You are on page 1of 133

‫ا م ورة ا زائرة الديمقراطية الشعبية‬

‫تصدر عن مؤسسة اﻷصالة للدراسات واﻻس شارات اﻹسﻼمية‬

‫العدد اﻷول‬
‫صفر‪1443‬ه‪ /‬س تم ‪2021‬م‬
‫توجه اﳌراسﻼت إ السيد رئ س التحر ر‬
‫العناو ن اﻵتية‪:‬‬
‫‪algerian.is.mgz@assala-alg.net‬‬
‫‪algerian.is.mgz@gmail.com‬‬
‫رقم ال اتف‪0658.33.13.33 :‬‬
‫اﳌوقع اﻻلك و ي للمؤسسة‪:‬‬
‫‪www.assala-alg.net‬‬

‫اﻹيداع القانوﱐ‪ :‬سبتمﱪ ‪2021‬‬


‫ردمد ‪ISSN 2773-4153‬‬
‫أعضاء يئة التحر ر‬

‫رئ س التحر ر‬
‫جامعة آك محند و اج )البو رة(‪.‬‬ ‫د‪ .‬م ـحـ ّـمــد ـنــدو‬
‫مـديرالـتحر ر‬
‫جامعة اﻷم عبد القادر )قسنطينة(‪.‬‬ ‫أ‪ .‬م ـحـ ّـمــد ﺣـ ّـبــي‬
‫أعضاء يئة التحر ر‬
‫جامعة ا اج ضر )باتنة‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬مـسـعـود فـلــو‬
‫جامعة بن يوسف بن خدة )ا زائر‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬أﺣـمــد مـعـبـوط‬
‫جامعة أ ي بكر بلقايد )تلمسان(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬م ــاﺣـي ق ـنــدوز‬
‫جامعة قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ﺣـمـيـد ق ــوفــي‬
‫جامعة الشارقة )اﻹمارات(‪ -‬سابقا‪.‬‬ ‫أد‪ .‬عـبد ا ّق ﺣم ش‬
‫جامعة بن يوسف بن خدة )ا زائر‪.(1-‬‬ ‫د‪ .‬م ـراد ب ـل ـعـ ّـبـاس‬
‫جامعة عمار ثلي )اﻷغواط(‪.‬‬ ‫أ‪ .‬سـم ـيــر كـيـجـاور‬
‫رابطة العالم اﻹسﻼمي )مكة اﳌكرمة(‪.‬‬ ‫ـحمـد سـكـحـال‬‫أ‪ .‬م ّ‬
‫أعضاء ال يئة اﻻس شار ة‬
‫من خارج الوطن‬
‫مؤسسة العمل‪ ،‬والبلد‬ ‫اﻷستاذ | بلد ا سية‬
‫جامعة ﺣمد بن خليﻔة‪ ،‬قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬مـح ّـمـد الـمـخـتار الشنقيطي| مور تانيا‬ ‫‪.1‬‬
‫جامعة العلوم اﻹسﻼمية‪ ،‬مور تانيا‪.‬‬ ‫د‪ .‬الــش ـ ـي ـ ـخ الـ ـتـ ـجـان ـ ـي أﺣـمـدي | مور تانيا‬ ‫‪.2‬‬
‫جامعة سيدي محمد بن عبد ﷲ‪ ،‬فاس‪.‬‬ ‫أد‪ .‬م ـ ـ ـص ـ ــط ـ ـﻔــى ال ـ ــح ـ ــكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـ ـ ــم | الـمغرب‬ ‫‪.3‬‬
‫جامعة القا عياض‪ ،‬مراكش‪.‬‬ ‫أد‪ .‬م ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ّـم ـ ـ ـ ـ ـ ــد خ ـ ـ ـ ـ ــرو ـ ـ ـ ـ ـ ــات | الـمغرب‬ ‫‪.4‬‬
‫مؤسسة الدراسات السن ية‪ ،‬ال و ج‪.‬‬ ‫د‪ .‬ال ـ ـ ـ ــط ـ ـ ـ ـ ّـي ـ ـ ـ ـ ـ ــﺐ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرغ ـ ـ ـ ـ ـ ــوث | الـجزائـر‬ ‫‪.5‬‬
‫جامعة قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدران ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ــح ـ ـ ـس ــن | الـجزائـر‬ ‫‪.6‬‬
‫جامعة اﻹمام محمد بن سعود‪ ،‬السعودية‪.‬‬ ‫د‪ .‬ع ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـد الــح ـ ـك ـ ــيم ب ـل ـم ـ ــدي | الـجزائـر‬ ‫‪.7‬‬
‫جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪.‬‬ ‫أد‪ .‬عـ ـ ــبـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ـ ـح ــلـ ـ ــي ـ ـ ـ ـم ق ــاب ـ ـ ـ ــة | الـجزائـر‬ ‫‪.8‬‬
‫اﻷ اديمية العاﳌية للبحوث الشرعية‪ ،‬مال يا‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ي ـ ـ ـ ـون ـ ـ ـ ـ ـس ص ـ ـ ـ ـ ــوالـ ـ ـ ـ ـ ــحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي | الـجزائـر‬ ‫‪.9‬‬
‫مؤسسة دار العلوم‪ ،‬فر سا‪.‬‬ ‫د‪ .‬زك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ص ـ ـ ـ ـ ـ ّـديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي | الـجزائـر‬ ‫‪.10‬‬
‫جامعة الز تونة‪ ،‬تو س‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ﺣ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ــم ـ ـ ـ ـ ّـنـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــي | ت ــو ــس‬ ‫‪.11‬‬
‫جامعة الز تونة‪ ،‬تو س‪.‬‬ ‫أد‪ .‬م ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ّـم ـ ـ ـ ــد ب ـ ـ ـ ــوزغ ـ ـ ــي ـ ـ ــب ـ ـ ــة | ت ــو ــس‬ ‫‪.12‬‬
‫جامعة مصراتة‪ ،‬لي يا‪.‬‬ ‫د‪ .‬ســال ـ ــم ســال ـ ــم جـ ــب ــر زقــﻼم | ل ـيـب ـيــا‬ ‫‪.13‬‬
‫جامعة السﻼم العاﳌي‪ ،‬جنوب إفر قيا‪.‬‬ ‫أد‪ .‬جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودة | م ـصــر‬ ‫‪.14‬‬
‫رابطة العالم اﻹسﻼمي‪ ،‬اﳌملكة العر ية السعودية‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـ ــﺜـ ـمــان أب ــو ز ــد ع ـ ــﺜـمـان | السودان‬ ‫‪.15‬‬
‫جامعة ﺣمد بن خليﻔة‪ ،‬قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬إب ـرا ـ ــيـ ـ ـم م ـ ــح ـ ـ ّـمـ ـ ــد ز ـ ـ ـ ـ ــن | السودان‬ ‫‪.16‬‬
‫جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬فلسط ن‪.‬‬ ‫أد‪ .‬جـ ـ ـم ـ ـ ــال ز ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـك ـ ــيـ ــﻼنــي | فلسط ن‬ ‫‪.17‬‬
‫جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬فلسط ن‪.‬‬ ‫دبـ ــاغ | فلسط ن‬ ‫د‪ .‬أي ـ ـ ـ ــم ـ ـ ــن مـصـطـﻔـى ال ـ ّ‬ ‫‪.18‬‬
‫ا امعة اﻷردنية‪ ،‬اﻷردن‪.‬‬ ‫أد‪ .‬عـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ــاس أﺣـ ـ ــم ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـب ــاز | ال ــأردن‬ ‫‪.19‬‬
‫جامعة قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬عـبـد ال ّـســﻼم أبـ ــو سـمـحـة | ال ــأردن‬ ‫‪.20‬‬
‫جامعة ا نان‪ ،‬ا امعة اللبنانية‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ماجد أﺣمد نيازي الدرو ش | ل ـبـنـان‬ ‫‪.21‬‬
‫جامعة ﺣمد بن خليﻔة‪ ،‬قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬م ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــتـ ـ ـ ــ ـ ـ ّـز ال ـ ـ ـخـ ـط ـ ـ ـ ــي ـ ـ ـ ــﺐ | ســور ــا‬ ‫‪.22‬‬
‫ا امعة العراقية‪ ،‬العراق‪.‬‬ ‫ـحيا ي | ال ـعـراق‬ ‫أد‪ .‬عبد الو ّ ـ ـاب ﺣ ـمد ال ّ‬ ‫‪.23‬‬
‫ا امعة العراقية‪ ،‬العراق‪.‬‬ ‫أد‪ .‬عبد القادر مصطﻔى ا مدي | ال ـعـراق‬ ‫‪.24‬‬
‫جامعة اﻹمام عبد الرﺣمن بن فيصل‪ ،‬الدمام‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ســارة ب ت عــز ـز الش ري | السعودية‬ ‫‪.25‬‬
‫جامعة قطر‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـ ـبـ ــد ال ّـس ــﻼم الـمـجيـدي | ال ـيـمــن‬ ‫‪.26‬‬
‫وزارة اﻷوقاف ال و ية‪ ،‬ال و ت‪.‬‬ ‫ـحقـان | الكـو ت‬ ‫د‪ .‬عـبـد الـرﺣمن اشد ال ّ‬ ‫‪.27‬‬
‫ر‬
‫جامعة البحر ن‪ ،‬البحر ن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫د‪ .‬ﺣ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــيـ ـ ـ ــﺐ الـ ــنـ ـ ـام ـ ـلـ ـ ــيـ ـ ـ | البحر ن‬ ‫‪.28‬‬
‫جامعة زايد )د ي(‪ ،‬اﻹمارات‪.‬‬ ‫دة‪ .‬ك ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـﺜ ـ ـ ــم ع ـ ـمــر الـمـاجــد | اﻹمارات‬ ‫‪.29‬‬
‫ا امعة اﻹسﻼمية العاﳌية‪ ،‬مال يا‪.‬‬ ‫الدين | مـالـ يـا‬ ‫د‪ .‬مصطﻔى ج ـ ـ ي شـمس ّ‬ ‫‪.30‬‬
‫‪NECMETTIN ERBAKAN UNIVERCITY‬‬ ‫‪ | Pr. Dilaver GÜRER‬تــرك ــيا‬ ‫‪.31‬‬
‫‪FACULTETI I STUDIMEVE ISLAME, prishtine‬‬ ‫‪ | Dr. Valon MYRTA‬ألـبانـيـا‬ ‫‪.32‬‬
‫من داخل الوطن‬
‫جامعة أ ي بكر بلقايد )تلمسان(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬م ـحـ ّـمــد ﺣ ــاج ع ـ ـ ـيـ ـ ـ | الـجزائـر‬ ‫‪.33‬‬
‫جامعة أﺣمد بن بلة )و ران‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬م ـ ـ ـخ ــتـ ـ ــار ﺣ ـ ـ ـم ـ ـ ـحــامـ ـي | الـجزائـر‬ ‫‪.34‬‬
‫جامعة أﺣمد بن بلة )و ران‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـ ـ ـ ـبـ ـ ـد الـ ـق ــادر داودي | الـجزائـر‬ ‫‪.35‬‬
‫جامعة بن يوسف بن خدة )ا زائر‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬عـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـمـ ـ ـ ـ ــار ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــدل | الـجزائـر‬ ‫‪.36‬‬
‫جامعة بن يوسف بن خدة )ا زائر‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬وسـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــة خ ـ ـ ـ ـل ـ ــﻔ ـ ـ ــي | الـجزائـر‬ ‫‪.37‬‬
‫جامعة آك محند و اج )البو رة(‪.‬‬ ‫دة‪ .‬عـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ــة أو ـ ـ ـ ـ ـ ــاب | الـجزائـر‬ ‫‪.38‬‬
‫ّ‬
‫جامعة آك محند و اج )البو رة(‪.‬‬ ‫دة‪ .‬ع ـ ـ ـ ــز ـ ـ ـ ـ ــزة ع ـ ـ ـ ـ ــك ـ ـ ـ ــوش | الـجزائـر‬ ‫‪.39‬‬
‫جامعة مولود معمري )ت ي وزو(‪.‬‬ ‫د‪ .‬الـ ـ ـ ـس ـ ـ ــعـ ـ ـ ـي ـ ـ ــد ق ـ ـ ـ ــاﺿ ــي | الـجزائـر‬ ‫‪.40‬‬
‫ّ‬
‫جامعة محمد بوﺿياف )اﳌسيلة(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ن ـ ـ ـ ـ ّـوار بـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ــش ـ ـ ــل ـ ـ ــي | الـجزائـر‬ ‫‪.41‬‬
‫جامعة ا اج ضر )باتنة‪.(1-‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـ ـ ــبـ ـ ــد ال ـ ـ ـح ـ ّـق م ـي ـحـي | الـجزائـر‬ ‫‪.42‬‬
‫جامعة ا اج ضر )باتنة‪.(1-‬‬ ‫د‪ .‬ال ـ ـ ــذوادي ق ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـي ــدي | الـجزائـر‬ ‫‪.43‬‬
‫جامعة اﻷم عبد القادر )قسنطينة(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ﺣ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي | الـجزائـر‬ ‫‪.44‬‬
‫جامعة اﻷم عبد القادر )قسنطينة(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـب ـ ــد ال ـق ـ ـ ـ ـادر ج ــدي | الـجزائـر‬ ‫‪.45‬‬
‫جامعة اﻷم عبد القادر )قسنطينة(‪.‬‬ ‫دة‪ .‬يـ ـ ـ ـمـ ـ ــيـ ـن ــة ب ــوس ـعــادي | الـجزائـر‬ ‫‪.46‬‬
‫جامعة ع ّـمـار ثـلـيـ )اﻷغواط(‪.‬‬ ‫دة‪ .‬ﺣ ـ ـ ـب ـ ـ ــيـ ـ ـ ـب ـ ـ ــة ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة | الـجزائـر‬ ‫‪.47‬‬
‫جامعة غرداية‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــر م ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة | الـجزائـر‬ ‫‪.48‬‬
‫جامعة ﺣ ّـمة ضر )الوادي(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ي ــوس ــف ع ـبــد الـﻼوي | الـجزائـر‬ ‫‪.49‬‬
‫جامعة أﺣمد دراية )أدرار(‪.‬‬ ‫أد‪ .‬ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائ ـ ـ ـ ــشـ ـ ــة ل ـ ـ ـ ـ ــروي | الـجزائـر‬ ‫‪.50‬‬
‫قواعد وشروط ال شر ا لة‬
‫‪ .1‬أﻻ يكون البحث قد نُشر من قبل‪ ،‬أو طُلب نشره ﰲ ﳎلة أخرى‪ ،‬وأﻻ يكون مستﻼ من دراسة جامعية أو ﻛتاب‬
‫مﻨشور‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون العﻤل أﺻيﻼ لﺼاﺣبﻪ‪ ،‬ﻏﲑ مﻘتبﺲ من أﻋﻤال أخرى‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يتﻨاول إشكالية ﻋلﻤية دقيﻘة وﳏددة‪ ،‬وجديرة لبحث‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يتسﻢ ﺑتﻘدﱘ جانب من جوانب اﻹﺿاﻓة العلﻤية‪ ،‬وﻻ يكون ﳏﺾ ﺗكرار ﻷﻋﻤال أخرى‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يتﺼﻒ البحث ﲟﻨﻬﺠيات ﻛتاﺑة البحوث شكليا‪ ،‬وموﺿوﻋيا‪.‬‬
‫‪ .6‬أﻻ يتﺠاوز ﺣﺠﻢ البحث ‪35‬ص‪ ،‬وﻻ يﻘل ﻋن ‪15‬ص‪ ،‬وﻓﻘا للﻤﻘاييﺲ الشكلية اﳌوﺿحة اﳌﻄلوﺑة‪ ،‬مﻊ إمكان‬
‫نشر البحث ﰲ جﺰأين إذا ﻛان يستحﻖ ذلﻚ‪.‬‬
‫معﲔ‪.‬‬
‫متﺨﺼﺼﲔ‪ ،‬وﻓﻖ ﳕوذج ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .7‬ﲣﻀﻊ البحوث اﳌرﻏوب ﰲ نشرﻫا للتحكيﻢ من طرف ﳏ ّكﻤﲔ‬
‫‪ .8‬ﺗلتﺰم ا لة خﻄار الباﺣثﲔ ﺑﻘبول أﲝاثﻬﻢ‪ ،‬أو ﺗعديلﻬا‪ ،‬أو رﻓﻀﻬا‪ ،‬ﰲ ﻇرف شﻬر ونﺼﻒ ‪-‬ﻋلﻰ اﻷﻛثر‪ -‬من‬
‫ريخ اﻻستﻼم‪.‬‬
‫‪ .9‬ﰲ ﺣال أﻋلﻨت ا لة ﻋن التوقﻒ ﻋن استﻼم البحوث ﰲ ﻓﱰة معيﻨة‪ ،‬ﻓإ ّن استﻼم أي ﲝث ﰲ ﺗلﻚ الفﱰة ﻻ‬
‫يعت ّد ﺑﻪ‪.‬‬
‫معﲔ‪ ،‬وﻓﻖ ما ﺗراه مﻨاسبًا‪.‬‬
‫‪ .10‬قد ﲣﺼص ا لة ﺑعﺾ اﻷﻋداد ﶈور موﺿوﻋي ّ‬
‫رسل البحوث )مرﻓوقة ﺑسﲑة ذاﺗية ﳐتﺼرة للباﺣث( ﺑﺼيﻐﱵ )‪ ،(word‬و)‪ (pdf‬إﱃ الﱪيد اﻻلكﱰوﱐ‬ ‫‪ .11‬ﺗُ َ‬
‫للﻤﺠلة‪ ،‬وﻫو‪ ، algerian.is.mgz@assala.net :‬وإﱃ الﱪيد اﻻﺣتياطي‪:‬‬
‫‪algerian.is.mgz@gmail.com‬‬
‫‪ .12‬ﲢتفظ ﻫيئة التحرير ﲝ ّﻘﻬا ﰲ ﻋدم نشر أي ﲝث دون إﺑداء اﻷسباب‪ ،‬وﺗُعتﱪ قرارا ا ائية‪.‬‬
‫‪ .13‬ﺑعد قبول نشر البحث‪ ،‬ﺗلتﺰم ا لة ﺑﻨشره ﰲ العدد اﳌواﱄ‪ ،‬وﺑﻨاء ﻋليﻪ ﻻ ﳚوز نشر البحث ﰲ ﳎلة ﻋلﻤية أخرى‬
‫يعرض ﺻاﺣبﻪ لعﻘوﺑة ﻋدم الﻨشر ﰲ ﳎلّتﻨا ﳌدة سﻨة‪.‬‬‫طيلة ﺗلﻚ الفﱰة‪ ،‬وﻓعل ذلﻚ ّ‬
‫‪ .14‬يُع ّد البحث ﰲ ﺣكﻢ اﳌسحوب إذا ّخر الباﺣث ﻋن إجراء التعديﻼت اﳌﻄلوﺑة ﳌدة ﺗﺰيد ﻋن شﻬر من ريخ‬
‫ﺗسلّﻤﻪ الرد من ا لة‪.‬‬
‫‪ .15‬ﲤتلﻚ ا لة ﺣﻖ نشر البحث ورقيا والكﱰونيا‪ ،‬وﻛذا إﻋادة نشره ﲟا ﺗراه مﻨاسبًا‪ ،‬دون ﺣاجة ﻹذن الباﺣث‪،‬‬
‫اﳊﻖ ﰲ السﻤاح للﻐﲑ دراج ﲝوثﻬا ﰲ قواﻋد البيا ت اﳌﺨتلفة‪.‬‬
‫ﻛﻤا ﳍا ّ‬
‫مستﻼت من ﲝثﻪ اﳌﻨشور‪.‬‬ ‫ﻛل ﺣث نسﺨة واﺣدة من العدد الكامل‪ ،‬مﻊ ﻋشر ّ‬ ‫‪ُ .16‬ﳝﻨح ّ‬
‫يتحﻤل الباﺣثون مسﺆولية آرائﻬﻢ‪.‬‬
‫ﺗعﱪ لﻀرورة ﻋن رأي ا لة‪ ،‬ﺑل ّ‬ ‫‪ .17‬اﻵراء الواردة ﰲ ا لة ﻻ ّ‬
‫‪ .18‬لﻼطﻼع ﻋلﻰ اﳌﻨﻬﺠية اﳌفﺼلة اﳌﻄلوﺑة ﰲ ﻛتاﺑة البحث؛ انﻈر الراﺑﻂ اﻵﰐ‪:‬‬
‫‪https://cutt.ly/Xl6TBNu‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد‬

‫اﻹسﻼمﻲ وﺧﻄاب الﻨّﺰﻋﺔ اﻹنﺴانﻴّﺔ اﳌﻌاﺻﺮ‪ :‬ﻋﺮض ونقد‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الﱰاث‬
‫الﻌامﺔ ﰲ أدﺑﻴات ّ‬
‫‪ -‬ﺻورة ّ‬
‫أد‪ .‬وسيلة خلفي‪ ،‬أستاذة التّعليﻢ العاﱄ ﲜامعة ﺑن يوسﻒ ﺑن خدة ‪ -‬اﳉﺰائر )‪.(1‬‬
‫‪ -‬الﻨقد الﻔقﻬﻲ وﺗﻄبﻴقاﺗﻪ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ‪ :‬نقد اﳌﺼﻨﻔات الﻔقﻬﻴﺔ ﳕوذﺟا‪.‬‬
‫ذ‪ .‬إﺑراﻫيﻢ والعيﺰ‪ ،‬جامعة ﳏﻤد اﻷول‪ ،‬ﻛلية اﻵداب‪ ،‬وجدة‪ -‬اﳌﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪.‬‬
‫‪ -‬اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ وسﺆال التﺠدد‪.‬‬
‫د‪ .‬ﻋبد الباسﻂ ﺻيد‪ ،‬جامعة ﳏﻨد آﻛلي وﳊاج )البويرة(‪.‬‬
‫‪ -‬ﺑﲔ التﻔﺴﲑ الﻨبوي والتﻔﺴﲑ لﺴﻨﺔ‪.‬‬
‫د‪ .‬ﺑن ز ن خالد‪ ،‬جامعة ﺣسيبة ﺑن ﺑوﻋلي )شلﻒ(‪.‬‬
‫‪ -‬الﱰﺟﻴح لظن ﺑﲔ اﻹثبات ودﻋوى اﻹنﻜار‪.‬‬
‫د‪ .‬ﳏﻤد ﻫﻨدو‪ ،‬جامعة ﳏﻨد آﻛلي وﳊاج )البويرة(‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫ﺻﻮرة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ أدﺑﻴﺎت اﻟﺘﺮاث اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺧﻄﺎب اﻟﻨﺰﻋﺔ‬

‫اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ :‬ﻋﺮض وﻧﻘﺪ‬

‫أد‪ .‬وسيلة خلفي‬


‫أستاذة التعليم العا ‪ ،‬جامعة »بن يوسف بن خدة« ‪ -‬ا زائر )‪(1‬‬
‫‪Khelfi66@yahoo.fr‬‬

‫اﳌﻠﺨﺺ‬
‫العامة ﻫﻢ ﲨﻬور الﻨّاس التّاﺑعﲔ لسلﻄة سياسية ﲢكﻤﻬﻢ‪ ،‬والتّاﺑعﲔ ﻛذلﻚ لسلﻄة ﻋلﻤية ﻓيﻤا يتوقّﻒ ﻋلﻰ‬ ‫ّ‬
‫العامة طبيعيا ﲟﻘتﻀﻰ ﺗباين الوﻇائﻒ‪ ،‬وﻻ يستدﻋي‬ ‫الشريعة‪ ،‬وﻋليﻪ يﺼﲑ التّفاوت ﺑﲔ اﳋاﺻة و ّ‬ ‫اﻻجتﻬاد من أﺣكام ّ‬
‫العامة الﱵ ﺗرﲰﻬا ﺑعﺾ اﳌﺼادر من ﺗراثﻨا السياسي‬ ‫لكن ﺻورة ّ‬ ‫للﺨاﺻة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫للعامة وﻻ استعﻼء‬
‫ذلﻚ نﻈرة استحﻘار ّ‬
‫ﳜاطب الﻘرآ ُن‬
‫ُ‬ ‫قدرا من اﻻستﻬانة ﻻ ﳜفﻰ‪ ،‬خﻼﻓًا لتلﻚ الﱵ ﳒدﻫا ﰲ الﻘرآن الكرﱘ‪ ،‬إذ‬ ‫والفﻘﻬي ﻋﱪ التاريخ ﲢﻤل ً‬
‫الﺼورة الﻘائﻤة ﻋلﻰ معﲎ التّكرﱘ‬ ‫ﰲ اﻹنسان ﻋﻘلَﻪ وﻓكره ووجدانَﻪ‪ِ ُ ،‬‬
‫وﳛ ّﻤلُﻪ مسﺆولياﺗﻪ ﻛاملةً مﻬﻤا ﻛانت مﻨﺰلتﻪ‪ ،‬وﻫي ّ‬ ‫َ‬
‫لبﲏ اﻹنسان قاطبة‪.‬‬
‫واليوم مﻊ ﺗﺼاﻋد خﻄاب الﻘيﻢ اﻹنسانية اﳌعاﺻر‪ ،‬اﳌتﻤرﻛﺰ ﺣول اﻹنسان‪ ،‬اﳉاﻋل مﻨﻪ مﺼدراً للﻘيﻢ‪ ،‬ﻓإنّﻪ‬
‫يستبعد الﻘيﻢ ال ِّديﻨية‪ ،‬ويدﻋو ﺑﻨاءً ﻋلﻰ ذلﻚ إﱃ نبذ الﱰاث العلﻤي للﻤسلﻤﲔ‪ُ ،‬مت َذ ِّر ًﻋا ﲟا ﳚده ﻓيﻪ من ﺑعﺾ اﻷﻓكار‬
‫ﺣﻖ‬ ‫أو اﳌﻤارسات ال ّدالة ﻋلﻰ استحﻘار العامة‪ ،‬ومن ﲦّة يعتﱪ ﻛل اﺗّباع للعلﻤاء سلبا للحرية الفردية‪ٍّ ،‬‬
‫وﺗعد ﻋلﻰ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اﻹنسان ﰲ ﻓﻬﻢ ال ّدين وﳑارستﻪ‪.‬‬
‫العامة ﰲ الﻘرآن والسﻨّة‪ ،‬وﺻور ﻢ ﰲ ﺑعﺾ اﻷدﺑيات الﱰاثية‪ ،‬وخﻄاب‬ ‫إ ّن ﻫذه اﳌﻘاﺑلة الثﻼثية ﺑﲔ ﺻورة ّ‬
‫الﻨّﺰﻋة اﻹنسانية اﳌعاﺻر‪ ،‬يفرض ﺿرورة الوقوف ﻋلﻰ مفﻬوم الﻘيﻢ اﻹنسانية‪ ،‬والبعد العﻘدي ﰲ ﺿبﻄﻬا‪ ،‬قبل مﻨاقشة‬
‫مﻘوﻻت ﻫذا اﳋﻄاب‪ ،‬وﲨلة ال ّدﻋاوى الﱵ يتبﻨّاﻫا ُرّو ُاده‪ ،‬من دﻋوى إﱃ ﺿرورة اﻻنتﻈام ﰲ الﻘيﻢ اﻹنسانية اﳌعاﺻرة‬
‫ونبذ اﳌورو ت اﳌﺨالفة لﻪ‪ ،‬انﻄﻼقاً من ﻛون اﻹنسان ﻫو ﺑذاﺗﻪ مرﻛﺰ قِيَ ِﻤﻪ‪ ،‬إﱃ دﻋوى ﺿرورة اﻹﺑداع من خﻼل‬
‫للعامة إﱃ اﺗّباع العلﻤاء‬
‫ﻛل دﻋوة ّ‬ ‫الرأي ال ّديﲏ‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫العامة ﰲ إﺑداء ّ‬
‫حرر من الﻘيﻢ ال ّديﻨية‪ ،‬إﱃ دﻋوى ﺿرورة إشراك ّ‬ ‫التّ ّ‬
‫يسا لسلﻄة ديﻨية ﺗﻨﺰع ﻋن الﻨّاس ﺣريّتﻬﻢ‪.‬‬
‫ليست إﻻّ ﺗكر ً‬
‫إ ّن مﻨاقشة ﻫذه ال ّدﻋاوى ﺗستدﻋي إﱃ جانب ﲢرير اﳌفاﻫيﻢ ﲨلةً من اﳌﻀامﲔ اﻷﺻولية الﱵ استﻨدت إليﻬا‪،‬‬
‫وﻋلﻰ رأسﻬا أﺻل اﻹﲨاع وقواﻋد التّﻘليد‪ ،‬وﻫذا ما ُرمتﻪ ﰲ البحث من خﻼل ﻋﻨاﺻره التفﺼيلية‪.‬‬
‫الﻜﻠمات اﳌﻔتاﺣﻴﺔ‪ّ :‬‬
‫العامة‪ ،‬الﻘيﻢ اﻹنسانية‪ ،‬خﻄاب الﻨّﺰﻋة اﻹنسانية اﳌعاﺻر‪.‬‬

‫‪11‬‬
_____________________________________________________________ ( ‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا‬

Title: The Portrayal of commoners in the Literature of Islamic Heritage


and the Contemporary Humanistic Discourse

Review and Criticism

Abstract
When the term “commoners” refers to a mass of people who are under the govern
of a political authority, and who are also subordinate to a scientific authority in terms of
deducting provisions from the Islamic Law (Sharia), then the disparity between the elite and
the commoner becomes normal considering the diversity of functions, without any
arrogance or contempt for the common people. However, different political and
jurisprudential sources from our heritage have portrayed the commoner with a degree of
contempt. On the other hand, we find the Holly Quran praising the concept of honoring
all human beings, regardless their positions and status. Hence, it addresses their reason,
intellect and conscience and holds them fully responsible for their actions.
Today, with the rise of the cotemporary discourse of human values, which is centered
on the human being as a source of values, it excludes religious values and therefore calls for
the exclusion of the scientific heritage of Muslims, basing its argument on some ideas or
practices that may indicate public contempt. Thus, according to this discourse, any
following of the scholars is considered plundering of individual freedoms, and it is a
violation of the right to understand and practice religion.
This threefold rapprochement between: the portrayal of commoners in Quran and
Sunnah (traditions of the prophet), their portrayal in some heritage literature, and the
contents of contemporary humanistic discourse, imposes the necessity of determining the
concept of human values, and the creedal dimension to control them (human values) before
discussing the arguments of this speech, and all the claims adopted by its pioneers; starting
with the claim to the necessity of being regularized under the contemporary human values
and renounce legacies that contradict it, based on the fact that man himself is the center of
values, to the claim of the necessity to innovate through liberation from religious values, to
the necessity of involving the commoners in expressing their religious opinions, and any
call for the commoners to follow the scholars is nothing but a dedication to a religious
authority that strips people of their freedom.
The discussion of these claims requires, in addition to defining concepts, a set of
fundamentalist contents on which it is based, mainly the origin of the consensus and the
rules of imitation. This is what I have put under discussion through the different detailed
components of this research.

12
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫مق ّدمﺔ‪:‬‬
‫اﳊﻖ‬
‫ﻓسﺨر ﳍﻢ الكون وﺑدائﻊ ما خلﻖ‪ ،‬وﺑعث اﻷنبياء ليﻬدوﻫﻢ إﱃ ّ‬
‫ﻛﱠرم ﷲ سبحانﻪ ﺑﲏ آدم أﲨعﲔ‪ّ ،‬‬
‫ادﻋا من ﻋﻘل واستﺠاﺑةً من ﻓﻄرة‪ ،‬ﰒ ختﻢ ِّ‬
‫الرساﻻت‬ ‫اﳉادة‪ ،‬وجعل ﳍﻢ من أنفسﻬﻢ ر ً‬
‫واﳋﲑ ﻛلّﻤا ﺣادوا ﻋن ّ‬
‫ﺑﻨبيّﻨا ﳏﻤد ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،‬و لﻘرآن ﻫداية للﺨلﻖ ﻛلّﻬﻢ وﺗكرﳝاً لبﲏ آدم أﲨعﲔ‪ ،‬خﻼﻓاً ﳌا ساد ﰲ‬
‫السادة والعبيد‪ ،‬واﳊ ّكام واﶈكومﲔ‪،‬‬
‫ا تﻤعات البشريّة ﻋﱪ التاريخ من التّﻤييﺰ ﺑﲔ الكﱪاء واﳌستﻀعفﲔ‪ ،‬و ّ‬
‫الرجال والﻨّساء‪.‬‬
‫العامة‪ ،‬و ّ‬
‫اﳋاﺻة و ّ‬
‫و ّ‬
‫الﻨﲑة الﱵ يرﲰﻬا الﻘرآن الكرﱘ ﲤثّل ﺣﻘيﻘةَ معﲎ التّكرﱘ ﲟﻘتﻀﻰ اﻵدميّة‪ ،‬ﺗكرﳝًا لﻺنسان‬
‫الﺼ َور ّ‬
‫إ ّن ﻫذه ّ‬
‫اقﻒ ُمتبايﻨةً إزاء‬
‫اﻹسﻼمي مو َ‬
‫ّ‬ ‫الﱰاث‬
‫من ﺣيث ﻫو إنسا ٌن دون ﲤييﺰ‪ ،‬ومﻊ ذلﻚ ﳚد ال ّدارس لبعﺾ أدﺑيات ّ‬
‫العامة‪ ،‬ﻓأﺣيا ً ﻫﻢ اﳉُﻤﻬور؛ ﲪاةُ البﻼد‪ ،‬وأساس العﻤران‪ ،‬وﺑُﻨاة اﳊﻀارة‪ ،‬وﰲ العلوم الﻨّﻘليّة؛ ﻫﻢ الكثرة‬
‫ّ‬
‫ﺻﻤ ُام اﻷمان ﰲ ﺣفظ الﻨّﺼوص ونﻘلﻬا‪ ،‬وﺣﺼن اﻷﻋراف وﳏاسن‬ ‫اﳊاﻓﻈة لل ّذاﻛرة‪ ،‬اﶈ ّﻘﻘة ﳌعﲎ التّواﺗر‪ّ ،‬‬
‫العادات‪ ،‬الﱵ ﺗُع ّد مستﻨد ﻛثﲑ من اﻷﺣكام‪ ،‬وأﺣيا ً ﻫﻢ اﳉُﻬﻼء الذين نﻒ ذوو اﳍيئات ﳎالستﻬﻢ‪ ،‬وﻫﻢ‬
‫الﺼﻨاﻋات واﳊِرف‪،‬‬
‫ِ‬
‫ﺣﱴ ﺑعﺾ أﻫل ّ‬
‫ِ‬
‫الرﻋاع والﻐوﻏاء وال ّدﳘاء‪ ،‬ورّﲟا ﴰلت ﺗلﻚ اﻷوﺻاف ال َـﻤشيﻨة ّ‬
‫ال ﱡسوقَة و ّ‬
‫اﻷمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السواد اﻷﻋﻈﻢ من ّ‬ ‫وﴰلت الﻨّساء ﻛذلﻚ‪ ،‬والواقﻊ أ ّن ﻫﺆﻻء ﻫﻢ ّ‬
‫أﻫﻢ الﻘﻀا الﱵ شﻐلت‬ ‫العامة؛ يﻀعان اﳌسلﻢ اﳌعاﺻر أمام قﻀية من ّ‬
‫إ ّن ﻫذين اﳌوقفﲔ اﳌتبايﻨﲔ إزاء ّ‬
‫اﻹسﻼمي اﳌعاﺻر‪ ،‬وﻫي اﳌﻨﻬﺞ ﰲ التّعامل مﻊ الﱰاث اﳌعرﰲ ﻋلﻰ وجﻪ اﳋﺼوص‪ ،‬ﻋﻨدما ﺗستوقفﻪ مثل‬
‫ّ‬ ‫الفكر‬
‫ﻫذه اﳌﻀامﲔ اﳌﻨﻘولة ﻻ ﻋلﻰ سبيل اﻻﻋﱰاض‪ ،‬ﺑل ﻋلﻰ سبيل التّﻘرير واﳌراﻋاة‪ ،‬مﻊ ما يبدو ﻓيﻬا من ا اﻓاة‬
‫العامة؛ ﻋﻨد ﺗﻨاوﳍا ﻛذلﻚ من‬
‫ﳌا جاء ﰲ الكتاب والسﻨّة‪ ،‬وﺗﺰداد ﻫذه اﻷزمةُ ﻋﻤ ًﻘا ﰲ ﺑعﺾ الﻘﻀا ﻛﻘﻀية ّ‬
‫خﻼل ﺑعﺾ اﳌرجعيات الفكرية اﳌعاﺻرة‪ ،‬وما راﻛﻤتﻪ التّﺠرﺑة اﻹنسانية من خﱪة ﰲ ﳎال اﳊﻘوق واﳊر ت‪.‬‬

‫حرر اﳌعاﺻرة‪ ،‬اﳌستﻨدة إﱃ ما ﺗعتﱪه قِيَﻤاً إنسانيةً‬


‫وﻋلﻰ رأس ﺗلﻚ اﳌرجعيات مﻘوﻻت خﻄا ت التّ ّ‬
‫مشﱰﻛة‪ ،‬ﺑﻨاءً ﻋلﻰ خلفية ﻓلسفية مفادﻫا أ ّن اﻹنسا َن ﻫو مرﻛﺰ الكون وﻫو مرجﻊ ذاﺗﻪ‪ ،‬وأ ّن ﲢﱡرره من الﻘيود‬
‫ي ملِ ﱞح‪ ،‬يتوقّﻒ ﻋليﻪ ﻛل ٍ‬
‫ٍّ‬
‫ﺣﻀاري‬ ‫جﻬد‬ ‫ّ‬ ‫مﻄلب ﺣﻀار ﱞ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ﻇروف رﳜية ساﺑﻘة‪ ،‬وأﻋراف جامدة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الﱵ أملتﻬا‬
‫ٍّ‬
‫ﲡديدي ٍ‬
‫ﻓاﻋل ﰲ الواقﻊ اليوم‪.‬‬
‫اﳊﻖ ﰲ التّعبﲑ ﻋن ال ّذات‪ ،‬واﳌشارﻛة ﰲ‬
‫ومن ﲦّة ﺗُرّﻛﺰ ﻫذه اﳋﻄا ت ﻋلﻰ مﻘوﻻت اﳊريّة واﳌساواة و ّ‬
‫العامة؛ إذ ﳝﻨح ﺑذلﻚ‬
‫اﳋاﺻة و ّ‬
‫الﱰاث اﳌعرﰲ للﻤسلﻤﲔ ﰲ ﲤييﺰه ﺑﲔ ّ‬ ‫الشأن العام‪ ،‬وﻋلﻰ ﻫذا اﻷساس يُﻨتﻘد ّ‬
‫ّ‬
‫السياسية ﰲ استبعادﻫا ﲨاﻫﲑ ﻏفﲑة من اﳌشارﻛة ﰲ‬
‫العامة‪ ،‬ﻛﻤا ﺗُﻨتﻘد التّﺠرﺑة ّ‬
‫ﺻة ﺗُﻘيّد ﺣرية ّ‬
‫ُسلﻄةً للﺨا ﱠ‬
‫ِ‬
‫الﺼلة ﺑعﻤوم الﻨّاس‪.‬‬
‫الشأن العام وأمور التّدﺑﲑ ذات ّ‬
‫ّ‬

‫‪13‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫من ﻫﻨا ﺗﻈﻬر أﳘّية اﳌوﺿوع من خﻼل ﻫذه الثﻼثية‪:‬‬


‫العامة ﰲ الﻘرآن والسﻨّة‪.‬‬
‫ّأوﻻً‪ :‬ﺻورة ّ‬
‫الﺼورة اﳌﻘاﺑلة الﱵ ﺗرﲰﻬا ﺑعﺾ الﻨّﺼوص ﰲ أدﺑيات ﺗراثﻨا اﻹسﻼمي‪.‬‬
‫نياً‪ّ :‬‬
‫التحرر اﳌعاﺻرة‪ ،‬الﱵ ﺗعلي من شأن اﻹنسان واﳊرية‬
‫الﺼورﺗﲔ ﲟﻀامﲔ ﳐتلﻒ خﻄا ت ّ‬ ‫لثاً‪ :‬مﻘاﺑلة ّ‬
‫سﻤﻰ لﻘيﻢ اﻹنسانية العليا‪.‬‬
‫ﺗﺼور ما يُ ّ‬
‫الفردية ﺿﻤن ّ‬
‫وﺗبعا ﳌا سبﻖ؛ ﺗﱪز قﻀية اﳌﻨﻬﺞ ﰲ قراءة الﱰاث‪ ،‬وطرق التعامل الواﻋي مﻊ مﻀاميﻨﻪ لﻨّﻈر إﱃ واقﻊ‬
‫ً‬
‫خاﺻة‪.‬‬
‫اﳌكتسب اﻹنساﱐ اﳌشﱰك ﰲ ﺑُعده الﻘيﻤي ّ‬
‫موزﻋةٌ ﺑﲔ‬
‫ّأما طبيعة اﻷدﺑيات اﳌتوﻓّرة ﺣول اﳌوﺿوع؛ ﻓكثﲑةٌ ويﺼعب ﺣﺼرﻫا‪ ،‬وﻫي ﻋلﻰ العﻤوم ّ‬
‫الفكر اﻹسﻼمي‬‫ﻛتب التّفسﲑ وشروح السﻨّة وﻛتب السياسة الشرﻋية‪ ،‬ومﺼادر أﺻولية وﻓﻘﻬية‪ ،‬وﻛتا ت ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للﱰاث‪.‬‬
‫اﳌعاﺻر‪ ،‬إﱃ جانب اﻷﻋﻤال والبحوث اﳉديدة الﱵ ﳝكن إدراجﻬا ﺿﻤن ال ّدراسات الﻨﻘدية ّ‬
‫يﻬدف البحث إﱃ اﻹجاﺑة ﻋن ثﻼثة أسئلة ﳏوريّة ﻫي‪:‬‬
‫ﺗتأسﺲ ﻋلﻰ نﺼوص الﻘرآن والسﻨّة؟‬ ‫العامة« الﱵ ّ‬
‫‪ -‬ما ﻫي معاﱂ ﺻورة » ّ‬
‫السياسي ﻋن ﺗلﻚ الﱵ ﺗرﲰﻬا نﺼوص‬‫ِ‬
‫العامة« ﰲ ﺑعﺾ أدﺑيات ﺗراثﻨا الفﻘﻬي و ّ‬
‫‪ -‬ﻫل ﲣتلﻒ ﺻورة » ّ‬
‫الوﺣي؟‬
‫مﻨاقﻀا لﻘيﻢ اﳊرية واﳌساواة الﱵ ِّ‬
‫يروج‬ ‫ً‬ ‫العامة« ﰲ ﺗراثﻨا اﳌعرﰲ‬
‫اﳋاﺻة« و» ّ‬
‫‪ -‬ﻫل يعتﱪ التّفريﻖ ﺑﲔ » ّ‬
‫حرر؟‬
‫ﳍا خﻄاب الﻨّﺰﻋة اﻹنسانية اﳌعاﺻر‪ ،‬وﳐتلﻒ خﻄا ت التّ ّ‬
‫ﺴمﻰ‪:‬‬
‫الﻌامﺔ« اﻻسﻢ واﳌُ ّ‬
‫أوﻻ‪» :‬اﳉمﻬور« و» ّ‬
‫اﻹسﻼمي قِدم الﻨّﺼوص التّأسيسية ﳌﺨتلﻒ العلوم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫العامة« قدﳝتان ﰲ ثرا‬
‫ﻛلﻤتا »اﳉﻤﻬور« و» ّ‬
‫الﻼﺣﻘة ﰲ اﳌذاﻫب الكﻼمية والفﻘﻬية‪ ،‬والكلﻤتان ﺣاﺿر ن ﰲ خﻄاب الفكر اﻹسﻼمي‬‫وﻛذا الﻨّﺼوص ّ‬
‫الﺼلة‪.‬‬
‫خاﺻةً ﰲ اﳌوﺿوﻋات ذات ّ‬
‫اﳌعاﺻر‪ّ ،‬‬

‫‪14‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫ﻓاﳉﻤﻬور ﰲ اللّﻐة‪ُ » :‬م ْعﻈَ ُﻢ ُﻛ ِّل َش ْيء«)‪ ،(1‬واﳌﻘﺼود ﻢ العﻤوم العريﺾ الذي يش ّكل ا تﻤﻊ‪ ،‬وﻋﻨدما‬
‫الﱰاث اﻹسﻼمي؛ ﻓاﳌﻘﺼود ﻢ‪ :‬اﳉﻤﻬور التّاﺑﻊ ﰲ العادة لسلﻄتﲔ ليﺲ لﻪ‬ ‫العامة ﰲ أدﺑيات ّ‬ ‫يُﻄلﻖ اسﻢ ّ‬
‫السياسية لدى اﳊ ّكام‪.‬‬
‫السلﻄة ّ‬
‫السلﻄة العلﻤية لدى الفﻘﻬاء‪ ،‬و ّ‬ ‫ﲡاوزﳘا؛ ّ‬
‫العامة‪ ،‬ﺗكشﻒ ﻋن ﺗباين اﳌعﲎ اﳌلحوظ‬
‫سﻤﻰ ﻓيﻬا الﻨّاس ﳉﻤﻬور أو ّ‬ ‫السياقات اﳌﺨتلفة الﱵ يُ ّ‬
‫إﻻّ أ ّن ّ‬
‫اب واﳋﲑ‬ ‫ٍ‬
‫الﺼو َ‬
‫اﳌسﻤﻰ‪ ،‬ﻓيكون ﰲ سياقات ما ﲟعﲎ اﻷﻏلبية والكثرة الﱵ ﲤيل الﻨّفوس ﻋادة إﱃ أ ّن ّ‬‫ﰲ ذلﻚ ّ‬
‫ظ يُذﻛر‪ ،‬وﻋليﻪ ﲢﻤل‬‫معﻬا‪ ،‬وأﺣيا ً ﲟعﲎ العو ّام من اﳌﻘلّدة واﻷﺗباع الذين ليﺲ ﳍﻢ من العلوم واﳌعارف ﺣ ﱞ‬
‫ﺑعﻀﻬا نوع وي ٍن من‬
‫ﻛل ﳎتﻤﻊ‪ ،‬ﺑيﻨﻤا ﲢﻤل ُ‬ ‫العامة ﰲ ّ‬‫السياقات معاﱐ اﻹشادة والتّﻨبيﻪ ﻋلﻰ أﳘية ّ‬ ‫ﺑعﺾ ّ‬
‫قيﻤتﻬﻢ وأﳘية ما يﺼدر ﻋﻨﻬﻢ‪.‬‬
‫العامة‪ ،‬ﻛﱰجيح قراءة أو لﻐة‪،‬‬ ‫من ذلﻚ ما جاء ﰲ أ ّن دليل رجحان اﻷمر ﻫو انتشاره واستﻘراره ﺑﲔ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫العامة ﳍا‪ ،‬واستﻘباح اﻷمر‬ ‫السﻨن ﲝﻤل ّ‬ ‫ﻛﻤا ﰲ مواﺿﻊ ﻛثﲑة من ﺗفسﲑ اﻹمام الﻄﱪي وﻏﲑه ‪ ،‬وثبوت ّ‬
‫وسرﻋة اﳔداﻋﻬﻢ وﺑُعدﻫﻢ‬ ‫ٍ‬
‫العامة‪ ،‬ومن ﺣية أخرى؛ دلّت ﺑعﺾ الﻨّﺼوص ﻋلﻰ جﻬلﻬﻢ ُ‬ ‫اﻓاﺗﻪ استحسان ّ‬
‫خاﺻة ﰲ مراﺣل رﳜية من اﻻﳓﻄاط‪ ،‬ﻛﻤا ﰲ ﻋﺼر اﺑن ﺗيﻤية وﺗلﻤيذه اﺑن‬ ‫ِ‬
‫ﺼرف‪ّ ،‬‬ ‫ﻋن اﳊكﻤة وﺣسن التّ ّ‬
‫اﻷمة قد طال الﻘﺼود‬ ‫الﻘيّﻢ وال ّشاطﱯ؛ إذ يﻈﻬر ﰲ ما ﺗﻨاولوه من مسائل الفﻘﻪ واﻷﺻول أ ّن اﻻﳓراف ﰲ ّ‬
‫ﳎرد اﻷﻋﻤال الﻈّاﻫرة‪ ،‬ﻓيﻘول ال ّشاطﱯ وﻫو يتﺼ ّدى ﳌﻈاﻫر البدع ﰲ العبادات‪َ » :‬وﻏَلَبَ ِة اﳉﻬل‬‫والﻨّيات‪ ،‬ﻻ ّ‬
‫يفرقون ﺑﲔ السﻨّة والبدﻋة«)‪ ،(3‬ويﻘول اﺑن الﻘيﻢ‪» :‬وأﻛثر الﻨّاس إّﳕا ﻫﻢ أﻫل ﻇواﻫر‬
‫ﺣﱴ إ ّ ﻢ ﻻ ّ‬‫العامة‪ّ ،‬‬
‫ﻋلﻰ ّ‬
‫ﰲ الكﻼم واللّباس واﻷﻓعال«)‪.(4‬‬
‫سﻤاه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ﳏكوم ﺑﻈروف رﳜية وسياقات ثﻘاﻓية ومعرﻓية ﺗتح ّكﻢ ﰲ ﲢديد ُم ّ‬
‫ٌ‬ ‫اسﻢ‬
‫ﻓالعامة واﳉﻤﻬور إذن؛ ٌ‬
‫ّ‬
‫دليل ﻋلﻰ ﻫذا‬
‫الﱰاثية إﻻّ ٌ‬
‫اﳌسﻤﻰ ﰲ الﻨّﺼوص ﱡ‬ ‫وﲢديد ﻏرض استدﻋاء ﻫذا اﳌعﲎ‪ ،‬وما ﺗع ﱡد ُد اﻷﲰاء ﳍذا ّ‬
‫وإما يُﻘﺼد‬
‫السواد اﻷﻋﻈﻢ‪ّ ،‬‬
‫العامة و ّ‬
‫التّباين ﰲ زاوية الﻨّﻈر‪ ،‬ﻓﻐالباً ّإما يُﻘﺼد ا مﻄلﻖ الكثرة ﻛاسﻢ اﳉﻤﻬور و ّ‬

‫)‪ (1‬الﺰﺑيدي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد اﳌرﺗﻀﻰ اﳊسيﲏ اﳊﻨفي )ت‪1205‬ه(‪ ،‬ج الﻌﺮوس‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳎﻤوﻋة من اﶈﻘﻘﲔ( د‪.‬ط‪ ،‬دار اﳍداية‪ ،‬د‪.‬ت‪:‬‬
‫ج‪ ،10‬ص‪.473‬‬
‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬الﻄﱪي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن جرير أﺑو جعفر )ت‪310‬ﻫـ(‪ ،‬ﺟامع البﻴان ﰲ ويل القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد ﳏﻤد شاﻛر(‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1420 ،‬ﻫ‪2000-‬م‪ :‬ج‪ ،13‬ص ‪79‬؛ ﻋﻄيّة‪ ،‬ﻋبد اﳊﻖ ﺑن ﻏالب أﺑو ﳏﻤد اﻷندلسي اﶈارﰊ )ت‪542‬ه(‪ ،‬اﶈﺮر الوﺟﻴﺰ ﰲ ﺗﻔﺴﲑ‬
‫السﻼم ﻋبد ال ّشاﰲ ﳏﻤد( ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1422 ،‬ه‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.467‬‬‫الﻜتاب الﻌﺰيﺰ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ّ‬
‫)‪ (3‬ال ّشاطﱯ‪ ،‬إﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ اللّﺨﻤي الﻐر طي )ت‪790‬ه(‪ ،‬اﻻﻋتﺼام‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﺑن ﻋبد الرﲪن ال ّشﻘﲑ(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن اﳉوزي‪،‬‬
‫الر ض‪1429 ،‬ﻫ‪2008/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.298‬‬
‫)‪ (4‬اﺑن قيِّﻢ اﳉوزية‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن أﰊ ﺑكر ﺑن أيوب ﺑن سعد الﱠﺰرﻋي )ت‪751‬ه(‪ ،‬أﻋﻼم اﳌوﻗﻌﲔ ﻋن ِّ‬
‫رب الﻌاﳌﲔ‪) ،‬رﺗّبﻪ‪ :‬ﳏﻤد ﻋبد السﻼم‬
‫إﺑراﻫيﻢ(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1417 ،‬ﻫـ‪1996/‬م‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.148‬‬

‫‪15‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫الرﻋاع واﻷﻏتام وال ﱡسوقة‪ ،‬ورّﲟا ازدادت درجة اﻻستحﻘار‬


‫ا الكثرة اﳉاﻫلة ال ُـﻤستح َﻘَرة ﻛاسﻢ ال ّدﳘاء واﻷﻏﻤار و ّ‬
‫ﻓكل اسﻢ من ﻫذه اﻷﲰاء إّﳕا استُدﻋي لدﻻلة معيّﻨة‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ﰲ اسﻢ اﻷوﻏاد والوﺿعاء وال ﱠس َفلَة و ِ‬
‫اﻷراذل واﳍَﻤﺞ ‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫العامة أ ّ ﻢ‪ :‬ﳎﻤوع الﻨّاس الذين ﻻ سلﻄة‬
‫لكن رﻏﻢ ﻫذا التّباين؛ يبﻘﻰ اﳌعﲎ اﳉامﻊ ﰲ ﲨيﻊ إطﻼقات ّ‬
‫العامة ﰲ الكتاب‬
‫ﳍﻢ من اﻷﺗباع‪ ،‬سواءً أﺗباع اﳊ ّكام أو أﺗباع العلﻤاء‪ ،‬وﻋليﻪ ﻓﻤا ﻫي معاﱂ ﺻورة ﻫﺆﻻء ّ‬
‫والسﻨّة؟‬
‫ﺗتﺄسﺲ ﻋﻠﻰ نﺼوص القﺮآن والﺴﻨّﺔ‪:‬‬
‫الﻌامﺔ الﱵ ّ‬
‫نﻴا‪ :‬مﻌاﱂ ﺻورة ّ‬
‫اﳌﺨاطَبﲔ ّلرسائل‪ ،‬وخﻼﺻتﻬا ﻓيﻤا ﰐ‪:‬‬
‫للعامة من َ‬
‫ت قرآنيةٌ ﻛثﲑةٌ ﺻورةً ّ‬
‫ﺗرسﻢ لﻨا آ ٌ‬
‫مﻜﺮمون ﲟقتﻀﻰ اﻵدمﻴّﺔ‪:‬‬
‫الﻌامﺔ ّ‬
‫‪ّ /1‬‬
‫فﻀل ﻋِرقًا ﻋلﻰ ﻏﲑه‪ ،‬أو ﺗرﻓﻊ ُسﻼلة ٍ‬
‫نسب‬ ‫ومعتﻘدات ٍ‬
‫ديﻨية ﺗُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ﻓلسفات‬ ‫خﻼﻓًا ﳌا ﻋرﻓتﻪ البشرية من‬
‫وﺣررﻫﻢ من العبودية‬ ‫ﲨيعا‪ّ ،‬‬‫سوى ﺑﲔ الﻨّاس ً‬ ‫ﻋن ﻏﲑﻫا‪ ،‬ﻓإ ّن الﻘرآن الكرﱘ قرار أﺻل التّكرﱘ لبﲏ آدم؛ قد ّ‬
‫اﻫﻢ ِمن الﻄﱠﻴِّب ِ‬ ‫اﻫ ْﻢ ِﰲ ال َِ‬
‫اﻫ ْﻢ‬ ‫ات َوﻓَ ﱠ‬
‫ﻀﻠْﻨَ ُ‬ ‫ْﱪّ َوالْبَ ْﺤ ِﺮ َوَر َزﻗـْﻨَ ُ ّ َ َ‬ ‫لﻐﲑ ﷲ‪ ،‬ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬ولََق ْد َﻛ ﱠﺮْمﻨَا ﺑَِﲏ َ‬
‫آد َم َو َﲪَﻠْﻨَ ُ‬
‫ﻀ ًﻴﻼ( ]اﻹسراء‪ ،[70 :‬وﻫو ﺗكرﱘٌ يتعلّﻖ ﻹنسان من ﺣيث ﻫو إنسان مﻬﻤا ﻛان‬ ‫َﻋﻠَ ٰﻰ َﻛﺜِ ٍﲑ ِّﳑﱠن َﺧﻠَ ْقﻨَا ﺗَـ ْﻔ ِ‬
‫ْ‬
‫ُمعتَـ َﻘ ُده أو لونُﻪ أو ﻋِرقﻪ‪.‬‬
‫الﻌامﺔ ﳐاطبون لقﺮآن‪:‬‬
‫‪ّ /2‬‬
‫خاطب الﻘرآن الﻨّاس ﲨيعا مﻬﻤا ﻛان ﻓَﻬﻤﻬﻢ ِ‬
‫ومﻘدرُ ﻢ ﻋلﻰ اﻻستيعاب‪ ،‬ﻓتﻨ ﱠوﻋت أساليبﻪ ﺑﲔ التّﺼريح‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وجﻪ يفﻬﻢ مﻨﻪ ﻛ ﱡل من قرأه ﲟﻘدار طاقتﻪ‪ ،‬ﻛﻤا خاطب ﰲ‬‫والتّﻨبيﻪ وﺿرب اﻷمثال‪ ،‬واﻹﲨال والتّفﺼيل‪ ،‬ﻋلﻰ ٍ‬
‫ﻛل اﻷسئلة الﱵ‬
‫ب وال ُكره‪ ،‬وأجاب ﻋن ّ‬
‫الرجاء واﳋوف واﳊُ ّ‬
‫ي‪ ،‬ومشاﻋره اﻹنسانية‪ ،‬من ّ‬ ‫اﻹنسان ﻋﻘلَﻪ الفﻄر ﱠ‬
‫ﻛل البشر لفﻬﻢ ﺣﻘيﻘة الكون واﳊياة‪.‬‬
‫يتﻄلّﻊ من خﻼﳍا ﱡ‬
‫تشع ٍبة ليﻘرأ الﻘرآن ويفﻬﻢ مﻀاميﻨﻪ‪،‬‬
‫معارف ُم ّ‬
‫َ‬ ‫ﱠدةٍ‪ ،‬وﻻ إﱃ‬ ‫ٍ‬
‫ﻓلسفات ُمعﻘ َ‬ ‫ﻓاﻹنسان إذن؛ ﻻ ﳛتاج إﱃ‬
‫ﺑل خذ مﻨﻪ ﲝسب ما أسعفﻪ ﻋﻘلُﻪ وﺑلﻐﻪ ﻓﻬﻤﻪ‪ ،‬ﰒ يتفاوت الﻨّاس ﺑعد ذلﻚ ﰲ استِكﻨاه ﻏو ِام ِ‬
‫ﻀﻪ‪ ،‬وﻫذا ﻫو‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ﺴ ْﺮَ الْ ُق ْﺮآ َن لِﻠ ِّﺬ ْﻛ ِﺮ ﻓَـ َﻬ ْل من ﱡم ﱠدﻛِ ٍﺮ( ]الﻘﻤر‪ ،[17 :‬ومﻨﻪ ُوﺻفت‬
‫وجل‪َ ) :‬ولََق ْد يَ ﱠ‬
‫ﻋﺰ ّ‬‫اﳌعﲎ ال ّدقيﻖ الذي قال ﻓيﻪ ّ‬
‫الشريعة اﳌبارﻛة أ ُِّميﱠةٌ«)‪.(2‬‬ ‫الشاطﱯ‪» :‬ﻫذه ّ‬ ‫ﻷميﱠة ﻛﻤا قال ّ‬
‫الشريعة ُ‬ ‫ّ‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬دﻻل لواﰐ‪ ،‬ﻋامّﺔ القﲑوان ﰲ ﻋﺼﺮ اﻷﻏالبﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار رؤية للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الﻘاﻫرة‪2014 ،‬م‪ :‬ص ‪ 78‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬
‫)‪ (2‬ال ّشاطﱯ‪ ،‬إﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ اللّﺨﻤي الﻐر طي )ت ‪790‬ه(‪ ،‬اﳌواﻓقات ﰲ أﺻول الﺸّﺮيﻌﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻋبد ﷲ دراز(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫اﳌعرﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1395 ،‬ﻫـ‪1975-‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.69‬‬

‫‪16‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫الﻌامﺔ ﰲ دﻋوات اﻷنبﻴاء‪:‬‬


‫‪ّ /3‬‬
‫الرسل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﲨيعا إﱃ اﳌستﻀعفﲔ من الﻨّاس وﻋا ﱠمتﻬﻢ‪ُ ،‬ﲣَاطبُﻬﻢ ﻹﳝان واﺗّباع ّ‬ ‫ﺗوجﻬت دﻋوات اﻷنبياء ً‬ ‫ّ‬
‫ﻀﻌِ ُﻔوا ِﰲ ْاﻷ َْر ِ‬
‫ض َوَْﳒ َﻌﻠَ ُﻬ ْﻢ أَﺋِ ﱠمﺔً‬ ‫ِ‬
‫استُ ْ‬ ‫ﺑدل اﺗّباع ال ُكﱪاء من الﻈّاﳌﲔ‪ ،‬يﻘول ﺗعاﱃ‪َ ) :‬ونُ ِﺮي ُد أَن ﱠﳕُ ﱠن َﻋﻠَﻰ الﱠﺬ َ‬
‫ين ْ‬
‫ِ‬
‫وﲢﻤل اﳌسﺆولية‪ ،‬يﱰﺗّب اﳉﺰاء‪،‬‬ ‫ﲨيعا ﰲ اﻻختيار ّ‬ ‫ﲔ( ]الﻘﺼص‪ ،[5 :‬وﻋلﻰ أساس ﺣريّة الﻨّاس ً‬ ‫َو َْﳒ َﻌﻠَ ُﻬ ُﻢ ال َْوا ِرث َ‬
‫العامة ﰲ دﻋوات اﻷنبياء‪ ،‬مﻨﻬا‪:‬‬ ‫ﰒ إ ّن الﻘرآن رسﻢ لﻨا جوانب من أﺣوال ﻫﺆﻻء اﳌستﻀعفﲔ من ّ‬
‫لﻠﻌامﺔ من أﺗباع اﻷنبﻴاء‪:‬‬
‫أ‪ /‬ﲢقﲑ اﳌﺴتﻜﱪين ّ‬
‫مانعا ﳍﻢ ﰲ زﻋﻤﻬﻢ من التّﺼديﻖ‪ ،‬يﻘول‬ ‫ﲢﻘﲑ اﳌستكﱪين ﻷﺗباع اﻷنبياء‪ ،‬وﻛيﻒ اﻋتﱪوه ً‬ ‫يﺼﻒ الﻘرآن َ‬
‫ين ُﻫ ْﻢ أ ََر ِاذلُﻨَا‬ ‫ِ‬
‫ﻚ إِﱠﻻ الﱠﺬ َ‬ ‫ﺸ ًﺮا ِّمﺜْـﻠَﻨَا َوَما نَـ َﺮ َ‬
‫اك اﺗﱠـبَـ َﻌ َ‬ ‫ين َﻛ َﻔ ُﺮوا ِمن ﻗَـ ْوِم ِﻪ َما نَـ َﺮ َ‬
‫اك إِﱠﻻ ﺑَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال ال َْم َﻸُ الﱠﺬ َ‬ ‫ﺗعاﱃ‪) :‬ﻓَـ َق َ‬
‫ﲔ( ]ﻫود‪.[27 :‬‬ ‫ِ‬
‫ﻀ ٍل ﺑَ ْل نَظُﻨﱡ ُﻜ ْﻢ َﻛاذﺑِ َ‬ ‫ي ال ﱠﺮأْ ِي َوَما نَـ َﺮ ٰى لَ ُﻜ ْﻢ َﻋﻠَْﻴـﻨَا ِمن ﻓَ ْ‬ ‫ِ‬
‫َد َ‬
‫الﺮأي‪:‬‬
‫وسﻠبﻬﻢ ﺣﺮيﺔ ّ‬
‫ب‪ /‬ﻗﻬﺮ اﳌﻺ اﳌﺴتﻜﱪين لﻠمﺴتﻀﻌﻔﲔ َ‬
‫وﳛ ِﻤلُو ﻢ ﻋﻨوةً ﻋلﻰ ما يراه‬ ‫العامة ﻋﻨدما يﺼبحون ﻛالﻘﻄيﻊ‪ ،‬يستَب ﱡد اﳌستكﱪون ﻢ‪َ ،‬‬ ‫ﳜﱪ الﻘرآن ﻋن ّ‬
‫ال ﻓِﺮ َﻋو ُن ما أُ ِري ُﻜﻢ إِﱠﻻ ما أَر ٰى وما أَ ْﻫ ِدي ُﻜﻢ إِ ﱠﻻ سبِﻴل ال ﱠﺮ َﺷ ِ‬
‫اد(‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ َ َ ََ‬ ‫قومﻪ‪) :‬ﻗَ َ ْ ْ َ‬
‫ُﻛﱪ ُاؤﻫﻢ‪ ،‬ﻛﻤا ﰲ قول ﻓرﻋون ﳐاطبًا َ‬
‫وإﻓساد للفﻄرة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مﻘومات اﻵدمية‪ ،‬وﺗعﻤيةٌ للعﻘول‪،‬‬ ‫لكل ّ‬
‫ﺿياع ّ‬
‫]ﻏاﻓر‪ ،[29 :‬إنّﻪ ٌ‬
‫الﻌامﺔ مﺴﺆولون ﻋن مﻌﺮﻓﺔ اﳊ ّﻖ واﺗّباﻋﻪ‪:‬‬
‫ﺟـ‪ّ /‬‬
‫العامة من مسﺆوليتﻬﻢ ﰲ معرﻓة اﳊﻖ واﺗّباﻋﻪ‪ ،‬وما قﺼة ذﺑح ﺑﻘرة ﺑﲏ إسرائيل‪،‬‬ ‫ﱂ يـُ ْعﻒ الﻘرآن الكرﱘ ّ‬
‫يدل ﻋلﻰ أ ّن‬ ‫السامري ما ّ‬ ‫ﺼة ّ‬‫وﻋ ْﻘ ِر قة نﱯ ﷲ ﺻاﱀ‪ ،‬إﻻﱠ دليﻼً ﻋلﻰ أ ّ ﻢ ُﳐاطَبُون ومسﺆولون‪ ،‬ﺑل إ ﱠن ﰲ ق ﱠ‬
‫السﻼم‪ -‬لعِتاب‬ ‫نﱯ ﷲ موسﻰ ‪-‬ﻋليﻪ ّ‬ ‫للسامري أﻛﱪ‪ ،‬إذ ﻛانوا ﱠأول من اﺑتدرﻫﻢ ﱡ‬ ‫مسﺆولية الﻘوم ﰲ اﺗّباﻋﻬﻢ ّ‬
‫ال َ ﻗَـ ْوِم أَ َﱂْ يَﻌِ ْد ُﻛ ْﻢ َرﺑﱡ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ﻀبا َن أ ِ‬
‫َس ًﻔا ۚ ﻗَ َ‬ ‫ِِ‬
‫وس ٰﻰ إِ َ ٰﱃ ﻗَـ ْومﻪ ﻏَ ْ َ‬
‫ﺑعد ﻋودﺗﻪ‪ ،‬وﰲ ذلﻚ يﻘول ﺗعاﱃ‪) :‬ﻓَـ َﺮ َﺟ َع ُم َ‬
‫ﺐ ِّمن ﱠرﺑِّ ُﻜ ْﻢ ﻓَﺄَ ْﺧﻠَ ْﻔتُﻢ ﱠم ْو ِﻋ ِدي( ]طﻪ‪.[86 :‬‬ ‫ﻀٌ‬ ‫دﰎ أَن َِﳛ ﱠل َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ ﻏَ َ‬
‫ال َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ُﻢ ال َْﻌ ْﻬ ُد أ َْم أ ََر ﱡْ‬
‫ﺴﻨًا ۚ أَﻓَﻄَ َ‬
‫َو ْﻋ ًدا َﺣ َ‬
‫للعامة‪ ،‬ﻓﻬﻢ‬
‫ﻓفي ﲨيﻊ ﻫذه اﳌواﺿﻊ وﻏﲑﻫا من قﺼص اﻷنبياء ﰲ الﻘرآن ما يعﲔ ﻋلﻰ رسﻢ ﺻورة ّ‬
‫ﳊﻖ من رّ ﻢ ال ُـﻤﻄالبون ﺑتﺼديﻖ الﱡرسل‪ ،‬وقد ﺑعثﻬﻢ ﷲ ﻹخراجﻬﻢ من قﻬر اﳌستكﱪين وﻇلﻤﻬﻢ‬
‫اﳌﺨاطبون ّ‬
‫إﱃ ﻋدل ﷲ ورﲪتﻪ‪.‬‬
‫الﻌامﺔ ومﻌﻴار اﳊﻖ والباطل‪:‬‬
‫‪ّ /4‬‬
‫اﳊﻖ والباطل وقد جاء ﻫذا ﰲ ﺻريح‬ ‫يذ ّﻛر الﻘرآن ﰲ أﻛثر من موﺿﻊ أ ﱠن الكثرة ليست معيارا ﳌعرﻓة ّ‬
‫ﻴل ا ﱠِ ۚ إِن يَـتﱠبِ ُﻌو َن إِﱠﻻ الظﱠ ﱠن َوإِ ْن‬
‫وك َﻋن َسبِ ِ‬ ‫ضيِ‬
‫ﻀﻠﱡ َ‬ ‫ِ‬
‫قولﻪ ﺗعاﱃ لﻨبيّﻪ الكرﱘ‪َ ) :‬وإِن ﺗُﻄ ْع أَ ْﻛﺜَـ َﺮ َمن ِﰲ ْاﻷ َْر ِ ُ‬

‫‪17‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﺻو َن( ]اﻷنعام‪ ،[116 :‬يﻘول الشيخ ﳏﻤد الﻄاﻫر ﺑﲔ ﻋاشور‪ُ » :‬‬
‫وسبب ﻫذه اﻷﻛثرية؛ أ ّن اﳊ ﱠﻖ‬ ‫ُﻫ ْﻢ إِﱠﻻ ﳜَُْﺮ ُ‬
‫اﳊﻖ ﻋلﻰ اﳍوى‪ ،‬والﱡرشد‬‫ﺼاﱀ والﻀﱠار‪ ،‬وﺗﻘدﱘ ِّ‬ ‫واﳍدى ﳛتاج إﱃ ُﻋﻘول َسليﻤة‪ ،‬ونُفوس ﻓاﺿلة‪ ،‬و ﱡمل ﰲ ال ﱠ‬
‫ﺻفات إذا اخت ﱠل واﺣ ٌد مﻨﻬا؛ ﺗﻄﱠر َق الﻀﱠﻼل إﱃ الﻨّفﺲ ﲟﻘدار ما‬
‫ٌ‬ ‫ﻋلﻰ الشﱠﻬوة‪ ،‬وﳏبّة اﳋﲑ للﻨّاس‪ ،‬وﻫذه‬
‫الﺼفات«)‪.(1‬‬
‫انثَـلَ َﻢ من ﻫذه ّ‬
‫العامة‬
‫ﺗلﻤﺲ ملﻤح لﺼورة اﳉﻤاﻫﲑ و ّ‬ ‫من خﻼل ﺗتبّﻊ ﻫذه اﻵ ت وﻏﲑﻫا ﳑّا يﻘﻊ ﰲ معﻨاﻫا ﳝكن ّ‬
‫الرساﻻت‬‫السواد اﻷﻋﻈﻢ من ا تﻤعات‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﳐاطبون ﲟﻀامﲔ الﻘرآن ﻛﻤا ﻛانوا مﻊ ﲨيﻊ ِّ‬
‫الذين يش ّكلون ّ‬
‫اﳊﻖ وإشاﻋة اﳋﲑ ﰲ اﻷرض؛ ولكن قد ﺗعرض ﳍﻢ‬ ‫ال ﱠسﻤاوية‪ ،‬ﲟﻘتﻀﻰ آدميتﻬﻢ؛ وﻫﻢ مسﺆولون ﻋن إقامة ّ‬
‫اﳊﻖ واﺗّباﻋﻪ‪.‬‬
‫الﺼﱪ وا اﻫدة ﰲ التﺰام ّ‬
‫يتعﲔ ّ‬
‫ﻋوارض من ﻇلﻢ الكﱪاء وقﻬرﻫﻢ ومﻨعﻬﻢ ما يستحﻘون‪ ،‬ﻓﻬﻨا ّ‬
‫السلﻄان‪ ،‬ﺑل ألﺰم اﻷنبياء‬ ‫لكن ﱂ ﳒد الﻘرآن ﳜلي الﻨّاس من مسﺆوليا ﻢ ﲨلةً ﺑدﻋوى قﻬر ذوي ّ‬
‫اﳊﻖ‪ ،‬إ ﱠما مباشرة ﻓيﻤا يسﻊ اﳉﻤيﻊ معرﻓتﻪ‪ ،‬وإما ﺑواسﻄة العلﻤاء‬ ‫استحث الﻨّاس ﲨيعا ﻋلﻰ معرﻓة ّ‬ ‫ّ‬ ‫لبﻼغ‪ ،‬و‬
‫لﻀرب ﰲ اﻷرض‬ ‫استحث اﳌستﻀعفﲔ ﻋلﻰ اﳍﺠرة وأ ََم َرﻫﻢ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﻓيﻤا ﳛتاج إﱃ ﻓﻘﻪ واستﺨراج‪ ،‬ﺑل إ ّن الﻘرآن قد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻴﻢ ُﻛﻨتُ ْﻢ ۖ‬ ‫اﳊﻖ‪ ،‬يﻘول ﺗعاﱃ‪) :‬إِ ﱠن الﱠﺬ َ‬
‫ين ﺗَـ َوﻓﱠ ُ‬
‫اﻫ ُﻢ ال َْم َﻼﺋ َﻜﺔُ ﻇَالمﻲ أَن ُﻔﺴ ِﻬ ْﻢ ﻗَالُوا ﻓ َ‬ ‫الرﻛون وﺗرك ّ‬ ‫وﱂ يﻘبل مﻨﻬﻢ ﱡ‬
‫ﱠﻢ ۖ‬
‫اﻫ ْﻢ َﺟ َﻬﻨ ُ‬ ‫ﻴﻬا ۚ ﻓَﺄُوٰلَﺌِ َ‬
‫ﻚ َمﺄ َْو ُ‬ ‫اسﻌﺔً ﻓَـتُـﻬ ِ ِ‬
‫اﺟ ُﺮوا ﻓ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ض ا ﱠ َو َ َ‬ ‫ﲔ ِﰲ ْاﻷ َْر ِ‬
‫ض ۚ ﻗَالُوا أََﱂْ ﺗَ ُﻜ ْن أ َْر ُ‬
‫ﻗَالُوا ُﻛﻨﱠا مﺴتَ ْ ِ‬
‫ﻀ َﻌﻔ َ‬ ‫ُْ‬
‫ﺼ ًﲑا( ]الﻨساء‪ ،[97 :‬وأﻛثر من ذلﻚ‪ ،‬يُ ِّ‬ ‫تمِ‬
‫ﺼور لﻨا الﻘرآن الكرﱘ مشﻬ ًدا من يوم الﻘيامة ﰲ معاﺗبة‬ ‫اء ْ َ‬ ‫َو َس َ‬
‫ْﱪُوا إِ ﱠ ُﻛﻨﱠا‬ ‫ول الﻀ ِ ِ‬
‫استَﻜ َ‬ ‫ﱡﻌ َﻔاءُ لﻠﱠﺬ َ‬
‫ين ْ‬ ‫ﻫﺆﻻء اﳌستﻀعفﲔ لكﱪائﻬﻢ ﻓيﻘول ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وإِ ْذ يَـتَ َﺤا ﱡﺟو َن ِﰲ الﻨﱠا ِر ﻓَـﻴَـ ُق ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ﺼﻴبا ِمن الﻨﱠا ِر ﻗَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻴﻬا إِ ﱠن ا ﱠَ ﻗَ ْد َﺣ َﻜ َﻢ ﺑَ َْ‬
‫ﲔ‬ ‫ْﱪُوا إِ ﱠ ُﻛلﱞ ﻓ َ‬ ‫ين ْ‬
‫استَﻜ َ‬ ‫ال الﱠﺬ َ‬ ‫لَ ُﻜ ْﻢ ﺗَـبَـ ًﻌا ﻓَـ َﻬ ْل أَنتُﻢ ﱡمﻐْﻨُو َن َﻋﻨﱠا نَ ً ّ َ‬
‫اد( ]ﻏاﻓر‪.[48 – 47 :‬‬ ‫الْﻌِب ِ‬
‫َ‬
‫الﻌامﺔ والﻨّﻔﺮة لﻠﻔقﻪ ﰲ ال ّدين‪:‬‬
‫‪ّ /5‬‬
‫ﺴ ْﺮَ الْ ُق ْﺮآ َن لِﻠ ِّﺬ ْﻛ ِﺮ ﻓَـ َﻬ ْل ِمن‬ ‫يسٌر لل ّذﻛر والﻘراءة‪َ ) :‬ولََق ْد يَ ﱠ‬ ‫ِ ِ‬
‫ّﻓرق الﻘرآن ﺑﲔ ذﻛره وﻓﻘﻬﻪ‪ ،‬ﻓﻘال إنّﻪ ُم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خاﺻة‪ ،‬ﻛﻤا ّﺑﲔ ذلﻚ‬ ‫ﱡم ﱠدﻛ ٍﺮ( ]الﻘﻤر‪ّ ،[17 :‬أما الفﻘﻪ واستكﻨاه ما خفي من معانيﻪ ﻓﻘد جعلﻪ مرﺗبةً من العلﻢ ّ‬
‫جﻬدا ونـَ ْف َرةً‪ ،‬وأنّﻪ َشأْ ُن طائفة من الﻨّاس ﳐﺼوﺻة‪ ،‬ندﺑت‬ ‫الفﻘﻪ ﰲ ال ّدين يتﻄلّب ً‬ ‫ﺻراﺣةً ﻋﻨدما قال أ ّن ِ‬
‫نفسﻬا لﻪ‪ ،‬ﻓﻘال ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وَما َﻛا َن ال ُْم ْﺆِمﻨُو َن لِﻴَ ِﻨﻔ ُﺮوا َﻛاﻓﱠﺔً ۚ ﻓَـﻠَ ْوَﻻ نَـ َﻔ َﺮ ِمن ُﻛ ِّل ﻓِ ْﺮﻗَ ٍﺔ ِّم ْﻨـ ُﻬ ْﻢ طَاﺋَِﻔﺔٌ لِّﻴَـتَـ َﻔ ﱠق ُﻬوا ِﰲ‬
‫ﻨﺬ ُروا ﻗَـ ْوَم ُﻬ ْﻢ إِذَا َر َﺟﻌُوا إِل َْﻴ ِﻬ ْﻢ ل ََﻌﻠﱠ ُﻬ ْﻢ َْﳛ َﺬ ُرو َن( ]التوﺑة‪ ،[122 :‬ﻓاﳌﻘﺼود لتّفﻘﻪ ﻫﻨا ﻛﻤا يﻘول اﺑن‬ ‫ال ِّدي ِن ولِﻴ ِ‬
‫َُ‬

‫)‪ (1‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬ﳏﻤد الﻄّاﻫر )ت ‪1393‬ه‪1973-‬م(‪ ،‬التّحرير والتّﻨوير‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار التونسية للﻨّشر‪ ،‬ﺗونﺲ‪ :1984 ،‬ج‪ ،8‬ص‪.25‬‬

‫‪18‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫)‪(1‬‬
‫للعامة‪،‬‬
‫اﻷمة« ‪ ،‬وﻫذه ﻫي اﳌعرﻓة اﳌتاﺣة ّ‬ ‫ﻓأما معرﻓة ﷲ ﻓبأوامر الﻘرآن وإﲨاع ّ‬
‫طلب العلﻢ دلّتﻪ‪ّ ،‬‬
‫العرﰊ‪ُ » :‬‬
‫عﲔ ﻻ يُﻄلب من ﲨيﻊ‬‫الﺼيﻐة من ﺑذل الوسﻊ ﰲ ﲢﺼيل ﻋل ٍﻢ ُم ّ ٍ‬
‫ﺗدل ﻋليﻪ ﻫذه ّ‬ ‫خﻼﻓاً ﳌعﲎ التّفﻘﻪ‪ ،‬وما ّ‬
‫الﻨّاس‪.‬‬
‫ﳐﺼوص‬
‫ٌ‬ ‫وﱂ يفﻬﻢ اﳌسلﻤون من ﻫذه اﻵية َﻋﱪ رﳜﻬﻢ ﰲ ﺗفسﲑ الﻘرآن؛ أ ّن التّف ّﻘﻪ اﳌﻘﺼود طلبﻪ‬
‫اﳊﻖ ﰲ اﳌعرﻓة ال ّديﻨية ﰲ سﻼﻻت‬ ‫ِ‬
‫ﺑﻄائفة ﻋرقية أو اجتﻤاﻋية أو سياسية‪ ،‬ﻛﻤا ﻫو اﳊال ﰲ د ت ﲢﺼر ّ‬
‫ﺼ َل أسبا َ ا العِلﻤيﱠة‪ ،‬وﻫو يدخل ﰲ ﻓروض‬‫ﺗفرغ ﳍا‪ ،‬وﺣ ﱠ‬
‫وطوائﻒ ﺑعيﻨﻬا‪ ،‬ﺑل ﻓﻬﻤوا أ ّ ا َمعرﻓةٌ ُمتاﺣة ﳌن ّ‬
‫الكفا ت)‪.(2‬‬
‫ﳏﻤد ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السﲑة العﻄرة لرسول ﷲ ّ‬
‫لﻘد ﻛانت ﻫذه اﳌعاﱐ الﻘرآنية ُمتَ َﺠلّيةً ﰲ السﻨّة الﻨﱠبوية‪ ،‬و ّ‬
‫ﺗوجﻪ ﺑدﻋوﺗﻪ إﱃ الﻨّاس ﲨيعا‪ ،‬ﻛﱪائﻬﻢ وﺿعفائﻬﻢ‪ ،‬وخاطبﻬﻢ لﻘرآن‪ ،‬وﻛان ﳛرص ﻋلﻰ لﻘاء‬ ‫وسلّﻢ‪ ،‬ﻋﻨدما ّ‬
‫اﳊﺞ ليعرض ﻋليﻬﻢ الدﻋوة‪ ،‬مستﻨكراً ﻋلﻰ مستكﱪي قريﺶ وقوﻓَﻬﻢ ﰲ وجﻬﻪ‪ ،‬ومﻨعﻬﻢ لﻪ‬ ‫الﻨّاس ﰲ مواسﻢ ّ‬
‫ﻛل الﻨّاس‪ ،‬ﻛﻤا قال لﻘريﺶ ﺣﲔ خرجت ﻋام اﳊديبية ﲤﻨعﻪ دخول م ّكة‪:‬‬ ‫من ﻋرض اﻹسﻼم ﻋلﻰ الﻨّاس؛ ِّ‬
‫»ماذا ﻋليﻬﻢ لو خلﱡوا ﺑيﲏ وﺑﲔ سائر العرب«)‪.(3‬‬
‫وﻛان أﺗباﻋُﻪ ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ ّأوَل ال ّدﻋوة من اﳌستﻀعفﲔ الذين ﱂ ﺗكن قريﺶ ﺑﻪ ﻢ‪ ،‬لكﻨّﻬﻢ‬
‫ﲢﻤلوا اﻷمانة و ﳍﻢ من اﻷذى ال ّشيء الكثﲑ‪ ،‬ﻓحوﺻروا ﰲ شعاب مكة‪ ،‬وﻋُ ّذﺑوا ﰲ ﺑﻄاﺣﻬا‪ ،‬وﻫاجروا معﻪ‬ ‫ّ‬
‫ﻋتاب‬
‫رﻛﲔ د رﻫﻢ وأمواﳍﻢ‪ ،‬ويُت ﱠو ُج ﻫذا اﻻﻫتﻤام ﳌستﻀعفﲔ ﰲ خﻄاب ال ّدﻋوة ﺑﻨﺰول الﻘرآن الكرﱘ ﳐلّ ًدا َ‬
‫ﷲِ نبيﱠﻪُ الكرﱘ‪ ،‬ﻋﻨدما التفت إﱃ ﺑعﺾ ال ُكﱪاء من قريﺶ يدﻋوﻫﻢ‪ ،‬ﺑيﻨﻤا أﻋرض ﻋن ﻋبد ﷲ اﺑن ّأم مكتوم‬
‫يﻚ ل ََﻌﻠﱠﻪُ يَـ ﱠﺰﱠﻛ ٰﻰ أ َْو يَ ﱠﺬ ﱠﻛ ُﺮ ﻓَـتَﻨ َﻔ َﻌﻪُ ال ِّﺬ ْﻛ َﺮ ٰى‬ ‫ﺲ َوﺗَـ َو ﱠ ٰﱃ أَن َﺟ َ‬
‫اءﻩُ ْاﻷَ ْﻋ َم ٰﻰ َوَما يُ ْد ِر َ‬ ‫الﻀعيﻒ‪َ ) :‬ﻋبَ َ‬ ‫الرجل اﻷﻋﻤﻰ ّ‬ ‫ّ‬
‫ﱠﻰ(‬‫َنﺖ َﻋ ْﻨﻪُ ﺗَـﻠَﻬ ٰ‬ ‫ﺸ ٰﻰ ﻓَﺄ َ‬ ‫ﻚ أ ﱠَﻻ يَـ ﱠﺰﱠﻛ ٰﻰ َوأَ ﱠما َمن َﺟاءَ َك يَ ْﺴ َﻌ ٰﻰ َو ُﻫ َو ﳜَْ َ‬‫ﱠى َوَما ﻋَﻠَْﻴ َ‬ ‫ﺼد ٰ‬ ‫َنﺖ لَﻪُ ﺗَ َ‬
‫ﲎ ﻓَﺄ َ‬ ‫أَ ﱠما َم ِن ْ‬
‫استَـﻐْ َ ٰ‬
‫]ﻋبﺲ‪.[10–1 :‬‬
‫الﺼديﻖ ‪-‬رﺿي ﷲ‬
‫الراشدين ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻢ‪ ،-‬ﻓأﺑو ﺑكر ّ‬
‫استﻤر اﻷمر ﻋلﻰ ﻋﻬد اﳋلفاء ّ‬
‫وﻛذلﻚ ّ‬
‫أﺣسﻨت‬
‫ُ‬ ‫يت ﻋليكﻢ ولست ﲞﲑﻛﻢ‪ ،‬ﻓإن‬
‫ﻓإﱐ قد ُولّ ُ‬
‫قائﻼ‪ّ » :‬‬
‫ﺗوﱃ اﳊكﻢ ً‬
‫ﻋﻨﻪ‪ -‬خﻄب ﰲ الﻨّاس ّأول ما ّ‬

‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد اﳌعاﻓري )ت‪543‬ﻫـ(‪ ،‬أﺣﻜام القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋلي ﳏﻤد البﺠاوي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن ّ‬
‫)‪ (1‬اﺑن العرﰊ‪ ،‬أﺑو ﺑكر ّ‬
‫اﳉيل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.1031‬‬
‫الساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪1031‬؛ الﺰرﻛشي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ادر ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑدر ال ّدين )ت‪794‬ه(‪ ،‬البﺤﺮ اﶈﻴﻂ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪،‬‬ ‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬اﳌرجﻊ ّ‬
‫)ﲢرير ومراجعة‪ :‬ﻋبد الستار أﺑو ﻏ ّدة‪ ،‬وﻋبد الﻘادر ﻋبد ﷲ العاﱐ(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﺼفوة‪ ،‬الﻐردقة‪1413 ،‬ﻫ ‪1992/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.243‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن أيوب اﳊﻤﲑي اﳌعاﻓري )ت‪213‬ه(‪ ،‬الﺴّﲑة الﻨبويﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬مﺼﻄفﻰ السﻘا‪ ،‬وإﺑراﻫيﻢ‬
‫)‪ (3‬اﺑن ﻫشام‪ ،‬ﲨال ال ّدين أﺑو ّ‬
‫اﻷﺑياري‪ ،‬وﻋبد اﳊفيظ الشلﱯ(‪ ،‬ط‪ ،2‬مﻄبعة مﺼﻄفﻰ الباﰊ اﳊلﱯ‪ ،‬مﺼر‪1375 ،‬ﻫ‪1955 /‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.309‬‬

‫‪19‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﻓﻘوُموﱐ«)‪ .(1‬وﻋﻤر ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬ﻛذلﻚ يﻄلب من الﻨّاس ﺗﻘوﳝﻪ إن َرأَوا ﻓيﻪ‬ ‫أسأت ِّ‬
‫ُ‬ ‫ﻓأﻋيﻨوﱐ‪ ،‬وإن‬
‫يستحﻖ‪،‬‬ ‫أﺣدﻫﻢ ﰲ اﳌسﺠد ﰲ ٍ‬
‫رداء لﻪ ﻏﻨيﻤةً‪ ،‬لكن ﻇﻬر ﳍذا اﳌعﱰض أنّﻪ أزيد ﳑﱠا‬ ‫اﻋوجاجا‪ ،‬ﻓيعﱰض ﻋليﻪ ُ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ﻓﻤا ﻛان من ﻋﻤر إﻻّ أن ّﺑﲔ لﻪ أنّﻪ ﻫديةٌ من اﺑﻨﻪ ﻋبد ﷲ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻤا‪ ،-‬واﻋﱰﺿت امرأةٌ ﻋليﻪ ﻋﻨدما‬
‫إﺣداﻫن‬
‫ّ‬ ‫قال‪» :‬ﻻ ﺗﻐالوا ﰲ مﻬور الﻨّساء«‪ ،‬ﻓﻘالت اﳌرأة‪ :‬ليﺲ ذلﻚ لﻚ ﻋﻤر‪ ،‬إ ّن ﷲ يﻘول‪» :‬وإن آﺗيتﻢ‬
‫)‪(2‬‬
‫الﻘﺼة ﻓيﻘول‪» :‬إ ّن ﻫذه‬
‫يردﻫا وﻻ رﻫا‪ ،‬ﺑل ﲰﻊ وأجاب‪ ،‬ويعلّﻖ اﺑن ﺗيﻤية ﻋلﻰ ّ‬ ‫قﻨﻄاراً من ذﻫب« ‪ ،‬ﻓلﻢ ّ‬
‫ِ‬
‫ﺣﱴ من امرأة‪،‬‬
‫اﳊﻖ ّ‬
‫ﺗبﲔ لﻪ‪ ،‬وأنّﻪ يﻘبل ّ‬ ‫دليل ﻋلﻰ َﻛ َﻤال ﻓﻀل ﻋﻤر وديﻨﻪ وﺗﻘواه‪ ،‬ورجوﻋﻪ إﱃ ِّ‬
‫اﳊﻖ إذا ّ‬ ‫الﻘﺼة ٌ‬
‫معﱰف ﺑفﻀل الواﺣد ﻋليﻪ‪ ،‬ولو ﰲ أدﱏ مسألة«)‪.(3‬‬
‫ٌ‬ ‫ويتواﺿﻊ لﻪ‪ ،‬وأنّﻪ‬
‫لعامة واﻷﺗباع الذين ﻻ سلﻄة‬
‫نسﻤيﻬﻢ اليوم ّ‬
‫وﻏﲑ ﻫذا من اﳌواقﻒ ﻛثﲑ‪ ،‬ﺗشﻬد ﲨيعُﻬا ﻋلﻰ أ ّن من ّ‬
‫ﳍﻢ‪ ،‬ما ﻛان يُﻨﻈر إليﻬﻢ ﻋلﻰ ﻋﻬد رسول ﷲ ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ واﳋلفاء الﱠراشدين من ﺑعده ستﺨفاف‬
‫ﳝلﺆﻫا اﻹﺣساس ﺑﻘلّة ال ّشأن‪ ،‬ﻛﻤا ﺻار‬
‫وﻋدم اﻛﱰاث‪ ،‬وﱂ يكونوا ﻫﻢ أن ُف ُسﻬﻢ يشعرون ّ ﻢ طبﻘة ُمستحﻘرة ُ‬
‫إليﻪ اﻷمر ﻓيﻤا ﺑعد‪.‬‬
‫الﺴﻴاسﻲ والﻔقﻬﻲ اﻷﺻوﱄ‪.‬‬
‫الﻌامﺔ ﰲ ﺗﺮاثﻨا ّ‬
‫نﻴا‪ :‬ﺻورة ّ‬
‫ﻋﻨدما نستدﻋي ﺗراثﻨا قراءةً أو ﲝثًا ودراسةً‪ ،‬ﻓإنّﻨا ﰲ اﳊﻘيﻘة نستدﻋي ﲡرﺑـَتَـﻨَا اﻹنسانية‪ ،‬ﺑكل ما ﲢﻤل‬
‫أنﺼعِﻬا من ﺣيث ﲤثّل نﺼوص الوﺣي ﰲ الواقﻊ‪ ،‬أو ﰲ‬ ‫ﺻورﻫا و َ‬ ‫الﻀعﻒ‪ ،‬ﰲ أﻛﻤل ُ‬ ‫الﻘوة و ّ‬
‫من ﻋﻨاﺻر ّ‬
‫ﺣاﻻت ﺗراجعﻬا وانتكاسا ا‪ ،‬وﻫي ﲡرﺑة ﳑت ّدة ﻋﱪ قرون طويلة‪ ،‬ﻻ ﳝكن للباﺣث ﻓيﻬا إﻻ أن يﻨتﻘي مﻨﻬا‬
‫الﻼزمة‬
‫متوسﻼ إﱃ ُﺣسن ﻓَﻬﻤﻬا ﻷدوات اﳌﻨﻬﺠية ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الﻀوء‪ ،‬ويﻘﺼدﻫا لﻨّﻈر والفحص‪ّ ،‬‬ ‫أجﺰاءً يسلّﻂ ﻋليﻬا ّ‬
‫واﳌﻨاسبة‪.‬‬
‫العامة وأ ّ ﻢ اﳉﻤﻬور التّاﺑﻊ لسلﻄة سياسية‬ ‫ِ ِ‬
‫الساﺑﻖ ﳌفﻬوم ّ‬
‫وﰲ سياق ﻫذا اﳌوﺿوع وﺑﻨاء ﻋلﻰ التّحديد ّ‬
‫العامة الﱵ ﺗرﲰﻬا لﻨا ﲨلةٌ من اﳌﺼادر‬
‫ﰲ شﺆون اﳊكﻢ وسلﻄة ﻋلﻤية ﰲ شﺆون التّديّن‪ ،‬ﻓإ ّن البحث ﻋن ﺻورة ّ‬
‫ﰲ ﻫذين ا الﲔ ﻋلﻰ الﻨّحو اﻵﰐ‪:‬‬

‫)‪ (1‬اﳌرجﻊ الساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.661‬‬


‫)‪ (2‬أخرجﻪ‪ :‬ﻋبد الرزاق‪ ،‬أﺑو ﺑكر ﺑن ﳘام ﺑن ﻓﻊ اﳊﻤﲑي اليﻤاﱐ الﺼﻨعاﱐ )ت‪211‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﺼﻨّﻒ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﺣبيب الرﲪن اﻷﻋﻈﻤي(‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫اﳌكتب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1403 ،‬م‪ :‬ج‪ ،6‬ص‪.180‬‬
‫ﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬مﻨﻬاج الﺴﻨﺔ الﻨبويﺔ ﰲ نقﺾ ﻛﻼم الﺸﻴﻌﺔ‬
‫)‪ (3‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي ال ّدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ ا ّ‬
‫القدريﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد رشاد ساﱂ(‪ ،‬ط‪ ،1‬جامعة اﻹمام ﳏﻤد ﺑن سعود اﻹسﻼميّة‪1406 ،‬ﻫـ‪1986/‬م‪ :‬ج‪ ،6‬ص‪.76‬‬

‫‪20‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫الﱰاث الﺴﻴاسﻲ اﻹسﻼمﻲ‪:‬‬


‫الﻌامﺔ ﰲ أدﺑﻴات ّ‬
‫‪ /1‬ﺻورة ّ‬
‫السياسي ﻫﻨا؛ ما نﻈﱠر ﺑﻪ الفﻘﻬاء اﳌسلﻤون للتﱠﺠرﺑة التّارﳜية ﰲ ﳎال اﳊكﻢ‪ ،‬وليﺲ‬
‫اﳌﻘﺼود ّلﱰاث ّ‬
‫اﻷﺻول واﳌبادئ الﱵ جاءت ﰲ الكتاب والسﻨّة وﲤثّلت ﰲ سﲑة الﻨّﱯ ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ واﳋلفاء الﱠراشدين‬
‫السياسي الذي ُد ِّون مﻨذ ﺻار اﳊكﻢ ﺗوار وأﺑع َد اﳉﻤاﻫﲑ ﻋن اﳌشارﻛة‬
‫من ﺑعده؛ أي أ ّن اﳌﻘﺼود ﻫو الفﻘﻪ ّ‬
‫ﻋﻤا ﰐ‪:‬‬
‫العامة ﻻ يكاد ﳜرج ّ‬
‫لعل أﻫﻢ اﳌعاﱂ الﱵ ﺗرﲰﻬا ﺗلﻚ اﳌﺼادر لﺼورة ّ‬
‫ﰲ ﻫذا ال ّشأن‪ ،‬و ّ‬
‫لﻠﻌامﺔ من الﻨّاس مﺮ اﺧتﻴار اﳊاﻛﻢ‪:‬‬
‫أ‪ /‬أنّﻪ ﻻ ﺷﺄن ّ‬
‫ﳍن ﰲ ﲣيﲑ اﻹمام‬ ‫قﻄعا أ ّن الﻨّسوة ﻻ مدخل ّ‬
‫يﻘررهُ إمام اﳊرمﲔ اﳉويﲏ ﰲ قولﻪ‪» :‬ﻓﻤا نعلﻤﻪ ً‬
‫ﻛﻤا ّ‬
‫السبﻖ ﰲ العلوم ‪ ...‬وﻻ ﺗعلّﻖ لﻪ‬
‫وﻋﻘد اﻹمامة ‪ ...‬وﻛذلﻚ ﻻ يُﻨاط ﻫذا اﻷمر لعبيد‪ ،‬وإن َﺣ َوْوا قﺼب ّ‬
‫اﻷئﻤة‪ ،‬ﻓﺨروج‬
‫لعو ّام الذين ﻻ يُع ّدون من العلﻤاء وذوي اﻷﺣﻼم ‪ ...‬وﻻ مدخل ﻷﻫل ال ّذ ّمة ﰲ نﺼب ّ‬
‫اﳊل والعﻘد ليﺲ ﺑﻪ خفاء«)‪.(1‬‬
‫ﻫﺆﻻء ﻋن مﻨﺼب ّ‬
‫العامة من أمر اختيار اﳊاﻛﻢ؛‬
‫استبعاد ّ‬
‫َ‬ ‫إمام اﳊرمﲔ ‪-‬وﻫو من ﻫو ﰲ التّﻨﻈﲑ اﻷﺻوﱄ‪-‬‬ ‫يﻘرر ُ‬‫ﻫكذا ّ‬
‫ﺣﱴ مﻊ ﺑلوغ ﻫﺆﻻء درجة من العلوم ﻋاليةً ﻓﻼ مﻄﻤﻊ ﳍﻢ ﰲ اﻷمر‪ ،‬ﺑل‬ ‫ﲟا ﻓيﻬﻢ الﻨّساء والعبيد‪ ،‬مﺆّﻛداً أنّﻪ ّ‬
‫ﳏل إﲨاع دون أن يذﻛر ﳍذا اﻹﲨاع مستﻨداً‪ ،‬إﻻﱠ اﳋوف من أن يُ ِسيئوا اﻻختيار‪ ،‬ويﻀعوا اﻷمر‬ ‫وﳚعل ذلﻚ ّ‬
‫ﰲ ﻏﲑ ﳏلّﻪ‪.‬‬
‫الﺴواد اﻷﻋظﻢ من الﻨّاس ﺟﻬﻼء ﻻ يُﻠتَـ َﻔﺖ إلﻴﻬﻢ‪:‬‬
‫ب‪ /‬أ ّن ّ‬
‫للعامة ُمفعﻤة ﲟعاﱐ اﻻستحﻘار‪ ،‬من ذلﻚ ما جاء‬
‫ﺗرسﻢ لﻨا ﺑعﺾ مﺼادر السياسة ال ّشرﻋية ﺻورًة ّ‬
‫الساقﻄة‪،‬‬
‫اﳉﻬال‪ ،‬ﻓإ ّن ﲰاع ألفاﻇﻬﻢ ّ‬
‫للﻤلﻚ ﳐالﻄَةُ اﻷنذال وال ﱡسوقة و ّ‬
‫ﻓيﻤا ﻻ يليﻖ ﳊ ّكام‪» :‬وﳑّا يُكره َ‬
‫اﳍﻤة ويﻀﻊ اﳌﻨﺰلة‪ ،‬ويﺼدئ الﻘلب‪ ،‬ويﺰري ﳌلﻚ«)‪.(2‬‬ ‫ﻂ ّ‬ ‫ومعانيﻬﻢ اﳌرذولة‪ ،‬وﻋبارا ﻢ ال ّدنية‪ ،‬ﳑّا ﳛ ﱡ‬
‫عرف ﻵداب‬ ‫العامة من الﻨّاس‪ ،‬وإذا ﻛان ﻫذا الكﻼم مبثو ً ﰲ ما يُ ُ‬
‫وﻋادةً ما يوﺻﻒ ﻫﺆﻻء ّ ﻢ ّ‬
‫ﲣل‬ ‫ِ‬
‫السلﻄانية‪ ،‬وما يُستحسن من اﻷمراء واﳊ ّكام‪ ،‬ﺣفاﻇًا ﻋلﻰ اﳍيبة واﳌﻘام‪ ،‬ﻓإ ّن ُخﻄَب اﳊُ ّكام أنفسﻬﻢ ﱂ ُ‬
‫ّ‬
‫اﳉﻤﻬور‬
‫َ‬ ‫ف أمﲑُ اﳌﺆمﻨﲔ أ ّن‬
‫من ﻋبارات اﻻستحﻘار لرﻋا ﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻘد جاء ﰲ خﻄبة اﳌأمون قولﻪ‪» :‬وقد َﻋ َر َ‬
‫العامة؛ ﳑّن ﻻ نَﻈر ﳍﻢ وﻻ َرويﱠة‪ ،‬وﻻ استدﻻل لﻪ ﺑدﻻلة ﷲ‬
‫وسفلة ّ‬‫الرﻋيّة َ‬
‫السواد اﻷﻛﱪ‪ ،‬من ﺣشو ّ‬‫اﻷﻋﻈﻢ‪ ،‬و ّ‬

‫)‪ (1‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن يوسﻒ )ت‪478‬ه(‪ ،‬ﻏﻴاث اﻷمﻢ ﰲ التﻴاث الظﱡﻠﻢ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﳌﻨﻬاج الﻨّشر والتّوزيﻊ‪ ،‬ج ّدة‪،‬‬
‫‪1432‬ﻫ‪2011/‬م‪ :‬ص‪.245‬‬
‫)‪ (2‬اﺑن الﻄﻘﻄﻘي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي ﺑن طباطبا )ت‪709‬ه(‪ ،‬الﻔﺨﺮي ﰲ اﻵداب الﺴّﻠﻄانﻴﺔ والدول اﻹسﻼمﻴﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد الﻘادر ﳏﻤد‬
‫مايو(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻘلﻢ العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1418 ،‬ﻫ ‪1997/‬م‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪21‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫وﻋﻤﻰ ﻋﻨﻪ‪ ،‬وﺿﻼلة‬


‫‪ً ،‬‬ ‫أﻫل جﻬالة‬
‫وﻫدايتﻪ‪ ،‬واﻻستﻀاءة ﺑﻨور العلﻢ وﺑرﻫانﻪ‪ ،‬ﰲ ﲨيﻊ اﻷقﻄار واﻵﻓاق‪ُ ،‬‬
‫ﻋن ﺣﻘيﻘة ديﻨﻪ وﺗوﺣيده واﻹﳝان ﺑﻪ«)‪.(1‬‬
‫ﺑكل ﻫذه اﳉﻬاﻻت‪ُ ،‬م ِﻘرا أ ّن ﻫذا ﻫو اﳉﻤﻬور الذي‬
‫ﻫكذا ﻻ ﳚد اﳊاﻛﻢ ﻏﻀاﺿةً ﰲ وﺻﻒ رﻋيّتﻪ ّ‬
‫شاسﻊ‬
‫ٌ‬ ‫اﻷمة‪ ،‬وليﺲ ال ّشذوذ الذي ﱂ ﳜل مﻨﻪ ﻋﺼر وﻻ مﺼر‪ ،‬ﻓكﻢ ﻫو البَو ُن‬
‫السواد اﻷﻋﻈﻢ من ّ‬
‫َْﳛ ُكﻤﻪ‪ ،‬وأنّﻪ ّ‬
‫ﺑﲔ ﻫذه اﳋﻄبة وخﻄبة أﰊ ﺑكر وﻋﻤر ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻤا‪ ،-‬ﺑﲔ من ﻻ يرى ﰲ اﳉﻤﻬور من رﻋيتﻪ إﻻّ معاﱐ‬
‫للحﻖ‪ُ ،‬مداﻓعﲔ ﻋﻨﻪ؟‬
‫اسا ّ‬ ‫ﺣر ً‬
‫الﻀﻼل‪ ،‬وﺑﲔ من يراﻫﻢ ّ‬
‫اﳉﻬالة و ّ‬
‫الﻌامﺔ إﻇﻬار الﻄﱠاﻋﺔ ﻷﺟل استقﺮار اﳊﻜﻢ‪:‬‬
‫ﺟـ‪ /‬أ ﱠن اﳌﻄﻠوب من ّ‬
‫ﻓﻤن أجل استﻘرار اﳊكﻢ ومﻨﻊ الفﱳ؛ يرّﻛﺰ الفﻘﻪ السياسي ﻋلﻰ ُخلﻖ الﻄّاﻋة‪ ،‬وإﻇﻬار اﻻنﺼياع‪ ،‬أﻛثر‬
‫العامة‪ّ ،‬أما من جانب اﳊ ّكام؛ ﻓﲑّﻛﺰ ﻋلﻰ ﺿرورة‬
‫من خلﻖ الﻨّﺼيحة واﻹنكار ﻋلﻰ اﳊاﻛﻢ‪ ،‬ﻫذا من جانب ّ‬
‫العامة‪.‬‬
‫الرﺿا والﻘبول ﻢ لدى ّ‬ ‫الﻘوة‪ ،‬أﻛثر من ﺣﺼول ّ‬
‫ﺗواﻓر أسباب اﻻستيﻼء وإﻇﻬار ّ‬
‫إمام اﳊرمﲔ‪» :‬الوجﻪ ﻋﻨدي أن يُعتََﱪ ﰲ البيعة ﺣﺼول مبلﻎ من اﻷﺗباع واﻷنﺼار‬
‫وﰲ ﻫذا يﻘول ﻛذلﻚ ُ‬
‫الﻈن أن يُﺼﻄلﻢ‬
‫ومﻨَعةٌ قاﻫرة‪ ،‬ﲝيث لو ﻓُرض ثوران خﻼف ﳌا ﻏلب ﻋلﻰ ّ‬ ‫واﻷشياع ﲢﺼل ﻢ شوﻛةٌ ﻇاﻫرةٌ‪َ ،‬‬
‫أﺗباع اﻹمام‪ ،‬ﻓإذا ّﻛدت البيعة و طّدت ل ّشوﻛة والعدد والعُدد‪ ،‬واﻋتﻀدت و يّدت ل ِـﻤﻨّة‪ ،‬واستﻈﻬرت‬
‫وﺗستﻘر«)‪.(2‬‬
‫ّ‬ ‫سباب اﻻستيﻼء واﻻستعﻼء؛ ﻓإذ ذاك ﺗثبت اﻹمامة‬

‫العامة الﻄّاﻋة‪ ،‬وإﻇﻬار اﳊاﻛﻢ اﻻستيﻼء واﻻستعﻼء وال ّشوﻛةَ‬


‫ط ﻇﻬار ّ‬ ‫إذن؛ ﻓاستﻘرار اﳊكﻢ مﻨو ٌ‬
‫ﻇﻬورا و ﻛي ًدا ﲟا يﻨاسبﻪ‪ ،‬إ ْذ‬
‫اﻷول‪ ،‬ﻓﻼ نكاد ﳒد لﻪ ﰲ مثل ﻫذه اﻷدﺑيات ً‬
‫الرﺿا وﻫو رﻛن البيعة ّ‬
‫واﳌﻨّة‪ّ ،‬أما ّ‬
‫ﻫو اﻷﺻل واﻷساس‪.‬‬
‫السياسي‪ ،‬ﺗﻨﻘل لﻨا ﺑعﺾ مﺼادر‬ ‫العامة ﰲ أدﺑيات ﺗراثﻨا ّ‬
‫إﱃ جانب ﻫذه الﺼورة من التّﻬوين من شأن ّ‬
‫اﳋاﺻة من العلﻤاء واﻷمراء إﱃ مراﻋا ﻢ‪ ،‬ﻓكثﲑاً ما‬ ‫الﱰاجﻢ ﺻورةً أخرى ﻋن سﻄوة العو ّام‪ ،‬والتفات ّ‬
‫السﲑ و ّ‬
‫ّ‬
‫العامة ﻓأﻋرض ﻋن ﻓعل ﻛذا‪ ،‬أو أنّﻪ ﻋﻨدما ﻋﺠﺰ ﻋن ُﳎا َ ة خﺼ ٍﻢ لﻪ؛‬ ‫ِ‬
‫نﻘرأ أ ّن أﺣدﻫﻢ قد خشي من ثوران ّ‬
‫ﻓﻘيﻬا‪ ،‬إّﳕا ﻛان ُﳏ ِّد ً ‪ ،‬وما‬
‫أﲪد ً‬‫استثار ﻋليﻪ العا ّمة‪ ،‬ﻛﻤا ﺣﺼل مﻊ اﻹمام الﻄّﱪي ﻋﻨدما قال‪» :‬ﱂ يكن ُ‬

‫)‪ (1‬الﻄﱪي‪ ،‬أﺑو جعفر ﳏﻤد ﺑن جرير )ت‪310‬ه(‪ ،‬ريخ الﺮّسل واﳌﻠوك‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت‪1387 ،‬ه‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.632‬‬
‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص‪.250‬‬

‫‪22‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫العامة يوم دﻓﻨﻪ‪ ،‬ﻓﻤﻨعوا‬


‫أيت لﻪ أﺻحا ً يُع ﱠول ﻋليﻬﻢ‪ ،‬ﻓساء ذلﻚ اﳊﻨاﺑلة‪ ،‬ورموه ّلرﻓﺾ ‪ ...‬وأﻫاجوا ﻋليﻪ ّ‬‫ر ُ‬
‫دﻓﻨﻪ ًارا‪ ،‬ومﻨعوا الﻨّاس من ال ّدخول إليﻪ ﰲ ﺣياﺗﻪ«)‪.(1‬‬
‫السياسة واﳊُكﻢ‬
‫خاﺻةً مﻨﻬا أدﺑيات ّ‬
‫الﱰاثية‪ّ ،‬‬
‫للعامة ﰲ اﳌﺼادر ﱡ‬
‫وﻫكذا‪ ،‬ﳝكﻨﻨا الوقوف ﻋلﻰ ﺻورة ّ‬
‫قدر من اﻻستحﻘار والتّﻬوين‪ ،‬وﰲ الوقت ذاﺗﻪ اﳋشية من ﻫيﺠا ﻢ وإﻓسادﻫﻢ‪ ،‬ولعلّﻪ‬ ‫ِ‬
‫الﱰاجﻢ‪ ،‬ﻓيﻬا ٌ‬
‫السﲑ و ّ‬
‫و ّ‬
‫ويلوﺣون ﳍﻢ لﻘدرة ﻋلﻰ‬‫العامة‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫السلﻄان يُﻘلّلون من شأن ّ‬
‫أﺻحاب ّ‬
‫ُ‬ ‫ﳝكن ﺗفسﲑ ﻫذه ﺑتلﻚ‪ ،‬ﻓرّﲟا ﱂ يفتأ‬
‫لئﻼ يﻨتبﻬوا إﱃ أ ّ ﻢ قادرون ﻋلﻰ ﻓِ ِ‬
‫عل أم ٍر ما‪.‬‬ ‫قﻬرﻫﻢ؛ ّ‬
‫الﱰاث اﻷﺻوﱄ‪:‬‬
‫الﻌامﺔ ﰲ ّ‬
‫‪ /2‬ﺻورة ّ‬
‫ظ واﻻﻋتبار ﰲ ﲨلة اﻷﺻول الﻨّﻈرية اﳌبثوثة ﰲ مﺼادر‬‫للعامة من اﳊ ّ‬
‫البحث ﻓيﻤا ﻛان ّ‬ ‫ُ‬ ‫اﳌﻘﺼود ﻫﻨا؛‬
‫ﻋلﻢ أﺻول الفﻘﻪ‪ ،‬ﻋتباره العلﻢ الﻀﱠاﺑﻂ للﻨّﻈر الفﻘﻬي ﰲ ﻓﻬﻢ الﻨّﺼوص واستﻨباط اﻷﺣكام العﻤلية‪ ،‬وﻫي‬
‫ﻈر ﰲ ذلﻚ ﻋن الﻘﻀا اﻵﺗية‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ألﺼﻖ شيء ﲝياة الﻨّاس ال ّديﻨية والدﱡنيويّة‪ ،‬وقد أسفر الﻨّ ُ‬
‫ُ‬
‫إسﻬاما ﰲ ﺣﻔﻆ الﻨّﺼوص ونقﻠﻬا‪:‬‬
‫ً‬ ‫لﻠﻌامﺔ‬
‫أ‪ /‬أن ّ‬
‫ذلﻚ أ ّن ﺗل ّﻘي نﺼوص الوﺣي وﲪلﻬا ﺣفﻈًا واستﻈﻬاراً ﻻ يتﻄلّب أﻛثر من جودة ﺗل ّﻘي اﳌﻨﻄوق‬
‫الﱰاث ال ّشفاﻫي‪ ،‬وﻛذلﻚ ﲪلوا ا‬
‫ﻛل ّ‬
‫العرب اللّﻐة‪ ،‬و ّ‬
‫وﺣفﻈﻪ ﰲ ال ّذاﻛرة وﺗبليﻐﻪ‪ ،‬وﻫي الﻄّريﻘة الﱵ ﲪل ا ُ‬
‫لعامة الﻨّاس‪ ،‬إﱃ أ ْن ﻇﻬرت ﰲ ﻋﺼر التّدوين مفاﻫيﻢ ﻛثﲑة ارﺗبﻄت لﻨّﻘل ﺑوﺻفﻪ وﻇيفةً‪،‬‬ ‫الوﺣي وﺑلّﻐوه ّ‬
‫العامة ﻫو التّواﺗر‪ ،‬والذي‬
‫أﻫﻢ ﻫذه اﳌفاﻫيﻢ الﱵ يتﺠلّﻰ ﻓيﻬا دور ّ‬
‫السﻨد‪ ،‬والتواﺗر‪ ،‬واﻵﺣاد‪ ،‬و ّ‬
‫الرواية‪ ،‬و ّ‬
‫ﻛﻤفﻬوم ّ‬
‫يعﲏ نﻘل الكاﻓّة ﻋن الكاﻓّة‪ ،‬دون أن يُشﱰط ﰲ آﺣادﻫﻢ الفﻘﻪ وﻻ العلﻢ‪ ،‬ﺑل إ ّن شرط التّواﺗر الوﺣيد ﻫو‬
‫ﻛل ما يُتﻨاقَل ُمشاﻓﻬةً‬
‫الكل ﻋلﻰ الكذب‪ ،‬ومن ﻫﻨا يﺼﲑ ﻫذا اﳉﻤﻊ ﺿﻤا ً واقعيا ﳊﻤل ّ‬
‫إﺣالة العادة ﺗواطﺆ ّ‬
‫الشاﻓعي ﻋلﻰ ﺻعيدين‪:‬‬
‫الﻀياع‪ ،‬وﻫو اﳌعﲎ الذي انتبﻪ إليﻪ اﻹمام ّ‬
‫وﺣﺼﻨًا لﻪ من ّ‬
‫اﻷول‪ :‬ﺻﻌﻴد ﺣﻔﻆ الﻠّﻐﺔ‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫السليﻘة‬
‫ﻋرب البوادي الباقون ﻋلﻰ ّ‬
‫العامة من الﻨّاس‪ ،‬ﺑل ﻛان ُ‬‫ﻓاللّﻐة العرﺑية ولسا ا نُﻘلت مشاﻓﻬةً ﺑﲔ ّ‬
‫ﺼن اﳌانﻊ من ﺿياع‬ ‫ِ‬ ‫مرجﻊ ُج ّـﻤاع اللﱡﻐة ﰲ ﻋﺼر التّدوين‪ ،‬ويَعتﱪ ّ‬
‫العامة من العرب اﳊ َ‬ ‫الشاﻓعي ﻫﺆﻻء ّ‬ ‫ﻫﻢ ُ‬
‫ألفاظ العرب ولسا ا ﻋﻨدما قال‪» :‬ولسان العرب أوسﻊ اﻷلسﻨة مذﻫباً‪ ،‬وأﻛثرﻫا ألفاﻇاً ‪ ...‬ولكﻨّﻪ ﻻ يذﻫب‬
‫موجودا ﻓيﻬا من يعرﻓﻪ«)‪.(2‬‬
‫ً‬ ‫ﻋامتﻬا‪ ،‬ﺣﱴ ﻻ يكون‬
‫مﻨﻪ شيءٌ ﻋلﻰ ّ‬

‫ﳏﻤد ﺑن اﳊسن الثعالﱯ اﳉعفري الفاسي )ت‪1376‬ه(‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴّامﻲ ﰲ ريخ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪،‬‬
‫)‪ (1‬اﳊﺠوي‪ّ ،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1416 ،‬ﻫ ‪1995/‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.47‬‬
‫)‪ (2‬الشاﻓعي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن إدريﺲ )ت ‪204‬ه(‪ ،‬الﺮسالﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد شاﻛر(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اﳌكتبة العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ص ‪.42‬‬

‫‪23‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫الﺴﻨﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬الﺜاﱐ‪ :‬ﺻﻌﻴد ﺣﻔﻆ ّ‬
‫ﺑعﺾ الﻨّاس‬
‫اﻷمة ﻋلﻰ وجﻪ قد ﳚﻬل ﻓيﻪ ُ‬ ‫مبثوث ﻓيﻤا ﳛفﻈﻪ ﲨيﻊ ّ‬
‫ٌ‬ ‫السﻨة؛ ﻓﺠﻤيعﻬا‬
‫ﻛذلﻚ ﺣفظ ّ‬
‫ﺑعﻀﻬا‪ ،‬وﰲ ذلﻚ يﻘول اﻹمام ال ّشاﻓعي‪» :‬العلﻢ ﺑﻪ ]اللّسان العرﰊ[‬‫ﺑعﺾ الﻨّاس َ‬
‫ﺑعﺾ ال ﱡسﻨن‪ ،‬ويعلﻢ ﻓيﻪ ُ‬
‫َ‬
‫السﻨن ﻓلﻢ يذﻫب مﻨﻬا ﻋليﻪ شيء‪ ،‬ﻓإذا ُﲨﻊ‬ ‫ﻋﻨد العرب ﻛالعلﻢ لسﻨّة ﻋﻨد أﻫل الفﻘﻪ‪ ،‬ﻻ نعلﻢ رجﻼً ﲨﻊ ّ‬
‫اﺣد مﻨﻬﻢ ذﻫب ﻋليﻪ ال ّشيء مﻨﻬا‪ ،‬ﰒّ ما ذﻫب‬‫ﻋلﻢ ﻋامة أﻫل العلﻢ ا أﺗﻰ ﻋلﻰ السﻨن‪ ،‬وإذا ﻓـُرق ﻋلﻢ ﻛل و ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫موجود ﻋﻨد ﻏﲑه« ‪ ،‬وﻫو اﳌعﲎ الذي أ ّﻛده ﰲ موﺿﻊ آخر ﻋﻨدما قال‪» :‬ونعلﻢ أ ّ ﻢ إذا ﻛانت‬ ‫ٌ‬ ‫ﻋليﻪ مﻨﻬا‬
‫ﻋامتﻬﻢ‪ ،‬وقد ﺗعﺰب ﻋن ﺑعﻀﻬﻢ«)‪.(2‬‬
‫سﻨن رسول ﷲ ﻻ ﺗعﺰب ﻋن ّ‬
‫والﻈّاﻫر أ ّن اﻹمام ال ّشاﻓعي ﱂ يكن يﻘﺼد لعلﻢ ﻫﻨا؛ ﻓﻘﻪ الﻨّﺼوص‪ ،‬ولكن قﺼد العلﻢ ﲝديث رسول‬
‫ﻋامتﻬﻢ‪،‬‬
‫ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬من ﺣيث معرﻓتُﻪ واﻻطّﻼع ﻋليﻪ‪ ،‬وﻫذا معﲎ قولﻪ‪ :‬إ ّ ا ﻻ ﺗعﺰب ﻋن ّ‬
‫ﻓﻘد نبّﻪ ﰲ مواﺿﻊ من رسالتﻪ إﱃ الفرق ﺑﲔ ﻓﻘﻪ الﻨّﺼوص وﲪلﻬا‪ ،‬ﰲ ﺣديث رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ‬
‫وسلّﻢ‪» :-‬ﻓر ﱠ ِ‬
‫ب ﺣام ِل ﻓﻘﻪ ليﺲ ﺑفﻘيﻪ« ‪ ،‬وﻫكذا ﻛان ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫للعامة من اﳊََفﻈة الذين ﱂ يبلﻐوا درجة الفﻘﻪ ﰲ‬ ‫ُ‬
‫اﻷمة وموروثﻬا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سﻤيﻪ اليوم‪ :‬ﺣفظ ذاﻛرة ّ‬
‫دور ﻛبﲑ ﻓيﻤا نُ ّ‬
‫ال ّدين؛ ٌ‬
‫ﻋامﺔ‪:‬‬
‫ﺧاﺻﺔ وﻋﻠﻢ ّ‬
‫ﻋﻠﻢ ّ‬
‫ب‪ /‬أ ّن الﻌﻠﻢ ﻗﺴمان‪ُ ،‬‬
‫الﺼحاﺑة ﺑعد وﻓاة رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﺑﲔ أﻫل الفتوى وﻏﲑﻫﻢ‬ ‫مﻨذ أن ﻇﻬر التّﻤايﺰ ﺑﲔ ّ‬
‫اﳋاﺻة‬
‫لﻀرورة مﻨتشر ﺑﲔ اﳉﻤيﻊ‪ ،‬وإﱃ معلوم لدى ّ‬ ‫الﺼحاﺑة‪ ،‬ﺑدأ العلﻢ ل ّدين يﻨﻘسﻢ إﱃ معلوم ّ‬ ‫ﻋامة ّ‬‫من ّ‬
‫من الفﻘﻬاء ا تﻬدين‪ ،‬و ّﻛد ﻫذا ﻋﻨد انﻘﻼب ﻋلوم ال ّشريعة ِﺻﻨاﻋةً؛ يﻘول اﻹمام ال ّشاﻓعي‪» :‬العلﻢ ﻋِ ْلﻤان‪:‬‬
‫الﺼْﻨﻒ ﻛلﱡﻪ ِمن‬
‫ِ‬ ‫ﻋلﻢ ﻋا ﱠم ٍة‪ ،‬ﻻ يسﻊ لِﻐاً ﻏﲑ مﻐلوب ﻋلﻰ ﻋ ْﻘلِﻪ جﻬلُﻪ ‪ ...‬مثل ال ﱠ ِ‬
‫ﺼلَ َوات اﳋﻤﺲ ‪ ...‬وﻫذا ّ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أﻫل اﻹسﻼم‪ ،‬يﻨﻘلﻪ َﻋ َوا ﱡمﻬﻢ ﻋن من مﻀﻰ من ﻋو ّامﻬﻢ‪،‬‬ ‫وموجود ﻋاما ﻋْﻨد ِ‬
‫ٌ‬ ‫موجود نَﺼا ﰲ ﻛتاب ﷲ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫العلﻢ‬
‫وب‬
‫اﳋاﺻة ﻓيﺼفﻪ ﺑﻘولﻪ‪» :‬ما يـَﻨُ ُ‬
‫َْﳛكونﻪ ﻋن رسول ﷲ‪ ،‬وﻻ يتﻨازﻋون ﰲ ﺣكايتﻪ وﻻ وجوﺑﻪ ﻋليﻬﻢ«‪ّ ،‬أما ﻋلﻢ ّ‬
‫ص سﻨﱠة‪،‬‬ ‫نص ﻛتاب‪ ،‬وﻻ ﰲ أﻛثره ن ﱡ‬ ‫ص ﺑﻪ ِمن اﻷﺣكام وﻏﲑﻫا‪ ،‬ﳑّا ليﺲ ﻓيﻪ ﱡ‬ ‫العِباد ِمن ﻓُروع الفرائﺾ‪ ،‬وما ُﳜَ ﱡ‬
‫ِ‬
‫العامة‪ ،‬وما ﻛان مﻨﻪ ﳛتﻤل التّأويل‬‫ﺻة‪ ،‬ﻻ أخبا ِر ّ‬ ‫أخبار اﳋا ﱠ‬‫وإن ﻛانت ﰲ شيء مﻨﻪ سﻨةٌ ﻓإّﳕا ﻫي من ْ‬
‫قياسا«)‪.(4‬‬
‫ستدرك ً‬‫ويُ َ‬

‫)‪ (1‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص‪.43-42‬‬


‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص‪.472‬‬
‫)‪ (3‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص‪.472‬‬
‫)‪ (4‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص‪.357‬‬

‫‪24‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫ﲣﺼﺼات ﳐتلفة‪ُ ،‬مﻨدرجة ﰲ ﻓروض الكفا ت؛ ﱂ ﺗعد ﺗعﲏ‬ ‫الشريعة ّ‬


‫وﻫكذا ﻋﻨدما ﺻارت ﻋلوم ّ‬
‫ﳜتل ﺗديﱡـ ـﻨﻪ‪ ،‬ﻛﻤا يﺆّﻛده اﺑن‬
‫ﺑعﺾ اﳌعارف ال ّديﻨية دون أن ّ‬
‫ﺗتعﲔ ﻋليﻪ قد ﳚﻬل َ‬
‫ﺣﱴ أ ّن من ﱂ ّ‬
‫ﲨﻬور الﻨّاس‪ّ ،‬‬
‫ﻛل‬
‫ﻛل ما ﻰ ﻋﻨﻪ‪ ،‬و ّ‬ ‫الرسول‪ ،‬و ّ‬ ‫ﻛل ما أمر ﺑﻪ ّ‬
‫العامة أن يعرف ّ‬
‫ﻛل واﺣد من ّ‬
‫ﺗيﻤية ﰲ قولﻪ‪» :‬ﻓﻼ ﳚب ﻋلﻰ ّ‬
‫ما أخﱪ ﺑﻪ‪ ،‬ﺑل إّﳕا ﻋليﻪ أن يعرف ما ﳚب ﻋليﻪ ﻫو‪ ،‬وما ﳛرم ﻋليﻪ«)‪ .(1‬واﳌعﲎ نفسﻪ ﳒده ﻋﻨد ﻏﲑه من‬
‫ﻓﺼلوا ﰲ أنواع ﻓروض الكفا ت‪.‬‬
‫الفﻘﻬاء ﺣﲔ ّ‬
‫اﳋاﺻة‪ ،‬ﳑّا قد‬
‫ّ‬ ‫العامة ﲟوﺿوﻋات‬
‫اﻷئﻤة مﻨذ ﺑدا ت ﻋﺼر التّدوين نبّﻬوا إﱃ خﻄر شﻐل ّ‬‫ﺑل إ ّن ّ‬
‫يشوش ﻋليﻬﻢ ﻓﻬﻤﻬﻢ وﻻ يفيدﻫﻢ ﰲ ﺣيا ﻢ‪ ،‬ﺑل ويﺼرﻓﻬﻢ ﻋن واجبا ﻢ العيﻨيّة‪ ،‬ﻛﻤا قال أﺑو ﺣﻨيفة ﻷﰊ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫العامة ﰲ أﺻول ال ّدين من الكﻼم؛ ﻓإ ﻢ قوم يﻘلّدونﻚ ﻓيشتﻐلون ﺑذلﻚ«‪.‬‬
‫ﺻحا‪» :‬إ ّ ك أن ﺗكلّﻢ ّ‬
‫يوسﻒ ً‬
‫ﺟـ‪ /‬الﻌوام ﻏﲑ مﻌتﱪين ﰲ انﻌقاد اﻹﲨاع‪:‬‬
‫العامة؛ مسألة انعﻘاد اﻹﲨاع‪ ،‬وﻫل ﳛﺼل‬‫أﻫﻢ الﻘﻀا الﱵ قﺶ ﻓيﻬا اﻷﺻوليون قﻀية إشراك ّ‬ ‫من ّ‬
‫اﻷمة‪ ،‬أم أنّﻪ ﻻ يﺼل إﱃ درجة اﻹلﺰام ﻫذه إﻻّ شراك‬ ‫لكل ّ‬
‫لﺰما ّ‬‫اﳋاﺻة من ا تﻬدين‪ ،‬ويﺼﲑ ُم ً‬
‫ﺗّفاق ّ‬
‫العامة؟ وخﻼﺻتﻬا أ ّن اﳉﻤﻬور ذﻫبوا إﱃ ﻋدم اﻋتبار قوﳍﻢ ﻻختﺼاﺻﻪ تﻬدين)‪ّ ،(2‬إﻻ ﰲ الﻘﻀا الﱵ‬ ‫ّ‬
‫لﻀرورة‪ّ ،‬أما ما اﺣتاج إﱃ اجتﻬاد ونﻈر‬
‫العامة‪ ،‬وﻫو اﻹﲨاع ﻋلﻰ اﳌعلوم من ال ّدين ّ‬
‫ﻫي ﺑﻄبيعتﻬا من ﻋلﻢ ّ‬
‫ﺗبﻊ‬
‫للعامة ﺑﻪ‪ ،‬ويﻨعﻘد اﻹﲨاع ﺑدو ﻢ‪ ،‬وليﺲ ﳍﻢ ﳐالفةَ ا ﻤﻊ ﻋليﻪ‪ ،‬ﻷ ّ ﻢ ﰲ ذلﻚ ٌ‬ ‫واستدﻻل‪ ،‬ﻓﻼ شأن ّ‬
‫ثﲏ من ذلﻚ موقﻒ اﻹمام سيﻒ الدين اﻵمدي)‪ (3‬الذي اشﱰط مواﻓﻘة العو ّام ﰲ اﻹﲨاع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اﻷمة‪ ،‬واستُ َ‬
‫لعلﻤاء ّ‬
‫وإﻻّ ﻛان ﻇﻨيا‪ ،‬ودليل اﳉﻤﻬور ﻫو أ ّن أﻫلية الﻨّﻈر ﰲ ال ّشرﻋيات ﺗكون للعلﻤاء دون العو ّام‪ ،‬الذين يفتﻘرون‬
‫العامة مﻨﻬﻢ)‪.(4‬‬
‫الﺼحاﺑة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻢ‪ -‬من ﻋدم اﻋتبار قول ّ‬ ‫ﻵلة ذلﻚ‪ ،‬وﻫو ما ﻛان ﻋليﻪ ّ‬

‫)‪ (1‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي الدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ اﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬اﻹﳝان‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﺻر الدين اﻷلباﱐ(‪،‬‬
‫ط‪ ،5‬اﳌكتب اﻹسﻼمي‪ ،‬اﻷردن‪ 1416 ،‬ﻫ‪1996/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.156‬‬
‫كﻤا‪،‬‬
‫سﻤﻰ العوا ّم‪ ،‬ﻓأدخلوا إﱃ جانب العو ّام ﺣﻘيﻘة العو ّام ُﺣ ً‬ ‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬الﺰرﻛشي‪ ،‬البﺤﺮ اﶈﻴﻂ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ّ ،361‬‬
‫وﺗوسعوا ﰲ ُم ّ‬
‫ﺣﻖ‬
‫»أما الﻨّحوي واﳌتكلّﻢ ﻓﻼ يُعت ّد ﻤا؛ ﻷ ّ ﻤا من العو ّام ﰲ ّ‬
‫اﳌفسرين واﶈ ّدثﲔ‪ ،‬يﻘول اﻹمام الﻐﺰاﱄ‪ّ :‬‬
‫وﻫﻢ العلﻤاء من ﻏﲑ الفﻘﻬاء ﻛالﻨّحويﲔ و ّ‬
‫ﻫذا العلﻢ‪ ،‬إﻻّ أن يﻘﻊ الكﻼم ﰲ مسألة ﺗﻨبﲏ ﻋلﻰ الﻨّحو أو ﻋلﻰ الكﻼم«‪ ،‬اﳌﺴتﺼﻔﻰ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد سليﻤان اﻷشﻘر(‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1417 ،‬ﻫ ‪1997/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.343‬‬
‫اﻷمة ﺑل أقل البعﺾ‪ ،‬انﻈر‪ :‬اﻵمدي‪ ،‬سيﻒ ال ّدين ﻋلي ﺑن‬
‫لكل اﻷمة ﻻ لبعﻀﻬا‪ ،‬والعلﻤاء ا تﻬدون ﻫﻢ ﺑعﺾ ّ‬
‫)‪ (3‬اﻋتﱪ العﺼﻤة الثاﺑتة؛ ﻫي ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن ساﱂ التﻐلﱯ )ت‪631‬ه(‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬سيّد اﳉﻤيلي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1404‬ﻫ‪1984/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.284‬‬
‫)‪ (4‬انﻈر‪ :‬الرازي‪ ،‬ﻓﺨر ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﻋﻤر التّيﻤي )ت‪606‬ه(‪ ،‬اﶈﺼول ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬طﻪ جاﺑر ﻓياض العلواﱐ(‪ ،‬ط‪ ،3‬مﺆسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1418 ،‬ﻫ ‪1997/‬م‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.197‬‬

‫‪25‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫د‪ /‬الﻌوام ُم َقﻠِّدة ولﻴﺲ ﳍﻢ اﻻﺟتﻬاد‪:‬‬


‫آخر من ﻋلﻢ أﺻول الفﻘﻪ ﺗﻨاول ﻓيﻪ اﻷﺻوليون مسألة ﺗﻘليد العو ّام‬‫موﺿﻊ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ب اﻻجتﻬاد والتّﻘليد‬
‫ﻓﻘﻬي يﻘﻊ ﺿﻤن‬ ‫ٍ‬
‫اجتﻬاد ٍّ‬ ‫اﻷمة‪ ،‬ذلﻚ أ ّن ما خفي من اﻷﺣكام ال ّشرﻋية ﳑّا ﳛتاج إﱃ‬
‫للﻤﺠتﻬدين من ﻋلﻤاء ّ‬
‫مﺆﻫلﲔ‬
‫ﲟﺠرد اﳌيل واﳍوى واﳋرص؛ ﻷ ّ ﻢ ﻏﲑ ّ‬ ‫ﺗبﻊ للﻤﺠتﻬدين‪ ،‬وليﺲ ﳍﻢ اﳊكﻢ ّ‬ ‫اﳋاﺻة‪ ،‬والعوا ﱡم ﻓيﻪ ٌ‬
‫ﻋلﻢ ّ‬
‫ﻛل من ﻫﻢ دون مرﺗبة اﻻجتﻬاد‪ ،‬وإن ﱂ يكونوا من العو ِّام ﺣﻘيﻘة‪ ،‬ﻛالعلﻤاء‬ ‫ﺣكﻢ يشﻤل ّ‬
‫لﻼجتﻬاد‪ ،‬وﻫذا ٌ‬
‫ﺣﺼلوا ﺑعﻀﻪ وﱂ ﳛيﻄوا ﺑﻪ‪ ،‬وﱂ يبلﻐوا رﺗبة اﻻجتﻬاد ﺑعد‪ ،‬وقد رسﻢ اﻹمام‬ ‫من ﻏﲑ الفﻘﻬاء‪ ،‬وطلبة الفﻘﻪ الذين ّ‬
‫اﳉويﲏ قاﻋدةً ﰲ ذلﻚ ﻋﻨدما قال‪» :‬ليﺲ ﺑﲔ من يُﻘلﱠد ويُﻘلِّد مرﺗبة لثة«)‪ ،(1‬ﻓالﻨّاس إ ﱠما ُﳎتﻬدون ُمفتون‬
‫ﺣرم التّﻘليد ﻋلﻰ اﳉﻤيﻊ وألﺰمﻬﻢ الﻨّﻈر ﰲ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫ِ‬
‫وإما ُمﻘلّ َدة ُمستَـ ْفتُون‪ ،‬وﱂ ﳜالﻒ ﰲ ﻫذا إﻻّ ﺑن ﺣﺰم ﻋﻨدما ّ‬
‫ﺗﻘرر أ ّن اﳌﻨﻄوق من اﻷلفاظ‬ ‫مذﻫب يتﻨاسب مﻊ ﻇاﻫريتﻪ الﱵ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الﻨّﺼوص ومعرﻓة أﺣكامﻬا نفسﻬﻢ‪ ،‬وﻫو‬
‫ﻛل ما ﻓيﻪ‪ ،‬وﻻ شيء وراء اﳌﻨﻄوق‪ ،‬ﻓﻼ نﻈر ﰲ اﳌسكوت ﻋﻨﻪ‪ ،‬وﻻ رأي‪،‬‬ ‫العرﺑية ﰲ الﻨّﺼوص يُعﻄي طالبَﻪ ّ‬
‫اح للﺠﻤيﻊ‪.‬‬
‫وﻻ قياس‪ ،‬وﻻ ﺗعليل‪ ،‬وﻻ دليل يفيد اﻷﺣكام ﻏﲑ الﻈّاﻫر‪ ،‬وﻫو ُمتَ ٌ‬
‫ه‪ /‬ﳎال اﺟتﻬاد الﻌوام‪:‬‬
‫ٍ‬
‫اجتﻬاد ﻓيﻤا ﳝكﻨﻬﻢ ﻓﻬﻤﻪ وإدراﻛﻪ‪ ،‬وخﻼﺻتﻪ موﺿعﲔ‪:‬‬ ‫للعامة نوع‬
‫أثبت اﻷﺻوليون ّ‬
‫اﻷول‪ :‬اﻻﺟتﻬاد ﰲ اﻻستﻔتاء واﺧتﻴار اﻷﻓﻀل ﳑّن ﺗﺼ ّدر لﻠﻔتوى‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫الﱰجيح ﺑﲔ اﳌفتﲔ‬ ‫ﻓﻘد ثبت ﻋﻨد ﻛثﲑ من اﻷﺻوليﲔ اﶈ ّﻘﻘﲔ أ ّن ﻋلﻰ العا ﱠمة من ال ُـﻤستَفتﲔ الﻨّﻈر و ّ‬
‫ﻻختيار اﻷﻋلﻢ واﻷﻓﻀل)‪ ،(3‬إذا ﺗَـ َع ّددوا ﰲ البلد الواﺣد‪ ،‬أو ﺗع ّددت أقواﳍﻢ ﰲ اﳌسألة الواﺣدة‪ ،‬ووﺿعوا‬
‫الﱰجيح ﻋتبار العلﻢ أو الثّﻘة والورع‪ ،‬مﺆﻛ ّدين أ ّن ﻫذه اﳌوازين ﳑّا يد ِرُﻛﻪ ّ‬
‫العامة من الﻨّاس‪.‬‬ ‫لذلﻚ موازين ﰲ ّ‬
‫ﺗﺼﺮﻓات‪:‬‬
‫ﺸﺮﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ما ﺻدر مﻨﻪ من ّ‬
‫ﻛل ﻓﺮد ﰲ ﺗﻨﺰيل اﻷﺣﻜام ال ّ‬
‫‪ -‬الﺜاﱐ‪ :‬اﺟتﻬاد ّ‬
‫ائل أدرى ﲟﻨاط اﳊكﻢ‪،‬‬
‫الس ُ‬
‫إ ْذ قد ﲣفﻰ ﰲ ﻛثﲑ من اﻷﺣيان ﻋلﻰ الفﻘيﻪ ﺑعﺾ ﺗفاﺻيل الواقعة‪ ،‬ﻓيكون ّ‬
‫العامة ﰲ اﳊﻘيﻘة‬
‫ﻓكل ﻓرد من ّ‬
‫ورّﲟا يﻨﻘل الفﻘيﻪُ اﳋﻼف‪ ،‬ويدع اﻻختيار للﻤستفﱵ ﰲ ﺗﻘدير اﻷنسب ﳊالتﻪ‪ّ ،‬‬

‫)‪ (1‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن يوسﻒ )ت‪478‬ه(‪ ،‬الﱪﻫان ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد العﻈيﻢ ال ّديب(‪ ،‬ط‪ ،4‬دار‬
‫الوﻓاء‪ ،‬مﺼر‪1418 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.441‬‬
‫)‪ (2‬وﻛذلﻚ السيوطي‪ ،‬جﻼل ال ّدين ﻋبد الرﲪن ﺑن أﰊ ﺑكر )ت‪911‬ﻫـ(‪ ،‬الﺮدّ ﻋﻠﻰ من أﺧﻠد إﱃ اﻷرض وﺟﻬل أ ّن اﻻﺟتﻬاد ﰲ ﻛلّ ﻋﺼﺮ‬
‫ﻓﺮض‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة الثﻘاﻓة الديﻨية‪ ،‬الﻘاﻫرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ص‪.94‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬الﻐﺰاﱄ‪ ،‬اﳌﺴتﺼﻔﻰ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج ‪ ،2‬ص‪496‬؛ اﻵمدي‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ ،242‬وﻏﲑﻫﻢ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫ﺗﺼرﻓاﺗﻪ الﻘولية مﻨﻬا والفعلية)‪ ،(1‬ﻷنّﻪ اﻷﻋلﻢ‬


‫ﳏل ﻫذا اﳊكﻢ ﻫو ّ‬
‫ﳚتﻬد ﰲ ﲢﻘيﻖ مﻨاط اﳊكﻢ ﻋﻨدما يكون ّ‬
‫ﲝﻘيﻘة ما ﺻدر ﻋﻨﻪ‪.‬‬
‫الﻌامﺔ ﳌﺬﻫﺐ الﺼﺤاﰊ‪:‬‬
‫و‪ /‬ﺗقﻠﻴد ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫للﺼحاﺑة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻢ‪-‬‬‫العامة ّ‬
‫مﻨﻊ ﺑعﺾ اﻷﺻوليﲔ‪ ،‬وﻋلﻰ رأسﻬﻢ إمام اﳊرمﲔ اﳉويﲏ ﺗﻘليد ّ‬
‫ﺗتحرر أﺻوﳍا ﻛﻤا‬ ‫‪ ،‬وﻫذا للسبب ِ‬
‫الﺼحاﺑة ﱂ ّ‬‫اﻻجتﻬاد ﰲ استﻨباط اﻷﺣكام؛ ﻓﻤذاﻫب ّ‬
‫َ‬ ‫نفسﻪ الذي مﻨعﻬﻢ‬ ‫ّ‬
‫الﺼحاﺑة‪،‬‬
‫العامة أخذ اﻷﺣكام مباشرة من أقوال ّ‬
‫يشﻖ ﻋلﻰ ّ‬
‫ﻫو اﳊال لﻨسبة ﳌذاﻫب اﻷئﻤة اﳌتّبعﲔ‪ ،‬ﳑّا ّ‬
‫الﺼحاﰊ‬
‫يشﻖ ﻋليﻬﻢ العﻤل دلّة ال ّشرع ونﺼوﺻﻪ وﻇواﻫره‪ ،‬وقال ﺑعﺾ اﻷﺻوليﲔ ﳉواز؛ مادام ّ‬ ‫ﻛﻤا ّ‬
‫الﺼحاﺑة‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُـﻤﻘلﱠد قد ﺑلﻎ درجة اﻻجتﻬاد‪ ،‬ﻓﻬو ﻛﻐﲑه من ا تﻬدين‪ ،‬وقيل‪ :‬إن ثبت‬
‫مذﻫب ﻋن واﺣد من ّ‬
‫ٌ‬
‫جاز ﺗﻘليده وإﻻّ ﻓﻼ‪ ،‬ﻻ لكونﻪ ﻻ يُﻘلﱠد ﺑل ﻷ ّن مذﻫبﻪ ﱂ يثبت ّ‬
‫ﺣﻖ الثبوت )‪.(3‬‬
‫أﻫﻢ مواﺿﻊ ذﻛ ِر العو ّام ﻋﻨد اﻷﺻوليﲔ‪ ،‬والﻘاﻋدة ﰲ ﲨيﻊ ﻫذه اﳌواﺿﻊ أنّﻪ ﻻ ﻋﱪة شراك‬
‫ﻫذا ﻋن ّ‬
‫ﺗتعﲔ اﳌشارﻛة‬
‫ﻛل العلوم‪ّ ،‬أما ﺣيث ﳝكﻨﻬﻢ الفﻬﻢ واﻹدراك ّ‬
‫يتأﻫلوا ﳍا‪ ،‬شأن ّ‬
‫العامة ﰲ قﻀا العلﻢ الﱵ ﱂ ّ‬
‫ّ‬
‫ﲟﻘتﻀﻰ مسﺆولية اﻻمتثال والعﻤل‪.‬‬
‫الﻌامﺔ ﰲ ﺗﺮاثﻨا الﻔقﻬﻲ‪:‬‬
‫‪ /3‬ﺻورة ّ‬
‫لعامة‪ ،‬ﲟا أنّﻪ العلﻢ ﻷﺣكام ال ّشرﻋيّة العﻤلية؛ لذا يﻨفذ نﻈر‬
‫لعل الفﻘﻪ ﻫو العلﻢ ال ّشرﻋي اﻷلﺼﻖ ّ‬
‫ّ‬
‫ﺣﱴ ﲡري ﻋلﻰ ميﺰان ال ّشرع وﺗﻨﻀبﻂ ﲝدوده‪ ،‬وقد ﲡلّت ﻫذه‬ ‫ﺗﺼرﻓا ﻢ؛ ّ‬
‫الفﻘﻬاء إﱃ واقﻊ الﻨّاس وﳐتلﻒ ّ‬
‫مر ريخ الفﻘﻪ اﻹسﻼمي‪ ،‬وﻛانت ﺑذلﻚ و ئﻖ‬ ‫ﻒ ﰲ ﻛتب الفتاوى والﻨوازل ﻋلﻰ ّ‬‫ﺻﻨّ َ‬
‫اﳌواﻛبة للواقﻊ ﻓيﻤا ُ‬
‫رﳜيّة ﺣفﻈت لﻨا ﻓﻀﻼ ﻋن اﻻجتﻬادات الفﻘﻬية ﺗفاﺻيل اﳊياة وأﳕاط من ثﻘاﻓات ا تﻤعات اﳌسلﻤة ﻋﱪ‬
‫العﺼور‪.‬‬
‫مر زمن التّدوين الفﻘﻬي‪ ،‬ﻛﻤا ﱂ ﲣل‬
‫للعامة ﻋلﻰ ّ‬
‫ﺻورا ّ‬‫وقد ﺣفلت ﻛتب الﻨّوازل ﺑفتاوى ﻛثﲑة ﺗرسﻢ ً‬
‫العامة‪ ،‬ومﻨﻬا‪:‬‬
‫ﲣص ّ‬ ‫اﳌﺼادر الفﻘﻬية الﻨّﻈرية من آراء ّ‬
‫اﳋوض ﰲ ﺑﻌﺾ اﳌﺴاﺋل الﻌﻠمﻴّﺔ‪:‬‬
‫َ‬ ‫الﻌامﺔ من‬
‫أ‪ /‬مﻨع ّ‬
‫ﺣﱴ ﻛتب الﻐﺰاﱄ ﰲ‬
‫خاﺻةً ﰲ ﻋلﻢ الكﻼم‪ّ ،‬‬
‫العامةَ من اﳋوض ﰲ مسائل‪ّ ،‬‬ ‫ﻛثﲑ من الفﻘﻬاء ّ‬ ‫مﻨﻊ ٌ‬
‫ذلﻚ‪» :‬إﳉام العو ّام ﻋن ﻋلﻢ الكﻼم«‪ ،‬وﻛانوا ﳝيلون إﱃ اﻹﲨال ﰲ اﻻستفتاء ﻋن مسائلﻪ‪ ،‬جاء ﰲ أدب‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬الشاطﱯ‪ ،‬اﳌواﻓقات‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.93‬‬


‫)‪ (2‬اﳉويﲏ‪ ،‬الﱪﻫان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.744‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬الﺰرﻛشي‪ ،‬البﺤﺮ اﶈﻴﻂ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،6‬ص ‪ 288‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫اﳌفﱵ واﳌستفﱵ‪» :‬ليﺲ لﻪ ‪-‬ال ُـﻤفﱵ‪ -‬إذا استُفﱵ ﰲ شيء من اﳌسائل الكﻼمية أن يفﱵ لتّفﺼيل‪ ،‬ﺑل ﳝﻨﻊ‬
‫العامة من اﳋوض ﰲ ذلﻚ أﺻﻼ‪ ،‬و مرﻫﻢ ن يﻘتﺼروا ﻓيﻬا ﻋلﻰ اﻹﳝان ﲨلة من ﻏﲑ‬ ‫ُمستفتَيﻪ وسائر ّ‬
‫ﺗفﺼيل«)‪.(1‬‬
‫العامة ﰲ ﺣكﻢ ﺑعﺾ مسائل العﻘيدة‪ ،‬ﻛﻤا جاء ﻋﻨد اﳌالكية ﰲ‬ ‫اﳋاﺻة و ّ‬ ‫وﺑﻨاءً ﻋليﻪ؛ ّﻓرقوا ﺑعدﻫا ﺑﲔ ّ‬
‫نبوﺗﻪ‪ ،‬ﻛذي الﻘرنﲔ‪ ،‬أو من أنكر من اختلﻒ ﰲ ﻛونﻪ من اﳌﻼئكة‪،‬‬ ‫نبوة من اختُلﻒ ﰲ ّ‬ ‫ﺣكﻢ من أنكر ّ‬
‫ﱠﺼ ُﻬﻢ‪ ،‬و ّأما ُمﻨكر نُب ﱠو ﻢ أو ِملكيﱠتِﻬﻢ؛ ﻓإن ﻛان من أﻫل العلﻢ ﻓﻼ‬
‫ب من ﺗَـﻨَـﻘ َ‬
‫ﻛﻬاروت وماروت‪ ،‬ﻓﻘالوا‪» :‬يـُ َﺆﱠد ُ‬
‫ﺣرج ﻋليﻪ‪ ،‬وإن ﻛان من العو ِّام ُزِجر ﻋن اﳋوض ﻓيﻪ«)‪.(2‬‬

‫العامة ﻵلة الﻨّﻈر ﰲ ﺗلﻚ اﳌسائل‪ ،‬الﱵ ﻻ ﺗدخل أﺻﻼً‬


‫وسبب ﻫذا اﳌﻨﻊ ﻛﻤا يذﻛرون ﻫو ﻋدم امتﻼك ّ‬
‫ﰲ أﺻول اﻻﻋتﻘاد اﳌﻄلوﺑة من ﲨيﻊ اﳌسلﻤﲔ‪.‬‬
‫والﻌامﺔ‪:‬‬
‫اﳋاﺻﺔ ّ‬‫ّ‬ ‫ب‪ /‬اﺧتﻼف الﻔتوى ﰲ ﺷﺄن‬
‫اﳋاﺻة ﻓيﻬا من الفﻘﻬاء أو من‬
‫اﳋاﺻة ﰲ ﺣاﻻت يكون ّ‬
‫العامة و ّ‬
‫ﻛثﲑ من الفﻘﻬاء ﰲ الفتوى ﺑﲔ ّ‬
‫ﻓَـﱠرق ٌ‬
‫السلﻄان‪ ،‬ومن ﳕاذج ذلﻚ‪:‬‬
‫ذوي اﳉاه و ّ‬
‫‪ -‬ما جاء ﰲ ب التعﺰير ﰲ ﻛتاب اﳍداية للﻤرﻏﻨاﱐ‪ ،‬ﰲ قﻀا الﻘذف لكﻼم ال َـﻤشﲔ‪ ،‬ﻋﻨد قولﻪ‪:‬‬
‫ﱠﲔ ﺑﻪ‪ ،‬للتﱠـيَـ ﱡﻘ ِن ﺑﻨفيﻪ‪ ،‬وقيل‪ :‬ﰲ ﻋرﻓﻨا يُ ّ‬
‫عﺰر؛ ﻷنّﻪ‬ ‫عﺰر(؛ ﻷنّﻪ ما أﳊﻖ الش ْ‬
‫)ولو قال ﲪار‪ ،‬أو خﻨﺰير‪ ،‬ﱂ يُ ّ‬
‫العلَ ِويﱠة يُع ﱠﺰر‪ ،‬ﻷنﱠﻪ يلحﻘﻬﻢ الوﺣشة ﺑذلﻚ‪ ،‬وإن‬ ‫يُع ّد َشيﻨًا‪ ،‬وقيل‪ :‬إن ﻛان اﳌسبوب من اﻷشراف ﻛالفﻘﻬاء و َ‬
‫العامة واﻷشراف‪» :‬وﻫذا أﺣسن‪،‬‬
‫ﺗرجيحا للﻘول لتّفريﻖ ﺑﲔ ّ‬
‫ً‬ ‫عﺰر«)‪ ،(3‬ﰒّ قال اﺑن اﳍﻤام‬
‫ﻛان من العا ﱠمة ﻻ يُ ّ‬
‫من جﻬة أ ّن ﻫذه اﻷوﺻاف وإن ﻛانت ﰲ اﳊﻘيﻘة ﻏﲑ ﺻادقة ﻋلﻰ من ُوﺻفوا ا ﺣﻘيﻘة؛ لذا ﻓاﻷﺻل ﻋدم‬
‫العامة قد أشبﻬوا ما ﻋُّﲑوا ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻼ قذف وﻻ ﺗعﺰير«)‪.(4‬‬
‫العامة‪ ،‬ﻛأ ّن ّ‬
‫اﳋاﺻة وﻻ ﺗشﲔ ّ‬
‫التّعﺰير‪ ،‬إﻻّ أ ّ ا ﺗُشﲔ ّ‬
‫شاسﻊ ﺑﲔ ﻫذا الﻘول وﺗلﻚ الﻘﻀية اﳌشﻬورة الﱵ ُرﻓعت لعﻤر ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬ﻋﻨدما‬
‫ٌ‬ ‫ﻓكﻢ ﻫو البون‬
‫قال اﳊﻄيئة العبسي للﺰﺑرقان‪:‬‬

‫الﺼﻼح‪ ،‬أﺑو ﻋﻤرو ﻋثﻤان ﺑن ﻋبد الرﲪن ﺑن موسﻰ ال ّشﻬرزوري )ت‪643‬ه(‪ ،‬أدب اﳌﻔﱵ واﳌﺴتﻔﱵ )ﲢﻘيﻖ‪ :‬موﻓّﻖ ﻋبد ﷲ ﻋبد‬
‫)‪ (1‬اﺑن ّ‬
‫اﳌﻨورة‪1423 :‬ﻫ‪2002/‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫الﻘادر(‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة العلوم واﳊكﻢ‪ ،‬اﳌديﻨة ّ‬
‫)‪ (2‬ﻋلّيﺶ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد ﺑن ﳏﻤد اﳌالكي )ت‪1299‬ه(‪ ،‬مﻨح اﳉﻠﻴل ﺷﺮح ﳐتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1409‬ﻫ‪1989-‬م‪ :‬ج‪ ،9‬ص‪.231‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬اﺑن اﳍﻤام‪ ،‬ﻛﻤال ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﻋبد الواﺣد السيواسي )ت‪861‬ه(‪ ،‬ﻓتح القديﺮ ﻋﻠﻰ اﳍدايﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪:‬‬
‫ج‪ ،5‬ص‪.347‬‬
‫)‪ (4‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫اﳌكارم ﻻ ﺗرﺣل لبﻐيتﻬا ‪ ...‬واقعد ﻓإنّﻚ أنت الﻄاﻋﻢ الكاسي‬


‫َ‬ ‫دع‬
‫ِ‬
‫انتﻘاﺻا من قدر الﺰﺑرقان‬ ‫ِ‬
‫السﺠن؛ ﻷ ّن ﻓيﻪ‬
‫ً‬ ‫سيءٌ‪ ،‬ولﺼاﺣبﻪ ّ‬
‫وﺣ َكﻢ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ّ -‬ن ﻫذا ﻫﺠاءٌ ّ‬ ‫َ‬
‫الذي قال ﻏاﺿباً ﻋﻨد ﲰاﻋﻪ ذلﻚ‪َ :‬أو ما ﺗبلﻎ ُمروءﰐ إﻻّ أن آﻛل وألبﺲ؟ ﰒّ قال ﻋﻤر للحﻄيئة آمراً ﺻحاً‪:‬‬
‫»ﻻ ُﲣاير ﺑﲔ الﻨّاس‪ ،‬ﻓتﻘول‪ :‬ﻓﻼن خﲑ من ﻓﻼن‪ ،‬وآل ﻓﻼن خﲑ من آل ﻓﻼن«)‪.(1‬‬
‫وﻛﻢ ﻫو الفرق ﻛبﲑٌ ﺑﲔ ﳎتﻤﻊ اﳓدر ال ّذوق العام ﻓيﻪ ﺣﱴ ساغ للﻨّاس وﺻﻒ ﺑعﻀﻬﻢ ﳊيوا ت‪،‬‬
‫اﳌادة‬
‫يتشوف إﱃ اﳌكارم ويﱰﻓّﻊ ﻋن ﺣياة ّ‬
‫و ﺑعﻬﻢ ﻓﻘﻬاؤﻫﻢ ﰲ اﻋتبار ﻫذا ﻋرﻓًا مرﻋيا ﰲ الفتوى‪ ،‬وﺑﲔ ﳎتﻤﻊ ّ‬
‫ومﻄالب اﳉسد‪.‬‬
‫‪ -‬جاء ﻋﻨد اﳊﻨفية ﻛذلﻚ ﰲ مراﺗب التّعﺰير‪» :‬ومن مشاﳜﻨا من رﺗّب التّعﺰير ﻋلﻰ مراﺗب الﻨّاس‪،‬‬
‫الدﻫاقون وال ّﻘواد؛ وﺗعﺰير أشراف اﻷشراف‪ ،‬وﻫﻢ العلويّة‬
‫ﻓﻘال‪ :‬التّعﺰير ﻋلﻰ أرﺑﻊ مراﺗب‪ :‬ﺗعﺰير اﻷشراف وﻫﻢ ّ‬
‫السفلة‪ ،‬ﻓتعﺰير أشراف اﻷشراف ﻹﻋﻼم ا ّرد‬ ‫اﻷخساء وﻫﻢ ّ‬
‫ّ‬ ‫والفﻘﻬاء؛ وﺗعﺰير اﻷوساط وﻫﻢ ال ﱡسوقة؛ وﺗعﺰير‬
‫اﳉر‬
‫اﳉر إﱃ ب الﻘاﺿي واﳋﻄاب ﳌواجﻬة‪ ،‬وﺗعﺰير اﻷوساط ﻹﻋﻼم و ّ‬
‫‪ ...‬وﺗعﺰير اﻷشراف ﻹﻋﻼم و ّ‬
‫الﻀرب واﳊبﺲ«)‪.(2‬‬
‫اﳉر و ّ‬
‫السفلة ﻹﻋﻼم و ّ‬
‫واﳊبﺲ‪ ،‬وﺗعﺰير ّ‬
‫اﳋاﺻة‪ ،‬قال الﻨّووي‪» :‬قال ﻋا ّمة‬
‫العامة و ّ‬‫ﳜل ﳌروءة التّفريﻖ ﺑﲔ ّ‬ ‫‪ -‬وجاء ﻋﻨد ال ّشاﻓعية ﰲ اﻹﻛراه ﲟا ّ‬
‫كرهُ من ذوي اﻷقدار واﳌروءة‬ ‫أﺻحاﺑﻨا ‪-‬وﻫو اﳌذﻫب‪ :-‬إن أوﻋده لﻀﱠرب واﳊبﺲ والشﱠتﻢ؛ ﻓإ ْن ﻛان ال ُـﻤ َ‬
‫ﳑّن يُﺆثِّر ذلﻚ ثﲑاً لﻐاً ﰲ ﺣالﻪ ﻛان إﻛر ًاﻫا لﻪ؛ ﻷ ّن ذلﻚ يسيئُﻪ‪ ،‬وإن ﻛان من العوام‪ ،‬أو ُسﺨفاء ِّ‬
‫الرﻋاع‪،‬‬
‫ﱂ يكن ذلﻚ إﻛر ًاﻫا ﰲ ﺣ ّﻘﻪ؛ ﻷنﻪ ﻻ يباﱃ ﺑﻪ«)‪.(3‬‬
‫العامة ﰲ مثل ﻫذه اﻷﺣكام وما شاﻛلﻬا‬ ‫اﳋاﺻة و ّ‬
‫فرق ﺑﲔ ّ‬‫إ ّن ﻫذه اﻷﺣكام الفﻘﻬية اﻻجتﻬادية الﱵ ﺗُ ّ‬
‫ﺗعبﲑٌ ﻋن ﳎتﻤعات ﲢكﻤﻬا ثﻘاﻓة التّﻤايﺰ الﻄّبﻘي‪ ،‬وقد قال ا ﻓﻘﻬاء ﺗلﻚ ا تﻤعات ﲟﻘتﻀﻰ اﻻجتﻬاد‬
‫الشرع من جﻬة نية‪ ،‬لكﻨّﻨا اليوم ﻋﻨدما نﻨﻈر إليﻬا‬
‫التّﻨﺰيلي الذي ﲢكﻤﻪ معﻄيات الواقﻊ من جﻬة‪ ،‬وخﻄاب ّ‬
‫ذر‬
‫ﲤاما لﻨﺼوص الوﺣي‪ ،‬ﻓأين ﻫذا من قولﻪ ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ ﻷﰊ ّ‬ ‫ﳎردةً ﻋن واقعﻬا ﺗبدو لﻨا ﳎاﻓيةً ً‬
‫ّ‬

‫ﻋلي ﺑن ﺣسام ال ّدين اﺑن قاﺿي خان )ت‪975‬ﻫـ(‪ ،‬ﻛﻨﺰ الﻌمّال ﰲ سﻨن اﻷﻗوال واﻷﻓﻌال‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬اﳌتﻘي اﳍﻨدي‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين ّ‬
‫ﺑكري ﺣياﱐ‪ ،‬ﺻفوة السﻘا(‪ ،‬ط‪ ،5‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1401 ،‬ﻫـ‪1981/‬م‪ :‬رقﻢ‪ ،8919 :‬ج‪ ،3‬ص‪ ،843‬رقﻢ‪،8922 ،8921 :‬‬
‫ج‪ ،3‬ص‪.846‬‬
‫)‪ (2‬الكاساﱐ‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين أﺑو ﺑكر ﺑن مسعود ﺑن أﲪد اﳊﻨفي )ت‪587‬ﻫـ(‪ ،‬ﺑداﺋع الﺼﻨاﺋع ﰲ ﺗﺮﺗﻴﺐ الﺸﺮاﺋع‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلﻤية‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1406 ،‬ﻫ‪1986/‬م‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.64‬‬
‫)‪ (3‬الﻨّووي‪ ،‬ﳏيي ال ّدين أﺑو زﻛر ﳛﲕ ﺑن شرف )ت‪676‬ﻫـ(‪ ،‬ا موع ﺷﺮح اﳌﻬ ّﺬب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،17‬ص‪.67‬‬

‫‪29‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫)‪(2‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫الرجل‬
‫الﺼحيحﲔ ‪ ،‬قيل‪ :‬إ ّن ﻫذا ّ‬‫ﻋﲑ رجﻼً ّمﻪ ﻛﻤا جاء ﰲ ّ‬ ‫الﻐفاري‪» :‬إنّﻚ امرٌؤ ﻓيﻚ جاﻫلية« ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ﻋﲑه ﺑسواد ّأمﻪ)‪ ،(3‬وﲟﻨﻄﻖ الفتوى اﳌذﻛورة ﻻ يكون ﻫذا ﺗعيﲑاً؛ ﻷنّﻪ ﻋلﻰ‬
‫ﻫو ﺑﻼل ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ ،-‬وأنّﻪ ّ‬
‫ﻓرض أنّﻪ ﺑﻼل ﻓيكون قد ذﻛره ﲝﻘيﻘة ﻓيﻪ‪ ،‬وﻋلﻰ ﻓرض أنّﻪ ﻏﻼم لﻪ ﻓﻼ يكون أﺻﻼً من ذوي ال ّشأن الذين‬
‫لكن موقﻒ رسول ﷲ ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ ﲞﻼف ﻫذا التّوجيﻪ ﲤاماً‪ ،‬وﱂ يﻘبل من أﰊ‬
‫يشيﻨﻬﻢ ﻫذا الوﺻﻒ‪ّ ،‬‬
‫ﺗتﻤة‬
‫اﻷخوة الﱵ ﲡﻤعﻬﻢ ﺗﻘتﻀي إﻋانتﻬﻢ واﻹﺣسان إليﻬﻢ‪ ،‬ﻛﻤا جاء ﰲ ّ‬ ‫ذ ّر أن يﻘول ما قال‪ ،‬ﺑل ذ ّﻛره ّن ّ‬
‫اﳊديث‪» :‬إخوانكﻢ خولكﻢ‪ ،‬جعلﻬﻢ ﷲ ﲢت أيديكﻢ‪ ،‬ﻓﻤن ﻛان أخوه ﲢت يده‪ ،‬ﻓليﻄعﻤﻪ ﳑّا ﻛل‪ ،‬وليلبسﻪ‬
‫ﳑّا يلبﺲ‪ ،‬وﻻ ﺗكلّفوﻫﻢ ما يﻐلبﻬﻢ‪ ،‬ﻓإن ﻛلّفتﻤوﻫﻢ ﻓأﻋيﻨوﻫﻢ«)‪.(4‬‬
‫استﻘر ﻋليﻪ اﻷمر اليوم ﰲ الفكر اﳊﻘوقي اﳌعاﺻر‪ ،‬وﳕﻂ ال ّدولة‬
‫أيﻀا ﳌا ّ‬ ‫ﰒّ إ ّن ﺗلﻚ اﻷقوال ﳎاﻓيةٌ ً‬
‫اﳊديثة ﺣيث ﺗﻀﻊ قاﻋدة اﳌواطﻨة ﲨيﻊ أﻓراد ال ّشعب الواﺣد ﰲ درجة سواء أمام أﺣكام الﻘانون‪.‬‬
‫الﻌامﺔ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ﺟـ‪ /‬مﺮاﻋاة الﻔقﻬاء ٍ‬
‫يﺴتﺤقﺮ ﺑﻌﺾ م َﻬن ّ‬
‫ُ‬ ‫لﻌﺮف‬
‫الﺼﻨائﻊ الﱵ ﻛانت ﺗوﺻﻒ‬ ‫العامة‪ ،‬ﳑّن امتﻬﻨوا ﺑعﺾ ّ‬
‫ﳒد ﻛذلﻚ لدى الفﻘﻬاء مواقﻒ إزاء شرائح من ّ‬
‫الﺼﻨاﻋات‪ ،‬من ذلﻚ ما جاء ﰲ ﻋﻤل‬ ‫ِ‬
‫ﺑرد شﻬاد ﻢ ﺑسبب امتﻬا ﻢ ﺗلﻚ ّ‬ ‫ستح َﻘرة‪ ،‬ﻓحكﻤوا ّ‬
‫َلوﺿيعة وال ُـﻤ ْ‬
‫الﺼﻨاﻋات؛ إن ﺻﻨعﻬا ﺗﺼﻐﲑاً لﻨفسﻪ‪ ،‬أو ليدخل ال ﱡسرور‬ ‫أيت لبعﻀﻬﻢ أ ّن ﻫذه ّ‬
‫الﱪُزﱄ‪» :‬ر ُ‬
‫اﳊياﻛة ﺣيث قال ُ‬
‫ا ﻋلﻰ الفﻘراء‪ ،‬أو يتﺼ ّدق ﲟا خذ؛ ﻓإ ّ ا ﺣسﻨة‪ ،‬وإﻻّ ﻓﻬي جرﺣة« ‪ .‬أي‪ :‬أ ّن ُم ـ ـ ْﻤ ـ ـتَـ ـ ِﻬـ ـﻨَ ـﻬا ٌ‬
‫)‪(5‬‬
‫ﳎروح ﺗُ ّرد ا‬
‫شﻬادﺗﻪ‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه البﺨاري‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﲰاﻋيل )ت‪256‬ه(‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي‪ ،‬وﺗﻘدﱘ‪ :‬أﲪد شاﻛر(‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬ألفا للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬مﺼر‪1432 ،‬ه‪2011/‬م‪ ،‬ﻛتاب اﻹﳝان‪ ،‬ب اﳌعاﺻي من أمر اﳉاﻫلية وﻻ يُك ّفر ﺻاﺣبﻬا رﺗكا ا إﻻ ل ّشرك‪،‬‬
‫اﳊﺠاج الﻘشﲑي الﻨّيساﺑوري )ت‪261‬ﻫـ(‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد‬
‫ﺣديث رقﻢ‪ ،30 :‬ومسلﻢ‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ مسلﻢ ﺑن ّ‬
‫الباقي(‪ ،‬ط‪ ،1‬ألفا للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬مﺼر‪1429 ،‬ه‪2008/‬م‪ ،‬ﻛتاب اﻷﳝان‪ ،‬ب إطعام اﳌﻤلوك ﳑّا ﻛل‪ ،‬وإلباسﻪ ﳑّا يلبﺲ‪ ،‬وﻻ يكلّفﻪ ما‬
‫يﻐلبﻪ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.1661 :‬‬
‫)‪ (2‬الﻨووي‪ ،‬ا ﻤوع‪ :‬ج‪ ،17‬ص‪.67‬‬
‫)‪ (3‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مﺼدر ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﻹﳝان‪ ،‬ب اﳌعاﺻي من أمر اﳉاﻫلية وﻻ يُك ّفر ﺻاﺣبﻬا رﺗكا ا إﻻ ل ّشرك‪،‬‬
‫ﺣديث رقﻢ‪.30 :‬‬
‫الرﻋيﲏ اﳌالكي )ت‪954‬ﻫـ(‪ ،‬مواﻫﺐ اﳉﻠﻴل ﰲ ﺷﺮح ﳐتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪،‬‬
‫)‪ (5‬اﳊﻄّاب‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﴰﺲ ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد ّ‬
‫ﺑﲑوت‪1412 ،‬ﻫ‪1992/‬م‪ :‬ج‪ ،6‬ص‪.153‬‬

‫‪30‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫اح والكﻨﱠاس‪ ،‬ﻻ ﺗﻘبل شﻬاد ﻤا ‪ ...‬و ّأما اﳊائِﻚ‬ ‫ِ‬


‫الﺼﻨاﻋات الدﱠنيئة؛ ﻛال ُك َس ِ‬
‫وجاء ﻋﻨد اﳊﻨاﺑلة‪» :‬ﰲ ّ‬
‫واﳊارس وال ّد غ‪ ،‬ﻓﻬي أﻋلﻰ من ﻫذه الﺼﻨائﻊ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗُرﱡد ا الشﻬادة‪ ،‬وذﻛرﻫا أﺑو اﳋﻄّاب ﰲ ﲨلة ما ﻓيﻪ‬
‫وجﻬان«)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫رد شﻬادة من ﲰّوﻫﻢ‬
‫ﺑعﺾ الفﻘﻬاء موق َفﻬﻢ من ّ‬
‫يﻈﻬر أ ّن مبﲎ ﻫذه اﻷقوال ﻋلﻰ العرف‪ ،‬وقد ّﺑرر ُ‬
‫وخداع و ٍ‬
‫ﻛذب‪ ،‬أي أ ّن من ﻛانوا يشتﻐلون ذه اﳌﻬن ﰲ‬ ‫ٍ‬
‫جﻬالة‬ ‫أﻫل‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ﺻحاب اﳌﻬن الوﺿيعة‪ّ ،‬ن أﻏلبَﻬﻢ ُ‬
‫الﺰمان ﱂ يكونوا من أﻫل ال ّدين والورع‪ ،‬وأ ّ ﻢ ﻛانوا أﻫل جﻬالة وقلّة ﻋﻘل‪.‬‬
‫ذلﻚ ّ‬
‫لكن رﻏﻢ ما ذﻛره ﻫﺆﻻء الفﻘﻬاء من ﺗﱪيرات؛ يبﻘﻰ ﳕوذج ا تﻤﻊ الذي رّ ه رسول ﷲ ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ‬
‫العامة الذين ﺗش ّكلت ﻢ الﻨّواة اﻷوﱃ تﻤﻊ اﳌسلﻤﲔ‪ ،‬وقد‬ ‫ﺻعا ُمتﻤيِّﺰا ﰲ ﺗعاملﻪ مﻊ ّ‬
‫وسلّﻢ ﻋلﻰ ﻋيﻨﻪ‪ً َ ،‬‬
‫قدرﻫﻢ‪،‬‬
‫ﻓعﻬﻢ وأﻋلﻰ َ‬ ‫ولكن اﻹﳝان َر َ‬
‫الﻀعفاء والفﻘراء والعبيد اﳌستح َﻘرين ﰲ مﻨﻄﻖ ذلﻚ العﺼر‪ّ ،‬‬
‫ﻛانوا من ّ‬
‫ﺣﱴ ﺻار أولئﻚ اﳌﺆمﻨون اﳌستﻀعفون قاد ًة وﻋلﻤاءَ ﲪلُوا لواءَ ال ِّدين‬
‫ب موازيﻨﻪ‪ّ ،‬‬ ‫ﻓتﺠاوز مﻨﻄﻖ العﺼر وقلَ َ‬
‫اﳉديد‪ ،‬وخرجوا ﺑﻪ دﻋاةً إﱃ اﻷمﻢ اﻷخرى‪.‬‬
‫حرر اﳌﻨادون يﻤﻨة الﻘيﻢ اﻹنسانة ﻫذه اﳌواقﻒ اﳉﺰئية‪ ،‬واﻵراء اﳌبثوثة ﰲ ﺗراثﻨا‬ ‫واليوم؛ يتّﺨذ دﻋاةُ التّ ّ‬
‫ﻛل ﺗراث اﳌسلﻤﲔ نّﻪ ﻏﲑ إنساﱐ‪ ،‬وأنّﻪ ﱂ يستﻄﻊ ﲢﻘيﻖ‬ ‫ِ‬
‫اﻷﺻوﱄ؛ ﺗُ َكأ ًة ﳍﻢ‪ ،‬ليَسﻤوا ّ‬
‫ّ‬ ‫السياسي والفﻘﻬي و‬
‫ّ‬
‫لﻤﻨة‪ ،‬ﻫذه اﳋﻄا ت‬
‫الع َ‬
‫حرر و َ‬
‫معﲎ اﳊرية واﳌساواة مثلﻤا ﲢ ّﻘﻘت مﻊ الﻨّﻬﻀة اﻷورﺑية اﳊديثة وخﻄا ت التّ ّ‬
‫التحرريّة الﱵ ﺗدﻋو إﱃ ﺿرورة ﲡاوز اﳌوروث ال ّديﲏ والثﻘاﰲ ﳌﺨتلﻒ ا تﻤعات‪ ،‬وﻋلﻰ رأسﻬا ا تﻤعات‬ ‫ّ‬
‫حرر العاﳌية‪ ،‬ﻷ ّا وﺣدﻫا الكفيلة ﰲ زﻋﻤﻬﻢ ﺑرﻓﻊ اﻹنسان إﱃ أﻋلﻰ‬
‫اﳌسلﻤة‪ ،‬وﺿرورة اﻻﳔراط ﰲ موجة التّ ّ‬
‫درجات التّكرﱘ والﻘيﻢ اﻹنسانية‪.‬‬
‫لﺜا‪ :‬القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ‪ ،‬اﳌﺼﻄﻠح واﳌﻔﻬوم‪:‬‬
‫ﲨيعا‪،‬‬
‫يﺆّﻛد أﺻحاب خﻄاب الﻨّﺰﻋة اﻹنسانية اﳌعاﺻر أ ّن الﻘيﻢ اﻹنسانية مرجعيّةٌ ﺣاﻛﻤةٌ للﻨّاس ً‬
‫ُمتﺠاوزةٌ اﳋﺼوﺻيات العرقيّة والثّﻘاﻓيّة وال ّديﻨية‪ ،‬وأ ّ ا أرﺿية اﺗّفاق ﺑﲔ اﳉﻤيﻊ‪ ،‬ﻏﲑ أ ّن اﳌتتبّﻊ ﳍذا اﳌﺼﻄلح‬
‫اﺣدا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اﳌستعﻤلﲔ لﻪ ليﺲ و ً‬ ‫ٍ‬
‫ﺻعة‪ ،‬وﻫي أ ّن اﳌفﻬوم الﻘاﺑﻊ ﰲ أذﻫان‬ ‫ٍ‬
‫ﺣﻘيﻘة‬ ‫ﰲ ﳐتلﻒ اﳋﻄا ت يﻘﻒ ﻋلﻰ‬
‫ﺑل ﻫو مفاﻫيﻢ متع ّددة‪ ،‬أﺣيا ً ﲣتلﻒ ﰲ التّفاﺻيل‪ ،‬لكﻨّﻬا ﲡتﻤﻊ ﰲ اﻷﺻل الفلسفي الذي ﺑُﻨِيت ﻋليﻪ‪ ،‬ﻛﻤا‬
‫ﺗﺆسﺲ اﻻﻋتﻘاد ﰲ ﷲ‬ ‫ِ‬
‫ﰲ قيﻢ اﳊﻀارة الﻐرﺑية‪ ،‬وأﺣيا ً ﲣتلﻒ ﰲ أﺻوﳍا الفلسفية ﻛﻤا ﰲ الﻘيﻢ ال ّديﻨية الﱵ ّ‬

‫)‪ (1‬اﺑن قدامة‪ ،‬موﻓﻖ ال ّدين أﺑو ﻋبد ﷲ ﻋبد ﷲ ﺑن أﲪد اﳌﻘدسي ﰒ الدمشﻘي اﳊﻨبلي )ت‪620‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﻐﲏ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة الﻘاﻫرة‪ ،‬مﺼر‪،‬‬
‫‪1388‬ﻫ‪1968/‬م‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪.150‬‬

‫‪31‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫موﺿﻊ‬
‫َ‬ ‫سﻤﻰ »الﻘيﻢ اﻹنسانية« ﰲ الواقﻊ‬
‫والكون واﳊياة واﻹنسان؛ وﻷ ّن ﻫذه ﳐتلفةٌ ﺑﲔ ﺑﲏ البشر ﺻار ما يُ ّ‬
‫اﳋﻼف اﻷساس ﺑيﻨﻬﻢ‪ ،‬ﺑدﻻً من أن يكون قاﻋدة اﻻﺗِّفاق‪.‬‬
‫إ ّن ﲢديد مفﻬوم »الﻘيﻢ اﻹنسانية« ﳛتاج إﱃ ﲢديد ُج ْﺰئَيﻪ‪» :‬الﻘيﻢ«‪ ،‬ووﺻﻒ »اﻹنسانية«‪ّ ،‬أما‬
‫ﲟﺼﻄلح ﺗراثِي ﻋﻨد اﳌسلﻤﲔ‪ ،‬وﻻ نكاد ﳒد ﳍذه الكلﻤة استعﻤاﻻً ﻋﻨد اﳌتﻘ ّدمﲔ ﻋلﻰ‬
‫ٍ‬ ‫مﺼﻄلح ِ‬
‫الﻘيﻢ ﻓليﺲ‬ ‫ُ‬
‫اختﻼف موﺿوﻋات ﻋلومﻬﻢ ﺑبعدﻫا اﳌﻘﺼود اليوم‪ ،‬لكﻨّﻬا ﺻارت شائعة اﻻستعﻤال ﰲ خﻄاب الفكر‬
‫اﻹسﻼمي اﳌعاﺻر‪ ،‬وﻫي ﺗرﲨة لكلﻤة »‪ «valeur‬من اللّﻐة الفرنسية‪ ،‬وﺗعﲏ‪ :‬الﻘيﻤة‪ ،‬والتﻘييﻢ ﰲ العرﺑية ﻫو‬
‫الﺼفات أو اﳌعاﱐ‪ ،‬ﻓكأ ّن مفﻬوم الكلﻤة‬
‫التﻘدير‪ ،‬وقد ﺗُﻀاف إﱃ اﻷشﺨاص أو اﻷشياء أو اﻷﺣداث أو ّ‬
‫مﻊ اﻹﺿاﻓة ُﳚيب ﻋن سﺆال‪ :‬ما مﻘدار أو ما قيﻤة ﻛذا؟ ّأما ﰲ لسان العرب؛ ﻓﻐالب استعﻤال ﻛلﻤة‬
‫الﺼدق‪ ،‬وقيﻤة اﳌساواة‪،‬‬
‫سﻤﻰ اليوم قيﻤة ّ‬
‫»اﳌﻘدار« أو »الﻘيﻤة« يكون ﰲ اﶈسوسات‪ ،‬ﻻ ﰲ اﳌعﻨو ت‪ ،‬ﻓﻤا يُ ّ‬
‫الﱰاث العرﰊ واﻹسﻼمي‪ :‬أخﻼقاً‪.‬‬
‫سﻤﻰ ﰲ أدﺑيات ّ‬
‫وقيﻤة العدل‪ ،‬إّﳕا ﻛانت ﺗُ ّ‬
‫ﺗﺼور اﻹنسان ﰲ ﳐتلﻒ‬‫اﳌشتﻖ من ﻛلﻤة »إنسان«‪ ،‬ﻓيتح ّدد من خﻼل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّأما وﺻﻒ »اﻹنسانية«‬
‫ال ّد ت والفلسفات‪ ،‬ﻓالفلسفة اﳌادية الﱵ ﺗتح ّدث ﻋن اﻹنسان الﻄبيعي ﲟعﲎ ّ‬
‫اﳌادي‪ ،‬يكون مفﻬوم الﻘيﻢ‬
‫التﺼور اﻹسﻼمي‬
‫اﻹنسانية ﻓيﻬا أ ّ ا‪ :‬الﻘيﻢ اﳌاديّة‪ ،‬وﻋلﻰ قدر قيﻤتﻬا اﳌاديّة ﻓﻘﻂ خذ مرﻛﺰﻫا‪ّ ،‬أما ﰲ ّ‬
‫اﻷﻫﻢ‪ ،‬ﻓاﻹخﻼص واﻷمانة‬
‫مادة وروح‪ ،‬ويش ّكل اﳉانب الروﺣي واﳌعﻨوي ﰲ ﺣياﺗﻪ اﳉانب ّ‬ ‫لﻺنسان ﲟا ﻫو ّ‬
‫الﺼدق والتّﻀحية ﺗﺼﲑ قِيَ ًﻤا إنسانية‪ ،‬ﺑل رّﲟا ﻫي ﻋلﻰ رأس الﻘيﻢ اﻹسﻼميّة‪ ،‬ﻛﻤا يﻘتﻀيﻪ مفﻬوم مﻨﻈومة‬
‫و ّ‬
‫ولعل‬ ‫ِ‬
‫الﻘيﻢ‪ ،‬الﻘائﻢ ﻋلﻰ معﲎ الﱰاﺗُبيﱠة ﺣيث يُﻀ ﱠحﻰ ﺑبعﻀﻬا من أجل ﺑعﺾ‪ ،‬ﻋتبار درجتﻬا ﰲ سلّﻢ الﻘيﻢ‪ّ ،‬‬
‫ﻋﺰة ﺑيﻐوﻓتﺶ‪ ،‬وﻫو اﳌسلﻢ العارف ﺻول ديﻨﻪ من جﻬة‪ ،‬واﳋبﲑ لفلسفة الﱵ قامت ﻋليﻬا‬ ‫ما ﻛتبﻪ ﻋلي ّ‬
‫الرئيسية ﰲ‬
‫اﳊﻀارة اﻷورﺑية؛ ﻫو خﲑ ﺗعبﲑ ﻋن ﻫذا اﳌعﲎ ﻋﻨدما قال‪» :‬اﻹنسان نتيﺠة ﺑيئتﻪ؛ ﻫذه اﳌسلّﻤة ّ‬
‫ﺗتفرع مﻨﻬا‪ :‬ﰲ الﻘانون‪ ،‬وﰲ ﻋلﻢ‬
‫اﳌادي‪ ،‬ﲣدم ﻛﻨﻘﻄة انﻄﻼق ﳉﻤيﻊ الﻨّﻈر ت الﻼإنسانية الﱵ ّ‬ ‫اﳌذﻫب ّ‬
‫اﻻجتﻤاع‪ ،‬وﰲ ﳑارسة التّﻼﻋب لبشر‪ ،‬الﱵ ﺑلﻐت ذرو ا ﰲ ﻋﻬد الﻨّازية والستاليﻨيّة‪ ،‬وﲨيﻊ الﻨّﻈر ت اﻷخرى‬
‫ﻷي‬ ‫ِ‬
‫يﺼح ﻋﻨد أن يكون اﻹنسان خاد ًما ّ‬ ‫اﳌﻤاثلة ﰲ اﻹﻏواء‪ ،‬والﱵ ﺗﻀﻊ أولوية ا تﻤﻊ ﻓوق اﻷﻓراد ‪ ...‬وﻻ ّ‬
‫خادم‬ ‫ٍ‬
‫ﻛل شيء ﰲ خدمة اﻹنسان‪ ،‬ﻓاﻹنسان ٌ‬ ‫إنسان‪ ،‬وﻻ يﻨبﻐي أن يـُتّﺨذ وسيلة‪ ،‬ﺑل ﳚب أن يوﺿﻊ ّ‬
‫ﻓحسب‪ ،‬وﻫذا ﻫو اﳌعﲎ ال ُـﻤﻄلﻖ لﻺنسانية«)‪.(1‬‬
‫ومﻘياسا ُﳛكﻢ من‬
‫ً‬ ‫ﻛل ما يُعتﱪ ذا قيﻤة واﻋتبار‪ ،‬ﲝيث يﺼﲑ معياراً‬
‫العام للﻘيﻢ ﻫو‪ّ :‬‬
‫وﻋليﻪ؛ ﻓإ ّن اﳌعﲎ ّ‬
‫وموجﻬا لل ﱡسلوك‪ ،‬ﻛﻤا يﺼﲑ ﻛذلﻚ ﻫدﻓًا مرﻏوً ﻓيﻪ‪.‬‬
‫خﻼلﻪ ﻋلﻰ ﻏﲑه‪ّ ،‬‬

‫ﻋﺰت )ت‪1424‬ه ‪2003/‬م(‪ ،‬اﻹسﻼم ﺑﲔ الﺸّﺮق والﻐﺮب‪) ،‬ﺗرﲨة‪ّ :‬‬


‫ﳏﻤد يوسﻒ ﻋدس(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﻨشر للﺠامعات‪،‬‬ ‫)‪ (1‬ﺑيﻐوﻓيتﺶ‪ ،‬ﻋلي ّ‬
‫مﺼر‪1997 ،‬م‪ :‬ص ‪.90‬‬

‫‪32‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫امتدادا ﻛبﲑاً‬
‫ساﻋا و ً‬
‫لكن الﻘيﻢ ﲣتلﻒ لدى البشر ﲝسب معتﻘدا ﻢ‪ ،‬ومن ﻫﻨا اﻛتسب ﻫذا اﳌفﻬوم اﺗّ ً‬
‫ّ‬
‫ختﻼف اﻷد ن والثّﻘاﻓات والفلسفات‪.‬‬
‫‪ /1‬مﻔﻬوم القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ ﰲ ﺧﻄاب الﻔﻜﺮ اﻹسﻼمﻲ اﳌﻌاﺻﺮ‪:‬‬
‫مﻨذ ﲬسيﻨيات الﻘرن اﳌاﺿي وإﱃ اليوم؛ مازال أﻋﻼم الفكر اﻹسﻼمي اﳌعاﺻر يستعﻤلون مﺼﻄلح‬
‫التﺼور اﳌستﻤ ّد من الﻘرآن والسﻨّة ﻋن اﻹنسان وﻋﻼقتﻪ لكون‪ ،‬واﳊﻘيﻘة أ ّ ﻢ‬
‫»الﻘيﻢ اﻹنسانية« ﲟفﻬوم ّ‬
‫خاﺻة ﳌسلﻤﲔ‪ ،‬ومن ﳕاذج ﺗلﻚ اﻻستعﻤاﻻت ما ﰐ‪:‬‬ ‫استعاروه من ﻏﲑﻫﻢ‪ ،‬واستعﻤلوه ﲝﻤولة مفاﻫيﻤية ّ‬
‫أ‪ /‬أ ّن رسالﺔ اﻹسﻼم ﻫﻲ مﺼدر القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ‪:‬‬
‫جاء ﰲ ﻛتاب أثر اﻹﳝان ﰲ ﲢﺼﲔ اﻷمة‪» :‬ﻓاستعﻼء إنسانية اﻹنسان ﻋلﻰ اﳌادة‪ ،‬وسيادة الﻘيﻢ‬
‫ﺗﻨﻤي إنسانية اﻹنسان ﻻ ﺣيوانيتﻪ ‪ ...‬وﺣرمة اﻷسرة‪ ،‬واﳋﻼﻓة ﰲ اﻷرض ﻋلﻰ ﻋﻬد ﷲ وشرطﻪ‬
‫اﻹنسانية الﱵ ّ‬
‫‪ ...‬وﲢكيﻢ مﻨﻬﺞ ﷲ وشريعتﻪ وﺣدﻫا ﰲ شﺆون ﻫذه اﳋﻼﻓة«)‪.(1‬‬
‫ﺗﺼحح الﻘيﻢ‬
‫ﻛذلﻚ جاء ﰲ اﳌوسوﻋة الﻘرآنية ﻋﻨد ﺗفسﲑ مﻄلﻊ سورة »ﻋبﺲ« أ ّ ا‪» :‬آيةٌ نﺰلت ّ‬
‫اﻹنسانية‪ ،‬وﺗﻀﻊ اﻷسﺲ اﻹسﻼمية ﻷقدار الﻨّاس وأوزا ﻢ‪ ،‬وﺗﺆّﻛد أ ّن قيﻤة اﻹنسان ﺑعﻤلﻪ وسلوﻛﻪ ومﻘدار‬
‫اﺗّباﻋﻪ ﳍدى السﻤاء«)‪.(2‬‬
‫نسﻤيﻪ لﻘيﻢ‬
‫ﻓﻬﻬﻨا ﳒد ﰲ ﻫذا اﻻستعﻤال للﻤﺼﻄلح التّﻤاﻫي التّام ﺑﲔ الﻘيﻢ اﻹنسانية وما ﳝكن أن ّ‬
‫اﻹسﻼمية‪.‬‬
‫وﻗوف مع أﻫل القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ب‪ /‬أ ّن رسالﺔ اﻹسﻼم‬
‫قﺼة إﻏراق ﻓرﻋون وقومﻪ ﺑﻘولﻪ‪» :‬إ ّن ﻫذه الﻘﺼة ﲤثّل ﺻراع اﳉباﺑرة‬ ‫ﻋلّﻖ وﻫبة الﺰﺣيلي ﰲ ﺗفسﲑه ﻋلﻰ ّ‬
‫اﳌتوسﻂ أو الفﻘراء«)‪.(3‬‬
‫الرشيدة؛ ذوي الدﱠخل ّ‬ ‫الﻄﱡﻐاة أﺻحاب الثّروة واﳌال‪ ،‬مﻊ أﻫل الﻘيﻢ اﻹنسانية وال ّديﻨية ّ‬
‫العامة اﳌسلوﺑة اﻹرادة ﰲ مﻘاﺑل قﻬر اﳌستب ّدين‬
‫ﻓالﻘيﻢ اﻹنسانية الرشيدة ﻫﻨا؛ ﳒدﻫا ﺗوﻇّﻒ ﰲ ﺻاﱀ ّ‬
‫ﻢ‪.‬‬

‫)‪ (1‬اﳉرﺑوع‪ ،‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد الرﲪن‪ ،‬أثﺮ اﻹﳝان ﰲ ﲢﺼﲔ اﻷمﺔ اﻹسﻼمﻴﺔ ﺿد اﻷﻓﻜار اﳍدامﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬ﻋﻤادة البحث العلﻤي ﳉامعة‬
‫اﻹسﻼمية‪ ،‬اﳌديﻨة اﳌﻨورة‪1423 ،‬ﻫ‪2003/‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.543‬‬
‫)‪ (2‬جعفر شرف ال ّدين‪ ،‬اﳌوسوﻋﺔ القﺮآنﻴﺔ‪ ،‬ﺧﺼاﺋﺺ الﺴّور‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن ﻋثﻤان التوﳚﺰي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار التّﻘريب ﺑﲔ اﳌذاﻫب‬
‫اﻹسﻼمية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1420 ،‬ﻫ‪ :‬ج‪ ،11‬ص‪.67‬‬
‫)‪ (3‬الﺰﺣيلي‪ ،‬وﻫبة ﺑن مﺼﻄفﻰ الدمشﻘي )ت‪1436‬ه‪2015/‬م(‪ ،‬التﻔﺴﲑ اﳌﻨﲑ ﰲ الﻌقﻴدة والﺸﺮيﻌﺔ واﳌﻨﻬﺞ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر اﳌعاﺻر‪،‬‬
‫دمشﻖ‪1418 ،‬ﻫ‪ :‬ج‪ ،25‬ص‪.168‬‬

‫‪33‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﺟـ‪ /‬أ ّن القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ اﻹسﻼمﻴﺔ ﻫﻲ مﻌﻴار اﳊﻀارة‪:‬‬


‫يﻘول سيّد قﻄب ﰲ ﺗفسﲑه‪» :‬ﺣﲔ ﺗكون الﻘيﻢ ‪‬اﻹنسانية‪ ‬واﻷخﻼق ‪‬اﻹنسانية‪- ‬ﻛﻤا ﻫي ﰲ‬
‫ﻀراً متﻘ ّدماً«)‪.(1‬‬
‫ميﺰان ﷲ‪ -‬ﻫي ال ﱠسائدة ﰲ ﳎتﻤﻊ‪ ،‬ﻓإ ّن ﻫذا ا تﻤﻊ يكون متح ّ‬
‫ﺗدل ﺑوﺿوح ﻋلﻰ أ ّن استعﻤال العلﻤاء واﳌف ّكرين اﻹسﻼميﲔ اﳌعاﺻرين‬ ‫ﻓﻬذه الﻨﻤاذج وﻛثﲑٌ ﻏﲑﻫا‪ّ ،‬‬
‫ﳌﺼﻄلح الﻘيﻢ اﻹنسانية؛ ﻫو ﲟعﲎ ﺗلﻚ الﻘيﻢ الﱵ ﺗتح ّدد ﺑﻨاءً ﻋلﻰ التّﺼور اﻹسﻼمي لﻺنسان‪ ،‬وأ ّن مرجعﻬا‬
‫الوﺣي قرآ ً وسﻨّة‪.‬‬
‫التﺤﺮر اﳌﻌاﺻﺮة‪:‬‬
‫‪ /2‬مﻔﻬوم القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ ﰲ ﺧﻄا ت ّ‬
‫مﺆسسة وﺣاﻛِﻤة‬
‫ِ‬
‫قيﻤا إنسانيةً ّ‬
‫ﺗسﻤيﻪ ً‬
‫وﺗوجﻬا ا ﻋلﻰ ما ّ‬
‫التحرر ﻋلﻰ اختﻼف مشار ا ّ‬ ‫ﺗرﺗكﺰ خﻄا ت ّ‬
‫ﺗبﲎ ﻛثﲑٌ من‬
‫وجامعة‪ ،‬ﻋتبارﻫا اﳌرجعية واﳌعيار الذي ُﳛكﻢ من خﻼلﻪ ﻋلﻰ سلوك اﻷﻓراد واﳉﻤاﻋات‪ ،‬وقد ﱠ‬
‫ﻛل ما‬
‫لتحرر من ّ‬
‫ّ‬ ‫لعل أﳘّﻬا ﺗلﻚ اﳌﻄالِبة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الﻨﱠاس مﻘوﻻت وشعارات دوﳕا التفات إﱃ خلفيا ا الفلسفية‪ ،‬و ّ‬
‫يُش ّكِل قي ًدا ﻋلﻰ ﺣر ت اﻷﻓراد‪ ،‬ﻋلﻰ اﻋتبار أ ّن اﳊريّة الفردية قيﻤة ﻋُليا‪ ،‬سواءً ﰲ ذلﻚ اﳊدود الﱵ يﻀعﻬا‬
‫الﺰمن قد ﲡاوزﻫا‪.‬‬‫ﻛل اﳌﻀامﲔ الﱵ يﺰﻋﻤون أ ّن ّ‬
‫ال ّدين‪ ،‬أو قيود اﳌوروث ال ّديﲏ والثﻘاﰲ الﻘدﱘ‪ ،‬و ّ‬
‫واﳊﻘيﻘة أ ّن ّأول ﻋائﻖ يﺼادف اﳌتتبّﻊ ﳌﻘولة الﻘيﻢ اﻹنسانية اليوم ﻫو مفﻬومﻬا‪ ،‬سواءً مﻨﻬا الﻘيﻢ‬
‫السياسية أو اﻻقتﺼادية أو اﻻجتﻤاﻋية أو الثّﻘاﻓية‪ ،‬وﳚد أ ّن ﺑعﺾ أﲰائﻬا مﻀلّلة؛ ﻓﻘيﻤة الﱠرﲪة‪ ،‬واﳊرية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫لكن ماﺻدقات ﻫذه اﳌفاﻫيﻢ ﰲ الواقﻊ‬ ‫السﻼم‪ ،‬واﶈبﱠة‪ ،‬ﻻ ﳜتلﻒ ﻋليﻬا أﺣد‪ّ ،‬‬ ‫واﳋﲑ‪ ،‬واﳉﻤال‪ ،‬والعدل‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬
‫متبايﻨةٌ ج ّدا‪ ،‬ﲝسب ال ّدين واللﱡﻐة والثﻘاﻓة‪ ،‬ﲟا ﻫي اﶈ ّددات اﳌعيارية ﳍذه اﳌفاﻫيﻢ‪ ،‬ومن ذلﻚ أ ّن ً‬
‫ﻛثﲑا من‬
‫ﻋﻘوﺑة ٍ‬
‫ﺑدنية إﻫداراً للكرامة اﻹنسانية‪ ،‬ومعاملةً لﻺنسان ﲟا يليﻖ‬ ‫اﳌتح ّدثﲔ ﻋن الكرامة اﻹنسانية يعتﱪون ﻛل ٍ‬
‫ّ‬
‫ﻛل العﻘو ت البدنية ﲟا ﻓيﻬا اﳌﻨﺼوص ﻋليﻬا ﰲ الﻘرآن الكرﱘ‪ ،‬ويعتﱪو ا ﻋﻘو ت‬ ‫ﳊيوان‪ ،‬ومن ﲦّة يرﻓﻀون ّ‬
‫إﻫدار لكرامة اﻹنسان‪ ،‬ومعاملة‬
‫سلب للحرية وﻛذلﻚ ٌ‬ ‫السﺠن‪ ،‬مﻊ أ ّ ا ٌ‬‫ﻻ إنسانية‪ ،‬ﺑيﻨﻤا يﻘبلون مثﻼً ﺑعﻘوﺑة ّ‬
‫ﻛل ﳏيﻄﻪ اﻻجتﻤاﻋي الذي ﺗرﺑﻄﻪ ﺑﻪ‬ ‫لﻪ ﲟا ﺑليﻖ ﳊيوان‪ ،‬ﺑل إ ّن اﳊبﺲ ﻋﻘوﺑة ﺗتﺠاوز ا رم إﱃ ﻋائلتﻪ‪ ،‬و ّ‬
‫سﺠﲔ ﻏﲑ مﻀروب؟!‬ ‫ٌ‬ ‫ﺣر‪ ،‬أم‬
‫مﻀروب ّ‬
‫ٌ‬ ‫مﺼاﱀ مشﱰﻛة‪ ،‬ﻓأيّﻬﻤا أﻛثر ﻛرامة إنسانية‪:‬‬
‫الﺼواب ﻫو ما يراه‬
‫مﺼدرا لذاﺗﻪ‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫ً‬ ‫وﻫكذا؛ ﺗكشﻒ لﻨا ﺗﻨاقﻀات الواقﻊ معﲎ أن يكون اﻹنسان‬
‫ﻛل قيﻢ ال ّدين وا تﻤﻊ‬
‫ﺻوا ً ‪ ،‬وأن ﻻ وجود للحﻘيﻘة خارجﻪ‪ ،‬ﲝيث ﺗﺼﲑ اﳊرية الفردية مثﻼ قيﻤةً ﻓوق ّ‬
‫واﻷخﻼق‪ ،‬ومن ﻫﻨا ﳚد دﻋاة الﻨّوع اﻹنساﱐ »اﳉﻨدر« مرﺗكﺰاً لدﻋو ﻢ ﺿﻤن قيﻤة اﳊرية الفردية‪ ،‬وﻓيﻬا‬

‫)‪ (1‬سيد قﻄب‪ ،‬إﺑراﻫيﻢ ﺣسﲔ الشارﰊ )ت‪1385‬ﻫـ‪1966 /‬م(‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل القﺮآن‪ ،‬ط‪ ،17‬دار الشروق‪ ،‬ﺑﲑوت‪1412 ،‬ه‪1992/‬م‪:‬‬
‫ج‪ ،3‬ص‪.1258‬‬

‫‪34‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫يتحول ال ّدين نفسﻪ وقد استعﺼﻰ ﻋلﻰ اﻻستئﺼال‬‫ﻛذلﻚ يتأ ّﻛد اﳊ ﱡﻖ ﰲ نﻘد »اﳌﻘ ّدس« ﲟا ﻓيﻪ ال ّدين‪ ،‬ﰒّ ّ‬
‫ﺣرﺻا ﻋلﻰ العيﺶ اﳌشﱰك الذي ﲢكﻤﻪ‬ ‫ﻛليّة إﱃ قﻀية شﺨﺼية‪ ،‬وﻋﻼقة ﺑﲔ الفرد ورﺑّﻪ‪ ،‬ﰒّ يﺼﲑ ﺑعد ذلﻚ ً‬
‫ويستﻤر ﻫذا التوالد لسلسلة‬
‫ّ‬ ‫الﻘيﻢ اﳌاديّة اﳋالﺼة‪ ،‬والﱵ ﻻ ﺗسﻤح ن يكون ا تﻤﻊ ميدا ً ﳌﻈاﻫر التديّن‪،‬‬
‫من »الﻘيﻢ« اﳌتولّدة ﻋن خلفية ﻛون اﻹنسان مرﻛﺰ ذاﺗﻪ‪.‬‬
‫الرﲪة‬
‫من ﻫﻨا يتﺠلّﻰ ﻋﻤﻖ اﳌشكل ﰲ قﻀية اﳌعيار اﳌرجﻊ الذي ﳛ ّدد مﻀﻤون قيﻢ اﳊرية واﳉﻤال و ّ‬
‫ﻛالسوائل خذ‬
‫ﻫﻼمي مائﻊ‪ّ ،‬‬‫ﱞ‬ ‫مﺼﻄلح‬
‫ٌ‬ ‫واﳋﲑ‪ ،‬وﻏﲑﻫا‪ ،‬وﻋليﻪ ﳝكن الﻘول‪ :‬إ ّن مﺼﻄلح »الﻘيﻢ اﻹنسانية«‬
‫ﻛل ما يعﻄي‬ ‫ِ‬
‫ﺼب ﻓيﻪ‪ ،‬والذي ﻫو ّإما ال ّدين‪ ،‬أو الفلسفات واﻹيديولوجيات والثّﻘاﻓات‪ ،‬و ّ‬
‫شكل اﻹ ء الذي ﺗُ ّ‬
‫ومعﲎ‪.‬‬
‫ﳊياة اﻹنسان ﺗﺼ ﱡوًرا ً‬
‫ومسﻤيا ا‪ ،‬وﻓدت إﱃ ﳎتﻤعاﺗﻨا اﳌسلﻤة ﲨلةٌ من اﳌﻘوﻻت‬ ‫ﻇل ﻫذا التّباين ﺑﲔ أﲰاء الﻘيﻢ اﻹنسانية ّ‬
‫ﰲ ّ‬
‫العامة من الﻨّاس‪،‬‬
‫اﳌوﺻوﻓة لتّحرريّة‪ ،‬واﳌستﻨدة ﰲ زﻋﻢ أﺻحا ا إﱃ قيﻢ إنسانية ﻋليا ﺣاﻛﻤة‪ ،‬خوطب ا ّ‬
‫لعل أﳘّﻬا ﳑّا يتّﺼل ﳊر ت الفردية ما ﰐ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مﻊ يُ ْسر وسائل اﻻﺗّﺼال‪ ،‬و ّ‬
‫أ‪ /‬أ ّن ال ُـﻤعاﺻرة ﺗﻘتﻀي ﺿرورة اﻻنتﻈام ﰲ مﻨﻈومة الﻘيﻢ اﳌعاﺻرة‪ ،‬وﻋلﻰ اﳌسلﻤﲔ أن يﻘﻄعوا مﻊ‬
‫ﺗراثﻬﻢ ﲟا ﻓيﻪ الوﺣي؛ ﻷنّﻪ ‪-‬ﰲ اﻋتﻘادﻫﻢ‪ -‬أﻛﱪ ٍ‬
‫ﻋائﻖ أمام ﺗﻘ ّدمﻬﻢ‪ ،‬وﻫذا ما يﻨادي ﺑﻪ خﺼوم ال ّدين‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ﻛل ما أنتﺠﻪ العﻘل اﳌسلﻢ من ﻋلوم‪ ،‬وما دامت‬ ‫ب‪ /‬أ ّن اﻹﺑداع قيﻤةٌ إنسانيةٌ ﺗﻘتﻀي التّﺠديد ﰲ ّ‬
‫أقل من ساﺑﻘتﻬا إذ ﲣرج الوﺣي ﳑّا يﻘبل اﳌراجعة‪ ،‬وﻫو ما يﻨادي ﺑﻪ‬
‫ليست وﺣيًا ﻓكلّﻬا ﺗﻘبل التّﻐيﲑ‪ ،‬وﻫذه ّ‬
‫ﺑعﺾ اﳌف ّكرين اﳌسلﻤﲔ الراﻓﻀﲔ للﱰاث ﲨلةً وﺗفﺼيﻼً‪.‬‬
‫ﺼﺼا ﻋلﻤيا‪ ،‬ولكل ٍ‬
‫إنسان ٍ‬
‫ﻋاقل أن‬ ‫ّ‬ ‫ﺟـ‪ /‬أ ّن اﳊرية الفكرية قيﻤةٌ إنسانية‪ ،‬وﻋليﻪ ﻻ ﳛتاج ُ‬
‫ﻓﻬﻢ ال ّدين ﲣ ﱡ ً‬
‫يﻘرأ الﻨّﺼوص ويفﻬﻤﻬا ﻋلﻰ طريﻘتﻪ‪ ،‬وﻫذه دﻋوة من يﻨتﻈﻤون ﰲ ﺗيار التأويلية اﳌعاﺻرة)‪.(1‬‬
‫وﻏﲑﻫا من اﳌﻘوﻻت الكثﲑة الﱵ طفح ا اليوم اﻹﻋﻼم واﳌﻨشورات اﳌﺨتلفة‪ ،‬والﱵ ﺗﻀﻊ اﳌسلﻢ اﳌعاﺻر‬
‫ﰲ خﺼومة مﻊ ﺗراثﻪ‪ ،‬ﺑل وأﺣيا ً مﻊ الﻘرآن والسﻨّة‪.‬‬

‫الﻨﺠار‪ ،‬ﻋبد ا يد‪ ،‬القﺮاءة اﳉديدة لﻠﻨّﺺ ال ّديﲏ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرﻛﺰ الراية للتّﻨﻤية الفكرية‪ ،‬دمشﻖ‪،‬‬
‫)‪ (1‬انﻈر ﳕاذج من ذلﻚ ﰲ ﻛتاب‪ّ :‬‬
‫‪1427‬ﻫ‪2006/‬م‪ :‬ص‪ 97‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫الﻌامﺔ الﻴوم ودﻋوى اﻻنتظام ﰲ القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ الﻌﻠﻴا‪:‬‬


‫راﺑﻌا‪ّ :‬‬
‫العامة ﰲ نﺼوص الوﺣي والتّﺠرﺑة الراشدة‪ ،‬وﺗلﻚ الواردة ﰲ ٍ‬
‫جانب‬ ‫لﻨّﻈر إﱃ ما سبﻖ ذﻛره من ﺻورة ّ‬
‫ّ‬
‫التحرر اﳌعاﺻرة اﳌستﻨدة إﱃ‬ ‫ِ‬
‫ﺗتعﲔ قراءة مﻀامﲔ خﻄا ت ّ‬‫السياسي والفﻘﻬي للﻤسلﻤﲔ‪ّ ،‬‬
‫الﱰاث ّ‬‫من أدﺑيات ّ‬
‫قيﻤا إنسانيةً ﻋﱪ مدخلﲔ مﻨﻬﺠيﲔ ﺿروريﲔ ﳘا‪:‬‬
‫سﻤﻰ ً‬
‫ما يُ ّ‬
‫‪ /1‬اﳌدﺧل اﳌﻔاﻫﻴمﻲ‪:‬‬
‫يتعﲔ‬
‫ﺗبﲔ ﳑّا سبﻖ أﳘية اﳌدخل اﳌفاﻫيﻤي‪ ،‬ﺣيث ﺗشا ت العﻨاوين وﺗﻨاﻓرت اﳌﻀامﲔ‪ .‬ومن ﻫﻨا ّ‬ ‫قد ّ‬
‫ﺗﺼورات‪ ،‬ﻓﻘد ﳛﺼل اﻻﺗّفاق ﻋليﻬا ﻋتبارﻫا‬
‫البحث ﻓيﻤا وراء العﻨاوين اﳌعلﻨة واﳋلوص إﱃ ما ﺗستدﻋيﻪ من ّ‬
‫وﺗﺼورا ﻢ ﻋن اﻹنسان واﳊياة‪ ،‬أو رّﲟا يتأ ّﻛد اﻻختﻼف ﺣول ما‬
‫ﲨيعا مﻬﻤا ﻛانت د ﻢ ّ‬ ‫للﺨلﻖ ً‬ ‫مﺼاﱀ َ‬
‫يعتﱪ قيِّﻤاً ﻋﻨد ٍ‬
‫ﺑعﺾ دون ﺑعﺾ‪ ،‬ﻛﻤا سبﻖ ﺑيانﻪ‪.‬‬
‫‪ /2‬اﳌدﺧل الﻌقدي‪:‬‬
‫ﺗﺼور ﺣﻘيﻘة اﻹنسان؛ ﻓﻬو الفيﺼل ﰲ ﲢديد الﻘيﻢ‬
‫إذا ﻛان ﻻ ﳝكن ﻓﺼل مﻘولة الﻘيﻢ اﻹنسانية ﻋن ّ‬
‫ﳏﻤد قﻄب‪ -‬إﱃ »الفكر‬ ‫اﳌوسومة ﻹنسانية‪ ،‬ولذلﻚ ﺑدا ﳌف ّكري الﻨّﻬﻀة اﻷورﺑية ﻋﻨدما دﻋوا ‪-‬ﻛﻤا يﻘول ّ‬
‫يتوجب ﻋليﻪ أن ﳛاﻓظ ﻋليﻪ ‪ ...‬ﻓيﻨبﻐي إذن‬
‫أقروا ن ال ّدين ﻫو مﺼدر الﻘيﻢ اﻹنسانية‪ ،‬ﻓﻘد ّ‬ ‫اﳊر« أ ّ ﻢ إن ّ‬
‫ّ‬
‫أن يبحث ذلﻚ الفكر ﻋن مﺼدر آخر يستﻤ ّد مﻨﻪ الﻘيﻢ ‪ ...‬وﻋلﻰ ﻫذا الﻀوء ﳝكﻨﻨا ﻓﻬﻢ ﻓلسفة »أوجست‬
‫ﻛونت« من ﺣية‪ ،‬وأﻓكار »جان جاك روسو« من ﺣية أخرى‪ .‬ﻓكﻼﳘا ﳚﻬد نفسﻪ ليﻘول للذين يﻘفون‬
‫الﻀرورية ﳊياة اﻹنسان ﻏﲑ ال ّدين‪ ،‬وجد ه ﰲ‬
‫آخر ﺗﻨبﻊ مﻨﻪ الﻘيﻢ ّ‬
‫مداﻓعﲔ ﻋن ال ّدين‪ :‬ﻫا قد وجد مﺼدراً َ‬
‫»الﻄّبيعة« وﰲ »الﻨّفﺲ البشرية« وﻫو مﺼدر أﻓﻀل ﰲ إنبات الﻘيﻢ«)‪.(1‬‬
‫من ﻫﻨا يﻘ ّدم خﻄاب الﻘيﻢ اﻹنسانية نفسﻪ ﻋلﻰ أنّﻪ ٍ‬
‫متعال ﻋن ال ّدين‪ ،‬واﳊﻘيﻘة أنّﻪ ليﺲ ﻛذلﻚ‪ ،‬ﻷ ّن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ﻛل ﺗلﻚ التّﺼورات اﳌرجعية‬
‫ﺗﺼورات مرجعية‪ ،‬وقد ثبت واقعاً أ ّن ّ‬
‫ﻫذه الﻘيﻢ ﻻ ﺑ ّد أن ﺗستﻨد لﻀﱠرورة إﱃ ّ‬
‫ﺗتحول ﺑﻨفسﻬا ديﻨًا ﻋﻨد معتﻘديﻬا‪.‬‬
‫ﳏل ال ّدين قد ّ‬
‫الﱵ ﺣلّت ّ‬
‫الﻀرورية للتّعامل مﻊ خﻄاب الﻨّﺰﻋة اﻹنسانية؛‬
‫وﻋليﻪ؛ ﻓفي ﺿوء ﻫذا التّحديد اﳌﻨﻬﺠي للﻤداخل ّ‬
‫ﻋامة اﳌسلﻤﲔ ﻋلﻰ الﻨّحو اﻵﰐ‪:‬‬
‫ﳝكن مﻨاقشة ﺗلﻚ اﳌﻘوﻻت الﱵ ﺗولّدت ﻋﻨﻪ‪ ،‬واﳌو ﱠجﻬة إﱃ اﳉﻤﻬور من ّ‬

‫)‪ (1‬قﻄب‪ ،‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ ﺣسﲔ الشارﰊ )ت‪1435‬ه‪2014/‬م(‪ ،‬مﺬاﻫﺐ ﻓﻜﺮيﺔ مﻌاﺻﺮة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ال ّشروق‪ ،‬ﺑﲑوت‪1403 ،‬ﻫ‪1983/‬م‪:‬‬
‫ص‪.460‬‬

‫‪36‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫‪ /3‬دﻋوى ﺿﺮورة اﻻنتظام ﰲ القﻴﻢ اﻹنﺴانﻴﺔ اﳌﻌاﺻﺮة‪:‬‬


‫ﲨيعا‪ ،‬ﻓﻬذا ﻻ يعارض أﺻول ال ّدين‪ ،‬ﺑل إ ّن‬ ‫إذا أمكن الوﺻول إﱃ ﺿبﻂ قي ٍﻢ متّ ٍ‬
‫فﻖ ﻋليﻬا ﺑﲔ الﻨّاس ً‬
‫ﲨيعا‪ ،‬وﻻ ﺑ ّد اليوم من اﻋتبار التّﺠرﺑة‬
‫يﺆسﺲ ﳍذا اﳌسار ﰲ ﺣياة البشر ً‬ ‫ﰲ الﻘرآن الكرﱘ والسﻨّة الﻨّبويّة ما ّ‬
‫اﻹنسانية ﰲ ﳎاﻻ ا اﳌﺨتلفة قيﻤةً ﲝ ّد ذا ا‪ ،‬ﻓكﻤا استفاد اﻷورﺑيون من ﲡرﺑة اﳌسلﻤﲔ ﻋﱪ اﻷندلﺲ‪،‬‬
‫واستوﺣوا مﻨﻬا مﻨﻄلﻘات لﻨﻬﻀتﻬﻢ اﳌعاﺻرة‪ ،‬ﻻ ﺿﲑ أن يتعامل اﳌسلﻤون اليوم مﻊ التّﺠرﺑة الﻐرﺑية ﻛلّﻬا ﲟا‬
‫السياسة واﳊكﻢ واﻻقتﺼاد وطرق ﺗدﺑﲑ ال ّشأن العام‬ ‫الﺰمن خﱪةً ﰲ ﳎال ّ‬
‫ﻫي خﱪة إنسانية راﻛﻤت ﻋﱪ ّ‬
‫وﻓﺾ اﳌﻨازﻋات‪ ،‬وﳐتلﻒ التكﻨولوجيات اﳌعاﺻرة‪ ،‬وﻏﲑﻫا ﳑّا يُع ّد ﰲ اﳊﻘيﻘة وسائل‬ ‫ﺣل اﳌشكﻼت ّ‬ ‫وآليات ّ‬
‫العامة من اﳌسلﻤﲔ اليوم مﻬﻤا ﻛانت مستو ﻢ‬ ‫لتحﻘيﻖ مﺼاﱀ الﻨّاس واﳊفاظ ﻋليﻬا‪ ،‬وﻋليﻪ ﻓإ ّن ُﳐاطبة ّ‬
‫ﺑﻀرورة اﻻستفادة من اﳋﱪة اﻹنسانية ﻋلﻰ اختﻼف مﺼادرﻫا ليﺲ ﻓيﻪ ما يﻨاقﺾ اﻹسﻼم‪ ،‬ﺑل ﻋلﻰ العكﺲ‬
‫العامة ﻹدراك ما وراء العﻨاوين‪ ،‬وﻋدم الوقوف ﻋلﻰ ال ّشعارات ال ُـﻤﻀلِّلة أﺣيا ً‪.‬‬
‫من ذلﻚ؛ يﻨبﻐي اﻻرﺗﻘاء ﺑوﻋي ّ‬
‫ﻛل الﱰاث‪:‬‬
‫لتﺤﺮر من ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ /4‬دﻋوى ﺿﺮورة اﻹﺑداع‬
‫ﳍذه ال ّدﻋوى مستويﲔ‪:‬‬
‫ﺗبﲏ الفكر الﻐرﰊ ﰲ نﻈرﺗﻪ لﻺنسان واﳊياة‪.‬‬
‫الﱰاث ﺑكاملﻪ ﲟا ﻓيﻪ الوﺣي‪ ،‬ويدﻋو إﱃ ّ‬
‫اﻷول‪ :‬يرﻓﺾ ﱡ‬
‫ّ‬
‫ﻓﻬﻤا‬
‫ﻛل ما ﻋداه من اﳌﻨتوج اﳌعرﰲ اﳋادم للوﺣي ً‬
‫الﱰاث‪ ،‬ويعتﱪ ّ‬‫مسﻤﻰ ّ‬
‫والثّاﱐ‪ُ :‬ﳜرج الوﺣي من ّ‬
‫ذﻛرت ساﺑ ًﻘا(‪.‬‬
‫وﺗﻨﺰيﻼً‪ ،‬قاﺑﻼً للﻨّﻘﺾ واﳌراجعة )ﻛﻤا ُ‬
‫العامة اليوم‪ ،‬وقلّﻤا ﳚرؤ‬
‫وسأﻛتفي ﻫﻨا ﲟﻨاقشة اﳌستوى الثّاﱐ ﳍذه ال ّدﻋوى؛ ﻷنّﻪ الﻐالب ﰲ ﳐاطبة ّ‬
‫دﻋاة اﳊريّة والتّحديث ﻋلﻰ التّﺼريح ﺑﱰك اﻹسﻼم‪.‬‬
‫مﻨفﻚ ﻋن الوﺣي‪،‬‬‫ي ﱞ‬ ‫اجتﻬاد ﺑشر ﱞ‬ ‫ٍ‬
‫شرﻋية ﻫو‬ ‫معارف‬ ‫حرر ﻫذه ﻋلﻰ أ ّن ما نشأ من‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ﺗﻘوم دﻋوى التّ ّ‬
‫ﻛل مﻀاميﻨﻪ للتّﻐيﲑ‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ِ‬
‫العامة ﻋﱪ التّاريخ ‪ ،‬وأنّﻪ ﻻ ﺑ ّد من إﻋادة الﻨّﻈر ﻓيﻪ‪ ،‬واﻹﳝان ﺑﻘاﺑلية ّ‬
‫وقد أُقﺼ َي مﻨﻪ ّ‬
‫العامة ﲟﻘتﻀﻰ التّكليﻒ العيﲏ‪.‬‬
‫مﻊ ﺿرورة إشراك ّ‬
‫الشرﻋية‬‫أمر ﻻ يﻨكره ﻋاقل‪ ،‬وليست اﻷﺣكام ّ‬
‫مسﺆول ﻋن ﲢﺼيل ﻓﻬﻢ ما يﻘوم ﺑﻪ؛ ﻓﻬذا ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أ ﱠما أ ّن الفرد‬
‫)‪(2‬‬
‫ﰲ اﻹسﻼم طﻼسﻢ ﻏﲑ مفﻬومة‪ ،‬ﻛﻤا ﻫو ﺣال ﺑعﺾ طﻘوس ال ّد ت اﻷخرى ‪ ،‬ﺑل إ ّن ّ‬
‫أﻫﻢ ما استح ـثّـتﻪ‬

‫)‪ (1‬انﻈر ﻋلﻰ سبيل اﳌثال؛ ما جاء ﰲ رسالة الدﻛتوراه‪ ،‬للباﺣث التونسي ﲪادي ذويب‪ ،‬ﺟدل اﻷﺻول والواﻗع‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﳌدار اﻹسﻼمي‪،‬‬
‫اﳌدونة اﻷﺻولية‪ ،‬ص‪ 493‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬ ‫ﺑﲑوت‪2009 ،‬م‪ ،‬ﻓﺼل‪ :‬ﻓئة العوامّ ﰲ ّ‬
‫ِ‬
‫)‪ (2‬يﻘول الفيلسوف اﳌﻐرﰊ ﳏﻤد ﻋاﺑد اﳉاﺑري‪» :‬إ ّن ما ﳝيّﺰ اﻹسﻼم رسوﻻً وﻛتا ً ﻫو خل ﱡوهُ من ثﻘل اﻷسرار )‪ (mystères‬الﱵ ﲡعل العرﻓة‬
‫ﺑ ـ »ال ّدين« ﺗﻘﻊ خارج ﺗﻨاول العﻘل«‪ ،‬انﻈر ﻛتاﺑﻪ‪ :‬مدﺧل إﱃ القﺮآن الﻜﺮﱘ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرﻛﺰ دراسات الوﺣدة العرﺑية‪ ،‬ﺑﲑوت‪2006 ،‬م‪ :‬ص‪.433‬‬

‫‪37‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫الشرﻋية قاﺑلةٌ للتّﻐيﲑ؛ ﻓﻬذه‬


‫ﻛل اﳌعارف ّ‬ ‫ﲨيعا ﻫو الﻨّﻈر وإﻋﻤال العﻘل‪ ،‬و ّأما أ ّن ّ‬
‫نﺼوص الوﺣي ﰲ اﳌﺨاطَبﲔ ً‬
‫ُ‬
‫ومستﻘرة ﻓيﻤا أنتﺠﻪ العﻘل اﳌسلﻢ من‬
‫ّ‬ ‫دﻋوى يرﱡدﻫا العلﻢ والعﻘل‪ ،‬ﻷ ّن مفادﻫا أنّﻪ ﻻ وجود ﳊﻘيﻘة ﻋلﻤيّة ﺑتة‬
‫ﺣﻘائﻖ ﻋلﻤيةٌ قائﻤةٌ ﻋلﻰ دليل العﻘل والﻨّﻘل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫خادمة للوﺣي‪ ،‬وﻫذا ﻏﲑ ﺻحيح‪ ،‬ﺑل إ ّن ﰲ ﻋلوم ال ّشريعة‬ ‫ﻋلوم‬
‫ُ‬
‫ﱠدا‪ ،‬من ذلﻚ‪ :‬أ ّن التّواﺗر ﰲ نﻘل اﻷخبار أقوى من اﻵﺣاد‪،‬‬
‫يﺆدي إﻋادة الﻨّﻈر ﻓيﻬا إﻻّ إﱃ ﺗﻘريرﻫا ُﳎد ً‬
‫ولن ّ‬
‫العامة‪ ،‬وأ ّن نﺼوص الوﺣي‬
‫مفﻬوم يتح ّﻘﻖ من خﻼل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫والﻘرآن الكرﱘ ﻛلّﻪ متواﺗر‪ ،‬والتّواﺗر ‪-‬ﻛﻤا ﻇﻬر‪ -‬ﻫو‬
‫وﺗداولﻪ‪ ،‬وأ ّن‬
‫العامة ﻋلﻰ ﺣفﻈﻪ ُ‬
‫أيﻀا‪ -‬ﳏفو ٌظ ﺑتواطﺆ ّ‬ ‫ﺗُفﻬﻢ ﻋلﻰ وﻓﻖ اللّسان العرﰊ‪ ،‬وﻫو ‪-‬ﻛﻤا ﻇﻬر ً‬
‫اﻷﺣكام التّكليفية ﲬسةٌ‪ ،‬ﻻ ﺗﻘبل الﻨّﻘص وﻻ الﺰ دة‪ ،‬ومﻘﺼد ال ّشارع من التّكليﻒ ﺣفظ ال ّدين والﻨّفﺲ‬
‫والعﻘل والﻨّسل واﳌال‪ ،‬وﻏﲑﻫا ﻛثﲑ‪.‬‬
‫وإﱃ جانب ﻫذا ﺗوجد مﻀامﲔ أخرى ﰲ ﺗراث ﻋلوم ال ّشريعة قاﺑلةٌ ﻹﻋادة الﻨّﻈر‪ ،‬وﻫي اﻵراء اﳌذﻫبية‬
‫استﻘر ﻓيﻬا اﳋﻼف مﻨذ الﻘدﱘ‪ ،‬وﻛذا ﳐتلﻒ اﻻجتﻬادات الفﻘﻬية‪ ،‬واﳌﻤارسات السياسية الﱵ ﺗلبّست‬ ‫الﱵ ّ‬
‫اﳌﺨتﺼون‬
‫ّ‬ ‫ﺼورة للعو ّام الﱵ وقفﻨا ﻋليﻬا ﰲ ﺗراثﻨا‪ ،‬ﻓﻼ ﺑ ّد ّأوﻻ أن يتح ّدث ﻋﻨﻬا‬
‫ﺑﻈروﻓﻬا التارﳜية‪ ،‬ومﻨﻬا ﺗلﻚ ال ﱡ‬
‫السكوت ﻋﻨﻬا‪ ،‬وﺗرك ا ال ﳌن يﻘرأﻫا من خارجﻬا‬ ‫ﺗفسﲑا ﻋلﻤيا‪ ،‬ﺑدل إنكارﻫا أو ّ‬ ‫ً‬ ‫أنفسﻬﻢ‪ ،‬ويﻘ ّدموا ﳍا‬
‫ُ‬
‫ويفسرﻫا ﻋلﻰ ﻏﲑ ﺣﻘيﻘتﻬا‪.‬‬‫ّ‬
‫لﻘد ﺗفاﻋل الفﻘﻬاء مﻊ واقعﻬﻢ‪ ،‬واجتﻬدوا ﰲ إﳚاد اﳊلول واﳌﺨارج للﻤشكﻼت واﻷوﺿاع الﱵ ﻋاشتﻬا‬
‫ﺗلﻚ ا تﻤعات‪ ،‬لكن ما يﻨبﻐي التّﻨبيﻪ إليﻪ ﻫو أ ّن اﳊياة اﻹنسانية ﻻ يﺼﻨعﻬا الفﻘيﻪ‪ ،‬وأذواق الﻨّاس وﻋادا ﻢ‬
‫ﺑرمتﻪ‪ ،‬وإقامة العﻤران ليﺲ شأ ً ﻓﻘﻬيا‬
‫ي ّ‬‫الفعل اﳊﻀار ﱠ‬
‫ﻘررﻫا الفﻘﻬاء‪ ،‬ﺑل إ ّن َ‬ ‫ومورو ﻢ الثّﻘاﻓية ﻛذلﻚ ﻻ يُ ّ‬
‫لسﲑ ﰲ مﻨاﻛبﻬا وﺗعﻤﲑﻫا‪ّ ،‬أما الفﻘﻬاء‬‫خالﺼا‪ ،‬إّﳕا ﻫو شأن اﻹنسان ال ُـﻤستﺨلَﻒ ﰲ اﻷرض‪ ،‬واﳌأمور ّ‬ ‫ً‬
‫ﻓيتعاملون مﻊ وقائﻊ اﳊياة اﻹنسانية ﻋتبارﻫا ُمعﻄيات قائﻤة؛ ﻫي مﻨاطات لﻸﺣكام ال ّشرﻋية ﺗﻨﺰيﻼً‪ ،‬ومن‬
‫ذلﻚ أ ّ ﻢ يراﻋون أﻋراﻓًا ﱂ يﻘرروﻫا‪ ،‬ﺑل وﱂ يﻘررﻫا اﻹسﻼم قبل ذلﻚ‪ ،‬ﺑل قبِلﻬا ﻓﻘﻂ ﻷ ّ ا ﻻ ﺗُ ِ‬
‫ﺼاد ُمﻪُ‪ ،‬وقد‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫لعامة‪.‬‬
‫الساﺑﻘة اﳌتعلّﻘة ّ‬ ‫ﺗﺼرﻓا ﻢ‪ ،‬ﻛﻤا ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣكام ّ‬‫استﻘرت ﻋليﻬا ﻛثﲑٌ من ّ‬
‫ﺗل ّﻘاﻫا الﻨّاس ل َﻘبول‪ ،‬و ّ‬
‫إ ّن ﻫذا الفﺼل ﺑﲔ وﻇيفة الفﻘﻬاء ﰲ اﻻجتﻬاد التﻨﺰيلي‪ ،‬وإﳚاد اﳊلول واﳌﺨارج للﻤشكﻼت الواقعة‪،‬‬
‫الﻀرب ﰲ اﻷرض وﺑﻨاء اﳊﻀارة؛ يﻀﻊ اﳌسلﻢ الﻘارئ لﱰاثﻪ الفﻘﻬي ﰲ سعة‬ ‫وﺑﲔ وﻇيفة اﻹنسان ﰲ العﻤران و ّ‬
‫ﻓﻘﻬي‬ ‫ِ‬
‫اجتﻬاد ﱞ‬‫ٌ‬ ‫عل إنساﱐﱞ لﻪ سياقﻪ الﻈّرﰲ التّارﳜي‪ ،‬أو ﲟا ﻫو‬‫من أمره‪ ،‬لﻨﻘد ﻛثﲑ من مﻀاميﻨﻪ‪ّ ،‬إما ﲟا ﻫي ﻓ ٌ‬
‫يلي لﻪ ﻛذلﻚ سياقﻪ التّارﳜي‪ ،‬وﺗبﻘﻰ الﻨّﺼوص التأسيسية ﰲ الﻘرآن والسﻨّة والتّﺠارب الﻨّاﺻعة الﱵ ﲤثّلتﻬا‬
‫ﺗﻨﺰ ﱞ‬
‫ﻫي اﳌعيار ﰲ ذلﻚ‪.‬‬

‫العامة أﻛثر من ﻏﲑه‪ ،‬إّﳕا ﻫي ﲡرﺑةٌ إنسانيةٌ‬


‫ياسي الذي ﺑدت ﻓيﻪ ﺻورة اﺣتﻘار ّ‬
‫الس ﱡ‬‫اث ّ‬
‫الﱰ ُ‬
‫وﻛذلﻚ ّ‬
‫انعكاس ﳌا راﻛﻤتﻪ اﳋﱪة اﻹنسانية ﰲ ﳎال‬
‫ٌ‬ ‫متأثّرةٌ ﺑﺰمن اﻹمﱪاطور ت الﻘدﳝة وثﻘاﻓتﻬا ﰲ اﳊكﻢ‪ ،‬وﻫي‬

‫‪38‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫الشأن العام‪ ،‬وقد ﺗفاﻋل اﳌسلﻤون مﻊ ﳐتلﻒ اﳋﱪات البشرية‪ ،‬ﺑل ﺻارت ﺗلﻚ اﳋﱪات‬ ‫السياسة وإدارة ّ‬
‫يتﺠﺰأ من اﳊياة اﻹسﻼمية نفسﻬا‪ ،‬مﻊ دخول أقوام من شعوب وثﻘاﻓات ﳐتلفة اﻹسﻼم‪،‬‬
‫والثﻘاﻓات جﺰءاً ﻻ ّ‬
‫ﺼادما‬
‫ﺣاملﲔ معﻬﻢ مورو ﻢ الثﻘاﻓية الﱵ ﱂ مرﻫﻢ اﻹسﻼم ﺑﱰﻛﻬا ﲨلةً‪ ،‬ﺑل أمرﻫﻢ ﺑﱰك ما ﻛان مﻨﻬا ُم ً‬
‫لل ّدين ﻓحسب‪.‬‬
‫ﻛل اﳌعارف ال ّشرﻋية ﻫكذا ﲨلة دون ﺗفﺼيل أو ﺗفريﻖ ﺑﲔ الثّواﺑت‬ ‫وﻋليﻪ؛ ﻓدﻋوى إمكان ﲡاوز ّ‬
‫اﳌتﻐﲑة ﲝسب الﻈّروف‪ ،‬دﻋوى ﻻ‬
‫اﳌستﻤرة اﳌتعالية ﻋن الﻈّرﻓية التﱠارﳜية والﻈّﻨيات ّ‬
‫ّ‬ ‫اﳌتﻐﲑات‪ ،‬ﺑﲔ الﻘﻄعيات‬
‫و ّ‬
‫ﺗﺼﻤد أمام ﲨلة من اﳊﻘائﻖ العلﻤية الثّاﺑتة الﱵ ّسست ﻋليﻬا ﺗلﻚ العلوم وأنتﺠتﻬا‪ ،‬وما زادﻫا ﺗراﻛﻢ العﻤل‬
‫العلﻤي اﳉا ّد ﻋﱪ العﺼور إﻻّ ثبا ً واستﻘراراً‪.‬‬
‫الﺮأي ال ّديﲏ‪:‬‬
‫الﻌامﺔ ﰲ إﺑداء ّ‬
‫‪ /5‬دﻋوى ﺿﺮورة مﺸارﻛﺔ ّ‬
‫السبيل لتحرير الﻨّاس‬
‫العامة ﰲ ﳐتلﻒ الﻘﻀا ال ّديﻨية أ ّن ﻫذا ﻫو ّ‬‫يﺼور ال ّداﻋون إﱃ ﺿرورة مشارﻛة ّ‬
‫ّ‬
‫ﻛرستﻬا ﺑعﺾ الﻨّﺼوص الﱰاثية من استحﻘار‬ ‫ِ‬ ‫(‬‫‪1‬‬ ‫)‬
‫ﺼورة السيّئة الﱵ ّ‬
‫يسﻤونﻪ سلﻄة الفﻘﻬاء ‪ ،‬وﻛسر ﺗلﻚ ال ﱡ‬
‫ﳑّا ّ‬
‫اﳌﺨتص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العلﻤي‬
‫ّ‬ ‫العام‪ ،‬والرأي‬
‫الرأي ال ّديﲏ ّ‬
‫يفرقوا ﺑﲔ ّ‬
‫لكن أﺻحاب ﻫذه ال ّدﻋوة ﱂ ّ‬
‫للعامة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫العام؛ ﳝكن لك ّل ﻓرد من ﻋامة الﻨّاس من ﻏﲑ ذوي اﻻختﺼاص ﰲ ﻋلوم ال ّشريعة أن‬
‫ﻓالرأي ال ّديﲏ ّ‬
‫ّ‬
‫اختص ﻓيﻪ وأﺗﻘﻨﻪ‪ ،‬ذلﻚ أ ّن معارف‬
‫ّ‬ ‫يﺼﻨعﻪ لﻨفسﻪ‪ ،‬ﺑﻨاءً ﻋلﻰ ﺣسن ﻓﻬﻤﻪ لل ّدين‪ ،‬وﳎال ﻋﻤلﻪ واﻫتﻤامﻪ الذي‬
‫ﻛل‬
‫مﻘرٌر ﻋﻨد الفﻘﻬاء‪ ،‬وقد نبّﻬوا قدﳝًا أ ّن ّ‬
‫لكل ﻓرد ﲝسب وﻇيفتﻪ ﻛﻤا ﻫو ّ‬ ‫مﻄلوب ﲢﺼيلﻬا ّ‬
‫ٌ‬ ‫ال ّدين العﻤليّة؛‬
‫ﻛل ﺣالة يتّﺼﻒ ا اﳌكلّﻒ؛‬ ‫ﺻرح ﺑذلﻚ الﻘراﰲ ﺣﲔ قال‪ّ » :‬‬ ‫مﻄالب ﺑعلﻢ ما لﻪ ﺻلةٌ ﺑوﻇيفتﻪ‪ ،‬ﻛﻤا ّ‬
‫ٌ‬ ‫شﺨص‬
‫ﳚب ﻋليﻪ أن يعلﻢ ﺣكﻢ ﷲ ﺗعاﱃ ﻓيﻬا‪ ،‬ﻓعلﻰ ﻫذا ﻻ يﻨحﺼر ﻓرض العﲔ ﰲ العبادات‪ ،‬وﻻ ﰲ ب من‬
‫أﺑواب الفﻘﻪ ﻛﻤا يعتﻘده ﻛثﲑ«)‪.(2‬‬
‫نشﻂ اﻹنسان ﰲ ﳐتلﻒ ﳎاﻻت اﳊياة‪ ،‬وﲡ ّددت وﻇائفﻪ‪ ،‬ﻛلّﻤا ازدادت‬ ‫إ ّن مﻘتﻀي ﻫذا؛ أنّﻪ ﻛلّﻤا ِ‬
‫اﻹسﻼمي‬
‫ﱡ‬ ‫مﻄالبتﻪ ﺑتحﺼيل ﻋل ٍﻢ جديد‪ ،‬و ذا يﺼﲑ ّ‬
‫مﺆﻫﻼً ليدﱄ ﺑرأيﻪ ال ّديﲏ ﰲ ﳎالﻪ‪ ،‬وقد ﻋرف الفكر‬
‫وﻋلي‬
‫الشرﻋي‪ ،‬ﻛﻤالﻚ ﺑن نﱯ‪ّ ،‬‬
‫الرﺻﲔ من ﻏﲑ ذوي اﻻختﺼاص ّ‬
‫الرأي ال ّديﲏ ّ‬
‫اﳌعاﺻر أﻋﻼماً من ذوي ّ‬
‫ﻋﺰت ﺑيﻐوﻓيتﺶ‪ ،‬وإﲰاﻋيل الفاروقي‪ ،‬وﻏﲑﻫﻢ‪.‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬ﲪادي ذويب‪ ،‬ﺟدل اﻷﺻول والواﻗع‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪526‬؛ نﺼر ﺣامد أﺑو زيد )ت‪1431‬ه‪2010/‬م(‪ ،‬اﻹمام الﺸاﻓﻌﻲ‬
‫و سﻴﺲ اﻹيديولوﺟﻴﺔ الوسﻄﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬اﳌرﻛﺰ الثﻘاﰲ العرﰊ‪ ،‬اﳌﻐرب‪2014 ،‬م‪ :‬ص‪ 10‬وما ﺑعدﻫا؛ جويرو زﻫية‪ ،‬اﻹﻓتاء ﺑﲔ سﻴاج اﳌﺬﻫﺐ‬
‫وإﻛﺮاﻫات التاريخ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻄليعة‪ ،‬ﺑﲑوت‪2014 ،‬م‪ :‬ص‪.83‬‬
‫)‪ (2‬الﻘراﰲ‪ ،‬أﺑو العبّاس شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن إدريﺲ ﺑن ﻋبد الرﲪن )ت‪684‬ه(‪ ،‬ﺷﺮح ﺗﻨقﻴح الﻔﺼول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1418‬ه‪1007/‬م‪ :‬ص‪ ،341‬وانﻈر‪ :‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬اﻹﳝان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.156‬‬

‫‪39‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫اﳌتﺨﺼص ﻓﻘد رّﻛﺰت ﻫذه ال ّدﻋوى ‪-‬ﻓﻀﻼً ﻋن الﻘول ﺑﻀرورة الفﻬﻢ‬


‫ّ‬ ‫ّأما ﻓيﻤا يتعلّﻖ ّلرأي ال ّديﲏ‬
‫اﳌباشر للﻨّﺼوص‪ -‬ﻋلﻰ قﻀيتﲔ ﰲ اﻷﺻول أساسيتﲔ‪:‬‬
‫العامة ﰲ اﻹﲨاع‪.‬‬
‫اﻷوﱃ‪ :‬ﺿرورة إشراك ّ‬
‫والثانية‪ :‬مﻨﻊ ﺗﻘليدﻫﻢ للعلﻤاء‪.‬‬
‫مفﻬوما معرﻓيا يتح ّدد ﺗّفاق ا تﻬدين‪ ،‬ﻓﻼ وجود لﻪ خارج‬
‫ً‬ ‫ﻋلﻤي ﳛﻤل‬
‫مﺼﻄلح ﱞ‬
‫ٌ‬ ‫واﳊﻘيﻘة أ ّن اﻹﲨاع‬
‫العامة ﻓيﻪ‬
‫اﳋاﺻة‪ ،‬دخل ّ‬
‫العامة و ّ‬
‫لﻀرورة؛ ﳌـّا ﻛان ﳑّا يدرﻛﻪ ّ‬‫لكن اﻹﲨاع ﻋلﻰ اﳌعلوم من ال ّدين ّ‬
‫ﻫذا اﳌعﲎ‪ّ ،‬‬
‫لفﻬﻤﻬﻢ ا َﻤﻊ ﻋليﻪ وإدراﻛﻬﻢ لﻪ‪ ،‬وﻫذا ﰲ درجة الﻘﻄعيات الﱵ ﺗكون ﻓائدة اﻹﲨاع ﻓيﻬا ﻛيدية ليﺲ إﻻّ‪،‬‬
‫اﳋاص‪ ،‬ذلﻚ أنّﻪ‬
‫ّ‬ ‫توﺻل إليﻪ إﻻّ ﻻجتﻬاد‪ ،‬ﻓﻬذا ﻫو اﻻﺻﻄﻼح‬ ‫ّأما ما خفي ﳑّا ﱂ ﲢسﻤﻪ الﻨّﺼوص‪ ،‬وﻻ يُ ّ‬
‫العامة ﰲ ﻫذا اﳌفﻬوم من اﻹﲨاع لعدم دخوﳍﻢ ﰲ ماﻫيتﻪ‪ ،‬من ﺣيث ﻋدم امتﻼك أدوات‬‫تﺼور مساﳘة ّ‬ ‫ﻻ يُ ّ‬
‫متاح‬
‫لكن ﻫذه اﻷدوات وال ّشروط اﳌﻨﻬﺠية الﻼّزمة ﰲ اﳌعارف ﻛلّﻬا؛ ٌ‬
‫ﻛل العلوم‪ّ ،‬‬
‫اﻻجتﻬاد‪ ،‬ﻛﻤا ﻫو ﺑت ﰲ ّ‬
‫ﲢﺼيلﻬا للﺠﻤيﻊ ﳑّن طلبﻬا‪ ،‬وليست أسر ًارا لفئة ﳐﺼوﺻة‪.‬‬
‫إذن؛ ﻓاﻻجتﻬاد مرﺗبةٌ ﻋلﻤيةٌ ُمتوقِّفةٌ ﻋلﻰ استيفاء شروطﻬا اﳌعرﻓية‪ ،‬ﰒّ إذا ﺗوﻓّرت ﰲ ﻓئة قد يﻨعﻘد ﻢ‬
‫اﶈﺼلة‬
‫العامة‪ ،‬إذ ﳚدون ﰲ ّ‬ ‫اﻹﲨاع ﰲ مسائل‪ ،‬ﻓَـتَلﺰم ويُﻄوى اﳋﻼف ﻓيﻬا‪ ،‬وقد ﻻ يﻨعﻘد‪ ،‬وﻋﻨدئذ ﰐ دور ّ‬
‫إسﻬام مﻨﻬﻢ؛ إذ ال ﱡسﺆال‬
‫ٌ‬ ‫ومفتﲔ ُمتَـ َع ِّددين‪ ،‬ﻓيﺠتﻬدون ﰲ التّﺨيﲑ ﺑيﻨﻬﻢ لﻼستفتاء‪ ،‬وﻫذا‬
‫اجتﻬادات ﳐتلفة‪ُ ،‬‬
‫ﺗكليﻒ ﲟﻘتﻀﻰ اﳌسﺆولية واﳊريّة‪ ،‬وﻫذه ُمشارﻛة مﻨﻬﻢ واﻋِية‪ ،‬ﺗﻘوم ﻋلﻰ أساس من إدراك ﺗفاوت‬ ‫ٌ‬ ‫ﻋن ال ّدين‬
‫مراﺗب الﻨّاس ﰲ العلﻢ‪ ،‬ﻛﻤا ﰲ ﳐتلﻒ ميادين اﳌعرﻓة اﻷخرى‪ ،‬وﲟﻘتﻀﻰ ﻫذا التّفاوت ﺗتح ّدد الفروض الكفائية‬
‫شرﻋا اﺗّباع إﲨاع ﻋلﻤائﻬﻢ وسﺆاﳍﻢ‪،‬‬
‫العامة ً‬
‫والعيﻨية ﰲ الﻨّﻈر العلﻤي واﻻجتﻬاد الفﻘﻬي‪ ،‬وﻋليﻪ ﻓليﺲ ﰲ إلﺰام ّ‬
‫إﻫدار ﻹسﻬامﻬﻢ ﰲ ال ّدين واﳊياة‪ ،‬ﻛﻤا‬
‫إﺑعاد ﳍﻢ من اﳌشارﻛة ﰲ شﺆو ﻢ ال ّديﻨية‪ ،‬وﻻ ٌ‬ ‫ﺗﻘليل من شأ ﻢ‪ ،‬وﻻ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ﳛﺼلﻪ العامة؛ ﳝكﻨﻬﻢ ﺑﻨاء ﻓِكر ديﲏ‪،‬‬
‫ي ّدﻋيﻪ اﳌﻬاﲨون ﻷﺻل اﻹﲨاع اليوم‪ ،‬ﺑل ﻋلﻰ قدر الوﻋي ال ّديﲏ الذي ّ‬
‫اﻷمة ﰲ واقعﻬا ومستﻘبلﻬا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وآراء ّنﲑة‪ ،‬وثﻘاﻓة ديﻨية‪ ،‬ﺗﻨفﻊ ّ‬
‫اﳋاﲤﺔ‪:‬‬
‫العامة ﰲ نﺼوص الوﺣي ﺻورةً ُمفعﻤةً لتّكرﱘ‪ ،‬ﲟﻘتﻀﻰ‬
‫ﰲ اﳋﻼﺻة ﳝكن الﻘول‪ :‬لﻘد ﻛانت ﺻورةُ ّ‬
‫اﳊﻖ وإشاﻋة اﳋﲑ‪ ،‬ولكﻨّﻬا ﺗراجعت ﻋن ﻫذا اﳌستوى ﰲ جوانب‬ ‫وﲢﻤل اﳌسﺆولية ﰲ إقامة ّ‬ ‫اﻵدمية والتّﻘدير ّ‬
‫السياسة وأمور‬
‫العامة من اﻹسﻬام ﰲ ّ‬
‫السياسية مﻨﻬا‪ ،‬ﺣيث استُبعد ّ‬ ‫وخاﺻة ّ‬
‫ّ‬ ‫من التّﺠرﺑة التارﳜية للﻤسلﻤﲔ‪،‬‬
‫خاص‪ ،‬وما‬
‫السياسي وال ّدستوري ﻋلﻰ وجﻪ ّ‬‫أدل ﻋلﻰ ذلﻚ من قلّة ما ُد ِّون ﰲ الفﻘﻪ ّ‬ ‫الشورى والتّدﺑﲑ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وﺑسبب من ﻫذا اﻻستبعاد؛ ﱂ يعد‬ ‫يتعلّﻖ ﺣكام اﳉﻤاﻋة‪ُ ،‬مﻘاﺑل ما ُد ِّون ﰲ الفﻘﻪ العﻤلي اﳌتعلّﻖ ﻷﻓراد‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫وﺣﱴ ﰲ ﻛتب الفتاوى والﻨّوازل قَـلﱠﻤا يسأل الﻨّاس ﻋن‬


‫لعامة أﺻﻼً ﻛﻤا ﻫو اليوم‪ّ ،‬‬
‫الشأن السياسي يشﻐل ا ّ‬
‫ّ‬
‫العام‪.‬‬
‫الشأن ّ‬
‫قﻀا ّ‬
‫لعامة‪ ،‬مﻨﻬا ﺗلﻚ‬
‫وﻛذلﻚ ﱂ ﲣل اﳌﺼادر الفﻘﻬية من أقوال واجتﻬادات ﻛثﲑة‪ ،‬ﺗستبﻄن نﻈرة استﻬانة ّ‬
‫للعامة ﺑفتاوى وأﺣكام ﺗستﻨد إﱃ أﻋراف اجتﻤاﻋية ومورو ت‬ ‫ٍ‬
‫ﲣﺼيص ّ‬ ‫اﻵراء الﱵ ﻓيﻬا نوع استحﻘار أو‬
‫ستﻘّرة‪ ،‬ﺗل ّﻘاﻫا الﻨّاس لﻘبول‪ ،‬وأداروا ﻋليﻬا‬ ‫ثﻘاﻓية قدﳝة‪ .‬ويبدو أ ّن الفﻘيﻪ قد راﻋاﻫا ﻋتبارﻫا أﻋراﻓًا م ِ‬
‫ُ‬
‫اجتﻤاﻋي‬ ‫ِ‬
‫ﱞ‬ ‫مدخل ﰲ إﳚادﻫا‪ ،‬إﻻّ أ ّن ﻫذه اﳌراﻋاة ﱂ يُواﻛبﻬا ﻓﻘﻪٌ‬
‫ٌ‬ ‫ﺗﺼرﻓا ﻢ‪ ،‬لكن ﱂ يكن لﻺسﻼم وﻻ ال ّشريعة‬ ‫ّ‬
‫يﻬتﻢ ﺑﱰشيد ا تﻤﻊ‪ ،‬و ذيب اﻷﻋراف‪ ،‬وﲢسﲔ اﻷذواق‪ ،‬واﻻرﺗﻘاء ﻹنسان ليعيﺶ ﰲ مستوى التّكرﱘ‬ ‫آخ ُر ّ‬
‫الذي ّقررﺗﻪ أﺻول ال ّدين‪.‬‬
‫العامة ﰲ ب اﻹﲨاع واﻻجتﻬاد والتّﻘليد‪ ،‬ﻓكانت الﻘواﻋد‬‫ّأما اﳌﺼادر اﻷﺻولية؛ ﻓﻘد ﺗﻨاولت ّ‬
‫يﺼح إﻻّ ا‪ ،‬ولكن ﺗلﻚ الﻘواﻋد‬ ‫ﻛل نﻈ ٍر ٍّ‬
‫معرﰲ لﻪ شروطُﻪ العلﻤيّة الﱵ ﻻ ّ‬ ‫مﻘررًة ﻻستبعادﻫﻢ من ّ‬
‫اﻷﺻولية ّ‬
‫ﺣﺼل ال ّشروط و ل درجة اﻻجتﻬاد ﻋتباره لﻘبًا ﻋلﻤيًا؛ خرج‬
‫ﰲ الوقت ذاﺗﻪ ﻻ ﺗشﱰط ﻏﲑﻫا‪ ،‬أي أ ّن من ّ‬
‫ﻛل البعد ﻋن اﻻستحﻘار أو التّﻘليل من‬
‫اﳋاﺻة‪ ،‬ﻫذا الﻨّﻈر اﻷﺻوﱄ ﺑعي ٌد ّ‬
‫العامة واندرج ﰲ سلﻚ ّ‬
‫من سلﻚ ّ‬
‫السﺆال ﻋن ال ِّدين‪ ،‬وﺣسن اﻻستفتاء‪،‬‬
‫نﻈر من ﺣيث أ ّن ﻋليﻬﻢ مسﺆولية ّ‬
‫للعامة ٌ‬
‫شأن ﻏﲑ ا تﻬدين‪ ،‬ﺑل إ ّن ّ‬
‫الﺼحيحة‪.‬‬
‫الﺼحيحة من مﺼادرﻫا ّ‬
‫وﻓﻘﻪ طلب اﳌعلومة ّ‬
‫للعامة لفكر اﻹقﺼائي‬‫وﻋليﻪ؛ ﻓلﻘد اشتﻄّت ﺑعﺾ ال ّدراسات اﳌعاﺻرة ﰲ وسﻢ الﻨّﻈر اﻷﺻوﱄ ّ‬
‫اﳌستعلي‪ ،‬اﳌستأثر ﳌعلومة‪ ،‬اﳌستب ّد ا دون ﻏﲑه‪ ،‬ﻓفﻀﻼً ﻋ ﱠﻤا ورد ﰲ ﺑعﺾ ﻫذه ال ّدراسات من أخﻄاء ﰲ‬
‫نﻘل الﻨّﺼوص ونسبتﻬا لﻘائليﻬا و ويلﻬا‪ ،‬ﺑدت ﻓيﻬا اﳌواقﻒ ال ُـﻤسبَـ َﻘة الﱠراﻓﻀة ﳌﻀامﲔ معرﻓية ﳍا أدلّتﻬا‬
‫رﻓﻀا مﻄل ًﻘا ﻛليا للﻤﻨتوج اﳌعرﰲ الذي راﻛﻤﻪ ﻋلﻤاء ال ّشريعة ﻋﱪ‬
‫العﻘلية والﻨّﻘلية‪ ،‬وﻫو ما أنتﺞ لدى أﺻحا ا ً‬
‫رﳜﻬﻢ اﳌعرﰲ الﻄّويل‪.‬‬
‫ﻋامة‬ ‫ِ‬
‫اﳊر«؛ ﻻ يﻨبﻐي أن ﲢﺠب ﻋن ُمتل ّﻘيﻬا من ّ‬
‫الرأي ال ّديﲏ ّ‬
‫إ ّن ﺑريﻖ ال ّدﻋوة إﱃ »ﺿرورة ﺻﻨاﻋة ّ‬
‫اﳌسلﻤﲔ اليوم ما ﺗستبﻄﻨﻪ من مﻨاقﻀة للحﻘائﻖ العلﻤية‪ ،‬الﱵ يشﻬد ﳍا ﺻحيح اﳌﻨﻘول وﺻريح اﳌعﻘول‪.‬‬
‫ﻛل‬
‫واليوم إذ يﱪز التيار التّحرري ذو الﻄاﺑﻊ اﳊﻘوقي‪ُ ،‬معلياً شأن الﻘيﻢ اﻹنسانية ﺑكو ا متعاليةً ﻋلﻰ ّ‬
‫ﻛل ﻓرد أن ﳜلﻊ ﻋﻨﻪ اﳌﻘ ّدس‪ ،‬ويﺼﻨﻊ رأيﻪ‬‫قدﱘ‪ ،‬ويدﻋو اﳉﻤاﻫﲑ الواسعة إﱃ اﻻنتﻈام ﰲ مﻘوﻻ ا‪ ،‬مﻄالباً ّ‬
‫مشبعا ﺑكلﻤات ّﺑراقة‪ ،‬مثل‪ :‬اﳌساواة‪ ،‬اﳊريّة‪ ،‬العدل‪ ،‬الكرامة‬
‫ً‬ ‫اﳊر‪ ،‬ﻓإنّﻪ ﰲ الواقﻊ يعتﻤد خﻄا ً‬
‫ال ّديﲏ ّ‬
‫السﻼم‪ ،‬م ّدﻋياً أ ّ ا مﻘوﻻت جامعة‪ ،‬إﻻّ أ ّ ا ﰲ اﳊﻘيﻘة ﻻ ﺗكتسب مدلوﻻ ِ ا‬
‫اﳊب‪ّ ،‬‬
‫اﻹنسانية‪ ،‬اﳋﲑ‪ ،‬اﳉﻤال‪ّ ،‬‬

‫‪41‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﺗﺼوٍر و ٍ‬
‫اﺿح ﻋن اﻹنسان والكون واﳊياة‪ ،‬ﻓﻼﺑ ّد للتّعامل معﻬا من استدﻋاء اﳌفاﻫيﻢ والتّﺼورات‪،‬‬ ‫إﻻّ ﺿﻤن ّ‬
‫ﲢولت إﱃ مﻘوﻻت جوﻓاء‪.‬‬
‫وإﻻّ ّ‬
‫ﻓﻤﻘولة الﻘيﻢ اﻹنسانية العليا؛ ﻻ ﺑ ّد أن يُتعامل معﻬا ﺑعد ﲢرير مفاﻫيﻤﻬا ورﺑﻄﻬا ﲟاﺻدقا ا ﰲ الواقﻊ‪،‬‬
‫ﻛل ﺑﲏ آدم‪ ،‬وال ّدﻋوة‬ ‫ٍ‬
‫التبﺼر ﲞلفيا ا الفلسفية ﰲ الﻨّﻈرة لﻺنسان‪ ،‬ﻋﻨدئذ ﳝكن ﺗﻘرير قيﻢ مشﱰﻛة ﺑﲔ ّ‬ ‫و ّ‬
‫للتّعاون ﻋلﻰ أساسﻬا‪.‬‬
‫ﺗوﺻلت‬
‫إ ّن الفﺼام الذي يشعر ﺑﻪ اﳌتعامل مﻊ ﺑعﺾ أدﺑيات ﺗراثﻨا اﻹسﻼمي ﺑﲔ الثاﺑت َو ْﺣيًا‪ ،‬وما ّ‬
‫ﻂ ﰲ مواقفﻪ إزاء موروثﻪ‪ ،‬لكن إن‬
‫إليﻪ اﳋﱪة اﻹنسانية اليوم؛ ﻻ يﻨبﻐي أن يﻨتﻬي ﳌسلﻢ اﳌعاﺻر إﱃ أن يشت ّ‬
‫ومكتسب إنساﱐﱞ‪ ،‬ﻓإ ّن ﻋلﻰ العﻘﻼء من الباﺣثﲔ اﳌسلﻤﲔ‬ ‫ﻋلﻤ ٍي ﺑﻨ ٍ‬
‫ﱠاء ﳛتاجﻪ ﺗراثﻨا؛ ﲟا ﻫو ﲡرﺑةٌ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ﻛان من نﻘد ّ‬
‫السكوت ﻋن مواﺿﻊ اﳋلل‬ ‫ِ‬
‫تحررين من اﳌواقﻒ اﳌسبﻘة اﳌعادية لﱰاثﻬﻢ‪ ،‬ﺑدل ّ‬ ‫أنفسﻬﻢ أن يﻘوموا ﺑﻪ‪ُ ،‬م ّ‬
‫واﻻستﻤرار ﰲ خﻄاب ال ّدﻓاع واﻹشادة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫ﻗاﺋمﺔ اﳌﺼادر واﳌﺮاﺟع‬


‫‪ .1‬اﻵمدي‪ ،‬سيﻒ ال ّدين ﻋلي ﺑن ﳏﻤد ﺑن ساﱂ التﻐلﱯ )ت‪631‬ه(‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬سيّد‬
‫اﳉﻤيلي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1404 ،‬ﻫ‪1984/‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬البﺨاري‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﲰاﻋيل )ت‪256‬ه(‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي‪،‬‬
‫وﺗﻘدﱘ‪ :‬أﲪد شاﻛر(‪ ،‬ط‪ ،2‬ألفا للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬مﺼر‪1432 ،‬ه‪2011/‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬ﳏﻤد الﻄّاﻫر )ت ‪1393‬ه‪1973-‬م(‪ ،‬التّحرير والتّﻨوير‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار التونسية للﻨّشر‪ ،‬ﺗونﺲ‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫ﻋﺰت )ت‪1424‬ه ‪2003/‬م(‪ ،‬اﻹسﻼم ﺑﲔ الﺸّﺮق والﻐﺮب‪) ،‬ﺗرﲨة‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤد يوسﻒ ﻋدس(‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪ .4‬ﺑيﻐوﻓيتﺶ‪ ،‬ﻋلي ّ‬
‫دار الﻨشر للﺠامعات‪ ،‬مﺼر‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫ﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬مﻨﻬاج الﺴﻨﺔ الﻨبويﺔ ﰲ‬
‫‪ .5‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي ال ّدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ ا ّ‬
‫نقﺾ ﻛﻼم الﺸﻴﻌﺔ القدريﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد رشاد ساﱂ(‪ ،‬ط‪ ،1‬جامعة اﻹمام ﳏﻤد ﺑن سعود اﻹسﻼميّة‪،‬‬
‫‪1406‬ﻫـ‪1986/‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي الدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ اﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬اﻹﳝان‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد‬
‫ﺻر الدين اﻷلباﱐ(‪ ،‬ط‪ ،5‬اﳌكتب اﻹسﻼمي‪ ،‬اﻷردن‪ 1416 ،‬ﻫ‪1996/‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬اﳉاﺑري‪ ،‬ﳏﻤد ﻋاﺑد‪ ،‬مدﺧل إﱃ القﺮآن الﻜﺮﱘ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرﻛﺰ دراسات الوﺣدة العرﺑية‪ ،‬ﺑﲑوت‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬اﳉرﺑوع‪ ،‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد الرﲪن‪ ،‬أثﺮ اﻹﳝان ﰲ ﲢﺼﲔ اﻷمﺔ اﻹسﻼمﻴﺔ ﺿد اﻷﻓﻜار اﳍدامﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬ﻋﻤادة البحث‬
‫العلﻤي ﳉامعة اﻹسﻼمية‪ ،‬اﳌديﻨة اﳌﻨورة‪1423 ،‬ﻫ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬جعفر شرف ال ّدين‪ ،‬اﳌوسوﻋﺔ القﺮآنﻴﺔ‪ ،‬ﺧﺼاﺋﺺ الﺴّور‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن ﻋثﻤان التوﳚﺰي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫التّﻘريب ﺑﲔ اﳌذاﻫب اﻹسﻼمية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1420 ،‬ﻫ‪.‬‬
‫‪ .10‬جويرو زﻫية‪ ،‬اﻹﻓتاء ﺑﲔ سﻴاج اﳌﺬﻫﺐ وإﻛﺮاﻫات التاريخ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻄليعة‪ ،‬ﺑﲑوت‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن يوسﻒ )ت‪478‬ه(‪ ،‬الﱪﻫان ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد العﻈيﻢ‬
‫ال ّديب(‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الوﻓاء‪ ،‬مﺼر‪1418 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن يوسﻒ )ت‪478‬ه(‪ ،‬ﻏﻴاث اﻷمﻢ ﰲ التﻴاث ال ﱡظﻠﻢ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﳌﻨﻬاج الﻨّشر‬
‫والتّوزيﻊ‪ ،‬ج ّدة‪1432 ،‬ﻫ‪2011/‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن اﳊسن الثعالﱯ اﳉعفري الفاسي )ت‪1376‬ه(‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴّامﻲ ﰲ ريخ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ .13‬اﳊﺠوي‪ّ ،‬‬
‫دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1416 ،‬ﻫ ‪1995/‬م‪.‬‬
‫الرﻋيﲏ اﳌالكي )ت‪954‬ﻫـ(‪ ،‬مواﻫﺐ اﳉﻠﻴل ﰲ ﺷﺮح ﳐتﺼﺮ‬ ‫‪ .14‬اﳊﻄّاب‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﴰﺲ ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد ّ‬
‫ﺧﻠﻴل‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪1412 ،‬ﻫ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬ذويب‪ ،‬ﲪادي‪ ،‬ﺟدل اﻷﺻول والواﻗع‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﳌدار اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬الرازي‪ ،‬ﻓﺨر ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﻋﻤر التّيﻤي )ت‪606‬ه(‪ ،‬اﶈﺼول ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬طﻪ جاﺑر ﻓياض العلواﱐ(‪،‬‬
‫ط‪ ،3‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1418 ،‬ﻫ ‪1997/‬م‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ .17‬الﺰﺑيدي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد اﳌرﺗﻀﻰ اﳊسيﲏ اﳊﻨفي )ت‪1205‬ه(‪ ،‬ج الﻌﺮوس‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳎﻤوﻋة من اﶈﻘﻘﲔ( د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار اﳍداية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .18‬الﺰﺣيلي‪ ،‬وﻫبة ﺑن مﺼﻄفﻰ الدمشﻘي )ت‪1436‬ه‪2015/‬م(‪ ،‬التﻔﺴﲑ اﳌﻨﲑ ﰲ الﻌقﻴدة والﺸﺮيﻌﺔ واﳌﻨﻬﺞ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫دار الفكر اﳌعاﺻر‪ ،‬دمشﻖ‪1418 ،‬ﻫ‪.‬‬
‫‪ .19‬الﺰرﻛشي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ادر ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑدر ال ّدين )ت‪794‬ه(‪ ،‬البﺤﺮ اﶈﻴﻂ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢرير ومراجعة‪ :‬ﻋبد‬
‫الستار أﺑو ﻏ ّدة‪ ،‬وﻋبد الﻘادر ﻋبد ﷲ العاﱐ(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﺼفوة‪ ،‬الﻐردقة‪1413 ،‬ﻫ ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬السيوطي‪ ،‬جﻼل ال ّدين ﻋبد الرﲪن ﺑن أﰊ ﺑكر )ت‪911‬ﻫـ(‪ ،‬الﺮدّ ﻋﻠﻰ من أﺧﻠد إﱃ اﻷرض وﺟﻬل أ ّن اﻻﺟتﻬاد‬
‫ﰲ ﻛلّ ﻋﺼﺮ ﻓﺮض‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة الثﻘاﻓة الديﻨية‪ ،‬الﻘاﻫرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .21‬الشاطﱯ‪ ،‬إﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ اللّﺨﻤي الﻐر طي )ت ‪790‬ه(‪ ،‬اﳌواﻓقات ﰲ أﺻول الﺸّﺮيﻌﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻋبد ﷲ‬
‫دراز(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار اﳌعرﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1395 ،‬ﻫـ‪1975-‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬الشاطﱯ‪ ،‬إﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ اللّﺨﻤي الﻐر طي )ت‪790‬ه(‪ ،‬اﻻﻋتﺼام‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﺑن ﻋبد الرﲪن ّ‬
‫الشﻘﲑ(‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار اﺑن اﳉوزي‪ ،‬الر ض‪1429 ،‬ﻫ‪2008/‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬الشاﻓعي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن إدريﺲ )ت ‪204‬ه(‪ ،‬الﺮسالﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد شاﻛر(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اﳌكتبة العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الشﻬرزوري )ت‪643‬ه(‪ ،‬أدب اﳌﻔﱵ واﳌﺴتﻔﱵ )ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫‪ .24‬اﺑن الﺼﻼح‪ ،‬أﺑو ﻋﻤرو ﻋثﻤان ﺑن ﻋبد الرﲪن ﺑن موسﻰ ّ‬
‫اﳌﻨورة‪1423 :‬ﻫ‪2002/‬م‪.‬‬
‫موﻓّﻖ ﻋبد ﷲ ﻋبد الﻘادر(‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة العلوم واﳊكﻢ‪ ،‬اﳌديﻨة ّ‬
‫‪ .25‬الﻄﱪي‪ ،‬أﺑو جعفر ﳏﻤد ﺑن جرير )ت‪310‬ه(‪ ،‬ريخ الﺮّسل واﳌﻠوك‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت‪1387 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .26‬الﻄﱪي‪ ،‬أﺑو جعفر ﳏﻤد ﺑن جرير )ت‪310‬ﻫـ(‪ ،‬ﺟامع البﻴان ﰲ ويل القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد ﳏﻤد شاﻛر(‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1420 ،‬ﻫ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬اﺑن الﻄﻘﻄﻘي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي ﺑن طباطبا )ت‪709‬ه(‪ ،‬الﻔﺨﺮي ﰲ اﻵداب الﺴّﻠﻄانﻴﺔ والدول اﻹسﻼمﻴﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫ﻋبد الﻘادر ﳏﻤد مايو(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻘلﻢ العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1418 ،‬ﻫ ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬ﻋبد الرزاق‪ ،‬أﺑو ﺑكر ﺑن ﳘام ﺑن ﻓﻊ اﳊﻤﲑي اليﻤاﱐ الﺼﻨعاﱐ )ت‪211‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﺼﻨّﻒ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﺣبيب الرﲪن‬
‫اﻷﻋﻈﻤي(‪ ،‬ط‪ ،2‬اﳌكتب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1403 ،‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد اﳌعاﻓري )ت‪543‬ﻫـ(‪ ،‬أﺣﻜام القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋلي ﳏﻤد‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن ّ‬
‫‪ .29‬اﺑن العرﰊ‪ ،‬أﺑو ﺑكر ّ‬
‫البﺠاوي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار اﳉيل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .30‬اﺑن ﻋﻄيّة‪ ،‬ﻋبد اﳊﻖ ﺑن ﻏالب أﺑو ﳏﻤد اﻷندلسي اﶈارﰊ )ت‪542‬ه(‪ ،‬اﶈﺮر الوﺟﻴﺰ ﰲ ﺗﻔﺴﲑ الﻜتاب الﻌﺰيﺰ‪،‬‬
‫الشاﰲ ﳏﻤد( ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1422 ،‬ه‪.‬‬
‫السﻼم ﻋبد ّ‬
‫)ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ّ‬
‫‪ .31‬ﻋلّيﺶ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد ﺑن ﳏﻤد اﳌالكي )ت‪1299‬ه(‪ ،‬مﻨح اﳉﻠﻴل ﺷﺮح ﳐتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪1409 ،‬ﻫ‪1989/‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬الﻐﺰاﱄ‪ ،‬أﺑو ﺣامد ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد الﻄوسي )ت‪505‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﺴتﺼﻔﻰ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد سليﻤان اﻷشﻘر(‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1417 ،‬ﻫ ‪1997/‬م‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫______________________ صورة العامة أدبيات ال اث اﻹسﻼمي وخطاب ال عة اﻹ سانية اﳌعاصر‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬أد‪ .‬وسيلة خلﻔي‬

‫‪ .33‬اﺑن قدامة‪ ،‬موﻓﻖ ال ّدين أﺑو ﻋبد ﷲ ﻋبد ﷲ ﺑن أﲪد اﳌﻘدسي ﰒ الدمشﻘي اﳊﻨبلي )ت‪620‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﻐﲏ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة‬
‫الﻘاﻫرة‪ ،‬مﺼر‪1388 ،‬ﻫ‪1968/‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬الﻘراﰲ‪ ،‬أﺑو العبّاس شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن إدريﺲ ﺑن ﻋبد الرﲪن )ت‪684‬ه(‪ ،‬ﺷﺮح ﺗﻨقﻴح الﻔﺼول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪1418 ،‬ه‪1007/‬م‪.‬‬
‫‪ .35‬قﻄب‪ ،‬سيد إﺑراﻫيﻢ ﺣسﲔ الشارﰊ )ت‪1385‬ﻫـ‪1966 /‬م(‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل القﺮآن‪ ،‬ط‪ ،17‬دار الشروق‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1412‬ه‪1992/‬م‪.‬‬
‫الشروق‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬‫‪ .36‬قﻄب‪ ،‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ ﺣسﲔ الشارﰊ )ت‪1435‬ه‪2014/‬م(‪ ،‬مﺬاﻫﺐ ﻓﻜﺮيﺔ مﻌاﺻﺮة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ّ‬
‫‪1403‬ﻫ‪1983/‬م‪.‬‬
‫‪ .37‬اﺑن قيِّﻢ اﳉوزية‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن أﰊ ﺑكر ﺑن أيوب ﺑن سعد الﱠﺰرﻋي )ت‪751‬ه(‪ ،‬أﻋﻼم اﳌوﻗﻌﲔ ﻋن ِّ‬
‫رب الﻌاﳌﲔ‪) ،‬رﺗّبﻪ‪:‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد السﻼم إﺑراﻫيﻢ(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1417 ،‬ﻫـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬الكاساﱐ‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين أﺑو ﺑكر ﺑن مسعود ﺑن أﲪد اﳊﻨفي )ت‪587‬ﻫـ(‪ ،‬ﺑداﺋع الﺼﻨاﺋع ﰲ ﺗﺮﺗﻴﺐ الﺸﺮاﺋع‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1406 ،‬ﻫ‪1986/‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬لواﰐ‪ ،‬دﻻل‪ ،‬ﻋامّﺔ القﲑوان ﰲ ﻋﺼﺮ اﻷﻏالبﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار رؤية للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الﻘاﻫرة‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫ﻋلي ﺑن ﺣسام ال ّدين اﺑن قاﺿي خان )ت‪975‬ﻫـ(‪ ،‬ﻛﻨﺰ الﻌمّال ﰲ سﻨن اﻷﻗوال‬‫‪ .40‬اﳌتﻘي اﳍﻨدي‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين ّ‬
‫واﻷﻓﻌال‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﺑكري ﺣياﱐ‪ ،‬ﺻفوة السﻘا(‪ ،‬ط‪ ،5‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1401 ،‬ﻫـ‪1981/‬م‪.‬‬
‫اﳊﺠاج الﻘشﲑي الﻨّيساﺑوري )ت‪261‬ﻫـ(‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد‬
‫‪ .41‬مسلﻢ‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ مسلﻢ ﺑن ّ‬
‫ﻋبد الباقي(‪ ،‬ط‪ ،1‬ألفا للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬مﺼر‪1429 ،‬ه‪2008/‬م‪.‬‬
‫ﻨﺠار‪ ،‬ﻋبد ا يد‪ ،‬القﺮاءة اﳉديدة لﻠﻨّﺺ ال ّديﲏ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرﻛﺰ الراية للتّﻨﻤية الفكرية‪ ،‬دمشﻖ‪1427 ،‬ﻫ‪2006/‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬ال ّ‬
‫‪ .43‬نﺼر ﺣامد أﺑو زيد )ت‪1431‬ه‪2010/‬م(‪ ،‬اﻹمام الﺸاﻓﻌﻲ و سﻴﺲ اﻹيديولوﺟﻴﺔ الوسﻄﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬اﳌرﻛﺰ الثﻘاﰲ‬
‫العرﰊ‪ ،‬اﳌﻐرب‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .44‬الﻨووي‪ ،‬ﳏيي ال ّدين أﺑو زﻛر ﳛﲕ ﺑن شرف )ت‪676‬ﻫـ(‪ ،‬ا موع ﺷﺮح اﳌﻬ ّﺬب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن أيوب اﳊﻤﲑي اﳌعاﻓري )ت‪213‬ه(‪ ،‬الﺴّﲑة الﻨبويﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫‪ .45‬اﺑن ﻫشام‪ ،‬ﲨال ال ّدين أﺑو ّ‬
‫مﺼﻄفﻰ السﻘا‪ ،‬وإﺑراﻫيﻢ اﻷﺑياري‪ ،‬وﻋبد اﳊفيظ الشلﱯ(‪ ،‬ط‪ ،2‬مﻄبعة مﺼﻄفﻰ الباﰊ اﳊلﱯ‪ ،‬مﺼر‪،‬‬
‫‪1375‬ﻫ‪1955/‬م‪.‬‬
‫‪ .46‬اﺑن اﳍﻤام‪ ،‬ﻛﻤال ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﻋبد الواﺣد السيواسي )ت‪861‬ه(‪ ،‬ﻓتح القديﺮ ﻋﻠﻰ اﳍدايﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪45‬‬
_____________________________________________________________ ( ‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا‬

:‫اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻔﻘﻬﻲ وﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‬

.‫ﻧﻘﺪ اﻟﻤﺼﻨﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻧﻤﻮذﺟﺎ‬

‫ إبرا يم والع‬.‫ذ‬
.‫ اﳌملكة اﳌغر ية‬-‫ وجدة‬،‫ لية اﻵداب‬،‫جامعة محمد اﻷول‬
oulaizb@gmail.com

‫اﳌﻠﺨﺺ‬

‫ إذ ﻇﻬر‬،‫إ ّن ﻋﻤلية الﻨﻘد ﻛﻤا ﻫو واﺿح من ﺗﻄبيﻘا ا ﰲ الفﻘﻪ اﳌالكي؛ سايرت ﻫذا الفﻘﻪ ﰲ ﲨيﻊ مراﺣلﻪ‬
‫ ﺑبيان‬،‫ انﺼبّت جﻬودﻫﻢ ﻋلﻰ مراجعة ما أنتﺠﻪ الفﻘﻬاء الساﺑﻘون من ﻓﻘﻪ‬،‫ﻛل مرﺣلة مﻨﻬا ﻓﻘﻬاءُ ن ّﻘاد‬
ّ ‫ﰲ‬
‫أوﺿح اﳋﻄوط‬ ّ ‫ وقد قﺼدت من ﻫذه الدراسة أن‬،‫ وما يﺼلح العﻤل ﺑﻪ مﻨﻪ وما ﻻ يﺼلح‬،‫قويّﻪ من ﺿعيفﻪ‬
‫العامة للﻤﻨﻬﺞ الﻨﻘدي الذي سلكﻪ الفﻘﻬاء اﳌالكية ﰲ نﻘد اﳌﺼﻨّفات الفﻘﻬية ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي مﻨذ مرﺣلة‬
ّ
.‫سيﺲ اﳌذﻫب‬
.‫اﳌﺼﻨفات الفﻘﻬية‬-‫اﳌذﻫب اﳌالكي‬-‫ الﻨﻘد الفﻘﻬي‬:‫الﻜﻠمات اﳌﻔتاﺣﻴﺔ‬

Abstract
The process of criticism, as is clear from its applications in the Maliki
jurisprudence, went along with this jurisprudence in all its stages, as at each
stage critical jurists appeared, their efforts focused on reviewing what the
previous jurists produced of jurisprudence, with a strong statement from the
weak, and what works and what is not. The purpose of this study is to clarify
the general outlines of the critical approach to the jurisprudential literature
in the Maliki school of thought since the establishment stage of the school.
Key words: Fiqh criticism, The Maliki school, Fiqh literature.

46
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫مقدمﺔ‪.‬‬
‫ﺑسﻢ ﷲ الرﲪن الرﺣيﻢ‪ ،‬والﺼﻼة والسﻼم ﻋلﻰ أشرف اﳌرسلﲔ‪ ،‬اﳊﻤد رب العاﳌﲔ‪ ،‬والﺼﻼة‬
‫اﻷمي وﻋلﻰ آلﻪ وﺻحبﻪ أﲨعﲔ‪ ،‬وﺑعد‪:‬‬
‫والسﻼم ﻋلﻰ أشرف اﳌرسلﲔ؛ سيد ﳏﻤد الﻨﱯ ّ‬
‫لتﻄور مﻨﻬﺞ الﻨﻘد‪ ،‬ورسﻢ‬
‫أﻫﻢ العلوم اﻹسﻼمية الﱵ ﻛانت ﳎاﻻً خﺼبًا ّ‬ ‫ﻓإ ّن ﻋلﻢ الفﻘﻪ يُعتﱪ واﺣ ًدا من ّ‬
‫معاﳌﻪ ومﻼﳏﻪ ﰲ ﺑﻘية العلوم اﻹسﻼمية اﻷخرى؛ ذلﻚ أ ّن ﻋﻤلية الﻨﻘد ﻛﻤا ﻫو واﺿح من معاﳌﻬا وﲡلّيا ا‬
‫خﺼوﺻا؛ سايرت الفﻘﻪ ﰲ ﲨيﻊ مراﺣلﻪ الﱵ ﻇﻬر ﰲ‬
‫ً‬ ‫ﻋﻤوما‪ ،‬وﰲ الفﻘﻪ اﳌالكي‬
‫التﻄبيﻘية ﰲ الفﻘﻪ اﻹسﻼمي ً‬
‫ﻛل مرﺣلة مﻨﻬا ﻓﻘﻬاء ن ّﻘاد من ﲨيﻊ اﳌذاﻫب‪ ،‬انﺼبّت جﻬودﻫﻢ ﻋلﻰ مراجعة وﲤحيص وﺗﻨﻘيح اﻷقوال‬ ‫ّ‬
‫واﳌسائل والفروع الفﻘﻬية الﱵ أنتﺠﻬا الفﻘﻬاء الساﺑﻘون‪ ،‬وذلﻚ ﺑبيان قويّﻬا من ﺿعيفﻬا‪ ،‬وما يﺼلح العﻤل‬
‫ﺑﻪ مﻨﻬا وما ﻻ يﺼلح‪.‬‬
‫العامة‪ ،‬واﳌﻼمح الكﱪى للﻤﻨﻬﺞ الﻨﻘدي الذي سلكﻪ‬
‫أوﺿح اﳌعاﱂ ّ‬
‫قﺼدت من ﻫذه ال ّدراسة أن ّ‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫السادة اﳌالكية ﰲ ﺗﻨﻘيح اﳌذﻫب وﲤحيص اﳌﺼﻨّفات‪ ،‬واﻷقوال‪ ،‬والروا ت‪ ،‬والفتاوى ﻓيﻪ‪ .‬ﺗلﻚ اﳌعاﱂ واﳌﻼمح‬
‫وقعد قواﻋدﻫا ﻫو‬
‫أﺻلﻬا ّ‬
‫لعل أقدم من ّ‬‫الﱵ ﺗعود ﰲ اﳊﻘيﻘة إﱃ زمن مب ّكر مﻨذ مرﺣلة سيﺲ اﳌذﻫب‪ ،‬و ّ‬
‫أقل ﺑكثﲑ‬
‫ﻋددﻫا ّ‬
‫ﺣﱴ أﺻبح ُ‬ ‫اﻹمام مالﻚ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬الذي ﻛان يﻨﻬﺞ سبيل الﻨﻘد ﰲ أﺣاديث موطّئﻪ ّ‬
‫اﳌتأخرة مﻘارنة ﺑعددﻫا ﰲ الﻨسخ اﳌتﻘ ّدمة‪ ،‬ﺣﱴ روي ﰲ ذلﻚ‪» :‬ﻛان ﻋلﻢ الﻨّاس ﰲ ز دة‪ ،‬وﻋلﻢ‬
‫ﰲ الﻨسخ ّ‬
‫التحري«)‪.(1‬‬
‫مالﻚ ﰲ نﻘﺼان‪ ،‬ولو ﻋاش مالﻚ ﻷسﻘﻂ ﻋلﻤﻪ ﻛلّﻪ من ﻛثرة ّ‬
‫البار ﻋبد الرﲪن ﺑن الﻘاسﻢ‪ ،‬الذي ﻛانت لﻪ استدراﻛات وﺗعﻘيبات‬
‫ﰒّ جاء من ﺑعد اﻹمام ﺗلﻤيذه ّ‬
‫اﳌدونة الكﱪى وﻏﲑﻫا من اﳌﺼادر‬
‫وﳐالفات لشيﺨﻪ مالﻚ ﰲ ﻛثﲑ من ﻓروع اﳌذﻫب‪ ،‬ﻛﻤا ﺗشﻬد ﺑذلﻚ ّ‬
‫اﻷوﱃ للفﻘﻪ اﳌالكي‪ ،‬ﰒّ ﺗوالت اﳉﻬود ﰲ ﻫذا ا ال من قِبَل ﺗﻼمذة اﻹمام مالﻚ اﻵخرين وأﺗباﻋﻪ)‪ (2‬إﱃ‬
‫أﻫﻢ مدخل‬
‫الﻀعﻒ واﳍرم‪ ،‬ذلﻚ أ ّن الﻨﻘد الفﻘﻬي يُعتﱪ ّ‬
‫نﻈرا ﻷﳘية الﻨﻘد الفﻘﻬي ﰲ ﲪاية الفﻘﻪ من ّ‬
‫اﻵن‪ً ،‬‬
‫قادرا ﻋلﻰ مواﻛبة‬
‫لتﺠديد الفﻘﻪ وﺗﻄويره؛ ﺑتﻨﻘيحﻪ من اﻷقوال الﻀعيفة واﻵراء الشاذة‪ ،‬دف جعلﻪ ً‬
‫الﺰمان‬
‫ﻛل ﻋﺼر‪ ،‬وﺗتﺠ ّدد ﺑتﺠ ّدد ّ‬
‫اﳌستﺠ ّدات‪ ،‬وﺗﻘدﱘ اﻹجا ت ﻋن ﻛ ّل الﻄوارئ والﻨوازل الﱵ ﺗﻈﻬر ﰲ ّ‬
‫واﳌكان واﻷقوام‪.‬‬

‫)‪ (1‬ﻋشاق؛ ﻋبد اﳊﻤيد‪ ،‬مﻨﻬﺞ اﳋﻼف والﻨقد الﻔقﻬﻲ ﻋﻨد اﻹمام اﳌازري‪ ،‬دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2005‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.10‬‬
‫)‪ (2‬اﳌﺼلح؛ ﳏﻤد‪ ،‬اﻹمام أﺑو اﳊﺴن الﻠﺨمﻲ وﺟﻬودﻩ ﰲ ﺗﻄويﺮ اﻻﲡاﻩ الﻨقدي ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ لﻐﺮب اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬دار البحوث‬
‫للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪ .‬ط‪2007 ،1‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.10-9‬‬

‫‪47‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫إﺷﻜالﻴﺔ البﺤﺚ‪.‬‬
‫إ ّن أﳘية البحث ﰲ ﻫذا اﳌوﺿوع ﺗتﺠلّﻰ ﰲ اﻹجاﺑة ﻋلﻰ إشكال مرﻛﺰي ﺻيﻐتﻪ ﻛﻤا يلي‪ :‬ﻫل ﻛان‬
‫لﻔقﻬاء اﳌالﻜﻴﺔ ﻋﻨايﺔ لﻨقد الﻔقﻬﻲ ﰲ مﺆلّﻔا ﻢ ومﺼﻨّﻔا ﻢ الﻔقﻬﻴﺔ؟‬
‫ﺗفرع ﻋن ﻫذا اﻹشكال سﺆاﻻن اثﻨان ﺗسﻬﻢ اﻹجاﺑة ﻋﻨﻬﻤا ﰲ ﲢﻘيﻖ الﻐرض من ﻫذه الورقة‬
‫وقد ّ‬
‫البحثية‪ ،‬وﳘا‪:‬‬
‫‪ -‬ما مفﻬوم الﻨﻘد الفﻘﻬي؟ وما ﻫي ﺻوره وأنواﻋﻪ؟‬
‫أﻫﻢ ا اﻻت الﱵ ﺗﻈﻬر ﻓيﻬا ﻋﻨاية الفﻘﻬاء اﳌالكية لﻨﻘد الفﻘﻬي؟‬
‫‪ -‬وما ّ‬
‫ﺗقﺴﻴمات البﺤﺚ‪.‬‬
‫يسعﻰ البحث إﱃ اﳉواب ﻋلﻰ أسئلة اﻹشكالية‪ ،‬وقد قسﻤتﻪ إﱃ ﺗكون مﻘدمة‪ ،‬وﳏورين‪ ،‬وخاﲤة‪.‬‬
‫ﻨت أﳘيتﻪ وأسئلتﻪ اﻹشكالية وﺗﻘسيﻤاﺗﻪ‪.‬‬
‫ﻓت ﻓيﻬا ﲟوﺿوع البحث‪ ،‬وﺑيّ ُ‬
‫ﻋر ُ‬
‫ّأما اﳌﻘ ّدمة ﻓﻘد ّ‬
‫خﺼص لتحديد مفاﻫيﻢ ومﺼﻄلحات البحث‪ ،‬وﻫي‪ :‬الﻨﻘد الفﻘﻬي‪،‬‬
‫و ّأما اﳌبحث اﻷول‪ :‬ﻓﻘد ّ‬
‫واﳌذﻫب اﳌالكي‪.‬‬
‫ﺗﻀﻤن معاﱂ الﻨﻘد الفﻘﻬي ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي وﲡلّياﺗﻪ التﻄبيﻘية من خﻼل‬
‫و ّأما اﳌبحث الثاﱐ‪ :‬ﻓﻘد ّ‬
‫نﻘد اﳌﺼﻨّفات الفﻘﻬية‪.‬‬
‫متﻀﻤﻨة ﳋﻼﺻتﻪ ونتائﺠﻪ‪.‬‬
‫وجاءت خاﲤة البحث ّ‬
‫اﳌبﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﲢديد مﻔاﻫﻴﻢ ومﺼﻄﻠﺤات البﺤﺚ‪.‬‬
‫قبل ﺗوﺿيح وﺑيان ﻋﻼقة الﻨﻘد الفﻘﻬي ﺑتﺠديد الفﻘﻪ‪ ،‬وآ ر الﻨﻘد الفﻘﻬي ﺑتﺠديد الفﻘﻪ ﰲ اﳌذﻫب‬
‫اﳌالكي‪ ،‬يفرض ﻋليﻨا اﳌﻨﻬﺞ أن نﻘوم ﺑتحديد دﻻلة مﺼﻄلحات البحث‪ ،‬وﻫي‪ :‬الﻨﻘد الفﻘﻬي‪ ،‬واﳌذﻫب‬
‫اﳌالكي‪ ،‬وذلﻚ ﻛﻤا يلي‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬مﻔﻬوم الﻨقد الﻔقﻬﻲ‪.‬‬
‫اﻫتﻤت ﳊدود‬ ‫يﻒ ﰲ اﳌﺼادر الﱵ ّ‬ ‫الﻨﻘد الفﻘﻬي من اﳌﺼﻄلحات اﳌعاﺻرة الﱵ ﻻ يوجد ﳍا ﺗعر ٌ‬
‫والتعريفات قدﳝاً‪ ،‬وﻫو مﻨﻬﺞ مارسﻪ الفﻘﻬاء اﳌتﻘ ّدمون‪ ،‬واستﻨتﺞ مﻨﻪ اﳌعاﺻرون ﻫذا اﳌﺼﻄلح ﺑﻨاءً ﻋلﻰ‬
‫استعﻤالﻪ ﰲ العلوم اﻷخرى‪ ،‬ﻛالﻨﻘد ﰲ ﻋلوم اﻷدب‪ ،‬والﻨﻘد ﰲ ﻋلوم اﳊديث وﻏﲑﻫا‪ .‬يﻘول العﻼّمة الفاﺿل‬
‫أسﺲ مﻨﻬﺠﻬا‬
‫ﺑن ﻋاشور‪» :‬ﻓﻬﺆﻻء ﻫﻢ الذين سلكوا طريﻘةً جديدةً ﰲ خدمة اﳊكﻢ‪ ،‬ﻫي الﻄريﻘة الﻨﻘدية الﱵ ّ‬

‫‪48‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫)‪(1‬‬
‫ﺗﺼرف ﺗﻨﻘيح‪ ،‬ويﻨتﺼبون ﰲ ﳐتلﻒ اﻷقوال‬ ‫يتﺼرﻓون ﻓيﻪ ّ‬
‫اﻹمام أﺑو اﳊسن اللﺨﻤي ‪ ،‬ﻓﺼاروا ﰲ الفﻘﻪ ّ‬
‫انتﺼاب اﳊكﻢ الذي يﻘﻀي ّن ﻫذا مﻘبول وﻫذا ﺿعيﻒ‪ ،‬وﻫذا ﻏﲑ مﻘبول‪ ،‬وﻫذا ﺿعيﻒ السﻨد ﰲ الﻨﻘل‪،‬‬
‫وﻫذا ﺿعيﻒ الﻨﻈر ﰲ اﻷﺻول‪ ،‬وﻫذا مﻐرق ﰲ الﻨﻈر ﰲ اﻷﺻول‪ ،‬وﻫذا ﳏرج للﻨاس أو مش ّدد ﻋلﻰ الﻨاس‬
‫ﺗكون ﺆﻻء ﺗك ﱡو ً جديداً‪ ،‬إذ دخل ﻋليﻪ ﻋﻨﺼر الﻨﻘد والتﻨﻘيح‬
‫إﱃ ﻏﲑ ذلﻚ ‪ ...‬ﻓكان اﳌذﻫب اﳌالكي قد ّ‬
‫واﻻختيار ‪ ...‬وﺣدث أ ّن ﻫذا العﻤل الذي ﻫو ﻋﻤل دور التﻨﻘيح ‪-‬الذي جرى ﰲ ﻏﲑ اﳌذﻫب اﳌالكي ﻛﻤا‬
‫ﺣﺠة‬
‫جرى ﰲ اﳌذﻫب‪ ،-‬قد ولّد ﰲ اﳌذﻫب الشاﻓعي نﺰﻋة جديدة ﻫي الﻨﺰﻋة الﱵ ﻇﻬر ا اﻹمام العﻈيﻢ ّ‬
‫اﻹسﻼم أﺑو ﺣامد الﻐﺰاﱄ)‪.(3)«(2‬‬
‫وﻫذا الذي ذﻛره اﻷستاذ الفاﺿل ﺑن ﻋاشور يﺆّﻛده ما ورد من ﻋبارات ﻋﻨد الفﻘﻬاء اﳌتﻘ ّدمﲔ ﺗشﲑ‬
‫)‪(4‬‬
‫ﻛل شيء أﻓﱴ ﻓيﻪ ا تﻬد‪ ،‬ﻓﺨرجت ﻓتياه ﻋلﻰ‬ ‫إﱃ معﲎ الﻨﻘد الفﻘﻬي‪ ،‬وأذﻛر مﻨﻬا؛ قول اﻹمام الﻘراﰲ ‪ّ » :‬‬
‫خﻼف اﻹﲨاع‪ ،‬أو الﻘواﻋد‪ ،‬أو الﻨص‪ ،‬أو الﻘياس اﳉلي الساﱂ ﻋن اﳌعارض الراجح‪ ،‬ﻻ ﳚوز ﳌﻘلّده أن يﻨﻘلﻪ‬
‫ﻓكل ما وجدوه‬
‫إﱃ الﻨاس‪ ،‬وﻻ يفﱵ ﺑﻪ ﰲ دين ﷲ ‪ ،...‬ﻓعلﻰ ﻫذا ﳚب ﻋلﻰ أﻫل العﺼر ﺗف ّﻘد مذاﻫبﻬﻢ‪ّ ،‬‬
‫يﻘل وقد يكثر«)‪.(5‬‬
‫من ﻫذا الﻨوع ﳛرم ﻋليﻬﻢ الفتوى ﺑﻪ‪ ،‬وﻻ يعرى مذﻫب من اﳌذاﻫب ﻋﻨﻪ‪ ،‬لكﻨﻪ قد ّ‬
‫وقول اﻹمام الﻨووي)‪ (6‬وﻫو يتح ّدث ﻋن ﺿرورة مراجعة ما ﰲ ﻛتب اﳌذﻫب من الروا ت واﻷقوال‬
‫وثوق‬
‫اختﻼف شدي ٌد ﺑﲔ اﻷﺻحاب‪ ،‬ﲝيث ﻻ ﳛﺼل للﻤﻄالﻊ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫للوثوق ا‪» :‬واﻋلﻢ أ ّن ﻛتب اﳌذﻫب ﻓيﻬا‬
‫ﺣﱴ يﻄالﻊ معﻈﻢ ﻛتب اﳌذﻫب اﳌشﻬورة‪ ،‬ﻓلﻬذا ﻻ أﺗرك قوﻻً‪ ،‬وﻻ‬
‫ﻒ مﻨﻬﻢ ﻫو اﳌذﻫب‪ّ ،‬‬ ‫ﺑكون ما قالﻪ مﺼﻨّ ٌ‬

‫اﳌدونة ﲰّاه »التبﺼرة«‪ ،‬مشﻬور معتﻤد ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي‪،‬‬


‫ﳏﻤد الرﺑعي‪ ،‬اﳌعروف للﺨﻤي الﻘﲑواﱐ‪ ،‬لﻪ ﺗعليﻖ ﻋلﻰ ّ‬
‫ﻋلي ﺑن ّ‬
‫)‪ (1‬أﺑو اﳊسن ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة‪478 :‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﳐلوف ﳏﻤد‪ ،‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ ﰲ طبقات اﳌالﻜﻴﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ا يد خياﱄ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪2003 ،‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.173‬‬
‫ﻛل ما يتكلّﻢ ﻓيﻪ‪ ،‬لﻪ مﺼﻨّفات مﻨتشرة ﰲ ﻓﻨون ﻋديدة‪ .‬ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة‪:‬‬
‫)‪ (2‬ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد أﺑو ﺣامد الﻐﺰاﱄ‪ ،‬ﻛان من أذﻛياء العاﱂ ﰲ ّ‬
‫‪505‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬أﺑو الفداء إﲰاﻋيل ﺑن ﻋﻤر‪ ،‬البدايﺔ والﻨﻬايﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬الدﻛتور ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي‪ ،‬ط‪ ،1‬ﻫﺠر للﻄباﻋة‬
‫والﻨشر والتوزيﻊ واﻹﻋﻼن‪1417 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪ :‬ج‪ ،16‬ص‪ .216-212‬وﳐتﺼر نﺰﻋة الﻐﺰاﱄ ﻫذه‪» :‬اﻷوﱃ أﻻّ خذ إﻻّ ﻷوﱃ‪ ،‬وأن ﳔتﺼر‬
‫ﻛل مسألة«‪ .‬الفاﺿل ﺑن ﻋاشور‪،‬‬
‫اﳌﺼحح من ﺑﲔ اﻷقوال اﳌﺨتلفة ﰲ ّ‬
‫ّ‬ ‫جديدا نﻘتﺼر ﻓيﻪ ﻋلﻰ أخذ الﻘوال الراجح‪ ،‬أو الﻘول‬
‫اختﺼارا ً‬
‫ً‬ ‫الفﻘﻪ‬
‫اﶈاﺿﺮات اﳌﻐﺮﺑﻴات‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار التونسية للﻨشر‪ ،‬ﺗونﺲ‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ص‪.82‬‬
‫)‪ (3‬الفاﺿل ﺑن ﻋاشور‪ ،‬اﶈاﺿﺮات اﳌﻐﺮﺑﻴات‪ :‬ص‪.82-81‬‬
‫اﳌتوﰱ سﻨة ‪684‬ه‪،‬‬
‫)‪ (4‬شﻬاب ال ّدين‪ ،‬أﺑو العبّاس‪ ،‬أﲪد ﺑن إدريﺲ الﻘراﰲ الﺼﻨﻬاجي اﳌﺼري‪ ،‬ﺻاﺣب ﻛتاب الذخﲑة‪ ،‬وﻛتاب الفروق‪ّ ،‬‬
‫انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.270‬‬
‫)‪ (5‬الﻘراﰲ‪ ،‬أﺑو العبّاس‪ ،‬أﲪد ﺑن إدريﺲ‪ ،‬الﻔﺮوق‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋﻤر ﺣسن الﻘيام‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1424 ،‬ﻫـ‪2003/‬م‪ :‬ج‪،2‬‬
‫ص‪.205‬‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪676‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪:‬‬
‫)‪ (6‬شيخ اﻹسﻼم‪ ،‬ﳏيي ال ّدين‪ ،‬أﺑو زﻛر ء‪ ،‬ﳛﲕ ﺑن شرف الﻨووي الشاﻓعي‪ ،‬ﺻاﺣب التﺼانيﻒ الﻨاﻓعة‪ّ .‬‬
‫الذﻫﱯ‪ ،‬ﴰﺲ ال ّدين أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد‪ ،‬ﺗﺬﻛﺮة اﳊﻔاظ‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الكتب العلﻤية‪-‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.1474-1470‬‬

‫‪49‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫اجحا‪،‬‬
‫وجﻬا‪ ،‬وﻻ نﻘﻼً‪ ،‬ولو ﻛان ﺿعي ًفا أو واﻫيًا‪ ،‬إﻻّ ذﻛرﺗﻪ إذا وجدﺗﻪ إن شاء ﷲ ﺗعاﱃ‪ ،‬مﻊ ﺑيان ما ﻛان ر ً‬
‫ً‬
‫وﺗﻀعيﻒ ما ﻛان ﺿعي ًفا‪ ،‬وﺗﺰييﻒ ما ﻛان زائ ًفا‪ ،‬واﳌبالﻐة ﰲ ﺗﻐليﻂ قائلﻪ ولو ﻛان من اﻷﻛاﺑر«)‪.(1‬‬
‫وقد واﻓﻖ العﻼّمة اﳊﺠوي الﻘولﲔ اﳌذﻛورين وأ ّﻛدﳘا ﻓﻘال‪» :‬إ ّن ﻋدم ﺗﻨﻘيح ﻛتب الفﻘﻪ ﻫو من‬
‫موجبات ﻫرمﻪ«)‪.(2‬‬
‫وﲡدر اﻹشارة إﱃ أ ّن الﻨﻘد الفﻘﻬي ﻛﻤا مورس ﰲ ريخ اﳌذاﻫب الفﻘﻬية نوﻋان )‪:(3‬‬
‫الرد ﻋليﻬا‪،‬‬ ‫أ‪ -‬نقد ﻓقﻬﻲ ﺧارﺟﻲ‪ :‬وﻫو الذي ّ‬
‫يﻬتﻢ ﲝﺠﺞ اﳌذﻫب اﳌﺨالﻒ ودراستﻬا ومﻨاقشتﻬا و ّ‬
‫وﻫو ما يعرف ﰲ الفﻘﻪ ﺑ ـ »ﻋلﻢ اﳋﻼف«‪.‬‬
‫ب‪ -‬نقد ﻓقﻬﻲ داﺧﻠﻲ‪ :‬وﻫو الﻨﻘد الذي يكون داخل اﳌذﻫب نفسﻪ‪ ،‬ﺣيث ّ‬
‫يﻬتﻢ أﺣد ﻓﻘﻬاء اﳌذﻫب‬
‫ﺑتﺼحيح أﺑﻨيتﻪ اﻷﺻولية واﳌﻨﻬﺠية‪ ،‬ويﻘوم ﺑبيان أسباب ّقوة اﳌذﻫب وﻋوامل ﺿعفﻪ وﻫرمﻪ‪ ،‬ﻓيﻘ ّدم ﺑﻨاءً ﻋلﻰ‬
‫مﻘﱰﺣات لتﺠديد اﳌذﻫب وﺑعثﻪ وإﺣيائﻪ‪ ،‬وذلﻚ ﻫو ﺻﻨيﻊ العﻼّمة اﳊﺠوي ﰲ مﺆلّفﻪ »الﻔﻜﺮ‬ ‫ٍ‬ ‫ذلﻚ‬
‫مشروﻋا إﺻﻼﺣيًا ﻹﺣيائﻪ وﲡديده‪.‬‬
‫ً‬ ‫الﺴامﻲ«‪ ،‬ﺣيث انتﻘد ﻓيﻪ الفﻘﻪ اﳌالكي ﻋلﻰ اﳋﺼوص‪ ،‬وق ّدم‬
‫ّ‬
‫وانﻄﻼقاً ﳑّا سبﻖ من الﻨﻘول‪ ،‬ومن ﺗﻘسيﻢ للﻨﻘد الفﻘﻬي؛ ﳝكن ﺻياﻏة ﺗعريفﻪ ﻛﻤا يلي‪» :‬ﻫو ﻋبارة‬
‫ﻋن ﻋمﻠﻴﺔ ﺗقوﱘ وﲡديد اﻹنتاج الﻔقﻬﻲ ﳌﺬﻫﺐ من اﳌﺬاﻫﺐ الﻔقﻬﻴﺔ«‪.‬‬
‫الﻀعيﻒ مﻨﻬا‪ ،‬ﰲ‬
‫الﺼحيح من ّ‬ ‫وﻫذه العﻤلية ﺗشﻤل ﺗﻨﻘيح اﻷقوال واﻻستدﻻﻻت ﰲ اﳌذﻫب‪ ،‬ﺑبيان ّ‬
‫ﻛل ما لﻪ ﻋﻼقة ﻹنتاج الفﻘﻬي‪ ،‬ﻛدراسة اﳌﺆلّفات الفﻘﻬية وﺗﻘوﳝﻬا من‬
‫اﳌسائل الفﻘﻬية‪ ،‬ﻛﻤا ﺗشﻤل ﺗﻘوﱘ ّ‬
‫ﺣيث طريﻘة ﻋرض اﳌادة الفﻘﻬية‪ ،‬وﺗﻘوﱘ طرائﻖ ﺗدريﺲ اﳌادة الفﻘﻬية‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜاﱐ‪ :‬اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ‪.‬‬
‫ﻋما ذﻫﺐ إلﻴﻪ اﻹمام مالﻚ من اﻷﺣﻜام اﻻﺟتﻬاديﺔ‪ ،‬مﺮاﻋﻴا‬
‫ﻤوما ﻫو‪» :‬ﻋبارة ّ‬
‫اﳌذﻫب اﳌالكي ﻋ ً‬
‫ﰲ ذلﻚ أﺻوﻻ مﻌﻠومﺔ‪ ،‬وأﺧﺮى ﳐﺼوﺻﺔ«)‪.(4‬‬
‫جديدا‬
‫أمرا ً‬‫قال العﻼّمة الفاﺿل ﺑن ﻋاشور‪» :‬ﻓكان ﻇﻬور مالﻚ ﺑن أنﺲ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬ﱂ ﳛدث ً‬
‫ﺑن أنﺲ‪،‬‬
‫مالﻚ ُ‬
‫استﻤر متسلسﻼً من ﻋﺼر ﻓﻘﻬاء الﺼحاﺑة إﱃ ﻓﻘﻬاء التاﺑعﲔ‪ ،‬ﺣ ّﱴ ﺗل ّﻘاه ُ‬
‫ﰲ ﻫذا الفﻘﻪ الذي ّ‬

‫)‪ (1‬الﻨووي‪ ،‬أﺑو زﻛر ﳏيي ال ّدين ﳛﲕ ﺑن شرف‪ ،‬ا موع ﺷﺮح اﳌﻬﺬب‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﳒيب اﳌﻄيعي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة اﻹرشاد‪ ،‬جدة‪ ،‬د‪.‬ت‪:‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.18‬‬
‫)‪ (2‬اﳊﺠوي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن اﳊسن‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ ﰲ ريخ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ﻋﻨاية‪ :‬ﻫيثﻢ خليفة طعيﻤي‪ .‬ط‪ ،1‬اﳌكتبة العﺼرية‪ ،‬لبﻨان‪1427 ،‬ﻫـ‪/‬‬
‫‪2006‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.708‬‬
‫)‪ (3‬اﳌﺼلح‪ ،‬اﻹمام أﺑو اﳊﺴن الﻠﺨمﻲ وﺟﻬودﻩ ﰲ ﺗﻄويﺮ اﻻﲡاﻩ الﻨقدي ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ لﻐﺮب اﻹسﻼمﻲ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.11-10‬‬
‫)‪ (4‬ر ض‪ ،‬ﳏﻤد‪ ،‬أﺻول الﻔتوى والقﻀاء ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ‪ ،‬ط‪ ،1‬مﻄبعة الﻨﺠاح اﳉديدة‪ ،‬الدار البيﻀاء‪1416 ،‬ﻫـ‪1996/‬م‪ :‬ص‪.99‬‬

‫‪50‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫جديدا‪ ،‬إﻻّ أنّﻪ درج ﻋلﻰ الﻄريﻘة أو اﳌﻨﻬﺞ الفﻘﻬي الذي وجد الﻨّاس متعاقدين ﻋليﻪ من‬
‫ﱂ ﳛدث ﻓيﻪ شيئًا ً‬
‫الشرﻋية‬
‫قبلﻪ‪ ،‬ﰒّ إنّﻪ زاد ﻋلﻰ ذلﻚ أن استﻘرأ من اﻷمر الواقعي العﻤلي ﺑتتبﻊ ﻓروع الفتاوي وجﺰئيات اﻷﺣكام ّ‬
‫الﺼحاﺑة وﻓﻘﻬاء التاﺑعﲔ‪ ،‬ﻓاستﺨرج من‬
‫التفﺼيلية الﱵ اجتﻬد ﻓيﻬا ﻫو‪ ،‬واجتﻬد ﻓيﻬا من قبلﻪ من ﻓﻘﻬاء ّ‬
‫استﻘرائﻬا أﺻوﻻً ﺗتعلّﻖ لﻄرائﻖ اﻻستدﻻلية اﻻستﻨتاجية الﱵ يﻨبﻐي ‪ ...‬ﻓيﻤا يرى ﻫو‪ ،‬وﻓيﻤا يدرك من سﲑة‬
‫السﲑ ﻋليﻬا ﰲ استﻨباط اﻷﺣكام الفرﻋية‬
‫ﺑتﺨرجﻪ ﻢ من قبل ‪ ...‬أن يكون ّ‬
‫الفﻘﻬاء الذين اقتدى ﻢ‪ ،‬وﺗكون ّ‬
‫التفﺼيلية من أﺻوﳍا اﻹﲨالية‪ ،‬ﻓكان ﻇﻬور اﻷﺻول لتلﻚ البيئة الفﻘﻬية اﳌدنية ﻋلﻰ يد مالﻚ ﺑن أنﺲ‪،‬‬
‫ولذلﻚ اشتﻬر ﻫذا اﳌذﻫب ﻹﺿاﻓة إﱃ اﲰﻪ‪ ،‬ﻓﻘيل‪ :‬اﳌذﻫب اﳌالكي«)‪.(1‬‬
‫اﳌبﺤﺚ الﺜاﱐ‪ :‬مﻌاﱂ الﻨقد الﻔقﻬﻲ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ وﲡﻠّﻴاﺗﻪ التﻄبﻴقﻴﺔ‪ :‬نقد اﳌﺼﻨﻔات الﻔقﻬﻴﺔ‬
‫ﳕوذﺟا‪.‬‬
‫ﻋدد من اﳌعاﱂ‪ ،‬وﲨلةٌ من اﳌﻈاﻫر والتﺠلّيات التﻄبيﻘية‪ ،‬أﳘّﻬا‬
‫الﻨﻘد الفﻘﻬي ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي لﻪ ٌ‬
‫ﺗفرع ﻋن ﺗﻄبيﻖ ﻫذا الﻨوع من الﻨﻘد ﰲ اﳌذﻫب طريﻘتﲔ اثﻨتﲔ لﻪ‪ ،‬أﲨل اﳊديث‬
‫نﻘد اﳌﺼﻨّفات الفﻘﻬية‪ ،‬وقد ّ‬
‫ﻋﻨﻬﻤا ﰲ اﳌﻄلبﲔ التاليﲔ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬نقد طﺮيقﺔ ﺗدوين اﳌﺼﻨّﻔات الﻔقﻬﻴﺔ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ‪.‬‬
‫ومن ﲡلّيات ﻫذا الﻨﻘد وﺻوره‪:‬‬
‫‪ -1‬نقد مﻨﻬﺞ التﻠﺨﻴﺺ واﻻﺧتﺼار‪:‬‬
‫إ ّن ﻫذا الﻨوع من التدوين والتأليﻒ الفﻘﻬي لﻘي معارﺿةً شديدةً من قِبَل ﺑعﺾ أﻋﻼم اﳌدرسة اﳌالكية‬
‫الذين أﻇﻬروا رﻓﻀﻬﻢ لﻪ‪ ،‬إذ اﻋتﱪوه مﻨﻬﺠاً ﻋﻘيﻤاً أدخل اﳌذﻫب ﰲ دائرة اﳉﻤود والتعﻘيد‪ ،‬ومن أمثلة ﻫذا‬
‫الﻨوع من الﻨﻘد‪:‬‬

‫)‪ (1‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬الفاﺿل‪ ،‬اﶈاﺿﺮات اﳌﻐﺮﺑﻴات‪ :‬ص‪.73‬‬

‫‪51‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ -‬انتقاد الﻌﻼّمﺔ القبّاب)‪ (1‬لﻠﻔقﻴﻪ اﺑن ﻋﺮﻓﺔ)‪:(2‬‬


‫ﺣيث اجتﻤعا ﰲ ﺗونﺲ ﻓأراه اﺑن ﻋرﻓة ﺑعﺾ ما ﻛان قد ﻛتبﻪ ﰲ ﳐتﺼره الفﻘﻬي‪ ،‬ﻓﻘال لﻪ الﻘبّاب‬
‫ِ‬
‫مﻨتﻘ ًدا‪» :‬ما ﺻﻨعت شيئاً‪ .‬ﻓﻘال لﻪ اﺑن ﻋرﻓة‪ :‬وﳌﻪ؟ قال‪ :‬ﻷنّﻪ ﻻ يفﻬﻤﻪ اﳌبتدي وﻻ ﳛتاج إليﻪ اﳌﻨتﻬي«)‪.(3‬‬
‫ومعﻨاه أ ّن الﻘبّاب ﻛان يرى أ ّن طريﻘة التلﺨيص واﻻختﺼار ﰲ التدوين الفﻘﻬي ﻫي الﱵ أﻓسدت‬
‫الفﻘﻪ‪ ،‬وﰲ اﳌعيار أ ّن الﻘبّاب ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪» :-‬ﻛان يﻘول ﰲ اﺑن ﺑشﲑ‪ ،‬واﺑن اﳊاجب)‪ ،(4‬واﺑن شاس)‪:(5‬‬
‫أﻓسدوا الفﻘﻪ«)‪.(6‬‬
‫ﳏمد ﺑن اﳊﺴن اﳊﺠوي ﳌﺨتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪:‬‬
‫‪ -‬نقد الﻌﻼّمﺔ الﻔاسﻲ ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن‬
‫وﳑّن ﻋارض ﻛذلﻚ طريﻘة اﻻختﺼار ﰲ التأليﻒ الفﻘﻬي من السادة اﳌالكية العﻼّمة الفاسي ّ‬
‫أﻫﻢ أسباب ﻫرم الفﻘﻪ)‪ ،(7‬ﻓﻘال معلّﻘاً ﻋلﻰ العبارة الساﺑﻘة‬
‫اﳊسن اﳊﺠوي‪ ،‬الذي اﻋتﱪ اﻻختﺼار سببًا من ّ‬
‫للﻘبّاب‪» :‬ﻓإذا ﻛان اﺑن شاس‪ ،‬واﺑن ﺑشﲑ‪ ،‬واﺑن اﳊاجب‪ ،‬أﻓسدوا الفﻘﻪ‪ ،‬ﻓإ ّن خليﻼً أجﻬﺰ ﻋليﻪ«)‪.(8‬‬

‫ﰒّ قال مبيِّﻨاً مفاسد ﻫذه اﳌﻨﻬﺠية ومساوئﻬا ﻋلﻰ الفﻘﻪ‪» :‬وذلﻚ أ ّن ‪ّ ‬‬
‫اﳌدونة‪- ‬مثﻼً‪ ،-‬ﻓيﻬا ﳓو‬
‫لكن ‪‬خليل‪ ‬ﻻ ﳝكﻨﻨا‬
‫ثﻼثة أسفار ﺿﺨام‪ ،‬وﻫي مفﻬومة ﺑﻨفسﻬا‪ ،‬ﻻ ﲢتاج لشرﺣﻬا ﰲ ﻏالب مواﺿعﻬا‪ّ ،‬‬

‫إمام ﻓﻘيﻪٌ نبيﻪٌ‪ ،‬جيّد الﻨّﻈر‪،‬‬


‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن قاسﻢ ﺑن ﻋبد الرﲪان اﳉذامي الفاسي‪ ،‬يُعرف ﺑ ـ »الﻘبّاب«‪ ،‬من ﺻدور أﻫل ﻓاس‪ٌ ،‬‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪779‬ﻫـ‪ ،‬وقيل ﻏﲑ ذلﻚ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﳌكﻨاسي‪ ،‬أﲪد ﺑن‬ ‫سديد الفﻬﻢ‪ ،‬ومن ﺗواليفﻪ‪ :‬اختﺼار أﺣكام الﻨﻈر‪ ،‬ﻻﺑن الﻘﻄّان‪ّ .‬‬
‫الﻘاﺿي‪ ،‬ﺟﺬوة اﻻﻗتباس ﰲ ذﻛﺮ من ﺣلّ من الﻌﻠماء مديﻨﺔ ﻓاس‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار اﳌﻨﺼور للﻄباﻋة والوراقة‪ ،‬الر ط‪1973 ،‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪-123‬‬
‫‪.124‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋرﻓة الورﻏﻤي التونسي‪ ،‬شيخ الشيوخ‪ ،‬وﻋﻤدة أﻫل التحﻘيﻖ والرسوخ‪ ،‬لﻪ ليﻒ ﻋﺠيبة ﰲ ﻓﻨون من العلﻢ ﺑديعة‪،‬‬
‫)‪ (2‬أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪803‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.324-323‬‬ ‫مﻨﻬا‪ :‬ﳐتﺼره ﰲ الفﻘﻪ‪ ،‬واﳊدود الفﻘﻬية‪ ،‬وﻏﲑﻫا‪ّ .‬‬
‫ﳏﻤد التلﻤساﱐ‪ ،‬أزﻫار الﺮّ ض ﰲ أﺧبار ﻋﻴاض‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬مﺼﻄفﻰ ّ‬
‫السﻘا‪ ،‬وإﺑراﻫيﻢ اﻷﺑياري‪ ،‬وﻋبد اﳊفيظ شلﱯ‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫)‪ (3‬اﳌ ّﻘري‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن ّ‬
‫مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﳌﻐرب‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.37‬‬
‫ﳐتﺼرا ﰲ مذﻫبﻪ‪،‬‬
‫)‪ (4‬اﺑن اﳊاجب‪ ،‬العﻼّمة أﺑو ﻋﻤرو ﻋثﻤان ﺑن ﻋﻤر ﺑن أﰊ ﺑكر الكردي‪ ،‬ﺑرع ﰲ اﻷﺻول والعرﺑية‪ ،‬وﺗف ّﻘﻪ ﰲ مذﻫب اﻹمام مالﻚ‪ ،‬وﺻﻨّﻒ ً‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪646‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﺑن العﻤاد‬
‫ﻛل ﺗﺼانيفﻪ ﰲ اية اﳊسن واﻹﻓادة‪ّ .‬‬ ‫ومﻘ ّدمةً وجيﺰةً ﰲ الﻨّحو ﲰّاﻫا »الكاﻓية«‪ ،‬وﺻﻨّﻒ ﰲ أﺻول الفﻘﻪ‪ ،‬و ّ‬
‫أﺑو الفﻼح ﻋبد اﳊي ﺑن أﲪد اﳊﻨبلي‪ ،‬ﺷﺬرات ال ّﺬﻫﺐ ﰲ أﺧبار من ذﻫﺐ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد الﻘادر اﻷر ؤوط‪ ،‬وﳏﻤود اﻷر ؤوط‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬دمشﻖ‪-‬‬
‫ﺑﲑوت‪1406 ،‬ﻫـ‪1986 /‬م‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.407-405‬‬
‫ﳏﻤد جﻼل ال ّدين ﻋبد ﷲ ﺑن ﳒﻢ ﺑن شاس ﺑن نﺰار اﳉذامي السعدي اﳌالكي‪ ،‬شيخ اﳌالكية‪ ،‬وﺻاﺣب ﻛتاب »اﳉواﻫر الثﻤيﻨة ﰲ مذﻫب ﻋاﱂ‬‫)‪ (5‬أﺑو ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪616‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺬرات الﺬﻫﺐ‪ ،‬ﻻﺑن العﻤاد‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.123‬‬
‫اﳌديﻨة«‪ّ ،‬‬
‫)‪ (6‬الونشريسي‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن ﳛﲕ‪ ،‬اﳌﻌﻴار اﳌﻌﺮب واﳉامع اﳌﻐﺮب ﻋن ﻓتاوي أﻫل إﻓﺮيقﻴﺔ واﻷندلﺲ واﳌﻐﺮب‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﲨاﻋة من الفﻘﻬاء شراف‬
‫الدﻛتور ﳏﻤد ﺣﺠي‪ ،‬نشر وزارة اﻷوقاف والشﺆون اﻹسﻼمية للﻤﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪1401 ،‬ﻫـ‪1981/‬م‪ :‬ج‪ ،11‬ص‪.142‬‬
‫)‪ (7‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.503‬‬
‫ﺑتﺼرف‪.‬‬
‫)‪ (8‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ّ ،578‬‬

‫‪52‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫للرﻫوﱐ)‪ .(3‬اﳉﻤيﻊ اثﻨان‬ ‫)‪(2‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫أن نفﻬﻤﻪ ونثﻖ ﲟا ﻓﻬﻤﻨا مﻨﻪ إﻻّ ﺑستة أسفار للﺨرشي ‪ ،‬وﲦانية للﺰرقاﱐ ‪ ،‬وﲦانية ّ‬
‫وﻋشرون ِس ْفراً ‪ ...‬ﻓلﻢ ﳛﺼل اﳌﻘﺼود من اﻻختﺼار‪ ،‬ﺑل انعكﺲ اﻷمر‪ ،‬وأﺻبحﻨا ﰲ التﻄويل‪ ،‬ﻓأﺻبح ﻋلﻢ‬
‫اﳌدرس‪ ،‬ﻻ يبﻘﻰ معﻪ ﻓراغ لعلﻢ ﻏﲑه ﳌن يريد إﺗﻘانﻪ ‪ ...‬ﻓﻬذا مﺆلﱠ ُ‬
‫ﻒ واﺣ ٌد‬ ‫الفﻘﻪ يستﻐرق ﻋﻤل الﻄالب و ِّ‬
‫ﺑعﺾ أشياخﻨا‬
‫اﳌﺨتﺼر ُ‬
‫َ‬ ‫يستوجب قراءة اثﻨﲔ وﻋشرين ﻛتا ً‪ ،‬لذلﻚ ﱂ يكن من الﻐريب ﰲ شيء أ ْن َختَﻢ‬
‫يسا ﰲ ﳓو أرﺑعﲔ سﻨة«)‪.(4‬‬
‫ﺗدر ً‬
‫‪ -2‬نقد مﻨاﻫﺞ التﺄلﻴﻒ الﻔقﻬﻲ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ‪:‬‬
‫ومن أﺑرز العلﻤاء الذين مارسوا ﻫذا الﻨوع من اﻻنتﻘاد؛ الفﻘيﻪ اﺑن شاس‪ ،‬الذي انتﻘد مﺼﻨّفات ﻓﻘﻬاء‬
‫اﳌذﻫب ﰲ ﻛتاﺑﻪ‪» :‬ﻋﻘد اﳉواﻫر الثﻤيﻨة«‪ ،‬الذي يُع ّد أﺣد الكتب الﱵ ﻋكﻒ ﻋليﻬا اﳌالكيون شرقًا وﻏرً )‪،(5‬‬
‫وسبب ذلﻚ أمران‪:‬‬
‫‪ -‬ما ﻻ ﺣﻈﻪ من العﺰوف ﻋلﻰ دراسة اﳌذﻫب اﳌالكي واﻹقبال ﻋلﻰ ﻏﲑه من اﳌذاﻫب اﻷخرى‪ ،‬ﳌا‬
‫ﰲ مﺆلّفاﺗﻪ ومﺼﻨّفاﺗﻪ من ﺗكرار‪ ،‬وسوء ﺗﻨﻈيﻢ وﺗرﺗيب‪ ،‬وﺗباين اﳌسائل‪ ،‬وﻋدم ﺣﺼرﻫا ﲢت ﺿواﺑﻂ‪ ،‬وﰲ ذلﻚ‬
‫أيت ﻋليﻪ‬
‫ﻛتاب ﺑعثﲏ ﻋلﻰ ﲨعﻪ ﰲ مذﻫب ﻋاﱂ اﳌديﻨة؛ إمام دار اﳍﺠرة مالﻚ ﺑن أنﺲ؛ ما ر ُ‬
‫يﻘول‪» :‬ﻫذا ٌ‬
‫دأب ﻛث ٍﲑ ﳑّن‬
‫ﺣﱴ لﻘد ﺻار ذلﻚ َ‬
‫ﻛثﲑاً من اﳌﻨتسبﲔ إليﻪ ﰲ زمانﻨا من ﺗرك اﻻشتﻐال ﺑﻪ واﻹقبال ﻋلﻰ ﻏﲑه‪ّ ،‬‬
‫وجل من يُع ّد من ﺣ ّذاق اﳌتف ّﻘﻬﲔ؛ ﱂ أﲰﻊ من أﺣد مﻨﻬﻢ‪ ،‬وﻻ ﺑلﻐﲏ ﻋﻨﻪ‪،‬‬
‫يرى نفسﻪ‪ ،‬أو يُرى من اﳌتﻤيّﺰين‪ّ .‬‬
‫يشﻖ ويتع ّذر‪ ،‬وﻻ ﺗﻨحﺼر‬
‫ﺣﱴ اﻋتﻘد ﺑعﻀﻬﻢ أنّﻪ ﻻ ﳝكن ﺗرﺗيبﻪ‪ ،‬ﺑل ّ‬
‫أنّﻪ ﻛره مﻨﻪ سوى ﺗكريره وﻋدم ﺗرﺗيبﻪ‪ّ ،‬‬
‫وﺗتبﱰ«)‪.(6‬‬
‫مسائلﻪ ﲢت ﺿواﺑﻂ‪ ،‬ﺑل ﺗتباين ّ‬

‫وﺻﻐﲑ ُرزق ﻓيﻪ‬


‫ٌ‬ ‫ﻛبﲑ ﻋلﻰ اﳌﺨتﺼر‪،‬‬
‫ح ٌ‬ ‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ اﳋرشي‪ ،‬شيخ اﳌالكية وخاﲤة العلﻤاء العاملﲔ‪ ،‬انتﻬت إليﻪ الر سة ﲟﺼر‪ ،‬لﻪ شر ٌ‬
‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1001‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.459‬‬ ‫الﻘبول‪ّ .‬‬
‫)‪ (2‬الﺰرقاﱐ‪ ،‬ﻋبد الباقي ﺑن يوسﻒ‪ ،‬ﺑيتﻪ ﺑيت ﻋلﻢ ﲟﺼر‪ .‬لﻪ ﺗواليﻒ مفيدة‪ ،‬أجلّﻬا شرﺣﻪ ﻋلﻰ ﳐتﺼر خليل الذي نسخ ما قبلﻪ من الشروح‪ ،‬وﳋّﺼﻬا‪ ،‬و لﻎ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1099‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪:‬‬ ‫ﰲ اﻻختﺼار‪ ،‬وﲨﻊ الفروع وﱂ يﻨ ّﻘحﻪ من ﻛثﲑ من اﻷﻏﻼط‪ ،‬لذلﻚ اﻋتﲎ ﺑﻪ اﳌﻐارﺑة وﺗتبّعوه‪ّ .‬‬
‫ج‪ ،2‬ص‪.441‬‬
‫الوزاﱐ قراراً‪ ،‬ﻛان ﺣاﻓﻈًا متﻘﻨاً‪ .‬لﻪ ﺣاشية ﻋلﻰ‬
‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد اﳊاج الﱡرﻫوﱐ ‪-‬ﺑﻀﻢ الراء‪ -‬نسبة لرﻫونة‪ ،‬قبيلة ﲜبال ﻏﻤارة من اﳌﻐرب‪ّ ،‬‬‫)‪ (3‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1230‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪:‬‬ ‫الﺰرقاﱐ ﳋّص ﻓيﻬا ما زادﺗﻪ ﺣاشية التاودي ﻋلﻰ البﻨّاﱐ‪ ،‬ﻛان من ﻓﻘﻬاء وقتﻪ الﻨﻈّار‪ .‬دارت الفتيا ﻋليﻪ ﰲ اﳌﻐرب‪ّ .‬‬
‫الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.627–626‬‬
‫)‪ (4‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.703‬‬
‫ﺣﺠي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪-‬ﺑﲑوت‪1994 ،‬م‪ :‬ج‪،1‬‬ ‫)‪ (5‬الﻘراﰲ‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن إدريﺲ‪ ،‬الﺬﺧﲑة‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤد ّ‬
‫ص‪.36‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﺑن ﳒﻢ‪ ،‬ﻋقد اﳉواﻫﺮ الﺜمﻴﻨﺔ ﰲ مﺬﻫﺐ ﻋاﱂ اﳌديﻨﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﲪيد ﺑن ﳏﻤد ﳊﻤر‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫)‪ (6‬اﺑن شاس‪ ،‬جﻼل ال ّدين أﺑو ّ‬
‫الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1423 ،‬ﻫـ‪2003 /‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.3‬‬

‫‪53‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ -‬مشﻘة الفﻬﻢ‪ ،‬وﻋُسر التﻨاول‪ ،‬وﺑُعد استفادة اﻷﺻحاب ﳑّا اشتﻤل ﻋليﻪ اﳌذﻫب اﳌالكي من معاﱐ‬
‫ﻂ ﺑﲔ‬
‫ﳌدونة‪ ،‬الﱵ ﻓيﻬا خل ٌ‬
‫نفيسة ودقيﻘة‪ ،‬وقد أرجﻊ نفﺲ العﻼّمة ذلﻚ إﱃ ارﺗباط معﻈﻢ ﻛتب اﳌذﻫب ّ‬
‫ﺣﱴ‬
‫قﻀا ﳐتلفة‪ ،‬وسﺆاﻻت متباﻋدة‪ ،‬وﱂ ﳚتﻬد مﺼﻨّفو ﺗلﻚ اﳌﺼﻨّفات ﰲ ﺗرﺗيبﻬا وﺗﻨﻈيﻤﻬا ﲢت ﺿواﺑﻂ‪ّ ،‬‬
‫ومﻄوﻻﺗﻪ‪ .‬يﻘول ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪-‬‬ ‫ﺗﺰول ﺻعوﺑة البحث ﻋن مسائل الفﻘﻪ اﳌالكي وﻓروﻋﻪ ﰲ ّأمﻬات ﻛتب اﳌذﻫب ّ‬
‫أئﻤة اﳌذﻫب ﺑﱰﺗيبﻪ ﻋن استفادة ما اشتﻤل ﻋليﻪ من ﲢﻘيﻖ اﳌعاﱐ الﻨفيسة الدقيﻘة‪،‬‬
‫‪» :‬ﻓﺼرﻓﻬﻢ ﻋدم اﻋتﻨاء ّ‬
‫السلﻒ ﺣسن طريﻘة‪ ،‬واستثارة اﻷسباب واﳊكﻢ الﱵ ﻫي ﻋلﻰ التحﻘيﻖ‬ ‫واستﻨباط اﻷﺣكام اﳉارية ﻋلﻰ سﻨن ّ‬
‫ﻋﲔ اﳊﻘيﻘة‪ .‬ﻓكانوا ﻛاﳌعرض ﻋن اﳌعاﱐ الﻨفيسة ﳌش ّﻘة ﻓﻬﻤﻬا‪ ،‬واﳌﻀرب ﻋن اﳉواﻫر الثﻤيﻨة لتكلّﻒ‬
‫نﻈﻤﻬا«)‪.(1‬‬
‫وجﻬﻬا العﻼّمة اﳌالكي اﺑن شاس ﳌﺼﻨّفات اﳌذﻫب؛ ﻫي الﱵ دﻓعتﻪ إﱃ‬ ‫إ ّن ﻫذه اﻻنتﻘادات الﱵ ّ‬
‫ليﻒ ﻛتاﺑﻪ اﳌذﻛور‪ ،‬ﺑﻐرض ﺗرﺗيب مسائل اﳌذﻫب ووﺿعﻬا ﲢت ﺿواﺑﻂ لتﻘريبﻬا وﺗيسﲑﻫا ﻋلﻰ العلﻤاء‬
‫وشرﻋت ﰲ نﻈﻢ اﳌذﻫب سلوب يواﻓﻖ مﻘاﺻدﻫﻢ‬
‫ُ‬ ‫استﺨرت ﷲ ﺗعاﱃ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والباﺣثﲔ‪ ،‬يﻘول ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪» :-‬وقد‬
‫ﻓحذﻓت التكرار الذي ﻋيبوا أئﻤة اﳌذﻫب إذ ﱂ ﳛذﻓوه‪ ،‬وﺣللت‬
‫ُ‬ ‫ورﻏبا ﻢ‪ ،‬وﳜالﻒ ﻇﻨو ﻢ ﻓيﻪ ومعتﻘدا ﻢ‪،‬‬
‫الﻨﻈام الذي ﻛرﻫوه‪ ،‬ﰒ نﻈﻤتﻪ ﻋلﻰ ما جﻨحوا إليﻪ وألفوه«)‪.(2‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜاﱐ‪ :‬نقد مﻀمون وﳏتوى اﳌﺼﻨﻔات الﻔقﻬﻴﺔ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ‪.‬‬
‫ومن ﺻور وأمثلة ﻫذا الﻨﻘد وﲡلّياﺗﻪ ما يلي‪:‬‬
‫يﺼح نﺴبتﻪ من مﺼﻨّﻔات ﻷﺋمﺔ اﳌﺬﻫﺐ‪:‬‬
‫‪ -1‬نقد ما ﻻ ّ‬
‫إ ّن السادة اﳌالكية نبّﻬوا إﱃ ﻛتب موجودة ﺑﲔ أيدي الﻨّاس‪ ،‬ﺗُﻨسب إﱃ ﻛبار أئﻤة اﳌذﻫب اﳌالكي‪،‬‬
‫ﺗﺼح‪ ،‬ومثال ذلﻚ‪:‬‬
‫ونسبتﻬا إليﻬﻢ طلةٌ ﻻ ّ‬
‫‪ -‬إنﻜارﻫﻢ لﺮسالﺔ اﻹمام مالﻚ إﱃ ﻫارون الﺮﺷﻴد)‪:(3‬‬
‫السر«‪ ،‬وسبب إنكارﻫﻢ ﳍا‪ :‬ﺿعﻒ أﺣاديثﻬا‪ ،‬وشذوذ مسائلﻬا‪ .‬قال الﻘاﺿي‬ ‫اﳌعروﻓة ﺑـ ـ »ﻛتاب ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫ﺗﺼح‪ ،‬وإ ّن طريﻘﻬا ﳌالﻚ ﺿعيﻒ‪ ،‬وﻓيﻪ أﺣاديث ﻻ‬
‫ﻋياض ‪» :‬وقد أنكرﻫا ﺑعﺾ مشاﳜﻨا‪ ،‬وقالوا‪ :‬إ ّ ا ﻻ ّ‬
‫نعرﻓﻬا‪.‬‬

‫)‪ (1‬اﺑن شاس‪ ،‬ﻋقد اﳉواﻫﺮ الﺜمﻴﻨﺔ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.4-3‬‬


‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.4‬‬
‫ﻋلي ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبّاس ﺑن ﻋبد اﳌﻄلّب‪ ،‬اﳍاﴰي‬
‫ﳏﻤد ﺑن ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن اﳌﻨﺼور‪ ،‬أﺑو جعفر ﻋبد ﷲ ﺑن ّ‬
‫الرشيد أمﲑ اﳌﺆمﻨﲔ‪ ،‬اﺑن اﳌﻬدي ّ‬
‫)‪ (3‬ﻫو ﻫارون ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪193‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬البدايﺔ والﻨﻬايﺔ‪ :‬ج‪ ،14‬ص‪ 26‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬
‫الﻘرشي‪ّ .‬‬
‫اﳌتوﰱ سﻨة ‪544‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬السﻤﻼﱄ‪ ،‬العبّاس ﺑن إﺑراﻫيﻢ‪،‬‬
‫)‪ (4‬ﻫو الﻘاﺿي أﺑو الفﻀل ﻋياض ﺑن موسﻰ اليحﺼﱯ السبﱵ‪ ،‬ﺻاﺣب ﻛتاب »الشفا«‪ّ ،‬‬
‫اﻹﻋﻼم ﲟن ﺣلّ ﲟﺮاﻛﺶ وأﻏمات من اﻷﻋﻼم‪ ،‬مراجعة‪ :‬ﻋبد الوﻫاب ﺑن مﻨﺼور‪ ،‬ط‪ ،2‬اﳌﻄبعة اﳌلكية‪ ،‬الر ط‪1413 ،‬ﻫـ‪1993 /‬م‪ :‬ج‪،9‬‬
‫ص‪ 319‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫أﺣاديث مﻨكرةٌ ﲣالﻒ أﺻولﻪ‪ ،‬قالوا‪ :‬وأشياء ﻓيﻬا ﻻ ﺗعرف من مذﻫب مالﻚ‬
‫ُ‬ ‫قال اﻷ ري)‪ :(1‬ﻓيﻬا‬
‫أيﻀا‪ ،‬وﺣلﻒ‪ :‬ما ﻫي من وﺿﻊ مالﻚ«)‪.(3‬‬ ‫ً‬
‫)‪(2‬‬
‫ورأيﻪ‪ ،‬وقد أنكرﻫا أﺻبﻎ ﺑن الفرج‬
‫ﺗﻀﻤﻨتﻪ ﻫذه الرسالة من مسائل شاذة‪ :‬ﺗوقيت م ّدة اﳌسح ﻋلﻰ اﳋ ّفﲔ‪ .‬قال العﻼّمة الباجي‪:‬‬
‫وﳑّا ّ‬
‫»اﳌشﻬور من قول ٍ‬
‫مالﻚ وأﺻحاﺑﻪ أ ّن م ّدة اﳌسح ﻏﲑ مﻘ ّدرة ‪ ...‬وقال ﻏﲑ واﺣد من أﺻحاﺑﻨا البﻐداديﲔ ﰲ‬
‫ﺗﺼح ﻋﻨﻪ«)‪.(4‬‬
‫ﺗﺼح‪ ،‬وﻓيﻬا أﺣاديث ﻻ ّ‬‫الرسالة اﳌﻨسوﺑة إﱃ مالﻚ ﰲ التوقيت‪ :‬إ ّ ا ﻻ ّ‬
‫ّ‬
‫رﻫن‪ .‬قال العﻼّمة اﺑن‬
‫الرسالة‪ :‬إجازة وطء الﻨساء ﰲ أد ّ‬
‫ومن اﳌسائل الشاذّة واﳌﻨكرة ﻛذلﻚ ﰲ ﻫذه ّ‬
‫اﳊاج)‪» :(5‬وليحذر أن يفعل مﻊ زوجتﻪ أو جاريتﻪ ﻫذا الفعل الﻘبيح الشﻨيﻊ الذي أﺣدثﻪ ﺑعﺾ السفﻬاء‪،‬‬‫ّ‬
‫وﻫو إﺗيان اﳌرأة ﰲ دﺑرﻫا‪ ،‬وﻫي مسألة معﻀلة ﰲ اﻹسﻼم‪ .‬وليتﻬﻢ لو اقتﺼروا ﻋلﻰ ذلﻚ‪ ،‬لكﻨّﻬﻢ نسبوا ذلﻚ‬
‫ي ﻋن ٍ‬
‫مالﻚ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ ،-‬وﻫي روايةٌ مﻨكرةٌ ﻋﻨﻪ ﻻ أﺻل ﳍا‪ ،‬ﻷ ّن من نسبﻬا إﱃ‬ ‫إﱃ اﳉواز‪ ،‬ويﻘولون إنّﻪ مرو ﱞ‬
‫متﻘوٌل ﻋليﻪ‪ ،‬وأﺻحاب مالﻚ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫السر‪ ،‬وإن وجد ذلﻚ ﰲ ﻏﲑه ﻓﻬو ّ‬ ‫مالﻚ إّﳕا نسبﻬا لكتاب ّ‬
‫سر«)‪.(6‬‬
‫مﻄبﻘون ﻋلﻰ أ ّن مال ًكا ﱂ يكن لﻪ ﻛتاب ّ‬

‫ﳏﻤد ﺑن ﺻاﱀ التﻤيﻤي اﻷ ري شيخ اﳌالكية ﰲ العراق‪ ،‬شرح ﳐتﺼري اﺑن ﻋبد اﳊكﻢ الكبﲑ والﺼﻐﲑ‪،‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن ّ‬
‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو ﺑكر ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪375‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬قاسﻢ ﻋلي سعد‪ ،‬ﲨﻬﺮة ﺗﺮاﺟﻢ الﻔقﻬاء‬
‫الرد ﻋلﻰ اﳌﺰﱐ«‪ ،‬وﻛتاب »إﲨاع أﻫل اﳌديﻨة«‪ّ .‬‬
‫ولﻪ ﻛتاب » ّ‬
‫اﳌالﻜﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪1423 ،‬ﻫـ‪2002 /‬م‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.1126-1124‬‬
‫)‪ (2‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ أﺻبﻎ ﺑن الفرج ﺑن سعيد ﺑن ﻓﻊ‪ ،‬موﱃ ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن مروان اﳌﺼري‪ ،‬رﺣل إﱃ اﳌديﻨة ليسﻤﻊ من مالﻚ‪ ،‬ﻓدخلﻬا يوم‬
‫مات‪ ،‬وﺻحب اﺑن الﻘاسﻢ وأشﻬب واﺑن وﻫب‪ ،‬لﻪ ليﻒ مﻨﻬا‪ :‬ﻛتاب اﻷﺻول‪ ،‬وﺗفسﲑ ﻏريب اﳌوطأ‪ ،‬وآداب الﻘﻀاة‪ ،‬والرد ﻋلﻰ أﻫل اﻷﻫواء‪.‬‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪225‬ه‪ .‬انﻈر‪ :‬قاسﻢ ﻋلي سعد‪ ،‬ﲨﻬﺮة ﺗﺮاﺟﻢ الﻔقﻬاء اﳌالﻜﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.240-238‬‬
‫ّ‬
‫)‪ (3‬ﻋياض‪ ،‬أﺑو الفﻀل الﻘاﺿي ﻋياض ﺑن موسﻰ اليحﺼﱯ‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك وﺗقﺮيﺐ اﳌﺴالﻚ ﳌﻌﺮﻓﺔ أﻋﻼم مﺬﻫﺐ مالﻚ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬سعيد أﲪد‬
‫أﻋراب‪ ،‬ط‪ ،1‬مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﳌﻐرب‪1401 ،‬ﻫـ‪1981 /‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬
‫)‪ (4‬الباجي‪ ،‬أﺑو الوليد سليﻤان ﺑن خلﻒ‪ ،‬اﳌﻨتقﻰ ﺷﺮح اﳌوطﺄ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻋبد الﻘادر أﲪد ﻋﻄا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1420‬ﻫـ‪1999/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.362‬‬
‫ﳏﻤد أﺑو ﻋبد ﷲ العبدري‪ ،‬اﳌعروف ﺑن اﳊاج اﳌﻐرﰊ الفاسي‪ ،‬ﲰﻊ ﳌﻐرب من ﺑعﺾ شيوخﻪ‪ ،‬وقدم الﻘاﻫرة‪ ،‬وﲰﻊ ا‬ ‫ﳏﻤد ﺑن ّ‬
‫)‪ (5‬ﻫو ّ‬
‫ﻋلﻤا ﻏﺰيراً‪.‬‬
‫ﺣفيل ﲨﻊ ﻓيﻪ ً‬
‫ﻛتاب ٌ‬
‫الﺼﻼح‪ ،‬ﺻﻨّﻒ ﻛتا ً ﲰّاه »اﳌدخل«‪ ،‬وﻫو ٌ‬ ‫اﳊديث‪ ،‬وﺣ ّدث ا‪ ،‬وﻫو أﺣد اﳌشايخ اﳌشﻬورين لﺰﻫد واﳋﲑ و ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪737‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﺑن ﻓرﺣون‪ ،‬ﺑرﻫان ال ّدين إﺑراﻫيﻢ ﺑن ﻋلي ﺑن ﳏﻤد‪ ،‬ال ّديباج اﳌﺬﻫّﺐ ﰲ مﻌﺮﻓﺔ أﻋﻴان اﳌﺬﻫﺐ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫ّ‬
‫ﳏﻤد اﻷﲪدي أﺑو الﻨور‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الﱰاث للﻄبﻊ والﻨشر‪ ،‬الﻘاﻫرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 321‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اﳊاج‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد‪ ،‬اﳌدﺧل‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﺗوﻓيﻖ ﲪدان‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1415 ،‬ﻫـ‪1995 /‬م‪ :‬ج‪،2‬‬
‫)‪ (6‬اﺑن ّ‬
‫ص‪.368-367‬‬

‫‪55‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ -‬ﲢﺬيﺮﻫﻢ من مﺼادر ﻏﲑ موثوﻗﺔ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ‪:‬‬


‫ومن اﳌﺼادر الﱵ انتﻘدوﻫا وﺣ ّذروا مﻨﻬا لكو ا ﻏﲑ موثوقة‪» :‬أجوﺑة اﺑن سحﻨون«)‪ ،(1‬و»التﻘريب‬
‫والتبيﲔ« الذي يُﻨسب إﱃ اﺑن أﰊ زيد‪ ،‬و»أﺣكام اﺑن الﺰّ ت«)‪... (2‬‬
‫و»الدﻻئل واﻷﺿداد« اﳌﻨسوب ﻷﰊ ﻋﻤران الفاسي)‪.(3‬‬
‫نﺼﻪ‪ :‬قال الﻘوري)‪ :(5‬أجوﺑة اﺑن‬ ‫)‪(4‬‬
‫قال ﰲ نور البﺼر‪» :‬وﰲ نوازل الشيخ ﻋبد الﻘادر الفاسي ما ّ‬
‫سحﻨون ﻻ ﲡوز الفتوى ﲟا ﻓيﻬا‪ ،‬وﻻ ﻋﻤل ﻋليﻬا ﺑوجﻪ من الوجوه‪ ،‬وﻛذلﻚ التﻘريب والتبيﲔ‪ ،‬اﳌوﺿوع للشيخ‬
‫طل و تان‪ ،‬وقد رأيت‬
‫اﺑن أﰊ زيد‪ ،‬وﻛذلﻚ أﺣكام اﺑن الﺰّ ت‪ ،‬وﻛذلﻚ الدﻻئل واﻷﺿداد‪ ،‬ﻓﺠﻤيﻊ ذلﻚ ٌ‬
‫ﺻحيحا‪ ،‬ﺣ ّذر اﻷشياخ من الفتوى من أﺣكام اﺑن الﺰّ ت‪،‬‬
‫ً‬ ‫ﲨيﻊ ﺗلﻚ التﺂليﻒ‪ ،‬وﻻ يشبﻪ ما ﻓيﻬا قوﻻً‬
‫والدﻻئل واﻷﺿداد اﳌعﺰو ﻷﰊ ﻋﻤران‪ ،‬وﳐتﺼر التبيﲔ اﳌعﺰو ﻻﺑن أﰊ زيد‪ ،‬ﻷ ا أ طيل وﻓتاوى الشيﻄان‪،‬‬
‫وﻫي موﺿوﻋةٌ ﻏﲑ ﺻحيحة الﻨّسبة«)‪.(6‬‬

‫ﳏﻤد ﺑن سحﻨون؛ اﻹمام ﺑن اﻹمام شيخ اﻹسﻼم وﻋلﻢ اﻷﻋﻼم‪ ،‬الفﻘيﻪ اﳊاﻓظ الﻨﻈّار‪ ،‬مﻊ اﳉﻼلة والثﻘة والعدالة‪ .‬لﻪ ليﻒ‬
‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪255‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة‬
‫ﻛثﲑة‪ ،‬مﻨﻬا‪ :‬ﻛتاب ﺗفسﲑ اﳌوطأ‪ ،‬وﻛتاب نوازل الﺼﻼة‪ ،‬وﻛتاب الﺰﻫد‪ ،‬وﻛتاب أدب اﳌتعلّﻤﲔ‪ّ .‬‬
‫الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.105‬‬
‫كﲎ أ ﺑكر‪.‬‬
‫)‪ (2‬ﳏﻤد ﺑن أﲪد ﺑن ﻋلي ﺑن ﺣسن ﺑن ﻋلي ﺑن الﺰ ت الكﻼﻋي‪ ،‬ولد الشيخ اﳋﻄيب أﰊ جعفر ﺑن الﺰ ت‪ ،‬من أﻫل ﺑلﺶ‪ ،‬يُ ّ‬
‫ﺗوﱃ الﻘﻀاء ﺑبلده‪ ،‬وخلﻒ أ ه ﻋلﻰ اﳋﻄاﺑة واﻹمامة‪ ،‬واستعﻤل‬
‫شبيﻬا ﺑيﻪ ﰲ ﻫديﻪ وﺣسن ﲰتﻪ‪ ،‬ووقاره‪ّ ،‬‬
‫من أﻋﻼم الﻘرن الثامن اﳍﺠري‪ ،‬ﻛان ً‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ‪ ،‬اﻹﺣاطﺔ ﰲ أﺧبار ﻏﺮ طﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﻋﻨان‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫ﰲ السفارة ﻓس ّد مس ّد مثلﻪ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﺑن اﳋﻄيب‪ ،‬لسان ال ّدين ّ‬
‫مكتبة اﳋاﳒي للﻄبﻊ والﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1393 ،‬ﻫـ‪1973 /‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪139-138‬؛ اﺑن ﺣﺠر‪ ،‬أﺑو الفﻀل أﲪد ﺑن ﻋلي العسﻘﻼﱐ‪،‬‬
‫الدرر الﻜامﻨﺔ ﰲ أﻋﻴان اﳌﺌﺔ الﺜامﻨﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.341‬‬
‫)‪ (3‬ﻫو أﺑو ﻋﻤران موسﻰ ﺑن ﻋيسﻰ ﺑن أﰊ ﺣﺠاج الﻐفﺠومي‪ ،‬أﺻلﻪ من ﻓاس‪ ،‬وﺑيتﻪ مﻨﻬا ﺑيت مشﻬور معروف يعرﻓون ﺑبﲏ ﺣﺠاج‪ ،‬استوطن‬
‫وﺣﺞ‪ ،‬ودخل العراق‪ ،‬ﻛان من أﺣفظ الﻨاس وأﻋلﻤﻬﻢ‪ ،‬ﲨﻊ‬
‫الﻘﲑوان‪ ،‬وﺣﺼلت لﻪ ا ر سة العلﻢ‪ ،‬ورﺣل إﱃ قرطبة وﺗف ّﻘﻪ ا‪ ،‬ورﺣل إﱃ اﳌشرق‪ّ ،‬‬
‫وﳚوده‪ ،‬مﻊ معرﻓتﻪ ّلرجال‬
‫لسبﻊ‪ّ ،‬‬
‫ﺣفظ اﳌذﻫب اﳌالكي إﱃ ﺣديث رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ومعرﻓة معانيﻪ‪ ،‬وﻛان يﻘرأ الﻘرآن ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪430‬ﻫـ‪ ،‬وﻫو اﺑن ﲬﺲ وستﲔ سﻨة‪ .‬انﻈر‪ :‬ال ّديباج اﳌﺬﻫّﺐ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 337‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬ ‫وجرﺣﻬﻢ وﺗعديلﻬﻢ‪ّ .‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد الﻘادر ﻋلي الفﻬري الفاسي شﻬرةً وداراً‪ ،‬ﻋﻼّمة اﳌﻐرب‪ ،‬وشيخ مشاﳜﻪ‪ .‬انتﻬت إليﻪ الر سة ﰲ الفتوى ل ّد ر اﳌﻐرﺑية مﻊ‬
‫)‪ (4‬أﺑو ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1091‬ﻫـ‪.‬‬ ‫وﲤسﻚ لسﻨة‪ ،‬لﻪ ﻓﻘﻬية وﻋﻘيدة شﻬﲑة‪ ،‬و ليﻒ ﳐتﺼر ﰲ اﻷﺻول‪ ،‬وﻓتاوي وﺣواشي ﻋلﻰ الﺼحيح‪ّ .‬‬ ‫نﺰاﻫة ّ‬
‫انﻈر‪ :‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.612‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن قاسﻢ ﺑن أﲪد اللﺨﻤي اﳌكﻨاسي اﳌﻐرﰊ‪ ،‬ويُعرف ﺑ ـ »الﻘوري«‪ ،‬مفﱵ اﳌﻐرب اﻷقﺼﻰ‪ ،‬ﻛان متﻘ ّدما ﰲ ﺣفظ اﳌتون‬ ‫)‪ (5‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪872‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬السﺨاوي‪ ،‬ﴰﺲ ال ّدين ﳏﻤد‬ ‫وﻓﻘﻬﻬا‪ ،‬وﻋلّﻖ ﻋلﻰ ﳐتﺼر الشيخ خليل شيئاً ﱂ يﻨتشر‪ ،‬وانتفﻊ ﺑﻪ الﻄلبة‪ّ .‬‬
‫ﺑن ﻋبد الرﲪن‪ ،‬الﻀّوء الﻼّمع ﻷﻫل القﺮن التاسع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار اﳉيل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.280‬‬
‫)‪ (6‬الفﻼﱄ‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد اﳍﻼﱄ‪ ،‬نور البﺼﺮ ﺷﺮح ﺧﻄبﺔ اﳌﺨتﺼﺮ لﻠﻌﻼّمﺔ ﺧﻠﻴل‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﳏﻤود ولد ﳏﻤد اﻷمﲔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫يوسﻒ ﺑن شفﲔ‪ ،‬ومكتبة اﻹمام مالﻚ‪1428 ،‬ﻫـ‪2007/‬م‪ ،‬ص‪.131‬‬

‫‪56‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫‪ -2‬نقد أمﻬات اﳌﺬﻫﺐ‪:‬‬


‫اﳌدونة« لسحﻨون)‪ ،(2‬و»الواﺿحة« ﻻﺑن ﺣبيب)‪،(3‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫و ّأمﻬات الكتب ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي ﻫي ‪ّ » :‬‬
‫اﳌواز)‪.(5‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫و»العتبية أو اﳌستﺨرجة« للعتﱯ ‪ ،‬و»اﳌوازية« ﻻﺑن ّ‬
‫وﺗعتﱪ ﻫذه الكتب زﺑدة اﳌذﻫب ومرجعﻪ اﻷساس‪ ،‬ولذلﻚ أوﻻﻫا اﳌالكية ﻛثﲑاً من العﻨاية واﻻﻫتﻤام‪،‬‬
‫شرﺣا و ذيبًا وﺗعلي ًﻘا‪.‬‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫و ّأول جﻬد ٍّ‬
‫نﻘدي ﰲ اﳌذﻫب ﰲ ﻫذا ا ال‪:‬‬
‫‪ -‬نقد »اﻷسديﺔ«‪:‬‬
‫ذلﻚ أ ّن اﳌالكية انتﻘدوا ﻋليﻬا اختﻼط مسائلﻬا‪ ،‬وﻋدم مﻘاﺑلتﻬا ﺻول اﺑن الﻘاسﻢ الﱵ ﲰعﻬا من‬
‫ﻓتكون‬
‫اﻹمام مالﻚ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ ،-‬اﻷمر الذي جعل الفﻘيﻪ ﻋبد السﻼم سحﻨون يﻘوم ﺑدراسة مسائلﻬا‪ّ ،‬‬
‫لديﻪ رأي وانتﻘادات ﻋليﻬا‪ ،‬ﺣيث ﻻﺣظ ﺿعﻒ ﻋﺰو روا ا‪ ،‬واختﻼط مسائلﻬا‪ ،‬وﻋدم ﺗذييلﻬا ﻵ ر‪،‬‬
‫ﻓﻘرر الرﺣلة إﱃ مﺼر من أجل ﲰاﻋﻬا من اﺑن‬
‫وﻋدم مﻘاﺑلتﻬا ﺻول اﺑن الﻘاسﻢ الﱵ ﲰعﻬا من مالﻚ‪ّ ،‬‬
‫ودﻓعا لﻼشتباه‪ ،‬ومن ﰒّ ﳝكن أن‬
‫للشﻚ ً‬
‫طرﺣا ّ‬
‫ﺣﱴ يتﻘن ﻋﺰو مسائلﻬا‪ً ،‬‬‫الﻘاسﻢ‪ ،‬وطرح انتﻘاداﺗﻪ ﻋليﻬا لديﻪ‪ّ ،‬‬
‫نع ّد ﻋﻤل سحﻨون ﰲ ذيب »اﻷسدية« وﺗبويبﻬا وﺗﺼحيحﻬا ﻋﻤﻼ نﻘد ﳌفﻬوم الفﻘﻬي للﻨﻘد)‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬ميكلوش موراﱐ‪ ،‬دراسات ﰲ مﺼادر الﻔقﻪ اﳌالﻜﻲ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1409 ،‬ﻫـ‪1988/‬م‪ :‬ص‪14‬؛ ﻋبد‬
‫السﻼم أﲪد ﻓيﻐو‪ ،‬أمﻬات الﻜتﺐ الﻔقﻬﻴﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكلﻤة للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬مﺼر‪ .‬د‪.‬ت‪ :‬ص‪ 10‬وما ﺑعدﻫا؛ ﺑشﲑ ﺿيﻒ‪ ،‬مﺼادر الﻔقﻪ‬
‫اﳌالﻜﻲ أﺻوﻻ وﻓﺮوﻋا ﰲ اﳌﺸﺮق واﳌﻐﺮب ﻗدﳝا وﺣديﺜا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ﺑﲑوت‪1429 ،‬ﻫـ‪2008 /‬م‪ :‬ص‪ 43‬وما ﺑعدﻫا‪.‬‬
‫)‪ (2‬ﻫو أﺑو سعيد ﻋبد السﻼم سحﻨون ﺑن سعيد ﺑن ﺣبيب التﻨوخي الﻘﲑواﱐ‪ ،‬الفﻘيﻪ اﳊاﻓظ العاﺑد‪ ،‬والورع الﺰاﻫد‪ ،‬اﻹمام العاﱂ اﳉليل اﳌتفﻖ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪-‬‬ ‫ومدونتﻪ ﻋليﻬا اﻻﻋتﻤاد ﰲ اﳌذﻫب‪ّ .‬‬ ‫اﳌعول ﰲ اﳌشكﻼت وإليﻪ الرﺣلة‪ّ ،‬‬ ‫ﻋلﻰ ﻓﻀلﻪ وإمامتﻪ‪ ،‬انتﻬت إليﻪ الر سة ﰲ العلﻢ‪ ،‬وﻋليﻪ ّ‬
‫سﻨة ‪240‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.105-103‬‬
‫متﺼرف ﰲ ﻓﻨون من اﻵداب وسائر اﳌعاﱐ‪ ،‬ﻛثﲑ اﳊديث‬
‫)‪ (3‬ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﺣبيب ﺑن سليﻤان ﺑن ﻫارون‪ ،‬أﺑو مروان السلﻤي‪ ،‬ﻓﻘيﻪ مشﻬور‪ّ ،‬‬
‫ومﻄرف وﻏﲑﳘا‪ ،‬ويﻘال إنﻪ‬
‫واﳌشايخ‪ ،‬ﺗف ّﻘﻪ ﻷندلﺲ ﰒ رﺣل إﱃ اﳌشرق‪ ،‬ﻓلﻘي أﺻحاب مالﻚ وﻏﲑﻫﻢ‪ .‬روى ﻋن ﻋبد اﳌالﻚ ﺑن اﳌاجشون‪ّ ،‬‬
‫اﳌسﻤﻰ ﺑ ـ ـ »الواﺿحة ﰲ اﳊديث واﳌسائل«‪ ،‬ﻋلﻰ أﺑواب الفﻘﻪ‪ .‬وﻛانت وﻓاﺗﻪ ﻷندلﺲ‬
‫أدرك مالكاً ﰲ آخر ﻋﻤره‪ .‬ولﻪ ﰲ الفﻘﻪ الكتاب الكبﲑ ّ‬
‫سﻨة ‪238‬ﻫـ‪ ،‬وقيل سﻨة ‪239‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬الﻀﱯ‪ ،‬أﺑو جعفر أﲪد ﺑن ﳛﲕ‪ ،‬ﺑﻐﻴﺔ اﳌﻠتمﺲ ﰲ ريخ رﺟال أﻫل اﻷندلﺲ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬إﺑراﻫيﻢ اﻷﺑياري‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الكتاب اﳌﺼري‪ ،‬الﻘاﻫرة‪ ،‬ودار الكتاب اللبﻨاﱐ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1410 ،‬ﻫـ‪1989 /‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.114-112‬‬
‫)‪ (4‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد ﺑن ﻋبد العﺰيﺰ العتﱯ من أﻫل اﻷندلﺲ‪ ،‬ﻛان ﺣاﻓﻈا للﻤسائل‪ ،‬جامعا ﳍا‪ ،‬ﻋاﳌا لﻨوازل‪ ،‬وﻛان ﻋﻈيﻢ الﻘدر‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪255‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.450-449‬‬
‫ﻋﻨد العامة‪ ،‬معﻈﻤا ﰲ زمانﻪ‪ ،‬وﻫو الذي ﲨﻊ »اﳌستﺨرجة«‪ّ .‬‬
‫اﳌواز‪ ،‬اﻹمام الفﻘيﻪ اﳊاﻓظ الﻨﻈّار‪ ،‬ألّﻒ الكتاب الكبﲑ اﳌعروف ﺑ ـ »اﳌوازية«‪،‬‬
‫)‪ (5‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﺑراﻫيﻢ اﻹسكﻨدري اﳌعروف ﺑن ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪269‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.102‬‬
‫أﺻحﻬا وأوﻋبﻬا‪ّ .‬‬
‫أجل الكتب الﱵ ألّفﻬا اﳌالكيون و ّ‬
‫وﻫو من ّ‬
‫)‪ (6‬ﻋشاق‪ ،‬ﻋبد اﳊﻤيد‪ ،‬مﻨﻬﺞ اﳋﻼف والﻨقد الﻔقﻬﻲ ﻋﻨد اﻹمام اﳌازري‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬

‫‪57‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫)‪(1‬‬
‫ﻓلﻤا ارﲢل‬
‫اﳌدونة‪ ‬أسئلةٌ سأﳍا أسد ﺑن الفرات ﻻﺑن الﻘاسﻢ‪ّ ،‬‬
‫قال ﰲ سﲑ أﻋﻼم الﻨبﻼء‪» :‬وأﺻل ‪ّ ‬‬
‫اﺣتﺞ لكث ٍﲑ من‬
‫وﺑو ا‪ ،‬و ّ‬
‫ﻛثﲑا‪ ،‬وأسﻘﻂ‪ ،‬ﰒّ رﺗّبﻬا سحﻨون ّ‬
‫سحﻨون ا ﻋرﺿﻬا ﻋلﻰ اﺑن الﻘاسﻢ‪ ،‬ﻓأﺻلح ﻓيﻬا ً‬
‫مسائلﻬا ﻵ ر من مرو ﺗﻪ‪ ،‬مﻊ أ ّن ﻓيﻬا أشياء ﻻ يﻨﻬﺾ دليلﻬا‪ ،‬ﺑل رأي ﳏﺾ‪ .‬وﺣكوا أ ّن سحﻨون ﰲ أواخر‬
‫اﳌدونة‪ ،‬ﻓأدرﻛتﻪ اﳌﻨية ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ .-‬ﻓكﱪاء اﳌالكية يعرﻓون ﺗلﻚ‬
‫وﻫﻢ سﻘاطﻬا‪ ،‬و ذيب ‪ّ ‬‬ ‫اﻷمر ﻋلّﻢ ﻋليﻬا‪ّ ،‬‬
‫ويوﻫﻨون ما ﺿعﻒ دليلﻪ«)‪.(2‬‬‫ويﻘررون مﻨﻬا ما قدروا ﻋليﻪ‪ّ ،‬‬
‫اﳌسائل‪ّ ،‬‬
‫‪ -‬نقد »الﻌتبﻴﺔ«‪:‬‬
‫ﺗعرﺿت »العتبية« ﻛذلﻚ ‪-‬وﻫي معدودةٌ ﺿﻤن ّأمﻬات اﳌذﻫب‪-‬‬
‫و ﻹﺿاﻓة إﱃ نﻘد »اﻷسدية«‪ ،‬ﻓﻘد ّ‬
‫للﻨﻘد من قبل السادة اﳌالكية‪ ،‬ذلﻚ أ ّن مﺆلّفﻬا ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬ﲨﻊ ﻓيﻬا روا ت ﻛثﲑةً ﻋن اﻹمام مالﻚ وأﺻحاﺑﻪ‪،‬‬
‫متﻀﻤﻨةً‬
‫ﳝحص ﺗلﻚ الروا ت‪ ،‬وﻻ ميّﺰ ﺑﲔ الﺼحيح والسﻘيﻢ مﻨﻬا‪ ،‬ﻓﺠاءت »العتبية« ّ‬
‫وﺗوسﻊ ﰲ ذلﻚ‪ ،‬وﱂ ّ‬
‫ّ‬
‫لروا ت ﺻحيحة وأخرى شاذة‪ ،‬وأقوال مشﻬورة وأخرى شاذة ﻻ أﺻل ﳍا‪.‬‬
‫»ولذلﻚ ﻛان معاﺻروه من العلﻤاء يﻄعﻨون ﻓيﻬا«)‪ ،(3‬ﻓﻘال ﻋﻨﻬا اﺑن ﻋبد اﳊكﻢ)‪» :(4‬أﺗيت ﺑكتب‬
‫ﺣسﻨة اﳋﻂ ﺗدﻋﻰ اﳌستﺨرجة‪ ،‬من وﺿﻊ ﺻاﺣبكﻢ العتﱯ‪ ،‬ﻓرأيت جلّﻬا مكذو ‪ ،‬ومسائل ﻻ أﺻول ﳍا ‪...‬‬
‫وشواذّ من مسائل ا الﺲ ﱂ يوقﻒ ﻋليﻬا أﺻحا ا‪ ،‬ﻓﺨشيت أن أموت‪ ،‬ﻓتوجد ﰲ ﺗرﻛﱵ‪ ،‬ﻓوﻫبتﻬا لرجل يﻘرأ‬
‫ﻓيﻬا«)‪.(5‬‬

‫دون اﻷسدية‪ ،‬وﻛانت ﻋلﻰ مذﻫب‬


‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ أسد ﺑن الفرات‪ ،‬الفﻘيﻪ اﳊاﻓظ الراوية الثﻘة اﻷمﲔ‪ ،‬ﲰﻊ ﲟﺼر من اﺑن الﻘاسﻢ‪ ،‬وﻋﻨﻪ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪213‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.93‬‬
‫ﺗوﰲ‪ّ .‬‬
‫أﻫل العراق‪ ،‬ﰒ رجﻊ للﻤديﻨة ليسأل مالكا ﻋﻨﻬا‪ ،‬ﻓألفاه قد ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد‪ ،‬سﲑ أﻋﻼم الﻨّبﻼء‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعيب اﻷرنﺆوط‪ ،‬ط‪ّ ،11‬‬
‫مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬ ‫)‪ (2‬الذﻫﱯ‪ ،‬ﴰﺲ ال ّدين أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫‪1417‬ﻫـ‪1996/‬م‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.68‬‬
‫ﳏﻤد اﳌﺨتار‪ ،‬اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ مدارسﻪ ومﺆلﻔاﺗﻪ‪ ،‬ﺧﺼاﺋﺼﻪ وﲰاﺗﻪ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرﻛﺰ زايد للﱰاث والتاريخ‪ ،‬دﰊ‪1422 ،‬ﻫـ‪/‬‬ ‫ﳏﻤد اﳌامي‪ّ ،‬‬
‫)‪ّ (3‬‬
‫‪2002‬م‪ :‬ص‪.251‬‬
‫الراسﺨﲔ‪ ،‬إليﻪ‬
‫اﶈﻤدين وﻛبﲑ العلﻤاء اﶈ ّﻘﻘﲔ‪ ،‬والفﻘﻬاء ّ‬
‫اﳊﺠة الﻨﻈّار‪ ،‬راﺑﻊ ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﳊكﻢ‪ ،‬العاﱂ اﳌﱪّز ّ‬
‫)‪ (4‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪268‬ه‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.101‬‬
‫ﻛانت الرﺣلة وانتﻬت إليﻪ الر سة ﲟﺼر‪ّ .‬‬
‫)‪ (5‬ﻋياض‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.450‬‬

‫‪58‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫وﺿاح)‪» :(1‬وﰲ اﳌستﺨرجة خﻄأ ﻛثﲑ«)‪ ،(2‬وقال اﺑن لباﺑة)‪» :(3‬وﻫو الذي ﲨﻊ اﳌستﺨرجة‪،‬‬ ‫وقال اﺑن ّ‬
‫وﻛثر ﻓيﻬا من الروا ت اﳌﻄروﺣة‪ ،‬واﳌسائل الشاذة‪ ،‬وﻛان ﰐ ﳌسائل الﻐريبة‪ ،‬ﻓإذا أﻋﺠبتﻪ قال‪ :‬ادخلوﻫا ﰲ‬
‫اﳌستﺨرجة«)‪ ،(4‬ﻏﲑ أ ّن ﷲ سبحانﻪ قيّﺾ للعتبية العﻼّمة »اﺑن رشد اﳉ ّد‪ ،‬ﻓﻬ ّذ ا وﲨﻊ ﺑﲔ روا ا ﰲ ﻛتاﺑﻪ‬
‫وﺗبﲔ ما ﻓيﻬا من ﺻحيح وسﻘيﻢ‪ ،‬وﺑذلﻚ‬
‫البيان والتحﺼيل‪ ،‬ﻓﺰال ما ﻛان ﰲ روا ا من إشكال وﻏﻤوض‪ّ ،‬‬
‫مﺼدرا أﺻيﻼً ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي‪ ،‬ورﻛﻨاً رﻛيﻨاً ﰲ مﺼادره«)‪.(5‬‬
‫ً‬ ‫أﺻبحت‬
‫‪ -3‬نقد ﺑﻌﺾ اﳌﺼادر اﻷساسﻴﺔ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ‪:‬‬
‫ﻋدد من اﳌﺼادر اﻷساسية للﻤذﻫب اﳌالكي اﳌعتﻤدة لدى اﳌالكية ﰲ ﺗﻘرير مسائل‬
‫ﺗعرﺿت ٌ‬ ‫لﻘد ّ‬
‫الفﻘﻪ وﻓروﻋﻪ للﻨﻘد الفﻘﻬي‪ ،‬ومن أمثلة ذلﻚ‪:‬‬
‫‪» -‬الﺮسالﺔ«‪ ،‬ﻻﺑن أﰊ زيد القﲑواﱐ‪:‬‬
‫والﱵ ﺗُعتﱪ من اﳌﺼادر اﻷساسية اﳌعتﻤدة ﰲ مذﻫب مالﻚ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ ،-‬وقد انتﻘدﻫا العﻼّمة‬
‫الفﺨار ﳌـّا ألّﻒ رسالة لﻄيفة ﲰّاﻫا؛ »التبﺼرة«‪ ،‬ﺣيث ﺗتبّﻊ ﻓيﻬا رسالة اﺑن أﰊ زيد ﰲ مسائل رآﻫا ﻻ‬
‫اﺑن ّ‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﺑن أﰊ زيد‬ ‫ﺗتّفﻖ ومذﻫب ﻋاﱂ اﳌديﻨة‪ .‬قال ﰲ مﻘ ّدمتﻬا‪» :‬ﻓﻘد ﻓﻬﻤت ما ذﻛرﺗﻪ من إﻏفال أﰊ ّ‬
‫‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬ﰲ رسالتﻪ ﰲ ما سﻬا ﻋﻨﻪ وﻏلﻂ ﻓيﻪ من طريﻖ قلّة الﻨﻈر‪ ،‬وإﳘال الفكر‪ ،‬وقد ﻋﺰمت ﳌـّا‬
‫أﺑﲔ ذلﻚ ﲟا أقول ﻓيﻪ وأنبّﻪ ﻋليﻪ‪ ،‬وإﱃ ﷲ سبحانﻪ أرﻏب ﰲ التوﻓيﻖ«)‪.(6‬‬
‫رأيت ﺗﻄلّعﻚ إﱃ معرﻓة اﳊﻘائﻖ‪ ،‬أن ّ‬
‫‪» -‬التﻬﺬيﺐ« لﻠﱪاذﻋﻲ)‪:(7‬‬

‫وﺿاح ﺑن يﺰيد الﻘرطﱯ‪ ،‬الفﻘيﻪ اﶈ ّدث‪ ،‬الراوية الثﻘة‪ ،‬الثبت اﻷمﲔ‪ ،‬العﻤدة الفاﺿل‪ .‬ليفﻪ ﻛثﲑة‪ ،‬مﻨﻬا؛ ﻛتاب‬
‫ﳏﻤد ﺑن ّ‬
‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪286‬ه‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.114-113‬‬
‫الﺼﻼة ﰲ الﻨعلﲔ‪ ،‬وﻛتاب الﻨﻈر إﱃ ﷲ ﺗعاﱃ‪ّ .‬‬
‫)‪ (2‬ﻋياض‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.450‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋﻤر ﺑن لباﺑة‪ ،‬ﻛان من اﻷئﻤة ﰲ الفﻘﻪ‪ ،‬مات ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬ﰲ اﻷندلﺲ سﻨة ‪314‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬الﻀﱯ‪ ،‬ﺑﻐﻴﺔ اﳌﻠتمﺲ‪:‬‬
‫)‪ (3‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.147‬‬
‫)‪ (4‬ﻋياض‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.450-449‬‬
‫)‪ (5‬اﳌامي‪ ،‬اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ مدارسﻪ ومﺆلّﻔاﺗﻪ‪ :‬ص‪.251‬‬
‫)‪ (6‬اﺑن الفﺨار‪ ،‬التبﺼﺮة‪ :‬ص‪.101‬‬
‫كﲎ ﰊ سعيد‪ ،‬من ﺣ ّفاظ اﳌذﻫب اﳌالكي‪ ،‬ولﻪ ﻓيﻪ ليﻒ مﻨﻬا‪ :‬ﻛتاب‬
‫)‪ (7‬ﻫو أﺑو الﻘاسﻢ خلﻒ ﺑن أﰊ الﻘاسﻢ اﻷزدي اﳌعروف لﱪاذﻋي‪ ،‬يُ ّ‬
‫التﻬذيب ﰲ اختﺼار اﳌدونة‪ .‬وﻫو من الﻄبﻘة الثامﻨة‪ ،‬و ريخ وﻓاﺗﻪ ﻏﲑ معروف‪ .‬انﻈر‪ :‬الديباج اﳌﺬﻫّﺐ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ 349‬وما ﺑعدﻫا؛ الﻔﻜﺮ‬
‫الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.545‬‬

‫‪59‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﺗعرﺿت للﻨﻘد من قِبَل ﺑعﺾ العلﻤاء‪ ،‬ﻓﻘد انتﻘده‬


‫وﻫو ﻛذلﻚ من اﳌﺼادر اﻷساسية ﰲ اﳌذﻫب الﱵ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫السامي‪ ،‬ﻓﻘال‪» :‬وقد انتﻘد ﻋليﻪ ﻋبد اﳊﻖ اﻹشبيلي أشياء‬
‫نص ﻋليﻪ ﰲ الفكر ّ‬
‫اﳊﻖ اﻹشبيلي ﻛﻤا ّ‬ ‫ﻋبد ّ‬
‫أﺣاﳍا ﰲ اﻻختﺼار ﻋن معﻨاﻫا«)‪.(2‬‬
‫‪» -‬التبﺼﺮة« ﻷﰊ اﳊﺴن الﻠﺨمﻲ‪:‬‬
‫أيﻀا من اﳌﺼادر اﻷساسية ﰲ اﳌذﻫب‪ ،‬وقد انتﻘد ﻋليﻪ‬‫اﳌدونة‪ ،‬ويُع ّد ً‬
‫وﻫو ﻋبارة ﻋن ﺗعليﻖ ﻋلﻰ ّ‬
‫الفﻘﻬاء أشياء‪ ،‬مﻨﻬا‪ :‬خروجﻪ وﳐالفاﺗﻪ للﻤذﻫب ﰲ اختياراﺗﻪ‪ ،‬قال ﻋﻨﻪ الﻘاﺿي ﻋياض‪» :‬ولﻪ ﺗعليﻖ ﻛبﲑ‬
‫ﺗرجح ﻋﻨده‪ ،‬ﻓﺨرجت اختياراﺗﻪ‬
‫اﳌدونة‪ ،‬ﲰّاه التبﺼرة‪ ،‬مفيد ﺣسن‪ ،‬ورﲟا ﺗبﻊ نﻈره ﻓﺨالﻒ اﳌذﻫب ﻓيﻤا ّ‬
‫ﻋلﻰ ّ‬
‫ﰲ الكثﲑ ﻋن قواﻋد اﳌذﻫب«)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬نقد ﺷﺮوح ﳐتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪:‬‬
‫ويدل ﻋلﻰ ذلﻚ‬
‫إ ّن ﳐتﺼر العﻼّمة خليل يُع ّد من أشﻬر اﳌﺨتﺼرات اﳌعتﻤدة ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي‪ّ ،‬‬
‫ﻋﻨاية اﳌالكيﲔ ﺑﻪ ﻋﻨاية ﻓائﻘة‪ ،‬ﺗﻈﻬر ﻓيﻤا ﻛتبوه ﻋليﻪ من شروح وﺣواشي وطرر‪ ،‬ﻏﲑ أ ّن البعﺾ من ﺗلﻚ‬
‫ﺗعرﺿت للﻨﻘد الفﻘﻬي‪ ،‬ومﻨﻬا‪:‬‬
‫الشروح الﱵ ﻛتبت ﺣولﻪ ّ‬
‫‪ -‬ﺷﺮح الﻌﻼّمﺔ اﻷﺟﻬوري)‪:(4‬‬

‫ﻛل من جاء ‪-‬ﺑعده‪ -‬ﻋلﻰ ما ﻓيﻪ من أﻏﻼط اﻋتﲎ‬


‫السامي‪» :‬استﻤ ّد مﻨﻪ ّ‬
‫الذي قال ﻋﻨﻪ ﰲ الفكر ّ‬
‫اﳌﻐارﺑة ﺑتﺼحيحﻬا«)‪ ،(5‬ﰒّ قال ﺑعد ذلﻚ ﲟا ّ‬
‫يدل ﻋلﻰ موقفﻪ الﻨﻘدي للﻤﺨتﺼرات وشروﺣﻬا‪» :‬وﻛﻢ ﰲ‬
‫شروح ‪ ...‬اﻷجﻬوري والﺰرقاﱐ من ذلﻚ ‪-‬الﻐلﻂ‪ -‬ﺣﱴ التﺠأ اﳌﻐارﺑة إﱃ إﺻﻼح ﻏلﻄﻬﻢ«)‪.(6‬‬

‫ﻓﻘيﻬا ﺣاﻓﻈًا ﻋاﳌاً ﳊديث‬


‫اﳋراط‪ ،‬ﻛان ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ً -‬‬
‫اﳊﻖ ﺑن ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن ﻋبد ﷲ اﻷزدي اﻹشبيلي‪ ،‬ويعرف ﺑن ّ‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ّ‬
‫)‪ (1‬ﻫو أﺑو ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪582‬ه؛ الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.561-560‬‬
‫مﻼزما للسﻨة‪ّ .‬‬
‫ﻋاﺑدا سكاً ً‬‫اﻫدا ً‬
‫وﻋللﻪ ورجالﻪ‪ ،‬ز ً‬
‫)‪ (2‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.545‬‬
‫)‪ (3‬ﻋياض‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.109‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد اﻷجﻬوري‪ ،‬شيخ اﳌالكية ﰲ ﻋﺼره‪ ،‬ﲨﻊ ﺑﲔ العلﻢ والعﻤل‪ ،‬ألّﻒ ليﻒ ﻛثﲑة مﻨﻬا ثﻼثة‬
‫)‪ (4‬أﺑو اﻹرشاد ﻋلي زين العاﺑدين ﺑن ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1066‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.440-439‬‬
‫شروح ﻋلﻰ ﳐتﺼر خليل‪ّ .‬‬
‫)‪ (5‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.610‬‬
‫)‪ (6‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.704‬‬

‫‪60‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫)‪(1‬‬
‫خﺼوﺻا‬
‫ً‬ ‫ي من شروح خليل‪،‬‬
‫موقﻒ انتﻘاد ﱞ‬
‫ٌ‬ ‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ‬‫وقد ﻛان للسلﻄان العلوي سيدي ّ‬
‫ﻓن الفﻘﻪ‬
‫اﳌتأخرة‪» ،‬ومن ﻋﺠيب سﲑﺗﻪ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬أنّﻪ ﻛان يرى اشتﻐال طلبة العلﻢ ﺑﻘراءة اﳌﺨتﺼرات ﰲ ّ‬
‫ّ‬
‫ﺗﻀييعا لﻸﻋﻤار ﰲ ﻏﲑ طائل‪ ،‬وﻛان يﻨﻬﻰ ﻋن ذلﻚ‬ ‫ً‬ ‫اﻷمﻬات اﳌبسوطة الواﺿحة؛‬
‫وﻏﲑه‪ ،‬وإﻋراﺿﻬﻢ ﻋن ّ‬
‫ﻏاية‪ ،‬وﻻ يﱰك من يﻘرأ ﳐتﺼر خليل وﳐتﺼر اﺑن ﻋرﻓة وأمثاﳍﻤا‪ ،‬ويبالﻎ ﰲ التشﻨيﻊ ﻋلﻰ من اشتﻐل ﺑشيء‬
‫ﺣﱴ ﻛان الﻨّاس يﱰﻛون قراءة ﳐتﺼر خليل«)‪.(2‬‬
‫من ذلﻚ‪ّ ،‬‬
‫ومن ﻫﻨا قام ﻓﻘﻬاء اﳌذﻫب اﳌالكي خﻀاع شروح ﳐتﺼر خليل للﻨﻘد والتﻤحيص‪ ،‬وﻛان اﻫتﻤامﻬﻢ‬
‫)‪(3‬‬
‫ﺗلﺨيﺼا ﻵراء شيﺨﻪ اﻷجﻬوري‪ ،‬ﻓألّﻒ العﻼّمة البﻨّاﱐ‬
‫ً‬ ‫ُمﻨْﺼبا ﺑشكل ﻛبﲑ ﻋلﻰ شرح الﺰرقاﱐ‪ ،‬ﻋتباره‬
‫الﺰرقاﱐ«)‪ ،(4‬وألّﻒ الشيخ التاودي)‪ (5‬ﺣاشيةً ﻋليﻪ‪.‬‬
‫ﻛتاب »الفتح الرّ ﱐ ﻓيﻤا ذﻫل ﻋﻨﻪ ّ‬
‫ﺣرر اﳌﻐارﺑة ون ّﻘحوا آراء مدرسة اﻷجﻬوري وﺗﻼميذه وﺗرجيحا ﻢ‪ ،‬وأﺻبح من‬ ‫و ذين الكتاﺑﲔ ّ‬
‫عتﻤد إﻻّ ﺑتأييدﻫا وإقرارﻫا نﺼا‬
‫الﻀواﺑﻂ اﳌسلّﻢ ا ﻋﻨدﻫﻢ أ ّن اﻵراء والﱰجيحات الﱵ اﻋتﻤدﻫا الﺰرقاﱐ ﻻ ﺗُ َ‬
‫ّ‬
‫)‪(6‬‬
‫الﺰرقاﱐ ﻛﻤا ذﻛر البﻨّاﱐ »ﻛثﲑاً ما يﻨﺰل الﻨّﻘل ﰲ ﻏﲑ ﳏلّﻪ‪ ،‬ويلحﻖ‬‫أو سكو ً من البﻨّاﱐ أو التاودي ؛ ﻷ ّن ّ‬
‫الفرع ﺑﻐﲑ أﺻلﻪ«)‪ ،(7‬ﻏﲑ أنّﻪ قد ﺑﻘيت مواﺿﻊ ﳛتاج إﱃ التﻨبيﻪ ﻋليﻬا‪ ،‬إ ْذ ﱂ ﺗﻘﻊ مﻨﻬﻤا إشارة إليﻬا‪ ،‬اﻋتﻘدﻫا‬
‫الﻄلبة من ﻛﻼمﻪ ﺻحيحة؛ ﻷنّﻪ من اﳌسكوت ﻋليﻬا ﻋﻨد البﻨّاﱐ والتاودي‪ ،‬ﻫذا ﻹﺿاﻓة إﱃ ﻛو ﻤا قد‬
‫الرﻫوﱐ ﺣاشيتﻪ ﻋلﻰ الﺰرقاﱐ‪ ،‬وﺑذلﻚ أﺻبح‬
‫ﻛل ﻫذا ألّﻒ العﻼّمة ّ‬
‫الﺼحاح‪ ،‬ولتحرير ّ‬
‫اﻋﱰﺿا ﻋلﻰ مسائلﻪ ّ‬
‫يتﻢ إﻻّ ﲝواشيﻪ)‪.(8‬‬
‫نﻘل الﺰرقاﱐ ﻻ ّ‬

‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1204‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬الﻨاﺻري‪،‬‬


‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ‪ ،‬أﺣد سﻼطﲔ الدولة العلوية الكبار اﳌشﻬود ﳍﻢ لﺼﻼح‪ّ .‬‬
‫)‪ (1‬ﻫو السلﻄان ّ‬
‫أﺑو العبّاس شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن خالد‪ ،‬اﻻستقﺼا ﻷﺧبار دول اﳌﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻋثﻤان‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.185‬‬
‫)‪ (2‬الﻨاﺻري‪ ،‬اﻻستقﺼا‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.168‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن اﳊسن البﻨّاﱐ الفاسي أﺻﻼً وداراً‪ ،‬خﻄيب الﻀريح اﻹدريسي ا وإمامﻪ‪ ،‬ﻓﻘيﻪٌ ﳏ ّﻘﻖ مشارك‪ ،‬لﻪ ﺣاشية ﻋلﻰ‬ ‫)‪ (3‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1194‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.622‬‬ ‫السلﻢ ﰲ اﳌﻨﻄﻖ‪ّ .‬‬
‫الﺰرقاﱐ متﻘﻨة‪ ،‬وشرح ﻋلﻰ ّ‬
‫)‪ (4‬طبعتﻪ دار الكتب العلﻤية ﺑبﲑوت مﻊ شرح الﺰرقاﱐ ﻋلﻰ ﳐتﺼر خليل سﻨة ‪1422‬ﻫـ‪2002/‬م‪.‬‬
‫دارا ومﻨشأً‪ ،‬ﻓﻘيﻪ ﳏﻘﻖ مشارك‪ ،‬انتﻬت إليﻪ ر سة العلﻢ ﰲ اﳌﻐرب إقراءً وإﻓتاءً‪،‬‬
‫ﳏﻤد التاودي ﺑن الﻄالب ﺑن سودة الفاسي ً‬
‫)‪ (5‬ﻫو أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫ﺗوﰲ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬سﻨة ‪1209‬ﻫـ‪ .‬انﻈر‪ :‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪:‬‬
‫أﳊﻖ اﻷﺑﻨاء ﻵ ء‪ ،‬لﻪ ﺣاشية ﻋلﻰ الﺰرقاﱐ‪ ،‬وﺣاشية ﻋلﻰ ﺻحيح البﺨاري‪ ،‬وﻏﲑﳘا‪ّ .‬‬
‫ج‪ ،2‬ص‪.624‬‬
‫)‪ (6‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ ﻋلي‪ ،‬اﺻﻄﻼح اﳌﺬﻫﺐ ﻋﻨد اﳌالﻜﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪1421 ،‬ه‪2000/‬م‪:‬‬
‫ص‪.580-579‬‬
‫)‪ (7‬البﻨاﱐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن اﳊسن ﺑن مسعود‪ ،‬الﻔتح الﺮ ﱐ ﻓﻴما ذﻫل ﻋﻨﻪ الﺰرﻗاﱐ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد السﻼم ﳏﻤد أمﲔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1422 ،‬ﻫـ‪2002/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.6‬‬
‫)‪ (8‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ ﻋلي‪ ،‬اﺻﻄﻼح اﳌﺬﻫﺐ ﻋﻨد اﳌالﻜﻴﺔ‪ :‬ص‪.581-580‬‬

‫‪61‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫خﺼوﺻا؛ العﻼّمة‬
‫ً‬ ‫ﻋﻤوما‪ ،‬وﳐتﺼر الشيخ خليل‬
‫اﳌلﺨﺼات ً‬ ‫وﳑّن انتﻘد من اﳌعاﺻرين اﳌﺨتﺼرات و ّ‬
‫اﳌلﺨﺼات واﳍوامﺶ‬
‫اﳌلﺨﺼات وشروح ّ‬‫السامي« أ ّن ثﻘاﻓة ّ‬
‫سﺠل ﰲ »الفكر ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن اﳊسن اﳊﺠوي الذي ّ‬
‫اﳌلﺨﺼات ﻏايتﻬا مﻊ الشيخ خليل‬
‫ﻋلﻰ ال ّشروح ﻫيﻤﻨت ﻋلﻰ الفﻘﻪ اﳌالكي ﺑشكل ﺗدرﳚي‪ ،‬ﻓبلﻐت ثﻘاﻓة ّ‬
‫مرات‪،‬‬
‫ﺑتكرر اﻹﺿاﻓة ثﻼث ّ‬
‫أواسﻂ الﻘرن الثامن اﳍﺠري‪ ،‬ذلﻚ »ﻷ ّن ﳐتﺼر خليل ﳐتﺼر ﳐتﺼر اﳌﺨتﺼر ّ‬
‫جل ﻋبارﺗﻪ أن يكون لﻐﺰاً‪ ،‬وﻓكر ﻢ ﻫذه مبﻨية ﻋلﻰ مﻘﺼدين وﳘا؛ ﺗﻘليل اﻷلفاظ‬
‫أخل لفﺼاﺣة‪ ،‬وﻛاد ّ‬
‫وإن ّ‬
‫ﻛل مﻨﻬﻤا مﻘﺼ ٌد‬
‫ﺗيسﲑاً ﻋلﻰ اﳊفظ‪ ،‬وﲨﻊ ما ﻫو ﰲ ﻛتب اﳌذﻫب من الفروع‪ ،‬ليكون أﲨﻊ للﻤسائل‪ ،‬و ّ‬
‫ﺣسن لوﻻ ﺣﺼول اﳌبالﻐة ﰲ اﻻختﺼار الﱵ نشأت ﻋﻨﻬا أﺿرار«)‪.(1‬‬
‫ٌ‬
‫ﰒّ أ ّﻛد ﻋلﻰ أ ّن ّأول أﺿرار اﻻختﺼار ﻋلﻰ مادة الفﻘﻪ؛ إﻓساد الفﻘﻪ‪ ،‬ذلﻚ أ ّن ﲨﻊ الفروع الكثﲑة ﰲ‬
‫مفﻬوما‪،‬‬
‫ً‬ ‫اللفظ الﻘليل أوجب ﻫرم الفﻘﻪ)‪ ،(2‬وﺑرﻫان ذلﻚ لديﻪ ﻫو ﺣاجة اﳌﺨتﺼر إﱃ ﳎلّدات ﺣﱴ يﺼبح‬
‫ﻛﻤا سبﻖ الﻨﻘل ﻋﻨﻪ ﰲ ﻛﻼمﻪ ﻋلﻰ ﳐتﺼر خليل‪.‬‬
‫ﺧاﲤﺔ‪:‬‬
‫وﺑعد ختام ﻫذا البحث الذي قﺶ موﺿوع الﻨﻘد الفﻘﻬي وﺗﻄبيﻘاﺗﻪ ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي‪ :‬نﻘد اﳌﺼﻨفات‬
‫الفﻘﻬية ﳕوذجا‪ ،‬يﻄيب ﱄ أن أختﻤﻪ لﻨتائﺞ التالية‪:‬‬
‫ات ﻛثﲑةٌ ﰲ العﺼر اﳊاﺿر مﻄالبةً ﺑتﺠديد الفﻘﻪ اﻹسﻼمي‪ ،‬ومﻨﻪ الفﻘﻪ اﳌالكي‪،‬‬
‫‪ -1‬ﺗتعاﱃ أﺻو ٌ‬
‫الﻀعيﻒ مﻨﻬا‬
‫الﺼحيح من ّ‬‫الروا ت واﻻستدﻻﻻت ﻓيﻪ‪ ،‬دف ﺑيان ّ‬ ‫ﺑتﻨﻘيح وﲤحيص وﻏرﺑلة ﳐتلﻒ اﻷقوال و ّ‬
‫ﻛل ما لﻪ ﻋﻼقة لﻨشاط واﻹنتاج الفﻘﻬي‪ ،‬من أجل أن ﺗكون للفﻘﻪ قدرةٌ‬
‫ﰲ اﳌسائل والفروع الفﻘﻬية‪ ،‬وﰲ ّ‬
‫التﻄور اﳊﻀاري والعلﻤي واﻻجتﻤاﻋي ﰲ الوقت اﳌعاﺻر‪ ،‬ومتّﻬﻤة ﰲ ذات الوقت ﻓﻘﻬاء السلﻒ‬
‫ﻋلﻰ مواﻛبة ّ‬
‫واﳋلﻒ من السادة اﳌالكية وﻏﲑﻫﻢ ﳉﻤود والتﻘليد وﲡريد الفﻘﻪ من أدلّتﻪ‪ ،‬ﺑيﻨﻤا لﻘد اﲡﻪ الﻨﻘد اﳌذﻫﱯ‬
‫للﻤذاﻫب نفسﻬا من داخلﻬا مﻨذ نشأ ا‪ ،‬وسلّﻂ أﺻحاب اﳌذاﻫب ﻋلﻰ مذاﻫبﻬﻢ قاﻋدة التﻘوﱘ‪ ،‬وﱂ يﻨتﻈروا‬
‫ﳎيء ﻫذه الدﻋوات‪.‬‬
‫‪ -2‬التعريﻒ لفﻘﻬاء الﻨ ّﻘاد ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي ﺑدراسة مﻨاﻫﺠﻬﻢ وإنتاجا ﻢ يتﻄلّب الكشﻒ ﻋن‬
‫ﻋام ﻋلﻰ موﺿوع الﻨﻘد الفﻘﻬي‬
‫ﺗﺼور ّ‬ ‫ﺗراثﻬﻢ‪ ،‬وﲨعﻪ وﲢﻘيﻘﻪ‪ ،‬ودراستﻪ وإﺑراز خﺼائﺼﻪ‪ ،‬من أجل ﺗكوين ّ‬
‫الداخلي‪ ،‬دف استثﻤاره وﺗفعيلﻪ ﺑﻘواﻋده وﺿواﺑﻄﻪ‪ ،‬لتﺠديد الفﻘﻪ وإﺣيائﻪ‪ ،‬ووﺻلﻪ دلّتﻪ ّأوﻻً‪ ،‬ﰒّ ﲝسن‬
‫متﻐﲑات العﺼر ومستﺠ ّداﺗﻪ‪.‬‬
‫ﺗﻨﺰيل أﺣكامﻪ ﻋلﻰ الوقائﻊ والﻨوازل نياً‪ ،‬ليساير ّ‬

‫)‪ (1‬اﳊﺠوي‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.703‬‬


‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.503‬‬

‫‪62‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫اﳌﻘعدين‬
‫اﳌﺆسسﲔ للﻨﻘد الفﻘﻬي ﺑﻨوﻋيﻪ؛ الداخلي واﳋارجي‪ّ ،‬‬‫‪ -3‬ﻓﻘﻬاء اﳌذﻫب اﳌالكي ﻫﻢ من ّ‬
‫ﺗدل ﻋلﻰ ذلﻚ الﻨﻤاذج التﻄبيﻘية الواردة ﰲ ﻫذا البحث‪ ،‬وﻫدﻓﻬﻢ من ذلﻚ‬
‫لﻘواﻋده وأسسﻪ وﺿواﺑﻄﻪ‪ ،‬ﻛﻤا ّ‬
‫ﻛل ﻋﺼر‪ ،‬ﲡدي ًدا ﻷمر الفﻘﻪ‪ ،‬وﺗوﺿيح ﻋوامل شيﺨوختﻪ‬
‫ﺑيان أسباب ّقوة الفﻘﻪ وشباﺑﻪ ونشاطﻪ‪ ،‬لﻸخذ ا ﰲ ّ‬
‫لتحل‬
‫وﻫرمﻪ لتﺠﻨّبﻬا واﻻﺑتعاد ﻋﻨﻬا‪ ،‬ﲢذيراً وﺗرﻫيباً للفﻘﻬاء من الوقوع ﰲ آﻓة ﻓﺼل ﻓﻘﻪ اﻷمة ﻋن واقعﻬا‪ّ ،‬‬
‫مكانﻪ الﻘوانﲔ الوﺿعية اﳌستﻤ ّدة من الﻘوانﲔ الﻐرﺑية‪ ،‬وﰲ ذلﻚ إساءةٌ لﻐةٌ لل ّشريعة اﻹسﻼمية‪.‬‬
‫ﰲ البدء واﳋتام‪.‬‬ ‫انتﻬﻰ‪ ،‬واﳊﻤد‬

‫‪63‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﻗاﺋمﺔ اﳌﺼادر واﳌﺮاﺟع‪.‬‬


‫‪ .1‬الباجي‪ ،‬أﺑو الوليد سليﻤان ﺑن خلﻒ‪ ،‬اﳌﻨتقﻰ ﺷﺮح اﳌوطﺄ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻋبد الﻘادر أﲪد ﻋﻄا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1420 ،‬ﻫـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬الفاﺿل‪ ،‬اﶈاﺿﺮات اﳌﻐﺮﺑﻴات‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار التونسية للﻨشر‪ ،‬ﺗونﺲ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .3‬البﻨاﱐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن اﳊسن ﺑن مسعود‪ ،‬الﻔتح الﺮ ﱐ ﻓﻴما ذﻫل ﻋﻨﻪ الﺰرﻗاﱐ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد السﻼم ﳏﻤد أمﲔ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1422 ،‬ﻫـ‪2002/‬م‪.‬‬
‫اج‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد‪ ،‬اﳌدﺧل‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﺗوﻓيﻖ ﲪدان‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1415 ،‬ﻫـ‪/‬‬
‫‪ .4‬اﺑن اﳊ ّ‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬اﺑن ﺣﺠر‪ ،‬أﺑو الفﻀل أﲪد ﺑن ﻋلي العسﻘﻼﱐ‪ ،‬الدرر الﻜامﻨﺔ ﰲ أﻋﻴان اﳌﺌﺔ الﺜامﻨﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .6‬اﳊﺠوي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن اﳊسن‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ ﰲ ريخ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ﻋﻨاية‪ :‬ﻫيثﻢ خليفة طعيﻤي‪ .‬ط‪ ،1‬اﳌكتبة‬
‫العﺼرية‪ ،‬لبﻨان‪1427 ،‬ﻫـ‪2006 /‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ‪ ،‬اﻹﺣاطﺔ ﰲ أﺧبار ﻏﺮ طﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﻋﻨان‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة‬ ‫‪ .7‬اﺑن اﳋﻄيب‪ ،‬لسان ال ّدين ّ‬
‫اﳋاﳒي للﻄبﻊ والﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1393 ،‬ﻫـ‪1973 /‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬الذﻫﱯ‪ ،‬ﴰﺲ ال ّدين أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد‪ ،‬ﺗﺬﻛﺮة اﳊﻔاظ‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الكتب العلﻤية‪-‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد‪ ،‬سﲑ أﻋﻼم الﻨّبﻼء‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعيب اﻷرنﺆوط‪ ،‬ط‪ّ ،11‬‬
‫مﺆسسة‬ ‫‪ .9‬الذﻫﱯ‪ ،‬ﴰﺲ ال ّدين أﺑو ﻋبد ﷲ ّ‬
‫الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1417 ،‬ﻫـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬ر ض‪ ،‬ﳏﻤد‪ ،‬أﺻول الﻔتوى والقﻀاء ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ‪ ،‬ط‪ ،1‬مﻄبعة الﻨﺠاح اﳉديدة‪ ،‬الدار البيﻀاء‪،‬‬
‫‪1416‬ﻫـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬السﺨاوي‪ ،‬ﴰﺲ ال ّدين ﳏﻤد ﺑن ﻋبد الرﲪن‪ ،‬الﻀوء الﻼّمع ﻷﻫل القﺮن التاسع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار اﳉيل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .12‬السﻤﻼﱄ‪ ،‬العبّاس ﺑن إﺑراﻫيﻢ‪ ،‬اﻹﻋﻼم ﲟن ﺣلّ ﲟﺮاﻛﺶ وأﻏمات من اﻷﻋﻼم‪ ،‬مراجعة‪ :‬ﻋبد الوﻫاب ﺑن مﻨﺼور‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬اﳌﻄبعة اﳌلكية‪ ،‬الر ط‪1413 ،‬ﻫـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﺑن ﳒﻢ‪ ،‬ﻋقد اﳉواﻫﺮ الﺜمﻴﻨﺔ ﰲ مﺬﻫﺐ ﻋاﱂ اﳌديﻨﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﲪيد ﺑن‬
‫‪ .13‬اﺑن شاس‪ ،‬جﻼل ال ّدين أﺑو ّ‬
‫ﳏﻤد ﳊﻤر‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1423 ،‬ﻫـ‪2003 /‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬الﻀﱯ‪ ،‬أﺑو جعفر أﲪد ﺑن ﳛﲕ‪ ،‬ﺑﻐﻴﺔ اﳌﻠتمﺲ ﰲ ريخ رﺟال أﻫل اﻷندلﺲ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬إﺑراﻫيﻢ اﻷﺑياري‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الكتاب اﳌﺼري‪ ،‬الﻘاﻫرة‪ ،‬ودار الكتاب اللبﻨاﱐ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1410 ،‬ﻫـ‪1989 /‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬ﺿيﻒ ﺑشﲑ‪ ،‬مﺼادر الﻔقﻪ اﳌالﻜﻲ أﺻوﻻ وﻓﺮوﻋا ﰲ اﳌﺸﺮق واﳌﻐﺮب ﻗدﳝا وﺣديﺜا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1429‬ﻫـ‪2008 /‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬ﻋشاق؛ ﻋبد اﳊﻤيد‪ ،‬مﻨﻬﺞ اﳋﻼف والﻨقد الﻔقﻬﻲ ﻋﻨد اﻹمام اﳌازري‪ ،‬دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء‬
‫الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫________________________________النقد الﻔق وتطبيقاته اﳌذ ﺐ اﳌال ي‪ :‬نقد اﳌصنﻔات الﻔق ية نموذجا‪ .‬ذ‪ .‬إبرا يم والع‬

‫‪ .17‬ﻋلي‪ ،‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ‪ ،‬اﺻﻄﻼح اﳌﺬﻫﺐ ﻋﻨد اﳌالﻜﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪،‬‬
‫‪1421‬ه‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬اﺑن العﻤاد‪ ،‬أﺑو الفﻼح ﻋبد اﳊي ﺑن أﲪد اﳊﻨبلي‪ ،‬ﺷﺬرات ال ّﺬﻫﺐ ﰲ أﺧبار من ذﻫﺐ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد الﻘادر‬
‫اﻷر ؤوط‪ ،‬وﳏﻤود اﻷر ؤوط‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬دمشﻖ‪-‬ﺑﲑوت‪1406 ،‬ﻫـ‪1986 /‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬ﻋياض‪ ،‬أﺑو الفﻀل الﻘاﺿي ﻋياض ﺑن موسﻰ اليحﺼﱯ‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك وﺗقﺮيﺐ اﳌﺴالﻚ ﳌﻌﺮﻓﺔ أﻋﻼم مﺬﻫﺐ‬
‫مالﻚ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬سعيد أﲪد أﻋراب‪ ،‬ط‪ ،1‬مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﳌﻐرب‪1401 ،‬ﻫـ‪1981 /‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬اﺑن ﻓرﺣون‪ ،‬ﺑرﻫان ال ّدين إﺑراﻫيﻢ ﺑن ﻋلي ﺑن ﳏﻤد‪ ،‬ال ّديباج اﳌﺬﻫّﺐ ﰲ مﻌﺮﻓﺔ أﻋﻴان اﳌﺬﻫﺐ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤد اﻷﲪدي‬
‫أﺑو الﻨور‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الﱰاث للﻄبﻊ والﻨشر‪ ،‬الﻘاﻫرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .21‬الفﻼﱄ‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد اﳍﻼﱄ‪ ،‬نور البﺼﺮ ﺷﺮح ﺧﻄبﺔ اﳌﺨتﺼﺮ لﻠﻌﻼّمﺔ ﺧﻠﻴل‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﳏﻤود ولد ﳏﻤد‬
‫اﻷمﲔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار يوسﻒ ﺑن شفﲔ‪ ،‬ومكتبة اﻹمام مالﻚ‪1428 ،‬ﻫـ‪2007/‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬ﻓيﻐو‪ ،‬ﻋبد السﻼم أﲪد‪ ،‬أمﻬات الﻜتﺐ الﻔقﻬﻴﺔ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكلﻤة للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬مﺼر‪ .‬د‪.‬ت‬
‫‪ .23‬قاسﻢ ﻋلي سعد‪ ،‬ﲨﻬﺮة ﺗﺮاﺟﻢ الﻔقﻬاء اﳌالﻜﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪،‬‬
‫‪1423‬ﻫـ‪2002 /‬م‪.‬‬
‫ﺣﺠي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪-‬‬ ‫‪ .24‬الﻘراﰲ‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن إدريﺲ‪ ،‬الﺬﺧﲑة‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤد ّ‬
‫ﺑﲑوت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬الﻘراﰲ‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن إدريﺲ‪ ،‬الﻔﺮوق‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋﻤر ﺣسن الﻘيام‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1424‬ﻫـ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬أﺑو الفداء إﲰاﻋيل ﺑن ﻋﻤر‪ ،‬البدايﺔ والﻨﻬايﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬الدﻛتور ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي‪ ،‬ط‪ ،1‬ﻫﺠر‬
‫للﻄباﻋة والﻨشر والتوزيﻊ واﻹﻋﻼن‪1417 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد اﳌﺨتار‪ ،‬اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ مدارسﻪ ومﺆلﻔاﺗﻪ‪ ،‬ﺧﺼاﺋﺼﻪ وﲰاﺗﻪ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرﻛﺰ زايد للﱰاث والتاريخ‪،‬‬
‫ﳏﻤد اﳌامي‪ّ ،‬‬
‫‪ّ .27‬‬
‫دﰊ‪1422 ،‬ﻫـ‪2002 /‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬ﳐلوف ﳏﻤد‪ ،‬ﺷﺠﺮة الﻨور الﺰﻛﻴﺔ ﰲ طبقات اﳌالﻜﻴﺔ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ا يد خياﱄ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ .29‬اﳌﺼلح؛ ﳏﻤد‪ ،‬اﻹمام أﺑو اﳊﺴن الﻠﺨمﻲ وﺟﻬودﻩ ﰲ ﺗﻄويﺮ اﻻﲡاﻩ الﻨقدي ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ لﻐﺮب اﻹسﻼمﻲ‪،‬‬
‫دار البحوث للدراسات اﻹسﻼمية وإﺣياء الﱰاث‪ ،‬دﰊ‪ .‬ط‪2007 ،1‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد التلﻤساﱐ‪ ،‬أزﻫار الﺮّ ض ﰲ أﺧبار ﻋﻴاض‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬مﺼﻄفﻰ ّ‬
‫السﻘا‪ ،‬وإﺑراﻫيﻢ‬ ‫‪ .30‬اﳌ ّﻘري‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن ّ‬
‫اﻷﺑياري‪ ،‬وﻋبد اﳊفيظ شلﱯ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﳌﻐرب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .31‬اﳌكﻨاسي‪ ،‬أﲪد ﺑن الﻘاﺿي‪ ،‬ﺟﺬوة اﻻﻗتباس ﰲ ذﻛﺮ من ﺣلّ من الﻌﻠماء مديﻨﺔ ﻓاس‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار اﳌﻨﺼور للﻄباﻋة‬
‫والوراقة‪ ،‬الر ط‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬ميكلوش موراﱐ‪ ،‬دراسات ﰲ مﺼادر الﻔقﻪ اﳌالﻜﻲ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1409 ،‬ﻫـ‪1988/‬م‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ .33‬الﻨاﺻري‪ ،‬أﺑو العبّاس شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن خالد‪ ،‬اﻻستقﺼا ﻷﺧبار دول اﳌﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻋثﻤان‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .34‬الﻨووي‪ ،‬أﺑو زﻛر ﳏيي ال ّدين ﳛﲕ ﺑن شرف‪ ،‬ا موع ﺷﺮح اﳌﻬﺬب‪ ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﳒيب اﳌﻄيعي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة‬
‫اﻹرشاد‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫‪ .35‬الونشريسي‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن ﳛﲕ‪ ،‬اﳌﻌﻴار اﳌﻌﺮب واﳉامع اﳌﻐﺮب ﻋن ﻓتاوي أﻫل إﻓﺮيقﻴﺔ واﻷندلﺲ واﳌﻐﺮب‪،‬‬
‫ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﲨاﻋة من الفﻘﻬاء شراف الدﻛتور ﳏﻤد ﺣﺠي‪ ،‬نشر وزارة اﻷوقاف والشﺆون اﻹسﻼمية للﻤﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪،‬‬
‫‪1401‬ﻫـ‪1981/‬م‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ عبد الباسط صيد‬.‫ د‬،‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‬

‫اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ وﺳﺆال اﻟﺘﺠﺪد‬


‫ عبد الباسط صيد‬.‫د‬
(‫جامعة محند آك و اج )البو رة‬
bachir20009@gmail.com

‫مﻠﺨﺺ‬
،‫إن اية الﻘرن الثاﱐ وﺑداية الثالث اﳍﺠري شﻬدت انتشارا للﻤذاﻫب اﻹسﻼمية ﰲ اﳌﻐرب اﻹسﻼمي‬
‫ وﺗﻼﳘا مذﻫب اﻹمام مالﻚ؛ الذي ﺻار اﻫتﻤام الﻨاس‬،‫وﻋﻤل ﻤا واﻋتُﻤدا‬ ُ ‫ﻓسبﻖ مذﻫب اﻷوزاﻋي واﳊﻨفي‬
‫ وﳌا رجعوا لبلدا ﻢ نشروا مذﻫبﻪ وأﻓتوا ﺑﻪ‬،‫ﺑﻪ ﻻنتشار رﺣلة الﻄلبة من إﻓريﻘية لبﻼد اﳊﺠاز و ثّرﻫﻢ ﺑﻪ‬
ّ
‫ ومﻊ ذيوع ﺻيت اﻹمام ﻓﻘﻬا‬.‫ وﻛل ﻫذا ﰲ ﺣياة اﻹمام مالﻚ‬،‫واﻋتﻤدوه ﰲ التدريﺲ والﻘﻀاء والشورى‬
‫ وﺑدأت ﺑعﺾ‬،‫وخلﻘا وﲰتا ﺻار ﻻ مﻨاص من اﻋتﻤاده مذﻫبا لبﻼد اﳌﻐرب اﻹسﻼمي ﻛلّﻬا ﺗعبّدا وقﻀاء‬
.‫اﳌذاﻫب ﺗﱰاجﻊ شﻬر ا والعﻤل ا‬
‫ﳛاول ﻫذا البحث اﻹجاﺑة ﻋن التساؤل الذي قد يﻄرح ﺣول مدى ﴰولية اﳌذﻫب اﳌالكي واستيعاﺑﻪ‬
‫معرجا ﻋلﻰ ثﻨائية التﻤذﻫب‬
ّ .‫للحاجة التشريعية ﲟا ﳛﻘﻖ اﳌﻘﺼد من الدرس الفﻘﻬي اﳌذﻫﱯ استﻘرارا واستﻤرارا‬
.‫واﻻستدﻻل؛ ﳏاوﻻ ﻓﻬﻢ العﻘلية اﻻجتﻬادية الﱵ ﺻار إليﻬا الدرس الفﻘﻬي اﳌالكي‬
.‫ الدليل‬،‫ متأخرو اﳌالكية‬،‫ الﻨوازل‬،‫ التﺠديد‬،‫ اﳌتون‬،‫ اﳌذﻫب اﳌالكي‬:‫الﻜﻠمات اﳌﻔتاﺣﻴﺔ‬
Abstract
The end of the second century and the beginning of the third Hijri witnessed the
spread of Islamic schools of thought in the Islamic Maghreb. Al-Awza’i and Hanafi
doctrines preceded them and were adopted and considered, followed by the doctrine of
Imam Malik; what people became interested in was due to the spread of the students’
journey from Africa to the Hijaz and their influence on it .
With the spread of the imam's reputation for jurisprudence, morals and character, it
became inevitable that he adopts a doctrine for all the countries of the Islamic Maghreb
in worship and The judicial system, and some doctrines began to decline in popularity
and disappear.
This research attempts to answer the question that may be raised about the extent
of the comprehensiveness of the Maliki school of thought and its absorption of the
legislative need in order to achieve the doctrinal purpose in stability and continuity.
Lapping on the dualism of doctrine and reasoning; trying to understand the mentality of
Maliki jurisprudence approach.
Keywords: The Maliki school, texts, renewal, calamities, late Malikis, evidence.

67
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫مقدمﺔ‪.‬‬
‫ﺗﻄوره‪ ،‬ﻛﺂلية للتّشريﻊ ﺗﻘوم ﻋلﻰ اﻻستدﻻل والﻨّﻈر‪،‬‬
‫يﻘوم ال ّدرس الفﻘﻬي ﻋلﻰ نﻀﺞ اجتﻬاد الفﻘﻬاء و ّ‬
‫اﻷئﻤة اﻷرﺑعة ونﻈراءﻫﻢ أﺿرا ﻢ من الفﻘﻬاء‪،‬‬
‫ﺗﺼﻘلﻬا سعة اﻻطّﻼع واﳊفظ‪ ،‬واﳌلكة الفﻘﻬية الّﱵ ﻓاق ا ّ‬
‫الراﺑﻊ ﺑعد أن ﻛان استﻤدادﻫﻢ من الوﺣي مباشرة‪ ،‬ﻓﺨلّفوا ﺗرا ً‬
‫ﺣﱴ أﻏلﻖ ﰲ الﻘرن ّ‬
‫ﻓانفردوا ﻻجتﻬاد اﳌﻄلﻖ ّ‬
‫ﺣﱴ ﺣﺼرت طرق الفتوى ﰲ اﳌذاﻫب‬ ‫ﺻار مستﻨد أﺗباﻋﻬﻢ من الفﻘﻬاء ﰲ سﱪ سبل الفتوى واﻻجتﻬاد‪ّ ،‬‬
‫أسا‪.‬‬
‫الرجوع إﱃ الوﺣي ر ً‬
‫اﳌشتﻬرة دون ّ‬
‫وﺻﻤام اﻷمان للحوادث والﻨوازل اﳌتﺠ ّددة للﻤﺠتﻤﻊ‪،‬‬
‫اﳌوجﻪ للحياة التشريعية‪ّ ،‬‬
‫وﺑﻘي التﻤذﻫب ﻫو ّ‬
‫ويﱪز ذلﻚ ﰲ ال ّدرس الفﻘﻬي اﳌالكي ‪-‬ﻋلﻰ ﻏرار ﺑعﺾ اﳌذاﻫب اﻷخرى الﱵ ﺻحبتﻪ ﰲ ﻫذا الﻘﻄر من‬
‫اﳌﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،-‬ﺻولﻪ اﻷثرية ﻛتا ً وسﻨّة‪ ،‬وﰲ مراﻋاﺗﻪ اﻷﻋراف والعادات واﻋتبار اﳌﺼاﱀ اﳌرسلة وما‬
‫جرى ﺑﻪ العﻤل‪ ،‬واﻫتﻤامﻪ لفﻘﻪ العﻤلي ﰲ اﻷقﻀية والﻨوازل واﳌعامﻼت‪.‬‬
‫جعل اﻷﺻوليّون اﻻجتﻬاد داخل اﳌذﻫب واﻻجتﻬاد ﰲ الفتوى مﻘاﺑﻼً لﻼجتﻬاد اﳌﻄلﻖ ﺑعد ﻏلﻖ ﺑﻪ‪،‬‬
‫أي‬
‫وﺣﺼر ﰲ ﲤييﺰ اﻷقوال اﳌعتﻤدة ﰲ الفتوى‪ ،‬ﳑّا ﻻ يُفﱴ ﺑﻪ وﻻ يُعتﻤد‪ .‬ﻓإﱃ ّ‬
‫ﺗﻄور اﻻجتﻬاد‪ُ ،‬‬
‫ﻓأدى إﱃ ّ‬ ‫ّ‬
‫اجتﻬادا؟ وﻫل العﻤل ﻋلﻰ الشروح‬
‫ً‬ ‫مدى يُعتﱪ العﻤل ﻋلﻰ ﲤييﺰ ﻫذه اﻷقوال اﳌعتﻤدة ﰲ الفتوى من ﻏﲑﻫا‬
‫واﳊواشي والتّﻘييدات والﻄّرر ﻋﻼمة ﻋلﻰ دروس الفﻘﻪ واﻻجتﻬاد‪ ،‬أم ﻫو ﺻورة لﻨوع مﻐاير من أنواع اﻻجتﻬاد؟‬
‫وخلوه من الدليل‪ ،‬ﺑبيان دور‬
‫وﻓشو التﻘليد ﻓيﻪ ّ‬
‫ﳛاول ﻫذا البحث الوقوف مﻊ دﻋاوى ﲨود اﳌذﻫب ّ‬
‫اﳌتأخرين من اﳌالكية‪ ،‬خاﺻة ﺑعد‬
‫ﻓﻘﻪ الﻨوازل ﻛﺼورة من ﺻور التﺠديد ﻋﻨد اﳌالكية‪ ،‬وﻛذا ﻋرض جﻬود ّ‬
‫ﳐتﺼر الشيخ خليل ﰲ اﻻستدﻻل ﻋلﻰ اﳌتون‪ ،‬ﳏاوﻻً اﻹجاﺑة ﻋن التساؤل الذي قد يﻄرح ﺣول مدى‬
‫استﺠاﺑة واستيعاب اﳌذﻫب اﳌالكي للحاجة التشريعية‪ ،‬ﲟا ﳛ ّﻘﻖ اﳌﻘﺼد من الدرس الفﻘﻬي اﳌذﻫﱯ استﻘر ًارا‬
‫واستﻤر ًارا‪.‬‬
‫التﺼور سأسعﻰ إﱃ ﺑﻨاء البحث ﻋلﻰ اﻷساس اﻵﰐ‪:‬‬
‫ﺑﻨاءً ﻋلﻰ ﻫذا ّ‬
‫ﺗﻄور الدرس الفﻘﻬي اﳌذﻫﱯ‪.‬‬
‫اﳌﻄلب اﻷول‪ّ :‬‬
‫اﳌﻄلب الثاﱐ‪ :‬التﺼﻨيﻒ ﻋﻨد اﳌالكية وسﺆال التﺠدد‪.‬‬
‫اﳌﻄلب الثالث‪ :‬اﻻستدﻻل ﻋﻨد اﳌالكية اﳌتأخرين‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫ﺗﻄور الدرس الﻔقﻬﻲ اﳌﺬﻫﱯ‪.‬‬


‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ّ :‬‬
‫ﺗﻄور ﺑﻄريﻘة مﻨﻄﻘية؛ ﺑدءًا ﲟرﺣلة نشوء‬
‫إ ّن ال ّدرس الفﻘﻬي والتأﺻيلي اﳌالكي ﻛﻐﲑه من اﳌذاﻫب؛ ّ‬
‫ﺑﻘوة ﺣفظ وملَ َكة وﺗﻘوى‪ ،‬يرجﻊ‬
‫و سيﺲ‪ ،‬ﺗلوح ﻓيﻬا البوادر اﻷوﱃ لﻈﻬور اﳌذﻫب‪ ،‬ﺑﱪوز إمامﻪ ﻋلﻰ أقرانﻪ ّ‬
‫ﺣﱴ يﻈﻬر قولﻪ ﻋلﻰ أقرانﻪ‪ ،‬ويﺼﲑ‬
‫الرﻛب ﺑﲔ يديﻪ‪ّ ،‬‬
‫اﳌستفﱵ إليﻪ‪ ،‬ويتحاﻛﻢ اﳌتﺨاﺻﻤان لديﻪ‪ ،‬ﻛﻤا ﲡثو ّ‬
‫ي آيﻼً إليﻪ‪ ،‬ﺗيﻪ الﻄلبة من اﻷقﻄار‪ ،‬ويذيﻊ ﺻيتﻪ ﰲ اﻷمﺼار‪.‬‬
‫رس اﻻجتﻬاد ﱡ‬
‫ال ّد ُ‬
‫يسِﱪون اجتﻬاده‪ ،‬ويستدلّون لﻪ‪ ،‬ويﻨاﻇرون ﻋليﻪ‪،‬‬
‫ﺗع ُﻘبﻬا مرﺣلة ﺻيل وﺗﻘعيد‪ ،‬أين يﺼﲑ لﻺمام أﺗباعٌ ْ‬
‫ﻨسب الﻘول إليﻪ‪ ،‬ويﺼﲑ الﻘياس ﻋليﻪ‪ ،‬ﻛي ُﲣّرج أﺻول اﻹمام ﻋلﻰ مسائلﻪ‪ ،‬لتﺼبح قواﻋ َد ﳛتكﻢ إليﻬا‬ ‫ﻓيُ َ‬
‫أﺗباﻋُﻪ‪ ،‬ﳑّن ﺻاروا يﻘيسون ﻋلﻰ قول إمامﻬﻢ‪ّ ،‬أما اﳌﻘلّدون ﻓيكفيﻬﻢ قولﻪ‪ ،‬أو ما ُخّرج ﻋليﻪ)‪ ،(1‬ﳚعلونﻪ ﰲ‬
‫ﳏل الﻨص يرجعون إليﻪ)‪.(2‬‬
‫ّ‬
‫ﺗتوج مرﺣلة التأﺻيل والتّﻘعيد ﲟرﺣلة استﻘرار وثبات‪ ،‬أين ﺗكون ﻓيﻬا أﺻول اﻹمام قد ُسِﱪت ُ‬
‫ود ّونت‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ﻓيبﻘﻰ التﺨريﺞ ﻋليﻬا ﰲ الﻨوازل وأﺣكام الفﻘﻪ العﻤلي‪ ،‬ويكون مرجﻊ ال ّدرس اﳋﻼﰲ اﳉدﱄ معلوم اﻷﺻول‪،‬‬
‫الرجال‪ ،‬ويبﻘﻰ الﻨﻈر ﰲ اﻋتﻤاد ﺑعﻀﻬا دون‬
‫ﻛﻤا ﺗكون الروا ت ﻋن اﻹمام ﳏفوﻇةً ﰲ الدواوين وﺻدور ّ‬
‫السﻤاﻋات ﻋن اﻹمام أو أﺗباﻋﻪ‪.‬‬
‫ﺣﱴ ﲣلص ﻋلﻰ شكل متون ﲣلو من ّ‬ ‫ﺑعﺾ‪ّ ،‬‬
‫التﻄور التارﳜﻲ لﻠمﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ووَر ًﻋا‪ ،‬إليﻪ اﻹمامة ﰲ‬
‫وﻓﻬﻤا َ‬
‫إ ّن اﻹمام مالكاً ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬ﻛان إمام زمانﻪ؛ ﻓاق اﻷقران ﺣفﻈًا ً‬
‫مالﻚ سيّد‬
‫مالﻚ سيّد أﻫل اﳌديﻨة«‪ ،‬وقال‪ٌ » :‬‬
‫ﺣﱴ قال ﻓيﻪ سفيان ﺑن ﻋييﻨة‪ٌ » :‬‬‫الفﻘﻪ واﳊديث‪ ،‬مﻨاقبﻪ ﻛثﲑة‪ّ ،‬‬
‫اﳌسلﻤﲔ«)‪.(3‬‬

‫للﻤﻘﺼر‪ ،‬ومن ﱂ يكن ﻓيﻪ ﳏﻤل اﻻختيار للﻘول‬


‫ّ‬ ‫الﺰ دات‪» :‬وﻻ يسﻊ اﻻختيار من اﻻختﻼف للﻤتعلّﻢ وﻻ‬‫)‪ (1‬قال اﺑن أﰊ زيد ﰲ مﻘ ّدمة الﻨّوادر و ّ‬
‫اﳌواز واﺑن ﻋبدوس‬
‫لتﻘﺼﲑه؛ ﻓلﻪ ﰲ اختيار اﳌتع ّﻘبﲔ من أﺻحاﺑﻨا من ن ّﻘادﻫﻢ مﻘﻨﻊ مثل‪ :‬سحﻨون وأﺻبﻎ وﻋيسﻰ ﺑن ديﻨار‪ ،‬ومن ﺑعدﻫﻢ مثل‪ :‬اﺑن ّ‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ اﺑن أﰊ زيد )ت‪386‬ﻫـ(‪ ،‬الﻨّوادر والﺰّ دات ﻋﻠﻰ ما ﰲ اﳌدوّنﺔ من ﻏﲑﻫا من اﻷمﻬات‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫واﺑن سحﻨون«‪ .‬الﻘﲑواﱐ‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫ﳎﻤوﻋة من اﳌﺆلفﲔ(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1999 ،‬م ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.12-11‬‬
‫)‪ (2‬ذﻛر اﺑن مرزوق أ ّن‪) :‬ما اشتﻬر من اﻋتبار ﻛﻼم اﻹمام لﻨسبة للﻤﻘلّد ﲟﻨﺰلة ﻛﻼم ال ّشارع لﻨسبة لﻺمام‪ ،‬وقياس اﳌﻘلّد ﻋلﻰ أﺻول إمامﻪ‬
‫ورثوا‬
‫يورثوا ديﻨارا وﻻ درﳘان وإّﳕا ّ‬
‫ﻛﻘياس ا تﻬد ﻋلﻰ اﻷﺻول ال ّشرﻋية‪ ،‬أشار لﻪ الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﺑﻘولﻪ‪» :‬العلﻤاء ورثة اﻷنبياء‪ ،‬ﱂ ّ‬
‫العلﻢ«(‪ .‬الونشريسي‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن ﳛﲕ )ت‪914‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﻌﻴار اﳌﻌﺮب واﳉامع اﳌﻐﺮب ﻋن ﻓتاوى أﻫل إﻓﺮيقﻴﺔ واﻷندلﺲ واﳌﻐﺮب‪،‬‬
‫ط‪) ،1‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳎﻤوﻋة ﻓﻘﻬاء شراف د‪.‬ﳏﻤد ﺣﺠي(‪ ،‬وزارة اﻷوقاف والشﺆون اﻹسﻼمية للﻤﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪1401 ،‬ﻫـ‪1981/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.79‬‬
‫)‪ (3‬ﻋياض‪ ،‬أﺑو الفﻀل ﺑن موسﻰ اليحﺼﱯ )ت‪544‬ﻫـ(‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك وﺗقﺮيﺐ اﳌﺴالﻚ ﳌﻌﺮﻓﺔ أﻋﻼم مﺬﻫﺐ مالﻚ‪ ،‬ط‪) ،1‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫ﳎﻤوﻋة ﳏﻘﻘﲔ(‪ ،‬مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﶈﻤدية‪ ،‬اﳌﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.149‬‬

‫‪69‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﺣﱴ من‬
‫ﻛل أطراف العاﱂ اﻹسﻼمي‪ّ ،‬‬
‫ﻛل مﺼر ﳌكانتﻪ العليّة ﻋﻨدﻫﻢ‪ ،‬ورﺣلوا من ّ‬ ‫جاءه الﻄلبة من ّ‬
‫ﺑﻼد ﻓارس وإﻓريﻘية‪ ،‬ﻓﺼار اﻹمام الّذي ﺗُش ّد رﺣال العلﻢ إليﻪ‪.‬‬
‫يﻨص‬
‫وﳜرج ﻋليﻬا ما ﱂ ّ‬
‫ﻋدد مﻨﻬﻢ ﺻار ﳝثّل مذﻫب مالﻚ ﰲ مﺼره‪ ،‬يفﱵ ﺑفتواه‪ّ ،‬‬ ‫اشتﻬر من طلبتﻪ ٌ‬
‫ﺣﱴ ﺻار مذﻫب اﻹمام مالﻚ معروف اﻷﺻول‪ ،‬ﺗبﻨّتﻪ ﺑعﺾ اﻷقﻄار اﻹسﻼمية‬ ‫ﻋليﻪ اﻹمام‪ ،‬ويروي ﻋﻨﻪ أقوالﻪ‪ّ ،‬‬
‫اﻷمﻬات ودواوين‬
‫ب ﻋﻨﻪ‪ ،‬ويﻨاﻇر ﻋليﻪ ا‪ ،‬وﺻارت ﻛتب ّ‬ ‫فﱴ ﺑﻪ ﰲ رﺑوﻋﻬا‪ ،‬ويُ َذ ﱡ‬
‫رﲰي لل ّدولة ي َ‬ ‫ٍ‬
‫ﻛﻤذﻫب ٍّ‬
‫سﺠﻼ ﻢ أن ﻻ ﳜرج الﻘاﺿي ﻋن قول اﺑن‬
‫اﳌذﻫب دستوراً ﰲ الﻘﻀاء والفتوى؛ ﺑل شرط أﻫل اﻷندلﺲ ﰲ ّ‬
‫ﺻحة الﻄّريﻖ اﳌوﺻل ﳌذﻫب مالﻚ‪.‬‬
‫الﻘاسﻢ ما وجده‪ ،‬اﺣتياطًا ورﻏبةً ﰲ ّ‬
‫أوﻻ‪ :‬مﺮﺣﻠﺔ الﻨﺸوء ‪-‬الﺴماﻋات والﺮوا ت‪:-‬‬
‫ﺗﻄور اﳌﺆلّفات والتّﺼﻨيفات ﰲ ﺗلﻚ الفﱰة؛‬
‫ﺗﻄور اﳊرﻛة الفﻘﻬية اﻻجتﻬادية ﰲ زمان ما يﻈﻬر ﰲ ّ‬
‫إ ّن ّ‬
‫ﺗﻄور الفﻘﻪ؛ خﺼائص وﲰات‪ ،‬ﻓﻤا ﻏلب ﻋلﻰ مرﺣلة الﻨّشوء ﰲ ﲨﻊ آراء اﻹمام ﰲ‬
‫لكل مرﺣلة من مراﺣل ّ‬‫و ّ‬
‫اﳌدو ت واﳌﺼﻨّفات ﰲ رواية سﺆاﻻت لﻺمام وأقوالﻪ‪.‬‬
‫ﻓدونوا ّ‬
‫شﱴ اﻷمﺼار‪ّ ،‬‬ ‫مسائل الفﻘﻪ من أﻛﱪ طلبتﻪ من ّ‬
‫نﻴا‪ :‬مﺮﺣﻠﺔ التقﻌﻴد والتﺄﺻﻴل ‪-‬ﻛتﺐ اﻻستدﻻل واﳋﻼف والﻨّظﺮ‪:-‬‬
‫ﻏلب ﻋلﻰ مرﺣلة التأﺻيل والتﻘعيد التﺼﻨيﻒ ﰲ ﻛتب اﻷﺻول واﳉدل واﳋﻼف العاﱄ وأﺣكام الﻘرآن‬
‫الرد ﻋلﻰ اﳌﺨالﻒ إن‬
‫وشروح اﳊديث وﻏﲑﻫا من الفﻨون الّﱵ مبﻨاﻫا اﻻستدﻻل للﻤذﻫب‪ ،‬وﺗﻘعيد أﺻولﻪ‪ ،‬و ّ‬
‫اقتﻀﻰ اﳊال ﰲ ﻛتب اﳋﻼف العاﱄ‪ ،‬أو ﻛتب الردود ا ّردة‪ ،‬وﰲ نفﺲ اﳌرﺣلة اشتﻐل ﺑعﺾ العلﻤاء ﺑتﺼﻨيﻒ‬
‫اﳌتون ﻋلﻰ طريﻘة الﻘرويّﲔ؛ ﻻقتﺼار ﻋلﻰ الروا ت اﳌشﻬورة للﻤذﻫب‪ ،‬وﲡريد اﳌتون من الروا ت الشاذّة‬
‫اﳌدونة ﰲ التﻬذيب‪.‬‬
‫واﳌرجوﺣة؛ ﻓتواﱃ التﺼﻨيﻒ مﻨذ ﺗﺼﻨيﻒ الﱪاذﻋي اختﺼار ّ‬
‫لﺜا‪ :‬مﺮﺣﻠﺔ الﻨﻀﺞ واﻻستقﺮار –اﳌتون وما ﻋﻠﻴﻬا‪ ،‬وﻛتﺐ الﻌمل‪:-‬‬
‫وسﱪت ﻓيﻬا‬‫ﺿبﻄت ﻓيﻬا طرق الفتوى‪ُ ،‬‬ ‫ﲣتﻢ سلسلة التﺼﻨيﻒ الفﻘﻬي ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي ﲟرﺣلة ُ‬
‫مﺼادر الﻨّﻘل اﻷساسية للراجح اﳌشﻬور الذي ﺑﻪ ﻋﻤل اﳌفتﲔ والﻘﻀاة‪ ،‬ﻓعكﻒ الفﻘﻬاء ﻋلﻰ ﲢرير اﳌفﱴ ﺑﻪ‪،‬‬
‫وﺻار ﳐتﺼر الشيخ خليل ﺑشروﺣﻪ وﺣواشيﻪ)‪ (1‬الﺼورة الﻨﻬائية ﳌﺼﻨّﻒ ﲨﻊ شتات ما ﺑﻪ الفتوى من ّأمﻬات‬
‫وﺣل ﻏوامﻀﻪ ورموزه‪ ،‬وﻋرﺿوه ﻋلﻰ الﻨّﻘد والتع ّﻘب ﻓيﻤا‬
‫ﻓﻚ ﻋباراﺗﻪ‪ّ ،‬‬
‫اﳌذﻫب‪ ،‬ﻓتوقّﻒ ﻋﻤل الفﻘﻬاء ﻋلﻰ ّ‬
‫خالﻒ اﳌعتﻤد ﰲ اﳌذﻫب‪.‬‬

‫يوﺿح أ ّن مدار الفتوى ﻋﻨد اﳌالكية ليﺲ ﳐتﺼر الشيخ خليل‬


‫)‪ (1‬إ ّن اﻋتﻤاد الفﻘﻬاء ﻋلﻰ ﺑعﺾ اﳌﺼﻨّفات الﱵ خدمت ﳐتﺼر الشيخ خليل‪ّ ،‬‬
‫وﺿحان ﻫذا اﳌعﲎ‪.‬‬
‫وﺣده‪ ،‬ﺑل ﲟا خدمﻪ من ﺗلﻚ الشروح واﳊواشي والتعليﻘات والﻄرر اﳌﻨتﻘاة دون ﻏﲑﻫا‪ ،‬ونور البﺼر للﻬﻼﱄ‪ ،‬ونﻈﻢ الﻐﻼوي ي ّ‬

‫‪70‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜاﱐ‪ :‬التﺼﻨﻴﻒ ﻋﻨد اﳌالﻜﻴﺔ وسﺆال التﺠدد‪.‬‬


‫قد يكون لﻸﺣداث التارﳜية والسياسية الﱵ ﺗوالت ﻋلﻰ اﻷمة اﻹسﻼمية مﻊ ﺑداية الﻘرن الساﺑﻊ من‬
‫مباشر ﰲ اﺿﻄراب‬
‫أثر ٌ‬ ‫سﻘوط ﺑﻐداد‪ ،‬وموت ﻛثﲑ من العلﻤاء ﰲ اﳊروب الﺼليبية‪ ،‬إﱃ سﻘوط اﻷندلﺲ؛ ٌ‬
‫خاﺻة‪.‬‬
‫اﳊرﻛة العلﻤية والدرس الفﻘﻬي ّ‬
‫آخر ﰲ سبب اﺿﻄراب اﳊرﻛة العلﻤية؛ ﻓﻘال اﳊﺠوي ﰲ الفكر السامي‪:‬‬ ‫أي ُ‬ ‫وﻛان لبعﺾ اﳌالكية ر ٌ‬
‫ﻛودا‪ ،‬وﲣ ّدرت اﻷﻓكار ﺑش ّدة اﻻختﺼار‪ ،‬واﻹﻛثار من‬
‫»من زمن خليل إﱃ اﻵن زادت العﻘول ﻓﱰة‪ ،‬واﳍﻤﻢ ر ً‬
‫ﺗﻄور‬
‫الﺼور الﻨّادرة‪ ،‬ﻓاقتﺼروا ﻋلﻰ خليل وشروﺣﻪ ‪ ...‬ﻓمن زمن ﺧﻠﻴل إﱃ اﻵن ّ‬
‫الفروع الّﱵ ﻻ ﳛاط ا‪ ،‬و ّ‬
‫ﻀﻌﻒ واﳍﺮم‪ ،‬واﳋﺮب الّﺬي ما ﺑﻌدﻩ إﻻّ الﻌدم‪ ،‬وسيأﰐ ﰲ ﺗرﲨة‬
‫الﻔقﻪ إﱃ طور اﳓﻼل القوى‪ ،‬وﺷ ّدة ال ّ‬
‫الﻘبّاب قول ال ّشاطﱯ واﺑن خلدون‪ :‬أ ّن اﺑن شاس واﺑن ﺑشﲑ واﺑن اﳊاجب أﻓسدوا الفﻘﻪ‪ ،‬ﻓإذن خليل أجﻬﺰ‬
‫ﻋليﻪ ‪.(1)«...‬‬
‫اﳌتأخرة ﻋن‬
‫ﻫكذا ﲪّل ﺑعﺾ اﳌﻨتسبﲔ للﻤذﻫب اﳌالكي جريرة ﲣلّﻒ اﳌسلﻤﲔ وﻋﺠﺰﻫﻢ ﰲ الﻘرون ّ‬
‫موازاة اﳊﻀارة الﻐرﺑية‪ ،‬وﺻارت ﻫذه الدﻋوى مﻄيّةً يذﻛرﻫا ﻛثﲑٌ ﳑّن ﺗكلّﻢ ﻋن اﳌذﻫب اﳌالكي ويرﺑﻄﻬا ﺑﺰمن‬
‫ولعل ثّرﻫﻢ ﳊرﻛة اﻻستعﻤارية اﻷجﻨبية للدول اﳌسلﻤة وانبﻬارﻫﻢ ا؛‬ ‫ومتأخري اﳌالكية‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫الشيخ خليل‪،‬‬
‫ﳛﻤلون التﻤذﻫب ﻫذه اﻷوﺻاف‪.‬‬
‫جعلﻬﻢ ّ‬
‫ليل ﺿللﻨا«‪ .‬ويبعد أن يكون‬
‫ﺿل خ ٌ‬‫ويدلّلون ﻋلﻰ ﲨود اﳌالكية ﺑﻘول ﺻر الدين الل ّﻘاﱐ‪» :‬إن ّ‬
‫اللﻘاﱐ قﺼد ا ﻇاﻫرﻫا اﳌوﺣي ﺑلﺰوم اﺗّباع خليل ﻓيﻤا أخﻄأ ﻓيﻪ‪ ،‬ﻓﻘال التﻨبكﱵ ﰲ نيل اﻻﺑتﻬاج‪» :‬مبالﻐة‬
‫مﻨﻪ ﰲ اﳊرص ﻋلﻰ متاﺑعتﻪ«)‪ ،(2‬أي‪ :‬الشيخ خليل‪.‬‬
‫إ ّن دﻋوى التﺠديد ﲞلفية الﻘﻄيعة مﻊ الﱰاث وقﻒ معﻬا الفﻘﻬاء وﺣ ّذروا مﻨﻬا؛ ﻓالفﻘﻬاء ﱂ يﺆلّفوا‬
‫اﳌتون الفﻘﻬية واﳌﺨتﺼرات ﳌواﻛبة اﳌستﺠ ّدات‪ ،‬ﺑل دف ﺗﻘرير وﺣكاية اﳌذﻫب ﰲ مسائل الفﻘﻪ ليﺲ إﻻّ‪،‬‬
‫ّأما اﻹﺑداع وﺣرﻛة العﻘول وإﻋﻤال الﻨّﻈر؛ ﻓازدﻫر ﰲ الفﱰة الﱵ ّادﻋﻰ ﻓيﻬا الﻨّاس نﻀوب الفﻘﻪ‪ ،‬واﳉﻤود ﻋلﻰ‬
‫شرح اﳌﺨتﺼرات وﲢشية اﳊواشي‪.‬‬

‫)‪ (1‬اﳊﺠوي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن اﳊسن ﺑن العرﰊ الثعالﱯ الفاسي )ت‪1376‬ﻫـ(‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ ﰲ ريخ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1416 ،‬ﻫـ‪1995/‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.287‬‬
‫)‪ (2‬التﻨبكﱵ‪ ،‬أﺑو العباس أﲪد ﺑن أﲪد ﺑن الفﻘيﻪ اﳊاج أﲪد التكروري السوداﱐ )ت‪1036‬ﻫـ(‪ ،‬نﻴل اﻻﺑتﻬاج ﺑتﻄﺮيﺰ الديباج‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫ﻋبد اﳊﻤيد ﻋبد ﷲ اﳍرامة(‪ ،‬دار الكاﺗب‪ ،‬طراﺑلﺲ‪-‬ليبيا‪2000 ،‬م‪ :‬ص‪.171‬‬

‫‪71‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫وﱂ ﺗكن ﻛثرة اﳊواشي والشروح للﻤﺨتﺼرات إﻻّ ﻛكتب مدرسية يكثر ﺗداوﳍا‪ .‬وﳐتﺼر الشيخ خليل‬
‫مثﻼً اﻋتُﻤد ﲟﺠﻤوع اﳌﺼﻨّفات الﱵ خدمتﻪ‪ ،‬والﱵ ﻋﻤلت ﻋلﻰ ﺗﻨﻘيحﻪ وﺗﺼفيتﻪ وﺗﺼحيحﻪ‪ ،‬وﱂ يكن اﳌالكية‬
‫شرﺣا أﺣﺼيت ﻋلﻰ اﳌﺨتﺼر‪ ،‬ﱂ يعتﻤد‬
‫ﻛل ﻛتاب خدم اﳌﺨتﺼر‪ ،‬ﻓﻤن ﺑﲔ مئتﲔ وسبعة وسبعﲔ ً‬ ‫يعتﻤدون ّ‬
‫مﻨﻬا إﻻ ﲦانية ﻋشر‪.‬‬
‫ﳌوازاة مﻊ ﺣرﻛة التﺼﻨيﻒ واﻻﻫتﻤام ﳌتون وما ﻋليﻬا؛ ازدﻫر التﺼﻨيﻒ ﰲ ﻛتب العﻤل)‪ ،(1‬ﻋلﻰ أنّﻪ‬
‫اشتﻬر ﻋلﻰ ألسﻨة الباﺣثﲔ والعلﻤاء أ ّن اﳌذﻫب اﳌالكي أﺻيب ﺑعﻘر ا تﻬدين وﲨود اﳌﻨتسبﲔ‪ ،‬ورموه ﳉﻤود‬
‫اﳊﺲ الﻨﻘدي‪ ،‬وﻫذه اﳌسألة أ رﻫا قدﳝاً اﺑن ﺣﺰم الﻈاﻫري‪ ،‬وﺑعده ﺑعﺾ من يﻨبذ‬‫التام مﻊ ﻏياب ّ‬
‫والتﻘليد ّ‬
‫التﻤذﻫب‪ ،‬وﺗبعﻬﻢ ﺑعﺾ الباﺣثﲔ اﳌعاﺻرين‪ ،‬ومﻨﻬﺞ البحث العلﻤي يﻘتﻀي اﻹجاﺑة ﻋن ﺗلﻚ التّﻬﻢ‪ ،‬ولو‬
‫ﳎرد دﻋاوى‪ ،‬وﰲ ﻫذا يﻘول ﻋﻤر اﳉيدي‪» :‬وﻫي دﻋوى ﻻ ﺗستﻨد ﻋلﻰ أساس؛ إذا ﻻ يوجد ما‬ ‫ﻛانت ّ‬
‫يﺆيّدﻫا‪ ،‬ويﻨﻬﺾ دليﻼً لتﺼديﻘﻬا‪ ،‬ﺑل لديﻨا ما يفﻨّدﻫا ويبﻄلﻬا«)‪.(2‬‬
‫رده ﻋلﻰ ﺣث معاﺻر يﻘول‪» :‬نكتفي يراد اﻋﱰاﺿﲔ ﻋلﻰ ﻤتﻪ‪:‬‬
‫وﰲ سياق ّ‬
‫يﻄور ﻫذا‬
‫متحﺠرين ﻛﻤا زﻋﻢ‪ ،‬ﺑل ﻛان ﻓيﻬﻢ من ّ‬
‫ّ‬ ‫اﻷول‪ :‬أ ّن أﺗباع اﳌذﻫب ﱂ يكونوا ﻛلّﻬﻢ جامدين‬
‫مر ا الفﻘﻪ‪ ،‬ويبدي رأيﻪ ﰲ أقوال ﺻاﺣب اﳌذﻫب‪ ،‬ﻓيأخذ ﲟا رآه‬‫الفﻘﻪ وﳚ ّدده ﰲ ﳐتلﻒ اﳌراﺣل الﱵ ّ‬
‫خﺼﻬﻢ ل ّذﻛر ‪-‬‬
‫ﺻوا ً‪ ،‬ويرﻓﺾ ما ثبت لديﻪ ﺿعﻒ مأخذه‪ ،‬وﻛبار ﻓﻘﻬاء اﳌالكية ﰲ اﻷندلﺲ الذين ّ‬
‫ﻛﻐﲑﻫﻢ‪ -‬ﻓعلوا ذلﻚ ﺑﻼ استثﻨاء ‪...‬‬
‫الثاﱐ‪ :‬ما أورده لتعليل وجﻬة نﻈره من أ ّ ﻢ ﻛانوا يريدون اﶈاﻓﻈة ﻋلﻰ الوﺣدة ال ّديﻨية ﰲ ﺑﻼد اﻷندلﺲ‪،‬‬
‫ﻻ يﻨﻬﺾ دليﻼً ﻋلﻰ ﺻحة رأيﻪ ‪ ...‬ذلﻚ ّن اﻷندلﺲ ﱂ ﺗكن خاليةً من اﳌذاﻫب‪ ،‬وﻻ ﻛان اﻷندلسيون‬
‫ﳚﻬلو ا‪ ،‬ﻓاﳌذاﻫب اﻹسﻼمية ﻛلّﻬا ﺗعايشت ﰲ اﻷندلﺲ‪ ،‬وإن ﻇلّت الﻐلبة للﻤذﻫب اﳌالكي ﻋتباره اﳌذﻫب‬
‫الرﲰي للدولة ‪...‬‬
‫اﳊﻖ أ ّن وﺻﻢ اﳌالكية لتﻘليد واﳉﻤود؛ ﻫي نﻈرة ﺗكاد ﺗكون سائدةً لدى الكثﲑ من الباﺣثﲔ‬ ‫و ّ‬
‫يﺆﻫلﻬﻢ‬
‫ومرد ذلﻚ ﰲ نﻈر أ ﻢ ﳚﻬلون ﺗراث ﻫذا اﳌذﻫب‪ ،‬أو أ ﻢ ﱂ يﻄّلعوا ﻋليﻪ لﻘدر الّذي ّ‬ ‫اﳌعاﺻرين‪ّ ،‬‬
‫ﻷن يﺼدروا ﰲ ﺣ ّﻘﻪ الرأي الﺼائب ‪.(3) «...‬‬

‫السﺠﻼت‬
‫ﺗﻀﻢ ﻛتب الﻨّوازل والفتاوى واﻷقﻀية والو ئﻖ الشروط و ّ‬
‫لكل مذﻫب؛ ّ‬
‫الشﻖ الثالث من أنواع التﺼﻨيﻒ الفﻘﻬي ّ‬
‫)‪ (1‬ﻛتب العﻤل؛ ﻫي ّ‬
‫واﳊسبة والفرائﺾ‪ .‬وﻫي قسيﻤة لكتب اﳌتون‪ ،‬وما ﻋليﻬا من شروح وﺣواشي‪ ،‬وﻛذا ﻛتب اﻻستدﻻل‪ ،‬ﻛكتب أﺻول الفﻘﻪ‪ ،‬وشروح السﻨة‪،‬‬
‫وأﺣكام الﻘرآن‪ ،‬واﳋﻼف العاﱄ‪ ،‬والردود‪.‬‬
‫)‪ (2‬اﳉيدي‪ ،‬ﻋﻤر‪ ،‬مباﺣﺚ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ ﳌﻐﺮب‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪ :‬ص‪.149‬‬
‫)‪ (3‬نفﺲ اﳌرجﻊ ‪.150 ،149‬‬

‫‪72‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫يوﺿح معﲎ التﻨاسﻖ التشريعي للﻤذﻫب اﳌالكي؛ ﻓﻐلﻖ ب اﻻجتﻬاد‬


‫إ ّن ﺗﻐيﲑ زاوية الﻨّﻈر للﻤذﻫب قد ّ‬
‫اﳌﻄلﻖ‪ ،‬وقﺼر الفتوى ﻋلﻰ اﳌشﻬور اﳌعتﻤد اﳌروي ﻋن اﻷئﻤة؛ ليﺲ نتيﺠة ﲨود ورﻛود‪ ،‬ﺑﻘدر ما ﻫو نتيﺠة‬
‫مﻨﻄﻘية ﻻستﻐراق أﺻول الﻨّﻈر واﻻستدﻻل‪ ،‬ﻓالتﺼﻨيﻒ والتأليﻒ الفﻘﻬي مرﺗبﻂ ﳊاجة التشريعية)‪ ،(1‬وإﻻّ‬
‫ﻓﻤا الﻐاية من اﻻجتﻬاد إﻻّ استﻨباط اﻷﺣكام من الﻨص الشرﻋي‪ ،‬وأﺻول اﻻستﻨباط استﻐرقتﻬا اﳌذاﻫب‬
‫اﳌعتﻤدة‪ ،‬ﻓلﻢ يبﻖ للفﻘيﻪ إﻻّ ﲢرير اﳊكﻢ الشرﻋي ﻋن ﳎتﻬد اﳌذﻫب‪ ،‬أو التﺨريﺞ ﻋليﻪ‪ ،‬أو اﻻختيار من أﺣد‬
‫اﳌذاﻫب‪.‬‬
‫وﻫﻨا ﺗﻄرح اﻹشكالية اﻵﺗية‪:‬‬
‫دليل ﻋدم ﻓﱰة اﳍﻤﻢ‬
‫أﻻ ﳝكن اﻋتبار ﻏﺰارة التﺼﻨيﻒ ﰲ الﻨّوازل وﻛتب العﻤل‪ ،‬وﻛتب الﻘﻀاء والفتاوى َ‬
‫خﺼوﺻا للحاجة التشريعية‬
‫ً‬ ‫والعﻘول؟ وما مدى استﺠاﺑة اﳊرﻛة التﺼﻨيفية اﳌالكية ﰲ الفﻘﻪ‪ ،‬وﰲ ﻓﻘﻪ اﳌعامﻼت‬
‫اﳌتﺠ ّددة؟ وﻫل ﳝكن اﻋتبار التﺼﻨيﻒ ﰲ الفﻘﻪ العﻤلي ﻫو الﺼورة اﳌتﺠ ّددة للفﻘﻪ؟‬
‫يوﺿح ﲜﻼء ثراء العﻤل اﻻجتﻬادي لفﻘﻬاء اﳌذﻫب اﳌالكي‪ ،‬ﻓﻤا‬
‫إ ّن الﻨّﻈر ﰲ ﻛتب الﻨوازل واﻷقﻀية ّ‬
‫ﳊﺠﺔ‪ ،‬ﺣرﺻوا ﻋلﻰ ﻋدم ّ‬
‫خلو اﳊوادث‬ ‫ّ‬ ‫زمن من ﻗاﺋﻢ‬
‫دام ﻓﻘﻬاء اﳌالكية ﺣفﻈوا قاﻋدة‪ :‬ﻻ ﳜﻠو ٌ‬
‫والسﺆاﻻت ﻋن إجا ت‪ ،‬ﺑل أﻓردوا ﺻﻨﻒ التأليﻒ ﰲ الﻨوازل قسيﻤا للتأليﻒ ﰲ اﳌتون وسائر التﺼانيﻒ‪،‬‬
‫مﻨﻬﺞ متﻤيّـٌﺰ من ﺣيث اﳌرونة‬
‫وﲣتلﻒ طبيعة الﻨوازل ﻋن طبيعة اﳌتون من ﺣية الشكل واﶈتوى‪ ،‬ﻓالﻨوازل ﳍا ٌ‬
‫ازﱄ يعرض سﺆال اﳌستفﱵ‪ ،‬وموﺿﻊ الﻨازلة‪ ،‬ﺑل قد‬
‫والتﻨاسب مﻊ اﳊاجة التشريعية؛ ﻓﻤن ﺣيث الشكل ﻓالﻨّو ّ‬
‫يكون ﻓيﻬا أﲰاء اﳌستفتﲔ‪ ،‬وﻏﲑ ذلﻚ من التفاﺻيل الﱵ ﱂ ﺗكن موجودة ﰲ ﻛتب اﳌتون‪ّ ،‬أما من ﺣية‬
‫الﻨﻈر واﻻستدﻻل؛ ﻓﻼ ﲣلو ﻛتب الﻨوازل من ﻋرض اﻷدلة ومﻨاقشة اﳊﺠﺞ‪.‬‬
‫متﺠرداً ﻷمرين‪:‬‬
‫ﺗﺼرف اﳌفﱵ ﰲ خﻄة اﻹﻓتاء والﻨوازل ّ‬
‫وﳝكن اﻋتبار ّ‬
‫‪ -1‬ﲢقﻴﻖ اﳌﻨاط‪ :‬أو ّ‬
‫ﺗﺼور اﳌسألة‪ ،‬من ﺣيث الﻨﻈر ﰲ أسبا ا وما يتعلّﻖ ا‪ ،‬ﻓيفﻬﻢ متعلّﻘا ا ﻛلّﻬا‪.‬‬

‫)‪ (1‬قال اﺑن خلدون‪» :‬إ ّن الﻨّاس ﺣﺼروا مﻘاﺻد التأليﻒ الّﱵ يﻨبﻐي اﻋتﻤادﻫا وإلﻐاء ما سواﻫا‪ ،‬ﻓع ّدوﻫا سبعة‪ّ :‬أوﳍا‪ :‬استﻨباط العلﻢ ﲟوﺿوﻋﻪ‬
‫اﳌتأخر‬
‫لعل ّ‬ ‫لتعﻢ اﳌﻨفعة ﺑﻪ‪ ،‬ﻓيودع ذلﻚ لكتاب ﰲ الﺼحﻒ‪ّ ،‬‬ ‫‪ ...‬أو استﻨباط مسائل ومباﺣث ﺗعرض للعاﱂ اﶈ ّﻘﻖ‪ ،‬وﳛرص ﻋلﻰ إيﺼالﻪ لﻐﲑه‪ّ ،‬‬
‫الشاﻓعي ّأوﻻ ﰲ اﻷدلّة الشرﻋيّة اللفﻈيّة وﳋّﺼﻬا‪ ،‬ﰒّ جاء اﳊﻨفيّة ﻓاستﻨبﻄوا مسائل‬
‫ّ‬ ‫يﻈﻬر ﻋلﻰ ﺗلﻚ الفائدة‪ ،‬ﻛﻤا وقﻊ ﰲ اﻷﺻول ﰲ الفﻘﻪ‪ ،‬ﺗكلّﻢ‬
‫اﻷولﲔ و ليفﻬﻢ؛ ﻓيﺠدﻫا مستﻐلﻘة ﻋلﻰ اﻷﻓﻬام‪ ،‬ويفتح ﷲ‬ ‫الﻘياس واستوﻋبوﻫا‪ ،‬وانتفﻊ ﺑذلﻚ من ﺑعدﻫﻢ إﱃ اﻵن‪ .‬و نيﻬا‪ :‬أن يﻘﻒ ﻋلﻰ ﻛﻼم ّ‬
‫لﻪ ﰲ ﻓﻬﻤﻬا‪ ،‬ﻓيحرص ﻋلﻰ إ نة ذلﻚ لﻐﲑه ﳑّن ﻋساه يستﻐلﻖ ﻋليﻪ‪ ،‬لتﺼل الفائدة ﳌستح ّﻘﻬا ‪ ...‬ﻓﻬذه ﲨاع اﳌﻘاﺻد الّﱵ يﻨبﻐي اﻋتﻤادﻫا‬
‫وﱄ ال ّدين ﻋبد الرﲪن ﺑن ﳏﻤد اﳊﻀرمي اﻹشبيلي )ت‪808‬ﻫـ(‪ ،‬الﻌﱪ وديوان اﳌبتدأ واﳋﱪ ﰲ أ م‬
‫لتأليﻒ ومراﻋا ا«‪ .‬اﺑن خلدون‪ ،‬أﺑو زيد ّ‬
‫الﻌﺮب والﻌﺠﻢ والﱪﺑﺮ ومن ﻋاﺻﺮﻫﻢ من ذوي الﺴﻠﻄان اﻷﻛﱪ ) ريخ اﺑن ﺧﻠدون(‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﺑو ﺻﻬيب الكرمي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﺑيت اﻷﻓكار‬
‫الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.733-731‬‬

‫‪73‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ -2‬التﻨﺰيل‪ :‬لﻨﻈر ﰲ اﳌسألة من جﻬة قيام الدليل ﻋلﻰ زلة مشا ة ّ‬


‫ﺣﱴ ﺗﻘاس ﻋليﻬا‪ ،‬أو ﻋرﺿﻬا‬
‫ﻋلﻰ قواﻋد الشريعة ومﻘاﺻدﻫا ومﺂﻻ ا‪.‬‬
‫وﳋﺼوﺻية العﻤل الﻨوازﱄ وﻛونﻪ يبحث ما استﺠ ّد من وقائﻊ وﺣوادث؛ ﻓيحتاج اﳌفﱵ ﻻستعﻤال‬
‫خاﺻة‪ ،‬أشﻬرﻫا ﻋﻨد اﳌالكية‪ :‬اﳌاجر ت‪ ،‬أو ما جرى ﺑﻪ العﻤل؛ ﻓﻘد ﺣرص مالكية اﳌﻐرب اﻹسﻼمي‬ ‫ٍ‬
‫أﺻول ّ‬
‫استﻤر ﻋليﻪ العﻤل ﻓﻘﻬيا واجتﻤاﻋيا‪،‬‬
‫خﺼوﺻا ﻋلﻰ ﺗسﺠيل دقائﻖ العادات‪ ،‬وما ﺗعارف ﻋليﻪ أﻫل اﳌﻨﻄﻘة‪ ،‬وما ّ‬
‫ً‬
‫ﺣﱴ‬
‫اﳌستﻤر‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ﻓكان التشريﻊ أقرب إﱃ اﳊالة اﻻجتﻤاﻋية والواقﻊ اﳌعاش؛ ﻷنّﻪ ﻓسح ا ال ﻻﻋتبار العرف‬
‫مرجعا للﻘﻀاة واﳌفتﲔ‪.‬‬
‫ﺻار ً‬
‫وﻻ يعﲏ اﻋتبار ما جرى ﺑﻪ العﻤل أن ﺗﻄرح نﺼوص ال ّشريعة‪ ،‬ويُعﻤل ﳍوى والعرف الفاسد؛ ﺑل ﻫو‬
‫آخر َر ْﻋياً للﻤﺼلحة وما ﺗﻘتﻀيﻪ اﳊاجة‪ ،‬ﻓبعﺾ‬ ‫ٍ‬
‫العدول ﻋن الﻘول الراجح اﳌشﻬور ﰲ ﺑعﺾ اﳌسائل إﱃ قول َ‬
‫الﻨوازليّﲔ قد يعﻤد للحكﻢ ﺑﻘول ﳜالﻒ اﳌشﻬور لدرء مفسدة أو اجتﻨاب ﻓتﻨة أو ﲢﻘيﻖ مﺼلحة‪ ،‬وﻛتب‬
‫اﳋاص ﻋﻨد اﳌالكية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الﻨوازل ﺗشﻬد ﻻﻋتبار ﻫذا اﻷﺻل‬
‫ﺣﱴ يكون‬
‫ﻋلﻰ أ ّن ما جرى ﺑﻪ العﻤل ليﺲ مﱰوًﻛا ﻋلﻰ ﻋواﻫﻨﻪ‪ ،‬ﺑل اشﱰط الفﻘﻬاء للعﻤل ﺑﻪ شروطًا‪ّ ،‬‬
‫معتﱪاً مﻘ ﱠدماً ﻋلﻰ اﳌشﻬور الراجح ﰲ الفتوى‪ ،‬ﻓﻤﻨﻬا‪ :‬أن يثبت جر ن العﻤل ﺑﻪ‪ ،‬وأن يُعرف ﳏل جر نﻪ‪،‬‬
‫ومعرﻓة زمانﻪ‪ ،‬ومعرﻓة من أجراه‪ ،‬ومعرﻓة السبب الذي ﻷجلﻪ ﻋدلوا ﺑﻪ ﻋن اﳌشﻬور إﱃ مﻘاﺑلﻪ‪ .‬قال الشيخ‬
‫الﻈن ﺑﻪ«)‪.(1‬‬
‫موجب إساءة ّ‬
‫ٌ‬ ‫ميّارة‪» :‬إ ّن الﻘاﺿي يلﺰمﻪ اﺗّباع ﻋﻤل ﺑلده‪ ،‬وإن خروجﻪ ﻋﻨﻪ‬
‫اﳌتأخرين من‬
‫ﲣل ﻋن الدليل واﻻستدﻻل ﻋﻨد ّ‬ ‫ﻋلﻰ ﻫذا؛ ﻓيﻤكن الﻘول‪ :‬إ ّن الﻨوازل والفتاوى ﱂ ُ‬
‫اﳌالكية‪ ،‬وسواء أثبتﻨا أﺻل ما جرى ﺑﻪ العﻤل‪ ،‬والعﻤل لعرف الساري‪ ،‬أو ﱂ نعﻤل ا؛ ﻓاﳌﻘﻄوع ﺑﻪ أ ّن‬
‫اﻷﺻول اﻷخرى؛ التبعية خاﺻة‪ ،‬ﻛانت ﻻ ﺗﻐادر ﻛتب الﻨوازل‪ ،‬ﻓإطﻼلةٌ ﻋلﻰ ﻛتب الﻨوازل‪ ،‬ﻛاﳌعيار اﳌعرب‬
‫ﺗوﺿح ﲜﻼء ﻏﺰار ا ﻻستدﻻل‪،‬‬ ‫العلَﻤي‪ ،‬أو ﻏﲑﻫﻢ؛ ّ‬‫للونشريسي‪ ،‬أو الدرر اﳌكﻨونة ﰲ نوازل مازونة‪ ،‬أو نوازل َ‬
‫ﺑل ﻛتب الﻨوازل أﻛثر إير ًادا للدليل؛ ﻷ ّ ا ﲣتلﻒ ﻋن طبيعة اﳌتون‪ ،‬ﻛو ا ﺗبحث مسائل زلة مستﺠ ّدة‪،‬‬
‫ﻓاﳊاجة ﻓيﻬا إﱃ اﻻستدﻻل أﻛﱪ؛ ﳍذا يﻼﺣظ أ ّن أﺻل اﳌالكية ﰲ العﻤل ﳌﺼاﱀ اﳌرسلة وس ّد الذرائﻊ‬
‫وسائر اﻷﺻول التبعية العﻤلية؛ ﺑدا جليّا ﰲ الﻨوازل والفتاوى‪.‬‬
‫ﺧﺼوﺻا‪:‬‬
‫ً‬ ‫وﻫﺬﻩ ﲨﻠﺔ من ﻛتﺐ الﻨوازل ﻋﻨد اﳌﻐارﺑﺔ‬
‫‪ -‬نوازل أﰊ اﳊسن الﺼﻐﲑ‪ ،‬ﻋلي ﺑن ﻋبد اﳊﻖ الﺰرويلي الفاسي )ت‪719‬ﻫــ(‪.‬‬

‫لﻠﻌﻼمﺔ ﺧﻠﻴل‪) ،‬مراجعة‪ :‬ﳏﻤد ﳏﻤود ولد‬


‫)‪ (1‬اﳍﻼﱄ‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن الرشيد الفﻼﱄ‪ ،‬نور البﺼﺮ ﺷﺮح ﺧﻄبﺔ اﳌﺨتﺼﺮ ّ‬
‫ﳏﻤد اﻷمﲔ(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار يوسﻒ ﺑن شفﲔ‪ ،‬مكتبة اﻹمام مالﻚ‪ ،‬اﳉﻤﻬورية اﻹسﻼمية اﳌوريتانية‪1428 ،‬ﻫـ‪2007/‬م‪ :‬ص‪.134‬‬

‫‪74‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫‪ -‬معﲔ اﳊ ّكام ﰲ نوازل الﻘﻀا واﻷﺣكام‪ ،‬ﻻﺑن ﻋبد الرﻓيﻊ إﺑراﻫيﻢ ﺑن ﺣسن التونسي )ت‪733‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬العﻘد اﳌﻨﻈﻢ للح ّكام ﻓيﻤا ﳚري ﺑﲔ أيديﻬﻢ من العﻘود واﻷﺣكام‪ ،‬ﻻﺑن سلﻤون‪ ،‬سلﻤون ﺑن ﻋلي‬
‫ﺑن ﻋبد ﷲ الكﻨاﱐ الﻐر طي )ت‪767‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬ﻓتاوى الﻘبّاب‪ ،‬أﲪد ﺑن قاسﻢ ﺑن ﻋبد الرﲪن‪ ،‬قاﺿي جبل طارق )ت‪772‬ﻫــ(‪.‬‬
‫لب‪ ،‬ﻓرج ﺑن قاسﻢ التﻐلﱯ الﻐر طي )ت‪782‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﻷجوﺑة الثﻤانية‪ ،‬ﻻﺑن ّ‬
‫‪ -‬ﻓتاوى الشاطﱯ‪ ،‬ﻹﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ اللﺨﻤي الﻐر طي )ت‪790‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬ﻓتاوى اﺑن ﻋﻼّق‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي ﺑن قاسﻢ الﻐر طي )ت‪806‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬ﻓتاوى اﳊ ّفار‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي اﻷنﺼاري الﻐر طي )ت‪810‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬جامﻊ مسائل اﻷﺣكام ﳑّا نﺰل ﳌفتﲔ واﳊ ّكام‪ ،‬للﱪزﱄ أﰊ الﻘاسﻢ اﺑن أﲪد الﻘﲑواﱐ ﰒ التونسي‬
‫)ت‪844‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل اﺑن زاﻏو‪ ،‬أﲪد ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﻋبد الرﲪن اﳌﻐراوي التلﻤساﱐ )ت‪845‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل العبدوسي‪ ،‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﳏﻤد ﺑن موسﻰ الفاسي )ت‪849‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬أجوﺑة ال َﻘوري‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن قاسﻢ اللﺨﻤي الفاسي )ت‪872‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬الدرر اﳌكﻨونة ﰲ نوازل مازونة‪ ،‬للﻤازوﱐ ﳛﲕ ﺑن موسﻰ ﺑن ﻋيسﻰ اﳌﻐيلي )ت‪883‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل اﺑن ﻫﻼل‪ ،‬إﺑراﻫيﻢ ﺑن ﻫﻼل ﺑن ﻋلي الﺼﻨﻬاجي السﺠلﻤاسي )ت‪903‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﳌعيار اﳌعرب واﳉامﻊ اﳌﻐرب ﻋن ﻓتاوى ﻋلﻤاء إﻓريﻘية واﻷندلﺲ واﳌﻐرب‪ ،‬ﻷﰊ العباس أﲪد ﺑن‬
‫ﳛﲕ الونشريسي )ت‪914‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬ﳎالﺲ الﻘﻀاة واﳊكام‪ ،‬للﻘاﺿي اﳌكﻨاسي ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ اليفرﱐ )ت‪917‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﳌسائل اﳊسان اﳌرﻓوﻋة إﱃ ﺣﱪ ﻓاس وﺗلﻤسان‪ ،‬ﻻﺑن ﻏازي اﳌكﻨاسي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي العثﻤاﱐ‬
‫الفاسي )ت‪919‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل اﳉﺰوﱄ‪ ،‬اﳊسن ﺑن ﻋثﻤان التﻤلي السوسي )ت‪932‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل ﻋﻤرو اﳌفﱵ‪ ،‬أﲪد ﺑن زﻛر ء البعﻘيلي السوسي )ت‪969‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬أجوﺑة التﻤﻨارﰐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن إﺑراﻫيﻢ الشيخ اللكوسي السوسي )ت‪971‬ﻫــ(‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪ -‬أجوﺑة اﺑن ﻋرﺿون‪ ،‬أﲪد ﺑن اﳊسن ﺑن يوسﻒ الﺰجلي الشفشاوﱐ )ت‪992‬ﻫــ(‪.‬‬


‫‪ -‬أسئلة وأجوﺑة‪ ،‬ومسائل من اﻷجوﺑة اﳊسان‪ ،‬ﻛﻼﳘا لسعيد ﺑن ﻋلي ﺑن مسعود السوسي‬
‫)ت‪1001‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل العباسي‪ ،‬سعيد ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن إﺑراﻫيﻢ السﻤﻼﱄ السوسي )ت‪1007‬ﻫ ـ(‪.‬‬
‫‪ -‬الكشﻒ والبيان ﻷﺻﻨاف ﳎلوب السودان‪ ،‬ﻷﲪد ﺑن أﲪد التﻨبكﱵ السوداﱐ )ت‪1032‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﳉواﻫر اﳌﺨتارة ﻓيﻤا وقفت ﻋليﻪ من الﻨوازل ﲜبال ﻏﻤارة‪ ،‬للﺰ ﰐ ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن اﳊسن الﻐﻤاري‬
‫)ت‪1055‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬الﻨوازل الﱪجية‪ ،‬لعبد العﺰيﺰ ﺑن أﰊ ﺑكر الرﲰوﻛي السوسي )ت‪1065‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﻷجوﺑة الﻨاﺻرية ﰲ ﺑعﺾ مسائل البادية‪ ،‬ﶈﻤد ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﺻر الدرﻋي التﻤكروﰐ‬
‫)ت‪1085‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﻷجوﺑة الكﱪى والﺼﻐرى‪ ،‬ﻛﻼﳘا لعبد الﻘادر ﺑن ﻋلي اﺑن أﰊ اﶈاسن الفاسي )ت‪1091‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل ا اﺻي‪ ،‬ﻷﰊ ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن اﳊسن اﳌﻐراوي الفاسي )ت‪1103‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﻷجوﺑة‪ ،‬للعرﰊ ﺑن يوسﻒ الفاسي )ت‪1052‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل العلﻤي‪ ،‬ﻋلي ﺑن ﻋيسﻰ اﳊسﲏ الشفشاوﱐ )ت‪1127‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل اﳌسﻨاوي‪ ،‬ﶈﻤد ﺑن أﲪد اﳌسﻨاوي )ت‪1131‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل اﳌﻨبﻬي ﶈﻤد ﺑن ﻋلي اﳌﻨبﻬي )ت‪1133‬ﻫــ(‪.‬‬
‫ردلّﻪ‪ ،‬ﳏﻤد العرﰊ ﺑن أﲪد اﻷندلسي الفاسي )ت‪1133‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬أجوﺑة ﺑُ ُ‬
‫‪ -‬نوازل الورزازي‪ ،‬ﶈﻤد ﺑن ﳏﻤد الدليﻤي الورزازي )ت‪1166‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬مواﻫب ذي اﳉﻼل ﰲ نوازل البﻼد السائبة واﳉبال‪ ،‬وﻋﻨوان الشرﻋة وﺑرﻫان الرﻓعة ﰲ ﺗذييل أجوﺑة‬
‫ﻓﻘيﻪ درﻋة‪ ،‬ﻛﻼﳘا ﶈﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد الرﲪن السكتاﱐ الكيكي )ت‪1185‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﻷجوﺑة اﳌرﺿية ﻋن مسائل مرﺿية ﰲ البيﻊ لثﻨيا والوﺻية‪ ،‬لعﻤر ﺑن ﻋبد العﺰيﺰ ال َكرسيفي‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل اﺑن سودة‪ ،‬ﳏﻤد التاودي ﺑن الﻄالب اﳌري الفاسي )ت‪1209‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬ثﻼﲦائة سﺆال وجواب‪ ،‬ﶈﻤد ﺑن ﳏﻤد الدوﻛاﱄ الفاسي )ت‪1241‬ﻫــ(‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫‪ -‬أجوﺑة التسوﱄ‪ ،‬ﻋلي ﺑن ﻋبد السﻼم اﳌدﻋو مديدش )ت‪1258‬ﻫــ(‪.‬‬


‫‪ -‬الﻨوازل الﺼﻐرى أو اﳌﻨح السامية ﰲ الﻨوازل الفﻘﻬية‪ ،‬ﻷﰊ ﻋيسﻰ ﳏﻤد اﳌﻬدي ﺑن ﳏﻤد الوزاﱐ‬
‫العﻤراﱐ اﳊسﲏ الفاسي‪ ،‬آخر اﳌفتﲔ الكبار اﳌﺆلفﲔ ﰲ الﻨوازل )ت‪1342‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬اﳉواﻫر الثﻤيﻨة ﰲ ﺗﺼيﲑ وﻫبة أوﻻد مديﻨة‪ ،‬ونتائﺞ اﻷﺣكام ﰲ نوازل اﻷﺣكام‪ ،‬ﻛﻼﳘا ﻷﲪد ﺑن‬
‫ﳏﻤد الرﻫوﱐ التﻄواﱐ )ت‪1373‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬نتائﺞ اﻷﺣكام ﰲ نوازل اﻷﺣكام للفﻘيﻪ‪ ،‬أﲪد ﺑن ﳏﻤد ﺑن اﳊسن الرﻫوﱐ )ت‪1373‬ﻫــ(‪.‬‬
‫‪ -‬ﻓتاوى ﺗتحدى اﻹﳘال ﰲ شفشاون وما ﺣوﳍا من اﳉبال‪ ،‬ﲨﻊ وﺗﻨﻈيﻢ ﳏﻤد اﳍبﻄي اﳌواﻫﱯ‪.‬‬
‫اﻻستدﻻل ﻋﻨد اﳌالﻜﻴﺔ اﳌتﺄﺧﺮين‪:‬‬
‫خلوه من اﻻستدﻻل‪ ،‬وﻋدم رﺑﻂ الفروع‬‫ﺗرﺗبﻂ دﻋوى اﳉﻤود والتﻘليد للﻤذﻫب اﳌالكي أيﻀا ﺑدﻋوى ّ‬
‫الﱪ‪،‬‬
‫دلتﻬا اﻹﲨالية والتفﺼيلية‪ .‬والعارف ﺑتاريخ اﳌذﻫب اﳌالكي وأﺻولﻪ ومﺼﻨّفاﺗﻪ يعلﻢ أ ّن ﻛتب اﺑن ﻋبد ّ‬
‫الوﻫاب وﻏﲑﻫﻢ؛ شاﻫدةٌ ﻋلﻰ ﻏﺰارة اﳌذﻫب اﳌالكي ﻷدلّة واﳊﺠﺞ‬
‫والﻘرطﱯ‪ ،‬واﺑن العرﰊ‪ ،‬والﻘاﺿي ﻋبد ّ‬
‫خاﺻةً ﰲ اﳌﻐرب‬
‫ال ّشرﻋية ﲟﺨتلﻒ مﺼادرﻫا‪ .‬ﺑل قد يُﻘال‪ :‬إ ّن اﳌالكية ﱂ ﳛتاجوا للتأليﻒ ﰲ اﻻستدﻻل‪ّ ،‬‬
‫ﳐالﻒ ُﳛ ِوج اﳌالكية للدﻓاع واﻻستدﻻل للﻤذﻫب‪.‬‬
‫مذﻫب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫اﻹسﻼمي‪ ،‬أين ﺻفا اﳉو للﻤالكية‪ ،‬وﱂ يﻨتشر‬
‫ومﻊ ﻫذا؛ ﻓفي ﻫذه اﻷزمﻨة قد ﳛتاج اﳌالكية للتﺼﻨيﻒ ﰲ رﺑﻂ الفروع ﻷﺻول اﻻجتﻬادية خاﺻة‪،‬‬
‫وقد دﻋا إﱃ ﻫذا ﻏﲑ واﺣد من ﻓﻘﻬاء اﳌالكية‪ ،‬ﻓيﻘول الشيخ ﳏﻤد الشيباﱐ الشﻨﻘيﻄي؛ شارح ﺗدريب اﳌسالﻚ‬
‫إﱃ أقرب اﳌسالﻚ للشيخ ﻋبد العﺰيﺰ ﲪد آل مبارك اﻷﺣسائي‪» :‬ونرجو من ﻋلﻤائﻨا اﳌالكية الّذين ﳍﻢ الﻘدرة‬
‫ﻋلﻰ اﳉﻤﻊ ﺑﲔ الفروع واﻷﺻول‪ ،‬ورﺑﻂ الفرع لدليل‪ ،‬أن يﻘوموا ﺑشرح اﳌﺨتﺼرات اﳌالكية ل ّدليل‪ ،‬خﺼوﺻا‬
‫أﻫﻢ ﺗلﻚ اﳌﺨتﺼرات وأﴰلﻬا‪ ،‬ﻹﺿاﻓة إﱃ أنّﻪ ﳛﻈﻰ من أﻫل اﳌذﻫب شد‬
‫ﳐتﺼر خليل الذي يعتﱪ من ّ‬
‫اﻻﻋتﻨاء«)‪.(1‬‬
‫وخلوه من ال ّدليل‪.‬‬
‫ويع ّد التأليﻒ ﰲ اﻻستدﻻل ﳌتون اﳌالكية جوا ً ﺿﻤﻨياً ﻋلﻰ دﻋوى ﲨود اﳌذﻫب ّ‬
‫وسأﻋرض ﳕاذج من شروح متون اﳌالكية شرح استدﻻل‪:‬‬

‫)‪ (1‬الشيباﱐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬ﺗبﻴﲔ اﳌﺴالﻚ ﺷﺮح ﺗدريﺐ الﺴالﻚ إﱃ أﻗﺮب اﳌﺴالﻚ‪) ،‬ﺗﻘدﱘ‪ :‬أﲪد ﺑن ﻋبد العﺰيﺰ آل مبارك(‪،‬‬
‫ط‪ ،4‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ﺑﲑوت‪1434 ،‬ﻫـ‪2013/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.12‬‬

‫‪77‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫‪» -1‬مواﻫﺐ اﳉﻠﻴل من أدلﺔ ﺧﻠﻴل«‪ ،‬ﻷﲪد ﺑن أﲪد اﳌﺨتار اﳉﻜﲏ الﺸﻨقﻴﻄﻲ)‪:(1‬‬
‫ﺣاول ﻓيﻪ مﺼﻨّفﻪ رﺑﻂ الفروع دلتﻬا من الكتاب والسﻨة والﻘياس‪ ،‬وما ﻛان من قبيل اﻻجتﻬاد ﻓإنّﻪ‬
‫شرﻋي ﻋﻤل لﻨص ال ّشرﻋي‪،‬‬
‫نص ّ‬ ‫ﺣاول إجراءه ﻋلﻰ قواﻋد اﳌذﻫب‪ ،‬وﻛان أثر ً؛ ﻓإذا ﺗعارض لديﻪ الفرع مﻊ ّ‬
‫ﻛﻤا ﲡاوز اﻻستدﻻل للﻤسائل اﳌفروﺿة‪.‬‬
‫وذﻛر الداﻓﻊ لﻪ ﻋلﻰ ليفﻪ ﻓﻘال‪» :‬وﺣيث إ ّن ﻫذا اﳌﺨتﺼر وﺿﻊ ﻋليﻪ ﺣﱴ اﻵن ﺣول مائة شرح‬
‫ويوﺿح معانيﻪ وأﺣكامﻪ‪ .‬لذلﻚ ﻓﻘد ّقررت‬
‫يبﲔ ألفاﻇﻪ‪ّ ،‬‬
‫وﺗعليﻖ‪ ،‬ﻓإنّﻪ أﺻبح ﻏﻨيّا ﻋن وﺿﻊ شرح جديد‪ّ ،‬‬
‫لكن‬
‫ﻋدم اﻻﻋتﻨاء ﺑشرح اﳌﺨتﺼر‪ ،‬ﳏيﻼً طلبة العلﻢ ﰲ ذلﻚ إﱃ ﻋشرات الشروح الﱵ ﺗﺰخر اﳌكتبات ا‪ّ ،‬‬
‫موﺿوع ﻋﻨايﱵ ﻫو وﺿﻊ ما استﻄعت الوقوف ﻋليﻪ من أدلة ﻓروع ﻫذا اﳌﺨتﺼر‪ ،‬الذي ﻫو ما ﺑﻪ الفتوى ﰲ‬
‫أﻓﻀل اﻷخذ ﺑرأيﻪ ﰲ مسائل اﻻجتﻬاد‪ ،‬وﻛثﲑاً ما ﲰعت ‪-‬وﻻ سيﻤا ﰲ‬‫مذﻫب اﻹمام مالﻚ ﺑن أنﺲ‪ ،‬الذي ّ‬
‫اﳌشرق‪ -‬من ﺑعﺾ طلبة العلﻢ ‪ ...‬يﻘولون‪ :‬من أين ﳋليل قولﻪ ﻛذا؟ من أين ﳌالﻚ قولﻪ ﻛذا؟ وما ّأدى ﻢ‬
‫يتذوقوا طعﻢ الفﻘﻪ ‪ ...‬وقد ﻛانت ﻓروع اﳌذﻫب اﳌالكي من أﻛثر الفروع جرً ﻋلﻰ‬
‫إﱃ ذلﻚ إﻻّ ﻷ ّ ﻢ ﱂ ّ‬
‫مذﻫﱯ الشاﻓعي وأﲪد معروﻓان‬
‫ّ‬ ‫اﳌدونة ﻓروﻋﻬا‪ ،‬ذلﻚ أ ّن‬
‫أي مذﻫب من اﳌذاﻫب ّ‬ ‫اﻷدلّة‪ ،‬ﻻ ﳝاثلﻪ ﰲ ذلﻚ ّ‬
‫ﻤا أﻫل اﳊديث‪ ،‬ومذﻫب أﰊ ﺣﻨيفة معروف لرأي‪ ،‬وقد ﲨﻊ مذﻫب مالﻚ اﻷخذ من الكتاب والسﻨة‬
‫والﻘياس ‪.(2)«...‬‬
‫‪» -2‬إﻗامﺔ اﳊﺠﺔ لدلﻴل ﺷﺮح نظﻢ اﺑن دي ﳌﺨتﺼﺮ ﺧﻠﻴل«‪ ،‬لﻠﻌﻼمﺔ ﳏمد ي ﺑﻠﻌاﱂ )‪:(3‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن دي)‪ (4‬ﳌﺨتﺼر الشيخ خليل‪ ،‬ﳏاوﻻً اﻻستدﻻل لفروع الﻨﻈﻢ واﳌﺨتﺼر‬ ‫شرح ﻓيﻪ نﻈﻢ الشيخ ّ‬
‫وﺻرح‬
‫من الكتاب والسﻨة والﻘياس وأﺻول اﳌذﻫب‪ ،‬وﻋ ّدد اﻷدلّة الﱵ ساقﻬا ﰲ شرﺣﻪ ﻓبلﻐت ‪ 3085‬دليﻼً‪ّ ،‬‬
‫شرﺣا ﳓلّل ﻓيﻪ ألفاﻇﻪ ونستﺨرج‬
‫ﺑسبب ليفﻪ ﻓﻘال‪» :‬ﻓدﻋتﲏ الﻐﲑة الديﻨية واﶈبة العلﻤية أن أﺿﻊ ﻋليﻪ ً‬
‫وخﺼوﺻا ﻓﻘﻪ مذﻫبﻨا‬
‫ً‬ ‫معانيﻪ‪ ،‬ونستأﺻلﻬا من الكتاب والسﻨة وإﲨاع اﻷمة‪ ،‬ﻷ ّن لﻸدلة اﻷﺻلية أﳘية ﻛبﲑة‪،‬‬
‫ﻓروﻋا‪ ،‬وقد خﻼ الكثﲑ من مﺼﻨّفات اﳌذﻫب من‬ ‫اﳌالكي الذي يُعتﱪ من أﻏﲎ اﳌذاﻫب أﺻوﻻً‪ ،‬وأﴰلﻬا ً‬
‫اﻻستدﻻل ﻋليﻪ ﺻوﳍا من الكتاب والسﻨة وإﲨاع اﻷمة‪ ،‬وذلﻚ ليﺲ ﺑﻨاﺗﺞ ﻋن جﻬلﻬﻢ لﻸدلة اﻷﺻلية‪،‬‬

‫)‪ (1‬الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬أﲪد ﺑن أﲪد اﳌﺨتار اﳉكﲏ‪ ،‬مواﻫﺐ اﳉﻠﻴل من أدلﺔ ﺧﻠﻴل‪) ،‬اﻋتﻨاء‪ :‬ﻋبد ﷲ إﺑراﻫيﻢ اﻷنﺼاري(‪ ،‬إدارة إﺣياء الﱰاث‬
‫اﻹسﻼمي‪ ،‬قﻄر‪1403 ،‬ﻫـ‪1983/‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.10-7‬‬
‫)‪ (3‬ﺑلعاﱂ‪ ،‬ﳏﻤد ي )ت‪2009‬م(‪ ،‬إﻗامﺔ اﳊﺠﺔ لدلﻴل ﺷﺮح نظﻢ اﺑن دي ﳌﺨتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪ ،‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ﺑﲑوت‪1428 ،‬ﻫـ‪2007/‬م‪.‬‬
‫العﺰيّة‪ ،‬نﻈﻢ أقرب اﳌسالﻚ للدردير‪ ،‬أرجوزة‬
‫)‪ (4‬ﻫو اﳌﺨتار ﺑن ﳏﻤد ﺑن الشيخ اﳌﺨتار ﺑن أﲪد ﺑن أﰊ ﺑكر الكﻨﱵ‪ ،‬لﻪ مﺆلفات ﻛثﲑة مﻨﻬا‪ :‬نﻈﻢ ّ‬
‫ﰲ الفرائﺾ‪ ،‬ﺗوﰲ سﻨة ‪1368‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫ودونوه ﻋن اﻹمام مالﻚ وﻏﲑه؛ جعلتﻬﻢ‬


‫ولكن ثﻘتﻬﻢ ﺑشيوخ اﳌذﻫب ال ّذين رووا ﻋﻨﻬﻢ ما ﻛتبوه‪ ،‬وأﻓتوا ﺑﻪ ّ‬
‫يكتفون ﲟا نﻘل ﻋن العلﻤاء اﻷﻋﻼم مثل اﻹمام مالﻚ وأﺗباﻋﻪ«)‪.(1‬‬
‫‪» -3‬إﻗامﺔ الدلﻴل‪ ،‬ﳌﺨتﺼﺮ ﺧﻠﻴل«‪:‬‬
‫يستدل لﺼوره لكتاب والسﻨة‪ ،‬أو الﻘواﻋد اﻷﺻلية‪ ،‬ليعلﻢ اﳌﻨﺼوص من‬
‫ّ‬ ‫شرح ﻋلﻰ اﳌﺨتﺼر اﳋليلي‬
‫اﳌرجح خﻼﻓﻪ واﻻﺣتﺠاج لﻪ‪ ،‬شرع ﰲ ليفﻪ ﻋﻨد ﺗدريسﻪ لﻪ ّأول مرة ﻋام ‪1339‬ه‪،‬‬ ‫اﳌستﻨبﻂ‪ ،‬مﻊ ﺑيان ّ‬
‫اﻷول إﱃ قول‬
‫اﳊﺞ وأﻛثره ﻻ يﺰال ﰲ اﳌبيﻀة‪ ،‬والذي خرج مﻨﻪ سبعة ﻛراريﺲ ﺗبتدئ من ّ‬
‫ووﺻل ﻓيﻪ ب ّ‬
‫اﳌﱳ »ﻛشكﻪ ﰲ يوم ﻋرﻓة ﻫل ﻫو العيد«‪ ،‬آخر ب الوﺿوء‪ ،‬وﳍذا الشرح اسﻢ ن وﻫو »مﻨار السبيل‪،‬‬
‫ﳌﺨتﺼر خليل«‪.‬‬
‫‪» -4‬أﻫﻠﺔ اﳌﺴﱰﺷد‪ ،‬ﻷدلﺔ اﳌﺮﺷد«‪:‬‬
‫للشيخ ﳏﻤد اﳌدﱐ ﺑن اﳊسﲏ اﳌﻐرﰊ‪ ،‬ﳛتﺞ ﻓيﻪ ﳌسائل اﳌرشد لكتاب والسﻨة‪.‬‬
‫‪» -5‬ﲣﺮيﺞ الدﻻﺋل ﳌا ﰲ رسالﺔ القﲑواﱐ من الﻔﺮوع واﳌﺴاﺋل«‪:‬‬
‫للحاﻓظ أﲪد ﺑن الﺼديﻖ الﻐﻤاري‪ ،‬واختﺼره ﰲ ﻛتاب‪» :‬مﺴالﻚ الدﻻلﺔ ﻋﻠﻰ مﺴاﺋل الﺮسالﺔ«‪،‬‬
‫الرسالة لكتاب والسﻨة قدر جﻬده‪.‬‬
‫لكل مسائل ّ‬
‫ﺣاول ﻓيﻪ اﻻستدﻻل ّ‬
‫»اﳌﻨاﻫل الﺰﻻلﺔ ﰲ ﺷﺮح وأدلﺔ الﺮسالﺔ«‪:‬‬ ‫‪-6‬‬

‫للشيخ اﳌﺨتار ﺑن العرﰊ مﺆمن اﳉﺰائري‪ ،‬وﻫو شرح معاﺻر ﺣديث لرسالة اﻹمام اﺑن أﰊ زيد الﻘﲑواﱐ‪،‬‬
‫اﻋتﲎ ﻓيﻪ ﺻاﺣبﻪ ﺑذﻛر اﻷدلة وأقوال العلﻤاء من أﻫل اﳌذﻫب وﻏﲑﻫﻢ مﻊ ﺗوثيﻖ اﳌسائل من مﺼادر الفﻘﻪ‬
‫وﻏﲑﻫا‪.‬‬
‫»الﻌﺮف الﻨاﺷﺮ ﰲ ﺷﺮح وأدلﺔ اﺑن ﻋاﺷﺮ«‪:‬‬ ‫‪-7‬‬

‫للشيخ اﳌﺨتار ﺑن العرﰊ مﺆمن اﳉﺰائري أيﻀا‪.‬‬


‫ﻷﻫﻢ متون‬
‫جردت لﻼستدﻻل ّ‬
‫اﳌتأخرين ﺑل اﳌعاﺻرين‪ ،‬ﻛكتب ّ‬
‫ﻫذه ﺑعﺾ الﻨﻤاذج الﱵ اشتﻬرت ﻋﻨد ّ‬
‫اﳌالكية‪ .‬ﳚﻤﻊ شعث ﻛل ﻫذا اﻷستاذ الفاﺿل ﺑن ﻋاشور ﺣول ﺣرﻛة الدرس اﳌالكي ﻓيﻘول‪» :‬و ذا أﺻبح‬
‫اﻷول‪ :‬مﻨﻬﺞ متاﺑعة التلﺨيص والتحرير والتﻬذيب‬
‫الفﻘﻪ اﳌالكي مﻨذ الﻘرن الساﺑﻊ يسﲑ ﻋلﻰ مﻨﻬﺠﲔ‪ :‬اﳌﻨﻬﺞ ّ‬
‫ﳌسائل اﻷﺣكام اﳌوﺿوع ﻋلﻰ اﻷسلوب الذي ﺗرﻛﻨاه ﰲ الﻘرن اﳋامﺲ‪ ،‬وقد أﻇﻬر ﻫذا اﳌﻨﻬﺞ ﰲ الﻘرن الساﺑﻊ‬

‫)‪ (1‬ﺑلعاﱂ‪ ،‬إﻗامﺔ اﳊﺠﺔ لدلﻴل ﺷﺮح نظﻢ اﺑن دي ﳌﺨتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.16‬‬

‫‪79‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫ﻋلﻰ التعاقب الفﻘﻬاء اﳌﺼريون الذين طال ﻋﻬﻢ ﰲ ﲢرير اﳌذﻫب اﳌالكي واختﺼاره‪ :‬اﺑن شاس ﰒ اﺑن‬
‫اﳊاجب ﰒ الﻘراﰲ ﰒ خليل‪ .‬وﻛان ﳌﻨﻬﺞ اﻻختﺼار اﶈكﻢ الذي ﻇﻬر ﺑﻪ اﻹمام الﻐﺰاﱄ ﰲ اﳌذﻫب الشاﻓعي‬
‫ﺻرح ﺑذلﻚ مﻘ ّدم ﻫذه اﳊلبة؛ اﺑن‬
‫ي ﰲ دﻓﻊ العﻤل الفﻘﻬي ﻋلﻰ ذلﻚ اﳌﻨﻬﺞ‪ ،‬ﻛﻤا ّ‬
‫ﺑكتاب )الوجيﺰ( ثﲑٌ قو ﱞ‬
‫شاس‪ ،‬ﰲ خﻄبة ﻛتاﺑﻪ )اﳉواﻫر الثﻤيﻨة(‪ ،‬وﻫو الذي سار ﻋلﻰ خﻄتﻪ اﺑن اﳊاجب والﻘراﰲ ومن ﺑعدﻫﻢ‪.‬‬
‫اﳌﻨﻬﺞ الثاﱐ‪ :‬مﻨﻬﺞ التفاﺻيل ﰲ الﺼور العﻤلية ﳌسائل اﻷﺣكام ودراستﻬا من ﺣيث الوﻓاء ﺑتحﻘيﻖ‬
‫اﳌﺼاﱀ الشرﻋية اﳌﻨوطة ا ﻋلﻰ ﺣسب مﻘتﻀيات اﻷﺣوال‪ ،‬وقد ﻇﻬرت ﻋلﻰ ﻫذا اﳌﻨﻬﺞ ﻛتب اﻷﺣكام‬
‫والتوثيﻖ الﱵ ّنوﻫﻨا ا‪ ،‬وﺗبعﻬا ازدﻫار التحﻘيﻖ الفﻘﻬي ﰲ جﺰئيات اﳌسائل العﻤلية‪ ،‬الذي طفحت ﺑﻪ الفتاوى‬
‫والرسائل ﰲ مسائل اﻻلتﺰام‪ ،‬وﺻيﻎ اﻷﺣباس‪ ،‬وﻋﻘود اﳌﻐارسة‪ ،‬وﺑيﻊ الﺼفﻘة‪ ،‬ومسائل اﻷﺑﻨية واﳉدران‪،‬‬
‫السا ط والدﻛانة وﺣﻘوق الﻄريﻖ‪ ،‬إﱃ ﻏﲑ ذلﻚ‬
‫اﳋلو وﺑيﻊ اﳍواء‪ ،‬وأﺣكام العرﺻة و ّ‬
‫وﺣﻘوق اﳉوار واﻹنﺰال و ّ‬
‫ﻛل‬
‫الب ﺗعبﲑيةٌ مبتكرة‪ ،‬ﺣ ّﻘﻘت مواﺿيﻊ ﺗلﻚ اﻷنﻈار‪ ،‬وأﺿاﻓت ﰲ ّ‬‫أنﻈار ﻓﻘﻬيةٌ جديدة‪ ،‬وقو ُ‬
‫ﳑّا ﺑرزت ﺑﻪ ٌ‬
‫موﺿوع شيئاً جدي ًدا إﱃ اﳌﺼﻄلح الفﻘﻬي‪ ،‬مأخوذًا ﳑّا ﺗﻄلﻊ ﺑﻪ اﳊوادث وﺗﻨﺰل ﺑﻪ ﺻور اﻷقﻀية‪ ،‬وﻻ سيّﻤا‬
‫الرسائل مثل ﻛتاب‪ :‬جامﻊ مسائل اﻷﺣكام‬ ‫ﰲ اﻷندلﺲ واﳌﻐرب‪ ،‬وإ ّن ذلﻚ ليتﻤثّل ﰲ ﳎاميﻊ الفتاوى و ّ‬
‫للﱪزﱄ‪ ،‬ﻓﻘيﻪ ﺗونﺲ ﰲ الﻘرن التاسﻊ‪ ،‬وﻛتاب اﳌعيار للونشريسي ﻓﻘيﻪ اﳉﺰائر ﰲ الﻘرن نفسﻪ‪ ،‬وﻫو موسوﻋة‬
‫ﻛاملة ﺑفاس ﰲ اثﲏ ﻋشر ﳎلّدا ﰲ أوائل ﻫذا الﻘرن‪.‬‬

‫اب واسعةٌ‬
‫وقد نشأت من ﻫذا اﻻﲡاه الﻘﻀائي التوثيﻘي ﰲ الفﻘﻪ اﳌالكي؛ أن انفتحت للﻘﻀاة أﺑو ٌ‬
‫لﻼجتﻬاد‪ ،‬ﰲ اﻷخذ ﻷﺣكام اﳌﻨﺼوص ﻋليﻬا ﰲ دواوين اﳌذﻫب‪ ،‬ﻋلﻰ وجﻪ قد ﳛﻤلﻬﻢ ﻋلﻰ ﳐالفة‬
‫اﳌﻨﺼوص أو اﳌشﻬور؛ إذ يرون ذلﻚ أدﻋﻰ إﱃ ﲢﻘيﻖ مﻘﺼد ال ّشرع من ﺻﻼح الﻨّاس‪ ،‬ﻓيﺼبح جر ن العﻤل‬
‫الﻘﻀائي ﳐال ًفا ﰲ جﺰئيات ﳌا ﻫو مأخوذٌ ﺑﻪ ﰲ ﻛتب الفﻘﻪ‪ ،‬وقد جرى ﻫذا ﻛثﲑاً ﰲ اﻷندلﺲ‪ ،‬وذﻛر اﺑن‬ ‫ّ‬
‫ﻋاﺻﻢ مﻨﻪ ﺻوراً ﰲ ﲢفة اﳊ ّكام‪ .‬وﻛان معاﺻره ﺑتونﺲ الشيخ اﺑن ﻋرﻓة قد سار ﻋلﻰ مﻨﻬﺞ ﰲ دراسة الفﻘﻪ‪،‬‬
‫ﺑُﲏ ﻋلﻰ مﻨاقشة اﻷنﻈار اﳌﺨتلفة‪ ،‬واﻻختيار ﺑيﻨﻬا ﺣسب ما يرى من أدلّتﻬا ّقوةً وﺿع ًفا‪ ،‬ﻓانتﻬﻰ ﺑﻪ ذلﻚ إﱃ‬
‫ﻋﻤا اختاره أﺻحاب اﳌﺨتﺼرات مثل اﺑن اﳊاجب‪ ،‬و ثّر ﲟﻨﻬﺠﻪ ذلﻚ ﺗﻼميذه‬ ‫اﳋروج ﰲ ﺑعﺾ اختياراﺗﻪ ّ‬
‫من التونسيﲔ واﳉﺰائريﲔ واﳌﻐارﺑة واﻷندلسيﲔ والليبيﲔ‪ ،‬وﻛذا الﻘﻀاة مﻨﻬﻢ؛ يﻨﻬﺠون ﺞ ذلﻚ اﻻختيار ﰲ‬
‫أقﻀيتﻬﻢ‪ ،‬وأﻛدت ﻋليﻬﻢ اﻻﺿﻄرا ت اﻻجتﻤاﻋية لﺰوم اﺗباع ذلﻚ اﳌﻨﻬﺞ‪ ،‬قﻄعاً ﳌا ﻓشا من الفساد واﳊيل‪،‬‬
‫قﻀائي جا ٍر ﻋلﻰ خﻼف اﳌعروف من دواوين اﳌذﻫب اﳌالكي‪،‬‬ ‫ﱞ‬ ‫ﻋﻤل‬
‫يتﻘرر ﺑذلﻚ ﰲ اﻷقﻄار اﳌﻐرﺑية ٌ‬
‫ﻓبدأ ّ‬
‫ﻛانت اليد الﻄوﱃ ﰲ اختيار أوجﻬﻪ لﻘاﺿي الﻘﲑوان ﰲ الﻘرن التاسﻊ؛ الشيخ أﰊ الﻘاسﻢ اﺑن جي‪ ،‬ﻓاﻫت ّﻢ‬
‫اﳌعتﻨون ﺑفﻘﻪ الﻘﻀاء ﲜﻤﻊ ﺗلﻚ اﻷقﻀية‪ ،‬ونﻈّﻤوا ﻓيﻬا أراجيﺰ ﻋُرﻓت سﻢ‪ :‬ﻛتب العﻤليات‪ ،‬وأُلّفت ﻋليﻬا‬

‫‪80‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫شروح‪ ،‬ﻓأﺻبحت العﻤليات وشروﺣﻬا مادة ﻷﲰاء ومﺼﻄلحات ﻛثﲑة ﻻ ﺗوجد إﻻّ ﰲ الﻘرون واﻷقﻄار الﱵ‬
‫جرى ﻓيﻬا العﻤل ﺑتلﻚ اﻷﺣكام ‪...‬‬
‫التﻄور الذي دخل ﻋلﻰ اﳌعاﱐ الفﻘﻬية وألفاﻇﻬا اﻻﺻﻄﻼﺣية؛ نﺰﻋة قوية إﱃ ﲢليل‬
‫ولﻘد سبﻖ ﻫذا ّ‬
‫اﳌعاﱐ وﲤحيﺼﻬا‪ ،‬أنتﺠت ﺗدقي ًﻘا ﰲ اﳌﺼﻄلحات والﻀواﺑﻂ‪ ،‬ارﺗبﻄت ﺑﻪ التحارير الفﻘﻬية ﰲ اﳌذﻫب اﳌالكي‪،‬‬
‫وﺗﻄور‬
‫ﺗﺼرﻓات الﻘﻀاة الﱵ ﺗولّد ﻋﻨﻬا اختﻼف جر ن العﻤل ّ‬ ‫وﺣفلت ﺑﻪ الرسائل والفتاوى‪ ،‬واستﻨدت إليﻪ ّ‬
‫الﺼيﻎ التوثيﻘية‪.‬‬
‫وﻫذه الﻨﺰﻋة الﻨﻈرية ﻫي الﱵ ﻇﻬر ا شﻬاب ال ّدين الﻘراﰲ ﲟﺼر‪ ،‬ﰲ أواخر الﻘرن الساﺑﻊ‪ ،‬وأﺑرزﻫا ﰲ‬
‫ﻛتاﺑﻪ الشﻬﲑ )الفروق(‪ ،‬ﲟا أﺣكﻢ ﻓيﻪ من ﲢﻘيﻖ اﳌعاﱐ الفﻘﻬية العامة‪ ،‬وﺗدقيﻖ العبارات اﳌفﺼحة ﻋﻨﻬا‪،‬‬
‫ﺑﺼورة ﺗدﻓﻊ اﻻلتباس وﺗﻘاﺑل ﺑﲔ اﳌعاﱐ سلوب ﺣكيﻢ؛ إذ ﺗﻨبّﻪ إﱃ معاقد الفرق ﺑيﻨﻬا‪ ،‬وذلﻚ ما زاد الفﻘﻬاء‬
‫وﺣرﺻا ﻋلﻰ وﺿﻊ اﳌعاﱐ ﰲ نﺼا ا‪ ،‬وأجرى ﻋلﻰ أقﻼمﻬﻢ ﰲ الﻘرن الثامن وما ﺑعده دقائﻖ‬ ‫ً‬ ‫ﺗعلّﻘا لﻀبﻂ‪،‬‬
‫مرجوﻋا إليﻬا‪ ،‬وﳏاﻻً ﻋليﻬا ﰲ ﲢﻘيﻖ اﳌﻨاط ‪ ...‬وذلﻚ‬
‫ً‬ ‫العبارات الﱵ اخﱰﻋﻬا الﻘراﰲ‪ ،‬ﻓأﺻبحت مﺼﻄلحاﺗﻪ‬
‫ما زاد ﰲ ﺻﻘل اﳌﺼﻄلحات الفﻘﻬية وجﻼئﻬا‪ ،‬رجاﻋﻬا إﱃ ﻫذه الفروق والﻀواﺑﻂ العامة‪ ،‬ورﺑﻄﻬا إليﻬا‪،‬‬
‫وﻓتح الباب لرجال من أئﻤة الفﻘﻪ ﳌﻐرب ﰲ الﻘرن الثامن والﻘرن التاسﻊ أن ﳝﻀوا ﰲ وﺿﻊ الﻘواﻋد والفروق‪،‬‬
‫مثل‪ :‬اﳌﻘري والونشريسي«)‪.(1‬‬
‫ﺧاﲤﺔ‪:‬‬
‫أﻫ ّﻢ الﻨتائﺞ اﳌتوﺻل إليﻬا ﻫي ﻋلﻰ الﻨحو اﻵﰐ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻻجتﻬاد والﻨﻈر من اﻷدوات الرئيسة لتحرير الفﻘﻪ اﻹسﻼمي ومتانة ﺑﻨائﻪ‪.‬‬
‫ﺗﻄوراً طبيعيا ﻛﻐﲑه من اﳌذاﻫب ﲟرﺣلة نشوء ﲨعت ﻓيﻬا آراء اﻹمام‪،‬‬
‫‪ .2‬ﺗﻄ ﱠور الدرس الفﻘﻬي اﳌالكي ّ‬
‫ﻀﺞ؛ سﱪت ﻓيﻬا طرق الفتوى‬
‫ﰒ مرﺣلة ﺗﻘعيد انتشر ﻓيﻬا التﺼﻨيﻒ والتﻘعيد وﻋلﻢ اﳋﻼف‪ ،‬وأﻋﻘبتﻬا مرﺣلة نُ ْ‬
‫وسبل التشريﻊ اﳌذﻫﱯ‪ ،‬وﻓيﻬا استﻘر اﳌذﻫب‪.‬‬
‫‪ .3‬إ ّن ﻋ ّد ﺑعﺾ العلﻤاء والباﺣثﲔ اﳌرﺣلة اﻷخﲑة من مراﺣل ﺗﻄ ّور الدرس الفﻘﻬي اﳌالكي مرﺣلة‬
‫شروﺣا وﺣواشي ﳌتون ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﱂ يرﺗﻀﻪ أﻫل اﳌذﻫب‬
‫متحﺠﺠﲔ ﺑكون التﺼﻨيﻒ ﺻار ً‬ ‫ّ‬ ‫اﳉﻤود وﻓشو التﻘليد‪،‬‬
‫والعارﻓﲔ ﺑﻪ‪ ،‬ﻏﲑ مﻨكرين لﻀرورة الﻨﻈر التﺠديدي ومراﻋاة اﳊاجة التشريعية اﳊادثة‪ ،‬وﺣ ّذروا من دﻋوى‬

‫)‪ (1‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬ﳏﻤد الفاﺿل‪ ،‬ومﻀات ﻓﻜﺮ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار العرﺑية للكتاب‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ص‪77-71‬‬

‫‪81‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( _____________________________________________________________‬

‫التﺠديد لﻘﻄيعة مﻊ الﱰاث‪ .‬ﺑل إ ّن اﳌﻘﻄوع ﺑﻪ ﻋﻨدﻫﻢ أ ّن واﺻﻢ اﳌذﻫب ﳉﻤود لﻪ نﻈرة قاﺻرة لفلسفة‬
‫الدرس اﳌذﻫﱯ‪.‬‬
‫‪ .4‬ﻋ ّد البحث ﻏﺰارة التﺼﻨيﻒ ﰲ ﻛتب العﻤل‪ ،‬من خﻼل ﻛتب الﻨوازل والﻘﻀاء دليﻼً ﻋلﻰ ﻋدم ﻓتور‬
‫اجتﻬادا وﺗﻘﺼي ًدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ﺿح ﲜﻼء ﺣﻀور الﻨﻈر التﺠديدي‬
‫خﺼوﺻا يو ّ‬
‫ً‬ ‫التأمل ﰲ ﻛتب الﻨوازل‬
‫ﳘﻢ اﳌالكية‪ ،‬و ّ‬
‫ﻋﻤﻼً لﻘاﻋدة اﳉليلة‪ :‬ﻻ ﳜلو زمن من قائﻢ ﳊﺠة‪.‬‬
‫اﳋلو من اﻻستدﻻل‪ ،‬وإطﻼلة ﻋلﻰ اﳌكتبة اﳌالكية ﰲ ﻛتب اﻻستدﻻل‬
‫‪ .5‬ﺗرﺗبﻂ دﻋوى اﳉﻤود ﺑدﻋوى ّ‬
‫متأخري اﳌالكية‪ّ ،‬أما ﰲ ﻛتب‬
‫ﺑعﻀا من ﻛتب اﻻستدﻻل ﻋﻨد ّ‬
‫ﺗرد ﻫذه الدﻋوى‪ ،‬ذﻛر البحث ً‬ ‫واﳋﻼف ّ‬
‫اﳌتﻘ ّدمﲔ ﻓﻤﺼﻨّفا ﻢ ﺑلﻐت ﺣ ّدا من الكثرة ﺗرﻓﻊ ﻫذه الدﻋوى‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫_______________________________________________________________ اﳌذ ﺐ اﳌال ي وسؤال التجدد‪ ،‬د‪ .‬عبد الباسط صيد‬

‫ﻗاﺋمﺔ اﳌﺼادر واﳌﺮاﺟع‪:‬‬


‫‪ .1‬ﺑلعاﱂ‪ ،‬ﳏﻤد ي )ت‪2009‬م(‪ ،‬إﻗامﺔ اﳊﺠﺔ لدلﻴل ﺷﺮح نظﻢ اﺑن دي ﳌﺨتﺼﺮ ﺧﻠﻴل‪ ،‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1428‬ﻫـ‪2007/‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬ﳏﻤد الفاﺿل‪ ،‬ومﻀات ﻓﻜﺮ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار العرﺑية للكتاب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ﺑن أﲪد ﺑن الفﻘيﻪ اﳊاج أﲪد التكروري السوداﱐ )ت‪1036‬ﻫـ(‪ ،‬نﻴل اﻻﺑتﻬاج ﺑتﻄﺮيﺰ‬ ‫‪ .3‬التﻨبكﱵ‪ ،‬أﺑو العباس أﲪد‬
‫الديباج‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد اﳊﻤيد ﻋبد ﷲ اﳍرامة(‪ ،‬دار الكاﺗب‪ ،‬طراﺑلﺲ‪-‬ليبيا‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬اﳉيدي‪ ،‬ﻋﻤر‪ ،‬مباﺣﺚ ﰲ اﳌﺬﻫﺐ اﳌالﻜﻲ ﳌﻐﺮب‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬اﳊﺠوي‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن اﳊسن ﺑن العرﰊ الثعالﱯ الفاسي )ت‪1376‬ﻫـ(‪ ،‬الﻔﻜﺮ الﺴامﻲ ﰲ ريخ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1416 ،‬ﻫـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫وﱄ ال ّدين ﻋبد الرﲪن ﺑن ﳏﻤد اﳊﻀرمي اﻹشبيلي )ت‪808‬ﻫـ(‪ ،‬الﻌﱪ وديوان اﳌبتدأ واﳋﱪ ﰲ‬
‫‪ .6‬اﺑن خلدون‪ ،‬أﺑو زيد ّ‬
‫أ م الﻌﺮب والﻌﺠﻢ والﱪﺑﺮ ومن ﻋاﺻﺮﻫﻢ من ذوي الﺴﻠﻄان اﻷﻛﱪ ) ريخ اﺑن ﺧﻠدون(‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﺑو ﺻﻬيب‬
‫الكرمي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﺑيت اﻷﻓكار الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .7‬الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬أﲪد ﺑن أﲪد اﳌﺨتار اﳉكﲏ‪ ،‬مواﻫﺐ اﳉﻠﻴل من أدلﺔ ﺧﻠﻴل‪) ،‬اﻋتﻨاء‪ :‬ﻋبد ﷲ إﺑراﻫيﻢ اﻷنﺼاري(‪ ،‬إدارة‬
‫إﺣياء الﱰاث اﻹسﻼمي‪ ،‬قﻄر‪1403 ،‬ﻫـ‪1983/‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬الشيباﱐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬ﺗبﻴﲔ اﳌﺴالﻚ ﺷﺮح ﺗدريﺐ الﺴالﻚ إﱃ أﻗﺮب اﳌﺴالﻚ‪) ،‬ﺗﻘدﱘ‪ :‬أﲪد ﺑن‬
‫ﻋبد العﺰيﺰ آل مبارك(‪ ،‬ط‪ ،4‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ﺑﲑوت‪1434 ،‬ﻫـ‪2013/‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬ﻋياض‪ ،‬أﺑو الفﻀل ﺑن موسﻰ اليحﺼﱯ )ت‪544‬ﻫـ(‪ ،‬ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳌدارك وﺗقﺮيﺐ اﳌﺴالﻚ ﳌﻌﺮﻓﺔ أﻋﻼم مﺬﻫﺐ مالﻚ‪،‬‬
‫ط‪) ،1‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳎﻤوﻋة ﳏﻘﻘﲔ(‪ ،‬مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﶈﻤدية‪ ،‬اﳌﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫والﺰ دات ﻋﻠﻰ ما ﰲ اﳌدوّنﺔ من ﻏﲑﻫا من اﻷمﻬات‪،‬‬
‫ﳏﻤد ﻋبد ﷲ اﺑن أﰊ زيد )ت‪386‬ﻫـ(‪ ،‬الﻨّوادر ّ‬
‫‪ .10‬الﻘﲑواﱐ‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫)ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳎﻤوﻋة من اﳌﺆلفﲔ(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫لﻠﻌﻼمﺔ ﺧﻠﻴل‪) ،‬مراجعة‪:‬‬
‫‪ .11‬اﳍﻼﱄ‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن الرشيد الفﻼﱄ‪ ،‬نور البﺼﺮ ﺷﺮح ﺧﻄبﺔ اﳌﺨتﺼﺮ ّ‬
‫ﳏﻤد ﳏﻤود ولد ﳏﻤد اﻷمﲔ(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار يوسﻒ ﺑن شفﲔ‪ ،‬مكتبة اﻹمام مالﻚ‪ ،‬اﳉﻤﻬورية اﻹسﻼمية اﳌوريتانية‪،‬‬
‫‪1428‬ﻫـ‪2007/‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬الونشريسي‪ ،‬أﺑو العبّاس أﲪد ﺑن ﳛﲕ )ت‪914‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﻌﻴار اﳌﻌﺮب واﳉامع اﳌﻐﺮب ﻋن ﻓتاوى أﻫل إﻓﺮيقﻴﺔ واﻷندلﺲ‬
‫واﳌﻐﺮب‪ ،‬ط‪) ،1‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳎﻤوﻋة ﻓﻘﻬاء شراف د‪.‬ﳏﻤد ﺣﺠي(‪ ،‬وزارة اﻷوقاف والشﺆون اﻹسﻼمية للﻤﻤلكة اﳌﻐرﺑية‪،‬‬
‫‪1401‬ﻫـ‪1981/‬م‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻨﺒﻮي واﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ‬

‫د‪ .‬خالد بن ز ان‬


‫جامعة ﺣس بة بن بوع )شلف(‬
‫‪kaledbenziane@gmail.com‬‬

‫اﳌﻠﺨﺺ‬

‫الﻨبوي؛ يثﲑ ﲨلةً من التساؤﻻت واﻹشكاﻻت‪ ،‬إذ وقﻊ الكثﲑ‬


‫اﳊديث ﻋن الفرق ﺑﲔ التفسﲑ لسﻨّة والتفسﲑ ّ‬
‫يبﲔ نوع السﻨّة الﱵ ﺗكون ﺗفسﲑاً‬
‫من اﳋلﻂ ﰲ ﻫذا اﳌوﺿوع‪ ،‬ﺣيث أ ّن ﺑعﺾ من ﲝث ﻫذا اﳌوﺿوع ﱂ ّ‬
‫ﳏل الﻨﺰاع لﻘول‪:‬‬
‫الﻨبوي‪ ،‬وﲢرير ّ‬
‫للﻘرآن‪ ،‬ولذا دﻋت اﳊاجة إﱃ ﺑيان اﳌﺼﻄلحﲔ‪ :‬التفسﲑ لسﻨة‪ ،‬والتفسﲑ ّ‬
‫ِ‬
‫اﳌفسر ﺻحاﺑيا أو ﺑعيا‪ ،‬أو‬
‫إ ّن التفسﲑ لسﻨّة ﻫو ﺗفسﲑ ﻏﲑ الرسول ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬سواءً ﻛان ّ‬
‫اﳌفسر من السﻨّة ﰲ ﺑيان الﻘرآن وﺗفسﲑه‪ ،‬ﻓﻬذه اﻹﻓادة‬
‫ﻋاﳌاً جامعاً لشروط اﻻجتﻬاد‪ ،‬ﻓﻬو إﻓادة يستفيدﻫا ّ‬
‫الرسول ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ‬‫الﻨبوي؛ ﻓﻬو ﺗفسﲑٌ من قبل ّ‬
‫ّ‬ ‫اﳌفسر واجتﻬاده ﰲ الﻐالب‪ّ ،‬أما التفسﲑ‬
‫من ﻋﻤل ّ‬
‫وسلّﻢ‪.-‬‬
‫مرده‬
‫جتﻬادي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يفرق ﺑﲔ ما ﻫو نﻘلي وما ﻫو ا‬
‫ﻓﺠاء ﻫذا البحث لبيان ﺣﻘيﻘة اﳌﺼﻄلحﲔ‪ ،‬وأنواﻋﻬﻤا‪ ،‬ول ّ‬
‫ِ‬
‫للﻤفسر‪.‬‬
‫ّ‬
‫الﻨبوي‪ ،‬ال َف ْرق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الﻜﻠمات اﳌﻔتاﺣﻴﺔ‪ :‬التفسﲑ‪ ،‬التفسﲑ لسﻨة‪ ،‬التفسﲑ‬

‫‪84‬‬
‫ خالد بن ز ان‬.‫ د‬،‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‬

Abstract
One of the problematics in the Qur’anic studies, is the distinction
between: Interpreting of the prophet and the interpreting with
«Sunah».
Thus, we need to clear up these conceptions, they are not similar but
different.
Interpreting with «Sunah» is not interpreting of the prophet but a
choice of scholars, whereas the interpreting of the prophet is a real
and direct explanation of Qur’anic verses.
This present paper will deal with the distinction between the two
conceptions and defines their types and displays what is assiduousness
and translative.
Key Words: Interpretation, Interpreting with «Sunah»,
Interpreting of the prophet, Distinction.

85
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫مقدمﺔ‪:‬‬
‫أﺻح الﻄرق ﰲ ذلﻚ أن يف ﱠسر الﻘرآن لﻘرآن‪ ،‬ﻓﻤا‬
‫قال اﺑن ﺗيﻤية ﻋن أﺣسن طرق التفسﲑ‪» :‬إ ّن ّ‬
‫مكان ﻓإنّﻪ قد ﻓُ ِّسر ﰲ موﺿﻊ آخر‪ ،‬وما اختُﺼر من مكان ﻓﻘد ﺑُسﻂ ﰲ موﺿﻊ آخر‪ ،‬ﻓإن أﻋياك‬ ‫أُ ِْ‬
‫ﲨل ﰲ ٍ‬
‫وموﺿحةٌ لﻪ ‪.(1)«...‬‬
‫ذلﻚ ﻓعليﻚ ل ﱡسﻨﱠة ﻓإ ّ ا شارﺣةٌ للﻘرآن ّ‬
‫ﻛل من‬
‫ﻓﻘد ّقرر شيخ اﻹسﻼم اﺑن ﺗيﻤية ﰲ مﻘ ّدمتﻪ اﳌاﺗعة ﰲ أﺻول التفسﲑ؛ الﻄّرق الﱵ يعتﻤدﻫا ّ‬
‫يريد ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ﻓبدأ ﺑتفسﲑ الﻘرآن لﻘرآن‪ ،‬ﰒّ ّثﲎ ﺑتفسﲑ الﻘرآن ل ﱡسﻨﱠة‪ ،‬وﻏﲑﻫا من الﻘواﻋد والﻀواﺑﻂ‬
‫ودب‪ ،‬ﰲ‬ ‫ِّ‬
‫ﻫب ّ‬ ‫لكل من ّ‬‫اسعا ّ‬‫ﳎال التفسﲑ ﻓﻀاءً و ً‬‫ﺣﱴ ﻻ يبﻘﻰ ُ‬ ‫وجل‪ّ ،‬‬
‫ﻋﺰ ّ‬‫اﶈددة واﳌعيﻨة لفﻬﻢ ﻛﻼم ﷲ ّ‬
‫ﻛل دخيل‪.‬‬
‫ﲢريﻒ مراد ﷲ‪ ،‬وﳊفﻈﻪ من ّ‬
‫وقد اشتﻬر ﺗفسﲑ الﻘرآن ﳌأثور و لرأي‪ ،‬وما ّقرره اﺑن ﺗيﻤية ﻓﻬو من قبيل التفسﲑ ﳌأثور‪ ،‬وقد وقﻊ‬
‫ﻂ ﻛبﲑٌ ﰲ ب اﳌﺼﻄلحات ﰲ ﺿاﺑﻂ الفريﻖ ﺑﲔ ما ﻫو مأثور ورأي‪ ،‬ﻓاﺣتاج ﻫذا‬ ‫ﰲ الدراسات اﳌعاﺻرة خل ٌ‬
‫اﳌﺼﻄلح إﱃ مﺰيد دراسة وﲢﻘيﻖ )‪.(2‬‬
‫ٍ‬
‫ﺣث أﳘية العﻨاية ﺑتفسﲑ الﻘرآن‬ ‫ﻛل‬
‫ومن التفسﲑ ﳌأثور ﺗفسﲑ الﻘرآن لسﻨة‪ ،‬وﻻ ﳜفﻰ ﻋلﻰ ّ‬
‫مسلﻚ‬
‫ُ‬ ‫ات مﻄالبةٌ ﻻقتﺼار ﻋلﻰ ﺗفسﲑ الﻘرآن لﻘرآن وﺣده‪ ،‬وﻫذا‬ ‫لسﻨّة‪ ،‬ﻻ سيّﻤا ﰲ ﻋﺼ ٍر ْ‬
‫ﻋلت ﻓيﻪ أﺻو ٌ‬
‫اﳌفسرين من الﺼحاﺑة ‪-‬رﺿوان ﷲ ﻋليﻬﻢ‪ -‬إﱃ اﻵن‪ ،‬ﻓﻘد اﻋتﻤد‬ ‫الﻀﻼل‪.‬ﻛيﻒ ﻻ وﻫو مﻨﻬﺞ ّ‬ ‫الﺰيﻎ و ّ‬
‫أﻫل ّ‬
‫اﻫتﻤوا ا وﺑروايتﻬا ونﻘلﻬا‪ ،‬وﺗﻘدﳝﻬا ﻋلﻰ ﻏﲑﻫا‬
‫اﳌفسرون ﻋلﻰ ﺗفسﲑ اﻵ ت لسﻨّة ﰲ ﻋﺼور التأليﻒ‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫من اﳌﺼادر‪.‬‬
‫وﰲ ﻫذا البحث؛ ﳓاول ﲢديد وﲢرير مﺼﻄلح التفسﲑ الﻨبوي‪ ،‬والتفسﲑ لسﻨّة )‪ ،(3‬وﺿاﺑﻂ ما ﻫو‬
‫للﻤفسر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اجتﻬادي مرﱡده‬
‫ّ‬ ‫نﻘلي‪ ،‬وما ﻫو‬
‫ّ‬

‫ﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬ﳎموع الﻔتاوى‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد الرﲪن ﺑن‬
‫)‪ (1‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي ال ّدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ ا ّ‬
‫ﳏﻤد ﺑن قاسﻢ(‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الوﻓاء‪ ،‬اﳌﻨﺼورة‪1426 ،‬ﻫـ‪ :‬ج‪ ،13‬ص‪.363‬‬
‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬الﻄيار‪ ،‬مساﻋد ﺑن سليﻤان‪ ،‬ﻓﺼول ﰲ أﺻول التﻔﺴﲑ‪ ،‬ط‪ ،3‬دار ﺑن اﳉوزي للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الر ض‪1420 ،‬ﻫـ‪1999/‬م‪:‬‬
‫ص‪55-54‬؛ اﳌﻨيﻊ‪ ،‬ﺻر ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﻋثﻤان‪ ،‬مﻌاﱂ ﰲ أﺻول التﻔﺴﲑ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الﺼﻤيعي للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الر ض‪1433 ،‬ﻫـ‪2011/‬م‪:‬‬
‫ص‪.87‬‬
‫ﻛل قسﻢ‪ ،‬ومن ﻫذه الدراسات‪:‬‬
‫)‪ (3‬ﻛتب ﻛثﲑ من الباﺣثﲔ ﰲ التفسﲑ لسﻨة‪ ،‬والتفسﲑ الﻨبوي من الﻨاﺣية الﻨﻈرية‪ ،‬وﻛذلﻚ ﰲ ﲨﻊ اﻷمثلة ﰲ ّ‬
‫التﻔﺴﲑ الﻨبوي من أول سورة مﺮﱘ إﱃ آﺧﺮ القﺮآن‪ ،‬ﳌراد العوﰲ‪ ،‬والتﻔﺴﲑ الﺼﺤﻴح اﳌﺴﻨد من التﻔﺴﲑ الﻨبوي‪ ،‬للﻘاﺿي ﺑرﻫوم‪ ،‬واﻷﺣاديﺚ‬
‫اﳌﺮﻓوﻋﺔ ﰲ ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن الﻜﺮﱘ‪ :‬ﲨﻌا ودراسﺔ‪ ،‬ﳋالد الباﺗلي‪ ،‬والتﻔﺴﲑ الﻨبوي ﺣقﻴقتﻪ ومﺼادرﻩ‪ ،‬ﶈﻤد مﻘاﺗلي‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن ز ان‬

‫أﻫﻢ مﻼمح‬
‫ﻛل قسﻢ‪ ،‬مﻊ ﺑيان شروطﻪ وأنواﻋﻪ مﻊ التﻤثيل‪ ،‬ونذﻛر ّ‬
‫وﳌعرﻓة ذلﻚ؛ سﻨحاول ﺗعريﻒ ّ‬
‫الفروق ﺑﲔ التفسﲑ الﻨبوي والتفسﲑ لسﻨة‪.‬‬
‫القﺴﻢ اﻷول‪ :‬التﻔﺴﲑ الﻨبوي‪:‬‬
‫للﺼحاﺑة من‬
‫يفسر ّ‬
‫اﳌتأمل ﰲ التفسﲑ الﻨبوي للﻘرآن الكرﱘ؛ ﳚد أنّﻪ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﱂ ّ‬
‫إ ّن ّ‬
‫ألفاظ الﻘرآن إﻻّ ما اﺣتاجوا إليﻪ‪ ،‬وﻫو قليل)‪.(1‬‬
‫ﱠﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﻋلﻰ التفسﲑ ﺻراﺣة‪ ،‬وقد يكون ذلﻚ‬
‫نص ﻓيﻪ الﻨ ّ‬
‫والتفسﲑ الﻨّبوي ﻫو ما ّ‬
‫الﺼرﳛة ﰲ‬ ‫ٍ‬
‫الﺼحاﺑة‪ ،‬ومن اﻷمثلة ّ‬
‫ﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وقد يكون إثر سﺆال من أﺣد ّ‬ ‫اﺑتداءً من الﻨّ ّ‬
‫ذلﻚ‪:‬‬
‫ﻚ َﺟ َﻌﻠْﻨَا ُﻛ ْﻢ أُ ﱠمﺔً َو َسﻄًا(‬ ‫‪ -1‬ﺗفسﲑه ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬معﲎ الوسﻂ ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وَﻛ َٰﺬلِ َ‬
‫]البﻘرة‪ .[143 :‬قال‪» :‬والوسﻂ‪ :‬العدل«)‪.(2‬‬
‫ﺾ ِم َن ْ‬
‫اﳋَْﻴ ِﻂ‬ ‫ﻂ ْاﻷَﺑْـﻴَ ُ‬ ‫اﳋَْﻴ ُ‬
‫ﲔ لَ ُﻜ ُﻢ ْ‬ ‫ﱴ يَـتَـبَ ﱠ َ‬
‫‪ -2‬ﺗفسﲑه اﳋيﻂ اﻷﺑيﺾ واﳋيﻂ اﻷسود ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬ﺣ ﱠ ٰ‬
‫ْاﻷ ِ ِ‬
‫ﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪-‬‬ ‫ﻓفسره لﻪ الﻨّ ّ‬ ‫ﻋدي ﺑن ﺣاﰎ‪ّ ،‬‬ ‫َس َود م َن الْ َﻔ ْﺠ ِﺮ ۖ( ]البﻘرة‪ ،[187:‬ﻋﻨدما أشكل ﻋلﻰ ّ‬
‫ْ‬
‫نّﻪ ﺑياض الﻨّﻬار وسواد اللّيل)‪.(3‬‬

‫الﺼحاﺑة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻢ‪ -‬ﻛانوا ﳚتﻬدون ﰲ ﻓﻬﻢ الﻘرآن‪ ،‬لوﺿوح ذلﻚ ﻋﻨدﻫﻢ‪،‬‬
‫يدل ﻋلﻰ أ ّن ّ‬
‫وﻫذا ّ‬
‫ﻋدي ﺑن ﺣاﰎ ‪-‬‬
‫ﻓإذا أشكل ﻋليﻬﻢ مﻨﻪ شيء؛ سألوا رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬ﻛﻤا ﺣدث مﻊ ّ‬
‫رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪.-‬‬
‫ِ‬
‫آمﻨُوا‬ ‫‪ -3‬وﻛذلﻚ يشﻬد لذلﻚ ﺣديث ﻋبد ﷲ ﺑن مسعود ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬قال ﳌـّا نﺰلت‪) :‬الﱠﺬ َ‬
‫ين َ‬
‫ﺴوا إِﳝَا َُﻢ ﺑِظُﻠ ٍْﻢ أُوٰلَﺌِ َ‬
‫ﻚ َﳍُُﻢ ْاﻷ َْم ُن َو ُﻫﻢ ﱡم ْﻬتَ ُدو َن( ]اﻷنعام ‪[82:‬؛ قلﻨا‪ :‬رسول ﷲ؛ أيﱡﻨا ﱂ يﻈلﻢ نفسﻪ؟‬ ‫ِ‬
‫َوَﱂْ يَـ ْﻠب ُ‬

‫الرسول ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬من الﻘرآن‪ ،‬انﻈر‪ :‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي ال ّدين أﲪد ﺑن‬
‫خﻼف ﺑﲔ العلﻤاء ﰲ اﳌﻘدار الذي ﺑيّﻨﻪ ّ‬
‫ٌ‬ ‫)‪ (1‬وقﻊ‬
‫ﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬مق ّدمﺔ ﰲ أﺻول التّﻔﺴﲑ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋد ن زرزور(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻘرآن الكرﱘ‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫ﻋبد اﳊليﻢ ا ّ‬
‫‪1391‬ه‪ :‬ص‪37-35‬؛ الذﻫﱯ‪ ،‬ﳏﻤد ﺣسﲔ )ت‪1397‬ﻫـ(‪ ،‬التﻔﺴﲑ واﳌﻔﺴّﺮون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب اﳊديثة‪1381 ،‬ه‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.51‬‬
‫)‪ (2‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﲰاﻋيل )ت‪256‬ه(‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد زﻫﲑ ﺑن ﺻر الﻨاﺻر‪ ،‬ﺗرقيﻢ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد‬
‫ِ‬
‫)مﺼورة ﻋن السلﻄانية(‪1422 ،‬ﻫـ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وَﻛ َٰذل َ‬
‫ﻚ َج َعلْﻨَا ُﻛ ْﻢ أُﱠمةً َو َسﻄًا‬ ‫ﻋبد الباقي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طوق الﻨﺠاة ّ‬
‫‪ ،(...‬ﺣديث رقﻢ‪.4487 :‬‬
‫)‪ (3‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب الﺼوم‪ ،‬ب قول ﷲ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وُﻛلُوا َوا ْشَرﺑُوا َﺣ ﱠ ٰﱴ يـَتَـبَ ﱠ َ‬
‫ﲔ لَ ُك ُﻢ ‪ ،(...‬ﺣديث رقﻢ‪:‬‬
‫‪.1916‬‬

‫‪87‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫قال‪» :‬ليﺲ ﻛﻤا ﺗﻘولون؛ ﱂ يلبسوا إﳝا ﻢ ﺑﻈلﻢ ﺑشرك‪ ،‬أﱂ ﺗسﻤعوا إﱃ قول لﻘﻤان ﻻﺑﻨﻪ‪َ ) :‬وإِ ْذ ﻗَ َ‬
‫ال لُْق َما ُن‬
‫ﺸﺮ َك لَظُﻠ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِﻻﺑْﻨِ ِﻪ َو ُﻫ َو يَﻌِظُﻪُ َ ﺑُ َﱠ‬
‫ﻴﻢ( ]لﻘﻤان‪.(1)«[13 :‬‬
‫ْﻢ َﻋظ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ﲏ َﻻ ﺗُ ْﺸ ِﺮ ْك ِ ﱠ ۖ إِ ﱠن ال ّ ْ‬

‫الﺼحاﺑة ‪-‬رﺿوان ﷲ ﻋليﻬﻢ‪ -‬ﻛانوا ﳚتﻬدون ﰲ ﻓﻬﻢ الﻘرآن‪ ،‬ﻓإن أشكل ﻋليﻬﻢ‬
‫ﻓﻬذا اﳌثال يﺆّﻛد أ ّن ّ‬
‫ﻇاﻫر من ﺣديث اﺑن مسعود من وجﻬﲔ‪:‬‬‫مﻨﻪ شيء سألوا رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وﻫذا ٌ‬
‫اﻷول‪ :‬أ ّ ﻢ جعلوا معﲎ الﻈلﻢ ﻋاما ﻋلﻰ ما يعرﻓون من لﻐتﻬﻢ‪ ،‬ﻓأرشدﻫﻢ الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ‬
‫الوجﻪ ّ‬
‫ﻓسروا ﺑﻪ اﻵية ﻏﲑ‬
‫وسلّﻢ‪ -‬إﱃ اﳌعﲎ اﳌراد ﰲ اﻵية‪ ،‬وأنّﻪ ليﺲ ﻋلﻰ ﻋﻤومﻪ‪ ،‬ﻓﻨبّﻬﻬﻢ أ ّن اﳌعﲎ اللّﻐوي الذي ّ‬
‫مراد‪.‬‬
‫يفسروا الﻘرآن ﺑلﻐتﻬﻢ‪ ،‬ﻓالتفسﲑ الﻨبوي‬
‫الوجﻪ الثاﱐ‪ :‬أ ّن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﱂ يﻨﻬﻬﻢ ﻋن أن ّ‬
‫أن يﻘﺼد الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﺗفسﲑ اﻵية ﺑﻘولﻪ أو ﻓعلﻪ أو ﺗﻘريره‪.‬‬
‫ﺗﻘرر ﻋﻨد العلﻤاء أنّﻪ إذا ثبت اﳊديث ﻋن الﻨﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وﻛان نﺼا ﰲ ﺗفسﲑ‬
‫ولذلﻚ ّ‬
‫اﻵية‪ ،‬ﻓﻼ يﺼار إﱃ ﻏﲑه‪ ،‬وﻫذه قاﻋدة جليلة من قواﻋد التفسﲑ)‪.(2‬‬
‫قال شيخ اﻹسﻼم اﺑن ﺗيﻤية‪» :‬وﳑّا يﻨبﻐي أن يُعلﻢ أ ّن اﻷلفاظ اﳌوجودة ﰲ الﻘرآن واﳊديث؛ إذا ﻋُرف‬
‫الرسول ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﱂ ُﳛتﺞ ﰲ ذلﻚ إﱃ اﻻستدﻻل قوال أﻫل‬ ‫ﺗفسﲑﻫا وما أريد ا من جﻬة ّ‬
‫اللّﻐة وﻻ ﻏﲑﻫﻢ«)‪.(3‬‬
‫ﺷﺮوط التﻔﺴﲑ الﻨبوي‪:‬‬
‫خاﺻةً متعلّﻘةً لتفسﲑ الﻨبوي‪ ،‬وﻫي‪:‬‬
‫اﳌفسر‪ ،‬نﺰيد شروطًا ّ‬
‫ز دةً ﻋلﻰ ما ّقرره العلﻤاء ﰲ شروط ّ‬
‫‪ -1‬ثبوت اﳊديث‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻛونﻪ نﺼا ﰲ اﻵية‪ ،‬ﲟعﲎ أن يكون ﺻرﳛًا ﰲ ﺗفسﲑ اﻵية‪.‬‬
‫‪ -3‬وروده مورد التفسﲑ والبيان ﻷلفاظ اﻵية‪ ،‬ﻓإنّﻪ ﳚب ﲪل اﻵية ﻋليﻪ‪ ،‬وﻻ ﳚوز ﺗرﻛﻪ‪ ،‬وﻻ يﺼار‬
‫إﱃ ﻏﲑه‪.‬‬

‫ِ ِ ِ‬ ‫ﱠ‬
‫)‪ (1‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب أﺣاديث اﻷنبياء‪ ،‬ب قول ﷲ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬واﲣَ َذ ا ﱠُ إﺑْـَراﻫ َيﻢ َخل ً‬
‫يل(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪:‬‬
‫‪.3360‬‬
‫)‪ (2‬اﳊرﰊ‪ ،‬ﺣسﲔ ﺑن ﻋلي ﺑن ﺣسﲔ‪ ،‬ﻗواﻋد الﱰﺟﻴح ﻋﻨد اﳌﻔﺴّﺮين‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﻘاسﻢ‪ ،‬الر ض‪1429 ،‬ﻫـ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.191‬‬
‫)‪ (3‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬ﳎموع الﻔتاوى‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.286‬‬

‫‪88‬‬
‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن ز ان‬

‫أنواع التﻔﺴﲑ الﻨبوي‪:‬‬


‫للسﻨن الواردة ﻋن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﰲ ﺗفسﲑ الﻘرآن؛ ﳚدﻫا ﰐ ﻋلﻰ أرﺑعة‬
‫إ ّن اﳌتتبّﻊ ّ‬
‫أنواع وﻫي‪:‬‬
‫ﻓﻴﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﲑ آيﺔ أو لﻔﻆ‪.‬‬
‫الﻨوع اﻷول‪ :‬أن يبتدئ الﻨّﱯ ‪-‬ﺻﻠّﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسﻠّﻢ‪ -‬لتﻔﺴﲑ‪ّ ،‬‬
‫ولﻪ أسلو ن‪:‬‬
‫اﳌﻔﺴﺮة‪.‬‬
‫اﻷسﻠوب اﻷول‪ :‬أن يﺬﻛﺮ التﻔﺴﲑ‪ ،‬ﰒ يﺬﻛﺮ اﻵيﺔ ّ‬
‫وأمثلة ذلﻚ ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬ﻋن أﰉ ﻫريرة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬أ ّن رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬قال‪» :‬إذا ّ‬
‫أﺣب ﷲ ﻋب ًدا‬
‫إﱐ قد أﺣببت ﻓﻼ ً ﻓأﺣبّﻪ‪ .‬قال‪ :‬ﻓيﻨادي ﰲ السﻤاء‪ ،‬ﰒّ ﺗﻨﺰل لﻪ اﶈبّة ﰲ أﻫل اﻷرض‪،‬‬ ‫دى‪ :‬جﱪيل؛ ّ‬
‫ات َسﻴَ ْﺠ َﻌ ُل َﳍُُﻢ ال ﱠﺮ ْ ٰ‬
‫ﲪَ ُن ُودا( ]مرﱘ‪ ،[96 :‬وإذا أﺑﻐﺾ ﷲ‬ ‫ﻓذلﻚ قول ﷲ‪) :‬إِ ﱠن الﱠ ِﺬين آمﻨُوا و َﻋ ِمﻠُوا ال ﱠ ِ‬
‫اﳊ ِ‬
‫ﺼ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫إﱐ أﺑﻐﻀت ﻓﻼ ‪ ،‬ﻓيﻨادي ﰲ السﻤاء‪ ،‬ﰒ ﺗﻨﺰل لﻪ البﻐﻀاء ﰲ اﻷرض« ‪.‬‬ ‫ﻋب ًدا دى‪ :‬جﱪيل؛ ّ‬
‫‪ -‬وﻋن أﰊ ﻫريرة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪-‬؛ قال رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬من أ ه ﷲ ماﻻً ﻓلﻢ‬
‫يﻄوقﻪ يوم الﻘيامة خذ ﺑلﻬﺰمتيﻪ ‪-‬يعﲏ‪ :‬شدقيﻪ – يﻘول‪ :‬أ‬ ‫يﺆد زﻛاﺗﻪ؛ ُمثِّ َل لﻪ مالﻪ‬‫ِ‬
‫شﺠاﻋا أقرع لﻪ زﺑيبتان‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ين يَـ ْب َﺨﻠُو َن ِﲟَا آ َ ُﻫ ُﻢ ا ﱠُ ِمن ﻓَ ْ‬
‫ﻀﻠِ ِﻪ ُﻫ َو َﺧ ْ ًﲑا ﱠﳍُﻢ ۖ ﺑَ ْل‬ ‫مالﻚ‪ ،‬أ ﻛﻨﺰك‪ ،‬ﰒ ﺗﻼ ﻫذه اﻵية‪) :‬وَﻻ َْﳛﺴ ﱠ ِ‬
‫ﱭ الﱠﺬ َ‬‫ََ‬ ‫َ‬
‫ض ۗ َوا ﱠُ ِﲟَا ﺗَـ ْﻌ َمﻠُو َن َﺧبِﲑٌ(‬ ‫ﺴماو ِ‬
‫ات َو ْاﻷ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ﱠ‬
‫اث ال ﱠ َ َ‬ ‫ﲑ ُ‬ ‫ُﻫ َو َﺷ ﱞﺮ ﳍُ ْﻢ ۖ َسﻴُﻄَﱠوﻗُو َن َما َﲞﻠُوا ﺑﻪ يَـ ْوَم الْقﻴَ َامﺔ ۗ َو ﱠ م َ‬
‫]آل ﻋﻤران‪.(2)«[180 :‬‬
‫‪ -‬ﻋن أﰊ سعيد اﳋدري وأﰊ ﻫريرة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻤا‪ -‬ﻋن الﻨﱠﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬قال‪:‬‬
‫أﺑدا‪ ،‬وإ ّن لكﻢ أن ِ‬
‫ﺗشبﱡوا ﻓﻼ‬ ‫أﺑدا‪ ،‬وإ ّن لكﻢ أن ﲢيوا ﻓﻼ ﲤوﺗوا ً‬
‫ﺗﺼحوا ﻓﻼ ﺗسﻘﻤوا ً‬ ‫ٍ‬
‫»يﻨادي ُمﻨاد إ ّن لكﻢ أن ّ‬
‫ودوا أَن ﺗِْﻠ ُﻜ ُﻢ ا ْﳉَﻨﱠﺔُ أُوِرثْـتُ ُم َ‬
‫وﻫا ِﲟَا‬ ‫أﺑدا‪ ،‬ﻓذلﻚ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬ونُ ُ‬
‫أﺑدا‪ ،‬وإ ّن لكﻢ أن ﺗﻨعﻤوا ﻓﻼ ﺗيأسوا ً‬
‫رموا ً‬
‫ُﻛﻨتُ ْﻢ ﺗَـ ْﻌ َمﻠُو َن( ]اﻷﻋراف‪.(3)«[43 :‬‬

‫)‪ (1‬أخرجﻪ الﱰمذي‪ ،‬أﺑو ﻋيسﻰ ﳏﻤد ﺑن ﻋيسﻰ )ت‪279‬ﻫـ(‪ ،‬سﻨن الﱰمﺬي‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد ﳏﻤد شاﻛر‪ ،‬وإﺑراﻫيﻢ ﻋوض(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إﺣياء‬
‫الﱰاث العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1395 ،‬ﻫـ‪ ،‬أﺑواب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب‪ :‬ومن سورة مرﱘ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.3161 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫)‪ (2‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب )وَﻻ َﳛس ﱠ ِ‬
‫ﻀلﻪ ُﻫ َو َخ ْ ًﲑا‬ ‫ﱭ الﱠذ َ‬
‫ين يـَْب َﺨلُو َن ﲟَا آ َ ُﻫ ُﻢ ا ﱠُ من ﻓَ ْ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫ﱠﳍُﻢ ۖ(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.4565 :‬‬
‫اﳊﺠاج الﻘشﲑي الﻨّيساﺑوري )ت‪261‬ﻫـ(‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪،‬‬
‫)‪ (3‬أخرجﻪ مسلﻢ‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ مسلﻢ ﺑن ّ‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ﻛتاب اﳉﻨة وﺻفة نعيﻤﻬا وأﻫلﻬا‪ ،‬ب ﰲ دوام نعيﻢ أﻫل اﳉﻨة‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.2837 :‬‬

‫‪89‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫‪ -‬ﻋن ﻋبد ﷲ ﺑن مسعود ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬من‬
‫اقتﻄﻊ مال امر ٍئ مسلﻢ ﺑيﻤﲔ ﻛاذﺑة لﻘي ﷲ وﻫو ﻋليﻪ ﻏﻀبان‪ .‬قال ﻋبد ﷲ‪ :‬ﰒّ قرأ رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ‬
‫ين يَ ْﺸ َﱰُو َن ﺑِ َﻌ ْﻬ ِد ا ﱠِ َوأ َْﳝَا ِِ ْﻢ َﲦَﻨًا ﻗَﻠِ ًﻴﻼ أُوٰلَﺌِ َ‬
‫ﻚ‬ ‫ِ‬
‫جل ذﻛره‪) :‬إِ ﱠن الﱠﺬ َ‬
‫ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬مﺼداق ذلﻚ من ﻛتاب ﷲ ّ‬
‫ﻴﻢ( ]آل‬ ‫َﻻ َﺧ َﻼ َق َﳍﻢ ِﰲ ْاﻵ ِﺧﺮةِ وَﻻ ي َﻜﻠِّمﻬﻢ ا ﱠ وَﻻ يﻨظُﺮ إِلَﻴ ِﻬﻢ يـوم ال ِْقﻴام ِﺔ وَﻻ يـ َﺰّﻛِﻴ ِﻬﻢ و َﳍﻢ َﻋ َﺬ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬‫ٌ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ ُ ُ َ َ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ُْ‬ ‫ُْ‬
‫ﻋﻤران‪.(1)«[77 :‬‬
‫اﻷسﻠوب الﺜاﱐ‪ :‬أن يﺬﻛﺮ اﻵيﺔ‪ ،‬ﰒّ يﺬﻛﺮ ﺗﻔﺴﲑﻫا‪.‬‬
‫وأمثلة ذلﻚ‪:‬‬
‫استَﻄَ ْﻌتُﻢ ِّمن ﻗُـ ﱠوةٍ( ]اﻷنفال‪ .[60 :‬ﻓعن ﻋﻘبة ﺑن ﻋامر‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬ﺗفسﲑ )الﻘوة( ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وأَﻋدﱡوا َﳍُﻢ ﱠما ْ‬
‫ِ‬
‫‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬قال‪ :‬ﲰعت الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬وﻫو ﻋلﻰ اﳌﻨﱪ يﻘول‪َ )» :‬وأَﻋ ﱡدوا َﳍُﻢ ﱠما ْ‬
‫استَﻄَ ْعتُﻢ‬
‫الرمي«)‪.(2‬‬ ‫ِ ٍ‬
‫الﻘوة ّ‬
‫الرمي‪ ،‬أﻻ إ ّن ّ‬ ‫الﻘوة ّ‬ ‫ّمن قُـ ﱠوة(‪ ،‬أﻻ إ ّن الﻘوة ّ‬
‫الرمي‪ ،‬أﻻ إ ّن ّ‬
‫‪ -‬ﻋن أﰊ ﻫريرة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬ﻋن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬قال‪» :‬قيل لبﲏ إسرائيل‪:‬‬
‫اب ُس ﱠﺠ ًدا َوﻗُولُوا ِﺣﻄﱠﺔٌ( ]البﻘرة‪ ،[58 :‬ﻓدخلوا يﺰﺣفون ﻋلﻰ أستاﻫﻬﻢ‪ ،‬ﻓب ّدلوا وقالوا‪ :‬ﺣﻄة؛ ﺣبّة‬
‫) َوا ْد ُﺧﻠُوا الْبَ َ‬
‫ﰲ شعرة«)‪.(3‬‬
‫‪ -‬ﻋن أنﺲ ﺑن مالﻚ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬قال‪ :‬ﺑيﻨا رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ذات يوم ﺑﲔ‬
‫ﻋلي آن ًفا‬
‫لت ﱠ‬ ‫متبسﻤا‪ ،‬ﻓﻘلﻨا‪ :‬ما أﺿحكﻚ رسول ﷲ؟ قال‪» :‬أُنﺰ ْ‬ ‫ً‬ ‫أﻇﻬر ‪ ،‬إ ْذ أﻏفﻰ إﻏفاءةً ﰒّ رﻓﻊ رأسﻪ‬
‫اﻷَﺑْ َﱰُ( ]الكوثر‪:‬‬
‫ﻚ ُﻫ َو ْ‬ ‫ﺼ ِّل لَِﺮﺑِّ َ‬
‫ﻚ َو ْاﳓَ ْﺮ إِ ﱠن َﺷانِﺌَ َ‬ ‫سورة‪ ،‬ﻓﻘرأ‪ :‬ﺑسﻢ ﷲ الرﲪن الرﺣيﻢ )إِ ﱠ أَ ْﻋﻄَْﻴـﻨَ َ‬
‫اك الْ َﻜ ْوثَـ َﺮ ﻓَ َ‬
‫وجل‪ ،‬ﻋليﻪ خﲑٌ ﻛثﲑ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ﻋﺰ ّ‬‫رﰊ ّ‬ ‫‪ .[3-1‬ﰒّ قال‪ :‬أﺗدرون ما الكوثر؟ ﻓﻘلﻨا ﷲ ورسولﻪ أﻋلﻢ‪ ،‬قال‪ :‬ﻓإنّﻪ ٌر َو َﻋ َدنيﻪ ّ‬
‫ﺣوض ﺗ ِرُد ﻋليﻪ ّأمﱵ يوم الﻘيامة‪ ،‬آنيتﻪ ﻋدد الﻨﺠوم ‪.(4)«...‬‬ ‫ٌ‬ ‫ﻫو‬
‫‪ -‬ﻋن اﺑن ﻋﻤر ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻤا‪ -‬أ ّن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬قال‪) :‬يـوم يـ ُقوم الﻨ ِ‬
‫ب‬‫ﱠاس ل َﺮ ِّ‬
‫َْ َ َ ُ ُ‬
‫ﺣﱴ يﻐيب أﺣدﻫﻢ ﰲ رشحﻪ إﱃ أنﺼاف أذنيﻪ«)‪.(5‬‬ ‫ﲔ( ]اﳌﻄففﲔ‪ّ » :[6 :‬‬‫ال َْﻌال َِم َ‬

‫)‪ (1‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب التوﺣيد‪ ،‬ب قول ﷲ ﺗعاﱃ‪) :‬وجوه يـومئِ ٍذ ِ‬
‫ﱠﺿَرةٌ إِ َ ٰﱃ َرَِّا َ ِﻇَرةٌ(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪:‬‬ ‫ُ ُ ٌ َْ َ‬
‫‪.7445‬‬
‫وذم من ﻋلﻤﻪ ﰒّ نسيﻪ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.1917 :‬‬ ‫اﳊث ﻋليﻪ‪ّ ،‬‬ ‫)‪ (2‬أخرجﻪ مسلﻢ‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﻹمارة‪ ،‬ب ﻓﻀل الرمي و ّ‬
‫)‪ (3‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب ) َوإِ ْذ قـُلْﻨَا ْاد ُخلُوا َٰﻫ ِذ ِه الْ َﻘْريَةَ ‪ ،(...‬ﺣديث رقﻢ‪.4479 :‬‬
‫)‪ (4‬أخرجﻪ مسلﻢ‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب الﺼﻼة‪ ،‬ب ﺣﺠة من قال‪ :‬البسﻤلة آيةٌ من ّأول ّ‬
‫ﻛل سورة سوى ﺑراءة‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪:‬‬
‫‪.400‬‬
‫ِ‬ ‫)‪ (5‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب )يـوم يـ ُﻘوم الﻨ ِ‬
‫ﲔ(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.4938 :‬‬ ‫ﱠاس لَر ِّ‬
‫ب الْعَالَﻤ َ‬ ‫َْ َ َ ُ ُ‬

‫‪90‬‬
‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن ز ان‬

‫ﻓﻴﻔﺴﺮﻫا ﳍﻢ‪.‬‬
‫الﺼﺤاﺑﺔ ﻓﻬﻢ آيﺔ ّ‬
‫الﻨوع الﺜاﱐ‪ :‬أن يﺸﻜل ﻋﻠﻰ ّ‬
‫مثال ذلﻚ‪:‬‬
‫ﳛاسب‬ ‫‪ -‬ﻋن ﻋائشة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬا‪ -‬قالت‪ :‬قال رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬ليﺲ أﺣ ٌد َ‬
‫ُوﰐَ ﻛِتَاﺑَﻪُ‬
‫ﻋﺰوجل‪) :‬ﻓَﺄَ ﱠما َم ْن أ ِ‬
‫إﻻّ ﻫلﻚ«‪ .‬قالت‪ :‬قلت رسول ﷲ؛ جعلﲏ ﷲ ﻓداءك‪ ،‬أليﺲ يﻘول ﷲ ّ ّ‬
‫ﺴا ً يَ ِﺴ ًﲑا( ]اﻻنشﻘاق‪ ،[8 :‬قال‪» :‬ذلﻚ العرض يعرﺿون‪ ،‬ومن نوقﺶ اﳊساب‬ ‫ف ُﳛاس ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ﺐﺣَ‬
‫ﺴ ْو َ َ َ ُ‬
‫ﺑﻴَمﻴﻨﻪ ﻓَ َ‬
‫ﻫلﻚ«)‪.(1‬‬
‫الﺼحاﺑة‪ ،‬ومثالﻪ‪:‬‬
‫ويلحﻖ ذا الﻨوع ﻓﺼلُﻪ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬اﳋﻼف الواقﻊ ﺑﲔ ّ‬
‫‪ -‬ﻋن أﰊ سعيد اﳋدري ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ -‬قال‪ :‬اختلﻒ رجﻼن ‪ْ -‬أو ْام َﱰَ ‪-‬؛ ٌ‬
‫رجل من ﺑﲏ ُخ ْدرة‪،‬‬
‫ورجل من ﺑﲏ ﻋﻤرو ﺑن ﻋوف‪ ،‬ﰲ اﳌسﺠد الذي أُ ِّسﺲ ﻋلﻰ التﻘوى‪ ،‬ﻓﻘال اﳋدري‪ :‬ﻫو مسﺠد رسول ﷲ‬ ‫ٌ‬
‫‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،‬وقال العﻤري‪ :‬ﻫو مسﺠد قباء‪ ،‬ﻓأﺗيا رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﻓسأﻻه ﻋن‬
‫ذلﻚ‪ ،‬ﻓﻘال ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬ﻫو ﻫذا اﳌسﺠد«؛ ﳌسﺠد رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وقال‬
‫‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬ﰲ ذاك خﲑٌ ﻛثﲑ«‪ ،‬يعﲏ‪ :‬مسﺠد قباء)‪.(2‬‬
‫يتﺄول القﺮآن ﻓﻴﻌمل ﲟا ﻓﻴﻪ من أوامﺮ‪.‬‬
‫الﻨوع الﺜالﺚ‪ :‬أن ّ‬
‫مثال ذلﻚ‪:‬‬
‫‪ -‬ﻋن ﻋائشة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬا‪ -‬قالت‪ :‬ما ﺻلّﻰ الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﺻﻼة ﺑعد أن نﺰلت‬
‫ِ‬
‫ﻋليﻪ‪) :‬إِذَا َﺟاءَ نَ ْ‬
‫ﺼ ُﺮ ا ﱠ َوالْ َﻔْت ُح( ]الﻨﺼر‪ ،[1 :‬إﻻّ يﻘول ﻓيﻬا‪» :‬سبحانﻚ رﺑّﻨا وﲝﻤدك‪ّ ،‬‬
‫اللﻬﻢ اﻏفر ﱄ«)‪.(3‬‬
‫اللﻬﻢ‬
‫وﰲ رواية ﻋﻨﻬا‪ :‬أ ّن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﻛان يكثر أن يﻘول ﰲ رﻛوﻋﻪ وسﺠوده‪» :‬سبحانﻚ ّ‬
‫يتأول الﻘرآن)‪.(4‬‬
‫اللﻬﻢ اﻏفر ﱄ«‪ّ ،‬‬ ‫رﺑّﻨا وﲝﻤدك‪ّ ،‬‬
‫ﺗﻀمﻨتﻪ من مﻌان أو أﺣﻜام‪.‬‬
‫الﻨوع الﺮاﺑع‪ :‬اﻛتﻔاؤﻩ ‪-‬ﺻﻠّﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسﻠّﻢ‪ -‬ﺑتﻼوة اﻵيﺔ لتقﺮيﺮ ما ّ‬
‫مثال ذلﻚ‪:‬‬

‫ب ِﺣ َسا ً يَ ِس ًﲑا(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.4939 :‬‬


‫اس ُ‬ ‫)‪ (1‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب )ﻓَ َس ْو َ‬
‫ف ُﳛَ َ‬
‫)‪ (2‬أخرجﻪ أﲪد‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ أﲪد ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﺣﻨبل الشيباﱐ )ت‪241‬ﻫـ(‪ ،‬مﺴﻨد أﲪد‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعيب اﻷرنﺆوط‪ ،‬ﻋادل مرشد‪ ،‬وآخرون‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1421 ،‬ﻫـ‪2001/‬م‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.11178 :‬‬
‫)‪ (3‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب ) َوَمن يـَ ْع َﻤ ْل ِمثْـ َﻘ َ‬
‫ال ذَ ﱠرٍة َشرا يـََرهُ(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.4967 :‬‬
‫)‪ (4‬أخرجﻪ أﲪد‪ ،‬مﺴﻨد أﲪد‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.24223 :‬‬

‫‪91‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫‪ -‬ﻋن اﺑن ﻋبّاس ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻤا‪ -‬أ ّن رسول ﷲ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬قال وﻫو ﰲ قبة يوم‬
‫اللﻬﻢ إن ﺗشأ ﻻ ﺗعبد ﺑعد اليوم«‪ ،‬ﻓأخذ أﺑو ﺑكر ﺑيده‪ ،‬ﻓﻘال‪:‬‬ ‫إﱐ أنشدك ﻋﻬدك ووﻋدك‪ّ ،‬‬ ‫اللﻬﻢ ّ‬
‫ﺑدر‪ّ » :‬‬
‫ب ﰲ ال ِّدرع‪ ،‬ﻓﺨرج وﻫو يﻘول‪َ ) :‬سﻴُـ ْﻬ َﺰُم ا ْﳉَ ْم ُع َويُـ َولﱡو َن‬ ‫ِ‬
‫ﺣسبﻚ رسول ﷲ؛ أﳊحت ﻋلﻰ رﺑّﻚ‪ ،‬وﻫو يَث ُ‬
‫ال ﱡدﺑُـ َﺮ( ]الﻘﻤر‪.(1)[45 :‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ‪.‬‬
‫القﺴﻢ الﺜاﱐ‪ :‬ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن ل ﱡ‬
‫ِ‬
‫اﳌفسر من السﻨّة الﻨّبوية‪ ،‬سواءً أﻛانت قوﻻً أم ﻓعﻼً أم‬
‫ﻛل إﻓادة يستفيدﻫا ّ‬‫التفسﲑ ل ﱡسﻨﱠة يشﻤل ّ‬
‫أﺣاديث ﺗﻨاسب معﲎ اﻵية‪ ،‬مﻊ أ ّن اﳊديث ﱂ يورد ﺗفسﲑاً‬ ‫ِ‬
‫اﳌفسرين من‬
‫َ‬ ‫ﺗﻘريراً‪ ،‬ومثال ذلﻚ‪ :‬ما يذﻛره ﺑعﺾ ّ‬
‫ﺻرﳛاً من الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬لﻶية‪ ،‬ومثال ذلﻚ‪:‬‬
‫ين َْﳚتَﻨِبُو َن َﻛبَاﺋَِﺮ‬ ‫ِ‬
‫ما ورد ﰲ ﺗفسﲑ الﻄﱪي‪ ،‬ﻋن اﺑن ﻋبّاس ﰲ ﺗفسﲑ »اللّﻤﻢ« من قولﻪ ﺗعاﱃ‪) :‬الﱠﺬ َ‬
‫ﺶ إِﱠﻻ الﻠﱠ َم َﻢ ۚ( ]الﻨﺠﻢ‪ ،[32 :‬قال‪) :‬ما رأيت شيئاً أشبﻪ للّﻤﻢ ﳑّا قال أﺑو ﻫريرة ﻋن الﻨّﱯ ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬
‫اﻹ ِْﰒ َوالْ َﻔ َواﺣ َ‬
‫ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬إ ّن ﷲ ﻛتب ﻋلﻰ اﺑن آدم ﺣﻈّﻪ من الﺰﱏ‪ ،‬أدرﻛﻪ ﻻ ﳏالة‪ ،‬ﻓﺰﱏ العيﻨﲔ الﻨﻈر‪ ،‬وزﱏ‬
‫ﺗتﻤﲎ وﺗشتﻬي‪ ،‬والفرج يﺼ ّدق ذلﻚ ﻛلّﻪ أو يك ّذﺑﻪ«)‪.(3)((2‬‬
‫اللّسان اﳌﻨﻄﻖ‪ ،‬والﻨفﺲ ّ‬
‫يروون ما وﺻلﻬﻢ أو‬
‫الﺼحاﺑة من السﻨة الﻨبوية ﰲ ﺗفسﲑﻫﻢ للﻘرآن‪ ،‬وﻫﻢ ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣيان ُ‬
‫ﻓﻘد أﻓاد ّ‬
‫يﻨﺼوا ﻋلﻰ‬
‫يدل ﻋلﻰ اﻋتﻤادﻫﻢ السﻨة الﻨبوية وإن ﱂ ّ‬
‫ﲰعوه من ﺗفسﲑ الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وﻫذا ّ‬
‫رﻓعﻪ‪ ،‬ومن أمثلﻪ ذلﻚ‪:‬‬
‫ول َﻫل ِمن ﱠم ِﺰ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﺗفسﲑ اﺑن ﻋباس لﻘولﻪ ﺗعاﱃ‪) :‬يـوَم نَـ ُق ُ ِ‬
‫يد( ]ق‪ ،[30 :‬قال‬ ‫ﱠﻢ َﻫ ِل ْامتَ َﻸْت َوﺗَـ ُق ُ ْ‬ ‫ول ﳉََﻬﻨ َ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ﱠﻢ م َن ا ْﳉِﻨ ِﱠﺔ َوالﻨ ِ‬
‫ﱠاس أ ْ ِ‬
‫ﲔ( ]السﺠدة‪،[13 :‬‬
‫َﲨَﻌ َ‬ ‫ﻓيﻪ‪) :‬إ ّن ﷲ اﳌلﻚ ﺗبارك وﺗعاﱃ قد سبﻘت ﻛلﻤتﻪ‪َ ) :‬ﻷ َْم َﻸَ ﱠن َﺟ َﻬﻨ َ‬
‫ﻓوجا‪ ،‬ﻻ يُلﻘﻰ‬
‫ﻓوجا ً‬
‫ﻓلﻤا ﺑُعث الﻨّاس وأُﺣﻀروا‪ ،‬وسيﻖ أﻋداء ﷲ إﱃ الﻨّار ُزَمراً‪ ،‬جعلوا يﻘتحﻤون ﰲ جﻬﻨّﻢ ً‬
‫ّ‬
‫لتﻤﻸﱐ من اﳉﻨّة والﻨّاس أﲨعﲔ؟‬
‫ّ‬ ‫ﰲ جﻬﻨّﻢ شيءٌ إﻻّ ذﻫب ﻓيﻬا‪ ،‬وﻻ ﳝلﺆﻫا شيء‪ ،‬قالت‪ :‬ألست قد أقسﻤت‬
‫ﻓإﱐ قد امتﻸت‪ ،‬ﻓليﺲ ﱄ مﺰيد‪ ،‬وﱂ يكن ﳝلﺆﻫا شيء‪،‬‬ ‫ﻓوﺿﻊ قدمﻪ‪ ،‬ﻓﻘالت ﺣﲔ وﺿﻊ قدمﻪ ﻓيﻬا‪ :‬قد قد‪ّ ،‬‬
‫مﺲ ما وﺿﻊ ﻋليﻬا‪ ،‬ﻓتﻀايﻘت ﺣﲔ جعل ﻋليﻬا ما جعل‪ ،‬ﻓامتﻸت ﻓﻤا ﻓيﻬا موﺿﻊ إﺑرة()‪.(4‬‬
‫ﺣﱴ وجدت ّ‬ ‫ّ‬

‫)‪ (1‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب قولﻪ‪َ ) :‬سيُـ ْﻬَﺰُم ا ْﳉَ ْﻤ ُﻊ َويـُ َولﱡو َن ال ﱡدﺑـَُر(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.4875 :‬‬
‫)‪ (2‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﻻستئذان‪ ،‬ب ز اﳉوارح دون الفرج‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.6243 :‬‬
‫)‪ (3‬الﻄﱪي‪ ،‬أﺑو جعفر ﳏﻤد ﺑن جرير )ت‪310‬ﻫـ(‪ ،‬ﺟامع البﻴان ﰲ ويل آي القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫ﻫﺠر‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1422 ،‬ﻫـ‪ :‬ج‪ ،22‬ص‪.62‬‬
‫)‪ (4‬الﻄﱪي‪ ،‬ﺟامع البﻴان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.444‬‬

‫‪92‬‬
‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن ز ان‬

‫ﻓسر ﻫذه اﻵية ﲟا جاء ﻋن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬وإن ﱂ يسﻨده مباشرة إليﻪ)‪،(1‬‬
‫ﻓاﺑن ﻋبّاس ّ‬
‫وﻫذا ﰐ ﻏالباً ﻓيﻤا ﻻ ﳎال للعﻘل ﻓيﻪ‪.‬‬
‫نبوي‪ ،‬لكن ﻫذا الﻘول من الﻨّﱯ ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫ﻓسر اﻵية ﺑﻘول ّ‬
‫يدل ﻋلﻰ أ ّن ﺣﱪ اﻷمة اﺑن ﻋبّاس قد ّ‬
‫ﻓﻬذا اﳌثال ّ‬
‫ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﱂ يكن ﺻرﳛاً ﰲ ﺗفسﲑ اﻵية‪ ،‬وإّﳕا ﻛان ﲪلﻪ ﻋلﻰ اﻵية اجتﻬاداً من اﺑن ﻋبّاس ‪-‬‬
‫رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ ،-‬ﻓﻬذا اﳌثال يﺼلح أن يكون من التفسﲑ لسﻨة‪.‬‬
‫اﳌفسر‪ ،‬سواء ﻛان ﺻحاﺑيًا أو ﺑعيًا أو من‬
‫جتﻬاد من ّ‬
‫ﲝث وا ٌ‬
‫وﻋلﻰ ﻫذا؛ ﻓإ ّن ﺗفسﲑ الﻘرآن لسﻨة ٌ‬
‫دو ﻤا‪.‬‬
‫ﺷﺮوط ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن لﺴﻨﺔ‪:‬‬
‫يفسر الﻘرآن لسﻨّة ﻓعليﻪ أن يراﻋي الشروط اﻵﺗية‪:‬‬
‫من أراد أن ّ‬
‫‪ -1‬معرﻓة أﳘية السﻨة ومكانتﻬا وﺣﺠيّتﻬا ﰲ التشريﻊ‪.‬‬
‫‪ -2‬العﻨاية لكتب واﳌﺼﻨّفات الﱵ ﲨعت أﺣاديث الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وﻫي ﻛثﲑة‪،‬‬
‫وﳝكن ﺗﺼﻨيفﻬا إﱃ ﺻﻨفﲔ‪:‬‬

‫الﺼﻨﻒ اﻷول‪ :‬مﺼﻨّفات اقتﺼرت ﻋلﻰ رواية اﳌأثور ﻋن الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬وﻋن‬
‫الﺼحاﺑة والتاﺑعﲔ‪ ،‬مﻊ ﲡريد التفسﲑ من اﻷقوال والﻘراءات واﳌعاﱐ اللﻐوية وﳓوﻫا‪ ،‬ومﻨﻬا‪:‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ ﻋبد الرزاق ﺑن ﳘام الﺼﻨعاﱐ )ت‪211‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ ﳏﻤد ﺑن يونﺲ الفر ﰊ )ت‪212‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ سعيد ﺑن مﻨﺼور اﳋراساﱐ )ت‪227‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ ﻋبد ﺑن ﲪيد ﺑن نﺼر الكشي )ت‪249‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ ﺑﻘي ﺑن ﳐلد )ت‪276‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ اﺑن ماجة )ت‪279‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ اﺑن اﳌﻨذر )ت‪318‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ الﻘرآن العﻈيﻢ ﻻﺑن أﰊ ﺣاﰎ )ت‪327‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ أﰊ الشيخ اﻷﺻبﻬاﱐ )ت‪369‬ﻫـ(‪.‬‬

‫ول َﻫ ْل ِمن‬
‫)‪ (1‬ﺣديث أنﺲ ﺑن مالﻚ‪ ،‬وأﰊ ﻫريرة‪ ،‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب قولﻪ‪َ ) :‬وﺗَـ ُﻘ ُ‬
‫يد(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.4849 ،4848 :‬‬ ‫ﱠم ِﺰ ٍ‬

‫‪93‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫‪ ‬ﺗفسﲑ اﺑن مردويﻪ )ت‪414‬ﻫـ(‪.‬‬

‫الﺼﻨﻒ الﺜاﱐ‪ :‬مﺼﻨّفات اﻋتﻨت ﻷﺣاديث واﻵ ر‪ ،‬وﱂ ﺗﻘتﺼر ﻋلﻰ ّ‬


‫ﳎرد الرواية‪ ،‬ﺑل ﻛان ﳍا‬
‫ﻋﻨاية ﺑذﻛر ما يتعلّﻖ ﻵ ت‪ ،‬ﻛالﻘراءات‪ ،‬واللﻐة‪ ،‬والفﻘﻪ‪ ،‬والﱰجيح‪ ،‬وﳓوﻫا‪ ،‬ومﻨﻬا‪:‬‬

‫‪ ‬الدر اﳌﻨثور ﰲ التفسﲑ ﳌأثور‪ ،‬ﳉﻼل ال ّدين ّ‬


‫السيوطي )ت‪911‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬جامﻊ البيان ﻋن ويل آي الﻘرآن )ﺗفسﲑ الﻄﱪي(‪ ،‬ﻷﰊ جعفر ﳏﻤد ﺑن جرير الﻄﱪي‬
‫)ت‪310‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬الكشﻒ والبيان ﻋن ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ﻷﰊ إسحاق الثعلﱯ )ت‪427‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬الوسيﻂ ﰲ ﺗفسﲑ الﻘرآن ا يد‪ ،‬لعلي ﺑن أﲪد الواﺣدي )ت‪468‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ ‬ﺗفسﲑ الﻘرآن العﻈيﻢ‪ ،‬ﻷﰊ الفداء ﻋﻤاد ال ّدين إﲰاﻋيل ﺑن ﻋﻤرو ﺑن ﻛثﲑ )ت‪774‬ﻫـ(‪.‬‬
‫‪ -3‬الدراية العﻤيﻘة لفاظ اﳊديث‪ ،‬وﻫذا من خﻼل اﻻطّﻼع ﻋلﻰ ﻛتب شروح اﻷﺣاديث‪.‬‬
‫التحرز من الﻀعيﻒ واﳌوﺿوع‪.‬‬
‫‪ -4‬التﻤييﺰ ﺑﲔ ﺻحيح السﻨة وﻋليلﻬا‪ ،‬و ّ‬
‫‪ -5‬العلﻢ لﻨاسخ واﳌﻨسوخ من السﻨة الﻨبوية‪.‬‬
‫‪ -6‬اﻻطّﻼع ﻋلﻰ اﳋﻼف ﺑﲔ أﻫل العلﻢ ﰲ نسخ الﻘرآن لسﻨّة‪.‬‬
‫‪ -7‬العلﻢ سباب الﻨﺰول‪.‬‬
‫‪ -8‬العلﻢ ﺑﻘواﻋد وﺿواﺑﻂ ﺗفسﲑ الﻘرآن لسﻨّة)‪.(1‬‬

‫أنواع ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن لﺴﻨﱠﺔ‪:‬‬


‫الﻨوع اﻷول‪ :‬ﺑﻴان التﺄﻛﻴد‪.‬‬
‫ﳛل‬
‫الرسول ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬إنّﻪ ﻻ ّ‬ ‫ن ﰐ ال ﱡسﻨﱠة مواﻓﻘةً ومﺆّﻛدةً ﳌا جاء ﰲ الﻘرآن‪ ،‬ﻛﻘول ّ‬
‫ِ‬
‫آمﻨُوا َﻻ َْ ُﻛﻠُوا أ َْم َوالَ ُﻜﻢ‬
‫ين َ‬ ‫مال امرئ مسلﻢ إﻻّ ﺑﻄيب نفسﻪ« ‪ ،‬ﻓإنّﻪ يواﻓﻖ قول ﷲ ﺗعاﱃ‪ َ ) :‬أَيﱡـ َﻬا الﱠﺬ َ‬
‫)‪(2‬‬

‫ِ ِ‬ ‫اط ِل إِﱠﻻ أَن ﺗَ ُﻜو َن ِﲡَارةً ﻋن ﺗَـﺮ ٍ ِ‬


‫ﺑـﻴـﻨَ ُﻜﻢ ِ لْب ِ‬
‫ﻴما( ]الﻨساء‪:‬‬ ‫ﺴ ُﻜ ْﻢ ۚ إِ ﱠن ا ﱠَ َﻛا َن ﺑ ُﻜ ْﻢ َرﺣ ً‬
‫اض ّمﻨ ُﻜ ْﻢ ۚ َوَﻻ ﺗَـ ْقتُـﻠُوا أَن ُﻔ َ‬‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫‪.[29‬‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬اﳊرﰊ‪ ،‬ﻗواﻋد الﱰﺟﻴح ﻋﻨد اﳌﻔﺴّﺮين‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.206‬‬


‫)‪ (2‬أﲪد‪ ،‬مﺴﻨد أﲪد‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.20695 :‬‬

‫‪94‬‬
‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن ز ان‬

‫الﻨوع الﺜاﱐ‪ :‬ﺑﻴان ا مل ﰲ القﺮآن‪.‬‬


‫الﺼﻼة‪ ،‬وﻋدد‬
‫لﺼﻼة ورد ﰲ الﻘرآن ﳎﻤﻼً مراراً‪ ،‬وجاءت السﻨّة مبيّﻨة ﳌواقيت ّ‬
‫ومثال ذلﻚ‪ :‬أ ّن اﻷمر ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫اﳊﺞ‪،‬‬
‫رﻛعا ا‪ ،‬وﻛيفيتﻬا‪ ،‬قال ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬ﺻلّوا ﻛﻤا رأيتﻤوﱐ أﺻلّي« ‪ ،‬وﻛذلﻚ اﻷمر ﰲ ّ‬
‫ﺣﺠﱵ ﻫذه«)‪ ،(2‬وﻏﲑﻫا‬
‫أﺣﺞ ﺑعد ّ‬
‫ﻓإﱐ ﻻ أدري لعلّي ﻻ ّ‬
‫قال ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬لتأخذوا مﻨاسككﻢ‪ّ ،‬‬
‫من ﺗفاﺻيل اﻷﺣكام‪.‬‬
‫الﻨوع الﺜالﺚ‪ :‬إيﻀاح اﳌـُ ْﺸﻜل‪.‬‬
‫ﱠت( ]اﻻنشﻘاق‪ .[3 :‬قال ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ‬ ‫ض ُمد ْ‬ ‫ﻛبيان اﳌراد ﲟ ّد اﻷرض ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وإِذَا ْاﻷ َْر ُ‬
‫اﻷولﲔ واﻵخرين ﰲ ﺻعيد واﺣد‪ ،‬ﻓيُ ْسﻤعﻬﻢ ال ّداﻋي ويْﻨفذﻫﻢ البﺼر ‪.(3)«...‬‬ ‫وسلّﻢ‪» :-‬ﳚﻤﻊ ﷲ الﻨّاس ّ‬
‫الﻨوع الﺮاﺑع‪ :‬ﲣﺼﻴﺺ الﻌام‪.‬‬
‫وﺻﻴ ُﻜ ُﻢ ا ﱠُ ِﰲ أ َْوَﻻ ِد ُﻛ ْﻢ ۖ لِﻠ ﱠﺬ َﻛ ِﺮ ِمﺜْ ُل َﺣ ِّ‬
‫ﻆ‬ ‫ﻛتﺨﺼيص الولد الﻘاﺗل أو الكاﻓر من قولﻪ ﺗعاﱃ‪) :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫ﲔ ۚ( ]الﻨّساء‪ ،[11 :‬ﻓيحرم من اﳌﲑاث لﻘولﻪ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬ﻻ يرث اﳌﺆمن الكاﻓر وﻻ يرث‬ ‫ْاﻷُنﺜَـﻴَ ْ ِ‬
‫الكاﻓر اﳌﺆمن«)‪ ،(4‬وقولﻪ‪» :‬ليﺲ لﻘاﺗل شيء«)‪.(5‬‬
‫الﻨوع اﳋامﺲ‪ :‬ﺗقﻴﻴد اﳌﻄﻠﻖ‪.‬‬
‫ﺴا ِرﻗَﺔُ ﻓَاﻗْﻄَﻌُوا أَيْ ِديَـ ُﻬ َما( ]اﳌائدة‪ ،[38 :‬ليﻤﲔ‪ ،‬وأ ّن‬
‫ﺴا ِر ُق َوال ﱠ‬
‫مثالﻪ‪ :‬ﺗﻘييد اليد ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وال ﱠ‬
‫الكﻒ‪ ،‬لفعل الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﻋﻨد قﻄعﻪ ليد السارق‪ ،‬وﺗﻘييد الﻘﻄﻊ‬ ‫الﻘﻄﻊ يكون من مفﺼل ّ‬
‫أيﻀا ﲟا ﺑلﻎ الﻨّﺼاب‪ ،‬وﻫو رﺑﻊ ديﻨار ﻓﺼاﻋ ًدا‪ ،‬لﻘولﻪ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬ﺗﻘﻄﻊ اليد ﰲ رﺑﻊ ديﻨار‬
‫ً‬
‫ﻓﺼاﻋ ًدا«)‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﻷذان‪ ،‬ب اﻷذان للﻤساﻓر إذا ﻛانوا ﲨاﻋة ‪ ،...‬ﺣديث رقﻢ‪.631 :‬‬
‫اﳊﺞ‪ ،‬ب استحباب رمي ﲨرة العﻘبة يوم الﻨحر راﻛبا ‪ ،...‬ﺣديث رقﻢ‪.1297 :‬‬ ‫)‪ (2‬أخرجﻪ مسلﻢ‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ّ‬
‫ورا(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫)‪ (3‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب ﺗفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬ب )ذُ ِّريﱠةَ َم ْن َﲪَلْﻨَا َم َﻊ نُ ٍ‬
‫وح إنﱠﻪُ َﻛا َن َﻋْب ًدا َش ُك ً‬
‫‪.4712‬‬
‫)‪ (4‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﳌﻐازي‪ ،‬ب‪ :‬أين رﻛﺰ الﻨﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬الراية يوم الفتح؟ ﺣديث رقﻢ‪:‬‬
‫‪.4283‬‬
‫)‪ (5‬أخرجﻪ مالﻚ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ مالﻚ ﺑن أنﺲ اﻷﺻبحي )ت‪179‬ه(‪ ،‬اﳌوطﺄ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪،‬‬
‫مﺼر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ﻛتاب العﻘول‪ ،‬ب ما جاء ﰲ مﲑاث العﻘل والتﻐليظ ﻓيﻪ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.1557 :‬‬
‫ِ‬
‫)‪ (6‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﳊدود‪ ،‬ب قول ﷲ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وال ﱠسا ِر ُق َوال ﱠسا ِرقَةُ ﻓَاقْﻄَعُوا أَيْديـَ ُﻬ َﻤا(‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪:‬‬
‫‪.6789‬‬

‫‪95‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫الﻨوع الﺴادس‪ :‬ﺑﻴان ما سﻜﺖ ﻋﻨﻪ القﺮآن‪.‬‬


‫ﻋﻤتﻬا وخالتﻬا‪ ،‬ومشروﻋية زﻛاة‬
‫أي اﻷﺣكام الﺰائدة ﻋلﻰ ما جاء ﺑﻪ الﻘرآن‪ ،‬ﻛتحرﱘ نكاح اﳌرأة ﻋلﻰ ّ‬
‫الفﻄر وأﺣكامﻬا‪ ،‬واﻷمر ﺑرجﻢ الﺰاﱐ اﶈﺼن‪ ،‬وﳓوﻫا ﳑّا ﱂ يذﻛر ﰲ الﻘرآن‪.‬‬
‫ﺧاﲤﺔ‪:‬‬
‫ﺑﻨاءً ﻋلﻰ ما سبﻖ ذﻛره‪ ،‬وقبل الشروع ﰲ ذﻛر الفروق؛ ﳚب التﻨبيﻪ ﻋلﻰ مسألة مﻨﻬﺠية ﰲ ﻏاية‬
‫اﻷﳘية‪ ،‬وﻫي أ ّن الﻀاﺑﻂ ﰲ ﲢديد ما إذا ﻛان ﻫذا اﳊديث من قبيل التفسﲑ الﻨبوي‪ ،‬أو أنّﻪ من قبيل ﺗفسﲑ‬
‫ﻛل ﺣديث ﻋلﻰ ﺣدة‪ ،‬ودرجة ارﺗباطﻪ ﻵية‪ ،‬وﻋلﻰ ﻫذا ﳝكن الﻘول ّن‬ ‫مرده إﱃ دراسة ّ‬
‫الﻘرآن ل ﱡسﻨﱠة؛ ّ‬
‫قسيﻤا مستﻘﻼ ﻋن ﺗفسﲑ الﻘرآن ل ﱡسﻨﱠة‪ ،‬إّﳕا ﻫو جﺰءٌ مﻨﻪ‪ ،‬ولذا وقﻊ ﻫذا اللبﺲ واﳋلﻂ‬
‫التفسﲑ الﻨّبوي ليﺲ ً‬
‫ﺑﲔ مﺼﻄلح »التفسﲑ الﻨبوي«‪ ،‬و»التفسﲑ لسﻨة«‪ ،‬ﺑﲔ من ﻻ يرى ﻓرقاً ﺑيﻨﻬﻤا‪ ،‬وأن ﻻ مشاﺣاة ﰲ‬
‫مفرق ﺑيﻨﻬﻤا ﻛﻤا ﰲ الدراسات اﳊديثة‪.‬‬
‫اﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬وﺑﲔ ّ‬
‫ﻛل قسﻢ مﻨﻬﻤا‪:‬‬
‫ﺗبﲔ مﻼمح وﺣدود ّ‬
‫وﺑﻨاءً ﻋلﻰ ما ذﻛر ؛ ﳝكن رسﻢ ﻫذه الفروق‪ ،‬الﱵ ّ‬
‫ّأوﻻً‪ :‬التفسﲑ الﻨّبوي ﰐ مباشراً ﺻرﳛاً ‪ ،‬ﺗذﻛر اﻵية مﻊ اﳊديث ﰲ ٍّ‬
‫)‪(1‬‬
‫نص واﺣد‪ ،‬ﲞﻼف ﺗفسﲑ‬
‫الﻘرآن لسﻨّة ﻓﻬو ﻏﲑ ﺻريح‪ ،‬وﻻ ﺗذﻛر اﻵية مﻊ اﳊديث‪ ،‬وﻋليﻪ ﻓإ ّن التفسﲑ الﻨّبوي ﻫو اﻻستشﻬاد‬
‫ﻂ ﺑﲔ نﺼوص الﻘرآن واﻷﺣاديث‪.‬‬
‫ﻷﺣاديث الﻨّبوية لتفسﲑ الﻘرآن‪ ،‬و ّأما ﺗفسﲑ الﻘرآن لسﻨّة ﻓﻬو رﺑ ٌ‬
‫لسﻨّة ﻓﻬو ﺗفسﲑ‬
‫نياً‪ :‬التفسﲑ الﻨّبوي ﳝكن أن يﻘال ﻋﻨﻪ‪ :‬إنّﻪ ﺗفسﲑ ال ﱡسﻨﱠة للﻘرآن‪ّ ،‬أما التفسﲑ ُ‬
‫الﻘرآن لسﻨة‪.‬‬
‫ﺣﺠةٌ ﳚب اﻷخذ ﺑﻪ؛ ﻷنّﻪ من الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﺻراﺣة‪ّ ،‬أما ﺗفسﲑ‬
‫لثاً‪ :‬التفسﲑ الﻨّبوي ّ‬
‫اﳌفسر ّن ﺣديث الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬ﻫذا يﺼلح لتفسﲑ ﻫذه‬ ‫اجتﻬاد من ّ‬
‫ٌ‬ ‫الﻘرآن لسﻨّة ﻓﻬو‬
‫اﻵية‪.‬‬
‫أﻋﻢ وأﴰل من التفسﲑ الﻨبوي‪.‬‬
‫راﺑعاً‪ :‬ﺗفسﲑ الﻘرآن لسﻨّة ّ‬
‫خامساً‪ :‬ﱂ ﺗﻘتﺼر اﳌﺆلّفات الكثﲑة‪ ،‬الﻘدﳝة واﳊديثة‪ ،‬ﰲ التفسﲑ ﻋلﻰ أﺣاديث »التفسﲑ الﻨبوي«‪،‬‬
‫لسﻨّة‪.‬‬
‫ﺑل إ ّ ا اشتﻤلت ﻋلﻰ أﺣاديث ﻛثﲑة من قسﻢ التفسﲑ ُ‬
‫ومن ﰒّ اﺣتاج ﻫذا اﳌوﺿوع إﱃ مﺰيد من البحث والدراسة‪ ،‬وﷲ نسأل التوﻓيﻖ ﰲ ذلﻚ‪.‬‬

‫)‪ (1‬للتفريﻖ ﺑﲔ اﳌﺼﻄلحﲔ رأى ﺻر ﺑن ﻋثﻤان اﳌﻨيﻊ ﺗسﻤية التفسﲑ الﻨبوي لتفسﲑ الﺼريح ل ﱡسﻨﱠة‪ ،‬والتفسﲑ ل ﱡسﻨﱠة لتفسﲑ ﻏﲑ ﺻريح‬
‫لسﻨة‪ ،‬يﻨﻈر‪ :‬مﻌاﱂ ﰲ أﺻول التﻔﺴﲑ‪ :‬ص‪.118‬‬

‫‪96‬‬
‫______________________________________________________________ ب ن التﻔس النبوي والتﻔس بالسنة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن ز ان‬

‫ﻗاﺋمﺔ اﳌﺼادر واﳌﺮاﺟع‪:‬‬


‫‪ .1‬أﲪد‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ أﲪد ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﺣﻨبل الشيباﱐ )ت‪241‬ﻫـ(‪ ،‬مﺴﻨد أﲪد‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعيب‬
‫اﻷرنﺆوط‪ ،‬ﻋادل مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إشراف‪ :‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1421 ،‬ﻫـ‪2001/‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬البﺨاري‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﲰاﻋيل )ت‪256‬ه(‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد زﻫﲑ ﺑن ﺻر‬
‫)مﺼورة ﻋن السلﻄانية(‪1422 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫الﻨاﺻر‪ ،‬ﺗرقيﻢ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طوق الﻨﺠاة ّ‬
‫‪ .3‬الﱰمذي‪ ،‬أﺑو ﻋيسﻰ ﳏﻤد ﺑن ﻋيسﻰ )ت‪279‬ﻫـ(‪ ،‬سﻨن الﱰمﺬي‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد ﳏﻤد شاﻛر‪ ،‬وإﺑراﻫيﻢ‬
‫ﻋوض(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1395 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫ﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬ﳎموع‬ ‫‪ .4‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي ال ّدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ ا ّ‬
‫الﻔتاوى‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد الرﲪن ﺑن ﳏﻤد ﺑن قاسﻢ(‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الوﻓاء‪ ،‬اﳌﻨﺼورة‪1426 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫ﳊراﱐ اﳊﻨبلي الدمشﻘي )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬مقدّمﺔ‬ ‫‪ .5‬اﺑن ﺗيﻤية‪ ،‬أﺑو العباس ﺗﻘي ال ّدين أﲪد ﺑن ﻋبد اﳊليﻢ ا ّ‬
‫ﰲ أﺻول التّﻔﺴﲑ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋد ن زرزور(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﻘرآن الكرﱘ‪ ،‬الكويت‪1391 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .6‬اﳊرﰊ‪ ،‬ﺣسﲔ ﺑن ﻋلي ﺑن ﺣسﲔ‪ ،‬ﻗواﻋد الﱰﺟﻴح ﻋﻨد اﳌﻔﺴّﺮين‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﻘاسﻢ‪ ،‬الر ض‪،‬‬
‫‪1429‬ه‪.‬‬
‫‪ .7‬الذﻫﱯ‪ ،‬ﳏﻤد ﺣسﲔ )ت‪1397‬ﻫـ(‪ ،‬التﻔﺴﲑ واﳌﻔﺴّﺮون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب اﳊديثة‪1381 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .8‬الﻄﱪي‪ ،‬أﺑو جعفر ﳏﻤد ﺑن جرير )ت‪310‬ﻫـ(‪ ،‬ﺟامع البﻴان ﰲ ويل آي القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ﷲ‬
‫ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ﻫﺠر‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1422 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .9‬الﻄيار‪ ،‬مساﻋد ﺑن سليﻤان‪ ،‬ﻓﺼول ﰲ أﺻول التﻔﺴﲑ‪ ،‬ط‪ ،3‬دار ﺑن اﳉوزي للﻨشر والتوزيﻊ‪ ،‬الر ض‪،‬‬
‫‪1420‬ﻫـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬مالﻚ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ مالﻚ ﺑن أنﺲ اﻷﺻبحي )ت‪179‬ه(‪ ،‬اﳌوطﺄ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬مﺼر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫اﳊﺠاج الﻘشﲑي الﻨّيساﺑوري )ت‪261‬ﻫـ(‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪:‬‬
‫‪ .11‬مسلﻢ‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ مسلﻢ ﺑن ّ‬
‫ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .12‬اﳌﻨيﻊ‪ ،‬ﺻر ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﻋثﻤان‪ ،‬مﻌاﱂ ﰲ أﺻول التﻔﺴﲑ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الﺼﻤيعي للﻨشر والتوزيﻊ‪،‬‬
‫الر ض‪1433 ،‬ﻫـ‪2011/‬م‪.‬‬

‫‪97‬‬
____________________________________________________________ ( ‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا‬

‫ﺑﺎﻟﻈﻦ ﺑﻴﻦ اﻹﺛﺒﺎت ودﻋﻮى اﻹﻧﻜﺎر‬


ّ ‫اﻟﺘﺮﺟﻴﺢ‬
ّ .‫د‬
‫محمد ندو‬
(‫جامعة محند آك و اج )البو رة‬
medhindou@gmail.com

‫مﻠﺨﺺ‬
‫متﻘررة ﻋﻨد ﻋامة الفﻘﻬاء‬
ّ ‫ وقبل أن ﺗﻐدو قاﻋدة‬،‫جل مسالﻚ اﻻستﻨباط‬ ّ ‫متشعبة اﻷﻓانﲔ ﰲ‬
ّ ‫الشريعة قﻀية‬ّ ‫لﻈن ﰲ‬ّ ‫الﱰجيح‬
‫ ﻓﺠاء ﻫذا‬،‫ شاﺑتﻬا شوائب خﻼف ﰲ اﳊِﻘب اﻷوﱃ من ريخ اﻻجتﻬاد‬،‫ ﺑلﻪ إﲨاﻋية ﻋلﻰ اﳊﻘيﻘة‬،‫واﻷﺻوليﲔ اﳌتأخرين‬
‫ َمن أطراﻓﻪ؟ ما أقواﳍﻢ؟ ما أدلّتﻬﻢ الﱵ يستﻨدون إليﻬا؟ ﻛيﻒ قﺶ ﺑعﻀﻬﻢ‬،‫ ما ﺣﻘيﻘة ﻫذا اﳋﻼف‬:‫البحث ليﻄرح إشكالية‬
.‫ ﰒ اﳋلوص إﱃ وجﻪ اﳊﻖ والﺼواب ﰲ الﻘﻀية اﳌﻄروﺣة‬،‫ﺑعﻀاً؟ مستﻬدﻓا ﲢرير اﳌﺼﻄلحات واﳌفاﻫيﻢ اﳌفتاﺣية ﰲ الﻘﻀية‬
‫ من خﻼل التفسﲑ والﻨﻘد واﳌﻘارنة‬،‫ ﻋامدا إﱃ ﺗفكيﻚ اﻹشكال وإﻋادة ﺗرﻛيبﻪ‬،‫وقد سلكت ﰲ ذلﻚ اﳌﻨﻬﺞ التحليلي ﺣواري‬
.‫واﻻستﻨباط‬
‫ وﻋلﻰ‬،‫ وأ ّن اﳋﻼف اﶈكي ﰲ ذلﻚ ﻏﲑ موثّﻖ‬،‫متحرر ﻋلﻰ اﳊﻘيﻘة‬
ّ ‫وقد خلص البحث إﱃ أ ّن اﳋﻼف ﰲ ﻫذه الﻘﻀية ﻏﲑ‬
،‫ وﺑﻨاءً ﻋليﻪ ﻓإ ّن دﻋوى اﻹﲨاع ﻋلﻰ وجوب العﻤل لﻈن والﱰجيح ﺑﻪ‬.‫ﻓرض ثبوﺗﻪ ﻓأدلّتﻪ ﺿعيفة ﻻ ﺗﻘوم ﻋلﻰ ساق البتة‬
.‫ﻫي دﻋوى ﺻحيحة ﻻ يﻨﻘﻀﻬا شيء‬
.‫ الشريعة‬،‫ الﻈن‬،‫ الﱰجيح‬:‫الﻜﻠمات اﳌﻔتاﺣﻴﺔ‬
abstract
The preponderance of conjecture in the Sharia is a complex issue in most of the deduction
paths, and before it becomes a established rule among the general jurists and the later
fundamentalists, it is unanimous on the truth, marred by impurities of disagreement in the
first eras of the history of ijtihad, so this research came to pose a problem: the reality of
this dispute, from its parties? What do they say? What evidence do they rely on? How do
they discuss with each other? Aiming at liberating key terms and concepts in the case,
then arriving at the right and right side of the issue at hand.
In that, I followed the analytical, dialogical method, intending to dismantle the problem
and reconstruct it, through interpretation, criticism, comparison and deduction.
The research concluded that the dispute in this case is not liberated on the truth, and that
the spoken dispute in that is not documented. Accordingly, the claim of unanimity on the
necessity of acting on conjecture and preponderance of it is a valid claim that is not
invalidated by anything.
Keywords: weighting, conjecture, Sharia.

98
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫أ ﱠوﻻ‪ :‬مق ّدمﺔ‪.‬‬


‫السﻼم اﻷﲤّان اﻷﻛﻤﻼن ﻋلﻰ أشرف اﻷنبياء وخاﰎ اﳌرسلﲔ؛ سيّد‬ ‫الﺼﻼة و ّ‬
‫اﳊﻤد رب العاﳌﲔ‪ ،‬و ّ‬
‫ﳏﻤد ﺻلﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،‬وﻋلﻰ آلﻪ وﺻحبﻪ والتاﺑعﲔ‪ّ ،‬أما ﺑعد‪:‬‬‫وقرة أﻋيﻨﻨا ّ‬
‫وﺣبيبﻨا ّ‬
‫مورد من موارد البحث اﳋليﻘة لتتبّﻊ‪ ،‬اﳊﻘيﻘة لعﻨاية واﻻستﺠﻼء‪ ،‬ذلﻚ‬
‫الﻈن ﰲ ال ّشريعة ٌ‬
‫ﻓإ ّن مسألة ّ‬
‫جل مسالﻚ اﻻستﻨباط‪ ،‬إذ اﻷﺣكام ال ّشرﻋية الفرﻋية –‬ ‫ﻷ ّ ا قﻀية متﻐلﻐلة العثانﲔ‪ِ ،‬‬
‫متشعبة اﻷﻓانﲔ ﰲ ّ‬‫ّ‬
‫ﻈن‪ ،‬وﻫذه اﳊﻘيﻘة ﻻ ﺗفتﻘر إﱃ ﻛبﲑ ﺑرﻫان‪ ،‬وطويل‬
‫اﻷﻋﻢ ﺗﻨبﲏ إﻻّ ﻋلﻰ ﻏالب ال ّ‬
‫خاﺻة‪ -‬ﻻ ﺗكاد ﰲ اﻷﻏلب ّ‬‫ّ‬
‫شئت استباق اﻷمور‪ ،‬والبدء من ﺣيث سأنتﻬي ﰲ خﻼﺻة ﻫذا البحث الوجيﺰ؛ ﻓﻬي قاﻋدة‬
‫استدﻻل‪ ،‬وإن ُ‬
‫اﳌﱪزين‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫متﻘررة ﻋﻨد ﻏﲑ واﺣد من أساطﲔ ال ّشريعة‪ ،‬وﻋلﻤائﻬا ّ‬
‫اﻷول أ َْوﻻﻫا ‪-‬يﻘﺼد قوﳍﻢ‪ :‬العلﻢ ﻷﺣكام‬
‫قال الشﱠوﻛاﱐ ﰲ معرض ﺗرجيحﻪ أﺣد ﺗعاريﻒ الفﻘﻪ‪» :‬و ﱠ‬
‫الشﱠرﻋية ﻋن أدلﱠتﻪ التفﺼيلية ﻻستدﻻل‪ -‬إن ُﲪل )العلﻢ( ﻓيﻪ ﻋلﻰ ما يشﻤل ّ‬
‫الﻈن؛ ﻷ ّن ﻏالب ﻋلﻢ الفﻘﻪ‬
‫ﻇﻨون«)‪.(1‬‬
‫العﺰ ﺑن ﻋبد ال ﱠسﻼم‪» :‬ﻻ ﳚب اﻷخذ ليﻘﲔ ﰲ اﻹﳚاب والتحرﱘ‪ ،‬وﻻ الكراﻫة والﻨﱠدب‪ ،‬وﻻ‬ ‫وقال ِّ‬
‫الﻈن اﳌستﻨد إﱃ اﻷسباب الشﱠرﻋية ‪ ...‬ولو ُشرط ذلﻚ لفات معﻈﻢ‬
‫اﻹ ﺣة والتحليل؛ ﺑل يكفي ﰲ ذلﻚ ّ‬
‫اﻷﺣكام ﰲ ِّ‬
‫ﺣﻖ العلﻤاء والعو ّام«)‪.(2‬‬
‫أﺻل ﰲ اﻷﺣكام«)‪.(3‬‬ ‫وقال الشﱠاطﱯ‪» :‬اﳊكﻢ ﺑﻐلبة ِّ‬
‫الﻈن ٌ‬
‫الﻈن«)‪.(4‬‬
‫وقال الﻘرطﱯ‪» :‬أﻛثر أﺣكام ال ﱠشريعة مبﻨيةٌ ﻋلﻰ ﻏلبة ّ‬

‫ﳏﻤد ﺑن ﻋلي )ت‪1250‬ﻫـ(‪ ،‬إرﺷاد الﻔﺤول إﱃ ﲢقﻴﻖ اﳊﻖ من ﻋﻠﻢ اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬الشيخ أﲪد ﻋﺰو ﻋﻨاية‪ ،‬قدم لﻪ‪:‬‬‫)‪ (1‬الشوﻛاﱐ‪ّ ،‬‬
‫الشيخ خليل اﳌيﺲ والدﻛتور وﱄ الدين ﺻاﱀ ﻓرﻓور(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العرﰊ‪1419 ،‬ﻫـ‪1999/‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.18‬‬
‫ﻋﺰ ال ّدين ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن ﻋبد السﻼم )ت‪660‬ﻫـ(‪ ،‬ﺷﺠﺮة اﳌﻌارف واﻷﺣوال وﺻاﱀ اﻷﻗوال واﻷﻋمال‪،‬‬
‫ﳏﻤد ّ‬
‫)‪ (2‬اﺑن ﻋبد السﻼم‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫ﺣسان ﻋبد اﳌﻨّان(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﺑيت اﻷﻓكار الدولية‪ ،‬الر ض‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ص‪.423‬‬
‫)ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫)‪ (3‬الشاطﱯ‪ ،‬أﺑو إسحاق إﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ )ت‪790‬ﻫـ(‪ ،‬اﻻﻋتﺼام‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد رشيد رﺿا(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اﳌكتبة التﺠارية الكﱪى‪ ،‬مﺼر‪ ،‬د‪.‬ت‪:‬‬
‫ج‪ ،2‬ص‪.143‬‬
‫)‪ (4‬الﻘرطﱯ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد )ت‪671‬ﻫـ(‪ ،‬اﳉامع ﻷﺣﻜام القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد الﱪدوﱐ وإﺑراﻫيﻢ أطفيﺶ(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب‬
‫اﳌﺼرية‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1384 ،‬ﻫـ‪1964/‬م‪ :‬ج‪.332 ،16‬‬

‫‪99‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫وقال ﺑن ﻋاشور‪» :‬اﳊ ﱡﻖ أ ﱠن ﷲ ما ﻛلﱠفﻨا ﰲ ﻏﲑ أﺻول اﻻﻋتﻘاد ﻛثر من ﺣﺼول ِّ‬


‫الﻈن اﳌستﻨد إﱃ‬
‫اﻷدلﱠة«)‪.(1‬‬
‫ﺣﱴ شاع من ﺗعاريﻒ اﻻجتﻬاد قوﳍﻢ‪» :‬استفراغ الفﻘيﻪ الوسﻊ ليحﺼل لﻪ‬
‫ﺗﻘررت ﻫذه اﳊﻘيﻘة ّ‬
‫وقد ّ‬
‫ﻇ ﱞن ﲝكﻢ شرﻋي‪ ،‬وﺑذل ا ﻬود ﰲ طلب اﳌﻘﺼود من جﻬة اﻻستدﻻل«)‪.(2‬‬
‫ﻘرر‪ ،‬وﺗﺼﲑ ﻛال ّشﻤﺲ ﰲ رائعة الﻨّﻬار؛ شاﺑتﻬا‬
‫لكن ﻫذه الﻘﻀية قبل أن ﺗُ ّ‬
‫ﻫكذا ﻫي مﻘاﻻت العلﻤاء‪ّ ،‬‬
‫ﺗتحرر‬ ‫ِ‬
‫ال ّشوائب ﰲ اﳊﻘب اﳌدﺑرة من ريخ اﻻجتﻬاد‪ ،‬شأ ا ﰲ ذلﻚ شأن ﻛثﲑ من قﻀا اﻷﺻول‪ ،‬ﻓإ ّ ا ﱂ ّ‬
‫اﻷمة‪ ،‬أقﺼد‬‫ﻋلﻰ وجﻬﻬا اﳊاسﻢ إﻻّ ﺑعد مباﺣثات‪ ،‬وﳎادﻻت‪ ،‬ومﻨازﻋات طويلة وﻋريﻀة ﺑﲔ ﻋلﻤاء ّ‬
‫السبعة اﻷوﱃ من ريخ اﻹسﻼم‪ ،‬أﻻ ﺗرى ‪-‬مثﻼ‪ -‬أ ّن الﻘياس‪،‬‬
‫اﻷسﻼف مﻨﻬﻢ ﻋلﻰ وجﻪ اﳋﺼوص ﰲ الﻘرون ّ‬
‫مﻘررة‪،‬‬
‫وخﱪ الواﺣد‪ ،‬واﳌﺼلحة اﳌرسلة‪ ،‬واﻻستحسان‪ ،‬وﻏﲑ ذلﻚ من اﳌسالﻚ اﻻجتﻬادية؛ ﺻارت قﻀا ّ‬
‫ﻻ يُستﺠرأ اليوم ﰲ الﱠﺰمن الذي ﳓن ﻓيﻪ ﻋلﻰ نكرا ا‪ ،‬ﻛذلﻚ ﻫي مسألة الﻈﻨون ﰲ ال ّشريعة‪ ،‬ﻫي اﻵن ِّ‬
‫متﻘررة‬
‫ﺣث لو ا ﱠدﻋاه‪.‬‬
‫ﻋلﻰ وجﻪ يشبﻪ اﻹﲨاع الذي ﻻ ُﳚازف ٌ‬
‫نﻴاً‪ :‬مﺸﻜﻠﺔ البﺤﺚ‪.‬‬
‫الرؤوف اﳋراﺑشة ‪-‬ﺣفﻈﻪ ﷲ ورﻋاه‪ -‬وﳓن ندرس ﻋليﻪ‬
‫ﻛلّفﲏ ﻓﻀيلة شيﺨﻨا وأستاذ الدﻛتور ﻋبد ّ‬
‫ﻛتاب التعارض والﱰجيح للشيخ ﺑدران‪ ،(3)-‬ستﺠﻼء ﺣﻘيﻘة ﻫذا اﳋﻼف‪َ ،‬من أطراﻓﻪ؟ ما أقواﳍﻢ؟ ما‬
‫لﻈن قبل أن نﻘﻒ ﻋلﻰ‬ ‫ﺗﻘرر قاﻋدة العﻤل ّ‬
‫أدلّتﻬﻢ الﱵ يستﻨدون إليﻬا؟ ﻛيﻒ قﺶ ﺑعﻀﻬﻢ ﺑعﻀاً؟ ما وجﻪ ّ‬
‫وجود ﻫذا اﳋﻼف؟ ﻫذه ﻫي مشكلة البحث للﻐة اﳌﻨﻬﺠية اﻷﻛادﳝية‪ ،‬وﺑﻨاءً ﻋليﻪ ﻓأﻫداف البحث ﻛاﻵﰐ‪.‬‬
‫لﺜاً‪ :‬أﻫداف البﺤﺚ‪.‬‬
‫أﻫداف البحث ﻫي‪:‬‬
‫‪ -1‬ﲢرير اﳌﺼﻄلحات واﳌفاﻫيﻢ اﳌفتاﺣية ﰲ الﻘﻀية‪.‬‬
‫‪ -2‬ﺑيان ﺣﻘيﻘة اﳋﻼف ﰲ اﳌسألة واﳊﻖ ﻓيﻬا‪.‬‬

‫)‪ (1‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬ﳏﻤد الﻄاﻫر ﺑن ﳏﻤد التونسي )ت‪1393‬ﻫـ(‪ ،‬التﺤﺮيﺮ والتﻨويﺮ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار التونسية للﻨشر‪ ،‬ﺗونﺲ‪1984 ،‬م‪ :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.32‬‬
‫)‪ (2‬اﳉرجاﱐ‪ ،‬ﻋلي ﺑن ﳏﻤد )ت‪816‬ﻫـ(‪ ،‬التﻌﺮيﻔات‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﲨاﻋة من العلﻤاء(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1403 ،‬ﻫـ‪1983/‬م‪:‬‬
‫ص‪.10‬‬
‫)‪ (3‬ﻛتبت ﻫذا البحث قبل ﻋشر سﻨوات‪ ،‬أثﻨاء دراسﱵ العليا ﳉامعة اﻷردنية ﰲ الفﱰة‪.2011-2010 :‬‬

‫‪100‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫راﺑﻌاً‪ :‬مﻨﻬﺞ البﺤﺚ‪.‬‬


‫مﻨﻬﺞ البحث ﲢليلي ﺣواري‪ ،‬يعﻤد إﱃ ﺗفكيﻚ اﻹشكال العلﻤي وإﻋادة ﺗرﻛيبﻪ‪ ،‬من خﻼل التفسﲑ‬
‫والﻨﻘد واﳌﻘارنة واﻻستﻨباط‪.‬‬
‫الﺴاﺑقﺔ‪.‬‬
‫ﺧامﺴاً‪ :‬الدراسات ّ‬
‫اﳌادة العلﻤية الﱵ وقفت ﻋليﻬا ﰲ ﻫذا اﳌوﺿوع ﺗتﻤثّل ﻓيﻤا يلي‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬ﻛتاب الدﻛتور )سﻌد ﺑن ﺻﺮ الﺸﱰي( ﺑﻌﻨوان‪ :‬القﻄع والظن ﻋﻨد اﻷﺻولﻴﲔ‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬دار اﳊبيب‪1418 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مﻘتﻀب وﳐتﺼ ٍر جدا ﱂ يﺰد‬ ‫لﻈن ﰲ اﳉﺰء الثاﱐ من الكتاب‪ ،‬لكن ﺑشكل‬
‫وقد ﺗﻨاول قﻀية الﱰجيح ّ‬
‫ﻋلﻰ الﺼفحتﲔ ﺑعﻨوان‪ :‬الﱰجيح ﰲ الﻈﻨيات‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻛتاب الدﻛتور )ﺑن يونﺲ الوﱄ( ﺑﻌﻨوان‪ :‬ﺿواﺑﻂ الﱰﺟﻴح ﻋﻨد وﻗوع التﻌارض ﺑﲔ اﻷﺻولﻴﲔ‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬مكتبة أﺿواء ال ﱠسلﻒ‪1425 ،‬ﻫـ‪2004/‬م‪.‬‬
‫وﺗﻨاول موقﻒ العلﻤاء من العﻤل ّلراجح ﰲ مبحث ﺻﻐﲑ من ﻋشر ﺻفحات‪.‬‬
‫‪ -3‬ﻛتاب الدﻛتور )أﲪد الﺮيﺴوﱐ( ﺑﻌﻨوان‪ :‬نظﺮيﺔ التقﺮيﺐ والتﻐﻠﻴﺐ‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الكلﻤة‪1418 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد اﳋامﺲ لر ط‪ ،‬دولة اﳌﻐرب‪ ،‬وﻫي‬ ‫وﻫو ِّ‬
‫الرسالة الﱵ ل ا اﻷستاذ درجة الدﻛتوراه من جامعة ّ‬
‫الﻈن ﻋﻤوماً ﰲ الشريعة‪ ،‬وﳐتلﻒ‬ ‫قيِّﻤةٌ جدا ﱂ يﺆلﱠﻒ ﰲ ا مثلﻬا ﻓيﻤا ُ‬
‫وقفت ﻋليﻪ‪ ،‬وﻫي ﺗُعﲎ ﲟوﺿوع ّ‬
‫متعلّﻘاﺗﻪ اﻷﺻولية‪.‬‬
‫‪ -4‬رسالﱵ الﱵ ﺣﺼلت ا ﻋلﻰ درجة اﳌاجستﲑ‪ ،‬وﻫي ﺑعﻨوان‪) :‬ﳏتﻜمات اﳋﻼف الﻔقﻬﻲ من‬
‫ﺗﻨاولت ﻓيﻬا مباﺣث ﳍا متعلﱠﻖ ﲟوﺿوع الﻈن‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ﺧﻼل القواﻋد واﳌقاﺻد الﺸﺮﻋﻴﺔ(‪ .‬وقد‬

‫الشرﻋية للﺨﻼف‪.‬‬ ‫أﻫﻢ ِّ‬


‫اﳌسوﻏات ّ‬ ‫‪ -‬ﻛون اﻻﺣتﻤال ال ّدﻻﱄ وﻇاﻫرة التعارض الﻈاﻫري من ّ‬
‫‪ -‬ﺣﺠية الﻘواﻋد الفﻘﻬية مﻊ أ ّن أﻛثرﻫا قواﻋد ﻇﻨية‪.‬‬
‫الﻨص(‪ ،‬وقاﻋدة‪) :‬ﻻ إنكار ﰲ مسائل اﻻجتﻬاد(‪ ،‬وقاﻋدة‪) :‬اﻻجتﻬاد‬
‫‪ -‬شرح قاﻋدة‪) :‬ﻻ اجتﻬاد مﻊ ّ‬
‫ﻻ يﻨﻘﺾ ﲟثلﻪ( من خﻼل التفريﻖ ﺑﲔ الﻨص الﻘﻄعي والﻨص الﻈﲏ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫الشريعة ّلرﻏﻢ من ﻇﻨية أﻏلب مسالكﻪ‪.‬‬


‫‪ -‬أﺻلية التعليل ﰲ ّ‬
‫وﻫﻨاك مواﺿﻊ أخرى‪.‬‬

‫ﻤت البحث ﺣسب ﺗعدﱡد أﻫداﻓﻪ إﱃ مبحثﲔ‪ ،‬ﰲ ٍّ‬


‫ﻛل مﻨﻬا ثﻼثة مﻄالب‪ ،‬والتفﺼيل ﻫو‬ ‫ﻫذا وقد ق ﱠس ُ‬
‫اﻵﰐ‪:‬‬
‫سادساً‪ :‬ﺧﻄﺔ البﺤﺚ‪.‬‬
‫اﻷول‪ :‬ﲢﺮيﺮ اﳌﺼﻄﻠﺤات واﳌﻔاﻫﻴﻢ اﳌﻔتاﺣﻴﺔ ﰲ القﻀﻴﺔ‪.‬‬
‫اﳌبﺤﺚ ّ‬
‫ِ‬
‫الﺼلة‪.‬‬
‫اﻷول‪ :‬ﺣﻘيﻘة الﻈن واﻷلفاظ ذات ّ‬
‫اﳌﻄلب ﱠ‬
‫اﳌﻄلب الثاﱐ‪ :‬ﺣﻘيﻘة الﱰجيح‪.‬‬
‫لﻈن‪.‬‬
‫اﳌﻄلب الثالث‪ :‬اﳌعﲎ الﱰﻛيﱯ للﱰجيح ّ‬
‫اﳌبﺤﺚ الﺜاﱐ‪ :‬ذﻛﺮ اﳋﻼف ﰲ اﳌﺴﺄلﺔ‪ ،‬واﳊﻖ ﻓﻴﻬا‪.‬‬
‫اﻷول‪ :‬اﻷقوال والتحﻘيﻖ ﰲ نسبتﻬا إﱃ أﺻحا ا‪.‬‬
‫اﳌﻄلب ّ‬
‫اﳌﻄلب الثاﱐ‪ :‬اﻷدلة ومﻨاقشتﻬا‪.‬‬
‫اﳊﻖ ﰲ اﳌسألة ونتيﺠة البحث‪.‬‬
‫اﳌﻄلب الثالث‪ّ :‬‬

‫‪102‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫اﻷول‪ :‬ﲢﺮيﺮ اﳌﺼﻄﻠﺤات واﳌﻔاﻫﻴﻢ اﳌﻔتاﺣﻴﺔ‪.‬‬


‫اﳌبﺤﺚ ّ‬
‫الﺼﻠﺔ‪.‬‬
‫الظن واﻷلﻔاظ ذات ّ‬
‫اﻷول‪ :‬ﺣقﻴقﺔ ّ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ ّ‬
‫الظن لﻐﺔ واﺻﻄﻼﺣا‪.‬‬
‫اﻷول‪ :‬ﺣقﻴقﺔ ّ‬
‫الﻔﺮع ّ‬
‫الظن لﻐﺔ‪.‬‬
‫أوﻻً‪ :‬ﺣقﻴقﺔ ّ‬
‫والﺸﻚ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الﻈن لﻐة ﻋلﻰ معﻨيﲔ ﳘا‪ :‬الﻴقﲔ‪،‬‬
‫يُﻄلﻖ ّ‬
‫ﻓأما اليﻘﲔ‬
‫وشﻚ‪ّ ،‬‬
‫يدل ﻋلﻰ معﻨيﲔ ﳐتلفﲔ‪ :‬يﻘﲔ‪ّ ،‬‬ ‫ﺻيل ﺻحيح ّ‬‫قال اﺑن ﻓارس‪» :‬الﻈاء والﻨون أُ َ‬
‫ﻇﻨﻨت ﻇﻨا‪ ،‬أي‪ :‬أيﻘﻨت ‪ ...‬ومن ﻫذا الباب مﻈﻨّة الشيء‪ ،‬وﻫو معلﻤﻪ ومكانﻪ‪ ،‬ويﻘولون‪ :‬ﻫو‬ ‫ﻓﻘول الﻘائل‪ُ :‬‬
‫ﻇﻨﻨت الشيء‪ ،‬إذا ﱂ ﺗتي ّﻘﻨﻪ‪ ،‬ومن ذلﻚ الﻈﻨّة‪ :‬التﻬﻤة‪ ،‬والﻈﱠﻨﲔ‪:‬‬
‫الشﻚ‪ ،‬يُﻘال‪ُ :‬‬
‫مﻈﻨّة لكذا ‪ ...‬واﻷﺻل اﻵخر‪ّ :‬‬
‫الﻈن ‪ ...‬والدﱠين الﻈﱠﻨون‪ :‬الذي ﻻ يُدرى أيُﻘﻀﻰ أم ﻻ‪ ،‬والباب ﻛلﱡﻪ واﺣد«)‪.(1‬‬ ‫اﳌتّﻬﻢ ‪ ...‬والﻈﱠﻨون‪ِّ :‬‬
‫السيء ّ‬
‫الﻈن ﻋلﻰ اليﻘﲔ مﻄلﻘاً‪ ،‬ﺑل ﻓﱠرق ﺑﲔ اليﻘﲔ‬
‫ّأما اﺑن مﻨﻈور ﰲ لسان العرب ﻓلﻢ يرﺗﺾ أن يُﻄلﻖ اسﻢ ّ‬
‫شﻚ ويﻘﲔ‪ ،‬إﻻﱠ أَنﻪ ليﺲ ﺑيﻘﲔ ﻋِيان‪ ،‬إّﳕا ﻫو يﻘﲔ ﺗدﺑﱡر‪ ،‬ﻓأ ﱠما يﻘﲔ‬
‫التدﺑري‪ ،‬واليﻘﲔ العياﱐ‪ ،‬قال‪» :‬الﻈﱠن‪ :‬ﱞ‬
‫العِيان؛ ﻓﻼ يﻘال ﻓيﻪ إﻻﱠ ﻋلﻢ«)‪.(2‬‬
‫الظن ﻋﻠﻰ الﻴقﲔ ﰲ القﺮآن ولﻐﺔ الﻌﺮب‪:‬‬
‫الﺸواﻫد ﻋﻠﻰ إطﻼق ّ‬
‫ّأما ﰲ الﻘرآن‪ ،‬ﻓﻤثل‪:‬‬
‫‪ -‬قولﻪ ﺗعاﱃ‪) :‬الﱠ ِﺬين يظُﻨﱡو َن أَ ﱠُﻢ ﱡم َﻼﻗُو رِِّﻢ وأَ ﱠُﻢ إِلَْﻴ ِﻪ ر ِ‬
‫اﺟﻌُو َن( ]البﻘرة‪ .[43 :‬قال اﺑن ﻛثﲑ‪» :‬أي‪:‬‬‫َ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫ََ‬
‫يعلﻤون أ ّ ﻢ ﳏشورون إليﻪ يوم الﻘيامة«)‪.(3‬‬
‫ﺼ ِﺮﻓًا( ]الكﻬﻒ‪ .[53 :‬قال‬ ‫ﱠار ﻓَظَﻨﱡوا أَ ﱠُﻢ ﱡم َواﻗِ ُﻌ َ‬
‫وﻫا َوَﱂْ َِﳚ ُدوا َﻋ ْﻨـ َﻬا َم ْ‬ ‫‪ -‬وقولﻪ‪َ ) :‬وَرأَى ال ُْم ْﺠ ِﺮُمو َن الﻨ َ‬
‫اﺑن ﻛثﲑ‪» :‬ﲢ ّﻘﻘوا ﻻ ﳏالة أ ّ ﻢ مواقعوﻫا«)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬اﺑن ﻓارس‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ أﲪد ﺑن ﻓارس ﺑن زﻛر ء الﻘﺰويﲏ الرازي )ت‪395‬ﻫـ(‪ ،‬مﻌﺠﻢ مقايﻴﺲ الﻠّﻐﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد السﻼم ﳏﻤد ﻫارون(‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪1399 ،‬ﻫـ‪1979/‬م‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.463-462‬‬
‫)‪ (2‬اﺑن مﻨﻈور‪ ،‬أﺑو الفﻀل ﲨال ال ّدين ﳏﻤد ﺑن مكرم الرويفعي اﻹﻓريﻘي )ت‪711‬ﻫـ(‪ ،‬لﺴان الﻌﺮب‪ ،‬ط‪ ،3‬دار ﺻادر‪ ،‬ﺑﲑوت‪1414 ،‬ﻫـ‪ :‬ج‪،13‬‬
‫ص‪.272‬‬
‫)‪ (3‬اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬أﺑو الفداء إﲰاﻋيل ﺑن ﻋﻤر )ت‪774‬ﻫـ(‪ ،‬ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن الﻌظﻴﻢ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬سامي ﺑن ﳏﻤد سﻼمة(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار طيبة للﻨشر والتوزيﻊ‪،‬‬
‫‪1420‬ﻫـ‪1999/‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.254‬‬
‫)‪ (4‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪.171‬‬

‫‪103‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫الشﻚ ﻇﻨا‪،‬‬
‫ﺗسﻤي اليﻘﲔ ﻇﻨا‪ ،‬و ّ‬ ‫و ّأما من لﻐة العرب؛ ﻓﻨﻘل اﺑن ﻛثﲑ ﻋن اﺑن جرير قولﻪ‪» :‬العرب قد ّ‬
‫نﻈﲑ ﺗسﻤيتﻬﻢ ال ﱡسدﻓة ﻇلﻤة‪ ،‬والﻀياء ُسدﻓة‪ ،‬واﳌﻐيث ﺻارخاً‪ ،‬واﳌستﻐيث ﺻارخاً‪ ،‬وما أشبﻪ ذلﻚ من اﻷﲰاء‬
‫الﺼﻤة‪:‬‬
‫سﻤﻰ ا الشيء وﺿ ّده‪ ،‬ﻛﻤا قال دريد ﺑن ّ‬ ‫الﱵ يُ ّ‬
‫الفارسي اﳌسﱠرِد‬
‫ِّ‬ ‫ﻓﻘلت ﳍﻢ ﻇُﻨّوا لْ َف ْي ُم َد ﱠج ِﺞ ‪َ ...‬سَرا ُ ﻢ ﰲ‬
‫ُ‬
‫مدجﺞ ﺗيكﻢ‪.‬‬
‫يعﲏ ﺑذلﻚ‪ :‬ﺗي ّﻘﻨوا لفي ّ‬
‫وقال ﻋﻤﲑ ﺑن طارق‪:‬‬

‫مرﲨاً‬
‫الﻈن ﻏيباً ّ‬
‫مﲏ ّ‬ ‫وأجعل ّ‬ ‫ﻓإن يعﱪوا قومي وأقعد ﻓيكﻢ‬
‫مرﲨا‪.‬‬
‫مﲏ اليﻘﲔ ﻏيبا ّ‬
‫يعﲏ‪ :‬وﳚعل ّ‬
‫الﻈن ﰲ معﲎ اليﻘﲔ أﻛثر من أن ﲢﺼر«)‪.(1‬‬
‫قال‪ :‬وال ّشواﻫد من أشعار العرب وﻛﻼمﻬﻢ ﻋلﻰ أ ّن ّ‬
‫الﺸﻚ ﰲ القﺮآن‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الظن ﻋﻠﻰ‬
‫ومن الﺸواﻫد ﻋﻠﻰ إطﻼق ّ‬
‫اﻋﺔُ إِن‬
‫ﺴَ‬ ‫ﻴﻬا ﻗُـﻠْتُﻢ ﱠما نَ ْد ِري َما ال ﱠ‬‫اﻋﺔُ َﻻ ري ِ‬
‫ﺐﻓَ‬‫ﺴ َ َْ َ‬ ‫ﻴل إِ ﱠن َو ْﻋ َد ا ﱠِ َﺣ ﱞﻖ َوال ﱠ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ -‬قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وإذَا ﻗ َ‬
‫ِ‬
‫ﺗوﳘاً‪ ،‬أي‪:‬‬‫نتوﻫﻢ وقوﻋﻬا إﻻّ ّ‬ ‫ﲔ( ]اﳉاثية‪ .[32 :‬قال اﺑن ﻛثﲑ‪» :‬أي‪ :‬إن ّ‬ ‫نﱠظُ ﱡن إِﱠﻻ ﻇَﻨا َوَما َْﳓ ُن ِﲟُ ْﺴتَـْﻴقﻨِ َ‬
‫مرجوﺣاً«)‪.(2‬‬
‫ﻇن ﰲ الﻘرآن من اﳌﺆمن ﻓﻬو يﻘﲔ‪ ،‬ومن الكاﻓر‬
‫»ﻛل ّ‬
‫الﻀحاك أنّﻪ قال‪ّ :‬‬
‫ﻫذا وقد نﻘل الشوﻛاﱐ ﻋن ّ‬
‫شﻚ«)‪.(3‬‬
‫وﻇن الدنيا ّ‬
‫»ﻇن اﻵخرة يﻘﲔ‪ّ ،‬‬
‫شﻚ«‪ ،‬وﻋن ﳎاﻫد أنّﻪ قال‪ّ :‬‬
‫ﻓﻬو ّ‬
‫الﻈن ﰲ اللّﻐة ﰲ ﻫذين اﳌعﻨﲔ‪ ،‬ﻏﲑ أ ّن اﻷﺻوليﲔ اﺻﻄلحوا ﻋلﻰ استعﻤالﻪ ﰲ‬
‫و ّلرﻏﻢ من استعﻤال ّ‬
‫معﲎ آخر‪ ،‬وﻫو الذي نبيِّﻨﻪ ﲝول ﷲ ﰲ العﻨﺼر التاﱄ‪.‬‬
‫الظن اﺻﻄﻼﺣاً‪.‬‬
‫نﻴاً‪ :‬ﺣقﻴقﺔ ّ‬
‫الﻈن ﻋليﻪ ﻫو‪ :‬اﻻﺣتمال الﺮاّﺟح من أﺣد اﺣتمالﲔ‬
‫اﳌعﲎ الذي اﺻﻄلح اﻷﺻوليون ﻋلﻰ إطﻼق ّ‬
‫أو ﻋ ّدة اﺣتماﻻت ﻷمﺮ ما‪.‬‬
‫للﻈن‪ ،‬ومﻨﻬا ما يلي‪:‬‬
‫يﻈﻬر ﻫذا من خﻼل استﻘراء ﺗعريفات اﻷﺻوليﲔ ّ‬

‫)‪ (1‬اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن الﻌظﻴﻢ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.254‬‬
‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.272‬‬
‫)‪ (3‬الشوﻛاﱐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي )ت‪1250‬ﻫـ(‪ ،‬ﻓتح القديﺮ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬دار الكلﻢ الﻄيب‪ ،‬دمشﻖ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1414 ،‬ﻫـ‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪.339‬‬

‫‪104‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫»الﻈن ﲡويﺰ أمرين ﻓﺰائداً‪ ،‬أﺣدﳘا أﻇﻬر من اﻵخر«)‪.(1‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬قال الباجي‪:‬‬
‫»الﻈن ﲡويﺰ أمرين أﺣدﳘا أﻇﻬر من اﻵخر«)‪ ،(2‬وﻫو ﺗعريﻒ اﳉويﲏ)‪.(3‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وقال الشﲑازي‪:‬‬
‫»ﺗرجح أﺣد اﻻﺣتﻤالﲔ ﰲ الﻨّفﺲ ﻋلﻰ اﻵخر من ﻏﲑ قﻄﻊ«)‪.(4‬‬
‫‪ -‬وقال اﻵمدي‪ّ :‬‬
‫الراجح«)‪.(5‬‬
‫»الﻈن اسﻢ لﻼﺣتﻤال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وقال الﻘراﰲ‪:‬‬
‫لﺜا‪ :‬الﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ اﳌﻌﲎ الﻠﻐوي واﳌﻌﲎ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ‪.‬‬

‫وﻫكذا يتﻤيﱠﺰ اﳌعﲎ اﻻﺻﻄﻼﺣي ﻋن اﳌعﲎ اللﱡﻐوي ﺑكون ّ‬


‫الﻈن ﰲ اﻻﺻﻄﻼح ليﺲ ﻓيﻪ قﻄﻊ أو يﻘﲔ‬
‫الشﻚ ﻓيﻤا رأيﻨا‬ ‫من جﻬة‪ ،‬وليﺲ أخ ًذا ﺣتﻤال مسا ٍو ﻻﺣتﻤال آخر‪ ،‬أو أﺿعﻒ مﻨﻪ‪ ،‬ﻛﻤا يفيده ّ‬
‫مسﻤﻰ ّ‬
‫ﰲ إطﻼقات الﻘرآن واللﻐة من جﻬة أخرى‪ ،‬لﻜﻨّﻪ أﺧ ٌﺬ ﻻﺣتمال الﺬي لﻪ مﺰيﺔ ﻋﻠﻰ اﺣتماﻻت أﺧﺮى‬
‫لﻜن لﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ القﻄع‪.‬‬
‫الﻈن اﻻﺻﻄﻼﺣي‪ -‬ﰲ ﻋﻨﺼر ﺗوارد اﻻﺣتﻤاﻻت العديدة ﻋلﻰ اﻷمر‬
‫الﻈن اللﻐوي و ّ‬
‫ويشﱰﻛان ‪-‬أي ّ‬
‫الشﻚ‪ ،‬ﻻ ﻋلﻰ اليﻘﲔ‪.‬‬
‫الﻈن لﻐة ﻋلﻰ ّ‬
‫الواﺣد‪ ،‬ﻫذا إذا ﲪلﻨا ّ‬
‫الﻔﺮع الﺜاﱐ‪ :‬ﺑﻌﺾ اﻷلﻔاظ ذات ِّ‬
‫الﺼﻠﺔ‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬الﻌﻠﻢ والﻴقﲔ واﻻﻋتقاد‪.‬‬
‫الﻈن‪.‬‬ ‫أﺑﲔ معاﱐ ﻫذه اﳌﺼﻄلحات الثﻼثة‪ ،‬ﰒّ ِّ‬
‫أﺑﲔ الفرق ﺑيﻨﻬا وﺑﲔ ّ‬ ‫ّأوﻻً ِّ‬
‫قال العﻼّمة ﻋبد الرﲪن ﺣبﻨّكة اﳌيداﱐ ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪» :-‬إدراك الشيء أو اﳌعﲎ ﻋلﻰ ما ﻫو ﻋليﻪ ﰲ‬
‫سﻤﻰ )العلﻢ(‪ .‬وﺣﲔ ﳚﺰم اﳌـُد ِرك ّن ما أدرﻛﻪ مﻄاﺑﻖ للواقﻊ قﻄعا‪ ،‬ويكون ﻛذلﻚ ﰲ ﺣﻘيﻘة‬
‫الواقﻊ ﻫو ما يُ ّ‬
‫سﻤﻰ سﻢ )اليﻘﲔ(‪ّ .‬أما ﺣﲔ ﳚﺰم اﳌد ِرك ّن ما أدرﻛﻪ مﻄاﺑﻖ‬
‫أمره لدليل الﻘاطﻊ؛ ﻓإ ّن جﺰمﻪ ﻫذا ﻫو ما يُ ّ‬

‫)‪ (1‬الباجي‪ ،‬أﺑو الوليد سليﻤان ﺑن خلﻒ )ت‪474‬ه(‪ ،‬اﳌﻨﻬاج ﰲ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳊﺠاج‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ا يد ﺗرﻛي(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1987 ،‬م‪ :‬ص‪.11‬‬
‫)‪ (2‬الشﲑازي‪ ،‬أﺑو إسحاق إﺑراﻫيﻢ ﺑن ﻋلي )ت‪476‬ه(‪ ،‬الﱡﻠمع ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1985 ،‬م‪ :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.150‬‬
‫)‪ (3‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﻋبد ﷲ )ت‪478‬ه(‪ ،‬الورﻗات‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﱰاث‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1977 ،‬م‪ :‬ص‪.3‬‬
‫)‪ (4‬اﻵمدي‪ ،‬سيﻒ ال ّدين ﻋلي ﺑن أﰊ ﻋلي )ت‪631‬ه(‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1983 ،‬م‪ :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.30‬‬
‫)‪ (5‬الﻘراﰲ‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن إدريﺲ )ت‪684‬ه(‪ ،‬ﺷﺮح ﺗﻨقﻴح الﻔﺼول ﰲ اﺧتﺼار اﶈﺼول ﰲ اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬طﻪ ﻋبد الرؤوف‬
‫سعد(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1973 ،‬م‪ :‬ص‪.63‬‬

‫‪105‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫للواقﻊ قﻄعاً دون أن يﻘﱰن جﺰمﻪ لدليل الﻘاطﻊ ﻋلﻰ مﻄاﺑﻘتﻪ للواقﻊ؛ ﻓﻬو ما يُﻄلﻖ ﻋليﻪ اسﻢ )اﻻﻋتﻘاد‬
‫اﳉازم( ﻓﻘﻂ‪ ،‬أو اسﻢ )اﻹﳝان(‪ ،‬وقد ﻻ يكون ﻫذا اﻻﻋتﻘاد ﰲ ﺣﻘيﻘة اﻷمر مﻄاﺑ ًﻘا للواقﻊ وﻋﻨدئذ يكون‬
‫اﻋتﻘادا ﻓاس ًدا«)‪.(1‬‬
‫ً‬
‫الﻈن ﺗتعاوره اﻻﺣتﻤاﻻت ﻋلﻰ ﺻعيد اﻹدراك؛‬ ‫ﲨيعا أ ّن ّ‬
‫الﻈن وﻫذه الثﻼثة ً‬
‫وﺑﻨاءً ﻋليﻪ‪ :‬ﻓالفرق ﺑﲔ ّ‬
‫ﲝيث ﻻ ﳚﺰم اﳌـُد ِرك ّن أﺣد اﻻﺣتﻤالﲔ أو اﻻﺣتﻤاﻻت متﻄاﺑﻖ مﻊ الواقﻊ‪ّ ،‬أما العلﻢ واليﻘﲔ واﻻﻋتﻘاد‬
‫ﻓﻬي إدراﻛات ﻻ ﺗتﺰاﺣﻢ ﻓيﻬا اﻻﺣتﻤاﻻت لﻨسبة للﻤد ِرك‪ ،‬ﺑل يتّﺠﻪ مباشرة إﱃ معﲎ واﺣد ﰲ رأسﻪ‪.‬‬
‫الﺸﻚ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نﻴاً‪:‬‬
‫الشﻚ‪ ،‬وﻫي مرﺗبة ﺗتساوى ﻓيﻬا‬
‫ّ‬ ‫الراجح مرﺗبة‬
‫الﻈن ّ‬
‫قال الشيخ ﺣبﻨّكة‪» :‬و ﰐ من دون مرﺗبة ّ‬
‫اﻻﺣتﻤاﻻت ﺗساو ً ما؛ ﻓﻼ يكون لبعﻀﻬا رجحان ﻋلﻰ ﺑعﺾ‪ ،‬واﻹدراك ﰲ ﻫذه اﳌرﺗبة إدراك ﺑﻼ رجحان«‪.‬‬
‫ﺣﱴ أدﱏ درجات‬‫الشﻚ يُﻄلﻖ ﻋلﻰ ﻫذا اﳌعﲎ ويُﻄلﻖ أيﻀاً ﻋلﻰ ما ﻫو دونﻪ؛ ّ‬ ‫وذﻛر ‪-‬ﻋليﻪ رﲪة ﷲ‪ -‬أ ّن ّ‬
‫الوﻫﻢ‪ ،‬ومﻨﻪ ﰲ اﻻستعﻤاﻻت الﻘرآنية‪) :‬أَِﰲ ا ﱠِ َﺷ ﱞ‬
‫ﻚ(‪ ،‬أي‪ :‬أﰲ ﲢ ّﻘﻖ وجوده أدﱏ ّ‬
‫ﻇن)‪.(2‬‬
‫ﻛل مﺼﻄلح ﻋلﻰ رﺗبة‬ ‫لكن من ب ﲤييﺰ اﳌﺼﻄلحات ﻋن ﺑعﻀﻬا؛ ِّ‬
‫نفﻀل ﰲ ﻫذا البحث أن نﻘﺼر ّ‬
‫واﺣدة دون ﻏﲑﻫا‪.‬‬
‫الشﻚ ﰲ ﺗوارد ﻋ ّدة اﺣتﻤاﻻت ﻋلﻰ اﻷمر الواﺣد‪ ،‬لكﻨّﻪ يتﻤيّﺰ ﻋﻨﻪ ﺑعﻨﺼر‬
‫الﻈن مﻊ ّ‬
‫وﻫكذا يشﱰك ّ‬
‫الشﻚ يفتﻘر إﱃ ﻫذا العﻨﺼر‪ ،‬ﻷ ّن ميﺰﺗﻪ ﻫي التساوي ﺑﲔ اﻻﺣتﻤاﻻت‪.‬‬
‫الﱰجيح؛ إذ ّ‬
‫لﺜا‪ :‬الوﻫﻢ‪.‬‬
‫الﻈن الوﳘي اﳌﻘاﺑل للﻈن‬
‫قال الشيخ ﺣبﻨّكة‪» :‬و ﰐ من دون مرﺗبة الشﻚ مرﺗبة الﻈن اﳌرجوح‪ ،‬وﻫو ّ‬
‫سﻤﻰ )وﳘا(«)‪.(3‬‬
‫الراجح‪ ،‬ولذلﻚ يُ ّ‬
‫ﻓالﻈن والوﻫﻢ يشﱰﻛان ﰲ ﻋﻨﺼرين ﳘا‪ :‬ازدﺣام اﻻﺣتﻤاﻻت‪ ،‬وﺗرجيح أﺣدﻫا ﻋلﻰ اﻵخر‪.‬‬
‫وﺑﻨاءً ﻋليﻪ؛ ّ‬
‫الﻈن أخ ٌذ ّلراجح ﻓعﻼً ﰲ الواقﻊ ونفﺲ اﻷمر‪ ،‬والوﻫﻢ أخ ٌذ ﳌرجوح ﰲ الواقﻊ ونفﺲ‬
‫ويفﱰقان ﰲ أ ّن ّ‬
‫اﻷمر وإن ﺑدا أنّﻪ راجح لﺼاﺣبﻪ‪.‬‬

‫)‪ (1‬اﳌيداﱐ‪ ،‬ﻋبد الرﲪن ﺣسن ﺣبﻨّكة )ت‪2004‬م(‪ ،‬ﺿواﺑﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ وأﺻول اﻻستدﻻل واﳌﻨاﻇﺮة‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الﻘلﻢ‪ ،‬دمشﻖ‪،‬‬
‫‪1414‬ه‪1993/‬م‪ :‬ص‪.124-123‬‬
‫)‪ (2‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص ‪.125‬‬
‫)‪ (3‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص ‪.125‬‬

‫‪106‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜاﱐ‪ :‬ﺣقﻴقﺔ الﱰﺟﻴح‪.‬‬


‫ّأوﻻً‪ :‬ﺣقﻴقﺔ الﱰﺟﻴح لﻐﺔ‪.‬‬

‫ﺣﱴ مال‪ .‬ورجح الشيءُ‬


‫الراجح الوازن‪ ،‬وأرجح اﳌيﺰان‪ :‬أثﻘلﻪ ّ‬
‫ر ﱠجح الشيءَ ﺑيده‪ :‬وزنﻪ ونﻈر ما ثﻘلُﻪ‪ ،‬و ّ‬
‫ور ْجحا ً‪ :‬مال)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫ور َجحا ً‪ُ ،‬‬
‫ويرجح رجوﺣاً‪َ ،‬‬
‫يرجح‪ ،‬ويرجح‪ُ ،‬‬‫َ‬
‫وﺑﻨاءً ﻋليﻪ ﳝكﻨﻨا الﻘول‪ :‬الﱡرجحان ﻫو ميﻼن أﺣد اﳉانبﲔ ﻋلﻰ اﻵخر ﳌﺰية ﻓيﻪ‪ ،‬ﻫذه اﳌﺰية ﰲ اﳌوزو ت‬
‫ﻋﻤوما‪.‬‬
‫مثﻼً ﻫي الثﻘل‪ ،‬وﰲ اﳌعﻨو ت ﻫي الفﻀل ً‬
‫ﻫذا ﻫو الﱡرجحان‪ّ ،‬أما الﱰجيح؛ ﻓﻬو إثبات الﱡرجحان‪.‬‬
‫قال الشوﻛاﱐ‪» :‬و ّأما الﱰجيح ﻓﻬو إثبات الفﻀل ﰲ أﺣد جانﱯ اﳌتﻘاﺑلﲔ‪ ،‬أو جعل ال ّشيء راجحاً‪،‬‬
‫ﳎازا ﻻﻋتﻘاد الﱡرجحان«)‪.(2‬‬
‫ويُﻘال ً‬
‫وقيل‪ :‬استعﻤال الﱡرجحان ﺣﻘيﻘةً إّﳕا ﻫو ﰲ اﻷﻋيان اﳉوﻫرية واﻷجسام‪ ،‬ﺗﻘول‪ :‬ﻫذا الديﻨار أو الدرﻫﻢ‬
‫اص اﳉواﻫر‪ ،‬ﰒّ استعﻤل ﰲ اﳌعاﱐ‬ ‫الرجحان من آ ر الثﻘل واﻻﻋتﻤاد‪ ،‬وﻫو من خو ّ‬ ‫لن ّ‬
‫راجح ﻋلﻰ ﻫذا‪ّ ،‬‬
‫ﳎازاًن ﳓو ﻫذا الدليل أو اﳌذﻫب راجح ﻋلﻰ ﻫذا‪ ،‬وﻫذا الرأي أرجح من ذاك)‪.(3‬‬
‫نﻴاً‪ :‬ﺣقﻴقﺔ الﱰﺟﻴح اﺻﻄﻼﺣاً‪.‬‬
‫ﻛل ﻓريﻖ‬
‫يُﻼﺣظ أ ّن ﺗعريﻒ الﱰجيح ﻋﻨد اﳊﻨفية ﳜتلﻒ ﻋﻨﻪ ﻋﻨد اﳉﻤﻬور‪ ،‬ﻓﻤن اﳌﻨاسب أن نفرد ّ‬
‫ﲟﻨﻬﺠﻪ اﳋاص ﰲ التعريﻒ‪ ،‬ﰒّ نذﻛر أﺑرز ﻓرق ﺑﲔ اﳌﻨﻬﺠﲔ‪.‬‬
‫‪ -1‬مﻨﻬﺞ اﳊﻨﻔﻴﺔ‪.‬‬
‫أﻫﻢ العﻨاﺻر الﱵ يﻘوم ﻋليﻬا مفﻬوم‬
‫ﺑعﻀا من ﺗعاريﻒ اﳊﻨفية للﱰجيح‪ ،‬ﰒّ نستﺨلص ّ‬
‫نذﻛر ﻓيﻤا يلي ً‬
‫الﱰجيح ﻋﻨدﻫﻢ ﲝول ﷲ‪:‬‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ البﺰدوي‪:‬‬
‫»الﱰجيح ﻋبارة ﻋن ﻓﻀل أﺣد اﳌثلﲔ ﻋلﻰ اﻵخر وﺻفا«)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬اﺑن مﻨﻈور‪ ،‬لﺴان الﻌﺮب‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.445‬‬
‫)‪ (2‬الشوﻛاﱐ‪ ،‬إرﺷاد الﻔﺤول‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.257‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬اﺑن ﺑدران‪ ،‬ﻋبد الﻘادر ﺑن أﲪد )ت‪1346‬ه(‪ ،‬اﳌدﺧل إﱃ مﺬﻫﺐ اﻹمام أﲪد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ص‪.197‬‬
‫)‪ (4‬انﻈر‪ :‬البﺨاري‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين ﻋبد العﺰيﺰ أﲪد )ت‪730‬ه(‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﻷسﺮار ﻋن أﺻول ﻓﺨﺮ اﻹسﻼم البﺰدوي‪ ،‬دار الكتاب العرﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1973 ،‬م‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.77‬‬

‫‪107‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫ﺗﻌﺮيﻒ الﺴﺮﺧﺴﻲ‪:‬‬
‫»الﱰجيح ﰲ الشريعة ﻫو ﻋبارة ﻋن ز دةٍ ﺗكون وﺻ ًفا ﻻ أﺻﻼً«)‪.(1‬‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ ﻋبد الﻌﺰيﺰ البﺨاري‪:‬‬
‫ﺣﺠة معارﺿة«)‪.(2‬‬
‫»الﱰجيح ﻋبارة ﻋن إﻇﻬار ّقوة ﻷﺣد الدليلﲔ اﳌتعارﺿﲔ؛ لو انفردت ﻋﻨﻪ ﻻ ﺗكون ّ‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ الﻜمال ﺑن اﳍمام‪:‬‬
‫يستﻘل«)‪.(3‬‬
‫ّ‬ ‫»إﻇﻬار الﺰ دة ﻷﺣد اﳌتﻤاثلﲔ ﻋلﻰ اﻵخر ﲟا ﻻ‬
‫خاﺻة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لﺼﻨاﻋة اﳊ ّدية ّ‬
‫نكتفي ذا الﻘدر من التعريفات‪ ،‬وﻫي ﻻ ﲣلو من اﻻنتﻘادات الﱵ ﺗُعﲎ ّ‬
‫لكن لﻨّﻈر إﱃ اﳌعﲎ اﳌﻘﺼود؛ ﳒد أ ّن مفﻬوم الﱰجيح ﻋﻨد اﳊﻨفية يﻘوم ﻋلﻰ العﻨاﺻر اﻵﺗية‪:‬‬
‫أ‪ .‬التماثل ﺑﲔ الدلﻴﻠﲔ من ﺣﻴﺚ اﻷﺻل‪:‬‬
‫أي من ﺣيث ال ّذات‪ ،‬ﻓإذا ﻛان أﺣد الدليلﲔ أقوى من اﻵخر ذا ً؛ مثل اﻵية الﻘرآنية مﻊ السﻨة‬
‫اﻷﺣادية‪ ،‬أو السﻨة اﳌتواﺗرة مﻊ السﻨة اﻵﺣادية‪ ،‬أو السﻨة اﳌشﻬورة مﻊ السﻨة اﻷقل شﻬرة )العﺰيﺰ والﻐريب(‪،‬‬
‫والﻨص من الﻘرآن أو السﻨة مﻊ الﻘياس ‪ ...‬ﻫذا من ﺣيث الثبوت‪.‬‬
‫ومن ﺣيث الدﻻلة الﻘﻄعي مﻊ الﻈﲏ‪ ،‬والعبارة مﻊ اﻹشارة وما دو ا‪ ،‬والﻨص مﻊ الﻈاﻫر؛ وﻏﲑ ذلﻚ‪،‬‬
‫ﻓإنّﻪ ﻻ ﳚري ﺑيﻨﻬا ﺗعارض‪ ،‬ﺑل يﻘدﱠم اﻷقوى ﻋلﻰ ما ﻫو دونﻪ‪.‬‬
‫ﺣﺠﺔ لو انﻔﺮد‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اﳌﺮﺟح ﻻ ﺑ ّد أن ﻻ يﻜون ّ‬
‫ب‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫اﳌرجح والدﱠليل‬ ‫ِ‬
‫مﻨفردا‪ ،‬ﻓﻬﻨا يرى اﳊﻨفية أنّﻪ ﻻ ﺗعارض ﺑﲔ ﻫذا الدليل ّ‬
‫تﺞ ﺑﻪ ً‬ ‫اﳌرجح ﳑّا ُﳛ ّ‬
‫ّأما إذا ﻛان ّ‬
‫ِ‬
‫اﳌرجح مﻨذ البداية ﻋلﻰ أساس أنّﻪ ال ّدليل اﻷقوى ﰲ اﳌسألة‪.‬‬
‫الذي ﻋارﺿﻪ‪ ،‬و لتاﱄ ﻻ ﺗرجيح‪ ،‬ﺑل يُﺼار إﱃ ّ‬
‫ِ‬
‫اﳌرجحات‪ :‬ﻛثرة اﻷدلّة‪ ،‬ﻛثرة‬ ‫ِ‬
‫مرجحات يعتﱪﻫا اﳉﻤﻬور ﺻحيحة‪ ،‬ومن ﻫذه ّ‬ ‫وﻫذا الﻘيد ﲣرج ﺑﻪ ﻋ ّدة ّ‬
‫الرواة‪ ،‬مواﻓﻘة الدليل للﻘياس ‪...‬‬
‫ّ‬

‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد ﺑن أﰊ سﻬل )ت‪483‬ه(‪ ،‬أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﺑو الوﻓاء اﻷﻓﻐاﱐ(‪ ،‬دار اﳌعرﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.249‬‬
‫)‪ (1‬السرخسي‪ّ ،‬‬
‫)‪ (2‬البﺨاري‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﻷسﺮار‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪.78/4 :‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬أمﲑ دشاه‪ ،‬ﳏﻤد أمﲔ ﺑن ﳏﻤود البﺨاري )ت‪972‬ه(‪ ،‬ﺗﻴﺴﲑ التﺤﺮيﺮ ﻋﻠﻰ ﻛتاب التﺤﺮيﺮ ﻻﺑن اﳍمام‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ﳏﻤد )ت‪879‬ه(‪ ،‬التقﺮيﺮ والتﺤبﲑ ﻋﻠﻰ ﻛتاب التﺤﺮيﺮ‬
‫ﳏﻤد ﺑن ّ‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪153‬؛ اﺑن أمﲑ اﳊاج‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﴰﺲ ال ّدين ّ‬
‫ﻻﺑن اﳍمام‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1983 ،‬م‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.17‬‬

‫‪108‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫ج‪ .‬اﻹﻇﻬار‪:‬‬
‫أي‪ :‬أ ّن الﱰجيح ﻫو ﻋﻤل ا تﻬد اﳌتﻤثِّل ﰲ إﺑراز وﻛشﻒ الﺰ دة والفﻀل ﻷﺣد اﳌتﻤاثلﲔ ﻋلﻰ اﻵخر‪،‬‬
‫ﻋﱪا ﺑـ )ز دة(‪ ،‬و)ﻓﻀل(‪ ،‬واﳊﻘيﻘة أ ّن الﺰ دة‬
‫وﻋلﻰ ﻫذا ﻻ يكون ﺗعريفا البﺰدوي والسرخسي دقيﻘﲔ؛ ﻷ ّ ﻤا ّ‬
‫والفﻀل ﻋبارة ﻋن رجحان‪ ،‬ﻻ ﻋن ﺗرجيح‪.‬‬
‫‪ -2‬مﻨﻬﺞ اﳉمﻬور‪:‬‬
‫ومن ﺗعريفا ﻢ‪:‬‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ أﰊ اﳊﺴن البﺼﺮي‪:‬‬
‫»الﱰجيح ﻫو الشروع ﰲ ﺗﻘوية أﺣد الﻄريﻘﲔ ﻋلﻰ اﻵخر«)‪.(1‬‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ اﳉويﲏ‪:‬‬
‫الﻈن«)‪.(2‬‬
‫»ﺗﻐليب ﺑعﺾ اﻷمارات ﻋلﻰ ﺑعﺾ ﰲ سبيل ّ‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ الﻐﺰاﱄ‪:‬‬
‫»ﺗرجيح أمارة ﻋلﻰ أمارة ﰲ مﻈا ّن الﻈﻨون«)‪.(3‬‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ اﻵمدي‪:‬‬
‫»اقﱰان أﺣد الﺼاﳊﲔ للدﻻلة ﻋلﻰ اﳌﻄلوب مﻊ ﺗعارﺿﻬﻤا ﲟا يوجب العﻤل ﺑﻪ وإﳘال اﻵخر«)‪.(4‬‬
‫ﺗﻌﺮيﻒ اﺑن اﳊاﺟﺐ‪:‬‬
‫»اقﱰان اﻷمارة ﲟا ﺗﻘوى ﺑﻪ ﻋلﻰ معارﺿﻬا«)‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬البﺼري‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ ﳏﻤد ﺑن ﻋلي )ت‪436‬ه(‪ ،‬اﳌﻌتمد ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﲪيد ﷲ(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اﳌعﻬد العلﻤي الفرنسي‬
‫للدراسات العرﺑية‪ ،‬دمشﻖ‪1965 ،‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.299‬‬
‫)‪ (2‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﻋبد ﷲ )ت‪478‬ه(‪ ،‬الﱪﻫان ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد العﻈيﻢ ﳏﻤود ال ّديب(‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الوﻓاء‪،‬‬
‫اﳌﻨﺼورة‪1418 ،‬ه‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.1142‬‬
‫)‪ (3‬الﻐﺰاﱄ‪ ،‬أﺑو ﺣامد ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد )ت‪505‬ه(‪ ،‬اﳌﻨﺨول من ﺗﻌﻠﻴقات اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﺣسن ﻫيتو(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر‪ ،‬دمشﻖ‪،‬‬
‫‪1980‬م‪ :‬ص ‪.426‬‬
‫)‪ (4‬اﻵمدي‪ ،‬اﻹﺣﻜام‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.320‬‬
‫)‪ (5‬اﺑن اﳊاجب‪ ،‬ﲨال ال ّدين أﺑو ﻋﻤرو ﻋثﻤان ﺑن ﻋﻤرو )ت‪646‬ه(‪ ،‬مﻨتﻬﻰ الوﺻول واﻷمل ﰲ ﻋﻠمﻲ اﻷﺻول واﳉدل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1985 ،‬م‪ :‬ص‪.222‬‬

‫‪109‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫ﺗﻌﺮيﻒ اﺑن الﻌﺮﰊ‪:‬‬


‫»ﻋبارة ﻋن وﻓاء أﺣد الﻈﻨّﲔ ﻋلﻰ اﻵخر«)‪.(1‬‬
‫وﻏﲑ ﻫذه التعريفات ﻛثﲑ‪ ،‬واﳌلفت للﻨﻈر ﰲ مﻨﻬﺞ اﳉﻤﻬور إذا ما قارّ ه ﲟﻨﻬﺞ اﳊﻨفية ﻫو اﻵﰐ‪:‬‬
‫ﺼﻬﻢ ﻋﻠﻰ أ ّن الﱰﺟﻴح إ ّﳕا يﻜون ﰲ مورد الظﻨون‪:‬‬
‫أ‪ .‬ن ﱡ‬
‫الﻈن(‪ ،‬وقول الﻐﺰاﱄ‪) :‬ﰲ مﻈا ّن الﻈﻨون(‪ ،‬وقول اﺑن العرﰊ‪:‬‬
‫واﺿح ﻫذا ﰲ قول اﳉويﲏ‪) :‬ﰲ سبيل ّ‬
‫)أﺣد الﻈﻨﲔ(‪.‬‬
‫وﻫذه نﻘﻄة ﳏورية ﰲ البحث‪ ،‬وﻫي ﻓاﺻلة ﺑﲔ مﻨﻬﺞ اﳊﻨفية ومﻨﻬﺞ اﳉﻤﻬور؛ إذ إ ّن اﳊﻨفية يفﱰﺿون‬
‫اﺑتداءً أ ّن الﱰجيح ﻻ يلﺰم أن يكون ﻓﻘﻂ ﺑﲔ الﻈﻨيات‪ ،‬ﺑل قد ﳚري ﺑﲔ الﻘﻄعيات أيﻀاً‪ ،‬نﻈراً ﳌوقﻊ ﺑعﺾ‬
‫اﳋاص ﻋﻨدﻫﻢ قﻄعي‪ ،‬والتعارض‬‫العام و ّ‬
‫اﳌباﺣث اﻷﺻولية ﻋﻨدﻫﻢ‪ ،‬ﻛﻤبحث العﻤوم واﳋﺼوص‪ ،‬ﻓك ﱞل من ّ‬
‫ﺗعارض الﻘﻄعيات ﰲ ﻓلسفتﻬﻢ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ﺑيﻨﻬﻤا واقﻊ ﻻ ﳏالة؛ ﻓاستلﺰم ﻫذا‬
‫ّأما اﳉﻤﻬور ﻓلﻢ يﻘعوا ﰲ ﻫذا اﻹشكال‪ ،‬ونﻈر ﻢ ﰲ مسألة العﻤوم واﳋﺼوص )أي‪ :‬قوﳍﻢ ﺑﻈﻨية العام‪،‬‬
‫وقﻄعية اﳋاص( مﻨسﺠﻤة مﻊ ما ِّ‬
‫ﺗﻘرره البديﻬة من أ ّن الﻘﻄعيات ﻻ يُتﺼ ﱠور ﻓيﻬا التعارض‪ ،‬و لتاﱄ ﻻ يُتﺼ ﱠور‬
‫ﻓيﻬا الﱰجيح‪ ،‬ﻷ ّن معﲎ الﻘﻄﻊ انتفاء اﻻﺣتﻤال مﻄلﻘاً‪ ،‬وإثبات التعارض معﻨاه طر ن اﻻﺣتﻤال ﻋلﻰ أﺣد‬
‫اﳌتعارﺿﲔ من وجﻪ من الوجوه‪ ،‬وطر ن اﻻﺣتﻤال يﻨاﰲ معﲎ الﻘﻄﻊ‪.‬‬
‫مﺴتقل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اﳌﺮﺟح ﻏﲑ‬
‫ّ‬ ‫ب‪ .‬ﻋدم اﺷﱰاط أن يﻜون ّ‬
‫ﺣﺠة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺗستﻘل ّ‬
‫ّ‬ ‫اﳌرجحات الﱵ‬
‫اﳌرجحات ﺻحيحة‪ ،‬أي ّ‬
‫و ذا يسﻤح مﻨﻬﺞ اﳉﻤﻬور ﻋتبار ﻛثﲑ من ّ‬
‫العامة‪.‬‬
‫ﺑﻨفسﻬا لو انفردت‪ ،‬مثل الﻘياس‪ ،‬وﻋﻤل أﻫل اﳌديﻨة‪ ،‬والﻘواﻋد واﻷﺻول ّ‬
‫اﳌستﻘل‬
‫ّ‬ ‫التأمل يﻈﻬر ‪-‬وﷲ أﻋلﻢ‪ -‬أ ّن الثﻤرة واﺣدة‪ ،‬ﻓاﳊﻨفية يعتﱪون أ ّن الدليل‬
‫ﻛل ﺣال ﻋﻨد ّ‬‫ﻋلﻰ ّ‬
‫مرجحاً‪ ،‬ﻷ ّ ﻢ ﻻ يثبتون التعارض ﺑيﻨﻪ وﺑﲔ‬ ‫ِ‬
‫يسﻤونﻪ دليﻼً ّ‬ ‫ﻫو دليل اﳌسألة إذا ﻛان أقوى من وجﻪ ما‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﺣﱴ لو‬ ‫ِ‬
‫مرجح إذا ﻛان ﰲ نفﺲ ّقوة ال ّدليل اﻵخر؛ ّ‬ ‫الدليل اﻷدﱏ من وجﻪ ما‪ّ ،‬أما اﳉﻤﻬور ﻓيﻘولون ﻫو دليل ّ‬
‫ِ‬
‫مرجحاً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يسﻤونﻪ ّ‬
‫اﳌستﻘل‪ ،‬اﳉﻤﻬور ّ‬‫ّ‬ ‫ﻓالكل إّﳕا يﺼﲑ إﱃ ﻫذا الدليل‬
‫ّ‬ ‫ﺣﺠة ﺑﻨفسﻪ لو انفرد‪،‬‬
‫اﳌرجح ّ‬
‫ﻛان ﻫذا ّ‬
‫مرجحاً‪ ،‬وﷲ أﻋلﻢ‪.‬‬‫ِ‬
‫واﳊﻨفية ﻻ يسﻤونﻪ ّ‬

‫)‪ (1‬اﺑن العرﰊ‪ ،‬أﺑو ﺑكر ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ اﳌعاﻓري اﻹشبيلي اﳌالكي )ت‪543‬ﻫـ(‪ ،‬اﶈﺼول ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﺣسﲔ ﻋلي اليدري‪،‬‬
‫ﻋﻤان‪1420 ،‬ﻫـ‪1999/‬م‪ :‬ص‪.149‬‬ ‫سعيد ﻓودة(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البيارق‪ّ ،‬‬

‫‪110‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫الﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﻛون الﱰﺟﻴح ﻋمﻼً لﻠمﺠتﻬد‪:‬‬


‫ج‪ .‬ﻋدم ّ‬
‫مر من التعريفات‪ّ -‬إما ﺑـ )اقﱰان( أو )ﺗﻘوية(‪:‬‬
‫ﻋﱪوا ‪-‬ﻛﻤا ﻫو مﻼﺣظ ﻓيﻤا ّ‬
‫ﻷّﻢ ﱠ‬
‫ﺗدل أ ّن الﱰجيح ﻋﻤل ا تﻬد‪ ،‬وﳍذا انتﻘدﻫا اﻹسﻨوي ﻓﻘال‪) :‬وﻓيﻪ نﻈر؛ ﻓإ ّن‬
‫ﻓأما ﻋبارة )اقﱰان(‪ ،‬ﻓﻼ ّ‬
‫ّ‬
‫ﻫذا ﺣ ﱞد للرجحان أو الﱰ ﱡجح‪ ،‬ﻻ للﱰجيح‪ ،‬ﻓإ ّن الﱰجيح من أﻓعال الشﺨص‪ ،‬ﲞﻼف اﻻقﱰان( ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫و ّأما ﻋبارة )ﺗﻘوية(؛ ﻓإ ّ ا وإن ﻛانت ﰲ دئ اﻷمر ﺗوﺣي ّن الﱰجيح ﻫو ﻋﻤل ا تﻬد؛ ﻏﲑ أ ّ ا‬
‫الﻘوة‪ ،‬ﻻ‬
‫مﻨتﻘدة أيﻀاً ﺑكون التﻘوية إّﳕا ﻫي ﻋﻤل ال ّشارع‪ ،‬ﻻ ﻋﻤل ا تﻬد‪ّ ،‬أما ا تﻬد ﻓعﻤلﻪ إﻇﻬار ﻫذه ّ‬
‫إﺣداثﻬا)‪.(2‬‬
‫رجح الشيخ ﲞيت اﳌﻄيعي رأي اﳊﻨفية ﰲ ﻫذه اﳊيثية ﻓﻘال‪» :‬وقال اﳊﻨفية‪ :‬الﱰجيح إﻇﻬار‬‫وﳍذا ّ‬
‫الﻘوة‪ ،‬ﻻ ﺗﻘوية وﻻ اقﱰان‪ ،‬ﺑل إﻇﻬار ذلﻚ ﻓﻘﻂ«)‪.(3‬‬
‫ﳎرد إﻇﻬار الﺰ دة و ّ‬
‫ز دة أﺣد اﳌتﻤاثلﲔ‪ ،‬ليﺲ إﻻّ ّ‬
‫أﻇن ‪-‬وﷲ أﻋلﻢ‪ -‬أ ّ ا‬
‫ويرى البحث أ ّن ﻫذه الﻨﻘﻄة ﺗتعلّﻖ لدقّة اللّفﻈية ﰲ ﺻﻨاﻋة اﳊدود ﻓﻘﻂ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﻻزم للرجحان‪،‬‬‫شﻚ أ ّن الﱰجيح ٌ‬
‫ﳑّا يﱰﺗّب ﻋليﻪ ﲦرة ﻋﻤلية‪ ،‬والشيخ ﲞيت ‪-‬رﲪﻪ ﷲ‪ -‬نفسﻪ يﻘول‪» :‬ﻻ ّ‬
‫و لعكﺲ؛ ﻷ ّن ا تﻬد ﻻ ﳝكﻨﻪ أن ِّ‬
‫يبﲔ أ ّن إﺣدى اﻷمارﺗﲔ أقوى إﻻّ إذا اقﱰنت ﲟا ﺗﻘوى ﻋلﻰ معارﺿتﻬا‪،‬‬
‫ﻓﻤﺂل التعريفﲔ واﺣد‪ ،‬وﻛﻼﳘا ﺗعريﻒ لﻼزم‪ ،‬ﻏاية اﻷمر أ ّن اﳌﺼﻨِّﻒ ‪-‬يﻘﺼد اﻹسﻨوي‪ -‬نﻈر ﰲ ﺗعريفﻪ إﱃ‬
‫ﻓعل ا تﻬد‪ ،‬واﺑن اﳊاجب واﻵمدي ‪-‬وقد سبﻖ ذﻛر ﺗعريفيﻬﻤا‪ -‬إﱃ ﺗرجيح اﻷمارة نفسﻬا ‪.(4)«...‬‬
‫وﺗعريفات اﳊﻨفية أوﱃ ‪-‬وﷲ أﻋلﻢ‪ -‬من ﺣيث دقّة اللّفظ‪ ،‬ﻋلﻰ أ ّن ﻋبارة )إﻇﻬار( أيﻀا قد ﻻ ﺗسلﻢ‬
‫من اﻻنتﻘاد؛ ﻷ ّن الﱰجيح ﻏايتﻪ العﻤل لدليل الراجح‪ ،‬وليﺲ ﳎﱠرد اﻹﻇﻬار‪.‬‬
‫ويبدو ﱄ أ ّن ﺗعريﻒ اﺑن اللﱠحام قد يكون من أﺣسن التعريفات إذا أدخلﻨا ﻋليﻪ ﺑعﺾ التعديﻼت‪،‬‬
‫ﺑﻘوة ﰲ الدﻻلة«)‪.(5‬‬
‫وﺗعريفﻪ ﻫو‪» :‬ﺗﻘدﱘ أﺣد طريﻘي اﳊكﻢ ﻻختﺼاﺻﻪ ّ‬
‫ووجﻪ ﺗفﻀيل ﻫذا التعريﻒ ‪-‬ﰲ نﻈري‪ -‬ما يلي‪:‬‬

‫ﳏﻤد ﲨال ال ّدين ﻋبد الرﺣيﻢ ﺑن اﳊسن ﺑن ﻋلي )ت‪772‬ﻫـ(‪ ،‬ايﺔ الﺴﱡول ﰲ ﺷﺮح مﻨﻬاج اﻷﺻول‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﻋاﱂ الكتاب‪،‬‬
‫)‪ (1‬اﻹسﻨوي‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.445‬‬
‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬اﺑن السبكي‪ ،‬أﺑو اﳊسن ﺗﻘي الدين ﻋلي ﺑن ﻋبد الكاﰲ )ت‪756‬ه(‪ ،‬وولده ج ال ّدين ﻋبد الوﻫاب )ت‪771‬ه(‪ ،‬اﻹ اج ﰲ‬
‫ﺷﺮح اﳌﻨﻬاج‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعبان ﳏﻤد إﲰاﻋيل(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﻄبعة أسامة‪1982 ،‬م‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.223‬‬
‫ﳏﻤد ﲞيت )ت‪1354‬ه(‪ ،‬سﻠّﻢ الوﺻول لﺸﺮح ايﺔ الﺴول‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﻋاﱂ الكتاب‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.445‬‬ ‫)‪ (3‬اﳌﻄيعي‪ّ ،‬‬
‫)‪ (4‬اﳌرجﻊ الساﺑﻖ‪.‬‬
‫اللحام‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين أﺑو اﳊسن ﻋلي ﺑن ﳏﻤد )ت‪803‬ه(‪ ،‬اﳌﺨتﺼﺮ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ ،‬مرﻛﺰ البحث العلﻤي‪ ،‬مكّة ّ‬
‫اﳌكرمة‪ :‬ص‪.168‬‬ ‫)‪ (5‬اﺑن ّ‬

‫‪111‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫ﺗدل أ ّن الﱰجيح ﻋﻤل ا تﻬد‪ ،‬ولو ِزيد‬


‫‪ -‬ﻋبارة )ﺗﻘدﱘ( ﻓيﻬا ﺗفادي لﻼنتﻘادات اﳌذﻛورة آنفاً‪ ،‬ﻓﻬي ّ‬
‫ليتبﲔ أ ّن الﻐرض من التﻘدﱘ ﻫو العﻤل رّﲟا ﻛان أﺣسن‪.‬‬
‫قيد‪) :‬والعﻤل ﺑﻪ(؛ ﱠ‬
‫اﻷدلة واﻷمارت وﻛاﻓّة مسالﻚ اﻻستدﻻل‪،‬‬ ‫‪ -‬ﻋبارة )طريﻘي اﳊكﻢ( ﲨيلة‪ ،‬وواسعة‪ ،‬ﻓﻬي ﺗشﻤل ّ‬
‫استﺼﻼﺣا‪،‬‬
‫ً‬ ‫إﲨاﻋا‪ ،‬أو قاﻋدةً‪ ،‬أو استحسا ً ‪ ،‬أو‬
‫قياسا‪ ،‬أو ً‬
‫أﻋﻢ من أن ﺗكون نﺼا من ﻛتاب أو سﻨّة‪ ،‬أو ً‬
‫وﻫي ّ‬
‫شﻚ أ ّن ﻫذه اﳌسالﻚ ﳑّا يدخلﻬا التعارض والﱰجيح‪.‬‬
‫أو ﻏﲑ ذلﻚ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﻛل ما يوﺻل اﳌكلّﻒ إﱃ اﻷﺣكام ال ّشرﻋية‪ ،‬سواء ﻛان‬
‫وﳍذا قال الدﻛتور الﱪزﳒي‪» :‬اﳌراد من الﻄّريﻖ ّ‬
‫خرجﻬﻤا‬‫اﳌوﺻل ال ّدليل ال ّشرﻋي من الكتاب أو السﻨّة أو ﻏﲑﳘا من اﻷدلّة اﳌﺨتلﻒ ﻓيﻬا ‪ ...‬أو ﻛا وجﻬﲔ ّ‬
‫ﻛل واﺣد مﻨﻬﻤا ﻹمام‪ ،‬أو ﻛا قولﲔ ﻹمام واﺣد أو ﻹمامﲔ‪ ،‬أو ﻛا‬ ‫إمام ﰲ مذﻫب‪ ،‬أو ﻛا الوجﻬان ّ‬
‫داخل ﲢت ﻛلﻤة )الﻄريﻘﲔ( ‪.(1)«...‬‬
‫ﻛل ذلﻚ ٌ‬
‫روايتﲔ ﳐتلفتﲔ‪ ،‬أو اﺣتﻤالﲔ لدليل واﺣد‪ّ ،‬‬
‫ﺗدل ﺿﻤﻨًا أ ّن الﱰجيح ﻻ ﳚري إﻻّ ﺑﲔ الﻈﻨيات‪ ،‬و لتاﱄ ﻓإ ّن الﱰجيح ﺑﲔ‬
‫وﻷ ّن ﻋبارة )الﻄريﻖ( ّ‬
‫الﻈﻨيات ﻻ يكون إﻻّ ﻇﻨياً‪.‬‬
‫السبكي –يعﲏ ج ال ّدين‪ -‬ال ّدليﻼن‬
‫قال ال ّشيخ ﻋبد ﷲ الشﻨﻘيﻄي‪» :‬واﳌراد لﻄّريﻘﲔ ﰲ قول اﺑن ّ‬
‫الﻈﻨّيان‪ُِ ،‬ﲰّي ال ّدليل طريﻘاً؛ ﻷنّﻪ يوﺻل إﱃ اﳌدلول«)‪.(2‬‬
‫)ﻇن( ليكون أجلﻰ وأوﺿح ﰲ ال ّدﻻلة ﻋلﻰ اﳌراد‪.‬‬
‫ومﻊ ذلﻚ أقﱰح أن نﺰيد قيد ّ‬
‫أﻋﻢ من ال ّدليل من جﻬة أ ّن ال ّدليل ﰲ اﳌسألة قد يكون واﺣ ًدا‪،‬‬
‫ﻛﻤا يﻼﺣظ البحث أ ّن )الﻄّريﻖ( ّ‬
‫لكن طرق اﻻستدﻻل ﻫي الﱵ ﲣتلﻒ‪ ،‬ﻛﻤا ﰲ قولﻪ ﺗعاﱃ‪) :‬وامﺴﺤوا ﺑِﺮء ِ‬
‫وس ُﻜ ْﻢ( ]اﳌائدة‪ ،[6 :‬ﻫل يفيد‬‫َ ْ َ ُ ُُ‬
‫الرأس ﳌسح‪ ،‬أم يفيد التبعيﺾ‪ ،‬ال ّدليل واﺣد‪ ،‬وطرق اﻻستدﻻل ﳐتلفة‪.‬‬ ‫وجوب ﺗعﻤيﻢ ّ‬
‫)قوة(؛ ﻷ ّن اﳌتعارﺿﲔ قد يكون ﻛلﱞ مﻨﻬﻤا قوّ ﰲ‬ ‫وأقﱰح أيﻀاً أن يﻀاف قيد )مﺰيد ّقوة( ﻋوض ّ‬
‫ال ّدﻻلة‪ ،‬وﳍذا ﳒد ﺑعﺾ أﻫل اﻻجتﻬاد يتوقّﻒ ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣيان ﰲ اﳌسألة نﻈراً لعدم قدرﺗﻪ ﻋلﻰ إدراك مﺰية‬
‫الراجح من‬
‫ﺗدل أ ّن ّ‬
‫الﻘوة ﰲ نﻈره‪ ،‬لكن ﻋبارة )مﺰيد ّقوة( ّ‬
‫أﺣد اﳌتعارﺿﲔ ﻋلﻰ اﻵخر ﺑسبب ﺗعادﳍﻤا ﰲ ّ‬
‫ﺣﱴ لو ﻛان الﻄريﻖ اﻵخر قو ً أيﻀاً‪.‬‬
‫الﻄريﻘﲔ ﻓيﻪ ّقوة أﻛثر ّ‬
‫وﺑﻨاءً ﻋلﻰ ﻫذا ﳝكن أن يُﻘال ﰲ ﺗعريﻒ الﱰجيح‪:‬‬

‫)‪ (1‬الﱪزﳒي‪ ،‬ﻋبد اللﻄيﻒ ﻋبد ﷲ ﻋﺰيﺰ‪ ،‬التﻌارض والﱰﺟﻴح ﺑﲔ اﻷدلﺔ الﺸﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬مﻄبعة العاﱐ‪ ،‬العراق‪1977 ،‬م‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.139‬‬
‫)‪ (2‬الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬أﺑو ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﺑن إﺑراﻫيﻢ العلوي )ت‪1235‬ه(‪ ،‬نﺸﺮ البﻨود ﻋﻠﻰ مﺮاﻗﻲ الﺴﻌود‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﻄبعة ﻓﻀالة‪ ،‬اﳌﻐرب‪ ،‬د‪.‬ت‪:‬‬
‫ج‪ ،2‬ص‪.279‬‬

‫‪112‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫ﻗوة ﰲ ال ّدﻻلﺔ‪ .‬وﷲ أﻋلﻢ‪.‬‬


‫ﻇن اﺧتﺼاﺻﻪ ﲟﺰيد ّ‬
‫ﺗقدﱘ أﺣد طﺮيقﻲ اﳊﻜﻢ لﻴُﻌمل ﺑﻪ‪ ،‬ﳊﺼول ّ‬
‫لظن‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜالﺚ‪ :‬اﳌﻌﲎ الﱰﻛﻴﱯ لﻠﱰﺟﻴح ّ‬
‫لﻈن(‪ ،‬وذلﻚ لﻼﻋتبارات‬
‫اﳊﻘيﻘة الﱵ ﳝيل الباﺣث إﱃ ﺗﻘريرﻫا أ ّن ﻋبارة )الﱰجيح( ﺗﻐﲏ ﻋن قيد ) ّ‬
‫اﻵﺗية‪:‬‬
‫‪ -1‬انﻄﻼقاً من ُمسلﱠﻤة )التعارض ﻻ يﻘﻊ ﺑﲔ الﻘﻄعيات(‪ ،‬وﻫي مسلﱠﻤة ﻹﺿاﻓة إﱃ ﻫذا البحث‪،‬‬
‫وإن ﻛان ﰲ اﳌسألة شيء من اﳋﻼف الﻨﻈري‪ ،‬لكن البحث يعتﻘد –وﷲ أﻋلﻢ‪ -‬أ ّن ﻫذا اﳋﻼف ّإما ﻏﲑ‬
‫ﻛل ﻓريﻖ‪ ،‬وﻻ يبعد أن يكون‬
‫الﻈن والﻘﻄﻊ ﻋﻨد ّ‬
‫خﻼف اﺻﻄﻼﺣي يتعلّﻖ ﲟفﻬوم ّ‬‫ٌ‬ ‫وإما‬
‫اﶈل‪ّ ،‬‬
‫متوارد ﻋلﻰ نفﺲ ّ‬
‫ﺗﺼور التعارض ﺑﲔ الﻘﻄعيات مسألة ﺗرﻓﻀﻬا البديﻬة‪.‬‬
‫خﻼﻓًا لفﻈيًا ﻻ ﻏﲑ‪ ،‬ﻷ ّن ّ‬
‫قال الﻐﺰاﱄ‪»:‬ﻻ ﳎال للﱰجيح ﰲ الﻘﻄعيات؛ ﻷ ّ ا واﺿحة‪ ،‬والواﺿح ﻻ يُستوﺿح«)‪.(1‬‬
‫اﳊﻖ أ ّن ﺑﲔ اﳌﻘﻄوﻋﲔ ﻛالﻨّﺼﲔ الﻘﻄعيﲔ ثبو ودﻻلة ﻻ يﻘﻊ التعارض ﰲ نفﺲ‬
‫وقال البدخشي‪» :‬و ّ‬
‫اﻷمر لﻺﲨاع ﻋلﻰ أ ّن اﳊﺠﺞ ال ّشرﻋية ﻻ ﺗتﻨاقﺾ‪ ،‬وإّﳕا يﻘﻊ اﳉﻬل لﻨاسخ من اﳌﻨسوخ«)‪.(2‬‬
‫إذا ﺗﻘﱠرر ﻫذا؛ ﻓإ ّن الﱰجيح إّﳕا يﻨحﺼر جر نﻪ ﺑﲔ الﻈﻨيات‪.‬‬
‫وﻇﲏ‪،‬‬
‫الﻘوة‪ ،‬أي‪ :‬أ ّن التعارض ﻻ ﳚري ﺑﲔ قﻄعي ّ‬
‫‪ -2‬ﺑﻨاءً ﻋلﻰ أ ّن شرط التعارض ﻫو التﻤاثل ﰲ ّ‬
‫ﻓالﻘﻄعي مﻘدﱠم مﻄلﻘاً‪ ،‬و لتاﱄ ﻻ يُﻘال‪ :‬الﻘﻄعي راجح ﻋلﻰ الﻈﲏ‪ ،‬يعﲏ ﺣيث ﻛان ﰲ اﳌسألة دليل قﻄعي‪،‬‬
‫وآخر ﻇﲏ‪ ،‬ﻓالعﱪة لﻘﻄعي‪ ،‬وﻻ ﳎال للﱰجيح ﺑيﻨﻬﻤا أﺻﻼً‪.‬‬
‫وﺑﻨاءً ﻋلﻰ ﻫاﺗﲔ اﳌﻘ ِّدمتﲔ‪:‬‬
‫‪ -‬ﻻ ﺗرجيح ﺑﲔ قﻄعيﲔ‪.‬‬
‫‪ -‬وﻻ ﺗرجيح ﺑﲔ قﻄعي وﻇﲏ‪.‬‬
‫ﻓﻬذا يستلﺰم أ ّن الﱰجيح ﻻ يكون إﻻّ ﺑﲔ الﻈﻨيات‪ ،‬وﻻ يكون إﻻّ ﻇﻨياً‪ ،‬ﻫذا مﻘتﻀﻰ الﻘسﻤة الذﻫﻨية‪،‬‬
‫لﻈن(‪ ،‬الﻐاية مﻨﻪ التﺠلية والتوﺿيح واﻹﻓﻬام ودﻓﻊ اللبﺲ ﻓﻘﻂ‪،‬‬
‫لﻈن( ﰲ ﻋبارة )الﱰجيح ّ‬ ‫و لتاﱄ ﻓﻘيد ) ّ‬
‫لﻈن‪ ،‬سيﻤا وقد خلص‬‫وإﻻّ ﻓعبارة )الﱰجيح( ﺗُﻐﲏ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻛﻤا ﺗُﻐﲏ ﻋبارة )اﻷمارة(‪ ،‬و)الﻄريﻖ(‪ ،‬ﻋن ﺗﻘييدﻫا ّ‬

‫)‪ (1‬الﻐﺰاﱄ‪ ،‬اﳌﻨﺨول‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪.427‬‬


‫ﳏﻤد ﺑن اﳊسن )ت‪922‬ه(‪ ،‬مﻨاﻫﺞ الﻌقول ﺷﺮح مﻨﻬاج الوﺻول ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷﺻول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫)‪ (2‬البدخشي‪ّ ،‬‬
‫‪1984‬م‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.217‬‬

‫‪113‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫البحث ﰲ اﳌﻄلب اﻵنﻒ إﱃ ﺗعريﻒ الﱰجيح ﲟا يﻘيِّده ﺑكونﻪ ﻇﻨياً ﻋﻨدما اقﱰح أن يُﻘال‪ :‬ﺗﻘدﱘ أﺣد طريﻘي‬
‫لظن اختﺼاﺻﻪ ﲟﺰيد ّقوة ﰲ الدﻻلة‪.‬‬
‫اﳊكﻢ ليُعﻤل ﺑﻪ‪ ،‬نﻈراً ّ‬
‫الﻈن‪ -‬ﺑداع ﰲ‬
‫ﻋﱪ العﻼّمة الشﻨﻘيﻄي ﻋن ﻫذا اﳌعﲎ ‪-‬أي‪ :‬ﻛون الﱰجيح يﻘوم ويﻘعد ﻋلﻰ ّقوة ّ‬ ‫وقد ﱠ‬
‫مﻨﻈومتﻪ مراقي ال ﱡسعُود ﻋﻨدما قال‪:‬‬
‫حات ﻓاﻋتﱪ ‪ ...‬واﻋلﻢ ّن ﻛلﱠﻬا ﻻ يﻨحﺼر‬ ‫ِ‬
‫رج ٌ‬‫وقد َخلَت ُم ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﻗﻄﺐ رﺣـاﻫا ﻗ ّـوة اﳌظ ـﻨّـﺔ ‪ ...‬ﻓﻬي لــدى ﺗعارض مئﻨة‬
‫ﺗرجح ﻋلﻰ سبيل ﻏلبة‬
‫لﻈن(‪ :‬أ ّن الﻄريﻖ الذي ّﰎ ﺗرجيحﻪ؛ إّﳕا ّ‬
‫و لتاﱄ ﻓاﳌﻘﺼود من ﻋبارة )الﱰجيح ّ‬
‫الﻈن‪ ،‬وليﺲ ﻋلﻰ سبيل الﻘﻄﻊ؛ إذ لو ﻛان ﻋلﻰ جﻬة الﻘﻄﻊ؛ ﻻنتفﻰ أﺻﻼً وقوع التعارض مﻨذ البداية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وﻻنتفﻰ ﺗبعا لذلﻚ وقوع الﱰجيح اﺻﻄﻼﺣاً‪.‬‬
‫ذﻛرت ﰲ اﳌﻘ ِّدمة‪ ،‬وذلﻚ‬
‫ﻏﲑ أ ّن ﻫذه اﳌسألة ُﺣكي ﻓيﻬا اﳋﻼف ﰲ العﺼور اﻷوﱃ من اﻻجتﻬاد ﻛﻤا ُ‬
‫ﻓحكي ﻋن ﺑعﺾ اﻷﺻوليﲔ أنّﻪ يرﻓﺾ أن يكون‬ ‫ويستﻘر ﻋلﻰ ما ﻫو ﻋليﻪ اﻵن‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يتﻘرر مفﻬوم الﱰجيح‬
‫قبل أن ﱠ‬
‫الﱰجيح ﲟا ﻫو ﻇﲏ‪ ،‬واشﱰط أﻻّ يكون الﱰجيح إﻻّ قﻄعياً‪ ،‬وقد ذﻛروا ﰲ ذلﻚ ﺑعﺾ اﻷدلّة‪ ،‬وخالفﻬﻢ اﳉﻤﻬور‬
‫ﰲ مذﻫبﻬﻢ ﻫذا‪ ،‬وﻫو ما ﳓاول ﺑيانﻪ ومﻨاقشتﻪ ﰲ اﳌبحث اﻵﰐ ﲝول ﷲ‪.‬‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬نﺸﺮ البﻨود ﻋﻠﻰ مﺮاﻗﻲ الﺴﻌود‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.314‬‬

‫‪114‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫لظن‪ ،‬واﳊ ّﻖ ﰲ ذلﻚ‪.‬‬


‫اﳌبﺤﺚ الﺜاﱐ‪ :‬ﺣقﻴقﺔ اﳋﻼف ﰲ الﱰﺟﻴح ّ‬
‫أﺣب أن ألفت الﻨّﻈر إﱃ ﻛون ﻫذه اﳌسألة ﺗُذﻛر ﻋﻨد اﻷﺻوليﲔ ﺑعﻨوان‪ :‬العﻤل ّلراجح‪،‬‬
‫ﰲ البداية ّ‬
‫ﳏل ﲝثﻨا‪ّ ،‬أما الﱰجيح‬
‫لﻈن الذي ﻫو ّ‬
‫الﻈﲏ‪ ،‬أي‪ :‬الﱰجيح ّ‬ ‫الراجح ِّ‬
‫أو العﻤل لﱰجيح‪ ،‬واﳌﻘﺼود إّﳕا ﻫو ّ‬
‫الﻈﲏ ﺗرجيحا أﺻﻼً‬
‫لﻘﻄﻊ ﻓﻼ خﻼف ﰲ الﻘول ﺑﻪ ﻋلﻰ اﻹطﻼق‪ ،‬ﺑل ﻻ يُس ﱠﻤﻰ العﻤل لﻘﻄعي ﰲ مﻘاﺑلة ّ‬
‫مر معﻨا‪.‬‬
‫ﻛﻤا ّ‬
‫اﻷول‪ :‬اﻷﻗوال‪ ،‬والتﺤقﻴﻖ ﰲ نﺴبتﻬا إﱃ أﺻﺤا ا‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ ّ‬
‫اﻷقوال ﰲ ﻫذه اﳌسألة ﺗﺆول إﱃ مذﻫب ودﻋوى مذﻫب‪:‬‬
‫لظن‪ :‬وﻫذه دﻋوى مذﻫب يُﻨسب إﱃ أﰊ ﻋبد ﷲ البﺼري‪ ،‬والﻘاﺿي الباقﻼﱐ‪،‬‬
‫‪ -‬إنﻜار الﱰﺟﻴح ّ‬
‫واﺑن ﺣﺰم الﻈاﻫري‪.‬‬
‫لظن‪ :‬وﻫو قول الكاﻓّة من اﻷﺻوليﲔ وأﻫل العلﻢ‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات الﱰﺟﻴح ّ‬
‫التﺤقﻴﻖ ﰲ نﺴبﺔ ﻫﺬا اﻷﻗوال إﱃ أﺻﺤا ا‪:‬‬
‫أوﻻً‪ :‬ﻋبد ﷲ البﺼﺮي‪.‬‬
‫)ج َعل(‪ ،‬أنّﻪ أنكر‬
‫قال إمام اﳊرمﲔ‪» :‬وﺣكﻰ الﻘاﺿي ‪-‬أي الباقﻼﱐ‪ -‬ﻋن اﳌلﻘﱠب لبﺼري‪ ،‬وﻫو ُ‬
‫الﻘول لﱰجيح‪ ،‬وﱂ أر ذلﻚ ﰲ شيء من ﻛتبﻪ«)‪.(1‬‬
‫وقال الﻐﺰاﱄ‪» :‬وﻋﺰا الﻘاﺿي إﱃ أﰊ اﳊسﲔ البﺼري ّلرمﺰ إﱃ أنّﻪ أنكر الﱰجيح«)‪.(2‬‬
‫ﻓالﺼحيح أ ّن ﻫذا الﻘول إّﳕا‬ ‫ِ‬
‫وﻫذا اﳌذﻛور ﰲ اﳌﻨﺨول خﻄأ‪ ،‬ﻻ يُدرى أﻫو من الﻐﺰاﱄ أم من اﶈ ّﻘﻘﲔ‪ّ ،‬‬
‫لﻈن‪،‬‬
‫يُﻨسب للبﺼري اﳌعروف ﺑ ـ ) ُجعل(‪ ،‬وليﺲ ﻷﰊ اﳊسﲔ البﺼري ﺻاﺣب اﳌعتﻤد‪ ،‬ﻓﻬو يﻘول لﱰجيح ّ‬
‫ورأيﻪ واﺿح ﰲ ﻛتاﺑﻪ اﳌعتﻤد)‪.(3‬‬
‫يدل ﻋلﻰ‬ ‫ِ‬
‫مﱰددين ﰲ ﺣكاية ﻫذا اﳋﻼف ونسبتﻪ إﱃ أﰊ ﻋبد ﷲ البﺼري‪ّ ،‬‬
‫واﳌﻼﺣظ أ ّن اﻷﺻوليﲔ ّ‬
‫ذلﻚ قول اﳉويﲏ‪» :‬وﱂ أر ذلﻚ ﰲ شيء من ﻛتبﻪ«‪.‬‬

‫وقول الﻐﺰاﱄ‪» :‬وﻋﺰا ‪ّ ..‬لرمﺰ«‪ ،‬واﻷقوال ذات الشأن ﻻ ﺗُعﺰى ّلرمﺰ‪ ،‬ﺗُعﺰى لﺼريح ِّ‬
‫البﲔ‪.‬‬

‫)‪ (1‬اﳉويﲏ‪ ،‬الﱪﻫان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.1143‬‬


‫)‪ (2‬الﻐﺰاﱄ‪ ،‬اﳌﻨﺨول‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪.427-426‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬البﺼري‪ ،‬اﳌﻌتمد‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.673‬‬

‫‪115‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫ﻋامة العلﻤاء‪،‬‬
‫وجاء ﰲ اﳌس ﱠودة ﻵل ﺗيﻤية‪» :‬ﳚوز ﺗرجيح أﺣد ال ّدليلﲔ الﻈﻨّيﲔ ﻋلﻰ اﻵخر ﻋﻨد ّ‬
‫واختلﻒ الﻨﻘل ﻓيﻪ ﻋن البﺼري«)‪.(1‬‬
‫وقال ال ّشوﻛاﱐ‪» :‬وقد ﲰّﻰ ﺑعﻀﻬﻢ ﻫذا اﳌﺨالﻒ ﰲ العﻤل لﱰجيح ﻓﻘال ﻫو البﺼري اﳌلﻘﱠب ﲜُعل‪،‬‬
‫ﻛﻤا ﺣكاه الﻘاﺿي‪ ،‬واستبعد اﻷنباري وقوع ذلﻚ من مثلﻪ« )‪.(2‬‬
‫الشﻚ ﰲ وجود ﻫذا الﻘائل أﺻﻼً‪ ،‬وإن ﻓُرض وجوده‬ ‫يدل اﺑتداءً ﻋلﻰ ّ‬
‫دل ﻋلﻰ شيء ﻓإّﳕا ّ‬
‫وﻫذا إن ّ‬
‫اﳊﺠة والدليل‪ ،‬إذ اﻷقوال الشاذّة ﻏالباً ما ﺗُذﻛر ﺑﺼيﻎ‬
‫الرأي وﺿعفﻪ من ﺣيث ّ‬ ‫يدل ﻋلﻰ شذوذ ﻫذا ّ‬
‫ﻓإنّﻪ ّ‬
‫التﻤريﺾ والتﺠﻬيل وﻻ يُعرف قائلوﻫا‪ ،‬ولو ﻛان ﳍذا الﻘول شأن؛ لشاع وذاع‪ ،‬و ُلعرف أﺻحاﺑﻪ‪ ،‬ولﻨاﻓحوا ﻋن‬
‫مذﻫبﻬﻢ‪ ،‬ولتوارثﻪ ﺗﻼميذﻫﻢ من ﺑعد‪.‬‬
‫نﻴاً‪ :‬القاﺿﻲ الباﻗﻼﱐ‪.‬‬
‫ِ‬
‫اﳌرجح قﻄعياً‪ ،‬ﻓإن ﱂ يكن‬
‫يُﻨسب إﱃ الﻘاﺿي الﻘول ﺑرﻓﺾ الﱰجيح ﲟا ﻫو ﻇﲏ‪ ،‬واشﱰاط أن يكون ّ‬
‫ﻛذلﻚ ﻓالواجب ﻫو التوقﱡﻒ‪.‬‬
‫وﻫذا الﻘول ﲢكيﻪ ﻛثﲑ من ﻛتب اﻷﺻول)‪.(3‬‬
‫ﺻحتﻬا‪ ،‬ﻓﻐاية ما يذﻛره اﻷﺻوليون أ ّن الباقﻼﱐ‬
‫واﳊﻘيﻘة أ ّن ﻫذه الﻨّسبة ﻻ ﲣلو أيﻀاً من التشكيﻚ ﰲ ّ‬
‫ﺣكﻰ ﻫذا الﻘول‪ ،‬وﺣكاية الﻘول ﻻ ﺗعﲏ أنّﻪ يﻘول ﺑﻪ‪ ،‬وﳍذا قال الدﻛتور ﻋبد اﳊﻤيد أﺑو زنيد ﰲ ﲢﻘيﻘﻪ‬
‫ﻷﱐ ﱂ أجد من‬
‫لكتاب اﺑن ﺑرﻫان )الوﺻول إﱃ اﻷﺻول(‪» :‬نسبة ﻫذا الﻘول للﻘاﺿي أﰊ ﺑكر ﻓيﻪ نﻈر‪ّ ،‬‬
‫ﻂ ﻛﻬذا ﺗكون الدواﻋي موجودة ﻋلﻰ‬‫وقول ساق ٌ‬
‫نسب ﻫذا الﻘول إليﻪ ﳑّن ﻫﻢ شديدو اﻻﻋتﻨاء ﺑﻨﻘل أقوالﻪ‪ٌ ،‬‬
‫نﻘلﻪ«)‪.(4‬‬

‫السﻼم ﺑن ﺗيﻤية )ت‪652‬ﻫـ(‪ ،‬واﻷب؛ ﻋبد اﳊليﻢ ﺑن ﺗيﻤية )ت‪682‬ﻫـ(‪ ،‬واﳊفيد؛ أﲪد ﺑن ﺗيﻤية‬
‫)‪ (1‬آل ﺗيﻤية‪ ،‬اﳉ ّد؛ ﳎد ال ّدين ﻋبد ّ‬
‫)ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﺴ ﱠودة ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ّ ،‬‬
‫اﳌﺆسسة السعودية‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1983 ،‬م‪ :‬ص‪.277‬‬
‫)‪ (2‬الشوﻛاﱐ‪ ،‬إرﺷاد الﻔﺤول‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪.276‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬البﻨاﱐ‪ ،‬ﻋبد الرﲪن ﺑن جاد ﷲ اﳌﻐرﰊ )ت‪1198‬ه(‪ ،‬اﳊاﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮح اﳉﻼل اﶈﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﲨع اﳉوامع ﻻﺑن الﺴبﻜﻲ‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪361‬؛ العﻄّار‪ ،‬ﺣسن ﺑن ﳏﻤد الشاﻓعي )ت‪1250‬ﻫـ(‪ ،‬اﳊاﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮح اﳉﻼل اﶈﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﲨع‬
‫اللحام‪ ،‬اﳌﺨتﺼﺮ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪:‬‬
‫اﳉوامع ﻻﺑن الﺴبﻜﻲ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪404‬؛ اﺑن ّ‬
‫ص‪169‬؛ الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬نﺸﺮ البﻨود‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪279‬؛ اﳌﻄيعي‪ ،‬سﻠّﻢ الوﺻول‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ 446‬وﻏﲑﻫا‪.‬‬
‫)‪ (4‬أﺑو زنيد ﻋبد اﳊﻤيد‪ ،‬ﲢقﻴﻖ ﻛتاب الوﺻول إﱃ اﻷﺻول ﻻﺑن ﺑﺮﻫان‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة اﳌعارف‪1404 ،‬ﻫـ‪1984/‬م‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.332‬‬

‫‪116‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫لﺜا‪ :‬اﺑن ﺣﺰم الظاﻫﺮي‪.‬‬


‫ﱂ يتﻨاقل اﻷﺻوليون اﻷقدمون أ ّن اﺑن ﺣﺰم أو الﻈاﻫرية ﳑّن يﻨكرون الﱰجيح‪ ،‬ﺑل لﻘد ذﻛر اﳉويﲏ أ ّ ﻢ‬
‫ﻻ يﻨكرونﻪ‪ ،‬ﻓﻘال‪» :‬ﻻ يُﻨكر الﻘول ﺑﻪ ‪-‬أي لﱰجيح ﻋلﻰ اﳉﻤلة مذﻛور‪ ،‬قبلﻪ مﻨكرو الﻘياس‪ ،‬واستعﻤلوه ﰲ‬
‫الﻈواﻫر واﻷخبار«)‪.(1‬‬
‫وأيﻀا ذﻫب الدﻛتور الﱪزﳒي إﱃ أ ّن الﻈاﻫرية ﻻ ﺗُﻨكر الﱰجيح والعﻤل ﺑﻪ)‪.(2‬‬
‫استﻨتاجا أ ّن الﻈاﻫرية يُﻨكرون الﱰجيح)‪ ،(3‬وذلﻚ من خﻼل‬
‫ً‬ ‫الوﱄ؛ استﻨتﺞ‬
‫ﻏﲑ أ ّن الدﻛتور اﺑن يونﺲ ّ‬
‫استدل ﻋلﻰ ذلﻚ ﺑﻘول اﺑن ﺣﺰم‪» :‬ﺗرجيح اﳊديثﲔ‬ ‫إنكارﻫﻢ للتعارض أﺻﻼً‪ ،‬وﺣيث ﻻ ﺗعارض ﻓﻼ ﺗرجيح‪ ،‬و ّ‬
‫مﻨفي ﲟا ذﻛر من قولﻪ‬‫أﺣدﳘا ﻋلﻰ اﻵخر ﻻ ﳚوز؛ ﻷ ّن اﻻختﻼف ﰲ اﳊديثﲔ طل‪ ،‬والتعارض ﻋﻨﻬﻤا ﱞ‬
‫ﺗعاﱃ‪) :‬ولَو َﻛا َن ِمن ِﻋ ِ‬
‫ﻨد ﻏَ ِْﲑ ا ﱠِ ل ََو َﺟ ُدوا ﻓِ ِﻴﻪ ا ْﺧتِ َﻼﻓًا َﻛﺜِ ًﲑا( ]الﻨساء‪ ،[82 :‬و خباره ﺗعاﱃ أ ّن ﻛﻼم نبيِّﻪ ‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫وﺣي ﻛلﱡﻪ ‪. «...‬‬
‫)‪(4‬‬
‫ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ٌ -‬‬
‫الﻨتﻴﺠﺔ‪:‬‬
‫يﻈﻬر من ﻫذا التحﻘيﻖ ﰲ نسبة الﻘول نكار الﱰجيح إﱃ البﺼري والباقﻼﱐ واﺑن ﺣﺰم؛ أ ّن ﻫذا‬
‫أمر ِّ‬
‫يﻬون من شأنﻪ ﻛثﲑاً‪ ،‬لكن ﲟا‬ ‫ﺻحة نسبتﻪ إﱃ قائليﻪ‪ ،‬وﻫذا ٌ‬
‫اﳌذﻫب ﻻ يﻘوم ﻋلﻰ ساق اﺑتداءً من ﺣيث ّ‬
‫ﻛل ﺣال‪،‬‬
‫أ ّن اﳊكاية ذُﻛرت ﰲ ﻛتب اﻷﺻول؛ ﻓﻼ دخان ﺑﻼ ر ﻛﻤا يُﻘال‪ ،‬وﻋليﻪ ﻻ ﺑ ّد من مﻨاقشتﻬا ﻋلﻰ ّ‬
‫وﺗبيﲔ اﳌوقﻒ الﺼحيح الذي ﻻ شوب ﻓيﻪ ﰲ ﻫذا الباب‪ ،‬وﷲ اﳌستعان‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜاﱐ‪ :‬اﻷدلّﺔ ومﻨاﻗﺸتﻬا)‪.(5‬‬
‫الﻔﺮع اﻷول‪ :‬أدلّﺔ اﳌﻨﻜﺮين‪.‬‬
‫ﺼا ِر( ]اﳊشر‪.[2 :‬‬
‫ْاﻷَﺑْ َ‬ ‫‪ -1‬قول ﷲ ﺗعاﱃ‪) :‬ﻓَا ْﻋتَِﱪُوا َ أ ِ‬
‫ُوﱄ‬

‫)‪ (1‬اﳉويﲏ‪ ،‬الﱪﻫان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.1143‬‬


‫)‪ (2‬الﱪزﳒي‪ ،‬التﻌارض والﱰﺟﻴح‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.227‬‬
‫الوﱄ‪ ،‬ﺿواﺑﻂ الﱰﺟﻴح ﻋﻨد وﻗوع التﻌارض لدى اﻷﺻولﻴﲔ‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة أﺿواء السلﻒ‪ ،‬الر ض‪1425 ،‬ﻫـ‪2004/‬م‪:‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬اﺑن يونﺲ‪ّ ،‬‬
‫ص‪.199-198‬‬
‫ﻋلي ﺑن أﲪد )ت‪456‬ه(‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﻵﻓاق اﳉديدة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1980 ،‬م‪ :‬ج‪،2‬‬
‫ﳏﻤد ّ‬
‫)‪ (4‬اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫ص‪.41-40‬‬
‫)‪ (5‬انﻈر‪ :‬اﺑن يونﺲ‪ ،‬ﺿواﺑﻂ الﱰﺟﻴح‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪199‬؛ اﳊفﻨاوي‪ ،‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ ﳏﻤد‪ ،‬التﻌارض والﱰﺟﻴح ﻋﻨد اﻷﺻولﻴﲔ وأثﺮﳘا‬
‫ﰲ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الوﻓاء‪ ،‬اﳌﻨﺼورة‪1408 ،‬ﻫـ‪1987/‬م‪ :‬ص‪294‬؛ ﺑدارن‪ ،‬أﺑو العيﻨﲔ ﺑدران )ت‪1984‬م(‪ ،‬أدلﺔ التﺸﺮيع‬
‫اﳌتﻌارﺿﺔ ووﺟوﻩ الﱰﺟﻴح ﺑﻴﻨﻬا‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﺆسسة شباب اﳉامعة‪1985 ،‬م‪ :‬ص‪.65‬‬

‫‪117‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫قالوا‪ :‬أمر ﷲ ﺗعاﱃ ﲟﻄلﻖ اﻻﻋتبار من ﻏﲑ ﺗﻘييد‪ ،‬والعﻤل ﳌرجوح نوع من اﻻﻋتبار؛ ﻓﻼ ي ﻋن‬
‫الراجح‪.‬‬
‫ﺗرﻛﻪ ﻷجل ّ‬
‫يتوﱃ السرائر()‪.(1‬‬
‫‪ -2‬قول الﻨﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪) :-‬أمرت أن أﺣكﻢ لﻈاﻫر وﷲ ّ‬
‫قالوا‪ :‬الدليل اﳌرجوح ﻇاﻫر؛ ﻓالعﻤل ﺑﻪ جائﺰ‪.‬‬
‫‪ -3‬ﻷ ّن الدليلﲔ إذا ﺗعارﺿا‪ِ ،‬‬
‫ض‬
‫معار ٌ‬
‫مﻘدار ﻫو َ‬
‫ﻛل واﺣد مﻨﻬﻤا ٌ‬ ‫ور ّجح أﺣدﳘا ﻋلﻰ اﻵخر؛ ﻓفي ِّ‬
‫ُ‬
‫وﳎرد الرجحان ليﺲ ﺑدليل‪ ،‬وما ليﺲ ﺑدليل ﻻ ﳚوز اﻻﻋتﻤاد‬
‫ﳎرد الرجحان‪ّ ،‬‬
‫ﲟثلﻪ‪ ،‬ﻓسﻘﻂ اﳌثﻼن‪ ،‬ويبﻘﻰ ّ‬
‫ﻋليﻪ‪.‬‬
‫ﻇن لو انفرد ﺑﻨفسﻪ لوجب اﺗِّباﻋﻪ‪ ،‬ﻓالواجب إذا ﻫو التﺨيﲑ‬
‫ﻛل ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ﺗرجحون أﺣد الﻈﻨﲔ‪ ،‬و ّ‬
‫‪ -4‬ﻛيﻒ ّ‬
‫أو الوقﻒ‪.‬‬
‫الكل من ﻋﻨد ﷲ‪ ،‬وﲨيﻊ اﻷدلة‬
‫‪ -5‬ليﺲ ﻫﻨاك آيةٌ أوﱃ من آية‪ ،‬وﻻ ﺣديث أوﱃ من ﺣديث‪ ،‬ﺑل ّ‬
‫سواء ﰲ ب وجوب الﻄاﻋة واﻻمتثال‪.‬‬

‫‪ -6‬اﻷمارات الﻈﻨية ﻻ ﺗﺰيد ﻋلﻰ البيِّﻨات اﳌتعارﺿة‪ ،‬والﱰجيح ﰲ البيِّﻨات ﻏﲑ معتﱪ؛ ّ‬


‫ﺣﱴ إنّﻪ ﻻ ﺗُﻘ ّدم‬
‫شﻬادة اﻷرﺑعة ﻋلﻰ شﻬادة اﻻثﻨﲔ‪ ،‬وما دام اﻷمر ﻫكذا ﻓكذلﻚ اﻷمارات ﻻ ﺗرجيح ﺑيﻨﻬا‪.‬‬
‫الﻔﺮع الﺜاﱐ‪ :‬اﳌﻨاﻗﺸﺔ‪.‬‬
‫اﻷول‪:‬‬
‫الدلﻴل ّ‬
‫الﻈﲏ‪ ،‬ﻓإ ّن إﳚاب أﺣد اﻷمرين‬
‫قال اﳌﻨاقشون‪ :‬اﻷمر ﻻﻋتبار ﻻ يﻨاﰲ الﻘول ﺑوجوب العﻤل ّلراجح ّ‬
‫ﻻ يﻨاﰲ وجوب اﻵخر‪.‬‬
‫الدلﻴل الﺜاﱐ‪:‬‬
‫أﺻل إﱃ الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ ،-‬ﻫذا من جﻬة‪.‬‬
‫نوقﺶ ّن اﳋﱪ اﳌذﻛور ليﺲ لﻪ ٌ‬
‫الﺼﻼة والسﻼم‪:‬‬
‫الﺼحيحة‪ ،‬ﻛﻘولﻪ ﻋليﻪ ّ‬
‫ومن جﻬة أخرى لو ﻓرﺿﻨا ثبوﺗﻪ‪ ،‬أو يﱡده ﺑبعﺾ اﻷخبار ّ‬
‫)ﻓأقﻀي ﻋلﻰ ﳓو ما أﲰﻊ()‪ ،(2‬ﻓالﻈاﻫر اﳌﻘﺼود ﻓيﻪ ﻫو الذي ﺗر ﱠجح أﺣد طرﻓيﻪ ﻋلﻰ اﻵخر‪ ،‬وﺑﻨاءً ﻋليﻪ ﻓإ ّن‬
‫الراجح‪.‬‬
‫اﳌرجوح ﻻ يُعتﱪ ﻇاﻫراً مﻊ وجود ّ‬
‫)‪ (1‬الشاﻓعي‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إدريﺲ اﳌﻄّلﱯ الﻘرشي اﳌ ّكي )ت‪204‬ﻫـ(‪ ،‬مﺴﻨد الﺸاﻓﻌﻲ‪) ،‬رﺗّبﻪ‪ :‬ﳏﻤد ﻋاﺑد السﻨدي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1370 ،‬ﻫـ‪1951/‬م‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.8 :‬‬
‫)‪ (2‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﲰاﻋيل )ت‪256‬ه(‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد زﻫﲑ ﺑن ﺻر الﻨاﺻر‪ ،‬ﺗرقيﻢ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد‬
‫)مﺼورة ﻋن السلﻄانية(‪1422 ،‬ﻫـ‪ ،‬ﻛتاب اﻷﺣكام‪ ،‬ب موﻋﻈة اﻹمام للﺨﺼوم‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.7168 :‬‬
‫ﻋبد الباقي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طوق الﻨﺠاة ّ‬

‫‪118‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫الدلﻴل الﺜالﺚ‪:‬‬
‫الرجحان‪ ،‬وإّﳕا‬
‫الرجحان ﺗسﻘﻂ ﲟﻘاﺑلﻬا إذا ﻋﻀدﻫا ّ‬ ‫نوقﺶ نّﻪ ﻻ يُسلﱠﻢ ّن ّ‬
‫اﳊﺼة اﳌتساوية ﰲ جﻬة ّ‬
‫يُسلّﻢ السﻘوط مﻊ اﳌساواة‪ ،‬وﻫذا ﻛﻤا يﻘﻀﻰ ﻋدل البيِّﻨتﲔ‪ ،‬إذ ليﺲ معﻨاه أنّﻪ يُﻘﻀﻰ ﲟﺰيد العدالة دون‬
‫الراجحة ﻻ ﺑرجحا ا مﻊ قﻄﻊ الﻨّﻈر ﻋﻨﻬا‪ ،‬ﻓكذلﻚ‬ ‫ِ‬
‫أﺻلﻬا‪ ،‬ﺑل ﺻل العدالة مﻊ الﱡرجحان‪ ،‬ﻓيُﻘﻀﻰ لبيّﻨة ّ‬
‫ﻫﻬﻨا‪.‬‬
‫الﺮاﺑع‪:‬‬
‫الدلﻴل ّ‬
‫دل ﻋلﻰ خﻼﻓﻪ؛‬
‫نُوقﺶ نّﻪ ﻛان ﳚوز ورود التعبّد لتسوية ﺑﲔ الﻈﻨّﲔ وإن ﺗفاو ‪ ،‬لكن إﲨاع ال ﱠسلﻒ ّ‬
‫ﻓلﻘد ُﻋلﻢ من ال ﱠسلﻒ ﺗﻘدﳝﻬﻢ ﺑعﺾ اﻷخبار ﻋلﻰ ﺑعﺾ ﻛﻤا سيأﰐ ﺑيانﻪ ﲝول ﷲ‪.‬‬
‫الدلﻴل اﳋامﺲ‪:‬‬
‫نُوقﺶ ّن ﺗﻘدﱘ آية ﻋلﻰ آية‪ ،‬أو ﺣديث ﻋلﻰ ﺣديث ليﺲ أمراً اﻋتباطياً أو جﺰاﻓياً ﻻ مستﻨد لﻪ‪،‬‬
‫ﻓاﳌرجح ﻫو الذي يعﻄي ﻫذه اﻷولوية ﰲ العﻤل ذه اﻵية دون ﺗلﻚ‪ ،‬وﻫذا اﳊديث دون ذاك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫الدلﻴل الﺴادس‪:‬‬
‫نوقﺶ من ﻋ ّدة وجوه‪:‬‬
‫ﺗرجح ﺑيِّﻨة ﻋلﻰ ﺑيِّﻨة ليﺲ ﻋلﻰ إطﻼقﻪ‪ ،‬ﺑل قد يُعتﱪ ذلﻚ ﰲ الشﻬادة‪ ،‬وقد ذﻛر اﳉويﲏ أ ّن‬
‫‪ -1‬ﻋدم ّ‬
‫رجح ﺑعﺾ البيِّﻨات ﻋلﻰ ﺑعﺾ‪ ،‬ﻓﻘد قال‪» :‬ﻓإ ّن ﰲ العلﻤاء من يرى ﺗرجيح البيِّﻨة ﻋلﻰ‬ ‫ِ‬
‫ﺑعﺾ أﻫل العلﻢ يُ ّ‬
‫السلﻒ«)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫البيّﻨة‪ ،‬وﻫو مالﻚ ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪ ،-‬وطوائﻒ من ﻋلﻤاء ّ‬
‫يﺼح قياس ﻋدم الﱰجيح ﰲ اﻷخبار ﻋلﻰ ﻋدم الﱰجيح ﰲ ب الشﻬادة‪ ،‬ﻷ ّن الشﻬادة يُعتﱪ‬ ‫‪ -2‬ﻻ ّ‬
‫ﺗﱰجح‬
‫ﺻحتﻬا ﻓإّ ا ّ‬ ‫ﻓيﻬا اللفظ والعدد واﳊرية‪ ،‬وﻻ ﺗفتﻘر إﱃ معﲎ آخر‪ّ ،‬أما اﻷخبار ﻓكل ما يُ ِّ‬
‫ﻘوي ﰲ الﻨّفﺲ ّ‬ ‫ّ‬
‫ﺑﻪ‪.‬‬
‫مبﲏ ﻋلﻰ التعبّد؛ إذ ﻻ ﺗُﻘبل شﻬادة مائة امرأة‪ ،‬وﻻ مائة ﻋبد ﻋلﻰ قة ﺑﻘل‪ ،‬وليﺲ‬
‫‪ -3‬ب الشﻬادة ﱞ‬
‫ﻛذلﻚ اﻷخبار‪.‬‬
‫‪ -4‬أﲨﻊ الﺼحاﺑة ﻋلﻰ التفريﻖ ﺑﲔ ب الشﻬادة‪ ،‬و ب اﻷخبار‪ ،‬وقد أُلﻒ مﻨﻬﻢ الﱰجيح ﰲ الثاﱐ‬
‫دون اﻷول‪.‬‬

‫)‪ (1‬اﳉويﲏ‪ ،‬الﱪﻫان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.1143‬‬

‫‪119‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫لﻈن‪ ،‬وﻫذه ﻫي ردود العلﻤاء ومﻨاقشا ﻢ ﻋلﻰ ذلﻚ‪،‬‬‫استدل ﺑﻪ من أنكر الﱰجيح ّ‬


‫ّ‬ ‫ﻫذا ﺣاﺻل ما‬
‫ﲤاما ﻛﻤا ﺗرى‪ ،‬وُﳝكن أن نﺰيد من ِّ‬
‫الشعر أﺑيا ‪ ،‬ونُﻀيﻒ ردوداً أخرى ﻋلﻰ ﻫذه الﻨﻈرة‬ ‫وﻫي قاﺿيةٌ ﻋليﻬا ً‬
‫الفاسدة‪ ،‬وﻫي)‪:(1‬‬
‫اﳌرجح الﻘﻄعي للعﻤل لﱰجيح؛ ُﳜرج اﳌسألة ﻋن ﺣﻘيﻘة الﱰجيح‪ ،‬ﻷ ّن الﱰجيح ﰲ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬اشﱰاط ّ‬
‫ِ‬
‫اﳌرجح قﻄعياً؛‬
‫اﻻﺻﻄﻼح إّﳕا يﻨحﺼر جر نﻪ ﺑﲔ الدليلﲔ الﻈﻨيﲔ ﻛﻤا ذﻛر ﰲ مبحث التعريﻒ‪ّ ،‬أما إذا ﻛان ّ‬
‫ﻓﻼ وجود أﺻﻼً للتعارض‪ ،‬و لتاﱄ ﻻ وجود للﱰجيح‪ ،‬ﻷ ّن الﱰجيح ﺗبيﻊ التعارض وﻻزمﻪ‪.‬‬
‫ِ‬
‫مرجح‪ ،‬ﻓكيﻒ نﱰك‬ ‫ِ‬
‫ﺗرجيح ﺑﻼ ّ‬
‫ٌ‬ ‫اﳌرجح الﻘﻄعي؛ ﻫو ﰲ ﺣﻘيﻘتﻪ ومﺂلﻪ‬
‫‪ -‬الﻘول لتﺨيﲑ ﻋﻨد ﻋدم ّ‬
‫التﺨﲑ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مرجح‪ ،‬وإّﳕا ﺑﻨاءً ﻋلﻰ ّ‬
‫ونرجح اﻋتباطًا وجﺰاﻓًا ﺑﻼ ّ‬
‫الﱰجيح لدليل الﻈﲏ وﻫو معتﱪ ﰲ ﻋرف العﻘﻼء‪ّ ،‬‬
‫اﻷقل ﻓيﻪ ﻋﻤل ﺣد‬
‫التﺨﲑ ﻋلﻰ ّ‬‫لتﺨﲑ‪ ،‬ﻋتبار أ ّن ﱡ‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ -‬أما الﻘول لتوقّﻒ؛ ﻓﻬو أسوأ من الﻘول‬
‫وﺗعﻄيل لﻸدلّة ﲨيعاً‪ ،‬ﻓتكون الﻘﻀية ﻛأ ّ ا ﻋارية ﻋن الدليل‪ ،‬و لتاﱄ قد‬
‫ٌ‬ ‫إﳘال‬
‫الدليلﲔ‪ّ ،‬أما التوقﻒ ﻓﻬو ٌ‬
‫التﺨﲑ ومن الﱰجيح‪.‬‬
‫يُعﻤل ﻓيﻬا ﲟحﺾ العﻘل البشري من ﻏﲑ استﻨاد إﱃ ﺗوجيﻪ شرﻋي‪ ،‬وﻫذا أدﻫﻰ من ّ‬
‫ﺑﻐﺾ الﻨﻈر ﻋن ﻫذه الردود ﻫو أدلّةٌ قويّةٌ وﺣاﲰةٌ ﰲ‬
‫لﻈن‪ّ ،‬‬
‫اﳌعول ﻋليﻪ ﰲ إثبات الﱰجيح ّ‬
‫ﻫذا و ّ‬
‫نتبﲔ أمرﻫا ﰲ الفرع اﻵﰐ ﲝول ﷲ‪.‬‬
‫الباب‪ ،‬ﱠ‬
‫لظن‪.‬‬
‫الﻔﺮع الﺜالﺚ‪ :‬أدلّﺔ اﳌﺜبتﲔ لﻠﱰﺟﻴح ّ‬
‫أوﻻً‪ :‬اﻷدلﺔ من القﺮآن)‪.(2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْﰒٌ ۖ( ]سورة اﳊﺠرات‪:‬‬ ‫اﺟتَﻨِبُوا َﻛﺜِ ًﲑا ّم َن الظﱠ ِّن إِ ﱠن ﺑَـ ْﻌ َ‬
‫ﺾ الظﱠ ِّن‬ ‫آمﻨُوا ْ‬ ‫‪ -1‬قول ﷲ ﺗعاﱃ‪ َ ) :‬أَيﱡـ َﻬا الﱠﺬ َ‬
‫ين َ‬
‫‪.[12‬‬

‫الﻈن‪ ،‬ودلﱠت ﲟفﻬومﻬا ﻋلﻰ أ ّن ﺑعﺾ ّ‬


‫الﻈن ليﺲ‬ ‫ﻫذه اﻵية دلﱠت ﲟﻨﻄوقﻬا ﻋلﻰ وجوب اجتﻨاب ﺑعﺾ ّ‬
‫الﻈن ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣيان‪.‬‬
‫ﰒ‪ ،‬وليﺲ مﻄلو ً اجتﻨاﺑﻪ‪ ،‬وﻫذا يعﲏ مشروﻋية اﺗباع ّ‬
‫ور‬ ‫ِ‬
‫َﺻﻠَ َح ﺑَـ ْﻴـﻨَـ ُﻬ ْﻢ ﻓَ َﻼ إِ ْﰒَ َﻋﻠَْﻴﻪ ۚ إِ ﱠن ا ﱠَ ﻏَ ُﻔ ٌ‬ ‫اف ِمن ﱡم ٍ‬
‫وص َﺟﻨَـ ًﻔا أ َْو إِ ْﲦًا ﻓَﺄ ْ‬ ‫‪ -2‬قول ﷲ ﺗعاﱃ‪) :‬ﻓَ َم ْن َﺧ َ‬
‫ﻴﻢ( ]البﻘرة‪.[182 :‬‬ ‫ِ‬
‫ﱠرﺣ ٌ‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬الريسوﱐ‪ ،‬أﲪد‪ ،‬نظﺮيﺔ التقﺮيﺐ والتﻐﻠﻴﺐ وﺗﻄبﻴقا ا ﰲ الﻌﻠوم اﻹسﻼمﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكلﻤة‪1418 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪ :‬ص‪.145‬‬
‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬نفﺲ اﳌرجﻊ‪ :‬ص‪.153‬‬

‫‪120‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫دلﱠت اﻵية أ ّن من ﺗوقﱠﻊ وﻏلب ﻋلﻰ ﻇﻨِّﻪ أ ّن موﺻياً ِ‬


‫مﻘد ٌم ﻋلﻰ ﻇلﻢ ورثتﻪ ﺑوﺻية ﺿرار؛ ﻓيﺠب أن‬
‫لﻈن؛‬
‫يبادر إﱃ إﺻﻼح ﻫذا الفساد‪ ،‬ومﻨﻊ وقوع ﻫذا الﻈلﻢ‪ ،‬قال الﻘرطﱯ‪» :‬ﰲ ﻫذه اﻵية دليل ﻋلﻰ اﳊكﻢ ّ‬
‫ﻇن قﺼد الفساد؛ وجب السعي ﰲ اﻹﺻﻼح‪ ،‬وإذا ﲢ ّﻘﻖ الفساد ﱂ يكن ﺻلحاً‪ ،‬إ ّﳕا يكون ﺣكﻤاً‬ ‫ﻷنّﻪ إذا ّ‬
‫ل ّدﻓﻊ وإﺑﻄاﻻ للفساد وﺣسﻤاً لﻪ«)‪.(1‬‬
‫وﳍذه اﻵية نﻈائر ﲨّة ﰲ الﻘرآن الكرﱘ من مثل قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وإِ ْن ِﺧ ْﻔتُ ْﻢ ِﺷ َقا َق ﺑَـْﻴﻨِ ِﻬ َما ﻓَاﺑْـ َﻌﺜُوا َﺣ َﻜ ًما‬
‫ِّم ْن أَ ْﻫﻠِ ِﻪ َو َﺣ َﻜ ًما ِّم ْن أَ ْﻫﻠِ َﻬا( ]الﻨساء‪.[35 :‬‬
‫اح ﻓَِﺈ ْن آنَ ْﺴتُﻢ ِّمْﻨـ ُﻬ ْﻢ ُر ْﺷ ًدا ﻓَا ْدﻓَـ ُﻌوا إِلَْﻴ ِﻬ ْﻢ أ َْم َوا َﳍُ ْﻢ ۖ(‬ ‫ِ‬
‫ﱴ إِذَا ﺑَـﻠَﻐُوا الﻨّ َﻜ َ‬‫وقولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬واﺑْـتَـﻠُوا الْﻴَـتَ َام ٰﻰ َﺣ ﱠ ٰ‬
‫]الﻨساء‪.[6 :‬‬
‫الرشد ﻛلﱡﻪ مبﲏ ﻋلﻰ ﻏلبة الﻈن‪ ،‬وليﺲ ﻋلﻰ التح ّﻘﻖ‪.‬‬
‫ﻓﺨوف الشﻘاق‪ ،‬وإيﻨاس ّ‬
‫قال اﺑن ﻋبد السﻼم ﺑعد إيراده ﳓواً من ﻫذه الﻨﺼوص‪» :‬أمر ال ّشرع ﺗّباع ﻇﻨون مستفادة من أمارات‬
‫ﺗفيدﻫا؛ ﳌا ﰲ ذلﻚ من ﲢﺼيل اﳌﺼاﱀ اﳌﻈﻨونة‪.(2)«...‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ﺴ ُن ۚ( ]اﻹسراء‪.[53 :‬‬ ‫‪ -3‬قولﻪ ﺗعاﱃ‪َ ) :‬وﻗُل لّﻌبَادي يَـ ُقولُوا الﱠِﱵ ﻫ َﻲ أ ْ‬
‫َﺣ َ‬
‫ِ‬
‫ﺴ ُن( ]اﳌﺆمﻨون‪.[96 :‬‬ ‫وقولﻪ‪) :‬ا ْدﻓَ ْع ِ لﱠِﱵ ﻫ َﻲ أ ْ‬
‫َﺣ َ‬
‫ﺴ ُن َﻋ َم ًﻼ( ]الكﻬﻒ‪.[7 :‬‬ ‫ِ‬
‫َﺣ َ‬
‫وقولﻪ‪) :‬لﻨَـ ْبـﻠُ َو ُﻫ ْﻢ أَيﱡـ ُﻬ ْﻢ أ ْ‬
‫اﻫ ُﻢ ا ﱠُ ۖ َوأُوٰلَﺌِ َ‬
‫ﻚ‬ ‫ين َﻫ َد ُ‬ ‫اد الﱠ ِﺬين يﺴتَ ِمﻌو َن الْ َقو َل ﻓَـﻴـتﱠبِﻌو َن أَﺣﺴﻨَﻪُ ۚ أُوٰلَﺌِ َ ِ‬
‫ﻚ الﱠﺬ َ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ﺸﺮ ِﻋب ِ‬ ‫ِ‬
‫وقولﻪ‪) :‬ﻓَـبَ ّ ْ َ‬
‫اب( ]الﺰمر‪.[18-17 :‬‬ ‫ُﻫ ْﻢ أُولُو ْاﻷَلْبَ ِ‬

‫شﻚ‬
‫ﻓﻬذه اﻵ ت ﺗفيد أنّﻨا مﻄالبون أن نفعل أﺣسن ما ﳝكن ﻓعلﻪ‪ ،‬ونﻘول أﺣسن ما ﳝكن قولﻪ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫أ ّن العﻤل لراجح الﻈﲏ ﰲ مﻘاﺑلة اﳌرجوح ﻫو ﻋﻤل ﻷﺣسن‪ ،‬وقول ﻷﺣسن‪.‬‬
‫ﺴﻨَﻪُ ۚ(‪» :‬ومﻨﻪ الﻨّﻈر واﻻستدﻻل ﰲ شرائﻊ‬ ‫قال العﻼّمة ﺑن ﻋاشور ﰲ ﺗفسﲑ قولﻪ ﺗعاﱃ‪) :‬ﻓَـﻴَـتﱠبِ ُﻌو َن أ ْ‬
‫َﺣ َ‬
‫التﻬﻤﻢ ﺑرﻋاية مﻘاﺻده ﰲ شرائﻊ العبادات‬
‫اﻹسﻼم‪ ،‬وإدراك دﻻئل ذلﻚ‪ ،‬والفﻘﻪ ﰲ ذلﻚ والفﻬﻢ ﻓيﻪ‪ ،‬و ّ‬
‫واﳌعامﻼت‪ ،‬وﳑّا يتبﻊ ذلﻚ‪ :‬انتﻘاء أﺣسن اﻷدلّة‪ ،‬وأﺑلﻎ اﻷقوال اﳌوﺻلة إﱃ ﻫذا اﳌﻘﺼود‪ ،‬ﺑدون اختﻼل وﻻ‬
‫اﻋتﻼل ‪.(3)«...‬‬

‫)‪ (1‬الﻘرطﱯ‪ ،‬اﳉامع ﻷﺣﻜام القﺮآن‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.271‬‬


‫)‪ (2‬اﺑن ﻋبد السﻼم‪ ،‬ﺷﺠﺮة اﻷﺣوال واﳌﻌارف‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪.89‬‬
‫)‪ (3‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬التﺤﺮيﺮ والتﻨويﺮ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،23‬ص‪.367‬‬

‫‪121‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫نﻴاً‪ :‬اﻷدلﺔ من الﺴﻨّﺔ‪.‬‬


‫أقتﺼر ﻋلﻰ نﺰٍر ٍ‬
‫قليل مﻨﻬا من ب اﻻختﺼار‪ ،‬إذ ﻫي ﻛثﲑةٌ يﻄول ﺣﺼرﻫا‪.‬‬
‫‪ -1‬قول الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬س ِّددوا وﻗارﺑوا وأﺑﺸﺮوا ‪.(1)« ...‬‬
‫السداد واﻋﻤلوا ﺑﻪ‪ ،‬وإن ﻋﺠﺰﰎ ﻓﻘارﺑوه‪ ،‬أي‪ :‬اقرﺑوا مﻨﻪ«)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫قال الﻨووي‪» :‬ومعﲎ س ّددوا وقارﺑوا‪ :‬اطلبوا ّ‬
‫الﻈﲏ ﻫو من ب اﳌﻘارﺑة اﳌأمور ا ﰲ ﻫذا اﳊديث‪.‬‬
‫شﻚ أيﻀا أ ّن العﻤل ّلراجح ّ‬
‫وﻻ ّ‬
‫‪ -2‬قولﻪ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪» :-‬إذا ﺣﻜﻢ اﳊاﻛﻢ ﻓاﺟتﻬد ﰒ أﺻاب ﻓﻠﻪ أﺟﺮان‪ ،‬وإذا ﺣﻜﻢ‬
‫ﻓاﺟتﻬد ﻓﺄﺧﻄﺄ ﻓﻠﻪ أﺟﺮ« )‪.(3‬‬
‫ﺣﱴ مﻊ إمكان اﳋﻄأ‪ ،‬وﻫذا ﻫو اﻻجتﻬاد‬
‫مشروﻋا ّ‬
‫ً‬ ‫ووجﻪ اﻻستدﻻل من اﳊديث أنّﻪ جعل اﻻجتﻬاد‬
‫أﺻل ﰲ اﻻجتﻬاد الﻈﲏ‪ ،‬والﱰجيح من ﺻﻤيﻢ ﻋﻤل ا تﻬد‪.‬‬
‫الﻈﲏ‪ ،‬ﻷ ّن الﻘﻄعي ﻻ ﳛتﻤل اﳋﻄأ‪ ،‬ﻓاﳊديث ٌ‬
‫‪ -3‬قولﻪ ﻋليﻪ الﺼﻼة والسﻼم‪» :‬ﻋﻠﻴﻜﻢ لﺴواد اﻷﻋظﻢ« )‪.(4‬‬

‫الﻈن ﺑكون ِّ‬


‫اﳊﻖ معﻬﻢ‪ ،‬ﻷ ّن رأي‬ ‫شﻚ أ ّن مبﲎ ذلﻚ ﻫو ﻏلبة ّ‬
‫أمر ﺗباع اﻷﻏلبية واﻷﻛثرية‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫وﻫو ٌ‬
‫اﳊﺠة إّﳕا‬
‫ﺣﺠة‪ ،‬وﳓن ﻻ نتي ّﻘن من أ ّ ﻢ ﻋلﻰ ﺻواب‪ ،‬لكن يﻐلب ﻋلﻰ ﻇﻨّﻨا‪ ،‬ﻓاﳌعروف أ ّن ّ‬
‫اﻷﻏلبية ليﺲ ّ‬
‫لﻈن‪ ،‬والﱰجيح من ﲨلة ذلﻚ‪.‬‬
‫يدل ﻋلﻰ العﻤل ّ‬
‫ﻫي ﰲ اﻹﲨاع‪ ،‬ﻻ ﰲ رأي اﻷﻛثر‪ ،‬وﻫذا ّ‬
‫وﻏﲑ ﻫذه اﻷدلّة من السﻨة ﻛثﲑ‪ ،‬وقد أﻓاض الدﻛتور الريسوﱐ ﰲ ﺑيا ا ﰲ ﻛتاﺑﻪ اﳌعروف »نﻈرية‬
‫لﻈن‪.‬‬
‫مﻬﻢ ﰲ اﻻستدﻻل ﳌوﺿوع العﻤل ّ‬ ‫التﻘريب والتﻐليب«‪ ،‬ﻓﻬو مرجﻊ ّ‬
‫لﺜا‪ :‬اﻹﲨاع‪.‬‬
‫لﻈن‪ ،‬وﻋلﻰ ﺗﻘدﱘ ﺑعﺾ اﻷخبار ﻋلﻰ ﺑعﺾ ولو ﻋلﻰ‬
‫اﳌﻘﺼود ﻹﲨاع إﲨاع الﺼحاﺑة ﻋلﻰ العﻤل ّ‬
‫لﻈن‪ ،‬ﺑل اﻋتﱪه‬
‫يتﻤسﻚ ﺑﻪ الﻘائلون لﱰجيح ّ‬
‫الﻈن‪ ،‬وإﲨاع الﺼحاﺑة ﻋلﻰ ﻫذه اﳌسألة ﻫو أقوى دليل ّ‬
‫جﻬة ّ‬
‫اﻷولﲔ ومن ﺗبعﻬﻢ ﻋلﻰ ﺗرجيح‬
‫قاطعا ﰲ الباب‪ ،‬ﻓﻘال‪» :‬والدليل الﻘاطﻊ ﰲ الﱰجيح‪ :‬إطباق ّ‬
‫اﳉويﲏ دليﻼً ً‬

‫)‪ (1‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب الرقاق‪ ،‬ب الﻘﺼد واﳌداومة ﻋلﻰ العﻤل‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.6467 :‬‬
‫)‪ (2‬الﻨووي‪ ،‬شرف ال ّدين أﺑو زﻛر ﳛﲕ ﺑن شرف )ت‪676‬ه(‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ :‬ج‪ ،17‬ص‪.162‬‬
‫)‪ (3‬أخرجﻪ البﺨاري‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﻻﻋتﺼام لكتاب والسﻨة‪ ،‬ب أجر اﳊاﻛﻢ إذا اجتﻬد ﻓأﺻاب أو أخﻄأ‪ ،‬ﺣديث‬
‫رقﻢ‪.7352 :‬‬
‫)‪ (4‬اﺑن ماجة‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن يﺰيد الﻘﺰويﲏ )ت‪273‬ﻫـ(‪ ،‬سﻨن اﺑن ماﺟﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الكتب‬
‫العرﺑية‪-‬ﻓيﺼل ﻋيسﻰ الباﰊ اﳊلﱯ‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ﻛتاب الفﱳ‪ ،‬ب السواد اﻷﻋﻈﻢ‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.3950 :‬‬

‫‪122‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫اﻷولون قبل اختﻼف اﻵراء‪ ،‬وﻛانوا ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻢ‪-‬‬


‫مسلﻚ ﰲ اﻻجتﻬاد ﻋلﻰ مسلﻚ‪ ،‬ﻫذا ما درج ﻋليﻪ ّ‬
‫إذا جلسوا ي ْشتَ ِوُرون ﺗعلّﻖ معﻈﻢ ﻛﻼمﻬﻢ ﰲ وجوه الﱰجيح ّلرأي‪ ،‬وما ﻛانوا يشتﻐلون ﻻﻋﱰاﺿات والﻘوادح‬
‫وﺗوجيﻪ الﻨﱡﻘوض‪ ،‬وﻫذا أُثبت ﺑتواﺗر الﻨﻘل ﰲ اﻷخبار والﻈواﻫر وﲨيﻊ مسالﻚ اﻷﺣكام‪ ،‬ﻓوﺿح أ ّن الﱰجيح‬
‫مﻘﻄوع ﺑﻪ«)‪.(1‬‬
‫مر‪ ،‬والباجي)‪ ،(2‬واﻵمدي)‪،(3‬‬
‫نص ﻋلﻰ ﻫذا اﻹﲨاع ﻏﲑ واﺣد من اﻷﺻوليﲔ‪ ،‬مﻨﻬﻢ اﳉويﲏ ﻛﻤا ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫والبيﻀاوي)‪ ،(4‬وﻋبد العﺰيﺰ البﺨاري)‪ ،(5‬والشﻨﻘيﻄي)‪ ،(6‬وﻏﲑﻫﻢ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلﻚ)‪:(7‬‬
‫‪ -‬ﺗرجيحﻬﻢ خﱪ ﻋائشة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬا‪ -‬ﰲ الﻐسل من التﻘاء اﳋتانﲔ)‪ ،(8‬ﻋلﻰ خﱪ أﰊ سعيد‬
‫اﳋدري‪) :‬إّﳕا اﳌاء من اﳌاء()‪.(9‬‬
‫‪ -‬ﺗرجيحﻬﻢ خﱪ ﻋائشة وأم سلﻤة ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻬﻤا‪ -‬ﰲ ﺻيام الﻨّﱯ ‪-‬ﺻلّﻰ ﷲ ﻋليﻪ وسلّﻢ‪ -‬إذا‬
‫أﺻبح جﻨبا)‪ ،(10‬ﻋلﻰ خﱪ أﰊ ﻫريرة )من أﺻبح جﻨباً ﻓﻼ ﺻوم لﻪ()‪.(11‬‬
‫وقوى أﺑو ﺑكر خﱪ اﳌﻐﲑة ﰲ مﲑاث اﳉ ّدة ﲟواﻓﻘة ﳏﻤد ﺑن مسلﻤة)‪.(12‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫وقوى ﻋﻤر خﱪ أﰊ موسﻰ ﰲ اﻻستئذان ﲟواﻓﻘة أﰊ سعيد اﳋدري)‪.(13‬‬
‫‪ّ -‬‬

‫)‪ (1‬اﳉويﲏ‪ ،‬الﱪﻫان‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.1143-1142‬‬


‫)‪ (2‬انﻈر‪ :‬الباجي‪ ،‬أﺑو الوليد سليﻤان ﺑن خلﻒ )ت‪474‬ه(‪ ،‬إﺣﻜام الﻔﺼول ﰲ أﺣﻜام اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ا يد ﺗرﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1986 ،‬م‪ :‬ص‪.733‬‬
‫)‪ (3‬انﻈر‪ :‬اﻵمدي‪ ،‬اﻹﺣﻜام‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.321‬‬
‫)‪ (4‬انﻈر‪ :‬البيﻀاوي‪ ،‬مﻨﻬاج اﻷﺻول مع ﺷﺮﺣﻪ ايﺔ الﺴول‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪.446/4 :‬‬
‫)‪ (5‬انﻈر‪ :‬البﺨاري‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﻷسﺮار‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.76‬‬
‫)‪ (6‬الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬نﺸﺮ البﻨود‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.279‬‬
‫)‪ (7‬انﻈر‪ :‬اﳊفﻨاوي‪ ،‬التﻌارض والﱰﺟﻴح‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪ ،291‬اﺑن يونﺲ‪ ،‬ﺿواﺑﻂ الﱰﺟﻴح‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪.203‬‬
‫)‪ (8‬مالﻚ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ مالﻚ ﺑن أنﺲ اﻷﺻبحي )ت‪179‬ه(‪ ،‬اﳌوطﺄ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬مﺼر‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬اب ال هارة‪ ،‬ب واجب الﻐسل إذا التﻘﻰ اﳋتا ن‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.102 :‬‬
‫اﳊﺠاج الﻘشﲑي الﻨّيساﺑوري )ت‪261‬ﻫـ(‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫)‪ (9‬مسلﻢ‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ مسلﻢ ﺑن ّ‬
‫دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ﻛتاب اﳊيﺾ‪ ،‬ب إﳕا اﳌاء من اﳌاء‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.343 :‬‬
‫)‪ (10‬مالﻚ‪ ،‬اﳌوطﺄ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب الﺼيام‪ ،‬ب ما جاء ﰲ ﺻيام الذي يﺼبح جﻨبا ﰲ رمﻀان‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.638 ،637 :‬‬
‫)‪ (11‬مالﻚ‪ ،‬اﳌوطﺄ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب الﺼيام‪ ،‬ب ما جاء ﰲ ﺻيام الذي يﺼبح جﻨبا ﰲ رمﻀان‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.639 :‬‬
‫)‪ (12‬مالﻚ‪ ،‬اﳌوطﺄ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب الفرائﺾ‪ ،‬ب مﲑاث اﳉدة‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.1076 :‬‬
‫)‪ (13‬مالﻚ‪ ،‬اﳌوطﺄ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ ،‬ﻛتاب اﻻستئذان‪ ،‬ب اﻻستئذان‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.1731 :‬‬

‫‪123‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫راﺑﻌا‪ :‬الﻀﺮورة والﻌﺮف والبداﻫﺔ )‪.(1‬‬


‫الﻀرورة‪ ،‬ﻓﻸ ّن اشﱰاط العﻤل والﱰجيح لدليل الﻘﻄعي ﻓﻘﻂ يفﻀي إﱃ ﺗعﻄيل الﻐالبية العﻈﻤﻰ‬
‫‪ّ -‬أما ّ‬
‫من اﻷﺣكام ال ّشرﻋية‪ ،‬ﻷ ّن الﻘﻄﻊ ﰲ اﻷدلّة ﻋﺰ ٌيﺰ جدا‪.‬‬
‫لﻈن خوﻓًا من در ﻛذﺑﻪ وإخﻼﻓﻪ؛ لعﻄﱠلﻨا‬
‫ّ‬ ‫السﻼم‪» :‬ﻓلو ﻋﻄﱠلﻨا العﻤل‬
‫وﰲ ﻫذا يﻘول اﺑن ﻋبد ّ‬
‫ﺑتحﻤل أندر اﳌفاسد‪.(2)«...‬‬
‫ﺼلﻨا أﻏلب اﳌﺼاﱀ ّ‬
‫لﻈن اﳌشروع ﳊ ﱠ‬
‫أﻏلب اﳌﺼاﱀ ﻷندر اﳌفاسد‪ ،‬ولو ﻋﻤلﻨا ّ‬
‫الﻈن‪ ،‬وإذا ﺗﻘﱠرر ذلﻚ ﰲ‬
‫ﺗعﲔ ﰲ ﻋرف الﻨّاس العﻤل ّلراجح ولو ﻋلﻰ سبيل ّ‬‫‪ -‬و ّأما العرف‪ ،‬ﻓﻸنّﻪ ﱠ‬
‫يتﻘرر ﰲ ال ّشرﻋيات أيﻀاً‪ ،‬قال ﻋبد ﷲ ﺑن مسعود ‪-‬رﺿي ﷲ ﻋﻨﻪ‪) :-‬ما رآه اﳌسلﻤون‬
‫العاد ت ﻓﻼ ﳝتﻨﻊ أن ّ‬
‫ﺣسﻨا ﻓﻬو ﻋﻨد ﷲ ﺣسن()‪.(3‬‬
‫الراجح ﳑتﻨﻊ‬
‫‪ -‬و ّأما البداﻫة‪ ،‬ﻓﻸنّﻪ إذا ﱂ يُعﻤل ّلراجح؛ لﺰم العﻤل ﳌرجوح‪ ،‬وﺗرجيح اﳌرجوح ﻋلﻰ ّ‬
‫ﰲ ﺑدائﻪ العﻘول‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ الﺜالﺚ‪ :‬اﳊ ّﻖ ﰲ اﳌﺴﺄلﺔ ونتﻴﺠﺔ البﺤﺚ‪.‬‬
‫لﻈن ﰲ‬
‫اﳊﻖ الذي ﻻ مرية ﻓيﻪ‪ ،‬ﻫو وجوب العﻤل ّ‬ ‫شﻚ أ ّن ّ‬ ‫وﻫكذا يتﻘﱠرر ﲟا ﻻ يدع ﳎاﻻً ﻷدﱏ ّ‬
‫الﻈﲏ‪ ،‬واﳋﻼف ﰲ اﳌسألة إّﳕا ﻫو ﺣكاية ﳑﱠرﺿة ﻏﲑ مستوثﻖ من أﺻحا ا‪،‬‬‫ال ّشريعة‪ ،‬ووجوب العﻤل ّلراجح ّ‬
‫ﺻحة الﻨّسبة ﻻ ﺗﻘوم ﻋلﻰ ساق البتة ﻛﻤا رأيﻨا‪.‬‬
‫وأدلّتﻬﻢ ﻋلﻰ ﻓرض ّ‬
‫لﻈن‪ ،‬واﳌﻘﺼود ﻹﲨاع‬
‫وﺑﻨاءً ﻋليﻪ ﻓليﺲ من ا ازﻓة ﰲ شيء أن يُدﱠﻋﻰ اﻹﲨاع ﻋلﻰ وجوب الﱰجيح ّ‬
‫ﺻحة قوﳍﻢ لعكﺲ‪ ،‬ﺑل من ا ازﻓة‬
‫السلﻒ قبل البﺼري والباقﻼﱐ واﺑن ﺣﺰم ﻋلﻰ ﻓرض ّ‬ ‫إﲨاع الﺼحاﺑة و ّ‬
‫ﳏﻤد وﻋلﻰ آلﻪ وأﺻحاﺑﻪ أﲨعﲔ‪.‬‬
‫أن نبالﻎ ﰲ الﻘول‪ :‬إ ّن اﳌسألة خﻼﻓية‪ .‬وﺻلّﻰ ﷲ ﻋلﻰ نبيّﻨا ّ‬

‫)‪ (1‬انﻈر‪ :‬اﳌراجﻊ الساﺑﻘة‪ ،‬ونظﺮيﺔ التقﺮيﺐ والتﻐﻠﻴﺐ‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص ‪.163‬‬
‫)‪ (2‬اﺑن ﻋبد السﻼم‪ ،‬ﺷﺠﺮة اﳌﻌارف واﻷﺣوال‪ ،‬مرجﻊ ساﺑﻖ‪ :‬ص‪.89‬‬
‫)‪ (3‬أﲪد‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ أﲪد ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﺣﻨبل الشيباﱐ )ت‪241‬ﻫـ(‪ ،‬مﺴﻨد أﲪد‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعيب اﻷرنﺆوط‪ ،‬ﻋادل مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1421 ،‬ﻫـ‪2001/‬م‪ ،‬ﺣديث رقﻢ‪.3600 :‬‬

‫‪124‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫ﻗاﺋمﺔ اﳌﺼادر واﳌﺮاﺟع‪:‬‬


‫‪ .1‬أﺑو زنيد ﻋبد اﳊﻤيد‪ ،‬ﲢقﻴﻖ ﻛتاب الوﺻول إﱃ اﻷﺻول ﻻﺑن ﺑﺮﻫان‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة اﳌعارف‪1404 ،‬ﻫـ‪1984/‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أﲪد‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ أﲪد ﺑن ﳏﻤد ﺑن ﺣﻨبل الشيباﱐ )ت‪241‬ﻫـ(‪ ،‬مﺴﻨد أﲪد‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعيب اﻷرنﺆوط‪ ،‬ﻋادل‬
‫مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إشراف‪ :‬ﻋبد ﷲ ﺑن ﻋبد اﶈسن الﱰﻛي(‪ ،‬ط‪ ،1‬مﺆسسة الرسالة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1421 ،‬ﻫـ‪2001/‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﲨال ال ّدين ﻋبد الرﺣيﻢ ﺑن اﳊسن ﺑن ﻋلي )ت‪772‬ﻫـ(‪ ،‬ايﺔ الﺴﱡول ﰲ ﺷﺮح مﻨﻬاج اﻷﺻول‪،‬‬
‫‪ .3‬اﻹسﻨوي‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬ﻋاﱂ الكتاب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .4‬اﻵمدي‪ ،‬سيﻒ ال ّدين ﻋلي ﺑن أﰊ ﻋلي )ت‪631‬ه(‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد )ت‪879‬ه(‪ ،‬التقﺮيﺮ والتﺤبﲑ ﻋﻠﻰ ﻛتاب التﺤﺮيﺮ ﻻﺑن‬‫ﳏﻤد ﺑن ّ‬
‫‪ .5‬اﺑن أمﲑ اﳊاج‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﴰﺲ ال ّدين ّ‬
‫اﳍمام‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬أمﲑ دشاه‪ ،‬ﳏﻤد أمﲔ ﺑن ﳏﻤود البﺨاري )ت‪972‬ه(‪ ،‬ﺗﻴﺴﲑ التﺤﺮيﺮ ﻋﻠﻰ ﻛتاب التﺤﺮيﺮ ﻻﺑن اﳍمام‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .7‬الباجي‪ ،‬أﺑو الوليد سليﻤان ﺑن خلﻒ )ت‪474‬ه(‪ ،‬إﺣﻜام الﻔﺼول ﰲ أﺣﻜام اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ا يد ﺗرﻛي(‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬الباجي‪ ،‬أﺑو الوليد سليﻤان ﺑن خلﻒ )ت‪474‬ه(‪ ،‬اﳌﻨﻬاج ﰲ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﳊﺠاج‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد ا يد ﺗرﻛي(‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫الﻐرب اﻹسﻼمي‪ ،‬ﺑﲑوت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬البﺨاري‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إﲰاﻋيل )ت‪256‬ه(‪ ،‬ﺻﺤﻴح البﺨاري‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد زﻫﲑ ﺑن ﺻر الﻨاﺻر‪ ،‬ﺗرقيﻢ‪:‬‬
‫)مﺼورة ﻋن السلﻄانية(‪1422 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طوق الﻨﺠاة ّ‬
‫‪ .10‬البﺨاري‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين ﻋبد العﺰيﺰ أﲪد )ت‪730‬ه(‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﻷسﺮار ﻋن أﺻول ﻓﺨﺮ اﻹسﻼم البﺰدوي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ﺑدارن‪ ،‬أﺑو العيﻨﲔ ﺑدران )ت‪1984‬م(‪ ،‬أدلﺔ التﺸﺮيع اﳌتﻌارﺿﺔ ووﺟوﻩ الﱰﺟﻴح ﺑﻴﻨﻬا‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﺆسسة شباب‬
‫اﳉامعة‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن اﳊسن )ت‪922‬ه(‪ ،‬مﻨاﻫﺞ الﻌقول ﺷﺮح مﻨﻬاج الوﺻول ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷﺻول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫‪ .12‬البدخشي‪ّ ،‬‬
‫العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬اﺑن ﺑدران‪ ،‬ﻋبد الﻘادر ﺑن أﲪد )ت‪1346‬ه(‪ ،‬اﳌدﺧل إﱃ مﺬﻫﺐ اﻹمام أﲪد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .14‬الﱪزﳒي‪ ،‬ﻋبد اللﻄيﻒ ﻋبد ﷲ ﻋﺰيﺰ‪ ،‬التﻌارض والﱰﺟﻴح ﺑﲔ اﻷدلﺔ الﺸﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬مﻄبعة العاﱐ‪ ،‬العراق‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬البﺼري‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ ﳏﻤد ﺑن ﻋلي )ت‪436‬ه(‪ ،‬اﳌﻌتمد ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﲪيد ﷲ(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اﳌعﻬد‬
‫العلﻤي الفرنسي للدراسات العرﺑية‪ ،‬دمشﻖ‪1965 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬ﺑن ﻋاشور‪ ،‬ﳏﻤد الﻄاﻫر ﺑن ﳏﻤد التونسي )ت‪1393‬ﻫـ(‪ ،‬التﺤﺮيﺮ والتﻨويﺮ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدار التونسية للﻨشر‪ ،‬ﺗونﺲ‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫‪ .17‬البﻨاﱐ‪ ،‬ﻋبد الرﲪن ﺑن جاد ﷲ اﳌﻐرﰊ )ت‪1198‬ه(‪ ،‬اﳊاﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮح اﳉﻼل اﶈﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﲨع اﳉوامع ﻻﺑن‬
‫الﺴبﻜﻲ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫السﻼم ﺑن ﺗيﻤية )ت‪652‬ﻫـ(‪ ،‬واﻷب؛ ﻋبد اﳊليﻢ ﺑن ﺗيﻤية )ت‪682‬ﻫـ(‪ ،‬واﳊفيد؛‬
‫‪ .18‬آل ﺗيﻤية‪ ،‬اﳉ ّد؛ ﳎد ال ّدين ﻋبد ّ‬
‫أﲪد ﺑن ﺗيﻤية )ت‪728‬ﻫـ(‪ ،‬اﳌﺴ ﱠودة ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ّ ،‬‬
‫اﳌﺆسسة السعودية‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬اﳉرجاﱐ‪ ،‬ﻋلي ﺑن ﳏﻤد )ت‪816‬ﻫـ(‪ ،‬التﻌﺮيﻔات‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﲨاﻋة من العلﻤاء(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1403‬ﻫـ‪1983/‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﻋبد ﷲ )ت‪478‬ه(‪ ،‬الﱪﻫان ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد العﻈيﻢ ﳏﻤود ال ّديب(‪،‬‬
‫ط‪ ،4‬دار الوﻓاء‪ ،‬اﳌﻨﺼورة‪1418 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .21‬اﳉويﲏ‪ ،‬أﺑو اﳌعاﱄ ﻋبد اﳌلﻚ ﺑن ﻋبد ﷲ )ت‪478‬ه(‪ ،‬الورﻗات‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الﱰاث‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬اﺑن اﳊاجب‪ ،‬ﲨال ال ّدين أﺑو ﻋﻤرو ﻋثﻤان ﺑن ﻋﻤرو )ت‪646‬ه(‪ ،‬مﻨتﻬﻰ الوﺻول واﻷمل ﰲ ﻋﻠمﻲ اﻷﺻول‬
‫واﳉدل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫ﻋلي ﺑن أﲪد )ت‪456‬ه(‪ ،‬اﻹﺣﻜام ﰲ أﺻول اﻷﺣﻜام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﻵﻓاق اﳉديدة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬‫ﳏﻤد ّ‬ ‫‪ .23‬اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬اﳊفﻨاوي‪ ،‬ﳏﻤد إﺑراﻫيﻢ ﳏﻤد‪ ،‬التﻌارض والﱰﺟﻴح ﻋﻨد اﻷﺻولﻴﲔ وأثﺮﳘا ﰲ الﻔقﻪ اﻹسﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الوﻓاء‪،‬‬
‫اﳌﻨﺼورة‪1408 ،‬ﻫـ‪1987/‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬الريسوﱐ‪ ،‬أﲪد‪ ،‬نظﺮيﺔ التقﺮيﺐ والتﻐﻠﻴﺐ وﺗﻄبﻴقا ا ﰲ الﻌﻠوم اﻹسﻼمﻴﺔ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكلﻤة‪1418 ،‬ﻫـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬اﺑن السبكي‪ ،‬أﺑو اﳊسن ﺗﻘي الدين ﻋلي ﺑن ﻋبد الكاﰲ )ت‪756‬ه(‪ ،‬وولده ج ال ّدين ﻋبد الوﻫاب )ت‪771‬ه(‪،‬‬
‫اﻹ اج ﰲ ﺷﺮح اﳌﻨﻬاج‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬شعبان ﳏﻤد إﲰاﻋيل(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﻄبعة أسامة‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن أﲪد ﺑن أﰊ سﻬل )ت‪483‬ه(‪ ،‬أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﺑو الوﻓاء اﻷﻓﻐاﱐ(‪ ،‬دار اﳌعرﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪.‬‬
‫‪ .27‬السرخسي‪ّ ،‬‬
‫‪ .28‬الشاطﱯ‪ ،‬أﺑو إسحاق إﺑراﻫيﻢ ﺑن موسﻰ )ت‪790‬ﻫـ(‪ ،‬اﻻﻋتﺼام‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد رشيد رﺿا(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اﳌكتبة التﺠارية‬
‫الكﱪى‪ ،‬مﺼر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .29‬الشاﻓعي‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن إدريﺲ اﳌﻄّلﱯ الﻘرشي اﳌ ّكي )ت‪204‬ﻫـ(‪ ،‬مﺴﻨد الﺸاﻓﻌﻲ‪) ،‬رﺗّبﻪ‪ :‬ﳏﻤد ﻋاﺑد‬
‫السﻨدي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪1370 ،‬ﻫـ‪1951/‬م‪.‬‬
‫‪ .30‬الشﻨﻘيﻄي‪ ،‬أﺑو ﳏﻤد ﻋبد ﷲ ﺑن إﺑراﻫيﻢ العلوي )ت‪1235‬ه(‪ ،‬نﺸﺮ البﻨود ﻋﻠﻰ مﺮاﻗﻲ الﺴﻌود‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مﻄبعة‬
‫ﻓﻀالة‪ ،‬اﳌﻐرب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﺑن ﻋلي )ت‪1250‬ﻫـ(‪ ،‬إرﺷاد الﻔﺤول إﱃ ﲢقﻴﻖ اﳊﻖ من ﻋﻠﻢ اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬الشيخ أﲪد‬
‫‪ .31‬الشوﻛاﱐ‪ّ ،‬‬
‫ﻋﺰو ﻋﻨاية‪ ،‬قدم لﻪ‪ :‬الشيخ خليل اﳌيﺲ والدﻛتور وﱄ الدين ﺻاﱀ ﻓرﻓور(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العرﰊ‪،‬‬
‫‪1419‬ﻫـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬الشوﻛاﱐ‪ ،‬ﳏﻤد ﺑن ﻋلي )ت‪1250‬ﻫـ(‪ ،‬ﻓتح القديﺮ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬دار الكلﻢ الﻄيب‪ ،‬دمشﻖ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1414‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫___________________________________________________________ ال جيح بالظن ب ن اﻹثبات ودعوى اﻹن ار‪ ،‬د‪ .‬محمد ندو‬

‫‪ .33‬الشﲑازي‪ ،‬أﺑو إسحاق إﺑراﻫيﻢ ﺑن ﻋلي )ت‪476‬ه(‪ ،‬الﱡﻠمع ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫ﻋﺰ ال ّدين ﻋبد العﺰيﺰ ﺑن ﻋبد السﻼم )ت‪660‬ﻫـ(‪ ،‬ﺷﺠﺮة اﳌﻌارف واﻷﺣوال وﺻاﱀ‬ ‫ﳏﻤد ّ‬
‫‪ .34‬اﺑن ﻋبد السﻼم‪ ،‬أﺑو ّ‬
‫اﻷﻗوال واﻷﻋمال‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ّ :‬‬
‫ﺣسان ﻋبد اﳌﻨّان(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﺑيت اﻷﻓكار الدولية‪ ،‬الر ض‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .35‬اﺑن العرﰊ‪ ،‬أﺑو ﺑكر ﳏﻤد ﺑن ﻋبد ﷲ اﳌعاﻓري اﻹشبيلي اﳌالكي )ت‪543‬ﻫـ(‪ ،‬اﶈﺼول ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫ﻋﻤان‪1420 ،‬ﻫـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫ﺣسﲔ ﻋلي اليدري‪ ،‬سعيد ﻓودة(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البيارق‪ّ ،‬‬
‫‪ .36‬العﻄّار‪ ،‬ﺣسن ﺑن ﳏﻤد الشاﻓعي )ت‪1250‬ﻫـ(‪ ،‬اﳊاﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮح اﳉﻼل اﶈﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﲨع اﳉوامع ﻻﺑن الﺴبﻜﻲ‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلﻤية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .37‬الﻐﺰاﱄ‪ ،‬أﺑو ﺣامد ﳏﻤد ﺑن ﳏﻤد )ت‪505‬ه(‪ ،‬اﳌﻨﺨول من ﺗﻌﻠﻴقات اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﺣسن ﻫيتو(‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬دمشﻖ‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬اﺑن ﻓارس‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ أﲪد ﺑن ﻓارس ﺑن زﻛر ء الﻘﺰويﲏ الرازي )ت‪395‬ﻫـ(‪ ،‬مﻌﺠﻢ مقايﻴﺲ الﻠّﻐﺔ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﻋبد‬
‫السﻼم ﳏﻤد ﻫارون(‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪1399 ،‬ﻫـ‪1979/‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬الﻘراﰲ‪ ،‬شﻬاب ال ّدين أﲪد ﺑن إدريﺲ )ت‪684‬ه(‪ ،‬ﺷﺮح ﺗﻨقﻴح الﻔﺼول ﰲ اﺧتﺼار اﶈﺼول ﰲ اﻷﺻول‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪:‬‬
‫طﻪ ﻋبد الرؤوف سعد(‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬الﻘرطﱯ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن أﲪد )ت‪671‬ﻫـ(‪ ،‬اﳉامع ﻷﺣﻜام القﺮآن‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬أﲪد الﱪدوﱐ وإﺑراﻫيﻢ أطفيﺶ(‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دار الكتب اﳌﺼرية‪ ،‬الﻘاﻫرة‪1384 ،‬ﻫـ‪1964/‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬اﺑن ﻛثﲑ‪ ،‬أﺑو الفداء إﲰاﻋيل ﺑن ﻋﻤر )ت‪774‬ﻫـ(‪ ،‬ﺗﻔﺴﲑ القﺮآن الﻌظﻴﻢ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬سامي ﺑن ﳏﻤد سﻼمة(‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫دار طيبة للﻨشر والتوزيﻊ‪1420 ،‬ﻫـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬اﺑن الل ّحام‪ ،‬ﻋﻼء ال ّدين أﺑو اﳊسن ﻋلي ﺑن ﳏﻤد )ت‪803‬ه(‪ ،‬اﳌﺨتﺼﺮ ﰲ أﺻول الﻔقﻪ‪ ،‬مرﻛﺰ البحث العلﻤي‪،‬‬
‫اﳌكرمة‪.‬‬
‫م ّكة ّ‬
‫‪ .43‬اﺑن ماجة‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ ﳏﻤد ﺑن يﺰيد الﻘﺰويﲏ )ت‪273‬ﻫـ(‪ ،‬سﻨن اﺑن ماﺟﻪ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار إﺣياء الكتب العرﺑية‪-‬ﻓيﺼل ﻋيسﻰ الباﰊ اﳊلﱯ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .44‬مالﻚ‪ ،‬أﺑو ﻋبد ﷲ مالﻚ ﺑن أنﺲ اﻷﺻبحي )ت‪179‬ه(‪ ،‬اﳌوطﺄ‪) ،‬ﲢﻘيﻖ‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء‬
‫الﱰاث العرﰊ‪ ،‬مﺼر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫اﳊﺠاج الﻘشﲑي الﻨّيساﺑوري )ت‪261‬ﻫـ(‪ ،‬ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪) ،‬ﺗرقيﻢ وﺗرﺗيب‪ :‬ﳏﻤد ﻓﺆاد‬
‫‪ .45‬مسلﻢ‪ ،‬أﺑو اﳊسﲔ مسلﻢ ﺑن ّ‬
‫ﻋبد الباقي(‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار إﺣياء الﱰاث العرﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.‬‬
‫ﳏﻤد ﲞيت )ت‪1354‬ه(‪ ،‬سﻠّﻢ الوﺻول لﺸﺮح ايﺔ الﺴول‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ﻋاﱂ الكتاب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .46‬اﳌﻄيعي‪ّ ،‬‬
‫‪ .47‬اﺑن مﻨﻈور‪ ،‬أﺑو الفﻀل ﲨال ال ّدين ﳏﻤد ﺑن مكرم الرويفعي اﻹﻓريﻘي )ت‪711‬ﻫـ(‪ ،‬لﺴان الﻌﺮب‪ ،‬ط‪ ،3‬دار ﺻادر‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪1414 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .48‬اﳌيداﱐ‪ ،‬ﻋبد الرﲪن ﺣسن ﺣبﻨّكة )ت‪2004‬م(‪ ،‬ﺿواﺑﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ وأﺻول اﻻستدﻻل واﳌﻨاﻇﺮة‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الﻘلﻢ‪،‬‬
‫دمشﻖ‪1414 ،‬ه‪1993/‬م‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫ا لة ا زائر ة للدراسات اﻹسﻼمية )العدد اﻻفتتا ( ____________________________________________________________‬

‫‪ .49‬الﻨووي‪ ،‬شرف ال ّدين أﺑو زﻛر ﳛﲕ ﺑن شرف )ت‪676‬ه(‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴح مﺴﻠﻢ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الوﱄ‪ ،‬ﺿواﺑﻂ الﱰﺟﻴح ﻋﻨد وﻗوع التﻌارض لدى اﻷﺻولﻴﲔ‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة أﺿواء السلﻒ‪ ،‬الر ض‪،‬‬
‫‪ .50‬اﺑن يونﺲ‪ّ ،‬‬
‫‪1425‬ﻫـ‪2004/‬م‪.‬‬

‫‪128‬‬

You might also like