‫المبحث األول ‪ :‬نشأة الكتابة و أهميتها‬

‫المطلب األول ‪ :‬اختراع الكتابة‬

‫ُتشير دراسات المؤِّر خين إلى أَّن اختراع الكتابة كان في الشرق دون تحديد لتاريخ اختراعها‬
‫ومكان اختراعها بشكل دقيق‪ ،‬ومما ال شَّك فيه هو أَّن اختراع الكتابة إنجاز من أعظم اإلنجازات‬
‫في التاريخ‪ ،‬فهو خطوة دخل فيها اإلنسان عصًر ا جديًد ا ُمنيًر ا بالعالم والمعرفة‪ ،‬فقد بدأ اإلنسان‬
‫مع اختراع الكتابة بالتدوين وتوريث األجيال بشكل كتابٍّي ال شفهٍّي ‪ ،‬وال شَّك أيًض ا أَّن اكتشاف‬
‫الكتابة لم يكن وليَد لحظة واحدة‪ ،‬بل كان نتاَج جهود طويلة على مٍّر العصور التاريخية‪ ،‬حَّت ى‬
‫وصلِت الكتابة إلى ما هي عليه اآلن من الِّد َّقة والتقُّد م‪ ،‬وهذا المقال سيسِّلط الضوء على مراحل‬
‫‪1‬‬
‫تطور الكتابة عبر العصور وسيتناول الحديث عن أهمية الكتابة‪.‬‬
‫أهمية الكتابة‬
‫إَّن للكتابة أهمية كبيرة في تاريخ البشرية‪ ،‬فقد استطاع اإلنسان من خاللها إنشاء مجتمعات‬
‫بشرية متعايشة فيما بينها‪ ،‬وكان للكتابة دور كبير في حفظ نتاج اإلنسان القديم الفكري والثقافي‬
‫والعلمي‪ ،‬وتمَّك ن بالكتابة من تناقل هذا الميراث عبر األجيال البشرية‪ ،‬كما مَّك نِت الكتابة اإلنسان‬
‫القديم من تدوين كِّل األحداث التاريخية الهاَّمة في حياة اإلنسان‪ ،‬فصَّو ر المعارك ورمز إليها‪،‬‬
‫وصَّو ر الملوك والحَّك ام واآللهة والحياة اليومية‪ ،‬ولعَّل الكتابة المسمارية التي ظهرت في‬
‫حضارات بالد ما بين النهرين والكتابة الهيروغليفية التي ظهرت في حضارة مصر القديمة هي‬
‫أقدم أنواع الكتابة في تاريخ اإلنسان ومنها بدأِت الكتابة بالتطور حَّت ى وصلْت إلى شكلها‬
‫‪2‬‬
‫الحالي‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مراحل تطور الكتابة عبر العصور‬
‫في الحديث عن مراحل تطور الكتابة عبر العصور‪ ،‬يمكن القول إَّن ه منذ اختراع الكتابة مَّر ت‬
‫الكتابة بمراحل تطور مختلفة حَّت ى وصلْت إلى شكلها الحالي‪ ،‬إَّن ما وجود هذه المراحل كان‬
‫مترافًقا مع نمِّو عقل اإلنسان وزيادة المعرفة لديه‪ ،‬وفيما يأتي مراحل تطور الكتابة عبر‬
‫العصور‪.‬‬
‫مرحلة الرموز‬
‫تعتبر أولى الكتابات التي تم التعرف عليها هي ما تم تسجيله من قبل بالد ما بين النهرين‪ ،‬حيث‬
‫بدأوا بتسجيل الكتابة من خالل رموز طينية متعددة األشكال‪ ،‬كما وتم الكشف عليها من خالل‬
‫القطع األثرية‪ ،‬والتي تظهر أشكال هندسية مثل المخاريط واألقراص واإلسطوانات التي تحتوي‬
‫على كتابات قديمة يرجع تاريخها إلى ‪ 3000-8000‬سنة قبل الميالد‪ ،‬باإلضافة إلى أن كل‬

‫‪1‬‬
‫د خلف طايع‪ ،‬الحروف األولى‪ :‬دراسة في تاريخ الكتابة‪ ،‬مصر؛ دار ميرت لنشر؛ ‪،2004‬ط‪،1‬ص‪8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪). Writing Systems: A Linguistic Introduction. Stanford‬يناير ‪Geoffrey Sampson (1 1990‬‬
‫مؤرشف من األصل ‪09/10/2023‬اطلع عليه ‪–. ISBN:978-0-8047-1756-4.‬ص‪University Press. 78 .‬‬
‫‪.‬بتاريخ ‪31 -10 -2011‬‬
‫رمز أو شكل يعتبر داللة لشيء ما وخاصًة للبضائع‪ ،‬فمثُال كان رمز المخروط أو الكرة الكروية‬
‫‪3‬‬
‫رمزًا للحبوب وهكذا‪.‬‬

‫الكتابة التصويرية‬
‫يرجع بداية الكتابات التصويرية لبالد ما بين النهرين ومصر لما يقارب ‪ 3000‬سنة قبل‬
‫الميالد‪ ،‬والتي أصبحت تمثيالت تصويرية ورمزية لألشياء‪ ،‬كما وتم تأريخ الصور التوضيحية‬
‫في الصين وهو عبارة عن تطور مستقل منذ حوالي ‪ 1500‬سنة قبل الميالد‪ ،‬ومن ثم أصبحت‬
‫‪4‬‬
‫الكتابات التصويرية والتوضيحية تقليدية وتطورت فيما بعد لتصبح كتابة أيديوغرافي‪.‬‬
‫الكتابة األيديوغرافية‬
‫شرحت هذه المرحلة من الكتابة األشياء بشكل مجرد وتقليدي‪ ،‬حيث لم تستطع من تمثيل األمور‬
‫وتصويرها بشكل واضح‪ ،‬كما وقد استخدمت الرموز في النظام األيديوغرافي في التجريد‪ ،‬وقد‬
‫ظهرت هذه المرحلة في أنظمة الكتابة في الشرق األدنى بسبب اختراع السومريين والبابلين‬
‫واآلشوريين والحوثيين والمصريين لعدة رموز‪ ،‬خالل العصر البرونزي حوالي ‪ 2500‬سنة‬
‫‪5‬‬
‫قبل الميالد‪.‬‬
‫الرسوم المعنوية‬
‫الرسوم المعنوية (باإلنجليزية)‪Logographic:‬والتي تتكون من رموز وأحرف تحمل معاني‬
‫بشكل أوضح من أنظمة الكتابة التي سبقتها‪ ،‬أي أنه استطاعت تمثيل المفاهيم بشكل كامل‪،‬‬
‫ولكنها ال تستخدم أصوات فردية كالتي في علم األصوات‪ ،‬ومن األمثلة عليها لغة الماندرين‬
‫‪6‬‬
‫الصينية‪.‬‬
‫مرحلة األبجدية‬
‫بدأت مرحلة األبجدية حوالي ‪ 1500‬سنة قبل الميالد‪ ،‬وتعتبر المرحلة الرئيسية الثالثة في‬
‫الشرق األدنى القديم والتي نشأت في منطقة لبنان حاليًا‪ ،‬وقد أطلق عليها األبجدية اإلبتدائية‬
‫‪ Proto-Sinaitic‬أو ‪ ،Proto-Canaanite alphabet‬وقد تم إنشاؤها من خالل االستفادة‬
‫من حقيقة أن أصوات أي لغة قليلة وتألفت من ‪ 22‬حرفًا‪ ،‬كل حرف يرمز لصوت واحد‬
‫‪7‬‬
‫وبالتالي مجتمعة بطرق عديدة وتسمح بمرونة عالية في نسخ الكالم‪.‬‬

‫‪ 3‬د عامر سليمان‪ ،‬الكتابة المسمارية ‪49‬ص ‪ /‬وعامر عبد هللا جميلي‪ ،‬الكاتب في بالد الرافدين ص‪/20‬وبشار خليف‪ ،‬دراسات في‬
‫حضارة المشرق العربي ص ‪.60‬‬

‫‪ 4‬يوهانس فريدريش‪ ،‬تاريخ الكتابة‪ ،‬ت‪ .‬سليمان أحمد الضاهر‪ ،‬دمشق؛ منشور الهيئة العامة السورية للكتاب؛ ‪ ،2013‬ص‪.51‬‬
‫‪ 5‬د‪ .‬عامر سليمان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.51‬‬
‫‪ 6‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ ،53‬بتصرف‬
‫‪ 7‬سليمان بن عبد الرحمان بن محمد الذييب‪ ،‬الكتابة في الشرق األدنى القديم ص ‪32‬‬