Professional Documents
Culture Documents
اهمية طلب العلم سفر الحوالي
اهمية طلب العلم سفر الحوالي
احلمد هلل رب العاملني ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله حممد وعلى
آله وصحبه أمجعني.
احلمد هلل الذي علم بالقلم ،علم اإلنسان ما مل يعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك
على عبده ورسوله حممد ،خري معلم للبشرية مل تعرف البشرية معلمًا قبله وال
بعده خريًا منه صلوات اهلل وسالمه عليه ،وال عرفت طالب علم وهدى وحق
مثل أصحابه الكرام رضي اهلل تعاىل عنهم وأرضاهم ،وصلى عليهم وعلى التابعني
وتابعي التابعني ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين.
أما بعد:
سأحتدث -إن شاء اهلل تعاىل -يف هذا املوضوع عن أمهية طلب العلم ،وعما أعده
اهلل تبارك وتعاىل للعامل ولطالب العلم من الفضل واألجر واخلري العميم؛ ألننا يف
زمن شغل الناس وفتنوا بالدنيا ،وانصرفوا عن اآلخرة إال من رحم اهلل ،ومن مجلة
وأعظم ما انصرف الناس ورغبوا عنه هو طلب العلم ،حىت أن طالب العلم الذين
يطلبون العلم يف املدارس يقل عند الكثري منهم الرغبة يف طلب العلم ،وحىت أن
من حيبون أو حيضرون بعض املواعظ -وفيها خري كثري -قد ال حيضرون وال
يرغبون يف تعلم العلم الذي يتفقهون به وهو:
أوًال :يف العقيدة والتوحيد ومعرفة اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل وهو أشرف العلوم.
وثانيًا :يف معرفة احلالل واحلرام الذي به يعبدون اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ،فكم من
عابد على جهالة!
وكم من حاج حجه باطل؛ ألنه مل يقم به وفق ما شرع اهلل تبارك وتعاىل من
األحكام ،وكما حج رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم !
وكيف نعرف ذلك كله؟ إمنا نعرفه بالعلم ،وبالفقه وبالتفقه يف الدين.
والتفقه يف الدين أمر شاق ،ولكن أجره عظيم ،واملتفقهون أو الراغبون يف التفقه
يف الدين قليل؛ ولكنهم كالنجوم يف السماء ،وهم الذين يهتدى ويقتدى هبم
{عامل واحد أشد على الشيطان من ألف عابد } كما صح ذلك عن بعض
السلف وروي عن رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم .
َّلِذ
فال شك أن العلم فضله عظيم ،واهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل يقولُ :قْل َه ْل َيْس َتِو ي ا يَن
َيْع َلُم وَن َو اَّلِذ يَن ال َيْع َلُم وَن ِإَمَّنا َيَتَذ َّك ُر ُأوُلو اَأْلْلَباِب [الزمر ]9:ال يستويان أبدًا؛
حىت يف احليوان ال يستوي املعَّلم وغري املعَّلم ،واهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل جعل الكالب
جنسة ،ومعروف أنه إذا ولغ الكلب يف إناء أحدنا فإنه يغسله سبعًا إحداهن
بالرتاب ،وما ذلك إال لنجاسته؛ لكن هذا احلكم وهو النجاسة يف لعابه وريقه إذا
كان غري معلم ،أما لو كان معَّلمًا كان كما قال اهلل تبارك وتعاىلَ :و َم ا َعَّلْم ُتْم
ِم َن اَجْلَو اِر ِح ُمَك ِّلِبَني ُتَعِّلُم وَنُه َّن َّمِما َعَّلَم ُك ُم الَّلُه َفُك ُلوا َّمِما َأْم َس ْك َن َعَلْيُك ْم [املائدة:
.]4
والنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم فصل ذلك لـعدي بن حامت رضي اهلل تعاىل عنه ملا
سأله ،ففرق له بني ما إذا أرسل كلبه املعلم ،وبني ما إذا أرسل كلبه غري املعلم -
سبحان اهلل العظيم!
إذا كان العلم وهو العلم الصحيح النافع حيول احليوان النجس إىل حيوان تؤكل
فريسته اليت يصطادها ،فبدًال من أن نغسله سبعًا أوالهن بالرتاب ,فإننا نأكله
هنيئًا مريئًا ،ونشكر اهلل الذي علمنا والذي سخر لنا هذا احليوان.
فما بالكم بالعلم! كيف يغري يف ابن آدم الذي هو أكرم ما خلق اهلل ُس ْبَح اَنُه
َو َتَعاىَل َ :و َلَقْد َكَّر ْم َنا َبيِن آَدَم [اإلسراء ]70:أكرم ما خلق اهلل هو هذا اإلنسان,
وكرمه وشرفه بالعلم.
وأكرم من يف بين آدم هم العلماء ،ألن األنبياء هم أفضل اخللق وهم أعلم الناس
باهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ،وهذا العلم أشرف العلوم مجيعًا ،مث من بعدهم كما قال
َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يف حديث أيب الدرداء {أال وإن األنبياء مل يورثوا دينارًا وال
درمهًا وإمنا ورثوا العلم } ،فالعلماء ورثة األنبياء وإن األنبياء مل يورثوا دينارًا وال
درمهًا ،يقول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم { :حنن معاشر األنبياء ال نورث ،ما تركناه
صدقة } فكل ما يرتكه النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم من بعده من آنية أو سالح أو
أرض أو متاع فهو صدقة ال يورث ،ما الذي وّر ث؟ {وإمنا ورثوا العلم فمن
أخذه أخذ حبظ وافر }.
هلذا فإن أبا هريرة رضي اهلل تعاىل عنه ملا رأى الناس فتحت وتوسعت عليهم
الدنيا ،ورأى االنكماش يف طلب العلم ذهب يصيح[[ :أيها الناس! مرياث رسول
اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يقسم يف املسجد ]].
ففرحوا حملبتهم لرسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ،كل واحد ترك بضاعته وشغله،
وجاءوا جيرون ,وكٌل يريد أن يأخذ مما تبقى من أشيائه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم إن
كانت آنية أو أي شيء من سالحه ولو من شعره ،فهذا مما يتربك به.
جاءوا وجلسوا وإذا به يقول[[ :حدثين خليلي َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ..وقال
َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ,..فقالوا :أين املرياث يا أبا هريرة ؟! قال :هذا املرياث ،ما
ورث النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم إال هذا العلم ..وهذا اهلدى ..وهذا النور ،وحنن
إليه أحوج من كل مرياث ]].
وكما ذكر ابن القيم -رمحه اهلل -أنه قد يعيش الناس بال أطباء ،ويتداووا مبا يسر
اهلل هلم من أعشاب أو مما تعارفوا عليه ،واملهم أن يكون حالًال ،لكن هل ميكن
أن يعيش الناس وتستقر وهتنأ وترغد حياهتم بال علم أو بال علماء؟!
ال ميكن؛ وهلذا بني اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل كما يف احلديث الذي ذكره النيب َص َّلى
اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم عن العلم قال{ :إن اهلل ال ينزع العلم انتزاعًا يأخذه من صدور
العلماء ،ولكن ينزعه مبوت العلماء ،فإذا مات العلماء اختذ الناس رؤساء جهاًال
فسئلوا فأفتوا بغري علم فضلوا وأضلوا }.
ففي آخر الزمان حيث ال يذكر فيه اهلل ،وال يقال :ال إله إال اهلل لقلة العلماء،
ليس فيهم عامل يفقههم ويبني هلم.
واجلاهلية اليت كانت قبل بعثته َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم حماها اهلل ببعثته ،حماها
بالتوحيد وبالوحي والعلم الذي آتاه اهلل إياه ،لكن هلا عودة ،فرتات وتعود ،أما
اجلاهلية املطلقة فإهنا ال تعود بعد رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم أبدًا؛ ألن اهلل
تعاىل تكفل وتأذن أنه البد أن تبقى وتظل طائفة قائمة على هذا الدين حىت يأيت
أمر اهلل ،وهو الريح الطيبة اليت تقبض أرواح املؤمنني قبيل قيام الساعة ،ويبقى
شرار اخللق وعليهم تقوم الساعة ،فال يكون ذلك إال هبالك أو بذهاب أو
باضمحالل أو فقد العلم الذي ينتفع به الناس.
ستظل طائفة على احلق؛ لكن اجلاهلية تأيت على طوائف ،وعلى مناطق ،وعلى
أمم ،كما كان عندنا يف جزيرة العرب ،كانت جزيرة العرب قبل دعوة حممد
بن عبد الوهاب -رمحة اهلل عليه -يف ظالم؛ بل إهنا رجعت إىل اجلاهلية األوىل،
حىت بعث اهلل عز وجل الرجل الذي جيدد هذا الدين -وهلل احلمد والفضل
واملنة -فيمكن أن تعود اجلاهلية يف أي مكان ،ولكن سرعان ما ترتفع اجلاهلية
عن هذا املكان أو عن هؤالء القوم بالعلم؛ ألنه الذي ينور اهلل تبارك وتعاىل به
القلوب َيْر َفِع الَّلُه اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم ْنُك ْم َو اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِعْلَم َدَرَج اٍت [اجملادلة.]11:
واهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل عندما بني لنا وخللقه أمجعني أعظم قضية هتم اإلنسان يف
الدنيا فيها أعظم شاهد وأعظم شهداء.
قال اهلل تعاىلَ :ش ِه َد الَّلُه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة َو ُأوُلو اْلِعْلِم َقاِئمًا ِباْلِق ْس ِط ال
ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْلَعِز يُز اَحْلِكيُم [آل عمران ]18:أعظم قضية يف هذه الدنيا ويف الوجود
كله هي :قضية التوحيد ،وهي الشهادة هلل تعاىل بالوحدانية وأنه ال إله إال هو،
وأعظم شاهد هو اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ،ولذلك بدأ بنفسه الكرمية -سبحان اهلل-
قالَ :ش ِه َد الَّلُه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة [آل عمران.]18:
مث ثىن باملالئكة وال غرابة ,فاملالئكة عباده املكرمون ال َيْع ُصوَن الَّلَه َم ا َأَم َر ُه ْم
َو َيْف َعُلوَن َم ا ُيْؤ َم ُر وَن [التحرمي ]6:فجعلهم اهلل تعاىل شهداء.
والثالث :اختار من خلقه شهداء يشهدون معه -وهو أعظم شاهد -يف أعظم
قضية؛ فال بد أن هؤالء املختارين هم خري وأفضل الناس.
ومل يستشهد اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل بامللوك وال بأهل املناصب واجلاه والدنيا ،وال
بأهل األموال ،وال بأهل األحساب واألنساب الرفيعة؛ لكن قالَ :و ُأوُلو اْلِعْلِم
[آل عمران ]18:فجعل أعظم الشهود معه ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ومع مالئكته الكرام
ِإ
هم أهل العلم ،ولذلك قالَ :أَو ْمَل َيُك ْن ُهَلْم آَيًة َأْن َيْع َلَم ُه ُعَلَم اُء َبيِن ْس رائيَل
[الشعراء ،]197:وكل علماء بين إسرائيل يعلمون أن هذا الدين حق َيْع ِر ُفوَنُه
َك َم ا َيْع ِر ُفوَن َأْبَناَءُه ْم [البقرة.]146:
لكن وجد منهم من أداها مثل عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه ،فقد أدى
الشهادة وشهد أن هذا هو الرسول الذي كنا ننتظره ,وشهد أن هذا هو الدين
احلق.
أول ما قدم النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم مهاجرًا من مكة إىل املدينة ،ظهر وصعد
أحد أحبار اليهود وقال :يا بين قيلة! يا بين قيلة! هذا صاحبكم الذي تنتظرون،
وهو من أحبار اليهود الذين مل يؤمنوا.
يقول :يا بين قيلة -وهم األنصار األوس واخلزرج -هذا صاحبكم الذي
تنتظرون ،وما يزال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بعيدًا ،والسراب حيول بينه وبني الناس.
فقد عرفوا أنه احلق ,وعرفوا أنه هو الرسول ،وأن هجرته ستكون ،وأنه سيأيت
من هذا الطريق ،ألهنم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ،فـعبد اهلل بن سالم رضي اهلل
عنه وهو من أحبارهم وعلمائهم الذين نور اهلل قلوهبم وطلبوا احلق وأرادوه
يقول { :فجئت إليه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم هو خيطب اجلمعة بـقباء ,وهي أول
خطبة وأول مجعة يف اإلسالم ،قال :فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه
كذاب صلوات اهلل وسالمه عليه }.
ما هذا الوجه بوجه كذاب وال طالب دنيا ,أو طالب مال ,أو شهوة ,أو شهرة،
فالصدق والنور واليقني يلمع من جبينه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم .
مث جلس ومسعه وهو يقول{ :أيها الناس! أطعموا الطعام ,وصلوا األرحام,
وأفشوا السالم ,وصلوا بالليل والناس نيام ,تدخلوا اجلنة بسالم } هذه خطبة
النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وعاها قلب عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه.
فلما استشهد اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل على أن هذا الدين حق ،كان من علماء بين
إسرائيل ممن شهد باحلق ،وهو هذا الرجل العامل رضي اهلل عنه ،ومنهم من مل
يشهد؟ قال تعاىلَ :و َجَح ُد وا َهِبا َو اْس َتْيَق َنْتَه ا َأْنُفُس ُه ْم ُظْلمًا َو ُعُلّو ًا [النمل]14:
َفِإَّنُه ْم ال ُيَك ِّذ ُبوَنَك َو َلِكَّن الَّظاِلِم َني ِبآَياِت الَّلِه ْجَيَح ُد وَن [األنعام .]33:وكيف
ال يكذبونك؟ أمل يقولوا :إنه كذاب ,وكاهن ,وساحر ,وشاعر ،فهم ال
يكذبونك ،أي :ال يعتقدون يف أنفسهم أنك كاذب ،لكن يكذبون بأفواههم
وهم يعلمون أنه احلق ،فالشاهد من هذا هو :شهود من استشهد اهلل هبم ،منهم
من يقوم بالشهادة ومنهم من ال يقوم هبا.
أما من قام هبا فقد قام مقام األنبياء ،كما قام أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه -
بعد موت رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم -قام هبا يف حروب الردة ،وأيضًا قام
هبا اإلمام أمحد رضي اهلل عنه وأرضاه ،ومما أثر يف هذا أنه قيل'' :قام أبو بكر يف
يوم الردة ،وقام أمحد بن حنبل يف يوم احملنة'' .
هذا مقام األنبياء أهنم صدعوا وجهروا وقالوا كلمة احلق ،كما قال النيب َص َّلى اُهلل
َعَلْيِه َو َس َّلَم { :سيد الشهداء محزة ورجل قام إىل إمام جائر فأمره وهناه فقتله }،
{وفضل العامل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب }.
وفرق بني من يعبد اهلل على جهل أو يفيت جبهل ،وبني من يعبده بالعلم أو يفيت
بالعلم ،وهذا من خري ما قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم {ال حسد إال يف اثنتني -أي
ال غبطة :-رجل آتاه اهلل احلكمة فهو يقضي هبا ويعلمها } ...واحلكمة ال تكون
إال على علم ،وكذلك البصرية ال تكون إال على علم.
انظروا إىل الرجل الذي ذكر النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم قصته يف التوبة ،وكلنا
حمتاجون إىل التوبة.
هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعني نفسًا ,مائة إال واحدًا ،قتلهم ظلمًا وعدوانًا،
فذهب وأراد أن يتوب فقيل له :هذا فالن فدل على عابد جاهل ،عابد ترك
الدنيا ،وترك الشهوات ،وانقطع عن اخللق يف صومعة للعبادة ،ولكنه جاهل ال
يعرف احلق وال يفيت وال يقضي به ،فذهب إليه وقال :قتلت مائة إال واحدًا هل
يل من توبة؟
فاستعظم ذلك!! مائة نفس إال واحدًة! فقال العابد :ال أجد لك توبة.
الفتوى اجلاهلة أدت إىل تقنيطه من رمحة اهلل ،وأيضًا أدت إىل قتل هذا املفيت بغري
علم ،فأكمل به املائة.
مث دل على عامل فذهب إليه ,وقال :قد قتلت مائة نفس ،فهل يل من توبة؟
مث قال له :اذهب إىل أرض كذا فإهنا أرض خري ,ودع قريتك هذه فإهنا أرض
سوء ،مث قبضه اهلل يف الطريق ،فاختصمت فيه املالئكة ومشلته رمحة اهلل ُس ْبَح اَنُه
َو َتَعاىَل بعد ذلك.
واملقصود أننا نعرف الفرق بني من يفيت بغري علم ،وإن كان زاهدًا ,وورعًا عن
الدنيا ,وجمتنبًا احملرمات ،وقد يؤتى بعض اجلهال بيانًا وفصاحة ،لكن إذا مل يكن
على علم مبا قال اهلل وقال رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ،ومل يكن أيضًا على
فقه يف الدين فال خري فيه ،فقد تنقلب هذه الفصاحة وباًال وخسارًا على
صاحبها ،نسأل اهلل العفو والعافية.
أما العامل فإنه ينفع الناس وينتفع منهم كما قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم { :إن اهلل
ومالئكته وخلقه -أو قال :والدواب -حىت احليتان يف جوف املاء ،وحىت النملة
يف جحرها ليصلون على معلم الناس اخلري } يصلون عليه :أي يدعون
ويستغفرون له كل شيء حىت احليتان يف جوف املاء ،وحىت النملة يف جحرها،
كلها تستغفر هلذا العامل الذي طلب العلم لوجه اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ,والذي نفع
اُهلل تبارك وتعاىل بعلمه ،فعلم الناس ما هم أحوج ما يكونون إليه.
ِم ِإ
ومن فضل العلم والعلماء ما قال اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل يف كتابهَ :مَّنا ْخَيَش ى الَّلَه ْن
ِعَباِدِه اْلُعَلَم اُء ِإَّن الَّلَه َعِز يٌز َغُفوٌر [فاطر.]28:
فالذين خيشون اهلل يف كل حركة وخطوة ,ويف كل كلمة ,هم العلماء :العلماء
باهلل ،والعلماء بأحكامه اهلل وبدينه ،فأما العلماء باهلل فهم يعلمون أن اهلل عز
وجل عظيم ،وقدره عظيم ،ليس كأحبار اليهود الذين قال اهلل فيهمَ :و َم ا َقَد ُر وا
اْلِق ا ِة الَّس ا ا ْطِو َّيا ِب ِم يِنِه ِمَج
الَّلَه َح َّق َقْد ِرِه َو اَأْلْر ُض يعًا َقْبَضُتُه َيْو َم َي َم َو َم َو ُت َم ٌت َي
ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاَلَىَتَعاىَل َعَّم ا ُيْش ِر ُك وَن [الزمر.]67:
جاءوا إىل النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم فقالوا له :يا حممد! بلغنا أن اهلل يوم القيامة
يضع األرض على ذه ،واجلبال على ذه ،والشجر على ذه ،فضحك النيب َص َّلى اُهلل
ِمَج ِه
َعَلْي َو َس َّلَم تصديقًا لقوله وقرأَ :و َم ا َقَد ُر وا الَّلَه َح َّق َقْد ِرِه َو اَأْلْر ُض يعًا َقْبَضُتُه
َيْو َم اْلِق َياَم ِة َو الَّس َم اَو اُت َم ْطِو َّياٌت ِبَيِم يِنِه [الزمر.]67:
كالمهم هذا حق ،لكن مل ينفعهم ،فهم يعلمون أنه هبذه العظمة والكربياء،
والعزة ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ،لكن مل ينتفعوا به ،فالذي ينتفع بذلك هو العامل الذي له
هذا األجر وهذا الفضل ,وهو العامل باهلل الذي خياف اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ,ولذلك
إذا خافوا اهلل مل خيافوا من أي خملوق كما قال اهلل عنهم :اَّلِذ ي ِّلُغوَن ِر االِت
َس َن ُيَب
الَّلِه َو ْخَيَش ْو َنُه َو ال ْخَيَش ْو َن َأَح دًا ِإاَّل الَّلَه [األحزاب ]39:وهلذا كان قيامهم مقام
األنبياء أهنم يصدعون باحلق ،وال تأخذهم يف اهلل لومة الئم كائنًا من كان ،ال
خيافون أن يغضب عليهم الناس ،أو يغضب عليهم السالطني أو امللوك أو الظلمة
من أي نوع ،ألهنم يبلغون عن اهلل ،وألهنم أمناء على هذا الدين ،ولذلك خيشون
اهلل ويعرفون قدره فكيف خيافون غريه!
دخل بعض العلماء على بعض سالطني الظلم فيما مضى وقد قيل له :إن
السلطان يريدك يف أمر مهم ،ولكن خنشى إن ذهبت إليه أن يقتلك.
فقال :توكلت على اهلل ,ودخل عليه وكلمه وخاطبه وأمره وهناه وأغلظ عليه ،مث
خرج من عنده.
قال :تذكرت عظمة اهلل عندما دخلت عليه ،ورأيت عظمته وجنوده وملكه،
فأصبح أمامي كاهلر!
فعندما يتذكر اإلنسان عظمة اهلل هتون أمامه عظمة أي إنسان كائنًا من كان.
هذا املخلوق الذي قد يرجئ أو خيشى أو يسكت عن كلمة احلق ،سيكون يومًا
على آلة حدباء حممول.
يومًا ما سيحمل ويلقى يف ذلك املوضع الذي يعرفه كل أحد ،والذي سينتهي
إليه كل واحد ،لكن هذا العامل لو سكت وداهن وخاف منه ممن إذًا سيتكلم!
َو ِإْذ َأَخ َذ الَّلُه ِم يَثاَق اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب َلُتَبِّيُنَّنُه ِللَّناِس َو ال َتْك ُتُم وَنُه [آل عمران:
]187يسأله اهلل يوم القيامة ملاذا مل تبلغ دين اهلل؟
وأعظم ما جيب أن يتأدب به طالب العلم هو :خشية اهلل ومعرفة اهلل ،فمن عرف
اهلل عز وجل فقد عرف كل خري ،ومن جهل ربه ومل يعرف قدره فمهما حوى
من العلم فهو كما ضرب اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل املثل بعلماء بين إسرائيل َك َم َثِل
اِحْلَم اِر ْحَيِم ُل َأْس َف ارًا [اجلمعة ]5:علماء بين إسرائيل مل يكن ينقصهم العلم،
ِب ٍر
ولكن كان ينقصهم قول احلق والعمل به َك اُنوا ال َيَتَناَه ْو َن َعْن ُمْنَك َفَعُلوُه َل ْئَس
َم ا َك اُنوا َيْف َعُلوَن [املائدة ]79:أي ال ينهون أتباعهم عن قوهلم اإلمث وأكلهم
السحت.
كانوا يرون املنكر فيأمرون أول األمر مث ال مينعهم بعد أن يكون أحدهم لفاعل
املنكر قعيدًا وأكيًال وجليسًا ،فلما فعلوا ذلك ضرب اهلل قلوب بعضهم ببعض,
ولعنهم على لسان دواد وعيسى بن مرمي ،نسأل اهلل العفو والعافية.
مع أهنم علماء لكن أخفوا أحكام اهلل وغريوا وبدلوا دينه ،كما حدث ذلك يف
عهده َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بعد أن قدم املدينة أن زىن رجل بامرأة ،فلما فعال
الفاحشة احملرمة ،قالوا :قد جاءنا هذا النيب وهو رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ،
ويعلمون أنه نيب ،ويعرتفون بذلك فيما بينهم ،فلنذهب إليه فإن أفتانا بشيء غري
الرجم قبلناه ،وإذا سألنا ربنا يوم القيامة قلنا :يا رب! هذا نبيك بعثته وأخذنا
حبكمه ،وإن مل يفتنا به عدنا إىل ما كنا نعمل .فاملسألة كما هو حال كثري من
الناس ،وهذه القضية مهمة.
وحذيفة بن اليمان رضي اهلل عنه ملا مسع رجًال يقول يف قوله تعاىلَ :و َمْن ْمَل ْحَيُك ْم
َمِبا َأْنَز َل الَّلُه َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن [املائدة ]44:قال -وهو صادق :-هذه يف بين
إسرائيل -وهذه سوف نذكر قصتها قريبًا -قال حذيفة رضي اهلل عنهِ[[ :ن
َم ْع
أبناء عم لكم اليهود ،ما كان من حلوة فهي لكم ،وما كان من مرة فهي هلم
]] ،معىن هذا الكالم أننا إذا جئنا وقرأنا ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّناِس [آل
عمران ]110:قلنا هذه يف أمة حممد َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم .
وإذا قرأنا َو َك َذ ِلَك َجَعْلَناُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُنوا ُش َه َد اَء َعَلى الَّناِس َو َيُك وَن
الَّر ُس وُل َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا [البقرة ]143:قلنا :نزلت فينا هذه اآلية.
وإذا قرأنا قوله تعاىلَّ :مُث َأْو َر ْثَنا اْلِكَتاَب اَّلِذ يَن اْص َطَف ْيَنا ِم ْن ِعَباِد َنا [فاطر]32:
قلنا :هذه فينا واحلمد هلل ،وإذا جئنا وقرأنا قوله تعاىلَ :و َمْن ْمَل ْحَيُك ْم َمِبا َأْنَز َل الَّلُه
َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن [املائدة ]44:قلنا :هذه نزلت يف اليهود.
وقال ابن عباس وسفيان بن عيينة رضي اهلل عنهما[[ :من ضل من علمائنا ففيه
شبه من اليهود ،ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى ]].
هؤالء اليهود ملا غريوا حكم اهلل ،وبدلوا دينه ،قالوا{ :سلوا حممدا عن ذلك فإن
أمركم باجللد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فال تأخذوه عنه فسألوه } وكان
اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل قد سبق وأنزل الوحي عليه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وبني له
احلكم ،وقالَ :و َك ْيَف َحُيِّك ُم وَنَك َو ِعْنَد ُه ُم الَّتْو َر اُة ِفيَه ا ُح ْك ُم الَّلِه [املائدة]43:
فاحلكم يف التوراة ،والنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يستطيع أن يقول :احلكم الرجم،
فارمجوهم.
هنا الشاهد؛ حىت يعلم أن هؤالء علماء ضاللة ،وأهنم ما أتوا يف أمور أخرى،
فلم جاءوا هذه املرة .قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم { :ما حتكمون يف هذا أنتم؟
قالوا :حنن حنكم أن جيلد وحيمم وجهه ويطاف به يف األسواق.
قالُ :قْل َفْأُتوا ِبالَّتْو َر اِة َفاْتُلوَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َص اِدِقَني [آل عمران ]93:فاتفقوا كلهم
على حذف هذا احلكم من التوراة فأخذ أحدهم يقرأ -وتعلمون أن النيب َص َّلى
اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم أمي ,ولكن اهلل عز وجل يظهر احلق له دائمًا ،وكان شاهد بين
إسرائيل موجودًا -فوضع القارئ يده على آية الرجم وجتاوزها ألهنم ال يريدون
حكم اهلل ويكرهون ما أنزل يف التوراة ،ألن فيه فضيحة على العاصي ،فلجئوا إىل
تبديل حكم اهلل } .
وهذا ذنب على ذنب ،أوهلا غلط وتبديل لكالم اهلل ،وآخرها تبديل لدين اهلل،
وغمط وجحد ملا أنزل اهلل.
{فقال له عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه :ارفع يدك! فإذا آية الرجم تظهر
فقرأها عبد اهلل فقال :هذه يا رسول اهلل ،واهلل تعاىل قد أخرب نبيه َّلى ا َل ِه
َص ُهلل َع ْي
َو َس َّلَم ،فأمر هبما فرمجا.
فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم :ما الذي محلكم على ذلك؟
قالوا :كنا قد أقمناه زمانًا ،مث فشا فينا الزنا وانتشر يف أشرافنا } كما قال اهلل:
َر َّبَنا ِإَّنا َأَطْع َنا َس اَدَتَنا َو ُك َبَر اَءَنا َفَأَض ُّلوَنا الَّس ِبيال [األحزاب ]67:إهنم الكرباء
والوساطات ،فإذا زنا ابن الفالح ,قالوا :ارمجوه؛ لكن إذا زنا ابن األمري أو كبري
من الكرباء يف بين إسرائيل قالوا :ال ،هذا ال يرجم .فاستمروا على هذا يرمجون
الضعفاء وال يرمجون الكرباء ،كما أخرب النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم {إمنا أهلك
من كان قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد ،وإذا سرق
فيهم الشريف تركوه } فالذي ليس لديه وساطة ،ال يف شرطة ،وال يف حمكمة
يقيمون عليه احلد ،أما الشريف فال؛ ألن شرفه وشفاعته حتول بينه وبني احلد
فلهذا يرتكونه.
مث اصطلحوا على حكم مناسب للقوي والضعيف ،فقالوا :جنعل التحميم
والتشهري واجللد؛ فإن كان ضعيفًا حتمم ومشى إىل سبيله ،وإن كان من أوالد
الكرباء فيصرب على التحميم قليًال ،لكن الكل ال يرجم ,وقالوا :هذا حل وسط.
كثري من الناس من العلماء وطالب العلم والقضاة -وكلنا حنتاج أن نفقه هذا
الشيء -حيكمون أو يقضون بغري ما أنزل اهلل ويظنون أن هذا من قبيل اإلصالح
ِإْن َأَر ْد َنا ِإاَّل ِإْح َس انًا َو َتْو ِفيقًا [النساء ]62:ويقولون :ما قصدنا إال اخلري ،ونريد
أمرًا يرضي اجلميع.
لكن ال جيوز ذلك أبدًا ،ما كان من حكم اهلل فينفذ ،وما كان من صلح ال حيلل
حرامًا أو حيرم حالًال فهذا له أبواب أخرى.
املقصود أن هؤالء الناس الذين كانوا على علم ،ولكن كانوا على غري احلق
واهلدى ،وباعوا دينهم وعلمهم من أجل أبناء األشراف ,ومن أجل الزنا الذي
انتشر فيهم ،وهم من أشراف القوم نسأل اهلل العفو والعافية.
إذًا من أعظم ما جيب أن يتحلى به العلماء وطالب العلم هو خشية اهلل وقول
ِديِنِه ِم ِذ
احلق كما قال اهلل تعاىل يف أوصافهمَ :يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َمْن َيْر َتَّد ْنُك ْم َعْن
ِف ِمِن ِع ٍة ِحُي ِذَّلٍة ِب ٍم ِحُي يِت
َفَس ْو َف َيْأ الَّلُه َق ْو ُّبُه ْم َو ُّبوَنُه َأ َعَلى اْلُم ْؤ َني َأ َّز َعَلى اْلَك ا ِر يَن
ِه ِت ِه ِئ ِل ِه ِه
َجُيا ُد وَن يِف َس ِبيِل الَّل َو ال َخَياُفوَن َلْو َم َة ال ٍم َذ َك َفْض ُل الَّل ُيْؤ ي َمْن َيَش اُء َو الَّلُه
َو اِس ٌع َعِليٌم [املائدة.]54:
وإذا األمة ركنت واستكانت ،وطالب العلم والداعية مل يقل كلمة احلق ،وانتشر
املنكر وطغى ،وظهر الفساد يف الرب والبحر ،فاألمر كما قال اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل :
ِإَّن َر َّبَك َلِباْلِم ْر َص اِد [الفجر ]14:ولن يضيع دينه أبدًا.
بل يذهب اهلل هبؤالء ويأيت بقوم أول صفة من صفاهتم أهنم حيبهم وحيبونه ،ومن
أحب اهلل فإنه ال يقدم على مرضاته شيئًا ،ومن أحبه اهلل حفظه وعصمه وأجناه
بإذن اهلل تعاىل ،وبعد ذلك فإن قوهتم وشدهتم وغلظتهم تكون على الكفار ،أما
على املؤمنني فإهنم رمحاء فيما بينهم ,بل هم أذلة على املؤمنني ،مث إن من صفاهتم
أهنم جياهدون يف سبيل اهلل ،وهذا العلم جهاد ,بل هو أفضل اجلهاد ،كما بني
َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يف قوله{ :نشر العلم جهاد } ،بل قد جاء عن النيب َص َّلى
اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يف حديث بإسناد حسن أنه قال{ :إن الشهيد الذي قتل يف سبيل
اهلل إذا رأى أجر العامل يوم القيامة يتمىن أنه كان مكانه } فالشهيد الذي هو
أعظم الناس أجرًا ،يتمىن أن يكون عاملًا عندما يرى اخلري والربكة هلذا العامل،
ولطالب العلم الذي كان يعمل باحلق وينشره ،ويعلم الناس احلق واخلري .مع أن
اجلهاد باليد هو ذروة سنام اإلسالم.
حىت قتال الكفار إن مل يكن على علم وإن مل يكن قادته علماء كما كان َش ْيخ
اِإل ْس الِم ابن تيمية رمحة اهلل عليه وغريه من العلماء األفذاذ يقودون املعارك ،إن مل
يكن كذلك؛ فإنه قد يدخله اخللل وقد يدخله الدخن ،البد أن يكون اجملاهد
على علم :من جياهد ,ومىت يكون اجلهاد ،وما هي أحكام الصلح ،وما هي
أحكام الرق ..إخل ,وكل ذلك حنتاج فيه إىل العلم.
فال يستطيع أحد أن يستغين عن العلم يف حال من األحوال ،وهلذا أمر اهلل تبارك
وتعاىل الناس فقالَ :فاْس َألوا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإْن ُك ْنُتْم ال َتْع َلُم وَن [النحل]43:
الواجب علينا أن نسأهلم ،وال خري يف الدنيا بعد ذلك كما قال َّلى ا َل ِه
َص ُهلل َع ْي
َو َس َّلَم {:الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر اهلل وما وااله أو عاملًا أو متعلمًا }
إن مل تكن عاملًا فكن متعلمًا ،وقليل من الناس من يكونون علماء ،وهذا شيء
معروف فكن طالب علم {من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل اهلل له به
طريقًا إىل اجلنة } حىت تكون معه وحتشر معه و{املرء حيشر مع من أحب }
وحيشر اخلليل مع خليله يوم القيامة ،وال نعين بطالب العلم الذي تفقه وخترج من
كلية الشريعة وخيطب اجلمعة فقط ،مع أن هؤالء طالب علم يف نظرنا ،لكن
طالب العلم هو الذي يطلب علم الكتاب والسنة ولو كان يف أي مكان.
تعلمون أن بعض الناس يتعلمون ويتفقهون على اإلذاعة! وكلكم تتابعون برنامج
نور على الدرب ،واهلل إننا نعيش يف نعمة ال تقدر واحلمد هلل على ما فينا ،حنن
اآلن نستطيع أن نطلب العلم ونعمل ونتعلم واحلمد هلل ،وهناك دول قريبة منا
على حدودنا ال يستطيع الواحد أن يقرأ كتابًا واحدًا ،وال أن يطلب علمًا ،وال
أن يلتقي بشيخ وهم يتعلمون عرب برنامج نور على الدرب! وبرامج أخرى يف
اإلذاعة يستمعون إليها ،ولذلك كم يأيت من العراق ،ومن غريها ,لكي يتفقهون
ويتعلمون.
وحنن واحلمد هلل عندنا كثري من الوسائل ،فحلقات العلم جيب أن حنضرها
وحنييها ،وعندنا أيضًا إذاعة القرآن الكرمي وال نعين اليت فيها غناء وموسيقى.
فالوسائل كثرية ،واملهم أن تكون طالب علم وأن تتعلم العلم ،وهذا من أعظم
اآلداب فيه وهو أن تأخذه عن أهله -أهل الذكر -وأن تأيت البيوت من أبواهبا
َو ْأُتوا اْلُبُيوَت ِم ْن َأْبَو اَهِبا [البقرة ]189:وهذه قاعدة عامة يف ديننا ،واملقصود هبا:
ليس جمرد إتيان هذا الباب أو ما فسرت به من تفسري ،كل ذلك إن شاء اهلل
حق؛ لكن كل شيء يؤتى من بابه ،ومن أبواب العلم أن تأخذه عن أهله،
وتتأدب بآداب أهله وشروطه.
يف احلقيقة كثري منا ال يتأدبون بآداب طلب العلم ،فلو جاءنا عامل -مثًال-
ونرجو أن يأتينا العلماء إن شاء اهلل ،فيجب أن نتأدب معه ونعرف ما الذي
نسأله ،وكيف نسأله ،وكيف نستفيد من علمه.
الصحابة رضوان اهلل عليهم كان أحدهم ينتظر السنة والسنتني يسأل عن مسألة
من مسائل العلم.
وكان عبد اهلل بن عباس حرب هذه األمة ينام عند عتبات العلماء من الصحابة مثل
زيد بن ثابت رضي اهلل تعاىل عنه وينتظره حىت خيرج.
وحنن اآلن ال نراعي وقت راحة العامل فنتصل باهلاتف وندق الباب ،ورمبا نسأل
عن شيء معروف قد تكلم فيه مئات املرات ونعرف حكمه أيضًا ،حنن ينبغي أن
نعرف ما الذي نسأل عنه ،وبعض الناس يف الطريق يفكر :ماذا أسأل! مما يدل
على أن هذا ليس بطالب علم؛ وهذا دليل على أننا جنهل من ديننا شيئًا كثريًا.
إذا كنت تتفكر ماذا تسأل الشيخ ابن عثيمني -مثًال -إذا جاء املنطقة ،فهذا يدل
على أنه ليس معك شيء من العلم.
واملفروض أننا نعرف جهلنا حىت نسأل ،ولذلك حنرص على أن نسأل العلماء
فيما يهمنا ،أنا -مثًال -عندي أمر من األمور الدينية ،يف عبادة من عبادايت ،أو يف
التوحيد -وهو أعظم شيء -أعرف هل هذا شرك أو توحيد ،هذه بدعة أو سنة،
هذا حالل أو حرام!
آيت إىل الشيخ وأسأله عن شيء أنا أعيشه ،عن قضية أنا أعانيها وأعلم هبا ،كما
أوصى النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم لوفد عبد القيس{ :بلغوا من وراءكم } فأنا
آخذها وأحفظها وأعيها وأبلغها كما قاهلا العامل وأبلغها لقرييت ..ومجاعيت..
وقبيليت ،ألن هذه كلمة من عامل وهي حق ،فإذًا أنا أبلغها.
وحىت نتأدب مجيعًا بآداب طالب العلم ال بد أن حنرص على ما ينفعنا وال
نستكثر من املسائل.
وهلذا يقول الشعيب وهو من التابعني -رضي اهلل تعاىل عنه -ملا رأى الناس
يتدافعون عليه ،ويذهبون من تابعي إىل تابعي يف أيامه ،قال[[ :لو أن القرآن أنزل
على هؤالء لكان عامته يسألونك ويسألونك -من كثرة ما يسأل الناس -ولكن
ليس فيه إال بضعة مواضع ]] وهي مثانية مواضع يف القرآن الكرمي كلها
(يسألونك) لكن لو نزل القرآن عندنا اليوم ,كم يسألونك؟ كل شيء يسألونك.
{إمنا أهلك من كان قبلنا كثرة مسائلهم واختالفهم على أنبيائهم } ،وهذا
واقعنا اليوم.
بعض الناس يف احلج -كمثال وهذا حنن نعيشه يف كل موسم حج -يسألك عن
لقط اجلمار ،هل جيوز أن ألقطها من مىن أو من مزدلفة ؟
فيجاب :احلمد هلل ,ال بأس ،إن أخذهتا من مىن أو مزدلفة أو من أي مكان فال
حرج ،لكن أين وقفت يوم عرفة ؟
فيقول :احلمد هلل حتت اجلسر ،أي وقف حتت اجلسر إىل الغروب.
نقول :أنت جئت تسأل عن شيء هني ومل تسأل عن الشيء اهلام ،أنت تركت
ركن احلج ،كما قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم {:احلج عرفة } وكثري من الناس بل
آالالف حيجون وال يقفون بـعرفة ؛ ألنه يقف يف عرفة حتت اجلسر ويظن نفسه
أنه فعل الواجب.
هذا ألنه ما اهتم ،وما تفقه كيف حيج وأين يقف؟ لكن رأى واحدًا يفيت
بامليكرفون والناس عليه يتجمعون ،قال :أذهب وأسأله عن احلجارة وأنا على
الطريق.
وحىت يف صالتنا بعض الناس ال حيسن الفاحتة ،ويأيت ويسألك يف قضايا يقول:
مسعنا أن هناك أناسًا على جهالة أو على ضاللة هؤالء يوم القيامة هل يدخلهم
اهلل النار أو اجلنة؟
فتحتار يف أمره ,وماذا تقول له! أتقول له :هؤالء أهل فرتة وفيهم خالف
وتشرح له يف واد بعيد ،ولو قلت له :تعال اقرأ الفاحتة فال جييد قراءهتا ،أو
سألته :ما هي أركان الصالة؟ ال يعرفها ،إذًا ما الفائدة؟!!
يا أخي! هذا القرآن جعله اهلل موعظة ،وكان العلماء من عهد الصحابة رضي اهلل
تعاىل عنهم ينهون عن مساع القصص وهي مواعظ خري ،وبعضها حق أو أكثرها
ولكنهم كانوا ينهون عنها.
فاإلنسان الذي ال يعرف معىن ال إله إال اهلل وال يعرف الشرك -وهو أعظم ذنب
قد يقع فيه -مث يظن أنه يف حاجة إىل دقائق العلم ،وهكذا.
حدث ذات مرة أن رجًال سأل سؤاًال غريبًا -الداعي لذكره -فقلت له :أنت
تقرأ القرآن فقال :احلمد هلل ،فقلت :أنت تعرف معىن ُق َأُعوُذ ِب ِّب اْلَف َلِق
َر ْل
[الفلق ،]1:ما معىن الفلق؟ وغاسق إذا وقب؟ والنفاثات يف العقد؟
قال :واهلل ما أعرفها ،وهذه يف السور الذي حيفظها الطالب املبتدئ وكل أحد،
مث تأيت وتسأل عن أشياء غريبة ,كمثل ما يسأل يف البعض يف قوله تعاىلَ :و َش َر ْو ُه
ِبَثَم ٍن ْخَبٍس َدَر اِه َم َم ْع ُد وَدٍة [يوسف ]20:كم الدراهم؟ وبكم باعه إخوانه؟
حسنًا إذا كانت عشرة دارهم أو مائة ،ماذا يضرك وماذا ينفعك؟ أهم شيء أن
تعرف أنت ما الذي جيب أن تعلمه حىت تعمل به.
هذا الواقع اليومي الذي نعيشه جند النقص عند الناس يف هذا اجلانب من اآلداب,
وهو جانب عظيم من آداب طالب العلم وهو ينقصنا مجيعًا ،هذا اجلانب :أننا ال
نسأل إال بقدر؛ وال نسأل إال فيما يهمنا ،وأن يكون مهنا أن نسمع ونتلقى ،فإذا
تلقينا شيئًا وعزمنا على أن نعمل به ،فلن حنتاج إىل أن نسأل كثريًا ،وهلذا قَّلت
أسئلة الصحابة.
وكان الصحابة رضي اهلل عنهم يفرحون إذا جاء األعرايب من البادية ألنه -
جاهل -يتجرأ ،ويسأل النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وهم يعون ويفقهون ،لكنهم ال
يتجرءون أن يسألوا؛ لتأدهبم مع رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ،وحنن حنتاج إىل
من يعمل مبا علم ومن يسأل عن شيء ويلتزم العمل به.
بقي بعض الصحابة -رضوان اهلل عليهم -يف سورة البقرة مثان سنني مثل ابن
عمر رضي اهلل عنه حىت يتعلمها فقال[[ :كنا ال نتجاوز اآلية من القرآن حىت
حنفظها ونفقهها ونعرف ما فيها من العلم والعمل ،فأوتينا اإلميان قبل القرآن ]]،
أما اآلن فإن الناس بالعكس.
واحلمد هلل ومن فضل اهلل علينا وعلى األمة مجيعًا أن الواحد منا يدخل التحفيظ
أربع سنوات أو مخس سنوات وحيفظ من القرآن ما وفقه اهلل ويسره له ،وهذا
شيء جيد ،لكن يف جانب الرتبية ال ينبغي أن نعطي القرآن قبل اإلميان ،بل جيب
أن نعطي اإلميان قبل القرآن ،فاإلميان قبل القرآن.
والتأدب بآداب القرآن وآداب محلة القرآن قبل تعليم الناس أحكام احلالل
واحلرام شيء هام ،وإال كان ذلك حجة هلذا الصاحب ،أال ترى أن بعض من
تعلم وتفقه يف الدين وأخذ الشهادة يف ذلك ُيضل وَيضل ،ويقطع طريق الدعوة
واخلري على أهل اخلري والدعوة ،يأخذه الناس قدوة وحجة -والعياذ باهلل -وإذا
أخذ الناس جمرد العلم بغري أدب ،فهذه مصيبة حتل على الدعوة.
فال بد من خشية اهلل ،تقواه ،ومن اإلخالص له ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ،وبذل هلذا العلم
يف سبيله عز وجل ،ونسأل اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل أن يبارك لنا ولكم.
كما شرع لنا رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم الفرح بالزواج ،أو الفرح باملولود
إذا رزقنا اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل مولودًا ،وما أشبه ذلك مما هو يف حدود احلالل.
مث أتينا حنن وماذا فعلنا -وخاصة يف بعض املناطق؟ -جعلنا الفرح مهرجانًا
للمعاصي جيمع اإلنسان شرورًا ومعاصي مركبة من أجل ما أعطاه اهلل ُس ْبَح اَنُه
َو َتَعاىَل ورزقه بفتاة طيبة خطبها من أسرة طيبة كرمية وتزوجها.
مَّن اهلل عليه هبذا الزواج ،وهذه نعمة من اهلل عظيمة ،بل هو خري متاع الدنيا
كما أخرب النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم فيقول :ال بد من فرح ,والبد من طرب
يسمع به القاصي والداين.
التبذير واإلسراف يف الوالئم ال جيوز يقول اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل يف كتابهِ :إَّن
اْلُم َبِّذِر يَن َك اُنوا ِإْخ َو اَن الَّش َياِط ِني [اإلسراء.]27:
وقد يكون اإلنسان ممن أعطاه اهلل ماًال فأسرف فيه ،وقد حرم اهلل اإلسراف
والتبذير ،وهو يف األصل من حالل بل مأمور به ,هذا الفرح نعرب عنه كما سنه
لنا النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بالدف! لكن هل الدف للرجال؟! أعوذ باهلل من
ذلك هل هناك رجل يأخذ الدف ويضربه..معقول!! رجل يأخذ دف أو طبل
ويضربه.
قالوا :إنه حيصل يف املباريات لكنين ما صدقت؛ حىت رأيت رجًال حيمل دفًا
وطبًال.
الدف للنساء يف العرس فقط ،هذا الذي ُش رع وأذن به النيب َّلى ا َل ِه
َص ُهلل َع ْي
َو َس َّلَم ،فيجتمع الناس ويفرحون ،وجتتمع اجلماعة ويتعشون ،ويتغدون مجيعًا مث
يباركون ويهنئون ويعربون عن الفرحة وهذا نعرفه واحلمد هلل وهو املشروع.
أما االجتماع الذي جاء يف السؤال تسميته "إحياء" فإن اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل
يقولَ :أَو َمْن َك اَن َم ْيتًا َفَأْح َيْيَناُه َو َجَعْلَنا َلُه ُنورًا ْمَيِش ي ِبِه يِف الَّناِس [األنعام:
,]122وهم يقولون :جاء مطربون وأحيوه!! وهذا واهلل قتل وموت ،موت
للقلوب هبذا الطرب واللهو واللعب.
واحلياة هي بالقرآن الكرمي وبذكر اهلل َأال ِبِذ ْك ِر الَّلِه َتْطَم ِئُّن اْلُقُلوُب [الرعد]28:
فإذا كان الوقت مناسبًا -وال جنعل ذلك دائمًا أو قاعدة عامة -واجتمع الناس،
وجاء إنسان وأعطاه اهلل حظًا من العلم فوعظنا وذكرنا ،من ضمن ما قد يكون
يف الربنامج ،ودون أن نلتزم هبذا الشيء وجنعله قاعدة أو سنة ،لكن أقول :لو
حصل ذلك نكون قد أحيينا العرس مرتني ،أحييناه ملا جئنا وهنأنا وأكلنا
واجتمعنا على اخلري ،وأحييناه أيضًا بذكر اهلل ،أما أن يؤتى باملطرب ويقال:
مطرب ,وال يوجد شيء رجال مع رجال ،مث بعد ذلك مطربة ,وبعد ذلك
مطرب ومطربة ,وبعد ذلك فرقة ,وبعد ذلك الفرقة املختلطة واجلمهور املختلط!
وهكذا طريق الشيطان يبدأ خبطوة ،مث يزين ما بعده مث ما بعده ،وإذا هبا فرق،
وإذا بنا تطورنا وتقدمنا كما يقولون.
كنا جنتمع يف أي مكان ,قالوا :ال بد من فندق أو من صالة ،حسنًا ،وإذا
بالصالة ،قالوا بعدها :املطرب ,ماذا يفعل هذا املطرب؟ ال جيوز أن يستقدم هذا
املطرب ،ومن جاء به فهو آمث ومن استمع إىل هلوه وطربه فهو آمث ،وهذا الذي
قاله النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وحذر منه يف آخر الزمان عندما قال{ :يستحلون
احلر واحلرير واخلمر واملعازف } جعل النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم مساع املوسيقى
قرين الزنا -والعياذ باهلل -وقرين لبس احلرير اجملمع على حترميه عند املسلمني
قاطبة؛ هذا آمث ,فال يقال :ال يأمثون هم ولكن الذي يأمث املطرب ومن حضر
احلفل فقط؛ ألنه لو كان األمر كذلك لكنا يف أمر أخف؛ لكن نأمث حنن -
اجملتمع -مجيعًا إن مل يكن فينا من ينكر ،وأول من جيب عليه اإلنكار من واله اهلل
تعاىل األمر.
أعين :اإلمارة واهليئة ،هذا أول من جيب عليه أن ينكر هذا املنكر؛ ألن هذه
مسئوليته قال تعاىل :اَّلِذ يَن ِإْن َم َّك َّناُه ْم يِف اَأْلْر ِض [احلج ]41:يعين ملكوا
وحكموا َأَقاُموا الَّص الَة َو آَتُو ا الَّز َك اَة َو َأَم ُر وا ِباْلَم ْع ُر وِف َو َنَه ْو ا َعِن اْلُم ْنَك ِر [احلج:
]41فيأمث املسئول يف املنطقة أو يف املدينة بعدم إنكار هذا املنكر ،فإن مل تقم
اجلهات املسئولة بواجبها أيضًا ،فيأمث أهل الشأن ,وأهل العلم هم أهل الشأن.
ومن املشاكل اليت تقع -وهذا شيء معروف يف هذه املناسبة -أن يتخلى من له
الشأن ،ومن بيده األمر عن إنكار املنكر ،فيأيت شباب يغضبون هلل وال يصربون
على املنكر ،ويعلمون ما أعده اهلل من العذاب ملن مل ينكر املنكر ،فيتجرءون
وينكرون ،فيقولون :ذهبنا وأنكرنا املنكر ،وما قلنا إال احلق وقلنا :اتقوا اهلل,
وقلنا :هذا حرام ,وقلنا :هذا منكر ،مث ماذا تكون النتيجة؟
تكون مشكلة ،وعداوة ،وحقد ،ويتهم الشباب بكل هتمة ،ويتجرأ الكبار
ويقولون :ما أنكر إال ولد فالن وولد فالن والذين هم كذا وكذا ،بينما العلماء
والدولة ازدروا الذي ينكر ،فانظر املشكلة كيف تتطور! وبعد أن كان منكرًا
بسيطًا ميكن أن ينتهي مبجرد كلمة من هاتف مسئول يف هيئة ,أو يف اإلمارة ,أو
يف شرطة ،أو يف أي عمدة ,أو عريفة...إخل.
األوىل :أهل الشأن ،ومعهم اجلمهور كما قال تعاىلِ :إْن ُتِط ْع َأْك َث َمْن يِف
َر َو
اَأْلْر ِض ُيِض ُّلوَك َعْن َس ِبيِل الَّله ِ )[األنعام ]116:فأكثر اجلمهور يريدون الطرب،
وثالثة أو أربعة ليس هلم قيمة وال اعتبار!!
فأنا أقول -وأنا أعترب نفسي واحدًا من هؤالء الشباب -قد خنطئ ونتجرأ ,وقد
نتصرف تصرفًا غري صحيح يسيء إىل الدعوة ،وقد يتطور املنكر إىل منكر أكرب
منه.
أقول :افرضوا أننا فعلنا منكرًا من أجل أننا ننكر املنكر ،لكن يف احلقيقة اإلمث
والذنب على من مل ينكر املنكر وهو من أهل إنكار املنكر ،فهذا ال نريده أن
يقع.
إننا حنن الذين بأيدينا الشأن واألمر من مسئول ،أو صاحب الزواج نفسه ،أو
صاحب الصالة نفسها إىل آخره ،..نبدأ بتغيري املنكر ،فنحن إن مل مننع املنكر
وإال تفاقم األمر ،اآلن -واحلمد هلل -ظهر العلم وظهر احلق ،وما بقي ألحد
حجة ،وما بقي على الشباب من الئمة ،قد نآخذهم باألسلوب األمثل ،لكن
معهم حق يف إنكار املنكر ،من الذي ال يقرهم على إنكار املنكر؟
نقول :نعم ،ال يقرون على بعض األساليب ولكن ال بد أن ُينكر املنكر وال بد
أن يزال ،فإن مل يقم به من هو أهله تصدى له غريه ،ولذلك فنحن حنمل
املسئولية يف ذلك كل الناس ،الكل مسئول يف هذه البلدة ،ويف كل مكان ،هذا
ما شرعه اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ،وأمر به الرسول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بقوله{ :من
رأى منكم منكرًا فليغريه بيده -إذًا صاحب السلطة يغري باليد -فمن مل يستطع
فبلسانه } -ومن التغيري باللسان إنكار من ال يستطع باليد مثل :العامل أو الواعظ
الذي ال يستطيع أن ينكر باليد ،فينكر ذلك باللسان.
جيب أن خيطب اخلطباء يف هذه األيام ،ال يكفي كلمة مين فقط ،على اخلطباء أن
خيطبوا يف هذا املوضوع ،وحيذروا من هذه الظاهرة ،ومن هذه البادرة اخلطرية،
ويتكلم الوعاظ ويتكلم اآلباء.
جيب على كل واحد منا علم أن هذا الزواج فيه منكر أال حيضر وأال يرسل أهله
حلضور ذلك املنكر ،حىت لو غضب من غضب ،ونقول :هذا منكر إن أزلت
املنكر جئنا أو جاءك أهلنا ،وإن كنت ال ترضى أن تزيل املنكر فلن نأيت.
ومنكرات األفراح كثرية منها :الزفة اليت يكون فيها االختالط ،ومنها :التصوير
بالفيديو أو اآللة ،ومنها أشياء كثرية يضيق الوقت عن شرحها ،املهم أننا نعرف
أننا مسئولون أمام اهلل عز وجل ،وأن مناطقنا احملافظة الطيبة أمانة يف أعناقنا،
فلنحذر أن نفخر بأفراح ومناسبات تدخل فيها املعاصي ،أو بأفراح ما يسمى
باالصطياف أو السياحة ,فندخل فيما حرم اهلل من اللهو اللعب ،ونكون كالذين
اختذوا دينهم هلوًا ولعبًا -والعياذ باهلل -والذين كانت عبادهتم كما قال اهلل
ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل َ :و َم ا َك اَن َص الُتُه ْم ِعْنَد اْلَبْيِت ِإاَّل ُمَك اًء َو َتْص ِد َيًة [األنفال]35:
نسأل اهلل العفو العافية.
فإن جئنا عند األميان فالكبار الذين بقيت عندهم من اجلاهلية األوىل بقايا حيلفون
بغري اهلل ويدعون غري اهلل.
وبعض جاهلية النشء اجلديد ،إما أنه ال يعرف اهلل وهلذا ال يذكره ,وإما أن
حيلف بغري اهلل إما بلفظ جديد أو مبصطلح جديد ،فذاك كان يعظم اآلباء
واألجداد ،وهذا اجلديد يعظم الوطن والشرف ويقول :بشريف ،فوْض عنا حنن بني
هاتني اجلاهليتني.
والشرك -يا أخي -أعظم ذنب عصي اهلل تعاىل به ,ومن الشرك شرك خمرج من
امللة :وهو دعاء غري اهلل ،أو االستغاثة بغريه ،أو الذبح لغري ،أو النذر لغري اهلل ،أو
التحاكم إىل الطواغيت من دون شرع اهلل ،هذه كلها خمرجه من امللة والعياذ
باهلل.
ومنها شرك يف األلفاظ ،وهذا الشرك كاحللف بغري اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل أو كقول:
ما شاء اهلل وشئت أو ما أشبه ذلك ،وهذا يسمى بشرك األلفاظ ،أو ما يسمى
بالشرك األصغر ،وكونه أصغر أو أنه ال خيرج من امللة ،ال يعين كونه هينًا،
فالشرك أكرب من أي كبرية غري الشرك ولذلك يقول عبد اهلل بن مسعود [[ألن
أحلف باهلل كاذبًا أحب إيل من أن أحلف بغريه صادقًا ]] -والعياذ باهلل -ال
ميكن أن حيلف رضي اهلل تعاىل عنه بغري اهلل ،واحللف باهلل كاذبًا هي اليمني
الغموس اليت تغمس صاحبها يف النار ،وهي من الذنوب الكبار ،ولكن مع ذلك
هي أخف من أن حيلف اإلنسان بغري اهلل وإن كان صادقًا يف ميينه؛ ملاذا؟ ألن
الشرك أعظم من بقية الكبائر.
وبعض الناس يقول :أنا ليس قصدي أن أدعو اجلن -وهذا كالم تعودناه-
فنقول :هذا من شرك األلفاظ ،فإن سلمت من الشرك األكرب ومل يكن هذا دعاء
لغري اهلل وكفرًا به -عياذًا باهلل -فأين السالمة من شرك األلفاظ الذي هو أعظم
من الكبائر األخرى ،كالزنا أو شرب اخلمر أو عقوق الوالدين ،عافاين اهلل
وإياكم؟ فلنحذر من الشرك دقيقه وجليله.
يقول بعض اإلخوة إذا ُغِلبت وقلت مثل هذه األلفاظ وقلت افعلوا به أو كذا؟
نقول :نعم ديننا ال يوجد فيه شيء إال وله ِح كمه واحلمد هلل ،والصحابة كانوا
يف اجلاهلية حيلفون بآبائهم ،وكانوا حيلفون بالالت والعزى كعادة اجلاهلية...
فلما أشرق عليهم هذا النور وعرفوا التوحيد كّف وا عنه ،ولكن دائمًا إذا تعودت
على شيء يف عمرك كله ،ال ميكن أن تغري هذه العادة يف حلظة ،فيغلب أحدهم
على لسانه ويقول" :والالت ..وأيب" فماذا عليه؟ يوحد اهلل ..فيشهد أن ال إله
إال اهلل؛ ألن كفارة الشرك هي التوحيد ،أو هي شهادة أن ال إله إال اهلل ،فعندما
تنذر هبذه املناذير الشركية وتتذكر وتقول :ال إله إال اهلل وتستغفر اهلل وتتوب مرة
ومرتني وثالث فإنك ستقضي على هذه العادة السيئة إن شاء اهلل تعاىل.
حكم احللف بالطالق واحلرام
السؤال :ومن حيلف بالطالق واحلرام؟
اجلواب :الطالق واحلرام تريد درسًا منفردًا ،املهم أن احللف ال يكون إال باهلل،
ونعلم أنه ال يوجد أحد إال وهو حيتاج أن حيلف ،وال نقول :ال حنلف باملرة
وقول اهللَ :و ال ْجَتَعُلوا الَّلَه ُعْر َض ًة َأِلَمْياِنُك ْم [البقرة ]224:ليس معناه أال حنلف
وأال نقسم ،فالنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم كان يقسم يف مواضع كثرية يقول:
والذي نفسي بيده أو واهلل ,وتاهلل -كما يف القرآن ،-والذي بعث حممدًا باحلق،
كما كان الصحابة يقولون :والذي بعثك باحلق ،فاملهم أن يكون باهلل وال نشرك
به أحدًا.
وأقول :مشكلتنا هذه أصلها أننا نظن املال مالنا كما قال النيب صلى اهلل عليه
وسلم{ :يقول ابن آدم :مايل ..مايل } حقي ،مايل ،وشقاي ،وتعيب ،وعماريت،
وأعطيها أوالد الناس من أجل أزوج البنت ،ال ميكن!!
من قال :إن هذا املال مالك؟! فأول شيء نناقشك يف هذا ،اهلل تعاىل يقول:
َو َأْنِف ُقوا َّمِما َجَعَلُك ْم ُمْس َتْخ َلِف َني ِفيِه [احلديد ]7:إذًا املال مال اهلل وأنت مستخلف
فيه ،وإذا مت فلن ينفعك من هذا املال إال ما قدمت لوجه اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل
أما الباقي فهو لورثتك ،وهلذا يقول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم { :أيكم مال وارثه
أحب إليه من ماله } -معقول ,هل يقول أحد أن مال وارثي أحب إيل من
مايل -قال {فإن مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت }.
كل واحد منا عنده عقارات وأبنية وغري ذلك ،هذا مال من؟! إنه مال الوارث.
واملقصود أن املال ليس مالنا ،وليس الذي قَّس م هو حنن ،قال َّلى ا َل ِه
َص ُهلل َع ْي
َو َس َّلَم { :وإمنا أنا قاسم واهلل يعطي } حىت الذي يفرض هذا ويقسم كما أمر اهلل
هو رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ،يقيم ما أمر اهلل.
واهلل تعاىل هو الذي أعطى ،وهو الذي شرع هذه القسمة ،وبنَّي هذه املواريث,
وبني لكل واحد مايأخذه من املال ،فهذا من أنواع اجلاهلية ومن بقاياها ،أن
ِم ِهِل ِة
هتضم حق املرأة ،وهذا من حكم اجلاهلية َأَفُح ْك َم اَجْلا َّي َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن َن
الَّلِه ُح ْك مًا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُنوَن [املائدة.]50:
جاءت اجلاهلية اجلديدة وقالوا :املرأة مهانة وحمتقرة ,قلنا :جزاك اهلل خريًا فكيف
نعطي املرأة حقها.
قالوا :تتعلم ،وتتوظف ،ويصري هلا رأي يف األمور ،وبلغ هذا احلد إىل أن
أصبحت املرأة هي املسيطرة سيطرة كاملة يف البيت ،وسيطرت يف احلياة وبدأت
تفعل كل شيء ،وحىت بعض الرجال مل َيعد له أي دور ،حىت فيما يتعلق بزواج
بناته ،ويف أموره وتدبري شئونه ويف كل شيء ،املرجع أصبح للمرأة.
ويقول :يا أخي املرأة مظلومة ،فالبد أن ُتكّر م .فجعلت هي املتصرفة وهي
الوالية ،ألنه ال بد من فتح جماالت.
وهبذه املناسبة مسعت -وإن شاء اهلل ال يكون صحيحًا -أن منطقة الباحة سيفتح
فيها معهد للممرضات ،واهلل عجيب!! أنا ما صدقت ألن املمرضات معروف ما
هو شغلهن ،الواحد منا ال يرضى أن ابنته ختدم أخاه ،كيف تذهب عند خالتها
وختدمها ،أهي خدامة عند خالتها؟! واآلن صار عندنا مشروع اخلادمات
للرجال ،وهذا الكالم ال بد من الوقوف يف وجهه ،وسيقول البعض :هذا ضد
املرأة ,وهذا ضد احلضارة ,وضد التصور.
وأقول :هذا هو من اجلاهليتني ,فاجلاهلية األوىل متنعها حقها الذي شرعه اهلل يف
القرآن وجاءت اجلاهلية الثانية وقالت :حقِك كذا وكذا ،فورطوها يف أمور هي
أجل من أن تعملها ,وهي مل ختلق هلا ،بل هي ضارة عليها.
فقالت :واهلل -فعًال -بدًال ما كان الوالد أو الشيخ الكبري مينعين من مرياثي ،فهذا
فاعل خري يقول :توظفي حىت تستغين عن هذا الشيخ وعن األوالد جزاه اهلل
خريًا.
وهذا منكر شنيع نسكت عليه ،وهو أن يؤتى باملمرضات من اخلارج بغري حمارم،
ويسكن يف مساكن ويتسوقن ،وال خيفى على أحد ماذا جيري ،واملنكر له مكابر،
مث تأيت مصيبة أكرب ،وتصبح بناتنا حنن خيدمن يف قسم التمريض.
فنقول :املرأة اآلن بني جاهليتني ،فاتقوا اهلل يف النساء كما أمر اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل
وكما أوصى رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم هبن حىت يف وصيته اجلامعة يوم
عرفة .
وإن مل جيتمعوا على القرآن ،وعلى هدي رسول اهلل يف دعوته ,ويف أمره وهنيه،
فعالم جيتمعون إذًا؟
أما أهل الفجور واملعاصي ،فإن اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ال ميكن أن جيمع أمرهم ،إمنا
هم جيمعون على أمٍر -ابتالء من اهلل وفتنة -مث يفرق اهلل مشلهم وينثر مجعهم،
ِئٍذ ِخ
ويوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ،ويلعن بعضهم بعضًا اَأْل اَّل ُء َيْو َم َبْع ُضُه ْم
ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو ِإاَّل اْلُم َّتِق َني [الزخرف ]67:فاملتقون هم الذين هم على األخوة
اإلميانية يف الدنيا واآلخرة ،ال شقاق بينهم وال شك.
ولكن كلنا خطاءون ،أنا قد أخطئ على أخي يف اهلل ،فليبني يل خطئي ،أنا إن
رأيُت فيه عيبًا أنصحه ،وإن أخطأ علِّي وأخطأت عليه ،يأيت الثالث ويتدخل بيننا
بالنصيحة وباخلري ،ومن أسباب هذه الفرقة -إن وجدت -هي قلة الذين ُيفِّقهون
الشباب ،حنن الشباب -وأنا واحد منهم -عانينا مرارة عدم التوجيه ،قد يوجهنا
بعض الناس لكن قد ال جييد توجيهنا ،وأحيانا ً قد ال جند من يوجهنا فننفعل
وحنمق ،واحلماقات مرتبطة دائمًا بالعجلة ،والعجلة دائمًا من شأن الشباب ،إذا
كان ُخ ِلَق اِأْل ْنَس اُن ِم ْن َعَج ٍل [األنبياء ]37:كما قال اهلل تبارك وتعاىل ,فالعجلة
يف الشباب أكثر.
وحنن نريد تغيري املنكر يف حلظة ،إذا مسعنا عن منكر نقول :البد من تغيريه الليلة،
مع أن اهلل بعث حممدًا َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وظل ثالث سنوات يف الدعوة
السرية ،مث جهر هبا مث أوذي ,لكن حنن الشباب كثري واحلمد هلل ،واملوجهون
قليل ،وعندهم أشغال؛ فأصبح كل شاب يركب رأسه ،وأصبح الشيطان يلقي
التهم واخلالفات والتعصب لبعض اآلراء العلمية ،ولبعض اآلراء الفقهية ،ولبعض
املشايخ ،ولبعض الطوائف -مثًال -فيبذرها ،وليس أحب إليه من ذلك ,إذا
اختلف أهل احلق قويت شوكة الباطل واجتمع حزب الباطل عليهم ،وغلبوهم.
والسبب هو حب الدنيا ألهنا رأس كل خطيئة ،وما أهلك من كان قبلنا إال هي،
والرسول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم الذي هو باملؤمنني رءوف رحيم ،ويشفق علينا
من أي شر ،يقول { :واهلل ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط
عليكم الدنيا كما بسطت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها،
فتهلككم كما أهلكتهم } فتحت الدنيا علينا وزاد النعمة والعقار والتجارة،
فقلنا ال بد من بنوك.
فقد ميكن أن يكون عندنا خري ونعمة من غري الربا ،فهل ال بد من البنوك،
والربا ،وال بد من التعامل معها ,مع أن البنوك هذه ليست كل معامالهتا فيها
ربا ,فيمكن أن نقيم بنوكًا بال ربا ،وتكون معامالت شرعية ،لكن حنن حنن أبينا
إال أن نأخذ احلالل واحلرام ،واحلق والباطل ،فكل البنوك املوجودة يف املنطقة فيها
ربا ،لكن نقول ميكن أن توجد بنوك بال ربا ،لكن الفروع املوجودة فيما أعرف
كلها قائمة على الربا بأي شكل ،قد يكون بعضهم أخف؛ لكن األصل أهنا كلها
قامت على الربا ،وهذا ال نقاش فيه ،وال يكابر يف ذلك إال من جيهل البنوك على
التفصيل واحلقيقة.
وملا فتح اهلل الوظائف ،كان كثري من الناس يستقيل حىت صدرت أوامر -كما
هو معلوم -يف الدوائر احلكومية ،مبنع الناس من االستقالة.
بدءوا يستقيلون حىت يلتحقوا باملقاوالت واملنشآت ..ألن فرص عمل كثرية
فتحت ،ومع ذلك أىب كثري من الناس إال أن يوظف يف البنك ،مث توظف يف
البنك وأصر إال أن يبقى فيه ،وإذا بالرجل هذا كما ذكر األخ أنه قريبه يعمل يف
هذا البنك ،مث يأيت عنده مناسبة ويدعوك فإن ذهبت إليه -مثلما يذكر األخ-
فأنت تأكل من شيء حرام ،وكل جسٍد غذي بالسحت (أي نبت من حرام)
فالنار أوىل به -نسأل اهلل العفو العافية -وليس هناك مال حرام أشد من الربا
{درهم ربًا أشد من ست وثالثني زنية } كما يف احلديث الذي رواه اإلمام أمحد
بإسناد حسن ,أشد من ست وثالثني زنية ،درهم واحد من ربا ..هذا خطر وإمثه
عظيم.
وتوعد اهلل تعاىل املرايب يف كتابه باحلرب َفْأَذُنوا َحِبْر ٍب ِم َن الَّلِه َو َرُس وِلِه [البقرة:
.]279
إذًا نقول :يا أخي :هذا الربا وأكله حرام ،فكيف تذهب وتأكل؟
فنوجه النصيحة لألخ املوظف أن يتقي اهلل ،ويكف عن العمل يف هذه البنوك،
ألنه ال جيوز للمسلم :للشاب ،ولطالب العلم ,ولكل تقي خياف اهلل ويرجو اهلل
واليوم اآلخر؛ أن يعمل يف أي بنك ربوي ،فالبنوك املوجودة بغض النظر عن
أمسائها تتعامل بالربا مجيعًا وال نزكي منها أحدًا؛ فيجب على كل واحد يعمل
فيها أن يرتك هذه الوظيفة ،ولو كان حارسًا ،وهناك فتوى هليئة كبار العلماء
ومن اللجنة الدائمة لإلفتاء أنه لو كان حارسًا أو فراشًا فإنه معني على الربا
داخل يف قوله تعاىلَ :و ال َتَعاَو ُنوا َعَلى اِأْل ِمْث َو اْلُعْد َو اِن [املائدة ، ]2:فما بالك
بالكاتب واملوظف ,ألن الكل خيدم الربا بأي شكل من األشكال فال جيوز العمل
فيها.
فننصح هؤالء أن يتوبوا إىل اهلل ،وأن يبحث أحدهم يف أقرب فرصة عن عمل
جيده ،ولو أن يستدين ويرتك هذا احلرام ،ويلقى اهلل وهو آكل من احلالل و{اهلل
طيب ال يقبل إال طيبًا } كيف يدعو اهلل {يارب! يارب! ومأكله حرام ومشربه
حرام وغذي باحلرام فأىَّن يستجاب له؟ } كيف تأكل ربا وتصلي وتدعو اهلل أن
يغفر لك ،كيف يكون ذلك؟
فاتق اهلل يا أخي ,وخف من النار ،واحذر من دار البوار إن بقيت تأكل الربا.
وأوجه هبذه املناسبة نصيحة إىل اجملتمع ،وجمتمعنا جمتمع خري -واحلمد هلل -أن
يتعاونوا على الرب والتقوى ,ويفتحوا وظائف هلؤالء الشباب.
إذا كان عندك مؤسسة أو حمل جتاري ،فاقبل من يأتيك وقد ترك البنك واعطه
ولو نصف الراتب ،أو وظفه أنت يف دائرة حكومية أو كان لديك شواغر فقدم
هلذه الشواغر من كان يعمل يف بنك ،حىت ختفف من هذا املنكر وتعني على
اخلري ,فنحن إذا تعاوَّنا مجيعًا قضينا على هذا املنكر ويبقى صاحب البنك مبفرده،
يقول :املوظفون خرجوا.
نقول :أنت أيضًا ننصحك ,ولنا معك -أيضًا -كالم آخر ،لنا احلق أن نبلغك
وأنت -إن شاء اهلل -مسلم تريد اخلري ,وهذا املوظف لنا معه شأن ،نوظفه،
ونعينه على وظيفة ،وننصحه.
ونرجع إىل قريب املوظف :ونقول :من حيث احلرمة ،ال حيرم على أحد أن
يتعامل مع أحد وإن كان املتعامل معه يتعامل باحلرام ،فمثًال واحد يتعامل بالربا،
وأنا اشتغلت مقاوًال عنده ،أنا ليس علَّي إمث ،إن عملت له عمًال ،وأعطاين أجريت
حالًال ،والنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم تعامل مع اليهود وكانوا مرابني.
واملسلم قد يقر الكافر على ذنب ،وال يقر عليه املسلم؛ ألن هذا مسلم ملتزم
باإلسالم ،أما الكافر فإمنا أقررناه على دينه ،لكن نقول :احلرام ال يتنقل بني
ذمتني ،فلو أخذ واحد ماًال من حرام ،خيانة أو سرقة أو غشًا ،مث جاء أحد
وتعامل معه باحلالل وأعطاه ،فليس على ذلك اآلخذ شيء ،وإمنا احلرام على من
أخذه ،لكن إذا كان اآلخذ أو الضيف أو األجري يعلم أن هذا املال من حرام،
فإنه يقول :يا أخي! أنا ال أعمل عندك ألن مالك حرام ،وينصحه وهذا حسن.
فأنت يا أخي يف مثل هذه احلالة ،جيب أن تنصح أقرباءك وأرحامك وإخوانك,
وأي واحد منا له قريب يعمل يف البنك ،يبذل له النصيحة ويقول له :يا أخي!
أنت تأكل حرام ،وأنا لن أقاطعك ولن أهجرك ألن اهلل أمرنا بصلة الرحم ،لكن
إن جئتك وحترجت من األكل عندك فاعلم أن ذلك ألنك تأكل ربا ،فإن
عذرتين وعفوت عين فهذا الذي أريده ،وإن كان غري ذلك فلن أرضى ،فإن كان
الداعي رحيمك أو أختك غضبت وذهبت فال بأس للمصلحة لكن ال تتعدى
أكثر ،وال تستهن به ،فتجيب دعوته وتذهب إليه كل وقت ،ولكن تذهب إليه
لصلة الرحم ،وتنصحه وأنت ذاهب إليه فتكون دائمًا داعية.
والورع باب عظيم وهذا غري مسألة احلرام {فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه
} ال بد أن نتقي الشبهات وإن مل تكن حرامًا ،فمن أمور الشبهات إقرار أمثال
هؤالء وأكل أمواهلم.
إن تأجري الدكان أو العمارة على أي بنك من البنوك حرام ،وهو من التعاون
على اإلمث والعدوان ،فال جيوز أن تؤجر احملل للبنك الربوي ،وأنا أسأل :هل جيوز
أن تؤجر عمارة -اهلل حيمينا وإياكم -لتكون بيت دعارة ..بيت زنا؟
كأن يأيت أحد الزناة ,ويقول لك :نريد حمل زنا ،فمن يرضى هبذا؟ ال يرضى
أحد منا أبدًا.
حسنًا ,درهم ربا أشد من ست وثالثني زنية ،فكيف مباليني الربا تكون يف
عمارتك!! هذا حرام وال أحد يناقش يف هذا ،إذًا ال جيوز أن تؤجر الدكاكني
على أهل الربا.
وأيضًا هناك حمرمات أخرى غري الربا ال جيوز التأجري عليها وإن كانت أقل
حرمة؛ كتأجري الدكان لبيع الفيديو -مثًال -أو لبيع أشرطة الغناء.
وكذلك التأجري لتاجر يتعامل يف بضاعة حمرمة ،أو يبيع بضاعة حمرمة ،كمن يبيع
التماثيل أو أدوات اللهو ،أو املوسيقى ،فهذا تأجريها عليه حرام.
أوًال :كلنا يف هذه املنطقة ،مل يكن عندنا بنوك وآباؤنا يف املاضي ماذا كانوا
يصنعون؟
مل يكن هذا اخلوف موجودًا ،ومل تكن الدراهم ورقًا خفية بل كانت فضة وذهبًا
ثقيلة؛ يضعها يف صندوق من احلديد ،ومع ذلك حفظوها ،وما ضاع منها إال
مثل الذي يضيع اليوم ،بل حنن اليوم نضيع أكثر ،فاملسروق اليوم أكثر مع أهنا
اآلن خفيفة والبيوت آمنة ،ومع هذا هناك من يقول :إنه خياف عليها ,ولكن
الشيطان هو الذي خيوفه ِإَمَّنا َذِلُك ْم الَّش ْيَطاُن َخُيِّوُف َأْو ِلَياَءُه [آل عمران]175:
جيئ إىل أوليائه من أهل البنوك ،ليزيدوا الناس خوفًا.
واعلموا أن أهل البنوك أحذق الناس يف الشر ،فمما خيوفون به الناس أهنم
يستأجرون من يتكلم ,ويقولون له :أنت إذا قعدت مع مجاعة ،فقل :السرقات
كثرت! ما هو احلل؟
وهكذا يأيت من هذا عشرة ومن هذا مخسة ،واجتمع عند صاحب البنك كذا
مليون رياًال ،مث هو يأخذ األرباح باملاليني ،وهو مل يعمل.
حنن حنفظ يف بيوتنا العار والعرض ومها أكرب وأغلى من العشرة والعشرين ،فلماذا
ال نضعها يف البنك؟ إذًا اخلوف خوف ومهي ،وليس خوفًا حقيقًا.
األمر الثاين :يقول أحدهم :أنا مضطر! أريد أن أتعامل! وأريد أن أسحب! أقول:
يا أخي! املفروض ،وهذا أمر ليس صعبًا فنحن أهل املنطقة عندنا جتار ،وعندنا
غرف جتارية ,وعندنا مشاريع ,فنستطيع أن نضع عمارة معينة ونصبها كلها
حديد حىت ال خناف متامًا ،ونرتب هلا موظفني :ثالثة أو أربعة ،وجنعل عندهم
صناديق قوية متينة ،وهؤالء املوظفون أمناء نستأمنهم ،كما أن صاحب البنك
عندما يستأمن املاليني على ثالثة موظفني قد يكونون متعاقدين ،فنضع فيه اثنني
أو ثالثة وكل واحد يضع فيه عشرة آالف مثًال ،ونأخذ عليه رياًال أو ريالني أو
مخسة رياالت ونعطيهم منها رواتب ،ونعطيهم كمبيوتر ،ونعطيهم تلفون،
ويكونون ليل هنار قاعدين حيرسون ،وجيعل موظفون ،والذي يأخذ يأخذ ،والذي
يودع يودع.
والكمبيوتر جيري مجيع العمليات احلسابية كما تشاء ،ماذا لك؟ وماذا عليك؟
وماذا صنعت؟ بغري تكلف! فهذه وظيفة الذي يشغل هذا اجلهاز ،ويكون عنده
املال ،ويف املدن الكبرية كل حي يعمل فيه مثل هذا الشيء.
قد يقال :كيف حنول من حمل إىل حمل؟ هذه ليست مشكلة ،فالتحويل يكون
بالفاكس ,وبالتلفون ,وبالكمبيوتر ،نربطه بـ جدة وبـالرياض وحيول هذا هلذا،
ويعطي هذا هلذا ،وأجرة احلوالة حالل ،كأن أحول لك وآخذ منك عشرين
رياًال أو ثالثني رياًال ،واهلل ما جعل عليكم يف الدين من حرج.
إذًا حنن نستطيع؛ لكن هل نريد ذلك؟ لو كنا نريد فنحن نقدر ,لقد قدرنا على
أشياء ما كنا حنلم هبا ،اآلن بدأنا نقول :نريد أن تتقدم البلد ،فنعمل فنادق
ضخمة ،ونعمل مشاريع ما كنا حنلم هبا ،أفال نقدر على هذا ،وهي مسألة
سهلة؟!
الدول الشيوعية ال تتعامل بالربا ،وهم ال يعرفون اهلل ،وال يعرفون اليوم اآلخر.
كل الدول الشيوعية ال تتعامل بالربا ،وليس فيها بنوك ربوية ،وليس ذهبها مودع
عند البنوك الربوية العاملية يف نيويورك أو لندن ،وهم شيوعيون ال يؤمنون باهلل
وال باليوم اآلخر؛ لكن قالوا :من باب حقوق اإلنسان الربا ظلم ،فثاروا على
الرأمسالية ،والرأمسالية قائمة على الربا ،فثاروا عليها وأصبحوا يتعاملون من غري
ربا ،وأمة حممد َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وأمة القرآن يقولون :ال نقدر! كيف قدر
الشيوعي وما قدرت أنت؟!
القضية ليست قضية قدرة ،القضية قضية إرادة ،هل تريد أو ال تريد!
فاإلرادة تستتبع العمل والعمل ينفذ بإذن اهلل ،وإن كنت ال تريد فلن تعمل،
وستظل تقول :ياليت..
وإذا أراد واحد منا أن يعمل مشروعًا جتاريًا هل يقول :يا ليت؟ ال ،بل إنه ينفق
ويستدين حىت ينجز عمله.
وإذا أراد أن يتزوج ال يقول :يا ليتين أتزوج بنت فالن ،بل خيطب ويدفع املهر
ويتكلف؛ كل شيء جبهد ،أما إذا جئنا إىل شيء من أمور الدين قلنا :يا ليت
فقط من دون عمل فهذا عجيب ،فلنتعاون ولنقم هبذا الشيء.
اإليداع ميكن أن نعمل له وسائل ،أنا اآلن أتكلم على األمر الواقع ,يقول
أحدهم :أنا يف هذا الظرف ،ويف هذه اللحظة ليس عندي إال هذا البديل ،نقول:
إن كان ضرورة فلتودع ،لكن بدون ربا ,وتودع عند األخف ربوية من البنوك
الربوية ،إيداعًا حبيث تستطيع سحب املبلغ يف أي وقت.
والضرورة معروفة ،ال تقل الضرورة وأنت من يوم خلقت وأنت تضع األموال
والفلوس يف البنك ،وتقول "ضرورة" الضرورة مقدرة بقدرها.
انظروا دائمًا إىل ضرورة امليتة َفَم ِن اْض ُطَّر َغْيَر َباٍغ َو ال َعاٍد َفال ِإَمْث َعَلْيِه [البقرة:
]173كيف الضرورة؟
أضرب لكم مثاًال :شخص جتده كل يوم يأكل أكًال منوعًا ،فمرة مقليًا ،ومرة
مشويًا ،ومرة كبابًا ،ومرة سنبوسة ،وتقول له :يا أخي ما هذه؟
يقول :هذه ميته!
صاحب الضرورة ال يعمل هذا الشيء ،الضرورة أن يأخذ لقيمات حىت ال ميوت
من اجلوع ،أما أن يتسمن باألكل كل يوم ويأكل امليته فهذا متالعب ،فكذلك
حنن يف الربا ,فإن كان وال بد أن نودع أو أن نضع ،فالضرورة واضحة ،ففرق
بني الضرورة وبني أننا نستمر ونتفنن يف أنواع احلرام ،ونقول ضرورة ,فهذا شيء
مهم جدًا!
ظلم العمال
هذه قضية خطرية جدًا ،الواحد حيضر عشرين أو ثالثني عامًال ،ويرتكهم يف
البلد ،ويصبح العامل رقيقًا ولكن بشكل آخر.
الرقيق كانوا موجودين أيام اآلباء واألجداد ,فكانوا ميسكون الواحد ويضربونه
على رقبته حىت يسقط مث يقولون :عبد بيعوه ظلم واستخفاف ،وهؤالء ثالثة
يقول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم { :أنا خصمهم يوم القيامة ،منهم رجل باع حرًا
فأكل مثنه } -والعياذ باهلل -فقد كانت عبودية واضحة ،يضربون رقبته
ويبيعوهه.
جاءت اآلن عبودية مقننة ومرتبة ،يقول أحدهم :آيت به من بلده ,وأحتكم فيه،
وأشّغله كما أريد ،وأعمل كل املظامل ،وآكل من ظهره ومن كده ،هو يعمل
ويكدح وأنا آكل.
وهذا من احلرام أن يأخذ اإلنسان ماًال مقابل أنه يكفله ،وأن يأخذ منه نسبة
معينة فأين العدل؟! إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان ،والعدل واإلحسان ال خيفيان
علينا فهما واضحان ،أما الطغيان فهو غري العدل َأاَّل َتْطَغْو ا يِف اْلِم يَز اِن [الرمحن:
]8ميكن أن يأخذ اإلنسان شيئًا مقابل أتعاب أو جهود ،أما أن يكون كسبه
ودخله من ظهور خلق اهلل ،يرتكهم يف أرض اهلل يلجئون إىل احلالل واحلرام وال
يهمه إال أن حيضروا له آخر الشهر مبلغًا معينًا ،سواء عملوا حالًال أم حرامًا ،وال
يسأل عنهم أين ذهبوا أو ضاعوا ،فهذا من أخبث وأردأ أنواع الكسب -نسأل
اهلل العفو والعافية -سبحانك اللهم وحبمدك نستغفرك ونتوب إليك.