You are on page 1of 11

‫ﺗﻤﻬﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪ‪:‬‬

‫ﰲ ﻇﻞ ﺑﻴﺌﺔ ﲢﻜﻤﻬﺎ اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات واﳌﺘﻐﲑات ﲤﺎرس اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ‬


‫ﳑﺎ ﳚﻌﻠﻬﺎ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻌﺪﻳﺪ اﻷزﻣﺎت ‪,‬ﻟﺬﻟﻚ ﲢﺮص إدار‪‬ﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﺪاث ﻧﻈﺎم ﺗﻨﺒﺆي ﻟﻪ رؤﻳﺎ‬
‫إﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ﲤﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﲢﺪﻳﺪ اﻟﺒﺪاﺋﻞ اﳌﺘﺎﺣﺔ واﲣﺎذ اﻟﻘﺮار اﳌﻨﺎﺳﺐ ﰲ ﻇﻞ ﺗﻠﻚ اﳌﺘﻐﲑات اﻟﱵ ﺗﻄﺮأ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﳋﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ‪ ،‬وﻫﻨﺎ ﳝﻜﻦ اﻟﻘﻮل أﻧﻪ أﺻﺒﺢ وﺟﻮد إﺳﱰاﺗﻴﺠﻴ ـﺎت ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ‬
‫ﻣﻊ اﻷزﻣﺎت ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﺴﻠﺒﻴـ ـ ـ ـﺔ اﻟﻨﺎﲨـ ـ ـ ـ ـ ـﺔ ﻋﻨﻬﺎ أﻣﺮ ﺿﺮوري وﺣﺘﻤﻲ ﺗﻔﺮﺿﻪ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﳉﺪﻳ ـ ـ ـ ـ ـﺪة‬
‫وﻣﺎ ﲢﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻇﻮاﻫﺮ وﻣﺘﻐﲑات ﺟﺪﻳﺪة وﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﳌﻄﺮوﺣﺔ ﺿﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ‪.‬‬
‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻷزﻣﺔ وإدارة اﻷزﻣﺔ‬

‫ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﻣﻔﻬﻮم اﻷزﻣﺔ ﰲ ﳎﺎل ﻋﻠﻢ اﻹدارة وﻟﻜﻨﻪ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻓﺮوع أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬وﺷﻬﺪ ﺗﻄﻮرات ﻛﺜﲑة ﺣﱴ ﺗﺒﻠﻮر ﰲ ﻓﺮع ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺑﺬاﺗﻪ ﻫﻮ "إدارة اﻷزﻣﺎت"‬

‫واﻟﱵ ﺗﻌﲏ إدارة اﻟﺘﻮازﻧﺎت اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﱃ ﲢﻘﻴﻖ أﻫﺪاف اﳌﺆﺳﺴﺔ ‪,‬وﻳﻬﺪف اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ‬
‫إﱃ ﺗﻘﺪﱘ رؤﻳﺔ ﻧﻈﺮﻳـ ـﺔ ﻋﻦ إدارة اﻷزﻣ ـ ـ ـ ـ ـﺔ وﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ‪‬ﺎ ﻣﻦ ﺑﺮاﻣﺞ ﲣﻄﻴﻄﻴ ـ ـ ـ ـﺔ وﻓﻖ ﳕﺎذج إدارﻳ ـ ـ ـﺔ‬
‫ﻓﻌﺎﻟـ ـ ـﺔ‪ ،‬وﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﻼث ﻣﻄﺎﻟﺐ وﻫﻲ ‪:‬‬

‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ واﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻹدارﻳﺔ‪:‬‬

‫ﺳﻨﺤﺎول اﻹﳌﺎم ﲟﻔﻬﻮم اﻷزﻣﺔ ﺑﺸﻜﻞ دﻗﻴﻖ‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف اﻻﲡﺎﻫﺎت ) اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‪،‬‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ‪ (...‬ووﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﻜﺘﺎب‪ ،‬وﻣﻦ ﲦﺔ ﺳﻨﻮﺿﺢ اﻹدارة اﳌﻌﻨﻴﺔ ﺑﺈدارة ﻫﺬﻩ اﻷﺧﲑة‪،‬‬
‫وﻣﺮاﺣﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬وﻧﺰع اﻟﻠﺒﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﲔ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﻣﺸﺎ‪‬ﺔ ﻟﻪ‪.‬‬

‫أوﻻ‪ -‬ﻣﻔﻬﻮم اﻷزﻣﺔ‪:‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮت ﻋﺪة ﺗﻌﺮﻳﻔﺎت وﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻷزﻣﺔ وﻣﺼﻄﻠﺢ إدارة اﻷزﻣﺎت وﻛﻞ ﻫﺬﻩ‬
‫اﻟﺘﻌﺮﻳﻔﺎت ﺗﺼﺐ ﰲ ﻣﻨﺤﲎ ﻟﻐﻮي واﺣﺪ وﻫﻮ اﻷزﻣﺔ وﻣﺎ أﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﲑ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ اﳌﺆﺳﺴﺔ اﻟﱵ‬
‫ﺗﺘﻌﺮض ﳍﺎ ‪.‬‬

‫‪ (1‬ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷزﻣﺔ ﻟﻐﻮﻳﺎ‪:‬‬

‫ﻋﺮﻓﻬﺎ "اﳌﺨﺘﺎر اﻟﺼﺤﺎح" اﻷزﻣﺔ ﺑﺄ‪‬ﺎ‪" :‬اﻟﺸﺪة واﻟﻘﺤﻂ أو اﳌﺄزم‪ ،‬اﳌﻀﻴﻖ وﻛﻞ ﻃﺮﻳﻖ ﺿﻴﻖ ﺑﲔ‬
‫‪1‬‬
‫ﺟﺒﻠﲔ ﻣﺄزم ‪,‬وﻣﻮﺿﻊ ﺣﺮب ﻣﺄزم ‪) ".‬اﻟﺮازي‪.(1967:15 ،‬‬

‫ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷزﻣﺔ‪ :‬اﻷزﻣﺔ ﻫﻲ ذﻟﻚ اﳊﺪث اﻟﺴﻠﱯ اﻟﺬي ﻻ ﳝﻜﻦ ﲡﻨﺒﻪ أﻳﺎ ﻛﺎﻧﺖ درﺟﺔ اﺳﺘﻌﺪاد‬
‫‪2‬‬
‫اﳌﺆﺳﺴﺔ‪ ،‬واﻟﺬي ﳝﻜﻦ أن ﻳﺆدي إﱃ ﺗﺪﻣﲑﻫﺎ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ إﳊﺎق اﻟﻀﺮر ‪‬ﺎ‪.‬‬

‫ﺗﻌﺮﻳﻒ "ﻗﺎﻣـ ـ ـ ـ ـﻮس رﻧﺪا" اﻷزﻣ ـ ـ ـ ـﺔ‪ :‬ﺑﺄ‪‬ﺎ ﻇﺮف اﻧﺘﻘﺎﱄ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻌﺪم اﻟﺘﻮازن وﳝﺜﻞ ﻧﻘﻄ ـ ـﺔ ﲢﻮل ﲢﺪد‬
‫ﰲ ﺿﻮﺋﻬﺎ أﺣﺪاث اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﱵ ﺗﺆدي إﱃ ﺗﻐﻴﲑ ﻛﺒﲑ ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫رﻫﺎم راﺴم ﻋودة ‪ ،‬واﻗﻊ إدارة اﻷزﻤﺎت ﻓﻲ ﻤؤﺴﺴﺎت اﻝﺘﻌﻠﻴم اﻝﻌﺎﻝﻲ ﺒﻘطﺎع ﻏزة‪ .‬دراﺴﺔ ﺘطﺒﻴﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺠﺎﻤﻌﺔ‬
‫اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ‪ ،‬رﺴﺎﻝﺔ ﻤﺎﺠﺴﺘﻴر ﻓﻲ إدارة اﻷﻋﻤﺎل ﻏزة‪ ،2008 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫ﺴﺘﻴف أﻝﺒرﻴﺨت ‪ ،‬إدارة اﻷزﻤﺎت‪ ،‬ﻓن اﻝدﻓﺎع ﻋن اﻝﻨﻔس ﻝﻠﺸرﻜﺎت ‪ .‬اﻝﺸرﻜﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ ﻝﻺﺼدار اﻝﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص ‪9‬‬
‫وﻳﻌﺮﻓﻬﺎ )‪" :(164:coombs.2007‬ﺣﺪث ﻏﲑ ﻣﺘﻮﻗﻊ وﻣﻔﺎﺟﺊ ﻳﻬﺪد ﻋﻤﻠﻴﺎت اﳌﻨﻈﻤﺔ وﻳﺆدي‬
‫‪1‬‬
‫إﱃ إﺿﻄﺮاب ﲰﻌﺔ اﳌﻨﻈﻤﺔ وﻣﻮﻗﻌﻬﺎ اﳌﺎﱄ"‬

‫‪ (2‬ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷزﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻹﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ‪ :‬ﻫﻲ إﻧﻘﻄﺎع ﰲ ﻣﺴﺎر اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﺣﱴ اﳔﻔﺎض‬
‫اﻹﻧﺘﺎج أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻔﻌﻠﻲ أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻮ اﻻﺣﺘﻤﺎﱄ ‪.‬‬
‫‪ (3‬ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷزﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻹدارﻳـ ـﺔ ‪ :‬ﻫﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻳﻮاﺟﻪ ﻣﺘﺨﺬ اﻟﻘﺮار ﺣﻴﺚ ﻳﻔﻘﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻘ ـ ـ ـ ـﺪرة‬
‫ﰲ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻴﻪ أو ﻋﻠﻰ إﲡﺎﻫﺎﺗﻪ اﳌﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ‪,‬ﺗﺘﻼﺣﻖ ﻓﻴﻪ اﻷﺣﺪاث وﺗﺘﺸﺎﺑﻚ اﻷﺳﺒﺎب ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‬
‫‪,‬وﺗﻐﺬي ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﺑﺈﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻮﻗﻒ ﻏﲑ إﻋﺘﻴﺎدي ﻳﻬﺪدأﻋﻤﺎل وﲰﻌﺔ وﺻﻮرة وﻋﻼﻗﺎت‬
‫‪2‬‬
‫اﳌﺆﺳﺴﺔ وﻳﻀﺮ ﲜﻤﻬﻮرﻫﺎ‪.‬‬
‫‪ (4‬اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻹﺟﺮاﺋﻲ‪ :‬ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻮﺗﺮ وﻧﻘﻄﺔ ﲢﻮل ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻗﺮارا ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﻣﻮاﻗﻒ ﺟﺪﻳﺪة ﺳﻠﺒﻴﺔ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ أو إﳚﺎﺑﻴﺔ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﳐﺘﻠﻒ اﻟﻜﻴﺎﻧﺎت ذات اﻟﻌﻼﻗﺔ‪.‬‬

‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪:‬اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻹدارة اﻷزﻣﺎت ‪:‬‬

‫ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أدﺑﻴﺎت إدارة اﻷزﻣﺎت ﱂ ﻳﺸﺮع ﰲ ﺗﺄﺻﻴﻠﻬﺎ ﻋﻠﻤﻴﺎ وأﻛﺎدﳝﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺎﺣﺜﲔ واﻟﺪارﺳﲔ‬
‫إﻻ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ )‪ (60‬اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﳌﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺗﻌﻮد إﱃ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻌﻴﺪ ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺮض اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﻓﺠﺮ‬
‫اﻟﺘﺎرﻳ ـ ـ ـ ـﺦ إﱃ ﻛ ـ ـ ـ ـﻮارث وﺣﺮوب وﻋـ ـ ـ ـ ـﺪة أزﻣﺎت واﺟﻬﻬـ ـ ـ ـ ـ ـﺎ اﻹﻧﺴـ ـ ـﺎن ﺑﻜﻞ ﻗﻮة‪ ,‬ﺣﻴﺚ ﳝﻜﻦ اﻟﻘـ ـ ـ ﻮل أن‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻌﻠﻢ اﳊﺬر ﻋﻨﺪ ﺻﻌﻮد اﳌﺮﺗﻔﻌﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﺘﺸﻒ ﻗﺎﻧﻮن اﳉﺎذﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ﻓﻬد ﻋﻠﻲ اﻝﻨﺎﺠﻲ‪ ،‬أﺜر إﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺎت إدارة اﻷزﻤﺎت اﻝﺤدﻴﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻷداء اﻝﺘﺴوﻴﻘﻲ )دراﺴﺔ ﻤﻴداﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺸرﻜﺎت‬
‫اﻝﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻝدواﺌﻴﺔ اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ ﻤدﻴﻨﺔ ﻋﻤﺎن اﻝﻜﺒرى (‪ .‬رﺴﺎﻝﺔ ﻤﺎﺠﺴﺘﻴر ﻓﻲ إدارة اﻷﻋﻤﺎل‪ ،‬ﻜﻠﻴﺔ اﻷﻋﻤﺎل‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ‬
‫اﻝﺸرق اﻷوﺴط ﺤزﻴران‪ 2012/‬م‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫ﺨﺎﻝدي ﺴﻌﺎد‪ ،‬دوراﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻓﻲ إدارة اﻷزﻤـــــــــــﺎت ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم أزﻤﺔ اﻝرﺒﻴﻊ اﻝﻌرﺒﻲ أﻨﻤوذﺠﺎ‪ .‬أطروﺤ ـ ـ ـ ـﺔ دﻜﺘوراﻩ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻹﻋﻼم واﻹﺘﺼﺎل "ﻜﻠﻴﺔ اﻝﻌﻠوم اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ واﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪,‬ﺠﺎﻤﻌﺔ وﻫران ‪,2017 ,1‬ص‪.9‬‬
‫و أﺷﺎرت ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺎت واﻷﲝﺎث إﱃ أن دراﺳﺔ إدارة اﻷزﻣﺎت ﻗﺒﻞ اﳊﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﺎرﳜﻴﺔ واﻟﺴﺮدﻳﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‪ ,‬وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﻠﺺ اﻟﺪروس ﻣﻦ اﻷزﻣﺎت اﳌﺘﺘﺎﻟﻴﺔ‬
‫ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﳌﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻜﺮارﻫﺎ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﳊﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻄﻮرت إدارة اﻷزﻣﺎت إﱃ ﻋﻠﻢ ﻣﻌﺮﰲ ﺷﺄﻧﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﺄن اﻟﻜﺜﲑ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم واﳌﻌﺎرف ﺣﻴﺚ ﺑﺪأت اﻟﺪراﺳﺎت اﳌﺘﺨﺼﺼـ ـ ـ ـﺔ ﰲ إدارة اﻷزﻣـ ـ ـ ـ ـﺎت ﻛﻤﺼﻄﻠﺢ ﻳﻌﺘﱪ ﻓﺮع‬
‫ﻣﻦ ﻓﺮوع اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ وذﻟﻚ ﺑﺎﻹﺷﺎرة إﱃ دور اﻟﺪوﻟﺔ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻜﻮارث اﻟﻌﺎﻣﺔ اﳌﻔﺎﺟﺌﺔ وﻇﺮوف‬
‫اﻟﻄﻮارئ ﻣﺜﻞ اﻟﺰﻻزل واﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎت واﳊﺮاﺋﻖ واﻷوﺑﺌﺔ واﳊﺮوب‪ ،‬ﺗﺪرﳚﻴﺎ ازدﻫﺮت ﻣﻌﺎرف وﻋﻠﻮم إدارة‬
‫اﻷزﻣ ـ ـ ـ ـ ـﺎت ﻟﺘﺴﺘﺨﺪم ‪ ،‬ﻛﺄﺳﻠﻮب ﳌﻮاﺟﻬـ ـ ـ ـﺔ اﻟﻄﻮارئ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﲢﺪث ﻣﺸﺎﻛـ ـ ـ ـﻞ ﻣﻔﺎﺟﺌ ـ ـ ـ ـ ـﺔ ﺣﻴﺚ ﻇﻬﺮ‬
‫ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﳌﻬﺎم اﳋﺎﺻﺔ أو اﻹدارة ﺑﺎﻻﺳﺘﺜﻨﺎء أو إدارة اﳌﺸﺮوﻋﺎت أو ﻓﻜﺮة ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت ﻹدارة‬
‫اﳌﺸﺎﻛﻞ اﳊﺎدة واﳌﺘﻔﺠﺮة ﻓﻜﻞ ﻫﺬﻩ اﳌﺴﻤﻴﺎت اﺧﺘﲑت ﻟﺬﻟﻚ ﲟﺜﺎﺑﺔ إدارة أزﻣﻮﻳﺔ أي أ‪‬ﺎ أﺣﺪ ﻓﺮوع‬
‫أو أدوات اﻹدارة ﻣﺜﻞ‪ :‬اﻹدارة ﺑﺎﻷﻫﺪاف‪ ,‬أو اﻹدارة اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ أو إدارة اﳌﻮارد اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ‪.‬‬

‫ﻛﻤﺎ اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻔﻬﻮم وﻣﺼﻄﻠﺢ إدارة اﻷزﻣﺎت ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﱃ ﳎﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻴﺘﻢ اﻻﻋﺘﻤﺎد‬
‫ﻋﻠﻰ إدارة اﻷزﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﳋﺎرﺟﻴﺔ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺴﺎﺧﻨﺔ واﳊﺎدة ﻣﺜﻞ‬
‫أزﻣﺔ اﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ ﺳﻨﺔ ‪ ،1962‬اﻷزﻣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﲔ اﻹﲢﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﱵ واﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ‬
‫وﲤﺜﻠﺖ آﻧﺬاك ﰲ إﻗﺎﻣﺔ اﻹﲢﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﱵ ﺻﻮارﳜﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺰﻳﺮة ﻛﻮﺑﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻬﺔ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة‬
‫اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻓﺮﺿﺖ ﺣﺼﺎرﻫﺎ اﻟﺒﺤﺮي ﻋﻠﻰ ﻛﻮﺑﺎ وﻛﺎدت اﻷزﻣﺔ أن ﲢﺪث‪،1‬‬
‫وﻟﻮ اﻓﱰﺿﻨﺎ إن اﻷزﻣﺔ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﲔ اﻟﻄﺮﻓﲔ ﻷدى اﻟﺪﻣﺎر اﻟﻨﻮوي إﱃ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﳏﺘﻤﻠﺔ ﰲ اﻷرواح‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ ﱂ ﲢﺪث واﻧﺘﻬﺖ ﺑﺎﳊﻞ اﳌﺮﺿﻲ ﻣﺎﺑﲔ اﻟﻄﺮﻓﲔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺳﺤﺐ اﻹﲢﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﱵ‬
‫ﻟﺼﻮارﳜﻪ اﻟﱵ أﻗﺎﻣﻬﺎ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﻛﻮﺑﺎ وﺗﻌﻬﺪت اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻏﺰو ﻛﻮﺑﺎ وآﻧﺬاك ﺻﺮح‬
‫وزﻳﺮ اﻟﺪﻓﺎع ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة "روﺑﺮت ﻣﺎﻛﺎدﻣﺮ"‪ :‬ﻟﻦ ﻳﺪور اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻌﺪ اﻵن ﻋﻦ اﻹدارة‬
‫‪2‬‬
‫اﻹﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺑﻞ ﻋﻦ إدارة اﻷزﻣﺎت ‪.‬‬

‫‪ 1‬ﻗدري ﻋﺒد اﻝﻤﺠﻴد‪ ،‬اﺘﺼﺎﻻت اﻷزﻤﺎت ٕوادارة اﻷزﻤﺎت‪ .‬اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﺠﺎﻤﻌﺔ اﻝﺠدﻴد ﻝﻠﻨﺸر‪ ،2008،‬اﻝﺼﻔﺤﺔ‬
‫‪ 2‬اﻝﺴﻴد ﻋﻠﻴون‪ ،‬إدارة اﻷزﻤﺎت واﻝﻜوارث أﺴﺎﻝﻴب ﻋﻠﻤﻴﺔ ووﻗﺎﺌﻴﺔ‪ .‬اﻝﻘﺎﻫرة‪ ،‬ﻤرﻜز اﻝﻘرار اﻻﺴﺘﺸﺎرات‪،1997 ،‬‬
‫ص‪.129‬‬
‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ ‪ :‬ازﻣﺔ ﺳﯾوﻟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر‬
‫اﻟﻣطﻠب اﻻول ‪ :‬ﻧﺷﺄة اﻻزﻣﺔ وﺗطوراﺗﮭﺎ‬
‫‪ .1‬بداية األزمة و أسباب نشأتها ‪:‬‬

‫تعود البدايات األولى لهذه األزمة إلى العشر األواخر من شهر رمضان المبارك‬
‫‪ 1442‬هجري ( الموافق لسنة ‪ ) 2020‬ـ‪ ،‬حيث يزداد الطلب على السيولة عادة‬
‫وبشكل عام‪ ،‬وذلك بسبب التحضير المصاريف عيد الفطر المبارك والقيام بالتسوق‬
‫لشراء متطلبات هذه المناسبة‪ ،‬وكذا لمواجهة مصاريف أخرى في هذه الفترة وأهمها‬
‫تلك الخاصة بالدخول المدرسي واالجتماعي‪.‬‬

‫إن ظهور هذه المشكلة في نظرنا يعود أساساً إلى سوء تقدير للطلب على السيولة في‬
‫مثل هذه األيام‪ ،‬حيث أن القائمين على‬

‫المؤسسات الموفرة للسيولة لم يحسنوا تقدير الطلب المتوقع خالل تلك الفترة‪ ،‬والذي‬
‫كان يتزايد باستمرار كلما اقتربت مناسبة العيد‪ ،‬مما يعني أن الطلب الذي لم تتم‬
‫تلبيته في أي يوم سوف ُيضاف إلى طلب اليوم الذي يليه‪ ،‬باإلضافة إلى نسبة‬
‫الزيادة في الطلب في ذلك اليوم‪ ،‬وهذا األمر كان يتطلب منذ البداية دراسة دقيقة‬
‫وتقديرات صحيحة‪ ،‬خاصة في ظل تعليمات إلى مسؤولي المؤسسات المذكورة بعدم‬
‫تخزين كميات كبيرة من النقود السائلة على مستوى مكاتب البريد والوكاالت البنكية‬
‫ألسباب أمنية‪.‬‬
‫‪ .2‬تطورات األزمة واألسباب المساعدة على ذلك ‪:‬‬

‫كانت أغلبية المحللين في بداية نشوء األزمة يعتقدون أن هذه األزمة سوف تكون‬
‫ظرفية أو وقتية‪ ،‬وبالتالي ال تلبث أن تتالشى مع نقص الطلب على السيولة بعد‬
‫مرور مناسبات عيد الفطر المبارك والدخول االجتماعي‪ ،‬إال أن األزمة ظلت تتفاقم‬
‫باستمرار‪ ،‬وتحولت إلى مشكلة مزمنة‪ ،‬بل وأخذت منحى آخر‪ ،‬ومما ساعد على هذا‬
‫التطور السلبي لألزمة ما يلي ‪:‬‬

‫‪ ‬إرتفاع أسعار بعض المواد الغذائية األساسية ذات االستهالك الواسع مثل‬
‫الزيت و مادة الدقيق ( السميد ) ‪ ،‬مما جعل المواطن بين نارين‪ ،‬إرتفاع هذه‬
‫األسعار من جهة مما أضر كثي اًر بقدرته الشرائية‪ ،‬والنقص الحاد في السيولة‬
‫النقدية في مكاتب البريد والوكاالت البنكية من جهة أخرى‪ ،‬مما جعله غير‬
‫قادر على الوفاء بمتطلبات أسرته المعيشية‪ ،‬أي بعبارة أخرى أصبح المواطن‬
‫بين مطرقة غالء األسعار وسندان نقص السيولة النقدية‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫انتفاضة شعبية في بعض المدن الجزائرية خالل تلك األيام‪.‬‬
‫‪ ‬دفع مخلفات الرواتب المتأخرة والزيادات المعتبرة في األجور‪ ،‬والخاصة بعمال‬
‫وموظفي بعض القطاعات التي تشغل أعداداً كبيرة من اليد العاملة مع نهاية‬
‫سنة ‪ 2020‬وبداية سنة ‪ ،2021‬مثل قطاع التربية والتعليم و الشرطة‬
‫وأساتذة التعليم العالي الذين شرعوا في دفع مخلفات موظفيه منذ سنة ‪2018‬‬
‫واستمرت العملية في ‪ 2020‬تلك المخلفات التي كانت مبالغ كبيرة كان‬
‫أصحابها سحبها كاملة‬
‫‪ ‬إنهيار الثقة في المؤسسات المالية والبريد لدى المواطن‪ ،‬إذ بعد النقص الحاد‬
‫في السيولة النقدية لدى هذه المؤسسات‪ ،‬أصبح المواطن يفضل تخزين‬
‫كميات كبيرة من النقود لديه عوضاً من إيداعها لديها‪ ،‬خاصة التجار‬
‫والمقاولين وغيرهم ممن يتعاملون بمبالغ نقدية كبيرة‪ ،‬ألنهم في حالة إبداعها ال‬
‫يمكنهم استرجاعها في الوقت الذي يحتاجونها‪ ،‬وبما أن البنوك في االقتصاد‬
‫مثل القلب في الجسم‪ ،‬أي يدخل إليه الدم ويخرج منه في حركة دورية‬
‫ومستمرة‪ ،‬أصبحت البنوك تعاني من خروج كبير ومستمر لألموال دون أن‬
‫تدخل إليه كميات أخرى مماثلة على األقل‪ ،‬وكان ذلك سبباً في تعميق‬
‫األزمة‪.‬‬

‫اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻹﺟراءات واﻟﺣﻠول ﻟﮭذه اﻻزﻣﺔ‬


‫‪ 1‬اإلجراءات المتخذة كحل لهذه األزمة ونقدها‬
‫قامت السلطات المعنية وفي سبيل توفير حلول عاجلة لهذه األزمة باتخاذ اإلجراءات اآلتية ‪:‬‬

‫‪ ‬طبع كميات هائلة من النقود القانونية وهذا لتغطية هذا النقص الحاد في‬
‫السيولة‪ ،‬بحيث أصبح توزيع هذه السيولة انطالقاً‪ .‬من الجزائر العاصمة على‬
‫واليات الوطن يتم يومياً وبالتناوب بين تلك الواليات‪ ،‬وكل الكميات الموزعة‬
‫كان يتم تخصيص نسبة ‪ % 80‬منها لمكاتب البريد‪ ،‬على أساس أن أغلبية‬
‫الموظفين في الجزائر يتم دفع أجورهم عن طريق الحساب البريدي الجاري‪.‬‬
‫‪ ‬إن القيام بمثل هذا اإلج ارء وإن كان يخفف كثي اًر من أزمة السيولة ‪ -‬يعتبر‬
‫في نظرنا لجوءاً إلى الحلول السهلة عوض التفكير في الحلول الجذرية‬
‫والنهائية لهذه األزمة‪ ،‬ذلك أن الكميات الكبيرة التي تمت طباعتها سوف تزيد‬
‫بالتأكيد من حجم الكتلة النقدية المتداولة يقابلها زيادة حقيقية في حجم السلع‬
‫والخدمات المنتجة‪ ،‬وبالتالي فإن هذا اإلجراء سوف تظهر آثاره على األجلين‬
‫القصير والمتوسط في ارتفاع معدالت التضخم الذي تحاول الدولة كبح‬
‫جماحه‪ ،‬وبالنتيجة فإن كل الزيادات في األجور والتي أقرتها الحكومة في‬
‫سبيل تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وخاصة منهم موظفي القطاع العام‬
‫سوف تصبح بعد فترة قصيرة غير ذات أهمية‪ ،‬وستبقى المظاهرات مستمرة‬
‫ومطالبة برفع األجور مرة أخرى‪ ،‬وسيبقى الغليان الشعبي يسود مختلف‬
‫القطاعات في ظل اللجوء إلى مثل هذا اإلجراء‪.‬‬
‫‪ ‬اإلجراء الذي اتخذته الحكومة قبيل اندالع األزمة‪ ،‬والمتمثل في الزامية‬
‫استخدام الشيك التحويل البنكي‪ ،‬بطاقة الدفع‪ ،‬االقتطاع من الرصيد‪ ،‬السند‬
‫األمر‪ ،‬وكل وسيلة دفع كتابية أخرى‪ ،‬وذلك في كل المعامالت التجارية‬
‫والمالية التي تتجاوز قيمتها ‪ 200‬ألف دج (‪ )20‬مليون سنتيم ‪ ،‬حاولت أن‬
‫تقنع الرأي العام بأنه سيكون أحد الحلول الناجعة لمشكلة نقص السيولة في‬
‫الجزائر‪ ،‬وبالتالي أعلن المسؤولون المعنيون مباشرة بهذه األزمة بأن شهر‬
‫أكتوبر ‪ 2020‬سوف يكون بداية الحل لهذه األزمة لكن مع اقتراب موعد‬
‫التطبيق لهذا اإلجراء‪ ،‬قامت السلطات العمومية بالتراجع عن تطبيقه‪ ،‬وتأجيله‬
‫إلى أجل غير مسمى‪ ،‬وذلك تحت ضغط الواقع‪ ،‬وبالنظر إلى تأثير السوق‬
‫الموازي الذي يظل يمثل نسبة كبيرة من التعامالت التجارية والمالية‪.‬‬

‫‪ .2‬الحلول المقترحة ألزمة السيولة النقدية في الجزائر ‪:‬‬

‫إن أزمة السيولة النقدية التي أضحت تعاني منها الجزائر كظاهرة مزمنة‪ ،‬تتطلب‬
‫حلوالً حذرية سواء على المدى القصير‪ ،‬أو المديين المتوسط والطويل‪ ،‬وتتمثل‬
‫تلك الحلول أو اإلجراءات خاصة في‪:‬‬

‫‪ -‬إعادة االعتبار للتعامل بالشيك في المعامالت التجارية والمالية‪ ،‬فبالرغم من أن‬


‫القوانين الجزائرية واضحة وصارمة في مجال مكافحة إصدار الشيكات بدون‬
‫رصيد‪ ،‬بل إن بنك الجزائر كان قد أنشأ جها اًز خاصاً منذ الدخول في مرحلة‬
‫اإلصالحات االقتصادية في بداية التسعينيات وفي ظل قانون النقد واالئتمان (رقم‬
‫‪ )10-90 :‬باسم "جهاز مكافحة إصدار الشيكات بدون رصيد‪ ،‬إال أن الهاجس‬
‫األكبر الذي يبقى يمنع المواطنين وخاصة منهم ‪ .‬المتعاملين االقتصاديين من‬
‫التعامل بالشيك‪ ،‬هو انتشار ظاهرة إصدار الشيكات بدون رصيد‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫على التاجر إما أن يطلب من المشتري الدفع بشيك مصادق عليه ‪ ،‬وهذا يتطلب‬
‫من المشتري طلب هذا الشيك من البنك ثم االنتظار بضعة أيام حتى يتم تحضيره‬
‫ثم إمضاؤه من طرف مدير الوكالة البنكية التي يتعامل معها‪ ،‬وهذا مناف لتسريع‬
‫المعامالت التجارية والمالية‪ ،‬وإما أن يقبل من المشتري الدفع بشيك عادي وهو ال‬
‫يضمن حقه‪ ،‬وكثي اًر ما ينتهي بها األمر إلى الدخول في منازعات قضائية مع‬
‫ذلك المشتري بسبب كون الشيك بدون رصيد‪ ،‬أي هناك انتظار وتضيع للزمن في‬
‫كال الحالتين‪ ،‬إضافة إلى المخاطرة في الحالة الثانية‪.‬‬

‫تفعيل وتنشيط التعامل الدفع بالبطاقة الذهبية حيث وبالتعاون مع مؤسسات‬


‫أجنبية متخصصة في مجال النقد اإللكتروني تسعى مجموعة من البنوك‬
‫الجزائرية إلى إنشاء شركة النقد اآللي والعالقات التلقائية بين البنوك من أفريل‬
‫‪ ،1995‬وهي تهدف إلى إنشاء نظام وطني للدفع اإللكتروني من خالل إنشاء‬
‫الدفع ببطاقة السحب ما بين البنوك ‪ ،‬والتي بدأ العمل بها في سنة ‪.1997‬‬

‫تستعمل هذه البطاقة خاصة للسحب من أجهزة الصرف اآللي‪ ،‬وهي محلية ألنها‬
‫صالحة فقط في الجزائر‪ ،‬وتشترك في هذا النظام البنوك العمومية الجزائرية‬

‫لذا يجب على السلطات المعنية أن تتعاون فيما بينها لتفعيل الدفع بهذه البطاقة‪،‬‬
‫وتحويلها إلى وسيلة دفع يسهل تعامل بها‪ ،‬خاصة وأن معظم المالكين الحساب‬
‫بريدي حاري والذين يتجاوز عددهم ‪ 15‬مليون يحوزونها‪ ،‬إضافة إلى من يحملها‬
‫من عمالء البنوك المشتركة في هذا النظام‪.‬‬

‫ونرى أن أول خطوة في هذا المجال هي إيجاد أماكن القبول العام لهذه البطاقة‪،‬‬
‫ويقترح أن تكون البداية بالمؤسسات العمومية االقتصادية‪ ،‬أي تسديد فواتير‬
‫الخدمات بتلك البطاقة في كل من‪ :‬مؤسسة الكهرباء والغاز مؤسسة الجزائرية‬
‫للمياه‪ ،‬مؤسسة الصاالت الجزائر‪ ،‬مؤسسة موبيليس‪ ،‬أو في مؤسسات تجمع بين‬
‫الطابع االقتصادي واإلداري مثل مصلحة الضرائب‪ ،‬على أن تتوسع العملية‬
‫بعدها وبطريقة تلقائية إلى مؤسسات القطاع الخاص و المحالت التجارية‬

‫إن القيام بمثل هذه اإلجراءات من شأنه أن يقلل من حجم الطلب على السيولة‬
‫النقدية‪ ،‬ذلك أنه كلما تم استعمال وسائل الدفع الحديثة‪ ،‬كلما قل حجم النقود‬
‫القانونية المتداولة على حساب النقود الخطية أو الكتابية‪ ،‬إذ من المعلوم أن حجم‬
‫النقود القانونية يشكل حالياً نسبة ‪ %80‬من إجمالي حجم الكتلة النقدية المتداولة‬
‫في الجزائر‪ ،‬في الوقت الذي تشكل فيه هذه النسبة في البلدان المتقدمة ‪% 20‬‬
‫مقابل ‪ %80‬للنقود الخطية أو الكتابية‪..‬‬
‫ﺧﺎﺗﻣﺔ‬

‫ﻓﻲ ﺧﺗﺎم ھذا اﻟﺑﺣث ﺣول إدارة اﻷزﻣﺎت ﻧدرك ﺑوﺿوح أھﻣﯾﺔ ﺗﻠك اﻷﺳس واﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺗﻲ ﺗُﺷﻛل أﺳﺎﺳًﺎ ﻟﺗﺣﻘﯾﻖ ﻓﻌﺎﻟﯾﺔ‬
‫وﻛﻔﺎءة ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻣواﻗف اﻟطﺎرﺋﺔ‪ .‬ﻓﻘد ﻛﺷف اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺟواﻧب اﻟﺣﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌﻠﻖ ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ إدارة‬
‫‪.‬اﻷزﻣﺎت ﺳواء ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﺧطﯾط اﻻﺳﺗﺑﺎﻗﻲ أو اﻻﺳﺗﺟﺎﺑﺔ اﻟﺳرﯾﻌﺔ أﺛﻧﺎء ﺣدوث اﻷزﻣﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺧﺗﺎم ﯾﺟدر ﺑﻧﺎ أن ﻧﺷدد ﻋﻠﻰ أن إدارة اﻷزﻣﺎت ﺗظل ﻣﺟﺎﻻً ﺣﯾوﯾًﺎ وﻣﺗطورًا ﯾﺗطﻠب اﻻﺳﺗﻣرار ﻓﻲ ﺗﺣﺳﯾن اﻹﺟراءات‬
‫وﺗطوﯾر اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎت‪ .‬إن اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ وﺗﺑﻧﻲ أﺳﺎﻟﯾب ﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ واﻟﺗواﺻل ﺳﺗﺳﮭم ﺑﺷﻛل‬
‫‪.‬ﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﺗﻌزﯾز ﺟﺎھزﯾﺗﻧﺎ ﻟﻣواﺟﮭﺔ اﻟﺗﺣدﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ ﺑﻛل ﺛﻘﺔ وﻓﻌﺎﻟﯾﺔ‬

‫رﻫﺎم راﺴم ﻋودة ‪ ،‬واﻗﻊ إدارة اﻷزﻤﺎت ﻓﻲ ﻤؤﺴﺴﺎت اﻝﺘﻌﻠﻴم اﻝﻌﺎﻝﻲ ﺒﻘطﺎع ﻏزة‪ .‬دراﺴﺔ ﺘطﺒﻴﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺠﺎﻤﻌﺔ‬
‫اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ‪ ،‬رﺴﺎﻝﺔ ﻤﺎﺠﺴﺘﻴر ﻓﻲ إدارة اﻷﻋﻤﺎل ﻏزة‪ ،2008 ،‬ص‪.11‬‬
‫ﺴﺘﻴف أﻝﺒرﻴﺨت ‪ ،‬إدارة اﻷزﻤﺎت‪ ،‬ﻓن اﻝدﻓﺎع ﻋن اﻝﻨﻔس ﻝﻠﺸرﻜﺎت ‪ .‬اﻝﺸرﻜﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ ﻝﻺﺼدار اﻝﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪2008 ،‬‬

‫ﻗدري ﻋﺒد اﻝﻤﺠﻴد ‪ ،‬اﺘﺼﺎﻻت اﻷزﻤﺎت ٕوادارة اﻷزﻤﺎت‪ .‬اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﺠﺎﻤﻌﺔ اﻝﺠدﻴد ﻝﻠﻨﺸر‪ ،2008،‬اﻝﺼﻔﺤﺔ‬
‫اﻝﺴﻴد ﻋﻠﻴون‪ ،‬إدارة اﻷزﻤﺎت واﻝﻜوارث أﺴﺎﻝﻴب ﻋﻠﻤﻴﺔ ووﻗﺎﺌﻴﺔ‪ .‬اﻝﻘﺎﻫرة‪ ،‬ﻤرﻜز اﻝﻘرار اﻻﺴﺘﺸﺎرات‪،1997 ،‬‬

‫ﻓﻬد ﻋﻠﻲ اﻝﻨﺎﺠﻲ‪ ،‬أﺜر إﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺎت إدارة اﻷزﻤﺎت اﻝﺤدﻴﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻷداء اﻝﺘﺴوﻴﻘﻲ )دراﺴﺔ ﻤﻴداﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺸرﻜﺎت‬
‫اﻝﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻝدواﺌﻴﺔ اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ ﻤدﻴﻨﺔ ﻋﻤﺎن اﻝﻜﺒرى (‪ .‬رﺴﺎﻝﺔ ﻤﺎﺠﺴﺘﻴر ﻓﻲ إدارة اﻷﻋﻤﺎل‪ ،‬ﻜﻠﻴﺔ اﻷﻋﻤﺎل‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ‬
‫اﻝﺸرق اﻷوﺴط ﺤزﻴران‪ 2012/‬م‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫ﺨﺎﻝدي ﺴﻌﺎد‪ ،‬دوراﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻓﻲ إدارة اﻷزﻤـــــــــــﺎت ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم أزﻤﺔ اﻝرﺒﻴﻊ اﻝﻌرﺒﻲ أﻨﻤوذﺠﺎ ‪ .‬أطروﺤ ـ ـ ـ ـﺔ دﻜﺘوراﻩ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻹﻋﻼم واﻹﺘﺼﺎل "ﻜﻠﻴﺔ اﻝﻌﻠوم اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ واﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪,‬ﺠﺎﻤﻌﺔ وﻫران ‪, 2017 ,1‬ص‪.9‬‬

You might also like