‫املراهقة ليست متغيرا بحثيا‬

‫البشير معمرية‬
‫أستاذ القياس النفس ي ومناهج البحث النفس ي (سابقا)‬
‫جامعتا الحاج لخضر ـ باتنة‪ ،‬ومحمد ألامين دباغين ـ سطيف‬

‫زمالئي وزميالتي ألاعزاء‪،‬‬

‫طالبي وطالباتي ألافاضل‪،‬‬
‫أنتم الباحثون في علم النفس‪ .‬أقول لكم‪ :‬ليس كل املفاهيم التي يتوفر عليها تخصص‬
‫تعد متغيرات قابلة أو صالحة للبحث العلمي النفس ي‬‫علم النفس في مؤلفاته‪ ،‬وفي قواميسه‪ّ ،‬‬
‫امليداني‪.‬‬
‫وأقصد هنا بصورة خاصة‪ ،‬مفهوم املراهقة‪ ،‬فقد الحظت العديد من البحوث‪ ،‬سواء‬
‫على مستوى املاجستير‪ ،‬سابقا‪ ،‬أو املاستر‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬وعلى مستوى أطروحات الدكتوراه‪،‬‬
‫يتناولون املراهقة بصفتها متغيرا بحثيا‪ ،‬فيضعون لها تعريفات تأسيسية وتعريفات إجرائية‪.‬‬
‫ويكتبون لها فصال خاصا يتناولون فيه مرحلة املراهقة‪ ،‬وهذا ألامر لم أالحظه لدى الباحثين‬
‫الجزائريين‪ ،‬فقط‪ ،‬بل لدى باحثين في جامعات شرقية أيضا‪( ،‬حدث أن اطلعت على بحث‬
‫مصرية‪ ،‬كذلك‪ ،‬املراهقة تعريفا إجرائيا)‪ .‬وهذا ليس صحيحا أبدا‪ .‬وأقدم‬‫ّ‬ ‫عرفت فيه باحثة‬
‫ّ‬
‫التبريرات آلاتية لكالمي هذا‪ ،‬عس ى أن تنشط تفكيركم‪ ،‬أو تقنعكم‪.‬‬
‫‪ .1‬لو نسأل أي متخصص في علم النفس‪ ،‬ونقول له‪ :‬ماذا يدرس علم النفس ؟ أو ما‬
‫موضوع علم النفس ؟ سيجيب بأن املوضوع الذي يدرسه علم النفس‪ ،‬هو السلوك‪ .‬وبالتالي‬
‫فإن أي مفهوم ال يعد سلوكا‪ ،‬حتى ولو كان من مفاهيم علم النفس‪ ،‬ال ّ‬
‫يعد متغيرا بحثيا‪.‬‬
‫واملراهقة ليست سلوكا‪ ،‬وبالتالي ليست متغيرا بحثيا‪ .‬إن املراهقة مرحلة نمائية‪ ،‬مثلها مثل‬
‫مرحلة الطفولة‪ ،‬ومرحلة الرشد املبكر (الشباب) ومرحلة الكهولة‪ ،‬ومرحلة الشيخوخة‪ .‬وهذه‬
‫املراحل ليست متغيرات بحثية‪ ،‬لكن يبحث ما يحدث فيها من سلوك‪ ،‬يتعلق بتلك املرحلة‬
‫النمائية‪.‬‬
‫‪ .2‬قمت بتدريس "علم نفس الطفل واملراهق"‪ ،‬طيلة ‪ 18‬سنة‪ ،‬في معهد تكوين أساتذة‬
‫أدرس الطفولة على أن ما يحدث للفرد البشري في‬ ‫التعليم املتوسط بمدينة باتنة‪ .‬وكنت ّ‬
‫وأدرس املراهقة على أن ما يحدث للفرد البشري في امتدادها‬ ‫امتدادها الزمني هو‪" :‬نمو"‪ّ ،‬‬
‫تغير"‪ .‬أي التغير فيما تم نموه في مرحلة الطفولة‪ .‬إن لفظ املراهقة‪ ،‬مشتق من‬ ‫الزمني هو‪ّ " :‬‬

‫‪1‬‬
‫فعل "راهق"‪ ،‬بمعنى‪ :‬اقترب من النضج في جوانب عديدة من النمو إلانساني‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫البحث العلمي النفس ي‪ ،‬ال يتناول املراهقة "كمرحلة نمائية"‪ ،‬بل يتناول حقيقة ما يبحث في‬
‫هذه املرحلة من تغيرات نمائية في جوانب عديدة لكي يحقق الفرد هنا النضج جوانيه‬
‫الجسمية والعقلية والاجتماعية والعاطفية والجنسية وغيرها‪ ،‬وهنا يظهر جليا أن املراهقة‬
‫"كمرحلة" ال يصح أن تكون موضوعا للبحث‪ ،‬بل الذي يبحث‪ ،‬هو "خصائص ألافراد" الذين‬
‫يوجدون عمريا في هذه املرحلة‪ ،‬ومن هذه الخصائص‪ ،‬على سبيل املثال‪ :‬طرق التفكير‪ ،‬تقدير‬
‫الذات‪ ،‬مفهوم الذات‪ ،‬التوجه نحو الاستقاللية‪ ،‬التوجه نحو املستقبل‪ ،‬التوجه نحو اختيار‬
‫املهنة‪ ،‬قلق املستقبل‪ ،‬العالقات بالوالدين‪ ،‬العالقات العاطفية‪ ،‬العالقات باألقران وغيرها‬
‫من الخصائص أو املتغيرات السلوكية التي تبحث عادة لدى املراهقين‪ ،‬وليس مطلوبا وال‬
‫مالئما‪ ،‬أبدا‪ ،‬كتابة فصل كامل عن املراهقة‪ ،‬فهو عمل "نشاز"‪ ،‬وال مبرر له‪ ،‬وال يصح كذلك‪،‬‬
‫تعريف املراهقة تأسيسيا (مفهوميا)‪ ،‬وال يصح تعريفها‪ ،‬كذلك‪ ،‬إجرائيا‪ ،‬ألنها ليست متغيرا‬
‫كميا وال تقاس‪ ،‬وليست مفهوما مجردا في بحث ميداني‪( ،‬ألن شرطي التعريف إلاجرائي‪ ،‬هما‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يكون املتغير السلوكي مجردا‪ )2( .‬وأن يكون البحث ميدانيا)‪.‬‬
‫‪ .3‬يرد عادة‪ ،‬مفهوم "املراهقة"‪ ،‬في عناوين البحوث بواحدة من الصياغتين آلاتيتين‪)1( :‬‬
‫إما كمرحلة‪ .‬مثل‪" :‬التوجه نحو الاستقاللية في مرحلة املراهقة"‪ )2( .‬أو يرد كمجتمع‪ /‬كعينة‬
‫بحث‪ .‬مثل‪" :‬التوجه نحو الاستقاللية لدى املراهقين"‪.‬‬
‫عرف‪ ،‬وال يكتب‬ ‫فعندما ترد كمرحلة فقد بينت أنها ليست متغيرا سلوكيا‪ ،‬وبالتالي ال ت ّ‬
‫لها فصل مستقل‪ ،‬ألنه‪ ،‬ووفق الحقيقة التي أقولها هنا‪ ،‬إن الباحث مهما اجتهد في كتابة‬
‫فصل عن املراهقة‪ ،‬ف لن يقدم جديدا‪ ،‬أكثر مما هو موجود في مؤلفات علم نفس النمو التي‬
‫تزخر بها مؤلفات علم النفس‪ .‬وبالتالي لن يكون فصال أكاديميا‪ ،‬يقدم بعض ما هو جديد‪،‬‬
‫نسبيا‪ ،‬ألن الباحث سيقتبس حرفيا ما تمت كتابته في املؤلفات التي تناولت املراهقة كمرحلة‬
‫نمائية‪ .‬أما إذا ورد لفظ املراهقة كعينة‪ ،‬فيكفي أن يتحدث الباحث عن املراهقين كعينة في‬
‫املكان الخاص بها في متن البحث‪.‬‬
‫‪ .4‬وترد عناوين بحوث أخرى تكون عيناتها من املراهقين‪ ،‬يحكم ترتيب املرحلة التعليمية‬
‫التي يوجد فيها مجتمع البحث‪ ،‬لكن ال يتم ذكر مفهوم "املراهقة" وال مجتمع "املراهقين" مثل‬
‫عنوان البحث الذي يرد هكذا‪" :‬إدمان الانترنت لدى تالميذ التعليم املتوسط" أو "العالقات‬
‫العاطفية لدى تالميذ التعليم الثانوي"‪ .‬ومع ذلك يكتب الباحثون فصال عن املراهقة‪ ،‬فيأتي‬
‫البحث ليس جيدا إطالقا‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .5‬إن الذي ينبغي أن يهتم به الباحثون في البحوث التي تكون عيناتها من املراهقين‪،‬‬
‫جانبين أساسيين‪ ،‬هما‪ )1( :‬املتغير السلوكي الذي يهدف البحث إلى تناوله‪ ،‬مثل‪ :‬التوجه نحو‬
‫اختيار املهنية‪ )2( .‬الدراسات السابقة التي تناولت هذا املتغير ومناقشتها بطريقة نقدية‪،‬‬
‫ليتسنى للباحث أن يعرف عند اتمام بحثه مكانة نتائج بحثه بالنسبة ملا تم بحثه سابقا في‬
‫نفس املوضوع‪ ،‬وهل أضاف للبحوث السابقة شيئا جديدا ومهما في هذا املوضوع‪ .‬فالعلم‬
‫ينمو ويتطور‪ ،‬ويكون مفيدا‪ ،‬بإضافة نتائج البحوث التي تم التحقق منها علميا إلى بعضها‪.‬‬
‫(خاصية التراكمية)‪.‬‬

‫والخالصة‪.‬‬
‫هناك مكانان (موضعان) فقط‪ ،‬في تقرير البحث‪ ،‬يشار فيهما إلى املراهقين واملراهقة‪،‬‬
‫هما‪ )1( :‬عند الحديث عن العينة‪ ،‬فيذكر الباحث حجم العينة وبعض خصائصها ألاخرى؛‬
‫كالجنس واملرحلة التعليمية وغيرها‪ )2( .‬عند مناقشة نتائج البحث‪ ،‬فيفسر ما توصل إليه‬
‫من نتائج بأنها من خصائص ألافراد في هذه املرحلة النمائية‪ ،‬فيقدم مساهمة علمية واضحة‪،‬‬
‫وبطريقة منهجية علمية صحيحة‪.‬‬

‫‪3‬‬