You are on page 1of 4

‫مقياس الجغرافيا اللغوية‪ /‬السنة أولى ماستر علم اجتماع االتصال ‪ /‬السنة الجامعية ‪0202/0202‬‬

‫األستاذة معمري جميلة‬

‫المحاضرة الثانية‬

‫االهتمام باللغة في الحضارات القديمة‬

‫تدل البحوث القديمة عمى أن الحضارات الشرقية قد اىتمت بالمغة اىتماما كبي ار في مناطق مختمفة من‬
‫العالم ففي القرن العاشر قبل الميالد وذلك قبل بدأ الحضارة الغربية في اليونان كانت بعض األمم الشرقية قد‬
‫طورت معارفيا حول المغة ومن ىؤالء المصريون القدماء والسومريون‪ ،‬األكاديون‪ ،‬الصينيون‪ ،‬الفينقيون‪ ،‬الييود‪،‬‬
‫والينود‪.‬‬

‫المصريون القدماء ‪ :‬يرجع المصريون القدماء نشأة الكتابة إلى اإللو ‪ ، Tho‬أما عمماء المسانيات التاريخية‬
‫يرون أن المغة المصرية القديمة تنتمي إلى الشعبة األفروأسيوية‪ ،‬ويمتد تاريخيا من ‪ 0444‬سنة قبل الميالد إلى‬
‫القرن السابع ميالدي‪ .‬وتتشكل الكتابة المصرية القديمة من خطوط ىيروغميفية والخط الييروغميفي ال يمثل‬
‫الحروف وال يعكس األصوات المنطوقة‪ ،‬بل يستخدم الصور لمتعبير عن األفكار وقد أكدت بعض الدراسات عن‬
‫تغطية األفكار الفرعونية لمحقوق واإلدارة والفمك واإلقتصاد والجغرافيا والرياضيات‪ ،‬أما فيما يخص الدراسات‬
‫المغوية فال تتوفر الوثائق في ىذا الميدان‪ .‬وفي ىذا الخصوص قال الباحث ‪ Mounin‬أنو عند إطالعنا عمى‬
‫األثريات المصرية فإننا ال نجد شيئا تحت عنوان مدرسة أو تعميم‪ ،‬وىذا ما أكده مارسل كوىين في قولو " ان وفرة‬
‫اآلداب المصرية المحفوظة لم تكشف لنا عن وجود مؤلفات نحوية‪ ،‬ولم نعثر إلى حد اآلن إالّ عمى نموذج واحد‬
‫"‪ ،‬وعمى الرغم من ىذا القحط المغوي إالّ أنو ال يمكننا إنكار فضل الفراعنة وىذا ما ذىب إليو ‪ " Meillet‬إن‬
‫الرجال الذين ابتكروا الكتابة وطوروىا كانوا من كبار عمماء المغة وىم الذين ابتدعوا المسانيات"‪.‬‬

‫الفينيقيون ‪ :‬سكن الفينيقيون بالد الشام وأقاموا حضارة عريقة امتدت من القرن الخامس قبل الميالد إلى القرن‬
‫األول ميالدي‪ ،‬واذا كانت األمم السابقة ابتكرت الخطوط الييروغميفية أو المسمارية أو الرمزية‪ ،‬فإن الفينيقيين ىم‬
‫أول من طور الكتابة األبجدية التي تنتمي إلى الفرع الكنعاني الشمالي‪ ،‬والجدير بالذكر أن الكتابة الفينيقية كتابة‬
‫متطورة بالقياس إلى أشكال الكتابة التي عرفتيا المغات السالفة الذكر‪ .‬وقد احدثت ثورة في طريقة الكتابة وغيرت‬
‫المفاىيم القديمة البالية‪ ،‬فيي كتابة صوتية محضة تختمف اختالفا جذريا عن الكتابة الفرعونية والصينية‬
‫والسومرية و زيادة عمى ذلك فال يمثل أي حرف من الحروف إالّ صوتا واحدا‪ .‬والثابت لدى المؤرخين أن الكتابة‬
‫الفينيقية كان ليا أثر كبير عمى نشأة معظم أبجديات العالم وقد تفرعت منيا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة جميع‬
‫األنظمة األلفبائية التي عرفتيا األمم حتى يومنا ىذا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مقياس الجغرافيا اللغوية‪ /‬السنة أولى ماستر علم اجتماع االتصال ‪ /‬السنة الجامعية ‪0202/0202‬‬
‫األستاذة معمري جميلة‬

‫الهنود ‪ :‬بدأ النحاة الينود يفكرون في المسائل المغوية قبل نظرائيم اإلغريق بحقبة زمنية طويمة‪ ،‬ويالحظ الدارس‬
‫لألدب اليندي القديم أنو كان يدور حول مواضيع ذات صبغة دينية أو ميتافيزيقية بحتة وذلك لما كان لميندوسية‬
‫من أثر عميق في نفوس الينود فيم يعتقدون أنيم أصحاب أول ديانة عمى األرض‪ ،‬ويعتقد الينود أن المغة‬
‫اليندية من صنع اإللو إند ار الذي أعطى لكل األشياء والحيوانات أسمائيا‪ .‬لقد ظيرت الدراسات المغوية عند‬
‫الينود لممحافظة عمى النصوص المتمثمة في كتب الفيدا المقدسة وحماية المغة السنسكريتية من التحريف عمما‬
‫أن ىذه النصوص تناقميا الناس بطريقة شفوية قد انحدرت من المرحمة الفيدية حوالي ‪ 0044‬ق‪.‬م ‪ ،‬ثم طرأت‬
‫عمييا عدة تغيرات عبر العصور المتتالية أدت إلى بروز ليجات تختمف عن المغة األولى‪ ،‬ىذا ما دفع النحاة‬
‫الينود إلى دراسة المغة بشكل عام واألصوات بشكل خاص لتمكين أىل ىذه العقيدة من الفيم والنطق الصحيحين‬
‫لمكتب المقدسة في الطقوس والشعائر‪ .‬لقد تفوق الينود في ىذا المجال سواء من الناحية النظرية أو التعميمية‪،‬‬
‫وفي ىذا الشأن قال ليونز ‪ Lyons‬إن التصنيف اليندي لألصوات الكالمية كان تصنيفا مفصال ودقيقا مبنيا‬
‫عمى المالحظة والتجربة ولم يبمغ أحد ما بمغو ىؤالء سواء في أوروبا أو غيرىا قبل أواخر القرن التاسع عشر‬
‫ميالدي‪ ،‬بل إن كثير من الدراسات تؤكد أن أوروبا ىي التي تأثرت بالبحوث الصوتية اليندية القديمة التي قام‬
‫بترجمتيا بعض الباحثين الغربيين‪ ،‬وقد ذىب بعض الباحثين الغربيين إلى القول بأن البحوث اليندية قد انتظمت‬
‫في فروع مستقمة‪ ،‬لكل منيا أىداف ومناىج خاصة كالمسانيات العامة والنحو الوصفي‪ ،‬والفونتيك والفونولوجيا‬
‫والمرفولوجيا والداللة وقد تفوق العمماء الينود خاصة في مجال الصوتيات والصرف‪.‬‬

‫اإلغريق ‪ :‬في القرن السادس قبل الميالد بدأ الفكر اإلغريقي يتبمور في جميع الميادين وقد لعبت العبقرية‬
‫اإلغريقية دو ار عظيما في بناء الحضارة اإلنسانية الحديثة ويكمن اليدف من وراء تعميم النحو عند اإلغريق في‬
‫تمقين المتعمم فنون الكالم والكتابة ولقد عرف من ىؤالء النحاة أنيم أولعوا بالنظر العقمي والمنطقي في المغة‬
‫والنحو وىذا ما قالو عنيم ‪ Lyons‬اعتبروا النحو جزءا ال يتج أز من الفمسفة وبالتالي من البحث العام في طبيعة‬
‫العالم الذي يحيط بيم والنواميس االجتماعية التي تتحكم فييم‪ .‬ومن المسائل المثيرة لمجدل والذي دام لعدة قرون‬
‫بين عمماء اإلغريق حول نشأة المغة وأدى بيم إلى االنقسام إلى فريقين الطبيعيون و واالصطالحيون يرى الفريق‬
‫األول وعمى رأسو أفالطون أن المغة من صنع الطبيعة أي أنيا صادرة من أصل تحكمو قوانين خالدة غير قابمة‬
‫لمتغيير وأخذت بيذا مدرسة الشذوذيين و عمى رأسيا قراطيس ‪ Krates‬ومدرسة الرواقيين ومؤسسيا زينون‬
‫‪ Zenon‬حوالي ‪ 044‬ق‪.‬م ‪ ،‬أما الفريق الثاني الذي يتزعمو أرسطو فيؤكد عمى أن المغة من قبيل االصطالح‬
‫أي أنيا وليدة العرف والتقميد والتزم بيذا الرأي أرستراخوس ‪ Ariastrachos‬و األبيقوريون وعمى رأسيم أبيقور‬

‫‪2‬‬
‫مقياس الجغرافيا اللغوية‪ /‬السنة أولى ماستر علم اجتماع االتصال ‪ /‬السنة الجامعية ‪0202/0202‬‬
‫األستاذة معمري جميلة‬

‫‪ . Epicure‬لقد قام عدد من عمماء اإلغريق بدراسة مظاىر النحو والصرف في المغة اإلغريقية القديمة أمثال‬
‫بروتاغوراس ‪ protagoras‬إذ بدأ التفكير في المسائل المغوية في القرن الخامس قبل الميالد‪ ،‬وقيل أنو أول من‬
‫قام بتمييز األجناس ‪ Genres‬الثالثة في المغة اإلغريقية ( المذكر والمؤنث والوسط ) وقسم الجمل إلى أنواع‬
‫أما أفالطون فقد كانت لو‬
‫حسب الوظائف الداللية العامة لمتراكيب النحوية مثل اإلثبات واألمر والسؤال والتمني ‪ّ .‬‬
‫إنجازات ىامة في البحث المغوي حيث درس ظاىرة االقتراض والتداخل المغوي ّ‬
‫وبين وجود أصل أجنبي لعدد كبير‬
‫من المفردات اإلغريقية وقسم الجممة إلى أسمية وفعمية وحسب أفالطون فإن الكممات ظيرت لتمبي حاجات‬
‫اإلنسان الضرورية لمتواصل‪ .‬ويعتبر أرسطو من أشير تالميذ أفالطون وأصبح يعرف بأب القواعد الغربية وقد‬
‫خالف أستاذه في األمور كثيرة منيا النظرة الفمسفية لمكون وأصل المغة وطبيعتيا وعمى عكس أستاذه فإنو لم يقم‬
‫بدراسة أصول الكممات ومعانييا ألن قضية المعنى األصمي بدت لو غير ميمة عمى اإلطالق وذلك العتقاده بأن‬
‫المغة وليدة االصطالح والعرف والتقميد ‪ .‬كما اكتشف صيغ الفعل المختمفة في المغة اإلغريقية ( الماضي‬
‫الحاضر والمستقبل ) ‪ ،‬كما مزج بين النحو والمنطق وصار التقسيم المنطقي إلى تصورات ما يناظره في التقسيم‬
‫النحوي إلى مفردات وجمل وأصبح لممقوالت األرسطية الشييرة ما يقابميا في التقسيم النحوي إلى مفردات وجمل ‪.‬‬
‫فالجوىر يقابمو االسم والكيف يقابل الصفة والكم يقابل العدد الخ‪ ...‬كما ركز في دراستو عمى مبدأ التعريف‬
‫والتعميل في حقل المغة وكانت غايتو من ذلك معرفة ماىية األشياء وتحديد معانييا‪ .‬لقد نظر النحاة اإلغريق إلى‬
‫ا لعمم من منظور فمسفي ميتافيزيقي فاصطبغت قواعدىم بصيغة عقالنية واىتموا بوصف لغة أجدادىم فأحسنوا‬
‫الوصف وال يزال تأثير النحو اإلغريقي متواصال إلى يومنا إذ ال تزال المسانيات الحديثة تستعمل المصطمحات‬
‫التي وردت في ىذا النحو القديم ‪.‬‬

‫الرومان ‪ :‬لقد قيل منذ القدم أن اإلغريق يؤمنون بالفمسفة والمثالية وأن الرومان يؤمنون بالواقعية والمنفعة المادية‬
‫ومع ىذا فقد انبير الرومان بالتراث اإلغريقي ففي القرن الثاني قبل الميالد ظيرت حركة نشطة شجعيا الحكام‬
‫الرومان بالمال‪ ،‬حممت عمى عاتقيا ترجمة كل األعمال النحوية واألدبية والفمسفية والثقافية من المغة اإلغريقية‬
‫إلى المغة الالتينية‪ .‬وتذكر الروايات التاريخية أن أول من أدخل الدراسات المغوية الى الرومان ىو قراطيس الذي‬
‫جاء إلييا في بعثة سياسية في منتصف القرن الثاني قبل الميالد ثم مكث فييا ينشر العمم اإلغريقي ولقد شيدت‬
‫ىذه الفترة تدفق عدد كبير من الفالسفة‪ .‬عرفت الحضارة الرومانية عددا من المغويين نذكر منيم كونتمين واليوس‬
‫دوناتوس ومكروبيوس وبريسيان وعمى رأسيم فارون ‪ Varro‬الذي يعتبر أول مؤلف روماني إذ ألف عمال ضخما‬
‫من ستة وعشرون جزء بعنوان المغة الالتينية تناول فيو كل القضايا النحوية‪ ،‬قسميا إلى ثالث مواضيع رئيسية‬

‫‪3‬‬
‫مقياس الجغرافيا اللغوية‪ /‬السنة أولى ماستر علم اجتماع االتصال ‪ /‬السنة الجامعية ‪0202/0202‬‬
‫األستاذة معمري جميلة‬

‫عمم التراكيب ‪ Syntax‬وعمم الصرف ‪ Morphologie‬وعمم أصول الكممات ‪ . Etymologie‬وخالصة القول‬


‫أن كتب النحو في المغة الالتينية كانت تتبع النحو اإلغريقي إذ كانت تقسم إلى ثالثة أجزاء الجزء األول يحدد فيو‬
‫الغرض من النحو بأنو يعنى بصحيح الكال م ويعالج الجزء الثاني أقسام الكالم والتغيرات التي تخضع ليا حسب‬
‫أما الجزء الثالث فيتضمن مناقشات حول األسموب الجيد‬
‫الصيغة الزمنية والجنس والعدد والحالة اإلعرابية‪ّ ،‬‬
‫والسيء وتحذيرات من األخطاء الشائعة ونماذج من فنون البالغة‪.‬‬

‫المصادر ‪:‬‬

‫‪ )0‬مومن أحمد‪ ،‬المسانيات النشأة والتطور‪ .‬الجزائر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.0440 ،‬‬

‫‪2) Mounin George, Histoire de la linguistique des origines au XXe siècle.‬‬


‫‪France, Puf, 1967.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like