You are on page 1of 4

‫بحث عن‬

‫إعداد الطالب ‪ :‬فارس عبد العزيز الرشيدي‬


‫قصة النبي وغار حراء‬
‫إذا ذكر نزول القرآن الكرمي ذكر غار حراء ‪ ،‬ذلك املكان املبارك الذي كان يتعبد فيه الرسول ّص ل اهلل عليه‬
‫وسلم يف شهر رمضان من كل عام حىت قبل الرؤيا ونزول القرآن ‪ ،‬وللغار مكانة دينية عظيمة يف نفوس‬
‫املسلمني ؛ ألن ذكره ارتبط بذكر الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ونزول الوحي على سيدنا حممد به ‪ ،‬ويعرف‬
‫هذا الغار جببل النور وهو يبعد عن املسجد احلرام مسافة أربعة كيلومرتات تقريًبا ‪.‬‬

‫موقع الغار ‪:‬‬


‫الغار عبارة عن حفرة موجودة يف اجلبل ‪ ،‬يقع باهبا ناحية الشمال ‪ ،‬ويبلغ طوهلا أربعة أذرع ‪ ،‬أما عرضها فيبلغ‬
‫ذراع وثالثة أرباع ‪ ،‬وهي تتسع خلمسة أشخاص يف نفس الوقت ‪ ،‬وميكن للواقف على اجلبل أن يرى مكة‬
‫املكرمة ‪ ،‬حيث يقع الغار يف شرق مدينة مكة املكرمة أعلى جبل النور ‪ ،‬وهو جبل شديد الوعورة واالحندار ‪.‬‬

‫وقد وضع يف طريق الغار اسرتاحة بدائية جللوس الصاعدين إىل اجلبل والنازلني من عليه ‪ ،‬ويستطيعون يف هذا‬
‫املكان أن يلتقطون أنفاسهم ويروون ظمأهم ‪ ،‬وهناك العديد من احملاوالت الدائمة واملستمرة ؛ لتعبيد الطريق‬
‫من وإىل الغار مبشاركة بعض املتطوعني الذين يقومون بأعمال الصيانة والتعبيد ‪ ،‬كما ميكن للوافدين على الغار‬
‫أن يشرتوا بعض الصور التذكارية ملعامل املكان ‪ ،‬فالغار منطقة أثرية يتوافد عليها املسلمون من مجيع أحناء‬
‫العامل ‪.‬‬

‫رهبة الغار ‪:‬‬


‫يعد الغار منحدر شديد الوعورة أعلى جبل النور ‪ ،‬وهو ليس باملكان اآلهل ‪ ،‬لذا كان يعد من األماكن املرعبة‬
‫ألهل مكة ‪ ،‬فكان يبتعدون عنه وينأون بنفسهم عن خطره ‪ ،‬وهذا عكس ما فعل رسولنا الكرمي فقد اختلف‬
‫معهم يف طرقهم وأعرافهم وخلق لنفسه طريًق ا أخر يسلكه وهذا ما حتمله كلمة عائشة رضي اهلل عنها بقوهلا ‪:‬‬
‫“ُح ِّبَب ِإَلْيِه اَخلَالُء”‪ .‬أي أَّن اهلل عزوجل َح َّبب إليه أمًر ا ال حيُّبه الناس يف املعتاد‪.‬‬
‫الرسول والخلوة بالغار ‪:‬‬
‫ُر وي عن السيدة عائشة أهنا قالت أن الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم كان حمٌبب إليه اخلالء بالغار لفرتات‬
‫طويلة ‪ ،‬فكان يتزود بالطعام والشراب ‪ ،‬ويعطي للمساكني الذين يذهبون إليه ؛ حيث كانت تقول السيدة‬
‫عائشة رضي اهلل عنها ‪َّ“ :‬مُث ِّب ِإَل ِه ا َال ‪َ ،‬ك اَن ْخَيُلو ِبَغاِر ِح اٍء َت َّنُث ِفيِه ‪ -‬الَّت ُّبُد ‪ -‬الَّل ا َذ اِت‬
‫َي َيِل َو‬ ‫َو ُه َو َع‬ ‫َر َفَي َح‬ ‫ُح َب ْي َخْل ُء َو‬
‫اْلَعَد ِد َقْبَل َأْن َيْنِز َع ِإىَل َأْه ِلِه َو َيَتَز َّو ُد ِلَذ ِلَك ‪َّ ،‬مُث َيْر ِج ُع ِإىَل َخ ِدَجيَة َفَيَتَز َّو ُد ِلِم ْثِلَه ا ‪َ ،‬ح ىَّت َج اَءُه اَحْلُّق ”‪.‬‬

‫والسيدة عائشة كانت تقول أن حب اعتكاف الرسول بالغار جاء بعد الرؤيا الصادقة ؛ أي قبل البعثة بستة‬
‫أشهر ‪ ،‬وهذا خيتلف مع رواية ابن اسحاق الذي قال فيها أن الرسول كان يعتكف يف غار حراء شهر رمضان‬
‫من كل سنة قبل الرؤيا ‪ ،‬وغالب األمر أن الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم كان خيتلي بنفسه شهًر ا يف السنة قبل‬
‫البعثة بعدة سنوات ‪ ،‬ويتضح هذا من رواية عبيد بن عمري يف ابن إسحاق حني قال‪:‬‬

‫“َفَك اَن َرُس وُل اِهلل صلى اهلل عليه وسلم َجُياِو ُر َذِلَك الَّش ْه َر ِم ْن ُك َّل َس َنٍة ُيْطِعُم َمْن َج اَءُه ِم َن اْلَم َس اِكني ‪ ،‬ولكن‬
‫يف الشهور الستة األخرية ُح ِّبب إليه اخلالء كما تقول عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫سبب الخلوة ‪:‬‬


‫كان الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم يبغض األصنام اليت يعبدها قومه ‪ ،‬وُيدرك أهنا ليست الطريقة السليمة‬
‫للوصول إىل اهلل عزوجل ‪ ،‬وقد ظهر هذا البغض لألصنام يف قصة حياة الرسول الكرمي قبل أن يبشر بالنبوة ‪،‬‬
‫ويشهد هلذا موقفه مع زيد بن حارثة رضي اهلل عنه ‪ ،‬وكان هذا قبل البعثة ‪ ،‬فعن زيد بن حارثة رضي اهلل عنه‬
‫قال‪:‬‬

‫“َو َك اَن َص َنَم اِن ِم ْن َحُناٍس ُيَق اُل ُهَلَم ا‪ِ :‬إَس اُف َو َناِئَلُة‪َ .‬فَطاَف َرُس وُل اِهلل صّل اهلل عليه وسلم ‪-‬أي بالكعبة‪-‬‬
‫َو ُطْف ُت َم َعُه ‪َ ،‬فَلَّم ا َم ْر ُت َم ْحُت ِبِه َفَق اَل َرُس وُل اِهلل ص اهلل عليه وسلم‪َ“ :‬ال َمَتَّس ُه”‪َ .‬و ُطْف َنا َفُقْلُت يِف‬
‫ّل‬ ‫َس‬ ‫َر‬
‫َنْف ِس ي‪َ :‬ألَم َّس َّنُه َأْنُظُر َم ا َيُقوُل ‪َ .‬فَم َس ْح ُتُه ‪َ ،‬فَق اَل َرُس وُل اِهلل صّل اهلل عليه وسلم‪َ“ :‬ال َمَتَّس ُه َأْمَل ُتْنَه؟” َقاَل ‪:‬‬
‫ِه ِك‬ ‫ِب ِذ‬ ‫ِه ِك‬ ‫ِذ‬
‫َفَو اَّل ي َأْك َر َم ُه َو َأْنَز َل َعَلْي اْل َتاَب َم ا اْس َتَلَم َص َنًم ا َح ىَّت َأْك َر َم ُه اَّل ي َأْك َر َم ُه ‪َ ،‬و َأْنَز َل َعَلْي اْل َتاُب‬

‫فكان ّص ل اهلل عليه وسلم يذهب إىل الغار ليتفَّك ر يف خالق هذا الكون ‪ ،‬ويتعبد له دون أن يعلم به أو يراه‪،‬‬
‫فقد فطر قلبه على اإلميان والبعد عن املعاصي واملكفرات ‪ ،‬لكنه مل يكن يدري كيف يعبد اهلل ‪ ،‬وال على أي‬
‫شريعة ‪ ،‬ويتضح هذا من قوله عزوجل{َو َو َج َد َك َض اًّال َفَه َد ى} [الضحى‪. ]7 :‬‬
‫وقد كان هذا االختالء يف الغار يريح نفس الرسول ‪ ،‬فينظر للكعبة من بعيد ويتذكر قصتها ‪ ،‬وقد كانت‬
‫قريش تعلم علم اليقني بوجود اهلل ‪ ،‬فهم مل يدعوا أهنم غري موجود ‪ ،‬ولكنهم لتخذه معه أصنامهم آهلة أخرى‬
‫للتقرب من اهلل ‪ ،‬وملا كانت ديانة سيدنا إبراهيم قد اندثرت نأى سيدنا حممد بنفسه عن وحل األصنام وعبسها‬
‫‪ ،‬وابتعد عن شرائع النصرانية واليهود ‪ ،‬ولعل هذا من حفظ اهلل حىت ال يقال أنه نقل عنها شيء ‪ ،‬وأن ما أنزل‬
‫إليه احلق‪.‬‬

‫خلوة الرسول بعد البعثة ‪:‬‬


‫وبعد البعثة مل يعد الرسول خيتلي بغار حراء ‪ ،‬ولكنه كان يعتكف يف العشر األواخر من شهر رمضان باملدينة ‪،‬‬
‫وكأنه فعل ذلك ليعطي درًس ا مهما للدعاة ليقوموا بعملهم وخيالطوا الناس ‪ ،‬ويف نفس الوقت حيافظوا على‬
‫نقاء سريرهتم باالختالء ولو أيام معدودة يف السنة ؛ لكي يعيدوا فيها ترتيب أوراق حياهتم ويصلحوا من‬
‫أنفسهم ؛ حىت يستطيعوا بعدها إصالح اجملتمع‪.‬‬

‫موقف خديجة بنت خويلد رضي اهلل عنها من خلوة الرسول ‪:‬‬
‫ضربت السيدة خدجية رضي اهلل عنها أروع األمثلة للسيدة الصاحلة اليت توأزر زوجها وتقف إىل جواره ‪ ،‬فقد‬
‫كانت تقف إىل جوار الرسول ّص ل اهلل عليه وسلم يف خلوته ‪ ،‬وتشجعه عليها رغم أن هذا كان أمًر ا مستغرًبا‬
‫يف مكة ‪ ،‬ورغم أن الغار كان يف مكان موحش ‪ ،‬ولكنها كانت تثق بقرارات زوجها ‪ ،‬ورغم غيابه الكثري‬
‫عليها مل تنهه عن اخللوة ‪ ،‬بل كانت ُتَش ِّج عه وُتسانده ‪ ،‬وهذه يف احلقيقة صفة مهمة صفات الزوجة الصاحلة ‪،‬‬
‫حيث تقف مع زوجها فيما يريد ‪ ،‬وُتَؤ ِّيده وُتَش ِّج عه ‪ ،‬وتكون عضًد ا له يف اختياراته ‪ ،‬فهذا من أفضل األمور‬
‫اليت تقوي الرابطة بني الرجل وزوجته‪.‬‬

You might also like