Professional Documents
Culture Documents
الإجارة على الإجارة وتطبيقها المعاصر د. عبد الله بن موسى العمار
الإجارة على الإجارة وتطبيقها المعاصر د. عبد الله بن موسى العمار
إعداد
د .عبداهلل بن موسى العمار
عضو هيئة التدريس
في كلية الشريعة في الرياض
قسم الفقه
1423هـ
ملخص البحث
تضمن موضوع اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر تمهيدا وخمسة مباحث وخاتمة .
تناول التمهيد حكم تصرفات المالك الناقلة للملكية ،وتبين أنها جائزة وصحيحة ألنها واردة
على العين ,واإلجارة واردة على المنفعة.
1 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
وتناول المبحث األول /حكم تأجير المستأجر للعين المؤجرة ،وتبين أنه يحق له ذلك على
الرأي الراجح ,سواء أجرها على المالك أو على غيره ،بمثل األجرة أو بأقل أو بأكثر ،اشترط
عليه المؤجر عدم التأجير أو لم يشترط ؛ ألنه مالك لمنفعة العين بمقتضى عقد اإلجارة ،ولكن
هذا التأجير الثاني وهو ما يعرف بالتأجير من الباطن مفيد بأال يترتب عليه ضرر على العين ،
وأن يكون لمن هو مثله في االنتفاع أو دونه .
وتناول المبحث الثاني /حكم تأجير المالك للعين المؤجرة ،وتبين أنه ال يحق له ذلك ،إال
على مّد ة خارجة عن مّد ة اإلجارة األولى ،وما نسب لشيخ اإلسالم ابن تيمية أنه قال :يجوز
للمالك أن يؤجر العين المؤجرة لمن يحل محله في استيفاء األجرة من المستأجر محل نظر ،
والصحيح أن هذه اإلجارة غير جائزة لما يترتب عليها من الربا .
وتناول المبحث الثالث /حكم اإلجارة على اإلجارة في إجارة األشخاص وتبين أنها ترد في
األجير المشترك فقط عند عدم االشتراط .
وتناول المبحث الرابع /حكم الضمان في اإلجارة على اإلجارة وتبين أنه ال ضمان إال في حالة
التعدي أو التفريط ،أو في حالة األجير المشترك فيما تلف بفعله .
كما تبين في المبحث الخامس /أن اإلجارة على اإلجارة يمكن أن تصبح مجاًال من مجاالت
االستثمار المعاصر ،سواء في إجارة األشياء أو في إجارة األشخاص في التأجير من الباطن عند
عدم االشتراط .واهلل أعلم .
أ) ندوة الوقف ومجاالته ,الذي أقامته وزارة الشؤو اإلسالمية في الرياض
ب) ندوة اإلصالح والتأهيل في المؤسسات العقابية وإلصالحية .
ج) الملتقى الفقهي األول والثاني في شركة الراجحي المصرفية .
د) منتدى الوقف األول .الذي أقامته األمانة العامة لألوقاف ,في دولة الكويت
شعبان 1424هـ
-المشاركة في الدورات العلمية الشرعية المقامة داخل المملكة وخارجها .
-القاء عدد من المحاضرات والدروس العلمية الفقهية في عدد من مساجد الرياض
وغيرها
-المشاركة في التوعية اإلسالمية في الحج مع وزارة الشؤون اإلسالمية ومع الحرس
الوطني .
-4عضوية عدد من المجالس واللجان :
-عضو في مجلس قسم الفقه .
-عضو في مجلس كلية الشريعة .
-عضو في المجلس العلمي في جامعة اإلمام .
-عضو مجلس اإلدارة في الجمعية الفقهية السعودية .
-عضو في اللجنة الدائمة لمركز خدمة المجتمع في جامعة اإلمام .
-عضو في لجنة المعادالت في عمادة الدراسات العليا في جامعة اإلمام .
-مستشار غير متفرغ في وزارة الشؤون اإلسالمية .
إن البحث في أبواب المعامالت بصفة عامة من األهمّية بمكان؛ لعالقتها بواقع الناس
في تعاملهم فيما بينهم وال سّيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه أنواع التعامل ،واستحدثت فيه
صور متعددة لكل نوع من أنواعه .
واإلجارات باب من أبواب التعامل الحّي بين الناس ،له أنواعه المختلفة وصوره
المتعددة ،وأساليبه الجديدة ،فالبحث في هذا الباب مما تشتد الحاجة إليه ،لتجلية أحكام
صوره المتعددة .
ولقد تكلم فقهاء اإلسالم عن هذا الباب مؤصلين ألحكامه ومبينين أنواعه ،ومفرعين
عليها المسائل والصور مع بيان أحكام ما ذكروه استنادًا إلى النصوص الشرعية والقواعد
المرعية ،واألعراف المتبعة .
ومما كان موردًا لبحثهم وكتابتهم :تصرف كل من المؤجر والمستأجر في العين
المستأجرة .فبّينوا ما يصح من هذا التصرف وماال يصح ،وجماع األمر في هذا أن تصرف
المالك الوارد على العين صحيح وتصرف المستأجر الوارد على المنفعة صحيح ،ألن كًال
منهما يملك ما ورد عليه تصرفه بمقتضى عقد اإلجارة ويدخل ضمن هذا الموضوع مسألة
ذكرها تقي الدين البعلي وبرهان الدين ابن القيم رحمهما اهلل اختيارًا لشيخ اإلسالم ابن تيمية
وهي :
"تأجير المالك للعين المؤجرة لمن يحل محله في استيفاء ما كان له على المستأجر
األول" .
وهذا االختيار في ظاهره يخالف ما قرره الفقهاء من أن اإلجارة بيع المنفعة ،وأن
اإلجارة عقد الزم للعاقدين يقتضي تمليك المنفعة للمستأجر وتمليك األجرة للمالك .بحيث
يقتصر تصرف كل منهما على ما يملكه.
لهذا استوقفتني هذه المسألة ،وجلعتني أفكر في بحثهــا ،وبحث مالـه عالقــة بهــا .فــرأيت
أن أكتب في المســائل ذات الصــلة بالمســألة ممــا يعين على التوصــل إلى الــرأي الســليم فيهــا ممــا
سيتضح عند بحث المسألة فكان أن جعلت عنوان البحث يشمل مسائل أخرى ذات صلة وثيقــة
5 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
التمهيد
في تصّر فات المالك الناقلة للملكية
في العين المؤجرة
المسألة األولى
بيع العين المؤجرة
وفيها فرعان :
الفرع األول :بيع العين المؤجرة على المستأجر :
اتفق الفقهاء في المذاهب األربعة على صحة بيع العين المؤجرة على مستأجرها 1لما
يلي :
– 1أن اإلجارة عقد على المنافع ,والبيع عقد على األعيان ،فال تمنع اإلجارة صحة
2
البيع ،كما لو زوج أمته ثم باعها .
- 2وألن العين المبيعة في يد المشتري وال حائل دون تسليمها له.
فهو كما لو باع المغصوب من غاصبه .3
-1أن المستأجر قد ملك المنفعة بعقد اإلجارة ثم ملك العين بعقد البيع فيصح كمن
ملك الثمرة بعقد ثم ملك الشجر بعقد آخر .4
ثم اختلفوا في أثر هذا البيع على اإلجارة على قولين:
القول األول :
أن اإلجارة تنفسخ فيما بقي من المّد ة .
وإليه ذهب الحنفية ( ، )5والمالكية ( ، )6وهو وجه عند الحنابلة (. )7
مستدلين بقياس المسألة على اجتماع النكاح وملك اليمين فكما أنه ينفسخ النكاح
-ينظر :بدائع الصنائع 207 / 4وفتح القدير 185/ 5والفتاوى اهلندية 464 /5واملعونة على 1
مذهب عامل املدينة 1106 / 2والكايف للقرطيب 478 / 2والتفريع 188/ 2والشرح الصغري مع بلغة
السالك 271 / 2واحلاوي الكبري 403 / 7والوجيز 239/ 1واملهذب 407 / 1وروضة الطالبني5
253 /ومغين احملتاج 360/ 2والفروع 442/ 4واإلنصاف 69 / 6واملبدع 107/ 5
وكشاف القناع 31 / 4والروض املربع31/ 5
- 2نظر :املغين 48 / 8و كشاف اإلقناع . 31 / 4
- 3ينظر :مغين احملتاج 360 / 2وهناية احملتاج . 324 / 5
- 4ينظر :املغين 49 / 8واملبدع 108 / 5
(?) ينظر :الفتاوى اهلندية . 5/464 5
1
بملك اليمين فكذلك هنا .
القول الثاني :
أن اإلجارة ال تنفسخ بل هي بحالها حتى انتهاء مّد تها .وتكون األجرة باقيًة على
المشتري فتضاف إلى الثمن وهذا القول هو األصح عند الشافعية ( ، )2والمذهب المعتمد عند
الحنابلة(.)3
مستدلين بأن عقد اإلجارة عقد الزم مستقل بنفسه وارد على المنفعة يقتضي تمام أثره
وبلوغ منتهاه ،والبيع كذلك عقد مستقل وارد على الرقبة ,فال يتنافيان كملك الثمرة ثم
األصل 4.وهذا هو األرجح؛ الختالف مورد العقدين . .وإذا اتفق الطرفان على أن الثمن
يشمل بقية األجرة فهما على ما اتفقا عليه .وتكون األجرة الباقية جزءا من الثمن .
-1ينظر :الفتاوى اهلندية 464 / 5ومواهب اجلليل 407 / 5واملبدع . 107 /
(?) ينظر :الوجيز ،1/239واملهذب ،1/417وروضة الطالبني ،5/253واألشباه والنظائر 2
الطالب . 2/435
(?) ينظر :اهلداية أليب اخلطاب ،1/181واإلنصاف ،6/69واملقنع ،2/215وإعالم املوقعني 7
. 1/359
10 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
ينظر :بدائع الصنائع ،4/207وحتفة الفقهاء ،2/47وخمتصر الطحاوي ص. 131 ،130 (?) 5
المسألة الثانية
هبة العين المؤجرة
وقد اتفق فقهاء المذاهب األربعة على أن حكم هبة العين المؤجرة حكم بيعها ،بجامع
أن كًال منهما ناقل لملكية العين المؤجرة (. )1
(?) ينظر :حتفة الفقهاء ،3/164والقوانني الفقهية ص ،241وأسهل املدارك ،90-3/88واملهذب 1
المسألة الثالثة
وقف العين المستأجرة
وفي هذه المسألة ال خالف أيضًا بين فقهاء المذاهب األربعة في جواز وقف العين
1
المؤجرة .
ألن الوقف متوجه إلى العين ،حيث يرد على ما يملكه المؤجر من العين المؤجرة وهو
ذات الرقبة .
واإلجارة واردة على المنفعة ،مّد ة معينة وذلك ال يمنع من الوقف .2
1ينظر اهلداية 15 / 3والبناية 157 / 6وحاشية الدسوقي 77 / 4وأسهل املدارك 101/ 2واملهذب / 1
441واإلقناع للشربيين 81/ 2والقواعد ص 45وشرح املنتهى 2376
- 2ينظر :معونة أويل النهى . 124 / 5
13 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
المسألة الرابعة
الوصية بالعين المؤجرة
وقد اتفق الفقهاء أيضًا على جواز الوصية بالعين المؤجرة ولو كانت في يد المستأجر .
وعلى الموصى له االنتظار حتى تنتهي مّد ة اإلجارة كما ينتظر موت الموصي(.)1
وبناًء على ما سبق في هذه المسائل :يتضح أن تصّر فات المالك الناقلة للملكية في
العين المؤجرة صحيحة نافذة ألنها متجهة إلى العين .
وأنها ال تنافي اإلجارة؛ ألن اإلجارة متجهة إلى المنفعة .
ثم إن المالك الثاني للعين المؤجرة يحل محل المالك األول وينزل منزلته ،في التعامل
مع المستأجر .
(?) ينظر :حتفة الفقهاء ،3/207واملهذب ،1/452وروضة الطالبني ،5/255وهناية احملتاج 1
المسألة الخامسة
انتفاع المالك بالعين المؤجرة
والمقصود :أن يؤجره الدار سنة ،ثم يسكن فيها بعد تسليمها للمستأجر وحينئذ فيعتبر
منتفعًا بما ال يستحق االنتفاع به ألن منفعة الدار ملك للمستأجر بمقتضى عقد اإلجارة ،وال
تنفسخ اإلجارة بذلك ،وعلى المستأجر جميع األجرة للمالك ،ألن يد المستأجر لم تزل عن
العين .
وله على المالك أجرة المثل مقابل سكناه في الدار ألنه انتفع في الدار بغير إذن من
يملك منفعتها وهو المستأجر ،فأشبه تصرف البائع للمبيع بعد قبض المشتري .
وإن كان ذلك قبل تسليمها للمستأجر فإن انقضت مّد ة اإلجارة قبل التسليم انفسخت
اإلجارة؛ ألن العاقد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه ،وإن سلمها في أثناء المّد ة انفسخت
اإلجارة فيما مضى وتمت أجرة المّد ة الباقية (. )1
المبحث األول
تأجير المستأجر للعين المؤجرة
تصرفات المستأجر الناقلة للملكية ال تصح منه مطلقاً؛ ألنها واردة على العين
المستأجرة ال على منفعتها ،وهو إنما يملك المنفعة فقط .
وأّما التصّر فات الواردة على المنفعة أثناء مّد ة اإلجارة ،فتشمل االنتفاع بها وإعارتها
وتأجيرها .
أما االنتفاع بها ،فهو مقصود اإلجارة ،ألن المقصود باإلجارة االنتفاع بمنفعة العين
المستأجرة .
وقد ذكر الفقهاء أن المستأجر له االنتفاع بنفسه وبنائبه ،بضوابط وقيود ذكروها ،ليس
هذا موضع بحثها .
وأما تأجيرها فيشمل تأجيرها على مالكها وعلى غيره .وبيان ذلك في المطلبين اآلتيين
:
المطلب األول :تأجيرها من مالكها .
المطلب الثاني :تأجيرها من غيره .
16 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
المطلب األول
تأجيرها من مالكها ،وهو المؤجر
ينظر :البحر الرائق ،7/304ورد احملتار على الدر املختار . 107 ،9/33 (?) 1
ينظر :الشرح الكبري للدردير ،4/9ومنح اجلليل ،7/458ومواهب اجلليل . 5/406 (?) 7
عندهم(. )1
واشترط المالكية والحنابلة أال يكون ذلك حيلة ألمر محرم مما يحرم في بيوع اآلجال،
كما إذا استأجرها بعشرة مؤجلة ،وأجرها منه بثمانية نقدًا .أو عكس ذلك(. )2
واستدلوا :
– 1أن المعقود عليه في اإلجارة هو المنفعة ،والمنفعة ال تصير مقبوضة بقبض العين،
فال يؤثر فيها قبض العين (. )3
– 2أن القبض ال يتعذر عليه باعتبار العين في يده (. )4
ولعل الّر اجح – واهلل أعلم -هو القول الثاني ،مع مراعاة ما قيده به المالكية
والحنابلة ،تجنبًا لربا النسيئة ،ومما يؤيده أن المنفعة تملك بالعقد ،ولهذا لو مضت المّد ة
والمستأجر لم يستوف المنفعة فإنها تجب عليه األجرة .
(?) ينظر مواهب اجلليل ،5/406ومنح اجلليل ،5/458واإلنصاف ،6/35وشرح املنتهى.2/361 2
(?) ينظر :مواهب اجلليل ،5/406وشرح الزرقاين على خليل ،7/10ومنح اجلليل . 5/458 5
(?) ينظر :اخلرشي ،7/9ومواهب اجلليل ،5/406ومنح اجلليل ،5/458واإلنصاف ،6/35 8
المطلب الثاني
تأجير المستأجر للعين من غير مالكها
ال يخلو عقد اإلجارة إما أن يكون مقيدا بشرط عدم تأجير المستأجر للعين المؤجرة
,او يكون مطلقا من هذا القيد ,وال يخلو إما أن يؤجرها بمثل ما استأجرها به أوال .
وبيان الحكم في ذلك في المسائل اآلتية :
المسألة األولى :تأجير المستأجر للعين المؤجرة مع اإلطالق .
ولها حالتان :
الحالة األولى :تأجيرها قبل قبضها .
الحالة الثانية :تأجيرها بعد قبضها .
وإليه ذهب اإلمام أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اهلل (. )5
(?) ينظر :املغين ،8/55والكايف البن قدامة ،2/325واإلنصاف ،6/35وشرح املنتهى ،2/361 3
واستدلوا بالقياس على البيع ،فما جاز في البيع جاز في اإلجارة وماال فال ،ألن كًال
منهما عوض ُملك في عقد معاوضة (. )1
ويناقش :بعدم التسليم بهذا اإلطالق ،ألن اإلجارة في حكم المقبوض ألن المنفعة
تملك بالعقد بخالف المبيع .
القول الثالث :
أنه ال يصح إجارة العين المستأجرة من قبل المستأجر قبل قبضها مطلقًا .
وهو وجه عند الشافعية هو المذهب ( ، )2ووجه كذلك عند الحنابلة (. )3
وقال به محمد بن الحسن من الحنفية (. )4
واستدلوا :بالقياس على البيع فكما أن العين المشتراة ال يتصرف فيها قبل القبض،
فكذلك العين المستأجرة .
ونوقش :بأن قبض العين المؤجرة ال ينتقل به الضمان إلى المستأجر فلم يقف جواز
5
التصرف فيها على القبض .
الترجيح :
والّر اجح – واهلل أعلم – القول األول لقوة تعليله .
(?) ينظر :خمتصر الطحاوي ص ،129والدر املختار ،9/107والفتاوى اهلندية ،4/425وحاشية ابن 1
عابدين . 9/107
(?) ينظر :املدونة ،4/515والتفريع ،2/185والكايف ،2/748ومواهب اجلليل ،5/406وشرح 2
. 6/200
(?) ينظر :املغين ،8/54واإلنصاف ،6/35وكشاف القناع ،4/15وغاية املنتهى . 2/196 4
ذكروه.
ألن المستأجر قد ملك المنفعة بعقد اإلجارة ،فله التصرف فيها بمقتضى ذلك .
ولما يترتب على ذلك من نفي الضرر عنه ،ألنه قد يستأجر العقار مدة طويلة وال يتمكن
من استيفاء المنفعة؛ لسفر ونحوه ،والعقد الزم ،وهو مطالب بأجرته للزومه ،فكان تأجيره
مراعاة لجانبه ،كما روعي جانب المؤجر بلزوم عقد اإلجارة .
23 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
القول الثالث :أن عقد اإلجارة صحيح والشرط باطل ال يلزم الوفاء به .
وإليه ذهب الجمهور ؛ فهو المعتمد عند الحنفية، 1والمالكية 2والشافعية 3والحنابلة . 4وعليه
الفتوى الصادرة عن الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل
5
الكويتي .
واستدلوا باآلتي :
– 1أن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد ؛ إذ مقتضاه ملك المنفعة ،ومن ملك شيئا استوفاه
6
بنفسه وبنائبه .
_ 2القياس على البيع ؛ فكما أنه إذا باعه عينا واشترط عليه أن ال يبيعها أن الشرط باطل
فكذلك إذا أجره عينا واشترط عليه أن اليؤجرها ,بجامع أن كال منهما يملك مورد العقد ,
المشتري يملك العين ,والمستأجريملك المنفعة .7
القول األول :أنه يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المؤجرة بمثل ما استأجرها به ,وبأقل ,
وبأكثر إال أن الزيادة التطيب له فيتصدق بها إال إذا كان زاد في العين فحينئذ تطيب له الزيادة
2
.وهذا هو مذهب الحنفية 1ورواية عن اإلمام أحمد .
واستدلوا تما يأتي :
– 1أن المنافع لم تدخل في ضمان المستأجر بدليل أن الدر المستأ جرة لو انهدمت لم يلزمه
3
األجر ،فإذا أجرها بأكثر مما استأجرها به فقد ربح فيما ليس من ضمانه .
ونوقش بعدم التسليم ؛ بل قد دخلت في ضمانه ألنه لولم يستوفها كا نت من ضمانه .4
– 2القياس على بيع الطعام قبل قبضه ن فكما أنه اليجوز فكذلك هنا ؛ بجامع أن كال منهما
5
غير داخل في ضمانه .
6
ونوقش بأن القياس مع الفارق ألن بيع الطعام قبل قبضه ممنوع ربح فيه أولم يربح.
7
واستدلوا لجواز الزيادة إذا عمل فيها عمال أن الزيادة تكون في مقابل ذلك العمل .
ونوقش بان ذلك منقوض بما إذا كنس الدار فإن ذلك يزيد أجرتها ن وال يجيزون الزيادة في
8
مقابل الكنس .
القول الثاني :أنه إن أذن له المالك في الزيادة جاز وإال لم يجز .وهو رواية عن اإلمام
أحمد .ولم يذكروا له دليال ,ولعلهم بنوا ذلك على أن للمؤجر أن يشترط على المستأجر
عدم تأجير العين المؤجرة فمن باب أولى الزيادة في األجرة .ويناقش بما سبق من أن ذلك
محل خالف ،والجمهور على خالفه .
القول الثالث :أنه يجوز للمستأجر أن يؤجرها بمثل أجرتها وبأقل وبأكثر .
3 2
والرواية المعتمدة عند الحنابلة. وإليه ذهب الجمهور ؛ فعليه المالكية 1،والشافعية ,
واستدلوا بالقياس على البيع ،فكما يجوز للمشتري أن يبيع العين بمثل الثمن وبأقل وبأكثر
4
فكذلك المستأجر بجامع أن كال منهما يملك ما أوقع عليه العقد .
المبحث الثاني
تأجير المالك للعين المستأجرة
تأجير المالك للعين المستأجرة أثناء مدة اإلجارة إما أن يكون واردا على المدة التي
ورد عليها العقد األول أو على مدة بعدها ،وإذا كان بعدها فال يخلو إما أن يكون للمستأجر
المطلب األول :تأجيرها غير المستأجر أثناء مدة اإلجارة لمّدة تلي
مّدة اإلجارة األولى .
المطلب األول
تأجير المالك للعين المستأجرة
أثناء مّدة اإلجارة على مّدة تلي مّدة اإلجارة األولى
إن كانت اإلجارة على المستأجر األول فال خالف في صحتها (. )1
– 1ألن المدتين متصلتان كالمّد ة الواحدة ،فصار القبض معجًال كما لو جمع بينهما
في عقد واحد .
– 2وألن المستأجر واحد فال تنازع على مورد العقد ،ألن اليد واحدة وليس لغيره يد
تحول بينه وبين ما استأجره (. )2
وإن كانت على غير المستأجر األول ،فخالف على قولين :
القول األول :
أن اإلجارة صحيحة بشرط القدرة على التسليم وقت وجوب العقد .وإليه ذهب
جمهور الفقهاء .
فهو مذهب الحنفية ( ، )3والمالكية ( ، )4والحنابلة ( ، )5وبعض الشافعية (. )6
واستدلوا بما يلي :
– 1أن المّد ة التي وقع العقد على إجارتها يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد
عليها مفردة كالتي تلي العقد إذ ال فرق بين كونها مضمومة مع غيرها أو منفصلة
(. )7
(?) ينظر :حتفة لفقهاء ،1/348وبدائع الصنائع ،4/203والشرح الكبري للدردير ،4/10ومواهب 1
(?) ينظر :حتفة الفقهاء ،1/348وبدائع الصنائع ،4/203والفتاوى اهلندية ،5/415والدر املختار 3
. 6/6
(?) ينظر :الشرح الكبري للدردير ،11 ،4/10والشرح الصغري له هبامش بلغة السالك ،2/271 4
املنتهى . 2/364
(?) ينظر :مغين احملتاج ،2/338وتكملة اجملموعة الثانية . 15/38 6
(?) ينظر :الشرح الكبري ،3/32وكشاف القناع ،4/6وشرح املنتهى . 2/364 7
29 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
– 2أن االتفاق على إضافة العقد لمّد ة مستقبلة ال يخالف مقتضى عقد اإلجارة ،بل هو
مقرر له ألن المنافع في عقد اإلجارة تحدث شيئًا فشيئا(. )1
– 3القياس على الطالق والعتق فكما أنه يجوز إضافتهما إلى زمن مستقبل فكذلك
اإلجارة (. )2
القول الثاني :
أن إجارة األعيان على مّد ة ال تلي العقد غير صحيحة ,
وهو المذهب عند الشافعية (. )3
واستدلوا به بما يلي :
– 1أن يد المستأجر األول حائلة تمنع يد المستأجر الثاني ،فبطل عقده لزوال يده(.)4
– 2أن المعقود عليه إذا كان معينًا وكان قبضه متأخرًا يبطل العقد عليه ،كما لو شرط
تأخير القبض في معين بعقد إجارة أو بيع (. )5
ويناقش ما استدلوا بما يلي :
– 1أن التسليم متأخر والعين المؤجرة تكون وقت التسليم ال يد عليها النتهاء إجارة
األول .والمعتبر هو وقت التسليم ال وقت انتهاء العقد كالسلم .
– 2كما يناقش الشافعية باإللزام ،حيث قالوا بصحة تأخير العقار لمّد ة مستقبلة من
المستأجر األول مع أن مّد ة العقد ليست متصلة بالعقد األول ( . )6فال فرق .
وعلى هذا فالّر اجح – واهلل أعلم – هو ما عليه جمهور الفقهاء في صحة إجارة العين
أثناء مّد ة اإلجارة على مدة تلي مدة اإلجارة األولى .لما يلي :
(?) ينظر :احلاوي ،7/408واملهذب ،1/396ومغين احملتاج ،2/338وأسىن املطالب شرح روض 3
الطالب ،2/407وفتح الوهاب . 1/248واستثىن الشافعية مسألتني األوىل :إذا أجر املالك العني على
املستأجر السنة الثانية قبل انقضاء املدة األوىل .وهذه املسألة داخلة فيما ذكر أنه الخالف فيه يف مقدمة
الكالم عن هذه املسألة .املسألة لبثانية :مسألة كراء العقب :أن يؤجر صاحب الدابة دابته على اثنني
يعتقبان عليها ,فإهنا تصح مع أن تأجري الثاين على مدة التلي العقد ( ينظر :مغين احملتاج , 238 / 2
) . 239
(?) ينظر :احلاوي . 408 4
المطلب الثاني
تأجير المالك للعين المستأجرة
خالل مّدة اإلجارة من غير المستأجر
المسألة األولى
تأجير المالك للعين المؤجرة من غير المستأجر لالنتفاع
مما هو محل اتفاق بين الفقهاء ( )1؛ بل هو إجماع ( : )2أن اإلجارة عقد الزم
للمتعاقدين ال يحل ألحدهما فسخه بدون رضا العاقد اآلخر ،ويقتضي استحقاق المستأجر
للمنفعة واستحقاق المؤجر لألجرة على خالف بينهم في وقت استحقاق األجرة .
وبناًء عليه فليس من حق المالك أن يتصّر ف في منفعة العين المؤجرة خالل مّد ة
اإلجارة بأّي وجه من وجوه التصّر ف ،ال بانتفاع وال بإعارة وال بإجارة وال بغير ذلك .ألنها
أصبحت مملوكة لغيره بمقتضى عقد اإلجارة ،كما ال يحق للبائع أن يتصرف بالعين المبيعة؛
ألنها خرجت من ملكه بالبيع .
وعلى هذا فإذا تصّر ف المالك بالعين المستأجرة بتأجيرها على غير المستأجر أثناء مّد ة
اإلجارة بحيث تكون اإلجارتان واردتين على مّد ة واحدة ،أو تكون اإلجارة الثانية واردة على
جزء من مّد ة اإلجارة األولى .
كما إذا أجر شخصًا دارًا لمّد ة سنة ابتداء من 1/1/1418هـ إلى نهاية
30/12/1418هـ وتم إجراء العقد بينهما وتفرقا على ذلك فلزم العقد .
ثم أجرها بذاتها على شخص آخر نفس المّد ة ،أو أجرها المالك من المستأجر الثاني
جزءًا من المّد ة أي :من 1/6/1418هـ إلى 30/12/1418هـ مثال ً.
فهنا تصّر ف المالك بالعين المستأجرة فيما هو وارد على منفعة العين وهو السكنى –
مثًال – أثناء المّد ة التي يستحق المستأجر األول نفع العين في جميعها .
وقد بين الفقهاء الحكم في هذه المسألة .
(?) ينظر :بدائع الصنائع ،4/195واملعونة ،2/1091واملقدمات ،2/166والتفريع البن جالب 1
أن يترك المستأجر األول العين المستأجرة كأن يستأجرها ثم يبدو له فيغيرها ،أو يسافر
ويدعها ،أو ينتفع بها جزءًا من المّد ة ثم يتركها .
وحينئذ فليس للمالك الحق في تأجيرها ،خالل هذه المّد ة المستأجرة ،ألنها في واقع
األمر مشغولة بحق المستأجر األول وألنه تصرف فيما ال يملكه .
فإن أجرها لغير األول فخالف على قولين :
القول األول :
أن عقد اإلجارة األولى صحيح ،فال تنفسخ إجارة األول ,وعلى ذلك فيستحق
المالك على المستأجر األول جميع األجرة ويستحق المستأجر األول على المالك أجرة المثل،
ألنه تصرف فيما يملكه المستأجر بغير إذنه .
وإليه ذهب الحنابلة (. )1
القول الثاني :
أن تصرف المالك موقوف على إجازة المستأجر األول ،فإن أجازه صح العقد الثاني
وإن لم يجزه بطل .
وإليه ذهب الحنفية (. )2
واستدلوا :بأن عقد اإلجارة يقع على المنفعة ،إذ هو تمليك المنفعة ،وهي ملك
المستأجر األول بمقتضى العقد األول ،فتجوز بإجازته وتبطل بإبطاله .
فإذا أجاز اإلجارة الثانية كانت األجرة له ال لصاحب الدار ،ألنه يملك عوضها وهو
المنفعة فيملك بدلها وهو األجرة .
وحينئذ فال ينفسخ عقد اإلجارة األولى مالم تمض مّد ة اإلجارة الثانية فإذا مضت فإن
كانت مدتهما واحدة انقضت المدتان ،وإن كانت مّد ة الثانية أقل فلألول أن يسكن حتى تتم
المّد ة (. )3
والخالف في هذه المسألة مبني على تصّر ف الفضولي ،فمن لم يصححه وهم الحنابلة
في المعتمد أبطلوا تصرف المؤجر هنا .ومن جعله موقوفًا على إجازة المالك ،جعل اإلجارة هنا
موقوفة على إجازة المستأجر األول؛ ألن المالك هنا بمثابة الفضولي والمستأجر بمثابة المالك
(?) املغين ،25 ،8/24واإلنصاف ،6/58وكشاف القناع ،4/24ومطالب أوىل النهى ،3/661 1
. 662
(?) بدائع الصنائع . 4/208 2
.
الترجيح :
يظهر – واهلل أعلم – رجحان القول الثاني القائل بأن الثانية موقوفة على إجازة
المستأجر األول ،لما يلي :
– 1أن الذي يرجحه أكثر المحققين وعليه جمهور العلماء أن تصرف الفضول
موقوف على إجازة المالك .
– 2نفي الضرر – هنا – عن المستأجر األول حيث جعل األمر بيده يجيز أو يمنع
حسب ما يراه األصلح له .
– 3أن الحنفية يتفقون مع الحنابلة ومن وافقهم في اإلبطال عند عدم اإلجازة.
الحالة الثانية :
أن يؤجرها المالك قبل تسليمها للمستأجر األول ،أو يمتنع من تسليمها له حتى
انقضت مدته .
وحينئذ فتنفسخ اإلجارة .
ألن العاقد وهو المؤجر أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد ،كما لو باعه
طعامًا فأتلفه قبل تسليمه .
35 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
(?) ينظر :املغين ،8/26واإلنصاف ،6/58وكشاف القناع ،4/25ومطالب أوىل النهى . 3/662 1
36 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
المسألة الثانية
تأجير المالك للعين المؤجرة من غير المستأجر
ليحل محله في استحقاق األجرة على المستأجر األول
بعد بحث طويل في كتب الفقهاء القديمة – قبل البعلي – لم أجد من ذكر هذه
المسألة .ال في المذاهب األخرى وال في المذهب الحنبلي .وال حتى عند شيخ اإلسالم في
كتبه الفقهية التي هي بين أيدينا كالمجموع والفتاوى الكبرى ومختصرها إال ما ذكره البعلي
في االختيارات الفقهية عن اختيار شيخ اإلسالم في هذه المسألة :
أنه يجوز للمالك أن يؤجر العين المستأجرة خالل مدة اإلجارة لمن يقوم مقامه في
استيفاء األجرة من المستأجر األول ،حيث قال " :ويجوز للمؤجر إجارة العين المؤجرة من غير
المستأجر في مدة اإلجارة ،ويقوم المستأجر الثاني مقام المالك في استيفاء األجرة من
المستأجر األول .وغلط بعض الفقهاء فأفتى في نحو ذلك بفساد اإلجارة الثانية ظنًا منه أن هذا
كبيع المبيع ،وأنه تصرف فيما ال يملك ،وليس كذلك ،بل هو تصّر ف فيما استحقه على
المستأجر"(. )1
ونقله أيضًا برهان الدين :إبراهيم بن شمس الدين ابن قيم الجوزية في "اختيارات شيخ
اإلسالم ابن تيمية النميري حيث قال :
"وإن إجارة العين المأجورة من غير المستأجر في مدة اإلجارة جائزة ،ويقوم المستأجر
الثاني مقام المالك في استيفاء الأجرة من المستأجر األول" .
وقال " :ذكر ذلك في مسودته على المحرر"(. )2
ونقل هذا االختيار المرداوي في اإلنصاف عن البعلي – رحمهما اهلل . -
ثم نظرت فيمن نقل اختيارات شيخ اإلسالم غير البعلي وبرهان الدين بن القيم فلم أجد
من ذكر هذا االختيار ،وإنما ذكروا في موطن هذا البحث مسألة أخرى وذكروا فيها رأي شيخ
اإلسالم واإلشارة إلى من أفتى بخالفه من الفقهاء ،وهذه المسألة هي إجارة األرض المشغولة
بغراس أو بناء لغير المستأجر .
وممن ذكر هذه المسألة وبّين اختيار شيخ اإلسالم فيها :
-1ابن مفلح في الفروع .
-2ابن عبدالهادي في مغني ذوي األفهام .
(?) االختيارات الفقهية ص. 152 ،151 1
(?) بعد البحث مل أجد من عثر على مسودة شيخ اإلسالم على احملرر . 2
37 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
ويعتبر التسليم وقت وجوبه ،وأنه ال يجوز إيجاره لمن يقوم مقام المؤجر كما يفعله بعض
الناس ،وأفتى جماعة من أصحابنا وغيرهم في هذا الزمان :أن هذا ال يصح ،وهذا واضح ولم
أجد من كالمهم ما يخالف هذا .
ومن العجب :قول بعضهم في هذا الزمان :إن الذي يخطر بباله من كالم أصحابنا :
أن هذه اإلجارة تصح ،كذا قال؛ وقد قال شيخنا فيمن استأجر أرضًا من جندي وغرسها قصبًا
ثم انتقل اإلقطاع عن الجندي :إن الجندي الثاني ال يلزمه حكم اإلجارة األولى ،وأنه إن شاء
أن يؤجرها لمن له فيها القصب أو لغيره"أ.هـ (. )1
وإن كان محترمًا فهل يجوز ذلك؟ على قولين عندنا .
المختار :ال وهو المعروف من مذهب الشافعي وأبي حنيفة واختاره جماعة من أئمة
أصحابنا ،وذكره صاحب الفائق ،ظاهر كالم أصحابنا .
والثاني :يجوز .اختاره صاحب الفائق ،وأبو العباس .
والمستأجر يقوم مقام من أجره في بقائها مع من له ذلك وعدمه ،وهو المعروف عند
المالكية .
وفائدة الحكم باحترام الغراس والبناء ليس لمتقدمي أصحابنا فيه كالم .
واختلف المتأخرون؛ فقيل :عدم القلع واإلزالة مطلقا ً.
وقيل :بل عدمه مجانًا ،واألول :المختار"(. )1
ثم قال :وإنما خرجت عن قاعدتي في ذكر الخالف في هذه المسألة لكثرة الحاجة
إليها وخفاء نقلها على أكثر الناس بحيث إن بعضهم توهم أنها المسألة المذكورة في إجارة
المضاف المشغولة حالة العقد وليست بها وإن كانت من بعض جزئياتها"(. )2
(?) يقصد بذلك خروجه عن قاعدته يف استعمال الرموز للمذاهب حيث خرج إىل التصريح؛ ملا ذكره . 2
وجوبه .وال فرق بين كونها مشغولة أو ال؛ كالَّس َلم؛ فإنه ال يشترط وجود القدرة عليه حال
العقد .
ثم نقل كالم ابن عقيل وكالم ابن مفلح السابق .
ثم قال :ظاهر كالم ابن عقيل السابق :أنه ال يجوز إجارة العين إذا كانت مشغولة.
وقد قال في الفائق :ظاهر كالم أصحابنا :عدم صحة إجارة المشغول بملك غير المستأجر،
وقال شيخنا ( : )1يجوز في أحد القولين وهو المختار .أ.هـ .
ثم نقل فتوى شيخ اإلسالم في مسألة إجارة األرض المقطعة لجندي ،ثم ينتقل اإلقطاع
إلى جندي آخر .
ثم قال " :قلت :قال شيخنا الشيخ تقي الدين البعلي :ظاهر كالم األصحاب :صحة
إجارة المشغول بملك لغير المستأجر من إطالقهم جواز اإلجارة المضافة ،فإن عموم كالمهم
يشمل المشغولة وقت الفراغ بغرس أو بناء أو غيرهما .أ.هـ .
وقال في الفروع :ال يجوز للمؤجر إجارة العين المشغولة بغراس الغير أو بنائه إال بعد
فراغ مدة صاحب الغراس والبناء .
وقال أيضًا :ال يجوز إجارة لمن يقوم مقام المؤجر كما يفعله بعض الناس .
ثم نقل كالم ابن مفلح السابق .وبعده نقل كالم البعلي في االختيارات (. )2
وبعد فمن خالل هذا العرض يغلب على الظن – ولست أجزم به – بأن تقي الدين
البعلي وبرهان الدين ابن القيم – رحمهما اهلل – فهما من كالم شيخ اإلسالم غير المراد .وأن
اختيار شيخ اإلسالم الذي أشار إليه ليس فيما قرراه ،وإنما هو في مسألة إجارة العين المشغولة
بملك المستأجر الذي ال يمكن تفريغه بعد انتهاء مّد ة اإلجارة ،كالغرس والبناء في األرض .
وذلك لما يلي :
– 1أنني لم أجد في كالم شيخ اإلسالم في كتبه ما يشير إلى ما قرره البعلي وبرهان
الدين .
– 2أنني لم أجد في كالم تالميذه الذين اعتنوا عناية فائقة باختياراته ،وال سيما ابن
مفلح في الفروع وابن القيم وابن عبدالهادي وغيرهم ما ُيشير إلى هذا االختيار
.
(?) املبدع . 5/86 1
وقريب مما يف املطالب موجود يف الكشاف ،4/6ويف معونة أوىل النهى بطريقة أكثر بسطًا مع نقل كالم
ابن مفلح يف الفروع ،مث رتب علي ما ذكر عدم صحة إجارة األرض املشغولة بغرس أو بناء للغري ،يتعذر
حتويله وقت التسليم . 70-5/68
42 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
- 3ما قرره ابن مفلح في الفروع من الرد على من ذهب إلى القول بصحة إجارة
العين المؤجرة لمن يقوم مقام المالك .
– 4ما قرره ابن عبداهلادي من أن املسألة املوافقة ملا حنن فيه ،وما حبثه ابن
مفلح في الفروع هي مسألة المشغول بملك الغير .
– 5ما علق على مخطوطة األزهر لكتاب الفروع مما يفصل النزاع في المسألة ،قال
المعلق على قوله " :وأنه ال يجوز إيجاره لمن يقوم مقام المؤجر " :يعني ال يجوز
للمؤجر إجارة العين المشغولة بغراس الغير أو بنائه بعد فراغ مدة صاحب
الغراس والبناء ،وال يجوز أن يقيم مقامه غيره"أ.هـ .
وذلك بناًء على ما ذهب إليه جمهور الحنابلة من عدم الجواز ،وأما على القول
بالجواز الذي اختاره تقي الدين بن تيمية فيجوز أن يقوم مقام المؤجر .ومن هنا
تعرف كيف جاءت عبارة " :يجوز إجارة العين لمن يقوم مقام المؤجر ..الخ .
– 6ما قرره شيخ اإلسالم في مسألة إجارة األرض المشغولة بالقصب إذا تغير مستحق
األرض فانتهت إجارة األرض ،واألرض مشغولة بقصب المستأجر .
أنه إذا استأجرها صاحب القصب صحت اإلجارة وإن استأجرها غيره جازت
اإلجارة أيضًا على ما اختاره شيخ اإلسالم ويقوم المستأجر الثاني مقام مالك
األرض مع صاحب القصب .إن شاء أن يبقي قصبه بأجره المثل ،وإن شاء أن
يؤجره إياها برضاه؛ ألنه أصبح مالك منفعة األرض .
وهذا نّص ه في مجموع الفتاوى في معرض فتوى عن حكم إجارة األرض
المقطعة لشخص أّج رها لشخص آخر وزرع فيها قصبًا ...ثم انتقل اإلقطاع إلى
شخص آخر :
قال "وإذا مات الُم قطع ،فالمقطع الثاني ال يلزمه إجارة األول ،وليس له أن يقلع
ما للمستأجر فيها من الزرع والقصب مجانًا؛ بل هو مخّير إن شاء أن يبقي زرعه
وقصبه بأجرة مستأنفة بمثل األجرة األولى أو أقل أو أكثر ،كما يتراضيان به لكن
ليس له أن يلزم المستأجر بأكثر من أجرة المثل .وإذا استأجرها صاحب
القصب والزرع :صحت اإلجارة؛ فإنه يتمكن من االنتفاع بها ،ولو استأجرها
غيُر ه جاز على الصحيح وقام غيره فيها مقام المؤجر إن شاء أن يبقي زرعه
وقصبه بأجرة المثل ،وإن شاء أن يؤجره إياها برضاه"(. )1
(?) ينظر :جمموع الفتاوى . 247 ،30/170 1
43 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
– 7أن هذه المسألة :مسألة جديدة تخالف ما عليه جماهير أهل العلم فلو كان لشيخ
اإلسالم فيها رأي على نحو ما ُذكر لقررها شيخ اإلسالم ودعم رأيه بالحجج
القوية على منهجه رحمه اهلل .
– 8ما قرره شيخ اإلسالم من أن المالك يجوز له أن يؤجر العين المؤجرة لغير
المستأجر في مدة تلي مّد ة األول .
ومفهومه أنه ال يرى تأجيرها مّد ًة أثناء مّد ة األول حيث قال " :إن كان قد أجر
المّد ة التي تكون بعد إجارة األول :لم يكن لألول اعتراض عليه في ذلك"(. )1
– 9ما قرره شيخ اإلسالم في أكثر من موضع من كتبه من أن اإلجارة عقد الزم
للطرفين ومما قاله :
"فإن اإلجارة إن كانت شرعية فهي الزمة من الطرفين وإن كانت باطلة فهي
باطلة من الطرفين ومن جعلها الزمة من جانب المستأجر جائزة من جانب
المؤجر فقد خالف إجماع المسلمين"(. )2
– 10ما قاله البعلي في آخر كالمه :
" ...وأنه تصّر ف فيما ال يملك ،وليس كذلك ،بل هو تصّر ف فيما استحقه على
المستأجر"(. )3
أي فيما استحقه المالك على المستأجر األول صاحب الغرس والبناء في أرض
المالك ،فاالستحقاق المشار إليه ،ليس األجرة ،وإنما هو ما يستحقه من حق
متعلق بالغرس والبناء الذي غرسه أو بناه المستأجر في أرضه وهذا الحق يخول
له إما المطالبة بقلع الغرس والبناء ،أو إبقائه بأجرة المثل – على خالف بين
الفقهاء في هذه المسألة . -
الجواز .
وإليه ذهب من ذكره ابن مفلح ممن أفتى بجواز إجارة المؤجر لمن يقوم مقام
المالك( . )1وهو اختيار شيخ اإلسالم إن صحت النسبة إليه .وال أُر اها تصح لما سبق.
ولعلهم استدلوا بما ذكره البعلي في االختيارات من أن تصّر ف المالك في هذه اإلجارة
ليس تصرفًا فيما ال يملك وإنما هو تصّر ف فيما يستحقه على المستأجر (. )2
القول الثاني :
عدم الجواز .
وهو ما عليه عامة الفقهاء ،حيث نصوا جميعًا في كتبهم على عدم صحة تصّر ف المالك
في العين المستأجرة فيما يتجه إلى منفعة العين أثناء مّد ة اإلجارة دون تفريق .
وأدلتهم على هذا تدور حول أن المالك ال يملك المنفعة حال إجارة العين فال يملك
التصرف فيها قياسًا على العين المبيعة .
الترجيح :
ومن خالل ما سبق يتضح رجحان القول الثاني القائل بعدم الجواز والصحة .
وهذا الخالف على حسب الظاهر من كالم البعلي في االختيارات وابن مفلح في
الفروع والمرداوي في اإلنصاف .
– وإال فالمتأمل في المسألة يغلب على ظنه عدم وجود هذه المسألة في الواقع
مطلقًا.-
وما أشير إليه في هذه الكتب مقصود به الخالف في إجارة األرض المشغولة بغرس أو
بناء الغير ،وأن قوله :يقوم مقام المؤجر ..الخ .يقصد به أن المستأجر الثاني يقوم مقام مالك
األرض في التعامل مع صاحب الغرس والبناء ...الخ .ولكن العبارة لم تكن وافية ببيان المراد .
وفيما يلي بيان أوجه القول بعدم جواز تأجير العين المستأجرة أثناء مّد ة اإلجارة لمن
يحل محل المؤجر في استيفاء األجرة من المستأجر األول .
أوجه القول بعدم جواز إجارة العين المستأجرة لمن يقوم مقام المالك :
األول :أن عقد اإلجارة عقد الزم للطرفين ال يحل ألحدهما فسخه بدون رضا العاقد
(?) مل أجد مستندًا هلذا القول ينسب الفتوى إىل أصحاهبا ورمبا كانت فتاوى معاصرة هلم غري حمررة يف 1
كتب .
(?) االختيارات العلمية ص ،275واإلنصاف ،6/43وانظر :اختيارات ابن تيمية لربهان الدين بن 2
القيم ص.17
45 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
(?) ينظر :بدائع الصنائع ،4/195ومقدمات ابن رشد ،166 /2واملعونة ،2/1091واحلاوي 1
المالك التصّر ف فيها أثناء مّد ة اإلجارة - ،وأما بعدها فهي مسألة أخرى عرضناها فيما قبل .
وال جائز أن يكون توكيًال في قبض اإليجار ،ألنهما لم يقصداه ،وألن المدفوع ال
يتناسب مع التوكيل ،فلم يبق إال أن يكون واردًا على األجرة ،كما نّص وا على ذلك ،فيكون
استأجر األجرة .وهو في واقعه بيع نقد مؤجل بنقد حال أقل منه وهذا هو الربا .
السابع :ما نص عليه فقهاء المالكية والحنابلة في مسألة تأجير المستأجر العين
المؤجرة من المالك بزيادة على األجرة .
قالوا :يجوز أن يؤجرها عليه بزيادة بشرط أال يكون حيلة كالعينة :بأن يستأجرها
بأجرة حالة نقدًا ثم يؤجرها بأكثر منه مؤجًال ،فال يصح حسمًا لمادة ربا النسيئة ،كمن يؤجر
الدار – مثًال – خمس سنوات :السنة بعشرين ألف لاير ،ثم يؤجرها للمالك بأقل من ذلك نقدًا
(. )1
وهو الذي جعل الحنفية يمنعون تأجير المستأجر للعين المؤجرة من المالك بزيادة
مطلقًا .حسمًا لمادة الربا ،ألنها تشبه مسألة العينة (. )2
ولهذا جاء في هامش الموسوعة الكويتية :
"ترى اللجنة أن إباحة إيجار المستأجر للمؤجر نفس العين المستأجرة في أكثر الصور
تشبه بيع العينة المنهي عنه ،ولعل هذا ما دعى الحنفية إلى منع ذلك"(. )3
ومسألتنا شبيهة بهذه المسألة؛ ألن المستأجر الثاني استأجر العين بنقد حال بنقد أكثر
منه نسيئة؛ حيث لم يكن في قصد المستأجر الثاني المنفعة وإنما قصد بيع النقود الحاضرة
بنقود مؤجلة مع الربح .
الثامن :ما نص عليه فقهاء المالكية في مسألة بيع العين المؤجرة من أن اإلجارة تبقى
بحالها إلى انتهاء مدة اإلجارة ،واألجرة للبائع ،وال يجوز أن يشترطها المشتري؛ ألنه يؤول
إلى الربا إلا إن كان البيع بعروض"(. )4
وكونه يؤول إلى الربا :ألنه يصبح َدَفع نقدًا وهو الثمن بعرض ونقد وهو العين
المؤجرة واألجرة .
(?) ينظر :مواهب اجلليل ،5/406ومنح اجلليل ،5/458واإلنصاف ،6/35وشرح املنتهى 1
. 2/361
(?) ينظر :رد احملتار . 9/107 2
وإذا كان البيع بعروض لم يصبح نقدًا بنقد؛ فانتفى الربا .
وعلى هذا الذي ذكره الفقهاء فالمسألة – موضع البحث – قريبة من هذه؛ ألنها في
الواقع بيع نقد بنقد مع التأجيل والتفاضل ،فاجتمع فيها ربا الفضل والنسيئة.
التاسع :أن المعقود عليه في اإلجارة هو المنفعة .
والقول بجواز تأجير العين المستأجرة من ِقَبل المالك على ذات المّد ة ..يترتب عليه
ورود عقدين من شخص واحد على محل واحد من عاقدين مختلفين ،حيث أبرم المالك في
اإلجارة األولى العقد على منفعة العين مّد ة معينة مع المستأجر األول ،ثم أبرم عقدًا آخر على
نفس المحل وبنفس المّد ة مع شخص آخر .والحال أنه مشغول بالعقد األول ،فال يصح كما لو
باع العين من شخص ثم باعها على شخص آخر بعد أن انتقلت من ملكه .
العاشر :أنه يترتب على صحة هذا العقد :
أنه يجوز للمؤجر أن يؤجر العين المستأجرة على غير المستأجر ،ويجوز للمستأجر أن
يؤجر العين المستأجرة لغيره ،وهكذا من استأجر من المالك يحق له أن يؤجر العين ومن
استأجر منه ،وهكذا من استأجر من المستأجر األول يحق له أن يؤجرها ومن استأجر منه ...الخ
.
وهذا يؤدي إلى التنازع في العين المستأجرة مما ال يتناهى من العاِقدين الذين تعلق
حقهم بها
الحادي عشر :أن هذه المعاملة ذريعة إلى الربا بال إشكال إذ يتوصل من خاللها إلى
بيع نقد مؤجل بنقد حال مع التفاضل والنساء حيث استبيح بهذه اإلجارة الصورية بيع مائة
وخمسين ألف مؤجلة بمائة ألف حالة – مثًال . -
وهذه الذريعة محّر مة بداللة ما يلي :
– 1حديث الغالية بنت أْيفع بن شراحيل أنها قالت":دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم
وامرأته على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم :كانت لي جارية
وإني بعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى عطائه ،وإنه أراد بيعها فابتعتها منه
بستمائة نقدًا .فقالت :بئس ما شريت وما اشتريت ،فأبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده
مع رسول الله إال أن يتوب"(. )1
اعترض الشافعي عليه بأنه ال يصح لجهالة الغالية .
(?) أخرجه الدارقطين ،3/52والشافعي يف األم ،4/78وعبدالرزاق يف املصنف ،8/184والبيهقي يف 1
وأجاب ابن الجوزي في التحقيق بأنها :جليلة القدر معروفة ،ذكرها محمد بن
سعد في الطبقات قال :الغالية بنت ْأيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي
سمعت من عائشة ( ، )1ومال ابن القيم إلى تصحيحه كما في تهذيب السنن (.)2
– 2ما ورى عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة
بمائة ثم اشتراها بخمسين فقال :دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة.
وفي لفظ " :اتقوا هذه العينة ال تبيعوا دراهم بدراهم بينهما حريرة"(. )3
وإن كان هذا األثر في بيع العينة .إال أنه فيما يظهر ينطبق على هذه المعاملة في
مسألتنا ،حيث يتم فيها بيع دراهم مؤجلة بدراهم حالة مع التفاضل ،والواسطة
بينهما هذه اإلجارة الصورية .
الثاني عشر :أن المعاملة في هذه المسألة من قبيل بيع الدين لغير من هو عليه .
حيث إن المؤجر يبيع األجرة الواجبة له بالعقد وهي مؤجلة في ذمة المستأجر على
المستأجر الجديد بنقد حال .
فأصبح بيع دين مؤجل في ذمة المستأجر األول بنقد حال ،ومعلوم تحريم بيع الدين
الذي في الذمة على غير من هو له ،أو على من هو له مع التفرق قبل التقابض .
ومما يدل على ذلك حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قلت يا رسول اهلل إني أبيع
اإلبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذا من هذا
وأعطي هذا من هذا؟ فقال رسول اهلل " : ال بأس أن تأخذها بسعر يومها مالم تفترقا وبينكما
شيء"(. )4
وال يعترض على هذا بأنه من قبيل الصرف بخالف ما نحن فيه ،حيث هو تأجير على
تأجير ،ألنه يقال :إنه تبّين من خالل ما سبق أن التأجير غير صحيح لوروده على منفعة مملوكة
(?) ينظر :التحقيق وتنقيح التحقيق هبامشه ،البن اجلوزي والذهيب . 129-7/127 1
(?) ذكره ابن حزم يف احمللى ،9/689وذكره ابن القيم يف هتذيب السنن ،5/101وقال :ثبت عن 3
ابن عباس أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة مبائة مث اشرتاها خبمسني فقال :دراهم بدراهم متفاضلة،
دخلت بينهما حريرة .
(?) أخرجه أبو داود يف تاب البيوع 3/250 ،ورقمه ( )3354والرتمذي يف كتاب البيوع 3/544 4
للغري .
فحقيقته :بيع األجرة المستحقة باإلجارة األولى باألجرة المستحقة باإلجارة الثانية،
فهو بيع نقد بنقد فدخل في مدلول الحديث .
والحديث يدل على أنه البد من التقابض في مجلس العقد أو ما هو في معنى التقابض،
فيما إذا كان أحد النقدين حاضرًا في المجلس واآلخر في الذمة؛ ألنه يشترط أال يفترقا وبينهما
شيء .
وهنا في هذه المعاملة يحصل االفتراق وبينهما شيء؛ بل إن العوض الذي في الذمة
مؤجل التْس ليم على أقساط هي اإليجار السنوي .
الثالث عشر :هذه المعاملة ،يترتب عليها ربح مالم يضمن .
وقد جاء النهي عن ربح مالم يضمن؛ كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
رضي اهلل عنهم قال :قال رسول اهلل " : ال يحل سلف وبيع وال شرطان في بيع وال ربح ماال
يضمن ،وال بيع ما ليس عندك"(. )1
ويدل لهذا المعنى أيضًا حديث عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل قضى أن :
"الخراج بالضمان"(. )2
وفي ه ــذه المعامل ــة يتحق ــق ربح م ــاال يض ــمن ،ألن العين الم ــؤجرة في مـ ـّد ة اإلج ــارة من
ضمان المستأجر لـو تعــدى فيهــا أو فــرط ،فكـان ينبغي أن يكـون ربحهــا للمســتأجر ،ألن الخـراج
بالضــمان وقــد نهى عن ربح مــاال يضــمن فــإذا مــا أّج رهــا المــؤجر وهي في ملــك المســتأجر األول
وفي ضمانه فقد ربح ماال يدخل في ضمانه .
(?) أخرجه اإلمام أمحد يف املسند ،2/179وأبو داود يف كتاب البيوع ،3/769والرتمذي يف كتاب 1
المبحث الثالث
المبحث الثالث
اإلجارة على اإلجارة في إجارة األشخاص
تمهيد:
تقسم اإلجارة تقسيمات عديدة باعتبارات مختلفة ،فتقسم من حيث ورودها على مّد ة
أو على عمل إلى قسمين؛ إجارة على مّد ة معينة ،وإجارة على عمل معين وُتقّس م من حيث
ورودها على عين معينة ،أو على الذمة إلى قسمين:
إجارة األعيان ،واإلجارة في الذمة.
وإجارة األعيان تقسم من حيث ورودها على اآلدميين أو غيرهم إلى قسمين :إجارة
األشخاص ،وإجارة األشياء.
وبحثنا هنا في إجارة األشخاص .
أما إجارة األشياء كاستئجار دابة للركوب عليها أو للحرث ،وكاستئجار دار للسكنى
،فهذه سبق بحثها – في المبحث األول من هذا البحث ، -وعرفنا من خالله إمكانية ورود
اإلجارة على اإلجارة في هذا النوع ،وكان مدار البحث في المبحث األول على ذلك .
وأما إجارة األشخاص والمراد :استئجار اآلدميين للعمل .فلها حالتان ,بيانهما في
المطلبين اآلتيين :
المطلب األول :األجير الخاص :
المراد به :
عرف األجير الخاص بتعريفات عديدة متقاربة في معناها من أهمها :أنه من قدر نفعه بالزمن , 1
أو هو من يقع العقد علي عينه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها , 2او هو من
يعمل لواحد , 3 ,أو هو من يستحق األجرة بتسليم نفسه وإن لم يعمل ، 4.سمي بذلك الختصاص
المستأجر بمنفعته في مدة اإلجارة .
ورود اإلجارة على اإلجارة في األجير الخاص :
في هذه الحالة ال ترد اإلجارة على اإلجارة ؛ ألن :المعقود عليه في إجارة األجير الخاص هو
منفعة األجير بعينه ,ألداء عمل معين في مدة معينة ،وبناء عليه فإذا تم العقد صحيحا ,فإنه
- 1ينظر الفروع , 449 / 4وكشاف القناع . 32 4
- 2ينظر ينظر املغين . 103 / 8
- 3ينظر بدائع الصنائع 174 / 4وتبصرة احلكام . 331 / 2
- 4ينظر :اهلداية . 244 / 3
52 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
يلزم األجير الخاص أن يعمل لدى مستأجره وليس له أن يستأجر شخصًا آخر يحل محله في
أداء العمل الذي ستؤجر له إال بإذن صاحب العمل .
فإذا استأجر شخص خادمًا أو مزارعًا أو راعيًا ،أو سائقًا فليس ألي من هؤالء أن
يستأجر من يحل محله في هذا العمل إال بإذن المستأجر وهو صاحب العمل (.)1ألن المعقود
عليه -كماسبق – هو عمل األجير بنفسه -فلزم القيام به على الوجه المطلوب ,كمن
2
استأجر دابة معينة من إنسان لركوبها فإنه ليس له إبدالها .
إنابة المستأجر من يقوم بعمل األجير الخاص عند عدم قيامه بالعمل :
إذا لم يقم األجير الخاص بعمله فال يخلو إما أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر ,فإن كان لعذر
كمرض أو حدوث أمر غالب منعه من العمل كسيل أو حرب أو حريق ...الخ فإن األجير ال
يكلف أن يقيم من يعمل بدله ؛ ألن المعقود عليه معين وهو عين األجير , 3وألنه معذور
بتخلفه عن العمل .
وإن لم يكن لعذر فإن األجير يجبر على أداء العمل ،وليس له أن ينيب من يعمل بدله ,ألن
العقد وقع على عينه .وليس للمستأجر أن يستأجر من يقوم بعمله على حساب األجير ،بل
يخير بين فسخ اإلجارة أو الصبر حتى يقوم بالعمل ؛ لتعذر استيفاء المعقود عليه ,4وألن غرض
المستأجر يفوت بإقامة غير األجير مناب األجير وحينئذ فألفضل له أن يفسخ العقد معه
ويستأجر غيره .وإذا لم يتمكن من إجبار األجير غير المعذور على القيام بالعمل فإن األجير
اليستحق األجرة ؛ لعدم قيامه بالعمل .
المطلب الثاني :األجير المشترك .
المراد به :
كما اختلفوا في المراد باألجير الخاص اختلفوا في األجير المشترك فقيل :هو من قــدر نفعــه
(?) ينظر :اهلداية 234 ،3/245وبدائع الصنائع 208 / 4ومنح اجلليل 441 / 7والبهجة شرح 1
التحفة 182 / 2وروضة الطالبني 224 5والفتاوى الكربى البن حجر . , 148 / 3واملغين 36 / 8
ومعونة أويل النهى 71 / 5ومطالب أويل النهى . 626 / 3
- 2ينظر :جممع األهنر 374 / 2ومعونة أويل النهى . 71 / 5
ومطالب أويل النهى . 658 / 3 - 3ينظر املغين / 8
- 4ينظر املبسوط 6 / 16والبحر ارائق 6 / 8والشرح الكبري مع حاشية الدسوقي ، 31 / 4وروضة الطالبني
239 / 5وشرح روض الطالب 418 / 2وكشاف القناع 31 / 4ومطالب أيل النهى . 631 / 3
53 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
بالعمــل ، 1وقيــل هــو من يقــع العقــد معــه على عمــل معين ،أو على مــدة اليســتحق المســتأجر
جميــع نفعــه فيهــا ، 2وقيــل غــير ذلــك .والمعقــود عليــه في األجــير المشــترك منفعــة في الذمــة
إلنجاز عمل معين أو موصوف بصفات تضبطه :
وال تكون اإلجارة هنا إال آلدمي؛ ألنها متعلقة بالذمة وال ذمة لغير اآلدمي(.)3
سمي األجبر المشترك بهذا االسم ؛ ألن منفعته تكون ألكثر من شخص ،حيث إنه يتقبل أعماًال
لجماعة ،ومنفعته مشتركة بينهم (.)4
وروداإلجارة على اإلجارة في األجير المشترك :
اإلجارة على اإلجارة واردة هنا ،وذلك أنه إذا استؤجر األجير المشترك لعمل معين أو
موصوف فال يخلو من ثالث حاالت :
الحالة األولى:
أن يقوم بالعمل بنفسه ،وهذا هو األصل ،فال إشكال فيه .
الحالة الثانية:
أن تكون طبيعة العمل المستأجر إلنجازه تقتضي أال ينفرد بعمله كأن يستأجره لبناء
بيت ،فظاهر الحال أنه لن يقوم بجميع األعمال الالزمة لبناء البيت بنفسه ،وإنما يلزم أن
يستأجر البناء والنجار والمبلط والسباك والدهان والكهربائي…
فهنا تحققت اإلجارة على اإلجارة ،حيث استأجر صاحب البيت األجير األول ،وهذا
األجير استأجر أجراء للقيام باألعمال الالزمة لبناء المنزل.
الحالة الثالثة:
أن يحصل لألجير المستأجر لعمل معين مانع يمنعه من القيام بهذا العمل ،وحينئذ فعليه
أن ينيب من يقوم بالعمل بدله ،فإن امتنع أو هرب :استأجر صاحب العمل من يقوم بالعمل،
وأجرة األجير الثاني على األجير األول.
وهذا هو ما قرر الفقهاء في المذاهب األربعة؛ حيث اتفقوا على أنه يجوز لألجير
المشترك أن يقوم بالعمل الذي استؤجر له بنفسه ،وهذا هو األصل ،ويجوز أن يستأجر هو من
(?) ينظر :اهلداية للمرغيناين ، 3/234وتبيني احلقائق ،5/111ونتائج األفكار ،8/21والذخرية 1
المبحث الرابع
وفيه مطلبان:
المطلب األول
الضمان في اإلجارة على اإلجارة في إجارة األشياء
المراد باألشياء هنا :األعيان المـؤجرة من غـير اآلدمـيين ،فيـدخل فيهـا العقـار والـدواب،
واآلالت المختلفة ،والمراكب المختلفة ،ويدخل في ذلك السفن والطائرات والسيارات … ،
الخ .
والبحث هنا في حكم الضمان إذا حصل تلف كلي أو جزئي للعين المؤجرة ،في
اإلجارة الثانية ،إذا أجر المستأجر األول العين المؤجرة على مستأجر ثاٍن فحصل التلف عند
الثاني ،فهل يضمن ،أو ال يضمن؟ وإذا كان يضمن ،فهل يضِّم ن المالُك المستأجَر األول أو
المستأجر الثاني…؟
مما اتفق عليه الفقهاء في المذاهب األربعة أن يد المستأجر على العين المؤجرة يد
أمانة ،والمستأجر أمين ( ،)1فتنطبق عليه قاعدة الضمان على األمناء وهذه القاعدة :أن من كانت
يده يد أمانة فال ضمان عليه إال إذا تعّد ى أو فرط (. )2
وعلى ذلك فالمستأجر األول أمام المالك أمين ال يضمن إال إذا تعدى أو فرط،
والمستأجر الثاني كذلك أمام المستؤجر األول ،ألن المستأجر الثاني ،أمام المستأجر األول
كالمستأجر األول أمام المالك.
وعلى ذلك ،فإذا حصل من المستأجر الثاني تعد أو تفريط تسبب في تلف العين
المؤجرة ،فإنه يضمنها لمالكها ،وال ضمان على المستأجر األول ،لعدم تعديه وعدم تفريطه.
وإذا حصل التلف بدون تعٍّد أو تفريط فال ضمان على واحد منهما.
(?) ينظر :شرح اجلصاص على خمتصر الطحاوي ،384 ،1/383وجملة األحكام العدلية املادة 768 1
بشرح سليم رستم باز وقوانني األحكام الشرعية ص ،350 ،349واألشباه والنظائر للسيوطي ،759
والكايف البن قدامة ،2/282وكشاف القناع ،3/485والقواعد واألصول اجلامعة ص 50القاعدة الرابعة
عشرة.
(?) ينظر :شرح جملة األحكام العدلية لسليم رستم املادة ، )768( :والفرائد البهية للحمزاوي ص،99 2
، 100وقوانني األحكام الشرعية البن جزي ص ،350 ،349والكايف البن قدامة . 2/282
57 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
المطلب الثاني
الضمان في اإلجارة على اإلجارة في إجارة األشخاص
البحث هنا في حكم تضمين األجير الثاني ،المستأجر من قبل األجير األول .فإذا
استأجر شخص أجيرًا ليعمل له عمًال معينًا ،فإن كان األجير أجيرًا خاصا ،فليس داخًال في هذا
البحث ؛ ألن األجير الخاص ليس له أن يستأجر من يقوم بعمله بدله ،فال إجارة على اإلجارة ،
كما سبق .
وإن كان األجير أجيرًا مشتركًا ،ولم يشترط عليه أن يقوم بالعمل بنفسه واستأجر
شخصًا آخر يقوم بالعمل بدله فال يخلو إما أن يكون األجير الثاني أجيرًا خاصًا عند األجير
األول ،أو أجيرًا مشتركًا ،فإن كان خاصًا ،فال ضمان في اإلجارة الثانية ؛ ألن األجير الخاص
ال يضمن إال بالتعدي أو التفريط .
وحينئذ فيكون الضمان على األجير األول.
وإن كان األجير الثاني أجيرًا مشتركًا فينطبق عليه في مسألة الضمان أمام األجير
األول ،ما ينطبق على األجير األول أمام صاحب العمل .وقد اتفق الفقهاء في المذاهب األربعة
على تضمين األجير المشترك إذا حصل منه تعٍد أو تفريط (.)1
وأما إذا لم يحصل منه تعد وال تفريط وأقام البينة على ذلك فقد اتفقت المذاهب
األربعة في المشهور عندهم .
أنه ال يضمن .
ألن األصل عدم تضمين األجراء (.)2
وإن لم يقم البينة على عدم التعدي والتفريط وكان التلف بغير فعله فخالف على ثالثة
أقوال :
القول األول:
أنه ال يضمن ،وإليه ذهب اإلمام أبو حنيفة وزفر ،والحسن بن زياد ( ، )3وهو الصحيح
(?) ينظر :بدائع الصنائع ،4/210واالختيار لتعليل املختار 54 / 2املقدمات املمهدات ،2/243 1
(?) أخرجه البيهقي يف السنن الكربى يف كتاب اإلجارة باب ما جاء يف تضمني األجراء .60/122 3
(?) أخرجه أبو داود هبذا اللفظ يف سننه يف كتاب البيوع ،باب يف تضمني العارية . 3/526وأخرجه 9
الرتمذي يف جامعه يف كتاب البيوع ،باب ما جاء يف أن العارية مؤداه ، 3/557وابن ماجه يف سننه يف
كتاب الصدقات ،باب العارية ،2/802وذكر أهل السنن :أن هذا احلديث ضعيف ألنه من رواية احلسن
عن مسرة ،واحلسن مدلس رواه عنه بالعنعنة .ينظر :نصب الراية ،4/167والتلخيص احلبري ،3/53
وإرواء الغليل . 5/348
(?) نصب الراية ،4/141والتلخيص احلبري ،3/61 10
59 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
)3أن األجير قد قبض العين لمصلحة نفسه ،فلزمه ضمانها كالمستعير (. )1
ونوقش :بأن القياس على المستعير قياس مع الفارق؛ ألن المستعير ينفرد بنفع العين
بخالف األجير ألن النفع مشترك بينه وبين صاحب العين؛ هذا في االنتفاع بالعين وذلك
باألجرة .
)4أن المعقود عليه – هنا – هو الحفظ ،فال بد أن يكون سليمًا من العيب؛ ألن عقد
المعاوضة يقتضي سالمة المعقود عليه ،فإذا هلك تبين أن الحفظ لم يكن سليمًا ،فيجب
الضمان.
ونوقش :بعدم التسليم أن المعقود عليه هو الحفظ بل المعقود عليه هو الضمان،
والحفظ يجب تبعًا ال قصدًا .ولو كان المعقود عليه هو الحفظ لكان له حصة من األجر(.)2
)5أنه لو قيل بعدم التضمين الدعى كثير من األجراء هالك األموال وأكلوها بالباطل.
ونوقش :بأن هذا مقصود فيما إذا كان الهالك بفعله والعين تحت يده ،أما إذا هلك
بغير فعله فاألصل أن األجير مؤتمن ،وال يترك هذا األصل من أجل التهمة.
القول الثالث:
التفصيل :إن كان التلف بما يمكن التحرز منه :ضمن وإال فال .وإليه ذهب أبو يوسف
ومحمد بن الحسن ( ،)3وهو رواية عند الحنابلة (.)4
واستدلوا على التضمين في حالة إمكان التحرز بأدلة القائلين بالتضمين مطلقًا.
ونفوا الضمان في حالة عدم إمكان التحرز ،النتفاء التهمة ألن التلف حينئذ يكون بأمر
عام يمكن معرفته (.)5
الترجيح:
من خالل النظر في هذه األقوال ،وما ورد على أدلتها من مناقشة ،يظهر – واهلل أعلم
بالصواب – رجحان القول األول القائل بعدم التضمين .لقوة أدلته ،ولما ورد على أدلة
القولين اآلخرين من مناقشة .
الحالة الثانية:
المبحث الخامس
التطبيق المعاصر لإلجارة على اإلجارة
تمهيد:
عرفنا فيما سبق إن اإلجارة قد تكون واردة على األعيان من غير اآلدميين لمدة معينة ،
كاستئجار العقار ،ودواب الركوب ،وآالت الحرث ،وجميع األشياء الداخلة تحت ضابط ما
تصح إجارته .
وقد تكون واردة على عين اآلدمي لمدة معينة ،في إجارة األجير الخاص ،وقد تكون
واردة على عمل في الذمة في إجارة األجير المشترك والناظر لإلجارة على اإلجارة في مسائلها
وصورها القديمة يلحظ أنه يمكن تطبيقها في صور جديدة معاصرة ،بل إنها يمكن أن تكون
مجاًال استثماريًا معاصرًا سليمًا من التعامالت المحّر مة.
سواء فيما يتعلق بإجارة األعيان زمنًا معينًا ،أو فيما يتعلق بإجارة األشخاص.
وبيان ذلك في المطلبين اآلتيين:
المطلب األول
في إجارة األشياء:
خلص البحث في مسائل اإلجارة على اإلجارة في إجارة األعيان المؤجرة أنه ليس للمالك أن
يؤجر العين المؤجرة خالل مّد ة اإلجارة لشخص يحل محله أمام المستأجر األول ،كما ترجح
أنه يحق للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها ،مّد ة معينة لشخص آخر يحل محله في
االنتفاع بهذه العين خالل مّد ة اإلجارة بشروط معينة .وهذا اإليجار الثاني هو ما يعرف في
التعامل المعاصر باإليجار من الباطن ,وإليجار من الباطن يرد في إجارة األشياء ،ويرد كذلك
في إجارة األشحاص .أما في إجارة األشخاص فسيأتي الكالم عنها في المطلب الثاني .
وأما في إجارة األشياء فهو مجال خصب لالستثمار في التطبيقات المعاصرة أمام المستثمرين
من أصحاب رؤوس األموال والشركات العقارية ،والمؤسسات المصرفية والبنوك اإلسالمية
وغيرها وعلى سبيل المثال ال الحصر.
يقوم البنك أو المصرف أو الشركة أو المؤسسة العقارية أو حتى فرد أو أفراد
باستئجار منشأة عقارية كعمارة ،أو مركز تجاري أو نحوهما ،من المالك لمّد ة معينة بأجرة
معلومة .
ثم يقوم هذا المستثمر بتأجير وحدات العمارة على المنتفعين بالسكنى ،وتأجير
وحدات المركز التجاري على المنتفعين بهذه الوحدات لبيع سلعهم…
فهنا المستأجر األول استأجر العمارة أو المركز التجاري جملة ،وأجر الوحدات
تجزئة على المنتفعين .وفي هذا النوع من التعامل مصلحة لكل من المالك والمستثمر .
فمصلحة المالك تتحقق في أمور منها:
)1التعامل مع شخص واحد ،أو جهة واحدة ،بدل أن يتشتت ذهنه وجهده أمام العدد
الكثير من الناس .فتتحق له مصلحة الراحة بالتعامل مع شخص واحد.
)2تجميع األجرة ،بدل أن يتتبع المستأجرين واحدًا واحدًا ،ويجمع األجرة منهم،
بأخذها مجتمعة من واحد.
)3مصلحة استيعاب جميع الوحدات باإلجارة ،وفي ذلك ضمان من كساد بعض
الوحدات لعدم الرغبة فيها.
)4ضمان تسليم كامل األجرة ،مقابل امتناع بعض المستأجرين من السداد أو تأخرهم
،كما هو حاصل عند كثير من المستأجرين .
64 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
هذه المصالح وغيرها ،يتنازل بموجبها المالك عن كثير من األجرة للمستثمر .
وبالمقابل يتحقق للمستثمر عّد ة مصالح أيضًا :منها:
)1تخفيض كامل األجرة ،مما يتحقق به االستثمار المنشود.
)2تأجير الوحدات بأجرة أكثر مما كلفته مقابل التجزئة ،ومقابل أتعاب مالحقة
المستأجرين أو كساد بعض الوحدات أو انخفاض أجورها.
65 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
المطلب الثاني
التطبيق المعاصر لإلجارة على اإلجارة في إجارة األشخاص
وصور هذا النوع من التأجير في الزمن المعاصر كثيرة ومتنوعة والمقصود :التنبيه
على أصل هذا التأجير وإمكانية تطبيقه في الواقع المعاصر إذا تحققت شروطه ،المشار إليها
(. )3
وأن الضمان في ذلك مبني على قاعدة الضمان في إجارة األجير المشترك .
هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الخاتمة
الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ،والصالة والسالم على خير خلقه محمد بن
عبداهلل وعلى آله وصحبه ...وبعد :
فقد تبين من خالل هذا البحث في مسألة اإلجارة على اإلجارة ما يلي :
– 1أن عقد اإلجارة عقد الزم من الطرفين ال يحل ألحدهما فسخه من دون إذن
اآلخر .
– 2أنه إذا لزم العقد فيقتضي ملك المستأجر لمنفعة العين المؤجرة بحيث يحق له
التصرف فيها باالنتفاع بنفسه أو بنائبه ،أو بإجارته على المالك أو غيره بشرط
عدم تجاوز ما استؤجرت له العين .
– 3أن تصرفات المالك الناقلة لملكية العين المؤجرة صحيحة نافذة وال يمنعها تعلق
حق المستأجر بمنفعتها ،إلمكان المستأجر من استيفاء حقه مع انتقال الملكية .
– 4أنه يحق للمالك أن يؤجر العين أثناء ُمدة اإلجارة األولى على شخص آخر مّد ة
أخرى بعد انتهاء عقد اإلجارة األول .
– 5ال يحق للمالك أن يؤجر العين المؤجرة خالل مّد ة اإلجارة على شخص آخر
بحيث يرد العقد على المدة األولى .كما ال يحق له أن يؤجرها على من يحل
محله ألخذ األجرة من المستأجر األول .
– 6أن اإلجارة على اإلجارة في حاالت الجواز يمكن أن تتعدد صور التعامل بها
لتكون وسيلة من وسائل المؤسسات المالية المعاصرة في االستثمار المباح .
68 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
فهرس المراجع
االختيارات الفقهية ،للعالمة الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عباس -1
البعلي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ،تأليف محمد ناصر الدين -2
األلباني ،الطبعة األولى1399 ،هـ ،المكتب اإلسالمي ،بيروت.
أسنى المطالب شرح روض الطالب ،تأليف زكريا األنصاري الشافعي ت ( -3
926هـ) ،دار الكتاب اإلسالمي ،القاهرة.
أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه اإلمام مالك ،ألبي بكر بن حسن -4
الكشناوي ،دار الفكر للطباعة والنشر ،بيروت.
األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ،لإلمام جالل الدين السيوطي -5
،تحقيق المعتصم باهلل البغدادي ،دار الكتاب العربي ،بيروت الطبعة األولى.
إعانة الطالبين ،للعالمة السيد أبي بكر المشهور بالسيد البكري ،الطبعة الرابعة -6
،دار إحياء التراث العربي.
أعالم الموقعين عن رب العالمين ،لشمس الدين أبي عبداهلل محمد بن أبي بكر -7
بن قيم الجوزية ،المتوفى سنة 751هـ) ،تحقيق :محمد محيي الدين
عبدالحميد ،دار الفكر ،بيروت.
اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ،تأليف :الشيخ محمد بن أحمد الشربيني، -8
الناشر :دار المعرفة ،بيروت ،لبنان .
اإلقناع في فقه اإلمام أحمد بن حنبل ،ألبي النجا شرف الدين موسى -9
الحجاوي المقدسي ،المتوفى سنة (968هـ) ،الناشر :دار المعرفة ،بيروت،
توزيع دار البار.
-10اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ،للشيخ شمس الدين محمد بن محمد
الخطيب الشربيني ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
-11األم ،لإلمام محمد بن إدريس الشافعي ،طبعة دار الشعب .
-12اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف على مذهب اإلمام أحمد بن حنبل ،
تأليف :عالء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي ،الطبعة األولى
1377هـ1958/م ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
-13البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،للعالمة زين الدين ابن نجيم الحنفي ،الطبعة
69 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
-37شرح روض الطالب من أسنى المطالب ،لإلمام أبي يحيى زكريا األنصاري
الشافعي ،المكتبة اإلسالمية.
-38شرح الزرقاني على مختصر خليل ،لعبدالباقي الزرقاني ،دار الفكر ،بيروت
1398هـ.
-39شرح الزركشي على مختصر الخرقي في الفقه على مذهب اإلمام أحمد بن
حنبل ،تأليف :شمس الدين محمد عبداهلل الزركشي المصري( ،ت772هـ)،
الطبعة األولى 1410هـ.
-40الشرح الصغير ،تأليف :أحمد بن محمد الدردير ،موجود بهامش بلغة السالك
ألقرب المسالك ،طبعة عام 1398هـ ،عن دار المعرفة للطباعة ،بيروت .
-41الشرح الكبير ،تأليف :أبي البركات أحمد الدردير ،مطبعة دار الفكر ،بيروت.
-42الشرح الكبير على متن المقنع ،للشيخ :شمس الدين أبي الفراج عبدالرحمن
أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت682هـ) ،جامعة اإلمام محمد
بن سعود ،كلية الشريعة ،الرياض.
-43شرح معاني اآلثار ،لإلمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي ،حققه
وعلق عليه :محمد زهري النجار ،الناشر :دار الكتب العلمية ،الطبعة األولى
1399هـ.
-44شرح منتهى اإلرادات ،للشيخ العالمة :منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
(ت1051هـ) ،دار الفكر.
-45صحيح البخاري مع الفتح تصحيح وتعليق وإشراف عبدالعزيز بن عبداهلل بن
باز ،وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي ،نشر إدارات البحوث العلمية واإلفتاء
والدعوة واإلرشاد في المملكة العربية السعودية .
-46صحيح مسلم ،المؤلف :أبي الحسن مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري
(ت261هـ) ،تحقيق وتصحيح :محمد فؤاد عبدالباقي ،نشر وتوزيع :رئاسة
إدارة البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد بالمملكة العربية السعودية،
تاريخ الطبعة (1400هـ1980/م).
-47عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ،تأليف جالل الدين عبداهلل بن
نجم بن شاس ( ،ت616هـ) ،الطبعة األولى 1415هـ1995/م ،دار الغرب
اإلسالمي .
72 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
-48عقد المقاولة ،دراسة مقارنة بين تشريعات الدول العربية ،تأليف محمد
عبدالرحيم عنبر ،طبعة 1977م.
-49عقد المقاولة ،رسالة دكتوراه ،إعداد د .عبدالرحمن بن عايد العابد ،إشراف
األستاذ الدكتور صالح بن عثمان الهليل.
-50الفتاوى الهندية ،المسماة بالفتاوى العالمكيرية للعالمة الشيخ نظام وجماعة
من علماء الهند األعالم ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت الطبعة األولى
1406هـ.
-51فتح الباري شرح صحيح اإلمام أبي عبداهلل محمد بن إسماعيل البخاري،
لإلمام أحمد بن علي بن حجر العسقالني ،نشر وتوزيع :إدارة البحوث العلمية
واإلفتاء والدعوة واإلرشاد.
-52فتح القدير شرح الهداية ،تأليف الشيخ :كمال الدين محمد بن عبدالواحد بن
عبدالحميد السيواسي المعروف بابن همام (ت816هـ) ،الناشر :دار الكتب
العلمية ،بيروت ،لبنان.
-53فتح المعين المطبوع بهامش إعانة الطالبين ،تأليف الشيخ :زين الدين ابن
الشيخ عبدالعزيز بن أحمد الشافعي الملباري ،الناشر :دار إحياء التراث
العرير ،بيروت ،لبنان .
-54فتح الوهاب بشرح منهج الطالب ،ألبي يحيى زكريا األنصاري( ،ت
926هـ) ،دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر.
-55الفروع ،لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي ،المتوفى سنة (763هـ)،
ومعه تصحيح الفروع للمرداوي ،الطبعة الرابعة 1405هـ1985/م ،عالم
الكتب.
-56القواعد في الفقه اإلسالمي ،للحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن رجب الحنبلي،
دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1413هـ.
-57قوانين األحكام الشرعية ،للشيخ :محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي
المالكي ،تحقيق ومراجعة :عبدالرحمن حسن محمود ،الناشر :عالم الفكر،
القاهرة ،الطبعة األولى 1405هـ.
-58الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ،ألبي عمر يوسف بن عبداهلل بن عبدالبر
النمري القرطبي ،تحقيق :محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني ،مكتبة الرياض
73 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
-82مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ،ألبي عبداهلل محمد بن حمد بن
عبدالرحمن المغربي المعروف بالحطاب (ت954هـ) ،الطبعة الثالثة 1412هـ/
1992م ،دار الفكر .
-83الموسوعة الكويتية .
-84نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الشافعي ،تأليف :
شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي،
(ت1004هـ) ،الطبعة الثالثة 1413هـ1992/م ،دار إحياء التراث العربي .
-85الوجيز في فقه اإلمام الشافعي ألبي حامد الغزالي ،دار الباز ،مكة المكرمة.
-86الوسيط في المذهب ،للغزالي ،تحقيق :أحمد محمود ،ومحمد ثامر ،دار
السالم ،الطبعة األولى1417 ،هـ.
-87الهداية ألبي الخطاب الكلوذاني ،الطبعة األولى 1390 ،هـ.
76 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر
فهرس الموضوعات
الصفحة المقدمة
املقدمة 1.................................................................
التمهيد :يف تصرفات املالك الناقلة للملكية يف العني املؤجرة4................
املسألة األوىل :بيع العني املؤجرة 5..........................................
الفرع األول :بيعها للمستأجر 5............................................
الفرع الثاين :بيعها لغري املستأجر 6..........................................
املسألة الثانية :هبة العني املؤجرة 8..........................................
املسألة الثالثة :وقف العني املستأجرة 9.......................................
املسألة الرابعة :الوصية بالعني املؤجرة 10......................................
املسألة اخلامسة :انتفاع املالك بالعني املستأجرة 11.............................
املبحث األول :تأجري املستأجر للعني املؤجرة 12...............................
املطلب األول :تأجريها من مالكها 13........................................
املطلب الثاين :تأجريها من غري مالكها 17.....................................
املبحث الثاين :تأجري املالك للعني املؤجرة 21..................................
املطلب األول :تأجري املالك للعني املؤجرة أثناء ملدة اإلجارة
على مدة تلي مدة اإلجارة األوىل 22..........................
املطلب الثاين :تأجري املالك للعني املؤجرة خالل مدة اإلجارة
من غري املستأجر 25.........................................
املسألة األوىل :وتأجريها من غري املستأجر لالنتفاع 26.........................
املسألة الثانية :تأجريها من غري املستأجر ليحل حمله يف استحقاق األجرة
على املستأجر األول 30.......................................
املبحث الثالث :اإلجارة على اإلجارة يف إجارة األشخاص47..................
املبحث الرابع :الضمان يف اإلجارة على اإلجارة 51...........................
77 اإلجارة على اإلجارة وتطبيقها المعاصر