You are on page 1of 13

‫اجمللد ‪ / 05‬الع ــدد‪( 02 :‬ديسمرب ‪ ،)2021‬ص ‪243 -231‬‬ ‫جملـة البحوث التارخيية‬

‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة ‪1835‬م‪.‬‬
‫‪A new text on Emir Abdelkader on the German “ Pückler-‬‬
‫‪Muskau ” trip to Algeria in 1835 AD‬‬

‫‪-1‬د‪.‬حممد األمني بوحلوفة‪ ،‬جامعة أمحد زابنة غليزان (اجلزائر)‬


‫‪Majrit711@gmail.com‬‬
‫تاريخ النشر‪2021 /12/31 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2021 /12/03 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2021 /11/05 :‬‬

‫ملخص ‪ :‬مثلت الجزائر بعد اإلحتالل الفرنس ي خالل القرن ‪19‬م‪ ،‬وجهة للعديد من الرحالة‬
‫األوربيين الذين دونوا وقائعا وأحداثا مهمة عن تلك الفترة‪،‬وأصبحت تلك النصوص مهمة‬
‫جدا إلعادة قراءة تاريخ تلك املرحلة الحرجة‪ ،‬بشكل يختلف عن ما كتبه املدرسة الكولونيالية‬
‫التاريخية آنذاك‪ .‬من بين اإلشكاليات التي يمكن طرحها في هاته الورقة العلمية هي‪ :‬ما‬
‫الجديد الذي أمدنا به هذا النص الرحلي حول شخصية األمير عبد القادر ومشروع دولته في‬
‫سنواتها األولى؟ وهل يمكن بناء صورة جديدة حول األمير عبد القادر و دولته من خالل هذا‬
‫النص؟‪ .‬إن من أبرز النتائج التي تم التوصل إليها هي‪ :‬أن هذه الرحلة تظهر مدى إهتمام‬
‫الغرب بالشرق‪ ،‬خاصة في فترة القرن ‪19‬م‪،‬وأن هناك رحالة أوربيون كثر زاروا الجزائر في تلك‬
‫الفترة‪ ،‬وأعمالهم الزالت مغمورة إلى اليوم‪ ،‬وأن هذا النص الرحلي ّبين شخصية األمير عبد‬
‫القادر و دولته‪ ،‬وعالقته مع الفرنسيين‪ ،‬األمر الذي جعل منه رجل دولة بإعتراف الطرف‬
‫اآلخر‪،‬كذلك ّبين مدى حضور الخطاب الغربي‪ ،‬والذي كان سائدا آنذاك‪ ،‬واملتمثل في ثنائية‬
‫التحضر والتوحش‪ ،‬وهي الذريعة التي إستعملها اإلحتالل للدخول إلى البلدان التي كانت‬
‫تعيش اإلنحطاط ومنها الجزائر‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬األمير عبد القادر‪ ،‬بوكلر موسكاو‪،‬الرحلة‪،‬الرحالة األوربيون‪،‬األملان‪.‬‬

‫*‪ -‬املؤلف املرسل‬


‫‪- 231 -‬‬
‫د‪ .‬حممد األمني بوحلوفة‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪After the French occupation during the 19th century, Algeria‬‬
‫‪represented a destination for many European travelers who wrote‬‬
‫‪down important facts and events about that period, including the‬‬
‫‪German Pückler-Muskau. This trip showed the extent of the West's‬‬
‫‪interest in the East, especially in the period of the 19th century AD,‬‬
‫‪and that there was a trip by many Europeans who visited Algeria in‬‬
‫‪that period, and their works are still obscure to this day, and that this‬‬
‫‪nomadic text shows the personality of Prince Abdel kader and his‬‬
‫‪state.‬‬
‫‪Keywords: Pückler-Muskau. Prince Abdel kader. German travellers.‬‬
‫‪Algeria.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫مثل إحتالل الجزائر سنة ‪1830‬م من طرف الفرنسيين وما تبعه من سياسة إستيطانية (إستقدام‬ ‫ّ‬
‫جماعات أوربية من متخلف بلدان أوربا) نوع من إعادة إحياء صورة املاض ي عن الشرق وما فيه من‬
‫خيرات‪ ،‬وكانت الدعاية الكولونيالة الفرنسية عن طريق صحافتها حاضرة بقوة إلنجاح مشروعها‬
‫اإلستيطاني‪ ،‬حيث أستهوت فكرة اكتشاف الجزائر الكثير من الرحالة األوربيين واملغامرين األمر الذي أنتج‬
‫الكثير من الكتابات حول الجزائر في الفترة املبكرة من اإلحتالل‪.‬‬
‫أصبحت أحداث الجزائر (اإلحتالل الفرنس ي ومقاومة األمير عبد القادر) حديث العامة في أوربا‪،‬‬
‫فأصداؤها وصلت حتى أملانيا‪ ،‬والالفت في ذلك صدور مقاالت صحفية تشيد بشخصية شاب عربي يقود‬
‫املقاومة ضد اإلحتالل الفرنس ي يدعى األمير عبد القادر‪ ،‬فبطوالته وإستراتيجته في مواجهة الفرنسيين‬
‫ومشروعه السياس ي املتمثل في إقامة دولة‪ ،‬كل هذا دفع الرحالة األوربيين إلى السفر للجزائر والوقوف على‬
‫ّ‬
‫مشروعه‪ ،‬ومن بينهم رحالة أملاني يدعى"بوكلر موسكاو" (‪1785‬م‪1871-‬م) الذي نظم رحلة للجزائر قصد‬
‫إكتشاف والتعرف على األمير الشاب عبد القادر‪.‬‬
‫اذا كانت الرحلة نص يحاول من خالله الرحالة سرد ما شاهده من وقائع داخل حيز جغرافي‬
‫محدود‪ ،‬فإنه يمد املؤرخ بوقائع تاريخية مهمة تدفعه إلى إعادة إستقراء ذلك النص الرحلي لبناء نص‬
‫تاريخي جديد عن شخصية أو واقعة قد تغفلها املصادر التاريخية أو ال تعطيها حقها‪ ،‬ومن هذا يمكن أن‬
‫نؤسس إلشكالية ورقتنا العلمية هاته وهي‪ :‬ما الجديد الذي أمدنا به هذا النص الرحلي حول شخصية‬
‫األمير عبد القادر ومشروع دولته في سنواتها األولى؟ كيف كانت نظرة هذا الرحالة لرجل شرقي وقف في‬
‫وجه اإلحتالل الفرنس ي؟ هل يمكن بناء صورة جديدة حول األمير عبد القادر و دولته من خالل هذا‬
‫النص؟ كل هذا سنحاول اإلجابة عنه وفق املنهجية التالية‪:‬‬

‫‪- 232 -‬‬


‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة ‪1835‬م‪.‬‬

‫أوال‪ /‬الرحالة األمير بوكلر موسكاو –حياته‪،‬رحالته ومؤلفاته‪-‬‬


‫ثانيا‪ /‬الوصول للجزائر ووصف الغرب الجزائري والطريق نحو عاصمة األمير عبد القادر‪.‬‬
‫ثالثا‪ /‬الوصول عند األمير عبد القادر –مشاهدات وأراء‪-‬‬
‫أوال‪ /‬الرحالة األميربوكلرموسكاو‬
‫‪-1‬حياته‪ ،‬رحالته ومؤلفاته‪:‬‬
‫‪ 1-1‬حياته‪ :‬ولد األمير هيرمان لودفيغ هاينريش فون بوكلر ) ‪30‬أكتوبر ‪1785‬م ‪ 4 -‬فبراير ‪)1871‬‬
‫نبيال ً‬‫ً‬
‫أملانيا‪ ،‬وقد اشتهر‬ ‫في قلعة موسكاو في لوساتيا العليا (سكسونيا) ‪ .‬وأصبح منذ سنة ‪1822‬م أميرا و‬
‫كرسام للمناظر الطبيعية باإلضافة لكونه كاتب ومستشرق ورحالة‪.1‬‬
‫كان بوكلر‪-‬موسكاو األول في خمسة أطفال للكونت كارل لودفيج هانز إردمان بوكلر ‪ ،‬والكونتيسة‬
‫كليمنتين من كالينبرج‪ .‬ألتحق بفوج الفرسان السكسوني في مدينة درسدن ملدة قصيرة‪ ،‬بعدها سافر عبر‬
‫فرنسا إلى إيطاليا‪ .‬في عام ‪1811‬م وبعد وفاة والده ورث الحكم (بارون) موسكاو‪ .‬انضم إلى حرب التحرير‬
‫ً‬
‫ومدنيا‪ 2‬لبروج‪.3‬‬ ‫ً‬
‫عسكريا‬ ‫ضد نابليون ملك فرنسا‪ ،‬فغادر موسكاو‪ .‬بعدها تم تعيينه ً‬
‫حاكما‬
‫ً‬
‫‪ 2-1‬رحالته‪ :‬بعد الحرب تقاعد من الجيش وقام بجولة في بريطانيا العظمى ملدة عام‪ ،‬متنقال بين‬
‫األوساط األرستقراطية‪ ،‬فدرس املناظر الطبيعية في الحدائق‪ .4‬في عام ‪1822‬م تم ترقيته إلى رتبة‬
‫"فورست"‪ 5‬من قبل امللك فريدريك ويليام الثالث(‪1840-1797‬م ) ملك بروسيا‪ .‬عاد إلى إنجلترا في عام‬
‫‪1828‬م حيث أصبح من املشاهير في مجتمع لندن‪ ،‬ثم أخذ يتجول في أيرلندا‪ .‬لدى عودته إلى الوطن‪ ،‬نشر‬

‫‪1 Christian‬‬ ‫‪Friedrich, Ulf Jacob und Marie-Ange Maillet (Hg.): Fürst Pückler und Frankreich.‬‬
‫‪Ein bedeutendes Kapitel des deutsch-französischen Kulturtransfers. be.bra wissenschaft‬‬
‫‪verlag, Berlin 2012.p08‬‬
‫‪2 Ibid.24‬‬

‫‪ 3‬مدينة تقع في بلجيكا‪.‬‬


‫‪4 Chevalier Rafael de Weryha-Wysoczański: Strategien des Privaten. Zum Landschaftspark‬‬

‫‪von Humphry Repton und Fürst Pückler, Berlin 2004.p95‬‬


‫‪ 5‬لقب أميري أملاني تم استخدامه خالل العصور الوسطى‪.‬‬
‫‪- 233 -‬‬
‫د‪ .‬حممد األمني بوحلوفة‬

‫ً‬ ‫تقريرا عن الفترة التي قضاها في إنجلترا‪ ،‬وقد حقق الكتاب ً‬


‫ً‬
‫نجاحا هائال في أملانيا‪ ،‬وأثار ضجة كبيرة عندما‬
‫ظهر باللغة اإلنجليزية بعنوان جولة أمير أملاني (‪. Tour of a German Prince .1)1832-1831‬‬
‫بحكم شخصيته املغامرة‪ ،‬سافر بعد ذلك إلى الجزائر وتونس ومصر والسودان واستكشف‬
‫النوبة القديمة‪ .‬وقام بتوثيق تلك الزيارة في موقع النقعة‪ 2‬في السودان الحديث عام ‪1837‬م‪ .‬وزار أيضا‬
‫موقع مصورات الصفراء‪ 3‬القريب‪ ،‬وفي املكانين قام بنقش اسمه على حجر املعابد‪ .4‬في نفس العام اشترى‬
‫فتاة من سوق العبيد بالقاهرة‪ ،‬وهي من األورومو اإلثيوبية أطلق عليها اسم ‪" Mahbuba‬الحبيبة"‪ ،‬وقد‬
‫اصطحبها إلى آسيا الصغرى واليونان وفيينا‪ ،‬حيث قدمها إلى املجتمع األوروبي‪ ،‬لكنها أصيبت بمرض السل‬
‫وتوفيت عام ‪ً .1840‬‬
‫الحقا كتب عنها أنها "املخلوق الوحيد الذي أحببته أكثر من كل العالم‪. 5" .‬‬
‫في عام ‪ 1871‬توفي بوكلر في برانيتز‪ ،‬بعد أن أوص ى بإذابة جسده‪ ،‬ألن الحرق كان غير قانوني‬
‫ألسباب دينية‪ ،‬و في ‪ 9‬فبراير ‪ 1871‬تم دفن بقايا جثته املشوهة في هرم أرض ي محاط ببحيرة متنزه في قلعة‬
‫برانيتسر بسكسونيا ‪ .‬لم يترك أبناء وورث ممتلكاته إبنة أخته ماري فون باتشيلبل‪ ،‬أما التركة األدبية‬

‫‪1‬‬‫‪Sharon Slater. PRINCE HERMANN VON PÜCKLER-MUSKAU IN LIMERICK,1828.‬‬


‫‪People & Genealogy. Nov 24, 2014.p02.‬‬
‫‪ 2‬مدينة أثرية سودانية قديمة كانت أحد مدن اململكة الكوشية‪.‬‬
‫‪ 3‬املصورات هي اسم ملوقع اثري كوش ي في شمال السودان‪.‬‬

‫‪4 Ludmilla‬‬ ‫‪Assing-Grimelli, ed., Pückler-Muskaus Briefwechsel und Tagebücher ("Pückler-‬‬


‫‪Muskau's letters and diaries . Hamburg 1873-1876, reprinted Bern 1971).p158.‬‬
‫‪5 Richard Pankhurst. The Life and Romance of an Ethiopian Slave-girl in Early Nineteenth-‬‬

‫‪century Europe. African Studies Center of the University of California at Los Angeles,‬‬
‫‪1979.p55.‬‬

‫‪- 234 -‬‬


‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة ‪1835‬م‪.‬‬

‫لألمير ورثتها الكاتبة لودميال أسينغ‪ ،1‬التي كتبت سيرته الذاتية ونشرتها بعد وفاته باإلضافة إلى مراسالت‬
‫ُ‬
‫ومذكرات لم تنشر خالل حياته‪.2‬‬
‫‪-3-1‬مؤلفاته‪ :‬ترك بوكلر مجموعة من التصانيف في األدب و الرحلة والبستنة منها‪:‬‬
‫‪ -‬رسالة متوفى‪Briefe eines Verstorbenen.1830‬‬
‫‪-‬جولة أمير أملاني‪ 4 ،‬أجزاء‪1832-1831 ،‬م‪Tour of a German Prince.‬‬
‫جنبا إلى جنب مع وصف التطبيق العملي في موسكاو‪ 1834.‬م‪.‬‬ ‫‪-‬تلميحات إلى البستنة الطبيعية‪ً ،‬‬
‫‪Andeutungen über Landschaftsgärtnerei verbunden mit der‬‬
‫‪Beschreibung ihrer praktischen Anwendung in Muskau‬‬
‫‪-‬دورة ما قبل األخيرة حول العالم لسيميالسو ‪1835.‬م‪Semilassos vorletzter .‬‬
‫‪Weltgang‬‬
‫‪-‬سيميالسو في إفريقيا‪ 5 ،‬مجلدات ‪1836‬م‪Semilasso in Afrika .‬‬
‫‪-‬من إمبراطورية محمد علي (في مصر)‪ 3 ،‬مجلدات‪1844 ،‬م‪Aus Mehemed .‬‬
‫)‪Ali’s Reich (on Egypt‬‬
‫‪-‬مراسالت ومذكرات األمير هيرمان فون بوكلر موسكاو (رسائل ومذكرات)‪ 9 ،‬مجلدات‪1873-،‬‬
‫‪76‬م‪Briefwechsel und Tagebücher des Fürsten Hermann von Pückler- .‬‬
‫)‪.Muskau (letters and diaries‬‬
‫ثانيا‪ /‬الوصول للجزائر ووصف الغرب الجزائري والطريق نحو عاصمة‬
‫األميرعبد القادر‪.‬‬
‫تجهز األمير األملاني بوكلر للرحلة التي قادته من إنجلترا إلى شمال إفريقيا‪ ،‬بدءا بالجزائر وتونس‬
‫ومصر والسودان‪ ،‬ذكر أحداثها في كتاب من خمسة أجزاء صدر سنة ‪1836‬م تحت عنوان " سيميالسو في‬
‫إفريقيا" ‪ Semilasso in Afrika‬وإسم سيميالسو مستعار ويعني " املتوفى"‪ .‬واملالحظ في الجزء‬

‫‪ 1‬روزا لودميال أسينغ (‪ 1821‬م– ‪1880‬م) كاتبة أملانية ذات أصل يهودي‪.‬لها عدة أعمال منها‪ :‬نيكوالس‬
‫جاتر (رواية)‪ ،‬ممثلو التغيير الجذري‪ .‬رجال ونساء ثورة ‪1848‬م‪،‬رسائل من ألكسندر فون همبولت إلى‬
‫فارنهاغن فون إنس ي‪ .‬باإلضافة ألعمال أخرى‪.‬‬

‫‪2 Ludmilla Assing, Fürst Hermann von Pückler-Muskau, 1873.p‬‬

‫‪- 235 -‬‬


‫د‪ .‬حممد األمني بوحلوفة‬

‫الذي يتحدث فيه عن رحلته للجزائر‪ ،‬أنه جاء على شكل رسائل كتبها مرة لصديقه ومرة لزوجته‪ ،‬فهو‬
‫يصرح بإسمها قائال" يا عزيزتي لوس ي!‪.1"...‬‬
‫كان ميناء تولون بفرنسا املكان الذي أقلع منه بوكلر نحو الجزائر‪ ،‬حيث يستطرد في ذكر املدينة‬
‫و كيف كان إنطباعه سيئا عنها "‪...‬خالل إقامتي التي استمرت حوالي عشرة أيام في تولون‪ .‬في الواقع أنا‬
‫بالكاد أعرف مدينة ساحلية فقيرة ومملة للغاية‪ 2".‬بعدها يبدأ في سرد مغادرته نحو الجزائر قائال""في‬
‫صباح اليوم التالي عندما غادرنا تولون‪ ،‬كانت الرياح والطقس مواتيين‪ ،‬والبلد الرائع الواقع على الطريق ‪،‬‬
‫ً‬
‫الذي أصبح أكثر جماال بسبب أشعة الشمس الالمعة‪...‬ويبدو أن املوسيقى العسكرية على متن سفينة‬
‫األدميرال كانت تحيي رحيلنا"‪ .3‬بعدها توثق رسالة تاريخ إبحاره في املتوسط عندما كان بين الجزائر و فرنسا‬
‫" البحر األبيض املتوسط في ‪ 12‬يناير ‪ .1835‬أكتب إليك يا صديقي‪ ،‬من وسط سفينة التمساح ‪ ،‬وهي‬
‫تبحر بالضبط في منتصف الطريق بين فرنسا والجزائر‪ ،‬من بورت ماهون وجزيرتها الطويلة‪ ،‬التي تعلو‬
‫فوقها قمة مايوركا الشاهقة‪ ،‬على مرأى ومسمع الريح التي تقترب من الجنوب‪".4‬‬
‫بعد أن إستغرقت الرحلة يوما واحدا‪ ،‬وصل بوكلر إلى مدينة الجزائر‪،‬التي يصفها قائال"رصيف‬
‫الجزائر ‪ 13‬جانفي منتصف الليل‪ ...‬يا له من منظر رائع يحيط بي يا عزيزتي لوس ي! لقد ألقينا املرساة في‬
‫املكان املحدد الذي قصف منه اللورد إكسماوث الجزائر‪ ...‬البحر األزرق يتألق بسالسة كاملرآة‪ ،‬على‬
‫اليسار يرتفع جبل األطلس الذي ال يزال مغطى بالثلج‪ ،‬مثل جبل سيراتوس املدبب‪ ،‬وعلى اليمين املنارة‬
‫العالية مضاءة بشكل خافت بثالث مآذن‪ ،‬مثل كتلة بيضاء متجمعة ترقد مثل مخلوق هامد عند سفح‬
‫الجبل‪.5"...‬‬
‫بعد هذا الوصف يستطرد بوكلر في وصف مدينة الجزائر ومحيطها وتاريخها و عناصرها البشرية‬
‫في رسائل عديدة‪ ، 6‬ولعل امللفت هو أن بوكلر "توغل في محيط جبل األطلس على رأس فرقة صغيرة من‬

‫‪1‬‬
‫‪Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers, and Other Parts of Africa. R.‬‬
‫‪Bentley, 1839.vol1.p17.‬‬
‫‪2 Ibid.P04.‬‬

‫‪3 Ibid P15.16.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Ibid.pp.1.2‬‬
‫‪5 Ibid .P17.‬‬

‫‪ 6‬كان عدد الرسائل ‪ 14‬رسالة كلها تتحدث عن مدينة الجزائر و البليدة و بوفاريك‪ ،‬باإلضافة إلى بعض‬
‫املحطات التاريخية خالل العهد التركي‪ .‬للمزيد أنظر‪Hermann Pückler-Muskau. Travels and :‬‬
‫‪ Adventures in Algiers‬من ‪ p1‬إلى ‪.p304‬‬
‫‪- 236 -‬‬
‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة ‪1835‬م‪.‬‬

‫ى‪2‬‬ ‫العرب‪ ،‬حيث لم يقم أي أوروبي‪ 1‬بزيارتها منذ غزو الجزائر ‪ ،‬وجعل من نفسه قياديي بين بني موس‬
‫حمال إحدى‬ ‫وخراشنا‪ ،3‬فتلقى منهم كرم الضيافة‪ ،‬ونام في دوارهم‪ ،‬وأكل كسكسهم‪ ،‬وصعد معهم قمة ّ‬
‫أعلى قمم هذه السلسلة‪ .‬بعد أن أمض ى ستة أيام بصحبة العرب‪ ،‬عاد إلى الجزائر عبر رأس ماتيفو وعلى‬
‫طول شاطئ البحر"‪.4‬‬
‫رغم محاولة بوكلر اإلتصال باألمير عبد القادر‪ ،‬إال أنه لم ينجح في ذلك‪ ،‬وبقي سبب ذلك‬
‫مجهوال‪ ،‬حتى أنه لم يشر لذلك في رسائله‪ ،‬فكل ما ذكره عن األمير عبد القادر كان عن طريق ما رواه له‬
‫صديقه " كليمرث"‪ 5‬الذي زار األمير وإلتقى به‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول‪":‬بينما كنت على عالقة بعرب الشرق‪،‬‬
‫كبيرا بعرب الغرب وأثنى على معسكر عبد القادر الذي كان يخشاه‬ ‫ً‬
‫اهتماما ً‬ ‫كان صديقي كليمرث قد وجد‬
‫كثيرا‪ .‬وقدم لي نبذة مختصرة عن رحلته التي أعتقد أنها تستحق اإلعادة"‪ .6‬في البداية يصف الجهة الغربية‬
‫و مدينة وهران وكيف فقدت مركزيتها كعاصمة لبايلك الغرب خالل عهد األتراك‪ .‬يقول بوكلر عن صديقه‬
‫" بعد مكوثه بضعة أيام في وهران أعطى بعض املالحظة‪ .‬فهي تقع في منطقة خالية من األشجار وقد بدأت‬

‫‪ 1‬بالعودة إلى كتب الرحلة يتبين أن هذا غير صحيح‪ ،‬ألن هنالك رحالة إسكتلندي يدعى توماس كامبل زار‬
‫الجزائر قبل بوكلر في سنة ‪1834‬م‪ .‬وألف كتابا بعنوان" رسائل من الجنوب"‪. Letters from the South .‬‬
‫وأنا أعكف على ترجمته من اإلنجليزية إلى العربية‪.‬‬

‫‪ 2‬بني موس ى أكبر قبائل الوسط الجزائري تمتد بسائطها من تخوم البويرة و بومرداس الى الجزائر و‬
‫البليدة‪،‬أصولها زغبية هاللية‪ .‬اقليم هذه القبيلة خصب و منتوجاتها صحية‪ .‬يجتمعون يوم االربعاء في‬
‫سوق اسمه لربعا بين حاميس و الحراش‪.‬‬
‫‪ 3‬لم أقف على أصل هذه القبيلة‪.‬‬
‫‪4 Revue française et étrangère. 1837.TOME1.P410.‬‬

‫‪ 5‬كليمرث رحالة و مترجم‪ .‬إبن شقيق الجنرال الفرنس ي راب ‪، Rapp‬خدم في البحرية الفرنسية و قدم إلى‬
‫الجزائر كمترجم‪.‬‬
‫‪6Ibid.p305.‬‬

‫‪- 237 -‬‬


‫د‪ .‬حممد األمني بوحلوفة‬

‫تماما‪ ،‬وشرع بيليسيه‪ 1‬في إنشاء منزل تجاري هناك ولهذا الغرض‪ ،‬كان من الضروري إجراء مقابلة‬ ‫تتهاوى ً‬
‫مع عبد القادر لطلب اإلذن منه‪ .‬و بشأن ذلك تلقى املرور اآلمن إلى معسكر"‪ .2‬يظهر من خالل هذه‬
‫الرواية أن السلطات الفرنسية كانت ترى في األمير صاحب سيادة ولم ترد إنشاء أي منشآت عمرانية بدون‬
‫تصريح منه‪ ،‬وهي الحقوق التي حفظتها معاهدة دي ميشال ‪1834‬م‪ ،‬كما حددت سلطة األمير في إقليم‬
‫عربيا ينتظر وصولهم ‪ ،‬فقدم لهم‬ ‫زعيما ً‬
‫وهران‪ .‬بعدها يسرد بوكلر وقائع الرحلة فيقول" وجدوا في أرزيو ً‬
‫مشهورا ‪ ،‬ولكن مظهره غير مرغوب فيه للغاية‪ ،‬مع‬‫ً‬ ‫ً‬
‫محاربا‬ ‫إجابة كريمة وتعهد بمرافقتهم‪ .‬كان هذا الرجل‬
‫تعبير دنيء ودهاء على الوجه الذي لم يكن من املمكن أن يعطي أي ثقة‪ ،‬والذي سرعان ما بدأ مثل‬
‫املتوحش يطلب منهم الجوارب واملناديل إلخ‪ .3"....‬بقدر ما يصف بوكلر أحد قادة عبد القادر فإنه يحاول‬
‫أن يظهره للقارئ األوربي في الشكل الذي يظهر في الخطابات األوربية‪ ،‬وهي أن الرجل الشرقي غير متحضر‬
‫أو "متوحش" وهو الخطاب الذي كان سائدا خالل فترة القرن التاسع عشر و كان يقوم على ثنائية‬
‫التحضر و التوحش‪ .‬يكمل بوكلر سرده قائال" في صباح اليوم التالي‪ ،‬انطلقوا قبل الفجر من أجل قطع‬
‫جزء من املسافة‪ .‬ثم واصلوا رحلتهم ستة فراسخ عبر سهل الهبرة‪ 4‬الذي يقال إنه أكبر بكثير من سهل‬
‫جيدا ولكن رغم ذلك لم تصل‬ ‫متيجة‪ ،‬رأى املسافرون العديد من املروج الجميلة وبعض األراض ي املزروعة ً‬
‫العين إلى شجيرة واحدة"‪ . 5‬بعدها " مشوا ملدة ثالثة أرباع الساعة عبر بركة ارتفعت مياهها لغاية أحزمة‬
‫وشيئا من بعيد ظنوا خطأ أنه غابة‬ ‫السرج‪ .‬لقد أوا هناك أسرابا كاملة من طيور اللقلق والطيور األخرى‪ً ،‬‬
‫ر‬
‫ولكن لدهشتهم‪ ،‬كان قطيعا كبيرا من الجمال‪ .‬ثم عبروا في طريقهم غابة حقيقية تتكون من أشجار عالية‬
‫يمكن تحملها‪ ،‬والتي يبدو أن العرب يستخدمونها بال مباالة وإهدار‪ .‬وصلوا اآلن إلى الجبال وعبروا واديا تلو‬
‫اآلخر شديد االنحدار‪ .‬كانت األشجار معظمها من الصنوبريات‪ 6".‬بعد أن قطع الوفد تلك املسافة تظهر‬
‫عاصمة األمير معسكر أمامهم لكن مساءا‪ ،‬وعندها يبدأ في وصفها قائال"لم يصلوا إلى معسكر حتى‬
‫مساء‪ ،‬ووجدوا العاصمة واقعة على سهل مرتفع مبنية من منازل من طابق واحد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الساعة التاسعة‬

‫‪ 1‬ماريشال بليسييه عسكري فرنس ي برتبة مارشال‪ ،‬شارك في إحتالل الجزائر عام ‪ ، 1830‬تم إرساله مرة‬
‫أخرى إلى شمال إفريقيا في عام ‪ 1844‬م خالل الحرب املغربية األولى ‪ ،‬وقاد الفرنسيين في معركة إيسلي‪.‬‬
‫شغل منصب رئيس أركان والية وهران برتبة مقدم‪.‬‬
‫‪2 Ibid.p305.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers.P306.‬‬
‫‪ 4‬الهبرة سهل يقع في معسكر‪.‬‬
‫‪5 Ibid.p306.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪Ibid.p307‬‬
‫‪- 238 -‬‬
‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة ‪1835‬م‪.‬‬

‫ويقطنها حوالي تسعة آالف نسمة‪ .‬الجدران املحيطة بها محصنة ومحمية بستة مدافع"‪ . 1‬بوكلر يصف‬
‫ضيافة الوفد من طرف دوماس‪ 2‬القنصل الفرنس ي الذي تم تعيينه بموجب معادة دي ميشال‪ .‬يقول عن‬
‫ذلك" أقام الرجال الطيبون في منزل القنصل الفرنس ي واستقبلهم بحفاوة بالغة وعند عرضهم أمام‬
‫املجلس‪ ،‬تم تحديد حضورهم على الساعة العاشرة صباح اليوم التالي لتقديمهم إلى األمير أو السلطان‬
‫ألنه ً‬
‫كثيرا ما يعتني بنفسه‪3".‬‬

‫ثالثا‪ .‬الوصول عند األميرعبد القادر –مشاهدات وأراء‪-‬‬


‫في البداية يستعرض بوكلر شخصية األمير عبد القادر وكيف وسع نفوذه في الغرب " اآلن عبد‬
‫القادر الذي لم يكن قبل فترة وجيزة سوى اإلبن الغامض ملرابط‪ ،‬فاز بشجاعة مثل حزب كبير‪ ،‬حتى أنه‬
‫لم يتجاوز الثالثين ً‬
‫عاما‪ .‬تربى ليكون حاكما للبلد الغربي من اإليالة باستثناء جزء من وهران"‪ .4‬يحاول‬
‫بوكلر من خالل توظيفه لفظ "غامض" أن يعطي فكرة للقارئ األوربي أن سيرة عبد القادر لغاية مبايعته‬
‫تبقى مجهولة؟ أما "مرابط" فهو يقصد األب محي الدين الذي كان يتمتع بحضوة دينية شريفة كونه ينتمي‬
‫لفئة األشراف‪ .‬كذلك لم يغفل بوكلر عن ذكر حدود دولته لغاية تلك السنة وهي ‪1836‬م‪ ،‬وأنها شملت كل‬
‫منطقة الغرب ماعدا مدينة وهران‪ ،‬فتلك الحدود رسمتها معاهدة دي ميشال‪.‬‬
‫بعدها يتحدث عن الجانب العسكري لألمير عبد القادر وعالقته مع فرنسا‪ ،‬وكيف إستطاع‬
‫إفتكاك اإلعتراف بسلطته من فرنسا‪ ،‬عن طريق املعارك التي خاضها ضدها‪ ،‬وأن فرنسا لن تترك مشروع‬
‫دائما‪ ،‬فضلوا االعتراف بسلطته‬‫دولته يتوسع مهما كلفها ذلك‪ " .‬بعد عدة حروب معه لم ينجحوا فيها ً‬
‫وإرضاء ألنفسهم بتفوق اسمي غير مؤكد‪ .‬منذ ذلك الوقت كان له تأثير كبير عليهم‪ ،‬فهم لن يتركوه بسبب‬

‫‪1 Ibid.pP306. 307‬‬

‫‪ 2‬دوماس أو دوما ‪،‬قنصل فرنسا في دولة األمير عبد القادر‪ ،‬عين قنصال بعد معاهدة دي ميشال‪ ،‬ترك‬
‫أنظر‪:‬‬ ‫للمزيد‬ ‫شخصيته‬ ‫و‬ ‫القادر‬ ‫عبد‬ ‫جيش األمير‬ ‫حول‬ ‫كتابا‬
‫‪Daumas, Eugène. Correspondance du capitaine Daumas, consul à Mascara (1837-1839).‬‬
‫‪Adolphe Jourdan, imprimeur-librairie de l'université ; Paris.Paul Geuthner, libraire, 1912.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers.P307.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.p307.‬‬
‫‪- 239 -‬‬
‫د‪ .‬حممد األمني بوحلوفة‬

‫قلقهم من أن يرسخ ويزيد من قوته بأي وسيلة‪ 1".‬أيضا من الجوانب التي تحدث عنها بوكلر هي عدم‬
‫خضوع األمير عبد القادر ورضوخه لتهديدات فرنسا ويذكر ذلك في قوله " في بعض األوقات كانت عالقاته‬
‫إخطارا ً‬
‫كتابيا بأنه إذا لم يخضع على‬ ‫ً‬ ‫مع الفرنسيين ال تزال غير محددة‪ .‬أرسل إليه القائد العام‪ 2‬في وهران‬
‫الفور للشروط املنصوص عليها‪ ،‬فسوف يعرض نفسه لإلبادة "‪ 3‬كان رد األمير عبد القادر ينم عن‬
‫شجاعة‪ ،‬فيقول بوكلر في رد األمير على الفرنسيين" الرد العربي جريء‪ 4،‬أوه‪ ،‬حقا! وهكذا فأنت تهددنا‪.‬‬
‫مصيبة! اعرف يا مسيحي أن الحرب هي احتالل‪ ،‬وأعظم سعادة البدوي عند سماعه صوت الحرب‪،‬‬
‫فخيولنا تصهل في سعادة وتفرح زوجاتنا وأطفالنا‪ ،‬لذا تعال مع جنودك املرهقين وسوف ترد عليك صرخة‬
‫حرب الرجال األحرار‪ .‬إذا كنت تريد السالم فال تهدد‪ ،‬أنا مستعد لعقد معاهدة معك والوفاء بأمانة بما‬
‫أعدك به‪ ...‬ويمكن أن أبين أنه من مصلحتنا املشتركة أن نظل في سالم "‪ .5‬هذه الرسالة تدل على أن األمير‬
‫عبد القادر كان يتجنب الحرب ملا فيها من شر على رعيته‪،‬لكن عندما تريدها فرنسا املحتلة يكون جاهزا‬
‫لها‪،‬ولعل جاهزية األمير وتفوقه العسكري جعلت من بوكلر يذكر إحدى املعارك التي خاضها فيقول عن‬
‫ذلك " كما هو معروف كانت الحرب‪ ،‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬حيث عانى الفرنسيون من هزيمة قاسية‪ ،6‬وذلك‬
‫تحت قيادة أحد جنراالتهم األكثر كفاءة‪".‬‬
‫بعدها يصف بوكلر عاصمة األمير عبد القادر معسكر ‪،‬وكيف دخل الوفد و ظروف اإلستقبال‪" .‬‬
‫ً‬
‫عندما اقترب املسافرون من القصر الذي كان من طابق واحد مرتفع ‪ ،‬ولكن إلى حد ما كبير‪ ،‬دخلوا أوال‬
‫إلى فناء واسع حيث ثبتت ستة مدافع‪ ،‬ويبدو أن كل مدفعية السلطان تتكون من دزينة‪ .‬تم اقتيادهم من‬
‫خالل غرفة مضادة حيث كان العديد من القادة وغيرهم من الرؤساء ينتظرون املقابلة‪ ،‬وبدوا مستاءين إلى‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid.p308.‬‬
‫‪ 2‬يرجح أن يكون ديميشيل‪ .‬ألن األمير يدعوه لعقد معاهدة سالم وهي التي ستعرف بديميشيل‪.‬‬
‫‪3 Ibid.p308.‬‬

‫‪ 4‬يعطي بوكلر مثاال عن شجاعة الجزائريين و جرأتهم بنص ذكره قائال" كتب عرب قبيلة وراء دلس إلى‬
‫الحاكم‪ ،‬بمناسبة القبض على عدة أسرى غرقت سفينتهم ‪ ،‬ووجهوا رسالتهم على النحو التالي‪:‬‬
‫"إلى والي الجزائر‪ ،‬الذي يملك السيادة‪ ،‬الناس أحرار في دلس‪ ،‬وهم أسيادها "‪ .‬أنظر‪Hermann Pückler- :‬‬
‫‪Muskau. Travels and Adventures in Algiers.P309.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.p308.‬‬
‫كان بوكلر يقصد موقعة املقطع التي أباد األمير عبد القادر فيها الجيش الفرنس ي تحت قيادة الجنرال‬ ‫‪6‬‬

‫تريزيل في ‪ 28‬جوان ‪ 1835‬م‪.‬‬


‫‪- 240 -‬‬
‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة ‪1835‬م‪.‬‬

‫حد ما من كيف للغرباء أن تكون لهم األسبقية؟"‪ 1‬بعدها يسترسل بوكلر في وصف مظهر األمير وكيف‬ ‫ٍ‬
‫كانت محادثته مع الوفد‪ ،‬ومدى حنكته وخبرته الدبلوماسية‪" .‬وجد املسافرون أن عبد القادر شاب وسيم‬
‫لكنه شاحب اللون بال لحية‪ ،‬جالس على سجادة باهظة الثمن ومغلفة بالكامل بغطاء أرجواني ناعم‪،‬‬
‫ولي‪ .‬حيا الغرباء دون أن يتحرك بإيماءة رأس ودية‪،‬‬ ‫اختار أن يميز نفسه عن اآلخرين كسلطان ونصف ّ‬
‫وأمرهم بأخذ مقاعدهم على الطريقة األوروبية على األريكة التي كانت بجانبه‪ .‬بدأت املقابلة بالهدايا‬
‫العرفية التي تسلمها ووضعها بجانبه‪ ،‬بعد ذلك أصبحت املحادثة حيوية للغاية وغير مقيدة‪ ،‬حيث‬
‫أتيحت للجميع الفرصة لإلعجاب بجاهزية أجوبة السلطان وردوده‪ .‬أكد لي السيد كليمرث أنه استنتج بأن‬
‫عبد القادر يشبه دبلوماسيي أوروبا‪ ،‬ذكي وماهر أكثر من كونه محارب عربي فذ‪ .2".‬هذا اإلنطباع الذي‬
‫أورده كليمرث عن شخصية األمير عبد القادر يبين أن الرجل كان سياسيا‪ ،‬لدرجة أن األخير شبهه‬
‫بالدبلوماسيين األوربيين‪ ،‬وهي امليزة التي تجلت في شخص األمير خاصة في مفاوضاته و لقاءاته مع‬
‫الفرنسيين‪.3‬‬
‫من بين الشاهدات التي ذكرها بوكلر عن األمير عبد القادر هي رعاية األخير و إحترامه ألصحاب‬
‫العلم‪،‬فيذكر مساعدة األمير عبد القادر ألحدى للباحثين األوربين املنقبين عن اآلثار" أدهشتني املالحظة‬
‫التالية‪ :‬فقبل أيام قليلة قال لي السلطان لقد تحدث مع طالب عرض فرنس ي كان مستعدا للسفر والعودة‬
‫في اإلقليم الخاص به من دولته وتحت حمايته وسالمته على رأسه‪ .‬أعرب السيد كليمرث عن أسفه ألنه‬
‫جدا لآلثار‪ ،‬فقد أظهر لهم‬ ‫نظرا ألن األوروبيين بدوا متحمسين ً‬
‫لم يلتقي بهذا الرجل‪ .‬وقد قيل لألمير أنه ً‬
‫جدا ليست بعيدة عن منزله والتي بناها أشخاص مجهولون مليئة باملعابد‪ .‬األعمدة واملباني‬ ‫مدينة قديمة ً‬
‫ً‬
‫تقريبا "‪. 4‬‬ ‫الكبيرة األخرى محفوظة بشكل مثالي‬
‫عندما أراد الوفد مغادرة معسكر عاصمة األمير ‪ ،‬ذكر بوكلر كيف كان كريما وحسن الضيافة معهم‪" .‬‬
‫عندما أراد عبد القادر إنهاء املقابلة‪ ،‬قام بكرم كبير حيث أخبرهم بأنهم أحرار في املغادرة‪ ،‬وعندها تم‬
‫استقبال بعض السكان املحليين من الطبقات النبيلة‪ .‬عندما علم السلطان أن األجانب سوف يغادرون‬
‫عاصمته في اليوم التالي‪ ،‬قدم لهم بعض الهدايا الصغيرة وطلب منهم أن يعودوا مرة أخرى للترويح‪ .‬هذه‬
‫مليئا باملوسيقيين السيئين الذين كانت موسيقاهم أسوأ من مظهرهم‪ .‬مروا في غرفة‬ ‫املرة وجدوا الفناء ً‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. p309‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.Pp309.310.‬‬
‫‪ 3‬يمثل لقاء األمير عبد القادر مع الجنرال بيجو إحدى أهم الدالئل على دبلوماسية األمير عبد القادر‪،‬‬
‫حيث كانت مراسيم اللقاء مدروسة‪ ،‬لدرجة أنها دخلت في الحرب البسيكولوجية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.p310.‬‬
‫‪- 241 -‬‬
‫د‪ .‬حممد األمني بوحلوفة‬

‫جلوس مليئة باألشياء التي يجعلها السلطان هدايا‪ ،‬وهو املخزن الذي أخذ منه هدايا أولئك الوفد"‪. 1‬‬
‫بعدما غادر الوفد ذكر بوكلر ما يدل أن األمير كان يتعامل بمبدأ ومفهوم حدود الدولة " كانت املراسيم هي‬
‫اضيا بنفس القدر عن محادثته الذكية وسلوكه‬ ‫نفسها مثل اليوم السابق‪ .‬ترك عبد القادر الغرباء ر ً‬
‫نوعا من الفرمان يخبرهم أنهم بحاجة فقط إلظهاره ألي رئيس أو في أي كوخ للتأكد‬ ‫اللطيف‪ ،‬ثم أعطاهم ً‬
‫من املعاملة الودية‪ ،‬وهو وعد صحيح من خالل تجربتهم الالحقة‪. 2".‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫يمثل النص الرحلي مادة تاريخية مهمة‪ ،‬فهو يوثق األحداث والوقائع من زاوية تختلف عن الرواية‬
‫التاريخية‪ ،‬لهذا تتجلى أهميته في أنه يعيد تركيب الوقائع التي تنعدم فيه الرواية أو يكون مادة يعرف به‬
‫املؤرخ أحوال منطقة أو شخصية من منظور مخالف‪ ،‬لهذا تجلت قيمة هذا النص الرحلي األجنبي في ‪:‬‬
‫‪-‬أنه أعطى صورة عن الجزائر خالل السنوات األولى من اإلحتالل الفرنس ي‪ ،‬وحاول عرض شخصية مقاومة‬
‫تمثلت في األمير عبد القادر‪.‬‬
‫‪-‬بينت لنا هذه الرحلة مدى إهتمام الغرب بالشرق‪ ،‬خاصة في فترة القرن ‪19‬م‪،‬وأن هناك رحالة أوربيون‬
‫كثر زاروا الجزائر في تلك الفترة‪ ،‬وأعمالهم الزالت مغمورة إلى اليوم‪.‬‬
‫‪-‬أظهرت الرحلة شخصية األمير عبد القادر و دولته‪ ،‬ومعاملته مع الفرنسيين‪ ،‬األمر الذي جعل منه رجل‬
‫دولة بإعتراف الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪-‬اليمكن إغفال تسويق الخطاب الغربي في هذا النص الرحلي‪ ،‬والذي كان سائدا آنذاك‪ ،‬واملتمثل في ثنائية‬
‫التحضر و التوحش‪ ،‬وهي الذريعة التي إستعملها اإلحتالل للدخول إلى البلدان التي كانت تعيش اإلنحطاط‬
‫ومنها الجزائر‪.‬‬
‫‪-‬يقدم الرحالة بوكلر الجزائر بصفة عامة و األمير عبد القادر بصفة خاصة على أنه نموذج فريد ال يتكرر‬
‫في زمانه‪،‬وهذا بعد أن زار مختلف بقاع املشرق العربي‪.‬‬
‫‪-‬الزال نص الرحلة لبوكلر الخاص بالجزائر ‪ ،‬يحتاج إلى ترجمة‪ ،‬وهذا ليصل إلى القارئ والباحث الجزائري‪،‬‬
‫ملا يحويه من وقائع وأحداث هي في حكم املبتور في تاريخنا خالل بدايات فترة اإلحتالل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid.Pp314. 315.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.p315.‬‬
‫‪- 242 -‬‬
.‫م‬1835 ‫نص جديد حول األميرعبد القادرفي رحلة األملاني "بوكلرموسكاو" للجزائرسنة‬

:‫قائمة املراجع باللغة األجنبية‬


1-Chevalier Rafael de Weryha-Wysoczański: Strategien des Privaten. Zum Landschaftspark
von Humphry Repton und Fürst Pückler, Berlin 2004.
2-Christian Friedrich, Ulf Jacob und Marie-Ange Maillet (Hg.): Fürst Pückler und Frankreich.
3-Ein bedeutendes Kapitel des deutsch-französischen Kulturtransfers. be.bra wissenschaft
verlag, Berlin 2012.
4-Daumas, Eugène. Correspondance du capitaine Daumas, consul à Mascara (1837-1839).
Adolphe Jourdan, imprimeur-librairie de l'université ; Paris.Paul Geuthner, libraire, 1912.
5-Hermann Pückler-Muskau. Travels and Adventures in Algiers, and Other Parts of Africa. R.
Bentley, 1839.vol1.
6-Ludmilla Assing, Fürst Hermann von Pückler-Muskau, 1873.

7-Ludmilla Assing-Grimelli, ed., Pückler-Muskaus Briefwechsel und Tagebücher ("Pückler-


Muskau's letters and diaries", 9 vols., Hamburg 1873-1876, reprinted Bern 1971).
8-Revue française et étrangère. 1837.TOME1.
9-Richard Pankhurst. The Life and Romance of an Ethiopian Slave-girl in Early Nineteenth-
century Europe. African Studies Center of the University of California at Los Angeles, 1979.

10-Sharon Slater. PRINCE HERMANN VON PÜCKLER-MUSKAU IN LIMERICK,1828.


People & Genealogy. Nov 24, 2014.

- 243 -

You might also like