Professional Documents
Culture Documents
تتألق مدينة القدس بسحرها التاريخي والروحي ،مشكلًة نقطة عظيمة على خريطة العالم ،حيث تتقاطع
فيها األديان والثقافات والتاريخ بطريقة فريدة .إن فهم أهمية القدس يفتح أبواب االستكشاف العميق
لمفاهيم التدين والتاريخ والتنوع الثقافي .يأخذنا هذا البحث في رحلة استكشاف لتسليط الضوء على تأريخ
.القدس وأبعادها الدينية والثقافية
يعود تاريخ مدينة القدس ألكثر من خمسة آالف سنة ،مما يجعلها واحدة من أقدم المدن في العالم .ارتبطت بأسماء متعددة تكشف
عن عمق تاريخها ،حيث ُسميت بـ "أورساليم" من قبل الكنعانيين في األلف الثالثة قبل الميالد ،معناها "مدينة السالم" أو "مدينة
اإلله ساليم" .ومن هذه التسمية اشتقت كلمة "أورشليم" بالعبرية ،والتي ُتنطق "يروشاليم" ،وتعني "البيت المقدس" ،وعرفت
باسم إيلياء ،وكانت تعني "بيت هللا" .وقام الكنعانيون بأعمال هامة في القدس ،بما في ذلك حفر نفق لضمان وصول المياه من
.نبع جيحون في وادي قدرون ،المعروف اليوم بعين سلوان
تاريخ مدينة القدس ُيقّد ر بحوالي 38,000سنة أو حوالي 6,000سنة وترجع أصولها إلى عهد النبي إبراهيم عليه السالم في
فترة تزامنت مع حوالي سنة 1850ق.م .مدينة القدس تبرز بموقع جغرافي مركزي يجمع طرق التجارة ،وتقع وسط األراضي
الفلسطينية على تالل صخريةُ ،محاطة بأربع مرتفعات تشمل جبل موريا وجبل صهيون وجبل أكرا وجبل بزيتا .تقسم القدس
.إلى قسمين رئيسيين :القدس الشرقية ،المدينة القديمة ،والقدس الغربية ،المدينة الجديدة التي تضم العديد من المعالم الحديثة
تأثير الحضارات المختلفة على القدس لم يقتصر على البنى المادية فقط ،بل امتد إلى الجوانب الثقافية والدينية .ازدهرت
المدينة كمركز ديني وثقافي .شهدت القدس تعاقًبا للحضارات الفلسطينية ،البابلية ،الفارسية ،الهيلينية ،والرومانية ،مما أضفى
.عليها تنوًع ا فريًد ا
تألقت القدس بشكل خاص خالل العصور الوسطى ،حيث تأثرت بالحضارة اإلسالمية خالل الفتوحات اإلسالمية .وفي القرون
.الالحقة ،تناوبت بين السيطرة اإلسالمية والصليبية ،ما أضفى عليها طابًع ا مميًز ا
مع تحوالت العصور الحديثة ،شهدت القدس تأثيرات التوسع العثماني واالستعمار األوروبي ،مما أضفى عليها تحوالت
اجتماعية واقتصادية .ولكن ،رغم التحوالت الكثيرة ،استمرت مدينة القدس في االحتفاظ بروحها الدينية والثقافية المميزة،
.وتظل شاهدة على تنوع تاريخها الغني وتأثيرات الحضارات المختلفة التي عاشتها
يقع مبنى المسجد األقصى المبارك أو ما يعرف بالمسجد القبلي في الجهة الجنوبية من المسجد األقصى ،الذي تبلغ مساحته
142دونما ،أما مساحة مبنى المسجد القبلي فتبلغ 4500متر مربع ،شرع في بنائه الخليفة عبد الملك بن مروان األموي،
وأتمه الوليد بن عبد الملك سنة 705م ،ويبلغ طوله 80مترًا ،وعرضه 55مترًا ،ويقوم اآلن على 53عمودًا من الرخام و
49سارية مربعة الشكل .وكانت أبوابه زمن األمويين مصفحة بالذهب والفضة ،ولكن أبا جعفر المنصور أمر بخلعها
.وصرفها دنانير تنفق على المسجد ،وفي أوائل القرن الحادي عشر ،أصلحت بعض أجزائه وصنعت قبته وأبوابه الشمالية
وعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 1599م ،جعلوا قسما منه كنيسة ،واتخذوا القسم اآلخر مسكنا لفرسان الهيكل،
ومستودعا لذخائرهم ،ولكن صالح الدين األيوبي عندما استرد القدس الشريف منهم ،أمر بإصالح المسجد وجدد محرابه ،وكسا
قبته بالفسيفساء ،ووضع منبرًا مرصعًا بالعاج مصنوع من خشب األرز واألبنوس على يمين المحراب ،وبقى حتى تاريخ
21/8/1969م ،وهو التاريخ الذي تم فيه إحراق المسجد األقصى من قبل يهودي يدعى "روهان" ،وبلغ الجزء المحترق من
.المسجد 1500م،أي ثلث مساحة المسجد اإلجمالية
ُسْبَح اَن اَّلِذ ي َأْسَر ٰى ِبَعْبِدِه َلْياًل ِم َن اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم ِإَلى اْلَم ْس ِج ِد اَأْلْقَص ى اَّلِذ ي َباَر ْكَنا َح ْو َلُه ِلُنِر َيُه ِم ْن آَياِتَناۚ ِإَّنُه ُهَو الَّسِم يُع
.اْلَبِص يُر ﴿ ﴾١اإلسراء
بدأت اآلية الكريمة بإفادة مهمة ومعجزة تلفت االنتباه نحو قدرة هللا عز وجل .وبحسب رأي المفسرين ،كلمة(ُسْبَح اَن ) تعبر عن
.أن هللا تعالى خاٍل تماًم ا من الصفات المعيبة .كما أنها تستخدم لإلبداء عن اإلعجاب بصفاته تعالى
وكما هو موضح أن المسجد األقصى وما حوله مبارك ينعم باألنهار والخضرة من حوله فهو مبارك دينًا ودنيويا عاش على
.أرضه الكثير من األنبياء ولذلك أصبح مكان نزول الوحي
وبورك أيضا بسبب حادثة اإلسراء وفي هذه الرحلة أظهر هللا تعالى لنبيه وعبده محمد صلى هللا عليه وسلم حوادث عجيبة
.ورائعة
.وبعث هللا تعالى األنبياء إلى المسجد األقصى ليصلي فيهم رسولنا محمد صلى هللا عليه وسلم أمامًا
إن الصالة في المسجد الحرام تعادل مئة ألف صالة في غيره وإن الصالة في المسجد النبوي الشريف تعادل ألف صالة في
.غيره وإن الصالة في المسجد األقصى تعادل خمسمائة صالة في غيره
عن ابي الدرداء عن النبي صلى هللا عليه وسلم :أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإمائهم إلى منتهى الجزيرة مرابطين
.في سبيل هللا ،فمن احتل منها مدينة فهو في رباط ،ومن احتل منها ثغرًا من الثغور فهو في جهاد
رواه الطبراني وإسناده ضعيف ألن الراوي عن أبي الدرداء مجهول
رابعا :رافق النبي صلى هللا عليه وسلم ليلة اإلسراء جبريل ،وهو من مالئكة هللا عز وجل ،وقد ثبت ذلك في األحاديث ،ففي
الكتب الصحاح جاء انه صحب النبي صلى هللا عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ،ودخلها من بابها اليماني ،وورد انه ربط
في سور المسجد دابته ( البراق) ،كما روي عن شداد بن أوس ،وقد عرف الباب اليماني فيما بعد بباب المغاربة) :حين بني
الملك األفضل بن صالح الدين جامعا للمغاربة بجوار مريط البراق ،وقرب الباب الذي دخله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،
.وسمي حائط السور بحائط البراق
.خامسًا :اعتبرت القدس المدينة الثالثة في اإلسالم ،واعتبر المسجد األقصى ثالث الحرمين الشريفين
:حدث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال
متفق عليه((.ال تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد ،المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد األقصى))
:هللا تعالى يقول
ِ.إَّن َأَّوَل َبْيٍت ُوِضَع ِللَّناِس َلَّلِذ ي ِبَبَّك َة ُمَباَر ًك ا َو ُهًدى ِلْلَع اَلِم يَن ﴿ ﴾٩٦آل عمران
عن أبي ذر رضي هللا عنه قال :قلت :يا رسول هللا ،أي مسجد وضع أول؟ قال( :المسجد الحرام) .قلت :ثم أي؟ قال( :ثم المسجد
األقصى) .قلت :كم كان بينهما؟ قال( :أربعون ،ثم قال :حيثما أدركتك الصالة فصل ،واألرض لك مسجد) رواه الشيخان واللفظ
.للبخاري
ومما ال شك فيه أن مكانة القدس كقبلة المسلمين األولى أعطاها مكانة روحية عظيمة في نفوس المسلمين ،والتي ظلت على مدى
ستة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر شهرا -على اختالف الروايات بعد هجرة النبي محمد صلى هللا عليه وسلم إلى المدينة
القبلة التي توجه إليها الرسول صلى هللا عليه وسلم قبل التحول إلى مكة ،وكان ذلك بأمر من هللا في السنة الثانية من الهجرة
بدليل قوله تعالى ( :قد نرى تقلب وجهك في السماء فلتولينك قبلة ترضاها قول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنُتم قولوا
.وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب لَيْع َلُم وَن َأَّنُه الَح ُّق ِم ن َر ِّبِهْم َو َم ا هللا يغافل عما يْع َم ُلوَن ) (البقرة )١٤٤ :
واستنادا إلى هذه األصول العقائدية ،والمرتكزات الروحية لمكانة القدس في العقيدة اإلسالمية ،ترتبت فضائل كثيرة لبيت
المقدس جعلت منه محط أنظار العالم أجمع ،والعالم اإلسالمي والعربي بشكل خاص ،ألنه يشكل جزءا كبيرا من الهوية
اإلسالمية ،فبيت المقدس جوهر ال يمكن فصله عن قضية فلسطين ،وعليه ليست قضية فلسطين خاصة بمن ولد على أرض
فلسطين دون النظر إلى دينه وعقيدته ،بل هي قضية إسالمية تخص المسلمين أينما ولدوا ،وحيثما وجدوا
القدس ومكانتها التاريخية
عند الحديث عن القضية الفلسطينية فإن قدس األقداس لها النصيب األكبر في هذه القضية ،وهي المحور األساس لها ،فالقدس
مدينة قديمة قدم التاريخ ،ويؤكد مؤرخون أن تحديد زمن بناء القدس غير معروف ويرتبط بداية وجودها بالمسجد األقصى الذي
بني بعد المسجد الحرام بـ ( ) ٤٠عاما ،وتذكر المصادر التاريخية أن القدس كانت صحراء خالية منذ نشأتها ،وهي ارض عربية
بداية فقد كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية قبل الميالد بنحو ثالثة آالف عام ،واستقرت على
الضفة الغربية لنهر األردن ،ووصل امتدادها إلى البحر المتوسط ،وسميت األرض من النهر إلى البحر ،باألرض كنعان ،وأنشأ
.هؤالء الكنعانيون مدينة (أورسالم)
وقد اتخذت القبائل العربية األولى من المدينة مركزا لهم ،واستوطنوا فيها وارتبطوا بترابها ،وهذا ما جعل اسم المدينة يبوس"
(.المحاسنة )٢٠٠٣
ثم جاء اإلسكندر األكبر واستولى على فلسطين بما فيها القدس ،وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة،
واستولى عليها في العام نفسه بطليموس وضمها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام ( )۳۲۳قم (غاودي ()۱۹۹۱
وفي عام ( ) ٦٣قيم خضعت القدس إلى اإلمبراطورية الرومانية ،وقد كانت فلسطين من القسم الشرقي البيزنطي ،ومن ثم جاء
ملك الفرس كسرى الثاني (برويز) وامتد زحفه حتى تم
واقع القضية الفلسطينية في مبحثي الثقافة اإلسالمية والثقافة العامة في المرحلة الثانوية واتجاهات الطلبة نحو القدس
احتالل القدس ودمر الكنائس واألماكن المقدسة فيها .وهكذا فقد البيزنطيون سيطرتهم على البالد ،ولم يدم ذلك طويال ،إذ أعاد
.اإلمبراطور هرقل احتالل فلسطين سنة ( )٦٢٨م
أما مرحلة الفتح اإلسالمي للمدينة المقدسة :فقد بدأت عندما أسري بالنبي محمد صلى هللا عليه وسلم ،فكانت معجزة اإلسراء
والمعراج حيث تجلى االرتباط العقائدي بين المسجد األقصى والمسجد الحرام ،ثم جاء عصر الخليفة الراشدي الثاني عمر بن
الخطاب رضي هللا عنه حين دخل مدينة القدس سنة (١٥/٦٣٦هـ) أو ( )٦٣٨م على اختالف في المصادر ،فكتب معهم العهدة
العمرية المشهورة ،وبقي اسم المدينة في ذلك الوقت (إيلياء) ،ومن ثم تغير إلى (القدس) في زمن العباسيين ،وقد ظهرت أول
عملة عباسية في عهد المأمون تحمل اسم (القدس) ززز(شراب ()۱۹۸۷ومنذ ذلك الحين اتخذت مدينة القدس طابعها اإلسالمي،
واهتم بها األمويون (٦٦١٧٥٠م) والعباسيون ( .)۸۷۸ – ۷٥٠كما خضعت القدس لحكم السالجقة عام ( )۱۰۷۱م ،وفي
.العهود الطولوني ،واإلخشيدي ،والفاطمي :فقد أصبحت القدس ،وفلسطين تابعة المصر
ويحسب المصادر التاريخية يذكر ان مدينة القدس ،قد سقطت في أيدي الفرنجة ما يقارب خمسة قرون من الحكم اإلسالمي،
نتيجة صراعات على السلطة بين السالجقة والفاطميين ،وبين السالجقة أنفسهم ثم جاء صالح الدين األيوبي في معركة حطين،
فقام بتحرير القدس من الفرنجة عام( )۱۱۸۷م .ولكن الفرنجة نجحوا في السيطرة على المدينة بعد وفاة صالح الدين في عهد
الملك فريدريك ملك صقلية ،وظلت بأيدي الفرنجة ( )۱۱عاما ،إلى أن استردها نهائيا الملك الصالح نجم الدين أيوب عام (
)١٢٤٤.م
وتوالت األحداث حول مدينة القدس فتعرضت للغزو المغولي عام ( )١٢٤٤/١٢٤٣م لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين
قطر ،والظاهر بيبرس في معركة عين جالوت عام ()١٢٥٩م وضمت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك (المحاسنة .)٢٠٠٣
أما أيام الحكم العثماني فقد فتحت المدينة بتاريخ ( )۲۸ديسمبر ( )١٥١٦م ( الرابع من ذي الحجة ٩٢٢هـ) .وأصبحت القدس
.مدينة تابعة لإلمبراطورية العثمانية ،وظلت في أيديهم أربعة قرون تقريبا (المدني)٢٠٠٤ ،
وفي التاريخ الحديث سقطت القدس بيد الجيش البريطاني في ( )۱۹۱۷/۱۲/۹م ،وبهذا أصبحت بريطانيا هي المنتدبة على
فلسطين بحسب الحق الذي منحته لها عصبة األمم ،وذلك من خالل البيان الذي أذاعه الجنرال البريطاني اللنبي ،وبهذا أصبحت
القدس عاصمة فلسطين تحت االنتداب البريطاني ()١٩٤٨ ١٩٢٠
ولقد تزامن إعالن بريطانيا نيتها االنسحاب من فلسطين يوم ( )11أيار /مايو ،)١٩٤٨مع إعالن ما يسمى (مخلص الدولة
المؤقت اإلسرائيلي عن قيام دولة إسرائيل ،األمر الذي أعقبه بعد ذلك دخول وحدات من الجيوش العربية للقتال إلى جانب سكان
فلسطين ،وكان من نتيجة الحرب ان وقعت مدينة القدس فضال عن مناطق أخرى تقارب أربعة أخماس فلسطين تحت سيطرة
االحتالل الصهيوني .وفي عام ) ١٩٦٧اندلعت حرب حزيران ،وكانت النتيجة فيها أن أتيحت الفرصة الحتل البقية المدينة ،ثم
تال بعد ذلك أن بادر مناحيم بيغين القتحام المدينة القديمة في صبيحة السابع من حزيران /يونيو ( ،)١٩٦٧وأقيمت إدارة
عسكرية للضفة الغربية بعد ظهر اليوم نفسه ،وعلى الفور قام جيش االحتالل بتنظيم وحدات الحكم العسكري اإلدارة المناطق
.التي تحتلها دولة االحتالل في حالة نشوب حرب (عناب ()۲۰۰۱
إن الباحث في تاريخ هذه المدينة العريقة والقديمة يسجل تعاقب األمم والحاضرات عليها كما أن الصراع الكبير الذي رسم
تاريخها يبين المكانة العظيمة التي من اجلها سارت إمبراطوريات عظيمة لكي تبسط نفوذها عليها ،وتجعل منها درة تزين بها
.أعظم انجازاتها ،وما كان ذلك إال لما تمثله القدس من قداسة ضمت أعظم ديانات األرض
إَّن قضية فلسطين قضية إسالمية قبل أن تكون قضية عربية ،أو فلسطينية وطنية محلية .واليوم يكشف قادة العدو اليهودي
عن مخططاتهم الدينية النهائية لدولتهم ،في تهويد القدس والمسجد األقصى ضمن مشروع يهودية الدولة .والمسجد األقصى
المبارك يمُّر في أخطر اللحظات خالل هذه األيام من تاريخه ,فاالستكبار الصهيوني قد بلغ أوجه ،فالقتل ،والتشريد ,وهدم
المنازل ,والحصار االقتصادي الرهيب ،واالقتحامات المتكررة للمسجد األقصى وبأعداد تتزايد يوًم ا بعد يوم عبر التقسيم
الزماني المفروض عليه من الصهاينة ،وقد بَّيت الخطر الصهيونٌّي أمَر ه ,وحَّدَد هدفه ,وأحكم خطته لهدم األقصى المبارك,
.وبناء الهيكل على أنقاضه ,ولم يجد من أمة اإلسالم على امتدادها واتساعها من يصده ويرده
معنويًا ،وكذلك تعريف الناس بدور هذه الحركات المجاهدة في حماية المسلمين ومقدساتهم في األرض المباركة وأنهم مرابطون
.على الثغور
ـ -يجب على كل مسلم أن يكون لديه يقين كبير بأَّن وعد هللا تعالى قادم وقريب جًدا ،وأن يبَّث روَح األمِل والتفاؤِل بهذا الوعد،
ألَّن األَّم ة اإلسالمية ال تزال تلفظهم وترفض التعاون معهم على المستوى الشعبي .فليساهم كُّل مسلٍم في نشر هذه الروح وليعمل
.على استمرارها
يجب على كل مسلم لديه قدرة مالية أن يبذل المال للنفقة على حراسه المرابطين فيه الباذلين أنفسهم في سبيل هللا ألجله ،واإلعالة
.ألسر هؤالء المرابطين ،والدعاية واإلعالم التي تجمع الناس حوله
يجب على كل مسلم من أهلنا في القدس والضفة الغربية واألراضي المحتلة عام 48م الرباط إذا كان بمكنه أْن يرابط فيه– ،
.وقد صّح عن النبي صلى هللا عليه وسلم” أّن كّل مّيٍت يختم على عمله إال المرابط في سبيل هللا
كما يجُب على كل فرد مسلم على األقل من كان عاجًز ا عن فعل أو دور مَّم ا ذكرت آنًفا أن يقوم ببذل الدعاء هلل تعالى أن –
يهيئ لفلسطين من يحِّر رها ،وأن يبطل هللا كيد يهود ويطهَر فلسطين منهم ،والدعاء سالح المؤمن ،وليكثر من هذا الدعوات بعد
.الصلوات الخمسة وصالة القيام بالليل والناس نيام
وبعد ،بهذا الذي ذكرته ال يجوز لمسلم أن يتلكأ في نصرة قضية فلسطين والقدس والمسجد األقصى ،وإذا قام كُّل بدوره فقد
.أعذر إلى ربه تعالى بعض العذر في واجبه نحو األقصى ،وبغير ذلك ال تتبرأ له ذَّم ة ،وال يقبل له عذر ،وال تقال له عثرة
ويجب شرًعا على حكام وزعماء األمة أن يكون لديهم حرٌص شديُد في القيام بدورهم تجاه القدس والمسجد األقصى ،وهذا –
الدور والواجب المقدس قائم على حمل أمانة الدفاع عنها ،والسماح للشعوب المسلمة وعلمائها وكتابها وأفرادها أن يقوم كل
بدوره في نصرة قضية فلسطين والقدس والمسجد األقصى ،واعلموا أيها الحكام أن القدس ومقاومة العدو الصهيوني ومشاريعه
التهويدية للقدس واألقصى هي أمانة في رقابكم ،ومنها تكتسبون المرجعية الشرعية ألي منكم .فال تكونوا عقبة أمام شعوبكم في
القيام عن دورهم تجاه فلسطين ،سواء ماليا أو إعالميا ،أو بالمسيرات الجماهيرية التي تعبر عن شعورهم اإلسالمي تجاه
قضيتهم المسلمة ،ومن منعهم أو حال بينهم وبين القيام بواجبهم فهو آثم شرًعا ويعُّد خائًنا لشعبه قبل أن يكون خائنًا لفلسطين ،وال
تعريف له سوى الشريك في المخطط الصهيوني االجرامي تجاه القدس واألقصى ،وسيلعنه التاريخ وستلعنه األجيال المسلمة.
واحتجاج بعض الحكام العرب باالتفاقيات الموقعة مع يهود؛ أمر غير صحيح ،وليس مقبوًال شرًعا ،بل هو خنوع وخضوع غير
مبرر ،فالوقائع التاريخية المعاصرة والقريبة جدًا ،قد أثبتت أن خيار المقاومة الحقيقية والفعالة والصادقة هو من يستطيع
المحافظة على حقوق الفلسطينيين واستعادة أرضهم وحريتهم وأمنهم ،وهو من يحفظ كرامة األمة العربية واإلسالمية .وال عذر
.لكم عند هللا إن خلص اليهود أعداء هللا إلى المسجد األقصى وفرضوا عليه سيطرته ،وهَّودوه كما يخططون
أن السكوت على جرائم العدو ضد القدس والمسجد األقصى المبارك ُيعُّد وصمَة عاٍر على جبين زعماء العرب الذين تخلوا –
.عن مقاومتهم ومقدساتهم وكرامتهم وتوجهوا نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب قضية فلسطين
إجماًالُ ،تظهر التحديات والتاريخ الطويل للصراع في مدينة القدس استراتيجيات إسرائيل لتهويدها ،بدًء ا من الفترة االنتدابية
وصوًال إلى الحروب العربية اإلسرائيلية .عمليات التهويد تشمل استيالء إسرائيل على القدس الشرقية في ،1967وتوسيع الحي
اليهودي وتهجير سكان أحياء فلسطينية .الحفريات األثرية ُتظهر محاوالت إسرائيل إثبات صلتها بالمدينة .تستمر التوترات
.والتحديات في هذا السياق
تاريخ سياسة تهويد مدينة القدس يتأرجح بين مخططات صهيونية منذ مؤتمر بال في عام 1897والتطورات التاريخية ،بداية
من االنتداب البريطاني وارتفاع عدد اليهود في فلسطين حتى الفترة بعد حرب .1967إسرائيل اتخذت خطوات توحيدية
وتوسيعية في القدس مع صدور قوانين تعتبر المدينة جزًء ا من إسرائيل .سياسة التهويد مستمرة ،تجسدت في بناء المستوطنات
.وجدار الفصل العنصري .الدعم العربي لمقاومة هذه السياسات ال يزال يعاني من التحديات والتقييم
منطلقات المواقف األردنية تجاه مدينة القدس
إذا كانت عالقة االردن بفلسطين ممتدة عبر التاريخ ،إال أن العالقة تعمقت بعد اتفاقية سايكس بيكو عام ،1916والتي قسمت
بالد الشام وجعلت فلسطين تحت االنتداب البريطاني ،وترافق ذلك مع انشاء امارة شرق األردن التي وضعت ايضا تحت
.االنتداب البريطاني
قبل ذلك تميزت المواقف الذي اتخذها الشريف حسين ضد السياسة البريطانية بعد إصدارها وعد بلفور عام 1917القاضي
بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ،واستمرت عالقة األردن بفلسطين .وكان العنوان األبرز في هذه العالقة هو مدينة
.القدس ،لألهمية التي تمثلها كمدينة دينية وقومية لالردن بقيادته الهاشمية
وقد استمرت عالقة األردن بمدينة القدس منذ الملك عبد هللا األول ،مرورا بالملك حسين وصوال الى الملك عبد هللا الثاني ،ولم
.تتخلى األردن عن مسؤوليتها اتجاهها رغم ما واجه هذه العالقة من معيقات وتحديات
موقف األردن تجاه مدينة القدس يظل رافًض ا لسياسة التهويد ،مع مشاركة في المقاومة والتظاهر ضد سياسة بريطانيا المتحيزة
لليهود .استمر الدعم للفلسطينيين ،وعّبر أهالي األردن عن تأييدهم في حوادث هية البراق سنة .1929وموقف األردن من قرار
.التقسيم رقم 181لعام 1947أكد رفضه لتدويل مدينة القدس وإنشاء كيان خاص لها ،مؤكًدا أنها تحت السيادة العربية
األردن يرتبط بالصراع العربي اإلسرائيلي كقضية وطنية وقومية ودينية واحدة ،ويعتبر موقفه من مدينة القدس أساسًيا ،حيث
يرفض أي حًال دائًم ا وعادًال للقضية دون انسحاب إسرائيل من جميع األراضي العربية المحتلة ،بما في ذلك القدس الشرقية،
.وفًقا للقرارات الدولية وميثاق األمم المتحدة
األردن يرفض إجراءات إسرائيل اإلدارية والتشريعية والسياسية لضم القدس ،ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير
مصيره ،مع التزامه بوصاية هاشمية على المقدسات في القدس حتى تحقيق اتفاق نهائي يشمل إقامة دولة فلسطينية وتحقيق
.حقوق العرب والمسلمين في المقدسات
األردن يرى مدينة القدس بأهمية دينية كبيرة للمسلمين كونها المدينة المقدسة الثالثة ،ويعبر عن ذلك من خالل تأكيده على دور
الهاشميين في حمايتها ورعايتها .تاريخًيا ،تأثر الملك حسين بموقفه تجاه فلسطين والقدس عند رفضه لمعاهدة الحجاز عام
،1924.وكان دافعه حماية حقوق العرب في فلسطين
من خالل مساهمات الملك حسين والملك عبد هللا في االعمار الهاشمية للمسجد األقصى وقبة الصخرة ،يظهر التزام األردن
بمحافظة على هذه المقدسات .كما أظهر الملك حسين اهتماًم ا مستمًر ا بمدينة القدس واستمر في زيارتها عدة مرات ،مع تأكيد
.استمرار السيادة األردنية عليها
إضافة إلى ذلك ،قام الملك حسين ببناء قوانين خاصة إلعمار المقدسات اإلسالمية في الحرم القدسي ،مما يبرز اهتمامه بالحفاظ
.على الهوية اإلسالمية والعربية للقدس
في إطار الثورة العربية الكبرى ،انطلقت الثورة بهدف تحرير المشرق العربي من الحكم العثماني وإقامة دولة عربية موحدة.
موقف الشريف حسين في بدايتها ركز على رفض استثناء فلسطين من العهود التي قطعتها له بريطانيا ،وكان رفًضا قوًيا
.لسياسة االنقسام الصهيوني البريطاني
بعد سايكس بيكو ووعد بلفور ،نجح الملك عبد هللا في استثناء شرق األردن من وعد بلفور ،وأسس إمارة شرق األردن .ورغم
.االنتداب البريطاني ،كانت سياسة األردن ترفض منح فلسطين لليهود ،مؤكدة أن فلسطين جزء ال يتجزأ من الوطن العربي
تأكيد موقف األردن تجاه فلسطين أظهر تضامنه مع القضية الفلسطينية ،مع اندالع صدامات وتظاهرات تعّبر عن الرفض
لالستيطان الصهيوني والدعم إلخوانهم في فلسطين ،وتحولت هذه المعارك إلى مظاهرات وإضرابات تعّبر عن التضامن مع
.الشعب الفلسطيني في مواجهة الصهاينة واالنقسام البريطاني