Professional Documents
Culture Documents
نص جديد حول الأمير عبد القادر في رحلة الألماني - بوكلر موسكاو - للجزائر سنة 1835م.
نص جديد حول الأمير عبد القادر في رحلة الألماني - بوكلر موسكاو - للجزائر سنة 1835م.
نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة 1835م.
A new text on Emir Abdelkader on the German “ Pückler-
Muskau ” trip to Algeria in 1835 AD
ملخص :مثلت الجزائر بعد اإلحتالل الفرنس ي خالل القرن 19م ،وجهة للعديد من الرحالة
األوربيين الذين دونوا وقائعا وأحداثا مهمة عن تلك الفترة،وأصبحت تلك النصوص مهمة
جدا إلعادة قراءة تاريخ تلك املرحلة الحرجة ،بشكل يختلف عن ما كتبه املدرسة الكولونيالية
التاريخية آنذاك .من بين اإلشكاليات التي يمكن طرحها في هاته الورقة العلمية هي :ما
الجديد الذي أمدنا به هذا النص الرحلي حول شخصية األمير عبد القادر ومشروع دولته في
سنواتها األولى؟ وهل يمكن بناء صورة جديدة حول األمير عبد القادر و دولته من خالل هذا
النص؟ .إن من أبرز النتائج التي تم التوصل إليها هي :أن هذه الرحلة تظهر مدى إهتمام
الغرب بالشرق ،خاصة في فترة القرن 19م،وأن هناك رحالة أوربيون كثر زاروا الجزائر في تلك
الفترة ،وأعمالهم الزالت مغمورة إلى اليوم ،وأن هذا النص الرحلي ّبين شخصية األمير عبد
القادر و دولته ،وعالقته مع الفرنسيين ،األمر الذي جعل منه رجل دولة بإعتراف الطرف
اآلخر،كذلك ّبين مدى حضور الخطاب الغربي ،والذي كان سائدا آنذاك ،واملتمثل في ثنائية
التحضر والتوحش ،وهي الذريعة التي إستعملها اإلحتالل للدخول إلى البلدان التي كانت
تعيش اإلنحطاط ومنها الجزائر.
كلمات مفتاحية :األمير عبد القادر ،بوكلر موسكاو،الرحلة،الرحالة األوربيون،األملان.
Abstract:
After the French occupation during the 19th century, Algeria
represented a destination for many European travelers who wrote
down important facts and events about that period, including the
German Pückler-Muskau. This trip showed the extent of the West's
interest in the East, especially in the period of the 19th century AD,
and that there was a trip by many Europeans who visited Algeria in
that period, and their works are still obscure to this day, and that this
nomadic text shows the personality of Prince Abdel kader and his
state.
Keywords: Pückler-Muskau. Prince Abdel kader. German travellers.
Algeria.
مقدمة:
مثل إحتالل الجزائر سنة 1830م من طرف الفرنسيين وما تبعه من سياسة إستيطانية (إستقدام ّ
جماعات أوربية من متخلف بلدان أوربا) نوع من إعادة إحياء صورة املاض ي عن الشرق وما فيه من
خيرات ،وكانت الدعاية الكولونيالة الفرنسية عن طريق صحافتها حاضرة بقوة إلنجاح مشروعها
اإلستيطاني ،حيث أستهوت فكرة اكتشاف الجزائر الكثير من الرحالة األوربيين واملغامرين األمر الذي أنتج
الكثير من الكتابات حول الجزائر في الفترة املبكرة من اإلحتالل.
أصبحت أحداث الجزائر (اإلحتالل الفرنس ي ومقاومة األمير عبد القادر) حديث العامة في أوربا،
فأصداؤها وصلت حتى أملانيا ،والالفت في ذلك صدور مقاالت صحفية تشيد بشخصية شاب عربي يقود
املقاومة ضد اإلحتالل الفرنس ي يدعى األمير عبد القادر ،فبطوالته وإستراتيجته في مواجهة الفرنسيين
ومشروعه السياس ي املتمثل في إقامة دولة ،كل هذا دفع الرحالة األوربيين إلى السفر للجزائر والوقوف على
ّ
مشروعه ،ومن بينهم رحالة أملاني يدعى"بوكلر موسكاو" (1785م1871-م) الذي نظم رحلة للجزائر قصد
إكتشاف والتعرف على األمير الشاب عبد القادر.
اذا كانت الرحلة نص يحاول من خالله الرحالة سرد ما شاهده من وقائع داخل حيز جغرافي
محدود ،فإنه يمد املؤرخ بوقائع تاريخية مهمة تدفعه إلى إعادة إستقراء ذلك النص الرحلي لبناء نص
تاريخي جديد عن شخصية أو واقعة قد تغفلها املصادر التاريخية أو ال تعطيها حقها ،ومن هذا يمكن أن
نؤسس إلشكالية ورقتنا العلمية هاته وهي :ما الجديد الذي أمدنا به هذا النص الرحلي حول شخصية
األمير عبد القادر ومشروع دولته في سنواتها األولى؟ كيف كانت نظرة هذا الرحالة لرجل شرقي وقف في
وجه اإلحتالل الفرنس ي؟ هل يمكن بناء صورة جديدة حول األمير عبد القادر و دولته من خالل هذا
النص؟ كل هذا سنحاول اإلجابة عنه وفق املنهجية التالية:
1 Christian Friedrich, Ulf Jacob und Marie-Ange Maillet (Hg.): Fürst Pückler und Frankreich.
Ein bedeutendes Kapitel des deutsch-französischen Kulturtransfers. be.bra wissenschaft
verlag, Berlin 2012.p08
2 Ibid.24
century Europe. African Studies Center of the University of California at Los Angeles,
1979.p55.
لألمير ورثتها الكاتبة لودميال أسينغ ،1التي كتبت سيرته الذاتية ونشرتها بعد وفاته باإلضافة إلى مراسالت
ُ
ومذكرات لم تنشر خالل حياته.2
-3-1مؤلفاته :ترك بوكلر مجموعة من التصانيف في األدب و الرحلة والبستنة منها:
-رسالة متوفىBriefe eines Verstorbenen.1830
-جولة أمير أملاني 4 ،أجزاء1832-1831 ،مTour of a German Prince.
جنبا إلى جنب مع وصف التطبيق العملي في موسكاو 1834.م. -تلميحات إلى البستنة الطبيعيةً ،
Andeutungen über Landschaftsgärtnerei verbunden mit der
Beschreibung ihrer praktischen Anwendung in Muskau
-دورة ما قبل األخيرة حول العالم لسيميالسو 1835.مSemilassos vorletzter .
Weltgang
-سيميالسو في إفريقيا 5 ،مجلدات 1836مSemilasso in Afrika .
-من إمبراطورية محمد علي (في مصر) 3 ،مجلدات1844 ،مAus Mehemed .
)Ali’s Reich (on Egypt
-مراسالت ومذكرات األمير هيرمان فون بوكلر موسكاو (رسائل ومذكرات) 9 ،مجلدات1873-،
76مBriefwechsel und Tagebücher des Fürsten Hermann von Pückler- .
).Muskau (letters and diaries
ثانيا /الوصول للجزائر ووصف الغرب الجزائري والطريق نحو عاصمة
األميرعبد القادر.
تجهز األمير األملاني بوكلر للرحلة التي قادته من إنجلترا إلى شمال إفريقيا ،بدءا بالجزائر وتونس
ومصر والسودان ،ذكر أحداثها في كتاب من خمسة أجزاء صدر سنة 1836م تحت عنوان " سيميالسو في
إفريقيا" Semilasso in Afrikaوإسم سيميالسو مستعار ويعني " املتوفى" .واملالحظ في الجزء
1روزا لودميال أسينغ ( 1821م– 1880م) كاتبة أملانية ذات أصل يهودي.لها عدة أعمال منها :نيكوالس
جاتر (رواية) ،ممثلو التغيير الجذري .رجال ونساء ثورة 1848م،رسائل من ألكسندر فون همبولت إلى
فارنهاغن فون إنس ي .باإلضافة ألعمال أخرى.
الذي يتحدث فيه عن رحلته للجزائر ،أنه جاء على شكل رسائل كتبها مرة لصديقه ومرة لزوجته ،فهو
يصرح بإسمها قائال" يا عزيزتي لوس ي!.1"...
كان ميناء تولون بفرنسا املكان الذي أقلع منه بوكلر نحو الجزائر ،حيث يستطرد في ذكر املدينة
و كيف كان إنطباعه سيئا عنها "...خالل إقامتي التي استمرت حوالي عشرة أيام في تولون .في الواقع أنا
بالكاد أعرف مدينة ساحلية فقيرة ومملة للغاية 2".بعدها يبدأ في سرد مغادرته نحو الجزائر قائال""في
صباح اليوم التالي عندما غادرنا تولون ،كانت الرياح والطقس مواتيين ،والبلد الرائع الواقع على الطريق ،
ً
الذي أصبح أكثر جماال بسبب أشعة الشمس الالمعة...ويبدو أن املوسيقى العسكرية على متن سفينة
األدميرال كانت تحيي رحيلنا" .3بعدها توثق رسالة تاريخ إبحاره في املتوسط عندما كان بين الجزائر و فرنسا
" البحر األبيض املتوسط في 12يناير .1835أكتب إليك يا صديقي ،من وسط سفينة التمساح ،وهي
تبحر بالضبط في منتصف الطريق بين فرنسا والجزائر ،من بورت ماهون وجزيرتها الطويلة ،التي تعلو
فوقها قمة مايوركا الشاهقة ،على مرأى ومسمع الريح التي تقترب من الجنوب".4
بعد أن إستغرقت الرحلة يوما واحدا ،وصل بوكلر إلى مدينة الجزائر،التي يصفها قائال"رصيف
الجزائر 13جانفي منتصف الليل ...يا له من منظر رائع يحيط بي يا عزيزتي لوس ي! لقد ألقينا املرساة في
املكان املحدد الذي قصف منه اللورد إكسماوث الجزائر ...البحر األزرق يتألق بسالسة كاملرآة ،على
اليسار يرتفع جبل األطلس الذي ال يزال مغطى بالثلج ،مثل جبل سيراتوس املدبب ،وعلى اليمين املنارة
العالية مضاءة بشكل خافت بثالث مآذن ،مثل كتلة بيضاء متجمعة ترقد مثل مخلوق هامد عند سفح
الجبل.5"...
بعد هذا الوصف يستطرد بوكلر في وصف مدينة الجزائر ومحيطها وتاريخها و عناصرها البشرية
في رسائل عديدة ، 6ولعل امللفت هو أن بوكلر "توغل في محيط جبل األطلس على رأس فرقة صغيرة من
1
Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers, and Other Parts of Africa. R.
Bentley, 1839.vol1.p17.
2 Ibid.P04.
4
Ibid.pp.1.2
5 Ibid .P17.
6كان عدد الرسائل 14رسالة كلها تتحدث عن مدينة الجزائر و البليدة و بوفاريك ،باإلضافة إلى بعض
املحطات التاريخية خالل العهد التركي .للمزيد أنظرHermann Pückler-Muskau. Travels and :
Adventures in Algiersمن p1إلى .p304
- 236 -
نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة 1835م.
ى2 العرب ،حيث لم يقم أي أوروبي 1بزيارتها منذ غزو الجزائر ،وجعل من نفسه قياديي بين بني موس
حمال إحدى وخراشنا ،3فتلقى منهم كرم الضيافة ،ونام في دوارهم ،وأكل كسكسهم ،وصعد معهم قمة ّ
أعلى قمم هذه السلسلة .بعد أن أمض ى ستة أيام بصحبة العرب ،عاد إلى الجزائر عبر رأس ماتيفو وعلى
طول شاطئ البحر".4
رغم محاولة بوكلر اإلتصال باألمير عبد القادر ،إال أنه لم ينجح في ذلك ،وبقي سبب ذلك
مجهوال ،حتى أنه لم يشر لذلك في رسائله ،فكل ما ذكره عن األمير عبد القادر كان عن طريق ما رواه له
صديقه " كليمرث" 5الذي زار األمير وإلتقى به ،وفي هذا الصدد يقول":بينما كنت على عالقة بعرب الشرق،
كبيرا بعرب الغرب وأثنى على معسكر عبد القادر الذي كان يخشاه ً
اهتماما ً كان صديقي كليمرث قد وجد
كثيرا .وقدم لي نبذة مختصرة عن رحلته التي أعتقد أنها تستحق اإلعادة" .6في البداية يصف الجهة الغربية
و مدينة وهران وكيف فقدت مركزيتها كعاصمة لبايلك الغرب خالل عهد األتراك .يقول بوكلر عن صديقه
" بعد مكوثه بضعة أيام في وهران أعطى بعض املالحظة .فهي تقع في منطقة خالية من األشجار وقد بدأت
1بالعودة إلى كتب الرحلة يتبين أن هذا غير صحيح ،ألن هنالك رحالة إسكتلندي يدعى توماس كامبل زار
الجزائر قبل بوكلر في سنة 1834م .وألف كتابا بعنوان" رسائل من الجنوب". Letters from the South .
وأنا أعكف على ترجمته من اإلنجليزية إلى العربية.
2بني موس ى أكبر قبائل الوسط الجزائري تمتد بسائطها من تخوم البويرة و بومرداس الى الجزائر و
البليدة،أصولها زغبية هاللية .اقليم هذه القبيلة خصب و منتوجاتها صحية .يجتمعون يوم االربعاء في
سوق اسمه لربعا بين حاميس و الحراش.
3لم أقف على أصل هذه القبيلة.
4 Revue française et étrangère. 1837.TOME1.P410.
5كليمرث رحالة و مترجم .إبن شقيق الجنرال الفرنس ي راب ، Rappخدم في البحرية الفرنسية و قدم إلى
الجزائر كمترجم.
6Ibid.p305.
تماما ،وشرع بيليسيه 1في إنشاء منزل تجاري هناك ولهذا الغرض ،كان من الضروري إجراء مقابلة تتهاوى ً
مع عبد القادر لطلب اإلذن منه .و بشأن ذلك تلقى املرور اآلمن إلى معسكر" .2يظهر من خالل هذه
الرواية أن السلطات الفرنسية كانت ترى في األمير صاحب سيادة ولم ترد إنشاء أي منشآت عمرانية بدون
تصريح منه ،وهي الحقوق التي حفظتها معاهدة دي ميشال 1834م ،كما حددت سلطة األمير في إقليم
عربيا ينتظر وصولهم ،فقدم لهم زعيما ً
وهران .بعدها يسرد بوكلر وقائع الرحلة فيقول" وجدوا في أرزيو ً
مشهورا ،ولكن مظهره غير مرغوب فيه للغاية ،معً ً
محاربا إجابة كريمة وتعهد بمرافقتهم .كان هذا الرجل
تعبير دنيء ودهاء على الوجه الذي لم يكن من املمكن أن يعطي أي ثقة ،والذي سرعان ما بدأ مثل
املتوحش يطلب منهم الجوارب واملناديل إلخ .3"....بقدر ما يصف بوكلر أحد قادة عبد القادر فإنه يحاول
أن يظهره للقارئ األوربي في الشكل الذي يظهر في الخطابات األوربية ،وهي أن الرجل الشرقي غير متحضر
أو "متوحش" وهو الخطاب الذي كان سائدا خالل فترة القرن التاسع عشر و كان يقوم على ثنائية
التحضر و التوحش .يكمل بوكلر سرده قائال" في صباح اليوم التالي ،انطلقوا قبل الفجر من أجل قطع
جزء من املسافة .ثم واصلوا رحلتهم ستة فراسخ عبر سهل الهبرة 4الذي يقال إنه أكبر بكثير من سهل
جيدا ولكن رغم ذلك لم تصل متيجة ،رأى املسافرون العديد من املروج الجميلة وبعض األراض ي املزروعة ً
العين إلى شجيرة واحدة" . 5بعدها " مشوا ملدة ثالثة أرباع الساعة عبر بركة ارتفعت مياهها لغاية أحزمة
وشيئا من بعيد ظنوا خطأ أنه غابة السرج .لقد أوا هناك أسرابا كاملة من طيور اللقلق والطيور األخرىً ،
ر
ولكن لدهشتهم ،كان قطيعا كبيرا من الجمال .ثم عبروا في طريقهم غابة حقيقية تتكون من أشجار عالية
يمكن تحملها ،والتي يبدو أن العرب يستخدمونها بال مباالة وإهدار .وصلوا اآلن إلى الجبال وعبروا واديا تلو
اآلخر شديد االنحدار .كانت األشجار معظمها من الصنوبريات 6".بعد أن قطع الوفد تلك املسافة تظهر
عاصمة األمير معسكر أمامهم لكن مساءا ،وعندها يبدأ في وصفها قائال"لم يصلوا إلى معسكر حتى
مساء ،ووجدوا العاصمة واقعة على سهل مرتفع مبنية من منازل من طابق واحد، ً الساعة التاسعة
1ماريشال بليسييه عسكري فرنس ي برتبة مارشال ،شارك في إحتالل الجزائر عام ، 1830تم إرساله مرة
أخرى إلى شمال إفريقيا في عام 1844م خالل الحرب املغربية األولى ،وقاد الفرنسيين في معركة إيسلي.
شغل منصب رئيس أركان والية وهران برتبة مقدم.
2 Ibid.p305.
3
Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers.P306.
4الهبرة سهل يقع في معسكر.
5 Ibid.p306.
6
Ibid.p307
- 238 -
نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة 1835م.
ويقطنها حوالي تسعة آالف نسمة .الجدران املحيطة بها محصنة ومحمية بستة مدافع" . 1بوكلر يصف
ضيافة الوفد من طرف دوماس 2القنصل الفرنس ي الذي تم تعيينه بموجب معادة دي ميشال .يقول عن
ذلك" أقام الرجال الطيبون في منزل القنصل الفرنس ي واستقبلهم بحفاوة بالغة وعند عرضهم أمام
املجلس ،تم تحديد حضورهم على الساعة العاشرة صباح اليوم التالي لتقديمهم إلى األمير أو السلطان
ألنه ً
كثيرا ما يعتني بنفسه3".
2دوماس أو دوما ،قنصل فرنسا في دولة األمير عبد القادر ،عين قنصال بعد معاهدة دي ميشال ،ترك
أنظر: للمزيد شخصيته و القادر عبد جيش األمير حول كتابا
Daumas, Eugène. Correspondance du capitaine Daumas, consul à Mascara (1837-1839).
Adolphe Jourdan, imprimeur-librairie de l'université ; Paris.Paul Geuthner, libraire, 1912.
3
Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers.P307.
4
Ibid.p307.
- 239 -
د .حممد األمني بوحلوفة
قلقهم من أن يرسخ ويزيد من قوته بأي وسيلة 1".أيضا من الجوانب التي تحدث عنها بوكلر هي عدم
خضوع األمير عبد القادر ورضوخه لتهديدات فرنسا ويذكر ذلك في قوله " في بعض األوقات كانت عالقاته
إخطارا ً
كتابيا بأنه إذا لم يخضع على ً مع الفرنسيين ال تزال غير محددة .أرسل إليه القائد العام 2في وهران
الفور للشروط املنصوص عليها ،فسوف يعرض نفسه لإلبادة " 3كان رد األمير عبد القادر ينم عن
شجاعة ،فيقول بوكلر في رد األمير على الفرنسيين" الرد العربي جريء 4،أوه ،حقا! وهكذا فأنت تهددنا.
مصيبة! اعرف يا مسيحي أن الحرب هي احتالل ،وأعظم سعادة البدوي عند سماعه صوت الحرب،
فخيولنا تصهل في سعادة وتفرح زوجاتنا وأطفالنا ،لذا تعال مع جنودك املرهقين وسوف ترد عليك صرخة
حرب الرجال األحرار .إذا كنت تريد السالم فال تهدد ،أنا مستعد لعقد معاهدة معك والوفاء بأمانة بما
أعدك به ...ويمكن أن أبين أنه من مصلحتنا املشتركة أن نظل في سالم " .5هذه الرسالة تدل على أن األمير
عبد القادر كان يتجنب الحرب ملا فيها من شر على رعيته،لكن عندما تريدها فرنسا املحتلة يكون جاهزا
لها،ولعل جاهزية األمير وتفوقه العسكري جعلت من بوكلر يذكر إحدى املعارك التي خاضها فيقول عن
ذلك " كما هو معروف كانت الحرب ،ومنذ ذلك الحين ،حيث عانى الفرنسيون من هزيمة قاسية ،6وذلك
تحت قيادة أحد جنراالتهم األكثر كفاءة".
بعدها يصف بوكلر عاصمة األمير عبد القادر معسكر ،وكيف دخل الوفد و ظروف اإلستقبال" .
ً
عندما اقترب املسافرون من القصر الذي كان من طابق واحد مرتفع ،ولكن إلى حد ما كبير ،دخلوا أوال
إلى فناء واسع حيث ثبتت ستة مدافع ،ويبدو أن كل مدفعية السلطان تتكون من دزينة .تم اقتيادهم من
خالل غرفة مضادة حيث كان العديد من القادة وغيرهم من الرؤساء ينتظرون املقابلة ،وبدوا مستاءين إلى
1
Ibid.p308.
2يرجح أن يكون ديميشيل .ألن األمير يدعوه لعقد معاهدة سالم وهي التي ستعرف بديميشيل.
3 Ibid.p308.
4يعطي بوكلر مثاال عن شجاعة الجزائريين و جرأتهم بنص ذكره قائال" كتب عرب قبيلة وراء دلس إلى
الحاكم ،بمناسبة القبض على عدة أسرى غرقت سفينتهم ،ووجهوا رسالتهم على النحو التالي:
"إلى والي الجزائر ،الذي يملك السيادة ،الناس أحرار في دلس ،وهم أسيادها " .أنظرHermann Pückler- :
Muskau. Travels and Adventures in Algiers.P309.
5
Ibid.p308.
كان بوكلر يقصد موقعة املقطع التي أباد األمير عبد القادر فيها الجيش الفرنس ي تحت قيادة الجنرال 6
حد ما من كيف للغرباء أن تكون لهم األسبقية؟" 1بعدها يسترسل بوكلر في وصف مظهر األمير وكيف ٍ
كانت محادثته مع الوفد ،ومدى حنكته وخبرته الدبلوماسية" .وجد املسافرون أن عبد القادر شاب وسيم
لكنه شاحب اللون بال لحية ،جالس على سجادة باهظة الثمن ومغلفة بالكامل بغطاء أرجواني ناعم،
ولي .حيا الغرباء دون أن يتحرك بإيماءة رأس ودية، اختار أن يميز نفسه عن اآلخرين كسلطان ونصف ّ
وأمرهم بأخذ مقاعدهم على الطريقة األوروبية على األريكة التي كانت بجانبه .بدأت املقابلة بالهدايا
العرفية التي تسلمها ووضعها بجانبه ،بعد ذلك أصبحت املحادثة حيوية للغاية وغير مقيدة ،حيث
أتيحت للجميع الفرصة لإلعجاب بجاهزية أجوبة السلطان وردوده .أكد لي السيد كليمرث أنه استنتج بأن
عبد القادر يشبه دبلوماسيي أوروبا ،ذكي وماهر أكثر من كونه محارب عربي فذ .2".هذا اإلنطباع الذي
أورده كليمرث عن شخصية األمير عبد القادر يبين أن الرجل كان سياسيا ،لدرجة أن األخير شبهه
بالدبلوماسيين األوربيين ،وهي امليزة التي تجلت في شخص األمير خاصة في مفاوضاته و لقاءاته مع
الفرنسيين.3
من بين الشاهدات التي ذكرها بوكلر عن األمير عبد القادر هي رعاية األخير و إحترامه ألصحاب
العلم،فيذكر مساعدة األمير عبد القادر ألحدى للباحثين األوربين املنقبين عن اآلثار" أدهشتني املالحظة
التالية :فقبل أيام قليلة قال لي السلطان لقد تحدث مع طالب عرض فرنس ي كان مستعدا للسفر والعودة
في اإلقليم الخاص به من دولته وتحت حمايته وسالمته على رأسه .أعرب السيد كليمرث عن أسفه ألنه
جدا لآلثار ،فقد أظهر لهم نظرا ألن األوروبيين بدوا متحمسين ً
لم يلتقي بهذا الرجل .وقد قيل لألمير أنه ً
جدا ليست بعيدة عن منزله والتي بناها أشخاص مجهولون مليئة باملعابد .األعمدة واملباني مدينة قديمة ً
ً
تقريبا ". 4 الكبيرة األخرى محفوظة بشكل مثالي
عندما أراد الوفد مغادرة معسكر عاصمة األمير ،ذكر بوكلر كيف كان كريما وحسن الضيافة معهم" .
عندما أراد عبد القادر إنهاء املقابلة ،قام بكرم كبير حيث أخبرهم بأنهم أحرار في املغادرة ،وعندها تم
استقبال بعض السكان املحليين من الطبقات النبيلة .عندما علم السلطان أن األجانب سوف يغادرون
عاصمته في اليوم التالي ،قدم لهم بعض الهدايا الصغيرة وطلب منهم أن يعودوا مرة أخرى للترويح .هذه
مليئا باملوسيقيين السيئين الذين كانت موسيقاهم أسوأ من مظهرهم .مروا في غرفة املرة وجدوا الفناء ً
1
Ibid. p309
2
Ibid.Pp309.310.
3يمثل لقاء األمير عبد القادر مع الجنرال بيجو إحدى أهم الدالئل على دبلوماسية األمير عبد القادر،
حيث كانت مراسيم اللقاء مدروسة ،لدرجة أنها دخلت في الحرب البسيكولوجية.
4
Ibid.p310.
- 241 -
د .حممد األمني بوحلوفة
جلوس مليئة باألشياء التي يجعلها السلطان هدايا ،وهو املخزن الذي أخذ منه هدايا أولئك الوفد". 1
بعدما غادر الوفد ذكر بوكلر ما يدل أن األمير كان يتعامل بمبدأ ومفهوم حدود الدولة " كانت املراسيم هي
اضيا بنفس القدر عن محادثته الذكية وسلوكه نفسها مثل اليوم السابق .ترك عبد القادر الغرباء ر ً
نوعا من الفرمان يخبرهم أنهم بحاجة فقط إلظهاره ألي رئيس أو في أي كوخ للتأكد اللطيف ،ثم أعطاهم ً
من املعاملة الودية ،وهو وعد صحيح من خالل تجربتهم الالحقة. 2".
خاتمة:
يمثل النص الرحلي مادة تاريخية مهمة ،فهو يوثق األحداث والوقائع من زاوية تختلف عن الرواية
التاريخية ،لهذا تتجلى أهميته في أنه يعيد تركيب الوقائع التي تنعدم فيه الرواية أو يكون مادة يعرف به
املؤرخ أحوال منطقة أو شخصية من منظور مخالف ،لهذا تجلت قيمة هذا النص الرحلي األجنبي في :
-أنه أعطى صورة عن الجزائر خالل السنوات األولى من اإلحتالل الفرنس ي ،وحاول عرض شخصية مقاومة
تمثلت في األمير عبد القادر.
-بينت لنا هذه الرحلة مدى إهتمام الغرب بالشرق ،خاصة في فترة القرن 19م،وأن هناك رحالة أوربيون
كثر زاروا الجزائر في تلك الفترة ،وأعمالهم الزالت مغمورة إلى اليوم.
-أظهرت الرحلة شخصية األمير عبد القادر و دولته ،ومعاملته مع الفرنسيين ،األمر الذي جعل منه رجل
دولة بإعتراف الطرف اآلخر.
-اليمكن إغفال تسويق الخطاب الغربي في هذا النص الرحلي ،والذي كان سائدا آنذاك ،واملتمثل في ثنائية
التحضر و التوحش ،وهي الذريعة التي إستعملها اإلحتالل للدخول إلى البلدان التي كانت تعيش اإلنحطاط
ومنها الجزائر.
-يقدم الرحالة بوكلر الجزائر بصفة عامة و األمير عبد القادر بصفة خاصة على أنه نموذج فريد ال يتكرر
في زمانه،وهذا بعد أن زار مختلف بقاع املشرق العربي.
-الزال نص الرحلة لبوكلر الخاص بالجزائر ،يحتاج إلى ترجمة ،وهذا ليصل إلى القارئ والباحث الجزائري،
ملا يحويه من وقائع وأحداث هي في حكم املبتور في تاريخنا خالل بدايات فترة اإلحتالل.
1
Ibid.Pp314. 315.
2
Ibid.p315.
- 242 -
.م1835 نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة
- 243 -