Professional Documents
Culture Documents
1
مقـــدمة:
يعتبر التحكيم أول وأقدم وسيلة عرفها اإلنسان في المنازعات ،بجانب القضاء والصلح
وكأليات بديلة لفض المنازعات ،وقد تطور الى ان أصبح ظاهرة للفصل في المنازعات
سواء كانت تجارية او إدارية ،حيث صاحب االنسان منذ عهود قديمة ،وتطور بتطور
التجارة الدولية ،حتى أصبح عادة اصلية مترسخة في نفوس الناس ،فقد اعتبروه وظيفة
للعدل والقضاء وسيلة لحسم النزاعات ،وذلك لبساطة اجراءاته وسرعة الفصل في منازعاته
وسرية الجلسات ،بخالف القضاء الذي يتسم بتعقيد اجراءاته وكذا بطء الفصل في النزاعات
التي تأخذ طابع الدولية.
وبالنظر إلى األهمية التي أصبح يكتسيها نظام التحكيم في العصر الحاضر ال سيما على
مستوى عقود التجارة الدولية وذلك بما يمتاز به من خاصية السرعة والمرونة والسرية،
لدى أصبحت الحاجة ملحة الى االعتماد على هدا النظام الذي يكون محررا من روابط
القوانين الدولية بحيث يعتمد على مصادر خاصة ،وقد اعتبر هدا النظام بمثابة إحياء لقانون
الشعوب أو قانون التجار ،فقد حضي التحكيم التجاري الدولي باهتمام بالغ أبرمت بشأنه
العديد من االتفاقيات الدولية ،واستعمل مصطلح التحكيم التجاري الدولي اول مرة في مؤتمر
األمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي سنة 1958بشأن االعتراف وتنفيد مقررات التحكيم
األجنبية ،واذا كان ما يميز التحكيم عن القضاء هو سلطان اإلرادة إذ ال يتحقق وجود التحكيم
إال اذا توفرت إرادة وحرية الطرفين معا ،فقد يقع تشابه بين نظام التحكيم وغيره من األنظمة
أخري البديلة و المتمثلة في الوساطة و الصلح الى غير ذلك لحل النزاع والتي بدورها تقوم
على اإلرادة.
ويعد هذا األخير في الوقت الحاضر اهم الية رغب متعاملو التجارة الدولية في اللجوء اليها
لحسم خالفاتهم الناتجة عن تعامالتهم ،فال يكاد يخلوا عقد من عقود التجارة الدولية من
شرط التحكيم ويلجأ بموجبه الى التحكيم عند نشوء نزاع مصدره العقد ،وذلك ان العقود
2
الدولية تختلف عن العقود الخاصة بالتعامل الداخلي ،فاألخيرة تحكمها قواعد القانون
الداخلي ،اما العقود الدولية فتكون في الغالب بين اطراف تنتمي الى دول مختلفة ،تختلف
قوانينها في معالجة المسائل الناجمة عن النزاع ،ففي الوقت الحالي نجد قواعد التحكيم على
الصعيد الدولي قد أصبحت وسيلة لفض نزاعات التجارة الدولية وكذا تعتبر الية من اليات
تطوير قواعد قانون التجارة الدولية.
وأيضا يمتاز التحكيم بخصوصيات من حيث مصادره عن باقي األنظمة األخرى مما جعل
هدا النظام يمتاز ب مبادئ خاصة به جعلت منه نظاما قويا وفعاال.
فالتحكيم التجاري الدولي يعتبر وسيلة فعالة لتسوية النزاعات فهو يقوم على مبدأ سلطان
اإلرادة من حيث استقالل التحكيم بنظامه عن باقي المؤسسات األخرى وقد ساعده في ذلك
ظهور قواعد خاصة به وتدعيم هدا االستقالل بمبادئ معينة الهدف منها الحد من تدخل
القضاء.
أهمية الموضوع:
تستمد الدراسة أهميتها من كونها تتناول موضوع هام يتمثل في دور التحكيم التجاري
الدولي في توحيد قواعد قانون التجارة الدولية نظرا التساع وتطو هذه األخيرة ،وزيادة
قيمتها العالمية ،كما يعتبر التحكيم من القضايا المهمة في الوقت الراهن والذي حظي باهتمام
كبير من جانب الفقه كما تربع على قمة الموضوعات ذات القيمة القضائية التي شغلت
اذهان الباحثين وجذب األنظار ،مما أدى الى انعقاد عدة اتفاقيات بشأنها.
إشكالية الموضوع:
أصبح موضوع التحكيم التجاري الدولي اهم وسيلة يلجا اليها المتعاملون في التجارة الدولية
لحل النزاعات الناجمة عن تعامالتهم ،حيث ال يكاد عقد من العقود المتصلة بهذا النوع من
3
التجارة من شرط يحيل بموجبه االطرف جميع الخالفات التي تدفع بينهم بشان تفسير او
تنفيذ العقد المبرم بينهم الى قضاء التحكيم للفصل فيها.
من خالل ما قدمناه من قبل يمكن ان نحصر إشكالية هذا الموضوع في:
المبحث األول :ماهية التحكيم التجاري الدولي و عالقته بمبدأ سلطان اإلرادة.
المبحث األول :ماهية التحكيم التجاري الدولي و عالقته بمبدأ سلطان اإلرادة.
حظي موضوع التحكيم باهتمام على كافة المستويات ،فعلى المستوى الدولي ثم ابرام العديد
من االتفاقيات المتعلقة به ،و على الصعيد الفقهي حضي موضوع التحكيم باهتمام من جانب
الفقه وتربع على قمة الموضوعات التي شغلت اذهان الباحثين و جذب االهتمام اليه.
لذلك توجب علينا التطرق الى ماهية التحكيم التجاري الدولي وغالبية الطبع التعاقدي عليه
كمطلب اول و كذلك الى خضوع التحكيم التجاري الى مبدأ سلطان اإلرادة كمطلب ثاني.
المطلب األول : :ماهية التحكيم التجاري الدولي و غالبية الطبع التعاقدي عليه
يعتبر التحكيم أداة فعالة لتسوية المنازعات ،حيث يتم إسناد مهمة الفصل في هذه النازعات
إلى أشخاص يسود المحكمين ،و يكون هؤالء األشخاص محل اختيار األفراد ،و من
األوصاف التي يأخذها األفراد في اختيارهم للمحكمين الخبرة والدارية بالمسائل المراد
االحتكام فيها ،هذا ما جعلنا نسعى إلى تحديد تعريفه و معرفة مدى أهميته في التجارة
الدولية ‘ باإلضافة إلى مشروعيتة في هذه المعامالت من خالل ما يلي:
الفقرة األولى :تعريف التحكيم التجاري الدولي،أهميته و مشروعيتة وفقا لقواعد التجارة
الدولية
4
الفقرة الثانية :غالبية الطبع التعاقدي على التحكيم التجاري
لمعرفة تعريف التحكيم وجب التطرق إلى التعريف اللغوي واالصطالحي نظرا الختالفهما.
التحكيم مصدره تفويض األمر إلى الغير ،وإطالق اليد في الشيء ،يقال :حكمته في األمر
والشيء :أي جعله حكما ،فوض الحكم إليه ،واستحكم فالن في مال فالن ،إذا جاز فيه
حكمه.
و من معاني التحكيم و مشتقاته :الدعوة إلى الفصل في الخصومة نقول :حاكمته إلى
الحاكم ،1أي دعوته إلى حكمه ،و حاكمته إلى اﷲ تعالى ،دعوته إلى حكمه سبحانه و منه
قوله تعالى } :يريدون أن يتحاكموا إلىالطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان
أن يضلهم ضالال بعيدا.{2
ويعرفه ابن خلدون في مقدمته بأنه :اتخاذ الخصمين حكما برضائهما للفصل في خصومتهما
3
ودعواهما.
- 1أبي الفاضﻞ جﻤال الﺪيﻦ مﺤﻤﺪ بﻦ مﻨﻈﻮر" ،لﺴان العﺮب" ،بﯿﺮوت ،لﺒﻨان ،الﺠﺰء
األول ،طﺒعة ،1990ص.141
5
وخالصة القول ،أن معنى التحكيم في اللغة إطالق اليد في الشيء محل التحكيم للغير و
تفويضه بنظر النزاع و يسمى حكما أو محكما.
تباينت وتعددت التعاريف الخاصة بالتحكيم نظرا الختالف اﻵراء فيما بينها و فيما يلي
نستعرض أهمها:
و قد عرفه الماوردي 5في كتابه آداب القاضي بأن " يتخذ الخصمان رجال من الرعية
ليقضي بينهما فيما تنازعا"
-2التعريف التشريعي:
عرفته المادة العاشرة من قانون التحكيم التجاري المصري الجديد ،ضمن الفقرة األولى
بأنه :اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على االلتجاء إلى التحكيم ،لتسوية كل أو بعض
المنازعات التي تنشأ بينها ،لمناسبة عالقة قانونية معينة ،عقدية كانت أو غير عقدية6.6
- 4سﯿﺪ أحﻤﺪ مﺤﻤﻮد" ،نﻈام الﺘﺤﻜﯿﻢ ،دراسة مقارنة بﯿﻦ الﺸﺮيعة اإلسالمية و القانون
الﻮطﻨي الﻜﻮيﺘي و الﻤﺼﺮي" ،اإليﻤان للﻄﺒاعة ،مﺼﺮ،2000 ،ص20
يعرفه الفقه بأن " :التحكيم عقد بمقتضاه يتفق شخصان أو أكثر على إحالة نازع نشأ بينهما،
أو ما ينشأ بينهما من ن ازع في تنفيذ عقد معين ،على محكمين للفصل فيه بدال من اللجوء
إلى القضاء المختص."7
كما يعرفه البعض اﻵخر بأنه" :نظام قضائي خاص ،يختار فيه األطراف قضاؤهم
و يعهدون إليه بمقتضى اتفاق مكتوب بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت
بالفعل بينهم ،بخصوص عالقاتهم التعاقدية أو غير تعاقدية و التي يجوز حسمها بطريق
لتحكيم وفقا لمقتضيات القانون و العدالة ،بﺈصدار قرار قضائي ملزم لهم."8
و نستخلص من هذين التعريفين أن الفكرة التي يقوم عليها التحكيم تستند أساسا إلى مبدأ
سلطان اإلاردة ،وفق الشكل الذي يجيزه القانون بخصوص عالقاتهم القانﻮنﯿة و هناك من
يذهب إلى أن التحكيم هو تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما و بالتالي يعتبر التحكيم طريقة
إليجاد حل لقضية تخص عالقة بين شخصين أو أكثر دون تدخل القضاء باعتبار التحكيم
قضاء خاص.
األصل أن القضاء كسلطة من سلطات الدولة يختص بالفعل في المنازعات التي تنشأ بين
- 7د .سﺮا حﺴﯿﻦ مﺤﻤﺪ أبﻮ زيﺪ" ،الﺘﺤﻜﯿﻢ ي عقود الﺒﺘﺮول" ،الﻄﺒعة األولى ،دار الﻨشر
العﺮبﯿة ،القاهرة ،2000 ،ص.11
- 8د .ﻮزي مﺤﻤﺪ سامي" ،الﺘﺤﻜﯿﻢ الﺘﺠاري الﺪولي" ،دراسة مقارنة ألحﻜام الﺘﺤﻜﯿﻢ
الﺘﺠاري ،الﻄﺒعة األولى ،دار القاهرة للﻨﺸﺮ و الﺘﻮزيع ،األردن ،200 ،ص
7
أطرا ف العالقة التجارية سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي ،إال أن
طبيعة المعامالت و العقود التجارية )خاصة الدولية( القائمة على الثقة و السرعة ،قد جعلت
القائمين عليها يفرضون نظاما بديال لحل المنازعات التي تنشأ في مجال التجارة الدولية،
إنه نظام التحكيم التجاري الذي يواكب ما وصلت إليه التجارة الدولية من تطور و يساهم
في ازدهارها و ذلك لما يتمتع به من مزايا عديدة كالمرونة و السرعة و بساطة اإلجراءات
و سهولتها و االقتصاد في الجهد و الوقت و النفقات و السرية و المحافظة على العالقة بين
الودية بين الخصوم.9
و لقد شهد التحكيم الدولي في العصر الحديث قفزة نوعية ،من خالل اتفاقية الهاي سنة
1899م ،حيث سعت الدول جديا إلى إنشاء محكمة تحكيمية دولية ،حيث تضمنت هذه
االتفاقية اصد صراحة على إنشاء محكمة دولية دائمة للتحكيم من أجل فض النازعات
التجارية بما يرضي طرفي العالقة التجارية و من هذا فﺈن التحكيم يعتبر بمثابة الخيار
األول أمام المتعاملين في حقل التجارة الدولية لكونه يعد الوسيلة المثالية األكثر مالئمة مع
متطلبات الدول و تكمن أهمية التحكيم في تحقيق العديد من المزايا و الفوائد التي كانت
السبب في كثرة اللجوء إليه في المنازعات بدال من القضاء
-السرعة :حيث يلعب عامل الوقت دوار هاما في تحديد و مدى نجاعة نظام التحكيم لذا
يوجد في مقدمة ما يوفد على القضاء المدة التي يستغرقها في الفصل في القضايا هذا ما
- 9مﺤﻤﺪ ولﯿﺪ العﺒادي " ،أﻤﯿة الﺘﺤﻜﯿﻢ و جﻮاز اللﺠﻮء الى مﻨازعات العقود اإلدارية" ،دراسة
مقارنة ،مقال ،دراسات علﻮم الﺸﺮيعة و القانون ،الﻤﺠلﺪ ،34العﺪد رقﻢ ،2الﺪراسات الفقﯿة
القانﻮنﯿة ،جامعة ل الﺒﯿﺖ الﻤفﺮق ،األردن2007 ،
8
10
يجعل حقوق األطراف تبقى عالقة المدة طويلة ،و بالتالي تنامي األضرار.
-السرية :تمتاز السرية في التحكيم بضمان حقوق األطراف و الحفاظ على أسرار الحياة
الخاصة ،و بالتالي يتيح للمتخاصمين فرصة لعدم معرفة اﻵخرين بوجود نزاع بينهما والذي
من شأنه أن يؤثر على مكانتهما دينيا و اجتماعيا و تجاريا.
-المحافظة على استمرار العالقات بين األطراف :يرسﺦ العالقات بين األطراف ألنهم
اتفقوا على اللجوء إلى التحكيم بﺈرادتهم الحرة ،و قبلوا مسبقا من يصدره المحكم من قرارات
و يقومون بتنفيذها طواعية واختيارا منهم ،و هو ما يجعل حكم المحكم و كأنه صادر من
مجلس العقد ،و من ثم يترتب عليه إحالل الوئام محل الخصام و يكون له أثر فعال في
تحقيق السلم االجتماعي و استمرار المعامالت و استقرارها مستقبال ،كما تتطلب إجراءات
التحكيم الحضور الشخصي ألطراف النزاع ،و مشاركتهم في كافة اإلجراءات و
بالتالي النفوذ إلى جوهر النزاع في جول أقل عدوانية و لقد أظهر التحكيم تطويرا كبيرا
اعتبارا لمميزاته العديدة ولئن كان القضاء الوطني لم تعد له القدرة على التصدي لفض
نزاعات التجارة الدولية بالكفاءة و الحسم الالزمين ألنه مقيد بالقواعد الجامدة التي تختلف
اختالفا تاما من دولة ألخرى ،إضافة إلى إمكانية عرقلة التجارة الدولية عند النزاع لذا
أصبح التحكيم ذو مكانة هامة و كذا فضاءا أصيال للمعامالت الداخلية و الخارجية بصفة
عامة و التجارة الدولية بصفة خاصة نتيجة للتطور الحاصل ،و تختلف أهمية التحكيم
باختالف الزاوية التي ينظر إليها ،و مجال التعامل الذي أملته الظروف االقتصاد و
الصناعية من خالل تجسيد أحكامها في التعامالت الدولية بين كافة الدول ،ولعل ذلك يبرز
من تطور مفاهيم التجارة الدولية و توسعها مما جعل القضاء ضيقا للبت فيها ،و عدم
- 10د.حفﯿﻈة الﺴﯿﺪ الﺤﺪاد" ،الﻤﻮجﺰي الﻨﻈﺮية العامة ي الﺘﺤﻜﯿﻢ الﺘﺠاري الﺪولي" ،الﻄﺒعة
األولى ،مﻨﺸﻮرات الﺤلﺒي الﺤقﻮقﯿة ،2004 ،ص.33
9
استبعادها و من هنا ظهرت أهمية التحكيم.
إن تطور فكرة أهمية التحكيم وازدهار أسلوبه قد واكبه و ساعد على تحقيقه نشاط الحركة
التشريعية في بعض الدول ،من أجل سن قوانين ترمي من ناحية إلى التخفيف من على
كاهل القضاء الوطني إلى تحرير التحكيم من رقابة القوانين و رقابة األجهزة القائمة.11
ومن هنا كان التحكيم هو الوسيلة الوحيدة الممكنة لحل الخالفات بالطرق السلمية و ذلك
لعدم وجود سلطة عامة تقوم بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين األفراد ،و تقيم العدل
عن طريق تنفيذ ما تصدره من أحكام.12
يقوم التحكيم بكونه نظاما خاصا على مبدأ أساسي و هو مبدأ سلطان اإلرادة ويتجلى
دلك من خالل حرية األطراف في اللجوء إلى هدا النمط في فض نزاعاتهم وتمتد هذه
الحرية إلى كيفية اختيار الهيئة التحكيمية ,هذه الحرية المتمثلة في مبدأ سلطان اإلرادة قد
10
تتشابه مع بعض الوسائل البديلة في حل المنازعات من حيت الحرية في اللجوء إلى هدا
النمط وأيضا قد تتقلص هذه الحرية في أنواع أخرى من التحكيم خصوصا المؤسساتي منها
أ_ اشتراك التحكيم مع بعض المؤسسات المشابﻬة له في الخضوع لمبدأ سلطان اإلرادة
وإذا كان التحكيم صاحب الصدارة من بين الوسائل البديلة لحل المنازعات فﺈنه ال يمكن
إغفال أو تجاهل الدور الذي تملكه باقي الوسائل األخرى البديلة خصوصا منها :الوساطة
والصلح والتوفيق فهذه األشكال من العدالة-أيضا-قديمة جدا ,وسنحاول اإلحاطة بأهم نقاط
االختالف ،التي تميز التحكيم عن غيره
أوﻻ :الوساطة
الوساطة هي :المساعي التي يقوم بها شخص محايد بين أطراف النزاع أو محاميهم من
أجل الوصول إلى حل ودي لهذه الخصومة( )1أو هي طريق ودي لفض المنازعات الناشئة
بين األطراف عن طريقه يقوم الخصوم أنفسهم أو بواسطة شخص من الغير باالجتماع
والتشاور للوصول لحل ينهي النزاع ويرضى عنه األطراف وتكون إما قضائية إذ يحيل
القاضي إلى وسيط معين ضمن قائمة أسماء الوسطاء وقد تكون كذلك قانونية وذلك حين
يحيل النص التشريعي إلى اتباع طريق الوساطة قبل المرور إلى المحاكمة وبالمقابل قد
تكون اتفاقية حين يتفق األطراف على إحالة النزاع إلى الوسيط المتفق عليه اما في عقد
سابق أو الحق لنشوء النزاع.
لكن رغم التشابه من حيث الهدف وطريقة االتفاق ،أي عبر التعاقد مسبقا .إال أن االختالف
يبقى واضحا بين التحكيم والوساطة من حيث الشكل والنتيجة .فالوسيط يقتصر على محاولة
التسوية ,بتقريب وجهات النظر وذلك دون االستناد على قوة الزامية في مواجهة
المتخاصمين بل أن القرار النهائي بتطبيق ما توصل إليه يبقى لألطراف أنفسهم الحد فﺈن
المحكم أعطي أكثر من ذلك ،فﺈذا تم تعيين المحكم فﺈنه يباشر عمله التحكيمي وفقا للقواعد
11
المنظمة لسير المحاكمة التي ذكرها أهل العلم بخصوص التحكيم والفصل في النزاع
بالقواعد الموضحة في كتب القضاء فيتولى النظر في القضية بصفته حاكما
وبذلك يكون للمحكم سلطات أوسع وأشمل عما هي عليه لدى الوسيط الذي يبقى شخصا
محايدا أوال يملك أي سلطة إللزام الطرفين
ثانيا :الصلح
ويعد الصلح نظاما مترسخا في المجتمع المغربي ,وفي المجتمع اإلسالمي بصفة عامة
فاألساس الذي نبع منه هذا النظام هو الشريعة االسالمية,فعرف في الشؤون األسرية
والعائلية
والمشرع المغربي في الفصل 1098من ق.ل.ع على ان الصلح عقد يحسم بمقتضاه
الطرفان نزاعا قائما او يتوقيان قيامه ،وذلك بتنازل كل منهما لألخر عن جزء مما يدعيه
لنفسه ،أو بﺈعطائه ماال معينا او حقا
ومن حيث طبعة الصلح او تكيفه يعتبر عقدا ومن تم يخضع من حيث شرط االنعقاد والصحة
والبطالن واﻵثار الى المبادئ العامة للعقود
وبذلك يمكن أن يغير التحكيم وهو نظام قانوني اختياري بمثابة حل مجدي وفعال مقارنة
بالصلح حيث ال يمكن أن يتعرض التحكيم هذه المخاطرة التي قد يتعرض لكون التحكيم ال
يترك لألطراف المتنازعة سلطة واسعة وعريضة في مجال التنازالت التي هم مستعدون
لها حيث ال كلمة تذكر للتنازل عن الدين أو لإلجراء منه ،بل الكلمة هي لقوة الشيء المقضي
التي قد يتمتع بها المقررالتحكيمي بعد تذيليه بالصيغة التنفيذية.
أما في الصلح ف ينتهي النزاع بمجرد التنازل المتبادل ويكون االتفاق قابال بذاته للتنفيذ
كما تنفذ العقود وينطبق هذا االتفاق على ما ينطبق على االتفاقات األخرى من قواعد ومبادئ
ومن أهمها قاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين وال يتولد عن الصلح أي حكم إال إذا طعن في
12
عقد الصلح وصدر حكم في دعوى بطالن أو نسﺦ هذا العقد من قضاء الدولة وف التحكيم
يقوم الطرف الثالث أو المحكم بأعمال للقواعد القانونية على النزاع المعروف أمامه-فيمنح
الحق لصاحبه وفق لهذه القواعد في الصلح فﺈن دوره الطرق الثالث وهو المصلح يقتصر
لهته األمور بين الطرفين ومحاولة تقريب وجهات النظر وإزالة أسباب النزاع وتحقيق حدة
التوتر
إن اتفاق التحكيم ،سواء أبرم قبل وقوع النزاع أو بعده ،وسواء كان في صيغة شرط تحكيم
أو عقدا ،قد يرد في صورة تحكيم منظم ،وهو ما يطلق عليه التحكيم المؤسساتي ،أو صورة
تحكيم حر أو ما يسمى بالتحكيم الطليق أو الخاص.
وتلعب مؤسسات التحكيم الدائمة ،سواء سميت غرفا أو مراكز أو غير ذلك ،دورا أساسيا
في وضع حد للتدخل القضائي ومن هنا تم تقسيم التحكيم إلى تحكيم مؤسساتي Iوتحكيم
غير مؤسساتي أو حر.
قد يتفق الطرفان على إحالة نزاعهما إلى التحكيم فحسب ،دون اإلشارة إلى مؤسسة تحكيم.
في هذه الحالة ،نكون أمام ما يمكن تسميته بالتحكيم الطليق أو الحر .فمعيار التفرقة بين
نوعي التحكيم إذن ،شكلي من حيث وجود أو عدم وجود إشارة في اتفاق التحكيم ،إلحدى
مؤسسات التحكيم .ففي الحالة األولى يكون التحكيم مؤسساتيا .وفي الحالة الثانية يكون حرا.
وهذا يقودنا إلى القول ،بأن األصل في التحكيم أنه حر ،ما لم يتبين من اتفاق الطرفين غير
ذلك ،أي أنه مؤسساتي ،وفي هذا النوع من التحكيم يحدد أطراف النزاع المواعيد والمهل
ويعينون المحكمين ويقومون بعزلهم أو ردهم ،ويقومون بتحديد اإلجراءات الالزمة للفصل
في قضايا التحكيم ،ويعتبر التحكيم خاصا ولو تم االتفاق بين طرفي النزاع على تطبيق
إجراءات وقواعد منظمة أو هيئة تحكيمية طالما أن التحكيم يتم خارج إطار تلك المنظمة
13
أو الهيئة .فالعبرة في هذا النوع من التحكيم بما يختاره طرفا النزاع من إجراءات وقواعد
تطبق على التحكيم وخارج أية هيئة أو منظمة تحكيمية حتى وإن استعان الطرفان
باإلجراءات والقواعد والخبرات الخاصة بتلك الهيئة أو المنظمة.
ومن أبرز قواعد التحكيم الحر أو الخاص في الوقت الحاضر ،في المجال الدولي ،القواعد
لجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ) )UNCITRALأو ( التي وضعتها
) CNUDCIفبدال من قيام األطراف أو هيئة التحكيم بﺈعداد قواعد إجرائية إلتباعها في
التحكيم الحر ،سهلت اللجنة المهمة عليهم بأن وضعت تلك القواعد إلتباعها إذا رغب
األطراف بذلك .وقد انتشرت هذه القواعد انتشارا واسعا في إطار التحكيم الدولي ،حتى أن
بعض مؤسسات التحكيم تبنتها واعتبرتها كنظام تحكيم للمؤسسة .بل أن بعض الدول تبنتها
في تشريعاتها الداخلية .
لقد فرض التحكيم أهميته وجدواه بل ضرورته خصوصا في مجال عالقات التجارة الدولية
،مما اقتضى قيام مؤسسات وهيئات ومراكز متخصصة في مجال التحكيم بما تملكه من
إمكانيات علمية وفنية مادية وعملية ولوائحها الخاصة في إجراءات التحكيم .
ولقد أنشئت العديد من تلك الهيئات سواء على المستويات اإلقليمية أو الدولية كما ذكرنا
آنفا .و يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال:
-الهيئة العربية األوروبية للتحكيم التجاري التابعة لغرفة التجارة العربية األوروبية.
14
ففي التحكيم المؤسساتي ،تختص المؤسسة المحال لها التحكيم بنظر النزاع دون غيرها .فلو
تقدم أحد الطرفين بطلب تحكيم أمام مؤسسة أخرى ،فﺈنه يجوز للطرف اﻵخر أن يرد على
ذلك الطلب بعدم االختصاص .و من الناحية العملية ،فان تلك المؤسسة األخرى تغلق ملف
التحكيم ،بل يجب عليها ذلك .فلو فرضنا أنها استمرت بالتحكيم بالرغم من ذلك ،فان النتيجة
العملية لذلك هو عدم قابلية القرار الصادر للتنفيذ خاصة إذا لم يحضر الطرف اﻵخر
التحكيم.
وإذا كان التحكيم مؤسساتيا ،يجب التقيد بقواعد التحكيم المطبقة لدى المؤسسة ،باعتبارها
أصبحت جزءا من اإلتفاق ،وإال جاز ألطراف النزاع الطعن بأي مخالفة بهذا الخصوص
.
وفي التحكيم المؤسسي ،تختص المؤسسة المحال لها النزاع بنظر هذا النزاع وتسويته
تحكيما دون غيرها .فلو تقدم أحد الطرفين بطلب تحكيم لدى مؤسسة أخرى ،فﺈنه يجوز
للطرف األخر أن يرد على ذلك الطلب بعدم االختصاص أو حتى ال يرد مطلقا .ومن الناحية
العملية ،فﺈن تلك المؤسسة األخرى تغلق ملف التحكيم في هذه الحالة ،بل يجب عليها ذلك.
ولو فرضنا أنها استمرت بالتحكيم بالرغم من ذلك ،يكون حكم التحكيم عرضة للطعن به
أمام القضاء ،بالبطالن أو االستئناف أو غير ذلك،
المطلب الثاني اآلثار المترتبة على الطابع التعاقدي للتحكيم في مجال التجارة الدولية
يعني مبدأ القوة الملزمة التفاق التحكيم هنا ،أن اتفاق التحكيم الذي ابرم صحيحا يلزم طرفيه،
وال يجوز ألي منهما التراجع عنه انفراديا ،وإنما يجب عليهما في حالة حدوث النزاع المبدأ
في اتخاذ إجراءات التحكيم.
15
ويجد هذا المبدأ سنده في المادة 25من اتفاقية واشنطن لعام 1965الخاصة بتسوية
منازعات االستثمارات بين الدول و رعايا الدول األخرى ،حيث جاء فيها ''إذا اتفق طرفا
النزاع كتابة ،على إحالة أي خالفات قانونية تنشا مباشرة عن استثمار بين دولة متعاقدة
وبين مواطن من دولة أخرى غير متعاقدة ،إلى المركز الدولي لتسوية منازعات االستثمار
بطريق التحكيم،أو بأي طريق آخر،فانه ال يحق ألي من الطرفين أن يسحب هذه الموافقة
دون قبول الطرف األخر''.
ولم يتقاعس قضاء التحكيم في تأكيد ما سبق ومن أمثلة ذلك الحكم الصادر في قضية Elf-
Aquitainضد الشركة الوطنية اإليرانية للبترول سنة 1986جاء فيه ''من المبادئ
المعترف بها ،أن الدولة المرتبطة بشرط تحكيم منصوص عليه في اتفاق أبرمته الدولة
ذاتها،أو من خالل شركة تابعة لها ،ال تستطيع بﺈرادتها المنفردة في تاريﺦ الحق،أن تمنع
الطرف األخر معها من االلتجاء إلى الوسيلة المتفق عليها لتسوية المنازعات الناشئة عن
العقد المبرم بينهما''.
يقضي هذا المبدأ بان تمتنع المحاكم عن البث في دعوى تتعلق بوجود شرط تحكيم أو
صحته ،أو في موضوع النزاع مباشرة بالرغم من صحة وجود هذا الشرط ظاهريا قبل أن
يقول المحكمون كلمتهم فيها.
وتؤكد مختلف القوانين العصرية للتحكيم هذا المبدأ ،فالقانون النموذجي للتحكيم التجاري
الدولي للجنة االونيسترال ينص في مادته الثامنة على ما يلي' ‘على المحكمة التي ترفع
أمامها دعوى في مسالة ابرم بشأنها اتفاق تحكيم:
-1أن تحيل ،الطرفين إلى التحكيم ،إذا طلب منها ذلك احد الطرفين في موعد أقصاه تاريﺦ
تقديم بيانه األول في موضوع النزاع ،ما لم يتضح لها أن االتفاق باطل والغ ،أو عديم
األثر أو ال يمكن تنفيذه.
16
-2إذا رفعت دعوى من النوع المشار إليه في الفقرة األولى من هذه المادة فيظل من الجائز
البدء أو االستمرار في إجراءات التحكيم ويجوز أن يصدر قرار التحكيم و الدعوى ال تزال
عالقة أمام المحكمة''.
هذا كما نصت المادة الثانية من اتفاقية نيويورك لعام ''1958على محكمة الدولة المتعاقدة
التي يطرح أمامها النزاع حول موضوع كان محل اتفاق تحكيم من األطراف بالمعنى الوارد
في هذه المادة ،أن تحيل الخصوم ،بناءا على طلب احدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يثبت
للمحكمة أن هذا االتفاق باطل و ال اثر له أو غير قابل للتطبيق''.
وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد المشرع ينص في الفصل 327من قانون المسطرة
المدنية انه' ‘عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عمال باتفاق تحكيم على نظر
إحدى المحاكم وجب على هذه األخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر
النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاذ مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم''.
وتجدر اإلشارة إلى أن الدفع الذي تثيره المحكمة أثار خالفا بخصوص نوعه ،أهو دفع بعد
القبول أم دفع بعدم االختصاص؟
من خالل المادة 327من قانون المسطرة المدنية نجد أن المشرع المغربي استعمل مصطلح
الدفع بعدم القبول في حين أن الدفع بعدم القبول حدد المشرع الحاالت التي يمكن الدفع فيها
بعدم القبول ،وعليه يكون الصواب هو اعتباره دفعا بعدم االختصاص كما نصت على ذلك
معظم التشريعات كالتشريع الفرنسي في مادته 1458من قانون المسطرة المدنية الفرنسي
والمشرع المصري في المادة 13من قانون التحكيم المصري.
17
المبحث الثاني :ضوابط التحكيم التجاري في تحديد ابعاد قواعد قانون التجارة الدولية
لقد عرف التحكيم التجاري الدولي تطورا كبيرا على المستوى الدولي خاصة في مجال
التجارة الدولية و ذلك الدور الذي لعبه في تطوير هذه األخيرة و السهر على حل كل
نزاعاتها إضافة إلى تجلي عنصر اإلاردة بين طرفي النزاع وعليه فقد كان و البد من
أن نتطرق إلى مصادر التحكيم التجاري الدولي في مجال التجارة الدولية كمطلب أول ثم
الضوابط الالزمة لصحة التحكيم التجاري الدولي باعتباره وسيلة من وسائل توحيد قواعد
التجارة الدولية المطلب الثاني.
المطلب األول :مصادر التحكيم في عقود التجارة الدولية كضابط لتحديد أبعاد قواعد التجارة
الدولية
تعتبر مصادر التحكيم التجاري الدولي بمثابة األحكام العامة التي يستقي منها التحكيم في
عقود التجارة الدولية بنظمه و حجية أحكامه و تنقسم هذه المصادر إلى مصادر عامة تشمل
مصادر ذات طبيعة وطنية و أخرى ذات طبيعة دولية و على هذا االساس سيتم التطرق
اليها وفقا لما يلي :
إن المصادر العامة للتحكيم في عقود التجارة الدولية يمكن القول عنها أنها بمثابة مصادر
رسمية منظمة للتحكيم وجعل مجال التجارة الدولية وقواعده ذات صدى واسع خاصة فيما
يتعلق بمحاولة وضع قواعد موحدة لها.
و تتمثل هذه المصادر فيما تضعه القوانين الداخلية للدول من أحكام خاصة بنظم التجارة
الدولية والتحكيم التجاري الدولي ،حيث صدرت العديد من التشريعات الحديثة بشأن التحكيم
18
من أهمها القانون الفرنسي للتحكيم الدولي الصادر في 12ماي 1981و القانون اإلسباني
لسنة 1988ولقد عملت التشريعات على توفير إطار قانوني مستقل لتنظيم التحكيم التجاري
الدولي في عقود التجارة الدولية بصفة خاصة و بالتالي أصبح هذا القانون مصدرا معتبرا
في التحكيم التجاري الدولي.
ولق تم حصر معايير دولية التحكيم في عقود التجارة الدولية في أول معيار هو"المعيار
االقتصادي" الذي يبحث في موضوع النزاع ،و هو نفس المعيار الذي اعتمده القانون
13
النموذجي
و منه فقد تم ربط هذا المعيار بﺂخر جغرافي أال و هو أن يكون ألحد األطراف في النزاع
موطن على األقل أو أن يكون المكان الذي يجب أن تنفذ فيه جزء مهم من االلتزامات خارج
الدولة الموجود بها مؤسسة األطراف ،ثم نصت على معيار اإلرادة لتحديد دولية منازعة
عقود التجارة الدولية و بالتالي إخضاعها للتحكيم الدولي ،و بطبيعة الحال هذا ما تجسد من
خالل بعض نصوص القانون النموذجي للتحكيم .14و تجدر اإلشارة إلى أن المصادر
الوطنية للتحكيم في عقود التجارة الدولية يمتد أيضا للقوانين الخاصة حيث أنه تم النص
في معظم التشريعات على إمكانية اللجوء إلى التحكيم بخصوص النازعات المتعلقة
باالستثمار و ترجع أهمية القوانين الوطنية باعتبارها مصدر قوي للتحكيم في عقود التجارة
الدولية في كون إذا عين األطراف إحدى القوانين الوطنية في اتفاق التحكيم ليفصل على
أساسه في المنازعة فيأخذ هذا القانون بعين االعتبار سواء من قبل المحكم أو األطراف
تحت طائلة بطالن الحكم التحكيمي في حالة عدم احترامه.
- 13بﺮاﯿﻢ العﺴﺮي" ،دراسة تﺤلﯿلﯿة لبعض مقتضيات القانون رقﻢ 0/05الﻤﺘعلق بالﺘﺤﻜﯿﻢ و الﻮساطة
االتفاقية" ،مقال مﻨﺸﻮر بﺴلﺴلة دراسات و أبﺤاث ،العﺪد األول ،طﺒعة األولى ،دار األق،
الﺮباط ،ص .42.40
أقرت عصبة األمم هذا البروتوكول في 24سبتمبر ،1923و قد صادقت عليه 53دولة،
و أهﻢ ما ورد في البروتوكول هو ما جاء في المادة األولى منه حيث نصت على أن كل
من الدول المتعاقدة تعترف بصحة أي اتفاق سواء كان متعلق بالخالفات الحاضرة أو
بالخالفات التي ستحدث مستقبال بين طرفين خاضعين ألحكام هذه االتفاقية على أن يحال
إلى حسم النزاع عن طريق التحكيم.
يظهر في هذا النص أن أحكام البروتوكول تطبق فقط بالنسبة ألطراف العقد الذين
يكونون من موطني الدول المصادقة على هذا البروتوكول و أن أحكامه يمكن أن يطبق
سواء على المنازعات الخاصة بالتجارة أوغير تجارية كما أجازت أن يكون التحكيم في بلد
ليس طرفا فيه ,كما ألزم البروتوكول في مادته الرابعة محاكم الدولة المنضمة إليه أن تحيل
األطراف المتنازعة إلى التحكيم إذا رفعت دعوى إلى المحاكم المذكورة و كان هناك اتفاق
على حل النزاع بطريقة التحكيم التجاري الدولي .
وهذا هو أهﻢ ما جاء في هذا البروتوكول الحتوائه على ثمانية مواد ذكرنا أبرز مادتين و
لم تكتفي عصبة األمم بما أعدته من قواعد في بروتوكول جنيف 1924فقد وجدت أن
الحاجة تقتضي إيجاد قواعد مكملة للبروتوكول الﺴابق و على هذا االساس أقرت في 27
ديسمبر 1927اتفاقية لتنفيذ أحكام التحكيم األجنبية و تتألف هذه االتفاقية من 11مادة و
قد وضعت هذه االتفاقية عدة شروط لالعتراف وتنفيذ الحكم الخاص بالتحكيم حيث جاءت
على النحو التالي:
20
-أن يكون الحكم قد صدر بناءا على مشاركة تحكيم أو شرط تحكيم صحيح طبقا للقانون
الواجب التطبيق - .أن يكون موضوع النزاع من األمور التي يمكن حسمها بالتحكيم وفقا
لقانون الدولة المراد االعتراف و تنفيذ الحكم المذكورة فيها.
-أن يكون الحكم قد صدر من قبل هيئة تحكيمية تم تشكيلها طبقا لمشارطة التحكيم أو شرط
التحكيم أو تشكيلها باتفاق األطراف وفقا لقانون المختار.
-أن يكون الحكم قد أصبح نهائيا في البلد الذي صدر فيه و غير قابل للطعن فيه.
-أن ال يكون االعتراف و تنفيذ الحكم مخالفا للنظام العام أو لمبادئ القانون العام في الدولة
المراد االعتراف بها أو التنفيذ فيها ,كما نصت المادة الثانية على الحاالت التي يرفض فيها
القاضي تنفيذ الحكم و ولعل أبرز مادة فيه هي المادة السادسة التي نصت صراحة
على أن هذه االتفاقية ال تطبق إال على أحكام التحكيم الصادر بعد نفاذ البروتوكول
المتعلق بشروط التحكيم )جنيف.(1923
مع كثرة و زيادة التعامل التجاري الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ،ظهرت الحاجة إلى
إيجاد نظام للتحكيم أكثر مالئمة لمتطلبات العصر و إليجاد حل أهﻢ مشكلة في التحكيم و
هي كيفية تنفيذ الحكم و رغم أن كال من البروتوكول و اتفاقية جنيف قد تناوال هذه المسألة
إلى أن أحكامهما لم تكن تتميز بسهولة التطبيق ،حيث كانت تتطلب لكي يكون التحكيم قابال
لالعتراف به و تنفيذه أن يكون نهائيا غير قابل للطعن كما أن الدول المصادقة لم تكن بذلك
العﺪد الكبير.
و من أجل إيجاد قواعد دولية جديدة لالعتراف و لتسهيل تنفيذ أحكام التحكيم األجنبية
أعدت الغرفة التجارية الدولية مشروعا أقرته في مؤتمرها الرابع عشر الذي عقد
21
في فينا عام 1953و تبنى المجلس االقتصادي و االجتماعي الﺴابق لألمم المتحدة طرح
هذا المشروع للمناقشة .و في عام 1957قرر المجلس المذكور عقد مؤتمر دولي للنظر
في إقرار اتفاقية جديدة حول االعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم ،و بعد مناقشته
تمت في 20يوم توصل المؤتمر إلى إقرار اتفاقية خاصة لالعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم
األجنبية و أصبحت نافذة المعمول منذ ديسمبر929.15
و قد احتوت هذه االتفاقية على ست عشر مادة و هي ال تعالﺞ جميع المساءل التي تتعلق
بالتحكيم وانما اقتصرت على محاولة مسألة االعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم األجنبية في
إقليم الدول المنضمة إليها.
ولقد اخترنا المادة األولى منها بقولها "ينطبق هذا الميثاق على األمور التي تتناول
االعتراف بقرارت التحكيم الصادرة في الدول غير الدولة التي يراد تنفيذ تلك القرارات
فيها و الناشئة عن المنازعات القائمة بين األفراد كما أن عبارة قرارات التحكيم ال
تشمل فقط القرارت التي يصدرها المحكمون و إنما القرارات التي تصدرها هيئات
التحكيم الدائمة".
وكذلك المادة الثالثة التي تنص "على كل دولة من الدول المتعاقدة أن تعترف بصحة ق ار
ارت التحكيم وتنفيذها و ذلك وفقا لقانون البلد المراد التنفيذ فيه وفقا للشروط القبيلة في هذه
التفاقية " 16وعلى الرغم أن اتفاقية نيويورك لعام 1957تعتبر من أحسن ما توصل إليه
المجتمع الدولي في مجال االعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم األجنبية من خالل أحكامها و
كذا األحكام التي تم االعتراف بها و تنفيذها في سبيل هذه األخيرة و المقدرة ب )(250
د.أحﻤﺪ بلقاسﻢ ،الﺘﺤﻜﯿﻢ الﺪولي" ،دار ﻮمة ،الﻄﺒعة االنﯿة،الجزار2004،ص55 - 15
- 17أحﻤد ملﻮ" ،اتفاق الﺘﺤﻜﯿﻢ أسلﻮب لﺘﺴﻮية نﺰاعات عقود الﺘﺠارة الدولية" ،دار الﻨشر
العﺮبﯿة ،القاهرة.90،2001 ،ص
23
عقدت هذه االتفاقية في مارس 1972بين دول مجلس التعاضد االقتصادي المتبادل
وأصبحت نافذة 13ابريل 1973و تختلف هذه االتفاقية عن االتفاقيات الدولية التي سبق
ذكرها في أنها ال تعالﺞ مساءل االتفاق الخاصة بالتحكيم أو صحته أو تنفيذ حكم التحكيم و
إنما تقرر تحكيما اجباريا لجميع المنازعات التي تنشأ عن العالقات الخاضعة بالتعاون بين
الدول األعضاء ،و عليه يجب عرض جميع القضايا على التحكيم دون اللجوء إلى القضاء،
و عليه توجد محكمة تحكيمية في كل دولة من الدول األعضاء ويكون اختصاصها في
المنازعات السالفة الذكر ،وقد وضعت في عام 1973قواعد موحدة إلجراءات التحكيم
في جميع هيئات التحكيم في بلدان مجلس التعاون االقتصادي وأصبحت هذه
القواعد متبعة من قبل هذه الهيئات.18
و يجوز هذا بموجب تلك القواعد ألطراف النزاع إختيار مكان آخر يجرى فيه
التحكيم غير مكان األطراف المتنازعة أي في محكمة تحكيم أخرى في بلد ثالث و يتعين
على هيئات التحكيم أن تصدر أحكاما متجانسة وفقا للشروط المحددة بين المنظمات للدول
تم تعديلها األعضاء في مجلس التعاون االقتصادي المتبادل ،علما أن هذه الشروط قد
عدة مرات و آخرها كان من قبل اللجنة التنفيذية المجلس في 1979و تنص المادة 53
من هذه الشروط "جميع الخالفات التي تنشأ عن االتفاق يجب عرضها على هيئة التحكيم
في غرفة التجارة لبلد المدعي عليه ،أو في بلد ثالث مشارك في االتفاقية الخاصة
لحسم النزا عات بالتحكيم في القضايا التي تنشأ عن العالقات االقتصادية و العلمية و التعاون
الفني ،و من خالل" ،و من أجل االطالع على مختلف القضايا التي تعرض على التحكيم
في تلك الدول ،و يبدو أن عدد القضايا التي تحال سنويا لتسويتها بطرق التحكيم في تلك
الدول يزيد عن 20قضية لكن يعاب عن نظام التحكيم الذي أقرته اتفاقية موسكو
أن األطراف المتعاقدة ،ليس لها حرية انتقاء المحكمين لكونهم أشخاصا يتم تعيينهم
وتتجلى أهمية هذه االتفاقيات المنظمة للتحكيم التجاري الدولي باعتبارها مصدر أساسي
للتحكيم في عقود التجارة الدولية خصوصا في الحالة التي يعين فيها األطراف في اتفاق
التحكيم ،كون القانون الواجب التطبيق يخضع في تحديده التفاقية معينة ،حيث تعتبر هذه
األخيرة بمثابة ضابط أساسي في تحديد القانون المختص بحل النزاع إلى جانب هذا تنفيذ
أحكام التحكيم لهذا النوع من العقود التجارية يخضع دائما التفاقية نيويورك.195819
-4-اتفاقية واشنطن لتسوية المنازعات المتعلقة باالستثمار بين الدول و مواطني الدول
ألخرى 1965
أعدت هذه االتفاقية عام 1965من قبل البنك الدولي لإلنشاء و التعمير لتشجيع االستثمارات
في الدول النامية و نقل رؤوس األموال في الدول المتقدمة ألنهم يخشون من تأمين أموالهم
المستثمرة في تلك الدول ،لذا فﺈنهم يحاولون الحصول على ضمانات لحماية استثماراتهم
من اإلجراءات التي قد تتخذها حكومات الدول النامية و منه يخشى أصحاب األموال
من عرض موضوع خالفاتهم في حالة النزاع على المحاكم الوطنية ،لهذه األسباب كان
من المالئم أن يصار إلى حسم النزاع التحكيم ،حيث تتقبل الدول بصورة أسهل
20
عرض خالفاتهم مع المستثمر األجنبي على التحكيم بدال من محاكم ذلك البلد.
25
وقد وجد أنه من األفضل إنشاء مركز للتحكيم يبت في مساءل المنازعات الناشئة
عن االستثمارات و على هذا األساس عقدت في 18مارس 1965و بﺈشراف البنك
الدولي لإلنشاء و التعمير االتفاقية موضوع الدراسة و بموجبها تم انشاء المركز المذكور
في واشنطن و يطلق عليه اسم المركز الدولي لحسم المنازعات المتعلقة باالستثمار ،و كما
أشار أحد الباحثين العرب فﺈن المركز المذكور قد أحدث وضعا جديدا في مجال
تعتبر المصادر الخاصة للتحكيم في عقود التجارة الدولية أحد األسس المرجعية في تنظيم
و تدبير الدعوى التحكيمية في هذا النوع من العقود وهي تتحدد في اتفاقيات التحكيم
النموذجية و نظمة التحكيم واالجتهادات التحكيمية و ذلك من خالل ما يلي:
تعتبر اتفاقيات التحكيم النموذجية وأنظمة التحكيم مصدرا مهما في تنظيم خالفات عقود
التجارة الدولية في إطار التحكيم التجاري الدولي ،فبخصوص األولي نجد أهميتها في
اعتمادها من قبل مجموعة من مراكز التحكيم الدولية كما هو الحال بالنسبة للمنظمة العالمية
للتجارة والتي تضع اتفاقيات تحكيم نموذجية رهن إشارة األطراف المتنازعة ،و كذلك
غرفة التجارة بباريس و لجنة األمم المتحدة حول القانون التجاري الدولي"."CNUDCI
وفي سبيل الطرح األخير أخذنا بمثال عملي تجلي في القانون النموذجي لقواعد األمم
المتحدة حيث أن هذا األخير ينطبق على التحكيم التجاري ،لكن كان البد من تحديدنا
المصطلح "التجاري" فيه.
26
والواقع أن ال يمكن حصر إصطالح )تجاري(على المفهوم الضيق له ،بقصره على
معامالت التجار وحدها فيما بينهم ،بل ينبغي كما أوضح القانون النموذجي ذاته
تفسير هذا المصطلح تفسيرا واسعا بحيث يشمل المساءل الناشئة عن جميع العالقات
التجارية تعاقدية كانت أو تعاقدية ،والعالقات ذات الطبيعة التجارية تشمل دون حصر
المعامالت التالية :أي معاملة تجارية لتوريد السلع أو الخدمات أو تبادلها ،إدارة الحقوق
لدى الغير ،التأجير الشرائي ،إصدار تراخيص االستثمار ،التمويل ،التأمين ،وغيرها
من أشكال التعاون الصناعي أو التجاري أو نقل البضائع.
على أي حال يجب إعتناق معيار موسع للتجارية في هذا الخصوص ،إذ يعتبر تجاريا كل
تحكيم دولي يواجه مشروعات في شأن نزاع من طابع اقتصادي أي النزاع ينشأ عن
عملية اقتصادية و بالتالي فﺈنه ال يتصور أن يتم حصر األعمال التجارية التي تتطور
بسرعة كبيرة في مدة قصيرة ,و األصل أن التحكيم يعتبر دوليا إذا نصب النزاع عالقة
تنطوي على عنصر أجنبي أو أكثر ،ذلك أن طبيعة المنازعة الدولية تعتبر أحد
الضوابط األساسية لدولية التحكيم التجاري ،و مع ذلك فﺈن قواعد القانون النموذجي للتحكيم
التجاري الدولي التي أقرتها الجمعية العامة لألمم المتحدة في 1975/12/11توسعت في
معيار دولية التحكيم ،فاعتبرت التحكيم دوليا طبقا لنص المادة األولي منها متى كان
موضوعه يتعلق بالتجارة الدولية:
-إذا كان مقر عمل طرفي اتفاق التحكيم وقت ذلك االتفاق واقعين في دولتين مختلفتين و
هنا اتخذت قواعد القانون النموذجي من اختالف مقر عمل الطرفين وقت اإلنفاق معيارا
لدولية التحكيم ،و ال عبرة باختالف جنسية األطراف أو كانت نفسها.
-إذا وجد أكثر من مقر عمل ألحد األطراف ،يعد بمقر العمل األكثر صلة بشرط أو اتفاق
التحكيم ،وفي حالة عدم وجود مقر عمل معروف يؤخذ بمعيار محل اإلقامة.
27
-إذا كان مكان التحكيم المحدد في االتفاق واقعا خارج الدولة الكائن بها مقر عمل الطرفين،
من هنا إعتد به القانون النموذجي كمعيار لتحديد القانون الواجب التطبيق.
المطلب الثاني :الضوابط الﻼزمة لصحة التحكيم التجاري الدولي باعتبارﻩ وسيلة من
وساﺋل توحيد قواعد التجارة الدولية.
إن اتفاق التحكيم سواء كان عقدا أو شرطا ،فﺈنه يقوم على أساس مبدأ سلطان اإل
اردة ،الذي يشكل أساس مشروعيته التجاء األط ارف إلى التحكيم و منه يستمد المحكم
سلطته في الفصل في الن ازع و يترتب على عدم وجود هذا االتفاق انعدام حكم التحكيم كما
يستند على اتفاق التحكيم الذي اختلت شروطه ،و عليه فمناط اختصاص القضاء هو صحة
أو عدم صحة اتفاق التحكيم و هذا بالطبع ما يتجلى في شروطه والتي سنتناولها على النحو
التالي:
28
الفقرة األولى :الشروط الشكلية ﻻتفاق التحكيم
إذا كان اتفاق التحكيم يختلف من حيث أشكاله شرطا كان أم عقدا فﺈنهما يلتقيان لكليهما
حول ضرورة توفر شرط شكلي استلزمه المشرع لقيام اتفاق التحكيم صحيحا منتجا إلثارة
ويتعلق األمر بشرط الكتابة.
إذ البد أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا فاالتفاق الشفوي ال يعتد به في هذا الصدد و هذا ما
استقرت عليه جل التشريعات حيث نصت المادة الثانية من اتفاقية نيويورك بشأن اإلعت
ارف باألحكام التحكيمية األجنبية و تنفيذها على أنه البد من أن يكون اتفاق التحكيم
مكتوبا حتى تقره الدول األعضاء و تعترف به بمعنى أن الدول ال تكون ملزمة باالعت
ارف باتفاق التحكيم إذا لم يكن هذا االتفاق مكتوبا ،و مع ذلك فقد أضفت االتفاقية
21
مرونة كبيرة على الكتابة المطلوبة حيث أنها ال تشترط الكتابة وفقا لشكل معين.
و بالنسبة التفاقية البنك الدولي لتسوية المنازعات االستثمار ،فقد اكتفت بالنص على أن
يكون اتفاق األط ارف في الخضوع للتحكيم لدى المركز الدولي مكتوبا دون بيان بشكل
الكتابة المطلوبة ،فقد تطلبت الئحة التحكيم الصادر عن لجنة األمم المتحدة للقانون التجاري
الدولي عام 1976أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا دون التطرق إلى شكل معين أيضا.
كما نجد موقف القوانين الوطنية على أنها اشترطت أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا لكن
اختلفت فيما بينها حول شكل الكتابة المطلوبة وما إذا كانت رسمية أو عرفية أم إذا كانت
- 21واﻞ أنﻮر بﻨﺪق" ،مﻮسﻮعة الﺘﺤﻜﯿﻢ ،االتفاقﯿات الﺪولﯿة و قﻮانﯿﻦ الﺪول العﺮبﯿة" ،دار
الفﻜﺮ الﺠامعي ،طﺒعة ،2004ص.403
29
الكتابة شرط لصحة اتفاق التحكيم أم أنها لمجرد اإلثبات.22
و يبدو أن غالبية القوانين الوطنية لم تتطلب أن تكون الكتابة رسمية و اكتفت بأن تكون
عرضية كما هو الحال في بريطانيا و أمريكا غير أنه هناك بعض القوانين من اشترطت
الكتابة الثبات و ليس شرطا لصحة اتفاق التحكيم كما هو الحال في الو.م.أ و في القانون
الفرنسي نجد نص المادة 1443من قانون الم ارفعات تنص على أنه يجب أن يكون شرط
التحكيم مكتوبا في العقد األصلي أو في مستند يحيل إلى هذا العقد ،و إال كان باطال ولم
يتضمن هذا القانون أي نص بخصوص اتفاق التحكيم الدولي .و منه فهل هذا النص يطبق
بقولها :عندما يكون التحكيم الدولي خاضعا للقانون اإلجابة كانت في المادة 1415
الفرنسي ال تطبق نصوص الباب األول و الثاني و الثالث من هذا الكتاب ،إال إذا اتفق األط
ارف على خالف ذلك" و عليه فﺈن الشرط السالف الذكر ال يجيز التحكيم الدولي إال إذا
اتفق األطراف على غير ذلك .23وفي القانون المصري كان يتطلب الكتابة كشرط إلثبات
حسب نص المادة 501من قانون الم ارفعات ،لكنه في القانون الجديد منه ،1994رتب
على الكتابة البطالن في حال تخلفها .و بالعودة للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي
فﺈنه اتجه إلى توحيد شكل اتفاق التحكيم ،فأوجب الكتابة شرط النعقاد االتفاق .وهو ما
رددته المادة 32من قانون التحكيم التجاري 1950وذلك إن دل على شيء فأنما يدل على
العمل على تسهيل ظروف التجارة الدولية ،و تحررها من القيود لم تحدد هذه النصوص
شكال كتابيا معينا ،فاكتفت بتضمين هذا االتفاق في صورة مراسالت أو برقيات بين
الطرفين أو غيرها من وسائل االتصال السلكي و الالسلكي طالما كانت قاطعة في
- 22مﺤﻤﻮد اشﻢ" ،الﻨﻈﺮية العامة للﺘﺤﻜﯿﻢ ي الﻤﻮاد الﻤﺪنﯿة و الﺘﺠارية" ،الﺠﺰء األول اتفاق
الﺘﺤﻜﯿﻢ ،دار الفﻜﺮ العﺮبي ،طﺒعة 1990 1ص .107 .106
البد لصحة اتفاق التحكيم أن تكون الشروط الموضوعية متوفرة و هذه الشروط تتمثل في
ثالثة عناصر سنحاول التطرق إليها على النحو التالي:
-1التراضي:
حيث يعد الت ارضي أول شرط موضوعي لصحة اتفاق التحكيم و يعني تطابق إ اردتين في
ترتيب أثار قانونية تبعا لمضمون االتفاق فال بد أن يطابق االيجاب قبوال إلختبار التحكيم
وسيلة لحسم المنازعات التي تثور بين طرفي العالقة فيجب أن تتقابل إ اردة طرفي االتفاق
على اتخاذ التحكيم وسيلة لفض الن ازع الناشﺊ أو الذي يمكن أن ينشأ بينهما ,باإلضافة
إلى اتفاق التحكيم سواء كان شرطا أو مشارطة ،فﺈنه قد يخضع لقانون غير القانون الذي
يخضع له االتفاق األصلي و بالتالي يكون المرجع في كافة ما يتعلق بهذا االتفاق للقانون
الذي يخضع له االتفاق األصلي و بالتالي يكون المرجع في كافة ما يتعلق بهذا االتفاق
القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم ،و هو إما قانون اإل اردة أو الموطن المشترك ،أو
24
قانون بلد محل إبرام االتفاق.
31
والتراضي أيضا يخضع لقانون اإلرادة و اال خضع لقانون بلد الذي يصدر فيه حكم التحكيم
و بما أن الرضا من قبل طرفي االتفاق يعتبر شرطا موضوعيا لصحته وينطبق عليه القانون
المطبق على اتفاق التحكيم ،و منه فﺈن عيوب التراضي في هذا االتفاق و نطاقه و تفسيره
تكون محكومة بالقانون الذي يحكم اتفاق التحكيم كما يخضع لنفس القانون السبب غير
المشروع و جزاءهم عدم المشروعية .والمالحظ أن األحكام الفرنسية إلى قانون معين أو
حتى إلى المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي ،و التي صدرت بشأن عيوب االرادة التستند
إلى قانون معين أو إلى حتى إلى القانون الفرنسي ولكنها تستند إلى عادات وأعراف التجارة
الدولية.25
- 2المحل:
من خالل هذا الشرط فﺈن المحل يعني أن يكون النزاع قابال للتسوية بطريقة التحكيم حيث
نصت المادة 11من قانون التحكيم المصري "ال يجوز التحكيم في المساءل التي ال يجوز
فيها الصلح".
بينما نص قانون التحكيم الفلسطيني في المادة ال اربعة منه "ال تخضع ألحكام هذا القانون
المساءل التالية :
32
-المنازعات المتعلقة باألحوال الشخصية.
فكال القانونين حدد محل التحكيم بشكل واضح ال لبس فيه حيث أورد االستثناء على سبيل
الحصر الحاالت التي ال يجوز فيها اللجوء إلى التحكيم ما عدا هذه الحاالت يجوز فيها لألط
ارف اللجوء إلى التحكيم و اتخاذه وسيلة لحل المنازعات التجارية التي تثور بينهم.26
و بالتالي فمحل اتفاق التحكيم هو موضوع المنازعات التي يشملها اتفاق التحكيم و التي
ينص على حلها بطريق التحكيم ،و في بعض األحيان ال يتضمن االتفاق اإلشارة فقط إلى
الن ازع في موضوع معين ،كأن يقال أن الخالفات التي تنشأ بين الطرفين بالنسبة لنوعية
البضاعة يصار إلى حلها التحكيم أو القول أن جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقد
تحل عن طريق التحكيم هذا بطبيعة الحال في حال وضع شرط التحكي "مشارطة التحكيم"
يتم بعد نشوء الخالف أو النزاع و في هذه الحالة يكون موضوع الن ازع معروفا و يمكن
تحديده بدقة.
فموضوع االتفاق أو محله يثير مسألتين أساسيتين :أولهما القابلية الشخصية للتحكيم التي
تتعلق بأهلية الدول أو الدولة التي تخضع للمجموعات العامة و األشخاص المعنوية للقانون
العام في اإللتجاء إلى التحكيم و هذه يحكمها سواء القانون الشخصي للدولة الطرف في
االتفاق أو الشخص المعنوي في القانون العام ،و سواء لقانون العقد األصلي الممتد التفاق
التحكيم مع مراعاة أن أهلية الدولة لألشخاص المعنوية في القانون العام تعتبر قاعدة قانونية
دولية مادية ،أما القابلية الموضوعية التي تتعلق بموضوع الن ازع فﺈنها تتحدد طبقا للقانون
المطبق على اتفاق التحكيم للمسألة المتنازع عليها إذا كانت تخرج عن نطاق العقد.
33
وطالما أن اتفاق التحكيم و هو عقد كسائر العقود فﺈن محله يجب أن تتوفر فيه الشروط
العامة المتطلبة في مجال االلتزامات التعاقدية والتي تقصد من خاللها على أن يكون هذا
المحل:
-موجودا.
وإضافة إلى الشروط السابقة البد أن ينصب محل اتفاق التحكيم على ن ازع مالي
في إطار القانون الخاص بين طرفي العالقة القانونية ،و الذي يفترض فيه أن يقبل الصلح
أما إذا كان ال يقبله فقد اتفقت كل التشريعات بما في ذلك التشريع الوطني على عدم جواز
التحكيم فيه وهذه المسألة تعتبر من النظام العام و يترتب على مخالفتها بطالن اتفاق
التحكيم.27
-3السبب
و هنا يجب أن يكون السبب مشروع ،حيث أنه من الضروري والزم لتكوين اتفاق
التحكيم حاله حال العقود األخرى فاتفاق األط ارف يجد سببه في إ اردتهم في استبعاد طرح
الن ازع على القضاء و تفويض األمرللمحكمين ،و يعد هذا السبب مشروعا إال إذا اثبت أن
- 27أحﻤﺪ أبﻮ ال ﻮاء" ،الﺘﺤﻜﯿﻢ االﺘﯿاري و الﺘﺤﻜﯿﻢ اإلجﺒاري" ،دار الﻤعار اإلسﻜﻨﺪرية،
طﺒعة ،199،5ص .1
34
المقصود منه التهرب من أحكام القانون الذي كان سيطبق في حال طرح النزاع على القضاء
نظرا لوجود قيود معينة يرغب األطراف في التخلص منها و هو ما يمثل حالة من حاالت
الغش نحو القانون فيكون التحكيم وسيلة غير مشروعة ي ارد بها االستفادة من حرية
األطراف أو حرية المحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق.
وال يختلط السبب غير المشروع بالمحل غير الممكن أو غير المشروع ،فاألول
يقتضي البحث عن إجابة السؤال لماذا لجأ األطراف للتحكيم ،أما الثاني فيتعلق بتحديد
الموضوع المراد تسويته بطريق التحكيم و هل مشروع أم ال .فنظ ار لكون التحكيم هو
طريق استثنائي لحل المنازعات بين األط ارف فال بد أن يكون السبب مشروعا حتى يحقق
التحكيم الهدف المنشود منه .وأن ال يكون وسيلة لدى األطراف للتهرب من الخضوع الحكام
القضاء.
35
الخــــاتمة
تطرقنا في موضوعنا هذا الى دور التحكيم في توحيد قواعد التجارة الدولية،
بحيث أصبح ظاهرة مسلما بها في ميدان التجارة الدولية ،في األخير يمكننا القول انه
بزيادة أهمية التجارة الدولية ،وكثرة و كثرة مشاكلها أصبح االهتمام بمحاولة البحث
عن حلول قانونية لها ،أمر يشغل بال الباحثين و المشرعين في مختلف الدول سواء
على المستوى الوطني أو باألخص على المستوى الدولي ،أمر جعل مختلف المنظمات
و الهيئات الدولية تسعى إلى خلق قواعد موحدة تحكم النشاط التجاري الدولي بغض
النظر عن طبيعة النظام االقتصادي الذي يسود في دولة من الدول ،و دون اعتبار
لطبيعة النظام القانوني الذي تتبعه هذه الدول ،و عليه أخذ التحكيم التجاري الدولي
باعتباره أهﻢ آلية لتسوية النازعات التجارية حيزا كبيرا من حيث مساهمته و لو بطريقة
غير مباشرة في محاولة خلق قواعد قانونية موحدة يتم اللجوء إليها في حالة وقوع نزاع
في إطار التجارة الدولية ،و يتجلى ذلك من خالل مجموع األحكام التحكيمية التي صدرت
بشأن عقود تجارية ثارت بسببها خالفات أدت إلى استخالص أحكام تجارية ،خاصة في
مجال تنازع القوانين بالدرجة األولى من خالل تحديد القانون الواجب التطبيق على
مختلف النازعات وفقا لقواعد قانون التجارة الدولية.
فالتحكيم و إن لم يحقق ذلك التوحيد الذي تسعى إليه مختلف الدول ،فﺈنه كان
بمثابة طريق للوصول إلى بعض األحكام الموحدة و ذلك تجسد بصورة واضحة من
خالل القانون النموذجي التحكيم التجاري الدولي سنة .1958و بالتالي يمكن اعتبار هذه
اﻵلية هي المبدأ الرئيسي الذي يحكم العالقات التجارية في الوقت الراهن لكثرة تداوله
بين المتعاقدين.
36
الفهـــــرس
مقـــدمة1............................................................................................................................................ :
المبحث األول :ماهية التحكيم التجاري الدولي و عالقته بمبدأ سلطان اإلرادة4......................................................... .
المطلب األول : :ماهية التحكيم التجاري الدولي و غالبية الطبع التعاقدي عليه 4..................................................
الفقرة الثانية :غالبية الطبع التعاقدي على التحكيم التجاري 10 ...................................................................
المطلب الثاني اآلثار المترتبة على الطابع التعاقدي للتحكيم في مجال التجارة الدولية 15 ...........................................
الفقرة األولى :القوة الملزمة ﻻتفاق التحكيم بالنسبة لألطراف 15 ................................................................
الفقرة الثانية :القوة الملزمة ﻻتفاق التحكيم بالنسبة للقضاء 16 ..................................................................
المبحث الثاني :ضوابط التحكيم التجاري في تحديد ابعاد قواعد قانون التجارة الدولية 18 ......................................
المطلب األول :مصادر التحكيم في عقود التجارة الدولية كضابط لتحديد أبعاد قواعد التجارة الدولية 18 .......................
الفقرة األولى :المصادر العامة للتحكيم وفقا لقواعد التجارة الدولية 18 .........................................................
المطلب الثاني :الضوابط الﻼزمة لصحة التحكيم التجاري الدولي باعتبارﻩ وسيلة من وساﺋل توحيد قواعد التجارة الدولية.
28 ................................................................................................................................................
37