Professional Documents
Culture Documents
وقد وضع يف طريق الغار اسرتاحة بدائية جللوس الصاعدين إىل اجلبل والنازلني من عليه ،ويستطيعون يف هذا
املكان أن يلتقطون أنفاسهم ويروون ظمأهم ،وهناك العديد من احملاوالت الدائمة واملستمرة ؛ لتعبيد الطريق
من وإىل الغار مبشاركة بعض املتطوعني الذين يقومون بأعمال الصيانة والتعبيد ،كما ميكن للوافدين على الغار
أن يشرتوا بعض الصور التذكارية ملعامل املكان ،فالغار منطقة أثرية يتوافد عليها املسلمون من مجيع أحناء
العامل .
والسيدة عائشة كانت تقول أن حب اعتكاف الرسول بالغار جاء بعد الرؤيا الصادقة ؛ أي قبل البعثة بستة
أشهر ،وهذا خيتلف مع رواية ابن اسحاق الذي قال فيها أن الرسول كان يعتكف يف غار حراء شهر رمضان
من كل سنة قبل الرؤيا ،وغالب األمر أن الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم كان خيتلي بنفسه شهًر ا يف السنة قبل
البعثة بعدة سنوات ،ويتضح هذا من رواية عبيد بن عمري يف ابن إسحاق حني قال:
“َفَك اَن َرُس وُل اِهلل صلى اهلل عليه وسلم َجُياِو ُر َذِلَك الَّش ْه َر ِم ْن ُك َّل َس َنٍة ُيْطِعُم َمْن َج اَءُه ِم َن اْلَم َس اِكني ،ولكن
يف الشهور الستة األخرية ُح ِّبب إليه اخلالء كما تقول عائشة رضي اهلل عنها.
“َو َك اَن َص َنَم اِن ِم ْن َحُناٍس ُيَق اُل ُهَلَم اِ :إَس اُف َو َناِئَلُةَ .فَطاَف َرُس وُل اِهلل صّل اهلل عليه وسلم -أي بالكعبة-
َو ُطْف ُت َم َعُه َ ،فَلَّم ا َم ْر ُت َم ْحُت ِبِه َفَق اَل َرُس وُل اِهلل ص اهلل عليه وسلمَ“ :ال َمَتَّس ُه”َ .و ُطْف َنا َفُقْلُت يِف
ّل َس َر
َنْف ِس يَ :ألَم َّس َّنُه َأْنُظُر َم ا َيُقوُل َ .فَم َس ْح ُتُه َ ،فَق اَل َرُس وُل اِهلل صّل اهلل عليه وسلمَ“ :ال َمَتَّس ُه َأْمَل ُتْنَه؟” َقاَل :
ِه ِك ِب ِذ ِه ِك ِذ
َفَو اَّل ي َأْك َر َم ُه َو َأْنَز َل َعَلْي اْل َتاَب َم ا اْس َتَلَم َص َنًم ا َح ىَّت َأْك َر َم ُه اَّل ي َأْك َر َم ُه َ ،و َأْنَز َل َعَلْي اْل َتاُب
فكان ّص ل اهلل عليه وسلم يذهب إىل الغار ليتفَّك ر يف خالق هذا الكون ،ويتعبد له دون أن يعلم به أو يراه،
فقد فطر قلبه على اإلميان والبعد عن املعاصي واملكفرات ،لكنه مل يكن يدري كيف يعبد اهلل ،وال على أي
شريعة ،ويتضح هذا من قوله عزوجل{َو َو َج َد َك َض اًّال َفَه َد ى} [الضحى. ]7 :
وقد كان هذا االختالء يف الغار يريح نفس الرسول ،فينظر للكعبة من بعيد ويتذكر قصتها ،وقد كانت
قريش تعلم علم اليقني بوجود اهلل ،فهم مل يدعوا أهنم غري موجود ،ولكنهم لتخذه معه أصنامهم آهلة أخرى
للتقرب من اهلل ،وملا كانت ديانة سيدنا إبراهيم قد اندثرت نأى سيدنا حممد بنفسه عن وحل األصنام وعبسها
،وابتعد عن شرائع النصرانية واليهود ،ولعل هذا من حفظ اهلل حىت ال يقال أنه نقل عنها شيء ،وأن ما أنزل
إليه احلق.
موقف خديجة بنت خويلد رضي اهلل عنها من خلوة الرسول :
ضربت السيدة خدجية رضي اهلل عنها أروع األمثلة للسيدة الصاحلة اليت توأزر زوجها وتقف إىل جواره ،فقد
كانت تقف إىل جوار الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم يف خلوته ،وتشجعه عليها رغم أن هذا كان أمًر ا مستغرًبا
يف مكة ،ورغم أن الغار كان يف مكان موحش ،ولكنها كانت تثق بقرارات زوجها ،ورغم غيابه الكثري
عليها مل تنهه عن اخللوة ،بل كانت ُتَش ِّج عه وُتسانده ،وهذه يف احلقيقة صفة مهمة صفات الزوجة الصاحلة ،
حيث تقف مع زوجها فيما يريد ،وُتَؤ ِّيده وُتَش ِّج عه ،وتكون عضًد ا له يف اختياراته ،فهذا من أفضل األمور
اليت تقوي الرابطة بني الرجل وزوجته.