتب ادل بين األج زاء‪ ،‬غ ير المتش ابهة في‬
‫األدوار ومن ثم يخلق نوعا متميزا من التضامن العضوي‪ ،‬أو الوظيفي القائم على المنفعة العامة للنسق‬
‫الكلي‪ ،‬في إط ار قواع د وق وانين منظم ة لألفع ال واألدوار وأي خ روج عنه ا ي ؤدي إلى انح راف يه دد‬
‫أسس بناء المجتمع وتوازنه‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تتعلق هذه المسلمة بفكرة التكامل إذ يرى أصحاب هذا االتجاه فيه طبيعة متأصلة وليست مكتسبة‬
‫فهن اك مي ل ط بيعي وفط ري للتكام ل والتض امن والوح دة أي رفض الص راع‪ .‬ويفس ر ه ذا من وجه ة‬
‫نظ رهم "ب أن الص راع إن وج د فه و ليس القاع دة ب ل ه و االس تثناء إذ يمث ل انحراف ا عن مع ايير النس ق‬
‫االجتماعي بحكم طبيعته ومسار اتجاه تقدمه‪ .‬هذه الصورة موجودة لدى مؤسسي علم االجتماع سواء‬
‫بصورة واضحة أو مستترة بدء من كونت وماكس فيبر‪...‬‬

‫‪ 3‬ـ ترتب ط ه ذه المس لمة بال دعوة إلى االس تقرار والثب ات‪ :‬أي أن أص حاب ه ذا االتج اه ال يأخ ذون في‬
‫اعتبارهم عملية التغيير االجتماعي؛ وقامت دعوتهم على أساس أنه إذا كان التغيير أمرا حيوي ا ومطلوب ا‬
‫في داخ ل األنساق االجتماعي ة‪ ،‬فإن ه يجب أن يكون تغ يرا من أجل االس تقرار والتوازن‪ ،‬فهو ال يحدث‬
‫بفع ل الص راع أو من أجل ه‪ ،‬وهم يح اولون إقن اع األف راد ب أن النس ق االجتم اعي المت وازن ه و النس ق‬
‫المتق دم بينم ا ذل ك ال ذي يق وم على فك رة التن اقض والص راع ه و نس ق اجتم اعي متخل ف أو يه دم نفس ه‬
‫بنفسه‪ ،‬إذا فالتقدم يعني التوازن واالستقرار أما التخلف فيعني عملية الصراع‪ .‬ومن هنا فهم يفسرون‬
‫حاج ة النس ق المس تمرة إلى المحافظ ة على البق اء وال ذي لن يت أتى إال من خالل القض اء على م ا ه و‬
‫معوق وظيفيا‪ ،‬والذي هو المضر والعديم القيمة بالنسبة للنسق ككل‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ أما المسلمة األخيرة فترتبط بكيفية المحافظة على أسس التوازن االجتماعي ودعمه وفي سبيل ذلك‬
‫ظهرت مفهومات جديدة لمصطلحات تقليدية مثل ‪ :‬التساند الوظيفي أو االعتماد المتب ادل والمس تلزمات‬
‫الوظيفية وغيرها من المصطلحات المعقدة التي ترتبط بالبناء والوظيفة وتدور كلها حول محور وحيد‬
‫أال وهو محور القيم األخالقية‪.‬‬

‫أهم األفكار التي تحدد مالمح هذا الفكر‪:‬‬

‫المحور األول ــــ األهداف والغايات‪:‬‬

‫من الواضح أن قضية النظام االجتماعي تمثل المحور األساسي الذي تدور حوله النزعة الوظيفية في‬
‫علم االجتماع حتى أصبحت صحة المجتمع مرادفة " النظام" ومرضه " مرادفا للصراع" ذلك أن النسق‬
‫االجتماعي يؤدي دوره في ضوء معنى معين‪ ،‬وهدف محدد فالعمليات التي تتم داخل النسق االجتماعي‬
‫يعمل من اجل إشباع حاجات األفراد والمحافظة على بقاء النسق واستمرارية أي " وحدة" ترتبط أجزاء‬
‫النسق ووظائفه"‬

‫المحور الثاني ـــ التكامل‪:‬‬


‫يؤكد الوظيفيون على أن التكامل يمثل النموذج المثالي للنسق االجتماعي‪ ،‬إذ أنه إذا لم يحدث تكامل بين‬
‫عناصر النسق وأجزائه يحدث خلل في أداء أعضاء النسق‪ ،‬وهنا تبرز فكرة متطلبات النسق في إعادة‬
‫النس ق إلى حالت ه الطبيعي ة وفق ا لمع ايير التكي ف عن طري ق الض بط االجتم اعي أو عملي ات اإلقن اع‬
‫وأس اليب التربي ة األخالقي ة‪ .‬وه ذه الفك رة تج دها عن د دورك ايم وانته اء إلى م يرتون في مص طلحات‬
‫التض امن والتماس ك االجتم اعي‪ ...‬الخ‪ .‬وله ذا نج د مبالغ ة في تق ديم أهمي ة القيم المش تركة خاص ة عن د‬
‫بارسونز وميرتون في تحقيق التكامل االجتماعي‪.‬‬

‫المحور الثالث ـــ الصراع االجتماعي‪:‬‬

‫يق وم التحلي ل ال وظيفي على ع دة أفك ار تح اول إعط اء ت بريرات في وج ود تناقض ات داخ ل األنس اق‬
‫االجتماعي ة مث ل المع وق ال وظيفي‪ ،‬وأنم اط التك ييف‪ ،‬الوظ ائف الكامن ة والظ اهرة‪ ،‬والب دائل الوظيفي ة‪،‬‬
‫والتكام ل النس بي‪ ،‬واألنم اط المثالي ة‪ ،‬تح اول إظه ار أن الص راع حال ة اس تثنائية تع بر عن م رض‬
‫اجتماعي‪ ،‬والتوازن والتكامل هما الحالة الطبيعية التي تمثل النموذج األمثل للنظام‪.‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬المضمون األيديولوجي‪:‬‬

‫هذا المحور فيمثل العالقة بين اإلطار التصوري للبنائية الوظيفية واإلطار األيديولوجي‪ ،‬أو المضمون‬
‫السياسي أو التبرير السوسيولوجي ألصحاب هذا االتجاه‪ ،‬في اتجاه محافظ يدافع عن النظام الرأسمالي‬
‫بل ويبرز أهمية سيطرة الطبقة البورجوازي ة الغربي ة كطبقة قادرة على قيادة المجتمع وتحقيق تكامله‬
‫ويقول جولدنر في هذا اإلطار‪ " :‬إن النظرية الوظيفية بتأكيدها لقضية النظام إنما تمثل بذلك أيديولوجية‬
‫تع بر عن المش اعر ال تي تتالئم م ع اس تمرار االمتي ازات ذل ك أن النظري ة االجتماعي ة ال تي تتخ ذ من‬
‫المحافظة على النظام االجتماعي قضيتها األساسية إنما تمثل دفاعا فكريا عن مصالح الذين يملكون ما‬
‫يجب التخلي عن ه وعلى المس توى العملي ف إن " األبط ال األك اديميين" ال ذين يتمس كون بقض ية النظ ام هم‬
‫أيضا األكثر ارتباطا بالصفوات السياسية وال يبخلون عليها بكل نصيحة من شأنها تدعيم الكبح‪"..‬‬

‫بعض المفاهيم األساسية في التحليل البنائي الوظيفي‪:‬‬

‫النسق االجتم اعي(‪ :)Social System‬يعت بر من المف اهيم المحوري ة ال ذي تق وم علي ه الوظيفي ة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫والنس ق هو عب ارة عن العالق ات المترابط ة والمتس اندة‪ ،‬فحينم ا ت ؤثر مجموع ة وح دات وظيفي ة‬
‫بعض ها في بعض‪ ،‬فإن ه يمكن الق ول أنه ا تؤل ف نس قا؛ ذل ك ال ذي يتس م بالتراب ط‪ ،‬والتب تين‬
‫والتحديد(إمكانية تحديد العناصر الداخلة والمكونة للنسق)‪.‬‬
‫الوظيفة االجتماعية(‪ :)Social Function‬ويقصد بها الدور الذي يسهم به الجزء في الكل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الوظائف الكامنة والوظائف الظاهرة‪ :‬الوظ ائف الظ اهرة هي األنش طة والممارس ات ال تي تلعب‬ ‫‪‬‬
‫أدوارا معروف ة وتس تهدف أه دافا واض حة وتخ دم أغراض ا اجتماعي ة جلي ة ومتص ورة‪ ،‬في حين‬
‫يشير مفهوم الوظيفة الكامنة أو الخفية إلى األهداف التي قد تكون ال شعورية أو غير معروفة‬
‫أو غير واضحة وغير مقصودة بالنسبة ألولئك الذين يمارسون نشاطا معينا‪.‬‬
‫البدائل الوظيفية ‪ :Fonctional Alternatives‬يع ني أن أي س مة أو عنص ر ثق افي أو اجتم اعي‬ ‫‪‬‬
‫ال يع د ض رورة ال غ نى عنه ا لمج رد وج وده‪ ،‬ألنن ا ب ذلك نتجاه ل حقيق ة هام ة وهي أن نفس‬
‫الحاج ة الفيزيقي ة أو الفيزيولوجي ة أو االجتماعي ة يمكن إش باعها من خالل عناص ر ثقافي ة أو‬
‫اجتماعية مختلفة وقابلة للتبادل‪.‬‬
‫المعوقات الوظيفي ة‪ :‬وق د ج اء به ا م يرتون ليش ير إلى تل ك النت ائج ال تي يمكن مالحظته ا وال تي‬ ‫‪‬‬
‫تحد من تكيف النسق أو توافقه‪.‬‬

‫ظلت حتى أواخر الستينات من القرن العشرين الوظيفية البنائية النظرية المهيمنة على ساحات‬
‫علم االجتماع وعرفت انتشارا كبيرا وهيمنة‪ ،‬والبنيوية الوظيفية هي نظرية كبيرة تنطلق من المجتمع‬
‫وال تعطي أهمية للفرد ‪ ،‬ولكنها شهدت تراجعا ملحوظا في أهميتها منذ السبعينات من القرن العشرين‬
‫بسبب ظهور نظريات أخرى‪.‬‬

‫للدروس الملخصة مراجع وهوامش مضبوطة‪.‬‬

You might also like