Professional Documents
Culture Documents
�أن تتوافر يف البحث �صفات الأ�صالة ،وا�ستقامة املنهج ،و�سالمة اللغة والأ�سلوب. 1
�أال تزيد �صفحاته عن خم�سني �صفحة ،ولهيئة التحرير اال�ستثناء من ذلك. 4
�أن يتقدم الباحث برغبته يف ن�شر بحثه كتابة مع التزامه بعدم ن�شر بحثه قبل 7
(.)Traditional Arabic
يحكم البحث من قبل متخ�ص�صني اثنني على الأقل. 10
للمجلة احلق يف ن�شرالبحث يف موقع اجلمعية وغريه من �أوعية الن�شر الإلكرتوين 12
املحتويات
7 افتتاحية العدد
13 كلمة رئي�س التحرير
القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم والأدلة و�أثرها يف الأحكام الفقهية جلائحة كورونا 15
د .عي�سى بن حممد العوي�س
75 املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة
�أ .د .نورة بنت عبداهلل املطلق
123 �آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة اجلماعة يف امل�سجد -درا�سة �شرعية
�أ .د .غازي بن �سعيد بن حمود املطريف
179 �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد
د .عا�صم بن عبداهلل املطوع
215 الأحكام الفقهية املتعلقة بجنائز املر�ض املعدي كورونا
د .فاطمة علي فهد الأحمدي
ترخّ �ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني والتخلف عن اجلمعة
295 واجلماعة يف ظل انت�شار فايرو�س كورونا (كوفيد)19-
د .تهاين بنت عبداهلل اخلنيني
357 ال�صالة مع الإمام عرب البث املبا�شر -درا�سة فقهية ت�أ�صيلية
عبدالعزيز بن ر�شيد الغازي
397 �أثر جائحة كورونا على �أداء �شعائر احلج والعمرة -درا�سة فقهية مقارنة
د .م�شاعل بنت ن َّفال احلارثي
الأموال املُجنّبة يف البنوك الإ�سالمية حقيقتها و�أحكامها و�سبل اال�ستفادة
453 منها يف مواجهة جائحة كورونا
د .عبداهلل عويد حممد الر�شيدي
493 �أثر الإجراءات االحرتازية يف عقد الإجارة ب�سبب انت�شار وباء كورونا
د .عبداهلل بن عبدالعزيز بن �سعود التميمي
541 �إجراء عقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر يف ظل جائحة كورونا
د .تركي ح�سن القحطاين
587 أمنوذجا
ً العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املر�ض الوبائي -فريو�س كورونا �
د� .أمل بنت حممد بن فالح ال�صغي
629 �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح و�أثرها يف مواجهة فريو�س كورونا ( كوفيد )19-
�أ .د .نوره بنت م�سلم املحمادي
العدد احلادي واخلمسون 6
افـتـتـاحـيـة الـعـدد
افتتاحية العدد
احلمد هلل رب العاملني ،و�صلى اهلل على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم
ت�سلي ًما كث ًريا.
�أما بعد:
ف�إن العامل ي�شهد يف هذه الأيام انت�شار وباء كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19و ُي ّ
�سخر
طاقاته و�إمكاناته للحد من انت�شاره وتقليل ما نتج عنه من �آثار �صحية واقت�صادية
واجتماعية وغريها ،الأمر الذي يتطلب من العلماء وطلبة العلم -بدورهم -بيان
املنهج ال�شرعي يف التعامل مع هذا الوباء اجلديد �أو غريه من الأوبئة والأمرا�ض
املعدية ،وبيان احلكم ال�شرعي للإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية التي
تتخذها اجلهات املخت�صة من تعليق للعمل والدرا�سة ،وحظر للتجول ومنع لل�سفر،
والإلزام بالتباعد االجتماعي ،وتغطية الأنف والفم ،واحلجر ال�صحي �أو املنزيل
للم�صابني وغريها من الإجراءات االحرتازية والوقائية ،حفظ ًا للنفو�س.
ومعلوم �أن اهلل � شرع دين الإ�سالم ليكون منهج حياة للب�شرية ي�سريون
طبق �أحكامه وتعليماته ،فال �ش�أن من �ش�ؤون احلياة �أو نازلة من النوازل �إال وللإ�سالم
فيها حكم ،قال تعالى( :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأنعام.]38 :
ومن الإجراءات والتدابري امل�شروعة يف ديننا احلنيف والتي ينبغي اتخاذها عند
حدوث الأوبئة والأمرا�ض املعدية وانت�شارها (كوباء كورونا امل�ستجد) ما يلي:
1.1منع الدخول �إلى املناطق امل�صابة بالأوبئة والأمرا�ض ،ومنع اخلروج منها:
ر�سول اهلل ﷺ يقول�« :إذا �سمعت َ ُ فعن عبدالرحمن بن عوف قال:
أر�ض فال َت ْق َدموا عليه ،و�إذا وقع ب�أر�ض �سمعتُم به -يعني :الطاعون -ب� ٍ
هلل ﷺ�ِ « :إنَّ َه َذا ا ْل َو َج َع �-أي ر�سول ا ِ و�أنتم بها فال تخرجوا فرارًا منه» ،وقال ُ
ا�س ِمنْ َق ْب ِل ُك ْمَ ،ف إِ� َذا َكانَ اب أَ� ْو َب ِق َّي ُة َع َذ ٍاب ُع ِّذ َب ِب ِه �أُ َن ٌ
الطاعونَ ِ -ر ْج ٌز �أَ ْو َع َذ ٌ
وها».ِب أَ� ْر ٍ�ض َو أَ� ْنت ُْم ِب َهاَ ،فلاَ ت َْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َو�إِ َذا َب َل َغ ُك ْم �أَ َّن ُه ِب أَ� ْر ٍ�ض َفلاَ ت َْد ُخ ُل َ
ال�شام
رب ِمنَ ِ ال�شام ،حتى �إذا َق َ خرج �إلى ِ و ُروي عن عمر بن اخلطاب � أنه َ
اجلراح و�أ�صحا ُب ُه ،ف�أخربو ُه �أنَّ الوبا َء قد و َق َع ِ لق َي ُه �أمرا ُء الأجنا ِد �أبو عبيد َة بنُ
فدعا عم ُر ال�صحاب َة وا�ست�شا َرهُ م ،و�أخربهُ م عبا�سَ : ٍ ال�شام ،قال ابنُ أر�ض ِ ب� ِ
أمر وال نرى بع�ض ُهم :قد خرجتَ ل ٍ بال�شام ،فاختل ُفوا ،فقال ُ ِ �أنَّ الوبا َء قد وقع
هلل ﷺ وال ر�سول ا ِأ�صحاب ِ ُ معك بقي ُة ِ
النا�س و� بع�ض ُهمَ : �أنْ ترج َع عن ُه ،وقال ُ
ا�س� :إِنيِّ ُم َ�ص ِّب ٌح َع َلى َظ ْه ٍر قد َم ُهم على هذا الوبا ِءَ ،ف َنادَى ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ َنرى �أنْ ُت ِ
جل َّر ِاح :أَ� ِف َرا ًرا ِمنْ َقدَ ِر اللهَّ ِ ؟ َف َق َال ُع َم ُرَ :ل ْو َف أَ� ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِهَ .ق َال َ أ� ُبو ُع َب ْيدَ َة ْبنُ ا َ
َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا �أَ َبا ُع َب ْيدَ َة؟ َن َع ْم َن ِف ُّر ِمنْ َقدَ ِر اللهَّ ِ ِإ� َلى َقدَ ِر اللهَّ ِ ،أَ� َر أَ� ْيتَ َل ْو َكانَ َل َك
�إِ ِب ٌل هَ َب َط ْت َوا ِد ًيا َل ُه ُع ْد َو َت ِان ،إِ� ْحدَ اهُ َما َخ ِ�ص َب ٌةَ ،وا ُلأ ْخ َرى َج ْد َب ٌة�َ ،أ َل ْي َ�س ِ�إنْ َر َع ْيتَ
جل ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اللهَّ ِ ؟ َق َالَ :ف َجا َء خل ْ�ص َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اللهَّ ِ َ ،و�ِإنْ َر َع ْيتَ ا َ ا َ
َع ْبدال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف َ -و َكانَ ُم َت َغ ِّي ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َاج ِت ِهَ -ف َق َال� :إِنَّ ِع ْن ِدي فيِ هَ َذا
ِع ْل ًما�َ ،س ِم ْعتُ َر ُ�س َول اللهَّ ِ ﷺ َي ُق ُول�« :إِ َذا َ�س ِم ْع ُت ْم ِب ِه ِب َ أ� ْر ٍ�ض َف َال َت ْقدَ ُموا َع َل ْي ِهَ ،و إِ� َذا
َو َق َع ِب�أَ ْر ٍ�ض َو�أَ ْن ُت ْم ِب َها َف َال َت ْخ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْن ُه» َق َالَ :ف َح ِمدَ اللهَّ َ ُع َم ُر ُث َّم ا ْن َ�ص َر َف.
2.2املنع من خمالطة امل�صاب :لقد اعتنى الإ�سالم ب�صحة الأبدان وحفظ
النفو�س ،وحثّ على الوقاية من الأمرا�ض قبل وقوعها؛ ف�أمر �أتباعه باالبتعاد
عن امل�صابني بالأمرا�ض املُعدية ،والبعد عن �أماكن الأوبئة والطاعون ففي
�صحيح م�سلم عن ال�شريد بن عمرو الثقفي قال :كان يف وفد ثقيف
رجل جمذوم ،ف�أر�سل �إليه النبي ﷺ« :ارجع فقد بايعناك» ،وقال ﷺ« :ال
ب�إذن اهلل ،وال يي�أ�س من رحمة اهلل ،و�أن يوقن �أن هلل حكم ًا يف هذه الأمرا�ض
وامل�صائب.
9.9التوبة �إلى اهلل ف�إنه ما نزل بالء �إال بذنب ،وال ُرفع �إال بتوبة ،قال اهلل تعالى:
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الرعد ،]11 :وقال تعالى(:ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور ،]31 :وينبغي للم�سلم
الإكثار من الدعاء واللجوء �إلى اهلل ولزوم قراءة الأذكار والأوراد امل�شروعة
قال تعالى( :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [غافر ،]60 :وقال تعالى( :ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة.]186 :
والواجب علينا مالزمة تقوى اهلل يف ال�سر والعلن ويف كل الأحوال،
فتقوى اهلل و�صية اهلل للأولني والآخرين ،قال تعالى( :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الن�ساء.]131 :
وتقوى اهلل فيه تي�سري الأمور ،وتفريج الكروب ،قال تعالى( :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطالق ،]3-2 :وقال تعالى( :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ
ﯷ ﯸ) [الطالق.]4 :
�أو�صي اجلميع بالتعاون مع اجلهات املخت�صة يف مواجهة هذا الوباء ،قال
تعالى( :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [املائدة ،]2 :وقال تعالى( :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الن�ساء ،]59 :وااللتزام بالإر�شادات والن�صائح التي
تقدمها اجلهات ال�صحية والر�سمية حتى يتم ال�سيطرة على هذا الوباء ب�إذن اهلل،
فكل �شخ�ص م�س�ؤول عن حماية نف�سه وحماية من هم حتت م�س�ؤوليته ،قال ُ
ر�سول
اهلل ﷺ« :ك ُل ُك ْم َر ٍاع َو َم ْ�س ؤُ�و ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِهَ ،فالإِ َم ُام َر ٍاع َو َم ْ�س ؤُ�و ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِهَ ،وال َّر ُج ُل
فيِ �أَ ْه ِل ِه َر ٍاع َوهُ َو َم ْ�س ُ�ؤو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِهَ ،وا َمل ْر أَ� ُة فيِ َب ْي ِت َز ْو ِج َها َر ِاع َي ٌة َو ِه َي َم ْ�س ُ ؤ�و َل ٌة َعنْ
وال�ض َرر ،قال ﷺ« :ال َر ِع َّي ِت َها» ،ويحرم على املرء تعري�ض نف�سه �أو غريه للهالك َّ
�ضرر وال �ضرار».
ثم �إين �أ�شكر والة �أمر هذه البالد على ما يقدمونه ويبذلونه من جهود يف �سبيل
حفظ النفو�س والتقليل من الآثار ال�سيئة لهذا الوباء ،كما �أ�شكر اجلمعية الفقهية
ال�سعودية على طرح مثل هذه املو�ضوعات التي تهم املجتمع عرب جملتها العلمية
املحكمة ،مواكب ًة للنوازل والق�ضايا امل�ستجدة التي تواجه الأمة ،و�إتاحة الفر�صة
للباحثني؛ لتقدمي نتاجهم العلمي بعد حتكيمه وفق املعايري العلمية املتعارف عليها،
من �أجل امل�ساهمة يف بيان الأحكام ال�شرعية املرتتبة عن هذه النازلة (جائحة
كورونا) وعن الإجراءات املتخذة حيالها ،وتقدمي حلول �شرعية للم�شكالت التي قد
ترتتّب عليها� ،سائ ًال تعالى �أن يوفق القائمني على اجلمعية لكل خري ،و�أن يبارك يف
جهودهم ،كما �أ�س�أله تعالى �أن يرفع عنا هذا الوباء عاج ًال �إنه ويل ذلك والقادر عليه.
و�صلى اهلل على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم.
�إن احلمد هلل؛ نحمده ون�ستعينه ون�ستغفره ،ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا ،ومن
�سيئات �أعمالنا ،من يهده اهلل فال ُم�ض ّل له ،ومن ي�ضلل فال هادي له ،و�أ�شهد �أن ال
�إله �إال اهلل وحده ال �شريك له ،و�أ�شهد �أن حممد ًا عبده ور�سوله.
�أما بعد:
ف�إن اهلل قد خلق اخللق وقـ ّدر املقادير ،فال را ّد حلكمه ،وال ُمع ِّقب
لقوله ،و�إن من تلك املقادير ما ي�صيب النا�س ويجتاحهم من �أمرا�ض
و�أوبئة منذ �أن خلق اخلليقة .
احلكم الربانية من ذلك و�إن املتفكر واملعترب يف ذلك ،ليقف على الكثري من ِ
التقدير واخللق ،ويعلم �أن ذلك و�إن ت�ض ّمن جملة من املحن والباليا �إال �أن يف ثناياه
هبات وعطايا.
و�إن من تلك املنح والعطايا ما ر�أيناه من تداعي علماء ال�شريعة وطالب العلم
للنظر يف هذه النازلة وما �أحدثته من تغريات مت�سارعة يف �ش�ؤون النا�س و�أمورهم
عبادات كانت �أو
ٍ يف كل مناحي احلياة ،و�أثرها يف العديد من الأحكام ال�شرعية
معامالت.
وكعادتها -بف�ضل اهلل -ر�أت اجلمعية الفقهية ال�سعودية �أن تواكب هذه النازلة
واحلدث العظيم ،و�أن يكون لها جملة من الإ�سهامات يف �سبيل بيان الأحكام ال�شرعية
يف هذا اجللل امل�ستجد ،ومن تلك الإ�سهامات دعوتها العلما َء والباحثني للكتابة
والبحث يف جميع تفا�صيل الأحكام ال�شرعية لهذا الوباء اجلائح عرب جملة اجلمعية
الفقهية ال�سعودية.
وقد وجدنا �إقباالً عظيم ًا وجهد ًا م�شكور ًا من الباحثني ا�ستجاب ًة لتلك الدعوة على
وجه ي�س ّر الناظرين و ُيثلج ال�صدور ،وهلل احلمد وامل ّنة.
و�إن فيما اتخذته بالدنا الغالية اململكة العربية ال�سعودية من �إجراءات احرتازية
وقرارات �صائبة ر�شيدة جتاه هذا الوباء امل�ستجد �أكرب الأثر يف احتواء �آثاره و�أكرب
دافع لنا لنقدم �إ�سهام ًا ُي�ضاف �إلى تلك اجلهود املباركة.
ف�شكر اهلل لوالة �أمر هذه البالد على ما يقدمونه ويبذلونه ،وجلامعتنا املباركة
جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية حر�صها على اجلمعية الفقهية ال�سعودية،
وملجلتها ودعمها املتوا�صل ملنا�شطها ،وال�شكر مو�صول لأع�ضاء هيئة حترير املجلة
الذين كانت لهم جهود و�إ�سهامات كبرية وكثرية لإخراج املجلة يف �أح�سن �صورة
وبعمق علمي ر�صني يف جميع �أعداد هذه الدورة (ال�ساد�سة).
رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على خامت الأنبياء
و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ّ
واملر�سلني.
�إعداد:
د .عي�سى بن حممد العوي�س
الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم �أ�صول الفقه بكلية ال�رشيعة بالريا�ض
د .عيسى بن حممد العويس
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،و�أ�صلي و�أ�سلم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني ،وعلى �آله
و�صحبه �أجمعني ،وبعد:
ف�إن علم �أ�صول الفقه من العلوم التي بها ُيحفظ الدين ،وت�صان ال�شريعة،
وب�إدراكه يكون املجتهد قاد ًرا على ا�ستنباط الأحكام الفقهية من الأدلة.
وعلم �أ�صول الفقه ي�سهم يف معرفة �أحكام النوازل الفقهية ،وربط الفروع
ب�أ�صولها؛ مما ي�سهم يف �إدراك �أحكام تلك الفروع ،و�إك�سابها قوة؛ الرتباطها ب�أ�صولها
وقواعدها.
�إن من النوازل املعا�صرة ما يعرف بجائحة كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19-فهذه
اجلائحة عمت دول العامل ،و�أ�صيب بهذا املر�ض ماليني الب�شر ،وهذا مما دعا
الفقهاء والأ�صوليني املعا�صرين �إلى بيان الأحكام الفقهية املتعلقة بهذه اجلائحة.
ومن هنا ر�أيت �أن �أ�سهم بالكتابة يف ت�أ�صيل الأحكام الفقهية املتعلقة بجائحة
كورونا ،وربط الفروع الفقهية ب�أ�صولها ،فاخرتت مو�ضوع :القواعد الأ�صولية املتعلقة
باحلكم والأدلة و�أثرها يف الأحكام الفقهية جلائحة كورونا.
�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره:
1.1جمع القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم والأدلة ،والتي لها ت�أثري يف الأحكام
الفقهية املتعلقة بجائحة كورونا امل�ستجد.
2.2ربط الأحكام الفقهية جلائحة كورونا امل�ستجد ب�أ�صولها وقواعدها مما يك�سب
تلك الفروع الفقهية قوة بح�سب تخريج امل�س�ألة على القاعدة الأ�صولية.
�3.3أن ربط الأحكام الفقهية للنوازل املعا�صرة ب�أ�صولها ي�ؤكد على �أن هذه
ال�شريعة �صاحلة لكل زمان ومكان ،و�أنها قادرة على بيان الأحكام ال�شرعية
لكل ما يحتاجه امل�سلم.
4.4اجلدة يف املو�ضوع حيث مل ي�سبق -فيما �أعلم� -أن �أُفرد بدرا�سة علمية
م�ستقلة ،على النحو الذي ُكتب به هذا البحث.
�أهداف البحث:
1.1ت�أ�صيل الأحكام الفقهية جلائحة كورونا امل�ستجد وربطها ب�أ�صولها.
�2.2إك�ساب الأحكام الفقهية لهذه النازلة قوة من خالل الك�شف عن القواعد
الأ�صولية التي ا�ستندت �إليها.
3.3الك�شف عن �أثر �أ�صول الفقه يف الأحكام الفقهية املتعلقة بالق�ضايا امل�ستجدة.
حدود البحث:
يتناول البحث :القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي والأدلة والتي لها
�أثر وا�ضح يف الأحكام الفقهية جلائحة كورونا ،وهذا البحث ال يهدف �إلى تف�صيل
الأحكام الفقهية لهذه اجلائحة((( ،و�إمنا يهدف �إلى بيان القواعد الأ�صولية التي لها
ت�أثري يف �أحكام هذه اجلائحة وربط تلك الفروع بالقواعد الأ�صولية؛ للك�شف عن
�أثر �أ�صول الفقه يف الق�ضايا امل�ستجدة ،ومبا �أن �إحلاق الفرع الفقهي الواحد ب�أ�صل
معني يحقق الهدف املن�شود من ربطه بالقواعد الأ�صولية؛ ف�إنه لن يتم تكرار الفروع
الفقهية التي �سبق تخريجها على �أ�صل معني(((.
((( تف�صيل الأحكام الفقهية لهذه اجلائحة وبيان الآراء الفقهية فيها وحتليلها اً
حتليل فقه ًيا مما تعنى به
الدرا�سات الفقهية املتخ�ص�صة.
((( هذا من حيث الأ�صل ،وقد ي�شذ عن ذلك بع�ض الفروع للحاجة �إلى ذلك ،وقد روعي يف هذا الأمر
االخت�صار؛ نظ ًرا لطبيعة �أمثال هذا البحث ،ولذا قد توجد قواعد �أ�صولية �أخرى ميكن �أن يخرج عليها
بع�ض الفروع التي �سبق تخريجها لكنها لن تكون داخلة �ضمن حدود هذا البحث؛ لأن تلك الفروع �سبق
تخريجها على �إحدى القواعد الأ�صولية=.
الدرا�سات ال�سابقة:
من خالل البحث واالطالع و�س�ؤال بع�ض املخت�صني مل �أقف على درا�سة علمية
متخ�ص�صة تعنى بجمع القواعد الأ�صولية وربط الأحكام الفقهية لهذه اجلائحة بها.
لكن ميكن الإ�شارة �إلى بع�ض ما وقفت عليه من درا�سات �أو كتابات تتعلق بهذه
اجلائحة:
1.1مقالة خمت�صرة يف مدونة الكاتب يا�سر طر�شاين بعنوان� :أ�صول الفقه
وفريو�س كورونا(((� ،أ�شار فيها �إلى �أن �أ�صول الفقه له دور كبري يف حياة
امل�سلم ،م ّثل بقاعدة القيا�س و�سد الذرائع بكالم خمت�صر جدً ا.
والكاتب �إمنا �أراد ت�سليط ال�ضوء على فكرة االهتمام ب�أثر �أ�صول الفقه ،ومل
ُيرد درا�سة ذلك.
2.2اجلائحة الكورونية على �ضوء الأدلة واملقا�صد ال�شرعية ملعايل ال�شيخ
د.عبدالرحمن ال�سدي�س .وقد ت�ضمن متهيدً ا �أ�شار فيه باخت�صار �إلى �أهم
القواعد املرعية يف التعامل مع هذه اجلائحة وذكر منها :ال�ضرر يزال،
و�سد الذرائع ،درء املفا�سد مقدم على جلب امل�صالح ،الدفع �أولى من الرفع،
الوقاية خري من العالج.
ثم عقد مباحث الكتاب يف بيان حقيقة اجلائحة وجهود اململكة يف الوقاية
منها ،و�إر�شادات عامة.
وكما يلحظ ف�إن امل�ؤلف -وفقه اهلل -مل يق�صد �إلى جمع القواعد الأ�صولية
= وقد قمت بجمع كثري من فروع هذه اجلائحة مما وقفت عليه وقت �إعداد هذا البحث ،فوجدت �أن
�أكرثها ميكن تخريجه على قواعد فقهية �أو مقا�صدية ،و�أما تخريجه على القواعد الأ�صولية فقد يكون
فيه نوع تكلف ،وال يخفى �أن هذه اجلائحة ال زالت م�ستمرة ولذا فقد تظهر �أحكام �أخرى �أو فتاوى تتعلق
بهذه اجلائحة بعد كتابة هذا البحث وهذا يدل على �أهمية وجود درا�سات تعنى بهذا اجلانب �أي ضً� ا.
((( انظر املدونة على الرابط https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/82d1b212-df3f-
4860-86f0-a437a2438af9
لربط الفروع الفقهية لهذه النازلة بقواعدها الأ�صولية ،و�إمنا �أ�شار �إلى بع�ض
القواعد الفقهية� ،أو القواعد امل�شرتكة توطئ ًة لهذا الكتاب ،ومن ثم حتدث
عن جهود اململكة وبع�ض الإر�شادات العامة.
3.3كتابات ودورات علمية لبيان الأحكام الفقهية جلائحة كورونا امل�ستجد وهي
متعددة ويف هذا البحث �إ�شارة �إلى عدد منها ،ويلحظ �أن تلك الكتابات
ان�صرفت �إلى بيان احلكم الفقهي من خالل ر�ؤية الكاتب دون ربط بالقواعد
الأ�صولية امل�ؤثرة يف تلك الأحكام.
خطة البحث:
تتكون خطة هذا البحث من مقدمة ومبحثني وخامتة على النحو التايل:
املقدمة ،وتت�ضمن :االفتتاح ،وبيان �أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره ،و�أهدافه
وحدوده ،والدرا�سات ال�سابقة ،وخطة البحث ،ومنهج بحثه.
التمهيد :يف التعريف بجائحة كورونا امل�ستجد.
املبحث الأول :القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي ،وفيه خم�سة مطالب:
املطلب الأول :فاقد العقل لعار�ض غري مكلف.
املطلب الثاين :الواجب ال�شرعي مع ّلق باال�ستطاعة.
املطلب الثالث :ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب.
املطلب الرابع :املكروه يباح عند احلاجة.
املطلب اخلام�س� :إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب.
املبحث الثاين :القواعد الأ�صولية املتعلقة بالأدلة ،وفيه �ستة مطالب:
املطلب الأول� :سنة النبي ﷺ حجة ت�ستقل بالت�شريع.
املطلب الثاين :الإجماع حجة �شرعية.
((( هذا ال�ضابط جرى عليه العرف يف بع�ض الكليات ال�شرعية ،و�إن كانت وجهات النظر تختلف يف حد
ال�شهرة ،لكن من الأعالم من يتفق اجلميع على �شهرتهم ،ومنهم من هو عك�س ذلك ،وقد تختلف
وجهات النظر يف بع�ضهم.
وينبه هنا �إلى �أن هذا ال�ضابط قيد عدم ال�شهرة بكونها عند الأ�صوليني؛ ولذا قد يكون العلم م�شهو ًرا
عند علماء فنه ،لكنه ال ُيع ّد من امل�شهورين عند الأ�صوليني ،واهلل �أعلم.
التمهيد
يف التعريف بجائحة كورونا امل�ستجد
لال�ستزادة انظر :موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية على الرابطhttps://www.moh.gov.sa/HealthA� : (((
wareness/EducationalContent/PublicHealth/Pages/corona.aspx
وموقع منظمة ال�صحة العاملية على الرابط http://www.emro.who.int/ar/surveillance-fore� :
casting-response/publications/
املبحث الأول
القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي.
املطلب الأول
(((
فاقد العقل لعار�ض غري مكلف
هذه القاعدة لها �صلة بال�شروط العائدة �إلى املكلف ،حيث ا�شرتطوا فيه� :أن
يكون املكلف اً
عاقل فاه ًما((( ،وقد حكى الآمدي (ت631 :هـ) اتفاق العقالء على هذا
عاقل فاهما للتكليف;
ال�شرط فقال“ :اتفق العقالء على �أن �شرط املكلف �أن يكون اً
لأن التكليف خطاب ،وخطاب من ال عقل له وال فهم حمال كاجلماد والبهيمة“(((،
بل �إن بع�ض من قال بجواز التكليف باملحال ذهب �إلى ا�شرتاط ذلك ،قال الأ�صفهاين
(ت749 :هـ)“ :ووافقهم بع�ض من جوز التكليف باملحال ،بناء على �أن فائدة التكليف:
االبتالء ،وهو ال يت�صور يف تكليف من مل يفهم اخلطاب”(((.
�إذا تقرر ذلك ف�إن هذه القاعدة تتعلق بتكليف من فقد عقله لعار�ض كاجلنون
العار�ض والإغماء ،وقد دلت القاعدة على �أن من فقد عقله لعار�ض غري مكلف
بالأداء حال تلب�سه بذلك العار�ض ،وعلى هذا فال �إثم عليه ،وال يتوجه �إليه اخلطاب
انظر :مواهب اجلليل ،43/4مذكرة يف �أ�صول الفقه �ص.264 (((
انظر :امل�ست�صفى �ص� ،67أ�صول الفقه البن مفلح � ،277/1شرح التلويح على التو�ضيح ،312/2البحر (((
املحيط ،62/2تي�سري التحرير .239/2
الإحكام .150/1 (((
بيان املخت�صر .433/1 (((
حال وجود ذلك العار�ض(((؛ لأنه ال يت�صور منه الأداء وهو متلب�س به قال الرازي (ت:
606هـ)�“ :أما الذي ال ي�صح منه الأداء ف�إما �أن ميتنع ذلك عقال كالنائم واملغمى
عليه ف�إنه ميتنع عقال �صدور فعل ال�صالة منه”(((.
و�أما ال�سكران ف�إنه و�إن كان ال ي�صح منه �أداء العبادة حال �سكره ف�إنه م�ؤاخذ على
تركها والإثم عنه غري مرفوع �إذا كان �سكره باختياره ،قال ابن تيمية (ت728 :هـ):
“ف�أما ال�سكران فقد ن�ص �أحمد �أن القلم يجرى عليه وكذلك ال�شافعي وهو قلم الإثم،
إجماعا”(((.
لي�س مثل املغمى عليه والنائم ف�إن قلم الإثم مرفوع عنهما � ً
وقد دل على هذه القاعدة قول النبي ﷺ« :رفع القلم عن ثالثة ،عن النائم حتى
ي�ستيقظ ،وعن ال�صغري حتى يكرب ،وعن املجنون حتى يعقل �أو يفيق»(((.
وداللة احلديث ظاهرة يف عدم م�ؤاخذة ه�ؤالء ،ويلحق بهم املغمى عليه؛ لأنه يف
معنى النائم ،بل هو �أولى يف عدم امل�ؤاخذة ،قال ابن ال�سبكي (ت771 :هـ)“ :و�إمنا
مل يذكر املغمى عليه يف احلديث؛ لأنه يف معنى النائم”(((.
((( انظر :عوار�ض الأهلية ال�سماوية و�أثرها يف العبادات �ص ،91قواعد و�ضوابط �أ�صولية �صالح عبدالكرمي
https://www.youtube.com/watch?v=hSjQ_7fLdi8
�أما ما يتعلق مب�س�ألة تعلق الوجوب به ومطالبته بالق�ضاء بعد زوال العار�ض ف�سي�أتي -مب�شيئة اهلل
تعالى -من القواعد ما يدل على ذلك ،ومما يح�سن التنبيه �إليه �أن بع�ض الأ�صوليني ممن قال بتكليف
املغمى عليه مرادهم تعلق الوجوب بذمته ال مطالبته بالأداء حال وجود العار�ض .انظر :الوا�ضح يف
ا�صول الفقه � ،75/3أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص.71
((( املح�صول .117/1
((( امل�سودة �ص ،37وانظر� :أ�صول الفقه البن مفلح .285/1
((( �أخرجه بهذا اللفظ الن�سائي وابن ماجه ،وبنحوه �أخرجه �أبو داود والرتمذي.
انظر :ال�سنن الكربى ،كتاب الطالق باب من ال يقع طالقه من الأزواج حديث رقم (،265/5 )5596
�سنن ابن ماجه كتاب الطالق باب طالق املعتوه وال�صغري والنائم حديث رقم (� ،658/1 )2041سنن
�أبي دواد كتاب احلدود باب يف املجنون ي�سرق �أو ي�صيب حدا حديث رقم (� ،455/6 )4403سنن
الرتمذي �أبواب احلدود باب ما جاء فيمن ال يجب عليه احلد حديث رقم (.32/4 )1423
واحلديث روي من طرق كثرية ،وذكر �شيخ الإ�سالم اتفاق �أهل املعرفة على تلقيه بالقبول ،و�صححه ابن
امللقن والألباين .انظر :جمموع الفتاوى ،191/11البدر املنري � ،226/3إرواء الغليل .4/2
((( نقله عنه ال�سيوطي يف الأ�شباه والنظائر = .212/1
املطلب الثاين
(((
الواجب ال�شرعي معلق باال�ستطاعة
فاملكلف مطلوب منه الإتيان بالفعل الواجب عليه ،ويعاقب على ترك الفعل
املطلوب من حيث الأ�صل ،غري �أن الواجبات ال�شرعية معلقة با�ستطاعة املكلف،
فاحلج على �سبيل املثال قال اهلل تعالى فيه( :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ) [�آل عمران .]97 :فهذه القاعدة تدل على �أن الواجب ال�شرعي يف حق
املكلف منوط باال�ستطاعة ،قال الغزايل (ت505 :هـ)“ :وكل �إيجاب م�شروط
باال�ستطاعة”((( ،وقال �شم�س الدين الأ�صفهاين (ت749 :هـ)“ :الإتيان بالواجب
مفو�ض �إلى ا�ستطاعتنا”(((.
وقد دل على القاعدة قوله تعالى( :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) ،وقوله ﷺ:
«ف�إذا نهيتكم عن �شيء فاجتنبوه ،و�إذا �أمرتكم ب�أمر ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم»(((،
ووجه الداللة منهما ظاهر.
�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة:
1.1ترك احل�ضور ل�صالة اجلمعة واجلماعة :تعد �صالة اجلمعة واجبة على املكلف
الذكر ب�شروطها ،وقد دل على وجوبها الكتاب وال�سنة والإجماع ،جاء يف بدائع
ال�صنائع(((“ :فاجلمعة فر�ض ال ي�سع تركها ويكفر جاحدها والدليل على
فر�ضية اجلمعة الكتاب وال�سنة و�إجماع الأمة” .و�صالة اجلماعة واجبة عند
عامة احلنفية((( ،وهو مذهب احلنابلة((( ،وقول كثري من �سلف هذه الأمة(((،
((( امل�ست�صفى �ص.208
((( بيان املخت�صر .27/2
((( �أخرجه البخاري .انظر� :صحيح البخاري كتاب االعت�صام باب االقتداء ب�سنن ر�سول اهلل ﷺ حديث
رقم (.94/9 )7288
((( .256/1وانظر :املب�سوط ،21/2الكايف يف فقه �أهل املدينة ،248/1الكايف يف فقه الإمام �أحمد .320/1
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،155/1البحر الرائق ،24/1النهر الفائق.238/1 ،
ويذكر كثري من احلنفية �أنها �سنة م�ؤكدة ،وقد ف�سر الكا�ساين ذلك بالوجوب .انظر :املو�ضع ال�سابق
من بدائع ال�صنائع.
((( انظر :الكايف يف فقه الإمام �أحمد ،278/1الإن�صاف .210/2
((( انظر :املغني ،130/2فتح الباري البن رجب .450/5
قال الكا�ساين (ت587 :هـ)(((“ :قال عامة م�شايخنا� :إنها واجبة»((( ،وقال
ابن قدامة (ت620 :هـ)“ :اجلماعة واجبة لل�صلوات اخلم�س”(((.
ف�إذا تعذر على املكلف �أداء �صالة اجلمعة �أو ح�ضور �صالة اجلماعة ب�سبب
احلظر املفرو�ض� ،أو ب�سبب اخلوف على النف�س �أو اخلوف على الآخرين؛ خ�شية
انت�شار الفريو�س ف�إن ذلك الواجب ي�سقط عنه ،وال ي�أثم(((؛ لعدم ا�ستطاعته �أداء
الواجب عليه ،وقد دلت القاعدة على �أن الواجبات ال�شرعية معلقة باال�ستطاعة.
2.2ترك زيارة الوالدين يف فرتة احلظر املفرو�ض ب�سبب جائحة كورونا :من
الواجبات ال�شرعية على املكلف الرب بوالديه والإح�سان �إليهما ،قال تعالى:
(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الإ�سراء ،]23 :ومن �أنواع الرب
بهما زيارتهما وتفقد �أحوالهما ،ف�إذا تعذر على املرء زيارة والديه فرتة
احلظر ف�إنه غري م�ؤاخذ بذلك(((؛ لأن الواجبات ال�شرعية معلقة باال�ستطاعة،
لكن يتعني عليه و�صلهما واالطمئنان عليهما بالطرق الأخرى؛ لأن املي�سور ال
ي�سقط باملع�سور(((.
3.3اعتداد املر�أة يف غري بيتها الذي مات زوجها وهي ت�سكن فيه :اختلف الفقهاء
يف وجوب اعتداد املر�أة يف بيتها التي ت�سكنه حني وفاة زوجها((( ،واجلمهور
هو� :أبو بكر بن م�سعود بن �أحمد الكا�ساين احلنفي� ،أحد �أبرز علماء املذهب احلنفي ،برع يف الأ�صول (((
والفروع ،و�ألف كتاب بدائع ال�صنائع ،تويف �سنة 578ه.
انظر :اجلواهر امل�ضية ،244/2تاج الرتاجم �ص.329
بدائع ال�صنائع .155/1 (((
املغني .130/2 (((
وقد �أ�صدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم ( )247املت�ضمن م�شروعية �إيقاف اجلمعة واجلماعة يف (((
مثل هذه اجلائحة ،و�أن من منعه العذر عن �شهودهما ف�إن �أجره تام .انظر :بيان الهيئة على املوقع:
https://www.spa.gov.sa/2048662
انظر :فتوى اجلنة الدائمة للفتوى على املوقعhttps://twitter.com/aliftasa/status/126575743 : (((
8868946945
((( انظر :املنثور يف القواعد الفقهية ،198/3مو�سوعة القواعد الفقهية .1155/11
((( انظر :املب�سوط ،32/6املغني .159-158/8
على وجوب ذلك(((؛ لقوله ﷺ« :امكثي يف بيتك حتى يبلغ الكتاب �أجله»(((،
وعلى ذلك ف�إن تعذر عليها االعتداد يف بيتها ب�سبب احلظر املفرو�ض فال
م�ؤاخذة عليها((( ،ويتعني عليها االعتداد يف بيتها متى ما �أتيح لها ذلك(((.
املطلب الثالث
(((
ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب
هذه القاعدة من القواعد التي �أطال الأ�صوليون احلديث فيها ،واخلالف فيها
بينهم خالف كبري حتى �إن الآمدي (ت631 :هـ) و�صفها ب�أنها م�س�ألة وعرة((( ،وقبل
ذكر �أقوال الأ�صوليني فيها� ،أ�شري �إلى حترير حمل اخلالف فيها ،ذلك �أن ما ال يتم
الواجب �إال به ينق�سم �إلى ق�سمني(((:
((( انظر :الإ�شراف ،796/2املغني � ،158/8إعانة الطالبني .54/4
((( �أخرجه الرتمذي ومالك و�أحمد والبيهقي والطرباين.
انظر� :سنن الرتمذي �أبواب الطالق واللعان باب ماجاء �أين تعتد املتوفى عنها زوجها احلديث رقم
( ،500/3 )1204املوط�أ كتاب الطالق باب مقام املتوفى عنها زوجها..احلديث رقم ،591/2 )087
م�سند الإمام �أحمد احلديث رقم ( ،2845 )277087ال�سنن الكربى للبيهقي كتاب العدد باب �سكنى
املتوفى عنها زوجها احلديث رقم ( ،712/7 )15497املعجم الكبري للطرباين احلديث رقم ()1077
.440/24
واحلديث اختلف يف ت�صحيحه وت�ضعيفه ،فممن �صححه الرتمذي وابن امللقن و�شعيب الأرن�ؤوط ،قال
الرتمذي (“ :)500/3هذا حديث ح�سن �صحيح والعمل على هذا احلديث عند �أكرث اهل العلم”.
و�ضعفه الألباين يف الإرواء .انظر :البدر املنري � ،243/8سنن ابن ماجه بتحقيق �شعيب الأرن�ؤوط
� ،191/3إرواء الغليل .206/7
((( كما لو كانت يف �سفر وتعذر عليها الرجوع لبيتها ب�سبب احلظر.
((( انظر :دليل امل�سلم الفقهي على املوقع الإلكرتوين http://makkah.org.sa/nawazel/ar/
((( انظر :العدة ،419/2امل�سودة �ص ،60البحر املحيط .296/1
((( انظر :الإحكام .111/1
((( من الأ�صوليني من �سلك طري ًقا �آخر يف حترير حمل النزاع يف امل�س�ألة ،وذكر �أن مقدمة الواجب تنق�سم
�إلى ق�سمني -1 :مقدمة الوجوب �أو ماال يتم الوجب �إال به -2 .مقدمة الوجود �أو ما ال يتم الواجب �إال به.
وهذه الطريقة -و�إن كانت �أعم مما ذكرته �أعاله -لكن عنونة امل�س�ألة مبا ال يتم الواجب �إال به يجعل
حترير حمل النزاع على النحو املذكور �أقرب ،واهلل �أعلم .انظر :امل�سودة �ص.61
طرق املحافظة على �أرواح النا�س((( ،و�إذا كانت املحافظة على النفو�س
واجبة ،فما كان طريقا �إلى ذلك فهو واجب.
4.4التقيد بالتعليمات امللزمة ال�صادرة من اجلهات املخت�صة يف الدولة كاحلظر
وغريه؛ لأن فيها ً
حفظا للنف�س ،والتفريط يف االلتزام بهذه التعليمات ينتج
عنه خماطر على نف�س املفرط وغريه((( ،واملحافظة على النف�س واجبة ،فما
�أدى �إلى ذلك يكون واج ًبا.
5.5توفري الرعاية ال�صحية ملر�ضى فريو�س كورونا ،فيجب على الدول توفري
الرعاية ال�صحية ،وما يحتاجه مر�ضى كورونا من �أجهزة �أو �أدوية؛ لأن ذلك
ي�سهم يف املحافظة على النفو�س ،فيكون واج ًبا(((.
املطلب الرابع
(((
املكروه يباح عند احلاجة
املكروه((( من �أق�سام احلكم التكليفي ،وقد ُع ِّرف بتعريفات متعددة ،ومما قيل يف
ذلك �أنه“ :ما تركه خري من فعله»((( ،وقيل“ :ما نهي عنه نهي تنزيه»((( ،وقيل " :ما
طلب ال�شارع تركه طل ًبا غري جازم”(((.
((( انظر :تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد ) التي عقدها جممع الفقه الإ�سالمي
https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar
انظر :تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على الرابط ال�سابق. (((
انظر :تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على الرابط ال�سابق. (((
انظر :جمموع الفتاوى ،312/21منظومة �أ�صول الفقه وقواعده �ص.79 (((
املكروه قد يطلق على احلرام وعلى خالف الأولى ،لال�ستزادة� :أ�صول الفقه البن مفلح ،237/1حتفة (((
امل�س�ؤول ،80/2
رو�ضة الناظر .137/1 (((
التحقيق والبيان .849/1 (((
الوجيز يف �أ�صول الفقه الإ�سالمي .300/1 (((
واملكروه عند جمهور الأ�صوليني يقابله عند احلنفية :املكروه تنزي ًها؛ ذلك �أن
احلنفية ق�سموا املكروه �إلى ق�سمني(((:
جازما بدليل ظني.
1.1مكروه حتر ًميا ،وعنوا به :ما طلب ال�شارع تركه طل ًبا ً
2.2مكروه تنزي ًها ،وهو ما يقابل املكروه عند اجلمهور.
واملكروه بناء على ما �سبق مطلوب الرتك ،و�إن كان ذلك الطلب طل ًبا غري جازم،
فاملكروه يرتجح تركه على فعله ،ويثاب املكلف على تركه و�إن مل يعاقب على فعله(((.
وملا كان حكم املكروه كما تبني �ساب ًقا ،ف�إن هذه القاعدة دلت على �أن الكراهة
تزول مع احلاجة ،فاحلاجة �إلى الفعل تنقل حكمه من الكراهة �إلى الإباحة ،قال
�شيخ الإ�سالم (ت728 :هـ)“ :كل ما كره ا�ستعماله مع اجلواز ف�إنه باحلاجة �إليه...
ال يبقى مكروهً ا”(((.
وميكن �أن ي�ست�أن�س لهذه القاعدة بالأدلة الدالة على التي�سري ورفع احلرج ،كقوله
تعالى( :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة ،]185 :وقوله( :ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [املائدة.]6 :
واكتفي باحلاجة يف زوال الكراهة دون ال�ضرورة؛ “لأن درجة املكروه دون درجة
املحرم ،املحرم منهي عنه على �سبيل الإلزام بالرتك ،وي�ستحق فاعله العقوبة ،واملكروه
منهي عنه على �سبيل الأولوية ،وال ي�ستحق فاعله العقاب ،ولهذا يباح عند احلاجة”(((.
�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة:
1.1لب�س الكمامة((( يف ال�صالة :ن�ص الفقهاء على كراهية تغطية الفم يف
انظر� :شرح التلويح على التو�ضيح ،252/2فتح القدير ،303/2التقرير والتحبري ،80/2تي�سري (((
التحرير ،225/2الوجيز يف �أ�صول الفقه الإ�سالمي .301/1
انظر� :شرح خمت�صر الرو�ضة ،383/1الأجنم الزاهرات �ص.93 (((
جمموع الفتاوى .312/21 (((
منظومة �أ�صول الفقه وقواعده �ص.79 (((
الكمامة هي ما يو�ضع على الفم والأنف للحماية انظر :املعجم الو�سيط ،799/2معجم اللغة العربية (((
املعا�صرة .1960/3
ال ُف َرج فقال“ :ت�سوية ال�صفوف :اعتدال القائمني بها على �سمت واحد ،وقد
تدل ت�سويتها �أي�ضا على �سد ال ُف َرج فيها ،بناء على الت�سوية املعنوية .واالتفاق
على �أن ت�سويتها باملعنى الأول والثاين �أمر مطلوب”(((.
لكن كراهة وجود ُفرج بني امل�صلني تزول عند وجود احلاجة �إليها كاخلوف
من انتقال العدوى((( ،وهذا ما دلت عليه القاعدة.
3.3ال�صالة بني �سواري امل�سجد :تكره ال�صالة بني ال�سواري �إذا قطعت ال�صفوف
قال ابن قدامة (ت620 :هـ)“ :وال يكره للإمام �أن يقف بني ال�سواري ،ويكره
للم�أمومني لأنها تقطع �صفوفهم”(((.
لكن �إذا احتاج امل�صلون لذلك ب�سبب التباعد و�ضيق م�ساحة امل�سجد زالت
الكراهة ،جاء يف الإقناع(((“ :يكره للم�أمومني الوقوف بني ال�سواري �إذا
قطعت �صفوفهم عرفا بال حاجة”.
املطلب اخلام�س
(((
�إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب
هذه القاعدة من القواعد التي انفرد بذكرها -فيما �أعلم -ال�شاطبي (ت:
790هـ) حيث قال�“ :إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب ،ق�صد ذلك امل�سبب �أو ال؛
لأنه ملا جعل م�سبب عنه يف جمرى العادات؛ عد ك�أنه فاعل له مبا�شرة”(((.
= انظر :طبقات ال�شافعية الكربى لل�سبكي ،207/9طبقات احلفاظ �ص.516
((( �إحكام الأحكام .217/1
((( انظر :فتوى جلنة الفتوى مبجمع البحوث الإ�سالمية التابع للأزهر على املوقع:
http://gate.ahram.org.eg/News/2432688.aspx
املغني .161/2وانظر� :شرح التلقني ،703/1الرو�ض املربع �ص.139 (((
.174/1 (((
املوافقات .335/1 (((
املرجع ال�سابق. (((
فاملكلف �إذا �أوقع ال�سبب كان ذلك منه مبنزلة �إيقاع امل�سبب� ،سواء �أق�صد املكلف
ذلك امل�سبب �أم مل يق�صده((( ،وقد دلل ال�شاطبي على هذه القاعدة بقوله“ :وي�شهد
لهذا قاعدة جماري العادات؛ �إذ �أجري فيها ن�سبة امل�سببات �إلى �أ�سبابها ،كن�سبة
ال�شبع �إلى الطعام ،والإرواء �إلى املاء ،والإحراق �إلى النار”(((.
�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة:
من تعمد نقل فريو�س كورونا لغريه عن طريق الب�صق على الب�ضائع �أو نحوها،
فانتقلت العدوى ،وكانت �سب ًبا يف وفاة من �أ�صيب بالعدوى ،ف�إن ناقل العدوى يتحمل
�شرعا؛ لأن �إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب.
تبعة ذلك ً
((( انظر :ال�سبب عند الأ�صوليني ،222/2قواعد و�ضوابط �أ�صولية �صالح عبدالكرمي على املوقع الإلكرتوين:
https: //www.youtube.com/watch?v=hSjQ_7fLdi8
((( املوافقات .335/1
املبحث الثاين
القواعد الأ�صولية املتعلقة بالأدلة
املطلب الأول
(((
�سنة النبي ﷺ حجة ت�ستقل بالت�شريع
تعد �سنة النبي ﷺ امل�صدر الثاين من م�صادر الت�شريع بعد القر�آن الكرمي ،و�سنة
النبي ﷺ هي« :ما �صدر عن النبي ﷺ من غري القر�آن من قول �أو فعل �أو تقرير»(((.
وامل�سلمون جممعون على حجية ما ثبت من �سنة النبي ﷺ قال ابن تيمية (ت:
828هـ)“ :وهذه ال�سنة �إذا ثبتت ف�إن امل�سلمني كلهم متفقون على وجوب اتباعها”(((،
وقال ال�شوكاين“ :اعلم �أنه قد اتفق من يعتد به من �أهل العلم على �أن ال�سنة املطهرة
م�ستقلة بت�شريع الأحكام و�أنها كالقر�آن يف حتليل احلالل وحترمي احلرام”(((.
و�أما كونها ت�ستقل بالت�شريع فعامة �أهل العلم قد ًميا وحدي ًثا على ذلك� ،إال ما
ذهب �إليه ال�شاطبي (ت790 :هـ) من �أن ال�سنة ال ت�ستقل بالت�شريع((( ،والواقع �أن
ال�شاطبي ال ينكر �أن ال�سنة قد ت�أتي ب�أحكام مل ترد بن�صها يف القر�آن الكرمي ،لكنه
يرى �أنها داخلة حتت ن�صو�صه بوجه من الوجوه ،وبالتايل �آل اخلالف بني الفريقني
((( انظر :رو�ضة الناظر � ،273/1إر�شاد الفحول ،96/1املدخل �إلى مذهب الإمام �أحمد �ص200
((( �إر�شاد الفحول .95/1وهذا التعريف عند الأ�صوليني� ،أما تعريف ال�سنة عند املحدثني فهو :ما �أ�ضيف �إلى
النبي ﷺ من قول او فعل �أو تقرير �أو �صفة .انظر� :شرح نخبة الفكر �ص ،156حجية ال�سنة النبوية �ص.91
((( جمموع الفتاوى .85/19
((( �إر�شاد الفحول .96/1وانظر :التقرير والتحبري .225/2
((( انظر :املوافقات .316-314/4
�إلى كونه لفظ ًيا((( ،قال ال�شاطبي“ :فال جتد يف ال�سنة �أم ًرا �إال والقر�آن قد دل على
معناه داللة �إجمالية �أو تف�صيلية”(((.
ومن الأدلة الدالة على حجية ال�سنة وا�ستقاللها بالت�شريع:
(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ 1.1قوله تعالى:
ﮘ) [النور ،]63 :حيث توعد اهلل تعالى من خالف �أمر النبي ﷺ فدل ذلك
على وجوب العمل مبا �صدر عنه ﷺ(((.
2.2قوله تعالى( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الن�ساء ،]80 :حيث جعل طاعة
الر�سول ﷺ من طاعته ،فدل على وجوب طاعته واالمتثال لأمره(((.
�3.3إجماع �أهل العلم حيث �أجمع �أهل العلم املعتربين على �أن ال�سنة الثابتة عن
النبي ﷺ حجة ت�ستقل بت�شريع الأحكام ،قال ال�شافعي (ت204 :هـ)“ :مل �أ�سمع
�أحدا ن�سبه النا�س �أو ن�سب نف�سه �إلى علم يخالف يف �أن فر�ض اهلل اتباع
�أمر ر�سول اهلل والت�سليم حلكمه ب�أن اهلل مل يجعل لأحد بعده �إال اتباعه،
و�أنه ال يلزم قول بكل حال �إال بكتاب اهلل �أو �سنة ر�سوله ،و�أن ما �سواهما تبع
لهما ،و�أن فر�ض اهلل علينا وعلى من بعدنا وقبلنا يف قبول اخلرب عن ر�سول اهلل
واحد ال يختلف يف �أن الفر�ض والواجب قبول اخلرب عن ر�سول اهلل ﷺ”(((.
وقال ال�شوكاين (ت1250 :هـ)“ :اعلم �أنه قد اتفق من يعتد به من �أهل العلم
على �أن ال�سنة املطهرة م�ستقلة بت�شريع الأحكام و�أنها كالقر�آن يف حتليل احلالل
وحترمي احلرام”(((.
((( انظر :ال�سنة ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي �ص� ،420أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص.116
((( املوافقات .316/4
((( انظر :ال�سنة ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي �ص ،417معامل �أ�صول الفقه عند �أهل ال�سنة واجلماعة �ص.124
((( انظر :الر�سالة �ص� ،93إر�شاد الفحول .97/1
((( جماع العلم �ص.3
((( �إر�شاد الفحول .96/1
م�ؤق ًتا(((؛ لعموم الأحاديث الدالة على وجوب االحرتاز كقوله ﷺ« :ال يوردن
ممر�ض على م�صح»((( ،وقوله ﷺ« :وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد»(((.
4.4فر�ض الغرامات املالية على من يخالف الإجراءات االحرتازية((( :يعد فر�ض
الغرامات على من يخالف الإجراءات االحرتازية ملر�ض فريو�س كورونا من
قبيل التعزير باملال ،والتعزير باملال جائز عند بع�ض �أهل العلم ،قال ابن تيمية
(ت728 :هـ)“ :التعزير بالعقوبات املالية م�شروع �أي�ضا يف موا�ضع خم�صو�صة
يف مذهب مالك يف امل�شهور عنه؛ ومذهب �أحمد يف موا�ضع بال نزاع عنه”(((.
وقد دل على جواز ذلك قوله ﷺ»:يف كل �أربعني من الإبل ال�سائمة ابنة لبون،
من �أعطاها م�ؤجترا فله �أجرها ومن كتمها ف�إنا �آخذوها و�شطر �إبله عزمية
من عزمات ربك ،ال يحل ملحمد وال لآل حممد»((( ،حيث دل احلديث على �أنه
يجوز لويل الأمر ان يعاقب ب�أخذ املال(((.
�5.5إنهاء العقود التي ال ميكن تنفيذها ب�سبب جائحة كورونا ويتعذر ت�أجيلها:
فريو�س كورونا يعد جائحة من اجلوائح قد يتعذر معها الوفاء ببع�ض العقود
كعقود ال�سفر وعقود ت�أجري املنافع ،ف�إذا تعذر ا�ستيفاء العقد ملثل هذا الظرف
الطارئ انف�سخ العقد و�سقطت الأجرة(((؛ لعموم قوله ﷺ« :فبم ي�ستحل
انظر :قرار هيئة كبار العلماء على املوقع https://www.spa.gov.sa/2048662 (((
((( �سبق تخريجه.
((( �أخرجه البخاري .انظر� :صحيح البخاري كتاب الطب باب اجلذام احلديث رقم (.126/7 )5707
((( انظر :دليل امل�سلم الفقهي على املوقع الإلكرتوين http://makkah.org.sa/nawazel/ar/
((( احل�سبة �ص .348وانظر :الإقناع .270/4
((( �أخرجه بهذا اللفظ البيهقي ،وبنحوه �أبو داود والن�سائي.
انظر :ال�سنن الكربى للبيهقي كتاب الزكاة باب ما ورد فيمن كتمه ،احلديث رقم (،176/4 )7328
�سنن �أبي داود كتاب الزكاة باب يف زكاة ال�سائمة احلديث رقم ( ،26/3 )1575ال�سنن ال�صغرى
للن�سائي كتاب الزكاة باب عقوبة مانع الزكاة احلديث رقم (.15/5 )2444
قال ابن امللقن يف خال�صة البدر املنري (“ :)296/1ال �أعلم له علة غري بهز ،واجلمهور على توثيقه”.
واحلديث �صحح �إ�سناده احلاكم وح�سنه الألباين .انظر :امل�ستدرك � ،554/1إرواء الغليل .264/3
((( انظر :نيل الأوطار .146/4
((( انظر :مقال الدكتور خالد الذيابي على املوقع الإلكرتوين = https://sabq.org/Bq8HXR
�أحدكم مال �أخيه»((( ،جاء يف جمموع الفتاوى(((“ :وال خالف بني الأمة �أن
تعطل املنفعة ب�أمر �سماوي يوجب �سقوط الأجرة �أو نق�صها �أو الف�سخ”.
6.6املنع من احتكار بع�ض ال�سلع التي يحتاجها النا�س يف مثل �أزمة كورونا �سواء
�أكانت �سل ًعا غذائية �أم طبية �أم غريها((( :فاالحتكار هو حب�س ال�سلع ترب�صً ا
للغالء((( ،وقد ورد النهي عنه يف قوله ﷺ« :من احتكر فهو خاطئ»((( ،قال
ال�شوكاين (ت1250 :هـ)“ :والت�صريح ب�أن املحتكر خاطئ كاف يف �إفادة
عدم اجلواز ،لأن اخلاطئ :املذنب العا�صي”(((.
املطلب الثاين
(((
الإجماع حجة �شرعية
الإجماع من الأدلة املتفق عليها من حيث اجلملة((( ،وقيل يف تعريفه �إنه« :اتفاق
جمتهدي الع�صر من هذه الأمة بعد وفاة النبي ﷺ على �أمر ديني»(((.
= وانظر :فتوى الدكتور ح�سام الدين عفانة على املوقع الإلكرتوين http://yasaloonak.net/
((( �أخرجه البخاري وم�سلم ،واللفظ مل�سلم.
انظر� :صحيح البخاري كتاب البيوع باب �إذا باع الثمار قبل �أن يبدو �صالحها ..احلديث رقم ()2198
� ،77/3صحيح م�سلم كتاب امل�ساقاة باب و�ضع اجلوائح احلديث رقم (.1190/3 )1555
((( .293/30
((( انظر :تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على املوقع:
https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar
((( انظر :البناية �شرح الهداية .210/12
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه كتاب امل�ساقاة باب حترمي االحتكار يف الأقوات احلديث رقم (.1227/3 )1605
((( نيل الأوطار .261/5
((( انظر :الإحكام ،200/1البحر املحيط ،،384/6التقرير والتحبري .83/3
((( وال يناق�ض هذا ما �سيتم ذكره من خالف يف حجيته؛ �إذ �إن من ع َّد الإجماع من الأدلة املتفق عليها مل
يلتفت �إلى خالف من خالف يف حجيته ،جاء يف بيان املخت�صر (“ :)530/1وال يعتد بالنظام وبع�ض
اخلوارج وال�شيعة ; ل�شذوذهم بالن�سبة �إلى �أهل احلق”.
((( غاية ال�سول �إلى علم الأ�صول �ص.81
والإجماع له �أنواع خمتلفة لي�س هذا مقام تف�صيلها ،لكن يعنينا هنا احلديث عن
حجية الإجماع من حيث الأ�صل ،حيث وقع خالف يف حجيته على النحو الآتي:
القول الأول :الإجماع حجة.
وهذا هو مذهب �أكرث علماء الأمة من ال�سلف واخللف ممن يعتد بقولهم(((.
القول الثاين� :إجماع ال�صحابة وحدهم حجة.
ذهب �إلى هذا القول الظاهرية الظاهرية(((.
القول الثالث :الإجماع لي�س بحجة.
ذهب �إلى هذا القول النظام من املعتزلة (ت221 :هـ)((( ،واخلوارج(((.
ومن الأدلة على حجية الإجماع:
1.1قوله تعالى( :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ) [الن�ساء ،]115 :وجه الداللة� :أن م�شاقة
الر�سول ﷺ حمرمة ،وقد جمع بينها وبني اتباع �سبيل غري امل�ؤمنني ورتب
الوعيد على ذلك ،فدل على حترمي اتباع �سبيل غري امل�ؤمنني ،و�إذا كان ذلك
حمر ًما وجب اتباع �سبيلهم ،و�إذا كان اتباع �سبيلهم واج ًبا ف�إجماعهم حجة(((.
2.2قوله تعالى( :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ) [البقرة ،]143 :والو�سط العدل((( ،قال �أبو يعلى (ت458 :هـ)
انظر :الإحكام ،200/1الإبهاج ،353/2التحبري �شرح التحرير ،1530/4التقرير والتحبري .83/3 (((
انظر :الإحكام البن حزم ،147/4ت�شنيف امل�سامع .94/3 (((
النظام هو� :إبراهيم بن �سيار ال�ضبعي الب�صري ،املعروف بالنظام� ،شيخ املعتزلة ،كان �أ�صوليا متكلما، (((
ومن م�ؤلفاته :اجلواهر والأعرا�ض ،والنبوة ،تويف �سنة (221هـ).
انظر :تاريخ بغداد � ،623/6سري �أعالم النبالء .541/10
انظر :الإحكام ،200/1الإبهاج ،353/2التحبري �شرح التحرير ،1530/4التقرير والتحبري .83/3 (((
انظر� :أ�صول الفقه البن مفلح ،371/2الإبهاج � ،353/2إر�شاد الفحول .198/1 (((
انظر :تف�سري ابن كثري � ،455/1أي�سر التفا�سري .508/4 (((
يف بيان وجه الداللة« :و�إذا �أخرب اهلل تعالى �أن الأمة عدل ،مل يجز عليهم
ال�ضاللة؛ لأنه ال عدالة مع ال�ضاللة ،وجعلهم �شهداء على النا�س ،كما جعل
الر�سول �شهيدا عليهم ،فلما كان قول الر�سول ﷺ حجة ،كذلك قول الأمة»(((.
3.3قوله تعالى( :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ) [�آل عمران ،]110 :وجه الداللة� :أن اهلل تعالى و�صف
هذه الأمة باخلريية؛ لكونها ت�أمر باملعروف وتنهى عن املنكر ،فلزم من ذلك
كون الإجماع حجة� ،إذ لو �أجمعوا على ما لي�س بحق ملا كانوا �آمرين باملعروف
ناهني عن املنكر(((.
�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة:
نق�ض و�ضوء امل�صاب بفريو�س كورونا �إذا �أغمي عليه :تقرر فيما �سبق �أن الإغماء
من الأعرا�ض التي قد تظهر على بع�ض من ي�صاب بفريو�س كورونا ،فمن �أ�صيب
بالإغماء ممن �أ�صيب بفريو�س كورونا وكان على طهارة انتق�ض و�ضو�ؤه؛ وذلك
للإجماع على كون الإغماء ناق�ض من نواق�ض الو�ضوء ،جاء يف �شرح الزرك�شي
على خمت�صر اخلرقي(((« :واملزيل للعقل على �ضربني ،نوم وغريه ،فغريه كاجلنون
والإغماء ،ونحو ذلك ،ينق�ض �إجماعا ،حكاه ابن املنذر يف الإغماء».
املطلب الثالث
(((
القيا�س حجة �شرعية
عرف القيا�س بتعريفات كثرية ،ومن �أ�شهر ما قيل يف ذلك �أنه�“ :إثبات حكم
معلوم يف معلوم �آخر ال�شرتاكهما يف علة احلكم عند املثبت”(((.
العدة .1072/4 (((
انظر :ا�صول الفقه البن مفلح ،373/2نهاية الو�صول .2475/6 (((
.236/1وانظر :الإجماع البن املنذر �ص ،33البناية �شرح الهداية .286/1 (((
انظر :نهاية الو�صول ،3051/7البحر املحيط .25/7 (((
الإبهاج .3/3 (((
حكمه به� ،إما يف حكمه� ،أو قدره� ،أو �صفته...و�إذا كان حقيقة االعتبار ما ذكرنا،
وهو حم�ض القيا�س اقت�ضت الآية وجوب ذلك ،والأمر به ،وامل�صري �إليه”(((.
2.2حديث معاذ حينما بعثه النبي ﷺ �إلى اليمن وقال له« :كيف تق�ضي
�إذا عر�ض لك ق�ضاء؟» قال� :أق�ضى بكتاب اهلل ،قال« :ف�إن مل جتد يف كتاب
اهلل؟» قال :فب�سنة ر�سول اهلل ﷺ :قال« :ف�إن مل جتد يف �سنة ر�سول اهلل ﷺ
وال يف كتاب اهلل؟» قال� :أجتهد ر�أيي وال �آلو((( ،ف�ضرب ر�سول اهلل ﷺ �صدره
وقال« :احلمد هلل الذي وفق ر�سول ر�سول اهلل ملا ير�ضي ر�سول اهلل»((( ،قال
((( العدة .1291/4
((( وال �آلو� :أي ال �أق�صر يف االجتهاد ،وال �أترك بذل الو�سع فيه.
انظر :معامل ال�سنن .153/4
((( �أخرجه بهذا اللفظ �أبوداود وبنحوه الرتمذي وابن �أبي �شيبة و�أحمد والبيهقي.
انظر� :سنن �أبي داود ،كتاب الأق�ضية باب اجتهاد الر�أي يف الق�ضاء ،احلديث رقم (� ،15/4 ،)3592سنن
الرتمذي ،كتاب الأحكام باب ما جاء يف القا�ضي كيف يق�ضي ،احلديث رقم ( ،607/3 )1327م�صنف
ابن �أبي �شيبة ،كتاب �أق�ضية ر�سول اهلل ﷺ ،احلديث رقم ( ،13/7 )59م�سند الإمام �أحمد ،احلديث
رقم ( ،333/36 )22007ال�سنن الكربى للبيهقي ،كتاب �آداب القا�ضي باب ما يق�ضي به القا�ضي ويفتي
به املفتي ،ف�إنه غري جائز له �أن يقلد �أحدً ا من �أهل دهره ،...احلديث رقم (.195/10 )20339
واحلديث رواه احلارث بن عمرو عن نا�س من �أ�صحاب معاذ ،و�أُع َّل بثالث علل:
�أ -جهالة �أ�صحاب معاذ .
ب -جهالة احلارث بن عمرو.
ج -الإر�سال.
ولذلك �ضعف احلديث جماعة من �أهل العلم ،منهم :البخاري ،والرتمذي ،وابن حزم وابن اجلوزي ،والألباين.
قال البخاري يف التاريخ الكبري (“ :)277/2احلارث بن عمرو ابن �أخي املغرية بن �شعبة الثقفي ،عن
�أ�صحاب معاذ عن معاذ ،روى عنه �أبو عون ،وال ي�صح وال يعرف �إال بهذا مر�سل”.
وقال الرتمذي يف �سننه (“ :)608/3هذا حديث ال نعرفه �إال من هذا الوجه ،ولي�س �إ�سناده عندي مبت�صل”.
وقال ابن اجلوزي يف العلل املتناهية (“ :)758/2هذا حديث ال ي�صح ،و�إن كان الفقهاء كلهم يذكرونه
يف كتبهم ،ويعتمدون عليه.”...
ومن العلماء من �صحح احلديث؛ نظ ًرا ل�شهرته ،وتلقي الأمة له بالقبول ،قال اخلطيب البغدادي يف
الفقيه واملتفقه (“ :)189/1ف�إن اعرت�ض املخالف ب�أن قال :ال ي�صح هذا اخلرب؛ لأنه ال يروى �إال عن
�أنا�س من �أهل حم�ص مل ي�سموا فهم جماهيل ،فاجلواب� :أن قول احلارث بن عمرو :عن �أنا�س من
�أ�صحاب معاذ يدل على �شهرة احلديث ،وكرثة رواته ،وقد عرف ف�ضل معاذ وزهده= ،
ابن ال�سبكي (ت772 :هـ) يف بيان وجه الداللة“ :واملراد بالر�أي القيا�س قال
�إمام احلرمني وال يجوز �أن يقال �أراد بالر�أي اال�ستنباط من الكتاب وال�سنة
ف�إن ذلك لو كان على هذه الوجه لكان مت�سكا بالكتاب وال�سنة”(((.
�3.3إجماع ال�صحابة على العمل بالقيا�س وعدم الإنكار على من عمل به،
قال �صفي الدين الهندي (ت715 :هـ)“ :الإجماع ،وهو املعول عليه جلماهري
املحققني من الأ�صوليني”(((.
�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة:
1.1اخلروج من البلد �أو القرية التي وقع فيها وباء كورونا :ورد عن النبي ﷺ النهي عن
القدوم �إلى الأر�ض التي وقع فيها الطاعون(((� ،أو اخلروج منها فرارًا منه ،فقال ﷺ:
«الطاعون رج�س �أر�سل على طائفة من بني �إ�سرائيل� ،أو على من كان قبلكم ،ف�إذا
= والظاهر من حال �أ�صحابه الدين والتفقه ،والزهد وال�صالح ،وقد قيل �إن عبادة بن ن�سي رواه عن
عبدالرحمن بن غنم عن معاذ ،وهذا �إ�سناده مت�صل ،ورجاله معروفون بالثقة ،على �أن �أهل العلم
تقبلوه ،واحتجوا به فوقفنا بذلك على �صحته عندهم”.
وقال ابن القيم يف �إعالم املوقعني (“ :)194/1فهذا حديث و�إن كان عن غري م�سمني فهم �أ�صحاب
معاذ ،فال ي�ضره ذلك؛ لأنه يدل على �شهرة احلديث ،و�أن الذي حدث به احلارث بن عمرو عن جماعة
من �أ�صحاب معاذ ال واحد منهم ،وهذا �أبلغ يف ال�شهرة من �أن يكون عن واحد منهم لو ُ�س ِّمي ،كيف
و�شهرة �أ�صحاب معاذ بالعلم والدين والف�ضل وال�صدق باملحل الذي ال يخفى ،وال يعرف يف �أ�صحابه
متهم وال كذاب ،وال جمروح ،بل �أ�صحابه من �أفا�ضل امل�سلمني وخيارهم ...كيف و�شعبة حامل لواء هذا
احلديث؟ ،وقد قال بع�ض �أئمة احلديث� :إذا ر�أيت �شعبة يف �إ�سناد حديث فا�شدد يديك به”.
انظر :الإحكام البن حزم ،1257/7حتفة الطالب �ص ،125 - 124خال�صة البدر املنري ،424/2تلخي�ص
احلبري � ،445/4ضعيف �سنن الرتمذي �ص� ،124سل�سلة الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة .274/2
((( الإبهاج .12/3
((( نهاية الو�صول .3108/7وانظر :الإبهاج ،13/3البحر املحيط ،33/7الأجنم الزاهرات �ص.228
((( اختلف �أهل العلم يف املراد بالطاعون ،فقيل :املر�ض العام الذي يف�سد الهواء والأمزجة والأبدان ،وقيل:
الوباء ،وقيل :حبة �أو غدة تخرج يف الآباط وبع�ض نواحي اجل�سد .انظر :فتح الباري ،180/10عمدة
القاري .171/5
وعلى القول ب�أن املراد به الوباء �أو املر�ض العام فيدخل وباء كورونا يف م�سمى الطاعون من غري حاجة
�إلى قيا�س.
�سمعتم به ب�أر�ض فال تقدموا عليه ،و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا فرارا
منه»((( ،وهذا النهي معلق بق�صد الفرار من وباء الطاعون ،وقد ذهب ابن حزم (ت:
465هـ) �إلى حترمي اخلروج يف هذه احلال((( ،ف�إذا قيل �إن هذا احلكم معلل((( ،و�أن
العلة هي خ�شية انت�شار املر�ض((( ،فيقا�س فريو�س كورونا على الطاعون((( ،ويقال ب�أن
اخلروج من البلد �أو املكان الذي وقع فيه وباء كورونا منهي عنه �إذا كان اخلروج لأجل
الفرار منه(((؛ لوجود العلة فيه وهي خ�شية انت�شار املر�ض.
2.2ق�ضاء من �أ�صيب بالإغماء ب�سبب فريو�س كورونا لل�صلوات الفائتة :اختلف
الفقهاء يف ق�ضاء املغمى عليه لل�صلوات الفائتة((( ،وامل�شهور من مذهب
احلنابلة وجوب الق�ضاء((( ،ومما ا�ستندوا عليه يف ذلك القيا�س ،حيث
قا�سوا املغمى عليه على النائم ،قال ابن قدامة (ت620 :هـ)“ :وجملة ذلك
�أن املغمى عليه حكمه حكم النائم”(((.
وبناء على هذا القول فمن �أ�صيب بالإغماء ب�سبب مر�ض كورونا حتى فاتته
ال�صلوات فيتعني عليه ق�ضاء ما فاته قيا�سا على النائم.
لكن هذا القيا�س فيما يظهر قيا�س مع الفارق؛ لوجود الفارق بني املغمى عليه
((( �أخرجه البخاري وم�سلم ،واللفظ للبخاري.
انظر� :صحيح البخاري كتاب �أحاديث النبي باب �أحاديث الغار احلديث رقم (� ،175/4 )3473صحيح
م�سلم كتاب ال�سالم باب الطاعون والطرية.1737/4 )2218(..
((( انظر :املحلى بالآثار .304/3والقول بالتحرمي هو ظاهر كالم ال�شيخ حممد بن عثيمني ،وذهب الإمام
مالك �إلى �أن النهي الوارد يف احلديث نهي �إر�شاد .انظر :الذخرية ،326/13البيان والتح�صيل .397/1
((( انظر :الفواكه الدواين .241/2
((( انظر :الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون على الرابط الإلكرتوين
https: //www.alukah.net/library/0/140336/
انظر :املرجع ال�سابق. (((
ويقال فيه ما قيل يف النهي الوارد يف الطاعون من ناحية احلكم التكليفي. (((
انظر :رو�ضة الطالبني ،190/1البناية �شرح الهداية ،649/2الثمر الداين �ص.196 (((
انظر :املغني ،290/1الكايف .176/1 (((
املغني .290/1 (((
والنائم ،بل �إن بع�ض احلنابلة ن�ص على الفارق بينهما يف باب نواق�ض الو�ضوء(((،
وجاء يف ال�شرح املمتع(((“ :قيا�سه على النائم لي�س ب�صحيح ،فالنائم ي�ستيقظ �إذا
�أوقظ ،و�أما املغمى عليه ف�إنه ال ي�شعر”.
املطلب الرابع
(((
يجوز القيا�س يف العبادات
من القواعد التي بحثها الأ�صوليون :القيا�س يف العبادات ،وال يق�صد بهذه القاعدة
�إثبات عبادة م�ستقلة بالقيا�س؛ ف�إن هذا غري جائز؛ لأن العبادات توقيفية((( ،و�إمنا املراد
القيا�س يف �أحكام العبادات عند تعقل املعنى الذي �شرع لأجله احلكم ،جاء يف ال�شرح
املمتع(((« :املراد بقول �أهل العلم ال قيا�س يف العبادات� ،أي :يف �إثبات عبادة م�ستقلة� ،أما
�شروط يف عبادة وما �أ�شبه ذلك ،مع ت�ساوي العبادتني يف املعنى فال ب�أ�س به ،وما زال
قيا�سا على الو�ضوء،العلماء ي�ستعملون هذا ،كقولهم جتب الت�سمية يف الغ�سل والتيمم ً
ولي�س هناك فرق م�ؤثر بني املحرم �إذا خ�شي مان ًعا ،وبني املعتكف �إذا خ�شي مان ًعا».
�إذا علم هذا فقد اختلف الأ�صوليون يف القيا�س يف العبادات على النحو التايل:
القول الأول :يجوز القيا�س يف العبادات.
هذا هو قول ال�شافعية((( ،واختاره بع�ض احلنابلة((( ،ون�سبه املرداوي (ت:
885هـ) �إلى �أكرث القائلني بالقيا�س(((.
انظر :الكايف .84/1 (((
.17/2 (((
انظر :الفائق ،255/2الإبهاج .30/3 (((
انظر :القيا�س يف العبادات حكمه و�أثره �ص.429 (((
.524/6وانظر :نربا�س العقول �ص ،140ما ال يجري فيه القيا�س �ص.170 (((
انظر :نهاية الو�صول ،3229/7ت�شنيف امل�سامع .164/3 (((
انظر :التحبري �شرح التحرير � ،3515/7شرح الكوكب املنري .220/4 (((
انظر :حترير املنقول �ص.296 (((
املطلب اخلام�س
(((
مذهب ال�صحابي حجة
من القواعد التي بحثها الأ�صوليون حجية قول ال�صحابي ،ومرادهم مذهبه
ب�شكل عام �سواء علم بقوله �أو فعله((( ،وقد اختلف يف تعريف ال�صحابي ،واخلالف
يف ذلك مبني على م�س�ألة ا�شرتاط طول ال�صحبة ،فمن ر�أى �أن ال�صحبة تثبت مبجرد
لقيا النبي ﷺ مع الإميان به واملوت على ذلك((( عرف ال�صحابي ب�أنه« :من لقي
النبي ﷺ م�ؤمنا به ومات على الإ�سالم»(((.
ومن ا�شرتط طول ال�صحبة واملالزمة((( عرفه ب�أنه« :من ر�أى النبي ﷺ واخت�ص
به اخت�صا�ص ال�صاحب بامل�صحوب ،وطالت مدة �صحبته ،و�إن مل يرو عنه»(((.
وقبل ذكر الأقوال يف حجية مذهب ال�صحابي يح�سن حترير حمل اخلالف على
النحو التايل:
1.1ال�صحابي �إذا قال اً
قول وانت�شر بني ال�صحابة دون �إنكار منهم ف�إن ذلك يعد
من قبيل الإجماع ال�سكوتي(((.
2.2ال�صحابي �إذا قال اً
قول وخالفه غريه من ال�صحابة فباالتفاق ال يكون قوله
حجة على غريه من ال�صحابة(((.
انظر :الإحكام ،149/4بيان املخت�صر .275/3 (((
انظر :حا�شية البناين .546/2 (((
انظر :انظر :خمت�صر املنتهى ،599/1تدريب الراوي .191/2 (((
الإ�صابة .4/1 (((
انظر :التمهيد ،173/3التقرير والتحبري .261/2 (((
الإحكام .92/2 (((
انظر :بذل النظر �ص� ،537أ�صول الفقه البن مفلح .1450/4 (((
انظر :الإحكام ،149/4نهاية الو�صول .3981/8 (((
�3.3إذا رجع ال�صحابي عن قوله فال ي�صح االحتجاج به وقد رجع عنه(((.
�4.4إذا قال ال�صحابي اً
قول يف م�س�ألة اجتهادية ،ومل ي�شتهر قوله بني ال�صحابة،
ومل يخالفه غريه ،ومل يثبت رجوعه عنه ،فهذا هو حمل اخلالف(((.
�إذا تقرر ما �سبق فقد اختلف الأ�صوليون يف حجية مذهب ال�صحابي على �أقوال
�أ�شهرها:
القول الأول :مذهب ال�صحابي حجة.
ذهب �إلى هذا القول بع�ض احلنفية((( ،وهو قول الإمام مالك((( ،واختيار �أكرث
احلنابلة(((.
القول الثاين :مذهب ال�صحابي لي�س بحجة.
ن�سب هذا القول �إلى �أبي احل�سن الكرخي (ت340 :هـ)((( ،وهو قول بع�ض املالكية(((،
وكثري من ال�شافعية(((.
القول الثالث :مذهب ال�صحابي حجة �إذا خالف القيا�س(((.
ذهب �إلى هذا القول الغزايل (ت505 :هـ) يف املنخول(.((1
ومن الأدلة على حجية مذهب ال�صحابي:
((( انظر :ك�شف الأ�سرار .223/3
((( انظر :العدة ،1178/4قواطع الأدلة .9/2
((( انظر :الف�صول يف الأ�صول � ،173/2أ�صول ال�سرخ�سي .108/2
((( انظر� :شرح تنيح الف�صول �ص ،445حتفة امل�س�ؤول .235/4
((( انظر :العدة � ،1185/4شرح خمت�صر الرو�ضة ،185/3التحبري �شرح التحرير .3800/8
((( انظر :الف�صول يف الأ�صول .172/2
((( انظر :املنهاج ب�شرحه الإبهاج ،192/3منتهى ال�س�ؤول والأمل �ص.206
((( انظر :التب�صرة �ص ،395امل�ست�صفى �ص.168
((( �أ�شار العطار �إلى �أن املراد بالقيا�س هنا القيا�س الأ�صويل .انظر :حا�شية العطار .297/2
(�((1ص.585
2.2ال�صالة يف البيوت بال �إقامة :الإقامة فر�ض كفاية عند بع�ض ال�شافعية(((،
وهو ال�صحيح من مذهب احلنابلة((( ،ف�إذا �صلى النا�س يف بيوتهم لأجل
احلظر املفرو�ض ب�سبب جائحة كورونا ،فهل يجوز لهم ال�صالة بال �إقامة؟
ثبت عن ابن م�سعود � أنه �صلى ببع�ض �أ�صحابه يف داره بال �أذان وال
�إقامة((( ،وبناء عليه يجوز ملن �صلى يف البيوت ب�سبب تعليق احل�ضور للم�ساجد
جلائحة كورونا ال�صالة بال �إقامة(((.
املطلب ال�ساد�س
�سد الذرائع حجة
املراد ب�سد الذرائع منع الو�سيلة املباحة التي تف�ضي �إلى مف�سدة((( ،فقاعدة �سد
الذرائع مبنية على النظر �إلى م�آالت الأفعال� ،سواء ق�صد الفاعل ذلك امل�آل �أو ال،
فاحلكم يبنى على نتيجة الفعل(((.
والذرائع تنق�سم �إلى ما ي�أتي(((:
1.1ما �أدى �إلى املف�سدة قط ًعا.
= فهذا الأثر املروي عن عائ�شة ال يثبت ،ولو قيل بثبوته لدل �أي�ضا على جواز الأذان يف البيوت
للن�ساء ،وقد افتى �سماحة ال�شيخ عبدالعزيز بن باز بعدم م�شروعية الأذان للن�ساء لعدم ثبوت ذلك
عن عائ�شة .انظر :فتوى �سماحته على املوقع الإلكرتوينhttps://binbaz.org.sa/ :
((( انظر :املهذب .107/1
((( انظر :ال�شرح الكبري ،390/1الإن�صاف .407/1
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة باب الندب �إلى و�ضع الأيدي على الركب..
برقم (.378/1 )534
((( و�إن كان ذلك خالف الأولى .انظر :املب�سوط � ،133/1شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي .515/1
وميكن �أن يقال� :إن فر�ض الكفاية يتحقق بالإقامة يف احلرمني ال�شريفني� ،أو يف امل�ساجد التي ي�ؤذن
ب�إقامة ال�صالة فيها.
((( انظر� :أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص.211
((( انظر :قاعدة �سد الذرائع يف �أ�صول الفقه �ص.6
((( هذا هو تق�سيم ال�شاطبي يف املوافقات .54/3وانظر� :سد الذرائع و�أثره يف الفروع الفقهية �ص.50
وجه الداللة� :أن اهلل تعالى نهى عن �سب �آلهة الكفار �سدً ا للذريعة لئال يقوم
�أولئك ب�سب اهلل تعالى(((.
(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) 2.2قوله تعالى:
[البقرة.]104 :
وجه الداللة� :أن اهلل تعالى نهى امل�ؤمنني عن قول هذه الكلمة لئال يكون ذلك
ذريعة �إلى الت�شبه باليهود(((.
3.3قوله تعالى( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ) [اجلمعة.]9 :
وجه الداللة� :أن اهلل تعالى نهى عن البيع مع نداء اجلمعة الثاين لئال يكون
ذلك ذريعة �إلى الت�شاغل عن �صالة اجلمعة(((.
�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة:
�1.1إذا كانت امل�صافحة مظنة لنقل العدوى فيجب ترك م�صافحة الآخرين �سدً ا
لذريعة انت�شار العدوى بفريو�س كورونا.
2.2يجوز للجهات املخت�صة �إغالق املحالت التي ال حتقق التباعد اجل�سدي
كمحالت احلالقة �سدً ا لذريعة انت�شار فريو�س كورونا(((.
3.3يجوز للدول املنع من ال�سفر خارج البلد �أو من القدوم �إليها �سدً ا لذريعة
انت�شار املر�ض.
4.4يجوز للجهات املخت�صة �إغالق الدوائر احلكومية وتعليق احل�ضور لأماكن
انظر� :أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص.212 (((
انظر� :أعالم املوقعني .110/3 (((
انظر� :أعالم املوقعني .111/3 (((
انظر يف الفروع من :5-2تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد ) التي عقدها جممع الفقه الإ�سالمي (((
https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar
اخلامتة
احلمد هلل الذي تتم بنعمته ال�صاحلات� ،أحمده على ما ي�سر يل من
�أمر �إمتام هذا البحث ،فله احلمد على جزيل عطائه وعظيم نعمه.
و� ْإذ بلغ البحث نهايته ف�إنه من املنا�سب �أن �أ�سرد �أبرز النتائج التي تو�صلت �إليها
على النحو التايل:
�1.1أن ربط الأحكام الفقهية للنوازل املعا�صرة بقواعدها ي�ؤكد على �صالحية
ال�شريعة لكل زمان ومكان.
2.2ربط الأحكام الفقهية املتعلقة بجائحة كورونا امل�ستجد بقواعدها الأ�صولية
يك�سبها قوة بح�سب تخريج امل�س�ألة اجلديدة على القاعدة الأ�صولية
واال�ستدالل لها.
3.3الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة واملندرجة حتت القواعد الأ�صولية تربز
ي�سر ال�شريعة الإ�سالمية ،ومراعاتها لأحوال النا�س ،و�سعيها للمحافظة على
النف�س الب�شرية.
4.4فريو�س كورونا من الأمرا�ض التنف�سية ،وقد �صنفته منظمة ال�صحة العاملية
كجائحة.
5.5من القواعد الأ�صولية امل�ؤثرة يف �أحكام هذه اجلائحة قاعدة( :فاقد العقل
لعار�ض غري مكلف) وينبني عليها عدم م�ؤاخذة من فاتته العبادة ب�سبب
الإغماء الناجت عن الإ�صابة بفريو�س كورونا.
6.6قاعدة (الواجب ال�شرعي معلق باال�ستطاعة) لها ت�أثري يف �أحكام هذه
اجلائحة حيث ي�سقط وجوب ح�ضور اجلمعة واجلماعة �إذا تعذر ذلك ب�سبب
احلظر.
7.7ال ي�ؤاخذ الإن�سان �إذا تعذر عليه زيارة والديه ب�سبب احلظر املفرو�ض لأن
الواجبات ال�شرعية معلقة باال�ستطاعة.
�8.8إذا تعذر على املتوفى عنها زوجها االعتداد يف بيت الزوجية ب�سبب احلظر
فال م�ؤاخذة عليها ويتعني عليها االعتداد يف بيتها متى ما �أتيح ذلك.
9.9قاعدة (ما اليتم الواجب �إال به فهو واجب) تدل على وجوب تعاطي الأدوية
التي يغلب على الظن �أنها �سبب لل�شفاء من هذا الفريو�س ،وتدل على وجوب
منع االجتماعات التي تكون مظنة النتقال العدوى.
1010يجوز لب�س الكمامة يف ال�صالة عند خ�شية انتقال العدوى بال كراهة لأن
الكراهة تزول عند احلاجة.
1111كراهة وجود ُف َرج بني امل�صلني تزول عند وجود احلاجة لقاعدة (الكراهة
تزول عند احلاجة).
1212قاعدة (�إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب) تدل على �أن من تعمد نقل
الفريو�س ف�إنه م�ؤاخذ ويتحمل تبعات ذلك.
1313من القواعد الأ�صولية امل�ؤثرة يف �أحكام هذه اجلائحة (�سنة النبي ﷺ حجة
ت�ستقل بالت�شريع).
1414يتعني على الأم امل�صابة عدم �إر�ضاع طفلها من ثديها �إذا كان ذلك مظنة
لنقل العدوى �إليه؛ حلديث (ال يوردن ممر�ض على م�صح).
1515يجوز تعطيل احل�ضور للم�ساجد وال�صالة فيها �إذا غلب على الظن �أن تكون
م�صد ًرا لنقل العدوى؛ للحديث ال�سابق.
�1616إذا تعذر ا�ستيفاء العقود ب�سبب هذه اجلائحة جاز ف�سخها؛ حلديث (فبم
ي�ستحل �أحدكم مال �أخيه).
1717من �أ�صيب بالإغماء ب�سبب الفريو�س وكان متطه ًرا ف�إن و�ضوئه ينتق�ض
للإجماع على كون الإغماء ناق ضً� ا للو�ضوء ،والإجماع حجة �شرعية.
1818القيا�س حجة �شرعية فيقا�س وباء كورونا على الطاعون فيمنع اخلروج من
البلد فرا ًرا منه.
قيا�سا
1919يجوز القيا�س يف العبادات وبناء عليه يجوز �أداء �صالة العيد يف البيوت ً
على جواز ق�ضائها فيها.
2020من القواعد الأ�صولية (مذهب ال�صحابي حجة) ،وقد ذهب بع�ض املعا�صرين
�إلى م�شروعية الأذان يف البيت؛ لفعل عائ�شة .
2121قاعدة �سد الذرائع لها ت�أثري يف �أحكام هذه النازلة ،فيجوز للجهات املخت�صة
�إغالق املحالت ،وتعطيل الأعمال ،واملنع من ال�سفر خارج البلد؛ �سدً ا لذريعة
انت�شار العدوى.
خلف (ت474 :هـ) ،حتقيق حممد علي فركو�س ،املكتبة املكية ،مكة املكرمة،
ط :الأولى1416 ،هـ.
�1010إر�شاد الفحول �إلى حتقيق احلق من علم الأ�صول ،ال�شوكاين ،حممد بن علي
(ت1250 :هـ) ،حتقيق� :أبي م�صعب حممد �سعيد البدري ،م�ؤ�س�سة الكتب
الثقافية ،بريوت ،ط :الثانية1413 ،هـ.
1111الإ�صابة يف متييز ال�صحابة ،ابن حجر� ،أحمد بن علي الع�سقالين (ت:
852هـ) ،دار �صادر بريوت( .طبع بهام�شه اال�ستيعاب يف معرفة الأ�صحاب
البن عبدالرب).
�1212أ�صول ال�سرخ�سي ،ال�سرخ�سي ،حممد بن �أحمد بن ابي �سهل (ت438 :هـ) ،دار
املعرفة ،بريوت.
�1313أ�صول ال�شا�شي ،ال�شا�شي� ،أحمد بن حممد بن �إ�سحاق (ت344 :هـ) ،دار
الكتاب العربي ،بريوت.
� 1414أ�صول الفقه ،ابن مفلح� ،شم�س الدين حممد بن مفلح املقد�سي احلنبلي (ت:
763هـ) ،حتقيق �أ .د فهد بن حممد ال�سدحان ،مكتبة العبيكان ،الريا�ض ،ط:
الأولى1420 ،هـ.
�1515أ�صول الفقه� ،أبو زهرة ،حممد ابو زهرة ،دار الفكر العربي.
�1616أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله ،ال�سلمي ،د .عيا�ض بن نامي ،دار
التدمرية ،الريا�ض ،ط :الأولى1426 ،هـ.
�1717أعالم املوقعني عن رب العاملني ،ابن قيم اجلوزية ،حممد بن �أبي بكر بن
�أيوب (ت751 :هـ) ،تعليق م�شهور �آل �سلمان ،دار ابن اجلوزي ،ال�سعودية ،ط:
الأولى1423 ،هـ.
1818الإقناع يف فقه الإمام �أحمد بن حنبل ،احلجاوي ،مو�سى بن �أحمد املقد�سي
(ت986 :هـ) ،حتقيق عبداللطيف ال�سبكي ،دار املعرفة ،بريوت.
�1919إعانة الطالبني على حل �ألفاظ فتح املعني ،البكري ،عثمان بن حممد الدمياطي
(ت1310 :هـ) ،دار الفكر للطباعة والن�شر :ط :الأولى1418 ،هـ.
2020الأجنم الزاهرات على حل الفاظ الورقات يف �أ�صول الفقه ،املارديني ،حممد
بن عثمان (ت871 :هـ) ،حتقيق د.عبدالكرمي النملة ،مكتبة الر�شد ،الريا�ض،
ط :الثالثة1999 ،م.
2121البحر املحيط يف �أ�صول الفقه ،الزرك�شي ،بدر الدين حممد بن بهادر بن
عبداهلل (ت794 :هـ) ،حتقيق :عبدالقادر العاين وجمموعة ،من من�شورات
وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بالكويت ،ط :الثانية1413 ،هـ1992/م
2222بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ،الكا�ساين� ،أبو بكر بن م�سعود احلنفي (ت:
587هـ) ،دار الكتب العلمية ،ط :الثانية1406 ،هـ.
2323بداية املجتهد ونهاية املقت�صد ،ابن ر�شد ،حممد بن �أحمد القرطبي (ت:
595هـ) ،دار احلديث ،القاهرة1425 ،هـ.
2424البدر املنري يف تخريج الأحاديث والآثار الواقعة يف ال�شرح الكبري ،ابن امللقن،
عمر بن علي ال�شافعي (ت804 :هـ) ،حتقيق م�صطفى �أبو الغيط و�آخرون ،دار
الهجرة ،الريا�ض ،ط :الأولى1425 ،هـ.
2525بذل النظر يف الأ�صول ،الأ�سمندي ،حممد بن عبداحلميد (ت552 :هـ)،
حتقيق د.حممد زكي عبدالرب ،دار الرتاث ،القاهرة ،ط :الأولى1412 ،هـ.
2626الربهان يف �أ�صول الفقه ،اجلويني ،عبدامللك بن عبداهلل بن يو�سف (ت:
478هـ) ،حتقيق �صالح عوي�ضه ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1418 ،هـ.
2727البناية �شرح الهداية ،العيني ،حممود بن �أحمد بن مو�سى (ت855 :هـ) ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1420 ،هـ.
2828بيان املخت�صر �شرح خمت�صر ابن احلاجب ،الأ�صفهاين ،حممود بن
عبدالرحمن (ت749 :هـ) ،حتقيق حممد مظهر بقا ،دار املدين ،ال�سعودية،
ط :الأولى1406 ،هـ.
2929التاريخ الكبري ،البخاري ،حممد بن �إ�سماعيل (ت256 :هـ) ،توزيع دار الباز،
مكة املكرمة.
3030التب�صرة يف �أ�صول الفقه ،ال�شريازي� ،إبراهيم بن علي بن يو�سف (ت476 :هـ)،
حتقيق حممد ح�سن هيتو ،دار الفكر ،دم�شق.
3131تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،الزيلعي ،عثمان بن علي (ت743 :هـ)،
املطبعة الكربى الأمريية-بوالق ،القاهرة ،ط :الأولى1313 ،هـ.
3232التحبري �شرح التحرير يف �أ�صول الفقه ،املرداوي ،علي بن �سليمان (ت:
885هـ) ،حتقيق :د .عبدالرحمن اجلربين ،ود .عو�ض القرين ،ود� .أحمد
ال�سراح ،مكتبة الر�شد ،الريا�ض ،ط :الأولى1421 ،هـ.
3333حتفة الطالب مبعرفة �أحاديث خمت�صر ابن احلاجب ،ابن كثري ،ا�سماعيل بن
عمر (ت774 :هـ) ،دار ابن حزم ،ط :الثانية1416 ،هـ.
3434حتفة امل�س�ؤول يف �شرح خمت�صر منتهى ال�سول ،الرهوين ،يحيى بن مو�سى
(ت773 :هـ) ،حتقيق د .الهادي �شبيلي ،ود .يو�سف الأخ�ضر ،دار البحوث
للدرا�سات الإ�سالمية ،دبي ،ط :الأولى1422 ،هـ.
3535التحقيق والبيان يف �شرح الربهان يف �أ�صول الفقه ،البياري ،علي بن �إ�سماعيل
(ت616 :هـ) ،حتقيق علي ب�سام ،دار ال�ضياء ،الكويت ،ط :الأولى1434 ،هـ.
3636تدريب الراوي يف �شرح تقريب النووي ،ال�سيوطي ،عبدالرحمن بن �أبي بكر
(ت911 :هـ) ،حتقيق نظر حممد الفاريابي ،مكتبة الكوثر ،الريا�ض ،ط:
الأولى1414 ،هـ.
3737تف�سري ابن كثري (تف�سري القر�آن العظيم) ،ابن كثري� ،إ�سماعيل بن عمر (ت:
774هـ) ،حتقيق د� .سامي �سالمة ،دار طيبة ،ط :الثانية1420 ،هـ.
3838التقرير والتحبري على حترير الإمام الكمال ابن الهمام ،ابن �أمري احلاج،
حممد بن حممد احللبي (ت879 :هـ) ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الثانية،
1403هـ.
3939تلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري ،ابن حجر� ،أحمد بن علي
بن حممد (ت852 :هـ) ،مكتبة نزار م�صطفى الباز ،ط :الأولى1417 ،هـ.
4040التلخي�ص يف �أ�صول الفقه� ،إمام احلرمني ،عبدامللك بن عبداهلل اجلويني (ت،
478هـ) ،حتقيق د .عبداهلل جومل النيبايل و�شبري �أحمد العمري ،دار الب�شائر
الإ�سالمية ،بريوت ،ط :الأولى1417 /هـ.
4141متام املنة يف التعليق على فقه ال�سنة ،الألباين ،حممد نا�صر الدين (ت:
1420هـ) ،دار الراية ،ط :اخلام�سة.
4242التمهيد يف �أ�صول الفقه� ،أبو اخلطاب ،حمفوظ بن �أحمد بن احل�سني
الكلوذاين (ت510 :هـ) ،حتقيق د .مفيد حممد �أبو عم�شة ،ود .حممد بن علي
بن �إبراهيم ،مركز البحث العلمي و�إحياء الرتاث الإ�سالمي بجامعة �أم القرى،
ط :الأولى1406 ،هـ.
4343تي�سري التحرير على كتاب التحرير ،ابن امري باد�شاه ،حممد �أمني (ت:
987هـ) ،مطبعة م�صطفى البابي احللبي ،م�صر1350 ،هـ.
4444الثمر الداين �شرح ر�سالة ابن �أبي زيد القريواين ،الأزهري� ،صالح بن
عبدال�سميع (ت133 :هـ) ،املكتبة الثقافية ،بريوت.
4545جماع العلم ،ال�شافعي ،حممد بن �إدري�س (ت204 :هـ) ،در الآثار ،ط :الأولى،
1423هـ.
4646حا�شية البناين على �شرح اجلالل املحلى ،البناين ،عبدالرحمن جاد اهلل (ت:
1198هـ)� ،ضبط ن�صه حممد عبدالقادر �شاهني ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
ط :الأولى1418 ،هـ.
4747حا�شية العطار على �شرح اجلالل املحلى على جمع اجلوامع ،العطار ،ح�سن بن
حممود (ت1250 :هـ) ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1420 ،هـ.
4848حجية ال�سنة النبوية ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي ،ال�سندي ،عبدالقادر بن
حبيب اهلل ،اجلامعة الإ�سالمية ،املدينة املنورة1395 ،هـ.
4949احل�سبة ابن تيمية� ،أحمد بن عبداحلليم (ت728 :هـ) ،حتقيق علي ال�شحود،
ط :الثانية1425 ،هـ.
5050خال�صة البدر املنري ،ابن امللقن ،عمر بن علي (ت804 :هـ) ،مكتبة الر�شد،
الريا�ض ،ط :الأولى1410 ،هـ.
5151الر�سالة ،ال�شافعي ،حممد بن �إدري�س (ت204 :هـ) ،حتقيق خالد ال�سبع
العلمي ،وزهري �شفيق الك ّبي ،دار الكتاب العربي ،بريوت ،ط :الأولى1420 ،ه.
5252رو�ضة الناظر وجنة املناظر يف �أ�صول الفقه على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل،
ابن قدامة ،موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد (ت620 :هـ) ،م�ؤ�س�سة
الريان ط :الثانية1423 ،هـ.
5353الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع ،البهوتي ،من�صور بن يون�س (ت1051 :هـ)،
خرج �أحاديثه عبدالقدو�س نذير ،دار امل�ؤيد.
5454ال�سبب عند الأ�صوليني ،الربيعة ،د .عبدالعزيز بن عبدالرحمن ،جامعة
الإمام ،الريا�ض1399 ،هـ.
�5555سد الذرائع و�أثره يف الفروع الفقهية� ،شبيلي ،الهادي بن ح�سني ،ر�سالة
ماج�ستري ،كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،جامعة ام القرى� ،إ�شراف د.
�أحمد بن حميد1410 ،هـ.
�5656سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة و�شيء من فقهها وفوائدها ،الألباين ،حممد
نا�صر الدين (ت1420 :هـ) ،مكتبة املعارف ،الريا�ض ،ط :الأولى.
�5757سنن �أبي داود ،ال�سج�ستاين� ،سليمان بن الأ�شعث بن �إ�سحاق (ت275 :هـ)،
حتقيق �شعيب الأرن�ؤوط و حممد كامل ،دار الر�سالة العاملية ،ط :الأولى،
1430هـ.
�5858سنن ابن ماجه ،القزويني ،حممد بن يزيد (ت273 :هـ) ،حتقيق �شعيب
الأرن�ؤوط و�آخرون ،دار الر�سالة العاملية ،ط :الأولى1430 ،هـ.
�7070صحيح ابن خزمية ،ابن خزمية ،حممد بن �إ�سحاق الني�سابوري (ت311 :هـ)،
حتقيق حممد الأعظمي ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت.
�7171صحيح �أبي داود ،الألباين ،حممد نا�صر الدين (ت1420 :هـ) ،م�ؤ�س�سة
غرا�س ،الكويت1423 ،هـ.
�7272صحيح م�سلم (امل�سند ال�صحيح املخت�صر) ،الق�شريي ،م�سلم بن احلجاج
(ت261 :هـ) ،حتقيق حممد عبدالباقي ،دار �إحياء الرتاث ،بريوت.
�7373ضعيف �سنن الرتمذي ،الألباين ،حممد نا�صر الدين (ت1420 :هـ)� ،أ�شرف
عليه زهري ال�شاوي�ش ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،ط :الأولى1411 ،هـ.
7474العدة يف �أ�صول الفقه� ،أبو يعلى ،حممد بن احل�سني الفراء (ت458 :هـ)،
حتقيق د� .أحمد �سري املباركي ،ط :الثالثة1414 ،هـ.
7575العلل املتناهية يف الأحاديث املتناهية ،ابن اجلوزي ،عبدالرحمن بن علي (ت:
597هـ) ،حتقيق �إر�شاد احلق� ،إدارة العلوم الأثرية ،باك�ستان ،ط :الثانية،
1401هـ.
7676عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري ،العيني ،حممود بن �أحمد بن مو�سى (ت:
855هـ) ،دار �إحياء الرتاث ،بريوت.
7777عوار�ض الأهلية ال�سماوية و�أثرها يف باب املعامالت ،الراجحي� ،أحمد بن
عبداهلل ،ر�سالة ماج�ستري كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،جامعة ام
القرى� ،إ�شراف د� .سلطان العمري1433 ،هـ.
7878غاية ال�سول �إلى علم الأ�صول ،ابن املربد ،يو�سف بن ح�سن (ت909 :هـ)،
حتقيق بدر ال�سبيعي ،غرا�س ،الكويت ،ط :الأولى1433 ،هـ.
7979الغيث الهامع �شرح جمع اجلوامع ،العراقي� ،أحمد بن عبدالرحيم (ت:
826هـ) ،حتقيق حممد تامر ،دار الكتب العلمية1425 ،هـ.
8080فتح الباري �شرح �صحيح البخاري ،ابن حجر� ،أحمد بن علي الع�سقالين (ت:
عبدالعزيز بن �أحمد ،و�ضع حوا�شيه عبداهلل حممود حممد عمر ،دار الكتب
العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1418 ،هـ.
9292اللمع يف �أ�صول الفقه ،ال�شريازي� ،إبراهيم بن علي (476هـ) ،دار الكتب
العلمية ،ط :الثانية1424 ،هـ.
9393ما اليجري فيه القيا�س ،احلريتي ،حممد ن�صار ،ر�سالة ماج�ستري ،كلية دار
العلوم ،جامعة القاهرة� ،إ�شراف د .حممد بلتاجي1421 ،هـ.
9494ما اليتم الواجب �إال به درا�سة �أ�صولية تطبيقية ،ميحر ،مهدي �إبراهيم ،ر�سالة
ماج�ستري ،كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،جامعة ام القرى� ،إ�شراف د.
عثمان املر�شد1405 ،هـ.
9595املب�سوط ،ال�سرخ�سي ،حممد بن �أحمد (ت483 :هـ) ،دار املعرفة ،بريوت،
1414هـ.
9696املجموع �شرح املهذب ،النووي ،حميي الدين يحيى بن �شرف (ت676 :هـ)،
دار الفكر.
9797املح�صول يف علم �أ�صول الفقه ،الرازي ،فخر الدين حممدبن عمر (ت:
606هـ) ،حتقيق د.طه العلواين ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط :الأولى1400 ،هـ.
9898جمموع الفتاوى ،ابن تيمية� ،أحمد بن عبداحلليم (ت728 :هـ) ،جمع
عبدالرحمن ابن قا�سم ،جممع امللك فهد ،املدينة املنورة1416 ،هـ.
9999امل�ستدرك على ال�صحيحني ،احلاكم ،حممد بن عبداهلل الني�سابوري (ت:
405هـ) ،حتقيق م�صطفى عطا ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1411 ،هـ.
10100امل�ست�صفى ،الغزايل ،حممدبن حممد الطو�سي (ت505 :هـ) ،حتقيق حممد
عبدال�سالم ،دار الكتب العلمية ،ط :الأولى1413 ،هـ.
10101م�سند الإمام �أحمد� ،أحمد بن حممد بن حنبل (ت241 :هـ) ،حتقيق �شعيب
الأرن�ؤوط و�آخرون ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط :الأولى1421 ،هـ.
10102امل�سودة �آل تيمية ،عبدال�سالم بن عبداهلل (ت652 :هـ) ،وابنه :عبداحلليم
(ت682 :هـ) ،وحفيده �أحمد (ت728 :هـ) ،حتقيق د .حممد حميي الدين
عبداحلميد ،دار الكتاب العربي.
10103م�صنف ابن �أبي �شيبة (الكتاب امل�صنف يف الأحاديث والآثار) ابن ابي �شيبة،
عبداهلل بن حممد العب�سي (ت235 :هـ) ،حتقيق كمال احلوت ،مكتبة الر�شد،
الريا�ض ،ط :الأولى1409 ،هـ.
10104املطلق واملقيد ،ال�صاعدي ،حمد بن حمدي ،عمادة البحث العلمي ،اجلامعة
الإ�سالمية ،ط :الأولى1423 ،هـ.
10105قاعدة املطلق يجري على �إطالقه ما مل يقم دليل التقييد ن صً� ا �أو داللة ،الغول،
نادية ح�سني ،ر�سالة ماج�ستري ،كلية ال�شريعة والقانون ،جامعة غزة� ،إ�شراف
د .زياد مقداد1432 ،هـ.
10106معامل �أ�صول الفقه عند �أهل ال�سنة واجلماعة ،اجليزاين ،د .حممد بن ح�سني،
دار ابن اجلوزي ،ال�سعودية ،ط :الأولى1414 ،هـ.
10107معامل ال�سنن ،اخلطابي ،حممد بن �إبراهيم الب�ستي (ت388 :هـ) ،املطبعة
العلمية ،حلب ،ط :الأولى1351 ،هـ.
10108املعتمد يف �أ�صول الفقه ،الب�صري ،حممد بن علي (ت436 :هـ) ،حتقيق خليل
املي�س ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1403 ،هـ.
10109املعجم الكبري ،الطرباين� ،سليمان بن �أحمد (ت360 :هـ) ،حتقيق حمدي
ال�سلفي ،ى مكتبة ابن تيمية ،القاهرة ،ط :الثانية.
11110معجم اللغة العربية املعا�صرة ،عمر� ،أحمد خمتار ،عامل الكتب ،ط :الأولى،
1429هـ.
11111املعجم الو�سيط� ،إعداد �إبراهيم م�صطفى و�آخرون -جممع اللغة العربية
بالقاهرة ،دار الدعوة.
11112املغني ،ابن قدامة ،عبداهلل بن �أحمد بن حممد (ت620 :هـ) ،مكتبة القاهرة،
1388هـ.
11113منتهى ال�س�ؤل والأمل يف علمي الأ�صول واجلدل ،ابن احلاجب ،عثمان بن عمر
بن �أبي بكر (ت646هـ) ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى1315 ،هـ.
11114املنخول من تعليقات الأ�صول ،الغزايل ،حممد بن حممد الطو�سي (ت:
505هـ) ،حتقيق حممد هيتو ،دار الفكر املعا�صر ،بريوت ،ط :الثالثة1419 ،هـ.
11115منظومة �أ�صول الفقه وقواعده ،العثيمني ،ال�شيخ حممد بن �صالح (ت:
1421هـ) ،دار ابن اجلوزي ،الدمام ،ط :الثالثة1434 ،هـ.
11116منهاج الو�صول �إلى علم الأ�صول ،البي�ضاوي ،عبداهلل بن عمر (ت685هـ)،
(طبع مع الإبهاج).
11117املهذب يف فقه الإمام ال�شافعي ،ال�شريازي� ،إبراهيم بن علي (ت476 :هـ)،
دار الكتب العلمية.
11118املوافقات ،ال�شاطبي� ،إبراهيم بن مو�سى اللخمي (ت790 :هـ) ،حتقيق م�شهور
�آل �سلمان ،دار ابن عفان ،ط :الأولى1417 ،هـ.
11119موط أ� الإمام مالك ،الأ�صبحي ،الإمام مالك بن �أن�س (179هـ) ،تعليق حممد
ف�ؤاد ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت1406 ،هـ.
12120مو�سوعة القواعد الفقهية ،البورنو ،حممد �صدقي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت،
ط :الأولى1424 ،هـ.
12121نربا�س العقول يف حتقيق القيا�س عند علماء الأ�صول ،منون ،عي�سى� ،إدارة
الطباعة املنريية ،ط :الأولى.
12122نهاية ال�سول يف �شرح منهاج الو�صول �إلى علم الأ�صول ،الإ�سنوي ،عبدالرحيم
بن احل�سن (ت772 :هـ) ،حتقيق د� .شعبان �إ�سماعيل ،دار ابن حزم ،بريوت،
ط :الأولى1420 ،هـ.
12123نيل الأوطار ،ال�شوكاين ،حممد بن علي (ت1250 :هـ) ،حتقيق ع�صام الدين
11. https://www.youtube.com/watch?v=TQZfYQC3pnE&feature=
youtu.be
12. https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/82d1b212-df3f-4860-
86f0-a437a2438af9
13. https: //www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/
PublicHealth/Pages/corona.aspx
14. http://www.emro.who.int/ar/surveillance-forecasting-response/
publications/
15. https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar
فهر�س املحتويات
�إعداد:
�أ .د .نورة بنت عبدالله املطلق
الأ�ستاذ بق�سم الفقه بكلية ال�رشيعة
بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية
أ .د .نورة بنت عبداهلل املطلق
املقدمة
�إن احلمد هلل ،نحمده ،ون�ستعينه ،ون�ستـغفره ،ون�ستهديه ،ونعوذ باهلل من �شرور
�أنف�سنا ،و�سيئات �أعمالنا ،من يهده اهلل فال م�ضل له ،ومن ي�ضـلل فـال هادي له،
و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له ،و�أ�شـهد �أن حمـمدً ا عبده ور�سولـه� ،صلى
اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم( ،ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ) [�آل عمران( ،]102 :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الن�ساء،]1 :
( ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب� ،]71-70 :أما بعد(((:
فقد اجتاح العامل وباء ي�سمى فريو�س كورونا( كوفيد ،)19وهذا الفريو�س من
الأوبئة التي تنتقل بني الب�شر من املر�ضى امل�صابني باللم�س �أو الرذاذ ونحوه مما
ب ّينته منظمة ال�صحة العاملية ،وهذا الوباء �سبقته �أوبئة مرت بها الأمة عرب التاريخ
ومنها وباء الطاعون وغريه ،متيزت ب�سرعة االنت�شار ،وانتقال العدوى بها يقي ًنا.
((( هذه خطبة احلاجة التي رواها عبداهلل بن م�سعود عن النبي ﷺ �أخرجها الرتمذي يف �سننه ،كتاب
النكاح ،باب :ما جاء يف خطبة النكاح ( )356-355/2برقم ( ،)1107و �أبو داود يف �سننه ،كتاب
النكاح ،باب :يف خطبة النكاح ( )239-238/2برقم ( ،)2118وابن ماجه يف �سننه ،كتاب النكاح،
باب :خطبة النكاح ( )609/1برقم ( ،)1892والإمام �أحمد يف م�سنده ،انظر :الفتح الرباين لرتتيب
م�سند الإمام �أحمد ،كتاب النكاح ،باب ا�ستحباب اخلطبة للنكاح ( ،)165/16والبيهقي يف ال�سنن
الكربى ،كتاب النكاح ،باب :ما جاء يف خطبة النكاح ( ،)146/7واحلاكم يف امل�ستدرك ،كتاب النكاح،
ح�سنه الرتمذي يف �سننه ( ،)356/2وقد جمع باب :خطبة احلاجة ( ،)183-182/2وهذا احلديث َّ
طرق هذه اخلطبة ال�شيخ نا�صر الدين الألباين يف جزء �صغري �س َّماه( :خطبة احلاجة).
املبحث الأول
التعريف بالوباء ،وبكورونا(كوفيد )19
وفيه مطلبان:
املطلب الأول
التعريف بالوباء وما يراد به
الوباء يف اللغة :هو كل مر�ض عام ،وقد َو ِب َئ ِت ال ُ
أر�ض َو َب�أ َو َو ُب�ؤَ ْت ِو َب�أ َو ِو َبا َء ًة َو ِ�إبا ًء
واال�سم
ُ أر�ض َو ِب َئ ٌة َوو ِبي َئ ٌة كثري ُة الوباءِ، َو ِ�إبا َء ًة على البدل ،و�أَ ْو َب أَ� ْت َو ُو ِب َئ ْت َوبا ًء ،و� ٌ
أر�ض ا�س َت ْو َخمها ،و�أر�ض َم ْو ُبوءة و ُمو ِبئ ٌة كثرية ال َوباء. ال ِبي َئ ُة ،وا�ستو َب�أ ال َ
والوباء الذي يف�سد له الهواء فتف�سد به الأمزجة والأبدان(((.
وعم الكثري من النا�س(((.
والوباء يف اال�صطالح :ا�سم لكل مر�ض عام((( ،تف�شى ّ
فال فرق بني املعنى اللغوي واال�صطالحي ،وقد خ�صه بع�ض العلماء بالطاعون،
كما قال ابن عبدالرب “ :الوباء الطاعون ،وهو كل موت نازل”((( ،وقال ابن
الأثري “ :الطاعون هو املر�ض العام والوباء الذي يف�سد له الهواء”(((.
وقال ابن حجر“ :الطاعون :هو الوباء ،وهو الوجع الغالب الذي يطفئ الروح
كالذبيحة� ،سمي بذلك لعموم م�صابه و�سرعة قتله ،وقال عيا�ض� :أ�صل الطاعون
انظر :املحكم واملحيط الأعظم ،566/10مادة(و ب �أ) ،ل�سان العرب ( ،)267/13مادة (و ب �أ)، (((
املغرب يف ترتيب املعرب �ص 475مادة ( و ب �أ).
انظر :النهر الفائق �شرح كنز الدقائق ،376/1حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين� ،93/2أ�سنى (((
املطالب،83/3
انظر :معجم لغة الفقهاء (.)498/1 (((
التمهيد (.)211/6 (((
النهاية يف غريب احلديث .127/3 (((
القروح اخلارجة يف اجل�سد ،والوباء :عموم الأمرا�ض ف�سميت طاعو ًنا ل�شبهها به
يف الهالك ،و�إال فكل طاعون وباء ،ولي�س كل وباء طاعو ًنا ،وقال جماعة من الأطباء
ورما قت اًّال يحدث يف املوا�ضع ومنهم �أبو علي بن �سينا :الطاعون مادة �سمية حتدث ً
الرخوة واملغابن من البدن ،و�أغلب ما تكون حتت الإبط� ،أو خلف الأذن� ،أو عند
(((.
الأرنبة ،وغري ذلك من املعاين الكثرية للطاعون”
-منْ َح ْيثُ اللُّ َغ ُةَ -ن ْو ٌع ِمنَ ا ْل َو َباءَِ ...ولمَ َّا َكانَ “الط ُاعونُ ِ وقال ابن القيم َّ :
ال َّطاعُونُ يَكْثرُُ فيِ الْوَبَاءِ ،وَفيِ الْبِلاَدِ ا ْل َو ِبي َئ ِةُ ،عبرِّ َ َع ْن ُه ِبا ْل َو َباءَِ ،ك َما َق َال اخلليل:
الط ُاع ِون ُع ُم ًوما الط ُاعونُ َ .و ِق َيل :هُ َو ُك ُّل َم َر ٍ�ض َي ُع ُّمَ ،والت َّْح ِقيقُ �أَنَّ َبينْ َ ا ْل َو َبا ِء َو َّ ا ْل َو َبا ُء َّ
ا�ض ا ْل َعا َّم ُة �أَ َع ُّم َو ُخ ُ�صو صً� ا َف ُك ُّل َط ُاع ٍون َو َبا ٌءَ ،و َل ْي َ�س ُك ُّل َو َباءٍ َط ُاعو ًناَ ،و َك َذ ِل َك َْ أ
ال ْم َر ُ
الط َو ِاع ُني ُخ َّر َاجاتٌ َو ُق ُرو ٌح َو�أَ ْو َرا ٌم َر ِدي َئ ٌة َحا ِد َث ٌة فيِ الط ُاع ِون َف�إِ َّن ُه َو ِاح ٌد ِم ْن َهاَ ،و َّ ِمنَ َّ
ا�ض ِع المْ ُ َت َقدِّ ِم ِذ ْك ُر َها”(((.
المْ َ َو ِ
وا�سم الطاعون يطلق يف اللغة على الأوبئة عامة� ،أما يف الطب فالطاعون ()Plague
يطلق على مر�ض وبائي معروف �شديد ال�سراية ينتهي غالبا بوفاة ال�شخ�ص امل�صاب(((.
وجاء يف املو�سوعة الطبية احلديثة الوباء هو :كل مر�ض ي�صيب عددًا كب ًريا من
النا�س يف منطقة واحدة يف مدة ق�صرية من الزمن ،ف�إن �أ�صاب املر�ض عددًا عظي ًما
من النا�س يف منطقة جغرافية �شا�سعة �سمي وبا ًء عامل ًيا .
املطلب الثاين
التعريف بوباء فريو�س كورونا ( كوفيد)19
مر�ض الفريو�س التاجي 2019املعروف اخت�صا ًرا بكوفيد 19هو التهاب يف اجلهاز
التنف�سي ب�سبب فريو�س تاجي جديد ،وقد �أعلنت منظمة ال�صحة العاملية ر�سم ًيا �أن
((( فتح الباري .190/10
((( زاد املعاد .35/4
((( انظر :املو�سوعة الطبية الفقهية �ص .704
هذا الوباء جائحة عاملية يف 11مار�س 2020م .و ُيظن �أن الفريو�س حيواين املن�ش�أ يف
الأ�صل ،ولكن احليوان اخلازن غري معروف حتى الآن ب�شكل م�ؤكد ،وهناك �شبهات حول
اخلفا�ش و�آكل النمل ،و�أما انتقاله من �إن�سان لآخر فقد ثبت �أنه وا�سع االنت�شار .وترتاوح
العدوى بني حامل الفريو�س من دون �أعرا�ض �إلى �أعرا�ض �شديدة .ت�شمل احلمى
وال�سعال و�ضيق التنف�س (يف احلاالت املتو�سطة �إلى ال�شديدة)؛ قد يتطور املر�ض خالل
�أ�سبوع �أو �أكرث من معتدل �إلى حاد ،ومعدل الوفيات بني احلاالت امل�شخ�صة ب�شكل عام
حوايل � %2إلى %3ولكنها تختلف ح�سب البلد و�شدة احلالة .وال يوجد لقاح متاح ملنع
هذه العدوى .وتبقى تدابري مكافحة العدوى هي الدعامة الأ�سا�سية للوقاية (�أي غ�سل
اليد وكظم ال�سعال ،والتباعد اجل�سدي للذين يعتنون باملر�ضى بالإ�ضافة �إلى ما ي�سمى
بالتباعد االجتماعي بني النا�س) .واملعرفة بهذا املر�ض غري مكتملة وتتطور مع الوقت؛
عالوة على ذلك ،فمن املعروف �أن الفريو�سات التاجية تتحول وتتجمع يف كثري من
الأحيان ،وهذا ميثل حتدٍّ م�ستمر لفهمنا للمر�ض وكيفية تدبري احلاالت ال�سريرية(((.
وقد ع ّرفت وزارة ال�صحة ال�سعودية كورونا فقالت:
فريو�س (كورونا) من ف�صيلة فريو�سات (كورونا) اجلديد؛ حيث ظهرت �أغلب
حاالت الإ�صابة به يف مدينة ووهان ال�صينية نهاية دي�سمرب ٢٠١٩م على �صورة
التهاب رئوي حاد .و ُيعتقد �أن فريو�س (كورونا) اجلديد مرتبط باحليوان؛ حيث �إن
�أغلب احلاالت الأولية كان لها ارتباط ب�سوق للبحريات واحليوانات يف مدينة ووهان،
وينتقل الفريو�س بني الب�شر من ال�شخ�ص امل�صاب بالعدوى �إلى �شخ�ص �آخر عن
طريق املخالطة القريبة دون حماية(((.
((( جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا امل�ستجد كوفيد 19-
ومايتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها جممع الفقه اال�سالمي -عن بعد23 -
�شعبان 1441هـ 16 ،ابريل 2020مِ .
((( انظر :موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية �https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/Educational
Content/PublicHealth/Pages/corona.aspx
املبحث الثاين
الأ�صل يف بيان املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة
اجل ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر اهلل؟ َق َالَ :ف َجا َء َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر اهللَ ،و�ِإنْ َر َع ْي َت َ
َع ْب ُدال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف َ -و َكانَ ُم َت َغ ِّي ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َ
اج ِت ِهَ -ف َق َال :إِ�نَّ ِع ْن ِدي فيِ
ول�« :إِ َذا َ�سمِ ْعت ُْم ِب ِه ِب�أَ ْر ٍ�ض َف َال َتق َْد ُموا
ول اهلل ﷺ َي ُق ُ َه َذا ِع ْل ًما�َ ،سمِ ْع ُت َر ُ�س َ
َع َل ْي ِهَ ،و ِإ� َذا َو َق َع ِب َ أ� ْر ٍ�ض َو أَ� ْنت ُْم ِب َها َف َال تَخْ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ» َق َالَ :ف َحمِ َد اللهَّ َ
ُع َم ُر ُث َّم ا ْن َ�ص َر َف(((.
5.5ما ورد عن �أبي هريرة قال� :سمعت ر�سول اهلل ﷺ قال( :و ِف ِّر من
املجذوم كما تف ُّر من الأ�سد)(((.
هلل ﷺ: أر�سل اليه ُ
ر�سول ا ِ قيف كان ِمن ِ�ضم ِنهم رج ٌل جمذوم ف� َ 6.6ملا َو َف َد َو ْف ُد َث ٍ
اك َفا ْر ِج ْع» (((. « �إِ َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ
7.7عن �أبي هريرة قال :قال ر�سول اهلل ﷺَ « :ال ُيو ِردَنَّ ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى
ُم ِ�ص ٍّح»(((.
8.8ماورد عن ابن عبا�س قال :قال ر�سول اهلل ﷺ « :ال �ضرر وال
�ضرار»(((.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب الطب ،باب ما يذكر يف الطاعون( ،)5729وم�سلم يف �صحيحه،
باب الطاعون والطرية(.)2177
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح ،كتاب الطب ،باب اجلذام ،167/10برقم ( ،)5707واجلذام
ب�ضم اجليم وتخفيف املعجمة هو :علة رديئة حتدث من انت�شار املرة ال�سوداء يف البدن كله فتف�سد مزاج
الأع�ضاء ،ورمبا �أف�سد يف �آخره �إي�صالها حتى يت�آكل� ،سمي بذلك لتجذم الأ�صابع وتقطعها .انظر :فتح
الباري .167/10وقال ال�شيخ حممد ف�ؤاد عبدالباقي يف تعليقه على �سنن ابن ماجة :1172/2اجلذام
داء ي�سبب ت�ساقط اللحم والأع�ضاء�.أ.هـ.
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،باب اجتناب املجذوم ونحوه(.)2231
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،باب ال هامه( ،)5771وم�سلم يف �صحيحه ،باب العدوى وال
طرية(.)2221
((( �أخرجه ابن ماجه يف �سننه ،كتاب الأحكام ،باب من بنى يف حقه ما ي�ضر جاره من حديث ابن
عبا�س من قوله ﷺ 784/2برقم ( )2341اللفظ له ،و�أحمد يف م�سنده ،م�سند عبداهلل بن
العبا�س ،313/1و�أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك على ال�صحيحني ،كتاب البيوع ،جزء من حديث
�أبي �سعيد اخلدري من قوله ﷺ ،66/2وقال احلاكم هذا حديث �صحيح الإ�سناد وعلى =
= �شرط م�سلم ومل يخرجاه� .أ.هـ .وكـذا �أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى ،باب ال �ضرر وال �ضرار
،69/6والدارقطني يف �سننه ،كتاب البيوع ،77/3الطرباين يف املعجم الكبري ،302 ،228/11
وقال الق�شريي يف الإملام :565/2حديث �صحيح ،وقال :ويف الباب عن عبادة بن ال�صامت وابن
عبا�س و�أبي هريرة و�أبي لبابة ،وجابر ،وعائ�شة ،وينتهي احلديث مبجموع تلك ال�شواهد �إلى درجة
ال�صحيح� .أ .هـ
اً اً
وقال النووي يف الأذكار �ص :446ورواه مالك مر�سل ،ويف �سنن الدارقطني وغريه من طرق مت�صل،
وهو ح�سن �أ.هـ ،وقال الهيثمي يف جممع الزوائد :110/4وفيه ابن ا�سحاق ،وهو ثقة ولكنه يدل�س�.أ.هـ،
وقال املناوي يف في�ض القدير :432/6وقال العالئي :للحديث �شواهد ينتهي جمموعها �إلى درجة
ال�صحة �أو احل�سن املحتج به� .أ .هـ.
((( الأ�شباه والنظائر البن امللقن(.)61/1
املبحث الثالث
�أمر املري�ض بالتداوي
حث النبي ﷺ امل�سلمني على التداوي بقوله ،وكان ﷺ يتداوى ،ففي م�سند �أحمد
�أن عروة بن الزبري كان يقول لعائ�شة :يا �أمتاه ال �أعجب من فهمك! �أقول
زوجة الر�سول ﷺ ،وبنت �أبي بكر ،وكان �أعلم النا�س �أو من �أعلم النا�س ،ولكن �أعجب
من علمك بالطب ،كيف هو؟ ومن �أين هو؟ قال :ف�ضربت على منكبه وقالت� :أي
عرية(((� ،إن الر�سول ﷺ كان ي�سقم عند �آخر عمره� ،أو يف �آخر عمره ،فكانت تقدم
عليه وفود العرب من كل وجه؛ فتنعت له الأنعات((( ،وكنت �أعاجلها له فمن ثم(((.
وكان ﷺ ي�أمر بالتداوي ملن �أ�صابه املر�ض من �أهله �أو �أ�صحابه((( ،ومن ذلك ما
ورد عن �أبي الدرداء قال :قال ر�سول اهلل ﷺ�« :إن اهلل �أنزل الداء والدواء،
وجعل لكل داء دواء فتداووا ،وال تتداووا بحرام»(((.
فالتداوي من احلفظ للنف�س الب�شرية وهو مق�صد من مقا�صد ال�شريعة الأ�سا�سية
وفيه حفظ لل�ضروريات اخلم�س والتي منها حفظ النف�س وحمايتها و�إنقاذها من
الهالك ،كما �أنه �أخذ بالأ�سباب التي جعلها اهلل يف الكون كما يف احلديث ال�سابق.
((( ب�ضم �أوله وفتح الراء وت�شديد التحتية مفتوحة ت�صغري عروة ،و�أي حرف نداء� ،أي يا عروة .انظر :بلوغ
الأماين من �أ�سرار الفتح الرباين.124/22
((( �أي ت�صف له ال�صفات .انظر :بلوغ الأماين من �أ�سرار الفتح الرباين.124/22
((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده ،م�سند عائ�شة ،)67/6( ،قال الهيثمي يف جممع الزوائد(» :)242/9
فيه عبداهلل بن معاوية الزبريي ،قال �أبو حامت :م�ستقيم احلديث ،وفيه �ضعف».
((( زاد املعاد .10/4
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ،كتاب الطب ،باب الأدوية املكروهة( ،)3874( ،)7/4قال املناوي يف في�ض
القدير(» :)216/2وفيه ا�سماعيل بن عيا�ش وفيه مقال» ،وقال ال�شوكاين يف نيل الأوطار(» :)93/9
ولكن �إذا حدث �-أي ا�سماعيل -عن �أهل ال�شام فهو ثقة».
املبحث الرابع
منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد
�سواء كان يف بيته (احلجر املنزيل) �أو يف املراكز
ً
(((
وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي)
وال �شك �أن اتخاذ الإجراءات االحرتازية التي حتمي النفو�س وتوقف انت�شار
املر�ض ،وانتقال العدوى به من القربات التي يتقرب بها �إلى اهلل .فال يجوز له
خمالطة النا�س واالجتماع بهم �سوا ًء كان االجتماع ل�صالة �أو ح�ضور منا�سبة عزاء
�أو زواج� ،أو زيارة مري�ض ،بل يحرم عليه ذلك �إن ذكر الأطباء �أنه ينقل املر�ض ،ف�إن
تعمد املري�ض ن�شر املر�ض والإ�ضرار بغريه ف�إنه يعاقب على ذلك ،ف�إن مات من نقل
املر�ض �إليه كان كالقتل العمد ويكون كمن �سقى غريه �سما ،و�إن �أراد ن�شر املر�ض يف
املجتمع كان ُمف�سدً ا يف الأر�ض.
وتعمد نقل العدوى للآخرين عمل حم ّرم؛ لق�صده الإ�ضرار بهم ،خا�صة �إن كان
هذا املر�ض �ضرره ي�ؤدي �إلى املوت ،ففيه �إهالك للنف�س املع�صومة بغري حق ،واهلل
تعالى يقول( :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإ�سراء ،]33 :وهو من الكبائر ملا ورد عن �أن�س
بن مالك �أن النبي ﷺ ُ�سئل عن الكبائر فقال« :ال�شرك باهلل ،وقتل النف�س ،وعقوق
((( املراد باحلجر ال�صحي :احلد من حتركات الأ�صحاء الذين اختلطوا مبن �أ�صيب مبر�ض �سا ٍر خالل
فرتة القابلية للعدوى.
والهدف من هذا الإجراء هو احلد من انت�شار املر�ض ال�ساري يف املجتمع ،لأن ه�ؤالء املخالطني الذين
يبدون ب�صحة جيدة قد تكون العدوى باملر�ض �أ�صابتهم ولكن مل تظهر الأعرا�ض عليهم لأنهم مازالوا
يف فرتة احل�ضانة للمر�ض.
انظر :املو�سوعة الطبية الفقهية �ص.704
الوالدين ،(((» ...ومن ال�سبع املوبقات املهلكات لقوله ﷺ « :اجتنبوا ال�سبع املوبقات»،
قالوا :يا ر�سول اهلل ومـاهن؟ قال« :ال�شرك باهلل ،وال�سحر ،وقتل النف�س التي حرم
اهلل �إال باحلق(((» ....؛ فال عالج لهذا املر�ض �إلى الآن �سوى عالجات تخفف من
�آالمه ،وت�ؤخر م�ضاعفاته ال�شديدة التي قد ت�ؤدي للموت لبع�ض الفئات من املر�ضى.
وفريو�س كورونا (كوفيد )19مل يتعر�ض له الفقهاء ال�سابقني لعدم ظهوره لديهم،
ولكن �إن كان نقله ي�ؤدي للموت كما لو نقل لكبار ال�سن وممن مناعتهم �ضعيفة ب�سبب
�إ�صابتهم بالأمرا�ض املزمنة(((؛ ف�إنه يقا�س على ما ذكروه يف كتبهم يف عقوبة القتل
بال�سم ،بجامع �أنهما من �صور القتل اخلفية ،ويعاقب متعمد نقل هذا املر�ض ،وقد
اختلف الفقهاء يف عقوبة من يقتل غريه بال�سم على ثالثة �أقوال:
القول الأول:
�أن القتل بال�سم مثل القتل باملحدد واملثقل يوجب القود على القاتل بتوفر
ال�شروط ،وهو مذهب بع�ض احلنفية((( ،واملالكية((( ،وهو الظاهر عند ال�شافعية(((،
ومذهب احلنابلة(((.
وا�ستدلوا مبا يلي:
(ﮉ ﮊ 1.1بعموم �أدلة وجوب الق�صا�ص يف القتل العمد كقول اهلل تعالى:
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح ،كتاب الديات ،باب قول اهلل تعالى (ومن �أحياها199/12)..برقم
( )6871و م�سلم يف �صحيحه ب�شرح النووي ،كتاب الإميان ،باب الكبائر و�أكربها ،82/2واللفظ له.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح ،كتاب احلدود ،باب رمي املح�صنات ،188/12برقم ()6857
واللفظ له ،وم�سلم يف �صحيحه ب�شرح النووي ،كتاب الإميان ،باب الكبائر و�أكربها .83 /2
((( موقع وزارة ال�صحة ال�سعوديhttps: //www.moh.gov.sa/Ministry :
((( انظر :البناية �شرح الهداية ،92/12الدر املختار ومعه حا�شية ابن عابدين ،542/6البحر الرائق .336/8
((( انظر :ال�شرح ال�صغري للدردير مع �شرحه بلغة ال�سالك ،384/2حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري
� ،244/4شرح اخلر�شي ،9/8منح اجلليل .23/9
((( انظر :املجموع ،389/18نهاية املحتاج ،251/7مغني املحتاج .218/5
((( انظر :املغني وال�شرح الكبري ،329/9منتهى الإرادات ،8/5ك�شاف القناع .508/5
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة،]178 :
وقوله( :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة،]179 :
وقوله( :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإ�سراء. ]33 :
2.2ما ورد عن النبي ﷺ ملا مات ب�شر بن الرباء بن معرور � أر�سل �إلى
اليهودية فقال« :ما حملك على الذي �صنعت» ،ف�أمر بها الر�سول ﷺ فقتلت(((.
�3.3أن تناول ال�سم يقتل غال ًبا ،ويتخذ طري ًقا �إلى القتل كث ًريا؛ ف�أوجب الق�صا�ص
كما لو �أكرهه على �شربه(((.
القول الثاين:
�أنه يجب يف القتل بال�سم التعزير ،فال ق�صا�ص وال دية ،.وهو مذهب جمهور
احلنفية(((.
وا�ستدلوا:
ب�أنه �أكله باختياره فلم ُيكرهه ومل يجربه عليه فال ق�صا�ص حينئذ وال دية ،ويعزر
وي�ضرب ،وي�ؤدب؛ لأنه ارتكب جناية لي�س لها ح ٌد مق َّد ٌر ،وغ ّر غريه(((.
نوق�ش هذا اال�ستدالل:
�أن ال�سم يقتل غال ًبا ،ويتخذ ذريعة �إلى القتل والتهرب من الق�صا�ص؛ فلو كان
ال�شخ�ص عاملًا ب�أنه �سم مل ي�شربه؛ ف�أ�شبه ما لو �أكرهه على �شربه(((.
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ،كتاب الديات ،باب فيمن �سقى اً
رجل �سما �أو �أطعمة فمات �أيقاد منه؟
175-174/4برقم ( )4514( ،)4511والبيهقي يف ال�سنن الكربى ،باب اجلنايات ،باب من �سقى
اً
رجل �س ًما 46/8من حديث جابر بن عبداهلل.
((( املغني مع ال�شرح الكبري .329/9
((( انظر :املب�سوط ،153/26بدائع ال�صانع ،235/7البناية �شرح الهداية ،126/12البحر الرائق .336/8
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،235/7البحر الرائق .336/8
((( املغني مع ال�شرح الكبري .329/9
القول الثالث:
�أن القتل بال�سم قتل �شبه عمد ،جتب فيه دية �شبه العمد ،وهو الأظهر عند
ال�شافعية(((.
وا�ستدلوا مبا يلي:
1.1ما ورد عن �أن�س بن مالك� :أن يهودية �أتت �إلى ر�سول اهلل ﷺ ب�شاة م�سمومة
ف�أكل منها النبي ﷺ ومل يقتلها(((؛ فالنبي ﷺ �أكل منه ومل يقتلها؛ فدل ذلك
على عدم وجوب الق�صا�ص.
نوق�ش هذا اال�ستدالل:
ب�أنه مل يقتلها قبل �أن ميوت ب�شر بن الرباء ؛ فلما مات
�أر�سل �إليها النبي ﷺ ف�س�ألها فاعرتفت فقتلها؛ فنقل �أن�س �صدر الق�صة دون
�آخرها ،وتعني حمله عليه جم ًعا بني اخلربين .ويجوز �أن يكون النبي ﷺ ترك
قتلها لكونها ما ق�صدت قتل ب�شر؛ و�إمنا ق�صدت قتل النبي ﷺ؛ فاختل العمد
بالن�سبة لب�شر(((.
�2.2أن �آكل ال�سم �أكله خمتا ًرا فلم ي�ؤثر تغريره؛ �أ�شبه ما لو قدم �إليه �سكني فطعن
قاتل لنف�سه(((.بها نف�سه فيكون اً
نوق�ش هذا اال�ستدالل مبا يلي:
�أ� .أن ال�سم يقتل غال ًبا ،ويتخذ ذريعة �إلى القتل والتهرب من الق�صا�ص؛ فلو
كان ال�شخ�ص عاملًا ب�أنه �سم مل ي�شربه؛ ف�أ�شبه ما لو �أكرهه على �شربه.
ب� .أن هناك فر ًقا بني تقدمي ال�سكني له و�إطعامه ال�سم؛ �إذ ال�سكني ال تقدم
((( املجموع ،389/18نهاية املحتاج ،251/7مغني املحتاج .218/5
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحة ب�شرح النووي ،كتاب ال�سالم ،باب ال�سم .179-178/14
((( �شرح النووي على �صحيح م�سلم .179/14
((( املجموع ،389/18نهاية املحتاج .254/7
�إلى الإن�سان ليقتل بها نف�سه؛ و �إمنا تقدم لينتفع بها وهو يعلم مب�ضرتها
ونفعها؛ ف�أ�شبه ما لو ق ّدم له ال�سم وهو عامل به(((.
الراجح ووجه الرتجيح:
يرتجح -واهلل �أعلم بال�صواب� -أن من تعمد قتل غريه بال�سم يجب عليه القود؛
لتعمده �إزهاق روح م�سلم بغري حق ،ولأن القتل بالأ�سباب اخلفية يوجب الق�صا�ص
كالقتل بالأ�سباب الظاهرة حتى ال ُيتخذ و�سيلة لقتل الآخرين ،وكذلك ُيقا�س عليه من
تعمد نقل املر�ض الوبائي ومنه فريو�س كورونا فمات َمنْ ُنقل �إليهُ ،قتل َمنْ َنقله �إليه؛
�إذا توافرت �شروط القود ،وانتفت موانعه من وجود �شبهات يدرء بها الق�صا�ص،
و�إن مل ميت ف�إنه يعاقب عقوبة تعزيرية لت�سببه يف �إ�ضرار الآخرين ،و�إيذائهم،
�أما �إذا مل يتعمد املري�ض بفريو�س كورونا نقله و�إ�صابة غريه كما لو مل يكن يعلم
ب�إ�صابته ،وعا�شر ال�سليم فانتقل �إليه املر�ض ف ُيعذر باجلهل؛ لأن اجلهل واخلط�أ رافع
للإثم لقول اهلل تعالى( :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة� ،]286 :أما �إذا كان
نوعا
ق�صد املتعمد لنقل العدوى �إف�ساد املجتمع بن�شر هذا املر�ض فيه ،فعمله ُيع ّد ً
من احلرابة ،والإف�ساد يف الأر�ض ،وي�ستوجب فعله هذا �إحدى العقوبات املن�صو�ص
عليها يف �آية احلرابة قال اهلل تعالى( :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ
ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [املائدة ،]33 :ومما
ي�ؤكد اعتباره كاملحارب ما قاله الإمام مالك من �أن املت�سرت يف ذلك ،واملعلن
بحرابته �سواء((( ،واملحتال كاملحارب ،وهو الذي يحتال يف قتل �إن�سان على �أخذ مال
و�إن مل ي�شهر ال�سالح ،ولكن دخل عليه بيته� ،أو �صحبه يف �سفر ف�أطعمه �س ًما فقتله
ُيقتل حدً ا ال قودًا(((.
((( املغني مع ال�شرح الكبري .330-329/9
((( انظر� :أحكام القر�آن البن العربي .94/2
((( انظر :اجلامع لأحكام القر�آن للقرطبي .99/6
كما مينع امل�صاب بالوباء من �شهود اجلمعة واجلماعة ملا يف ذلك من الإ�ضرار
بالنا�س حيث ين�شر املر�ض بالعدوى ،و�أدلة ذلك ما ي�أتي:
�صح»(((.
1.1قول النبي ﷺ« :ال يورد ممر�ض على ُم ّ
فالنهي من باب اجتناب الأ�سباب التي خلقها اهلل وجعلها �أ�سبابا للهالك،
والعبد م�أمور باتقاء �أ�سباب البالء �إذا كان يف عافية منها(((.
2.2قوله ﷺ« :ف َّر من املجذوم فرارك من اال�سد»(((.
ف�أمر بالفرار من املجذوم واجتنابه كما جتتنب خمالطة الأ�سد احليوان
املفرت�س ،ف�إنه يعدي املعا�شر كما جزم به ال�شافعي يف الأم يف مو�ضع وحكاه
عن الأطباء واملجربني يف �آخر ،ونقله غريه عن �أفا�ضل الأطباء فقالوا :مقاربة
املجذوم ُمعدية برائحته وقد تكون الطبيعة �سريعة االنفعال قابلة لالكت�ساب
من �أبدان املجاورين واملخاطبني بل الوهم وحده من �أكرب �أ�سباب الإ�صابة
والرائحة �أ�شد �أ�سباب العدوى(((.
والعزلة �أثناء الوباء كانت معروفه منذ املا�ضي ،وكان املر�ضى يعتزلون النا�س
يف �ضواحي املدينة �أو يف بيوتهم ،وقد يق�ضي احلاكم ملن به وباء بال�سجن �إذا مل
ا�ض ِر �أَنْ
يلتزم بذلك ،ومما يدل على ذلك َق َال�“ :أَ ْ�ص َب ُغ َل ْي َ�س َع َلى َم ْر َ�ضى الحْ َ َو ِ
َيخْ ُر ُجوا ِم ْن َها إ� َلى َن ِاح َي ٍة ِب َق َ�ضاءٍ ُي ْح َك ُم ِب ِه َع َل ْيهِ ْم َو َل ِكنْ �إنْ �أَ ْج َرى َع َل ْيهِ ْم ْ ِإ
ال َم ُام ِمنْ
ال�س ْج ِن �إنْ َ�شا َء ُوم ُب ُيوتِهِ ْم� ،أَ ْو ِب َّ ا�س ِب ُلز ِ الر ْز ِق َما َي ْكفِيهِ ْم ُم ِن ُعوا ِمنْ مخُ َ ا َل َط ِة ال َّن ِ ِّ
ال�س ْج ِن � َإذا كَثرُ ُ وا أَ� َح ُّب �إليَ َّ َو َه َذا
يب َوا ْبنُ عبدالحْ َ َك ِم َي ْح ُك ُم َع َل ْيهِ ْم ِب َّ َو َق َال :ا ْبنُ َح ِب ٍ
ا�س”(((. ا َّل ِذي َع َل ْي ِه ال َّن ُ
�سبق تخريجه (((
انظر� :شرح الزرقاين للموط�أ .528/4 (((
�سبق تخريجه (((
انظر :في�ض القدير .137/1 (((
انظر :املنتقى �شرح املوط أ� .265-264/7 (((
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب الطب باب اجلذام ،126/7و�أخرجه �أحمد يف م�سنده عن �أبي
هريرة ،449/15وقال عنه ابن حجر (مل �أقف عليه من حديث �أبي هريره اال من هذا الوجه ،ومن وجه
�آخر عن �أبي نعيم يف الطب لكنه معلول فتح الباري.159/10
((( �ص.703-702
املبحث اخلام�س
منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده
اب أَ� ْو َب ِق َّي ُة َع َذ ٍاب هلل ﷺ�« :إِنَّ َه َذا ا ْل َو َج َع �-أي الطاعونَ ِ -ر ْج ٌز �أَ ْو َع َذ ٌ لقول ر�سول ا ِ
ا�س ِمنْ َق ْب ِل ُك ْمَ ،ف ِ إ� َذا َكانَ ِب أَ� ْر ٍ�ض َ َو�أ ْنت ُْم ِب َهاَ ،فلاَ ت َْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َو ِ�إ َذا َب َل َغ ُك ْم ُع ِّذ َب ِب ِه أُ� َن ٌ
وها»(((.�أَ َّن ُه ِب�أَ ْر ٍ�ض َفلاَ ت َْد ُخ ُل َ
ال�شام
ِ رب ِمنَ ال�شام حتى �إذا َق َ خرج �إلى ِ اخلطاب � أنه َ ِ وما ورد عن عمر بن
أر�ضاجلراح و�أ�صحا ُبهُ ،ف�أخربو ُه �أنَّ الوبا َء قد و َق َع ب� ِ ِ لق َي ُه �أمرا ُء الأجنا ِد �أبو عبيد َة بنُ
فدعا عم ُر ال�صحاب َة وا�ست�شا َرهُ م ،و�أخربهُ م �أنَّ الوبا َء قد وقع عبا�سَ : ال�شام ،قال ابنُ ٍ ِ
بع�ض ُهم: أمر وال نرى �أنْ ترج َع عنهُ ،وقال ُ بع�ض ُهم :قد خرجتَ ل ٍ بال�شام ،فاختل ُفوا ،فقال ُ ِ
قد َم ُهم على هذا الوبا ِءَ ،ف َنادَى هلل ﷺ وال َنرى �أنْ ُت ِ ر�سول ا ِأ�صحاب ِ ُ معك بقي ُة ِ
النا�س و� َ
جل َّر ِاح� :أَ ِف َرا ًرا ا�س� :إِنيِّ ُم َ�ص ِّب ٌح َع َلى َظ ْه ٍر َف�أَ ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِهَ .ق َال أَ� ُبو ُع َب ْيدَ َة ْبنُ ا َ
ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ
ِمنْ َقدَ ِر اهلل؟ َف َق َال ُع َم ُرَ :ل ْو َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا �أَ َبا ُع َب ْيدَ َة؟ َن َع ْم َن ِف ُّر ِمنْ َقدَ ِر اهلل �إِ َلى َقدَ ِر
اهلل ،أَ� َر أَ� ْيتَ َل ْو َكانَ َل َك ِإ� ِب ٌل هَ َب َط ْت َوا ِد ًيا َل ُه ُع ْد َو َت ِانِ� ،إ ْحدَ اهُ َما َخ ِ�ص َب ٌةَ ،وا ُلأ ْخ َرى َج ْد َب ٌة،
جل ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اهلل؟ َق َال: خل ْ�ص َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اهللَ ،و ِ إ�نْ َر َع ْيتَ ا َ �أَ َل ْي َ�س ِ إ�نْ َر َع ْيتَ ا َ
َف َجا َء َع ْب ُد ال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف َ -و َكانَ ُم َت َغ ِّي ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َاج ِت ِهَ -ف َق َال�ِ :إنَّ ِع ْن ِدي فيِ هَ َذا
ِع ْل ًما�َ ،س ِم ْعتُ َر ُ�س َول اهلل ﷺ َي ُق ُول « :إِ� َذا َ�س ِم ْع ُت ْم ِب ِه ِب�أَ ْر ٍ�ض َف َال َت ْقدَ ُموا َع َل ْي ِهَ ،و إِ� َذا َو َق َع
ِب�أَ ْر ٍ�ض َو أَ� ْن ُت ْم ِب َها َف َال َت ْخ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ» َق َالَ :ف َح ِمدَ اللهَّ َ ُع َم ُر ُث َّم ا ْن َ�ص َر َف»(((.
وما ورد من قول ر�سول اهلل ﷺَ « :ال ُيو ِردَنَّ ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى ُم ِ�ص ٍّح»(((.
لُ َّم ِة فيِ َن ْه ِي ِه َع ِن ال ُّد ُخ ِول ِ�إ َلى يقول ابن القيم َ “ :و َق ْد َج َم َع ال َّن ِب ُّي ﷺ ِل ْ أ
((( �سبق تخريجه.
((( �سبق تخريجه.
((( �سبق تخريجه.
الَ ْر ِ�ض ا َّل ِتي هُ َو ِب َهاَ ،و َن ْه ِي ِه َع ِن الخْ ُ ُر ِوج ِم ْن َها َب ْع َد ُو ُق ِوع ِه َك َم َال الت ََّح ُّر ِز ِم ْنهَُ ،ف ِإ�نَّ فيِ ْأ
الَ ْر ِ�ض ا َّل ِتي هُ َو ِب َها َت َع ُّر ضً� ا ِل ْل َبلاَ ءَِ ،و ُم َوا َفا ًة َل ُه فيِ محَ َ ِّل ُ�س ْل َطا ِن ِهَ ،و�إِ َعا َن ًة ال ُّد ُخ ِول فيِ ْ أ
ِل ْلِإ ْن َ�س ِان َع َلى َن ْف ِ�س ِهَ ،و َه َذا مخُ َ ا ِل ٌف ِل َّل�ش ْر ِع َوا ْل َع ْق ِلَ ،ب ْل تجَ َ ُّن ُب ال ُّد ُخ ِول ِ�إ َلى �أَ ْر ِ�ض ِه ِمنْ
الَ ْه ِو َي ِة المْ ُ�ؤْ ِذ َي ِة.
الَ ْم ِك َن ِةَ ،و ْ أ
اب الحْ ِ ْم َي ِة ا َّل ِتي أَ� ْر َ�ش َد اهلل ُ�س ْب َحا َن ُه إِ� َل ْي َهاَ ،و ِه َي ِح ْم َي ٌة َع ِن ْ أ َب ِ
َو أَ� َّما َن ْه ُي ُه َع ِن الخْ ُ ُر ِوج ِمنْ َب َل ِد ِهَ ،ف ِفي ِه َم ْع َن َي ِان:
ال�صبرْ ِ َع َلى �أَ ْق ِ�ض َي ِت ِه و�س َع َلى ال ِّث َق ِة ِب َاللهَّ ِ َ ،وال َّت َو ُّك ِل َع َل ْي ِه َو َّ �أَ َحدُهُ َماَ :ح ْم ُل ال ُّن ُف ِ
َوال ِّر َ�ضا ِب َها.
الط ِّب� :أَ َّن ُه َي ِج ُب َع َلى ُك ِّل محُ ْ ترَ ِ زٍ ِمنَ ا ْل َو َبا ِء أَ�نْ ُي ْخ ِر َج... َوال َّثانيِ َ :ما َقا َل ُه �أَ ِئ َّم ُة ِّ
الَ ْر ِ�ض ا َّل ِتي َق ْد َو َق َع ِب َها ِع َّد ُة ِح َك ٍم: وَفيِ المْ َ ْن ِع ِمنَ ال ُّد ُخ ِول �إِ َلى ْ أ
اب المْ ُ ؤْ� ِذ َي ِة َوا ْل ُب ْع ُد ِم ْن َها.الَ ْ�س َب ِ
�أَ َحد َُها :تجَ َ ُّن ُب ْ أ
ا�ش َوالمْ َ َعا ِد. الَ ْخ ُذ ِبا ْل َعا ِف َي ِة ا َّل ِتي ِه َي َما َّد ُة المْ َ َع ِ ال َّثانيِ ْ :أ
ال َّثا ِلثُ � :أَنْ اَل َي ْ�س َت ْن ِ�ش ُقوا ا ْل َه َوا َء ا َّل ِذي َق ْد َع ِفنَ َو َف َ�س َد َف َي ْم َر ُ�ضونَ .
ال َّرا ِب ُع� :أَنْ اَل ُي َجا ِو ُروا المْ َ ْر َ�ضى ا َّل ِذينَ َق ْد َم ِر ُ�ضوا ِب َذ ِل َك َف َي ْح ُ�ص ُل َل ُه ْم بمِ ُ َجا َو َر ِت ِه ْم
ِمنْ ِج ْن ِ�س �أَ ْم َر ِ
ا�ض ِه ْم.
وعا « :إِ�نَّ ِمنَ ا ْل َق َر ِف ال َّت َل َف». وَفيِ ُ�سننَ ِ �أبي داود َم ْر ُف ً
َق َال ابن قتيبة :ا ْل َق َر ُف ُم َدا َنا ُة ا ْل َو َباءَِ ،و ُم َدا َنا ُة المْ َ ْر َ�ضى.
الطيرَ َ َة َع َلى َمنْ الطيرَ َ ِة َوا ْل َع ْد َوى َف ِإ� َّن َها َت َت أَ� َّث ُر ِب ِه َماَ ،ف�ِإنَّ ِّو�س َع ِن ِّ الخْ َ ِام ُ�سِ :ح ْم َي ُة ال ُّن ُف ِ
الَ ْم ُر ِبالحْ َ َذ ِر َوالحْ ِ ْم َي ِة َت َطيرَّ َ ِب َهاَ ،و ِبالجْ ُ ْم َل ِة َف ِفي ال َّن ْه ِي َع ِن الدِّ ُخ ِول فيِ �أَ ْر ِ�ض ِه ْ أ
الَ ْم ُر ِبال َّت َو ُّك ِل،اب ال َّت َل ِف .وَفيِ ال َّن ْه ِي َع ِن ا ْل ِف َرا ِر ِم ْن ُه ْ أ َوال َّن ْه ِي َع ِن ال َّت َع ُّر ِ�ض ِ ألَ ْ�س َب ِ
ي�ض َو َت ْ�س ِلي ٌم”(((. يب َو َت ْع ِلي ٌمَ ،وال َّثانيِ َ :ت ْف ِو ٌ الَ َّو ُلَ :ت�أْ ِد ٌ
ي�ضَ ،ف ْ أ َوالت َّْ�س ِل ِيمَ ،وال َّت ْف ِو ِ
املبحث ال�ساد�س
�أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية ،ومنعه من خمالطة
املري�ض ،و�إلزامه باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات
طاعة لويل الأمر ،وح ًّدا من انت�شار الفريو�س يقول اهلل تعالى( :ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الن�ساء.]59 :
�شرعا ملا يلي:
�أما �أن يعر�ض الإن�سان نف�سه للموت بر�ضاه ف�إن ذلك ال يجوز ً
�أوال :قول اهلل تعالى( :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة.]195 :
هلل قيف كان ِمن ِ�ضم ِنهم رج ٌل جمذوم ،ف� َ
أر�سل اليه ُ
ر�سول ا ِ ثان ًيا :ملا َو َف َد َو ْف ُد َث ٍ
ﷺ�ِ « :إ َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ
اك َفا ْر ِج ْع»(((.
ثالثًا :قوله ﷺ« :وفِر ِّ من املجذوم كما تف ُّر من الأ�سد»(((.
دل على �أن من هديه التحرز من الأمرا�ض املعدية بطبعها، فقد ّ
و�إر�شاده الأ�صحاء �إلى جتنب �أهلها(((.
قال ابن حجر يف بيان مذاهب العلماء يف معنى الأمر بالفرار مـن املجـذوم:
“رابعها� :أن الأمر بالفرار من املجذوم لي�س من باب العدوى يف �شيء ،بل هو
لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من ج�سد جلـ�سد بوا�سطة املالم�سة ،واملخالطة،
و�شم الرائحة”(((.
فالنبي ﷺ لكمال �شفقته على الأمة و ُن�صحه لهم نهاهم عن الأ�سباب التي
�سبق تخريجه. (((
�سبق تخريجه. (((
انظر :زاد املعاد .147/4 (((
فتح الباري .170/10 (((
تعر�ضهم النتقال الأمرا�ض �إلى �أج�سادهم ،وقد يكون يف البدن تهي�ؤ وا�ستعداد
كامن لقبول هذا الداء ،وقد تكون الطبيعة �سريعة االنفعال قابلة لالكت�ساب
من �أبدان من جتاوره وتخالطه ،ف�إنها ن ّقالة ،وقد ت�صل رائحة العليل �إلى
ال�صحيح فت�سقمه ،وهذا ُمعا َين يف بع�ض الأمرا�ض ،والرائحة �أحد �أ�سباب
العدوى كما ذكر ذلك ابن القيم .(((
نوق�ش هذا احلديث :ب�أنه معار�ض ب�أحاديث �أخر تبطله وتناق�ضه((( ،فمنها
ما رواه الرتمذي من حديث جابر � أن ر�سول اهلل ﷺ �أخذ بيد رجل
جمذوم ف�أدخلها معه يف الق�صعة وقال« :كل ب�سم اهلل ثقة باهلل اً
وتوكل عليه»،
ورواه ابن ماجه((( ،وما ثبت يف ال�صحيح عن �أبي هريرة عن النبي ﷺ �أنه
قال« :ال عدوى وال طرية»(((.
�أجيب عن هذه املناق�شة :ب�أن حديث (ال عدوى) قد كان �أبو هريرة
�شك فيه فرتكه ،وراجعوه فيه ،وقالوا� :سمعناك تحُ ّدث به، يرويه � اًأول ثم َّ
ف�أبى �أن يحدِّ ث به ،قال �أبو �سلمة :فال �أدري �أن�سي �أبو هريرة� ،أم ن�سخ �أحد
احلديثني الآخر؟
و�أما حديث جابر �أن النبي ﷺ �أخذ بيد جمذوم ف�أدخلها معه يف الق�صعة
فحديث ال يثبت ،وال ي�صح ،وغاية ما قال فيه الرتمذي� :إنه غريب ،مل
ي�صححه ،ومل يح�سنه ،وقد قال �شعبة وغريه :اتقوا هذه الغرائب ،قال
((( انظر :زاد املعاد .148/4
((( انظر :زاد املعاد .149/4
((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه ،كتاب الأطعمة ،باب ما جاء يف الأكل مع املجذوم 321-320/3برقم
( )1824واللفظ له وقال :حديث غريب �أ .هـ ،.و�أبو داود يف �سننه ،كتاب الطب ،باب يف الطرية 20/4
برقم ( ،)3925وابن ماجه يف �سننه ،كتاب الطب ،باب اجلذام 1172/2برقم ( ،)3542وقال حمققا
زاد املعاد �شعيب وعبدالقادر الأرن�ؤوط :149/4ويف �سنده املف�ضل بن ف�ضالة ،وهو �ضعيف ،وقد عدوا
هذا احلديث من مناكريه� .أ.هـ
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح ،كتاب الطب ،باب ال عدوى 254/10برقم ( )5776وم�سلم يف
�صحيحة ب�شرح النووي ،كتاب ال�سالم ،باب الطرية والف�أل ،وما يكون من ال�ش�ؤم 219/4واللفظ له.
الرتمذي :ويروى هذا من فعل عمر ،وهو �أثبت؛ فهذا �ش�أن احلديثني الذين
ُعور�ض بهما �أحاديث النهي �أحدهما :رجع �أبو هريرة عن التحديث به و�أنكره،
والثاين :ال ي�صح عن ر�سول اهلل ﷺ(((.
راب ًعا :ما ورد عن عبدالرحمن بن عوف � أن النبي ﷺ قال يف الطاعون:
«�إذا �سمعتم به ب�أر�ض فال تقدموا عليه ،و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال
تخرجوا فرا ًرا منه»(((.
ففي هذا احلديث االحرتاز واالبتعاد عن الأمرا�ض و�أ�سبابها ،وفيه الت�سليم
لق�ضاء اهلل عند حلول الأمرا�ض(((.
خام�سا :ما ورد عن �أبي هريرة من قوله ﷺ« :وال يورد ممر�ض على
ً
م�صح»(((.
ففي هذا احلديث النهي عن �أن يورد �صاحب الإبل املرا�ض �إبله على �إبل
�صاحب الإبل ال�صحاح؛ لأنه رمبا �أ�صابها املر�ض بفعل اهلل تعالى ،وقدره(((.
وقد نهى عن ذلك يف الإبل ،ففي بني �آدم من باب �أولى ،حماية
له ً
وحفظا من �إ�صابته بالعدوى.
املبحث ال�سابع
منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي
فالأ�صل عدم جواز القدوم على البالد املوبوءة ،كذلك عدم اخلروج منها وهو
مذهب الأئمة الثالثة((( ماعدا مالك(((.
ال�ش ِامَ ،حتَّى �ِإ َذا اب َخ َر َج �ِإ َلى َّ ا�س� ،أَنَّ ُع َم َر ْبنَ الخْ َ َّط ِ هلل ْب ِن َع َّب ٍ
ملا ورد َعنْ عبدا ِ
َكانَ ِب َ�س ْر َغَ ،ل ِق َي ُه أُ� َم َرا ُء الأَ ْج َن ِاد :أَ� ُبو ُع َب ْي َد َة ْبنُ الجْ َ َّر ِاحَ ،و َ أ� ْ�ص َحا ُبهَُ ،ف أَ�خْ برَ ُ و ُه �أَنَّ ا ْل َو َب َ أ�
اب :ا ْد ُع ليِ المْ ُ َه ِاج ِرينَ ا�سَ :ف َق َال ُع َم ُر ْبنُ الخْ َ َّط ِ ال�ش ِامَ ،ق َال ا ْبنُ َع َّب ٍ َق ْد َو َق َع ِب أَ� ْر ِ�ض َّ
ال�ش ِامَ ،فاخْ َت َل ُفواَ ،ف َق َال ا�ست ََ�شا َر ُه ْمَ ،و أَ�خْ برَ َ ُه ْم أَ�نَّ ا ْل َو َب�أَ َق ْد َو َق َع ِب َّ
الأ َّو ِلنيََ ،ف َد َع ُاه ْم َف ْ
ا�س َب ْع ُ�ض ُه ْمَ :ق ْد َخ َر ْج َت لأَ ْم ٍرَ ،و َال َن َرى �أَنْ َت ْر ِج َع َع ْنهَُ ،و َق َال َب ْع ُ�ض ُه ْمَ :م َع َك َب ِق َّي ُة ال َّن ِ
هلل ﷺَ ،و َال َن َرى �أَنْ ُتق ِْد َم ُه ْم َع َلى َه َذا ا ْل َو َب ِ�إَ ،ف َق َال ُع َم ُر :ا ْر َت ِف ُعوا اب َر ُ�س ِول ا ِ َو أَ� ْ�ص َح ُ
ا�ست ََ�شا َر ُه ْمَ ،ف َ�س َل ُكوا َ�س ِب َيل المْ ُ َه ِاج ِرينَ ، َع ِّنيُ ،ث َّم َق َال :ا ْد ُع ليِ الأَ ْن َ�صا َرَ ،ف َد َع ْو ُت ُه ْمَ ،ف ْ
َواخْ َت َل ُفوا َكاخْ ِت َالفِهِ ْمَ ،ف َق َال :ا ْر َت ِف ُعوا َع ِّنيُ ،ث َّم َق َال :ا ْد ُع ليِ َمنْ َكانَ َه ُاه َنا ِمنْ
َم ْ�ش َي َخ ِة ُق َر ْي ٍ�شِ ،منْ ُم َه ِاج َر ِة ا ْل َفت ِْحَ ،ف َد َع ْو ُت ُه ْمَ ،ف َل ْم َيخْ َت ِل ْف َع َل ْي ِه ِم ْن ُه ُم ا ْث َن ِان،
ا�س: ا�سَ ،و َال ُتق ِْد َم ُه ْم َع َلى َه َذا ا ْل َو َب�إَِ ،ف َنا َدى ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ َف َقا ُلواَ :ن َرى �أَنْ َت ْر ِج َع ِبال َّن ِ
هلل؟ َف َق َال ِ�إنيِّ ُم ْ�ص ِب ٌح َع َلى َظ ْه ٍرَ ،ف�أَ ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِهَ ،ف َق َال َ أ� ُبو ُع َب ْي َدةَ�َ :أ ِف َرا ًرا ِمنْ َق َد ِر ا ِ
هلل� ،أَ َر�أَ ْي َت َل ْو هلل ِإ� َلى َق َد ِر ا ِ ُع َم ُرَ :ل ْو َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا أَ� َبا ُع َب ْي َدةَ؟ َن َع ْمَ ،ن ِف ُّر ِمنْ َق َد ِر ا ِ
َان� ،إِ ْح َد ُاه َما :مخُ ْ َ�ص َب ٌةَ ،والأُخْ َرى َج ْد َب ٌة� ،أَ َل ْي َ�س َكانَ َل َك �إِ ِب ٌلَ ،ف َه َب َط ْت َو ِاد ًيا َل ُه ُع ْد َوت ِ
هلل؟ َف َجا َء هللَ ،و إِ�نْ َر َع ْي َت الجْ َ ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر ا ِ إِ�نْ َر َع ْي َت الخْ َ ِ�ص َب َة َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر ا ِ
((( انظر :الدر املختار مع حا�شية ابن عابدين ،757/6حا�شية الطحطاوي على مراقي الفالح �ص،547
حتفة املحتاج ،33/7نهاية املحتاج ،63/6حا�شيتا قليوبي وعمرية ،165/3الأداب ال�شرعية البن مفلح
.366/3
((( البيان والتح�صيل ،396/17الذخرية للقرايف ،326-325/13القوانني الفقهية �ص.296
اج ِت ِهَ ،ف َق َالِ :إ�نَّ ِع ْن ِدي ِمنْ َه َذا ِع ْل ًما، َع ْب ُدال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍفَ ،و َكانَ َغا ِئ ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َ
ول�« :إِ َذا َ�سمِ ْعت ُْم ِب ِه ِب�أَ ْر ٍ�ضَ ،ف َال َتق َْد ُموا َع َل ْي ِهَ ،و إِ� َذا َو َق َع هلل ﷺ َي ُق ُ ول ا ِ َ�سمِ ْع ُت َر ُ�س َ
اهلل ُع َم ُرُ ،ث َّم ا ْن َ�ص َر َف(((. ِب أَ� ْر ٍ�ض َو�أَ ْنت ُْم ِب َهاَ ،ف َال تَخْ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ»َ ،ق َالَ :ف َحمِ َد َ
ا�صَ ،عنْ َ�أ ِبي ِه�َ ،أ َّن ُه َ�س ِم َع ُه َي ْ�س�أَ ُل �أُ َ�س َام َة ْبنَ َز ْي ٍدَ ،ما وعنْ َع ِام ِر ْب ِن َ�س ْع ِد ْب ِن أَ� ِبي َو َّق ٍ َ
«الط ُاعونُهلل ﷺَّ : ول ا ِ ُ
الط ُاع ِون؟ َف َق َال �أ َ�س َام ُةَ :ق َال َر ُ�س ُ هلل ﷺ فيِ َّ َ�س ِم ْع َت ِمنْ َر ُ�س ِول ا ِ
ِر ْجزٌ� ،أُ ْر ِ�س َل َع َلى َطا ِئ َف ٍة ِمنْ َب ِني �ِإ ْ�س َرا ِئ َيل� ،أَ ْو َع َلى َمنْ َكانَ َق ْب َل ُك ْمَ ،ف ِ�إ َذا َ�س ِم ْعت ُْم ِب ِه
ِب أَ� ْر ٍ�ضَ ،ف َال ت َْد ُخ ُلوا َع َل ْي ِهَ ،و ِ�إ َذا َو َق َع ِب أَ� ْر ٍ�ض َ َو أ� ْنت ُْم ِب َهاَ ،ف َال ت َْخ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ».
َق َال َما ِل ٌكَ :ق َال أَ� ُبو ال َّن ْ�ض ِرَ :ال ُي ْخ ِر ُج ُك ْم �إِ َّال ِف َرا ًرا ِم ْن ُه(((.
املبحث الثامن
جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض� ،أو التهوين منه
ح ّرم اهلل تعالى نقل الأمر واحلكم عليه دون التثبت منه؛ فقال( :ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [احلجرات.]٦ :
ونهى ال�شارع احلكيم عن نقل ال�شائعات دون ت�أكد منها ،ي�ؤيد ذلك قول الر�سول
ﷺَ « :ك َفى ِبالمْ َ ْر ِء َك ِذ ًبا �أَنْ ُي َحدِّ َث ِب ُك ِّل َما َ�س ِم َع»(((.
وال �شك �أن التخويف من املر�ض واملبالغة يف ذلك بذكر �سرعة انت�شاره وعدم
ال�سيطرة عليه ،وكرثة الهالك به ،ي�ضر النا�س وي�ؤدي �إلى الي�أ�س عند البع�ض،
واالكتئاب والقلق عند البع�ض الآخر ،وقد جاءت ال�شريعة بحفظ النفو�س والعقول
وعدم الإ�ضرار بها فمن القواعد الفقهية ( :ال �ضرر وال �ضرار) كذلك التهوين
من �ش�أن املر�ض والت�شكيك يف وجوده ال يجوز لأنه ي�ؤدي �إلى تهاون النا�س يف الأخذ
باالحرتازات التي ت�أمر بها وزارة ال�صحة مما ي�ؤدي �إلى ارتفاع �أعداد امل�صابني نتيجة
التجمع واالختالط وكرثة اخلروج مما ي�ؤدي �إلى الإ�ضرار بحياة الآخرين ،فيكون �إثم
مطلق الإ�شاعة ونا�شرها عند اهلل عظيم ،وكذلك من يت�صرف بت�صرفات ته ّون من
�ش�أن املر�ض ،ويدعو للتجمع واالختالط� ،أو يخرتق �إجراءات احلظر ويو ّثقها بو�سائل
التوا�صل االجتماعي ،والواجب تتبع مطلقي ونا�شري الإ�شاعات ومعاقبتهم وتعزيرهم،
ويح�سن التنويه بجهود النيابة العامة يف اململكة العربية ال�سعودية بتتبعها ملطلقي
الإ�شاعات ونا�شريها عرب و�سائل التوا�صل االجتماعي وتطبيق العقوبات عليهم.
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،باب النهي عن احلديث بكل ما �سمع ( )10/1برقم (.)3
املبحث التا�سع
ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة
وبال�سفر �إلى البالد التي ينت�شر فيها هذا الوباء ،كما �أن من قواعد ال�شرع( :ال�ضرر
يزال)((( �أي يجب �إزالته باعتبار �أن الأخبار يف كالم الفقهاء للوجوب((( ،ف�إذا كان
يجب بعد وقوعه؛ فمن باب �أولى االحتياط قبل وقوعه ،و�إذا ظن البع�ض �أن هذا الأمر
فيه تكلف وم�شقة على النا�س ،ف�إن الت�أكد من ال�سالمة �أمر �أكرث �أهمية حتى ال يقع ما
يندم عليه ،وكل ذلك يخ�ضع حتت قاعدة( :ال�ضرر الأ�شد يزال بال�ضرر الأخف)(((،
و(�إذا تعار�ضت مف�سدتان روعي �أعظمهما بارتكاب �أخفهما)((( ،كذلك (ال�ضرر ُيدفع
بقدر الإمكان) ف�إن �أمكن دفعه بالكلية ،و�إال فبقدر ما ميكن(((.
وهذا الفح�ص يتحقق به امل�صلحة العامة للمجتمع ،ويـقع حتت م�ضمون قـاعدة:
(الت�صرف على الرعية منوط بامل�صلحة)(((.
كذلك تت�ضح لنا هذه القاعدة يف التعامل مع طاعون عموا�س
فقد ا�ست�شهد يف طاعون عموا�س كثري من ال�صحابة �أبرزهم �أبو عبيدة بن
اجلراح الذي كان وال ًيا على ال�شام حينها ،وكان �أبو عبيدة قد خطب يف النا�س
قائل :يا �أيها النا�س �إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوةعندما ا�شتد عليهم الوباء اً
نبيكم ،وموت ال�صاحلني قبلكم ،و�إن �أبا عبيدة ي�س�أل اهلل تعالى �أن يق�سم له من
هذا الطاعون حظه» .وخلفه يف والية ال�شام معاذ بن جبل ،الذي �أودى الطاعون
بحياته �أي ضً� ا وقال حني ظهرت عليه �أعرا�ضه حيث ظهرت يف راحة يده،
فنظر �إليها وقبل ظاهر كفه وقال« :ما �أحب �أن يل مبا فيك �شي ًئا من الدنيا».
الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ،94الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص � ،173شرح القواعد الفقهية (((
للزرقاء �ص ،179القواعد الفقهية للندوي �ص .287
�شرح القواعد الفقهية للزرقاء �ص.179 (((
�شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص .207 (((
الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ،98الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص � ،178شرح القواعد الفقهية (((
للزرقاء �ص ،201القواعد الفقهية للندوي �ص .388
القواعد الفقهية للندوي �ص .388 (((
مادة رقم )58( :من جملة الأحكام العدلية �ص.13 (((
�أما ال�صحابي اجلليل عمرو بن العا�ص ،حني خلف معاذ بن جبل يف والية ال�شام
خطب يف النا�س طال ًبا منهم �أن ي�شعلوا النار ويختبئوا منه يف اجلبال ب�أرا�ض مرتفعة
بحيث يبعدهم عن الهواء امللوث يف املناطق املنخف�ضة ،وهكذا رفع الطاعون عن �أهل
ال�شام ،وكان ذلك اجتهادًا موف ًقا من ابن العا�ص خمال ًفا فيه هدي �سابقيه ،فنجا
وجنا من بقي معه من امل�سلمني((( .وهو ما تن�صح به منظمة ال�صحة العاملية والهيئات
الطبية يف معاجلة الأوبئة بالعزلة يف مكان منا�سب واالبتعاد عن خمالطة النا�س.
و يجوز للدول واحلكومات فر�ض التقييدات على احلرية الفردية مبا يحقق امل�صلحة،
�سوا ًء من حيث منع الدخول �إلى املدن واخلروج منها ،وحظر التج ّول �أو احلجر على
�أحياء حمددة� ،أو املنع من ال�سفر� ،أو املنع من التعامل بالنقود الورقية واملعدنية
وفر�ض الإجراءات الالزمة للتعامل بها ،وتعليق الأعمال والدرا�سة و�إغالق الأ�سواق،
كما �إنه يجب االلتزام بقرارات الدول واحلكومات مبا ي�سمى بالتباعد االجتماعي
ونحو ذلك مما من �ش�أنه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س ومنع انت�شاره لأن ت�ص ّرفات
عمل بالقاعدة ال�شرعية التي تن�ص على �أن (ت�صرف الإمام منوطة بامل�صلحة ،اً
الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة)(((.
املبحث العا�شر
الإتيان بامل�أمورات ح�سب اال�ستطاعة
في�أتي املري�ض �أو املمار�س ال�صحي امل�سلم املخالط للمر�ضى بعباداته ح�سب
قدرته وا�ستطاعته �سوا ًء يف الطهارة �أو يف ال�صالة؛ ومبا يحقق عدم انتقال املر�ض،
كما يف طهارة املمار�س ال�صحي الذي يتعذر عليه خلع مالب�سه الوقائية عند كل
و�ضوء ،وكذا عدم القدرة على الو�ضوء للمري�ض وكذا عدم ال�سجود يف بع�ض احلاالت
لقول اهلل تعالى( :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن ،]16 :وقوله ﷺ« :و�إذا �أمرتكم ب�أمر
«�صل قائما فان مل ت�ستطع ِّ
ف�صل قاعدً ا فان ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم»((( ،وقوله ﷺِّ :
مل ت�ستطع فعلى جنب»((( كذلك الأمر بالن�سبة لل�صحيح يف بع�ض الإجراءات الوقائية
التي متنع من انتقال املر�ض بالتجمعات كتعذر �إقامة �صالة اجلماعة الواجبة يف
امل�ساجد ،و ي�سقط وجوب اجلمعة وت�صلى ظه ًرا للعذر ،وكذلك �صالة العيد ،كذلك
تباعد ال�صفوف بني امل�صلني يف �صالة اجلماعة حتر ًزا من نقل املر�ض ،ذلك �أن
الرتا�ص اال�ستحباب ملا روي عن �أن�س قال� :أقيمت ال�صالة ف�أقبل ّ الأ�صل يف
وترا�صوا ف�إين �أراكم من وراء
ّ علينا ر�سول اهلل ﷺ بوجهه فقال�« :أقيموا �صفوفكم
فالرتا�ص لي�س رك ًنا وال واج ًبا من واجبات ال�صالة ،و�إمنا هو �سنة فرتكه
ّ (((
ظهري»
ال ي�ؤثر على �صحة ال�صالة.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،باب االقتداء ب�سنن ر�سول اهلل ﷺ 94/9برقم ( )6858واللفظ له ،وم�سلم يف
�صحيحه ،باب الف�ضائل ،باب توقريه ﷺ وترك �إكثار �س�ؤاله عما ال �ضرورة �إليه 1830/4برقم (.)1337
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب ال�صالة باب اذا مل ُيطق قاعدً ا �صلى على جنب ،48/2و�أخرجه
�أبوداود يف �سننه ،كتاب ال�صالة باب يف �صالة القاعد ،250/1و�أخرجه الرتمذي يف كتاب ال�صالة،
باب ما جاء �أن �صالة القاعد على الن�صف من �صالة القائم ،208/2و�أخرجه ابن ماجه يف كتاب
ال�صالة ،باب ما جاء يف �صالة املري�ض .386/1
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،باب ت�سوية ال�صفوف عند الإقامة وبعدها ()184/1برقم(.)719
اً
م�شغول ب�إنقاذ املر�ضى من الهلكة حتى ال�صالة يف وقتها ،كالع�صر اً
مثل وكان
غربت ال�شم�س؟
�أجابت اللجنة� :إذا كان الأمر كما ذكر ف�إنه ي�صليها متى متكن من ذلك ولو بعد
خروج وقتها(((.
وال �شك �أن من مقا�صد ال�شريعة رفع احلرج وامل�شقة عن املكلفني قال ال�شاطبي:
مثل مفقود فيه �صيغة عموم؛ ف�إنا «فكذلك �إذا فر�ضنا �أن رفع احلرج يف الدين اً
ن�ستفيده من نوازل متعددة خا�صة ،خمتلفة اجلهات متفقة يف �أ�صل رفع احلرج ،كما
�إذا وجدنا التيمم �شرع عند م�شقة طلب املاء ،وال�صالة قاعدً ا عند م�شقة القيام،
والق�صر والفطر يف ال�سفر ،واجلمع بني ال�صالتني يف ال�سفر واملر�ض واملطر� ...إلى
جزئيات كثرية جدً ا يح�صل من جمموعها ق�صد ال�شارع لرفع احلرج؛ ف�إنا نحكم
مبطلق رفع احلرج يف الأبواب كلها ،اً
عمل باال�ستقراء ،فك�أنه عموم لفظي»(((.
املري�ض بال نزاع، ُ قال املرداوي يف الإن�صاف :و ُيعذ ُر يف ترك اجلمعة واجلماعة
املر�ض (((. حدوث ِ ِ خلوف
و ُيعذ ُر �أي�ضا يف تركهما ِ
وقال املاوردي ال�شافعي“ :العذر الذي يرتك به اجلماعة هو اخلوف العام من
متغ ّلب غري م�أمون على نف�س �أو مال”(((.
وقال ابن قدامة“ :و ُي ْع َذ ُر فيِ َت ْر ِك ِه َما الخْ َ ا ِئ ُف؛ لمِ َا َر َوى �أَ ُبو َدا ُود َعنْ ا ْبن َع َّب ٍ
ا�س
�أَنَّ ال َّن ِب َّي ﷺ َقالَ :منْ َ�س ِم َع المْ ُ َنا ِدي َف َل ْم يمَ ْ َن ْع ُه ِمنَ ا ِّت َب ِاع ِه ُع ْذ ٌرَ ،قا ُلواَ :و َما ا ْل ُع ْذ ُر؟
ال�ص َال ُة ا َّل ِتي �صلى»(((َ .والخْ َ ْو ُف ،ثَلاَ َث ُة �أَ ْن َو ٍاع؛ «خ ْو ٌف �أَ ْو َم َر ٌ�ض لمَ ْ ُت ْق َبل ِم ْن ُه َّ
َقالَ :
((( فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم ( )28068وتاريخ 1441/9/17ه.
((( املوافقات .58 /4
((( الإن�صاف .300/2
((( احلاوي .304/2
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه كتاب ال�صالة ،باب يف الت�شديد يف ترك اجلماعة ،294/2و�صححه احلاكم يف
م�ستدركه باب الت�أمني ،245/1و�أخرجه الدارقطني يف �سننه ،420/1و�أخرجه ابن حبان يف �صحيحه
يف= َ ،415/5وقال ابن حجر يف ن�صب الراية َ ( 23/2ر َوا ُه ا ْبنُ ِح َّبانَ َ .والحْ َ ِاك ُمَ ،و�أَكْثرَ ُ ال َّن ِ
ا�س َع َلى ت َْ�ض ِع ِ
يتعلق قلبه به فوجهان� ،أ�صحهما �أنه عذر؛ لأن م�شقة تركه �أعظم من م�شقة املطر،
ولأنه يذهب خ�شوعه”(((.
وقال املرداوي“ :يعذر �أي�ضً ا يف تركها لتمري�ض قريبه”(((.
ويجوز للعاملني يف املجاالت ال�صحية يف هذه اجلائحة الأخذ برخ�صة اجلمع بني
قيا�سا على ال�سفر بجامع امل�شقة واحلاجة،
ال�صلوات ،جمع تقدمي �أو جمع ت�أخريً ،
وقد كان هذا من �ضمن تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لعام 1441هـ والتي
كانت بعنوان فايرو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد )19وما يتعلق به من معاجلات طبية
و�أحكام �شرعية»(((.
ومن املعلوم �أن ال�شريعة الإ�سالمية و�أحكامها متتاز ب�صفات عديدة من �أهمهما:
رفع احلرج وال�سماحة والتي�سري ودفع امل�شقة وقلة التكاليف ،و�إذا وجد ما ي�صعب فعله
وو�صل الأمر �إلى درجة ال�ضرورة ،فقد �شرع اهلل تعالى رخ صً� ا تبيح للمكلفني ما حرم
عليهم ،وت�سقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول ال�ضرورة ،وذلك رحمة من
وكرما ،ففي الفقه الإ�سالمي قواعد فقهية مهمة حاكمة لأوقات اً
وتف�ضل ً اهلل بعباده
الأزمات ،من �أهمها :قاعدة رفع احلرج وال�سماحة ،وقاعدة امل�شقة جتلب التي�سري،
و�إذا �ضاق الأمر ات�سع ،وقاعدة الأخذ بالرخ�ص �أولى من العزمية ً
حفظا للنفو�س،
وقاعدة ال �ضرر وال �ضرار ،وقاعدة الت�صرف على الرعية منوط بامل�صلحة ،وقاعدة
للإمام تقييد املباح يف حدود اخت�صا�صه مراعاة للم�صلحة العامة(((.
اخلامتة
احلمد هلل حمدً ا يليق بجالل وجهه وعظيم �سلطانه على �أن ي�سر يل �إمتام هذا
البحث ،والذي خل�صت فيه �إلى النتائج الآتية:
1.1مر�ض كورونا (كوفيد )19من الأوبئة وذلك ب�إعالن منظمة ال�صحة العاملية
لذلك ،وما ذكر يف البحث من �أحكام جتري عليه فيما �إذا تيقنا �سرعة
انت�شاره وعظيم �ضرره بالعدوى.
َ 2.2ح َوت ال�شريعة الإ�سالمية الأ�صول التي ُيعتمد عليها يف بناء املنهج ال�شرعي
يف التعامل مع الأوبئة.
3.3ي�شرع تداوي امل�صاب بالوباء حفظا لنف�سه ،وحماية لغريه من امل�سلمني.
4.4منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد �سواء كان يف بيته
(احلجر املنزيل) �أو يف املراكز وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي).
5.5منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده ،جتن ًبا لن�شر الوباء.
�6.6أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية ،ومنعه من خمالطة املري�ض ،و�إلزامه
باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات.
7.7منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي ،حفظا لنف�سه
ووقاية لها.
8.8جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض� ،أو التهوين منه ،وو�ضع
عقوبات ملن يتهاون يف ذلك.
9.9ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة ،وله تعزير من يخالف ما ي�أمر به من
الإجراءات واالحرتازات التي فيها م�صلحة للرعية.
1.1القر�آن الكرمي.
2.2الآداب ال�شرعية .البن مفلح عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي ،حتقيق� :شعيب
الأرنا�ؤوط وعمر القيام ،الطبعة :الثالثة1419 ،هـ1999-م ،م�ؤ�س�سة الر�سالة،
بريوت.
3.3الأذكار .للإمام احلافظ �أبي زكريا يحيى بن �شرف النووي (ت676 :هـ)
حتقيق :حمي الدين م�ستو ،ط1413 ،6هـ ،دار ابن كثري ،دم�شق ،بريوت ،ودار
الكلم الطيب ،بريوت.
4.4اجلامع لأحـكام القر�آن .لأبي عبداهلل حممد بن �أحـمد الأن�صاري الـقرطـبي
(ت671 :هـ) ،ط1408 ،١هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان.
�5.5أحكام القر�آن .لأبي بكر حممد بن عبداهلل بن العربي (ت543 :هـ) حتقيق:
حممد عبدالقادر عطا ،دار الفكر للطباعة ،لبنان.
�6.6أ�سنى املطالب يف �شرح رو�ض الطالب .لزكريا بن حممد بن زكريا الأن�صاري،
زين الدين �أبو يحيى ال�سنيكي (ت926 :هـ) دار الكتاب الإ�سالمي.
7.7الأ�شباه والنظائر .لزين الدين بن �إبراهيم املعروف بابن جنيم (ت970 :هـ)
حتقيق :حممد مطيع احلافظ ،ط1403 ،١هـ ،دار الفكر ،دم�شق.
8.8الأ�شباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه ال�شافعية .للإمام جالل الدين
عبدالرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي (ت911 :هـ) حتقيق :حممد املعت�صم باهلل
البغدادي ،ط1414 ،٢هـ ،دار الكتاب العربي ،بريوت.
9.9الإملام .لأبي الفتح تقي الدين حممد بن �أبي احل�سن علي بن �أبي الطاعة الق�شريي
امل�صري (ت702 :هـ) حتقيق :ح�سني �إ�سماعيل اجلمل ،ط1423 ،٢هـ2002-م،
دار املعراج الدولية ،الريا�ض ،ال�سعودية.
1919تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق .ت�أليف العالمة فخر الدين عثمان بن علي
الزيلعي احلنفي (ت743 :هـ) وبهام�شه حا�شية العالمة العمدة ال�شيخ ال�شلبي
ط� ،١سنة 1313هـ باملطبعة الكربى الأمريية ببوالق م�صر املحمية ،النا�شر دار
املعرفة ،بريوت لبنان.
2020حتفة الفقهاء .لعالء الدين ال�سمرقندي (ت539 :هـ) النا�شر :دار الكتب العلمية.
2121حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج .لأحمد بن حممد بن علي بن حجر الهيتمي ،روجعت
و�صححت :على عدة ن�سخ مبعرفة جلنة من العلماء ،بدون طبعة ،عام الن�شر:
1357هـ 1983 -م ،النا�شر :املكتبة التجارية الكربى مب�صر ل�صاحبها م�صطفى
حممد (ثم �صورتها دار �إحياء الرتاث العربي -بريوت ،بدون طبعة وبدون تاريخ).
2222التلقني يف الفقه املالكي .لعبدالوهاب علي بن ن�صر الثعلبي (ت362 :هـ)
حتقيق :حممد ثالث �سعيد الغاين ،ط� ،١سنة 1415هـ ،النا�شر :املكتبة التجارية،
مكة املكرمة.
2323اجلامع لأحـكام القر�آن .لأبي عبداهلل حممد بن �أحـمد الأن�صاري الـقرطـبي
(ت671 :هـ) ،ط1408 ،١هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان.
2424حا�شيتا قليوبي وعمرية .ت�أليف� :أحمد �سالمة القليوبي و�أحمد الربل�سي عمرية،
بدون طبعة1415 ،هـ1995-م ،دار الفكر -بريوت.
2525حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري .للـعامل �شم�س الدين ال�شيخ حممد عرفـة
الـد�سوقي (ت1230 :هـ) ،طبعه دار الفكر للطباعة والن�شر والتوزيع.
2626حا�شـية رد املـحتار .ملـحـمد �أمـني ال�شهري بابـن عابـدين (ت1252 :هـ) ،ط،٣
1404هـ طبعة �سنة 1421هـ دار الفكر ،بريوت.
2727حا�شية العدوي على �شرح كفاية الطالب الرباين .لأبي احل�سن علي بن �أحمد
بن مكرم ال�صعيدي العدوي (ن�سبة �إلى بني عدي ،بالقرب من منفلوط) (ت:
1189هـ) حتقيق :يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي ،طبعة �سنة 1414هـ 1994 -م،
دار الفكر -بريوت.
�3737سنن ابن ماجه .للحافظ �أبي عبداهلل حممد بن يزيد القزويني(ت275 :هـ)
حتقيق وتعليق :حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،دار الفكر للطباعة والن�شر والتوزيع.
�3838سنن �أبي داود .للإمام �أبي داود �سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين الأزدي (ت:
275هـ) راجعه وعلق عليه :حممد حمي الدين عبداحلميد ،طبعة دار الفكر،
بريوت -لبنان.
�3939سنن الرتمذي وهو اجلامع املخت�صر من ال�سنن عن ر�سول اهلل ﷺ ومعرفة
ال�صحيح واملعلول وما عليه العمل .لأبي عي�سى حممد بن عبا�س بن �سورة
الرتمذي (ت279 :هـ) مراجعة� :صدقي حممد جميل عطار ،طبعة �سنة 1414هـ،
دار الفكر للطباعة والن�شر ،بريوت-لبنان.
�4040سـنن الــدار قطني .لل�شيخ عــلي بن عمر الـدار قطني (ت385 :هـ) ،حتقيق:
ال�سيد عبداهلل ها�شم اليماين املدين ،طبعة عام 1386هـ ،دار املعرفة ،بريوت.
4141ال�سنن الكربى .للحافظ �أبي بكر �أحمد بن احل�سني بن علي البيهقي( ،ت458 :هـ)،
وبذيله اجلوهر النقي للعالمة عالء الدين بن علي بن عثمان املارديني ال�شهري
بابن الرتكماين (ت745 :هـ) طبعة عام 1413هـ ،دار املعرفة ،بريوت لبنان.
4242ال�سيل اجلرار املتدفق على حدائق الأزهار .لل�شيخ حممد بن علي ال�شوكاين
(ت1255 :هـ) حتقيق :حممود �إبراهيم زايد ،ط1405 ،١هـ1985 -م ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان.
�4343شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي .ل�شم�س الدين �أبي عبداهلل حممد بن
عبداهلل الزرك�شي (ت772 :هـ) قدم له ،وو�ضع حوا�شيه :عبداملنعم خليل
�إبراهيم ،ط1423 ،١هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
�4444شرح فتح القدير .لكمال الدين حممد بن عبدالواحد ال�سيوا�سي (ت681 :هـ)
ط ،٢النا�شر :دار الفكر ،بريوت.
�4545شرح القواعد الفقهية .لل�شيخ �أحمد ابن ال�شيخ حممد الزرقاء ،تعليق :م�صطفى
�أحمد الزرقاء ،ط1409 ،٢هـ ،دار القلم ،بريوت ،دم�شق.
4646ال�شرح الكبري .ل�شم�س الدين �أبي الفرج عبدالرحمن بن حممد بن �أحمد بن
قدامه املقد�سي( ،ت682 :هـ) (مطبوع مع املغني) ط1404 ،١هـ دار الفكر
للطباعة والن�شر ،بريوت ،لبنان.
�4747شرح جملة الأحكام العدلية .لعلي حيدر با�شا ،ط1411 ،١هـ ،دار اجلليل ،بريوت.
�4848شرح منتهى الإرادات دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى .لل�شيخ من�صور بن يون�س
بن �إدري�س البهوتي( ،ت1051 :هـ) حتقيق :د .عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي،
ط1421 ،١هـ2000 -م ،م�ؤ�س�سة الر�سالة.
�4949صحيح البخاري .للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �إ�سماعيل البخاري( ،ت:
256هـ) (مطبوع مع �شرحه فتح الباري) ط1409 ،٢هـ ،دار الريان للرتاث،
القاهرة ،وكذلك ن�سخة املكتبة ال�شاملة.
�5050صحيح م�سلم .لأبي احل�سني م�سلم بن احلجاج بن م�سلم الق�شريي الني�سابوري
(ت261 :هـ) (مطبوع مع �شرح النووي عليه) ط1407 ،١هـ ،دار الريان للرتاث،
القاهرة ،وكذلك ن�سخة املكتبة ال�شاملة.
5151عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري .لأبي حممد حممود بن �أحمد بن مو�سى
بن �أحمد بن ح�سني الغيتابى احلنفى بدر الدين العينى (ت855 :هـ) ،النا�شر:
دار �إحياء الرتاث العربي -بريوت.
5252الفتاوى الكربى .ل�شيخ الإ�سالم تقي الدين �أحمد بن عبداحلليم ابن تيمية (ت:
728هـ) قدم له :ح�سنني حممد خملوف ،النا�شر :دار املعرفة ،بريوت.
5353الفتاوى الهندية يف مذهب الإمام الأعظم �أبي حنيفة النعمان .لل�شيخ نظام،
وجماعة من علماء الهند ،النا�شر :دار الفكر.
5454فتاوى نور على الدرب .ملحمد بن �صالح بن حممد العثيمني (ت1421 :هـ)،
املكتبة ال�شاملة.
5555الفتح الرباين لرتتيب م�سند الإمام �أحمد بن حنبل .لأحمد بن عبدالرحمن
البنا .دار ال�شهاب ،القاهرة.
5656الـفـروع .لل�شيخ �شم�س الدين املقد�سي �أبي عبداهلل حممد بن مفلح (ت763 :هـ)،
6767جممع الزوائد .لعلي بن �أبي بكر الهيثمي (ت807 :هـ) �سنة الن�شر1407هـ ،دار
الريان للرتاث ،القاهرة ،بريوت.
6868جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا
امل�ستجد كوفيد 19-ومايتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها
جممع الفقه اال�سالمي -عن بعد� 23 -شعبان 1441هـ 16 ،ابريل 2020م.
6969املجموع �شرح املهذب .لأبي زكريا حمي الدين �شرف النووي( ،ت676 :هـ)،
دار الفكر.
7070جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم �أحمد بن تيمية( .ت827 :هـ) جمع وترتيب:
عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم العا�صمي النجدي احلنبلي ،وم�ساعدة ابنه
حممد ،طبع ب�إ�شراف الرئا�سة العامة ل�ش�ؤون احلرمني ال�شريفني.
7171املحرر يف الفقه على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل .لل�شيخ الإمام جمد الدين
�أبي الربكات (ت652 :هـ) ،حتقيق :حممد حامد الفقي ،النا�شر :دار الكتاب
العربي ،بريوت.
7272املحكم واملحيط الأعظم .لأبي احل�سن علي بن �إ�سماعيل بن �سيده املر�سي [ت:
458هـ] ،املحقق :عبداحلميد هنداوي ،الطبعة :الأولى1421 ،هـ 2000 -م،
النا�شر :دار الكتب العلمية -بريوت.
لمـام احلافظ �أبي عبداهلل احلاكم الـني�سابوري،
7373امل�سـتدرك على ال�صحيحني .ل إ
(ت405 :هـ) ،حتقيق :م�صطفى عبدالقادر عطا ،ط ،١عام1411هـ1990-م،
النا�شر :دار الكتب العلمية ،بريوت لبنان.
7474م�سند الإمام �أحمد .مل�ؤلفه� :أبي عبداهلل �أحمد بن حـنبل ال�شيباين( ،ت:
241هـ) ،الطبعة امل�صورة عن الطبعة امليمنية ،م�ؤ�س�سة قرطبة ،م�صر.
7575امل�صـنف .للحافظ الكبري �أبي بكر عبدالرزاق بن همام ال�صنعاين (ت211 :هـ)
حـققه وخرج �أحاديثه :ال�شيخ حبيب الرحمن الأعظمي ،ط1403 ،٢هـ ،املجل�س
العلمي املكتبة اال�سالمية ،ببريوت.
7676املطلع على �أبواب املقنع .للإمام �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أبي الفتح
البعلي احلنبلي (ت709 :هـ) طبعة عام 1401هـ ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،لبنان.
7777معجم لغة الفقهاء ،حممد روا�س قلعجي و حامد �صادق قنب�س ،دار النفائ�س
للطباعة ،ط1408 ،٢هـ1988 -م.
7878املغرب يف ترتيب املعرب .لنا�صر بن عبدال�سيد �أبى املكارم ابن على� ،أبو الفتح،
برهان الدين اخلوارزمي املُ َط ِّرز ِّى (ت610 :هـ) ،بدون طبعة ،النا�شر :دار
الكتاب العربي.
7979املغنى .ت�أليف :موفـق الدين �أبي حممد عبداهلل بن قدامة (ت620 :هـ) (مطبوع
مع ال�شرح الكبري) ط1404 ،٢هـ ،دار الفكر للطباعة والن�شر ،بريوت ،لبنان.
8080مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج .لل�شيخ� :شم�س الدين حممد بن
حممد اخلطيب ال�شربيني (ت977 :هـ) ،حتقيق :ال�شيخ :علي حممد معو�ض،
وال�شيخ :عادل �أحمد عبداملوجود ،ط1415 ،١هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت لبنان.
8181منتهى الإرادات يف جمع املقنع مع التنقيح وزيادات .لتقي الدين حممد بن �أحمد
الفتوحي احلنبلي امل�صري ،ال�شــــهري بابن النجار(ت972 :هـ)( ،مطـبوع مع
حا�شيته) حتقيق :د .عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي ،ط1419 ،١هـ1999-م،
م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر والتوزيع ،يوزع على نفقة ح�سن عبا�س �شربتلي.
8282منح اجلليل �شرح على خمت�صر �سيدي خليل .لل�شيخ حممد علي�ش (ت:
1299هـ) ،ط1404 ،١هـ ،دار الفكر ،بريوت لبنان.
8383املهذب يف فقه ال�شافعي .لأبي ا�سحاق ال�شريازي (ت476 :هـ) حتقيق :د .حممد
الزحيلي ،ط1417 ،١هـ1996 -م ،دار القلم ،دم�شق ،الدار ال�شامية ،بريوت.
8484مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر خليل .ت�أليف� :أبي عبداهلل حممد بن حممد
املغربي املعروف باحلطاب (ت954 :هـ)� ،ضبطه وخرج �آياته و�أحاديثه :ال�شيخ
زكريا عمريات ،ط1416 ،١هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت لبنان.
فهر�س املحتويات
املقدمة77 .........................................................................
املبحث الأول :التعريف بالوباء ،وبكورونا(كوفيد )19وفيه مطلبان80 .......... :
املطلب الأول :التعريف بالوباء وما يراد به 80 .................................
املطلب الثاين :التعريف بوباء فريو�س كورونا ( كوفيد81 ..................)19
املبحث الثاين :الأ�صل يف بيان املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة 83 ...........
املبحث الثالث� :أمر املري�ض بالتداوي 86 ..........................................
املبحث الرابع :منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد �سواء كان يف
بيته (احلجر املنزيل) �أو يف املراكز وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي) 87 ...
املبحث اخلام�س :منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده 94 ...................
املبحث ال�ساد�س� :أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية ،ومنعه من خمالطة
املري�ض ،و�إلزامه باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات 96 ....................
املبحث ال�سابع :منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي99 ....
املبحث الثامن :جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض� ،أو التهوين منه 101 ..
املبحث التا�سع :ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة 102 ...........................
املبحث العا�شر :الإتيان بامل�أمورات ح�سب اال�ستطاعة 105 ..........................
اخلامتة 110 ........................................................................
قائمة امل�صادر واملراجع 112 .......................................................
�إعداد:
�أ .د .غازي بن �سعيد بن حمود املطريف
ال�سالمية
الأ�ستاذ مبركز الدرا�سات إ
بكلية ال�رشيعة -جامعة �أم القرى
أ .د .غازي بن سعيد بن محود املطريف
ملخص البحث
لقد ا�ستهدفت الدرا�سة الفقهية بعنوان�( :آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة
اجلماعة يف امل�سجد درا�سة �شرعية) بحث وجمع وت�أ�صيل مل�س�ألة الأثر الفقهي املرتتب
على �أحكام اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب جائحة كورونا؛ �إذ �أنني مل �أر من بحثها �أو
جمعها و� ّأ�صلها بالأدلة ال�شرعية ،وقد �سرت يف بحثها وفق منهج علمي و�صفته يف
املقدمة.
وق�سمت البحث �إلى مقدمة م�شتملة على �أهميته ،و�أ�سباب اختياره ،والدرا�سات
ال�سابقة ،وخطته ومنهجه؛ ثم التمهيد وفيه ثالثة مطالب املطلب الأول :تعريف �صالة
وا�صطالحا ،املطلب
ً وا�صطالحا ،املطلب الثاين :تعريف امل�سجد لغة
ً اجلماعة لغة
الثالث :تعريف وباء كورونا ،و�سبعة مباحث :املبحث الأول :ترك امل�صاب بوباء كورونا
للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله؛ املبحث الثاين :ترك اجلماعة يف امل�سجد
ب�سبب اخلوف من عدوى وباء كورونا؛ املبحث الثالث :التباعد بني امل�صلني خو ًفا من
العدوى من وباء كورونا؛ املبحث الرابع :التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى؛
املبحث اخلام�س :تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى؛ املبحث
ال�ساد�س :عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س القفازين؛
املبحث ال�سابع :ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى .ثم ختمت
البحث ب�أهم النتائج امل�ستخل�صة منه والتو�صيات ،وفهر�س للم�صادر واملراجع.
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد �أ�شرف اخللق
واملر�سلني ،وعلى �آله و�صحبه �أجمعني� ،أما بعد:
فاالبتالء �سنة من �سنن اهلل يف هذه احلياة ،قال تعالى( :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة ،]155 :وقد ابتليت الأمة
الإ�سالمية على امتداد تاريخها الطويل ،بالعديد من اجلوائح التي كانت م�صدر
تهديد وخطر عليها ،منها ما كانت جوائح عامة ،كالأوبئة ،والطاعون وغريها ،ومنها
ما كانت جوائح من اجليو�ش الب�شرية تتعلق ب�أخطار داهمت امل�سلمني؛ كما ح�صل
�أيام غزو التتار لبالد امل�سلمني �أو ال�صليبيني ،وغريها ،تلك اجلوائح والأوبئة التي
تقت�ضي من �أهل الإ�سالم ال�صرب عليها وحمد اهلل تعالى يف كل الأحوال ،فعن �صهيب
الرومي قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :عج ًبا لأمر امل�ؤمن �إنّ �أمره كله خري ،ولي�س
ذلك لأحد �إال للم�ؤمن� ،إن �أ�صابته �سراء �شكر فكان خ ًريا له ،و�إن �أ�صابته �ضراء �صرب
أحكاما خا�صة،
فكان خ ًريا له»((( ،وهذه الأوبئة اقت�ضت من الفقهاء نظرة خا�صة ،و� ً
مع ما ميتاز به ديننا العظيم من مرونة ،و�صالحية لكل زمان ومكان ،فو�ضعوا
الأحكام اخلا�صة ،والقواعد املتعلقة بهذه الأوبئة� ،سوا ًء ما ارتبط منها بالعبادات �أو
املعامالت �أو خمتلف نواحي احلياة.
ومن هذه اجلوائح والأوبئة انت�شار وباء كورونا يف �آخر الن�صف الأول لعام 1441هـ
يف �أرجاء املعمورة حتى �أ�صاب املاليني من الب�شر وتويف ب�سببه مئات الألوف ،وقد
((( رواه م�سلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب امل�ؤمن �أمره كله خري ،حديث رقم .5318
بامل�س�ألة وذات العالقة بها ،ومن ّثم اال�ستنباط من الن�صو�ص وكالم الفقهاء
والقواعد ال�شرعية ما يبني احلكم ال�شرعي.
2.2اقت�صرتُ على بحث امل�سائل الفقهية املتعلقة ب�آثار وباء كورونا على �أحكام
�صالة اجلماعة يف امل�سجد تعل ًقا مبا�ش ًرا ،دون امل�سائل التي قد ترتبط بها
ب�أي �سبب من الأ�سباب ،وكذلك امل�سائل الدقيقة ،ومل �أ�ستطرد يف اخلالفات
والأدلة وامل�سائل املتفرعة عن هذه امل�سائل ،والتي مل تقع حتى ال يطول
البحث ،وق�ص ًرا للم�سائل على مو�ضوع البحث.
3.3جمعت ونقلت �أقوال الفقهاء من م�صادرها.
4.4عزوت الآيات القر�آنية �إلى �سورها.
5.5خرجت الأحاديث النبوية والآثار من كتب ال�سنة املعتمدة.
6.6حررت حمل النزاع قبل �سياق امل�سائل اخلالفية� ،إن احتاجت امل�س�ألة لذلك.
7.7اجتهدت يف بيان الراجح بدليله.
8.8بينت م�صطلحات البحث وما ورد فيه من غريب.
9.9حر�صت على العناية بقواعد اللغة العربية ،والإمالء ،وعالمات الرتقيم.
1010و�ضعت يف نهاية البحث خامتة �أجملت فيها �أهم النتائج والتو�صيات.
خطة البحث:
مت البحث �إلى مقدمة ومتهيد و�سبعة مباحث وخامتة وفهار�س.
ق�س ُ
ّ
املقدمة ،وت�شتمل على ما يلي :اال�ستفتاح ،و�أهمية البحث و�أ�سبابه ومنهجه
و�أ�سباب اختياره واخلطة.
متهيد وفيه ثالثة مطالب:
وا�صطالحا.
ً املطلب الأول :تعريف �صالة اجلماعة لغة
وا�صطالحا.
ً املطلب الثاين :تعريف امل�سجد لغة
املطلب الثالث :تعريف وباء كورونا.
املبحث الأول :ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله.
املبحث الثاين :ترك اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب اخلوف من العدوى من وباء كورونا.
املبحث الثالث :التباعد بني امل�صلني خو ًفا من العدوى من وباء كورونا.
املبحث الرابع :التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى.
املبحث اخلام�س :تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى.
املبحث ال�ساد�س :عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س القفازين.
املبحث ال�سابع :ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى.
اخلامتة :وبينت فيها �أهم النتائج والتو�صيات.
التمهيد
وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول
وا�صطالحا
ً تعريف �صالة اجلماعة لغة
املعنى اللغوي� ،إال �أنه ميكن تخ�صي�ص املعنى اال�صطالحي مبا له �أثر يف الأحكام
الفقهية ،وعلى هذا فاملعنى اللغوي �أعم ل�شموله كل ما ي�سمى جماعة ،واملعنى
اال�صطالحي �أخ�ص منه؛ لأنه خم�صو�ص مبا له �أثر يف الأحكام الفقهية(((.
وعليه ف�إن املق�صود ب�صالة اجلماعة :ارتباط �صالة امل�أموم ب�صالة الإمام
ب�شروط خم�صو�صة(((.
املطلب الثاين
وا�صطالحا
ً تعريف امل�سجد لغة
امل�سجد لغة :املو�ضع الذي ي�سجد فيه ،ثم اتّ�سع املعنى �إلى البيت املُتّخذ الجتماع
امل�سلمني لأداء ال�صالة فيه ،قال الزرك�شي “ :ولـَمـّا كان ال�سجود �أ�شرف �أفعال
ال�صالة ،لقرب العبد من ربه ،ا�شتق ا�سم املكان منه فقيل :م�سجد ،ومل يقولوا:
مركع ،ثم �إن ال ُعرف خ�ص�ص امل�سجد باملكان امله ّي�أ لل�صلوات اخلم�س ،حتى يخرج
املُ�ص ّلى املجتمع فيه للأعياد ونحوها ،فال ُيعطى حكمه”(((.
ويف اال�صطالح :املبنى املوقوف املخ�ص�ص لل�صلوات اخلم�س املفرو�ضة وغريها(((.
املطلب الثالث
تعريف وباء كورونا
مر�ض عام،
الوباء يف اللغة :الوباء بالق�صر واملد والهمز :الطاعون ،وقيل :كل ٍ
و�أر�ض و ِبئة :كثرية الوباء ،وا�ستوب�أ الأر�ض :ا�ستوخمها ووجدها وبئة(((.
((( ينظر :بدائع ال�صنائع ،156/1جمموع فتاوى ابن تيمية � ،157/3أحكام اجلماعة يف الفقه الإ�سالمي �ص.26
((( ينظر� :صالة اجلماعة حكمها و�أحكامها �ص .12
((( �إعالم ال�ساجد ب�أحكام امل�ساجد� ،ص ،28-27وينظر :ل�سان العرب .204 ،203/3
((( �أحكام امل�ساجد يف ال�شريعة الإ�سالمية .11/1
((( انظر ل�سان العرب .189/1
بل مل تت�أكد حتى الآن جميع طرق وو�سائل انت�شاره ،وعدد امل�صابني به جتاوز حاجز
الـ 14مليو ًنا و� 374ألف �شخ�ص ،تقري ًبا حول العامل ،وعدد املتوفني حول العامل يزيد
عن � 600ألف حالة؛ كما مت �شفاء �أكرث من 8ماليني و� 572ألف حالة(((.
((( .https://www.bbc.com/arabic/51855397
املبحث الأول
ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد
ومنعه من دخوله
قبل بيان حكم ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله،
البد من الإ�شارة �إلى م�س�ألتني:
امل�س�ألة الأولى:
مل �أقف على َمن قال بتعطيل ال�صلوات بالكلية يف عموم امل�ساجد مع وجود الأوبئة
وانت�شار الطواعني على مر التاريخ �أهل الإ�سالم ،حتى يف الطاعون الأعظم الذي
انت�شر يف كثري من البلدان عام749ه؛ بل اجته النا�س للم�ساجد والت�ضرع والدعاء؛
كما و�صف ذلك ابن كثري بقوله ...“ :ويف يوم االثنني الثالث والع�شرين منه-
جمادى الآخرة -نودي يف البلد �أن ي�صوم النا�س ثالثة �أيام ،و�أن يخرجوا يف اليوم
الرابع وهو يوم اجلمعة �إلى عند م�سجد القدم يت�ضرعون �إلى اهلل وي�س�ألونه يف رفع
الوباء عنهم ،ف�صام �أكرث النا�س ونام النا�س يف اجلامع ،و�أحيوا الليل كما يفعلون
يف �شهر رم�ضان ،فلما �أ�صبح النا�س يوم اجلمعة ال�سابع والع�شرين منه خرج النا�س
فج عميق ،واليهود والن�صارى وال�سامرة ،وال�شيوخ والعجائز يوم اجلمعة من كل ٍ
وال�صبيان ،والفقراء والأمراء والكرباء والق�ضاة من بعد �صالة ال�صبح ،فما زالوا
يوما م�شهودا ،ويف يوم هنالك يدعون اهلل تعالى حتى تعالى النهار جدً ا ،وكان ً
اخلمي�س عا�شر جمادى الأولى� :صلى اخلطيب بعد �صالة الظهر على �ستة ع�شر ميتًا
يومئذ كث ًريا ،رمبا يقارب
جملة واحدة ،فتهول النا�س من ذلك وانذعروا ،وكان الوباء ٍ
الثالثمائة بالبلد وحوا�ضره ،ف�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون ...وكان ي�صلى يف �أكرث الأيام
يف اجلامع على �أزيد من مائة ميت ف�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون ،وبع�ض املوتى ال ي�ؤتى
بهم �إلى اجلامع ،و�أما حول البلد و�أرجائها فال يعلم عدد من ميوت بها �إال اهلل
رحمهم اهلل �آمني ”.ا.هـ(((.
لكن مع التقدم الطبي يف وقتنا احلا�ضر ،وظهور الدرا�سات املتخ�ص�صة يف
الأوبئة والأمرا�ض املعدية �أ�صبح لتلك الدرا�سات ت�أث ًريا يف املوقف ال�شرعي من مثل
هذه الأمرا�ض ،وبيان الأحكام مبني على تلك الدرا�سات والأبحاث وما تنتهي �إليه
من نتائج.
امل�س�ألة الثانية:
حكم �أداء �صالة اجلماعة يف امل�سجد ،اختلف فيها �أهل العلم على ع ّدة �أقوال
�أ�شهرها ثالثة:
القول الأول� :أنها �سنة يف امل�سجد ،وهو مذهب اجلمهور من احلنفية((( ،واملالكية(((،
وال�شافعية((( ،ورواية عن الإمام �أحمد وهي ال�صحيح من املذهب(((.
القول الثاين� :أن �صالتها بامل�سجد فر�ض عني على َمن جتب عليه ،رواية عن
الإمام �أحمد ،اختارها جماعة من احلنابلة منهم �شيخ الإ�سالم ابن تيمية(((.
القول الثالث� :أن فعلها يف امل�سجد فر�ض كفاية ،رواية عن الإمام �أحمد واختارها
بع�ض احلنابلة(((.
وقد اتفق �أهل العلم على �أن املر�ض ُيع ّد عذ ًرا يف ترك اجلماعة واجلمعة،
واحد من �أهل العلم((( ،وبنا ًء على ما تقدم من الإ�شارة للخالف يف
نقل االتفاق غري ٍ
البداية والنهاية البن كثري ،181/14وينظر :بذل املاعون �ص.329 ،328 (((
ينظر :تبيني احلقائق ،340/1حا�شية ابن عابدين .287/2 (((
ينظر :الذخرية ،265/2مواهب اجلليل .81/2 (((
ينظر :املجموع ،93/4رو�ضة الطالبني ،341/1مغني املحتاج .351/1 (((
ينظر :املغني ،8/3الفروع ،577/1والإن�صاف .213/2 (((
ينظر :الفروع ،577/1جمموع الفتاوى البن تيمية .254/23 (((
ينظر :الفروع ،577/1والإن�صاف .213/2 (((
ينظر :الأو�سط البن املنذر ،139/4بداية املجتهد .157/1 (((
�أداء اجلماعة يف امل�سجد ،مع االتفاق على اعتبار املر�ض عذ ًرا ف�إن امل�صاب بوباء
رخ�ص له يف ترك اجلماعة يف امل�سجد وت�سقط عنه ،حتى على قول َمن يقول كورونا ُي ّ
من �أهل العلم بفر�ضية �أداء ال�صالة يف امل�سجد ،وهكذا احلكم ل�صالة اجلمعة ،فهي
واجبة على الأعيان بالإجماع(((؛ لكن َمن كان مري�ضً ا بوباء كورونا ف�إنها ت�سقط عنه
ويكون معذو ًرا يف تركها ،وبيان ذلك �أن امل�صاب بهذا املر�ض اجتمع فيه �أمران �أو
�أحدهما:
الأول :املر�ض الذي ي�شق معه الذهاب �إلى امل�سجد؛ لأنه ي�صيب اجلهاز التنف�سي؛
كما تقدم ،ويلحق احلرج و ال�ضرر بامل�صاب غال ًبا ،واهلل تعالى يقول( :ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [احلج ،]78 :والقاعدة الكربى التي جاءت بها
ال�شريعة ال�سمحة وقررها �أهل العلم ( امل�شقة جتلب التي�سري)((( تدل
على �أن ال�شدة وال�صعوبة البدنية �أو النف�سية التي يجدها املكلف عند القيام
�صحيحا للت�سهيل والتخفيف كي تزول تلك
ً بالتكليف ت�صري �سب ًبا �شرع ًيا
ال�شدة و ال�صعوبة �أو تهون(((؛ لكن يف بع�ض حاالت املر�ض ال توجد م�شقة
وال �ضر ٌر يف الذهاب للم�سجد وح�ضور اجلماعة ،فيبقى الأمر التايل وهو
العدوى.
الثاين :العدوى امل�صاحبة للمر�ض ،فبع�ض املر�ضى ال تظهر عليه �أعرا�ض وال
ي�شق عليه الذهاب للجماعة واجلمعة؛ لكنه يعدي غريه ،وذكرت منظمة
ال�صحة العاملية �أن كورونا من الأمرا�ض املعدية ،وينت�شر املر�ض ب�شكل
�أ�سا�سي من �شخ�ص �إلى �شخ�ص عن طريق ال ُقطريات ال�صغرية التي يفرزها
ال�شخ�ص امل�صاب بكوفيد 19-من �أنفه �أو فمه عندما ي�سعل �أو يعط�س �أو
يتكلم ،وهذه القطريات وزنها ثقيل ن�سب ًيا ،فهي ال تنتقل �إلى مكان بعيد و�إمنا
((( ينظر :الإقناع يف م�سائل الإجماع.440/2
((( ينظر :الأ�شباه والنظائر البن ال�سبكي ،48/1املنثور يف القواعد ،120/1والأ�شباه والنظائر البن جنيم
�ص .93-84
((( ينظر :املف�صل يف القواعد �ص.204
ت�سقط �سري ًعا على الأر�ض ،وميكن �أن يلقط الأ�شخا�ص مر�ض كوفيد19-
�إذا تنف�سوا هذه ال ُقطريات من �شخ�ص م�صاب بعدوى الفريو�س؛ لذلك من
املهم احلفاظ على م�سافة مرت واحد على الأقل (� 3أقدام) من الآخرين،
وقد حتط هذه القطريات على الأ�شياء والأ�سطح املحيطة بال�شخ�ص ،مثل
الطاوالت ومقاب�ض الأبواب ودرابزين ال�سالمل وميكن حينها �أن ي�صاب
النا�س بالعدوى عند مالم�ستهم هذه الأ�شياء �أو الأ�سطح ثم مل�س �أعينهم �أو
�أنفهم �أو فمهم((( ،و�إذا تقرر �أن امل�صاب بكورونا يخ�شى من ح�ضوره للم�سجد
�أن يعدي امل�صلني مبا يحمله من مر�ض عن طريق الو�سائل امل�ؤكدة �أو يغلب
على الظن ح�صولها به؛ كما ذكرت ذلك منظمة ال�صحة العاملية ،فهل مينع
امل�صاب به من احل�ضور للجماعة واجلمعة؟
حترير حمل النزاع:
مل يختلف العلماء يف �أن النادر �أنه ال يمُ نع من امل�ساجد واجلمعة((( ،ولعل هذا
ُيحمل على �أنه ال يتحقق منهم �ضرر� ،أو �أذى للم�صلني(((.
واملر�ض املعدي امل�صاب به الإن�سان ال يخلوا من حالني(((:
احلال الأولى� :أال يح�صل ب�سببه �ضرر للم�صلني ،ك�أن كان ال ينتقل عن طريق
املخالطة �أو املالم�سة� ،أو ال تخرج من امل�صاب ب�سببه رائحة م�ؤذية� ،أو ال
تعاف النف�س اجللو�س بجواره ،كامل�صاب بالتهاب الكبد الوبائي � ،cأو الإيدز
يف مراحلة الأولى والأمرا�ض التنا�سلية املعدية ،فيباح له ح�ضور اجلماعة؛
لأنه كال�سليم من املر�ض وعليه ُيحمل الإجماع املتقدم.
https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a- (((
coronaviruses
((( ينظر� :إكمال املعلم 164/7واال�ستذكار 407/4وفتح الباري.163/10
((( ينظر :الأمرا�ض املعدية �ص.159
((( املرجع ال�سابق ،وينظرhttps://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/ :
advice-for-public/q-a-coronaviruses
احلال الثانية� :أن يح�صل ب�سببه �ضر ٌر للم�صلني؛ ككونه ينتقل عن طريق املخالطة
�أو املالم�سة� ،أو تخرج من امل�صاب ب�سببه رائحة م�ؤذية� ،أو تعاف النف�س
اجللو�س بجواره؛ كالأمرا�ض الوبائية التي تنتقل عن طريق الهواء �أو املالم�سة
كالطاعون واجلذام واجلدري وكورونا� ،أو بع�ض الأمرا�ض يف مراحلها املتقدمة
التي تعاف النف�س اجللو�س بجواره؛ كاجلذام �أو الأمرا�ض اجللدية املعدية.
واختلف �أهل العلم يف اعتبار العدوى مانعة من ح�ضور اجلماعة ،على
ثالثة �أقوال:
مبر�ض ُم ٍعد احل�ضور للم�سجد ومينع من اجلماعة،
القول الأول :يكره للم�صاب ٍ
وهو مذهب احلنفية((( ،ومذهب ال�شافعية((( ،واحلنابلة يف ال�صحيح من
مذهبهم� ،إال �أنهم قالوا :ي�ستحب منعهم(((.
القول الثاين :ال مينعون ،قال به بع�ض املالكية(((.
القول الثالث� :أنهم يحرم عليهم دخول امل�سجد ومينعون منه ،وهو ومذهب
املالكية ،ورواية عند احلنابلة(((.
الأدلة:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها:
1.1عن �أبي هريرة � أن النبي ﷺ قال« :ال عدوى ،وال هامة ،وال �صفر،
((( الأحناف يرون عموم املر�ض من الأعذار التي ت�سقط بها اجلماعة واجلمعة ،وجمموع الأعذار
التي ت�سقط بها اجلماعة عندهم ع�شرون عذ ًرا ،ينظر :حا�شية ابن عابدين ،293/2الفتاوى
الهندية .83/1
((( ينظر :مغني املحتاج ،360/1نهاية املحتاج .160/2
((( ينظر :الفروع ،41/2الإن�صاف .300/2
((( ينظر :حا�شية الد�سوقي .609/1
((( ينظر :التاج والإكليل ،182/2حا�شية الد�سوقي ،609/1املغني ،341/9الفروع ،34/2الإن�صاف
304/2
وف ّر من املجذوم فرارك من الأ�سد»((( .وقوله ﷺ« :ال يورد ممر�ض على
م�صح»(((.
معد للجماعة يح�صل به اختالط وجه الداللة� :أن ح�ضور املري�ض مبر�ض ٍ
ومظنة للعدوى؛ لذا �أمر النبي ﷺ بالفرار من املجذوم ،ونهى عن ورود
املمر�ض على امل�صح ،و�إن كان هذا يف الإبل وهو يف النا�س �أولى للحفاظ
عن نفو�سهم ،فيدخل يف احلديث امل�صاب بكورونا ،و�إحلاق امل�صاب بكورونا
باملجذوم ظاهر من حيث ثبوت العدوى وح�صول الوفاة يف كال املر�ضني؛ و�إن
كان اجلذام �أ�شد فت ًكا؛ وعليه ف�إنهم يمُ نعون من ح�ضور اجلمعة واجلماعة
دف ًعا ل�ضررهم.
2.2حديث �أ�سامة ابن زيد � أن النبي ﷺ قال�« :إذا َ�س ِم ْعت ُْم َّ
بالط ُاع ِون
ب�أَ ْر ٍ�ض فال ت َْد ُخ ُلوها ،و�إذا و َق َع ب�أَ ْر ٍ�ض و�أَ ْنت ُْم بها فال ت َْخ ُر ُجوا ِم ْنها»(((.
وجه الداللة :يف احلديث الأخذ باالحرتاز وعدم القدوم على الأر�ض املوبوءة
بالطاعون ،وهكذا كل مر�ض ُم ِعد وي�ؤدي �إلى الهالك(((.
3.3قوله ﷺ للرجل املجذوم الذي كان يف وفد ثقيف�« :إنا قد بايعناك فارجع»(((.
وجه الداللة :دل احلديث على وجوب مباعدة املجذوم ،وكل ذي عاهة معدية،
وترك جمال�سته ،ويف ح�ضوره لل�صالة مع اجلماعة خمالطة للنا�س؛ لذا ف�إنه
((( �أخرجه البخاري معل ًقا ب�صيغة «قال» يف كتاب الطب باب اجلذام ح ،5707وهذه ال�صيغة حممولة على
اً
مو�صول عن �أبي هريرة الإمام �أحمد يف امل�سند االت�صال عند جماعة من �أهل العلم ،و�أخرجه
رقم احلديث ح ،9720واحلديث معلول فيه را ٍو جمهول؛ لكن له �شاهد من حديث عائ�شة عند
ابن خزمية ،ينظر :فتح الباري البن حجر.168/10
((( �أخرجه البخاري يف كتاب الطب باب ال هامة ح ،5771عن �أبي هريرة .
((( �أخرجه البخاري يف كتاب الطب باب ما يذكر يف الطاعون ،ح ،5728وم�سلم يف كتاب ال�سالم ،باب
الطاعون والطرية والكهانة ،ح ،2218واللفظ للبخاري.
((( ينظر.https://themwl.org/ar/node/37165 :
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه كتاب ال�سالم ،باب اجتناب املجذوم ونحوه ح ،2231عن ال�شريد بن �سويد
الثقفي .
مينع من دخول امل�سجد وينهى عن ذلك؛ كما منع املجذوم يف وفد ثقيف من
دخول املدينة ،وهكذا َمن �أ�صيب بكورونا.
4.4حديث �أبي �سعيد اخلدري � أن النبي ﷺ قال« :ال �ضرر وال �ضرار»(((.
وجه الداللة� :أن امل�صلني يت�ضررون من ح�ضور امل�صاب بكورونا وغريه من
الأمرا�ض املعدية ،فيمنعون من احل�ضور.
ثوما �أو
5.5القيا�س على النهي عن دخول امل�سجد وح�ضور اجلماعة ملن �أكل ً
ب�صل �أو كرا ًثا �أو نحوهما مما له رائحة كريهة ،بجامع ح�صول الأذى من اً
كل منهما ،ملا رواه جابر بن عبداهلل قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :من
�أكل من هذه البقلة -الثوم ،»-وقال مرة« :من �أكل الب�صل والثوم والكراث
فال يقربن م�سجدنا؛ ف�إن املالئكة تت�أذى مما يت�أذى منه بنو �آدم»((( ،فن�ص
ﷺ على �أن العلة يف منع �آكل الثوم من دخول امل�سجد �أذيته للنا�س ،فوجب �أن
يعترب احلكم حيثما وجدت العلة ،فكل ما يت�أذى منه امل�صلون فيمنعون من
ال�صالة يف امل�سجد ،وامل�صاب بكورونا ونحوه �أعظم و�أكرث �أذى من �آكل الثوم
والب�صل ،فهو �أولى باحلكم(((.
6.6الأثر املروي عن عمر � أنه قال للمر�أة املبتالة باجلذام ملا ر�آها تطوف
جل�ست يف بيتك لكان خ ًريا لك
ِ مع النا�س“ :يا �أمة اهلل ال ت�ؤذي النا�س ،لو
فجل�ست”(((.
((( �أخرجه ابن ماجة يف �سننه كتاب الأحكام باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره ،ح ،2341و�أخرجه
الدارقطني ،228/4كتاب الأق�ضية ،ح ،86واحلاكم يف امل�ستدرك ،577/2كتاب البيوع :باب النهي
عن املحاقلة ،...والبيهقي ،70 -69/6كتاب ال�صلح :باب ال �ضرر وال �ضرار ،وقال ابن رجب“ :طرق
احلديث يقوي بع�صها بع ضً� ا” .جامع العلوم ،210/2وقال ال�شيخ الألباين�“ :صحيح” .الإرواء .408/3
((( �أخرجه البخاري يف كتاب الآذان ،باب ما جاء يف الثوم النيء والب�صل والكرات ح.855
((( البيان والتح�صيل البن ر�شد ،61-60/18مغني املحتاج ،236/1التاج والإكليل .182/2
((( �أخرجه الإمام مالك يف املوط�أ يف كتاب احلج ،باب جامع احلج ح ،250وعبدالرزاق يف م�صنفه ،باب
طواف الرجال والن�ساء م ًعا ،ح ،9031وينظر :اال�ستذكار .355/13
وجه الداللة من الأثر� :أنه � أمر املر�أة باجللو�س يف البيت ،ومنعها من
الطواف مع النا�س؛ كي ال يح�صل منها �أذى للم�صلني ،وهو �أثر �صري ٌح يف
امل�س�ألة(((.
وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها:
�1.1أنه ﷺ قد َبينّ َ الأعذار التي تبيح التخلف عن اجلماعة؛ كاملر�ض واملطر
والربد وخوف �ضياع املال ونحو ذلك ،ولو كان املجذوم ونحوه ممن يباح لهم
التخلف عنها لبينه الر�سول ﷺ(((.
وميكن �أن يناق�ش:
ال ي�س ّلم �أنه مل يبني ذلك ،فقد �صح عنه ﷺ قوله« :فر من
املجذوم فرارك من الأ�سد» ،وهذا �شامل للم�سجد وغريه ،و�صريح يف اجتنابه
وعدم القرب منه(((.
2.2عن جابر بن عبداهلل � أن النبي ﷺ �أكل مع املجذوم يف ق�صع ٍة واحده،
وقالُ « :ك ْل ثق ًة باهلل اً
وتوكل عليه»(((.
ونوق�ش:
�أ -حديث جابر � ضعيف �ضعفه �أهل العلم ،فال يحتج به.
ب -على فر�ض �صحته ،ف ُيحمل �أكل ﷺ مع املجذوم يف ق�صعة واحدة على �أنه
مل يعد يح�صل منه �أذى لكونه ي�س ًريا� ،أو النتهاء فرتة الإعداء� ،أو �أن �أكله
((( البيان والتح�صيل البن ر�شد ،410/9التاج والإكليل � ،182/2أحكام الأمرا�ض املعدية �ص.164
((( ينظر :املحلى البن حزم 203-202/4
((( �أحكام الأمرا�ض املعدية �ص.160
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه كتاب الطب ،باب يف الطرية ح ،3925وابن ماجه يف �سننه كتاب ال�سالم باب
و�ض َّع َفه ابن اجلوزي يف العلل املتناهية ،869/2وقال ابن القيم“ :ال يثبت
الطرية والف�أل ،ح َ .2225
وال ي�صح” زاد املعاد .153/4و�سبب ت�ضعيف احلديث� :أن مداره على املف�ضل بن ف�ضالة وهو �ضعيف،
�ضعفه غري واحد من �أهل العلم.
ﷺ معه ليبني للأمة �أن املخالطة و�إن كانت �سب ًبا للعدوى ف�إنه يعار�ضها
�أ�سباب �أخرى متنع اقت�ضاءها ،من �أقواها التوكل على اهلل والثقة به،
ف�إنه مينع ت�أثري ذلك ال�سبب ،ومن �أعظم الأ�سباب التي يدفع بها املكروه،
بدليل قوله ﷺ« :كل با�سم اهلل ثق ًة باهلل اً
وتوكل عليه»(((.
3.3قول عمر قال للمر�أة املبتالة ملا ر�آها تطوف بالبيت مع النا�س“ :يا
جل�ست يف بيتك لكان خ ًريا لك فجل�ست”(((.
ِ �أمة اهلل ال ت�ؤذي النا�س ،لو
وجه اال�ست�شهاد:
�أنه مل يعزم عليها باجللو�س يف بيتها فدل على �إباحة ح�ضورها
ال�صالة و�أنها ال متنع من امل�سجد(((.
ونوق�ش الدليل:
ال ي�س ّلم �أنه مل يعزم عليها؛ لأنه يرى �إباحة ح�ضورها ،بل �إمنا مل يعزم عليها
لأمور:
�أ� -إنه من باب اللني يف القول والرحمة بها للبالء الذي نزل بها(((.
ب� -إنه مل يزجرها و�إمنا �أ�شار لها لعلمه �أنها تكتفي بالإ�شارة لعلمه بدينها
وعقلها؛ بدليل �أنه ملا مات م ّر بها رجل فقال لها� :إن الذي كان قد نهاك
قد مات فاخرجي فقالت :ما كنت لأطيعه ح ًيا و�أع�صيه ميتًا((( ،ففهمت
من قول عمر النهي لها عن �أذى النا�س ،فالتزمت به بعد موته
�أي�ضً ا.
((( �أحكام الأمرا�ض املعدية �ص.161
((( تقدم تخريجه.
((( الطرق احلكمية ،732/2املعيار املعرب للون�شري�سي .422/6
((( ينظر :اال�ستذكار البن عبدالرب .357/13
((( ينظر :اال�ستذكار البن عبدالرب .358-357/13
ج -ما روي عن عمر � أنه منع املجذوم من دخول امل�سجد ،وخمالطة
النا�س((( ،مما يدل على �أنه يرى منعه من �صالة اجلماعة.
وا�ستدل �أ�صحاب القول الثالث:
1.1مبا تقدم من �أدلة القول الأول فظاهرها التحرمي.
2.2ما يرتتب على ح�ضورهم من �أذية للم�صلني ،و�أذية امل�سلمني حمرمة ولي�ست
مكروهة فح�سب؛ كما قال تعالى( : :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحزاب.(((]58 :
الرتجيح:
الأقرب عند الباحث -واهلل �أعلم-هو القول الثالث منع وحترمي دخول امل�سجد
معد؛ ملا يلي:
ملن �أ�صيب مبر�ض ٍ
1.1ما تقدم من �أدلة؛ ومناق�شات.
2.2وملا يح�صل من الأذى بح�ضوره للم�سجد؛ �إذ هو �أ�شد �ضر ًرا من �أذى الثوم
والب�صل ،فقد ي�ؤدي �إلى الهالك.
3.3وما يح�صل من �ضرر معنوي يلحق بهم ،ذلك �أنهم ي�شعرون بعدم رغبة النا�س
بهم ،ورمبا بد أ� الواحد منهم بالتماثل بال�شفاء فعاد عليه املر�ض باالجتماع،
وال�ضرر ال يزال مبثله((( ،و�إذا اجتمعت مف�سدتان روعي �أعظمهما �ضر ًرا
بارتكاب �أخفهما(((.
((( �إكمال املعلم للقا�ضي عيا�ض� ،85/7شرح م�سلم للنووي ،173/14فتح الباري 10البن حجر،205/
ويذكر كثري من �أهل العلم هذه الق�صة على �أن املجذوم رجل ،ومل �أجدها بعد طول بحث ،واملعروف
ق�صة املر�أة املجذومة التي منعها عمر من الطواف ،وجميع من ذكر الرجل نقله عن القا�ضي عيا�ض
ينظر� :إكمال املعلم ،85/7و�أحكام الأمرا�ض املعدية �ص.162
((( ينظر الطرق احلكمية .732/2
((( ينظر :الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ،87املف�صل يف القواعد �ص.363
((( ينظر :الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ،96والأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص.89
ثم �إنه لويل الأمر منع امل�صابني من ح�ضور امل�ساجد؛ لأن ال�شريعة جاءت بتحرمي
�أذى امل�سلم والنهي عن الإ�ضرار به ،وملا تقرر من قواعد ال�شرع بتقدمي م�صلحة
اجلماعة على م�صلحة الفرد و�أن درء املف�سدة �أولى من جلب امل�صلحة ،واملف�سدة
هنا �أعظم خا�صة يف الأمرا�ض الوبائية مثل كورونا التي تنت�شر ب�سرعة بقدر اهلل
،والنف�س تنفر بطبيعتها من امل�صاب بذلك ،قال ابن عبدالرب :
“و�إذا كان �آكل الثوم ي�ؤمر باجتناب امل�سجد ،وكان يف عهد ر�سول اهلل ﷺ رمبا
�أُخرج �إلى البقيع ،فما ظنك باجلذام؟ وهو عند بع�ض النا�س يعدي ،وعند جميعهم
ي�ؤذي” .ا .هـ ،(((.وقال ابن حجر الهيتمي(((�“ :سبب املنع يف نحو املجذوم خ�شية
�ضرره وحينئذ فيكون املنع واج ًبا فيه ...ملا يف ذلك من امل�صالح العامة و�أن املدار
يف املنع على االختالط بالنا�س” ،وقال يف مطالب �أولى النهى(((“ :ومينع �أبر�ص
وجمذوم يت�أذى به من ح�ضور م�سجد وجماعة...وعلى ويل الأمر منعه؛ �أي :املجذوم
من خمالطة الأ�صحاء”(((.
بل لويل الأمر اتخاذ القرار ب�إيقاف �أداء �صالة اجلمعة واجلماعة يف امل�ساجد؛
حفاظا على الأنف�س ،ودف ًعا لل�ضرر بقدر الإمكان ،وبهذا �صدر قرار هيئة كبار ً
العلماء باململكة العربية ال�سعودية رقم ( )247يف يوم الثالثاء 1441/7/22هـ ب�ش�أن
�إيقاف �صالة اجلمعة واجلماعة جلميع الفرو�ض يف امل�ساجد واالكتفاء برفع الأذان
وي�ستثنى من ذلك احلرمان ال�شريفان ،وذلك بعد �سرعة انت�شار جائحة كورونا وكرثة
الوفيات بها ،وبعد اطالع الهيئة على التقارير الطبية املوثقة املتعلقة باجلائحة جاء
فيه.واطلعت على التقارير الطبية املوثقة املتعلقة بهذه اجلائحة امل�شمولة ب�إي�ضاح
معايل وزير ال�صحة لدى ح�ضوره يف هذه اجلل�سة التي �أكدت على خطورتها املتمثلة
يف �سرعة انتقال عدواها بني النا�س مبا يهدد �أرواحهم وما بينه معاليه من �أنه ما
اال�ستذكار.356/13 (((
الفتاوى الفقهية الكربى .212/1 (((
للرحيباين .699/1 (((
ينظر� :أحكام الأمرا�ض املعدية �ص.171 (((
مل تكن هناك تدابري احرتازية �شاملة دون ا�ستثناء ف�إن اخلطورة �ستكون مت�ضاعفة
مبي ًنا �أن التجمعات تعترب ال�سبب الرئي�س يف انتقال العدوى ،وقد ا�ستعر�ضت هيئة
كبار العلماء الن�صو�ص ال�شرعية الدالة على وجوب حفظ النف�س من ذلك قول اهلل
( :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة ،]195 :وقوله ( :ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء ،]29 :وهاتان الآيتان تدالن على وجوب جتنب الأ�سباب
املف�ضية �إلى هالك النف�س ،وقد دلت الأحاديث النبوية على وجوب االحرتاز يف حال
انت�شار الوباء كقوله ﷺ« :ال ُيو ِرد ممر�ض على م�صح» متفق عليه .وقوله ﷺ« :ف ّر
من املجذوم كما تفر من الأ�سد» �أخرجه البخاري .وقوله ﷺ�« :إذا �سمعتم الطاعون
ب�أر�ض فال تدخلوها و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم فيها فال تخرجوا منها» متفق عليه ،وقد
تقرر يف قواعد ال�شريعة الغراء �أنه «ال �ضرر وال �ضرار» ومن القواعد املتفرعة عنها:
“�أن ال�ضرر يدفع قدر الإمكان” .وبنا ًء على ما تقدم ف�إنه ي�سوغ ً
�شرعا �إيقاف �صالة
اجلمعة واجلماعة جلميع الفرو�ض يف امل�ساجد واالكتفاء برفع الأذان ،وي�ستثنى من
ذلك احلرمان ال�شريفان ،وتكون �أبواب امل�ساجد مغلقة م�ؤقتًا.(((”..
وجاء يف تو�صيات الندوة التي �أقامها جممع الفقه التابع ملنظمة التعاون
الإ�سالمي بعنوان (فريو�س كورونا امل�ستجد وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام
�شرعية)((( ،ما ن�صه...“ :كما �أنه يجب االلتزام بقرارات الدول واحلكومات مبا
ي�سمى بالتباعد االجتماعي ونحو ذلك مما من �ش�أنه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س
عمل بالقاعدة ال�شرعية التي ومنع انت�شاره؛ لأن ت�ص ّرفات الإمام منوطة بامل�صلحة ،اً
تن�ص على �أن (ت�صرف الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة) ...وقالوا� :أما �إذا كان
من بني الذين يعي�شون يف البيت نف�سه م�شتبه ب�أنه م�صاب وقرر عليه احلجر املنزيل
انتظا ًرا للحكم عليه فيجب �أن يلتزم مبا طلب منه طب ًيا ،والذي مينعه من �صالة
اجلماعة حر�صً ا على قاعدة التباعد االجتماعي ،حتى ال يعدي غريه” ا .هـ.
املبحث الثاين
(((
ترك اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب اخلوف
من العدوى من وباء كورونا
�سبقت الإ�شارة يف املبحث الأول �إلى خالف �أهل العلم يف وجوب �صالة
اجلماعة يف امل�سجد لل�صلوات اخلم�س ،ف�إذا طر أ� على املكلف عذ ٌر مينعه من �أدائها
يف امل�سجد ،ف�إنه يرخ�ص له يف تركها فيه ،وقد عدد بع�ض الفقهاء الأعذار
و�أو�صلها �إلى �أربعني عذ ًرا(((.
عاما جلميع املكلفني ب�صالة اجلماعة يف امل�سجد؛ كاملطر ال�شديد
والعذر قد يكون ً
والريح ال�شديدة� ،أو �شدة احلر والربد(((.
وقد يكون خا صً� ا ببع�ض املكلفني؛ كمدافعة الأخبثني ،وا�شتداد اجلوع ،وح�ضرة
الطعام الذي ُي�شتهى ،وغري ذلك((( ،وال تخلو بع�ض هذه الأعذار من خالف فقهي يف
ً
م�سقطا لوجوب اعتبارها عذ ًرا من عدمه ،واملراد هنا :هل اخلوف من العدوى يعترب
عاما �أو خا�صً ا؟
اجلماعة يف امل�سجد� ،سوا ًء اعترب عذ ًرا ً
الفقهاء متفقون على �أن اخلوف من الأعذار امل�سقطة للجماعة واجلمعة(((،
ولهم يف ذلك �أدلة منها:
اخلوف هو :الت�أثر احلا�صل نتيجة حدوث مكروه يف احلال� ،أو توقع حدوثه يف امل�آل� .آثار اخلوف يف (((
الأحكام الفقهية .28/1
ينظر :الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص.493 (((
ينظر :رو�ضة الطالبني .344/1 (((
املرجع ال�سابق. (((
ينظر :الفتاوى الهندية ،83/1الذخرية ،355/2املجموع ،489 ،205/4الإن�صاف ،301/2الأ�شباه (((
والنظائر لل�سيوطي �ص.439
ولعل من املنا�سب هنا نقل كالم احلافظ ابن حجر وفيه الإ�شارة �إلى �أن
االجتماع ل�صالة خم�صو�صة و االجتماع للدعاء برفعه ك�صالة اال�ست�سقاء بدعة ،وكان
ممنوعا
ً االجتما ُع �سب ًبا يف انت�شار وباء الطاعون ،يقول “ :فلي�س الدعاء برفع الوباء
وال م�صاد ًما للمقدور من حيث هو � اً
أ�صل ،و�أما االجتماع له -كما يف اال�ست�سقاء -فبدع ٌة
حدثت يف الطاعون الكبري �سنة (٧٤٩هـ) بدم�شق ،فقر�أت جزء املنبجي بعد �إنكاره
ً
�صراخا عال ًيا ،وذلك يف �سنة يف جمع النا�س يف مو�ضع ،ف�صاروا يدعون وي�صرخون
(٧٦٤هـ) ملا وقع الطاعون بدم�شق؛ فذكر �أن ذلك حدث �سنة (٧٤٩هـ) ،وخرج النا�س
�إلى ال�صحراء ،ومعظم �أكابر البلد ،فدعوا وا�ستغاثوا ،ف َع ُظم الطاعون بعد ذلك وكَثرُ !
وكان قبل دعائهم �أخف!! قلت :ووقع هذا يف زماننا ،حني وقع �أول الطاعون بالقاهرة يف
٢٧من �شهر ربيع الآخر �سنة ٨٣٣هـ ،فكان عدد من ميوت بها دون الأربعني ،فخرجوا
أيام -كما يف�إلى ال�صحراء يف ٤جمادى الأولى بعد �أن نودي فيهم ب�صيام ثالثة � ٍ
اال�ست�سقاء ،-واجتمعوا ودعوا و�أقاموا �ساع ًة ثم رجعوا ،فما ان�سلخ ال�شهر حتى �صار
يوم بالقاهرة فوق الألف ،ثم تزايد” .ا.هـ(((.عدد من ميوت يف كل ٍ
فهذا الن�ص منه ي�ؤكد على �أن االجتماع كان �سب ًبا يف زيادة عدد املوتى
حتى قال“ :ف َع ُظم الطاعون بعد ذلك و َكث” ،وهذا ي�ؤكد على �أن الإجراءات التي
الكمامة ن�صحت بها كثري من جهات االخت�صا�ص؛ كالتباعد االجتماعي ولب�س ِ
وغريها �إجراءات �صحيحة ،وتخفف من ِح ّدة وانت�شار الأمرا�ض املعدية.
((( بذل املاعون يف ف�ضل الطاعون �ص ،328و�أ�شري هنا �إلى خالف �أهل العلم يف القنوت للوباء
والطاعون على ثالثة �أقوال :القول الأول :ي�ستحب القنوت للوباء والطاعون ،وهو مذهب احلنفية،
وقول للمالكية ،وال�صحيح من مذهب ال�شافعية .القول الثاين :ال يقنت للوباء وال للطاعون ،وهو قول
لبع�ض املالكية ،وبع�ض ال�شافعية ،ومذهب احلنابلة .القول الثالث :يقنت للوباء ال للطاعون ،قول لبع�ض
احلنابلة ،ينظر :الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ،454حا�شية ابن عابدين ،448/2النوادر والزيادات
،512/1التب�صرة لأبي احل�سن اللخمي ،615/2وحا�شية الد�سوقي ،308/1رو�ضة الطالبني ،254/1
ونهاية املحتاج ،508/1الفروع ،543/1الإن�صاف .175/2
املبحث الثالث
التباعد بني امل�صلني ب�سبب اخلوف من العدوى وباء كورونا
ورد يف الإجراءات االحرتازية ملنع انت�شار وباء كورونا عند الذهاب ل�صالة
اجلماعة يف امل�سجد� :إبقاء م�سافة ال تقل عن مرتين بني كل م�صلي .ا.هـ (((.فما هو
حكم هذا الفعل ،وال�صالة مع ترك التقارب والرتا�ص بني امل�صلني؟
حترير حمل النزاع:
1.1اتفق الفقهاء على م�شروعية ت�سوية ال�صف و�سد اخللل بني امل�صلني؛
للن�صو�ص املتواترة عن النبي ﷺ؛ ولفعل اخللفاء الرا�شدين من بعده؛ لأن
الت�سوية متعلقة بركن عظيم من �أركان الإ�سالم وهو ال�صالة ،وقد نقل ابن
عبدالرب الإجماع على م�شروعية ذلك(((.
2.2وال خالف بينهم يف �صحة �صالة َمن خالف ومل ي�س ِّو ال�صف ،قال ابن
ف�صالة َمن خا َل َف ِّ
ال�صف واجبة َ حجر ..“ :ومع ال َقول ب�أنَّ ت�سوية
أن�سا مع �إنكاره عليهم ،مل ي�أمرهم ب�إعادة
ومل ي�س ِّو �صحيحة ،وي�ؤيد ذلك �أن � ً
ال�صالة”(((.
واختلفوا يف الت�سوية هل هي واجبة �أو �سنة؟ على قولني:
القول الأول� :أن ت�سوية ال�صف �سنة ،وهو مذهب اجلمهور من احلنفية(((،
https://www. ((( ينظر :موقع وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد باململكة العربية ال�سعودية:
moia.gov.sa/Pages/MSJDInstructions.aspx
((( ينظر :اال�ستذكار .61 ،60/5
((( فتح الباري .210/2
((( ينظر :تبيني احلقائق ،351/1حا�شية ابن عابدين.311/2
ال�شيء يف العرف �أمر زائد على حقيقته التي ال يتحقق �إال بها ،و�إن كان قد
يطلق بح�سب الو�ضع على بع�ض ما ال تتم احلقيقة �إال به(((.
و�أجيب عنه :ب�أن هذا بعيد؛ لأن لفظ ال�شارع ال ُيحمل �إال على ما دل عليه
الو�ضع بالل�سان العربي ،و�إمنا ُيحمل على العرف �إذا ثبت �أنه عرف ال�شرع ال
عرف حادث(((.
2.2قول �أن�س « :ما �أنكرتُ �شي ًئا �إال �أنكم ال تقيمون ال�صفوف»(((.
وجه اال�ستالل� :أن �أن�س مل ي�أمرهم بالإعادة ،ولو كانت الت�سوية واجبة
لأمرهم بها(((.
ونوق�ش :ب�أن ت�سوية ال�صف �إمنا هي واجب لل�صالة ،خارج عن هيئتها ،فال
تبطل ال�صالة به(((.
وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها:
1.1حديث �أن�س � أن النبي ﷺ قال�« :سووا �صفوفكم»((( ،وعنه
�أن النبي ﷺ قال« :ترا�صوا واعتدلوا»((( ،وعنه � أن النبي ﷺ قال:
«�أقيموا �صفوفكم وترا�صوا ف�إين �أراكم من وراء ظهري»(((.
وجه الداللة من الأحاديث� :أنها جاءت ب�صيغة الأمر ،وهو مقت�ضي للوجوب،
ما مل يوجد �صارف(((.
((( املرجع ال�سابق.
((( ينظر :فتح الباري البن حجر.245/2
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إثم من مل يتم ال�صفوف ح.724
((( ينظر :فتح الباري البن حجر.246/2
((( ينظر :ال�شرح املمتع .10/3
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إقامة ال�صف من متام ال�صالة ح.724
((( �أخرجه الإمام �أحمد يف امل�سند ح ،12255قال حمققه :حديث �صحيح وهذا �إ�سناد قوي.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إقبال الإمام على النا�س عند ت�سوية ال�صفوف ،ح.719
((( ينظر :فتح الباري البن حجر ،246/2نيل الأوطار .223/3
2.2حديث النعمان بن ب�شري � أن النبي ﷺ قال« :لتُ�س ّونَّ �صفوفكم �أو
ليخالفن اهلل بني وجوهكم»(((.
وجه الداللة من جهتني:
الأولى :وقوع الوعيد من جن�س اجلناية ،وعلى هذا فهو واجب ،والتفريط فيه
حرام(((.
الثانية� :أن الالم يف قوله «ل ُت�سونّ » واقعة يف جواب ق�سم مقدر ،وتقدير
الكالم :واهلل لت�س ّون ،فاجلملة م�ؤكدة بثالث م�ؤكدات هي :الق�سم،
والالم ،والنون ،وهذا خرب فيه حتذير(((.
�3.3أمر عمر وبالل بت�سوية ال�صفوف ،و�أن عمر كان ي�ضرب قدم
َمن ال يتم ال�صف ،وهو ال ي�ضرب �إال على ترك واجب(((.
الرتجيح:
الذي يظهر للباحث -واهلل �أعلم -هو القول بوجوب ت�سوية ال�صفوف والتقارب
بني امل�صلني؛ ملا تقدم من �أدلة ومناق�شة ،وعليه :ف�إن الواجب �سد اخللل بني امل�صلني
والرتا�ص ،و�أن يحاذي بع�ضهم بع�ضً ا بالأعقاب واملناكب؛ لكن هذا الواجب ي�سقطّ
بالعذر كبقية الواجبات التي جاءت ال�شريعة ب�إ�سقاطها رحمة ورف ًعا للحرج عن
املكلفني ،والقاعدة الفقهية“ :الواجبات ت�سقط بالعجز” مما اتفق عليه �أهل العلم(((،
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب ت�سوية ال�صفوف عند الإقامة وبعدها ،ح ،717وم�سلم يف
�صحيحه ،كتاب ال�صالة ،باب ت�سوية ال�صفوف ،ح.436
((( ينظر :فتح الباري البن حجر ،242/2فتح الباري البن رجب .267/6
((( ينظر :ال�شرح املمتع .10/3
((( �أثر عمر � أخرجه مالك يف املوط�أ ،كتاب ال�صالة ،باب ما جاء يف ت�سوية ال�صفوف ،ح،373
وعبدالرزاق يف م�صنفه ،كتاب ال�صالة ،باب ال�صفوف ح ،2439و�أثر بالل � أخرجه عبدالرزاق
يف م�صنفه كتاب ال�صالة ،باب ال�صفوف ،ح ،2435والأثران �صححهما ابن حجر يف فتح
الباري .246/2
((( ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية344/10ومابعدها ،و ،49/20واملنثور يف القواعد.375/2
املبحث الرابع
التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى
ال يختلف الفقهاء يف �صحة ال�صالة امل�صلني مع تباعد �صفوفهم يف امل�سجد
الواحد ،قال ال�سرخ�سي احلنفي “ :و�إذا �صلى فوق امل�سجد مقتد ًيا بالإمام
�أجز�أ” ا.هـ .(((.وقال اخلطاب املالكي يف �شرحه على قول خليل“ :وعلو م�أموم
ولو ب�سطح” ما ن�صه“ :يعني �أن علو امل�أموم على �إمامه جائز ولو كان امل�أموم يف
�سطح والإمام �أ�سفل منه ،وهذا قول مالك الأول” ا.هـ .(((.وقال �أي ضً� ا يف نقله عن
بع�ض املحققني من املالكية“ :وحمل الكراهة �إذا مل تد ُع �إلى ذلك �ضرورة ،ف�أما �إن
دعت فال ب�أ�س به ،على ما روى يف املجموعة((( عن مالك يف الإمام ي�صلي يف
ال�سفينة وبع�ضهم فوقه وبع�ضهم حتته قال� :إن مل يجدوا بدً ا فذلك جائز”((( .ا .هـ.
وقال العمراين ال�شافعي “ :ف�إذا �صلى ب�صالة الإمام وهما يف امل�سجد،
رب يف �صحة �صالة امل�أموم علمه ب�صالة الإمام� ،إما �أن ي�شاهده �أو ي�سمعف�إنه ُيعت ُ
قرب �أو بع ٌد ،و�سواء كان بينهما حائل،
تكبريه� ،أو يبلغ عنه ،و�سوا ًء كان بني الإمام ٌ
�أو ال حائل بينهما ،وهذا �إجماع ال خالف فيه؛ لأن امل�سجد كله مو�ضع للجماعة
الواحدة” ا.هـ.(((.
وقال ابن قدامة احلنبلي “ :وال يعترب ات�صال ال�صفوف �إذا كانا يف
امل�سجد ،قال الآمدي :ال خالف يف املذهب �أنه �إذا كان يف �أق�صى امل�سجد،
((( املب�سوط.373/1
((( مواهب اجلليل.117/2
((( املجموعة كتاب �أل ّفه ابن عبدو�س جمع فيها �أقوال الإمام مالك و�أ�صحابه ،وهي الدواوين اخلم�سة عند
املالكية .ينظر :ا�صطالح املذهب عند املالكية �ص.153
((( مواهب اجلليل.120/2
((( البيان.433/2
ولي�س بينه وبني الإمام ما مينع اال�ستطراق وامل�شاهدة� ،أنه ي�صح اقتدا�ؤه به ،و�إن مل
تت�صل ال�صفوف” ا.هـ.(((.
ومما تقدم ف�إنه ال مانع من التباعد بني �صفوف امل�صلني داخل امل�سجد خو ًفا
من العدوى ،وكذلك لو امتدت ال�صفوف �إلى خارج امل�سجد وكانت فيه رحبة(((� ،أو
مل تكن ،ب�شرط تعاقب ال�صفوف وعدم انقطاعها عر ًفا و�إمكان االقتداء بالإمام(((.
((( املغني.44/3
((( الرحبة� :ساحة مبينة مت�صلة بامل�سجد حمجور عليها غال ًبا ،ينظر :ات�صال ال�صفوف يف امل�سجد احلرام
�ص.33
((( ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية ،412-409/23ات�صال ال�صفوف يف امل�سجد احلرام �ص.41
املبحث اخلام�س
تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى
ورد يف الإجراءات االحرتازية ملنع انت�شار وباء كورونا عند الذهاب ل�صالة
الكمامة (((.القما�شية.ا.هـ ،(((.فما هو حكم هذا الفعل؟
اجلماعة يف امل�سجد :لب�س ِ
قبل ذكر حكم هذه النازلة �أ�شري �إلى خالف �أهل العلم يف حكم تغطية الفم
والأنف يف ال�صالة ،وقد اختلفوا على ثالثة �أقوال:
القول الأول� :أنه مكروه كراهية تنزيه ،وهو مذهب اجلمهور من ال�سلف والأئمة
الأربعة(((.
القول الثاين� :أنه مكروه كراهية حترمي ،ذهب �إليه بع�ض احلنفية(((.
القول الثالث� :أنه مباح ،رواية عن الإمام �أحمد(((.
الأدلة:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها:
1.1ما روى �أبو هريرة � أن النبي ﷺ «نهى عن ال�سدل يف ال�صالة و�أن
يغطي الرجل فاه»(((.
يكم به الك َم َام ُة يف الأ�صل :ما ُيج َع ُل على �أَنف احلمار �أَو البعري لئ َّال ي�ؤذ َيه ال ُّذ ُ
باب وهي �أي ضً� ا ما ي�ش ّد �أو ّ ((( ِ
الع�ض �أو الأكل ،ينظر :ل�سان العرب .527/12 فم احليوان من ًعا له من ّ
((( ينظر :موقع وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد باململكة العربية ال�سعوديةhttps://www. :
moia.gov.sa/Pages/MSJDInstructions.aspx
((( ينظر :تبيني احلقائق ،411/1والفتاوى الهندية ،107/1التاج والإكليل ،502/1املجموع ،184/3مغني
املحتاج ،308/1الفروع ،484/1الأو�سط البن املنذر .264/3
((( ينظر :حا�شية ابن عابدين .423/2
((( ينظر :الإن�صاف .470/1
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ،كتاب ال�صالة ،باب ما جاء يف ال�سدل ،ح ،643وابن ماجة يف �سننه= ،
= كتاب �إقامة ال�صالة و�سننها ،باب ما يكره يف ال�صالة ،ح ،966وقال الألباين :ح�سن� ،سنن �أبي داود
�ص.105
((( ينظر :التاج والإكليل .502/1
((( ينظر :الأو�سط البن املنذر .266/3
((( كما يف �صحيح م�سلم من حديث �أبي �سعيد اخلدري ،كتاب الزهد والرقائق ،باب ت�شميت
العاط�س ،ح.2995
املبحث ال�ساد�س
عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س
القفازين
مما يفعله بع�ض امل�صلني عند ق�صدهم ل�صالة اجلماعة يف امل�سجد وقت انت�شار
وباء كورونا لب�س القفازين يف اليدين ،وذلك خو ًفا من العدوى ،فما هو حكم عدم
مبا�شرة امل�صلي بيديه الأر�ض ،وهل يجب عليه ك�شف يديه؟
حترير حمل النزاع:
ال خالف بني الفقهاء على �أن امل�صلي �إذا �سجد على حائل منف�صل عنه
لعذر كحر �أو برد ف�إن ذلك جائز(((.
واختلفوا يف وجوب مبا�شرة امل�صلي بيديه الأر�ض ،وال�سجود على ما هو مت�صل
به على قولني:
القول الأول :ال يجب على امل�صلي �أن يبا�شر بيديه الأر�ض ،ويجوز �أن ي�سجد على
حائل مت�صل به؛ كالقفازين ،عند احلاجة ،ويكره عند عدمها ،وهذا مذهب
اجلمهور من احلنفية((( ،واملالكية((( ،وقول عند ال�شافعية((( ،وال�صحيح من
مذهب احلنابلة(((.
القول الثاين :وجوب مبا�شرة امل�صلني بيديه الأر�ض ،فال يجوز للم�صلي �أن ي�سجد
ينظر :الفتاوى الهندية ،108/1مواهب اجلليل ،547/1البيان ،217/2املغني ،197/2الفروع .435/1 (((
ينظر :تبيني احلقائق ،305/1الفتاوى الهندية.108/1 (((
ينظر :مواهب اجلليل ،547/1ال�شرح الكبري مع حا�شية الد�سوقي399/1 (((
ينظر :البيان ،219/2املجموع.402/3 (((
ينظر :الفروع ،435/1الإن�صاف .68/2 (((
على كمه �أو ظرف ثوبه ونحو ذلك ،وهو ال�صحيح من مذهب ال�شافعية(((،
ورواية عن الإمام �أحمد(((.
الأدلة:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها:
1.1حديث �أن�س قال :كنا ن�صلي مع النبي ﷺ ،في�ضع �أحدنا طرف الثوب
من �ش ّدة احلر يف مكان ال�سجود(((.
وجه الداللة :احلديث يدل على جواز ا�ستعمال الثياب وغريها يف احليلولة
بني امل�صلي وبني الأر�ض التقاء حرها وكذا بردها ،وال جتب املبا�شرة(((.
ونوق�ش :ب�أن هذا احلديث حممول على الثوب املنف�صل(((.
و�أيد هذا البيهقي مبا روى جابر قال« :كنت �أ�صلي مع ر�سول
اهلل ﷺ �صالة الظهر ف�آخذ قب�ضة من احل�صى يف كفي حتى تربد و�أ�ضعها
يف جبهتي �إذا �سجدت من �شدة احلر»(((.
قال البيهقي “ :لو جاز ال�سجود على ثوب مت�صل به لكان �أ�سهل من
تربيد احل�صى يف الكف وو�ضعها لل�سجود عليها”(((.
((( ينظر :البيان ،219/2املجموع.402/3
((( ينظر :الفروع ،435/1الإن�صاف ،68/2و�أنكر ابن رجب هذه الرواية وقال“ :وبكل حال
ُ
خالف ذلك البتة، فيجزيء ال�سجود و�إن مل يبا�شر ال َ
أر�ض بيديه رواية واحدة ،وال ي�صح عن �أحمد
و�إمنا �أ�صل نقل اخلالف يف ذلك عن �أحمد م�أخوذ من كتب جمهول ٍة ،ال يعرف �أ�صحابها ،وال يعتمد
عليها”.ا.هـ فتح الباري.31/3
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب ال�صالة ،باب ال�سجود على الثوب يف �شدة احلر ،ح ،385وم�سلم يف
�صحيحه ،كتاب امل�ساجد ،باب ا�ستحباب تقدمي الظهر يف �أول الوقت يف غري �شدة احلر ،ح620
((( ينظر :فتح الباري الحجر.588/1
((( ينظر :املجموع.401/3
((( ينظر� :أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى ،كتاب ال�صالة ،باب الك�شف عن اجلبهة يف ال�سجود،105/2
وح�سن �إ�سناده الألباين يف تعليقه على م�شكاة امل�صابيح.319/1
((( ينظر :ال�سنن الكربى للبيهقي.106/2
و�أجيب عنه :ب�أن حمله على املنف�صل �ضعيف؛ لأن الغالب من حال ال�صحابة
قلة الثياب و�أنه لي�س لأحدهم �إال ثوبه املت�صل به(((.
2.2عن ثابت بن ال�صامت � أن ر�سول اهلل ﷺ�« :صلى يف بيت بني
عبدالأ�شهل وعليه ك�ساء ملفف به ي�ضع يديه عليه يقيه احل�صى» ،ويف رواية:
«فر�أيته وا�ض ًعا يديه على ثوبه� ،إذا �سجد»(((.
ووجه الداللة ظاهر.
و�أجيب عنه :ب�أنه حديث �ضعيف(((.
3.3عن احل�سن الب�صري قال“ :كان �أ�صحاب النبي ﷺ ي�سجدون و�أيديهم
يف ثيابهم وي�سجد الرجل منهم على عمامته”(((.
وجه الداللة ظاهر.
�4.4أن اليدين ع�ضو من �أع�ضاء ال�سجود فجاز ال�سجود على حائله؛ كالقدمني(((.
�5.5أنه ع�ضو ال يربز يف العادة �إال حلاجة ،فلم يجب ك�شفه يف ال�سجود؛ كالركبتني
والقدمني(((.
وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها:
1.1حديث خباب بن الأرت قال�« :شكونا �إلى ر�سول اهلل ﷺ حر الرم�ضاء
يف جباهنا و�أك ّفنا ،فلم ُي ْ�ش ِكنا»(((.
((( ينظر :اجلوهر النقي البن الرتكماين ،وهو بذيل ال�سنن الكربى للبيهقي ،106/2وفتح الباري البن
حجر .588/1
((( �أخرجه الإمام �أحمد يف امل�سند ،ح ،18953وابن ماجه يف �سننه ،كتاب �إقامة ال�صالة ،باب ال�سجود
على الثياب يف احلر والربد ،ح ،1032قال حمقق امل�سند� :إ�سناده �ضعيف.282/31 ،
((( ينظر :املجموع .401/3
((( ينظر� :أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى ،كتاب ال�صالة ،باب ب�سط ثوب في�سجد عليه ،106/2و�أخرجه
البخاري يف �صحيحه معل ًقا ب�صيغة اجلزم ،ينظر :فتح الباري البن حجر .587/1
((( ينظر :املغني .198/2
((( ينظر :البيان .219/2
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،كتاب امل�ساجد ،باب ا�ستحباب تقدمي الظهر يف �أول الوقت يف غري =
املبحث ال�سابع
ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى
اخلدري �« :إنه دخل على ر�سول اهلل ﷺ فوجده ي�صلي على ح�صري ي�سجد
عليه»((( ،وثبت �أنه ﷺ �صلى على اخلمرة(((.
وهنا �صورتان:
ال�صورة الأولى:
ال�صالة على ما لي�س من جن�س الأر�ض؛ كاجللود وما ي�صنع منه ال�سجاد من
قما�ش و�صوف ونحوه يفر�ش على الأر�ض مبا�شرة ،فهذه فيها خالف على قولني:
القول الأول :الكراهة ،وهو مذهب املالكية((( ،واختيار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية(((.
القول الثاين :عدم الكراهة ،وهو مذهب اجلمهور ،من احلنفية((( ،وال�شافعية(((،
واحلنابلة(((.
الأدلة:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها:
ي�صل على ال�سجادة(((.
�1.1أن النبي ﷺ مل ِ
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب ال�صالة ،باب ال�صالة على احل�صري ،ح ،380و�أخرجه م�سلم
يف �صحيحه ،كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة ،باب جواز اجلماعة يف النافلة ،وال�صالة على ح�صري
وخمرة ،ح ،661من حديث �أن�س بن مالك .
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب ال�صالة ،باب ال�صالة على اخلمرة ،ح � ،381أخرجه م�سلم يف
�صحيحه ،كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة ،باب جواز اجلماعة يف النافلة ،وال�صالة على ح�صري
وخمرة ،ح ،661من حديث ميمونة ،واخلمرة هي :فرا�ش �صغري على قدر الوجه يعمل من �سعف
النخل ي�سجد عليه امل�صلي يتقي به حر الأر�ض وبردها ،ينظر :نيل الأوطار .150/2
((( �إال ل�ضرورة جنا�سة �أو برد �أو كان فر�ش م�سجد �أو فر�شً ا ال رفاهية فيه ينظر :مواهب اجلليل،546/1
ال�شرح الكبري مع حا�شية الد�سوقي ،399/1والفواكه الدواين .182/1
((( ينظر :جمموع الفتاوى172/22ومابعدها.
((( ينظر :تبيني احلقائق ،305/1الفتاوى الهندية.109/1
((( ينظر :املجموع ،169/3نهاية املختاج.64 ،52/2
((( ينظر :املغني ،479/2الإن�صاف ،485/1وك�شاف القناع .297/1
((( ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية.163/22
و�أجيب عنه :بعدم الت�سليم؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ �أنه �صلى على احل�صري(((.
ونوق�ش اجلواب :ب�أن احل�صري واخلمرة ونحوها من جن�س الأر�ض ،و�إمنا
اخلالف يف كراهية ما لي�س من جن�سها؛ كال�صوف ونحوه(((.
�2.2أن يف ال�صالة على ال�سجادة رفاهية ،وهي مكروهة(((.
وميكن �أن يناق�ش :ب�أنه لي�ست كل رفاهية مكروهة ،فال تكره ال�صالة يف ثياب
الكتان وال�صوف مع �أن فيها نوع رفاهية ،فكذلك ال تكره ال�صالة عليها(((.
وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها:
1.1الأ�صل �إباحة ال�صالة على ال�سجادة؛ لأن النبي ﷺ �صلى على ما ي�شبهها وهو
اخلمرة واحل�صري(((.
�2.2أنَّ ال�صحابة � صلوا على �أنواع من الفر�ش والب�سط؛ مما ي�صدق عليه
�أنه �سجادة� ،أو يف معناهاَّ ،
فدل ذلك على �أنَّ الأ�صل عندهم هو الإباحة(((.
�3.3أن ما ال ُتكره ال�صالة فيه ال تكره ال�صالة عليه(((.
الرتجيح:
الأقرب عند الباحث -واهلل �أعلم -هو القول الثاين عدم كراهة ال�صالة على
ينظر :املغني .479/2 (((
ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية.174/22 (((
ينظر :مواهب اجلليل.546/1 (((
ينظر :املغني .479/2 (((
تقدم تخريجه قري ًبا. (((
ينظر :امل�صنف البن �أبي �شيبة ،400/1وامل�صنف لعبدالرزاق ،395/1قال ابن قدامة “ :ال (((
ب�أ�س بال�صالة على احل�صري والب�سط من ال�صوف وال�شعر والوبر ،والثياب من القطن والكتان و�سائر
الطاهرات ،و�صلى عمر على عبقري ،وابن عبا�س على طنف�سة ،وزيد بن ثابت وجابر على ح�صري وعلي
وابن عبا�س وابن م�سعود على املن�سوج” اهـ املغني .479/2
ينظر :املغني ،480/2وك�شاف القناع ،334/1ومطالب �أويل النهى .352/1 (((
ال�سجادة خ�صو صً� ا �إن كانت لعذر كخوف العدوى؛ ملا تقدم من �أدلة ومناق�شة؛ لكنها
ُتكره يف الأحوال التالية:
احلال الأولى� :أن يقع يف قلب امل�صلي نوع من الكرب والرتفع على النا�س فيخ�ص
نف�سه بال�سجادة لهذا املعنى(((.
احلال الثانية :اتخاذ ال�صالة على ال�سجادة �شعا ًرا ،ك�أن يرى ُ
متخذها �أن عدم
ال�صالة عليها تق�ص ًريا يف ِّ
حق ال�صالة(((.
تورعا وحت ُّر ًجا من ال�صالة على الأر�ض
احلال الثالثة :حتري ال�صالة عليها ً
خو ًفا من جنا�سة متوهمة ،من غري حاجة وال �ضرورة من برد �أو مر�ض �أو
ح ٍّر؛ فهذا التحري مكروه؛ لأن ا�ستدامة ذلك خمالف لهدي النبي �صلى اهلل
عليه و�سلم و�أ�صحابه ،فقد كانوا ي�صلون على الأر�ض والرتاب والطني ،من
غري حرج(((.
احلال الرابعة :تقدمي ال�سجادة �إلى امل�سجد قبل الذهاب له بق�صد احلجز
والتحجري(((.
ال�صورة الثانية:
ال�صالة على ما لي�س من جن�س الأر�ض من ال�سجاد ويفر�ش على فر�ش امل�سجد،
فهذه ال تخلو من حالني:
احلال الأولى� :أن يفر�ش ال�سجاد على فر�ش امل�سجد لعذر؛ ك�أن يكون الفرا�ش فيه
غبار كثري �أو تنبعث منه رائحة� ،أو يخ�شى من العدوى ب�سبب �صالة م�صلي
م�صاب يف املكان نف�سه ،فهذه ونحوها �أعذار اتفق الفقهاء على جواز
ينظر :مواهب اجلليل.546/1 (((
ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية.187/22 (((
ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية.177/22 (((
ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية.189/22 (((
((( ينظر :تبيني احلقائق ،305/1الذخرية ،197/2مواهب اجلليل ،546/1مغني املحتاج ،259/1املغني
،198/2جمموع فتاوى ابن تيمية ،174/22فتح الباري البن حجر .582/1
املف�صل يف القواعد الفقهية �ص.359
((( ينظرّ :
((( ينظر :جمموع فتاوى ابن تيمية 179/22وما بعدها.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب الو�ضوء ،باب املاء يغ�سل به �شعر الإن�سان ،ح.174
اخلامتة
احلمد هلل على ما ي�سر لهذا البحث بعنوان (�آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة
اجلماعة يف امل�سجد درا�سة �شرعية) ،و�صلى اهلل على عبده ور�سوله نبينا حممد و�آله
و�صحبه و�سلم ،وبعد:
ف�أختم هذا البحث ب�أهم نتائجه والتو�صيات املتعلقة به:
النتائج:
1.1املق�صود ب�صالة اجلماعة :ارتباط �صالة امل�أموم ب�صالة الإمام ب�شروط
خم�صو�صة.
2.2امل�سجد :املبنى املوقوف املخ�ص�ص لل�صلوات اخلم�س املفرو�ضة وغريها.
3.3امل�صاب بوباء كورونا يمُ نع من ح�ضور اجلماعة يف امل�سجد.
4.4اخلوف من العدوى من �أ�سباب ترك اجلماعة يف امل�سجد ،ب�شرط �أن يكون
أ�سباب م�ؤثر ٍة.
اخلوف حقيق ًيا وم�ستندً ا �إلى � ٍ
الرتا�ص والتقارب ب�سبب اخلوف من العدوى ،ف�إن
ّ �5.5إذا تعذر على امل�صلني
هذا الواجب ي�سقط.
6.6متى تلثم امل�صلي وغطى الفم والأنف خو ًفا على نف�سه من انتقال املر�ض ف�إن
فعله �صحيح ،وال كراهية يف ذلك.
7.7يجوز للم�صلي تغطية يديه وال�سجود على حائل؛ خ�صو�صً ا �إن كان لعذر
كاملر�ض �أو اخلوف من العدوى.
8.8عدم كراهة ال�صالة على ال�سجادة خ�صو�صً ا �إن كانت لعذر كخوف العدوى.
9.9جواز فر�ش ال�سجاد على فر�ش امل�سجد لعذر؛ ك�أن يكون الفرا�ش فيه غبار
كثري �أو تنبعث منه رائحة� ،أو يخ�شى من العدوى ب�سبب �صالة م�صلي م�صاب
يف املكان نف�سه.
التو�صيات:
1.1االهتمام بالبحث يف م�سائل �أثر اجلوائح على فري�ضة ال�صالة؛ لأنها الركن
الثاين من �أركان الإ�سالم.
2.2بحث �أثر الوباء على العقود املالية؛ لكرثة فروعها ،وكرثة ال�س�ؤال عنها
وحاجة النا�س لها.
واحلمد هلل رب العاملني و�صلى اهلل على نبينا حممد و�آله و�صحبه �أجمعني.
1.1القر�آن الكرمي
�2.2أبحاث يف العدوى والطب الوقائي من �أبحاث امل�ؤمتر العاملي الأول للإعجاز
العلمي يف القران وال�سنة �إ�سالم �آباد باك�ستان يف الفرتة من � 28-25صفر �سنه
1408هـ.
3.3ات�صال ال�صفوف بامل�سجد احلرام وخارجه ،د .غازي بن �سعيد بن حمود
املطريف ،بحث من�شور مبجلة املجمع الفقهي الإ�سالمي التابعة لرابطة العامل
الإ�سالمي ،العدد ،30عام 1435هـ.
�4.4آثار اخلوف يف الأحكام الفقهية ،د� .إبراهيم بن يحيى عطيف ،ط1421 ،1هـ،
مكتبة الر�شد ،الريا�ض.
�5.5أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي ،عبدالإله بن �سعود بن نا�صر
ال�سيف ،ر�سالة ماج�ستري بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية.
�6.6أحكام امل�ساجد يف ال�شريعة الإ�سالمية ،د� .إبراهيم اخل�ضريي ،دار الف�ضيلة
للن�شر ،ط ،2الريا�ض.
�7.7إرواء الغليل يف تخريج �أحاديث منار ال�سبيل :حممد نا�صر الدين الألباين ،ط،2
1405هـ ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت.
8.8اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار وعلى الأقطار فيما ت�ضمنه املوط�أ
من معاين الر�أي والآثار :و�شرح ذلك كله بالإيجاز واالخت�صار ،يو�سف ابن
عبداهلل بن عبدالرب ،حتقيق :د/عبداملعطي �أمني قلعجي ،ط1414 ،1هـ.
9.9اال�ستذكار اجلامع ملذهب فقهاء الأم�صار وعلماء الأقطار/لأبي عمر يو�سف بن
عبداهلل ابن عبدالرب القرطبي .دار الكتب العلمية ط2000 ،1م حتقيق� :سامل
حممد عطا وحممد علي معو�ض.
2222التاج والإكليل ملخت�صر خليل ،لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف العبدري ،ال�شهري
باملواق ،مطبوع بهام�ش مواهب اجلليل ،دار الفكر ،ط.3
2323تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق :فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي ،ط،1
1420هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
2424اجلوهر النقي على �سنن البيهقي ،البن الرتكماين علي بن عثمان ،دار النوادر،
2013م.
2525حا�شية الد�سوقي على �شرح الكبري ،ملحمد عرفة الد�سوقي( ،ت1230 :هـ)،
ط ،1دار الفكر ،بريوت.
2626الذخرية؛ ل�شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س القرايف ،ت :د.حممد حجي ،النا�شر:
دار العرب الإ�سالمي ،ط1994 ،1م.
2727رو�ضة الطالبني :ليحيى بن �شرف النووي ت 624هـ ،حتقيق :عادل عبداملوجود
وعلي معو�ض ،ط دار الكتب العلمية ،بريوت1412 ،هـ.
2828رو�ضه الطالبني/لأبي زكريا يحيى بن �شرف النووي الدم�شقي .حتقيق :ال�شيخ.
عادل �أحمد عبداملوجود وال�شيخ.علي حممد معو�ض .دار الكتب العلمية ط1 :
1412هـ1992/م.
2929زاد املعاد يف هدي خري العباد .ابن القيم ،حممد بن �أبي بكر( .لبنان -بريوت،
م�ؤ�س�سة الر�سالة .ط1415 ،3هـ1994/م).
�3030سنن ابن ماجة ،حممد بن زيد القزويني ،ت :حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،دار �إحياء
مكتب العربية ،م�صر.
�3131سنن �أبي داود� :سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين ،حتقيق :عزت الدعا�س،
طبعة1389 ،1هـ ،دار احلديث ،حم�ص.
�3232سنن الرتمذي :حممد بن عي�سى بن �سورة الرتمذي ،ت :عزت عبدالدعا�س،
املكتبة الإ�سالمية ،تركيا.
3333ال�سنن الكربى� :أحمد بن ح�سني البيهقي ،ط1419 ،1هـ ،دار الفكر ،بريوت.
3434ال�سنن الكربى� :أحمد بن �شعيب الن�سائي ،حتقيق :جمموعة من الباحثني؛
ب�إ�شراف� :شعيب الأرن�ؤوط ،ط1421 ،1هـ ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت.
3535ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع ،حممد بن �صالح العثيمني ،م�ؤ�س�سة �آ�سام ،ط.3
363636ال�صحاح تاج اللغة و�صحاح العربية� ،إ�سماعيل بن حماد اجلوهري ،حتقيق/
�أحمد العطار ،دار العلم للماليني ،بريوت ،ط1984 ،3م.
�3737صحيح البخاري ،ملحمد بن �إ�سماعيل البخاري( ،ت256 :هـ) ،ترقيم :حممد
ف�ؤاد عبدالباقي ،ط1400 ،1هـ ،املطبعة ال�سلفية ،القاهرة.
�3838صحيح م�سلم ،مل�سلم بن احلجاج الني�سابوري( ،ت261 :هـ) ،ترقيم :حممد
ف�ؤاد عبدالباقي ،ط1374 ،1هـ ،املكتبة الإ�سالمية ،ا�سطنبول.
3939الطرق احلكمية يف ال�سيا�سة ال�شرعية ،لأبي عبداهلل حممد بن �أبي بكر ابن قيم
اجلوزية ،ت/نايف احلمد ،دار عامل الفوائد ،ط1428 ،1هـ.
4040الفتاوى الهندية ،لل�شيخ نظم وجماعة من علماء الهند ،وبهام�شه فتاوى
قا�ضيخان ،والفتاوى البزازية دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت لنان ،ط.4
4141فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :جمع �أحمد ابن عبدالرزاق
الدوي�ش ،رئا�سة �إدارة البحوث العلمية ،ط1416 ،1هـ ،الريا�ض.
4242فتح الباري �شرح �صحيح البخاري� :أحمد بن حجر الع�سقالين ،حتقيق :حمب
الدين اخلطيب ،طبعة1407 ،1هـ ،دار الريان ،القاهرة.
4343فتح الباري لأبي الفرج ابن رجب احلنبلي :ط1417 ،1هـ ،مكتبة الغرباء الأثرية.
4444فتح القدير ،لكمال الدين حممد بن عبدالواحد املعروف بابن الهمام ،ت:
861هـ ،ط :دار الفكر بدون طبعة وبدون تاريخ.
4545الفروع ،ل�شم�س الدين املقد�سي� ،أبي عبداهلل حممد بن مفلح احلنبلي ،حتقيق:
د.عبداهلل الرتكي ،ط1424 ،1هـ ،م�ؤ�س�سة الر�سالة.
4646الفواكه الدواين على ر�سالة بن �أبي زيد القريواين ،لل�شيخ� :أحمد بن غنيم بن
�سامل بن مهنا التعراوي( ،ت1126 :هـ) ،ط1418 ،1هـ ،دار الكتب العلمية.
4747القامو�س املحيط ،ملجد الدين حممد بن يعقوب الفريوز �آبادي( ،ت817 :هـ)،
ط1416 ،5هـ ،م�ؤ�س�سة الر�سالة.
4848ك�شاف القناع عن منت االقناع ،املن�صور بن يون�س بن �إدري�س البهوتي( ،ت:
1051هـ) ،ط ،1عامل الكتب ،بريوت.
4949ل�سان العرب ،لأبي الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم بن منظور ،ط،2
1412هـ ،دار �صادر.
5050جمموع الفتاوى ،ت�أليف� :أحمد عبداحلليم بن تيمية احلراين �أبو العبا�س ،دار
الن�شر :مكتبة ابن تيمية ،الطبعة :الثانية ،حتقيق :عبدالرحمن بن حممد بن
قا�سم العا�صمي النجدي.
5151املجموع �شرح املهذب ،لأبي زكريا يحيى ابن �شرف الدين النووي( ،ت676 :هـ)،
ت :كمال جنيب املطيعي ،ط1415 ،2هـ ،دار �إحياء الرتاث العربي.
5252املحلى :علي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الأندل�سي ،حتقيق :د/عبدالغفار
البنداري ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
5353م�سند الإمام �أحمد بن حنبل ال�شيباين ،حتقيق :نخبة من الأ�ساتذة ط،1
1417هـ ن�شر م�ؤ�س�سة الر�سالة بريوت لبنان.
5454م�صنف عبدالرزاق بن همام ال�صنعاين :حتقيق :حبيب الرحمن الأعظمي،
ط1403 ،2هـ ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت.
5555امل�صنف يف الأحاديث والآثار ،لعبداهلل بن حممد بن �أبي �شيبة( ،ت235 :هـ)،
ت�صحيح :حممد عبدال�سالم �شاهني ،ط1416 ،1هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
5656مطالب �أويل النهى يف �شرح غاية املنتهى وجتريد الزوائد الغاية وال�شرح،
م�صطفى ال�سيوطي الرحيباين -ح�سن ال�شطي ،املكتب الإ�سالمي ،ط.1
6868نيل الأوطار �شرح منتقى الأخبار من �أحاديث �سيد الأخيار ،ملحمد بن علي
ال�شوكاين ،حتقيق :ع�صام الدين ال�صباطي ،دار احلديث ،ط.1
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د .عا�صم بن عبدالله املطوع
الأ�ستاذ امل�ساعد بق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة
ال�سالمية -جامعة الق�صيم
والدرا�سات إ
د .عاصم بن عبداهلل املطوع
املقدمة
�إن احلمد هلل نحمده ,ون�ستعينه ,ون�ستغفره ,ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا ومن
�سيئات �أعمالنا .من يهده اهلل فال م�ضل له .ومن ي�ضلل فال هادي له ,و�أ�شهد �أن ال
�إله �إ َّال اهلل وحده ال �شريك له ،و�أ�شهد �أن حممدً ا عبده ور�سوله.
•(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [�آل عمران.]102 :
•(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الن�ساء.]1 :
•(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب.]71- 70 :
�أ َّما بعد:
ف�إن الفقه يف الدين من �أعظم املبتغيات ،و�أكمل املطلوبات ،و�أ�شرف املقامات،
وله يف ال�شريعة الغراء �ش�أن ال يخفى ،ولومل ي�أت فيه �إال قول النبي ﷺ« :من يرد اهلل
به خ ًريا يفقهه يف الدين»((( .لكفى �شر ًفا ومق�صدً ا.
و�إن من �أبرز خ�صائ�ص هذه اخلريية� :أن املتفقه ينظر يف ن�صو�ص الوحيني وكالم
الأئمة من ال�سلف ال�صالح فمن بعدهم ،ملا يعر�ض من النوازل والواقعات وامل�ستجدات،
التي اقت�ضتها حكمة اهلل تعالى يف هذه الدنيا ،وما �أودع اهلل دينه و�شريعته من الكمال
والتمام ،كما يف قوله تعالى( :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه برقم ( .)71وم�سلم يف �صحيحه برقم (.)1037
ﮄ ﮅ) [املائدة ،]3 :ولن ي�ضل عن مبتغاه �أبدً ا ،لأن �أحكام ال�شريعة الغراء �شاملة
لكل ما يحتاجه الإن�سان؛ لثبات �أحكامها ،ور�سوخ قواعدها ،فما تنـزل بالنا�س نازلة
وتخريجا.
ً ً
ا�ستنباطا، �إ َّال اجتهد فقهاء ال�شريعة للو�صول �إلى حكمها
و�إذا كان البحث يف �أحكام النوازل متعل ًقا بالركن الأعظم من �أركان الإ�سالم وهو
ال�صالة ،فال�شرف كبري وعظيم ،والأهمية مت�أكدة وحا�ضرة لأجل متع َّلقها ،وملا نزل
بالعامل وباء كورونا امل�ستجد -حني ُ�سجلت �أول حالة يف ال�صني بت�أريخ 1441/5/5هـ
املوافق 2019/12/31م ،-واتخذت الدول �إجراءات متنوعة حلماية �شعوبها ،كانت
دولتنا املباركة اململكة العربية ال�سعودية يف طليعة الدول التي تعاملت مع النازلة بقوة
واقتدار ،حماية ملواطنيها واملقيمني على �أرا�ضيها ،و�أ�صبحت م�ضرب املثل ،واملثل
املحتذى للتعامل مع هذا الوباء امل�ستجد على كافة الأ�صعدة ،وملا اقت�ضت امل�صلحة
التي ر�آها والة الأمر حفظهم اهلل يف �إغالق امل�ساجد ،ثم بعد ذلك �إعادة فتحها بت�أريخ
1441/10/8هـ بعد اتخاذ الإجراءات االحرتازية الوقائية يف اجلمع واجلماعات،
وكان من �أبرز تلك الإجراءات :التباعد بني امل�صلني ،احرتا ًزا من العدوى بهذا
أيت كما ر�أى غريي جملة من النوازل يف ال�صالة بحاجة الفريو�س �شديد االنت�شار ،ر� ُ
ما�سة �إلى جتلية حكمها وبيان وجه الفتيا فيها ،وقد ر�أيت من �أهم امل�سائل اجلديرة
بالبحث :حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد.
م�شكلة البحث:
حيث �إن الفتوى الر�سمية يف بالدنا -حر�سها اهلل -وال�صادرة من اللجنة الدائمة
للإفتاء هي عدم جواز �صالة املنفرد خلف ال�صف((( ،وحيث ظهرت احلاجة -على
عدة �صور خمتلفة -لل�صالة بانفراد خلف ال�صف مع االئتمام ب�صالة الإمام ،وحيث
يختلف النا�س يف حكم ذلك ،ورمبا �أنكر بع�ضهم على بع�ض ،فقد ر�أيت بحث هذه
امل�س�ألة والنظر يف �أقوال �أهل العلم ،و�سيجيب البحث ب�إذن اهلل عن الت�سا�ؤالت التالية:
1.1ما املق�صود ب�صالة املنفرد خلف ال�صف ،وما حكمه من حيث الأ�صل؟
((( انظر :فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء باململكة العربية ال�سعودية (.)8/8
2.2ما حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد؟
3.3ما �أثر قواعد ال�شريعة الكلية ومقا�صدها املرعية على بيان حكم هذه النازلة؟
�أهمية البحث:
تتلخ�ص �أهمية املو�ضوع يف عدة �أمور �أهمها ما يلي:
�1.1أنه يتعلق بدرا�سة نازلة متعلقة بالركن الثاين من �أركان الإ�سالم ،ويحتاجها
الرجل املكلف خم�س مرات يف اليوم والليلة.
�2.2أن وباء كورونا امل�ستجد حتّم على اجلميع اتخاذ �إجراءات مل تكن موجودة من
قبل ،وخ�صو�صً ا ما كان منها يف العبادات كال�صالة اً
مثل ،وهذا ي�ؤكد العناية
والأهمية لبحث احلكم ال�شرعي لهذه امل�س�ألة ،وبيان الدليل ال�شرعي لها.
�3.3أن معرفة حكم امل�س�ألة مما يحتاجه املكلف ليخرج من عهدة الواجب
ال�شرعي املتعلق بذمته كما �أمره اهلل تعالى ،وذلك بالنظر يف الأدلة و�أقوال
الفقهاء ،ليعبداهلل على ب�صرية.
�أهداف البحث:
1.1بيان املق�صود ب�صالة املنفرد خلف ال�صف ،وبيان حكمها من حيث الأ�صل.
2.2بيان حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد.
�3.3إي�ضاح �أثر قواعد ال�شريعة الكلية ومقا�صدها املرعية يف بيان حكم هذه النازلة.
الدرا�سات ال�سابقة:
مل �أجد فيما وقفت عليه درا�سة يف ذات امل�س�ألة ،وذلك لكون النازلة ما زالت
حديثة ،لكني وجدت بح ًثا علم ًيا حمك ًما يف �أ�صل امل�س�ألة ،بعنوان�( :صالة املنفرد
خلف ال�صف -رواية ودراية) ،للباحث :خالد بن عبدالعزيز الربيع ،من�شور يف العدد
الأول للمجلة العلمية جلامعة امللك في�صل.
وقد ظهر يل بعد االطالع عليه �أنه بحث حديثي اهتم بجمع روايات �أحاديث
امل�س�ألة ودرا�ستها كما هو جمال الباحث وتخ�ص�صه ،و�أما جانب الدراية فاقت�صر
على ذكر ثالثة �أقوال يف امل�س�ألة فقط.
و�س�أ�ضيف بعون اهلل يف هذا البحث �أقوال الفقهاء كلها يف امل�س�ألة ،ثم تخريج
احلكم يف النازلة حمل الدرا�سة على ما يتم �إيراده من الأدلة والن�صو�ص.
حدود البحث:
�سوف يكون جمال الدرا�سة وحدودها يف �صالة الرجل املكلف خلف ال�صف من
حيث الأ�صل ،ثم حكمها تعمدً ا وذلك بق�صد االحرتاز عن العدوى بفايرو�س كورونا
امل�ستجد.
منهج البحث و�إجراءاته:
�سلكت يف �إعداد البحث املنهج املقارن ،واتبعت يف �إعداده الإجراءات والقواعد
العلمية املعتمدة.
خطة البحث:
تتك ّون خطة البحث من مقدمة ،ومتهيد ،ومبحثني ،وخامتة.
وت�شتمل املقدمة على :م�شكلة البحث ،و�أهميته ،و�أهدافه ،والدرا�سات ال�سابقة،
وحدوده ،ومنهجه ،و�إجراءاته ،وخطته.
و�أ َّما التمهيد ،في�شتمل على مطلبني:
املطلب الأول :املق�صود مبفردات العنوان.
املطلب الثاين� :صور �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد.
املبحث الأ َّول :حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف.
املبحث الثاين :حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد.
وت�شمل اخلامتة على �أبرز نتائج البحث ،و�أتبعت ذلك بقائمة امل�صادر واملراجع.
التمهيد
ت�ضمن عنوان البحث �أربع جمل ،وفيما يلي بيان املق�صود بها:
� اًأول :املق�صود بـ(�صالة املنفرد):
1.1املراد بال�صالة هنا :ما توافرت فيه �صفتان:
�2.2أن تكون �صالة فري�ضة ،لأن �أ�صل اخلالف يف امل�س�ألة هو يف �صالة الفري�ضة،
ولأن الأ�صل يف النافلة �أال تكون مع جماعة.
�أن تكون مع جماعة ،ليتحقق االنفراد عن ال�صف الذي هو حمل الدرا�سة.
واملراد باملنفرد هنا :الفذ� ،أو الفرد ،وكلها ت�سميات �صحيحة ،واملراد به :الرجل
العاقل البالغ الذي ي�صلي فري�ضة مع جماعة منفردًا خلف ال�صف ،فخرج بذلك غري
املكلف ،وخرج به من ين�ضم �إليه �أحد قبل الركوع.
ثان ًيا :املق�صود بـ(خلف ال�صف):
املراد باخللف هنا� :ضد الأمام ،فاملق�صود به� :صالة املنفرد مت�أخ ًرا عن ال�صفوف
منفردًا لوحده ،مع حمافظته على االئتمام مع �إمام اجلماعة ،ك�أن يكون يف امل�سجد
اً
مثل� ،أو ملح ًقا به كالدور العلوي �أو ال�سفلي� ،أو يف م�صلى الن�ساء� ،أو خارجه مع عدم
انقطاع ال�صفوف ،وخرج به �أي ضً� ا �صالته �أمام الإمام.
ثال ًثا :املق�صود بـ(احرتا ًزا):
االحرتاز هنا جاء يف �سياق التعليل ،فاملق�صود به� :أن يكون الباعث له على االنفراد
عن النا�س خلف ال�صفوف هو االحرتاز ،واالحرتاز هو :التحفظ واالحتياط((( ،فخرج
بذلك من ي�صلي خلف ال�صف لعدم وجود فرجة اً
مثل.
راب ًعا :املق�صود بـ(العدوى بكورونا امل�ستجد):
املراد بالعدوى :انتقال مر�ض من �شخ�ص �إلى �آخر ،و�أ�صل معناه :ما ي�س ّرع يف
االنتقال من �شخ�ص �إلى �آخر(((.
واملراد بكورونا امل�ستجد :امل�سمى كوفيد 19-هو مر�ض ُم ٍعد ي�سببه �آخر فريو�س
مت اكت�شافه من �ساللة فريو�سات كورونا ،ومل يكن هناك �أي علم بوجود هذا الفريو�س
اجلديد ومر�ضه قبل بدء تف�شيه يف مدينة ووهان ال�صينية يف كانون الأول /دي�سمرب
.2019وقد حت ّول كوفيد 19-الآن �إلى جائحة ت�ؤثر على العديد من بلدان العامل ،و�أهم
�شيوعا
�أعرا�ضه:احلمى والإرهاق وال�سعال اجلاف ،وت�شمل الأعرا�ضالأخرى الأقل ً
ولكن قد ي�صاب بها بع�ض املر�ضى :الآالم والأوجاع ،واحتقان الأنف ،وال�صداع،
والتهاب امللتحمة ،و�أمل احللق ،والإ�سهال،وفقدان حا�سة الذوق �أو ال�شم ،وظهور طفح
جلدي�أو تغري لون �أ�صابع اليدين �أو القدمني .وعاد ًة ماتكون هذه الأعرا�ض خفيفة
وتبد أ� ب�شكل تدريجي .وي�صاب بع�ض النا�س بالعدوى دون �أن ي�شعروا �إال ب�أعرا�ض
خفيفة جدً ا.
ويتعافى معظم النا�س (نحو )%80من املر�ض دون احلاجة �إلى عالج خا�ص.
ولكن الأعرا�ض ت�شتدلدى �شخ�ص واحد تقري ًبا من بني كل خم�سة �أ�شخا�صم�صابني
مبر�ض كوفيد 19-فيعاين من �صعوبة يفالتنف�س .وتزداد خماطر الإ�صابة مب�ضاعفات
وخيمة بني امل�سنني والأ�شخا�ص امل�صابني مب�شاكل �صحية �أخرى مثل ارتفاع �ضغط
الدم �أو �أمرا�ض القلب والرئة�أو ال�سكري �أو ال�سرطان (((.
((( انظر :مقايي�س اللغة ( ،)38/2ل�سان العرب (.)187/12
((( انظر :التعريفات �ص (.)144
((( انظر :موقع منظمة ال�صحة العاملية https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-
.coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses
املطلب الثاين
�صور �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد
بني امل�صلني �أم مل يكن ،و�سوا ًء وقف خلف ال�صف مبا�شرة �أم مل يقف مبا�شرة مع
�سماعه �صوت الإمام.
فهذه الأو�صاف التي ت�ضمنها ال�ضابط هي حمل الدرا�سة �إن �شاء اهلل ،وقد
انح�صرت يف ذلك بنا ًء على ال�سرب والتق�سيم ،تقري ًبا للفهم والت�صور.
وهو قول للإمام مالك كما رواه ابن وهب عنه((( ،وهو املذهب عند احلنابلة(((،
وهو قول النخعي ،واحلكم ،واحل�سن بن �صالح ،و�إ�سحاق ،وابن املنذر(((.
القول الثالث:
�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة مع الكراهة مطل ًقا.
وهو قول عند املالكية((( ،وقول عند ال�شافعية(((.
قال العمراين“ :و�إن وقف الرجل يف ال�صف وحده خلف امل�أمومني كره ذلك
و�صحت �صالته”(((.
القول الرابع:
�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة مع الكراهة �إذا مل يكن َّثم عذر� ،أ َّما مع
العذر فال كراهة.
وهو قول عند احلنفية((( ،ورواية عند احلنابلة((( ،وذلك ك�أن ي�أتي �إلى ال�صف
فال يجد فرجة في�صلي خلفه منفردًا فت�صح �صالته بال كراهة.
انظر :البيان والتح�صيل البن ر�شد ( ،)331 ،146 -145/1الذخرية للقرايف ( ،)261/2التاج (((
والإكليل (.)446/2
انظر :م�سائل الإمام �أحمد برواية �أبي داود �ص( ،)54خمت�صر اخلرقي �ص( ،)26املغني (،)155/2 (((
الكايف البن قدامة ( ،)300/1الهداية لأبي اخلطاب �ص( ،)100املبدع البن مفلح ( ،)96/2الإن�صاف
( ،)290/2الفروع (.)40/3
انظر :املغني (.)155/2 (((
انظر :املخت�صر البن عرفة (� ،)340/1شرح اخلر�شي على خليل ( ،)33/2ال�شرح الكبري للدردير (((
(� ،)334/1شرح التلقني للمازري (� ،)696/1شرح الزرقاين على خليل (.)30/2
انظر :فتح العزيز �شرح الوجيز ( ،)342 -341/4املجموع �شرح املهذب ( ،)298/4البيان للعمراين (((
(� ،)430/2أ�سنى املطالب ( ،)223/1مغني املحتاج (.)493/1
انظر :البيان (.)430/2 (((
انظر :حتفة الفقهاء ( ،)145 -144/1بدائع ال�صنائع (.)146/1 (((
انظر :املبدع ( ،)97/2الفروع (.)40/3 (((
جاء يف حتفة الفقهاء“ :ثم ال�صالة خلف ال�صفوف منفردًا �إمنا يكره �إذا وجد
فرجة يف ال�صف ،ف�أ َّما �إذا مل يجد ال يكره؛ لأن حال العذر م�ستثناة”(((.
القول اخلام�س:
�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة يف �صالة النفل دون الفر�ض فال ت�صح.
وهو احتمال عند احلنابلة(((.
القول ال�ساد�س:
�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة يف حق اجلاهل باحلكم� ،أ َّما من كان
عاملًا باحلكم فال ت�صح.
وهو رواية عند احلنابلة(((.
ثان ًيا :الأدلة واملناق�شة:
قبل ذكر �أدلة الأقوال وما يرد عليها من املناق�شات ،فمن اجلدير ذكره �أن
جمهور اال�ستدالل من�صب على القولني املتقابلني :القول ب�صحة ال�صالة ،والقول
بعدم �صحتها ،وما كان بني ذلك فاال�ستدالل له ملحق بالأقرب له والأ�شبه ،فمن قال
مثل فدليله ال يخرج ع َّمن قال باجلواز مطل ًقا� ،إ َّال �أنه ي�ستدل
باجلواز مع الكراهة اً
للكراهة باعتبارها �أم ًرا زائدً ا على مطلق اجلواز ،وكذا من قال باجلواز يف حق
املعذور دون غريه ف�إن ا�ستدالله يف حق املعذور ملحق مبن قال باجلواز من جهة،
وملحق مبن قال بعدم اجلواز حال عدم العذر وهكذا ،ف�إلى بيان ذلك:
�أدلة القول الأ َّول:
1.1حديث �أبي بكرة � أنه انتهى �إلى النبي ﷺ وهو راكع فركع قبل �أن ي�صل
�إلى ال�صف فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال« :زادك اهلل حر صً� ا وال َت ُعد»(((.
((( انظر :حتفة الفقهاء (.)145 -144/1
((( انظر� :شرح الزرك�شي على اخلرقي (.)111/2
((( انظر :املبدع ( ،)97/2الفروع (.)41/3
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،برقم (.)873
ووجه اال�ستدالل منه� :أن النبي ﷺ جوز اقتداءه به خلف ال�صف((( ،ومل
قادحا يف �صالته
ي�أمره ب�إعادة ال�صالة((( ،ولو كان انفراده خلف ال�صف ً
لأمره بالإعادة(((.
قال ال�شافعي“ :فيه داللة على �أنه ر�أى ركوعه منفردًا جمز ًئا عنه”(((.
وقال اخلطابي“ :فيه داللة على �أن �صالة املنفرد خلف ال�صف جائزة؛ لأن جز ًءا
من ال�صالة �إذا جاز على حال االنفراد جاز �سائر �أجزائها ،وقوله« :وال َت ُعد»
�إر�شاد له يف امل�ستقبل �إلى ما هو �أف�ضل ،ولو مل يكن جمز ًيا لأمره بالإعادة”(((.
ونوق�ش :ب�أنه مل ي�أمره بالإعادة؛ جلهله ،لكن نهاه عن العود ،والنهي يقت�ضي
الف�ساد(((.
و�أجيب بع ّدة �أجوبة ،منها:
•�أن املق�صود بالنهي النهي عن الإ�سراع واللهث يف جميئه �إلى ال�صالة(((.
•�أن املق�صود بالنهي النهي عن الإحرام خلف ال�صف ،فال ُيحرم �إ َّال �إذا
دخل يف ال�صف((( ،فك�أنه نهي عنه.
•�أن املق�صود بالنهي النهي عن الت�أخر يف احل�ضور �إلى ال�صالة ت�أخ ًرا
يف ِّوته الركعة(((.
انظر :بدائع ال�صنائع ( ،)146/1املب�سوط (.)192/1 (((
انظر :بداية املجتهد (� ،)261/2شرح التلقني (.)697/1 (((
انظر :الغرر البهية ( ،)451/1احلاوي الكبري ( ،)341/2فتح العزيز ( ،)342/4التهذيب (.)279/2 (((
انظر :اختالف احلديث لل�شافعي (مطبوع مع الأم) �ص(.)636 (((
انظر :معامل ال�سنن (.)186/1 (((
انظر :الكايف ( ،)300/1املغني ( ،)155/2املبدع (.)96/2 (((
انظر :البيان (.)431/2 (((
انظر :امل�صدر ال�سابق� ،شرح ابن بطال للبخاري (.)401/2 (((
انظر :البيان ( ،)431/2اال�ستذكار ( ،)271/2وتعقبه ابن رجب ب�أنه ال يعرف عن �أحد من العلماء (((
املتقدمني .فتح الباري البن رجب (.)123/7
ف�إن قيل� :إن النبي ﷺ مل ي�أمر �أبا بكرة بالإعادة؛ لأنه مل ِّ
ي�صل �صالة
كاملة خلف ال�صف ،و�إمنا ركع خلف ال�صف ثم دخل يف ال�صف فدل ذلك
على �أن من �ص َّلى �صالة كاملة خلف ال�صف ف�صالته غري جمزئة؛ لأن النبي
ﷺ نهى �أبا بكرة عن العود.
فاجلواب� :أنه �إذا جاز الركوع للرجل خلف ال�صفوف وحده و�أجز�أ ذلك
عنه فكذلك �سائر �صالته؛ لأن الركوع ركن من �أركانها ،ف�إذا جاز للم�صلي
�أن يركع خلف ال�صفوف وحده كان له �أن ي�سجد ويتم �صالته خلف ال�صف
منفردًا(((.
2.2حديث �أن�س بن مالك � أن جدته مليكة دعت ر�سول اهلل ﷺ لطعام
أ�صل لكم» ،قال :فقمت �إلى ح�صري
�صنعته له ،ف�أكل منه ،ثم قال« :قوموا فل ِ
لنا قد ا�سود من طول ما ُل ِب�س فن�ضحته مباء ،فقام ر�سول اهلل ﷺ و�صففت
واليتيم وراءه ،والعجوز من ورائنا ،ف�ص َّلى لنا ر�سول اهلل ﷺ ركعتني ثم
ان�صرف(((.
ووجه اال�ستدالل منه� :أنه ﷺ ج ّوز اقتداءها به مع انفرادها خلف ال�صفوف،
ودل على �أن حماذاة املر�أة مف�سدة �صالة الرجل؛ لأنه �أقامها خلفهما(((،
فدل على عدم بطالن �صالة املر�أة خلف ال�صف(((.
قال ال�شافعي“ :وال فرق يف هذا بني امر�أة ورجل ،ف�إذا �أجز�أت املر�أة �صالتها
مع الإمام منفردة �أجز�أ الرجل �صالته مع الإمام منفردًا ،كما جتزئها هي
�صالتها”(((.
((( انظر :التمهيد البن عبدالرب (.)269/1
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،برقم ( ،)380وم�سلم يف �صحيحه ،برقم (.)685
((( انظر :بدائع ال�صنائع ( ،)146/1البناية �شرح الهداية ( ،)342/2املب�سوط ( ،)192/1الإ�شراف
(.)299/1
((( انظر� :شرح التلقني (.)697/1
((( انظر :اختالف احلديث �ص(.)636
ونوق�ش :ب�أنه �أجمع العلماء على �أن �سنة املر�أة الوقوف خلف ال�صف(((.
قال ابن حجر“ :ا�ستدل ابن بطال بحديث �أن�س ل�صحة �صالة املنفرد خلف
ال�صف �إحلا ًقا للرجل باملر�أة ،ثم وجدته م�سبو ًقا باال�ستدالل به عن جماعة
من كبار الأئمة ،لكنه ُمتَع َّقب ،و�أقدم من وقفت على كالمه َّ
ممن تعقبه ابن
خزمية ،فقال :ال ي�صح اال�ستدالل به؛ لأن �صالة املرء خلف ال�صف وحده
ممن يقول جتزئه �أو ال جتزئه ،و�صالة املر�أة وحدها باتفاق َّ
ٍ منهي عنها
�إذا مل يكن هناك امر�أة �أخرى م�أمور بها باتفاق فكيف يقا�س م�أمور على
منهي”(((.
“بت عند خالتي ،فقام النبي ﷺ ي�صلي 3.3حديث ابن عبا�س قالُّ :
من الليل ،فقمت �أ�صلي معه ،فقمت عن ي�ساره ف�أخذ بر�أ�سي ف�أقامني عن
ميينه”(((.
ووجه اال�ستدالل منه� :أن ابن عبا�س ح�صل له االنفراد خلف ال�صف
حني �أداره النبي ﷺ �إلى �أن �صار عن ميينهَّ ،
فدل ذلك على جواز االنفراد
خلف ال�صف(((.
وميكن �أن يناق�ش بع ّدة مناق�شات ،منها:
�أ� -أن هذا يف �صالة النافلة ولي�س يف �صالة الفر�ض.
وميكن �أن يجاب :ب�أن ما ثبت يف النافلة يثبت للفر�ض على حد �سواء.
ب� -أن ابن عبا�س مل يبلغ احللم �آنذاك فجاز ذلك يف حقه باعتباره
من ال�صبيان ،فال يجوز يف حق املكلفني.
((( انظر :اال�ستذكار البن عبدالرب (.)316/2
((( انظر :فتح الباري البن حجر (.)268/2
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،برقم ( ،)699وم�سلم يف �صحيحه ،برقم (.)763
((( انظر� :شرح خمت�صر الطحاوي للج�صا�ص (.)74/2
ج� -أن االنفراد احلا�صل ب�سبب حتويل مكانه ي�سري ،وهو حلاجة وهي ت�صحيح
موقفه من الإمام ،بخالف االنفراد بركعة ف�أكرث� ،أو االنفراد لغري حاجة
فال ي�صح.
4.4القيا�س على �صحة �صالة من �ص َّلى مع رجل بغري و�ضوء� ،أو من �ص َّلى مع
�صبي� ،أو من �ص َّلى مع رجل فكبرَّ �أحدهما قبل الآخر ،ف�إذا قيل ب�صحة �صالة
ه�ؤالء ف�صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة(((.
ونوق�ش :ب�أن من �أحرم قبل الآخر ولي�س معه يف ال�صف �أحد فلي�س يف تلك
احلال ً
فذا باالتفاق(((.
وميكن �أن يجاب :ب�أن االتفاق هنا ال يثبت ،بدليل وجود اخلالف يف بع�ض
ال�صور ،فلو تبني �أن من بجانبه كان حمد ًثا فتجوز �صالته بالإجماع(((.
�5.5أن ال�ضابط يف �صحة ال�صالة خلف الإمام� :أن من �صحت �صالته خلف
قيا�سا على �صحة وقوف املر�أة
ال�صف مع غريه �صحت �صالته منفردًا ،وذلك ً
خلف ال�صف كما يف حديث �أن�س املتقدم(((.
قيا�سا
�6.6أن خمالفة املوقف املختار للم�أموم ال ُيف�سد ال�صالة ،وال مينع �صحتها ً
على ما لو وقف عن ي�سار الإمام(((.
وميكن �أن يناق�ش :بعدم �صحة الأ�صل املقي�س عليه ،فلي�س فيه ما يدل على
�صحة �صالته �إذا وقف عن ي�سار الإمام �إ َّال لعذر؛ كاجلهل ،كما يف حديث ابن
عبا�س املتقدم.
انظر :الأ�صل ملحمد بن احل�سن ( ،)197/1املب�سوط (.)192/1 (((
انظر :فتح الباري البن رجب (.)125/7 (((
انظر :بدائع ال�صنائع (.)146/1 (((
انظر :الإ�شراف على نكت م�سائل اخلالف ( ،)299/1املعونة على مذهب عامل �أهل املدينة (،)83/1 (((
احلاوي الكبري (.)341/2
انظر� :شرح التلقني ( ،)697/1الإ�شراف (.)299/1 (((
7.7قيا�س انفراد امل�أموم خلف ال�صف على انفراد الإمام �أمام ال�صف(((.
ونوق�ش :ب�أن هذه هي �سنة موقف الإمام فال يقا�س عليه امل�أموم(((.
و�أجيب :ب�أن �سنة موقفه تدل على �أن لي�س يف االنفراد �شيء يف�سد ال�صالة(((().
�أدلة القول الثاين:
1.1حديث واب�صة بن معبد �أن النبي ﷺ ر�أى اً
رجل ي�صلي خلف ال�صف وحده،
ف�أمره �أن يعيد ال�صالة(((.
ووجه اال�ستدالل منه� :أنه لو �صحت �صالة الرجل وحده خلف ال�صف مل
ي�أمره بالإعادة.
ونوق�ش بع ّدة مناق�شات ،منها:
�أ� -أن احلديث م�ضطرب الإ�سناد فال تقوم به حجة(((.
و�أجيب :ب�أن احلديث �صححه كبار الأئمة.
قال ابن املنذر“ :وقد ث َّبت هذا احلديث �أحمد و�إ�سحاق ،وهما من معرفة
احلديث باملو�ضع الذي ال يدفعان عنه”(((.
وجاء يف م�سائل الإمام �أحمد برواية ابنه عبداهلل�“ :س�ألت �أبي عن رجل
�ص َّلى خلف ال�صف وحده ،قالُ :يعيد ال�صالة� ،أذهب فيه �إلى حديث
واب�صة بن معبد �أن النبي ﷺ �أمره �أن يعيد ال�صالة”(((.
((( انظر :اختالف احلديث لل�شافعي �ص(.)336
((( انظر :امل�صدر ال�سابق.
((( انظر :امل�صدر ال�سابق.
((( �أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده ،برقم ( ،)18005والرتمذي يف جامعه ،برقم ( ،)231وابن ماجة يف
�سننه ،برقم ( ،)1003و�صححه الألباين يف امل�شكاة ( )345/1برقم (.)1105
((( انظر :بداية املجتهد (� ،)159/1شرح التلقني (.)697/1
((( انظر :الأو�سط (.)184/4
((( انظر :م�سائل الإمام �أحمد برواية ابنه عبداهلل �ص(.)115
ب� -أن �أمره بالإعادة حممول على اال�ستحباب ال الوجوب ،جم ًعا بني الأدلة(((.
ج� -أن �أمره بالإعادة ملعنى كان منه يف ال�صالة ،ال لأنه �ص َّلى خلف ال�صف
وحده(((.
2.2حديث علي بن �شيبان قال� :صليت خلف ر�سول اهلل ﷺ ،فان�صرف
رجل ي�صلي فردًا خلف ال�صف ،فوقف نبي اهلل ﷺ حتى ان�صرف الرجل فر�أى اً
من �صالته ،فقال له« :ا�ستقبل �صالتك ،فال �صالة لفرد خلف ال�صف»(((.
ووجه اال�ستدالل منه :كحديث واب�صة ال�سابق.
ونوق�ش بع ّدة مناق�شات ،منها:
�أ� -أن النفي حممول على نفي الكمال(((.
و�أجيب :ب�أنه مردود؛ لأن النفي �إذا وقع فله ثالث مراتب :املرتبة الأولى
والثانية� :أن يكون نف ًيا للوجود احل�سي ،ف�إن مل يكن فهو نفي للوجود
ال�شرعي� ،أي نفي لل�صحة ،فلما مل ميكن �أن يكون النفي يف احلديث من
قبيل نفي الوجود احل�سي؛ لأنه ميكن �أن يوجد ذلك ب�أن ي�صلي املرء خلف
ال�صف ،فعلم بذلك �أن املق�صود به النفي ال�شرعي� ،أي نفي ال�صحة(((.
ب -لو كانت �صالة الرجل باطلة ملا وقف عليه النبي ﷺ حتى ين�صرف ،بل
كان ي�أمره بالإعادة قبل �إمتامها ،فدل على عدم بطالنها(((.
((( انظر :معامل ال�سنن ( ،)186/1املجموع للنووي (� ،)298/4أ�سنى املطالب (.)223/1
((( انظر :البيان والتح�صيل (.)246/1
((( �أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده ( ،)517/31برقم ( ،)75و�صححه الألباين يف الإرواء (-328/2
.)329
((( انظر :املب�سوط ( ،)192/1بدائع ال�صنائع ( ،)146/1البيان والتح�صيل ( ،)246/1املجموع
(.)298/4
((( انظر :ال�شرح املمتع البن عثيمني (.)270/4
((( انظر :احلاوي الكبري ( ،)341/2املجموع (.)298/4
ج -لو ثبت احلديث فيحتمل �أنه كان بينه وبني الإمام ما مينع االقتداء(((.
�3.3أن من �ص َّلى خلف ال�صف منفردًا فقد خالف املوقف امل�شروع ،فلم ت�صح
�صالته ،كما لو وقف قدام الإمام(((.
�أدلة القول الثالث:
ملا كان القول الثالث م�شرت ًكا مع القول الأ َّول يف �صحة �صالة املنفرد خلف ال�صف،
�إ َّال �أنه زاد عليه الكراهة مطل ًقا ،قالوا:
1.1جم ًعا بني الأدلة يف القولني املتقابلني(((.
2.2ملا كان مدر ًكا لف�ضيلة اجلماعة ،وفاتته ف�ضيلة ال�صف ف�إن حكمه اجلواز مع
الكراهة(((.
�أدلة القول الرابع:
�1.1أن الرخ�صة وردت يف حق املعذور ،فال يلحق به غريه(((.
�2.2أن املر�أة م�أمورة بال�صالة خلف �صفوف الرجال ولو كانت منفردة ،حتى
ال حتاذي الرجال ،ف�إن حماذاتها لهم مف�سدة ل�صالتهم ،فل َّما علمنا
�أن انفرادها لهذه ال�ضرورة دل على �أن االنفراد مع وجود العذر ال يبطل
ال�صالة(((.
�أدلة القول اخلام�س:
1.1حديث ابن عبا�س املتق ّدم ذكره ،ف�إن انفراده عن النبي ﷺ وهو
انظر :بدائع ال�صنائع ( ،)146/1املب�سوط (.)92/1 (((
انظر :الكايف البن قدامة ( ،)300/1ال�شرح الكبري ( ،)64/2ك�شاف القناع (.)490/1 (((
انظر :املجموع (� ،)298/4أ�سنى املطالب (.)223/1 (((
انظر� :شرح التلقني للمازري (� ،)696/1شرح الزرقاين على خليل (.)30/2 (((
انظر :الكايف ( ،)300/1املبدع (.)97/2 (((
انظر :حتفة الفقهاء ( ،)145/1بدائع ال�صنائع (.)218/1 (((
م�ؤمت به كان يف �صالة الليل ،وهي نافلة ،فدل ذلك على �صحة االنفراد يف
النافلة دون الفر�ض.
2.2ما جاز �أن يقف مع ال�صبي يف النفل دون الفر�ض ،ولي�س من �أهل املوقف
علمنا جواز االنفراد بالنفل دون الفر�ض(((.
ونوق�ش :ب�أن �إمامة ال�صبي ملا �صحت يف النفل فكذلك موقفه(((.
�أدلة القول ال�ساد�س:
حديث �أبي بكرة املتق ّدم ذكره.
ووجه اال�ستدالل منه :ما ذكره ابن اجلوزي بقوله“ :ظاهر احلديث النهي عن
�صالة الفذ ،ومن �ص َّلى ومل يعلم بالنهي �أُعلم و�صحت �صالته ،ف�إن علم و�ص َّلى ً
فذا
مل ت�صح”(((.
ونوق�ش :ب�أن التفريق بني العامل واجلاهل ال دليل عليه ،بل الدليل �ضده ،ف�إن
النبي ﷺ �أمر الأعرابي امل�سيء يف �صالته بالإعادة(((.
الرتجيح:
قبل ذكر القول الراجح و�سببه� ،أُ�شري �إلى �سبب اخلالف يف امل�س�ألة ،وهو
االختالف بني �أهل العلم يف ت�صحيح حديث واب�صة وعلي بن �شيبان ،كما ن�ص عليه
ابن ر�شد ،(((ومن هنا ف�إن اخلالف بني �أهل العلم يف هذه امل�س�ألة خالف
معنوي ،وترتتب عليه �آثار فقهية و�إفتائية ،فمن يقول ب�صحة �صالة املنفرد خلف
ال�صف ف�إنه ي�أخذ بحديث �أبي بكرة .ومن يقول بعدم �صحتها ف�إنه يذهب �إلى �أن
انظر� :شرح الزرك�شي (.)111/2 (((
انظر :امل�صدر ال�سابق. (((
انظر :ك�شف امل�شكل (.)15/2 (((
انظر :جمموع الفتاوى البن تيمية (.)397/23 (((
انظر :بداية املجتهد (.)159/1 (((
حديث واب�صة وعلي بن �شيبان خم�ص�صان لعموم حديث �أبي بكرة فال ي�صحح
حينئذ �صالة املنفرد خلف ال�صف ،بل ي�أمره بالإعادة.
والذي يظهر يل بعد الت�أمل يف الأقوال و�أدلة كل قول ،ون�صو�ص الأئمة يف امل�س�ألة،
�أن القول الرابع القائل ب�صحة �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة حال العذر هو
الأقرب وهو الراجح �إن �شاء اهلل ،جم ًعا بني حديث �أبي بكرة وحديث واب�صة وعلي بن
�شيبان ،واجلمع �إذا �أمكن مقدم على الرتجيح ،ثم ذلك �أي ضً� ا �أولى من الأخذ بعموم
حديث �أبي بكرة والقول ب�صحة االنفراد مطل ًقا ،فلي�س فيه ما يدل على ذلك ،بل فيه
ما ُي�شعر ب�ضد ذلك ،وهو قوله ﷺ« :وال َت ُعد» ،مما يدل على �أن ت�صحيحه ل�صالته
اً
م�ستقبل عن العود ملثل ذلك ،واهلل �أعلم. تلك بناء على العذر ،مع نهية
املبحث الثاين
حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا
من العدوى بكورونا امل�ستجد
ملا تقدم يف املبحث الأول �إيراد �أقوال الفقهاء وا�ستدالالتهم ملا ذهبوا �إليه يف حكم
�صالة املنفرد خلف ال�صف ،ف�إن بيان حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من
العدوى بكورونا امل�ستجد ،ال يخرج عما تقدم �إيراده ،وذلك بتخريج �صور هذه النازلة
على تلك الأقوال ،وحتقيق املناط املالئم لها ،بعر�ضها وموازنتها مع �أدلة امل�س�ألة ،ومبا
�أنه تقدم يف التمهيد ذكر �صور االنفراد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا
امل�ستجد ،ف�سيكون تخريج هذه ال�صور وحتقيق مناطها بنا ًء على التق�سيم ال�سابق(((.
وملا تقدم �أن ال�صور تنح�صر يف ثالث ،ب�أحوالها ال�ستة ،وهي:
ال�صورة الأولى :باعتبار ق�صد امل�صلي االحرتاز من عدمه ،فال يخلو من حالني:
�1.1أن يقف خلف ال�صف منفردًا اتفا ًقا ،كما يحدث يف حال اكتمال ال�صف
الأول ،وهذا يقع كث ًريا قبل وباء كورونا امل�ستجد.
�2.2أن يقف خلف ال�صف منفردًا ق�صدً ا واحرتا ًزا ،بحيث لو �أراد الدخول يف
ال�صف ال�ستطاع.
ال�صورة الثانية :باعتبار اكتمال ال�صف من عدمه ،فال يخلو من حالني:
اً
مكتمل �سواء مع وجود التباعد �1.1أن يقف خلف ال�صف منفردًا ،ويكون ال�صف
((( من املعلوم �أن وظيفة الفقيه حني ينظر يف النوازل هي حتقيق املناط ،ف�إذا وجد الو�صف امل�ؤثر يف نوازل
�أخرى ف�إنها تعطى حكمها ،ولكن يبقى �شرط حتقق االنطباق واملالئمة من �أهم ما ينظر فيه الفقيه،
فهذا احلكم ميكن نقله لكل من انفرد خلف ال�صف خ�شية من العدوى ب�أي مر�ض ي�ؤثر على �صحته
ويكون �سب ًبا يف تلف نف�سه �أو ع�ضو من �أع�ضائه.
بني امل�صلني ح�سب املو�صى به من اجلهة املخت�صة� ،أو مع عدم وجود التباعد
بني امل�صلني فال توجد فرجة يف ال�صف.
�2.2أن يقف خلف ال�صف منفردًا ،ويكون ال�صف غري مكتمل �سوا ًء كان بتباعد
�أو عدمه.
ال�صورة الثالثة :باعتبار ات�صال ال�صفوف من عدمه ،فال يخلو من حالني:
�1.1أن يقف خلف ال�صف منفردًا ،مع ات�صال ال�صفوف ب�أن يرتك مو�ضع ال�سجود
�أو مو�ضع �صفني �أو ثالثة ونحوها فقط.
�2.2أن يقف خلف ال�صف منفردًا ،مع التباعد عن ال�صفوف داخل امل�سجد �أو
خارجه ،بحيث ي�سمع �صوت الإمام وال يراه وال يرى �أحدً ا من امل�صلني.
ف�إنه يت�ضح من خالل ذلك �أن ال�ضابط يف �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا
من العدوى بكورونا امل�ستجد هو� :أن يق�صد امل�صلي ال�صالة منفردًا عن ال�صفوف،
�سوا ًء اكتملت ال�صفوف �أم مل تكتمل ،و�سوا ًء �أكان هناك تباعد بني امل�صلني �أم مل
يكن ،و�سواء وقف خلف ال�صف مبا�شرة �أم مل يقف مبا�شرة مع �سماعه �صوت الإمام.
ومن خالل الأو�صاف املذكورة يف هذا ال�ضابط وعر�ضها على الأقوال ال�سابقة
يت�ضح ما يلي:
•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة،
تخريجا على القول الأول.
ً
•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد غري
تخريجا على القول الثاين.
ً �صحيحة،
•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة
تخريجا على القول الثالث.
ً مع الكراهة،
•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة
تخريجا على القول الرابع.
ً بدون كراهة لوجود العذر،
•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة
تخريجا على القول
ً يف النافلة فقط ،ك�صالة الرتاويح �أو الك�سوف �أو العيدين،
اخلام�س.
•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة
تخريجا على القول ال�ساد�س.
ً يف حق اجلاهل باحلكم،
تخريجا هو �صحة �صالة
ً ومن خالل هذا التخريج� ،أقول �إن قول جمهور �أهل العلم
املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد ،على التف�صيل املتقدم ،هذا
من حيث الإجمال واالقت�ضاب� ،أما من حيث التخريج الفقهي لقول بعينه ،وحتقيق املناط
من خالله ،ف�إن �أقرب الأقوال ال�سابقة لهذه النازلة هو القول الرابع ،وهو �أن �صالة املنفرد
خلف ال�صف �صحيحة �إذا كان َّثم عذر ،ولئن كان الفقهاء يرون �أن من الأعذار
عدم وجود فرجة يف ال�صف �إ َّال �أن الواقع يف هذه النازلة هو تعمد امل�صلي ترك الفرجة
ليتحقق بذلك معنى االحرتاز من العدوى وهو وجود التباعد اجل�سدي ،وهذا العذر الذي
يذكره الفقهاء ظاهر املعنى ،فالقيا�س عليه للعذر املالئم �أمر يف غاية املعقولية ،فاملناط
حينئذ هو العذر ،وتقديره حمل اجتهاد الفقيه ،ب�إحلاقه بالأ�شبه به مما ذكره الفقهاء
واعتربوه ،وال ريب �أن ترجيح هذا القول لهذا العذر وهو االحرتاز عن العدوى مما يتوافق
مع �أ�صول ال�شريعة وقواعدها الكلية ومقا�صدها املرعية ،لعدّة اعتبارات� ،أهمها:
�1.1أن االحرتاز من العدوى مع املحافظة على �صالة اجلماعة يف امل�سجد فيه حفظ
لأ�صلني عظيمني ومق�صدين كبريين من املقا�صد اخلم�س التي جاءت ال�شرائع
جممعة على حفظها ،وهي :حفظ النف�س من الوقوع يف الهلكة ولو على �سبيل
الظن ،وحفظ الدين باال�ستجابة لأمر اهلل ب�أداء ال�صالة حيث ينادى بها.
�2.2أن امل�صلي خلف ال�صف باختالف �صوره كما تق ّدم ،قد امتثل ما �أمر به
من عدم �إلقاء نف�سه �إلى التهلكة ،و أ� َّدى ما �أمر به من �أداء ال�صالة حيث
ينادى بها ،ولئن كان قد نق�ص منه بع�ض ما يجب يف الأحوال العادية ،ف�إن
ذلك النق�ص �أولى من تركه العبادة بالكلية وذلك ب�صالته يف بيته ،ولذا
قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية “ :ونظري ذلك �أن ال يجد الرجل موق ًفا
�إ َّال خلف ال�صف فهذا فيه نزاع بني املبطلني ل�صالة املنفرد ،والأظهر �صحة
�صالته يف هذا املو�ضع؛ لأن جميع واجبات ال�صالة ت�سقط بالعجز ،وطرد
هذا �صحة �صالة املتق ّدم على الإمام للحاجة ...و�إذا كان القيام ،والقراءة،
و�إمتام الركوع ،وال�سجود ،والطهارة باملاء وغري ذلك ي�سقط بالعجز فكذلك
اال�صطفاف ،وترك التق ّدم ،وطرد هذا بقية م�سائل ال�صفوف كم�س�ألة من
�ص َّلى ومل ي َر الإمام وال من وراءه مع �سماعه للتكبري وغري ذلك”(((.
�3.3أن من ت�أمل ن�صو�ص ال�شريعة يف االنتقال �إلى البدل عند عدم وجود الأ�صل �أو
عدم القدرة عليه يجدها ت�أتي بالتدرج بني درجة ودرجة ،وال ت�سقط الأحكام
بالكلية جملة واحدة ،ولذا جند �أن امل�صلي خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى لئن
ترك الدرجة الفا�ضلة وهي ال�صف الأ َّول ،وامل�صافة ،و�سد الفرج ،لهذا العذر
القائم ،ف�إنه �أدرك ف�ضيلة اجلماعة وهو بهذا �أف�ضل ممن ترك ال�صالة يف
امل�سجد بالكلية ،ومثل هذا يقال يف �سائر الواجبات يف ال�صالة وغريها ،ونظائر
هذا يف ال�شريعة كثرية ،فمن ذلك �صفة �صالة اخلوف ف�إنها جاءت على هيئات
و�أو�صاف مغايرة للأحوال العادية يف حال الأمن ،مما يدل على اعتبار ال�شريعة
لأمر هذه ال�شعرية العظيمة ،و�أن �سقوط بع�ض ما يجب فيها ال يقت�ضي البتة
القول ب�سقوطها بالكلية ،وهذا معنى معقول جدير بالت�أمل ،وهو ال يتعار�ض مع
الرتخي�ص بال�صالة بالبيت ملن خ�شي على نف�سه ال�ضرر ب�أمر زائد؛ ك�أ�صحاب
الأمرا�ض املزمنة ونحوهم ممن يغلب على ظنه وقوع ال�ضرر ،ف�إن ه�ؤالء معذورون
بالرخ�صة ال�شرعية ،و�أولئك �آخذون بالعزمية مع االحرتاز ،وكلهم بف�ضل اهلل
وح�سن نواله ي�ؤتى �أجره اً
كامل ما دام العذر قائ ًما وف�ضل اهلل ورحمته وا�سعة.
�4.4أن معقولية املعنى يف العذر �أمر البد منه يف احلكم للنازلة ،لكن ذلك ال
يقت�ضي املطابقة من كل وجه لآحاد الأعذار مع تعددها على اختالف النوازل،
((( انظر :جمموع الفتاوى البن تيمية (.)397 -396/23
و�إال مل ي�صح تخريج حكم نازلة على ما �سلف من الأقوال وتقدم ،ولذا جند
من دقيق فهم الإمام مالك ملعنى العذر و�شموليته �أنه قال“ :وال ب�أ�س
على �أهل اخليل �أَن ُي�صلُّوا ب�إمام متباعدينِ ،
حل َ�صا َن ِة خيلهم”..... ،
يل من �صالتهم � ً
أفذاذا((( ،فانظر قال عنه علي يف املجموعة((( :وهو أَ� َح ُّب �إ َّ
�إلى هذا العذر من حيث متعلقه ،ف�إنه متعلق بدوا ّبهم ،على �أي تف�سري قيل
مبعنى ح�صانة خيلهم ،ثم ت�أمل يف الرتجيح بني �صالة املتباعدين و�صالة
الفرادى ،وهذا من الفقه الدقيق ،خ�صو�صً ا مع طول العذر وا�ستمراره كحال
النا�س اليوم مع جائحة كورونا امل�ستجد.
�5.5أن �أدلة الأقوال الأخرى املتقدمة يف �أ�صل امل�س�ألة مل ت�سلم من الإيرادات
واملناق�شات ،وهذا ي�ضعف الأخذ بها ،فرتجيح �صحة �صالة املنفرد خلف
ال�صف لهذا العذر جا ٍر على قواعد ال�شريعة ومت�سق معها ،كما يف قوله
( :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن ،]16 :وقوله ( :ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة ،]286 :وقوله �« :إذا �أمرتكم ب�أمر
ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم»(((.
قال الألباين �“ :إذا مل ي�ستطع الرجل �أن ين�ضم �إلى ال�صف ف�ص َّلى وحده،
فهل ت�صح �صالته؟ ،الأرجح ال�صحة ،والأمر بالإعادة حممول على من مل ي�ستطع
القيام بواجب االن�ضمام”(((.
((( علي هو ابن زياد التون�سي ،من تالميذ الإمام مالك (ت183هـ) ،واملجموعة :كتب ا�شتهرت بهذا اال�سم
تن�سب ملحمد بن �إبراهيم بن عبدو�س (ت260هـ) ،واعتربها ابن �أبي زيد من م�صادره يف الكتاب،
انظر :النوادر والزيادات ( ،)10/1درا�سات يف م�صادر الفقه الإ�سالمي ملوراين �ص ،148-140اً
نقل
عن :اختالف �أقوال مالك و�أ�صحابه �ص.21
((( انظر :النوادر والزيادات (.)295/1
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،برقم (.)7288
((( انظر� :إرواء الغليل (.)329/2
اخلامتة
يف ختام هذا البحث �أحمد اهلل تعالى على توفيقه ،وعونه ،وتي�سريه ،وفيما يلي
�أبرز النتائج:
�1.1أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد ،له �صور
متعددة ،ويجمعها �ضابط واحد هو� :أن يق�صد امل�صلي ال�صالة منفردًا عن
ال�صفوف� ،سوا ًء اكتملت ال�صفوف �أم مل تكتمل ،و�سوا ًء �أكان هناك تباعد بني
امل�صلني �أم مل يكن ،و�سوا ًء وقف خلف ال�صف مبا�شرة �أم مل يقف مبا�شرة مع
االقتداء بالإمام وعدم قطع ات�صال ال�صفوف.
�2.2أن �أهل العلم اختلفوا يف حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف على �ستة �أقوال،
هي � اً
إجمال :اجلواز مطل ًقا ،وعدم اجلواز مطل ًقا ،واجلواز مطل ًقا مع الكراهة،
واجلواز مع العذر بال كراهة ،واجلواز يف النفل دون الفر�ض ،واجلواز يف حق
اجلاهل دون العامل.
�3.3أرجح الأقوال و�أو�سطها القول باجلواز مع وجود العذر ،وبه جتتمع الأدلة.
�4.4أن ال�شريعة بقواعدها الكلية ومقا�صدها املرعية راعت الأعذار يف ال�صالة
وجاءت بتقديرها ،ف�أباحت ترك الواجبات عند العجز عنها� ،أو خ�شية
ال�ضرر بفعلها كما هو حمل الدرا�سة وهو االنفراد عن ال�صف وترك �سد
الفرج ،وهذا تو�سط بني الأقوال بحيث ي�صلي امل�سلم مع �أخذه باالحرتازات،
خ�صو صً� ا و�أن هذا الوباء �سريع االنت�شار وقد تطول مدة بقائه.
9.9البيان يف مذهب الإمام ال�شافعي .لأبي احل�سني يحيى بن �أبي اخلري بن
�سامل العمراين اليمني ال�شافعي (ت558 :هـ) .حتقيق :قا�سم حممد النوري.
النا�شر :دار املنهاج بجدة ،ط1421 ،1 :هـ2000 -م.
1010البيان والتح�صيل وال�شرح والتوجيه والتعليل مل�سائل امل�ستخرجة ،لأبي الوليد
حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي (ت520 :هـ) ،حققه :د .حممد حجي و�آخرون،
النا�شر :دار الغرب الإ�سالمي ببريوت -لبنان ،ط1408 ،2 :هـ1988-م.
1111التاج والإكليل ملخت�صر خليل ،لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف بن �أبي القا�سم
بن يو�سف العبدري الغرناطي ،املواق املالكي (ت897 :هـ) ،النا�شر :دار
الكتب العلمية ،ط1416 ،1 :هـ1994-م.
1212التجريد ،لأبي احل�سني القدوري� ،أحمد بن حممد بن �أحمد بن جعفر بن
حمدان (ت428 :هـ) ،حتقيق� :أ.د .حممد �أحمد �سراج� ،أ.د .علي جمعة
حممد ،النا�شر :دار ال�سالم ،القاهرة ،ط1427 ،2 :هـ2006 -م.
1313حتفة الفقهاء ،لأبي بكر عالء الدين حممد بن �أحمد بن �أبي �أحمد
ال�سمرقندي (ت :نحو 540هـ) ،النا�شر :دار الكتب العلمية ببريوت -لبنان،
ط1414 ،2 :هـ 1994 -م.
1414التعريفات .لعلي بن حممد بن علي الزين ال�شريف اجلرجاين (ت816 :هـ)،
�ضبطه و�صححه جماعة من العلماء ب�إ�شراف النا�شر :دار الكتب العلمية
بريوت -لبنان ،ط1403 ،1 :هـ 1983-م.
1515التلقني يف الفقة املالكي ،لأبي حممد عبدالوهاب بن علي بن ن�صر الثعلبي
البغدادي املالكي (ت422 :هـ) ،حتقيق� :أبي �أوي�س حممد بو خبزة احل�سني
التطواين ،النا�شر :دار الكتب العلمية .ط1425 ،1 :هـ2004-م.
1616التهذيب يف اخت�صار املدونة .خللف بن �أبي القا�سم حممد .الأزدي
القريواين� ،أبو �سعيد ابن الرباذعي املالكي (ت372 :هـ) .درا�سة وحتقيق:
الدكتور حممد الأمني ولد حممد �سامل بن ال�شيخ .النا�شر :دار البحوث
للدرا�سات الإ�سالمية و�إحياء الرتاث بدبي .ط1423 ،1 :هـ2002 -م.
�إ�سماعيل القا�ضي -ال�سيد عزت املر�سي -حممد بن عو�ض املنقو�ش � -صالح بن
�سامل امل�صراتي -عالء بن م�صطفى بن همام � -صربي بن عبداخلالق ال�شافعي،
النا�شر :مكتبة الغرباء الأثرية باملدينة النبوية .ط 1417 ،1 :هـ 1996 -م.
3232فتح الباري �شرح �صحيح البخاري ،لأحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل
الع�سقالين ال�شافعي ،قام ب�إخراجه :حمب الدين اخلطيب ،تعليقات :ال�شيخ
ابن باز ،النا�شر :دار املعرفة ،بريوت1379 ،هـ.
3333فتح العزيز ب�شرح الوجيز = ال�شرح الكبري .لعبدالكرمي بن حممد الرافعي
القزويني (ت623 :هـ) .النا�شر :دار الفكر.
3434الفروع.لأبي عبداهلل حممد بن مفلح بن حممد بن مفرج� ،شم�س الدين
املقد�سي الرامينى ثم ال�صاحلي احلنبلي (ت763 :هـ).ومعه :ت�صحيح
الفروع .لعالء الدين �أبي احل�سن علي بن �سليمان املرداوي الدم�شقي
ال�صاحلي احلنبلي (ت885 :هـ) ،حتقيق :د.عبداهلل بن عبداملح�سن
الرتكي ،النا�شر :م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط1424 ،1 :هـ 2003 -م.
3535الكايف يف فقه الإمام �أحمد .لأبي حممد موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن
حممد بن قدامة اجلماعيلي املقد�سي ثم الدم�شقي احلنبلي .ال�شهري بابن
قدامة املقد�سي (ت620 :هـ) .النا�شر :دار الكتب العلمية .ط1414 ،1 :هـ
1994 -م.
3636ك�شاف القناع عن منت الإقناع ،لل�شيخ من�صور بن يون�س بن �صالح الدين ابن
ح�سن بن �إدري�س البهوتى احلنبلى (ت1051 :هـ) ،حتقيق :جلنة متخ�ص�صة
يف وزارة العدل ،النا�شر :وزارة العدل باململكة العربية ال�سعودية ،ط،1 :
1428هـ 2007 -م ،و�أي�ضا :طبعة دار الكتب العلمية.
3737ل�سان العرب ،البن منظور جمال الدين حممد بن مكرم الأن�صاري ،النا�شر:
دار �صادر ببريوت ،ط 1414 ،3 :هـ.
3838املبدع يف �شرح املقنع ،لربهان الدين �أبي �إ�سحاق �إبراهيم بن حممد بن
عبداهلل بن حممد ابن مفلح (ت884 :هـ) ،النا�شر :دار الكتب العلمية
فهر�س املحتويات
املقدمة181 .........................................................................
التمهيد ,وفيه مطلبني185 .........................................................:
املطلب الأ َّول :املق�صود مبفردات العنوان 185 ...................................
املطلب الثاين� :صور �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى
بكورونا امل�ستجد187 .........................................................
املبحث الأ َّول :حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف 189 ................................
املبحث الثاين :حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى
بكورونا امل�ستجد 201 ............................................................
اخلامتة 206 ........................................................................
قائمة امل�صادر واملراجع 207 .......................................................
�إعداد:
د .فاطمة علي فهد الأحمدي
الأ�ستاذ امل�ساعد بق�سم ال�رشيعة يف كلية ال�رشيعة والأنظمة
جامعة الطائف
د .فاطمة علي فهد األمحدي
كورونا
ملخص البحث
يتناول هذا البحث الأحكام الفقهية املتعلقة بامليت باملر�ض املعدي (كورونا)
أمنوذجا ،وذلك من خالل الأحكام الفقهية والطبية يف هذه النازلة ،من حيث غ�سل
� ً
امليت باملر�ض املعدي كورونا ،وتكفينه ،وال�صالة عليه ،ودفنه ،وقد جاء البحث يف
مقدمة ،ومتهيد ،و�أربعة مباحث ،وخامتة.
�أما املقدمة :فقد ا�شتملت على �أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره ،و�أهداف البحث،
والدرا�سات ال�سابقة ،ومنهج البحث ،وخطته ،وا�شتمل التمهيد على التعريف باملر�ض
املعدي (كورونا) و�أ�سبابه ،واملبحث الأول :غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)،
وفيه مطلبان :املطلب الأول :حكم غ�سل امليت ،واملطلب الثاين :حكم غ�سل من مات
باملر�ض املعدي (كورونا) ،واملبحث الثاين :تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)،
وفيه ثالثة مطالب :املطلب الأول :حكم تكفني امليت ،واملطلب الثاين :حكم تكفني
امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ،واملطلب الثالث� :صورة تكفني امليت باملر�ض املعدي
(كورونا) ،و�أما املبحث الثالث فقد تناولت فيه ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي
(كورونا) ،وفيه مطلبان :املطلب الأول :حكم ال�صالة على امليت ،واملطلب الثاين:
حكم ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ،وجاء املبحث الرابع يف دفن امليت
باملر�ض املعدي (كورونا) ،وفيه ثالثة مطالب :املطلب الأول :حكم دفن امليت ،املطلب
الثاين :حكم دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ،واملطلب الثالث :حكم الدفن يف
املقابر اجلماعية يف حالة تف�شي وباء (كورونا).
وكان من �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها� :أن املر�ض املعدي :هو �أي مر�ض ت�سببه
جرثومة معدية ميكن انتقالها بطريق مبا�شر �أو غري مبا�شر �إلى الإن�سان �أو احليوان
�أو الطائر ،و�أن فريو�سات كورونا هي ف�صيلة كبرية من الفريو�سات التي قد ت�س ّبب
املر�ض للحيوان والإن�سان ،و�أنها ت�س ّبب لدى الب�شر حاالت عدوى اجلهاز التنف�سي
التي ترتاوح حدتها من نزالت الربد ال�شائعة �إلى الأمرا�ض الأ�شد وخامة مثل
،)متالزمة ال�شرق الأو�سط التنف�سية واملتالزمة التنف�سية احلادة الوخيمة (ال�سار�س
وال تنطبق �أو�صافه على فريو�س كورونا،و�أن الطاعون نوع خا�ص من �أنواع الأوبئة
.املعا�صر
، والتكفني، الغ�سل،19- كوفيد، كورونا امل�ستجد، املر�ض املعدي:الكلمات املفتاحية
. امليت، اجلنائز، الدفن،ال�صالة
Abstract
This research deals with the jurisprudential provisions related to
the death of contagious disease (Corona) as a model, through the
jurisprudence and medical provisions in this downward, in terms of
washing the dead with coronary disease, shrouding it, praying on it
and burying it, the research came in the introduction, prelude, and
four topics, And a conclusion.
The introduction: included the importance of the topic and the
reasons for his choice, and research objectives, previous studies,
research methodology, and his plan, and included the boot on the
definition of the disease contagious (corona) and its causes, and the
first topic: the washing of the Dead contagious disease (Corona),
in which two demands: first demand: The ruling on washing the
dead, and the second requirement: The ruling on washing the person
who died with contagious disease (corona), and the second topic:
shrouding the dead with contagious disease (corona), and it has
three demands: the first demand: the rule of shrouding the dead,
and the second requirement: the rule of shrouding the dead with
disease prepared me (SK), and the third demand: image shrouding
Dead disease contagious (Corona), and the topic of the Olathe dealt
with it Prayer for the deceased disease contagious (Corona), in
كورونا
which two demands: Almt the first core of the prayer for the dead
rule, and the second requirement: Ruling on praying for the dead
of the disease contagious (Corona), came the fourth section in the
burial of the deceased disease contagious (Corona), in which three
demands The first requirement: the rule of burial of the dead, the
second requirement: the ruling of the burial of the dead person with
infectious disease (SK), and the third requirement: the ruling of
burial in mass graves in the event of an epidemic (corona).
Among the most important results that I reached, including: that
an infectious disease: is any disease caused by an infectious bacterium
that can be transmitted directly or indirectly to humans, animals or
birds, and that corona viruses are a large group of viruses that may
cause disease to animals and humans, and that they are Humans cause
respiratory infections that range from common cold to more severe
diseases such as Middle Eastern Respiratory Syndrome and severe
acute respiratory syndrome (SARS), and that plague is a special type
of epidemic, and its descriptions do not apply to the contemporary
Corona virus.
Key words: infectious disease, new corona, coffed19, washing,
shrouding, prayer, burial, funerals, dead.
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،والعاقبة للمتقني ،وال عدوان �إال على الظاملني ،ون�شهد �أن
ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له ويل ال�صاحلني ،ون�شهد �أن �سيدنا ونبينا حممدً ا عبده
ور�سوله �إمام الأنبياء واملر�سلني ،و�أف�ضل خلق اهلل �أجمعني� ،صلوات اهلل و�سالمه
عليه ،وعلى �آله و�صحبه والتابعني لهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين� ،أما بعد:
ف�إنِّ الفقه يف الدين من �أعظم ما ُ�صرفت فيه الأوقات ،و أُ�نفقت يف حت�صيله وطلبه
الأموال ،وله ُت�شد الرحال ،كما �أنه عالمة ملن �أراد اهلل به خ ًريا يف احلياة ،وقد
بينّ ذلك النبي ﷺ يف احلديث الذي �أخرجه البخاري وم�سلم عن معاوية � أن
اهلل ُي ْع ِطي، اهلل ِب ِه َخيرًْ ا ُي َف ِّق ْه ُه فيِ الدِّ ِينَ ،و ِ�إنمَّ َ ا �أَ َنا َق ِا�س ٌم َو ُ
النبي ﷺ قال«َ :منْ ُي ِر ِد ُ
هلل ،ال َي ُ�ض ُّرهُ ْم َمن َخا َل َف ُه ْم َحتَّى َي�أْ ِت َي �أَ ْم ُر هذ ِه الأُ َّم ُة َقا ِئ َم ًة َع َلى �أَ ْم ِر ا ِ
َو َلنْ تَزَ َال ِ
هلل»(((.
ا ِ
وملا كان الأمر كذلك؛ كان على �أهل العلم �أن يبينوا للنا�س الأحكام الفقهية
املتعلقة بالعبادات واملعامالت ،وغري ذلك من �أبواب الفقه الأخرى؛ حتى تكون
العبادة واملعاملة على الوجه ال�صحيح كما �أراد اهلل ،ور�سوله ﷺ.
وقد تنزل بالأمة بع�ض النوازل التي حتتاج لبيان الأحكام الفقهية املتعلقة
بها ،ومن ذلك هذا الوباء اخلطري (فريو�س كورونا امل�ستجد) الذي اجتاح البالد
والعباد يف العديد من الدول ،والذي ترتب عليه تعليق اجلمع واجلماعات بامل�ساجد،
((( �صحيح البخاري -كتاب العلم -باب :من يرد اهلل به خريا يفقهه يف الدين -حديث رقم (،21/1)71
�صحيح م�سلم -كتاب الزكاة -باب النهي عن امل�س�ألة -حديث رقم (.407/1 )2439
كورونا
كورونا
الأوبئة ،وحكم دفن املوتى بالأوبئة يف قرب واحد �إذا كانوا جمموعة ،وجاء
هذا التناول خمت�ص ًرا جدً ا ،ويف حاجة �إلى مزيد �إي�ضاح.
الدرا�سة الرابعة� :أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا «التغ�سيل
وال�صالة والدفن والعزاء» ،د /بلخري طاهري الإدري�سي ،وهو بحث من�شور
على موقع مكتبة نور على �شبكة الإنرتنت.
وقد جاءت هذه الدرا�سة يف �ستة مباحث :املبحث الأول :حرمة الإن�سان يف
القانون والأديان ،واملبحث الثاين :حكم تغ�سيل �أو تيمم امليت عند املالكية،
واملبحث الثالث :حكم الكفن للميت ،واملبحث الرابع :حكم الدفن وكيفيته؟،
واملبحث اخلام�س :حكم ال�صالة على امليت مبر�ض معدي �أو مل ي�ص َّل عليه،
واملبحث ال�ساد�س� :أحكام تتعلق بالعزاء يف زمن الوباء.
وبالنظر والت�أمل يف هذا البحث وجدت �أنه قد تناول هذه امل�سائل يف مذهب
املالكية ،وتعر�ض للعديد من امل�سائل ب�صورة خمت�صرة ،و�أما بحثي هذا فقد
تناولت فيه امل�سائل املتعلقة بامليت امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا) من خالل
املذاهب الفقهية املعتمدة ،وفتاوى املجامع الفقهية ،وغريها ،ب�صورة مو�سعة.
الدرا�سة اخلام�سة :الأحكام الفقهية املتعلقة بامل�صاب باملر�ض املعدي :عادل
مبارك مهدي املطريات ،بحث من�شور يف جملة الدرا�سات العربية ،جامعة
املنيا ،كلية دار العلوم ،عدد ( ،)42جملد ( ،)3يونيو 2011م .جاء هذا
البحث يف مقدمة ،وثالثة مباحث ،وخامتة :املبحث الأول :تعريف املر�ض
املعدي و�أمثلة له ،واملبحث الثاين� :أحكام امل�صاب باملر�ض املعدي يف باب
النكاح ،واملبحث الثالث� :أحكام امل�صاب باملر�ض املعدي يف باب الطالق،
وخامتة فيها �أهم النتائج.
والناظر يف هذه الدرا�سة يجد �أنها تختلف عن درا�ستي؛ وذلك �أنها تناولت ما
يتعلق بامل�صاب باملر�ض املعدي يف الأحوال ال�شخ�صية من الزواج والطالق،
ومل تتعر�ض لأحكام اجلنائز للم�صاب باملر�ض املعدي.
ومن خالل النظر والت�أمل يف هذه الدرا�سات ال�سابقة وجدت �أنها تختلف عن درا�ستي
هذه ،ذلك �أن هذه الدرا�سات جاءت ب�صورة خمت�صرة للأحكام الفقهية املتعلقة باملوت
باملر�ض املعدي «كورونا» ،ومنها من �أغفل هذه الأحكام ،ومنها من حتدث عن بع�ضها
باخت�صار ،ومنهم من مل يتطرق �إليها ،من �أجل ذلك جاءت هذه الدرا�سة لتكون بح ًثا
فقه ًيا مقار ًنا يجمع هذه الأحكام املتعلقة بامليت باملر�ض املعدي «كورونا» يف �ضوء الطب
املعا�صر والفقه الإ�سالمي ،وفتاوى املجامع الفقهية ،ودور الفتوى.
راب ًعا :منهج البحث.
اتبعت يف هذا البحث املنهج اال�ستقرائي ،والو�صفي التحليلي ،با�ستقراء مو�ضوعات
البحث ،وحتليلها ،وبيان حكمها ،وذلك باتباع اخلطوات الآتية:
1.1الرجوع �إلى امل�صادر الأ�صلية ،يف اجلمع ،والتوثيق ،ودرا�سة امل�س�ألة الواردة
يف البحث ،مع اال�ستفادة من املراجع احلديثة.
2.2عزو الآيات القر�آنية �إلى مواطنها يف القر�آن الكرمي ،بذكر ا�سم ال�سورة،
ورقم الآية.
3.3تخريج الأحاديث النبوية ال�شريفة من م�صادرها الأ�صلية خ�صو�صً ا الكتب
الت�سعة ،و�إذا كانت يف غري ال�صحيحني (البخاري وم�سلم) �أذكر كالم �أهل
احلديث فيها ،من حيث ال�صحة وال�ضعف.
4.4بيان و�شرح معاين الكلمات وامل�صطلحات الغربية الواردة يف البحث.
5.5عزو الن�صو�ص ،و�آراء العلماء �إلى كتبهم ،وتوثيق �أقوال املذاهب من الكتب
املعتمدة من كل مذهب.
خام�سا :خطة البحث:
ً
اقت�ضت طبيعة البحث �أن يكون يف مقدمة ،ومتهيد ،و�أربعة مباحث ،وخامتة.
�أما املقدمة :فقد ا�شتملت على �أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره ،و�أهداف البحث،
كورونا
التمهيد
التعريف باملر�ض املعدي (كورونا) و�أ�سبابه
كورونا
كورونا
بذلك نخل�ص �إلى �أن املر�ض املعدي :هو �أي مر�ض ت�سببه جرثومة معدية ميكن
انتقالها بطريق مبا�شر �أو غري مبا�شر �إلى الإن�سان �أو احليوان �أو الطائر(((.
ومن هنا يتبني �أن الأمرا�ض العادية غري املعدية التي ت�صيب اجل�سم ال تنتقل
بالعدوى من �إن�سان لآخر ،وهي رمبا تكون وراثية كالناعور(((� ،أو غذائية تنجم عن
نق�ص مواد غذائية معينة �أو زيادة يف تناولها كنق�ص الربوتينات �أو الفيتامينات،
�أو ب�سبب هرموين ك�أمرا�ض الغدد �أو لأ�سباب خلقية ت�صيب اجلنني وهو ال يزال
يف رحم �أمه ،وهناك �أمرا�ض تنتج عن تكاثر اخلاليا الع�شوائية كالأورام ال�سليمة
وال�سرطانية ،وهناك �أمرا�ض تنتج عن �أ�سباب متعددة جمتمعة كداء ال�سكري و�ضغط
الدم وغريهما(((.
د .التعريف باملر�ض املعدي (فريو�س كورونا امل�ستجد)
فريو�سات كورونا هي :ف�صيلة كبرية من الفريو�سات التي قد ت�سبب املر�ض
للحيوان والإن�سان ،ومن املعروف �أن عددًا من فريو�سات كورونا ت�سبب لدى الب�شر
حاالت عدوى اجلهاز التنف�سي التي ترتاوح حدتها من نزالت الربد ال�شائعة �إلى
الأمرا�ض الأ�شد وخامة مثل :متالزمة ال�شرق الأو�سط التنف�سية ،واملتالزمة التنف�سية
احلادة الوخيمة (ال�سار�س) ،وي�سبب فريو�س كورونا املُكت�شف م�ؤخ ًرا مر�ض فريو�س
كورونا كوفيد.19-
ومر�ض كوفيد 19-هو مر�ض ُم ٍعد ي�سببه فريو�س كورونا املُكت�شف م�ؤخ ًرا ،ومل
((( �أحكام نقل الأمرا�ض املعدية :ح�سام ح�سن ح�سني� ،ص .11
((( الناعور ( :)Hemophiliaهو مر�ض وراثي ناجم عن نق�ص ب�أحد عوامل تخرث الدم ،يتجلى بنزيف
متكرر يف الأع�ضاء الداخلية ،خا�صة باملفا�صل .يحمل �صبغي اجلن�س الأنثوي ،ال�صبغي ( ،)Xاجلني
الطافر الذي ينقل املر�ض ،لذلك ي�صاب الذكور باملر�ض يف حني الإناث يحملن املر�ض ويبقني معافيات،
غري م�صابات باملر�ض.
ينظر.https://www.webteb.com/hematology/ :
((( العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع :د /حممد نزار الدقر ،ينظرhttps://draldaker. :
� ،wordpress.com/أحكام نقل الأمرا�ض املعدية :ح�سام ح�سن ح�سني� ،ص .11
يكن هناك �أي علم بوجود هذا الفريو�س ،وهذا املر�ض امل�ستجد قبل اندالع الفا�شية
يف مدينة يوهان ال�صينية يف كانون الأول /دي�سمرب 2019م(((.
وقد جاء التعريف بفريو�س كورونا امل�ستجد يف تو�صيات الندوة الفقهية الطبية
الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل ب�أنه« :مر�ض الفريو�س التاجي 2019املعروف
اخت�صا ًرا بكوفيد 19-هو التهاب يف اجلهاز التنف�سي ب�سبب فريو�س تاجي جديد،
وقد �أعلنت منظمة ال�صحة العاملية ر�سم ًيا �أن هذا الوباء جائحة عاملية يف 11مار�س
2020م .و ُيظن �أن الفريو�س حيواين املن� أش� يف الأ�صل ،ولكن احليوان اخلازن غري
معروف حتى الآن ب�شكل م�ؤكد ،وهناك �شبهات حول اخلفا�ش و�آكل النمل ،و�أما انتقاله
من �إن�سان لآخر فقد ثبت �أنه وا�سع االنت�شار ،وترتاوح العدوى بني حامل الفريو�س
من دون �أعرا�ض �إلى �أعرا�ض �شديدة ،ت�شمل احلمى وال�سعال و�ضيق التنف�س (يف
احلاالت املتو�سطة �إلى ال�شديدة)؛ قد يتطور املر�ض خالل �أ�سبوع �أو �أكرث من معتدل
�إلى حاد(((.
هـ .هل ُيعد املر�ض املعدي «فريو�س كورونا» طاعو ًنا؟
الطاعون يف اللغة :املر�ض العام والوباء الذي يف�سد له الهواء فتف�سد له الأمزجة
والأبدان(((.
وبعبارة �أخرى الطاعون“ :دا ٌء َو َر ِم ٌّي وبائي �سببه مكروب ي�صيب الفئران ،وتنقله
الرباغيث �إلى فئران �أخرى و�إلى الإن�سان”(((.
و�أما الطاعون يف اال�صطالح :فقد عرفه الإمام النووي “ :الطاعون :قروح
https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for- (((
public/q-a-coronaviruses
((( تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل ،منظمة املتعاون الإ�سالمي،
بعنوان« :فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد )19-وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية ،املنعقد
(بوا�سطة الفيديو عن ُبعد) يف � 23شعبان 1441هـ-املوافق � 16أبريل 2020م ،جدة ،ال�سعودية� ،ص .4-3
((( ل�سان العرب ،مادة (طعن) .265/13
((( املعجم الو�سيط( ،طعن) .558/2
كورونا
تخرج يف اجل�سد فتكون يف الآباط �أو املرافق �أو الأيدي �أو الأ�صابع و�سائر البدن،
ويكون معه ورم و�أمل �شديد ،وتخرج تلك القروح مع لهيب وي�س ّو ّد ما حواليه �أو يخ�ض ّر
�أو يحم ّر حمرة بنف�سجية كدرة ويح�صل معه خفقان القلب والقيء”(((.
ومن هذا التعريف يتبني �أن الطاعون مر�ض خم�صو�ص ب�أعرا�ض معينة ،ولي�س
معد يعد طاعو ًنا �إال بالقيا�س �أو املجاز.
كل وباء ٍ
ويرى الإمام ابن القيم � أن بني الوباء والطاعون عموم وخ�صو�ص؛ فكل
طاعون وباء ،ولي�س كل وباء طاعو ًنا ،وكذلك الأمرا�ض العامة �أعم من الطاعون؛
ف�إنه واحد منها�( .أي :الطاعون �أحد �أنواع الأوبئة) ،حيث يقول“ :والتحقيق �أن بني
عموما وخ�صو صً� ا ،فكل طاعون وباء ،ولي�س كل وباء طاعونا ،وكذلك الوباء والطاعون ً
الأمرا�ض العامة �أعم من الطاعون ،ف�إنه واحد منها ،والطواعني خراجات وقروح
و�أورام رديئة حادثة يف املوا�ضع املتقدم ذكرها”((( ،وهو ما ذكره اخلليل بن �أحمد
الطاعون ،وهو �أي ضً� ا ك ّل َم َر�ض عا ّم ،تقول� :أ�صاب �أهل الكورة العام فقال“ :الوباءّ :
أر�ض َو ِبئة� ،إذا كرث َم ْر ُ�ضها ،وقد ا�ستوب�أتها وقد َو ُب�ؤَت َت ْو ُب�ؤُ َوباء ًة� ،إذا
وباء �شديد ..و� ٌ
كَثرُ ت �أمرا�ضها”(((.
و�أما عن تعريف الطاعون يف الطب املعا�صر ،ف�إن منظمة ال�صحة العاملية عرفت
الطاعون ب�أنه« :مر�ض من الأمرا�ض املعدية املوجودة لدى بع�ض �صغار الثدييات
والرباغيث املعتمدة لها .وقد ُي�صاب النا�س بالطاعون �إذا ما تعر�ضوا للدغ الرباغيث
احلاملة للعدوى ،ويظهر عليهم ال�شكل الدبلي للطاعون .وقد يتطور الطاعون الدبلي
((( �شرح النووي على م�سلم ،لأبي كريا يحيى بن �شرف بن مري النووي (ت676 :هـ) ،204 /14 ،ط /دار
�إحياء الرتاث العربي -بريوت ،الطبعة الثانية1392 ،هـ.
((( زاد املعاد يف هدي خري العباد ،ملحمد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية (ت:
751هـ) ،ط /م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت -مكتبة املنار الإ�سالمية ،الكويت ،الطبعة :ال�سابعة والع�شرون,
1415هـ 1994/م ،والعني :للخليل .209/2
((( معجم العني ،للخليل بن �أحمد الفراهيدي (ت175 :هـ) ،418/8 ،ط /دار ومكتبة الهالل ،حتقيق :د/
مهدي املخزومي / ،د �إبراهيم ال�سامرائي.
يف بع�ض الأحيان ليتحول �إلى طاعون رئوي ،وذلك عندما ت�صل البكترييا �إلى الرئتني.
وانتقال الطاعون من �شخ�ص �إلى �آخر �أم ٌر ممكنٌ من خالل ا�ستن�شاق رذاذ اجلهاز
التنف�سي امل�صاب بالعدوى من �شخ�ص م�صاب بالطاعون الرئوي(((.
وبناء على ما �سبق ،وقع اخلالف بني العلماء يف ت�صنيف فريو�س كورونا وغريه
من الأوبئة املنت�شرة هل تعد طاعو ًنا �أم ال؟
القول الأول� :أن «فريو�س كورونا» يف حكم الطاعون ،وقد قال بهذا القول من �أهل
العلم املعا�صرين ف�ضيلة ال�شيخ /عبدالعزيز �آل ال�شيخ املفتي العام للمملكة
العربية ال�سعودية ،وف�ضيلة ال�شيخ /عبداملح�سن العباد البدر ،وغريهم(((.
القول الثاين� :أن «فريو�س كورونا» ال ي�أخذ حكم الطاعون؛ لأن الطاعون نوع خا�ص
من �أنواع الأوبئة ،وال تنطبق �أو�صافه على هذا الفريو�س ،وقد قال بهذا بع�ض
�أهل العلم منهم ال�شيخ /حممد بن �صالح العثيمني “ :والطاعون قيل:
�إنه نوع معني من املر�ض ي�ؤدي �إلى الهالك ،وقيل� :إن الطاعون كل مر�ض
فتاك منت�شر ،مثل الكولريا ،فاملعروف �أنها �إذا وقعت يف �أر�ض ف�إنها تنت�شر
ب�سرعة ،واحلمى ال�شوكية ،وغريها من الأمرا�ض التي يعرفها الأطباء،
وجنهل كث ًريا منها .فهذه الأمرا�ض التي تنت�شر ب�سرعة وت�ؤدي �إلى الهالك
ي�صح �أن نقول� :إنها طاعون حقيقة� ،أو حك ًما.
ولكن الظاهر من ال�سنة خالف ذلك؛ لأن الر�سول ﷺ َع َّد ال�شهداء فقال:
«املطعون واملبطون»((( ،وهذا يدل على �أن من �أ�صيب بداء البطن غري من
((( .https://www.who.int/features/qa/plague/ar/
((( الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون مع درا�سة فقهية للأحكام املتعلقة بفريو�س كورونا� ،أبو
عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري� ،ص ،8الطبعة الأولى 1441هـ2020/م ،بدون بيانات نا�شر ،و�إذا
رجحنا هذا القول ونظرنا ملا ذكره �أهل الطب املعا�صر يف �أ�شكال الطاعون ف�إن فريو�س كورونا النازل
ي�شبه �أن يكون من النوع الثاين من �أنواع الطاعون �أال وهو الطاعون الرئوي ،واهلل �أعلم .ينظر :الأحكام
ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون ،لأبي عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري� ،ص .8
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه -كتاب اجلهاد وال�سري -باب ال�شهادة �سبع �سوى القتل -حديث رقم
( ،550/2 )2866ط /جمعية املكنز الإ�سالمي ،القاهرة ،الطبعة الأولى 1421هـ ،و�أخرجه م�سلم =
كورونا
وي�ؤكد هذا ما ُذكر من دخول هذا الفريو�س �إلى املدينة املنورة قبل عدة �سنني،
واهلل �أعلم(((.
ثان ًيا� :أ�سباب املر�ض املعدي
يمُ كن �أن حتدُث الأمرا�ض املُعدية ب�سبب:
1.1البكترييا :تلك الكائنات وحيدة اخللية م�سئولة عن حدوث �أمرا�ض مثل التهاب
وال�س ِّل.
احللق العقدي ،وعدوى اجلهاز البويلُ ،
2.2الفريو�سات :ت�سبب الفريو�سات ،وهي كائنات �أ�صغر من البكترييا ،العديد
من الأمرا�ض والتي ترتاوح من نزالت الربد وحتى الإيدز.
3.3الفطريات :حتدُث العديد من الأمرا�ض اجللدية مثل ال�سعفة والقدَ م الريا�ضي
ب�سبب الفطريات .بينما يمُ كن �أن ُت�سبب �أنواع �أخرى من الفطريات عدوى يف
الرئتني �أو اجلهاز الع�صبي.
4.4الطفيليات :حتدث الإ�صابة باملالريا نتيجة التعر�ض لطفيل �صغري للغاية
ينتقل عن طريق لدغة البعو�ض .بينما قد تنتقل بع�ض الطفيليات الأخرى
�إلى الإن�سان عرب ف�ضالت احليوانات.
5.5االت�صال املبا�شر :ت َْ�س ُهل الإ�صابة مبعظم الأمرا�ض املعدية عند االت�صال
حيوان يحمل العدوى .ويمُ كن �أن تنت�شر الأمرا�ض املعدية
ٍ �شخ�ص �أو
ٍ مع
باالت�صال املبا�شر كما يلي(((:
•من �شخ�ص لآخرَ .ي�شيع انت�شار الأمرا�ض املعدية عرب االنتقال املبا�شر
= ون�ص احلديث :معاذة بنت عبداهلل العدوية قالت :دخلت على عائ�شة فقالت :قال ر�سول اهلل ﷺ« :ال
تفنى �أمتي �إال بالطعن والطاعون قلت يا ر�سول اهلل :هذا الطعن قد عرفناه ،فما الطاعون؟ قال :غدة
كغدة البعري املقيم بها كال�شهيد والفار منها كالفار من الزحف».
((( الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون� ،أبو عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري� ،ص .8
((( https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/infectious-diseases/symptoms-
causes/syc-20351173
كورونا
للبكترييا �أو الفريو�سات �أو غريها من اجلراثيم من �شخ�ص �إلى �آخر .وقد
م�صاب بالبكترييا �أو الفريو�س �إن�سا ًنا
ٌ َيحدُث ذلك حني يالم�س �إن�سا ٌن
�سلي ًما �أو ُي َق ِّبله �أو ي�سعل �أو يعط�س ناحيته.
•من حيوان �إلى �شخ�ص .يمُ كن �أن ُت�صاب باملر�ض من خالل التع ُّر�ض
حيوان موبوء -حتى �إن كان حيوا ًنا �ألي ًفا -وقد
ٍ للع�ض �أو اخلد�ش من ِقبل ِّ
يكون ذلك مميتًا يف حاالت �شديدة .كما �أن التعامل مع ف�ضالت احليوانات
يمُ كن �أن يكون خط ًرا �أي ضً� ا(((.
6.6االت�صال غري املبا�شر :ميكن �أن تنتقل الكائنات التي ت�سبب املر�ض �أي�ضً ا من
خالل االت�صال غري املبا�شر .وقد يعي�ش الكثري من اجلراثيم على الأج�سام
غري احلية ،مثل �أ�سطح الطاوالت �أو مقاب�ض الأبواب �أو ال�صنابري.
7.7لدغات احل�شرات :تعتمد بع�ض اجلراثيم على ح�شرات حاملة للمر�ض -مثل
النامو�س �أو الرباغيث �أو القمل �أو القراد -لالنتقال من م�ضيف �إلى �آخر.
ُتعرف حامالت املر�ض هذه بناقالت العدوى .ميكن للنامو�س حمل طفيل
املالريا �أو فريو�س غرب النيل .قد يحمل ُقراد الغزالن البكترييا التي ت�سبب
داء (اليمْ ).
8.8تلوث الطعام :ميكن �أن ت�صيبك �أي ضً� ا اجلراثيم امل�سببة للأمرا�ض من
خالل الطعام واملاء امللوث .ت�سمح �آلية االنتقال هذه انت�شار اجلراثيم للعديد
من الأ�شخا�ص من خالل م�صدر واحد .على �سبيل املثال ،ف�إن البكترييا
الإ�شريكية القولونية ( )E. coliهي بكترييا موجودة يف �أطعمة معينة -مثل
الهامربغر غري املطهو جيدً ا �أو ع�صري الفاكهة غري املب�سرت(((.
https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/infectious-diseases/symptoms- (((
causes/syc-20351173
((( املرجع ال�سابق.
املبحث الأول
غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
وفيه مطلبان:
املطلب الأول
حكم غ�سل امليت
كورونا
خرج خمرج تعليم ل�صفة الغ�سل ال خمرج الأمر به :مل يقل بوجوبه ،ومن ر�أى �أنه
يت�ضمن الأمر وال�صفة قال :بوجوبه”(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
ا�ستدل جمهور الفقهاء على �أن غ�سل امليت امل�سلم واجب على الكفاية� ،إذا قام به
البع�ض �سقط الإثم عن الباقني ب�أدلة من ال�سنة ،واملعقول ،وذلك كما يلي:
� اً
أول :من ال�سنة النبوية� :أحاديث منها:
•احلديث الأول :عن �أم عطية الأن�صارية ،قالت :دخل علينا ر�سول اهلل
ﷺ حني توفيت ابنته ،فقال« :اغ�سلنها ثال ًثا� ،أو ً
خم�سا� ،أو �أكرث من ذلك �إن
ر�أينت ذلك ،مباء و�سدر ،واجعلن يف الآخرة كافورا �-أو �شي ًئا من كافور -ف�إذا
فرغنت ف�آذنني» ،فلما فرغنا �آذناه ،ف�أعطانا حقوه ،فقال�« :أ�شعرنها �إياه»
تعني �إزاره(((.
ويف رواية مل�سلم عن �أم عطية ،قالت :دخل علينا النبي ﷺ ونحن نغ�سل ابنته،
خم�سا� ،أو �أكرث من ذلك� ،إن ر�أينت ذلك ،مباء فقال« :اغ�سلنها ثال ًثا� ،أو ً
و�سدر ،واجعلن يف الآخرة كافو ًرا �أو �شي ًئا من كافور ،ف�إذا فرغنت ف�آذنني»،
فلما فرغنا �آذناه ف�ألقى �إلينا حقوه ،فقال�« :أ�شعرنها �إياه»(((.
وجه الداللة :يف قوله ﷺ« :اغ�سلنها»� ،أمر يدل على وجوب الغ�سل لها ول�سائر
�أموات امل�سلمني ،وقوله فيما بعد�« :إن ر�أينت ذلك» راجع �إلى العدد ال �إلى الغ�سل،
((( بداية املجتهد ونهاية املقت�صد :لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي
ال�شهري بابن ر�شد احلفيد (املتوفى595 :هـ) ،266/1 ،ط /مطبعة م�صطفى البابي احللبي و�أوالده،
م�صر ،الطبعة الرابعة1395 ،هـ1975/م.
((( �صحيح البخاري -كتاب اجلنائز -باب غ�سل امليت وو�ضوئه باملاء وال�سدر -حديث رقم ()� ،صحيح
م�سلم -كتاب اجلنائز -باب يف غ�سل امليت -حديث رقم (.368/1 )2211
((( �صحيح م�سلم -كتاب اجلنائز -باب يف غ�سل امليت -حديث رقم (.369/1 )2216
كورونا
قال الإمام النووي معناه�“ :إن احتجنت ،ولي�س معناه التخيري وتفوي�ض
ذلك �إلى �شهوتهن ،وكانت �أم عطية غا�سلة للميتات ،وكانت من فا�ضالت
ال�صحابيات ال�ضارية ،وا�سمها :ن�سيبة-ب�ضم النون ،وقيل :بفتحها”(((.
•احلديث الثاين :عن ابن عبا�س ،قال :بينما رجل واقف بعرفة� ،إذ
وقع عن راحلته ،فوق�صته �-أو قال :ف�أوق�صته -قال النبي ﷺ« :اغ�سلوه
مباء و�سدر ،وكفنوه يف ثوبني ،وال حتنطوه ،وال تخ ّمروا ر�أ�سه ،ف�إنه يبعث يوم
القيامة ُملب ًيا»(((.
وجه الداللة :يف قوله ﷺ« :اغ�سلوه مباء و�سدر» ،ب�صيغة الأمر الدالة على
الوجوب ،وهو على الكفاية؛ رف ًعا للحرج املحتم �إن كان واج ًبا عين ًيا ،وال يوجد
عاما ل�سائر امل�سلمنيدليل على خ�صو�صية هذا الرجل بهذا احلكم ،فيكون ً
الذين هم ميوتون يف مثل حاله.
ثان ًيا :املعقول:
ا�ستدلوا باملعقول على وجوب غ�سل امليت امل�سلم على �سبيل الكفاية ،بعدة �أوجه منها:
•الوجه الأول :على القول ب�أن الآدمي ال يتنج�س باملوت(((؛ فالغ�سل واجب
للحدث ،وهو يتحقق بالبع�ض فيكون وجوبه كفائ ًيا؛ لأن املوت ال يخلو عن �سابقة
حدث؛ لوجود ا�سرتخاء املفا�صل ،وزوال العقل ،وهو القيا�س يف احلي ،والبدن
يف حق التطهري ال يتجز�أ ،فوجب غ�سله كله� ،إال �أنا اكتفينا بغ�سل هذه الأع�ضاء
الظاهرة حال احلياة (�أع�ضاء الو�ضوء وما وقع عليها النجا�سة) دف ًعا للحرج
((( �شرح النووي على م�سلم.3 /7 :
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه -كتاب اجلنائز -باب الكفن يف ثوبني -حديث رقم (،237/1 )1277
و�أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب احلج -باب ما يفعل باملحرم �إذا مات -حديث رقم (.487/1 )2948
((( وهذا قول حممد بن احل�سن من احلنفية ومال �إليه بع�ض ال�شافعية ،وهو �أ�صح القولني عند ال�شافعية؛
لأن الآدمي مكرم ،ولأنه لو تنج�س ملا حكم بطهارته بالغ�سل ك�سائر احليوانات التي حكم بنجا�ستها
باملوت ،والآدمي يطهر بالغ�سل .ينظر :بدائع ال�صنائع ،299/1 :املجموع.140/5 :
لغلبة وجود احلدث يف كل وقت .حتى �إن خروج املني عن �شهوة ملا كان ال يكرث
وجوده مل يكتف فيه �إال بالغ�سل ،وال حرج بعد املوت ،فوجب غ�سل الكل(((.
•الوجه الثاين :على القول ب�أن الآدمي يتنج�س باملوت((( ،فالغ�سل واجب لق�ضاء
حق امليت ب�إزالة النجا�سة ،وكونه على الكفاية ل�صريورة حقه مق�ض ًيا بفعل
البع�ض ،ويحكم بطهارة امليت امل�سلم بالغ�سل كرامة له.
فكانت الكرامة -عند �أ�صحاب هذا القول -يف احلكم بالطهارة عند وجود ال�سبب
املطهر يف اجلملة -وهو الغ�سل -ال يف املنع عند حلول النجا�سة (((.
�أدلة القول الثاين:
ا�ستدل املالكية على ا�ستحباب غ�سل امليت امل�سلم مبا �أخرجه احلاكم و�صححه،
عن �أبي بن كعب ،عن النبي ﷺ قال« :ملا ح�ضر �آدم قال لبنيه :انطلقوا
فاجنوا يل من ثمار اجلنة ،قال :فخرج بنوه فا�ستقبلتهم املالئكة فقالوا� :أين تريدون
يا بني �آدم؟ قالوا :بعثنا �أبونا لنجني له من ثمار اجلنة ،قال :ارجعوا فقد كفيتم».
قال« :فرجعوا معهم حتى دخلوا على �آدم ،فلما ر�أتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو
�إلى �آدم وتلت�صق به ،فقال لها �آدم� :إليك عني �إليك عني ،فمن قبلك �أتيت خل بيني
وبني مالئكة ربي قال :فقب�ضوا روحه ،ثم غ�سلوه وحنطوه وكفنوه ،ثم �صلوا عليه ،ثم
حفروا له ثم دفنوه ،ثم قالوا :يا بني �آدم هذه �سنتكم يف موتاكم ،فكذاكم فافعلوا»(((.
بدائع ال�صنائع� ،299/1 :شرح فتح القدير.106/2 : (((
وهو قول جمهور احلنفية وامل�شهور عند املالكية والقول الثاين عند ال�شافعية؛ لأن الآدمي حيوان دموي (((
فيتنج�س باملوت ك�سائر احليوان .قالوا :ولذا لو حمل ميتًا قبل غ�سله ال ت�صح �صالته ،ولو كان للحدث
ل�صحت كحمل املحدث� ،إال �أن الآدمي امل�سلم خ�ص باعتبار جنا�سته املوتية زائلة بالغ�سل تكر ًميا بخالف
الكافر ف�إنه ال يطهر بالغ�سل .ينظر :مواهب اجلليل ،208/2 :املنتقى ،4/2 :مغني املحتاج.333/1 :
بدائع ال�صنائع� ،299/1 :شرح فتح القدير ،106/2 :ورجح الكا�ساين وابن الهمام هذا القول -الذي (((
عمل بالدليلني� :إثبات النجا�سة عند وجود �سبب النجا�سة ،واحلكم عليه جمهور احلنفية -لأن فيه اً
بالطهارة عند وجود ما له �أثر يف التطهري.
امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم -كتاب اجلنائز -حديث رقم ( ،495/1 )1275ط /دار الكتب (((
العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى1411 ،هـ1990 -م ،حتقيق :م�صطفى عبدالقادر عطا ،وقال احلاكم:
هذا حديث �صحيح الإ�سناد ،ومل يخرجاه.
كورونا
وجه الداللة:
�أن يف قوله« :هذه �سنتكم يف موتاكم» دليل على �أن غ�سل امليت �سنة ،ولي�س واج ًبا
كما جاء يف هذا احلديث.
ونوق�ش هذا الدليل:
ب�أن املق�صود بال�سنة يف هذا احلديث :الطريقة امل�ستقيمة ال ق�سيم الواجب،
ثم �إن ال�سنة املطلقة يف معنى الواجب ،والنا�س قد توارثوا غ�سل امليت من لدن �آدم
� إلى يومنا هذا ،فكان تاركه م�سي ًئا لرتكه ال�سنة املتوارثة(((.
القول الراجح:
من خالل ما تقدم من ذكر �أقوال الفقهاء و�أدلتهم يف حكم غ�سل امليت امل�سلم،
يتبني لنا �أن القول الراجح هو ما ذهب �إليه �أ�صحاب القول الأول ،وهم جمهور
الفقهاء �أن غ�سل امليت امل�سلم واجب على �سبيل الكفاية �إذا قام به البع�ض �سقط
الإثم عن الباقني ،وذلك لقوة �أدلتهم ،و�سالمتها من املعار�ضة ،وهذا القول هو الذي
يتفق مع تكرمي الإ�سالم للإن�سان ح ًيا وميتًا ،اً
ف�ضل عن جتديد اليقني باليوم الآخر،
ففي هذا الغ�سل تعبري عن حقيقة لقاء اهلل تعالى املحتوم؛ لأن الغ�سل طهارة وجتهيز
للقاء امللك ،كما يف ال�صالة(((.
املطلب الثاين
حكم غ�سل من مات باملر�ض املعدي (كورونا)
وفيه فرعان:
الفرع الأول :حكم تعذر غ�سل امليت
قد يتعذر يف بع�ض الأحوال تغ�سيل امليت ل�سبب من الأ�سباب؛ مثل �أن يكون امليت
((( بدائع ال�صنائع.306 ،299/1 :
((( �أحكام غ�سل امليت :د� /سعد الدين م�سعد الهاليل� ،ص 20وما بعدها ،ط /مكتبة الإميان ،املن�صورة،
بدون تاريخ.
قد احرتق ج�سده ،ولو ُغ ِّ�سل باملاء لتف�سخ� ،أو احرتق حتى �صار رمادًا� ،أو رمبا كان
�سبب وفاته مر�ضً ا من الأمرا�ض املعدية كاجلذام والطاعون وغريها من الأمرا�ض
بحيث لو ُغ ِّ�سل لرمبا انتقل املر�ض �إلى ُم َغ ِّ�س ِل ِه.
وبا�ستعرا�ض �أقوال الفقهاء و�أئمة املذاهب يف هذه امل�س�ألة نرى �أنهم اختلفوا على
قولني:
القول الأول :ذهب �إلى جواز ترك الغ�سل واالنتقال منه �إلى �صب املاء من غري
دلك ،ف�إن تعذر انتقل �إلى التيمم ،وهذا ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من
احلنفية((( ،واملالكية((( ،وال�شافعية((( ،واحلنابلة(((.
ال�ص ِع ِيد”(((.
“منْ َت َع َّذ َر ُغ ْ�س ُلهُ؛ ِل َع َد ِم َما ُي ْغ َ�س ُل ِب ِه َف ُي َي َّم ُم ِب َّ
جاء يف العنايةَ :
ال�صب عليه من غري خ�شية ويف ال�شرح الكبري“ :و�صب على جمروح �أمكن َّ
�صب املاء عليه �إن مل
تزلع((( ما ٌء من غري ذلك؛ كمجدور ونحوه ،ف ُي ُّ تقط ٍع �أو ٍ ُّ
تقطعه ...ف�إن مل يمُ كن ب�أن خيف ما َذ َك َر يمُ ِّ َم”(((.
َي َخ ْف تز ُّلعه �أو ُّ
وقال النووي �“ :إذا تع ّذر غ�سل امليت لفقد املاء �أو احرتق بحيث لو
ُغ ِّ�سل ل َت َه َّرى ،مل ُي َغ َّ�سل بل ُي َي َّمم ،وهذا التيمم واجب؛ لأنه تطهري ال يتعلق
ب�إزالة جنا�سة ،فوجب االنتقال فيه عند العجز عن املاء �إلى التيمم كغ�سل
العناية �شرح الهداية.261/16 : (((
ال�شرح الكبري� ،410/4 :شرح اخلر�شي على خمت�صر خليل.117/2 : (((
املجموع� ،178/5 :إعانة الطالبني.127/2 : (((
املبدع ،240/2 :ال�شرح الكبري.337/2 : (((
العناية �شرح الهداية ،261/16 :ط /دار الفكر ،بريوت ،الطبعة الثانية. (((
تز ّلعه� :أي ت�س ّلخه .ينظر� :شرح الزرقاين على خمت�صر خليل ،155 /1 :ط /دار الكتب العلمية بريوت، (((
واملعنى� :أن املجدور واملح�صوب واملجروح وذا القروح ومن ته�شم حتت الهدم و�شبههم� ،إن �أمكن
تغ�سيلهم غ�سلوا و�إال ُ�ص ّب عليهم املاء من غري ذلك �إن �أمكن ،ف�إن زاد �أمرهم على ذلك� ،أو ُخ�شي من
�صب املاء تز ّلع �أو تقطع ميموا .ينظر� :شرح اخلر�شي على خمت�صر خليل.117/2 :
ال�شرح الكبري.410/4 : (((
كورونا
ملدوغا بحيث لو ُغ َّ�سل ل َت َه َّرى �أو خيف على الغا�سل يمُ ِّ م ملا
ً اجلنابة ،ولو كان
ذكرناه”(((.
وقال يف املبدع“ :ومن تع ّذر غ�سله لعدم املاء �أو عذر غريه؛ كاحلرق واجلذام
والتب�ضيع يمُ ِّ م؛ لأن غ�سل امليت طهارة على البدن ،فقام التيمم عند العجز
عنه مقامه؛ كاجلنابة.(((”...
القول الثاين :ذهب �إلى �أن امليت �إذا تع ّذر غ�سله وخيف من التهري �أو �إ�سراع
غ�سل وال ُيي ّمم ،وهو وجه عند ال�شافعية(((. البلى �إليه بعد الدفن� ،أنه ُي ّ
الأدلة:
دليل القول الأول :ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول على �أن امليت �إذا تعذر غ�سله
غ�سل ب�أن :غ�سل امليت تطهري ال وخيف عليه من التهري بالغ�سل� ،أنه ُيي ّمم وال ُي ّ
يتعلق ب�إزالة النجا�سة ،فوجب االنتقال فيه عند العجز عن املاء �إلى التيمم،
كاحلي اجلنب الذي ي�ؤذيه املاء(((.
غ�سل وال ُيي ّمم
دليل القول الثاين :ا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين على �أن امليت ُي ّ
ب�أن :املوتى �صائرون �إلى البلى ،بخالف اخلوف على اجلنب من املر�ض
با�ستعمال املاء(((.
وميكن اجلواب عن ذلك:
ب�أن هناك فر ًقا كب ًريا بني البلى الذي ي�صري �إليه املوتى بحكم �سنة اهلل يف
الأر�ض ،وبني ما يكون ب�سبب الإن�سان ،مع وجود البديل ال�شرعي وهو التيمم(((.
((( املجموع� ،178/5 :إعانة الطالبني.127/2 :
((( املبدع.240/2 :
((( ذكره �إمام احلرمني والغزايل و�آخرون من اخلرا�سانيني .ينظر :املجموع ،134/5 :رو�ضة الطالبني.108/2 :
((( املب�سوط ،112/1 :ال�شرح ال�صغري ،545/1 :املجموع ،134/5 :رو�ضة الطالبني ،108/2 :الرو�ض
املربع ،335/1 :املغني.540/2 :
((( املجموع ،134/5 :رو�ضة الطالبني.108/2 :
((( �أحكام غ�سل امليت :د� .سعد الهاليل� ،ص .206
املناق�شة والرتجيح(((:
1.1جمهور الفقهاء متفقون على وجوب غ�سل امليت عند تع ّذر املوانع ،بل �إن
بع�ضهم نقل الإجماع على �أن ذلك من فرو�ض الكفاية.
2.2كما يرى اجلمهور �أنه عند تع ّذر غ�سل امليت على وفق ما ورد يف ال�شريعة
ل�سبب مانع من حرق �أو مر�ض يغلب على الظن ت�ضرر الغا�سل �أو املغ�سول،
ف�إنه ي�سقط الغ�سل مع الدلك ،وي�صار �إلى �صب املاء على امليت من غري دلك،
و�إال انتقل �إلى التيمم.
3.3كما يرى بع�ض العلماء �سقوط التيمم عند تعذر الغ�سل -كما هو يف الرواية
الثانية عند احلنابلة -بنا ًء على �أن الق�صد من غ�سل امليت هو التنظيف ،وهو
ال يتحقق بالتيمم .في�صلى عليه واحلالة هذه من غري غ�سل وال تيمم.
)44.4ذهب بع�ض املعا�صرين من �أهل العلم �إلى �أن امليت �إذا تع ّذر غ�سله ب�سبب
معد يخاف من انتقاله �إلى مغ�سله ،ف�إنه ي�صار �إلى التيمم ،و�أنه �إذا
مر�ض ٍ
قرر املخت�صون من �أهل الطب خطورة الغ�سل والتيمم على من با�شره ،ف�إنه
ي�صلى عليه من غري غ�سل وال تيمم.
�5.5أن القول ب�سقوط الغ�سل والتيمم ال ي�صار �إليه �إال بعد اتخاذ الإجراءات
الوقائية الالزمة ملنع انتقال عدوى املر�ض �إلى املبا�شرين للغ�سل �أو التيم،
و�أن يكون �أولئك املبا�شرون من �أهل الدربة واالخت�صا�ص يف التعامل مع هذه
احلاالت املر�ضية.
الفرع الثاين :حكم غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
اختلف الفقهاء يف حكم غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا) على قولني(((:
((( وحدة البحث العلمي ،ب�إدارة الإفتاء ،وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية بالكويت.
((( النوازل يف اجلنائز :ر�سالة ماج�ستري يف الفقه ،كلية ال�شريعة ،جامعة الإمام حممد بن �سعود
الإ�سالمية بالريا�ض ،للباحث /عبدالرحمن بن �إبراهيم بن حممد املر�شد1432 ،هـ� ،ص 117وما
بعدها (بت�صرف).
كورونا
القول الأول� :أنه يجب تغ�سيل امليت ،مع الأخذ باالحتياطات الواجبة يف ذلك،
وهي فتوى اللجنة الدائمة(((().
تخريجا على م�س�ألة ما �إذا كان املاء ي�ؤدي �إلى
ً غ�سل وال ُيي ّمم،
القول الثاين :ال ُي ّ
غ�سل وال يكفن حماية له ،فكذلك يف تز ّلغ جلد امليت ،وتقطعه ،فقالوا :ال ُي ّ
م�س�ألتنا ،حماية للمغ�سل ،وهو قول احلنابلة(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول على ما ذهبوا �إليه ب�أنه يجب تغ�سيل امليت امل�صاب
باملر�ض املعدي ،مع الأخذ باالحتياطات الواجبة يف ذلك بالأدلة الآتية:
• الدليل الأول :الإجماع علي �أن غ�سل امليت فر�ض كفاية ،وهو من الأموات
فالواجب غ�سله(((.
•الدليل الثاين� :أن الأمرا�ض املعدية ال ُتنقل بنف�سها ،بل ب�أمر اهلل وتقديره،
وعليه فال يكون املر�ض املعدي �سب ًبا ملنع التغ�سيل(((.
•الدليل الثالث� :أن خمالطة املري�ض �سبب للعدوى ،فيجب االتقاء من ذلك
ب�أخذ االحتياطات ،والو�سائل الواقية(((.
جامع الفتاوى والأحكام الطبية ،د /عبدالعزيز بن فهد بن املح�سن ،رقم ( ،)14658ط /دار القا�سم، (((
2004م.
الفروع ،164/2 :الإن�صاف ،505/2 :ال�شرح املمتع.375/5 : (((
ممن ن�ص على الإجماع :الكا�ساين يف بدائع ال�صنائع ،299/1 :والكمال بن الهمام يف �شرح فتح (((
القدير ،105/2 :والنووي يف �شرح �صحيح م�سلم.129/8 :
فتاوى اللجنة الدائمة -املجموعة الثانية ،-اللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ،جمع (((
وترتيب� :أحمد بن عبدالرزاق الدوي�ش ،279 /1 ،فتوى رقم 14658وتاريخ 1412/4/15هـ ،ط/
الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ،النوازل يف اجلنائز :عبدالرحمن املر�شد� ،ص .117
فتاوى اللجنة الدائمة -املجموعة الثانية .279/1 -النوازل يف اجلنائز :عبدالرحمن املر�شد.117 ، (((
كورونا
جاء يف فتاوى اللجنة اجلواب على ال�س�ؤال (�آمل �إفادتنا حول بع�ض حاالت
الوفاة لدى امل�ست�شفى ,حيث �إن بع�ض هذه احلاالت معدية جدً ا مثل نق�ص
املناعة ( الإيدز) وبع�ض حاالت الوفاة مبر�ض الكبد الوبائي ,حيث �إن هذه
الأمرا�ض يذكر الأطباء �أنها معدية ...ف�آمل �إفادتنا ب�ش�أن تغ�سيلها من عدمه,
�أو تيممها بالرتاب ,وهل ُيفتح كي�س البال�ستيك� ,أو ييمم فوق البال�ستيك �إذا
كان التيمم يجوز خ�شية العدوى؟
اجلواب:
يتم تغ�سيل املوتى يف احلاالت املذكورة كغريهم من املوتى ,والأمرا�ض املذكورة ال
ُتعدي بطبعها ,لأن هذا من اعتقاد اجلاهلية ,فهم ي�ضيفون الفعل �إلى غري اهلل ,ولكن
قد يقع مب�شيئة اهلل تعالى ب�سبب املخالطة للمري�ض �شيء من العدوى ,ولذلك ال مانع
من اتخاذ الو�سائل الواقية من التطعيم واللثام والكفون ,ونحوها من الو�سائل)(((.
وفيما يلي بع�ض الفتاوى والتو�صيات ال�صادرة عن املجامع الفقهية ب�ش�أن غ�سل
امليت بفريو�س كورونا امل�ستجد:
� اًأول :مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية:
�أو�ضح مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية ،حكم تغ�سيل وتكفني ا َمليت
غ�سل
مبر�ض وبائي كـ (كورونا) ،مو�ضحا �أنَّ الأ�صل فيمن مات من امل�سلمني �أن ُي َّ
اجلنازة؛ ولكن يف زمن انت�شار الأوبئة وخوف العدوى التي و ُيك َّفن و ُي�ص َّلى عليه �صالة ِ
املخت�صة �أ َّنها تنتقل مبخالطة ا َمليت املُ َ�صاب؛ ف�إن كان هناك
َّ ُتث ِبت اجلهات ِّ
الطب َّية
فريق متخ�ص�ص يف تغ�سيل وتكفني ودفن �أمثال هذه احلاالت َي ِعرف �إجراءات الوقاية
و�أحكام َّ
ال�شريعة اخلا�صة بهذه الأمور؛ فتوليه �أمر ال ُغ�سل والتَّكفني خ ٌ
ري و�أولى.
((( فتاوى اللجنة الدائمة -املجموعة الثانية ،-اللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ،جمع
وترتيب� :أحمد بن عبدالرزاق الدوي�ش ،279 /1 ،فتوى رقم 14658وتاريخ 1412/4/15هـ ،ط/
الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ،جامع الفتاوى والأحكام الطبية / ،عبدالعزيز بن فهد بن
املح�سن رقم ( ،)14658النوازل يف اجلنائز :عبدالرحمن املر�شد� ،ص .120-119
ب�صب
ِّ فعندئذ ُيك َت َفى
ٍ �سل وتكفني، و�س ِّلم املتو َّفى لأهله دون ُغ ٍ و�إنْ مل َيحدُث ُ
املاء عليه و�إمراره فقط ب�أي طريقة كانت دون تدليكه ،مع وجوب �أخذ كل التَّدابري
غ�سل بدلةحلجرة ،وارتداء املُ ِّ غ�سل ،من تعقيم ا ُ االحرتازية ملنع انتقال املر�ض �إلى املُ ِّ
وقائية ،وفر�ض كل ُ�س ُبل الوقاية من ِق َبل �أهل االخت�صا�ص يف ذلك قبل القيام ب�إجراء
�صب املاء خ�شية انتقال تعذر ُّ ال ُغ�سل؛ من ًعا من �إحلاق الأذى مبن يبا�شر ذلك .و�إن َّ
طريق املاء امل�صبوب على ج�سم امل ِّيت يمُ ِّ َم َك َت َي ُّم ِم ِه َّ
لل�صالة. العدوى عن ِ
و�صل الغبار م�سه لأجل التيمم ولو بخرقة ُت ِ تعذر �إي�صال املاء �إليه� ،أو َّ
تعذر ُّ و�إذا َّ
مبا�شرة على وجهه ويديه عند تف�شي الوباء ،و�سرعة انت�شار العدوى ،وكرثة امل�صابني؛
احل ِّي �أَو َلى من ا َمل ِّيت؛ ولكن ال
احلرج ودُفن دون غ�سل �أو تيمم؛ فاحلفاظ على َ ُ ُرف َع
أخف -مما ُذكر� -إال ب�ضرورة مانع ٍة ِمن ِف ْعل الأَ�صل ،ك ُّلُينتَقل ِمن الأَ ْ�صل �إلى ُ�صورة � ّ
حال ٍة بح�سبها(((.
ثان ًيا :تو�صيات البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني ،للمجل�س الأوروبي
للإفتاء والبحوث:
جاء فيها�« :إن تغ�سيل امليت امل�سلم على اختالف بني الفقهاء يف حكمه ،فجمهورهم
على الوجوب ،ويف قول عند املالكية واحلنفية �أنه �سنة م�ؤكدة ،وهو خالف معترب
فهم الوجوب� ،أو الو�سببه� :أن الغ�سل ُنقل بالعمل ال بالقول ،والعمل لي�س له �صيغة ُت ِ
تفهمه ،كما �أنه ورد على �سبيل التعليم له ،ال الأمر به ،والراجح هو وجوب الغ�سل
لكنه ال ُيقدر عليه �إال يف الأحوال الطبيعية ،أ� ّما يف الأحوال اال�ستثنائية ك�أوقات الأوبئة
والطواعني فيجوز ترك التغ�سيل والتيمم(((.
واملعلوم اليوم لدى الأو�ساط ال�صحية �أن التغ�سيل �أو التيمم مع �أخذ االحتياطات
((( ينظر :الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19مركز الأزهر العاملي للفتوى
الإلكرتونية� ،ص 103وما بعدها ،الطبعة الأولى 1441هـ2020 -م.
((( البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني ،للمجل�س الأوروبي للإفتاء والبحوث املنعقدة بتقنية ()zoom
التوا�صلية يف الفرتة من � 4-1شعبان 1441هـ ،املوافق 28-25مار�س 2020م� ،ص .23
كورونا
َ«ما ِمنْ َع ْب ٍد َي ُكونُ فيِ َب َل ٍد َي ُكونُ ِفي ِه [يعني :الطاعون ومثله كل وباء] ،وَيمَ ْ ُكثُ ِفي ِه َال
َي ْخ ُر ُج ِمنَ ال َب َل ِد�َ ،صا ِب ًرا محُ ْ ت َِ�س ًباَ ،ي ْع َل ُم �أَ َّن ُه َال ُي ِ�صي ُب ُه �إِ اَّل َما َكت ََب اللهَّ ُ َلهُ� ،إِ اَّل َكانَ َل ُه
ِم ْث ُل �أَ ْج ِر َ�ش ِه ٍيد»(((.
ومع �أجر ال�شهادة� ،إال �أن الأ�صل يف جنازته غ�سله وتكفينه وال�صالة عليه ،ف�إن
تي�سر ذلك بدون �ضرر على الغا�سل واملكفن وامل�صلي ،ب�أن تتخذ االحتياطات الوقائية
الالزمة واملتعارف عليها لعدم انتقال العدوى �إليه فهو الأ�صل ،و�إال فيتبع جمهز
اجلنازة ما �أمكن قدر امل�ستطاع ،ولو �أن ير�ش باملاء ويكفن ،ذلك �أن القاعدة ال�شرعية
املتفق عليها تقرر �أن املي�سور ال ي�سقط باملع�سور ،واهلل �سبحانه وتعالى يقول( :ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة.]286 :
((( �صحيح البخاري -كتاب القدر -باب قل لن ي�صيبنا �إال ما كتب اهلل لنا -حديث رقم (/3 )6701
.1339-1338
كورونا
املبحث الثاين
تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
املطلب الأول
حكم تكفني امليت
وجاء يف املجموع �شرح املهذبَ “ :ت ْك ِف ُني المْ َ ِّي ِت َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة ِبال َّن ِّ�ص َوا ِلإ ْج َما ِع َو ِ�إ َّن ُه
وع ُه ِمنْ ُم َك َّل ٍفَ ,حتَّى َل ْو َك َّف َن ُه َ�ص ِب ٌّي �أَ ْو مجَ ْ ُنو ٌن َح َ�ص َل ال َّت ْك ِف ُني ِل ُو ُجو ِد ال ُي ْ�شترَ َُط ُو ُق ُ
المْ َ ْق ُ�صو ِد”(((.
وجاء يف ك�شاف القناعَ (“ :ف ْ�ص ٌل فيِ ا ْل َك َف ِن)َ ،و َت َق َّد َم �أَنَّ َت ْك ِفي َن ُه َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة...,
( َي ِج ُب َك ْفنُ المْ َ ِّي ِت) فيِ َما ِل ِه.(((”...
القول الثاين:
�أن تكفني امليت امل�سلم �سنة ولي�س فر�ضً ا ،وهذا القول هو ما ذهب �إليه ابن يون�س
من املالكية(((.
ويناق�ش :مبا قاله احلطاب“ :ال خالف يف وجوب ما ي�سرت العورة ،وما حكي عن
ابن يون�س من �أن التكفني �سنة يحمل على ما زاد على �سرت العورة؛ �إذ ال خالف يف
وجوب �سرتها”(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
ا�ستدل جمهور الفقهاء على �أن تكفني امليت امل�سلم فر�ض كفاية� ،إذا قام به
البع�ض �سقط الإثم عن الباقني ،ب�أدلة من ال�سنة ،واملعقول:
� اً
أول :من ال�سنة النبوية:
•الدليل الأول :عن ابن عبا�س ،قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :الب�سوا من
ثيابكم البيا�ض ف�إنها من خري ثيابكم ،وك ِّفنوا فيها موتاكم»(((.
((( .188/5
((( .103/2
((( مواهب اجلليل.209/2 :
((( املرجع ال�سابق.209 /2 :
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه -كتاب الطب -باب يف الأمر بالكحل -حديث رقم ( ،653/2 )3880ط /جمعية
املكنز الإ�سالمي ،القاهرة ،الطبعة الأولى 1421هـ ،والرتمذي يف �سننه -كتاب اجلنائز -باب ما ي�ستحب =
كورونا
وجه الداللة :يف ظاهر الأمر بالتكفني ،والأمر للوجوب؛ لعدم وجود ما
ي�صرفه(((� .أما تخ�صي�ص البيا�ض فال يدخل مع هذا الوجوب؛ فقد �صح �أنه
ﷺ لب�س حلة حمراء((( ،و�شملة �سوداء(((.
فهذه قرائن جتعل الأمر بالبيا�ض للندب(((.
•الدليل الثاين :عن ابن عبا�س ،قال :وق�صت برجل حمرم ناقته،
فقتلته ،ف�أُتي به ر�سول اهلل ﷺ فقال« :اغ�سلوه ،وكفنوه ،وال تغطوا ر�أ�سه ،وال
تقربوه طي ًبا ،ف�إنه ُيبعث ُيه ّل»(((.
وجه الداللة :هذا احلديث وا�ضح الداللة يف وجوب تكفني امليت امل�سلم ،فالأمر
للوجوب ،لعدم وجود ما ي�صرفه.
•الدليل الثالث :عن �أبي بن كعب ،عن النبي ﷺ قال« :كان �آدم اً
رجل
طوال �آدم ،ك�أنه نخلة �سحوق ،و�إنه ملا ح�ضره الوفاة نزلت املالئكة �أ�شعر اً
بحنوطه وكفنه من اجلنة ،فلما مات غ�سلوه باملاء وال�سدر ثال ًثا ،وجعلوا يف
الثالثة كافو ًرا ،وكفنوه يف وتر ثياب ،وحفروا له حلدً ا و�صلوا عليه” ،وقالوا:
هذه �سنة ولد �آدم من بعده»(((.
= من الأكفان -حديث رقم ( ،267/1 )1010ط /جمعية املكنز الإ�سالمي ،القاهرة ،الطبعة الأولى
1421هـ ،والن�سائي يف ال�سنن ال�صغرى -كتاب اجلنائز� -أي الكفن خري -حديث رقم ( ،313/1 )1907ط/
جمعية املكنز الإ�سالمي ،القاهرة ،الطبعة الأولى 1421هـ ،و�صححه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود حديث
رقم ( ،)3878و�صحيح �سنن الرتمذي حديث رقم ( ،)994و�صحيح �سنن الن�سائي حديث رقم (.)1895
((( بدائع ال�صنائع ،306/1 :املغني.521/2 :
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه -كتاب ال�صالة -باب ال�صالة يف الثوب الأحمر -حديث رقم ()378
� ،80/1أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب ال�صالة -باب �سرتة امل�صلي -حديث رقم (.204/1 )1147
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب احلج -باب جواز دخول مكة بغري �إحرام -حديث رقم ()3377
،555/1ولفظه� » :أن ر�سول اهلل ﷺ خطب النا�س وعليه عمامة �سوداء».
((( املحلى.119/5 :
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه -كتاب جزاء ال�صيد -باب ما ينهى من الطيب للمحرم واملحرمة -حديث
رقم (.345/1 )1870
((( م�صنف عبدالرزاق ال�صنعاين -كتاب اجلنائز -باب غ�سل امليت -حديث رقم ( ،400/3 )6086ط/
املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،حتقيق :حبيب الرحمن الأعظمي.
وجه الداللة :يف قوله ﷺ عن املالئكة« :هذه �سنة ولد �آدم من بعده»؛ ذلك �أن
ال�سنة املطلقة يف معنى الواجب ،وكذا ف�إن النا�س قد توارثوا هذا من لدن �آدم
� إلى يومنا هذا ،فكان تاركه م�سي ًئا لرتكه ال�سنة املتوارثة(((.
ثان ًيا :من املعقول:
و�أما �أدلتهم ،فمن ثالثة �أوجه:
الوجه الأول� :أن �سرتة امل�سلم واجبة يف احلياة ،فكذلك بعد املوت(((.
الوجه الثاين� :أن غ�سل امليت �إمنا وجب كرامة له وتعظي ًما ،ومعنى التعظيم
والكرامة �إمنا يتم بالتكفني ،فكان واج ًبا(((.
الوجه الثالث� :أن تكفني امليت يح�سب من ر�أ�س ماله ،وهو مقدم على الدين
والإرث والو�صية ،فكان واج ًبا ،ولذلك قالوا :من مل يكن له مال فكفنه على
من عليه نفقته ،كما تلزمه ك�سوته يف حال حياته(((.
�أدلة القول الثاين:
ا�ستدل ابن يون�س من املالكية على ما ذهب �إليه من �أن تكفني امليت امل�سلم �سنة
ولي�س فر�ضً ا مبا جاء عن �أبي بن كعب ،عن النبي ﷺ قال« :كان �آدم اً
رجل
طوال �آدم ،ك�أنه نخلة �سحوق ،و�إنه ملا ح�ضره الوفاة نزلت املالئكة بحنوطه �أ�شعر اً
وكفنه من اجلنة ،فلما مات غ�سلوه باملاء وال�سدر ثال ًثا ،وجعلوا يف الثالثة كافو ًرا،
وكفنوه يف وتر ثياب ،وحفروا له حلدً ا و�صلوا عليه” ،وقالوا :هذه �سنة ولد �آدم من
بعده»(((.
بدائع ال�صنائع.306 ،299/1 : (((
املغني ،521/2 :الكايف.255/1 : (((
بدائع ال�صنائع.306/1 : (((
جممع الأنهر� ،181/1 :شرح فتح القدير.452/1 : (((
�سبق تخريجه. (((
كورونا
وجه الداللة:
قوله ﷺ« :هذه �سنة ولد �آدم من بعده» دليل على �أن تكفني امليت امل�سلم �سنة
بال�سن ّية((( ،وهذا دليل على �أنه �سنة.
ولي�س فر�ضً ا؛ لأنه عرب ُ
واجلواب عن هذا اال�ستدالل:
ب�أن املق�صود بال�سنة يف هذا احلديث :الطريقة امل�ستقيمة ال ق�سيم الواجب ،ثم
�إن ال�سنة املطلقة يف معنى الواجب .هذا اً
ف�ضل عن الأدلة الكثرية الثابتة يف فر�ضية
الكفن للم�سلم ،والتي �سبق بيانها يف �أدلة اجلمهور يف �أدلة القول الأول ،وكذا ف�إن
النا�س قد توارثوا هذا من لدن �آدم � إلى يومنا هذا ،فكان تاركه م�سي ًئا لرتكه
ال�سنة املتوارثة(((.
القول الراجح:
من خالل ما �سبق ذكره يف حكم تكفني امليت امل�سلم ،وذكر �أقوال الفقهاء يف
امل�س�ألة و�أدلتهم ،يتبني �أن الراجح هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء �أ�صحاب القول
الأول �أن تكفني امليت امل�سلم فر�ض على الكفاية �إذا قام به البع�ض� ،سقط الإثم عن
الباقني ،وذلك لقوة �أدلتهم ،و�ضعف �أدلة القول الثاين .واهلل �أعلم.
املطلب الثاين
حكم تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
�إن تكفني امليت امل�سلم امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا) فر�ض كفاية �إذا قام به
البع�ض �سقط الإثم عن الباقني ،وهذا هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء يف غ�سل امليت
عموما ،وما ينطبق على امليت غري امل�صاب ينطبق �أي�ضً ا على امليت امل�صاب
امل�سلم ً
بهذا املر�ض املعدي ،مع االلتزام بكافة التدابري االحرتازية التي تقرها اجلهات
((( مواهب اجلليل.208/2 :
((( بدائع ال�صنائع.306 ،299/1 :
املخت�صة ،وهذا ما عليه قرارات املجامع الفقهية وجلان الفتوى املخت�صة ،ومن ذلك
ما جاء يف تو�صيات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل ب�ش�أن «فريو�س كورونا امل�ستجد»،
فقد ورد فيها« :ال يجوز �إجراء التكفني والدفن �إال حتت �إ�شراف اخلرباء املخت�صني
مراعاة لعدم انتقال العدوى مع االلتزام ب�أ ّية �إجراءات يقررونها مثل و�ضع جثث
املوتى يف �أكيا�س بال�ستيكية حمكمة الإغالق ،ثم ي�صلى عليه .وميكن ملن �شاء من
امل�سلمني �أن ي�صلي عليه �صالة الغائب ولو فرادى يف �أي مكان متاح ،وال يجوز حرق
جثامني امل�سلمني يف �أي حال من الأحوال ،وال بد من الإ�سراع يف الدفن؛ ذلك لأن
ولِ�« :إ َذا َماتَ�شرعا عن ابن عمر قال َ�س ِم ْع ُت ال َّن ِب َّي ﷺ َي ُق ُ الت�أخر عنه مكروه ً
�أَ َح ُد ُك ْم َفلاَ تحَ ْ ِب ُ�سو ُهَ ،و�أَ ْ�س ِر ُعوا ِب ِه ِ إ� َلى َقبرْ ِ ِه»((( (((.
كما �أو�ضح مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية ،حكم تغ�سيل وتكفني ا َمليت
غ�سل مو�ضحا �أنَّ الأ�صل فيمن مات من امل�سلمني �أن ُي َّ ً مبر�ض وبائي كـ (كورونا)،
اجلنازة؛ ولكن يف زمن انت�شار الأوبئة وخوف العدوى التي و ُيك َّفن و ُي�ص َّلى عليه �صالة ِ
املخت�صة �أ َّنها تنتقل مبخالطة ا َمليت املُ َ�صاب؛ ف�إن كان هناك َّ ُتث ِبت اجلهات ِّ
الطب َّية
فريق متخ�ص�ص يف تغ�سيل وتكفني ودفن �أمثال هذه احلاالت َي ِعرف �إجراءات الوقاية
ري و�أولى. ال�شريعة اخلا�صة بهذه الأمور؛ فتوليه �أمر ال ُغ�سل والتَّكفني خ ٌ و�أحكام َّ
ب�صب
ِّ فعندئذ ُيك َت َفى
ٍ �سل وتكفني، و�س ِّلم املتو َّفى لأهله دون ُغ ٍ و�إنْ مل َيحدُث ُ
املاء عليه و�إمراره فقط ب�أية طريقة كانت دون تدليكه ،مع وجوب �أخذ كل التَّدابري
غ�سل بدلة حلجرة ،وارتداء املُ ِّ غ�سل ،من تعقيم ا ُ االحرتازية ملنع انتقال املر�ض �إلى املُ ِّ
وقائية ،وفر�ض كل ُ�س ُبل الوقاية من ِق َبل �أهل االخت�صا�ص يف ذلك قبل القيام ب�إجراء
((( املعجم الكبري للطرباين -من ا�سمه عبداهلل -ومما �أ�سند عبداهلل بن عمر - عطاء بن �أبي رباح
-حديث رقم ( ،444/12 )13613ط /مكتبة الزهراء ،املو�صل1404 ،هـ1983/م ،حتقيق :حمدي بن
عبداملجيد ال�سلفي و�ضعفه الألباين يف �أحكام اجلنائز حديث رقم (.)11
((( تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل ،منظمة املتعاون الإ�سالمي،
بعنوان« :فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد )19-وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية ،املنعقد
(بوا�سطة الفيديو عن ُبعد) يف � 23شعبان 1441هـ-املوافق � 16أبريل 2020م ،جدة ،ال�سعودية� ،ص .9
كورونا
�صب املاء خ�شية انتقال تعذر ُّ ال ُغ�سل؛ من ًعا من �إحلاق الأذى مبن يبا�شر ذلك .و�إن َّ
تعذرلل�صالة.و�إذا َّ طريق املاء امل�صبوب على ج�سم امل ِّيت يمُ ِّ َم َك َت َي ُّم ِم ِه َّ العدوى عن ِ
و�صل الغبار مبا�شرة على م�سه لأجل التيمم ولو بخرقة ُت ِ �إي�صال املاء �إليه� ،أو َّ
تعذر ُّ
احلرج
ُ وجهه ويديه عند تف�شي الوباء ،و�سرعة انت�شار العدوى ،وكرثة امل�صابني؛ ُرف َع
احل ِّي أَ�و َلى من ا َمل ِّيت؛ ولكن ال ُينتَقل ِمن ودُفن دون غ�سل �أو تيمم؛ فاحلفاظ على َ
أخف -مما ُذكر� -إال ب�ضرورة مانع ٍة ِمن ِف ْعل الأَ�صل ،ك ُّل حال ٍة الأَ ْ�صل �إلى ُ�صورة � ّ
ال�ضروري �إحاطة الكفن خ�شى من نزول �سوائل من ُج َّثته؛ فمن َّ بح�سبها.و�إن كان ُي َ
ال�سوائل منه .وك ُّل ما �سبق يتَّفق ومقا�صد َّ
ال�شريعة بغطاءٍ محُ كم ال َي�سمح بت�س ُّرب َّ
ال�ضرورات تبيح املحظورات، ال�شرع َّية املُعتربة؛ �إذ َّ
ال ُعليا ،وكذلك تد ُّل عليه الأد َّلة َّ
وال�ضرورة ُتق َّدر بقدرها(((.
َّ
املطلب الثالث
�صورة تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
الأ�صل �أن ُيج ّرد امليت من جميع مالب�سه التي عليه ،و ُت�ؤخذ يف كي�س معقم لتحرق
وتدفن يف مكان ال ُينب�ش ،خو ًفا من انتقال العدوى عن طرق البهائم� ،أو ال�سباع بكل
�أنواعها.
و�صورة الكفن ل�صاحب الوباء� ،أن يكون معق ًما �سات ًرا جلميع بدنه ،بحيث ال
يت�سرب منه �شيء ،ال من �سائل �أو رائحة(((.
ولهذا وجب و�ضعه بلبا�س �أو كي�س بال�ستيكي معقم ،مثل الذي هو عند رجال
((( ينظر :الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19مركز الأزهر العاملي للفتوى
الإلكرتونية� ،ص 103وما بعدها ،الطبعة الأولى 1441هـ2020/م.
((( �أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا :د /بلخري طاهري الإدري�سي� ،ص ،17بحث من�شور
على �شبكة االنرتنت (مكتبة نور الإلكرتونية ،https://www.noor-book.com/الطبعة الأولى /2020
2021م.
احلماية املدنية ،فيدخل فيه ،حتى ال يت�سرب �شيء منه� ،أو تخرج رائحته� ،أو تنتقل
عدواه من خالل اللم�س ،فيكون كالعازل.
ويف حالة عدم التمكن من تكفني امليت بالوباء� ،إما لغياب ما ذكرنا من ثوب
لف مبا تي�سر من قما�ش معقم �إن وجد،خا�ص معقم� ،أو كي�س بال�ستيكي معقمُ ،ي ّ
و�أمن انتقال العدوى منه ،و�إال يرتك يف ثيابه كما هو ،ويدفن بها(((.
وعن هذه الإجراءات ب�شيء من التف�صيل قالت وزارة ال�صحة ال�سعودية ،يف بيان
لها“ :نظ ًرا �إلى احتمالية انتقال العدوى يف �أثناء التعامل مع اجلثمان ،يجب التزام
�إجراءات التعامل مع حاالت الوفاة مل�صابي فريو�س كورونا”(((.
ودعا املركز الوطني للوقاية من الأمرا�ض ومكافحتها (وقاية) ،الذي يعمل
حتت �إ�شراف وزارة ال�صحة ،املن�ش�آت ال�صحية �إلى (التعامل مع مغا�سل املوتى التي
حددتها والفرق املتخ�ص�صة التي �سوف تتعامل مع اجلثث ُ
وغ�سلها)(((.
و�أو�صى املركز ب�أنه ال ب ّد من �أن يرتدي الكادر الذي �سيقوم ب ُغ�سل اجلثمان
«كمامات وقفازات ومريلة طبية ،والتزام غ�سل الأيدي باملاء وال�صابون مدة ال تقل
عن ( )40ثانية بعد انتهاء عملية النقل �أو الغ�سل»(((.
وح�سب �أنظمة طبية عاملية دعت وزارة ال�صحة لتطبيقها� ،ستو�ضع اجلثة يف
كي�س مقفل مقاوم املاء ،ومينع ت�س ّرب ال�سوائل ،وهو �إجراء متوافق مع معايري وزارة
ال�صحة� .أما فيما يتعلق بذوي املوتى ،ف�إن وزارة ال�صحة منعت �أي تالم�س بني ذوي
املتويف واجلثمان مثل «التقبيل �أو مل�س اجلثمان» ،الحتمالية انتقال فريو�س عالق على
اجلثة ،كما �أنّ �إجراءات ال ُغ�سل �ستكون بوا�سطة عدد حمدود من العاملني.
و�أو�صى املركز الوطني للوقاية يف �إر�شاداته ب�ضرورة التطهري البيئي للمغا�سل،
((( املرجع ال�سابق� :ص .18
((( https: //www.independentarabia.com/node/
((( https: //www.independentarabia.com/node/
((( https: //www.independentarabia.com/node/
كورونا
املبحث الثالث
ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
وفيه مطلبان:
املطلب الأول
حكم ال�صالة على امليت
كورونا
ون�ص عليه �سحنون يف كتاب ابنه فقال :ال�صالة على اجلنازة فر�ض يحمله بع�ضهم
عن بع�ض”(((.
وجاء يف املجموع“ :ال�صالة على امليت فر�ض على الكفاية”(((.
وجاء يف ك�شاف القناع“ :ف�صل (يف ال�صالة على امليت) ،وهي فر�ض كفاية على
غري �شهيد معركة ومقتول ظل ًما؛ لأمر ال�شارع بها يف غري حديث”(((.
القول الثاين:
�أن �صالة اجلنازة �سنة ،ولي�س فر ضً� ا على الكفاية ،وهو قول �ضعيف عند
وحكي عن �أ�صبغ وابن القا�سم وبع�ض �أ�صحاب مالك ،وحكاه عبدالوهاب
احلنفية(((ُ ،
عن الإمام مالك(((.
جاء يف جممع الأنهر“ :ف�صل يف (ال�صالة على امليت) ال�صالة عليه فر�ض كفاية
بالإجماع؛ حيث ي�سقط عن الآخرين ب�أداء البع�ض ،و�إال ي�أثم الكل.(((”...
وجاء يف مواهب اجلليل“ :وقال ابن القا�سم يف املجموعة فيمن �صحب اجلنازة:
له �أن ين�صرف عن ال�صالة من غري حاجة ولي�ست بفري�ضة.(((” ...
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول على �أن ال�صالة على امليت امل�سلم فر�ض كفاية �إذا
مواهب اجلليل.208/2 : (((
املجموع �شرح املهذب.164/5 : (((
ك�شاف القناع.109/2 : (((
جممع الأنهر.268/1 : (((
املنتقى ،11/2 :مواهب اجلليل.208/2 : (((
جممع الأنهر.268/1 : (((
مواهب اجلليل.208/2 : (((
قام به البع�ض �سقط الإثم عن الباقني بعدة �أدلة من الكتاب ،ال�سنة ،والإجماع،
واملعقول ،منها:
� اً
أول :من الكتاب الكرمي:
قوله تعالى( :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة.]103 :
وجه الداللة :يف قوله تعالى( :ﮡ ﮢ) ب�صيغة الأمر الدالة على الوجوب ،وال
توجد قرينة ت�صرف هذا الأمر عن ظاهره .قال الكمال بن الهمام “ :وحمل
معنى ال�صالة يف الآية على املفهوم ال�شرعي �أولى ما �أمكن ،وقد �أمكن بجعلها �صالة
جنازة .ثم قال :لكن هذا� ،إذا مل ي�صرح �أهل التف�سري بخالفه”(((.
ثان ًيا :من ال�سنة النبوية� :أحاديث كثرية ،منها ما يلي:
رجل من �أ�صحاب •الدليل الأول :عن زيد بن خالد اجلهني � ،أن اً
النبي ﷺ تويف يوم خيرب ،فذكروا ذلك لر�سول اهلل ﷺ فقال�“ :صلوا على
�صاحبكم” .فتغريت وجوه النا�س لذلك ،فقال�“ :إن �صاحبكم غل يف �سبيل
اهلل” .ففت�شنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ال ي�ساوي درهمني”(((.
و�أخرج الرتمذي يف �سننه عن �أبي قتادة يحدث ،عن �أبيه� ،أن النبي ﷺ �أتي برجل
لي�صلي عليه ،فقال النبي ﷺ�« :صلوا على �صاحبكم ،ف�إن عليه دينا» ،قال �أبو
قتادة :هو علي؛ فقال ر�سول اهلل ﷺ« :بالوفاء» ،قال :بالوفاء ،ف�صلى عليه(((.
((( �شرح فتح القدير.117/2 :
((( �سنن �أبي داود -كتاب اجلهاد -باب يف تعظيم الغلول -حديث رقم ( ،464/2 )2712ال�سنن ال�صغرى-
كتاب اجلنائز -باب ال�صالة على من غل -حديث رقم ( ،323/1 )1971و�ضعفه الألباين يف �ضعيف
�سنن �أبي داود حديث رقم ( ،)2710و�ضعيف �سنن الن�سائي حديث رقم (.)1958
((( �سنن الرتمذي -كتاب اجلنائز -باب ما جاء يف ال�صالة على املديون حديث رقم (،286/1 )1090
والن�سائي يف ال�سنن ال�صغرى -كتاب اجلنائز -ال�صالة على من عليه دين -حديث رقم ()1972
،323/1وابن ماجه يف �سننه -كتاب ال�صدقات -باب الكفالة -حديث رقم ( ،348/1 )2499و�صححه
الألباين يف �صحيح �سنن الرتمذي حديث رقم ( ،)1069و�صحيح �سنن الن�سائي حديث رقم (،)1959
و�صحيح �سنن ابن ماجه حديث رقم (.)2437
كورونا
•الدليل الثاين :عن �أبي بن كعب ،عن النبي ﷺ قال« :ملا ح�ضر �آدم
قال لبنيه :انطلقوا فاجنوا يل من ثمار اجلنة ،قال :فخرج بنوه فا�ستقبلتهم
املالئكة فقالوا� :أين تريدون يا بني �آدم؟ قالوا :بعثنا �أبونا لنجني له من ثمار
اجلنة ،قال :ارجعوا فقد كفيتم» .قال« :فرجعوا معهم حتى دخلوا على �آدم،
فلما ر�أتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو �إلى �آدم وتلت�صق به ،فقال لها
�آدم� :إليك عني �إليك عني ،فمن قبلك �أتيت خل بيني وبني مالئكة ربي ،قال:
غ�سلوه وحنطوه وكفنوه ،ثم �صلوا عليه ،ثم حفروا له ثم فقب�ضوا روحه ،ثم ّ
دفنوه ،ثم قالوا :يا بني �آدم هذه �سنتكم يف موتاكم ،فكذاكم فافعلوا»(((.
وجه الداللة :يف قوله« :هذه �سنتكم»� ،أي� :شريعتكم ومنهاجكم الذي ال يجوز
غريه ،وي�ؤيد ذلك :قولهم ب�صيغة الأمر« :فكذلكم فافعلوا»(((.
ثال ًثا :الإجماع:
قال الإمام ابن ر�شد �“ :أجمع على العمل بذلك -يعني ال�صالة على امليت-
جميع امل�سلمني يف جميع بالد الإ�سالم ،ف�صار ذلك �سبيل امل�ؤمنني الذين توعد اهلل على
ترك اتباعها بقوله( :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ) [الن�ساء .]115 :فلو �أن قو ًما تركوا ال�صالة على
جنائزهم للحقهم الوعيد املذكور يف الآية ،وهذا دليل بينّ على الوجوب”(((.
وقال الإمام النووي “ :ما حكي عن بع�ض املالكية� ،أنه جعلها �سنة ،مرتوك
عليه ال يلتفت �إليه”(((.
((( امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم -كتاب اجلنائز -حديث رقم ( ،495/1 )1275قال احلاكم :هذا
حديث �صحيح الإ�سناد ،ومل يخرجاه ،وهو من النوع الذي ال يوجد للتابعي �إال الراوي الواحد ،ف�إن عتي بن
�ضمرة ال�سعدي لي�س له راو غري احل�سن ،وعندي �أن ال�شيخني علاله بعلة �أخرى ،وهو �أنه روي عن احل�سن،
عن �أبي دون ذكر عتي».
((( �أحكام ال�صالة على املوتى :د� /سعد الهاليل� ،ص .21
((( املقدمات املمهدات.165/1 :
((( املجموع.160/5 :
كورونا
فيها ركوع وال �سجود لئال يتوهم بع�ض اجلهلة �أنها عبادة للميت ،في�ضل
بذلك”(((.
ومما �سبق يت�ضح الفرق بني �صالة اجلنازة و�سجود التالوة ،فبطل قيا�سهم(((.
القول الراجح:
من خالل ما �سبق يتبني لنا �أن القول الراجح هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء
من �أن ال�صالة على امليت امل�سلم فر�ض على الكفاية� ،إذا قام به البع�ض �سقط
الإثم عن الباقني ،وذلك لقوة �أدلتهم ،و�ضعف �أدلة القول الثاين ،وعدم �سالمتها
من املعار�ضة ،ولأن فر�ضية �صالة اجلنازة((( -مع �سائر الفرائ�ض ال�شرعية -جتعل
من امل�سلمني �أمة واحدة مرتاحمة ،يفي �أحيا�ؤها بحق �أمواتها من الغ�سل والتكفني
وال�صالة والدفن والدعاء ،كما يقوم �أغنيا�ؤها بحق فقرائها يف الزكاة و�إغاثة
امللهوفني ،كما يرعى والة �أمورها حتى املولى عليهم يف الن�صح لكل م�سلم ،وبغري
ذلك ال تتحقق وحدة الأمة التي �أخربنا اهلل تعالى بها يف قوله( :ﭝ ﭞﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأنبياء ،]92 :وقوله تعالى( :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [امل�ؤمنون.]52 :
املطلب الثاين
حكم ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
تخريجا على ما �سبق :ف�إن ال�صالة على امليت امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا)
ً
وغريه من �سائر الأمرا�ض والأوبئة املعدية فر�ض على الكفاية� ،إذا قام به البع�ض
�سقط الإثم عن الباقني ،ويتحقق هذا يف مثل هذه الأحوال والظروف اال�ضطرارية
((( املرجع ال�سابق.149/3 :
((( �أحكام ال�صالة على املوتى :د� /سعد الدين الهاليل� ،ص .17
((( املرجع ال�سابق� :ص .26
كورونا
ببع�ض الأطباء وطواقم التمري�ض وبع�ض �أهل املتوفى ،وذلك ح�سب تقدير اجلهات
الطبية املخت�صة حتى ال يت�سبب هذا الفعل يف عدوى له�ؤالء ،وحر صً� ا على النف�س
الب�شرية قدر الإمكان ،والتزام ه�ؤالء بال�ضوابط والتدابري االحرتازية التي �أقرتها
اجلهات الطبية املخت�صة من تباعد امل�سافات ،وتعقيم املكان جيدً ا ،وغري ذلك من
الو�سائل الأخرى الالزمة لأداء ال�صالة.
وقد �صدر يف ال�ش�أن العديد من الفتاوى والقرارات اجلماعية عن بع�ض الهيئات
ال�شرعية منها جممع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف بالقاهرة ،وقد جاء فيها:
ق�سم حقوق النا�س بع�ضهم على بع�ض �إلى �أق�سام منها حق الأحياء على “�إن الإ�سالم ّ
الأحياء ،وحق الأموات على الأحياء ،ولقد جمع الر�سول ﷺ بع ضً� ا من هذه احلقوق
ال�س َال ِم،
«ح ُّق المْ ُ ْ�س ِل ِم َع َلى المْ ُ ْ�س ِل ِم َخ ْم ٌ�س َر ُّد َّ
يف حديثه الذي �أخرجه البخاري ب�سندهَ :
يت ا ْل َع ِاط ِ�س»((( ،ومن هذه ي�ضَ ،وا ِّت َبا ُع الجْ َ َنا ِئ ِزَ ،و إِ� َجا َب ُة ال َّد ْع َو ِةَ ،وت َْ�ش ِم ُ
َو ِع َيا َد ُة المْ َ ِر ِ
احلقوق اخلا�صة بالأموات على الأحياء حق ال�صالة على امليت واتباع جنازته �إلى
غري ذلك.
و�أ�شار املجمع((( �إلى �أنه من عظمة هذا الدين �أنه جعل ال�صالة على امليت واتباع
جنازته �شعرية من �شعائره ،بل وجعله فر�ض كفاية على امل�سلمني؛ �إذا فعله البع�ض
�سقط عن الباقني.
وقد ت�ؤدى هذه ال�صالة مفردة ويف جماعات ،وقد ت�ؤدى يف بلد املتو َّفى ،وقد
ي�ؤديها �إخوانه يف بالد �شتى ِب ًّرا ِبه ،و ُقربة �إلى اهلل ،وهي ما ُي�سميها الفقهاء ب�صالة
الغائب ،ولها م�ستند عن ر�سول اهلل؛ فقد ثبتت �صالته على النجا�شي - بعد
وفاته -يف املدينة ،كما روى البخاري عن جابر بن عبداهلل � أنه قال�“ :أن
((( �صحيح البخاري -كتاب اجلنائز -باب الأمر باتباع اجلنائز -حديث رقم (� ،233/1 )1251صحيح
م�سلم -كتاب ال�سالم -باب من حق امل�سلم للم�سلم رد ال�سالم -حديث رقم (.940/2 )5777
((( من�شور بال�صفحة الر�سمية ملجمع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف عرب الفي�س بوك ،بتاريخ 3
�أبريل 2020م https: //www.facebook.com/AIRCAzhar/
ر�سول اهلل ﷺ �صلى على النجا�شي ،فكنت يف ال�صف الثاين �أو الثالث”((( ،ومن هذا
الن�ص وغريه ا�ستنبط الفقهاء جواز ال�صالة على الغائب.
و�أو�ضح املجمع �أنه من هذا املنطلق ف�إن الفقه الإ�سالمي ب�شموله و�سعته ي�سع كل
النوازل وامل�ستجدات؛ ففي مثل النازلة التي ع ّمت النا�س� ،إذا �أ�صيب �إن�سان وتويف
بالكورونا -وقد حكم الأطباء �أنه ُم ٍعد -الأمر الذي يرتتب عليه �صعوبة تغ�سيله،
وحمله ،والقيام بحقوقه �إال بتدابري معينة ،وقامت الدولة ب�إغالق امل�ساجد لالحرتاز،
�شرعا �أن املنع لغر�ض احلفاظ على النف�س عذر �شرعي ،وهو يتنزل وكان من املقرر ً
منزلة املنع احل�سي.
وعليه ف�إذا تعذرت ال�صالة احلا�ضرة على امليت� ،إما خلوف العدوى ،و�إما ملنع
ال�سلطات ،في�شرع ملن تويف قريبه بفريو�س كورونا ومل يتمكن من ال�صالة عليه �أن
يذهب �إلى قربه ل�صالة اجلنازة عليه ،و�إن تعذر �صلى عليه من مكانه ،وكذا �إذا
تعذرت ال�صالة عليه يف امل�سجد لغلقه في�صلى عليه عند املقابر �أو يف �أي مكان مت�سع،
�إذ يجب الأخذ بالإجراءات االحرتازية التي تفر�ضها ال�سلطات املخت�صة من ًعا لتف�شي
الإ�صابة بهذا الفريو�س(((.
ولكن يف حالة عدم �إمكانية حمله �أو قربانه� ،أو كان يف بلد كافر ودفن دون �أن
تخرب ال�سلطات ،فهذه كلها حاالت ممكنة وواقعة ،فنقول� :أنها تكون على التدرج
بالإمكان قدر امل�ستطاع(((.
� اًأول� :إذا �أمكن ال�صالة عليه يف امل�ست�شفى فهذا �أولى ،و�إال عند الو�صول �إلى
املقربة� ،أو املكان الذي �أُع ّد له لدفن �أ�صحاب الأوبئة واملر�ض املعدي.
((( �صحيح البخاري -كتاب اجلنائز -باب من �صف �صفني �أو ثالثة على اجلنازة خلف الإمام -حديث
رقم (.247/1 )1329
((( من�شور بال�صفحة الر�سمية ملجمع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف عرب الفي�س بوك ،بتاريخ /3
�أبريل 2020م https: //www.facebook.com/AIRCAzhar/
((( �أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا :د /بلخري طاهري الإدري�سي� ،ص .21
كورونا
ثان ًيا :يف حالة دفنه خو ًفا من انت�شار الوباء ودون علم �أهله �أو ت�أخرهم �أو لأي
عار�ض ما ،ف�إنه ي�صلى على قربه ،كما �صنع النبي ﷺ مع تلك ال�صحابية
التي كانت تقم امل�سجد.
ثال ًثا� :إذا تعذرت ال�صالة عليه لعدم وجود �أحد �أقاربه� ،أو وجد ولكنه ال ي�صلي،
�أو كان يف بلد �أجنبي ي�صلى عليه �صالة الغائب(((.
املبحث الرابع
دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
املطلب الأول
حكم دفن امليت
دفن امليت امل�سلم فر�ض كفاية بالإجماع ،ف�إذا تعطل �أثم به كل من دخل يف ذلك
الفر�ض دون غريه ،و�إذا تعني يف طائفة؛ لعدم وجود �سواهم مع امليت ،فلم يقوموا
به -دون عذر� -أثموا وع�صوا اهلل تعالى ،وعلى ال�سلطان �أن يعاقبهم على ذلك ال
�ستخفافهم مبا يجب عليهم من حوائجهم يف الإ�سالم.
والدليل على هذا الإجماع:
توارث النا�س من لدن �آدم � إلى يومنا هذا على وجوب دفن املوتى ،مع
النكري على تاركه(((.
وال فرق يف حكم الدفن �إذا كان امليت امل�سلم �صغ ًريا �أو كب ًريا ،ذك ًرا �أو �أنثى،
رما �أو اً
حالل� ،شهيدً ا �أو غري �شهيد ،كامل البدن �أو مفقود بع�ضه �أو �أكرثه(((. محُ ِ ً
و�إن وجد اجلزء بعد دفن امليت دفن �إلى جانب القرب� ،أو نب�ش بع�ض القرب ودفن
((( بدائع ال�صنائع ،318/1 :وينظر القول بهذا الإجماع يف :بداية املجتهد ،244/1 :املجموع،230/5 :
احلاوي الكبري.188/3 :
((( بدائع ال�صنائع� ،318/1 :شرح فتح القدير ،137/2 :املقدمات املمهدات ،172 ،171/1 :بداية
املجتهد ،244/1 :املهذب ،136/1 :املجموع ،230/5 :الكايف يف فقه الإمام �أحمد ،265/1 :الرو�ض
املربع وحا�شية العنقري ،348/1املحلى.138 ،121 ،116/5 :
كورونا
فيه ،وال حاجة �إلى ك�شف امليت؛ لأن �ضرر نب�ش امليت وك�شفه �أعظم من ال�ضرر بتفرقة
�أجزائه(((.
ا�ض َع :فيِ َب َي ِان ُو ُجو ِب ِه, الم فيِ ال َّد ْف ِن فيِ َم َو ِ جاء يف بدائع ال�صنائعَ (“ :ف ْ�ص ٌل)َ :وا ْل َك ُ
َو َك ْي ِف َّي ِة ُو ُجو ِب ِه ,وَفيِ َب َي ِان ُ�س َّن ِة الحْ َ ْف ِر َوال َّد ْف ِن َو َما َيت َِّ�ص ُل ِب ِه َما� .أَ َّما الأَ َّو ُل َفال َّد ِل ُيل َع َلى
ا�س ِمنْ َلدُنْ آ� َد َم � -صلوات اهلل عليه� -إ َلى َي ْو ِم َنا َه َذا َم َع ال َّن ِك ِري َع َلى ُو ُجو ِب ِهَ :ت َوا ُر ُث ال َّن ِ
تَا ِر ِك ِه.(((”...
وجاء يف التاج والإكليلَ “ :و�أَ َّما ُو ُج ُ
وب َد ْف ِن ِه َو َك َف ِن ِه َف َق َال ا ْبنُ ُيو ُن َ�سُ :غ ْ�س ُل المْ َ ِّي ِت
يط ُه ُ�س َّن ٌةَ ,و�أَ َّما َد ْف ُن ُه َف َف ْر ٌ�ض َع َلى ا ْل ِك َفا َي ِةَ ,و َق ْد ِق َيل فيِ الجْ َ ِمي ِع �إ َّن ُه ِمنْ َو َت ْك ِفي ُن ُه َوتحَ ْ ِن ُ
و�ض”(((. ا ْل ُف ُر ِ
وجاء يف رو�ضة الطالبني« :ال َّد ْفنُ َق ْد َت َق َّد َم �أَ َّن ُه َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍةَ ،و َي ُجو ُز فيِ َغيرْ ِ
المْ َ ْقبرَ َ ِةَ ،ل ِكنْ ِفي َها �أَ ْف َ�ض ُل.(((»...
وجاء يف ك�شاف القناعَ (“ :ف ْ�ص ٌل َح ْم ُل ُه َو َد ْف ُن ُه ِمنْ ُف ُر ِ
و�ض ا ْل ِك َفا َي ِة) َو َت َق َّد َم ( َو َك َذا
ُم�ؤْ َن ُت ُه َما) �أَ ْيُ :م�ؤْ َن ُة الحْ َ ْم ِل َوال َّد ْف ِن َف ِه َي َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة.(((”...
ويدل على وجوب دفن امليت امل�سلم الكتاب وال�سنة واملعقول:
� اًأول :من الكتاب الكرمي:
(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ قوله تعالى:
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الإ�سراء.]70 :
وجه الداللة :من مقت�ضى التكرمي� :أن يدفن الإن�سان بعد موته ،وال يرتك اً
همل
املغني.540/2 : (((
بدائع ال�صنائع.318/1 : (((
التاج والإكليل.208 /2 : (((
رو�ضة الطالبني.131 /2 : (((
ك�شاف القناع.131 ،126 /2 : (((
يتقزز منه النا�س ،والآية عامة لكل الب�شر ،ال �سيما �أهل التوحيد منهم؛ لقوله تعالى:
(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [املنافقون.]8 :
ثان ًيا :من ال�سنة النبوية:
الدليل الأول :عن جابر بن عبداهلل � ،أخربه �أن ر�سول اهلل ﷺ كان يجمع
بني الرجلني من قتلى �أحد يف ثوب واحد ،ثم يقول�« :أيهم �أكرث � ً
أخذا للقر�آن»؛
ف�إذا �أ�شري له �إلى �أحد قدمه يف اللحد ،وقال�« :أنا �شهيد على ه�ؤالء يوم
غ�سلوا”(((.
القيامة» ،و�أمر بدفنهم بدمائهم ،ومل ي�صل عليهم ومل ُي ّ
وجه الداللة :يف قول جابر « :ف�أمر بدفنهم» ،والأمر للوجوب؛ لعدم
وجود قرينة ت�صرفه عن ظاهره(((.
الدليل الثاين :عن �أبي بن كعب ،عن النبي ﷺ قال« :ملا ح�ضر �آدم قال
لبنيه :انطلقوا فاجنوا يل من ثمار اجلنة ،قال :فخرج بنوه فا�ستقبلتهم
املالئكة فقالوا� :أين تريدون يا بني �آدم؟ قالوا :بعثنا �أبونا لنجني له من
ثمار اجلنة ،قال :ارجعوا فقد كفيتم» .قال« :فرجعوا معهم حتى دخلوا على
�آدم ،فلما ر�أتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو �إلى �آدم وتلت�صق به ،فقال
خل بيني وبني مالئكة ربيلها �آدم� :إليك عني �إليك عني ،فمن قبلك �أتيت ِّ
قال :فقب�ضوا روحه ،ثم غ�سلوه وحنطوه وكفنوه ،ثم �صلوا عليه ،ثم حفروا له
ثم دفنوه ،ثم قالوا :يا بني �آدم هذه �سنتكم يف موتاكم ،فكذاكم فافعلوا»(((.
وجه الداللة :يف قوله« :هذه �سنتكم»� ،أي �شريعتكم ومنهاجكم الذي ال يجوز
غريه ،وي�ؤيد ذلك قولهم ب�صيغة الأمر« :فكذلك فافعلوا»(((.
((( �صحيح البخاري -كتاب املغازي -باب من قتل من امل�سلمني يوم �أحد -حديث رقم (.810/2 )4128
((( �أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم :د� /سعد الدين م�سعد هاليل ،16 ،ط /مكتبة الإميان ،املن�صورة،
الطبعة الأولى 2006م.
((( �سبق تخريجه.
((( �أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم :د� /سعد الدين هاليل.16 ،
كورونا
املطلب الثاين
حكم دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)
واجب على امل�سلمني ال ي�سعهم تركه، دفن املُتو َّفى بفريو�س ُكورونا -كدفن غريهٌ -
الوجوب عن الباقني ،وال �ضرر من دفن املُتو َّفى بفريو�س ُ بع�ضهم �سقط و�إذا قام به ُ
كورونا بعد �أخذ كافة االحتياطات ال�سابقة يف �أي مقابر ،كما أ� َّكدت ذلك اجلهات
تخ�ص�صة حمل ًّيا ودول ًّيا ،و�أن رف�ض ا�ستالم ُج َّثة املُتو َّفى بفريو�س ُكورونا� ،أو ِّ
الطبية املُ ِّ
مناف حلرمة املوت ،ولأوامر لوك حمر ٌم ٍ و�س ٌ
اعرتا�ض ِجنازته ومنع دفنه؛ �أم ٌر منك ٌر ُ
ف�ضل عن �أ َّنه ال يليق ب�أ�صحاب املُروءة ،وذوي الف�ضائل(((. ال ّدين ب�إكرام الإن�سان ،اً
وبنا ًء على ما �سبق؛ فال يجوز ترك جثة املتوفى باملر�ض املعدي (كورونا) دون
((( املهذب ،136/1 :الكايف.265/1 :
((( �أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم :د� /سعد الدين هاليل.17-16 ،
((( فتوى من�شورة مبوقع مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية بتاريخ 2020/4/11مhttps://www. .
facebook.com/fatwacenter/
املطلب الثالث
حكم الدفن يف املقابر اجلماعية يف حالة تف�شي وباء (كورونا)
�إن ح�صلت �ضرورة كعدم وجود احلافر �أو �ضاق املكان ،كما لو كرث املوتى يف
كارثة من وباء (كما هي احلال يف وباء كورورنا امل�ستجد)� ،أو هدم� ،أو غرق� ،أو
((( الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19مركز الأزهر العاملي للفتوى
الإلكرتونية� :ص .106
((( البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني� ،ص .24
كورونا
غري ذلك ،وع�سر دفن كل واحد يف قرب ،فيجوز دفن الإثنني والثالثة و�أكرث يف قرب،
بح�سب ال�ضرورة �أو احلاجة ،وحينئذ ُيق ّدم يف القرب �أف�ضلهم �إلى القبلة ،مع مراعاة
ترتيبيهم �إلى الإمام يف ال�صالة (((.
فقد اتفق جمهور الفقهاء من احلنفية((( ,واملالكية((( ,وال�شافعية((( ,واحلنابلة(((,
على جواز دفن �أكرث من ميت يف القرب الواحد.
الن �أَ ْو �أَ ْكثرَ ُ فيِ َقبرْ ٍ َو ِاح ٍد َه َك َذا َج َر ْت جاء يف بدائع ال�صنائعَ “ :وال ُي ْد َفنُ ال َّر ُج ِ
َاجوا إ� َلى َذ ِل َك َق َّد ُموا �أَ ْف َ�ض َل ُه َما َو َج َع ُلوا ال�س َّن ُة ِمنْ َلدُنْ �آ َد َم �إ َلى َي ْو ِم َنا َه َذاَ ,ف ِ�إنْ ْاحت ُ ُّ
ال�ص ِع ِيد. ”...
(((
َب ْي َن ُه َما َح ِاجزً ا ِمنْ َّ
وجاء يف جواهر الإكليل(“ :و) جاز (جمع �أموات بقرب) واحد (ل�ضرورة) ككرثة
املوتي ،و�ضيق املكان ذكو ًرا كانوا �أو �أنا ًثا� ،أو بع�ضهم ذكور وبع�ضهم �إنا ًثا كانوا �أقارب
�أو �أباعد”(((.
االخ ِت َيا ِر� ،أَنْ ُي ْد َفنَ ُك ُّل َم ِّي ٍت
وجاء يف رو�ضة الطالبنيَ “ :ف ْر ٌع المْ ُ ْ�ست ََح ُّب فيِ َح ِال ْ
فيِ َقبرْ ٍ َف ِإ�نْ كَثرُ َ المْ َ ْوتَىَ ،و َع ُ�س َر ِ�إ ْف َرا ُد ُك ِّل َم ِّي ٍت ِب َقبرْ ٍ ُ ،د ِفنَ اال ْث َن ِان َوال َّثال َث ُة فيِ َقبرْ ٍ ،
َو ُي َق َّد ُم ِ�إ َلى ا ْل ِق ْب َل ِة �أَ ْف َ�ض ُل ُه ْمَ ،و ُي َق َّد ُم الأَ ُب َع َلى اال ْب ِن َو ِ�إنْ َكانَ اال ْبنُ �أَ ْف َ�ض َل ِم ْنهُ ،لحِ ُ ْر َم ِة
الأُ ُب َّو ِةَ ،و َك َذا ُت َق َّد ُم الأُ ُّم َع َلى ا ْل ِب ْن ِتَ ،وال ُي ْج َم ُع َبينْ َ ال ِّن َ�سا ِء َوال ِّر َج ِال �إِال ِع ْن َد َت�أَ ُّك ِد
ال�ض ُرو َر ِة.(((”... َّ
((( املب�سوط ،65/2 :بدائع ال�صنائع ،319/1 :ال�شرح ال�صغري ،578 ،567/1 :مواهب اجلليل،236 /2 :
املجموع ،233/5 :رو�ضة الطالبني ،138/2 :املغني ،563 /2 :الكايف ،269 /1 :املو�سوعة الفقهية
الكويتية� ،18 /21 :أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم :د� /سعد هاليل� ،ص 88وما بعدها.
((( املب�سوط ،65/2 :بدائع ال�صنائع.319/1 :
((( ال�شرح ال�صغري ،578 ،567/1 :مواهب اجلليل.236 /2 :
((( املجموع ،233/5 :رو�ضة الطالبني.138/2 :
((( املغني ،563 /2 :الكايف.269 /1 :
((( بدائع ال�صنائع.319/1 :
((( جواهر الإكليل.114/1 :
((( رو�ضة الطالبني.142 ،138 /2 :
وجاء يف ك�شاف القناعَ “ :و َي ْح ُر ُم َد ْفنُ ا ْث َنينْ ِ َف أَ� ْكثرَ َ فيِ َقبرْ ٍ َو ِاح ٍد لأَ َّن ُه ﷺ َكانَ
ال�ص َحا َب ِة َو َمنْ َب ْع َدهُ ْم (�إال ِل َ�ض ُرو َر ٍة �أَ ْو
ا�س َت َم َّر ِف ْع ُل َّ
َي ْد ِفنُ ُك َّل َم ِّي ٍت فيِ َقبرْ ٍ َو َع َلى َه َذا ْ
اج ٍة) َككَثرْ َ ِة المْ َ ْوتَى َو ِق َّل ِة َمنْ َي ْد ِف ُن ُه ْمَ ,و َخ ْو ِف ا ْل َف َ�سا ِد َع َل ْي ِه ْم.(((”...
َح َ
وقد ا�ستدلوا على ذلك ب�أدلة منها:
•الدليل الأول :ما ورد عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك� ,أن جابر بن عبداهلل
� أخربه �أن ر�سول اهلل �صلي اهلل عليه و�سلم كان يجمع بني الرجلني
من قتلى �أحد يف ثوب واحد ,ثم يقول�« :أيهم �أكرث � ً
أخذا للقران؟» ف�إذا �أ�شري
له �إلى �أحد ق ّدمه يف اللحد ,وقال�« :أنا �شهيد علي ه�ؤالء يوم القيامة» ،و�أمر
غ�سلوا(((. بدفنهم بدمائهم ,ومل ِّ
ي�صل عليهم ومل ُي ّ
•الدليل الثاين :ورد عن �سعد بن ه�شام بن عامر ,عن �أبيه قال :ملا كان يوم �أحد
�أ�صيب من امل�سلمني ف�أ�صاب النا�س جراحات ،فقال ر�سول اهلل ﷺ« :احفروا
و�أو�سعوا وادفنوا االثنني يف القرب ,وقدموا �أكرثهم قر�آنا»(((.
وجه الداللة :كال احلديثني يدالن بو�ضوح على �أن النبي ﷺ قد جمع يف
الكفن الواحد والقرب والواحد �أكرث من ميت ,لوجود �ضرورة اقت�ضت تخفيف
الأحكام وتي�سريها.
•الدليل الثالث :عن �أن�س ،قال :ملا كان يوم �أحد مر ر�سول اهلل ﷺ
بحمزة بن عبداملطلب وقد ُجدع و ُم ّثل به ،فقال« :لوال �أن جتد �صفية تركته
حتى يح�شره اهلل من بطون الطري وال�سباع» ،فكفنه يف منرة �إذا خمر ر�أ�سه
�صل علىبدت رجاله ،و�إذا خمرت رجاله بدا ر�أ�سه ،فخمر ر�أ�سه ،ومل ُي ِّ
((( ك�شاف القناع.143 /2 :
((( �سبق تخريجه.
((( �سنن الرتمذي -كتاب اجلهاد-باب ما جاء يف دفن ال�شهداء -حديث رقم ( ،458/1 )1817ال�سنن
ال�صغرى -كتاب اجلنائز -باب ما ي�ستحب من تو�سيع القرب -حديث رقم ( ،330/1 )2024و�صححه
الألباين يف �صحيح �سنن الرتمذي حديث رقم ( ،)1713و�صحيح �سنن الن�سائي حديث رقم (.)2010
كورونا
�أحد من ال�شهداء غريه ،وقال�« :أنا �شاهد عليكم اليوم» ،وكان يجمع الثالثة
والإثنني يف قرب واحد ،وي�س�أل�« :أيهم �أكرث قر�آنا؟»؛ فيقدمه يف اللحد ،وك ّفن
الرجلني والثالثة يف الثوب الواحد(((.
•الدليل الرابع :ما �أخرجه عبدالرزاق ال�صنعاين عن �سليمان بن مو�سى� ،أن
واثلة بن الأ�سقع كان �إذا دفن الرجال والن�ساء جمي ًعا يجعل الرجل يف القرب
مما يلي القبلة ،ويجعل املر�أة وراءه يف القرب ،قال �سليمان“ :ف�إن كانا رجلني
يف قرب واحد ،كبرّ الإمام قال :الأكرب �إمام الأ�صغر”(((.
•الدليل اخلام�س :قيام ال�ضرورة الداعية �إلى ذلك ,ولرفع احلرج عن املكلفني,
وتغلي ًبا ملقا�صد ال�شريعة الداعية �إلى التي�سري ال التع�سري(((.
وبنا ًء على ما �سبق :يجوز دفن �أكرث من واحد يف مقربة جماعية يف حالة ال�ضرورة،
والتي منها حاالت تف�شي الوباء ،ومنها فريو�س كورونا امل�ستجد ،وذلك نظ ًرا ملا عليه
جمهور الفقهاء يف هذه امل�س�ألة ،والأدلة التي ا�ستدلوا بها ،وفعل النبي ﷺ.
وقد �أو�ضح مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية حكم الدفن يف املقابر
اجلماعية عند تف�شي وباء كورورنا وزيادة احلاالت فقال“ :الأ�صل يف وقت االختيار
وانعدام ال�ضرورة �أن يفرد كل ميت بقرب واحد ,و�أن ي�ضم القرب الواحد ميتًا واحدً ا,
و�إن كان ثمة خالف قائم بني الفقهاء يف مدى وجوب ذلك �أو ا�ستحبابه� ,إال �أن الكل
متفق على �أن �إفراد امليت يف القرب الواحد هو املعمول به واملتوارث يف دفن املوتى من
لدن �آدم � ,إلى يومنا هذا ,كما �أنه ما جرى العمل به زمن النبي �صلي اهلل عليه
((( امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم -كتاب اجلنائز -حديث رقم ( ،519/1 )1351وح�سنه الألباين يف
�أحكام اجلنائز حديث رقم (.)62
((( �أخرجه عبدالرزاق ال�صنعاين يف م�صنفه -كتاب اجلنائز -باب دفن الرجل واملر�أة -حديث رقم
( ،474/3 )6378ط /املكتب الإ�سالمي -بريوت ،الطبعة الثانية1403 ،هـ ،حتقيق :حبيب الرحمن
الأعظمي.
((( رو�ضة الطالبني ،142 ،138 /2 :ك�شاف القناع.143 /2 :
و�سلم ,وتبعه �أ�صحابه من بعده على هذا((( .غري �أنه يف حاالت ال�ضرورة من ح�صول
الكوارث �أو الزالزل �أو الرباكني� ,أو تف�شي الأوبئة التي ميوت فيها خلق كثري ,وي�صعب
�إفراد كل ميت بقرب م�ستقل.
وعليه :فيجوز �إعداد مقابر جماعية ,ولكن ال ُيلج�أ �إلى الدفن فيها �إال �إذا ت�أكدت
ال�ضرورة الداعية �إلى ذلك ,من �ضيق الرقعة املتاحة لدفن املوتى ,لكرثة �أعدادهم,
�شرعا وط ًبا ،وي�ستحب
�أو حماولة حتجيم العدوى� ,أو غري ذلك من الأ�سباب املعتربة ً
�أن يجعل بني كل اثنني من الأموات حاجز من الرتاب ,في�صري ك�أن كل واحد منهما
يف قرب خا�ص ,كما يلزم �أن ُتق ّدر ال�ضرورة بقدرها ,ف ُي�ضم الرجال �إلى الرجال يف
الدفن ,والن�ساء �إلى الن�ساء� ,إال �إذا تعذر ذلك(((.
((( الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19مركز الأزهر العاملي للفتوى
الإلكرتونية� :ص .107
((( الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19مركز الأزهر العاملي للفتوى
الإلكرتونية� :ص .108
كورونا
اخلامتة
� اًأول :النتائج:
1.1املر�ض املعدي :هو �أي مر�ض ت�سببه جرثومة معدية ميكن انتقالها بطريق
مبا�شر �أو غري مبا�شر �إلى الإن�سان �أو احليوان �أو الطائر.
2.2فريو�سات كورونا هي ف�صيلة كبرية من الفريو�سات التي قد ت�سبب املر�ض
للحيوان والإن�سان.
3.3فريو�سات كورونا ت�س ّبب لدى الب�شر حاالت عدوى اجلهاز التنف�سي التي
ترتاوح حدتها من نزالت الربد ال�شائعة �إلى الأمرا�ض الأ�شد وخامة مثل
متالزمة ال�شرق الأو�سط التنف�سية واملتالزمة التنف�سية احلادة الوخيمة
(ال�سار�س).
4.4الأظهر من �أقوال �أهل العلم �أن الطاعون نوع خا�ص من �أنواع الأوبئة ،وال
تنطبق �أو�صافه على فريو�س كورونا املعا�صر.
5.5جمهور الفقهاء على �أن غ�سل امليت امل�سلم واجب على �سبيل الكفاية �إذا قام
به البع�ض �سقط الإثم عن الباقني ،وهذا القول هو الذي يتفق مع تكرمي
الإ�سالم للإن�سان ح ًيا وميتًا ،اً
ف�ضل عن جتديد اليقني باليوم الآخر.
�6.6إنِّ القول ب�سقوط الغ�سل والتيمم ال ي�صار �إليه �إال بعد اتخاذ الإجراءات
الوقائية الالزمة ملنع انتقال عدوى املر�ض �إلى املبا�شرين للغ�سل �أو التيمم،
و�أن يكون �أولئك املبا�شرون من �أهل الدربة واالخت�صا�ص يف التعامل مع هذه
احلاالت املر�ضية.
�7.7إنِّ القواعد الفقهية والن�صو�ص ال�شرعية تدل على �أن املحافظة على حياة
احلي ال�صحيح تق ّدم على �إقامة ال�س ّنة �أو الواجب يف حق امليت ،ويكفي يف
ّ
الأحكام اعتبار غلبة الظن املتمثل يف انتقال العدوى للمغ�سل ثم انتقالها
منه لغريه.
8.8يجوز غ�سل موتى الأوبئة ب�أجهزة التحكم عن بعد ،والتي جتمع بني الوفاء
ب�شروط وواجبات و�سنن غ�سل املوتى يف ال�شريعة الإ�سالمية واال�شرتاطات
ال�صحية والبيئية املرعية .والدعوة موجهة للمخت�صني يف هذا ال�ش�أن من
امل�سلمني للم�سارعة ب�إنتاج مثل هذه الأجهزة
9.9الراجح �أن تكفني امل�سلم فر�ض على الكفاية �إذا قام به البع�ض� ،سقط الإثم
عن الباقني ،وذلك لقوة �أدلتهم ،و�ضعف �أدلة القول الثاين .واهلل �أعلم.
1010الأ�صل �أن يجرد امليت من جميع مالب�سه التي عليه ،وت�أخذ يف كي�س معقم
لتحرق وتدفن يف مكان ال ينب�ش ،خو ًفا من انتقال العدوى عن طرق البهائم،
�أو ال�سباع بكل �أنواعها.
�1111صورة الكفن ل�صاحب الوباء� ،أن يكون معق ًما �سات ًرا جلميع بدنه ،فال يت�سرب
منه �شيء ،ال من �سائل �أو رائحة.
1212ال خالف بني الفقهاء على �أن �صالة اجلنازة ُ�شرعت يف الأ�صل قبل الدفن،
وعلى �سبيل الكفاية� ،إذا قام بها بع�ض املكلفني �سقط طلبها عن الباقني،
و�إذا تواطئوا على تركها تعلقت م�شروعيتها بهم جمي ًعا ،ويقع �إثم تركها على
من عرف منهم.
1313ال�صالة على امليت امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا) وغريه من �سائر
الأمرا�ض والأوبئة املعدية فر�ض على الكفاية �إذا قام به البع�ض �سقط الإثم
عن الباقني ،ويتحقق هذا يف مثل هذه الأحوال والظروف اال�ضطرارية ببع�ض
الأطباء وطواقم التمري�ض وبع�ض �أهل املتوفى.
كورونا
1414دفن امليت امل�سلم فر�ض كفاية بالإجماع ،ف�إذا تعطل �أثم به كل من دخل
يف ذلك الفر�ض دون غريه ،و�إذا تعني يف طائفة؛ لعدم وجود �سواهم مع
امليت ،فلم يقوموا به -دون عذر� -أثموا وع�صوا اهلل تعالى ،وعلى ال�سلطان
�أن يعاقبهم على ذلك ال �ستخفافهم مبا يجب عليهم من حوائجهم يف
الإ�سالم.
1515دفن املُتو َّفى بفريو�س ُكورونا -كدفن غريهٌ -
واجب على امل�سلمني ال ي�سعهم
الوجوب عن الباقني ،وال �ضرر من دفن
ُ تركه ،و�إذا قام به ُ
بع�ضهم �سقط
املُتو َّفى بفريو�س كورونا بعد �أخذ كافة االحتياطات ال�سابقة يف �أية مقابر.
�1616إن ح�صلت �ضرورة كعدم وجود احلافر �أو �ضاق املكان ،كما لو كرث املوتى يف
كارثة من وباء (كما هي احلال يف وباء كورورنا امل�ستجد)� ،أو هدم� ،أو غرق،
�أو غري ذلك ،وع�سر دفن كل واحد يف قرب ،فيجوز دفن االثنني والثالثة و�أكرث
يف قرب ،بح�سب ال�ضرورة �أو احلاجة.
ثان ًيا :التو�صيات:
�1.1أو�صي الباحثني وطالب العلم املتخ�ص�صني يف الفقه الإ�سالمي ب�إجراء
املزيد من البحوث والدرا�سات املتخ�ص�صة حول هذه النازلة ،وبيان ما يتعلق
بها من �أحكام.
�2.2أو�صي القائمني على املجامع الفقهية ،ودور الفتوى ببذل اجلهد ببيان
ما يتعلق بهذه النازلة وغريها من النوازل امل�ستجدة ،وذلك عن طريق
عقد الندوات وامل�ؤمترات املتخ�ص�صة ،واخلروج بتو�صيات ي�ستفيد منها
املتخ�ص�ص وغريه.
3.3على و�سائل الإعالم املرئي واملقروء وامل�سموع جتنب �إثارة ال�شائعات يف
�أوقات الأزمات ،والعمل على نقل حقيقة الأخبار بدون تهويل و�إثارة للفزع
بني النا�س.
4.4على املتخ�ص�صني يف �شتى املجاالت �أن يكونوا على �أهبة اال�ستعداد ملواجهة
خماطر هذه الأزمات وتقدمي احللول الناجعة لها.
�5.5ضرورة التوا�صل والتفاعل بني اجلهات الطبية واجلهات ال�شرعية من �أجل
�إ�صدار الفتاوى ال�صحية يف زمن الأوبئة.
كورونا
•القر�آن الكرمي
•� اًأول :كتب التف�سري وعلوم القر�آن
1.1تف�سري القر�آن العظيم :لأبي الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الدم�شقي
(ت774 :هـ) ،ط /دار طيبة للن�شر والتوزيع ،الطبعة :الثانية 1420هـ1999/م،
حتقيق� :سامي بن حممد �سالمة.
2.2جامع البيان يف ت�أويل القر�آن :حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب الآملي
�أبو جعفر الطربي (ت310 :هـ) ،ط /م�ؤ�س�سة الر�سالة :بريوت -ط /الأولى:
1420هـ2000/م :حتقيق :العالمة� /أحمد حممد �شاكر.
3.3اجلامع لأحكام القر�آن ،لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد بن �أبي بكر بن فرح
الأن�صاري اخلزرجي �شم�س الدين القرطبي (ت 671 :هـ) ،ط /دار عامل
الكتب ،الريا�ض ،ال�سعودية ،الطبعة 1423 :هـ2003/م ،حتقيق :ه�شام �سمري
البخاري.
•ثان ًيا :كتب احلديث و�شروحه
�1.1سنن ابن ماجه ،لأبي عبداهلل حممد بن يزيد القزويني ابن ماجه (ت273 :هـ)
ط /جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة ،ط /الأولى 1421هـ.
�2.2سنن �أبي داود للإمام �أبي داود �سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين الأزدي (ت:
275هـ) ط /جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة ،ط /الأولى 1421هـ.
�3.3سنن الرتمذي :للإمام حممد بن عي�سى �أبو عي�سى الرتمذي ال�سلمي (ت،)279 :
ط /جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة ،ط /الأولى 1421هـ.
4.4ال�سنن الكربى للبيهقي ،للإمام �أحمد بن احل�سني بن علي بن مو�سى �أبو بكر
البيهقي (ت ،)458 :ط /جمل�س دائرة املعارف النظامية الكائنة يف الهند ببلدة
حيدر �آباد ،الطبعة الأولى 1344هـ.
�5.5سنن الن�سائي :للإمام �أحمد بن �شعيب �أبو عبدالرحمن الن�سائي (ت303 :هـ)،
ط /جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة ،ط /الأولى 1421هـ.
�6.6شرح النووي على م�سلم :لأبي زكريا يحيى بن �شرف بن مري النووي (ت:
676هـ) ،ط /دار �إحياء الرتاث العربي ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1392هـ.
�7.7شعب الإميان للبيهقي ،للإمام �أحمد بن احل�سني بن علي بن مو�سى �أبو بكر
البيهقي (ت458 :هـ) ،ط /دار الكتب العلمية -بريوت -الطبعة الأولى 1410هـ
-حتقيق :حممد ال�سعيد ب�سيوين زغلول.
�8.8صحيح البخاري ،لأبي عبداهلل حممد بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن املغرية بن
بردزبة البخاري اجلعفي (ت256 :هـ) ط /جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة -
ط /الأولى 1421هـ.
�9.9صحيح م�سلم للإمام �أبي احل�سني م�سلم بن احلجاج الق�شريي الني�سابوري (ت:
261هـ) ط /جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة -ط /الأولى 1421هـ.
1010عون املعبود �شرح �سنن �أبى داود :لأبي الطيب حممد �شم�س احلق العظيم �آبادي،
ط /املكتبة ال�سلفية ،املدينة املنورة ،الطبعة الثانية1388 ،هـ1968 ،م ،حتقيق:
عبدالرحمن حممد عثمان.
1111فتح الباري �شرح �صحيح البخاري :للإمام �أحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل
الع�سقالين ،ط /دار املعرفة ،بريوت 1379هـ ،حتقيق :حممد ف�ؤاد عبدالباقي،
وحمب الدين اخلطيب.
1212امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم -ط /دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة
الأولى 1411هـ1990/م ،حتقيق :م�صطفى عبدالقادر عطا ،وقال احلاكم :هذا
حديث �صحيح الإ�سناد ،ومل يخرجاه.
كورونا
1313م�سند �أحمد بن حنبل -ط /م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة :الثانية 1420هـ/
1999م ،حتقيق� :شعيب الأرن�ؤوط و�آخرون.
1414م�صنف عبدالرزاق ال�صنعاين ،ط /املكتب الإ�سالمي -بريوت ،الطبعة الثانية،
1403هـ ،حتقيق :حبيب الرحمن الأعظمي.
1515املعجم الكبري للطرباين� ،سليمان بن �أحمد بن �أيوب �أبو القا�سم الطرباين،
ط /مكتبة الزهراء ،املو�صل1404 ،هـ1983/هـ ،حتقيق :حمدي بن عبداملجيد
ال�سلفي.
•ثال ًثا :كتب الفقه الإ�سالمي:
�أ .كتب الفقه احلنفي
1.1البحر الرائق �شرح كنز الدقائق :للعالمة ال�شيخ /زين الدين بن �إبراهيم بن
حممد بن حممد بن بكر ال�شهري بابن جنيم (ت970 :هـ) ،ط/دار الكتاب
الإ�سالمي ،الطبعة الثانية (ن.ت).
2.2بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع :للإمام عالء الدين �أبى بكر ابن م�سعود
الكا�ساين احلنفي (ت587 :هـ) ،ط /املكتبة العلمية بريوت.
3.3تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق :لفخر الدين عثمان بن على الزيلعي احلنفي
(ت743 :هـ)ـ ،ط/دار الكتاب الإ�سالمي ،الطبعة الثانية (ن.ت).
4.4حا�شية ابن عابدين امل�سماة رد املحتار على الدر املختار �شرح تنوير الأب�صار:
ملحمد �أمني ال�شهري بابن عابدين -ط /دار �إحياء الرتاث العربي (ن.ت).
�5.5شرح العناية على الهداية :ملحمد بن حممود البابرتي ،مطبوع بهام�ش فتح
القدير :للكمال ابن الهمام ،ط /دار الفكر ،بريوت ،الطبعة الثانية( ،ن.ت).
�6.6شرح فتح القدير :لكمال الدين حممد بن عبدالواحد بن عبداحلميد بن م�سعود
املعروف بابن الهمام احلنفي (ت861 :هـ) ،ط/دار �إحياء الرتاث العربى
(ن.ت).
7.7املب�سوط :ملحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي� ،أبو بكر ،ط /دار املعرفة ،بريوت،
1406هـ.
8.8جممع الأنهر يف �شرح ملتقى الأبحر :عبداهلل بن حممد بن �سليمان ال�شهري
بداماد �أفندي ،و�صاحب ملتقى الأبحر هو ال�شيخ� /إبراهيم بن حممد بن
�إبراهيم احللبي ،ط /دار الطباعة العامرة 1317هـ -دار �إحياء الرتاث العربي
للن�شر والتوزيع بالقاهرة.
ب .كتب الفقه املالكي
1.1اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار :لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل بن
عبدالرب النمري القرطبي (ت463 :هـ) ،ط /دار الكتب العلمية ،بريوت،
2000م ،حتقيق� :سامل حممد عطا-حممد علي معو�ض.
2.2بداية املجتهد ونهاية املقت�صد :لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن �أحمد
بن ر�شد القرطبي ال�شهري بابن ر�شد احلفيد (املتوفى595 :هـ) ،ط /مطبعة
م�صطفى البابي احللبي و�أوالده ،م�صر ،الطبعة الرابعة1395 ،هـ1975/م.
3.3التاج والإكليل :لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف �أبي القا�سم العبدري ،الغرناطي،
�أبو عبداهلل املواق املالكي (ت897 :هـ) ،ط /دار الفكر ،بريوت 1398هـ ،الطبعة
الثانية.
4.4التلقني يف الفقه املالكي ،لأبي حممد عبدالوهاب بن علي بن ن�صر الثعلبي
البغدادي املالكي (ت422 :هـ) ،ط /دار الكتب العلمية ،الطبعة الأولى 1425هـ-
2004م ،حتقيق� :أبو �أوي�س حممد بو خبزة احل�سني التطواين.
5.5جواهر الإكليل �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل يف مذهب الإمام مالك �إمام دار
التنزيل :لل�شيخ� /صالح عبدال�سميع الآبي الأزهري ،ط /املكتبة الثقافية ،بريوت.
6.6حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري لل�شرح /حممد بن �أحمد بن عرفة الد�سوقي
املالكي (ت1230 :هـ) ،ط/دار �إحياء الكتب العربية عي�سى البابي احللبي (ن.ت).
كورونا
7.7حا�شية العدوى على خمت�صر خليل :لل�شيخ على �أحمد العدوى ال�صعيدي (ت:
1189هـ) ،ط/دار الكتاب الإ�سالمي لإحياء ون�شر الرتاث الإ�سالمي بالقاهرة
(ن.ت).
8.8ال�شرح ال�صغري على �أقرب امل�سالك� :أحمد بن حممد بن �أحمد الدردير ،ط/
دار املعارف مب�صر.
9.9الكايف يف فقه �أهل املدينة املالكي ،لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل بن حممد بن
عبدالرب بن عا�صم النمري القرطبي (ت463 :هـ) ،ط /مكتبة الريا�ض احلديثة،
الريا�ض ،ال�سعودية ،الطبعة :الثانية1400 ،هـ1980/م ،حتقيق :حممد حممد
�أحيد ولد ماديك املوريتاين.
1010املدونة الكربى :للإمام مالك بن �أن�س الأ�صبحي املدين (ت179 :هـ) ،ط /دار
الفكر ،بريوت ،الطبعة الثانية 1400هـ1980-م.
1111املقدمات املمهدات لبيان ما اقت�ضته ر�سوم املدونة من الأحكام :لأبي الوليد
حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي (ت520 :هـ) ،ط/دار الغرب الإ�سالمي،
بريوت -لبنان الطبعة :الأولى 1408 ،هـ 1988 -م ،حتقيق :د /حممد حجي.
1212املنتقى �شرح املوط�أ :للقا�ضي �سليمان بن خلف بن �سعد بن �أيوب بن وارث
الباجي الأندل�سي ،ط /مطبعة ال�سعادة ،م�صر ،الطبعة الأولى 1332هـ.
1313مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل :لأبي عبداهلل حممد بن عبدالرحمن
املغربي ،املعروف باحلطاب ،ط /دار الفكر ،بريوت 1398هـ ،الطبعة الثانية.
ج .كتب الفقه ال�شافعي
�1.1إعانة الطالبني :لأبي بكر (امل�شهور بالبكري) بن حممد �شطا الدمياطي (ت:
بعد 1302هـ) ،هو حا�شية على حل �ألفاظ فتح املعني ل�شرح قرة العني مبهمات
الدين :لزين الدين بن عبدالعزيز املعربي املليباري (ت 987 :هـ) ،ط /دار
الفكر ،بريوت.
2.2الإقناع يف حل �ألفاظ �شجاع :حممد اخلطيب ال�شربيني املتوفى �سنة 977هـ ،ط/
دار الفكر ،بريوت ،حتقيق :مكتب البحوث والدرا�سات بدار الفكر.
3.3الأم :للإمام �أبى عبداهلل حممد بن �إدري�س ال�شافعي املتوفى �سنة 204هـ،
حتقيق�/أحمد عبيد وعناية ،ط/دار �إحياء الرتاث العربى ،بريوت ،الطبعة
الأولى 1400هـ2000/م.
4.4حتفة املحتاج ب�شرح املنهاج :ل�شهاب الدين �أحمد بن حجر الهيتمي (ت:
974هـ) ،حتقيق /مكتب البحوث والدرا�سات يف دار الفكر ،ط/دار الفكر
للطباعة والن�شر والتوزيع ،بريوت ،الطبعة الأولى 1418هـ1997/م.
5.5حا�شية اجلمل على املنهج ل�شيخ الإ�سالم زكريا الأن�صاري ،للعالمة ال�شيخ
�سليمان اجلمل ،ط /دار الفكر -بريوت.
6.6احلاوي الكبري :لأبى احل�سن على بن حممد بن حبيب املاوردي (ت450 :هـ)،
حتقيق /حممود مطرجي و�آخرون ،ط/دار الفكر ،بريوت ،الطبعة الأولى
1414هـ1994/م.
7.7رو�ضة الطالبني :للإمام �أبو زكريا حميى الدين بن �شرف النووي (ت676 :هـ)،
ط /املكتب الإ�سالمي ،بريوت.
8.8املجموع �شرح املهذب :للإمام �أبو زكريا حميى الدين بن �شرف النووي (ت:
676هـ) ،حتقيق :حممد جنيب املطيعي ،ط /دار الفكر ،بريوت1977 ،م،
حتقيق :د /حممود مطرجي.
9.9مغني املحتاج �إلى حل �ألفاظ املنهاج :حممد اخلطيب ال�شربيني (ت977 :هـ)،
ط/دار الفكر ،بريوت ،الطبعة الأولى 1415هـ1995/م.
1010نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج :للإمام �شم�س الدين حممد بن �أبي العبا�س �أحمد
بن حمزة ابن �شهاب الدين الرملي ال�شهري بال�شافعي ال�صغري (ت1004 :هـ)،
ط /دار الفكر ،بريوت1404 ،هـ 1984/م.
كورونا
البهوتي (ت1051 :هـ) ،راجعه وعلق عليه ال�شيخ /هالل م�صيلحي م�صطفى
هالل ،ط/دار الفكر ،بريوت 1402هـ1982/م.
1010املبدع �شرح املقنع� :إبراهيم بن حممد بن عبداهلل بن حممد ابن مفلح� ،أبو
�إ�سحاق ،برهان الدين (ت884 :هـ) ،ط /دار عامل الكتب ،الريا�ض ،الطبعة:
1423هـ2003/م.
1111مطالب �أويل النهى يف �شرح غاية املنتهى :للفقيه العالمة ال�شيخ /م�صطفى
ال�سيوطي الرحيباين (ت1243 :هـ) ،ط/بدون ا�سم مطبعة 1421هـ2000-م.
1212املغني :ملوفق الدين �أبى حممد بن عبداهلل بن �أحمد بن حممد ابن قدامة
املقد�سي احلنبلي (ت630 :هـ) ،ط /ط /مكتبة الريا�ض احلديثة ،الريا�ض،
ال�سعودية1390 ،هـ1970/م ،ت�صحيح ال�شيخ /حممد �سامل حمي�سن ،وال�شيخ/
�شعبان حممد �إ�سماعيل.
هـ .كتب الفقه الظاهري
1.1املحلى :لأبي حممد على بن �أحمد بن �سعيد ابن حزم املتوفى �سنة 456هـ،
حتقيق� /أحمد حممد �شاكر ،ط/دار الرتاث ،القاهرة (ن.ت).
و .الفقه العام واملقارن:
1.1املو�سوعة الفقهية الكويتية :وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية -الكويت ،ط/
دار ال�سال�سل -الكويت ،الطبعة الثانية( :من 1427 - 1404هـ).
•راب ًعا :كتب اللغة واملعاجم
1.1تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،حم ّمد بن حم ّمد بن عبدالر ّزاق احل�سيني،
�أبو الفي�ض ،املل ّقب مبرت�ضى ،الزَّبيدي ،ط /دار الهدية ،حتقيق :جمموعة من
املحققني.
2.2تاج اللغة و�صحاح العربية امل�سمى (ال�صحاح) لأبى ن�صر �إ�سماعيل بن حماد
اجلوهري الفارابي (ت398 :هـ) ،ط/دار �إحياء الرتاث العربى ،بريوت ،الطبعة
كورونا
الأولى 1419هـ1999/م.
3.3التعريفات ،علي بن حممد بن علي اجلرجاين ،ط /دار الكتاب العربي -بريوت،
الطبعة الأولى1405 ،هـ ،حتقيق� :إبراهيم الأبياري.
4.4التوقيف على مهمات التعاريف ،حممد عبدالر�ؤوف املناوي ،ط /دار الفكر
املعا�صر ,دار الفكر -بريوت ,دم�شق ،الطبعة الأولى1410 ،هـ ،حتقيق :د .حممد
ر�ضوان الداية.
5.5الكليات :لأبي البقاء الكفوي �أيوب بن مو�سى احل�سيني ،ط /م�ؤ�س�سة الر�سالة -
بريوت 1419 -هـ1998/م ،حتقيق :عدنان دروي�ش -حممد امل�صري.
6.6ل�سان العرب :ملحمد بن مكرم بن منظور الأفريقي امل�صري ،ط /دار �صادر،
بريوت ،الطبعة الأولى بدون تاريخ.
7.7خمتار ال�صحاح ،حممد بن �أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت721 :هـ) ،ط/
مكتبة لبنان نا�شرون� ،سنة الن�شر 1415هـ1995/هـ ،بريوت ،حتقيق :حممود
خاطر.
8.8معجم العني ،للخليل بن �أحمد الفراهيدي (ت175 :هـ) ،ط /دار ومكتبة
الهالل ،حتقيق :د /مهدي املخزومي / ،د �إبراهيم ال�سامرائي.
9.9املعجم الو�سيط� :إبراهيم م�صطفى و�آخرون ،ط /دار الدعوة ،القاهرة ،حتقيق:
جممع اللغة العربية ،القاهرة.
1010معجم مقايي�س اللغة ،لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا (ت395 :هـ) ،ط/
دار اجليل ،بريوت ،لبنان1420 ،هـ1999/م ،حتقيق :عبدال�سالم حممد هارون.
1111املفردات يف غريب القر�آن ،لأبي القا�سم احل�سني بن حممد الراغب الأ�صفهاين
(ت502 :هـ) ،ط /دار املعرفة ،بريوت ،لبنان ،حتقيق :حممد �سيد كيالين.
• ً
خام�سا :الكتب والبحوث املعا�صرة
1.1الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون مع درا�سة فقهية للأحكام املتعلقة
كورونا
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د .تهاين بنت عبدالله اخلنيني
الأ�ستاذ امل�ساعد يف ق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة
ال�سالمية
جامعة الإمام حممد بن �سعود إ
د .هتاني بنت عبداهلل اخلنيين
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على املبعوث رحمة للعاملني ،وعلى �آله
و�صحبه ومن تبعهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين.
�أما بعد..
ف�إن اهلل �سبحانه وتعالى خلق اخللق ،وتك ّفل لهم بالعطاء والرزق ،و�أجرى عليهم
ي�صح وخلق مير�ض ،وكان من �سننه
�سننه يف الأر�ض ،فخلق ميوت وخلق ُيولد ،وخلق ّ
�أن ير�سل بالآيات تخوي ًفا وتنبي ًها وابتال ًء ،لعلهم �إليه يرجعون ،ولريفع درجات من
ابتلي بها من امل�ؤمنني ،ويزيد �شقاء من كتب �شقاءه �إلى يوم الدين.
و�إن مما حل بالعامل �أجمع يف هذه الأيام من انت�شار وباء كورونا (كوفيد)19-
لآية عظيمة من �آيات اهلل؛ ال�شاهدة على خلقه وقدرته وحكمته ،ولأن هذا الوباء
والتعامل معه �أورث نوازل وم�سائل يف حياة امل�سلمني� ،أفرادًا وجماعات ،مر�ضى
و�أ�صحاء� ،أطباء وممار�سني �صحيني وغريهم؛ ف�إن من واجب العلماء �أن يبذلوا
جهدهم يف االجتهاد ،وبيان �أحكام اهلل فيها ،ولهم يف ذلك �سنة م�سبوقة ،فعندما
نرجع بالذاكرة �إلى الزمن الغابر يف حياة الأمة الإ�سالمية؛ حني انت�شرت الطواعني،
أرواحا كثرية ،جند �أن علماءنا الأفذاذ ت�صدوا جلمع �أحكامه وبيانها ،حتى
وح�صدت � ً
ورثنا منهم امل�صنفات اخلا�صة فيه ،والعامة التي �أودع فيها �أحكامه مع غريه ،و�إين
لأجد احلاجة ما�سة يف هذه الأيام لبيان الأحكام التي �أفرزها التعامل مع هذا الوباء،
وعزمت �أن �أرمي ب�سهم يف ذلك ،واختار منها ما يتعلق بالطبيب ومعاونيه ،ممن
يطلق عليهم (املمار�سون ال�صحيون) ،ال�سيما �أنه وجد الت�سا�ؤل من لدن املمار�سني
ال�صحيني يف �إقامة عبادة ال�صالة مع تعذر الو�ضوء� ،أو �إيقاع ال�صالة يف غري وقتها
لدواعي التطبيب يف هذه اجلائحة ،ومدى جواز الرتخ�ص بالتيمم� ،أو ال�صالة بغري
طهور ،وكذلك اجلمع بني ال�صالتني� ،أو ت�أخري ال�صالة عن وقتها لأ�سباب �س�أبينها،
لذا �أحببت �أن �أجمع ما تفتقت عنه �أذهان علماءنا يف فهم الدالئل ال�شرعية املتعلقة
بذلك يف هذا البحث الذي �أ�سميته :بــــ (ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني
ال�صالتني والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انت�شار وباء كورونا (كوفيد.))19-
�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره:
تتجلى �أهمية املو�ضوع يف النقاط التالية:
�1.1أن انت�شار وباء كورونا (كوفيد )19-والتعامل معه �أ ّثر على حياة النا�س؛ مما
طال بع�ض العبادات واملعامالت ونحوها.
2.2حاجة املمار�سني ال�صحيني على اختالف ت�صنيفهم ملعرفة الأحكام ال�شرعية
املتعلقة بال�صالة و�شروطها؛ يف حميط عملهم �أثناء التعامل مع هذا الوباء.
�3.3أن البحث يتعلق ب�أهم �أركان الإ�سالم وعمود الدين وهو ال�صالة وما ت�ستلزمه
ل�صحتها ،خا�صة �أن غالب ما ُكتب يف ذلك ال يعدو كونه فتاوى ور�سائل
مقت�ضبة ،مما ي�ستدعي بحث امل�س�ألة على وجه التف�صيل والت�أ�صيل.
�4.4أنه ُيربز كمال ال�شريعة وح�ضورها احلي يف كل نازلة ،و�صالحية �أحكامها
لكل زمان ومكان.
�أهداف املو�ضوع:
يهدف بحث هذا املو�ضوع �إلى بيان الآتي:
1.1الأ�سباب املبيحة للرتخ�ص وعالقتها بعمل املمار�س ال�صحي.
�2.2أحوال املمار�س ال�صحي وحكم ترخ�صه بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني �أثناء
العمل.
املبحث الثاين :التخلف عن اجلمعة واجلماعة للمار�س ال�صحي زمن انت�شار وباء
كوفيد.19-
اخلامتة :وفيها �أبرز النتائج.
منهج البحث:
�سلكت يف هذا البحث املنهج املتبع يف درا�سة امل�سائل الفقهية وهو كالآتي:
1.1جمعت املادة العلمية من مظانها عن طريق اال�ستقراء.
�2.2صورت امل�س�ألة ليت�ضح املق�صود منها وبيان موا�ضع االتفاق فيها ب�أدلتها،
وموا�ضع االختالف ،بذكر الأقوال من املذاهب الأربعة ،واال�ستدالل على
ذلك ،وبيان ما يرد من مناق�شات وما يجاب عنها به �إن وجدت ،ثم ذكرت
الراجح مع بيان �سبب الرتجيح.
3.3وثقت من امل�صادر املعتربة.
4.4عزوت الآيات �إلى �سورها ،وخ ّرجت الأحاديث من م�صادرها وبينت ما ذكره
�أهل العلم يف احلكم عليها.
ذكرت خامتة �ضمنتها خال�صة البحث ،ونتائجه.
ذيلت البحث بفهر�س امل�صادر واملراجع.
هذا وقد بذلت فيه جهدي فما كان فيه من حق و�صواب فمن اهلل ،وما كان غري
ذلك فمن نف�سي وال�شيطان ،وا�ستغفر اهلل منه.
و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم.
التمهيد
التعريف مب�صطلحات عنوان البحث
املطلب الأول
تعريف الرتخ�ص
الرتخ�ص لغة :من الفعل رخ�ص ،قال ابن فار�س“ :الراء واخلاء وال�صاد �أ�صل
يدل على لني ،وخالف �شدة”((( ،ومن ذلك اللحم والثوب ال ّر ْخ�ص� :أي الناعم ،ومنه
ال ُّرخ�ص :خالف الغالء ،يقال �أرخ�ص ال�شيء� :أي جعله رخي صً� ا ،والرخ�صة يف الأمر
خالف الت�شديد ،وترخي�ص اهلل للعبد يف �أ�شياء خففها عنه ،ورخ�ص يل يف الأمر:
�أَ ِذن يل فيه بعد النهي عنه(((.
ا�صطالحا :الرتخ�ص هو الأخذ بالرخ�صة امل�أذون فيها بعد النهي((( ،وع ّرف
ً
الأ�صوليون الرخ�صة بتعريفات عدة من �أ�شهرها :ما ثبت على خالف دليل �شرعي
ملعار�ض راجح (((.
مقايي�س اللغة ( ،500/2مادة ر خ �ص). (((
انظر :مقايي�س اللغة ،500/2ل�سان العرب ( 40/7مادة ر خ �ص). (((
انظر :ل�سان العرب .40/7 (((
انظر :رو�ضة الناظر ،259/1البحر املحيط .31/2 (((
املطلب الثاين
تعريف املمار�س ال�صحي
املطلب الثالث
تعريف الوباء
الوباء لغة :قال ابن فار�س( :الواو والباء والهمزة كلمة واحدة هي الوباء،
أر�ض َو ِبئة على َف ِعلة ،وقد َو ِبئت ،وموبوءة وقد ُو ِب َئ ْت)((( ،والوباء بالق�صر واملد
و� ٌ
مر�ض عام ،و�أر�ض و ِبئة :كثرية الوباء ،وا�ستوب�أ الأر�ض:
والهمز :الطاعون ،وقيل :كل ٍ
ا�ستوخمها ووجدها وبئة(((.
ا�صطالحا :الوباء عند الفقهاء :املر�ض العام(((.
ً
ويطلقونه �أي�ضً ا على الطاعون ،وهو مر�ض يعم الكثري من النا�س يف جهة من
اجلهات دون غريها؛ بخالف املعتاد من �أحوال النا�س و�أمرا�ضهم ،ويكون مر�ضهم
غال ًبا مر�ضً ا واحدً ا؛ بخالف �سائر الأوقات ف�إن �أمرا�ض النا�س خمتلفة (((.
ويعنى به بالتعريف الطبي :االنت�شار ال�سريع للأمرا�ض �إلى عدد كبري من ال�سكان
يف غ�ضون فرتة زمنية ق�صرية.
((( انظر :نظام مزاولة املهن ال�صحية ال�صادر باملر�سوم امللكي رقم (م )95/وتاريخ 1426/11/4هـ،
على الرابطhttps://cutt.us/d4y7D :
مقايي�س اللغة .83/6 (((
((( انظر :ل�سان العرب ،189/1والقامو�س املحيط .69
((( انظر :املغرب يف ترتيب املعرب .475/1
((( املنتقى �شرح املوط�أ.197/7
فعلى �سبيل املثال ،يعترب معدل هجوم ما يزيد على 15حالة لكل 100,000
�شخ�ص ملدة �أ�سبوعني متتاليني وباء(((.
ويع ّرف مركز �أتالنتا ملكافحة الأمرا�ض الوباء على نطاق وا�سع ب�أنه :حدوث
حاالت مر�ضية �أو �إ�صابات �أو حاالت �صحية �أخرى �أكرث مما هو متوقع؛ يف منطقة
معينة� ،أو بني جمموعة معينة من الأ�شخا�ص خالل فرتة معينة ،وعادة ما يفرت�ض
�أن احلاالت لها �سبب م�شرتك �أو �أن تكون ذات �صلة ببع�ضها البع�ض بطريقة ما(((.
املطلب الرابع
التعريف بوباء كورونا (كوفيد)19-
يف 31دي�سمرب من عام 2019م مت �إبالغ املكتب الإقليمي ملنظمة ال�صحة العاملية يف
ال�صني بحاالت التهاب رئوي حاد؛ حدثت يف مدينة ووهان مبقاطعة هوبي ال�صينية،
ومت التعرف على الفريو�س عن طريق الت�سل�سل اجليني ،و�أُعلن ر�سم ًيا �أن فريو�س
(كورونا اجلديد) هو الفريو�س امل�سبب لتلك احلاالت من ِق َبل ال�سلطات ال�صينية يوم
7يناير 2020م ،و ُيعتقد �أن فريو�س ( ُكرونا) اجلديد مرتبط باحليوان؛ وذلك �أن �إن
�أغلب احلاالت الأولية كان لها ارتباط ب�سوق للبحريات واحليوانات يف مدينة ووهان.
وفريو�سات الكورونا هي جمموعة من فريو�سات ذات ال�صلة بفريو�س (فريو�س
احلم�ض النووي الريبوزي ،)RNAت�شكلت من �أ�سرة كبرية من الفريو�سات ،وت�سبب
((( انظر( :مركز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها -بحث -م�صدر �أجنبي)
Principles of Epidemiology, Third Edition (PDF). Atlanta, Georgia: Centers for Dis-
ease Control and Prevention. 2012
((( انظر( :مركز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها -بحث -م�صدر �أجنبي)
Principles of Epidemiology, Third Edition (PDF). Atlanta, Georgia: Centers for Dis-
ease Control and Prevention. 2012،
وموقع منظمة ال�صحة العاملية :الإنذار بحدوث الأوبئة واجلوائح ومواجهتها (تقرير) ،على الرابط:
https://web.archive.org/web/20090429100200/www.who.int/csr/disease/avian_in-
fluenza/phase/ar/index.html
ودروع الوجه الواقية ،والقفازات وغطاء ال�شعر وجهاز التنف�س �أحيا ًنا .واللبا�س العازل
�إما �أن يكون على �شكل ثوب �سابغ� ،أو بدلة مف�صلة على �أع�ضاء اجل�سم اً
كامل ،فالثوب
ُيلب�س على اجل�سم ليغطي اجلذع بالكامل من الرقبة �إلى الركبتني ويكون مغل ًقا من
الأمام وذا �أكمام طويلة ،ويعترب �أ�سهل ن�سب ًيا يف االرتداء واخللع من البدلة ،ويتم
ا�ستخدامه ب�شكل متكرر يف الرعاية ال�صحية ،و ُيلب�س معه القفازات وتثبت ب�شريط
ال�صق ،وقناع �أو جهاز التنف�س املثبت على الر�أ�س والرقبة ليغطي منت�صف الوجه
و�أ�سفل الذقن ،ويلب�س فوقه النظارات �أو درع الوجه ،وغطا ٌء لل�شعر ،و�أما البدلة ف�إما
�أن تكون مت�صلة وعلى كامل اجل�سم فتلب�س من الأ�سفل �إلى الأعلى ،وبع�ضها يت�صل
بنطال م�ستقل ،وغال ًبا ما تكونٍ به غطاء للر�أ�س� ،أو تكون من قطعتني :ال�سرتة مع
من�سوجة من مواد خم�ص�صة ملقاومة الهواء وال�سوائل ،ولتمنع العوامل املعدية ،وقد
يتطلب الأمر يف كال الرداءين لب�س ثياب خارجية واقية ،و�أغطية واقية فوق الأحذية،
ال�صق ،والنظارات ،ودرع الوجه� ،أوب�شريط ٍ
ٍ بالإ�ضافة ملا �سبق من القفازات املثبتة
جهاز التنف�س((( ،ويتم ا�ستخدام هذا اللبا�س يف املقام الأول من قبل الذين يتعاملون
مع مر�ضى �شديدي احلالة؛ والذين يحتاجون �إلى رعاية م�ستمرة ،وميكن له�ؤالء
البقاء يف غرفة املري�ض ملدة ت�صل �إلى � 12ساعة .وي�ستخدم يف جهاز التنف�س منفا ٌخ
مر�شح يوفر هوا ًء خال ًيا من امللوثات �أو اجلزيئاتلتمرير الهواء امللوث من خالل ّ
انظر� :أنواع معدات احلماية ال�شخ�صية امل�ستخدمة ملكافحة - .COVID-19بحث -م�صدر �أجنبي) (((
Petras, G. and Loehrke, J., 2020. PPE: Types of Personal Protective Equipment Used
to Combat COVID-19. [online] Usatoday.com. Available at: <https://www.usatoday.
com/in-depth/news/2020/03/31/coronavirus-protection-what-health-care-workers-
need-stay-safe/2917179001/> [Accessed 4 June 2020].
(مراكز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها .2020 .مر�ض الفريو�س التاجي COV�( 2019
.)ID-19بحث -م�صدر �أجنبي)
Centers for Disease Control and Prevention. 2020. Coronavirus Disease 2019 (CO-
VID-19). [online] Available at: <https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/
]respirator-use-faq.html> [Accessed 4 June 2020
(كيفية ارتداء بدلة واقية ب�شكل �صحيح -فيديو وقائمة مراجعة ال�سالمة -م�صدر �أجنبي .)-
uvex xpertblog. 2020. How to Put On A Protective Suit Correctly - Video & Check-
list | Uvex Safety. [online] Available at: <https://www.uvex-safety.com/blog/how-to-
]put-on-a-protective-suit-correctly/> [Accessed 4 June 2020
املحمولة ج ًوا .وتعترب البدلة من �أكرث معدات احلماية ال�شخ�صية �صعوبة يف اللب�س
والإزالة ،وقد ت�ستدعي وجود م�ساعد ،ولكنها توفر �أف�ضل حماية(((.
وقد ُ�ص ّممت هذه املعدات الوقائية لال�ستخدام مرة واحدة فقط ،ومن قبل �شخ�ص
واحد فقط ،ثم يتم التخل�ص منها ،كما �أنه يجب تغيريها ملقابلة كل مري�ض للحد من
انت�شار العدوى ،ويجب اتباع نظام معني (بروتوكالت) عند خلع هذه املعدات والألب�سة
للحد من انتقال العدوى للممار�س ال�صحي؛ كنزعه من الأعلى للأ�سفل ،و�سحب القفاز
من الداخل للخارج ،و�إزالة النظارة والقناع ب�سحبها للأمام ونحو ذلك ،ثم التعقيم
التام بغ�سل الوجه واليدين ،و�أي مناطق ملوثة من اجل�سم باملاء وغ�سول مطهر(((.
انظر( :مراكز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها .2020 .مر�ض الفريو�س التاجي CO�( 2019 (((
.)VID-19بحث -م�صدر �أجنبي )-
Centers for Disease Control and Prevention. 2020. Coronavirus Disease 2019 (CO-
VID-19). [online] Available at: <https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/
respirator-use-faq.html> [Accessed 4 June 2020].
(معدات للوقاية من الأمرا�ض �شديدة العدوى ب�سبب التعر�ض ل�سوائل اجل�سم امللوثة يف طاقم الرعاية
ال�صحية -تقرير -م�صدر �أجنبي )-
Verbeek, J., Rajamaki, B., Ijaz, S., Sauni, R., Toomey, E., Blackwood, B., Tikka, C.,
Ruotsalainen, J. and Kilinc Balci, F., 2020. Personal Protective Equipment for Pre-
venting Highly Infectious Diseases Due to Exposure To Contaminated Body Fluids
In Healthcare Staff
(كيفية ارتداء بدلة واقية ب�شكل �صحيح -فيديو وقائمة مراجعة ال�سالمة -م�صدر �أجنبي .)-
uvex xpertblog. 2020. How To Put On A Protective Suit Correctly - Video & Check-
list | Uvex Safety. [online] Available at: <https://www.uvex-safety.com/blog/how-to-
]put-on-a-protective-suit-correctly/> [Accessed 4 June 2020
((( ميكن االطالع على مقاطع فيديو توعوية للممار�سني ال�صحيني يف طريقة اللب�س والنزع على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=rNfcwA6ihfc
https://www.gov.uk/government/publications/covid-19-personal-protective-equipment-
use-for-aerosol-generating-procedures#attachment-4254631-accessibility-request
وانظر( :هذا هو ال�سبب يف �أن معدات احلماية ال�شخ�صية مهمة للغاية �أثناء تف�شي فريو�س كورونا -
تقرير -م�صدر �أجنبي)
Groth, L., 2020. This Is Why Personal Protective Equipment Is So Important During
the Coronavirus Outbreak. [online] Health.com. Available at: <https: //www.health.
]com/condition/infectious-diseases/coronavirus/what-is-ppe> [Accessed 4 June 2020
(املركز الوطني للتح�صني و�أمرا�ض اجلهاز التنف�سي ( .2020 .)NCIRDمر�ض الفريو�س =
م�ؤ�شراته احليوية با�ستمرار ،ولكل ع�شرة مر�ضى طبيب ،ويختلف هذا الأمر بطبيعة
احلال بح�سب �إمكانيات املن�ش�أة ال�صحية ،والدولة ،وكرثة احلاالت.
الق�سم الثاين :ق�سم الطوارئ:
ويكون يف هذا الق�سم ا�ستقبال احلاالت بعد فرزها والقيام بعمل الالزم من
الفح�ص والإجراءات العالجية التالية ح�سب حالة كل مري�ض خطورة من عدمه،
وبعد و�صول املري�ض امل�شتبه به �إلى ق�سم الطوارئ وت�شخي�صه باملر�ض ثم اطالقه من
ق�سم الطوارئ �إلى املن�ش�أة ال�صحية (التنومي) ،يجب على املمار�س ال�صحي يف ق�سم
الطوارئ التخل�ص من اللبا�س الواقي ،وتعقيم اليدين ،ليت�سنى له اال�ستجابة ملري�ض
�آخر يف ق�سم الطوارئ.
وت�شدد املن�ش�أة ال�صحية على املمار�سني ال�صحيني يف حرية التحركات وت�سعى
للحد من االنتقال من مكان �إلى �آخر بال �ضرورة �أو حاجة ما�سة ،وتقليل ا�ستخدام
مرافق املن�شاة كدورات املياه ،و�أماكن اال�سرتاحة ،وتناول الطعام ،للحد من انت�شار
الفايرو�س وانتقاله �إلى �أجنحة و�أق�سام امل�ست�شفى الأخرى(((.
واملق�صود من البحث :بيان حكم الأخذ برخ�صة التيمم ،واجلمع بني ال�صالتني،
والتخلف عن اجلمعة واجلماعة ،ممن يعمل يف جمال مداوة املر�ضى والقيام على
�ش�أنهم وعنايتهم يف املن�ش�آت ال�صحية ،يف زمن انت�شار الأوبئة.
((( انظر( :مر�ض الفريو�س التاجي - )2020( .)COVID-19( 2019م�صدر �أجنبي .)-
Coronavirus Disease 2019 (COVID-19). (2020). Retrieved 9 June 2020, from https:
//www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/guidance-for-ems.html
(مر�ض الفريو�س التاجي )COVID-19( 2019يف طب الطوارئ :اخللفية ،الت�شخي�ص التفريقي،
رعاية ما قبل امل�ست�شفى -م�صدر �أجنبي )-
Kohn, M. (2020). Coronavirus Disease 2019 (COVID-19) in Emergency Medicine:
Background, Differential Diagnosis, Prehospital Care. Retrieved 9 June 2020, from
https: //emedicine.medscape.com/article/2500118-overview#a5
املبحث الأول
ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم ،واجلمع بني ال�صالتني ،فرتة
معاجلة وباء كورونا (كوفيد)19-
العبادة على الوجه امل�أمور به قدر الإمكان ،ومبا يراعي �أي ضً� ا القيام بواجب حفظ
الأنف�س من الهالك.
واملت�أمل يف �أحكام ال�شريعة �أجمع ال يغيب عنه ما اخت�صت به من التي�سري ورفع
ّ
امل�شاق �إذا اعرت�ضت احلرج ،و�إباحة الرتخ�ص عند حدوث ما ي�ستوجب ذلك من
املكلف ،والبحث يف حتقيق املناط يف ال�صور احلادثة يف كل زمان ومكان مهمة
العلماء.
وملعرفة حكم ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني ،والإجابة
عن ت�سا�ؤالته فيما �سبق ،يح�سن تو�ضيح ما له تعلق بامل�س�ألة املذكورة من الأ�سباب
املبيحة للتيمم ،وكذلك املبيحة للجمع بني ال�صالتني ،ومدى كون الأو�صاف املذكورة
للمار�س الطبي مما ُي�شرع لأجله التيمم �أو اجلمع.
املطلب الأول
الأ�سباب املبيحة للتيمم
ويخاف �إذا تو� أض� به العط�ش على نف�سه �أو رفيقه �أو دابته� ،أو وجده يباع بزياد ٍة كثري ٍة
على ثمن مثله �أو ثمن يعجز عن �أدائه(((.
يجمع هذه ال�صور وغريها العجز عن الو�صول للماء ،و�إذا عجز عن الو�صول له
مل يكن واجدً ا له من حيث املعنى؛ فيدخل يف الن�ص(((.
واخلوف على الرفيق من العط�ش �إذا تو�ض�أ باملاء كاخلوف على النف�س ،لأن
حرمته كحرمة نف�سه ،وحرمة الآدمي تقدم على ال�صالة ،بدليل ما لو ر�أى حري ًقا �أو
غري ًقا عند �ضيق وقت ال�صالة ،لزمه ترك ال�صالة ،واخلروج لإنقاذه ،فلأن يقدمها
على الطهارة باملاء �أولى(((.
ال�سبب الثاين :العجز عن ا�ستعمال املاء:
تعريف العجز :عدم القدرة على ال�شيء �إال مب�شقة غري معتادة(((.
والعجز له �صور ذكرها الفقهاء منها:
ال�صورة الأولى :املر�ض:
ذكر الفقهاء � أن من �صور العجز عن ا�ستخدام املاء :املر�ض الذي ي�ؤدي
ا�ستخدام املاء معه �إلى التلف (�سوا ٌء تلف النف�س �أو الع�ضو)(((.
والدليل على �إباحة التيمم لذلك:
الدليل الأول :قوله تعالى( :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء.]43 :
انظر :بدائع ال�صنائع ،168 /1الفواكه الدواين ،152/1حا�شية العدوي ،222/1املجموع 194 /2وما (((
بعدها ،ال�شرح الكبري 175/2وما بعدها.
انظر :بدائع ال�صنائع .168/1 (((
انظر :مواهب اجلليل ،334/1ال�شرح الكبري .177/2 (((
املو�سوعة الفقهية .1365/2 (((
انظر :بدائع ال�صنائع ،171 /1فتح القدير ،124/1التب�صرة ،179/1مواهب اجلليل ،334/1 (((
احلاوي ،269/1ال�شرح الكبري .174 /2
وجه الداللة� :أن �ضحك النبي ﷺ وعدم قوله �شي ًئا ،يدل على �إقراره ،و�إباحة
ذلك ،لأنه ال يقر على خط�أ(((.
الدليل الثالث� :أن زيادة املر�ض �سبب املوت ،وخوف املوت مبي ٌح ،فكذا خوف �سبب
املوت ،لأنه خوف املوت بوا�سطة ،ولذلك أ� ّثر يف �إباحة الفطر وترك القيام بال
خالف((( ،ولإن �أ ّثر يف �إ�سقاط الركن فلأن ي�ؤثر يف �إ�سقاط ال�شرط من باب
�أولى((( ،لأن اخلوف ال يختلف و�إمنا تختلف جهاته(((.
الدليل الرابع�( :أن رخ�ص املر�ض ت�ستباح بلحوق امل�شقة ال حلوق التلف)(((.
الدليل اخلام�س� :أن امل�سافر ملا جاز له �أن يتيمم �إذا ُب ِذل له املاء ب�أكرث من ثمنه
ملا يقابله من ال�ضرر يف ماله ،فلأن يجوز للمري�ض �أن يتيمم من باب �أولى،
بجامع حلوق ال�ضرر(((.
الدليل ال�ساد�س :القيا�س على امل�سح على اجلبائر فكما يباح امل�سح عليها لت�ضرر
ال�شخ�ص بالغ�سل ،فكذلك التيمم للمر�ض الذي يخ�شى منه ال�ضرر ،بجامع
�أن كلاًّ منهما م�سح �أبيح لل�ضرورة فال يفرتق احلكم فيه بني خوف املر�ض
وخوف التلف(((.
اً
مو�صول = رقم � ،334ص ،60قال ابن حجر( :رواه البخاري تعلي ًقا ،و�أبو داود وابن حبان واحلاكم
من حديث عمرو بن العا�ص نحوه ،ويف �آخره ف�ضحك ومل يقل �شي ًئا ،واختلف فيه على عبدالرحمن بن
جبري ،فقيل :عنه عن �أبي قي�س عن عمرو ،وقيل :عنه عن عمرو بال وا�سطة ،لكن الرواية التي فيها
�أبو قي�س لي�س فيها ذكر التيمم ،بل فيها �إنه غ�سل مغابنه فقط.....وله �شاهد من حديث ابن عبا�س)،
التلخي�ص احلبري ،265/1و�صححه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود .100/1
انظر :ال�شرح الكبري .173/2 (((
انظر :يف الإجماع على �إباحة الفطر وترك القيام للمري�ض :بداية املجتهد �ص.271 ،168 (((
انظر :بدائع ال�صنائع .171/1 (((
انظر :ال�شرح الكبري .174/2 (((
احلاوي .271/1 (((
املرجع ال�سابق. (((
انظر :املنتقى �شرح املوط أ� .109/1 (((
�أدلة القول الثاين :القائل ال يجوز للمري�ض التيمم �إذا مل يخ�ش على نف�سه �أو
ع�ضوه الهالك �أو التلف:
الدليل الأول :القيا�س على من به �صداع �أو حمى ،فكما ال يجوز له �أن يتيمم،
فكذلك املري�ض الذي يخ�شى �ضر ًرا دون الهالك ،بجامع القدرة على
ا�ستعمال املاء من غري خوف التلف(((.
يجاب عنه :القيا�س هنا قيا�س مع الفارق فال�صداع واحلمى الي�سرية من
الأمرا�ض التي ال تلحق امل�شقة العظيمة ب�صاحبها ،بخالف غريها مما يكون
�سب ًبا للموت.
ٌ
م�شروط بخوف التلف كالعط�ش الدليل الثاين�( :أن كل معنى ي�ستباح به التيمم
واملر�ض)(((.
يجاب عنه :بعدم الت�سليم بذلك؛ فالن�صو�ص الواردة مل ت�شرتط يف حد
املر�ض امل�شارفة على الهالك للإباحة ،و�إمنا �أطلقت م�سمى املر�ض كما يف
الآية ،واخلوف من الإ�صابة به كما يف حديث عمرو بن العا�ص واهلل �أعلم.
الرتجيح:
يرتجح واهلل �أعلم القول ب�إباحة التيمم �إذا خ�شي ال�ضرر �أو ت�أخر الربء �أو زيادة
الأمل ،ملا يلي:
1.1قوة �أدلة القول بذلك و�صراحتها على املق�صود يف مقابل �أدلة القول الآخر
التي توجهت لها املناق�شة.
�2.2أن هذا القول يتوافق ومقا�صد ال�شريعة من رفع احلرج عن املكلف ،ورعاية
�أحواله املوجبة للتخفيف والرتخ�ص.
((( انظر :احلاوي .271/1
((( احلاوي .271 /1
الرتجيح:
يرتجح واهلل �أعلم القول ب�إباحة التيمم للمحدث حد ًثا �أ�صغر �إذا خ�شي املر�ض �أو
ال�ضرر ل�شدة الربد كما رجحت يف �إباحته للمري�ض الذي يخاف على نف�سه ال�ضرر �أو
ت�أخر الربء ملا ي�أتي:
1.1قوة �أدلة القول بذلك و�صراحتها على املق�صود يف مقابل �أدلة القول الآخر
التي توجهت لها املناق�شة.
�2.2أن هذا القول يتوافق ومقا�صد ال�شريعة من رفع احلرج عن املكلف ،ورعاية
�أحواله املوجبة للتخفيف والرتخ�ص.
املطلب الثاين
الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني
�صالة يف وقتها� ،أو متنعه من حت�صيل الطهارة� ،أو تفوت عليه اجلماعة ،كال�سفر،
واملطر ،والوحل والرياح والظلمة ال�شديدة ،واملر�ض ،واخلوف ،ونحو ذلك ،على ثالثة
�أقوال (باعتبار القاعدة لديهم يف اجلمع):
القول الأول :ال ُي�شرع اجلمع بني ال�صالتني �إال للن�سك ،وهو اجلمع بني الظهر
والع�صر يف عرفة ،وبني املغرب والع�شاء يف مزدلفة ،وما عداه فال ُي�شرع له
اجلمع ،وهو مذهب احلنفية(((.
القول الثاينُ :ي�شرع اجلمع يف كل حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه جمع فيها وهذه
الأحوال (اجلمع يف عرفة ومزدلفة ،اجلمع يف ال�سفر ،اجلمع يف املطر)،
و�أما ما عداها فال ي�شرع اجلمع فيها ،وهو مذهب ال�شافعية(((.
حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه جمع فيها ،وغريها القول الثالثُ :ي�شرع اجلمع يف كل ٍ
مما مياثلها يف علة امل�شقة ،وهو مذهب املالكية((( ،وقول لبع�ض ال�شافعية(((،
ومذهب احلنابلة(((.
ثم اختلف �أ�صحاب هذا القول يف الأحوال املختلفة املماثلة ومدى حتقق العلة
فيها ،فذهب املالكية �إلى �إحلاق املر�ض بتلك الأحوال(((.
وذهب احلنابلة على ال�صحيح من املذهب �إلى �إحلاق املر�ض وغريه مما يلحق
ب�صاحبه لأجل �إيقاع كل �صالة يف وقتها امل�شقة ،بال�سفر يف جواز الرتخ�ص(((.
وذكر املرداوي يف الإن�صاف جملة من امل�سائل يف ذلك منها� :أنه يجوز اجلمع للمر�ض،
انظر بدائع ال�صنائع , 327/1تبيني احلقائق ،88/1جممع الأنهر .74/1 (((
انظر :احلاوي ،399/2نهاية املطلب ،474-466/2املجموع .182/4 (((
انظر :الذخرية ،198/2بداية املجتهد �ص ،162الفواكه الدواين .269/1 (((
انظر :املجموع ،182/4رو�ضة الطالبني .401/1 (((
انظر ال�شرح الكبري ،87/5الإن�صاف .89/5 (((
انظر بداية املجتهد �ص ،162حا�شية الد�سوقي .368/1 (((
انظر املغني ،204/2الإن�صاف ،90/5ك�شاف القناع .5/2 (((
وللم�شقة بكرثة النجا�سة ،وللعجز عن الطهارة والتيمم لكل �صالة ،وللم�ستحا�ضة ومن يف
معناها على ال�صحيح من املذهب ،ونقل عن �صاحب الرعاية رواية �أوم�أ �إليها الإمام يف
جواز اجلمع للعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى ،ونقل عنه �أي ضً� ا جواز اجلمع ملن له �شغل،
�أو عذر يبيح ترك اجلمعة واجلماعة كخوفه على نف�سه� ،أو حرمه� ،أو ماله� ،أو غري ذلك(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول :القائل ب�إباحة اجلمع بني ال�صالتني يف عرفة ومزدلفة فقط:
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) الدليل الأول :قوله تعالى:
[الن�ساء.]103 :
وجه الداللة� :أن هذه ال�صلوات ُفر�ضت م�ؤقت ًة ب� ٍ
أوقات خم�صو�ص ٍة قطعي ٍة،
مقت�ض للف�ساد،
ٍ بدليل مثل ذلك ،وتقدميها عن وقتها
وال يجوز تركها �إال ٍ
قت�ض للحرمة(((.
وت�أخريها ُم ٍ
نوق�ش من وجهني:
الوجه الأول� :أن �أدلة املواقيت عام ٌة يف احل�ضر وال�سفر ،و�أحاديث اجلمع
خا�ص ٌة بال�سفر ،ونحوه من املر�ض ،فتقدم(((.
الوجه الثاين� :أن الدليل لي�س فيه حج ٌة لأن وقت اجلمع يكون وقتًا لهما،
وامل�صلي فيه جم ًعا يعترب م�ؤد ًيا ال قا�ض ًيا(((.
�أجيب عنه� :أن هذا حمل نزاع ،وال ُي�س ّلم بتداخل الوقتني ،بل كل �صالة
خمت�صة بوقتها ،فال يدخل وقت �صالة حتى يخرج وقت الأخرى(((.
((( انظر الإن�صاف .90/5
((( انظر :البحر الرائق .267/1
((( انظر :املجموع .177/4
((( انظر :احلاوي .393/2
((( انظر :املب�سوط .149/1
الدليل الثاين :ما رواه ابن م�سعود عن النبي ﷺ �أنه قال« :من جمع بني
ال�صالتني من غري عذر فقد �أتى با ًبا من �أبواب الكبائر»(((.
وجه الداللة� :أن ت�أخري ال�صالة من الكبائر كما يف اخلرب ،فال ُيباح اجلمع
بعذر ال�سفر واملطر ،و ُيع ّد ذلك ك�سائر الكبائر(((.
ويناق�ش من وجهني:
الوجه الأول� :أن احلديث �ضعيف فال تقوم به حجة.
الوجه الثاين :على فر�ض �صحة احلديث ف�إنه يدل على حترمي اجلمع من
غري عذر� ،أما �إذا كان لعذر فال ب�أ�س به ،وت�أخريها ب�سبب ال�سفر واملطر
واملر�ض ت�أخري لعذر.
الدليل الثالث� :أن عذر ال�سفر واملطر ال يبيح اجلمع بني الع�شاء والفجر وال بني
�شرعا،
الفجر والظهر ،الخت�صا�ص كل واحد منهما بوقت من�صو�ص عليه ً
فكذلك الظهر مع الع�صر واملغرب مع الع�شاء(((.
�أجيب عنه من ثالثة �أوجه:
قيا�س يف مقابل الن�ص،
الوجه الأول� :أن هذا القيا�س فا�سد االعتبار لأنه ٌ
فالن�ص قد دل على جواز اجلمع بني الظهرين والع�شاءين للعذر ،كما
�سي�أتي يف �أدلة القول الثاين.
الوجه الثاين :ب�أن الرخ�صة املتعلقة بال�صالة لأجل ال�سفر رخ�صتان :الق�صر
((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه يف كتاب ال�صالة باب ما جاء فيمن �أدرك ركعة من الع�صر قبل �أن تغرب
ال�شم�س ،واللفظ له ،وقال فيه :وحن�ش هذا هو �أبو علي الرحبي وهو حن�ش بن قي�س وهو �ضعيف عند
�أهل احلديث� ،ضعفه �أحمد وغريه ،رقم � ،188ص ،52والبيهقي يف ال�سنن الكربى ،169/3والدارقطني
يف ال�سنن ،247/2وقال عنه الألباين يف �ضعيف �سنن الرتمذي� :ضعيف جدً ا� ،ص.35
((( انظر بدائع ال�صنائع .327/1
((( املب�سوط .149/1
واجلمع ،فلما اخت�ص بالق�صر بع�ض ال�صلوات دون بع�ض فكذلك يف
رخ�صة اجلمع.
الوجه الثالث� :أن �صالة ال�صبح مل جتمع �إلى غريها لأن التي قبلها الع�شاء
وهي جتمع �إلى املغرب ،والتي بعدها الظهر وهي جتمع �إلى الع�صر(((.
�أدلة القول الثاين :القائل ب�إباحة اجلمع يف كل حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه
جمع فيها فقط:
دليل �إباحة اجلمع لعذر ال�سفر:
ما رواه ابن عمر قال( :كان ر�سول اهلل ﷺ يجمع بني املغرب والع�شاء �إذا
جد به ال�سري)(((.
وجه الداللة :اخلرب فيه داللة �صريحة على جواز اجلمع يف ال�سفر لفعل النبي
ﷺ.
نوق�ش من وجهني:
الوجه الأول� :أن اخلرب من �أخبار الآحاد؛ وال يرتك العمل بدليل قطعي وهو الآية
التي دلت على توقيت ال�صالة مبواقيت خم�صو�صة بخرب �آحاد(((.
�أجيب عنه :العمل بخرب الآحاد يف هذه امل�س�ألة لي�س فيه ترك للأدلة القطعية،
بل غاية الأمر تخ�صي�ص املتواتر بخرب الآحاد ال�صحيح ،وهو جائز(((.
الوجه الثاين� :أن احلديث م�ؤول باجلمع بالفعل ال بالوقت ،ب�أن � ّأخر الأولى منهما
((( انظر :احلاوي .395/2
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب التق�صري باب اجلمع يف ال�سفر بني املغرب والع�شاء رقم ،1106
�ص 177واللفظ له ،وم�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب جواز اجلمع بني ال�صالتني يف
ال�سفر رقم� ،703ص.286
((( انظر :بدائع ال�صنائع .126/1
((( انظر :ال�شرح الكبري ،86/5وانظر يف �أ�صل امل�س�ألة :البحر املحيط .488/4
�إلى �آخر الوقت ،ثم أ� ّدى الأخرى يف �أول الوقت وال وا�سطة بني الوقتني ،فوقعتا
جمتمعتني فعل(((.
�أجيب عنه� :أن هذا الت�أويل فا�س ٌد لأمرين:
الأول� :أن هذا لي�س فيه حج ٌة؛ لأنه نقل عن النبي ﷺ �أنه جمع بني
ال�صالتني يف ال�سفر يف وقت �أحداهما ،ومن حفظ حجة على من مل
يحفظ ومل ي�شهد((( ،ومن ذلك ما رواه �أن�س قال( :كان ر�سول
اهلل ﷺ �إذا ارحتل قبل �أن تزيغ ال�شم�س �أخّ ر الظهر �إلى �أن يدخل
وقت الع�صر ،ثم نزل فجمع بينهما ،ف�إن زاغت ال�شم�س قبل �أن يرحتل
�صلى الظهر ثم ركب)(((.
الثاين� :أن اجلمع رخ�صة؛ فلو كان على ما ذكر لكان �أ�شد �ضي ًقا ،و�أعظم
حرجا من الإتيان بكل �صالة يف وقتها ،لأن ذلك �أو�سع من مراعاة طريفً
الوقتني ،بحيث ال يبقى من وقت الأولى �إال قدر فعلها(((.
�أدلة �إباحة اجلمع لعذر املطر:
الدليل الأول :ما رواه ابن عبا�س �( :صلى ر�سول اهلل ﷺ الظهر والع�صر
جمي ًعا ،واملغرب والع�شاء جمي ًعا من غري خوف وال �سفر)(((.
وجه الداللة :يف احلديث داللة �صريحة على جواز اجلمع للعذر غري عذر ال�سفر
((( انظر :بدائع ال�صنائع .126/1
((( انظر :التمهيد .344/4
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب التق�صري باب ي�ؤخر الظهر �إلى الع�صر �إذا ارحتل قبل �أن تزيغ
ال�شم�س ،رقم � ،1111ص ،178وم�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب جواز اجلمع بني
ال�صالتني يف ال�سفر رقم� ،704ص 286واللفظ له.
((( انظر :ال�شرح الكبري .87/5
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب اجلمع بني ال�صالتني يف احل�ضر ،رقم 705
�ص.286
طويل وفيه:
حديث ٍٍ الدليل الثاين :ما جاء عن حمنة بنت جح�ش من
«�إمنا هذه رك�ضة من رك�ضات ال�شيطان فتحي�ضي �ستة �أيام �أو �سبعة يف
علم اهلل ثم اغت�سلي ،حتى �إذا ر�أيت �أنك قد طهرت ،وا�ستيقنت ،وا�ستنق�أت
ف�صلي �أرب ًعا وع�شرين ليلة� ،أو ثال ًثا وع�شرين ليلة ،و�أيامها و�صومي ،ف�إن
ذلك يجزئك ،وكذلك فافعلي يف كل �شهر ،كما حتي�ض الن�ساء ،وكما يطهرن
مبيقات حي�ضهن وطهرهن ،و�إن قويت على �أن ت�ؤخري الظهر وتعجلي الع�صر
فتغت�سلني ،ثم ت�صلني الظهر والع�صر جمي ًعا ،ثم ت�ؤخرين املغرب وتعجلني
الع�شاء ثم تغت�سلي وجتمعني بني ال�صالتني فافعلي ،وتغت�سلني مع الفجر
وت�صلني ،وكذلك فافعلي ،و�صلي و�صومي �إن قدرت على ذلك» ،وقال ر�سول
اهلل ﷺ« :وهذا �أعجب الأمرين �إيل»(((.
وجه الداللة� :أن النبي ﷺ �أباح للم�ستحا�ضة اجلمع ملا جتده من م�شقة
التطهر والتلجم لكل فري�ضة((( ،واال�ستحا�ضة نوع من املر�ض قد يلحق
ب�سببها ال�ضرر ب�إيقاع كل �صالة يف وقتها.
نوق�ش :ب�أن احلديث �ضعيف ،انفرد به ابن عقيل ،وقد �ضعفه �أكرث �أهل
العلم(((.
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه يف كتاب الطهارة ،باب �إذا �أقبلت احلي�ضة تدع ال�صالة� ،ص ،52ح،287
والرتمذي يف �سننه يف كتاب الطهارة ،باب ما جاء يف امل�ستحا�ضة �أنها جتمع بني ال�صالتني بغ�سل
واحد� ،ص ،34ح ،128والإمام �أحمد يف امل�سند ،381/6والدارقطني يف ال�سنن ،214/1واحلديث
خمتلف يف االحتجاج به.
فقد قال �أبو داود بعد ذكره لهذه الرواية�“ :سمعت �أحمد بن حنبل يقول :حديث ابن عقيل يف نف�سي منه
�شيء”� ،ص52؛ وجاء يف التلخي�ص احلبري ( :163/1قال الرتمذي :ح�سن ،قال وهكذا قال �أحمد والبخاري،
وقال البيهقي تفرد به بن عقيل وهو خمتلف يف االحتجاج به ،وقال ابن منده :ال ي�صح بوجه من الوجـوه
لأنهم �أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل ،وقال ابن �أبي حامت �س�ألت �أبي عنه فوهنه ومل يق ِو �إ�سناده) .اهـ.
((( انظر :ال�شرح الكبري .89/5
((( انظر :العلل البن �أبي حامت 583/1قال�“ :س�ألت �أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن �إبراهيم بن حممد عن
عمران بن طلحة عن �أمه حمنة بنت جح�ش يف احلي�ض فوهنه ومل يق ِو �إ�سناده” �أه ،قال �أبو داود بعد روايته
لهذا احلديث يف ال�سنن �ص�“ :50سمعت �أحمد بن حنبل يقول :حديث ابن عقيل يف نف�سي منه �شيء” �أهـ.
الدليل الثالث :القيا�س على امل�سافر واملمطور ،وذلك �أن امل�شقة على املري�ض
ب�إفراد كل �صالة يف وقتها �أ�ش ّد منها عليهما ،وهو �أولى بالرفق منهما ملا
يخاف عليه(((.
و�أما دليل احلنابلة على �إحلاق غري املري�ض بامل�سافر كالعاجز عن الطهارة ،واملر�ضع،
واجلمع يف الوحل والأعا�صري ،واخلائف على نف�سه �أو حرمه �أو ماله ،ونحوها:
الدليل الأول :ما رواه ابن عبا�س ( :جمع ر�سول اهلل ﷺ بني الظهر
والع�صر واملغرب والع�شاء باملدينة يف غري خوف وال مطر) .قيل البن عبا�س:
مل فعل ذلك؟ قال :كيال ُيحرج �أمته(((.
وجه الداللة :جمع النبي ﷺ لغري الأعذار املذكورة دليل على �إباحته ملا ماثلها
يف امل�شقة ،بدليل جواب ابن عبا�س فلم يعلله مبر�ض وال غريه(((.
الدليل الثاين� :أن بع�ض هذه الأحوال قد يلحق املكلف ب�سببها ال�ضرر� ،إذا
�أفرد ال�صلوات كاملر�ض ،وبع�ضها قد �ساوى املطر يف العذر برتك اجلمعة
واجلماعة ،فدل على حتقق امل�شقة املرعية يف احلكم (((.
الرتجيح:
يرتجح واهلل �أعلم القول مب�شروعية اجلمع يف كل حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه
جمع فيها ،وغريها مما مياثلها يف علة امل�شقة ،ملا يلي:
1.1وجاهة �أدلة القول القائل بذلك ،يف مقابل �أدلة الأقوال الأخرى لعدم �سالمتها
من املعار�ضة.
�2.2أن هذا القول يتما�شى ومقا�صد ال�شرع يف التخفيف عن املكلف عند وجود
انظر :بداية املجتهد �ص ،165املنتقى ،252/1املجموع .185/4 (((
�سبق تخريجه. (((
انظر :الغرر البهية .468/1 (((
انظر :ال�شرح الكبري ،95/5ك�شاف القناع .5/2 (((
املطلب الثالث
م�شروعية التيمم واجلمع بني ال�صالتني للمار�س ال�صحي فرتة معاجلة
وباء كورونا (كوفيد)19-
من خالل عر�ض الأ�سباب املبيحة للتيمم ،وعند الت�أمل يف و�صف حال املمار�س
ال�صحي املكلف بالك�شف ومتابعة مر�ضى كورونا (كوفيد ،)19-ومدى حتقق �أ�سباب
�إباحة التيمم واجلمع بني ال�صالتني يف حالته ،جند �أنه ال ميكن �أن يعطى و�ص ًفا
واحدً ا يف كل الأحوال� ،إذ يعتمد الأمر على نوع اللبا�س الذي يرتديه ،وكذلك كرثة
احلاالت املر�ضية التي حتتاج للك�شف �أو املتابعة ،ومدى ارتفاع ن�سبة اخلطورة من
العدوى ،ومدى �إمكان ال�سيطرة على املر�ض بالعالج.
وميكن القول ب�أن املمار�س ال�صحي ال يت�صور يف حالته ب�شكل عام منا�سبة �سبب
انعدام املاء� ،إذ الغالب وجود املاء يف املن�ش�أة ال�صحية ،و ُي ْ�سر تناوله والو�صول له.
�إال �أنه ي�شابه مما ذكره الفقهاء حالة اخلوف على الرفيق من العط�ش فيما لو تو�ض�أ
باملاء من ناحية �أن �سعيه يف حت�صيل الطهارة بالو�ضوء وما ي�ستلزمه من خلع املعدات
واملالب�س الواقية ،ومن ثم لب�س �أخرى جديدة يخ�شى منه حلوق ال�ضرر باملر�ضى
بانقطاعه عنهم مدة قد يكون وجوده معهم �ضرور ًيا للإنقاذ واملداوة العاجلة� ،أو
املالحظة امل�شددة امل�ستمرة.
و�أما ال�سبب الثاين وهو :العجز عن ا�ستعمال املاء ،ف�أقرب ال�صور التي ذكرها
الفقهاء -واهلل �أعلم -حلالة املمار�س ال�صحي هي اخلوف من ا�ستعمال املاء للربد
خ�شية املر�ض �أو الهالك� ،إذ املمار�س ال�صحي لي�س مري�ضً ا فيباح له التيمم بهذا
االعتبار ،واخلوف يكون من جهة انتقال العدوى عند تغيري املالب�س ،ون�شرها يف
مرافق املن�ش�أة ال�صحية؛ وذلك �أن �أماكن ق�ضاء احلاجة يرتادها �أكرث من �شخ�ص،
فاحتمال انتقال العدوى لهم واردة وقد تكون غالبة� ،أو قلة املوارد والإمدادات الطبية،
مما يعر�ض املمار�س الطبي للعدوى واخلطر يف حال عدم ح�صوله على العدد الكايف
من الغيارات.
وكذلك يف اجلمع بني ال�صالتني ،ف�أقرب الأ�سباب املبيحة له واهلل �أعلم ،حلوق
امل�شقة على النحو املذكور �آن ًفا يف حت�صيل الطهارة لكل وقت ،وملا قد ي�سببه من
�ضر ٍر يلحق املر�ضى بانقطاعه عنهم مدة� ،أو ما ي�سببه من �ضر ٍر للمن�ش�أة ال�صحية
يف ا�ستهالك املعدات الوقائية يف حال العجز عن توفري الكمية الكافية �إذا حترى
الطهارة وال�صالة يف وقتها لكل فري�ضة ،وكل هذه الأو�صاف تدور يف فلك امل�شقة.
ولكن ينبغي �أال يكون احلكم على �إطالقه يف هذا ال�صدد ،بل يكون على تف�صيل
ينا�سب حالة املمار�س ال�صحي ،و�إمكاناته وظروفه من وجه ،ويراعي �شروط ال�صالة
من وجه �آخر قدر الإمكان ،والتف�صيل الذي يظهر -واهلل �أعلم -كالآتي:
احلالة الأولى:
�إذا كان املمار�س ال�صحي طاه ًرا ال يحتاج للو�ضوء ،ويخ�شى من انتقا�ض
و�ضوئه قري ًبا ،وميكنه اجلمع بني ال�صالتني بالفعل ال بالوقت ب�أن ي�ؤخر الظهر �إلى
�آخر وقتها ،ويقدم الع�صر لأول وقتها ،ومثله يف املغرب والع�شاء ،ف�إنه يجب عليه
مراعاة ذلك.
و�إن �أمكنه الو�ضوء بال م�شقة تلحقه �أو تلحق غريه مما ذكر ،و�إيقاع ال�صالة يف
وقتها ،فال يجوز له التيمم ،وال اجلمع بني ال�صالتني ،بل ي�صلي كل �صالة يف وقتها
�سواء �أول الوقت� ،أو و�سطه� ،أو �آخره.
اً
حت�صيل ل�شرطي الطهارة ،والوقت ،وعدم الإخالل بهما. التعليل :لأن يف ذلك
احلالة الثانية:
ف�إن كان ال ي�ستطيع اجلمع بينهما بالفعل ملا ذكر ،بل يحتاج �إلى جمع الأولى مع
الثانية يف وقت �إحداهما� ،إما لغلبة ظنه انتقا�ض طهارته� ،أو متكنه من الو�ضوء يف
مثل عند �صالة الأولى� ،أو انتهائها عند وقت وقت حمدد لي�س له غريه� ،أو لبدء نوبته اً
الثانية ،ف�إنه يجمع ح�سب الأ�صلح حلاله تقد ًميا وت�أخ ًريا(((.
التعليل :لأن امل�شقة تبيح اجلمع ،ولأن كل �شرط من �شروط ال�صالة مق�صود مهم
ال ي�سقط مي�سوره مبع�سوره(((.
وهذا ما �أو�صى به جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة التعاون الإ�سالمي يف
ندوة« :فريو�س كورونا امل�ستجد وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية»
املنعقدة يف تاريخ 1441/8/23هـ ،ون�صها( :ويجوز للعاملني يف املجاالت ال�صحية
والأمنية ومثيالتها يف هذه اجلائحة ،الأخذ برخ�صة اجلمع بني ال�صلوات ،جم َع
قيا�سا على ال�سفر بجامع امل�شقة واحلاجة� ،أو اجلمع ال�صوري ملن ال
تقدمي �أو ت�أخريً ،
ي�صح يف مذهبه اجلمع بني ال�صلوات)(((.
احلالة الثالثة:
ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء ونزع املالب�س ،وي�ستطيع ال�صالة يف وقتها� ،أو اجلمع
بالفعل ال بالوقت ،ف�إنه يتيمم ،وي�صلي ال�صالة يف وقتها �أو ي�صلي الأولى يف �آخر
وقتها ،والثانية يف �أول وقتها.
التعليل :لأن امل�شقة نوع من العجز املبيح للتيمم ،وما �أبيح لل�ضرورة يقدر بقدرها،
((( ن�ص جمع من الفقهاء على �أنه يراعي الأ�صلح يف التقدمي والت�أخري انظر :املقدمات ،187/1
مواهب اجلليل ،3/2املجموع ،258/4رو�ضة الطالبني ،401/1الفروع � ،68/2شرح منتهى
الإرادات .299/1
((( انظر قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ،22/2ووردت القاعدة ب�شكل عام يف كتب القواعد الفقهية
كالقواعد البن رجب �ص ،56والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ،203ودليلها قوله ﷺ« :و�إذا �أمرتكم
ب�شيء ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم» �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة باب
االقتداء ب�سنن النبي ﷺ� ،ص 1254رقم.7288 :
((( انظر التو�صيات على موقع منظمة التعاون الإ�سالمي على الرابط:
https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar
فيباح اجلمع ،ويجب التطهر ،ولأن كل �شرط من �شروط ال�صالة مق�صود مهم ال
ي�سقط مي�سوره مبع�سوره(((.
وعلى هذا هل يجب عليه �أن يعيد ال�صالة بعد قدرته على الو�ضوء؟
لعل هذه امل�س�ألة ُتخ َّرج على م�س�ألة �إعادة ال�صالة �إذا قدر على ا�ستعمال املاء،
على القول ب�إباحة التيمم �إذا خ�شي على نف�سه املر�ض �أو ال�ضرر ل�شدة الربد.
وقد اختلف الفقهاء يف لزوم الإعادة على ثالثة �أقوال:
القول الأول :ال تلزمه الإعادة �سواء كان م�ساف ًرا �أم حا�ض ًرا ،وهو مذهب
احلنفية((( ،واملالكية((( ،واملذهب عند احلنابلة (((.
القول الثاين :تلزمه الإعادة �سواء كان م�ساف ًرا �أو حا�ض ًرا ،وهو الأ�صح عند
ال�شافعية(((.
القول الثالث :تلزمه الإعادة حال احل�ضر دون ال�سفر ،وهو قول عند ال�شافعية(((،
ورواية عند احلنابلة(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول :القائل ب�أنه ال تلزمه الإعادة �سوا ًء كان م�ساف ًرا �أم حا�ض ًرا:
الدليل الأول :ما جاء عن عمرو بن العا�ص � أنه �أجنب يف ليلة باردة فتيمم
وتال( :ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) ،فذكر للنبي ﷺ فلم ُيع ّنف،
ويف رواية �أبي داود :ف�ضحك ر�سول اهلل ﷺ ومل يقل �شي ًئا(((.
((( انظر :قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام .22/2
((( انظر :املب�سوط ،122/1بدائع ال�صنائع ،172/1حا�شية منحة اخلالق على البحر الرائق .148/1
((( انظر :الفواكه الدواين ،155/1حا�شية العدوي.225/1
((( انظر :املغني ،192/1الفروع .211/1
((( انظر :احلاوي ،272/1املجموع ،252/2حتفة املحتاج .381/1
((( انظر :احلاوي ،272/1املجموع ،252/2حتفة املحتاج .381/1
((( انظر :ال�شرح الكبري .173 /2
((( �سبق تخريجه.
وجه الداللة :يف احلديث داللة على عدم لزوم الإعادة حيث مل ي�أمره النبي
ﷺ بها ،ولو لزمته لأمره بها �إذ ال يجوز ت�أخري البيان عن وقت احلاجة(((.
الدليل الثاين :قيا�س املتيمم الذي يخ�شى على نف�سه ال�ضرر على املتيمم للمر�ض؛
يف عدم وجوب الإعادة عند القدرة على ا�ستعمال املاء بجامع اخلوف على
النف�س(((.
الدليل الثالث :قيا�س �صحة العبادة من املتيمم الذي يخ�شى على نف�سه ال�ضرر،
ب�سائر من �أبيح له التيمم ،بجامع �أنه �أتى مبا �أمر به(((.
دليل القول الثاين :القائل ب�أنه تلزمه الإعادة �سوا ًء كان م�ساف ًرا �أم حا�ض ًرا:
�أن الأعذار النادرة ال ت�سقط معها الإعادة ،كالعادم للماء والرتاب ،والأعذار العامة
ت�سقط معها الإعادة كالعادم للماء يف ال�سفر وكاملري�ض يف احل�ضر ،وتعذر �إ�سخان املاء
يف الربد واخلوف من ا�ستعماله من الأعذار النادرة فلم ت�سقط معه الإعادة(((.
�أجيب عنه :عدم الت�سليم بهذا التفريق بني الأعذار النادرة وغريها ،بدليل عدم
�أمر النبي ﷺ لعمرو بن العا�ص ب�إعادة ال�صالة حينما تيمم خلوفه ب�سبب �شدة
الربد ،ولو كانت الإعادة الزمة لأمره بها.
�أدلة القول الثالث :القائل ب�أنه تلزمه الإعادة حال احل�ضر دون ال�سفر:
الدليل الأول :قوله تعالى( :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء.]43 :
وجه الداللة� :أن املتيمم يف هذه احلالة لي�س مب�سافر عادم وال مري�ض ،فتجب
عليه الإعادة(((.
املغني .192/1 (((
انظر :ال�شرح الكبري .174/2 (((
املغني .192/1 (((
احلاوي .272/1 (((
انظر :احلاوي .272/1 (((
يجاب عنه� :أن ال�صور املذكورة يف الآية يلحق بها ما مياثلها يف امل�شقة ،فقد
ثبت �إقرار النبي ﷺ على فعل عمرو بن العا�ص حني تيمم خ�شية
الربد من غري �أمر بالإعادة.
الدليل الثاين :لأنه عذر نادر غري مت�صل((( فلم ي�سقط معه الفر�ض وال مينع
الإعادة كمن �صلى نا�س ًيا الطهارة(((.
�أجيب عنه :القيا�س على ن�سيان الطهارة قيا�س مع الفارق ،لأنه مل ي�أت مبا �أمر
به ،و�إمنا ظن �أنه �أتى به ،بخالف التيمم يف هذه احلال فقد �أتى مبا �أمر به(((.
الرتجيح:
يرتجح -واهلل �أعلم -القول الأول القائل بعدم وجوب الإعادة يف حال التيمم
ل�شدة الربد ،وبنا ًء عليه ال يجب على املمار�س ال�صحي �إعادة ال�صالة يف حال التيمم
لوجود امل�شقة وخوف ال�ضرر ،وذلك لقوة ما ا�ستدل به هذا القول و�صراحته ،يف
مقابل �أدلة القولني الآخرين.
احلالة الرابعة:
ف�إن كان هناك مانع من ا�ستعمال الرتاب كم�شقة نزع جهاز التنف�س لأجل م�سح
الوجه� ،أو اخلوف من انت�شار الوباء وانتقال الفايرو�س عن طريق الرتاب ،في�صلي
بدون و�ضوء.
((( ندرة العذر من ناحية �أن املاء يف الغالب موجود يف احل�ضر ويوجد ما ي�سخن به ،وقول الفقهاء ب�أنه
نادر :احرتا ًزا من عدم املاء يف ال�سفر ،واالت�صال يق�صد به عذر اال�ستحا�ضة ،قال العمراين بعد �سوقه
للدليل“ :فقولنا نادر :احرتاز من عدم املاء يف ال�سفر ،وقولنا غري مت�صل :احرتاز من اال�ستحا�ضة
ومن �سل�س البول ،لأن الأعذار على ثالثة �أ�ضرب :الأول :غري معتاد :وهو ال�سفر واملر�ض ،والثاين :عذر
نادر مت�صل وهو اال�ستحا�ضة و�سل�س البول ،فهذان العذران ي�سقط معهما فر�ض الإعادة ،والثالث :عذر
نادر منقطع :وهو عدم املاء يف احل�ضر وخوف الربد يف احل�ضر ....فهذا ال ي�سقط معه فر�ض �إعادة
ال�صالة” ،البيان يف مذهب ال�شافعي .320/1
((( انظر احلاوي ،272/1ال�شرح الكبري .174/2
((( املغني .192/1
قيا�سا على فاقد الطهورين ف�إنه ي�صلي على حاله يف �أ�صح �أقوال �أهل
التعليلً :
العلم(((� ،إقامة مل�صالح ال�صالة التي ال تدانيها م�صالح الطهارة(((.
وقد �صدرت فتوى اللجنة الدائمة برقم ( ،)28068وتاريخ 1441/9/17هـ،
بذلك ون�صها( :هل يجوز للممار�س ال�صحي الذي يتعامل مع امل�صابني بفايرو�س
كورونا وي�صعب عليه نزع املالب�س الطبية الواقية �أن يتيمم لل�صالة؟ اجلواب� :إذا
كان ال ي�ستطيع نزع املالب�س الواقية �أو يت�ضرر بنزعها للو�ضوء �أو التيمم ف�إنه ي�صلي
على ح�سب حاله)(((.
احلالة اخلام�سة:
ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء وال اجلمع بني ال�صالتني بالفعل ،ف�إنه يتيمم ويجمع
بني الفر�ضني ح�سب الأ�صلح تقد ًميا وت�أخ ًريا ،ف�إن كان ال ي�ستطيع التيمم في�صلي من
غري طهارة.
التعليل :لأن امل�شقة نوع من العجز املبيح للتيمم ،و�سبب من الأ�سباب املبيحة
للجمع بني ال�صالتني� ،أما �إن مل ي�ستطع التيمم ف�إنه يقا�س على فاقد الطهورين
وي�صلي على حاله يف �أ�صح �أقوال �أهل العلم.
ٌ
خالف على ويف �إعادة ال�صالة عند من �صحح �صالته على حاله من غري طهارة
ما ي�أتي:
((( اختلف �أهل العلم يف حكم فاقد الطهورين ،فذهب بع�ض احلنفية ،وبع�ض املالكية ،واملذهب عند
ال�شافعية واحلنابلة �أنه يجب عليه ال�صالة على ح�سب حاله ،ا�ستنادًا �إلى خرب عائ�شة يف نزول
�آية التيمم ،حني ح�ضرت ال�صالة و�صلوا بغري و�ضوء ومل ينكر النبي ﷺ عليهم ذلك .ومذهب احلنفية
ورواية عن الإمام �أحمد �أنه ال ي�صلي حتى يقدر على �أحدهما لأنها عبادة ال تُ�سقط الق�ضاء؛ فلم جتب
قيا�سا على �سقوطها عن احلائ�ض لفقد
ك�صيام احلائ�ض ،ومذهب الإمام مالك �سقوط ال�صالة عنه ً
�شرط الطهارة .انظر :رد املحتار ،252/1الذخرية ،336/1املجموع ،223/2ال�شرح الكبري .211/2
((( انظر قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام .163 /2
((( انظر فتوى اللجنة الدائمة على الرابط.https: //cutt.us/HciG0 :
القول الأول :جتب عليه الإعادة وهو قول بع�ض احلنفية((( ،وبع�ض املالكية(((،
ومذهب ال�شافعية((( ،ورواية عن الإمام �أحمد(((.
القول الثاين :ال جتب عليه الإعادة ،وهو قول بع�ض احلنفية((( ،قول بع�ض
املالكية((( ،وقول عند ال�شافعية((( ،ومذهب احلنابلة(((.
الأدلة:
دليل القول الأول :القائل بوجوب الإعادة:
�أن هذا العذر عذر نادر غري مت�صل(((.
يجاب عنه� :أن هذا العذر ولو كان ناد ًرا �إال �أنه عذر متطاول ،كامل�سافر ،بل
احلاجة هنا �أكرث من حاجة امل�سافر(.((1
�أدلة القول الثاين :القائل بعدم وجوب الإعادة:
الدليل الأول :ما جاء يف ال�صحيحني عن عائ�شة � أنه ا�ستعارت من �أ�سماء
نا�سا من �أ�صحابه يف طلبها ،ف�أدركتهم
قالدة فهلكت ف�أر�سل ر�سول اهلل ﷺ ً
ال�صالة ف�صلوا بغري و�ضوء فلما �أتوا النبي ﷺ �شكوا ذلك �إليه فنزلت �آية
التيمم ،فقال �أ�سيد بن ح�ضري :جزاك اهلل خ ًريا ،فواهلل ما نزل بك �أمر قط
خمرجا ،وجعل للم�سلمني فيه بركة(.((1
ً �إال جعل اهلل لك منه
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،175/1ورد املحتار ،252/1اجلوهرة النرية .23/1
((( انظر :الذخرية ،223 /3التاج والإكليل ،528/1مواهب اجلليل .360/1
((( انظر :املجموع , 223/2الغرر البهية ،209/1مغني املحتاج .273/1
((( انظر :املقنع ،212/2الفروع ،221/1الإن�صاف .212 /2
((( انظر :البحر الرائق ،149/1اجلوهرة النرية ،23/1درر احلكام .32/1
((( انظر :الذخرية ،223 /3التاج والإكليل ،582/1مواهب اجلليل .360/1
((( انظر :املجموع ،223/2الغرر البهية ،209/1مغني املحتاج .273/1
((( انظر :املقنع ،212/2الإن�صاف , 212 /2ك�شاف القناع .171/1
((( انظر :املجموع ،224/2املبدع .189/1
(((1انظر :املغني .172/1
(�((1سبق تخريجه.
املبحث الثاين
التخلف عن اجلمعة واجلماعة للممار�س ال�صحي
�أجمع الفقهاء على �أن اجلمعة واجبة على الأحرار البالغني املقيمني الذين ال عذر
لهم(((.
قال ابن املنذر“ :و�أجمعوا على �أن اجلمعة واجبة على الأحرار البالغني املقيمني
الذين ال عذر لهم”(((.
و�أما �صالة اجلماعة فال�صحيح من مذهب احلنفية ((( ،وقول بع�ض ال�شافعية(((،
ومذهب احلنابلة (((� ،أنها واجبة على الأعيان .وذهب ال�شافعية �إلى �أنها فر�ض
كفاية((( ،واملالكية �إلى ا�ستحبابها((( .وحتى القول با�ستحبابها �صرح بع�ض الفقهاء
ب�أن �أهل امل�صر لو تركوها قوتلوا ،و�أن تاركها فا�سق ويعزر ،و�صرح بع�ضهم برد �شهادة
املداوم على تركها لغري عذر(((.
و ُيعذر برتكها املكلف عندما تعرت�ضه بع�ض الأعذار التي يتحقق مناط احلكم
فيها وهي :ال�ضرر والأذى وامل�شقة الالحقة به� ،أو بغريه.
وقد �أورد الفقهاء جملة من الأعذار التي يباح عند ح�صولها �أو تلب�س املكلف بها
انظر :الإجماع البن املنذر �ص ،44بدائع ال�صنائع ،577/1بداية املجتهد �ص ،148املجموع ،244/4 (((
املغني.218/2
الإجماع البن املنذر �ص.44 (((
انظر بدائع ال�صنائع ،384/1اجلوهرة النرية ،59/1البحر الرائق .365/1 (((
انظر املجموع ،61/4احلاوي .297/2 (((
انظر املغني ،130/2الإن�صاف ،210/2ك�شاف القناع .454/1 (((
انظر املجموع ،61/4احلاوي � ،297/2أ�سنى املطالب .208/1 (((
انظر املنتقى �شرح املوط�أ ،228/1التاج والإكليل � ،395/2شرح خمت�صر خليل للخر�شي .16/2 (((
انظر رد املحتار ،456/1نهاية املحتاج 155/2 (((
ف�شو املر�ض وانت�شاره ،وكرثة احلاالت ،و�صعوبة ال�سيطرة على الو�ضع من ناحية
ا�ستقبال املر�ضى وفح�صهم ومداواتهم� ،أو مع �شدة بع�ض احلاالت وحرجها ،مما
ي�ستدعي املالحظة التامة امل�شددة.
و�إذا كان الأمر كذلك فقد ن�ص الفقهاء كما �سبق على جواز التخلف عن اجلمعة
واجلماعة لتمري�ض املري�ض والعناية به� ،أو ح�ضور موته ،للآتي:
1.1ما ورد �أن ابن عمر ُ ذكر له �أن �سعيد بن زيد مر�ض يف يوم جمعة،
فركب �إليه بعد �أن تعالى النهار واقرتبت اجلمعة ،وترك اجلمعة(((.
2.2ولأن �سبب حفظ الآدمي �آكد من حرمة اجلماعة(((.
الوجه الثاين:
�أن �سعي املمار�س ال�صحي ل�صالة اجلماعة قد ُيلحق بغريه الأذى من ناحية نقل
العدوى ،وانت�شارها بني الأ�صحاء� ،إذ مبا�شرة الطبيب �أو امل�ساعد ونحوه للمر�ضى
وفح�صهم وعالجهم ،وتقدمي الرعاية لهم ،قد تعر�ضهم حلمل الفايرو�س ،ومن ثم
نقله للأ�صحاء ،خا�صة يف ظل عدم وجود دواء لعالجه ،وعدم وجود لقاح للحماية
منه يف هذه الآونة.
و�إذا كان احلال كهذه ف�إنه يجوز له التخلف عن اجلمعة واجلماعة للآتي:
1.1ما جاء عن �أبي �سعيد اخلدري عن النبي ﷺ �أنه قال« :ال �ضرر وال �ضرار»(((.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب املغازي رقم � ،3990ص .674
((( انظر :البيان يف مذهب ال�شافعي .368/2
((( �أخرجه ابن ماجه يف باب الأحكام ،باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره� ،ص ،335رقم ،2341 :واحلاكم
يف امل�ستدرك من حديث �أبي �سعيد اخلدري ،66/2وقال :هذا حديث �صحيح الإ�سناد على �شرط م�سلم
ومل يخرجاه ،والبيهقي يف ال�سنن الكربى ،69/6والدارقطني يف ال�سنن ،77/3ومالك يف املوط�أ 745/2
مو�صول عن �أبي �سعيد اخلدري ،وابن عبا�س وعبادة بن ال�صامتاً اً
مر�سل عن عمرو بن يحيى .وروي
وعائ�شة و�أبي هريرة وجابر وثعلبة بن مالك ،واملر�سل �صححه الألباين ،و�أما املو�صولة ففيها �ضعف،
انظر� :سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة ،498/1وباجلملة ف�إن جمموع طرق احلديث يقوي بع�ضها بع�ضً ا
ويح�سنه وقد تقبله جماهري �أهل العلم واحتجوا به ،انظر :املرجع ال�سابق.
وجه الداللة :ح�ضور املمار�س ال�صحي للجمعة واجلماعة مظنة نقل العدوى و�إيقاع
ال�ضرر على الآخرين ،وهذه قاعدة جليلة يف منع �إحلاق ال�ضرر بالنف�س �أو بالغري.
2.2ما رواه ابن �أبي مليكة �أن عمر مر بامر�أة جمذومة وهي تطوف بالبيت،
فقال لها( :يا �أمة اهلل ال ت�ؤذي النا�س ،لو جل�ست يف بيتك) ،فجل�ست ،فمر
بها رجل بعد ذلك؛ فقال لها� :إن الذي كان نهاك قد مات فاخرجي فقالت:
ما كنت لأطيعه ح ًيا و�أع�صيه ميتًا(((.
وجه الداللة� :أن هذا الت�صرف من اخلليفة عمر يف منع املجذومة
من الطواف لئال ت�ؤذي النا�س ،ميكن اال�ستناد عليه يف �إباحة التخلف عن
اجلمعة واجلماعة للممار�س ال�صحي ملا قد يلحقه يف هذا الو�ضع وانت�شار
الوباء من الأذى وال�ضرر بالنا�س ،قال ابن عبدالرب“ :ويف هذا احلديث
من الفقه احلكم ب�أن يحال بني املجذومني وبني اختالطهم بالنا�س ملا يف
ذلك من الأذى لهم ،و�أذى امل�ؤمن واجلار ال يحل ،و�إذا كان �آكل الثوم ي�ؤمر
باجتناب امل�سجد وكان يف عهد ر�سول اهلل ﷺ رمبا �أخرج �إلى البقيع فما
ظنك باجلذام؟ وهو عند بع�ض النا�س يعدي وعند جميعهم ي�ؤذي”(((.
3.3القيا�س على منع �آكل الب�صل والثوم ونحوه مما يت�أذى برائحته امل�صلون من
دخول امل�سجد وح�ضور اجلمعة واجلماعة ،ف�إذا كانوا يعذرون بذلك �إذا مل
يجدوا ما يذهب هذه الريح الكريهة ،ف�إن حلوق �أذى الإ�صابة باملر�ض املعدي
لهم ب�سبب �صالة املمار�س الطبي معهم ينبغي �أن يكون عذ ًرا من باب �أولى.
�أما يف حال ال�سيطرة على املر�ض بوجود لقاح للتح�صن منه ،ف�إن احلكم قد
يتغري لأن العلة املبيحة لذلك قد تزول ،واهلل �أعلم.
((( �أخرجه مالك يف املوط�أ يف كتاب احلج باب جامع احلج ،567/1رقم ،1275 :وعبدالرزاق يف م�صنفه
يف كتاب احلج باب الطواف �أف�ضل �أم ال�صالة وطواف املجذوم ،71/5رقم.9031 :
((( اال�ستذكار .355/13
اخلامتة
احلمد هلل على �إح�سانه ،وال�شكر له على توفيقه وامتنانه ،وعلى ما ي�سره من
جمع هذا البحث و�إمتامه ،ويف ختامه �أعر�ض �أبرز ما تو�صلت له من نتائج على النحو
الآتي:
�1.1أن الأ�سباب املبيحة للتيمم هي انعدام املاء� ،أو العجز عن ا�ستعماله ،ومن
�صور العجز املر�ض الذي يخ�شى معه الهالك وتلف النف�س �أو تلف الع�ضو،
وكذلك ت�أخر الربء �أو زيادة الأمل ونحوه مما ال ي�صل حلد الهالك ،وكذلك
اخلوف من الهالك �أو املر�ض ب�سبب �شدة الربد.
�2.2أن الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني ،هي كل �سبب ورد عن النبي ﷺ
�أنه جمع لأجله ،وغريه مما مياثله يف امل�شقة وحلوق ال�ضرر �أو الأذى بنف�سه
�أو غريه.
�3.3أن ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني �أثناء تطبيبه
ومتري�ضه يعتمد على ظروف عديدة منها :نوع اللبا�س وم�شقة النزع ،وكرثة
احلاالت ،ومدى ارتفاع ن�سبة اخلطورة من العدوى ،ومدى �إمكان ال�سيطرة
على املر�ض بالعالج واللقاحات.
�4.4أن جواز الرتخ�ص بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني للممار�س ال�صحي له
حاالت هي:
�أ� -إذا كان املمار�س ال�صحي طاه ًرا ال يحتاج للو�ضوء ،ويخ�شى من انتقا�ض
و�ضوئه� ،أو ميكنه الو�ضوء بال م�شقة تلحقه �أو تلحق غريه مما ذكر،
وميكنه اجلمع بني ال�صالتني بالفعل ال بالوقت ب�أن ي�ؤخر الظهر �إلى �آخر
وقتها ويقدم الع�صر لأول وقتها ،ومثله يف املغرب والع�شاء ،ف�إنه يجب عليه
مراعاة ذلك ،و�إن �أمكنه الو�ضوء بال م�شقة تلحقه �أو تلحق غريه مما ذكر،
و�إيقاع ال�صالة يف وقتها فال يجوز له التيمم ،وال اجلمع بني ال�صالتني ،بل
ي�صلي كل �صالة يف وقتها �سوا ًء �أول الوقت� ،أو و�سطه� ،أو �آخره.
ب -ف�إن كان ال ي�ستطيع اجلمع بينهما بالفعل ،بل يحتاج �إلى جمع الأولى
مع الثانية يف وقت �إحداهما ،ف�إنه يجمع ح�سب الأ�صلح حلاله تقد ًميا
وت�أخ ًريا.
ج -ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء ونزع املالب�س ،وي�ستطيع ال�صالة يف وقتها،
�أو اجلمع بالفعل ال بالوقت ،ف�إنه يتيمم ،وي�صلي ال�صالة يف وقتها،
�أو ي�صلي الأولى يف �آخر وقتها والثانية يف �أول وقتها ،وال يلزمه �إعادة
ال�صالة.
د -ف�إن كان هناك مانع من ا�ستعمال الرتاب كم�شقة نزع جهاز التنف�س لأجل
م�سح الوجه� ،أو اخلوف من انت�شار الوباء وانتقال الفايرو�س عن طريق
الرتاب ،في�صلي بدون و�ضوء.
هـ -ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء وال اجلمع بني ال�صالتني بالفعل ،ف�إنه يتيمم
ويجمع بني الفر�ضني ح�سب الأ�صلح تقد ًميا وت�أخ ًريا ،ف�إن كان ال ي�ستطيع
التيمم في�صلي من غري طهارة ،وال جتب عليه الإعادة.
5.5يجوز للممار�س ال�صحي التخلف عن �صالة اجلمعة وعن اجلماعة �إذا كان
ح�ضوره يف ظل هذه الظروف من �سرعة االنت�شار ،وح�صول العدوى ،وعدم
وجود لقاح ميكن به حت�صني النا�س ،قد يلحق الأذى بغريه ،حماية للأنف�س،
ودف ًعا لل�ضرر والأذى عن الآخرين.
هذا واهلل �أعلم ،و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم.
1.1القر�آن الكرمي.
2.2الإجماع لأبي بكر حممد بن �إبراهيم بن املنذر الني�سابوري ،حتقيق �أبو حماد
�صغري �أحمد حنيف ،مكتبة الذقان ،عمان ،ط :الثانية ١٤٢٠هـ.
3.3الأحكام ال�سلطانية لعلي بن حممد املاوردي ،ط :دار الكتب العلمية ،بريوت.
�4.4أحكام القر�آن البن العربي �أحكام القر�آن ،لأبي بكر حممد بن عبداهلل الأندل�سي
املالكي املعروف بابن العربي ،دار الكتب العلمية ،ط :الأولى.
5.5االختيار لتعليل املختار ،عبداهلل بن حممود بن مودود املو�صلي احلنفي ،دار
الكتب العلمية.
�6.6إرواء الغليل يف �أحاديث منار ال�سبيل ،ملحمد نا�صر الدين الألباين� ،إ�شراف:
زهري ال�شاوي�ش ،املكتب الإ�سالمي ،ط :الأولى ١٣٩٩هـ.
7.7اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار وعلماء الأقطار فيما ت�ضمنه املوط�أ
من معاين الر�أي واالثار و�شرح ذلك كله بالإيجاز واالخت�صار ،البن عبدالرب �أبي
عمر يو�سف بن عبداهلل بن عبدالرب النمري ،اعتنى به :د.عبداملعطي قلعجي،
ط :دار قتيبة دم�شق ،دار الوعي ،حلب -القاهرة ،الأولى1414 ،هـ.
�8.8أ�سنى املطالب �شرح رو�ض الطالب� ،أبو يحيى زين الدين زكريا بن حممد بن
زكريا الأن�صاري ،دار الكتاب الإ�سالمي.
9.9الأ�شباه والنظائر جلالل الدين عبدالرحمن ال�سيوطي� ،ضبطه :خالد عبدالفتاح
�أبو �سليمان ،ط :م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ،بريوت ،الأولى1415 ،هـ.
1010الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف ،عالء الدين �أبو احل�سن �سليمان
املرداوي ،حتقيق د .عبداملح�سن الرتكي ،د .عبدالفتاح احللو ،ط :دار عامل
الكتب ،الريا�ض1432 ،هـ.
1111البحر الرائق �شرح كنز الدقائق ،لزين الدين بن �إبراهيم بن حممد ال�شهري
بابن جنيم ،ومعه حا�شية ابن عابدين :منحة اخلالق ،ط :دار الكتاب الإ�سالمي،
ط :الثانية.
1212البحر املحيط ،لبدر الدين بن حممد بن بهادر الزرك�شي ،ط :دار الكتبي،
الأولى1414 ،هـ.
1313بدائع ال�صنائع بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ،لعالء الدين �أبي بكر بن
م�سعود بن �أحمد الكا�ساين،
1414بداية املجتهد ونهاية املقت�صد ،لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن ر�شد
القرطبي ،حتقيق :علي حممد معو�ض ،عادل �أحمد عبداملوجود ،دار الكتب
العلمية ،بريوت ،ط :الأولى١٤٢٢هـ.
1515البناية �شرح الهداية ،لبدر الدين العيني ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط:
الأولى١٤٢٠هـ.
1616البيان يف مذهب ال�شافعي ،لأبي احل�سن يحيى بن �أبي احل�سني العمراين ،دار
املنهاج ،ط :الأولى١٤٢١هـ.
1717التاج والإكليل ملخت�صر خليل ،لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف العبدري ال�شهري
باملواق ،دار الكتب العلمية ،ط :الأولى١٤١٦هـ.
1818التب�صرة لأبي احل�سن علي بن حممد اللخمي ،حتقيق :دار �أحمد جنيب ،وزارة
الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بدولة قطر ،ط :الأولى ١٤٣٢هـ.
1919تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي ،دار
الكتاب الإ�سالمي ،ط :الثانية.
2020حتفة املحتاج �شرح املنهاج� ،شهاب الدين �أحمد بن حممد بن حجر الهيثمي،
دار �إحياء الرتاث العربي.
2121التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري ،للإمام �أحمد بن علي
الع�سقالين ،ط :م�ؤ�س�سة قرطبة.
2222التمهيد ملا يف املوط�أ من املعاين والأ�سانيد للحافظ �أبي عمر يو�سف بن عبداهلل
ابن حممد بن عبدالرب ،حتقيق� :أ�سامة بن �إبراهيم ،ط :الفاروق احلديثة،
الثالثة 1424هـ.
2323اجلوهرة النرية ،لأبي بكر بن علي بن حممد احلدادي العبادي ،املطبعة
اخلريية ،ط :الأولى ١٣٢٢هـ.
2424حا�شية اجلمل على �شرح املنهج ،املعروفة بفتوحات الوهاب بتو�ضيح �شرح منهج
الطالب� ،سليمان اجلمل ،دار الفكر.
2525حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري� ،شم�س الدين حممد بن �أحمد بن عرفة
الد�سوقي ،دار الفكر.
2626حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين ،علي ال�صعيدي العدوي ،دار الفكر،
ط١٤١٤ :هـ.
2727احلاوي الكبري �شرح خمت�صر املزين يف فقه الإمام ال�شافعي ،لأبي احل�سن
علي بن حممد بن حبيب املاوردي ال�شافعي ،حتقيق :علي معو�ض ،عادل �أحمد
عبداملوجود ،ط :دار الكتب العلمية ،بريوت1419 ،هـ.
2828درر احلكام درر احلكام �شرح غرر الأحكام ،للقا�ضي حممد بن فراموز ال�شهري
مبنالخ�سرو �أو مالخ�سرو ،دار �إحياء الكتب العربية.
2929الذخرية ،ل�شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س القرايف ،دار الكتب العلمية ،ط:
الأولى ١٤٢٢هـ.
3030رد املحتار على الدر املختار يف �شرح تنوير الأب�صار حا�شية ابن عابدين ،حممد
بن �أمني بن عمر ابن عابدين ،دار الفكر ،بريوت ،ط :الثانية ١٤١٢هـ.
3131رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني للإمام �أبي زكريا يحيى بن �شرف النووي،
�إ�شراف :زهري ال�شاوي�ش ،ط :املكتب الإ�سالمي ،الثالثة1412 ،هـ.
3232رو�ضة الناظر وجنة املناظر ،ملوفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي،
حتقيق :د .عبدالكرمي النملة ،ط :مكتبة الر�شد ،الرابعة1416 ،هـ.
�4444شرح منتهى الإرادات امل�سمى بدقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى ،من�صور بن
يون�س البهوتي ،عامل الكتب ،ط :الأولى ١٤١٤هـ.
�4545صحيح �سنن �أبي داود ،حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتبة املعارف ،الريا�ض،
ط :الأولى ١٤١٩هـ.
�4646صحيح م�سلم للإمام �أبي احل�سني م�سلم بن احلجاج بن م�سلم الق�شريي
الني�سابوري� ،إ�شراف :د �صالح �آل ال�شيخ ،دار ال�سالم ،الريا�ض ،ط الثانية
1421هـ.
�4747ضعيف �سنن الرتمذي ،ملحمد بن نا�صر الدين الألباين ،ط :مكتبة املعارف،
الريا�ض ،الأولى 1420هـ.
4848العلل للحافظ �أبي حممد عبدالرحمن بن �أبي حامت الرازي ،حتقيق :فريق من
الباحثني ،ط :م�ؤ�س�سة اجلري�سي ،الريا�ض.
4949العناية �شرح الهداية ،حممد بن حممود البابرتي ،دار الفكر.
5050الغرر البهية يف �شرح البهجة الوردية� ،أبو يحيى زكريا الأن�صاري ،ط :امليمنية.
5151غمز عيون الب�صائر يف �شرح الأ�شباه والنظائر ،لأحمد بن حممد احلموي ،ط:
دار الكتب العلمية ،الأولى 1405هـ.
5252الفتاوى الكربى ،ل�شيخ الإ�سالم تقي الدين �أحمد بن عبداحلليم بن تيمية ،دار
الكتب العلمية ،ط :الأولى ١٤٠٨هـ.
5353فتح القدير �شرح الهداية ،لكمال الدين حممد بن عبدالواحد الإ�سكندري
ال�سيوا�سي ،املعروف بابن همام ،دار الفكر.
5454الفروع ،ل�شم�س الدين �أبو عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي ،عامل الكتب ،ط:
الرابعة ١٤٠٠هـ.
5555الفواكه الدواين على ر�سالة �أبي زيد القريواين ،لأحمد بن غنيم بن �سامل
النفراوي ،دار الفكر ،ط١٤١٥ :هـ.
5656القامو�س املحيط ،ملجد الدين حممد يعقوب الفريوز �آبادي ،حتقيق :مكتب
الرتاث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط :الثالثة ١٤١٣هـ.
5757القواعد يف الفقه لأبي الفرج عبدالرحمن البغدادي ،ال�شهري بابن رجب
احلنبلي ،حتقيق� :إياد القي�سي ،ط :دار الأفكار الدولية ،لبنان2004 ،م.
5858قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ،للإمام عز الدين عبدالعزيز بن عبدال�سالم،
ط� :أم القرى.
5959ك�شاف القناع ك�شاف القناع عن منت الإقناع ،من�صور بن يون�س البهوتي ،دار
الفكر عامل الكتب١٤٠٢ ،هـ.
6060ل�سان العرب جلمال الدين حممد بن مكرم ابن منظور ،دار الفكر ط :الأولى
1410هـ.
6161املبدع �شرح املقنع ،لأبي �إ�سحاق برهان الدين �إبراهيم بن حممد بن مفلح ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ط :الأولى ١٤١٨هـ.
6262املب�سوط ،ل�شم�س الأئمة �أبي بكر بن حممد بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي،
دار املعرفة ،بريوت١٤١٤ ،هـ.
6363جممع الأنهر يف �شرح ملتقى الأبحر ،عبدالرحمن بن ال�شيخ حممد بن �سليمان
�شيخي زادة املعروف بداماد �أفندي ،دار �إحياء الرتاث.
6464املجموع �شرح املهذب للإمام �أبي زكريا حميي الدين بن �شرف النووي ،حتقيق:
حممد جنيب املطيعي ،ط :دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،ط :الأولى 1422هـ.
6565املدونة ،للإمام مالك بن �أن�س بن مالك الأ�صبحي ،ط :دار الكتب العلمية،
الأولى 1415 ،هـ.
6666امل�ستدرك على ال�صحيحني للإمام �أبي عبداهلل حممد بن عبداهلل احلاكم
الني�سابوري ،حتقيق :م�صطفى عبدالقادر عطا ,دار الكتب العلمية ،بريوت،
ط :الأولى1411 ،هـ.
7878مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل ،لأبي عبداهلل حممد بن حممد بن
عبدالرحمن الرعيني املعروف باحلطاب ،دار الفكر ،ط :الثالثة ١٤١٢هـ
7979مقايي�س اللغة لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا ،بتحقيق :عبدال�سالم
حممد هارون ،ط :دار اجليل ،بريوت.
8080موقع منظمة ال�صحة العاملية على ال�شبكة العنكبوتية.
8181موقع منظمة التعاون الإ�سالمي :على الرابط:
https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar
8282موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية على الرابط:
https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/
Corona/Pages/corona.aspx
8383املو�سوعة الفقهية املي�سرة .د حممد روا�س قلعة جي ،دار النفائ�س ،ط :الثانية،
،1426بريوت.
8484نظام مزاولة املهن ال�صحية ال�صادر باملر�سوم امللكي رقم (م )95/وتاريخ
1426/11/4هـ ،على الرابطhttps://cutt.us/d4y7D :
8585النهاية يف غريب احلديث والأثر النهاية يف غريب احلديث والأثر ،جمد الدين
�أبي ال�سعادات املبارك بن حممد اجلزري ابن الأثري علي بن ح�سن عبداحلميد
احللبي الأثري ،دار ابن اجلوزي ،ط :الأولى ١٤٢١هـ.
8686نهاية املطلب يف دراية املذهب ،للإمام عبدامللك بن عبداهلل اجلويني ،حتقيق
عبدالعظيم الديب ،دار املنهاج ،جدة ،ط :الثالثة ١٤٣٢هـ.
8787نيل الأوطار �شرح منتقى الأخبار ،ملحمد بن علي ال�شوكاين ،دار احلديث ،ط:
الأولى ١٤١٣هـ.
املراجع الأجنبية:
1. Augmented Biological P.P.E Training- <https://www.youtube.
>com/watch?v=rNfcwA6ihfc
فهر�س املحتويات
املقدمة297 .........................................................................
التمهيد :التعريف مب�صطلحات عنوان البحث ،وفيه �أربعة مطالب302 ............ :
املطلب الأول :تعريف الرتخ�ص 302 ............................................
املطلب الثاين :تعريف املمار�س ال�صحي 303 ...................................
املطلب الثالث :تعريف الوباء 305 ...............................................
املطلب الرابع :التعريف بوباء كورونا (كوفيد306 ........................ )19-
املبحث الأول :ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم ،واجلمع بني ال�صالتني؛ فرتة
معاجلة وباء كورونا (كوفيد ،)19-وفيه ثالثة مطالب312 ................. :
املطلب الأول :الأ�سباب املبيحة للتيمم 313 ......................................
املطلب الثاين :الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني 322 ......................
املطلب الثالث :التيمم واجلمع بني ال�صالتني للمار�س ال�صحي فرتة معاجلة
وباء كوفيد331 ..........................................................19-
املبحث الثاين :التخلف عن اجلمعة واجلماعة للمار�س ال�صحي زمن انت�شار وباء
كوفيد340 .............................................................. 19-
اخلامتة 344 ........................................................................
قائمة امل�صادر واملراجع 346 .......................................................
�إعداد:
عبدالعزيز بن ر�شيد الغازي
حما�رض يف ق�سم الفقه املقارن -املعهد العايل للق�ضاء
عبدالعزيز بن رشيد الغازي
فقهية تأصيلية
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،الذي له الأمر يف الأولى والآخرة ،وله احلكم و�إليه
ترجعون ،وال�صالة على ر�سولنا النبي الأمي الذي جنده مكتو ًبا عندهم يف التوراة
والإجنيل ،ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر ،وي�ضع الآ�صار والأغالل التي كانت
عليهم� ،صلى اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه �أجمعني؛ �أما بعد:
فهذا بحث يف م�س�ألة ال�صالة جماعة مع �إمام عرب البث املبا�شر؛ وهي من امل�سائل
التي �شاعت وظهر الكالم فيها وانت�شر حني مر العامل ب�أزمة وبالء غري م�سبوق؛ �أزمة
فريو�س كورونا عام �ألف و�أربعمائة وواحد و�أربعني من هجرة امل�صطفى ؛
متاما من �إقامة ال�صالة فيها جماعة ،يف �إجراء احرتازي لعدم ف ُع ّطلت امل�ساجد ً
تو�سع البالء وانت�شاره ،ودخل �شهر رم�ضان والأمر كذلك ،فلم تقم �صلوات الفرو�ض
والرتاويح يف امل�ساجد ،و�إمنا �صالها النا�س يف البيوت ،عدا احلرمان ال�شريفان
حفظهما اهلل من كل �سوء ،و�أدامهما حمفوظني؛ فقد �صليت فيهما ال�صلوات جمي ًعا؛
والرتاويح كذلك ب�أعداد ي�سرية جدً ا.
وخالل ذلك؛ ظهر الكالم عن م�س�ألة ال�صالة مع �إمام احلرم عرب البث املبا�شر،
فكان هذا البحث الي�سري يف الأ�صول ال�شرعية املتعلقة بامل�س�ألة ،وكالم الفقهاء يف
نظائرها.
�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره:
يظهر ذلك من جوانب؛ هي:
1.1كون املو�ضوع وا�سع االنت�شار �أثناء الأزمة ،واحلاجة �إليه ظاهرة ،يف �صحة
ال�صالة وبطالنها.
2.2قلة كالم الفقهاء املتقدمني يف مثل هذا املو�ضوع بعينه ،لكون �إمكانية املتابعة
عرب البث �أمر حادث ونازل.
�3.3أنّ كالم املعا�صرين فيه قليل؛ وعامته فتاوى خمت�صرة �إجابة ل�س�ؤال
امل�ستفتني.
الدرا�سات ال�سابقة:
وقفت عليه يف بع�ض متعلقات املو�ضوع ما يلي:
مما ُ
1.1ر�سالة« :الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع»؛ لأبي الفي�ض؛
�أحمد بن حممد الغماري( ،ت 1380 :هـ).
ن�صر فيها جواز �صالة اجلمعة يف املنزل متابعة للمذياع ،وهذه الر�سالة من
�أ�شهر ما ُكتب يف املو�ضوع ،مطبوعة يف م�صر ،وتقع يف � 73صفحة من القطع
املتو�سط.
2.2فتاوى وكتابات من�شورة يف ال�شبكة العنكبوتية؛ وهي ال ُتع ّد من قبيل البحوث
العلمية ،بل من قبيل الفتاوى �أو الردود عليها.
منهج البحث:
1.1توثيق الأقوال والنقول من امل�صادر الأ�صيلة.
خارجا عن ال�صحيحني.
2.2تخريج الأحاديث النبوية ،واحلكم على ما كان ً
3.3ذكر الأقوال الفقهية وعزوها ،و�أدلة الأقوال وتوثيقها ،والإجابة عليها.
4.4الرتجيح يف امل�سائل االجتهادية ،بعد �سياق �أقوال الفقهاء فيها.
5.5التعريف بالأعالم غري امل�شهورين.
فقهية تأصيلية
6.6ختم البحث بخامتة فيها �أبرز نتائجه؛ يليه فهر�س م�صادر البحث ومراجعه.
خطة البحث:
انتظم الكالم يف هذا البحث يف مقدمة ومتهيد و�أربعة مباحث وخامتة وفهار�س:
التمهيد :وفيه التعريف بامل�س�ألة وتاريخها .ويليه �أربعة مباحث:
املبحث الأول :الأ�صول ال�شرعية التي ترجع �إليها امل�س�ألة.
املبحث الثاين� :أ�صول الفقهاء يف باب الإمامة واالئتمام.
املبحث الثالث :ن�صو�ص الفقهاء املعا�صرين يف امل�س�ألة.
املبحث الرابعُ :حكم امل�س�ألة.
ثم اخلامتة والفهار�س.
واهلل تعالى املوفق..
التمهيد
التعريف بامل�س�ألة وتاريخها
املطلب الأول
التعريف بامل�س�ألة
إمام
املق�صود بامل�س�ألة حمل البحث هي �صالة امل�أموم يف بيته �أو نحو ذلك مع � ٍ
بعيد يف مكان �آخر ،ومتابعته عرب التلفاز �أو املذياع ونحو ذلك.
املطلب الثاين
�ضابط امل�س�ألة
املطلب الثالث
تاريخ امل�س�ألة
هذه امل�س�ألة حادثة ومعا�صرة؛ وذلك �أن و�سائل البث املبا�شر عرب الآفاق املتباعدة
فقهية تأصيلية
غري معهودة �ساب ًقا ،و�إمنا تكلم الفقهاء على م�سائل متعلقة بالإئتمام يف امل�سجد
والرحبة اخلارجة عنه والدار املال�صقة له ،وما نحا نحو ذلك.
متاما؛ و�إمنا تكلم عليها بع�ضهم حني خرج
ومع ذلك فلي�ست جديدة الوقوع ً
املذياع ونحوه؛ و أ� ّلف بع�ض املغاربة ر�سالة فيها(((.
ور ّد على هذه الر�سالة جملة من العلماء؛ منهم مفتي الديار امل�صرية ال�شيخ
حممد بن بخيت املطيعي(((؛ وال�شيخ عبدالرحمن بن نا�صر ال�سعدي.
ثم �أثريت امل�س�ألة ب�شكل وا�سع �أثناء �أزمة فايرو�س كورونا يف الن�صف الأخري من
عام 1441هـ ،حني دخل �شهر رم�ضان وامل�ساجد معطل ٌة عن �إقامة اجلمعة واجلماعة
والرتاويح يف �إجراء احرتازي ملنع اختالط النا�س وتقاربهم.
ف ُكتب فيها �أثناء ذلك ر�سائل خمت�صرة من بع�ض طلبة العلم ،وخرجت بع�ض
الفتاوى كذلك.
((( هو �أبو الفي�ض؛ �أحمد بن حممد الغماري من �أهل طنجة (ت1380 :هـ)؛ �أ ّلف ر�سالة بعنوان« :الإقناع
ب�صحة �صالة اجلمعة عرب املذياع».
((( حممد بخيت بن ح�سني املطيعي؛ مفتي الديار امل�صرية ،ومن كبار فقهائها ،ولد يف بلدة (املطيعة) من
�أعمال �أ�سيوط .وتعلم يف الأزهر ،وا�شتغل بالتدري�س فيه ،وانتقل �إلى الق�ضاء ال�شرعي �سنة 1297هـ،
وكان مفت ًيا للديار امل�صرية من عام (1339 - 1333هـ) ،تويف عام 1354هـ .الأعالم للزركلي (.)50/6
املبحث الأول
الأ�صول ال�شرعية التي ترجع �إليها امل�س�ألة
املطلب الأول
مبنى العبادات على ال�شرع واالتباع
فالعبادات الأ�صل فيها التوقيف واحلظر واملنع(((؛ وهذه قاعدة عظيمة يف ال ّدين؛
فال يجوز الإحداث يف العبادات وال تغيري نظامها وال هيئتها وال �صفتها وال اخرتاع
�شيء فيها من غري برهان وبيان و�إذن من اهلل تعالى ور�سوله؛ كما قال اهلل تعايل:
(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [ال�شورى.]21 :
و�أنّ البدعة يف الدين �إمنا جاءت يف نق�ض هذا الأ�صل والتطاول عليه ،والتقدم
بني يدي اهلل ور�سوله ،وا�ستح�سان الإن�سان مب�ستم�سك وا ٍه لو ًنا من العبادات� ،أو هيئ ًة
التفات �إلى كون ذلك مما �أذن اهلل ٍ �أو �صف ًة �أو ً
نظاما جديدً ا لها ،من غري
فيه ح ًقا �أم مل ي�أذن به.
(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ و�أن االتباع ال�صحيح لل�شرع هو �سبيل النجاة؛
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [اجلاثية.]18 :
ويف ال�صحيح عن عائ�شة � أنّ النبي ﷺ«َ :منْ َ أ� ْح َد َث فيِ َ �أ ْم ِر َنا َه َذا َما َل ْي َ�س
ِم ْن ُه َف ُه َو َر ٌّد»(((.
وهذا احلديث هو �أحد الأحاديث التي عليها مدار الدين كما ن�ص عليه �أئمة الإ�سالم(((.
((( جمموع فتاوى ابن تيمية (.)29/17
((( متفق عليه؛ رواه البخاري ،كتاب ال�صلح ،باب �إذا ا�صطلحوا على �صلح جور فال�صلح مردود (،)2697
وم�سلم ،كتاب الأق�ضية ،باب نق�ض الأحكام الباطلة ،ورد حمدثات الأمور (.)1718
((( ذكر ذلك الإمام �أبو عبيد القا�سم بن �سالم ،والإمام �أحمد ،و�إ�سحاق بن راهويه ،و�أبو داود ال�سج�ستاين
وغريهم .جامع العلوم واحلكم البن رجب (.)61/1
فقهية تأصيلية
ولذا يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية“ :العبادات مبناها على ال�شرع واالتباع ،ال
على الهوى واالبتداع”(((.
وقال“ :ولهذا قال الفقهاء :العبادات مبناها على التوقيف”(((.
وقال �أي�ضً ا“ :الأعمال الدينية ال يجوز �أن يتخذ منها �شي ٌء �سب ًبا �إال �أن تكون
م�شروعة؛ ف�إن العبادات مبناها على التوقيف”(((.
كالم ينا�سب ما نحن فيه من م�س�ألتنا“ :قد ُمنعناويقول ابن دقيق العيد يف ٍ
�إحداث ما هو �شعا ٌر يف الدين ،ومثاله :االجتماع و�إقامة �شعاره يف وقت خم�صو�ص
�شرعا ،وقريب من ذلك� :أن تكون العبادة من جهة على �شيء خم�صو�ص مل يثبت ً
ال�شرع مرتبة على وجه خم�صو�ص ،فرييد بع�ض النا�س� :أن يحدث فيها �أم ًرا �آخر
مل يرد به ال�شرع ،زاع ًما �أنه ُيدرجه حتت عموم ،فهذا ال ي�ستقيم؛ لأن الغالب على
العبادات التعبد ،وم�أخذها التوقيف”(((.
وقال كذلك يف احلديث ال�ضعيف �إذا جاء با�ستحباب �شيء خم�صو�ص يف
العبادات“ :يحتمل �أن يقال� :إنه م�ستحب؛ لدخوله حتت العمومات املقت�ضية لفعل
اخلري ،وا�ستحباب ال�صالة.
ويحتمل �أن ُيقال� :إن هذه اخل�صو�صيات بالوقت �أو باحلال والهيئة ،والفعل
خا�ص يقت�ضي ا�ستحبابه بخ�صو�صه؛ وهذا �أقرب”(((.
دليل ٍ
املخ�صو�ص :يحتاج �إلى ٍ
ق�صة عبداهلل بن م�سعود مع القوم الذين اجتمعوا يف امل�سجد للت�سبيح ويف ّ
وذكر اهلل على هيئة معينة؛ ما ُيبينّ الت�شديد يف �أمور العبادات والإحداث فيها ،و�شدة
((( جمموع الفتاوى (.)80/1
((( جمموع الفتاوى (.)334 /1
((( جمموع الفتاوى (.)137 /1
((( �إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام ( )200 /1بت�صرف ي�سري.
((( �إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام (.)200 /1
حتذير �سلف الأمة من مثل ذلك؛ و�أنّ هذا الباب ينبغي التثبت فيه غاية التثبت،
فلي�س هو من جن�س �أبواب املعامالت واملطعومات والعاديات وما كان الأ�صل فيه احل ّل
والإذن وال�سماح.
اب َع ْب ِدالهلِ ِ ْب ِن َم ْ�س ُع ٍود َ ،ق ْب َل َع ْن َع ْم ُرو ْب ِن َ�س َل َم َة َق َالُ :ك َّنا نجَ ْ ِل ُ�س َع َلى َب ِ
الَ ْ�ش َع ِر ُّي و�سى ْ أ َ�صلاَ ِة ا ْل َغ َدا ِةَ ،ف إِ� َذا َخ َر َجَ ،م َ�ش ْي َنا َم َع ُه ِ إ� َلى المْ َ ْ�س ِج ِدَ ،ف َجا َء َنا َ أ� ُبو ُم َ
َ ف َق َال :أَ� َخ َر َج إِ� َل ْي ُك ْم َ�أ ُبو َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن؟ ُق ْل َنا :اَلَ ،ب ْع ُدَ ،ف َج َل َ�س َم َع َنا َحتَّى َخ َر َج،
و�سىَ :يا �أَ َبا َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن�ِ ،إنيِّ َر َ أ� ْي ُت فيِ َف َل َّما َخ َر َجُ ،ق ْم َنا �ِإ َل ْي ِه َجمِ ي ًعاَ ،ف َق َال َل ُه �أَ ُبو ُم َ
المْ َ ْ�س ِج ِد آ� ِن ًفا أَ� ْم ًرا �أَ ْن َك ْر ُت ُه َولمَ ْ َ�أ َر َ -والحْ َ ْم ُد لهلِ ِ �ِ -إ اَّل َخيرًْ اَ ،ق َالَ :ف َما ُه َو؟ َف َق َالِ :إ�نْ
ال�صلاَ َة فيِ ُك ِّل و�سا َي ْنت َِظ ُرونَ َّ ِع ْ�ش َت َف َ�سترَ َا ُهَ ،ق َالَ :ر َ�أ ْي ُت فيِ المْ َ ْ�س ِج ِد َق ْو ًما ِح َل ًقا ُج ُل ً
ولَ :ه ِّل ُلوا ولَ :كبرِّ ُ وا ِما َئ ًةَ ،ف ُي َكبرِّ ُ ونَ ِما َئ ًةَ ،ف َي ُق ُ َح ْل َق ٍة َر ُج ٌلَ ،وفيِ �أَ ْي ِديهِ ْم ح�صً اَ ،ف َي ُق ُ
ول�َ :س ِّب ُحوا ِما َئ ًةَ ،ف ُي َ�س ِّب ُحونَ ِما َئ ًةَ ،ق َالَ :ف َم َاذا ُق ْل َت َل ُه ْم؟، ِما َئ ًةَ ،ف ُي َه ِّل ُلونَ ِما َئ ًةَ ،و َي ُق ُ
َق َالَ :ما ُق ْل ُت َل ُه ْم َ�ش ْي ًئا ا ْن ِت َظا َر َر ْ أ� ِي َك َ�أ ِو ا ْنتظا َر �أَ ْم ِر َكَ ،ق َال�َ “ :أ َفلاَ َ أ� َم ْر َت ُه ْم �أَنْ َي ُع ُّدوا
َ�س ِّي َئاتِهِ ْمَ ،و َ�ضمِ ْن َت َل ُه ْم أَ�نْ اَل َي ِ�ضي َع ِم ْن َح َ�س َناتِهِ ْم”ُ ،ث َّم َم َ�ضى َو َم َ�ض ْي َنا َم َع ُه َحتَّى
“ما َه َذا ا َّل ِذي �أَ َرا ُك ْم ت َْ�ص َن ُعونَ ؟” أَ�تَى َح ْل َق ًة ِم ْن ِت ْل َك الحْ ِ َل ِقَ ،ف َو َق َف َع َل ْيهِ ْمَ ،ف َق َالَ :
َقا ُلواَ :يا أَ� َبا َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن ح�صً ا َن ُع ُّد ِب ِه ال َّت ْك ِب َري َوال َّت ْه ِل َيل َوالت َّْ�س ِب َيحَ ،ق َالَ “ :ف ُع ُّدوا
َ�س ِّي َئا ِت ُك ْمَ ،ف أَ� َنا َ�ض ِامنٌ َ�أنْ اَل َي ِ�ضي َع ِم ْن َح َ�س َنا ِت ُك ْم َ�ش ْي ٌءَ ،و ْي َح ُك ْم َيا �أُ َّم َة محُ َ َّم ٍد،
َما �أَ ْ�س َر َع َه َل َك َت ُك ْم َه ؤُ� اَل ِء َ�ص َحا َب ُة َن ِب ِّي ُك ْم ُم َت َوا ِف ُرونَ َ ،و َه ِذ ِه ِث َيا ُب ُه لمَ ْ َت ْب َلَ ،و�آ ِن َي ُت ُه لمَ ْ
ُت ْك َ�س ْرَ ،وا َّل ِذي َنف ِْ�سي ِب َي ِد ِه� ،إِ َّن ُك ْم َل َع َلى ِم َّل ٍة ِه َي أَ� ْه َدى ِم ْن ِم َّل ِة محُ َ َّم ٍد ﷺ �أ ْو ُم ْف َت ِت ُحو
اب َ�ضلاَ َل ٍة”َ ،قا ُلواَ :والهلِ ِ َيا �أَ َبا َع ْب ِدال َّر ْح َم ِنَ ،ما �أَ َر ْد َنا ِ�إ اَّل الخْ َ يرْ َ َ .ق َالَ “ :و َك ْم ِم ْن َب ِ
ول الهلِ ِ ﷺ َح َّد َث َنا أَ�نَّ َق ْو ًما َي ْق َر ُءونَ ا ْل ُق ْر�آنَ اَل ُي َجا ِو ُز ُم ِر ٍيد ِل ْل َخيرْ ِ َل ْن ُي ِ�صي َبهُِ� ،إنَّ َر ُ�س َ
َت َرا ِق َي ُه ْمَ ،وايمْ ُ الهلِ ِ َما أَ� ْدرِي َل َع َّل أَ� ْكثرَ َ ُه ْم ِم ْن ُك ْم” ُث َّم َت َو َّلى َع ْن ُه ْم(((.
((( رواه الدارمي يف مقدمة �سننه؛ باب فيِ كراهية �أخذ الر�أي ،برقم ()210؛ والأثر ثابت.
فقهية تأصيلية
املطلب الثاين
الأ�صول ال�شرعية يف باب الإمامة واالئتمام و�صالة اجلماعة
جاء يف باب الإمامة واالئتمام و�صالة اجلماعة �أحاديث كثرية جدً ا؛ ويف كتاب
اهلل �أي ضً� ا �إ�شارة �إلى اجلماعة يف ال�صالة والأمر بها يف �أ�شد احلاالت و�أحلك الأحوال
كما يف �آيات �صالة اخلوف من �سورة الن�ساء.
و�سيكون الكالم هنا على ثالث ٍة من �أ�صول �صالة اجلماعة:
الأ�صل الأول:
�أنّ �صالة اجلماعة �صال ٌة م�شروع ٌة على هيئ ٍة معين ٍة؛ وهي �أن يقوم الإمام
�أمام �صفوف امل�صلني يف مكان واحد حقيقة؛ وهذا مما ُيعلم �ضرورة من �صالة
امل�سلمني.
و�أنّ املكان الواحد الذي يجمع امل�صلني ب�إمامهم حقيق ًة �أ�ص ٌل يف �صالة اجلماعة؛
وهو حقيق ُة معناها.
فهذه ال�صورة هي �صالة اجلماعة؛ التي ّ
دل على هيئتها ونظامها �أحاديث كثرية
جدً ا ،وتناقل �صفتها امل�سلمون جيل �إثر جيل.
والنبي � شدد كث ًريا يف عدم الإخالل بهذه الهيئة ،و�أن انتظام
ال�صفوف ومقاربتها وانتظامها �أ�ص ٌل من �أ�صول �صالة اجلماعة؛ والإخالل الكلي
بهذه ال�صفة �إخالل بحقيقتها وجوهرها.
هلل ﷺ ُي َ�س ِّوي ُ�ص ُفو َف َنا َحتَّى ول ا ِ ُيبينّ ذلك قول ال ُّن ْع َمانَ ْبنَ َب ِ�ش ٍري َ :كانَ َر ُ�س ُ
َك�أَنمَّ َ ا ُي َ�س ِّوي ِب َها ا ْل ِق َد َاح(((! َحتَّى َر�أَى �أَ َّنا َق ْد َع َق ْل َنا َع ْنهُُ ،ث َّم َخ َر َج َي ْو ًما َف َق َامَ ،حتَّى
((( القداح :بك�سر القاف؛ هي خ�شب ال�سهام حني تنحت وتربى واحدها قدح بك�سر القاف معناه يبالغ
يف ت�سويتها حتى ت�صري ك�أمنا يقوم بها ال�سهام ل�شدة ا�ستوائها واعتدالها� .شرح �صحيح م�سلم للنووي
(.)157/4
هلل َلت َُ�س ُّونَّ ُ�ص ُفو َف ُك ْم� ،أَ ْو َكا َد ُي َكبرِّ ُ َف َر�أَى َر ُج اًل َبا ِد ًيا َ�ص ْد ُر ُه ِمنَ َّ
ال�ص ِّفَ ،ف َق َال«ِ :ع َبا َد ا ِ
وه ُك ْم»(((. َل ُي َخا ِل َفنَّ ُ
اهلل َب َي ُو ُج ِ
ووجه الداللة من هذا احلديث:
أمر ُم�ستحب ،وبالتايل يجوز تركه مطل ًقا
�أنّ هذا التهديد والوعيد ال يكون على � ٍ
ب�أجمعه؛ �أو ترك �أفراده.
ف�إنّ احلديث دا ٌّل على احلتم واللزوم والوجوب؛ والت�شديد يف �إقامة ال�صف
واعتداله واملحافظة على هيئة ال�صالة واالنتظام فيها؛ و�أحوال النبي ﷺ واخللفاء
الرا�شدين بعده ظاهرة يف الت�شديد على �إقامة ال�صفوف واعتدالها؛ وكانوا يبعثون
رجال يقيمون ال�صفوف وال يكبرّ ون �إال بعد ذلك(((؛ حتى قال َع ْم ُرو ْبنُ َم ْي ُم ٍون: اً
اب َ غ َدا َة ُط ِعنَ َ ،ف ُك ْن ُت فيِ َّ
ال�ص ِّف ال َّثانَ ،و َما يمَ ْ َن ُع ِني ل َّط ِ “�ش ِه ْدتُ ُع َم َر ْبنَ ا ََ
ال�ص َّف ِ�إ َذا �أُ ِقي َم ِت َّ
ال�صلاَ ُةَ ،ف ِإ� َذا َر َ أ�ى ال�ص ِّف ْالأَ َّو ِل �ِإ اَل َه ْي َب ُتهُ؛ َكانَ َي ْ�س َت ْق ِب ُل َّ
�أَنْ �أَ ُكونَ فيِ َّ
�إِ ْن َ�سا ًنا ُم َت َقدِّ ًما �أَ ْو ُم َت أَ� ِّخ ًرا �أَ َ�صا َب ُه ِبالدِّ َّر ِة.(((”..
و�إن كان جماعة من الفقهاء عبرّ وا هنا باال�ستحباب يف ت�سوية ال�صفوف(((؛
الق�صة ،كتاب الأذان ،باب ت�سوية ال�صفوف عند الإقامة وبعدها ،برقم (،)717 رواه البخاري من غري ّ (((
وم�سلم ،كتاب ال�صالة ،باب ت�سوية ال�صفوف ،و�إقامتها ..برقم (.)436
�ساق ابن حزم الآثار عن اخللفاء الرا�شدين يف ذلك .املحلى (.)378/2 (((
هذا لفظ رواية احلارث يف م�سنده؛ ()622/2؛ قال ابن حجر يف املطالب العالية (“ :)775/15حديثٌ (((
�صحيح”.
بلفظ مقارب؛ كتاب ف�ضائل ال�صحابة ،باب ق�صة البيعة واالتفاق على والأثر عند البخاري يف �صحيحه ٍ
عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنهما ،برقم (.)3700
الفواكه الدواين ( ،)246/1مغني املحتاج ( ،)248/1ك�شاف القناع (.)328/1 (((
قال برهان الدين ابن مفلح يف النكت على املحرر (“ :)115/1قد ا�شتهر �أن ت�سوية ال�صفوف �أمر
مطلوب لل�شارع؛ وعندنا وعند عامة العلماء �أن ذلك م�ستحب؛ وفيه �إ�شكال؛ ف�إن يف ال�صحيحني من
حديث �أن�س �أنه عليه ال�صالة وال�سالم قال�« :سووا �صفوفكم ف�إن ت�سوية ال�صف من متام ال�صالة»
وفيهما من حديث النعمان بن ب�شري �أنه عليه ال�صالة وال�سالم قال« :لت�س ّون �صفوفكم �أو ليخالفن اهلل
بني وجوهكم» ويف لفظ «�أقيموا �صفوفكم -ثال ًثا -واهلل لتقيمنّ �صفوفكم �أو ليخالفن اهلل بني قلوبكم»..
وهذا ظاهر يف الوجوب؛ وعلى هذا :بطالن ال�صالة به حمل نظر”.
فقهية تأصيلية
ومنهم من جعله مما ينبغي للم�صلني فعله((( ،ولكن هذا غري ناه�ض �إذا كان
املق�صود جواز تركه؛ ف�إن الأمر به ظاهر يف �أحاديث عدة ،وفعل ال�صحابة �أي�ضً ا دا ٌّل
على فهمهم الوجوب والت�أكيد ال�شديد؛ كما �سبق عنهم .
ولذا ب ّوب البخاري( :باب �إثم من مل يتم ال�صفوف)(((.
وهو اختيار �أبي العبا�س ابن تيمية وغريه من املحققني؛ “ومن ذكر الإجماع
على ا�ستحباب ت�سوية ال�صفوف فمراده ثبوت اال�ستحباب ال نفي الوجوب”(((.
فاملق�صود مما �سبق تقريره:
نظاما وهيئة معينة �أرادها ال�شارع
�أنّ هذا من الدالالت على �أنّ ل�صالة جماعة ً
وطلبها؛ فال يجوز بحال الإخالل بها جملة ،و�أن حديث النعمان �إمنا هو يف اخللل
الواقع من �آحاد امل�صلني؛ فكيف �إن وقع اخللل يف جملة منهم ي�صلون على هيئة غري
مطلوبة لل�شارع؛ ومناق�ضة ملق�صوده.
و�أي �إخالل �أكرب من َ�ص ٍّف ي�صلي خلف �شا�شة �أو مذياع مع �إمام بينه وبينه
ال�سهول واجلبال والقفار والبحار!
وت�أ ّمل وجه الإخالل يف �صور ِة �أن ي�صلي الإمام وحده يف بيته وامل�أمومون متفرقون
يف �سائر بقاع الأر�ض ي�صلون خلفه عرب البث؛ لقول القائل� :إنّ املتابعة ت�صح؛ لأن
املق�صود �إمكان املتابعة وهو حا�صل؛ فهل تكون هذه هيئ ًة لل�صالة امل�شروعة؟ �أم �أنها
�أقرب للإحداث واالبتداع؟
الأ�صل الثاين:
�أنّ معنى الإمامة يقت�ضي االقتداء واملتابعة واملالحظة التامة؛ و�أن بني �صالة
((( قال الزيلعي احلنفي« :وينبغي للقوم �إذا قاموا �إلى ال�صالة �أن يرتا�صوا وي�سدوا اخللل وي�سووا بني
مناكبهم يف ال�صفوف» تبيني احلقائق (.)136/1
((( فتح الباري البن حجر (.)210/2
((( اختيارات البعلي ( ،)76/1الإن�صاف (.)39/2
الإمام و�صالة امل�أمومني رابطة وعالقة يف �أحكام ال�صالة وابتناء �صالة امل�أموم على
�صالة �إمامه.
وهذا الأ�صل الكلي متفق عليه باجلملة؛ و�إن اختلف الفقهاء يف �آحاد �صوره؛
كحمل الإمام القراءة عن امل�أموم ،وك�صحة �صالة امل�أموم �إن انتق�ضت طهارة الإمام،
ونحو ذلك من امل�سائل التي وقع فيها اخلالف بني الفقهاء(((.
�إال �أ ّنهم متفقون �أنّ ل�صالة امل�أموم عالقة ب�صالة الإمام؛ بدليل الإجماع على
�أن امل�سبوق ُيخالف من نظام �صالته من �أجل متابعته �إمامه ،كجلو�سه بعد الأولى يف
ثانية الإمام(((.
وهذا االبتناء ال يكون حقيقة مع اختالف املكان ،وتباعد الأقطار؛ و�إمنا هو ابتناء
جمازي ال حقيقي.
هلل ﷺ َف َد َخ َل َع َل ْي ِه ول ا ِ ا�ش َت َكى َر ُ�س ُ حديث َعا ِئ َ�ش َة َ ،قا َل ْتْ : ِ وقد جاء يف
هلل ﷺ َجا ِل ً�ساَ ،ف َ�ص َّل ْوا ِب َ�صلاَ ِت ِه ِق َي ًاما ول ا ِ ا�س ِمنْ �أَ ْ�ص َحا ِب ِه َي ُعودُو َنهَُ ،ف َ�ص َّلى َر ُ�س ُ َن ٌ
َف�أَ َ�شا َر ِ إ� َل ْي ِه ْم�َ :أ ِن ْاج ِل ُ�سوا َف َج َل ُ�سوا؛ َف َل َّما ا ْن َ�ص َر َف َق َال�« :إِنمَّ َ ا ُج ِع َل ْ ِ إ
ال َم ُام ِل ُي�ؤتمَ َّ ِب ِه َف ِ�إ َذا
و�سا»(((. َر َك َع َفا ْر َك ُعوا َو ِإ� َذا َر َف َع َفا ْر َف ُعوا َو ِ�إ َذا َ�ص َّلى َجا ِل ً�سا َف َ�صلُّوا ُج ُل ً
ففي احلديث دالل ٌة على عالقة �صالة امل�أموم ب�صالة الإمام ،وات�صالها بها
إ�سقاط لركن القيام لأجل حال الإمام. ات�صال ترتبت عليه �أحكا ٌم يف �صلب ال�صالة ،و� ٌ اً
فلي�ست امل�س�ألة فقط �إمكانُ املتابعة ،بل هي حالة تامة من املتابعة واالت�صال،
والهيئة الواحدة الناظمة ،واملالحظة كما ب�إ�شارته لهم باجللو�س.
وكذا ما جاء َعنْ �أَ ِبي هُ َر ْي َر َة َ عنْ ال َّن ِب ِّي ﷺ َق َال�« :أَ َما َي ْخ َ�شى �أَ َح ُد ُك ْم ِ�إ َذا
((( رد املحتار على الدر املختار ( ،)329-320/1الفواكه الدواين ( ،)228 - 205/1املهذب يف فقه
الإمام ال�شافعي ( ،)89-79/1ك�شاف القناع عن منت الإقناع (.)309/1
((( التمهيد البن عبدالرب (.)136/6
((( رواه البخاري ،كتاب ال�صالة ،باب �إمنا جعل الإمام لي�ؤمت به ،برقم ( ،)688وم�سلم ،يف كتاب ال�صالة،
باب ائتمام امل�أموم بالإمام ،برقم (.)411
فقهية تأصيلية
ال َم ِام َ�أنْ َي ْج َع َل اللهَّ ُ َر�أْ َ�س ُه َر أْ� َ�س ِح َما ٍر �أَ ْو َي ْج َع َل اللهَّ ُ ُ�صو َر َت ُه ُ�صو َر َة
َر َف َع َر�أْ َ�س ُه َق ْب َل ْ ِإ
ِح َمارٍ»(((.
ووجه الداللة:
�أنّ الوعيد ال�شديد؛ جاء يف الفعل املُخ ّل مبعنى الإمامة ،وهيئة اجلماعة ،ومق�صود
املتابعة؛ وهل من ي�صلي مع الإمام وبينهما امل�سافات العظيمة هو �أخف يف املخالفة
ممن يرفع ر�أ�سه قبل الإمام؟
الأ�صل الثالث:
حديث َوا ِب َ�ص َة ِبن َم ْع َبد ِ بطالن �صالة الفذ خلف ال�صف؛ كما جاء ذلك يف
ال�ص ِّف َو ْح َد ُه َف�أَ َم َر ُه �أَنْ ُي ِع َيد
ول الهلِ ِ ﷺ « َر�أَى َر ُج اًل ُي َ�ص ِّلي َخ ْل َف َّ
� ،أَنَّ َر ُ�س َ
ال�صلاَ َة»(((.
َّ
وجاء يف معناه َح ِديثُ َع ِل ِّي ْب ِن َ�ش ْي َبانَ احلنفي .(((
ف�إذا كان النبي � أبطل �صالة من �صلى مع �إمامه يف مكان واحد،
((( رواه البخاري ،كتاب ال�صالة ،باب �إثم من رفع ر�أ�سه قبل الإمام ،برقم ( ،)691وم�سلم ،كتاب ال�صالة،
باب النهي عن �سبق الإمام ،برقم (.)427
((( رواه الإمام �أحمد يف احلا�شية ،برقم ( ،)18283و�أبو داود يف �سننه ( )254/1برقم ،)682( :كتاب
ال�صالة ،باب الرجل ي�صلي وحده خلف ال�صف؛ والرتمذي يف جامعه ( )268/1برقم،)230( :
�أبواب ال�صالة عن ر�سول اهلل ﷺ ،باب ما جاء يف ال�صالة خلف ال�صف وحده؛ وابن ماجه يف �سننه
( )137/2برقم� ،)1004( :أبواب �إقامة ال�صالة وال�سنة فيها.
واحلديث احتج به الإمام �أحمد؛ وقال :ح�سن .وقال مرة :أُ�ثبت حديث عمرو بن مرة .وقال مرة :ال
�أعرف حلديث واب�صة خمال ًفا.
املغني البن قدامة ( ،)42 /2تنقيح التحقيق البن عبدالهادي (� ،)23 /2سنن الدارمي (،)333 /1
فتح الباري البن رجب (.)25 ،23 /5
((( رواه الإمام �أحمد يف احلا�شية برقم ،)16555( :وابن ماجه يف �سننه ( )135/2برقم)1003( :
وابن حبان يف �صحيحه ( )579/5برقم )580/5( ،)2202( :برقم )2203( :وابن خزمية يف
�صحيحه ( )82/3برقم .)1569( :و�صححه ابن حبان وابن خزمية حيث خرجاه وارت�ضياه ،وقال ابن
عبدالهادي يف التنقيح� :إ�سناده قوي.)449/2( .
وبقعة واحد ٍة يراه ب�أقرب ما يكون لأ ّنه �أخ ّل بامل�صاففة ونظام اجلماعة واملكان؛ و�صلى
لي�س بجانبه �أحد؛ فكيف ب�صالة من يتابع �إمامه عرب التلفاز الذي هو �أ�شد � اً
إخالل
بنظام ال�صالة وهيئتها وجماعتها من �صالة الفذ خلف ال�صف و�أولى بالبطالن؛ و�إن
�صلى معه �أحد.
وفيما ي�شبه هذا املعنى قول �أبي الع ّبا�س ابن تيمية يف م�س�ألة ت�سوية
ال�صفوف“ :ف�إذا كان تقومي ال�صف وتعديله من متامها و�إقامتها بحيث لو خرجوا
عن اال�ستواء واالعتدال بالكلية حتى يكون ر�أ�س هذا عند الن�صف الأ�سفل من هذا
مل يكونوا م�صطفني ،ولكانوا ي�ؤمرون بالإعادة؛ وهم بذلك �أولى من الذي �صلى خلف
ال�صف وحده ف�أمره النبي ﷺ �أن يعيد �صالته”(((.
فهذا ال ّن�ص فيه من الفقه وح�سن الفهم والنظر التام ل�صورة الأمر بكماله ما
يدفع االجتزاء يف نظر امل�سائل وتع�ضيتها ثم اخلروج بحكم لها دون النظر �إلى جممل
الأمر و�أثر الرتكيب وحقيقة ال�شيء ب�أكمله.
فقهية تأصيلية
املبحث الثاين
�أ�صول الفقهاء يف باب الإمامة والإئتمام
مبجموعه
ِ �أ�صول باب الإمامة والإئتمام وما يع ّلل به الفقهاء يف هذا الباب؛ دا ٌّل
على اعتبار مقاربة امل�أموم �إمامه حقيق ًة ال ُحك ًما ،وات�صاله به يف املكان الواحد
املحكوم به عر ًفا؛ و�أن كالمهم يف االت�صال ور�ؤية الإمام �أو امل�أمومني �إمنا هو يف
املكان الواحد والبقعة الواحدة؛ وال ي�صح �إحلاق غري ذلك به ،لأنه لي�س مرادًا لهم،
وال هو يف معنى املراد؛ �إذ هم يتكلمون على امل�سائل وال�صور املعقولة واملت�صورة لديهم
يف زمنهم؛ التي ُيحكم بها عر ًفا باالت�صال و�أنّ امل�صلي تاب ٌع لإمامه يف املكان الواحد،
و�إن حال طري ٌق �أو نهر �صغري ونحو ذلك.
ولي�س مرادهم ال�صالة عرب الآفاق وامل�سافات املتباعدة؛ فال ي�صح بحال القيا�س
هنا على �أقوالهم والتخريج عليها؛ ملجرد �أ ّنهم قالوا من ر�أى �إمامه �أو ال�صفوف ُحكم
حم�ض وظاهر؛ وقيا�س مع الفارق ال�شديد؛ لأنهم �إمنا حكموا له باالت�صال؛ فهو خط�أٌ ٌ
بذلك بح�سب حالهم املعلومة ،وال�صور املعروفة لديهم.
هذا؛ وقد جاء يف كالمهم ما يدل على اعتبار املكان ذاته؛ فمن ذلك:
� اًأول :ما ذكره احلنفية يف �شروط �صحة االقتداء؛ �أنّ منها :ما جاء يف بدائع
ال�صنائع �أن من �شروط ال�صحة“ :احتاد مكان الإمام وامل�أموم ،ولأن
االقتداء يقت�ضي التبعية يف ال�صالة ،واملكان من لوازم ال�صالة فيقت�ضي
التبعية يف املكان �ضرورة ،وعند اختالف املكان تنعدم التبعية يف املكان،
فتنعدم التبعية يف ال�صالة النعدام الزمها؛ ولأن اختالف املكان يوجب
خفاء حال الإمام على املقتدي فتتعذر عليه املتابعة التي هي معنى االقتداء،
حتى �أنه لو كان بينهما طريق عام مير فيه النا�س �أو نهر عظيم ال ي�صح
فقهية تأصيلية
“�أنْ ُيع ّدا جمتمعني ليظهر ال�شعار والتوا ّد والتعا�ضد؛ �إذ لو اكتفى بالعلم
باالنتقاالت فقط لبطل ال�سعي امل�أمور به والدعاء �إلى اجلماعة ،وكان كل �أحد
ي�صلي يف �سوقه �أو بيته ب�صالة الإمام يف امل�سجد �إذا علم بانتقاالته”(((.
ن�ص ظاهر يف اعتبارهم ملا نحن فيه من م�س�ألتنا؛ وهو �أن االجتماع يف
وهذا ٌ
املكان الواحد هو حقيقة اجلماعة؛ التي ال ت�صح �إال بتحقيقه.
وكذلك جعل ال�شافعية �أكرث حد وم�سافة بني امل�أموم والإمام �أو �آخر ال�صفوف
ثالثمئة ذراع؛ وما كان �أكرث من ذلك فال تبعية له لإمامه(((.
راب ًعا :احلنابلة؛ وقد ا�شرتطوا -مع غريهم -عدم وجود حائل كبري بني الإمام
وامل�أموم؛ كالنهر الذي جتري فيه ال�سفن؛ والطريق املطروق؛ ما مل تت�صل
ال�صفوف ،ف�إن ات�صلت �صحت ال�صالة(((.
خام�سا� :أنّ التقدم على الإمام من غري حاجة مبط ٌل ل�صالة امل�أموم عند عامة
ً
الفقهاء؛ من احلنفية وال�شافعية واحلنابلة .
(((
و�أخف ال ّنا�س فيه املالكية؛ وقد قال الإمام مالك يف م�س�ألة التقدم على
الإمام“ :قد بلغني �أن دارا لآل عمر بن اخلطاب وهي �أمام القبلة كانوا
ي�صلون ب�صالة الإمام فيها فيما م�ضى من الزمان ،قال :وما �أحب �أن يفعله
�أحد ،ومن فعله �أجز�أه”(((.
فمالك يقول“:ال �أُحب �أن يفعله �أحد”.
ٌ
وعامة الفقهاء يرون �أن التقدم على الإمام مبط ٌل ل�صالة امل�أموم ،مع �أنه
ميكن االقتداء به بجرد ال�سماع ،ولكن لأن التقدم عليه خم ٌل ب�شعار ال�صالة
مغني املحتاج لل�شربيني ( ،)495/1نهاية املحتاج للرملي (.)198/2 (((
منهاج الطالبني للنووي ( ،)41/1بداية املحتاج ( ،)342/1حا�شيتا قليوبي وعمرية (.)275/1 (((
املبدع �شرح املقنع (� ،)99/2شرح املنتهى (.)283/1 (((
تبيني احلقائق للزيلعي ( ،)250/1املجموع للنووي ( ،)299/4ك�شاف القناع للبهوتي (.)485/1 (((
املدونة (.)175/1 (((
ونظامها وهيئتها ال�شرعية وحقيقة االقتداء ومعنى الإمامة كان التقدم عليه
ُم اً
بطل.
�ساد�سا :يقول �أبو العبا�س ابن تيمية يف كالم له على بطالن �صالة الفذ ً
خلف ال�صف“ :هو مقت�ضى الن�صو�ص امل�شهورة والأ�صول املقررة؛ ف�إن
�صالة اجلماعة �سميت جماعة الجتماع امل�صلني يف الفعل مكا ًنا وزما ًنا؛ ف�إذا
� َأخ ّلوا باالجتماع املكاين �أو الزماين مثل �أن يتقدموا �أو بع�ضهم على الإمام
�أو يتخلفوا عنه تخل ًفا كث ًريا لغري عذر كان ذلك منه ًيا عنه باتفاق الأئمة؛
وكذلك لو كانوا مفرتقني غري منتظمني مثل �أن يكون هذا خلف هذا وهذا
خلف هذا كان هذا من �أعظم الأمور املنكرة بل قد �أمروا باال�صطفاف بل
�أمرهم النبي ﷺ بتقومي ال�صفوف وتعديلها وترا�ص ال�صفوف و�سد اخللل
و�سد الأول فالأول كل ذلك مبالغة يف حتقيق اجتماعهم على �أح�سن وجه
بح�سب الإمكان ،ولو مل يكن اال�صطفاف واج ًبا جلاز �أن يقف واحد خلف
عاما �أن هذه لي�ست �صالة واحد وهلم جرا؛ وهذا مما يعلم كل �أحد عل ًما ً
امل�سلمني”(((.
فهذا الكالم فيه بيا ٌن مل�أخذ ومناط امل�س�ألة التي يتناولها البحث؛ وهو �أنّ
ال�صالة والإئتمام عرب ال�شا�شات والبث املبا�شر يف امل�سافات املتباعدة
لي�ست �صالة امل�سلمني املعهودة عن نبيهم ،وهو مما يعلمه كل
عاما �أ ّنه لي�س من امل�شروع ،وال من جن�س امل�شروع.
أحد عل ًما ً
� ٍ
واملق�صود� :أن القول ب�صحة اقتداء من ي�صلي خلف �إمام بينه وبينه امل�سافات
الهائلة قو ٌل ال ين�ضبط على قول فقيه متقدم ،وتخريج ذلك على كالم الأئمة ٌ
غلط يف
وقيا�س فا�سد ،وخط�أٌ عليهم.
ٌ الفقه،
فقهية تأصيلية
املبحث الثالث
ن�صو�ص الفقهاء املعا�صرين يف امل�س�ألة
ملا كتب بع�ض املغاربة ر�سالة يف جواز �صالة اجلمعة عرب الإمتام وراء املذياع(((؛
�أنكر عليه جماعة من املعا�صرين له؛ وردوا على ر�سالته بكالم يبينّ درجة الإخالل
فيها؛ وممن تكلم يف ذلك:
� اًأول :مفتي الديار امل�صرية ال�شيخ حممد بن بخيت املطيعي (ت1354 :هـ).
و�أفتى ببطالن ذلك على مقت�ضى مذاهب الفقهاء الأربعة جمي ًعا(((.
ثان ًيا :ال�شيخ عبدالرحمن بن نا�صر ال�سعدي (ت1376 :هـ).
ت�صفحا اً
عجل فوجدت فيها انتقادات كثرية يف �أ�صلها ً قال“ :ت�صفحت الر�سالة
وتف�صيلها.(((”..
وممن تكلم يف امل�س�ألة كذلك:
ثال ًثا :ال�شيخ حممد �أبو زهرة (ت1393 :هـ)(((؛ ُ�سئل عن ال�صالة خلف ّ
امل�سجل
هو �أبو الفي�ض؛ �أحمد بن حممد الغماري من �أهل طنجة (ت1380 :هـ)؛ �أ ّلف ر�سالة بعنوان« :الإقناع (((
ب�صحة �صالة اجلمعة عرب املذياع».
اهتم بعلوم احلديث ،وله ر�سائل يف ذلك؛ ور�سائل يف علوم �أخرىُ ،مت�صوف �شيخ طريقة ،مت�شيع لآل
غال فيهم ،يذكر بع�ض ال�صحابة ب�أقبح الألفاظ والأو�صاف واللعن؛ وله �شذوذات �أخرى. البيتٍ ،
كان مالك ًيا ،ثم �شافع ًيا ،ثم ترك ذلك وقال باالجتهاد وما �أدى �إليه نظره.
ُينظر :فقه احلافظ �أحمد الغماري ،لـ احل�سن بن علي الكتاين .املقدمة �ص (.)64-61
فقه احلافظ �أحمد الغماري ،لـ احل�سن بن علي الكتاين �ص (.)156 (((
ويف مقدمة ر�سالة الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة عرب املذياع بقلم �أخي كاتب الر�سالة �إ�شارة �إلى كالم
ال�شيخ املطيعي.
الأجوبة النافعة عن الأ�سئلة الواقعة ،ر�سائل بني ابن عقيل و�شيخه ال�سعدي �ص (.)317 (((
ال�شيخ حممد بن �أحمد �أبو زهرة ،عامل م�صري معا�صر ،ع�ضو جممع البحوث اال�سالمية ،عمل �أ�ستاذاً (((
يف جامعات القاهرة ،له عدة م�صنفات ،منها عن الأئمة الفقهاء الأربعة=.
فقهية تأصيلية
لأن �صالة اجلماعة يق�صد بها االجتماع ،فالبد �أن تكون يف مو�ضع واحد� ،أو
تت�صل ال�صفوف بع�ضها ببع�ض ،وال جتوز ال�صالة بوا�سطتهما ،وذلك لعدم
ح�صول املق�صود بهذا”(((.
القول ال �شك �أ َّنه قو ٌل باط ٌل؛ لأنه ي�ؤدي �إلى �إبطال �صالة
ُ وقال“ :هذا
ال�صفوف ،وهو بعي ٌد ِمن مق�صو ِد
جلمعة ،ولي�س فيه ات�صال ُّ اجلماعة �أو ا ُ
ال�شار ِع ب�صالة اجلمعة واجلماعة”(((. َّ
�ساب ًعا :ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين (ت1420 :هـ)؛ وا�ستغرب من �صحح
ذلك(((.
ثام ًنا :اللجنة الدائمة للإفتاء يف اململكة العربية ال�سعودية؛ حيث �أفتت بعدم
�صحة ذلك(((.
تا�س ًعا :املجل�س الأوروبي للإفتاء والبحوث؛ �أفتى بعدم �صحة ذلك(((.
املبحث الرابع
حكم امل�س�ألة
ال�صال ُة مع �إمام ال يجمعه بامل�صلني مكا ٌن واح ٌد على احلقيقة حيث �أمكن
متابعته من الآفاق املتباعدة عرب البث املبا�شر �أم ٌر بطالنه ظاهر ،وال �شك من منعه
وعدم جوازه؛ و�أنّ هذه ال�صالة بهذه الكيفية وال�صفة �أم ٌر ُي�شبه الإحداث واالبتداع
قارب ذلك و ُي�شاكله.
يف العبادة ،و ُي ُ
وذلك لعل ٍة هي �أ�صل هذه امل�س�ألة؛ وهي:
واحد يف بقعة واحدة ومكان
�أنّ �صالة اجلماعة حقيقتها االجتماع على �إمام ٍ
واحد على هيئة معلومة يف ال ّدين؛ هذا هو معنى «�صالة اجلماعة».
فينتظم امل�صلون ب�إمامهم ويجتمعون �إليه على تلك ال�صفة املعلومة التي جاءت
ال�شريعة بها وتناقلها امل�سلمون من لدن ر�سول اهلل ﷺ �إلى ما �شاء اهلل؛ فالإخالل
بهذه ال�صفة �إخالل بحقيقة اجلماعة و�صفتها ال�شرعية ،و� ُ
إحداث �صفة �أخرى ال
ُت�شبه ما ُ�شرع فيها حقيقة؛ لأن امل�صلي الذي ال يجمعه ب�إمامه مكان واحد غري ٍ
تابع
لإمامه حقيقة؛ �إذ لي�س جمتم ًعا به؛ فكيف له �أن ي�أمت به ،وي�صلي معه ،ويبني �صالته
على �صالته؛ وهو لي�س معه.
فمن ي�شاهد عرب البث �أُ ً
نا�سا ف�إ ّنه لي�س معهم حقيقة؛ و�إمنا �أمكن له ر�ؤيتهم
و�سماعهم.
ولو غابت على ه�ؤالء ال�شم�س ف�أفطروا مل يكن له الفطر؛ ولو �صلوا املغرب مل يكن
له ذلك وال�شم�س عنده مل تغب؛ لأ ّنه ال حقيقة له مبكانهم ،و�إمنا هو راءٍ لهم ،عا ٌمل
بحالهم.
فكذا �صالة اجلماعة؛ لها حقيق ٌة مكانية كما �أنّ لها حقيق ًة زمانية.
فقهية تأصيلية
حني عبرّ امل�ص ّنف بذلك؛ لأن مق�صده الأماكن املتقاربة التي ميكن من خاللها
للم�أموم متابعة �إمامه ،كما لو كان يف باحة والإمام يف باحة �أخرى ،ونحو ذلك.
فكيف بحالنا الآن؛ من �إمكان املتابعة عرب الآفاق املتباعدة والأم�صار املختلفة؛
�أين هي من مق�صد االجتماع ورعاية االتباع؟
م�أخذ من �أجاز ذلك ووجه اخلط أ� فيه:
�سبق �أن ُذكر �أنّ هناك من �أ ّلف ر�سالة يف جواز �صالة اجلمعة يف البيوت متابعة
للإمام عرب املذياع؛ و�أنّ العلماء املعا�صرين له ب ّينوا خط�أ هذا الر�أي ،وخمالفته
للأ�صول امل�شروعة يف اجلمعة واجلماعة.
�أبرز ما ا�ستدل به من قال ذلك وما ميكن �أن ي�ستدل به لهم ما يلي:
� اًأول� :أن املتابعة فيمن ي�صلي عرب البث املبا�شر ممكنة؛ وقد تكون �أف�ضل من
املتابعة يف بع�ض اجلوامع الكبرية والطرق القريبة منه؛ و�أن كث ًريا من
الفقهاء يعربون عن �إمكان املتابعة بالر�ؤية �أو ال�سماع للإمام �أو امل�صلني(((.
وهذا �أبرز دليل ملن ي�صحح ذلك.
واجلواب على هذا:
الوجه الأول :هو الت�سليم ب�إمكان املتابعة ،و�أنّ جمرد �إمكان املتابعة حا�ص ٌل يف
البث املبا�شر� ،إال �أن علة املنع لي�ست �إمكان املتابعة �أو عدمها.
بل الع ّلة كما �سبق بيانه يف موا�ضع �سابقة؛ �أنّ �صالة اجلماعة لها حقيقة
�شرعية ،وهي االجتماع يف املكان الواحد خلف �إمام واحد وفق �صفة مع ّينة؛
و�أن هذه احلقيقة هي ال�صالة املعهودة امل�شروعة ،و�أن ال�شارع طلب هذه
احلقيقة و�أمر بها وحث عليها ،ونهى عن خالفها وزجر عنه؛ فكل �صفة
خالف ال�صفة التي طلبها ال�شارع ف�إنها ال ت�صح.
((( الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع للغماري (.)29
فقهية تأصيلية
الوجه الثاين� :أنه ال يجوز �إحداث �صفة يف العبادة غري ال�صفة امل�شروعة فيها
امل�أذون بها من ال�شارع ،كما يف �صفات �صالة اخلوف ،حيثُ �إن ال�شارع �أذن
و�شرعت.بذلك َ�ص ّحت ُ
الوجه الثالث� :أن الفقهاء الذين عربوا ب�سماع الإمام �أو ر�ؤيته �أو امل�صلني
ل�صحة االقتداء ما جعلوا ذلك مطل ًقا؛ بل �إنهم راعوا االت�صال العريف،
والتقارب يف املكان ،كما �سبق بيان ذلك يف ن�صو�صهم.
فمنهم من يذكر �أنّ النهر مانع ل�صحة االقتداء ،ومنهم من يذكر الطريق،
و�إن اختلفوا يف قدر النهر والطريق و�سعتهما.
ومنهم من حد ذلك بامل�سافة كما يف حد ال�شافعية ثالثمئة ذراع.
فهم م�ست�شعرون ملعنى االت�صال العريف واملكان الواحد اجلامع.
بل �إن بع�ضهم عبرّ �صراحة عن ا�شرتاط املكان الواحد؛ كما يف كالم
احلنفية وال�شافعية ،وعدهم ذلك ً
�شرطا لالقتداء؛ كما �سبق نقل ن�صو�صهم
يف ذلك.
وعلى كل حال؛ فالفقهاء ال�سابقون يتكلمون عن حد االت�صال و�صحة االقتداء
يف املكان الواحد؛ وال �شك يف ذلك ،وال ي�صح بحال �إحلاق مثل م�س�ألتنا هذه
بكالمهم ،فيقال �إنهم عربوا بالر�ؤية �أو ال�سماع ،فيلحق به الر�ؤية وال�سماع
عرب الآفاق املتباعدة؛ لأن هذا معلو ٌم �ضرورة �أنه غري مراد لهم ،وال جا ٍر على
�سنن كالمهم ،وال هو مق�صود لهم ب�أي وجه.
ثان ًيا :من �أدلتهم :القيا�س على �صالة الغائب ،وذلك �إنّ النبي ﷺ �صلى وهو يف
املدينة على النجا�شي يف احلب�شة(((.
وهذا ال ي�صح من �أوجه:
((( الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع للغماري (.)47
الوجه الأول� : :أنّ مبنى العبادات على التوقيف؛ فباب القيا�س يف العبادات
باب م�ضي ٌق غري مو�سع؛ كما يقول �صاحب املوافقات“ :الأ�صل يف العبادات ٌ
بالن�سبة �إلى املك َّلف التعبد دون االلتفات �إلى املعاين ،و� ُ
أ�صل العادات االلتفات
�إلى املعاين”(((.
وع ِلمت علته التي من �أجلها جاء احلكم.
والقيا�س ال يكون �إال فيما ُع ِقل وجهه ُ
الوجه الثاين :على تقدير �صحة �إجراء القيا�س هنا؛ فهو قيا�س مع الفارق
ويف غري حمل النزاع ،ف�إن حمل ال ّنزاع يف الإمامة والإئتمام وحال االقتداء،
ولي�س فيما ُي�صلي �إليه الإمام وقربه منه وبعده.
ولي�س يف ال�صالة على الغائب �صفة �أخرى يف الإمامة واالئتمام واجلماعة
حتى يقا�س عليها؛ ف�إن النبي � صلى بهم وهو معهم وهم معه يف
املكان ذاته.
و�إمنا اجلنازة لي�ست حا�ضرة بني يديه؛ فال وجه لهذا يف م�س�ألة الإمامة
واالئتمام واملتابعة.
ف�إن مق�صود �صالة اجلنازة الدعاء للميت وهو حا�صل بكل حال ،لذا ال
ي�شرتط لها اجلماعة ،فت�صح �صالة الفرد عليها؛ وال يلزم ح�ضور امل ّيت
حل�صول الدعاء ،بخالف �صالة اجلماعة التي مق�صودها االجتماع ذاته.
خ�صوا �صحة ال�صالة على الغائب ملن
الوجه الثالث� :أن طائفة من الفقهاء ّ
خ�صها بال َنبي ،(((فهي على هذا الوجه مل ُي�ص َّل عليه ،وبع�ضهم ّ
من كالمهم من قبيل ال ُّرخ�ص ،وال قيا�س يف الرخ�ص(((.
ثال ًثا :من �أدلتهم� :أنّ احلاجة قد تدعو �إلى مثل ذلك؛ كما يف �أزمة فايرو�س
((( املوافقات لل�شاطبي (.)513/2
((( ُينظر هذه الأقوال وغريها يف الفتح البن حجر (.)188/3
((( �شرح الكوكب املنري (.)220/4
فقهية تأصيلية
اخلامتة
فمما �سبق بيانه يف البحث يتبينّ �أنّ ال�صالة جماعة عرب البث املبا�شر ال
ت�صح ،وهي خط�أ حم�ض ،واجتهاد ال ي�سوغ ،وفيه م�شابهة ومقاربة للبدعة يف
العبادة؛ ملا يلي:
•�أنّ �صفة العبادات مبناها على التوقيف واال ِّتباع؛ وال يجوز االخرتاع واالبتداع
فيها.
واحد يف بقعة واحدة ومكان•�أنّ �صالة اجلماعة حقيقتها االجتماع على �إمام ٍ
واحد على هيئة معلومة يف ال ّدين؛ فينتظم امل�صلون ب�إمامهم ويجتمعون
�إليه على تلك ال�صفة املعلومة التي جاءت ال�شريعة بها وتناقلها امل�سلمون؛
فالإخالل بهذه ال�صفة �إخالل بحقيقة اجلماعة و�صفتها ال�شرعية ،و� ُ
إحداث
�صفة �أخرى ال ُت�شبه ما ُ�شرع فيها حقيقة؛ لأن امل�صلي الذي ال يجمعه ب�إمامه
تابع لإمامه حقيقة؛ �إذ لي�س جمتم ًعا به؛ فكيف له �أن ي�أمت به،
مكان واحد غري ٍ
وي�صلي معه ،ويبني �صالته على �صالته؛ وهو لي�س معه.
•�أنّ �صالة امل�صلي مع �إمام يف بقعة �أخرى ُمبا ِين ٍة حيث �أمكن متابعته عرب البث
لي�س هو من قبيل التغيري يف الو�سائل غري املق�صودة يف العبادات ،ك�صالة
وحم�سناته؛ بل هو من قبيل تغيري �أمر مق�صود يف ّ الإمام مبكربات ال�صوت
أمر مق�صود يف العبادة ال بد فيه منالعبادة وهيئتها ونظامها و�صفتها؛ وتغري � ٍ
الإذن من اهلل ور�سوله.
•جاء يف كالم الفقهاء ال ّن�ص على اعتبار اجتماع امل�أموم مع �إمامه يف املكان
الواحد حقيقة.
•ال ي�صح بحال �إحلاق هذه امل�س�ألة مبا قاله الفقهاء من �صحة املتابعة ملن ر�أى
فقهية تأصيلية
�أو �سمع �إمامه وامل�صلني؛ لأن مرادهم من كان يف مكان مع �إمامه؛ فلم يكن
يقع يف الت�صور غري ذلك.
•�أفتى جماهري املعا�صرين من كبار العلماء وهيئات الإفتاء ببطالن املتابعة
عرب البث املبا�شر ونحوه.
1.1الأجوبة النافعة عن الأ�سئلة الواقعة ،لل�شيخ عبداهلل بن عقيل ،ر�سائل بني ابن
عقيل و�شيخه ال�سعدي ،قام ب�إخراج الر�سائل :هيثم بن جواد احلداد ،دار ابن
اجلوزي الريا�ض ،الطبعة الأولى.
�2.2إحكام الإحكام �شرح عمدة الأحكام؛ لأبي الفتح ،حممد بن علي بن وهب بن
مطيع ،تقي الدين الق�شريي ،املعروف ك�أبيه وجده بابن دقيق العيد .النا�شر:
مطبعة ال�سنة املحمدية .الطبعة :بدون طبعة وبدون تاريخ.
3.3الأخبار العلمية من االختيارات الفقهية البن تيمية ،عالء الدين �أبو احل�سن علي
بن حممد البعلي (ت ،)803 :ت� :أحمد اخلليل ،النا�شر :دار العا�صمة الريا�ض.
�4.4أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار؛ امل�ؤلف� :أبو الوليد حممد بن عبداهلل بن
الأزرق الغ�ساين املكي املعروف بالأزرقي (ت250 :هـ) ،املحقق :ر�شدي ال�صالح
ملح�س ،النا�شر :دار الأندل�س للن�شر -بريوت.
5.5الأعالم؛ خلري الدين بن حممود بن حممد بن علي بن فار�س ،الزركلي
الدم�شقي (ت1396 :هـ) .النا�شر :دار العلم للماليني .الطبعة اخلام�سة ع�شر:
�أيار/مايو 2002م.
6.6الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع؛ لأبي الفي�ض حممد بن
�أحمد الغماري ،النا�شر :مطبعة دار الت�أليف .دون تاريخ.
7.7الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف؛ لعالء الدين� ،أبو احل�سن علي بن
�سليمان املرداوي الدم�شقي ال�صاحلي احلنبلي (ت885 :هـ) .النا�شر :دار
�إحياء الرتاث العربي .الطبعة الثانية :بدون تاريخ.
8.8بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع؛ لأبي بكر بن م�سعود بن �أحمد الكا�ساين احلنفي
(ت587 :هـ) .النا�شر :دار الكتب العلمية .الطبعة الثانية1406 :هـ1986 /م.
فقهية تأصيلية
9.9بغية الباحث عن زوائد م�سند احلارث؛ امل�ؤلف� :أبو حممد احلارث بن حممد
بن داهر التميمي البغدادي اخل�صيب املعروف بابن �أبي �أ�سامة (ت282 :هـ)،
املنتقي� :أبو احل�سن نور الدين علي بن �أبي بكر بن �سليمان بن �أبي بكر الهيثمي
(ت 807 :هـ).املحقق :د .ح�سني �أحمد �صالح الباكري ،النا�شر :مركز خدمة
ال�سنة وال�سرية النبوية -املدينة املنورة ،الطبعة :الأولى1413 ،هـ1992/م.
1010تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق مع حا�شية ِّ
ال�ش ْل ِب ِّي؛ لعثمان بن علي بن
حمجن البارعي ،فخر الدين الزيلعي احلنفي (ت 743 :هـ) .واحلا�شية ل�شهاب
الدين �أحمد بن حممد بن �أحمد بن يون�س بن �إ�سماعيل بن يون�س ِّ
ال�ش ْل ِب ُّي (ت:
1021هـ) .النا�شر :املطبعة الكربى الأمريية -بوالق ،القاهرة .الطبعة الأولى:
1313هـ.
1111حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج مع حا�شية ال�شرواين والعبادي؛ لأحمد بن حممد
بن علي بن حجر الهيتمي (ت977 :هـ) .النا�شر :دار �إحياء الرتاث العربي -
بريوت .الطبعة :بدون طبعة وبدون تاريخ.
1212جامع العلوم واحلكم يف �شرح خم�سني حدي ًثا من جوامع الكلم؛ امل�ؤلف :زين
ال�سالمي ،البغدادي ،ثم الدين عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب بن احل�سنَ ،
الدم�شقي ،احلنبلي (ت795 :هـ) املحقق� :شعيب الأرنا�ؤوط � -إبراهيم باج�س،
النا�شر :م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة :ال�سابعة1422 ،هـ2001/م.
1313حا�شيتا قليوبي وعمرية؛ لأحمد �سالمة القليوبي (ت1069 :هـ) و�أحمد الربل�سي
عمرية (ت957 :هـ) .النا�شر :دار الفكر -بريوت .الطبعة :بدون طبعة� .سنة
الن�شر1415 :هـ1995/م.
1414دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى؛ املعروف ب�شرح منتهى الإرادات .ملن�صور بن
يون�س بن �صالح الدين ابن ح�سن بن �إدري�س البهوتي احلنبلي (ت1051 :هـ).
النا�شر :عامل الكتب .الطبعة الأولى1414 :هـ1993/م.
1515رد املحتار على الدر املختار؛ البن عابدين ،حممد �أمني بن عمر بن عبدالعزيز
فقهية تأصيلية
املغرية اجلعفي البخاري (ت256 :هـ) .املحقق :حممد زهري بن نا�صر النا�صر.
النا�شر :دار طوق النجاة .الطبعة الأولى 1422هـ.
�2424صحيح م�سلم؛ للإمام م�سلم بن احلجاج� ،أبي احل�سن الق�شريي الني�سابوري
(ت261 :هـ) .املحقق :حممد ف�ؤاد عبدالباقي .النا�شر :دار �إحياء الرتاث
العربي -بريوت.
2525فتاوى �أركان الإ�سالم؛ لل�شيخ حممد بن �صالح العثيمني؛ جمع فهد ال�سليمان،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،الطبعة الثانية.
2626فتاوى ال�شيخ حممد �أبو زهرة؛ جمع د .حممد عثمان �شبري ،النا�شر دار القلم،
دم�شق ،الطبعة الأولى.
2727فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء؛ بعناية� :أحمد بن عبدالرزاق
الدوي�ش .النا�شر :الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
2828فتاوى م�صطفى الزرقا؛ جمعها :جمد �أحمد مكي .النا�شر :دار القلم -دم�شق.
الطبعة الأولى1420 :هـ2000/م.
2929فتاوى نور على الدرب البن باز؛ جمعها :الدكتور حممد بن �سعد ال�شويعر،
النا�شر :الرئا�سة العامة للإفتاء ،الريا�ض.
3030فتح الباري �شرح �صحيح البخاري؛ لأبي الفرج عبدالرحمن ابن �شهاب الدين
البغدادي ثم الدم�شقي ال�شهري بابن رجب .حتقيق� :أبو معاذ طارق بن عو�ض اهلل
ابن حممد .النا�شر :دار ابن اجلوزي ،ال�سعودية -الدمام .الطبعة الثانية1422 :هـ.
3131فتح الباري �شرح �صحيح البخاري؛ لأحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل
الع�سقالين ال�شافعي .ب�إ�شراف :حمب الدين اخلطيب .النا�شر :دار املعرفة -
بريوت .بتاريخ1379 :هـ.
3232فقه احلافظ �أحمد الغماري ،لـ احل�سن بن علي الكتاين ،النا�شر :دار الكتب
العلمية ،الطبعة الثانية ،لبنان.
3333الفواكه الدواين على ر�سالة ابن �أبي زيد القريواين؛ لأحمد بن غامن بن �سامل
ابن مهنا� ،شهاب الدين النفراوي الأزهري املالكي (ت1126 :هـ) .النا�شر :دار
الفكر .الطبعة :بدون طبعة .تاريخ الن�شر1415 :هـ1995/م.
3434ك�شاف القناع عن منت الإقناع؛ ملن�صور بن يون�س بن �صالح الدين ابن ح�سن بن
�إدري�س البهوتي احلنبلي (ت1051 :هـ) .النا�شر :دار الكتب العلمية .الطبعة
الأولى1418 :هـ.
3535املبدع يف �شرح املقنع؛ لإبراهيم بن حممد بن عبداهلل بن حممد ابن مفلح،
�أبو �إ�سحاق ،برهان الدين (ت884 :هـ) .النا�شر :دار الكتب العلمية بريوت -
لبنان .الطبعة الأولى1418 :هـ1997/م.
3636جمموع الفتاوى؛ لأبي العبا�س تقي الدين �أحمد بن عبداحلليم بن تيمية
احلراين (ت728 :هـ) .حتقيق :عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم .النا�شر:
جممع امللك فهد لطباعة امل�صحف ،املدينة النبوية ،ال�سعودية .عام الن�شر:
1416هـ1995/م.
3737املجموع �شرح املهذب للنووي مع تكملة ال�سبكي واملطيعي؛ لأبي زكريا حميي
الدين يحيى بن �شرف النووي (ت676 :هـ) .النا�شر :دار الفكر -بريوت� .سنة
الن�شر1997 :م.
3838املُحلى بالآثار؛ لأبي حممد علي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الأندل�سي القرطبي
الظاهري (ت456 :هـ) .النا�شر :دار الفكر -بريوت .الطبعة :بدون طبعة
وبدون تاريخ.
3939خمت�صر التحرير �شرح الكوكب املنري؛ لتقي الدين �أبو البقاء حممد بن �أحمد
بن عبدالعزيز بن علي الفتوحي املعروف بابن النجار احلنبلي (ت972 :هـ).
حتقيق :حممد الزحيلي ونزيه حماد .النا�شر :مكتبة العبيكان .الطبعة الثانية:
1418هـ1997/م.
4040املدونة الكربى؛ رواية �سحنون عن ابن القا�سم عن الإمام مالك بن �أن�س.
فقهية تأصيلية
4848منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه؛ لأبي زكريا حميي الدين يحيى بن
�شرف النووي (ت676 :هـ) .حتقيق :عو�ض قا�سم عو�ض .النا�شر :دار الفكر.
الطبعة الأولى1425 :هـ2005/م.
4949املوافقات؛ �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي
(ت790 :هـ) ،املحقق :م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان ،النا�شر :دار ابن عفان،
الطبعة :الطبعة الأولى 1417هـ1997/م.
5050مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر خليل؛ لأبي عبداهلل حممد بن حممد بن
عبدالرحمن ،املعروف باحلطاب ال ُّرعيني املالكي (ت954 :هـ) .النا�شر :دار
الفكر .الطبعة الثالثة1412 :هـ1992/م.
5151النكت والفوائد ال�سنية على م�شكل املحرر؛ امل�ؤلف� :إبراهيم بن حممد بن
عبداهلل بن حممد ابن مفلح� ،أبو �إ�سحاق ،برهان الدين (ت884 :هـ) ،النا�شر:
مكتبة املعارف -الريا�ض ،الطبعة :الثانية 1404هـ.
5252نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج مع حا�شية ال�شربامل�سي والر�شيدي؛ ل�شم�س
الدين حممد بن �أبي العبا�س �أحمد بن حمزة �شهاب الدين الرملي (املتوفى:
1004هـ) .النا�شر :دار الفكر -بريوت .الطبعة1404 :هـ1984/م.
5353حا�شية �أبي ال�ضياء نور الدين بن علي ال�شربامل�سي الأقهري (ت1087 :هـ).
5454حا�شية �أحمد بن عبدالرزاق املعروف باملغربي الر�شيدي (ت1096 :هـ).
فقهية تأصيلية
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د .م�شاعل بنت ن َّفال احلارثي
الأُ� ْست َاذ املُ� َساعد يف ال ِف ْقه و أُ� ُ�صوله قِ� ْسم َّ
الدرا� َسات الإ�سالمية
التبية بجامعة امللك �سعود بكليَّة رَّ
د .مشاعل بنت َّنفال احلارثي
ملخص البحث
هذا البحث جاء حتت عنوان (�أثر جائحة ُ كُورُونَا على �أداء �شعائر احلجّ
وال ُعمْرِ ة) ،ولتعلق هذا املو�ضوع بجائحة م�سَّ تجدة تُع ّد من النَّوازل اجلديدة التي
يرتتب عليها �آثار و�أحكام فقهيَّة؛ ف�إنَّني قد تناولت �أهم امل�سائل امل�سَّ تجدة واملتعلقة
ب�أداء �شعائر احلجّ وال ُع ْمرَة ،والتي �أثّر فيها انت�شار فريو�س كُورُونَا ،و�شمل ذلك جملة
من امل�سائل� :أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات العَدْ وَى
والأخذ بالأ�سباب ،و�أثر جائحة كُورُونَا يف قرار �إيقاف �أداء �شعائر احلجّ وال ُع ْمرَة،
من بيان حقيقة دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة �إلى مكَّة واملدينة ،وبيان حقيقة
فريو�س كُورُونَا؛ وهل يُع ّد طاعونًا؟ وبيان حكم �أداء فري�ضة احلجّ مع وجود الوباء
وانت�شاره ،وبيان احلكم ال�شَّ رعي لقرار �إلغاء �شعريتي احلجّ وال ُع ْمرَة ب�سبب انت�شار
فريو�س كُورُونَا ،وتاريخ منع احلجّ عرب الع�صور ال�سَّ ابقة ،و�أثر جائحة كُورُونَا يف �أداء
�شعائر احلجّ وال ُع ْمرَة ،من لب�س الكِ مامة والقفازين للحاجِّ احرتازًا من انت�شار الوباء،
ومن �أحرم باحلجّ ثم ُمنِع من ذلك احرتازًا من انت�شار الوباء� ،أو �أحرم باحلجّ ثم
�أ�صيب بالوباء.
كلمات مفتاحية :انت�شار -فريو�س -كُورُونَا � -أثر� -شعائر -احلجّ -ال ُع ْمرَة.
املقدمة
البحث التَّي يَبرْ ز من خاللها احلاجة �إلى �إي�ضاح الأحكام ال�شَّ رعية املتعلقة ب�أداء
منا�سك احلجّ والعمرة يف ظلِّ ظروف هذه اجلائحة.
�أهمية البحث و�أ�سباب اختياره:
تكمن يف الأمور الآتية:
1.1أ�نَّه يُعالج م�شكلة متعلقة ب�شعريتني من �شعائر الإ�سالم ،وهما �أداء منا�سك
احلجّ والعمرة.
�2.2أن م�سائل هذا البحث حتتاج �إلى ت�أ�صيل فقهي ،لعدم وجود درا�سة فقهيَّة
�أكادميية متعلقة بهذا املو�ضوع.
3.3حاجة كثري من النَّا�س ملعرفة الأحكام املتعلقة بهذا املو�ضوع.
الدَّرا�سات ال�سَّ ابقة:
مل �أجد -ح�سب بحثي واطالعي -درا�سة متخ�ص�صة بدرا�سة هذا املو�ضوع لتعلقه
بجائحة عاملية م�سَّ تجدة ُتعّد من النَّوازل اجلديدة التي يرتتب عليها �آثار و�أحكام
وتق�ص وتفتي�ش يف هذه الآثار والأحكام .ولقد قُمت
فقهيَّة حتتاج �إلى مزيد بحث ٍّ
با�ستعرا�ض الكتابات والأبحاث ال�سَّ ابقة وامل�شابهة ملو�ضوع هذا البحث ،ومن هذه
الكتابات:
1.1الأحكام ال�شَّ رعية املتعلقة بالوباء والطَّ اعون ،مع درا�سة فقهية للأحكام
املتعلقة بــــ(فريو�س كُورُونَا) ،للباحث هيثم بن قا�سم احلَ مري1441 ،هـ/
2020م ،وتناول فيه م�س�ألتني فقهيتني متعلقتني ب�أداء احلجّ والعمرة ،وهما:
حكم لب�س الكِ مامات للمحرم بحجٍّ �أو عمرة ،وحكم لب�س القفازات يف
الإحرام.
2.2النَّوازل يف احلجّ ،لعلي بن نا�صر ال�شَّ لعان ،النا�شر :دار التوحيد -الريا�ض،
1431هـ2011/م ،و�أ�صل هذا الكتاب ر�سالة علمية لنيل الدَّكتوراه ،كلية
ال�شَّ ريعة -جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية .تناول الباحث فيها
نوازل احلجّ ،وبيان احلكم ال�شَّ رعي� ،سوا ًء كانت هذه النَّوازل طارئة �أو
م�سَّ تجدة ومل تكن عند املتَقدمَّني �أو كانت عند املتقدمَّني ،وطر�أ عليها ما
ي�ستدعي بحثها واالجتهاد فيها� ،أو مل تتعر�ض للأمرا�ض املُعدية البتة.
3.3بحث �أثر الأمرا�ض املعدية يف �أداء فري�ضة احلجّ درا�سة فقهية ،للدكتور خالد
بن عيد اجلري�سي ،جامعة �أم القرى ،مكَّة املكرَّمة ،ال�سجل العلمي للملتقى
العلمي � 16أبحاث احلجّ والعمرة والزَّيارة 1437 -هـ ،معهد خادم احلرمني
ال�شَّ ريفني لأبحاث احلجّ والعمرة -جامعة �أم القرى .ويعالج الباحث فيه
عدة ا�ستف�سارات :هل يحق للجهة امل�شرفة على احلجّ منع حجَّ اج البلد الذي
ينت�شر فيه مر�ض مُعدٍ ؟ ،وهل يجوز حلامل املر�ض �أن يُقدم على احلَّج مع
حمله للمر�ض.
�4.4أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي ،للباحث عبدالإله بن �سعود
ال�سَّ يف ،وهي ر�سالة ماج�ستري -جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية
نُوق�شت عام 1326هـ ،ومل تطبع بعد .وقد تناول الباحث فيه �أحكام امل�صاب
باملر�ض املعدي يف احلجّ ،وجعلها يف مطلبني :املطلب الأول :تناول فيه حكم
احلجّ يف حق امل�صـاب باملر�ض املعـدي �أو النَّيابـة عنه ،وفيه ثالث م�سائل:
امل�س�ألة الأولى :حكم احلجّ يف حق امل�صاب باملر�ض املعدي ،وامل�س�ألة الثانية:
حكم النيابة يف احلجّ عن امل�صاب باملر�ض املعدي ،وامل�س�ألة الثالثة :حكم
الإح�صار بامل�صاب باملر�ض املعدي يف احلجّ والعمرة ،واملطلب الثاين :تناول
فيه حكم �إيجاب التَّق�صري ل�شعر الر�أ�س يف حق امل�صاب باملر�ض املعدي.
ويظهر مما �سبق ا�ستعرا�ضه �أن مو�ضوع هذا البحث يختلف عن غريه من
الدَّرا�سات ال�سَّ ابقة؛ �إذ �إنه ُي ْعنَى بدرا�سة �أثر من �آثار جائحة كُورُونَا ،والتي هي من
الق�ضايا والنَّوازل امل�سَّ تجدة يف العامل مما يدلل على �أن هذا البحث يختلف عن غريه
من الدَّرا�سات.
الهدف من الدَّرا�سة:
1.1بيان العالقة بني �إثبات حقيقة العَدْ وَى يف الأمرا�ض املعدية ،وبني ما يتخذ
ال�صحية.
من �إجراءات الوقاية َّ
2.2التَّفريق بني حقيقة الطَّ اعون وحقيقة فريو�س كُورُونَا ،والتَّحقق من حقيقة
دخول الأوبئة كالطَّ اعون م َّك َة املكرَّمة واملدين َة املنَّورة.
�3.3إي�ضاح الآثار ال�شَّ رعية جلائحة ُ كُورُونَا امل�سَّ تجدة وت�أثريها يف �أداء �شعائر
احلجّ وال ُع ْمرَة.
منهج البحث:
اتبعت يف هذا البحث املنهج الآتي:
�1.1إذا كانت امل�س�ألة من م�سائل اخلالف ف�إنني اتبعت ما ي�أتي:
�أ -حترير امل�س�ألة �إذا كانت فيها موا�ضع اتفاق واختالف بذكر موا�ضع
االتفاق ،ثم موا�ضع االختالف.
ب -ذكر الأقوال بن�سبتها ملن قال بها بالرجوع �إلى كتب املذهب نف�سه.
ج -االعتماد على �أقوال فقهاء املذاهب الأربعة دون غريهم من الفقهاء.
د -ذكر الأدلة ومناق�شتها �إن �أمكن ذلك ،والترَّ جيح مع بيان �سببه �إن �أمكن.
2.2االعتماد على �أمهات امل�صادر واملراجع يف التَّخريج والتَّحرير والتَّوثيق.
3.3و�ضع خامتة ت�شتمل على �أبرز النَّتائج والتَّو�صيات التي ت�ضمنها البحث.
4.4تذييل البحث بقائمة من امل�صادر واملراجع ،وفهر�س املو�ضوعات.
تق�سيمات البحث:
التمهيد� :أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات العَدْ وَى
والأخذ بالأ�سباب ،وفيه مطلبان:
التَّمهيد
�أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات
الَعدْ وَى والأخذ بالأ�سباب
املطلب الأول
حقيقة انتقال العدوى بني الإثبات والنفي
نُوق�ش :ببطالن دعوى الن�سخ ،وف�سَّ روا ذلك بقولهم� :إن كان قوله ﷺ:
«ال عَ دْ وَى» �أتى مبعنى اخلرب والتَّكذيب لقول من يعتقد العَدْ وَى ،فال يكون
نا�سخً ا له ،و�إنمَّ ا يكون مبعنى �إن�شاء خرب� ،أما �إنْ كان جاء مبعنى النَّهي،
ب�أنْ ال تكرهوا دخول البعري اجلَ رْب بني إِ�بْلكم غري اجلَ رْبة ،وال متتنعوا من
ذلك وال متنعوا منه؛ ف إ�نَّنا نقول ب�أنَّ ظاهر قوله ﷺ« :ال عَ دْ وَى(((» ورد يف
�أول احلديث ،فمحال �أن يكون نا�سخً ا ملا ورد بعده(((؛ لأنَّ النَّا�سخ �إمنا يكون
نا�سخً ا حلكم قد ثبت قبله(((.
�2.2أنَّ النَّهي من �إِيرِ اد امل ُِ�ص ُّح على املُمْرِ ِ�ض مل يكن املعنى املراد منه �أنَّ املر�ض
يُعدي بنف�سه ،و�إمنا حُ مل على عدة معانٍ ،منها :لئال يمُ ا�شي امل ُِ�ص ُّح املُمْرِ َ�ض
في�صيُبه الداء ف ُيكْذِ ب ما ورد يف احلديث «ال عَ دْ وَى» في�أثم((( ،ولئال يت�أذى
ال�صادرة من املري�ض؛ ودللَّوا على ذلك امل ُِ�ص ُّح من ال َّر�ؤية القذرة املُ َنفِّرة َّ
بقوله ﷺ« :فمَن �أَعْ دَ ى الأوَّل؟(((»(((.
نوق�ش :ب�أنَّ قوله ﷺ« :ال عَ دْ وَى» َنفْيٌ ملا كانت العرب يف اجلاهليَّة تقوله من
لل�صحيح �أنْ املر�ض ُيعْدِ ي بنف�سه ،فالعَدْ وَى وانتقالها يف جماورة املري�ض َّ
�إنمَّ ا هو من فعل اهلل ابتداءً ،كما َف َعلَه يف املري�ض الأول ابتداءً،
ُ�صحٍّ » حممول على �أنَّ اهلل كما �أنَّ قول ﷺ :اَ«ل يُو ِر ُد ممُ ْ رِ ٌ�ض عَ لَى م ِ
وال�صحة ،وال ُي�ؤثَّر
قد �أجرى العادة بذلك ،و�إنْ كان اهلل هو اخلالق للمر�ض َّ
�شي ٌء يف �شيءٍ (((.
((( لفظهَ “ :ال َع ْد َوى َو َال ِطيرَ َ َةَ ،و َال هَ َام َة َو َال َ�ص َف َرَ ،و ِف َّر ِمنَ ا َمل ْج ُذ ِوم َك َما َت ِف ُّر ِمنَ الأَ َ�س ِد”.
((( “وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد”.
((( انظر :امل�سالك �شرح موط أ� مالك.)469/7( ،
((( وممن قال بهذا التف�سري �سحنون ،انظر :التو�ضيح.)557/27( ،
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،ح ( ،)1742/4( )2220كتاب ال�سالم ،باب ال عدوى ،وال طرية ،وال هامة،
وال �صفر ،وال نوء ،وال غول ،وال ُيورد ممُ ْ ر�ض على م�صح.
((( انظر :التو�ضيح.)557/27( ،
((( انظر :اال�ستذكار ،)422/8( ،وامل�سالك �شرح موط�أ مالك.)469/7( ،
املذهب الثالث:
�أنَّ املر�ض ال ُيعْدي بطبعه ،و�إنمَّ ا ذلك يت ُّم بفعل اهلل وقدَ رِه ،وبه قال جمهور
الفقهاء(((.
وا�ستدلوا :بالأحاديث التي وردت تنهى عن االعتقاد بانتقال العَدْ وَى بنف�سها ،كقوله
ﷺ :اَ«ل عَ دْ وَى و اََل طِ يرَ َ َة و اََل هَ امَ َة و اََل َ�ص َف َر(((» ،وك ِفعْله عنَّدما �أكل مع المْ َجْ ذُ ومِ (((،
وحملوا هذا النَّهي على �أنَّ ال�شيء ال ُيعْدِ ي بطبعه ،و�أنَّ الأمرا�ض ال ُتعْدِ ي بطبعها
من غري �إ�ضافة �إلى اهلل تعالى ،ولهذا قال ﷺ« :فمَن أ�َعْ دَ ى الأوَّل؟(((»؛ فالنَّبي ﷺ
�أبطل ما كان �أهل اجلاهلية يعتقدونه من �أنَّ العَدْ وَى تنتقل بنف�سها وبطبعها؛ لي�ؤكد
ب�أنَّ اهلل هو الذَّ ي يمُ ْرِ �ض ويُ�شّ فِي ،ويف املقابل نهى عن مخُ الَطة املري�ض
ُ�صافَحة كقولهِ « :ف َّر مِ نَ املَجْ ذُ ومِ َكمَا َت ِف ُّر مِ نَ الأَ�سَ دِ (((» ،كما �أنَّه امتنع ﷺ عن م َ
ُف�ضي
المْ َجْ ذُ ومِ يف البيّعة ،ليبني �أنَّ هذا من الأ�سباب((( التَّي �أجرى اهلل العادة ب أ�نَّها ت ِ
�إلى م�سبباتها� ،إال �أنَّها ال تَ�سْ تقِلَّ بنف�سها ،واهلل �إنْ �شاء �سلبها ُقوَاها فال ُت ؤ�ثّر �شيئًا
و�إنْ �شاء �أبقاها ف�أثرت(((.
((( انظر :اال�ستذكار ،)422/8( ،وامل�سالك �شرح موط أ� مالك ،)469/7( ،والتو�ضيح..)427/27( ،
((( �سبق تخريجه.
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ،ح ( ،)20/4( )3925كتاب الطب ،باب الطرية ،والرتمذي يف �سننه ،ح
( ،)266/4( )1817كتاب �أبواب الأطعمة ،باب ما جاء يف الأكل مع املجذوم ،ولفظه�“ :أن ر�سول اهلل
ﷺ �أخذ بيد جمذوم ف�أدخله معه يف الق�صعة ،ثم قال« :كل ب�سم اهلل ،ثقة باهلل ،اً
وتوكل عليه» ،قال
الرتمذي“ :هذا حديث غريب ال نعرفه �إال من حديث يون�س بن حممد ،عن املف�ضل بن ف�ضالة ،واملف�ضل
بن ف�ضالة هذا �شيخ ب�صري ،واملف�ضل بن ف�ضالة �شيخ �آخر م�صري �أوثق من هذا و�أ�شهر .وقد روى
�شعبة هذا احلديث ،عن حبيب بن ال�شهيد ،عن ابن بريدة� ،أن عمر� ،أخذ بيد جمذوم ،وحديث �شعبة
�أ�شبه عندي و�أ�صح” ،و�ض ّعفه الألباين ،انظر� :ضعيف �سنن الرتمذي� ،ص (.)206
((( �سبق تخريجه.
((( �سبق تخريجه.
((( موقف �أهل ال�سنة واجلماعة من الأخذ بالأ�سباب �أ َّنهم يثبتونها ،ولك َّنهم ينزلونها باملحل الذي �أنزلها اهلل
من كونها حتت تدبريه وم�شيئته ،بخالف الفرق التَّي �ضلت بني �إنكارها بالكل َّية ،وبني �إثباتها
و�إثبات ت�أثريها من دون �أنْ تكون خا�ضعة لإرادة اهلل وم�شيئته ،انظر :مدارج ال�سالكني.)514/4( ،
((( انظر :عون الباري ،)248/5( ،التو�ضيح.)427/27( ،
الرتجيح:
الراجح -واهلل تعالى �أعلم -هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من �أنَّ املر�ض ال
ُيعْدِ ي بطبعه ،و�إنمَّ ا يتم بفعل اهلل وقَدَ رِه؛ ملا يف ذلك من اجلمع بني الأدلة؛ �إذ �إنَّ
اجلمع والعمل بالأدلة �إنْ �أمكن �أولى من العمل ببع�ضها دون البع�ض الآخر.
املطلب الثاين
�أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتُها بحقيقة �إثبات العَدْ وَى
والأخذ بالأ�سباب
امل�ضار ،وبينّ
دعا الدين الإ�سالمي �إلى الأخذ بالأ�سباب يف تحَ ِْ�صيل املنافع ودفع ّ
�أنَّ ذلك مطلبٌ �شرعيٌ ال يُنايف التوكل على اهلل ؛ �إذ �إنْ املكلف يَتعَاطَ ى
امتثال لأمر اهلل مع علمه ويقينه ب أ�نَّه ال يقع �إال ما ي�شاء اهلل وقوعه، ال�سَّ بب اً
فهو متوك ٌل على اهلل ،عا ٌمل ب�أنَّه ال ي ُِ�صيبه �إال ما كتب اهلل له(((؛ ومما ي�ؤيد ذلك �أنَّ
الرَّ�سول ﷺ �أر�شد الرَّجل الأعرابي �إلى اجلمع بني الأخذ بالأ�سباب والتوَّكل على اهلل
حينما قال له« :اعْ ِق ْلهَا َو َت َوكَّلْ (((».
ال�صحية التي قامت العديد من ويندرج حتت هذا الباب الإجراءات االحرتازية َّ
دول العامل باتَّخاذها للح َّد من االنت�شار ال�سَّ ريع لفريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تجد ،وكانت
اململكة العربية ال�سَّ عودية �سبَّاقة يف اتَّخاذها عدَّة �إجراءات احرتازية مبكرة ملنع
انتَّ�شار الفريو�س؛ فقد قرَّرت تعْليق الدَّخول لأغرا�ض العمرة((( ،وزيَّارة امل�سَّ جد
((( انظر� :أ�ضواء البيان.)476/4( ،
�سم له با ًبا ،قال الرتمذي:
((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه ،ح ( ،)249/4( )2517كتاب �صفة القيامة ،ومل ُي ِّ
“وهذا حديث غريب من حديث �أن�س ،ال نعرفه �إال من هذا الوجه ،وقد روي عن عمرو بن �أمية ال�ضمري،
وح�سنه الألباين يف �صحيح �سنن الرتمذي.)610/2( ، عن النبي ﷺ نحو هذا”َّ ،
((( وقد مت ت ْعليق العمرة بتاريخ (� )3شهر رجب (1441هـ) املوافق ( )27من �شهر فرباير (2020م).
و�أ َّكدت وزارة ّ
احلج والعمرة ا�ستمرار ت ْعليق العمرة والزَّيارة يف الفرتة احلال َّية ،وذلك مبوجب قرارات
القيادة ال َّر�شيدة لتطبيق الإجراءات املرحلية للعودة �إلى احلياة َّ
الطبيعية ،و�أ�ضافت الوزارة� :أنه �ستتم
ال�صحة
النَّبوي من خارج اململكة وذلك قبل �أ�سبوعني تقريبًا من �إعالن منظَّ مة َّ
ت�صنيف فريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تج ّد (كُوفِيد )19-وبا ًء عامليًا((( ،وبعد ظهور العاملية َّ
حاالت يف اململكة من الإ�صابة بفريو�س كُورُونَا بد�أت بتقرير بع�ض الإجراءات
ال�صحي اجلزئي ،ثم الكلَّي ،و�إيقاف �صالة اجلمعة، االحرتازية؛ كفر�ض احلجر َّ
واجلماعة ،و�صالة العيد ،و�إيقاف الرَّحالت اخلارجية والدَّاخلية ،و�إلغاء حجز
اال�ضطرار للخروج من املنزل ت�صاريح احلجّ ((( ،وفر�ض �إجراءات احرتازية عند َّ
من التَّباعد االجتماعي ،واجتناب املعانقة ،وامل�صافحة باليد ،ولب�س الكِ مامة ،وغ�سل
بال�صابون جيدً ا ،والأخذ ب�آداب العُطا�س كو�ضع املنديل عند العُطا�س ،ولُزوم اليدين َّ
لل�ضرورة ،وغري ذَ لك من الإجراءات االحرتازية(((. املنزل ،و�أ َّال يكون اخلروج �إال َّ
ال�صحة العاملية ،بالإجراءات التَّي اتَّخذتها اململكة للتَّ�صدي
وقد �أ�شادت منظَّ مة َّ
لفريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تجد ومَ نْع انت�شاره ،والتَّي �ساهمت ب�شكل كبري يف احل َّد من
انت�شار هذا الفريو�س(((.
وقد �أعدَّت اجلهات املعنية يف اململكة العربية ال�سَّ عودية ومبتابعة من حكومة
خادم ال�شَّ ريفني -حفظها اهلل -خُ طة مكونة من ثالث مراحل للتَّعاي�ش مع هذا
الفريو�س يف ظل هذه الظَّ روف ،ولإمكان �إعادة احلياة �إلى طبيعتها ،بدءًا بالتَّ�شديد
ال�صحي الكلَّي واجلزئي ،وفر�ض العقوبات على خمالفي يف االحرتازات من احلجر َّ
هذه الإجراءات ،ومن ثم التَّقليل من هذه الإجراءات مع احلر�ص بالتَّقيد ب�إجراءات
ال�سَّ المة ،وتنتهي هذه املراحل باملرحلة الثَّالثة التي تُرفع فيها كثري من القيود
املخت�صة .انظر :موقع
َّ ال�صادرة من اللجنة
املراجعة ال َّدورية لذلك وفق م�سار اجلائحة والتَّو�صيات َّ
جريدة عكاظ.https://www.okaz.com.sa/news/local/2012711 :
وكان ذلك بتاريخ يف ( )16رجب (1441هـ) املوافق ( )11مار�س (2020م). (((
انظر :موقع وزارة احلج.https://www.haj.gov.sa/ar/Services/Details/31 : (((
انظر :موقع الوقاية من كورونا ،وزارة ال�صحة ،https://covid19awareness.sa/ :وموقع �أرقام: (((
.https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1359090
انظر :موقع �أرقام.https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1359090 : (((
االحرتازية من رفع احلجر بالكليَّة مع التزام �إجراءات ال�سَّ المة حتى ن�ستطيع ب�إذن
اهلل تعالى من الو�صول �إلى ب َّر الأمان ،والق�ضاء على هذا الفريو�س بالكليَّة.
ومن خالل ما َّمت ا�ستعرا�ضه يظهر لنا �أنَّ انتقال عَ دْ وَى املر�ض ال ُت�ؤثَّر بنف�سها،
كما �أنَّ الأخذ بالإجراءات الوقائية ال ُي ؤ�ثَّر بنف�سه ،بل ت�أثريها متعلق ب�إرادة اهلل
وم�شيئته ،فينبغي على كل مُ�سْ لِم االلتزام ب�أ�سباب الوقاية من الفريو�س باجتناب
م�سببات العَدْ وَى مع الأخذ باالحرتازات الوقائية معتقدً ا �أنَّ هذه كلَّها �أ�سباب ال متنع
من ق�ضاء اهلل وقدره ،فما قدّر اهلل � أن ي�صيب الإن�سان فلن يُخطئه ،وما
�أخط�أه مل يكن لي�صيبه.
املبحث الأول
احلج والعمرة
�أثر جائحة كُ ورُونَا على قرار �إيقاف �أداء �شعائر ّ
املطلب الأول
حقيقة دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة �إلى مكَّة واملدينة
الفرع الأول :دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة �إلى مكَّة واملدينة.
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) �أخرب اهلل عن مكَّة املكرَّمة ب�أنَّها �آمنة ،قال تعالى:
خ�ص اهلل
[�آل عمران ،]97 :وقد اختلف العلماء يف املق�صود بالأمن الوارد يف الآية ،والتَّي َّ
رجل
به مكَّة املكرَّمة .فقال بع�ض �أهل ال َّت�أويل� :إنَّ املق�صود به �أنَّ من قتل اً
ثم الذ بالكعبة ف إ�نَّه �آمنٌ ،وقال �آخرون� :أنَّ من دخلها كان �آمنًا من النار ،وقال غريهم:
الأَمْن من �أيدي امل�شركني؛ ف إ�نَّهم ما كانوا يتعرّ�ضون لأهل مكَّة(((.
وقد ح�صر ابن القيَّم املراد من الأّمْن الوارد يف الآية بثالثة احتماالت ال
باطل ال �صحة له ،فقال“ :وهذا �إمَّا خرب مبعنى قول اًيخرج منها ،وما عداها اعتربه اً
الأمر اِل�سْ تِحَ ا َل ِة الخْ ُ ل ِْف يف خربه ،و إ�مَّا خرب عن �شرعه ودينه الذي �شرعه
يف حَ رَمِ هِ ،و إ�مَّا �إخبار عن الأمر املعهود امل�ستمر يف حَ رَمِ ِه يف اجلاهليَّة والإ�سالم ،كما
قال تعالى( :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [العنكبوت ]67 :وقوله
تعالى( :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الق�ص�ص ،]57 :وما عدا هذا من الأقوال الباطلة فال يلتفت
�إليه ،كقول بع�ضهم( :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [�آل عمران ]97 :من النَّار ،وقول بع�ضهم :كان
�آمنًا من املوت على غري الإ�سالم ،ونحو ذلك ،فكم ممَّ ن دخله وهو يف قعر اجلحيم(((”.
((( انظر :تف�سري الطربي ،)29/6( ،وتف�سري ال�سمعاين.)136/1( ،
((( انظر :زاد املعاد.)391/3( ،
ووردت �أحاديث تدل على �صيانة مكَّة املكرَّمة واملدينة املنَّورة من دخول الطَّ اعون،
منها :ما ورد عن �أبي هريَّرة مرفوعً ا« :المْ َدِ ي َن ُة وَمَ َّك ُة محَ ْ فُو َفتَانِ ِبالمْ َلاَ ِئ َكةِ،
عَ لَى كُلِّ َنق ٍْب مِ ْنهَا مَ لَكٌ اَل يَدْ خُ ُلهَا الدَّجَّ الُ ،و اََل الطَّ اعُ ونُ (((».
وقد دلَّت الوقائِع التَّاريخية ب�أنَّه مل يقع باملدينة وال مبكَّة طاعو ٌن قط �إال ما ورد من
�أنَّ مكَّة دخلها الطَّ اعون �سنة ت�سع و�أربعني و�سبعمئة((( ،وقد ر ّد ذلك ابن حَ جَ ر بقوله:
“وعلى هذا ،فالذي نُقل �أنَّه وجُ د يف �سنة ت�سع و�أربعني و�سبعمئة منه لي�س كما ظَ نَّ
من َنقَل ذلك(((” ،وردَّه ا ْلقُ�سْ طَ لاَنيِ ّ بقوله“ :وحينئذ؛ فالذي َنقَل �أنَّه وَجَ د يف �سنة
�سبع و�أربعني و�سبعمئة لي�س كما ظَ نَّ � ،أو يقال :إ�نَّه ال يدخُ لهما من الطَّ اعون مثل الذي
َا�س(((” ،وعلى هذا ف�إنَّ مكَّة واملدينة حمفوظة من يقع يف غريهما كاجلارف وعَ َمو َ
مر�ض الطَّ اعون لكنَّها لي�ست حمفوظة من �سائر الأوبئة الأخرى والأمرا�ض العامَّة،
وقد �أثبتت الوقائِع ذلك قدميًا وحديثًا.
مما يدل على �أنَّ املق�صود بالأمنْ الوارد يف الآية واحلديث لي�س الأمنْ من �أمرا�ض
الأوبئة؛ ف�أمرا�ض الأوبئة قد تنزل �أر�ض احلَ رَم املكَّي واملدنيَّ ،وممَّ ا يدل على ذلك
حديثًا ما ح�صل من انت�شار ونزول وباء فريو�س كُورُونَا بهما وغريه من الأوبئة ،وهذا
دليل على �أنَّ مكَّة واملدينة حمفوظتان من الطَّ اعون ،ولي�ستا حمفوظتني من غريه من
الأمرا�ض والأوبئة(((.
الفرع الثاين :حقيقة فريو�س كُورُونَا؛ وهل يُع ّد طاعونًا؟
ملعرفة حقيقة فريو�س كُورُونَا؛ وهل يُع ّد طاعونًا �أم ال؟ الب َّد من التَّعرف على
حقيقة كل من الطَّ اعون وفريو�س كُورُونَا ،وهل يُع ُّد ك ٌّل منهما وبا ًء �أم ال؟
((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده ،ح ( ،)184/16( )10265م�سند �أبي هريرة ،قال الهيثمي يف جممع الزوائد:
(رجاله ثقات) ،)309/3( ،قال ابن حجر يف رو�ضة املحدثني“ :رجاله رجال ال�صحيح”.)378/5( ،
((( انظر :التو�ضيح.)473/27( ،
((( انظر :فتح الباري.)191/10( ،
((( �إر�شاد ال�ساري.)386/8( ،
((( انظر :موقع (الإ�سالم� ،س�ؤال وجواب).)4109/5( ،
وبالنَّظر يف تعاريف الطَّ اعون وجدت ب�أنَّه قد عُ رف بعدَّة تعاريف ،منها ما
هو تعريف عام فيه و�صف للطَّ اعون ب�أنَّه وباء ومر�ض يعمَّ الكثري من النَّا�س دون
تخ�صي�صه بو�صف معني �أو �أعرا�ض معينة ،فقيل �إنَّه“ :املر�ض العام ،والوباء الذي
يُف�سد الهواء ،فتف�سد به الأمزجة والأبدان(((” ،وقيل �إنَّه“ :مر�ض يع ُّم الكثري من
النَّا�س يف جهة من اجلهات دون غريها بخالف املعتاد من �أحوال النَّا�س و�أمرا�ضهم،
ويكون مر�ضهم غالبًا مر ضً� ا واحدً ا بخالف �سائر الأوقات ف�إنَّ �أمرا�ض النَّا�س
خمتلفة(((” ،وهذا فيه تكييف للطَّ اعون على �أنَّه مر�ض وبائي ي�صيب عامَّة النَّا�س.
�أما التَّعريف اخلا�ص بالطَّ اعون واملميز له عن غريه من الأمرا�ض؛ فقد ورد
تف�سريه يف حديث عائ�شة عندما �سئل ﷺ عن معنى الطَّ اعون ف�أو�ضح وبينّ
َاط(((» ،وعُ رف عند �أهل الطَّ ب ب�أنَّه:
والب ِ
ب أ�نَّه« :غُ َّد ٌة َك ُغ َّد ِة ا ْل َب ِع ِري تَخْ رُجُ فيِ المْ َرَاقِّ ْ آ
“ور ٌم ردي ٌء قتّال يخرج معه تلهُّب �شديد م�ؤمل جدً ا يتجاوز املقدار يف ذلك ،وي�صري ما
حوله يف الأكرث �أ�سود �أو �أخ�ضر� ،أو �أكْمد ،وي�ؤُوُل �أمره �إلى التقرح �سريعًا .ويف الأكرث،
يحدث يف ثالثة موا�ضع :يف الإِبط ،وخلف الأذن ،والأ ْرنَبة ،ويف اللحوم الرَّخوة(((”،
وهذا التَّعريف مييز الطاَّعون عن غريه من الأمرا�ض ب�أو�صاف و�أعرا�ض خا�صة به
متيزه عن غريه.
ويظهر من خالل ما ذُ كر من التَّعريفات ال�سَّ ابقة �أنَّ الطَّ اعون نوع من �أنواع
اخلا�صة به ،وقد قيل ب�أنَّ :كل طاعون وباء،َّ الأمرا�ض الوبائية له �أو�صافه و�أعرا�ضه
ولي�س كل وباء طاعونًا(((.
�أما فريو�س كُورُونَا فقد عُ رَّف ب أ�نَّه“ :من ف�صيلة فريو�سات كُورُونَا اجلديد؛ فقد
املطلع.)354( ، (((
املنتقى.)198/7( ، (((
اال�ستذكار� ،)69/3( ،أخرجه �أحمد يف م�سنده ،ح ( ،)53/42( )25118م�سند عائ�شة بلفظ«ُ :غ َّد ٌة (((
َك ُغ َّد ِة ْ ِإ
ال ِب ِل ،المْ ُ ِق ُيم ِبهَا َك َّ
ال�ش ِه ِيدَ ،وا ْل َفا ُّر ِم ْنهَا َكا ْل َفا ِّر ِمنَ ال َّز ْح ِف» ،و�صححه الألباين يف الإرواء.)72/6( ،
الطب النبوي� ،ص (.)30 (((
عمدة القارئ.)58/16( ، (((
ال�صينيَّة نهاية دي�سمرب ٢٠١٩م، ظهرت �أغلب حاالت الإ�صابة به يف مدينة َووَهَ ان َّ
على �صورة التَّهاب رئوي حاد(((” ،وينتمي فريو�س (كُوفِيد� )19-إلى نف�س عائلة
الفريو�سات امل�سببة لل�سَّ ار�س((( ،لكنَّه لي�س الفريو�س نف�سه ،وميكن �أنْ ي�سَّ بب فريو�س
كُورُونَا اجلديد �أعرا ضً� ا خفيفة �إلى �شديَّدة لدى الأ�شخا�ص امل�صابني بالفريو�س.
عادة ما تكون الأعرا�ض اخلفيفة لفريو�س كُورُونَا �شبيهة بالإنفلونزا ،والتَّي ت�شمل
�سيالن الأنف وال�سَّ عال والتَّهاب احللَّق واحلمَّى ،لكنْ عنَّدما ت�صبح الأعرا�ض حادَّة؛
ُت�ؤدَّي �إلى ُ�صعوبات يف التَّنف�س �أو التَّهاب رئوي �أو الوفاة(((.
وبذلك يظهر ب�أنَّ حقيقة الطَّ اعون تختلف متامً ا عن حقيقة فريو�س كُورُونَا؛ �إذ �إنَّ
�أعرا�ض الطَّ اعون تختلف عن �أعرا�ض فريو�س كُورُونَا ،ويجتمعان يف �أنَّ كلاًّ منها وبا ٌء
�سري ٌع االنت�شار واالنتقال بني الب�شر ،وبنا ًء على ذلك فيُمكن تكييف فريو�س كُورُونَا
ب�أنَّه وباء من الأوبئة ولي�س طاعونًا ،فال مانع من دخوله مكَّة املكرَّمة واملدينة املنَّورة.
املطلب الثاين
حكم �أداء فري�ضة احلجّ مع وجود فريو�س كُ ورُونَا وانت�شاره
بلغه �أنَّ الوباء قد وقع بال�شَّ ام ،ف�أخربه عبدالرحمن بن عوف � :أنَّ ر�سول
ْ�ض َو�أ ْنتُمْ ِبهَا،
ْ�ض َف َال َتقْدَ مُوا عَ َل ْيهَِ .و�إِذَ ا َو َق َع ِب�أَر ٍ
اهلل ﷺ قال « :إ�ِذَ ا �سَ مِ ْعتُمْ ِب ِه ِب أَ�ر ٍ
َف َال تَخْ رُجُ وا ِفرَا ًرا مِ ْن ُه(((» ،وقد �أخذ جمهور العلماء وهم احلنفيَّة(((،
وال�شَّ افعيَّة((( ،واحلنابلة((( من ظاهر هذا احلديث عدم جواز القدوم بال حاجة على
�أر�ض بها وباء فتَّاك ينتقل بالعَدْ وَى ،ولي�س ذلك من الطَّ رية ،و�إنمَّ ا هو من الأخذ
باالحَّ تياط والبعد عن مكان العَدْ وَى ،وفيه كمال حترَّز من الوباء؛ �إذ �إنَّ يف القدوم
�إلقا َء النَّف�س �إلى التَّهلكة ،وفيه تعرّ�ض للبالء ،وموافاة له يف حم َّل �سلطانه(((.
كما �أنَّهم ا�ستدلوا بهذا احلديث على املنع من اخلروج من الأر�ض التي وقع فيها
الوباء((( ،وذلك ملا يف النَّهي عن اخلروج حمل النَّفو�س على الثَّقة باهلل ،والتَّوكل
وال�صرب على �أق�ضيته ،والرَّ�ضى بها ،والحتياجه يف اخلروج من بلد الوباء �إلى عليهَّ ،
ال�سَّ فر الذَّ ي ال يتمّ �إال باحلركة ال�شَّ ديدة التي نهى عنها �أئمة الطَّ ب لأنَّ البدن ال يخلو
غالبًا من ف�ضل رديء كامن فيه يثار باحلركة ال�شَّ ديدة مما يجعلها تخالط ما هو
جيَّد يف البدن وذلك يجلب علَّة عظيمة؛ والحَّ تمال نقله الوباء �إلى �أماكن �أخرى خالية
من هذا الوباء(((.
ور�أى بع�ض العلماء وهم املالكيَّة ((( ،ب أ�نَّه ال ب�أ�س ب�أنَّ يدخل ويخرج من بلد الوباء؛
وحملوا النَّهي الوارد يف احلديث عن اخلروج والقدوم من بلد الوباء على �أنَّه نهي
كراهة و�إر�شاد وت�أديب ،ال نهي حترمي(((.
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،ح ( ،)130/7( )5729كتاب الطب ،باب ما يذكر يف َّ
الطاعون ،وم�سلم
الطاعون َّ
والطرية والكهانة ونحوها. يف �صحيحه ،ح ( ،)1740/4( )2219كتاب ال�سالم ،باب َّ
((( انظر :حا�شية َّ
الطحاوي� ،ص ( ،)547ر َّد املحتار على ال َّدر املختار.)757/6( ،
الطالبني.)247/3( ،املحتاج ،)63/6( ،حا�شية قليوبي وعمرية� ،)396/1( ،إعانة َّ ((( انظر :نهاية َّ
((( انظر :ال�شرح املمتع.)42/4( ،
((( انظر :فتح الباري ،)187/10( ،وزاد املعاد.)39/4( ،
((( انظر :فتح الباري.)187/10( ،
((( انظر :فتح الباري ،)187/10( ،وزاد املعاد.)39/4( ،
((( انظر :القوانني الفقهية ،)296( ،والتاج والإكليل ،)339/6( ،وحا�شية العدوي.)493/2( ،
((( انظر :القوانني الفقهية ،)296( ،وحا�شية العدوي.)493/2( ،
الترَّ جيح:
الرَّاجح -واهلل تعالى �أعلم -ما ذهب �إليه اجلمهور من حترمي الدَّخول �إلى
ال�صريحة النَّاهية
ال�صحيحة َّ
الأر�ض التي بها الطَّ اعون واخلروج منها للأحاديث َّ
عن ذلك ،والنَّهي يقت�ضي التَّحرمي ،وال �صارف للنَّهي ،ما مل يكن هناك حاجة داعية
للخروج من بلد الوباء �أو القدوم �إليه كالتَّداوي وغريه(((.
�أما البلدان التي نزلت بها الأوبئة غري الطَّ اعون؛ ف�إنَّه يجوز اخلروج منها ،وقد
َنقَل الإجماع على ذلك الإمام جالل الدَّين ال�سَّ يوطي((( (((.
وقد �سُ ئل ال�شَّ يخ ابن باز � :إذا كان الوباء املنت�شر يف البلد غري الطَّ اعون،
فهل يجوز اخلروج من البلد فرارًا؟ فقال :ال ب�أ�س باخلروج (((.
الفرع الثاين :حكم القدوم لأداء فري�ضة احل�� ّج مع وج��ود فريو�س ُك��و ُرو َن��ا
وانت�شاره.
يف الأو�ضاع الرَّاهنة التي انت�شر فيها فريو�س كُورُونَا يف العامل ،ومع �إتاحة �أداء
�شعائر احلجّ لهذا العام مع ما اتخذته حكومة خادم احلرمني ال�شَّ ريفني -حفظها
اهلل -من الإجراءات االحرتازية التي ترى أ�نَّه ميكن معها �أنْ يح َّد من انت�شار
ال�صحيح املعافى من الفريو�س� ،سوا ًء كان من �أهل الفريو�س ،و�أراد الراغب يف احلجّ َّ
املناطق والبالد التي ال يوجد بها فريو�س كُورُونَا� ،أو ي ِقلّ؛ فهل يجوز له القدوم لأداء
فري�ضة احلجّ ؟ �أم أ�نَّه ينبغي عليه ت�أخريه �إلى زوال هذا الوباء؟
انظر :الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية� ،ص (.)171 (((
وهو عبدالرحمن بن كمال الدين �أبي بكر (جالل الدين الأ�سيوطي) ،امل�صري ال�شافعي� ،أعلم �أهل (((
زمانه يف احلديث وفنونه� ،ص ّنف الكثري من الكتب منها :الأ�شباه والنظائر يف الفقه ،انظر :معجم
�أعالم �شعراء املدح النبوي.)220( ،
انظر :الفتاوى الفقهية الكربى.)11/4( ، (((
وهو ما رجحه بع�ض العلماء يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية ،انظر :م�سائل الإمام ابن باز� ،ص (،)250 (((
ال�شبكة الإ�سالمية.)3159/6( ،وفتاوى َّ
بنا ًء على ما �أجازه العلماء بالإجماع((( من جواز القدوم على البلدان املوبوءة
واخلروج منها ،وبالنَّظر ملا قرّره جمهور العلماء من احلنفيَّة((( ،واملالكيَّة(((،
واحلنابلة((( ،من �أنَّ �أداء فري�ضة احلجّ واجب على الفور ملن �أمكنْه ذلك((( ،ف�إنَّه
يجب على املُ�سْ لِم الذي توفرت فيه �شروط وجوب احلجّ �أنَّ يُبادر ويُ�سارع ب�أداء فري�ضة
احلج ،ولكنْ مع وجود هذه الظَّ روف الرَّاهنة التي قد انت�شر فيها هذا الفريو�س الذي
�أثبت الطَّ ب �أنَّه من الأمرا�ض الفتَّاكة التي تقتل مبعدل � %2إلى ،%3و�أنَّه ينت�شر ب�سرعة
فائقة عن طريق العَدْ وَى بني الأ�شخا�ص� ،سواء كان عن طريق اجلهاز التَّنف�سي
والرذاذ املتناثر من الأنف �أو الفم املحمَّل بامليكروب عندما ي�سعل امل�صاب بالفريو�س
�أو يعط�س� ،أو عن طريق املُخَ الَطة ومالم�سة املر�ضى والأ�سطح املحيطة بهم دون
((( كما قرره الإمام جالل الدين ال�سيوطي يف �ص (.)27
((( انظر :املب�سوط ،)163/4( ،وبدائع ال�صنائع ،)119/2( ،الهداية للمرغيناين.)132/1( ،
((( انظر :الكايف يف فقه �أهل املدينة ،)358/1( ،ومواهب اجلليل )471/2( ،والفواكه الدواين.)350/1( ،
((( انظر :الكايف يف فقه الإمام �أحمد ،)467/1( ،واملغني ،)232/3( ،واملحرر.)233/1( ،
((( وا�ستدلوا بقوله تعالى( :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة ،]196 :وقالوا� :إن الأمر يف الآية للفور ،وا�ستدلوا مبا
رواه ابن ماجه عن ابن عبا�س عن النبي ﷺ �أ َّنه قال«َ :منْ �أَ َرا َد الحْ َ َّج َف ْل َي َت َع َّج ْلَ ،ف�إِ َّن ُه يمَ ْ َر ُ�ض
احلج على الترَّ اخي، اج ُة» ،وقد ا�ستدل من خالفهم وقال� :إنَّ �أداء ّ ي�ضَ ،وت َِ�ض ُّل َّ
ال�ضا َّل ُةَ ،و َت ْبدُو الحْ َ َ المْ َ ِر ُ
ف�إنَّ �أخ َّر حتى مات فهو �آثم بال َّت�أخري ،وهو قول عند احلنف َّية ،وقول عند املالك َّية ،وقول ال�شافع َّية بقوله
احلج ،و�أطلق تعالى( :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [�آل عمران ،]97 :وقالوا� :إن اهلل فر�ض ّ
احلج و�أ�شهره يف �آية ثانية ومو�ضع �آخر بقوله( :ﭑ ﭒ الوقت ومل يحدده ،ثم بينّ بعد ذلك وقت ّ
احلج مطل ًقا من احلج يف �أ�شهر ّ فدل على �أنَّ املفرو�ض على امل�سلم هو �أداء ّ ﭓ) [البقرةَّ ،]197 :
دل على �أنَّ القول بالفور تقييد املطلق بال دليل ،وهذا ال يجوز ،وا�ستدلوا العمر بال تقييد بوقت معني مما َّ
احلج يف �سنة �ست احلج بعدما فر�ضه اهلل ،وقد نزلت فر�ضية ّ �أي�ضً ا ب�أنَّ ر�سول اهلل ﷺ �أخ َّر ّ
احلج لي�س على الفور؛ �إذ �إنهَّ من الهجرة ،وال َّر�سول ﷺ مل يحج �إال يف �سنة ع�شر ،وهذا فيه داللة على �أنَّ ّ
فر�ض يف العمر مرة واحدة ،فكان جميع العمر وقت �أدائه ،وال ي�ستغرق جميع العمر �أدا�ؤه ف�صار جميع
ال�صالة يف جميع الوقت ب�شرط �أال ال�صالة ،ف�إنَّ امل�صلي خميرَّ ب�أداء َّاحلج كجميع وقت َّ الوقت يف حق ّ
احلج ف�إنه خمري ب�أدائه يف �أي وقت ب�شرط �أن ال ي�ؤخره حتى يفوته عن وقته، َّ ي�ؤخرها عن وقتها ،وكذلك ّ
وهو نهاية عمره ،انظر :املب�سوط ،)163/4( ،وبدائع ال�صنائع ،)119/2( ،والهداية للمرغيناين،
( ،)132/1والكايف يف فقه �أهل املدينة ،)358/1( ،ومواهب اجلليل ،)471/2( ،والفواكه الدواين،
( ،)350/1واحلاوي ،)24/4( ،والو�سيط يف املذهب ،)587/2( ،والبيان.)48/4( ،
ال�صحة العاملية ،واتخَّ اذ مثل هذه اتَّخاذ تدابري الوقاية والنَّظافة؛ كما �أفادته منظَّ مة َّ
الإجراءات الوقائية للتَّحرز من انتقاله وانت�شاره كالتَّباعد؛ ي�صعب وقد يتعذر عند
وخا�صة عند الطَّ واف وال�سَّ عي ورمي اجلمرات والتَّنقالت �أداء �شعائر احلجّ والعمرة َّ
بني امل�شاعر ،مما �سي�ؤدي �إلى امل�ساهمة يف اتَّ�ساع دائرة املر�ض و�سرعة انت�شاره،
وقد وردت �أحاديث �صحيحة تنهى عن �إيراد امل ُِ�صحٍّ على املري�ض((( ،وت�أمر بتجنُّب
�أ�صحاب هذه الأمرا�ض؛ خوفًا من انت�شارها((( ،وهذه النَّ�صو�ص حذَّ رت من مخُ َ الَطة
�أ�صحاب العَدْ وَى يف الظَّ روف العاديَّة التي يح�صل فيها بع�ض االختالط واملالم�سة؛
فكان من باب �أولى �أنْ يكون احلذ ُر �أ�ش َّد يف �شِ دَّة االختالط وكرثة التَّجمعات ،ويت�أكد
ذلك يف احلجّ والعمرة اللذين يُع َّدان مظنَّة االختالط وكرثة التَّجمعات؛ لذا ف�إنَّه يلزم
من توفرت فيه �شروط احلجّ والعمرة ت�أخريهما ،وال يجوز له �أدا�ؤهما خ�شية �أنْ تنتقل
له العَدْ وَى ويُ�صاب باملر�ض ،والقاعدة الفقهية تقولَ ( :ال َ�ضرَر و َال ِ�ضرَار((()(((.
((( وقد ورد بلفظ :اَ«ل ُيو َر ُد ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى ُم ِ�ص ٍّح»� ،سبق تخريجه ،و�أخرج مالك يف موطئه ،ح ()1603
احلج ،بلفظ� :أن عمر بن اخلطاب َ :م َّر ِبا ْم َر أَ� ٍة مجَ ْ ُذ َوم ٍة َو ِه َي احلج ،باب جامع ّ ( ،)625/3كتاب ّ
هللَ ،ال ُت�ؤ ِْذي ال َّن َ
ا�سَ ،ل ْو َج َل ْ�س ِت فيِ َب ْي ِت ِكَ ،ف َج َل َ�س ْت يف بيتهاَ ،ف َم َّر ِب َها َر ُج ٌل َ ت َُط ُ
وف ِبا ْل َب ْي ِتَ ،ف َق َال َل َهاَ :يا �أ َم َة ا ِ
َ ُ
اك َق ْد َماتَ َ ،ف ْاخ ُر ِجيَ ،ف َقا َل ْت :واهلل َما ُك ْنتُ لأ ِطي َع ُه َح ًّيا َو أ� ْع ِ�ص َي ُه َم ِّيتًا”. َب ْعدَ َذ ِل َكَ ،ف َق َال :إِ�نَّ ا َّل ِذي َن َه ِ
ا�س”. هلل ،ا ُق ْع ِدي فيِ َب ْي ِتك ،و َال ُت�ؤ ِْذي ال َّن َ َ
ويف رواية الإمام حممد بن احل�سن ال�شيباين للموط�أَ “ :يا �أ َم َة ا ِ
َ
((( كما يف حديث �أبي هر َّيرة � أن ر�سول اهلل ﷺ قالَ “ :و ِف َّر ِمنَ ا َمل ْج ُذ ِوم َك َما َت ِف ُّر ِمنَ الأ َ�س ِد”� ،سبق
ثقيف رج ٌل جمذو ٌم ،ف�أر�سل �إليه وفد ٍ تخريجه ،وحديث عمرو بن ال�شريد ،عن �أبيه قال :كان يف ِ
اك َفا ْرج ْع”� ،سبق تخريجه. النبي ﷺِ “ :إ� َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ
موطئه ،ح ( ،)1078/4( )2758كتاب الأق�ضية ،باب الق�ضاء يف املرفق ،وابن ماجه ((( �أخرجه مالك يف َّ
يف �سننه ،ح ( ،)784/2( )2340كتاب الأحكام ،باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره ،والدارقطني يف
�سننه ،ح ( ،)51/4( )3079كتاب البيوع ،مل ي�سم له با ًبا ،والبيهقي يف ال�سنن الكربى ،ح ()11384
( ،)114/6كتاب ال�صلح ،باب ال �ضرر وال �ضرار ،و�أحمد يف م�سنده ،ح ( ،)55/5( )2865م�سند
عبداهلل بن عبا�س ،قال يف م�صباح الزجاجة( :هذا �إ�سناد فيه جابر اجلعفي وقد اتهم)،)48/3( ،
وقال يف الهداية يف تخريج �أحاديث البداية( :وهذا �سند ح�سن �أو �صحيح ،وال ي�ضره كون حم َّمد بن
مغراء رواه عن ابن �إ�سحاق ف�أر�سله ،عن وا�سع مل يذكر جاب ًرا).)13/8( ،
((( انظر :موقع دار الإفتاء امل�صريةhttps://www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa :
&،&ID=15346
َ ُ
وبهذا القول قال �أ.د .خالد بن علي امل�شيقح ،يف دورته بعنوان الأحكام الفقهية املتعلقة بفايرو�س كو ُرونا= ،
وهذه امل�س�ألة حتتاج �إلى مزيد درا�سة من الهيَّئات واملجامع الفقهيَّة يرجع القرار
فيها �إلى الأطباء امل�سلمني املخَّ ت�صني ،ويُ�صدر العلماء بناء على ذلك فتوى معتمدة
يف املو�ضوع(((.
املطلب الثالث
احلكم ال�شَّ رعي املرتتب على قرار �إلغاء �شعريتي احلجّ والعمرة ب�سبب
انت�شار فريو�س كُ ورُونَا
ومن �أهم هذه الفرتات :ما ح�صل يف عام (357هـ) عر�ض للنَّا�س داء املا�شري
فمات به خلق كثري ،وفيها مات �أكرث جمال احلجيج يف الطَّ ريق من العط�ش ،ومل
ي�صل منهم �إلى مكَّة �إال القليل ،بل مات �أكرث من و�صل منهم بعد احلجّ ((( ،ويف عام
(419هـ) مل يحجّ �أحد من �أهل امل�شَّ رق وال من �أهل الديَّار امل�صرية ب�سبب الغالء،
وقد بيع الرَّطب كل ثالثة �أرطال بدينار جاليل� ،إال �أن قومً ا من خرا�سان ركبوا يف
البحر من مدينة كرمان فانتهوا �إلى جدة فحجَّ وا((( ،ويف �سنة (428هـ) مل يحجَّ �أحد
من �أهل العراق وخرا�سان ب�سبب الفنت واخلالفات التي حدثت هناك(((.
ويف عام (1307هـ1890/م) تف�شَّ ى وباء الكولريا عن طريق حجاج هنود من
مومباي و�صلوا �إلى جدَّة على منت �سفينة �إجنليزيَّة ،مما ترتب عليه �أن منعت �إدارة
االحَّ تالل الفرن�سي رعاياهم امل�ستعمَرين يف كل من اجلزائر وتون�س من احلجّ عاميَّ
(1888م) و(1889م) ،واحتمالية منعهم �سنة (1891م) ،كما �أنَّ حكومة رو�سيا
منعت من احلجّ ،ويرجع ذلك �إلى �أنَّ بذور الوباء مل تختف يف بالد احلجاز وجند
وع�سري وبالد ما بني النَّهرين(((.
الفرع الثاين :احلكم ال�شرعي املرتتب على ق��رار �إلغاء �أداء �شعريتي احل ّج
والعمرة ب�سبب انت�شار فريو�س ُكو ُرو َنا.
نظرًا ملا ي�شهده العامل من تف�شَّ ي لفريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تجد (كُوفِيد )19-يف �أكرث
من ( )180دولة حول العامل بلغ عدد الوفيَّات املت�أثرة به قرابة ن�صف مليون حالة
وفاة ،و�أكرث من �سبعة ماليني �إ�صابة حول العامل ،ومع ا�ستمرار خطر هذه اجلائحة،
وعدم توفر اللقاح والعالج للم�صابني بعَدْ وَى الفريو�س حول العامل؛ وللحفاظ على
خا�صة مع ارتفاع معدل الإ�صابات يف معظم دول العامل وفقًا ال�صحي العاملي َّ الأمن َّ
انظر :البداية وال َّنهاية ،البن كثري.)300/11( ، (((
انظر :املرجع ال�سابق.)31/12( ، (((
انظر :املرجع ال�سابق.)20/12( ، (((
حج �سنة (1307هـ1890/م) ،انظر:كما ورد ذلك يف التَّقرير ال َّدبلوما�سي الفرن�سي اخلا�ص مبو�سم َّ (((
جملة دارة امللك عبدالعزيز ،املجلد ( ،)38مج � ،38سنة (2012م) ،العدد (� ،)4ص (.)166
ال�صحية العاملية ،وخطورة تف�شَّ ي ال�صادرة من الهيَّئات ،ومراكز الأبحاث َّ للتَّقارير َّ
العَدْ وَى والإ�صابة به ،وخا�صة يف التَّجمعات الب�شريَّة التي ي�صعب توفري التَّباعد الآمن
بني �أفرادها ،وحلر�ص اململكة العربية ال�سَّ عودية الدائم على متكني �ضيوف بيت
امل�صطفى ﷺ من �أداء منا�سك احلجّ والعمرة والزَّيارة اهلل احلرام وزوار م�سجد َّ
يف �أمن و�سالمة؛ حر�صت منذ بدء الإ�صابات بفريو�س كُورُونَا وانتقال العَدْ وَى �إلى
بع�ض الدول على اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية حلماية �ضيوف الرَّحمن بتعليق قدوم
املعتمرين ،و�إيقاف �أداء العمرة �إلى �إ�شعار �آخر((( (((.
وبا�ستمرار اجلائحة ومع قُرب مو�سم احلجّ أ�ُلقي على عاتق اململكة العربية
ال�سَّ عودية م�س�ؤولية �إن�سانية و�شرعية عظيمة ،تدعو التَّخاذ قرارات و�إجراءات
ال�صحية الراهنة والقواعد الفقهيَّة الرَّا�سخة ،وتتما�شى
�صارمة ت�ستند �إلى املعطيات َّ
مع الرُّخ�ص ال�شَّ رعية التي �شرعها اهلل لعباده عندما ي�شق عليهم �أداء
العبادات �أو املنا�سك؛ ممَّ ا دعا حكومة خادم احلرمني ال�شَّ ريفني -حفظها اهلل
تعالى� -إلى اتَّخاذ قرار ق�صر �إقامة مو�سم احلجّ لهذا العام((( على �أعداد حمدودة
جدً ا قد ال تتجاوز ع�شرة �آالف حاج للراغبني يف �أداء منا�سك احلجّ من خمتلف
اجلن�سيَّات املوجودة داخل اململكة العربية ال�سَّ عودية مع �إجراءات احرتازية دقيقة
جدً ا(((؛ وذلك حر صً� ا منها على �إقامة ال�شَّ عرية ب�شكل �آمن �صحيًا ،ومبا يحقق
((( وقد َّمت تعليق العمرة بتاريخ (� )3شهر رجب (1441هـ) املوافق ( )27من �شهر فرباير (2020م)،
و�أكدت وزارة احلج والعمرة ا�ستمرار تعليق العمرة والزيارة يف الفرتة احلالية ،وذلك مبوجب قرارات
القيادة الر�ش َّيدة لتطبيق الإجراءات املرحلية للعودة �إلى احلياة َّ
الطبيعية ،و�أ�ضافت الوزارة� ،أنه �ستتم
ال�صادرة من اللجنة املخت�صة .انظر :موقع املراجعة الدورية لذلك وفق م�سار اجلائحة والتَّو�صيات َّ
جريدة عكاظ. ،https://www.okaz.com.sa/news/local/2012711 :
((( �أتى هذا يف البيان الذي �صدر عن وزارة احلج ،انظر :موقع وزارة احلج ،https://www.haj.gov.sa/ :وح�ساب
الوزارة على من�صة توتريhttps://twitter.com/HajMinistry/status/1275163316462202885?ref_ :
.src=twsrc%5Egoogle%7Ctwcamp%5Eserp%7Ctwgr%5Etweet
((( العام الهجري 1441هـ.
احلج �سيكون ملن هم �أقل من (� )65سنة ،ولي�س لديهم �أمرا�ض حج هذا العام �أن ّ ((( ومن �ضوابط َّ
احلجاج والعاملني للفح�ص قبل و�صولهم �إلى امل�شاعر املق َّد�سة ،انظر� :صحيفة �سبقمزمنة ،وخ�ضوع ّ
متطلبات الوقاية والتباعد االجتماعي الالزم ل�ضمان �سالمة احلجيج وحمايتهم من
خطر هذه اجلائحة ،وحتقيقًا ملقا�صد ال�شَّ ريعة يف حفظ النَّف�س الب�شريَّة؛ وملا يف
اتَّخاذ هذه الإجراءات من تقدمي درء املفا�سد على م�صالح احلجّ من �أجل درء َ�ضرر
هذه اجلائحة ،الذَّ ي ال ميكن التنب�ؤ بحجمه(((.
وقد �صدر قبل ذلك بيان من وزارة احلجّ والعمرة يف اململكة العربية ال�سَّ عودية
ورد فيه :الطَّ لب من الإخوة امل�سلمني يف جميع دول العامل الرتيث يف عمل �أي عقود
حتى تت�ضح ال َّر�ؤية ،و�أنَّ اململكة قامت برد مبالغ ر�سوم ال َّت�أ�شريات جلميع من ح�صلوا
على ت�أ�شريات لأداء منا�سك العمرة ومل يتمكَّنوا من القدوم �إلى البالد((( ،كما �أنَّ
الوزارة �أ�صدرت عرب موقعها الإلكرتوين قرارًا بــ(�إلغاء حجز ت�صريح احلجّ )(((،
وهذا كله لأجل ا�ستي�ضاح ظروف هذه اجلائحة وما ينتج عنها التخاذ القرار املنا�سب
لهذا الظَّ رف اال�ستثنائي من �إقامة مو�سم احلجّ ب�ضوابطه �أو �إلغائه؟(((.
الإلكرتونية.https://sabq.org/4jvmzJ :
احلج ،https://www.haj.gov.sa/ :وح�ساب احلج ،انظر :موقع وزارة ّ
((( �أتى هذا يف البيان الذي �صدر عن وزارة ّ
الوزارة على من�صة توتريhttps://twitter.com/HajMinistry/status/1275163316462202885?ref_ :
.src=twsrc%5Egoogle%7Ctwcamp%5Eserp%7Ctwgr%5Etweet
احلج حممد �صالح بن طاهر بننت؛ يف لقاء مع قناة “الإخبارية” ((( وقد �صدر هذا البيان من وزير ّ
الر�سمية ،انظر :موقع البث املبا�شر.https://www.france24.com/ar/20200402- :
((( انظر :موقع وزارة احلج.https://www.haj.gov.sa/ar/Services/Details/31 :
َّ
احلج لهذا العام ،ويف هذه الظروف ((( وقد وردت ت�سويغات �شرعية كثرية من جهات عديدة لإلغاء مو�سم ّ
اال�ستثنائية يف ظل هذه اجلائحة ،ومن ذلك الفتوى التي �صدرت من الأمني العام لالتحَّ اد العاملي
واحلج ب�شكل م�ؤقت
ّ لعلماء امل�سلمني َّ
ال�شيخ الدكتور علي القره داغي ،بجواز منع �أداء منا�سك العمرة
َ ُ
يف حال انت�شار فريو�س كو ُرونا اجلديد ،وح ّر�ص على ال َّت�أكد من حتقق انت�شار الوباء عن طريق القطع
�أو غلبة الظن من خالل اخلرباء املخت�صني ،فيجوز بنا ًء على ذلك منع العمرة �أو احلج م�ؤقتًا مبقدار
ما تدر أ� به املف�سدة ،وقد بينّ ال�شيخ الدكتور علي القره داغي �أن الفقهاء اتفقوا على جواز ترك احلج
عند خوف الطريق ،و�أن اال�ستطاعة التي هي من �شروط وجوب احلج لن تتحقق �إال مع الأمن والأمان،
ومع وجود الأمرا�ض الوبائية ال تتحقق معها اال�ستطاعة ،ويكون ذلك من الأعذار املبيحة لرتك احلج
والعمرة ،ويرجع تقدير ذلك �إلى �أهل االخت�صا�ص من الأطباء ،وي�صدر ب�ش�أنه قرار من ال�سعودية،
مفتوحا فحينئذ يعود التقدير للدولة التي ظهر فيهاً و�أ�شار �إلى �أنه يف حال �إبقاء باب العمرة �أو احلج
الوباء مبنع مواطنيها من �أداء احلج خو ًفا من نقل الوباء �إلى احلجيج واملعتمرين ،وقد قامت �أكرب =
و�صدر عن هيئة كبار العلماء بيان ت�ؤيد فيه ما قرَّرته حكومة خادم احلرمني
ال�شَّ ريفني -حفظها اهلل -ب�أنْ يكون احلجّ هذا العام (1441هـ) بعدد حمدود جدً ا
من داخل اململكة حفاظً ا على �صحة احلجّ اج و�سالمتهم ،م�سرت�شدين على ذلك
بقوله تعالى( :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة ،]125 :و�أن
�أهم ما تر�شد �إليه الآية الكرمية يف �أمنْ البيت احلرام وتطهريه اتَّخاذ الأ�سباب
ملنع انت�شار الأمرا�ض والأ�سقام كالعَدْ وَى التَّي تفتك بالأرواح يف زمن الأوبئة ،كما
ال�صحيحة التَّي تدل على وجوب االحرتاز من الأوبئة، �أنَّهم ا�سرت�شدوا بالأحاديث َّ
و�أنْ تُبذل كل الأ�سباب التي ت�ؤدي �إلى التَّقليل من تف�شيها كقوله ﷺ :اَ«ل يُو ِردَنَّ
ْ�ض ،فَلاَ تَدْ خُ لُوهَ ا،
ممُ ْ رِ ٌ�ض عَ لَى م ُِ�صحٍّ (((» ،وقوله ﷺ�« :إِذَ ا �سَ مِ ْعتُمْ بِالطَّ اعُ ونِ ِب َ�أر ٍ
ْ�ض َو�أَ ْنتُمْ ِبهَا ،فَلاَ تَخْ رُجُ وا مِ ْنهَا(((» ،وبيّنوا ب�أنَّ هذا كله فيه حمافظة َو�إِذَ ا َو َق َع ِب َ أ�ر ٍ
على النَّفو�س الب�شريَّة التي جاءت ال�شَّ ريعة بوجوب املحافظة عليها ،بل هو من �أعظم
مقا�صدها ،كما �أنَّهم قالوا� :إنَّ هذا القرار جاء من منطلق القاعدة الفقهيَّة التي
(ال�ضرر يُدفع قدر الإمكان((() ،وبنا ًء على ما قرَّره �أهل االخت�صا�ص تنَّ�ص على �أنَّ َ
من �أنَّ التَّجمعات تُع َّد ال�سَّ بب الرَّئي�س يف انتقال العّدْ وَى يف ظلِّ ما ي�شهده العامل من
جائحة كُورُونَا ،و�أنَّ منعها �أو التَّقليل منها هو احلل الأمثل حتى ي�أذن اهلل
= الدولة الإ�سالمية كالهند و�إندوني�سيا من �إلغاء رحالت احلج هذا العام ملواطنيها ،و�أكدت على
ا�ستمرار القيود على ال�سفر ب�سبب املخاوف من فريو�س كورونا؛ وي�أتي ذلك من منطلق �أن ال�شريعة
الإ�سالمية خ َّولت احل ّكام والأئمة باتخاذ كافة �إجراءات الرعاية والعناية وو�سائل احليطة والوقاية التي
تعني على حفظ النفو�س ،وتوفري و�سائل ال�سالمة لها ،ومن ذلك :ت�أمني وقايتهم من الأوبئة والأمرا�ض
�سبيل؛ ومن �أعظم ما حتفظ به نفو�س الرعايا وخا�صة يف هذه املعدية ما ا�ستطاعوا �إلى ذلك اً
الظروف الراهنة حفظهم من الإ�صابة بفريو�س كورونا .انظر :موقع وكالة رم للأنباءhttps://nabd. :
،com/t/71019039-4de520ومقال( :يف زمن كورنا :كيف ميكن تربير وقف �أداء فري�ضة الإ�سالم
اخلام�سة؟) ،للباحثني لينا-ماريا مولر ،و�سردار كورنا ،موقع قنطرة.https://cutt.ly/Jfnindc :
وموقع جريدة عكاظ.https://www.okaz.com.sa/news/local/2027212 :
((( �سبق تخريجه.
((( �سبق تخريجه.
((( الوجيز� ،ص (.)256
بارتفاع هذا الوباء ،ولأهمية �إقامة �شعرية احلجّ دون �أنْ يُلحق �ضرر ب�أرواح احلجّ اج،
ودون �أنْ تكون هذه ال�شَّ عرية العظيمة �سببًا يف زيادة انت�شاره ،ف�إنَّ ال�شَّ ريعة جاءت
بتح�صيل امل�صالح وتكثريها ،ودرء املفا�سد وتقليلها ،لذلك كله من النَّ�صو�ص
ال�شَّ رعية واملقا�صد والقواعد الكليَّة ،ف�إن بيانهم جاء م�ؤيدً ا ملا قررته حكومة خادم
احلرمني ال�شَّ ريفني -حفظها اهلل.(( (((-
ومما �أيد قرار حكومة خادم ال�شَّ ريفني -حفظها اهلل -حيال �إقامة مو�سم احلجّ
هذا العام بقيود دقيقة جدً ا ما جاء يف التَّو�صية الرَّابعة من تو�صيات النَّدوة الطَّ بية
الفقهيَّة الثَّانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدَّويل حول فريو�س كُورُونَا وما يتعلق به،
واملنعقدة افرتا�ض ًيّا يف (� 16أبريل 2020م) من �أنَّه( :يجوز للدَّول واحلكومات فر�ض
التَّقييدات على احلريَّة الفرديَّة مبا يحقق امل�صلحة �سواء من حيث منع الدَّخول �إلى
املدن واخلروج منها …،كما �أنَّه يجب االلتزام بقرارات الدَّول واحلكومات مبا
ي�سمَّى التَّباعد االجتماعي ونحو ذلك ممَّ ا من �ش�أنِّه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س،
عمل بالقاعدة ال�شَّ رعية التي ومنع انت�شاره لأنَّ ت�صرفات الإمام منوطة بامل�صلحة ،اً
تنَّ�ص على �أنَّ (ت�صرف الإمام على الرعية مَ نُوط بامل�صلحة((( ((().
املبحث الثاين
�أثر جائحة كُ ورُونَا على �أداء �شعائر احلجّ والعمرة
املطلب الأول
حكم لب�س الكِمامة للداخل يف ن�سك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من انت�شار
فريو�س كُ ورُونَا
ملرور الرجال قريبًا منها ف�إنَّها تَ�سْ دل الغطاء من فوق ر�أ�سها على وجهها(((؛
لفعل عائ�شة ،(((قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية “ :ولو غطت
املر�أة وجهها ب�شيء ال مي�س الوجه جاز باالتفاق .و�إنْ كان مي�سه ،فال�صحيح
�أنَّه يجوز �أي ضً� ا((( ،وال تكلف املر�أة �أنْ جتايف �سُ رتتها عن الوجه ،ال بعودٍ ،وال
بيدٍ ،وال غري ذلك؛ ف�إنَّ النَّبي ﷺ �سَ وَّى بني يديها ووجهها ،وكالهما كبدن
الرجل ،ال كر�أ�سه ،و�أزواجه ﷺ كنَّ يَ�سْ دلنَّ على وجوههنَّ من غري مراعاة
املجافاة ،ومل ينقل �أحد من �أهل العلم عن النَّبي ﷺ أ�نَّه قال « :إ�ِحْ رَامُ المْ َ ْر�أَ ِة
فيِ وَجْ هِ هَا» .و�إنمَّ ا هذا قول بع�ض ال�سَّ لف ،لكنَّ النَّبي ﷺ نهاها �أنَّ َت ْن َتقِبِ �أو
َت ْلب َِ�س ال ُقفَّا َزيْنِ ،كما نهى املحرم �أنْ يلب�س القمي�ص واخلُف مع �أنَّه يجوز له
�أنْ ي�سرت يديه ورجليه باتفاق الأئمة ،والربقع �أقوى من النَّقاب ،فلهذا يُنهى
عنه باتفاقهم ،ولهذا كانت املحرمة ال تلب�س ما يُ�صنع ل�سرت الوجه كالربقع
ونحوه ،ف إ�نَّه كالنَّقاب(((”.
= الكفارة ،وهي التخيري بني ثالثة �أمور� :إطعام �ستة م�ساكني لكل م�سكني ن�صف �صاع ،يعني :كيلو
ون�صف� ،أو ذبح �شاة� ،أو �صيام ثالثة �أيام .انظر :املعونة ،)526( ،والبيان ،)155/4( ،والإن�صاف،
(.)503/3
((( انظر :املب�سوط ،)128/4( ،وبدائع ال�صنائع ،)185/2( ،و�شرح خمت�صر الطحاوي،)559/2( ،
والتلقني ،)82/1( ،وخمت�صر خليل ،)72( ،والتاج والإكليل ،)201/4( ،والو�سيط يف املذهب،
( ،)680/2و�أ�سنى املطالب ،)504/1( ،ونهاية املحتاج ،)333/3( ،والكايف يف فقه الإمام �أحمد،
( ،)489/1واملحرر ،)238/1( ،وال�شرح الكبري البن قدامة.)323/3( ،
((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده ،ح ( ،)21/40( )24021م�سند عائ�شة ،)30/6( ،و�أبو داود يف �سننه،
ح ( ،)167/2( )1833كتاب احلج ،باب يف املحرمة تغطي وجهها ،والبيهقي يف �سننه ،ح ()9051
( ،)75/5كتاب احلج ،باب املحرمة تلب�س الثوب من علو في�سرت وجهها وجتايف عنه ،قال الألباين:
“قلت� :إ�سناد �ضعيف؛ ل�سوء حفظ يزيد بن �أبي ز َّياد ،وقال احلافظ :يف �إ�سناده �ضعف”� ،ضعيف �أبي
داود ،)157/2( ،بلفظَ “ :كانَ ال ُّر ْك َبانُ يمَ ُ ُّرونَ ِب َناَ ،و َن ْحنُ َم َع َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ﷺ محُ ْ ِر َماتٌ َ ،ف ِ�إ َذا َح َاذ ْوا ِب َنا،
�أَ ْ�سدَ َل ْت ِ�إ ْحدَ ا َنا ِج ْل َبا َب َها ِمنْ َر�أْ ِ�س َها َع َلى َو ْجهِ َهاَ ،ف ِإ� َذا َجا َو ُزو َنا َك َ�ش ْف َنا ُه”.
ال�شافع َّية ،والقا�ضي من احلنابلة فقد ذهبوا �إلى �أنه يجب ((( وبه قال احلنف َّية ،واملالك َّية ،واحلنابلة� ،أما َّ
بيد� ،أو غري ذلك ،انظر� :شرح خمت�صر الطحاوي، بعود� ،أو ٍ على املر�أة �أن جتايف ُ�سرتتها عن الوجهٍ ،
( ،)559/2وحا�شية العدوي ،)555/1( ،والبيان ،)155/4( ،والكايف يف فقه الإمام �أحمد.)489/1( ،
((( جمموع الفتاوى.)112/26( ،
َر�أْ�سَ ُه(((»� ،أما الزَّيادة الواردة يف احلديث يف قوله« :و اََل وجهه» ،ف إ�نَّها
�ضعيفة ،ووهم مما ي�ؤيد ذلك ،ما ورد عن �شعبة �أنَّه ذكر �أنّ �أبا ب�شر حدّثه
هذا احلديث ،ثم ذكر �أنَّه �س�أله عن هذا احلديث بعد ع�شر �سنني فجاء
باحلديث كما حدّث �إال أ�نَّه قال« :و اََل تُخَ ِّمرُوا َر�أْ�سَ هُ» ،وهذا يدل على أ�نَّه
َ�ضعَّف هذه الزَّيادة ،و�إنْ �صحت هذه الزَّيادة فتُحمل على ما يجب ك�شفه
من الوجه لتحقق ك�شف ال َّر�أ�س ،و�صح خمّروا وجهه وال تخمّروا ر�أ�سه(((.
�أُجيب عنه :ب�أنَّ هذه الزيادة قد �أخرجها م�سلم يف �صحيحه ،مما يدل
على �صحة هذه الزَّيادة ،وهي �صريحة يف النَّهي عن تغطية الوجه(((.
الوجه الثاين :ب�أنَّ قيا�س املحرم احلي على املحرم امليت قيا�س مع الفارق؛
�إذ �إنَّ املحرم احلي ال يلزمه ك�شف وجهه ،و�إنمَّ ا يلزمه ك�شف ر�أ�سه فقط؛
ف�إذا مات �أحدث اهلل له حكمًا زائدً ا ،وهو �أنْ ال يخمّر وجهه
وال ر�أ�سه(((.
�أُجيب عنه :ب�أنَّ التَّفريق بني املُحرم احلي واملُحرم امليت تفريق من غري
دليل ،فدلَّ على عدم �صحته(((.
�2.2أنَّ تغطية الوجه حمرَّم على املر�أة مع أ�نَّها م�أمورة ب�سرته ،فحرَّم على الرَّجل
من باب �أولى ،وقيا�سً ا على الطَّ يب(((.
نُوق�ش :ب�أنَّ القيا�س مع الفارق؛ لكون املر�أة منهية عن لب�س �أمور كالقفازين،
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،ح ( ،)75/2( )1265كتاب اجلنائز ،باب الكفن يف ثوبني ،وم�سلم يف
«اغ ِ�س ُلو ُه بمِ َ اءٍ
�صحيحه ،ح ( ،)865/2( )1206كتاب احلج ،باب ما يفعل باملحرم �إذا مات ،بلفظْ :
َو ِ�س ْد ٍر َو َك ِّف ُنو ُه فيِ َث ْو َب ْي ِهَ ،و اَل ت َُخ ِّم ُروا َر أْ� َ�س ُه َو اَل َو ْج َههَُ ،ف ِإ� َّن ُه ُي ْب َعثُ َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُم َل ِّب ًيا».
((( انظر� :شرح كتاب احلج من بلوغ املرام ،)86( ،ونهاية املحتاج ،)331/3( ،وال�شرح الكبري البن قدامة،
(.)271/3
لل�شلعان� ،ص (.)237 ((( انظر :النوازل يف احلج َّ
((( انظر :املحلى.)81/5( ،
لل�شلعان� ،ص (.)237 ((( انظر :النوازل يف احلج َّ
((( انظر :ال�شرح الكبري البن قدامة.)271/3( ،
نُوق�ش :ب�أنَّ هذا الإجماع قد خالفه قول ابن عمر « :مَ ا َفوْقَ الذَّ قَنِ مِ نَ
ال َّر�أ ِْ�سَ ،ف َال يُخَ مِّ ْر ُه المْ ُحْ رِ مُ (((».
�أُجيب عنه :ب�أنَّ عبداهلل بن عمر كان يذهب �إلى هذا القول ،لكنَّه
ترك العمل به(((.
3.3أ�نَّه لو كان تغطية املحرم وجهه مكروهً ا �أو حمرمً ا ،لبيَّنه الرَّ�سول ﷺ فلمَّا مل
ينه عن ذلك دلّ على �أنَّه مباح(((.
نُوق�ش :مبا ورد يف حديث ابن عبا�س يف الرَّجل الذي وق�صته ناقته(((.
يُجاب عنه :ب�أنَّ حديث ابن عبا�س حممول على ما يجب ك�شفه من الوجه
لتحقق ك�شف الر�أ�س ،و�صح خمّروا وجهه وال تخمّروا ر�أ�سه(((.
الترَّ جيح:
الرَّاجح -واهلل تعالى �أعلم -العمل بالأحوط بالن�سبة للرَّجل من ترك لب�س
الكِ مامة؛ لقوة �أدلة كل من القولني وتكافئهما؛ لكن لو دعت احلاجة �إلى لب�س الرَّجل
للكِ مامة خوفًا من انتقال العَدْ وَى عند انت�شار الأمرا�ض املعدية ،ف إ�نَّه يجوز لب�سها
العتبار احلاجة الَّداعية لذلك وعليه فدية الأذى((( ،واحلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة
عامة كانت �أو خا�صة(((.
((( �أخرجه مالك يف موطئه ،ح ( ،)327/1( )13كتاب احلج ،باب تخمري املحرم وجهه ،البيهقي يف
�سننه ،ح ( ،)87/5( )9090كتاب احلج ،باب ال يغطي املحرم ر�أ�سه ،وله �أن يغطي وجهه.
((( ملا ورد عنه فيما رواه رافع عنه من قوله�“ :إحرام املر�أة يف وجهها ،و�إحرام الرجل يف ر�أ�سه” ،انظر:
�شرح م�شكل الآثار.)411/8( ،
((( انظر :املحلى.)81/5( ،
لل�شلعان� ،ص (.)242((( انظر :ال َّنوازل يف احلج َّ
((( انظر :ال�شرح الكبري البن قدامة.)271/3( ،
((( فدية دفع الأذى الواردة يف �آية الإح�صار :هي على التخيري بني �صيام ثالثة �أيام� ،أو �إطعام �ستة
م�ساكني لكل م�سكني ُم ّد بر �أو ن�صف �صاع متر �أو �شعري� ،أو ذبح �شاة ،انظر :التاج والإكليل،)241/4( ،
واحلاوي ،)227/4( ،واملبدع.)157/3( ،
((( قال ال�شيخ زكريا الأن�صاري“ :من لب�س يف الإحرام ما يحرم لب�سه به �أو �سرت ما يحرم �سرته فيه =
أ�مَّا املر�أة املحرمة فقد مت اتفاق الفقهاء على حترمي انتقاب املر�أة وتغطية
وجهها بغري ح�ضرة الأجانب ،و�أنَّ ذلك يُع ُّد من حمظورات الإحرام بحقها ،ولذلك
فال يجور لها لب�س الكِ مامة ،لكنْ �إنَّ دعت احلاجة للب�سه النت�شار داء� ،أو خوف انتقال
عدوى� ،أو غري ذلك من الأ�سباب؛ فيجوز لها �أنْ تلب�س الكِ مامة مع �إخراج فدية �أذى(((.
املطلب الثاين
حكم لب�س القفازين للداخل يف نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من انت�شار
فريو�س كُ ورُونَا
القول الأول :حترمي لب�س القفازين على املر�أة وفيها الفدية ،وهو قول
املالكيَّة((( ،وقول عند ال�شَّ افعيَّة((( ،وقول احلنابلة(((.
القول الثاين :جواز لب�س القفازين للمر�أة ،وبه قال احلنفيَّة((( ،والقول
الأ�صح عند ال�شَّ افعيَّة(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
1.1ما ورد عن ابن عمر � أنَّه�« :سَ مِ َع رَ�سُ ولَ اهلل ﷺ َنهَى النِّ�سَ ا َء فيِ
َاب(((». َاب ،وَمَ ا مَ َّ�س ا ْل َور ُْ�س وَالزَّعْ َفرَانُ مِ نَ ال ِّثي ِ
�إِحْ رَامِ هِ نَّ عَ نِ ال ُقفَّا َزيْنِ وَال ِّنق ِ
2.2ما ورد عن ابن عمر � أنَّ النَّبي ﷺ قالَ « :و َال َت ْن َتقِبِ ا َمل ْر�أَ ُة املُحْ رِ مَ ةُ،
َو َال َت ْلب َِ�س ال ُقفَّا َزيْنِ (((».
وجه الدَّاللة من احلديثني :عموم النَّهي الوارد يف احلديثني ،والنَّهي يقت�ضي
التَّحرمي؛ فدلَّ ذلك على حترمي لب�س القُفازين على املر�أة املحرمة(((.
((( انظر :خمت�صر خليل ،)72( ،والتاج والإكليل ،)201/4( ،و�شفاء الغليل.)336/1( ،
((( انظر :الو�سيط يف املذهب ،)682/2( ،و�أ�سنى املطالب ،)504/1( ،ونهاية املحتاج.)333/3( ،
((( انظر :الكايف يف فقه الإمام �أحمد ،)489/1( ،واملحرر ،)239/1( ،وال�شرح الكبري البن قدامة،
(.)325/3
((( انظر :املب�سوط ،)128/4( ،وبدائع ال�صنائع ،)186/2( ،والبناية.)274/4( ،
((( انظر :الو�سيط يف املذهب ،)682/2( ،و�أ�سنى املطالب ،)504/1( ،ونهاية املحتاج.)333/3( ،
((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده ،ح ( ،)361/8( )4740م�سند عبداهلل بن عمر ،و�أبو داود يف �سننه ،ح
( ،)166/2( )1827كتاب احلج ،باب ما يلب�س املحرم ،والبيهقي يف �سننه ،ح (باب ما يلب�س املحرم)
( ،)83/5كتاب احلج ،باب ما تلب�س املر�أة املحرمة من الثياب ،قال احلاكم يف امل�ستدرك( :هذا
حديث �صحيح على �شرط م�سلم ،ومل يخرجاه) ،)661/1( ،قال الألباين عنه( :و�إ�سناده �صحيح)،
�إرواء الغليل.)192/4( ،
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،ح ( ،)15/3( )1838كتاب احلج ،باب ما ينهى من الطيب للمحرم.
((( انظر :الو�سيط يف املذهب ،)682/2( ،و�أ�سنى املطالب ،)504/1( ،وال�شرح الكبري البن قدامة،
(.)325/3
نُوق�ش :ب�أنَّ النَّهي الوارد يف قوله ﷺَ « :و َال َت ْلب َِ�س ال ُقفَّا َزيْنِ » ،نهي ندب حملناه
عليه جمعًا بني الأدلة بقدر الإمكان(((.
�أدلة القول الثاين:
1.1ما ورد عن �سعد بن �أبي وقا�ص « :أ�نَّه كان يُلب�س بناتَه ال ُقفَّا َزيْنِ فيِ
الإحرام»(((.
�2.2أنَّ لب�س املر�أة للقفازين لي�س الغر�ض منه �إال تغطية اليدين باملخيط ،واملر�أة غري
ممنوعة من لب�س املخيط؛ فدلَّ على جواز لب�س القفازين يف حال الإحرام(((.
الترَّ جيح:
الرَّاجح -واهلل تعالى �أعلم�-أنَّه يحرم على كل من الرجل واملر�أة لب�س القفازين
يف حال �إحرامهما� ،إال �إنْ دعت احلاجة للب�س لدواعٍ وقائية من مر�ض �أو انتقال
عدوى ،فيلب�سانهما ثم يخرجان فدية الأذى(((.
املطلب الثالث
من �أحرم باحلجّ �أو العمرة ثم ُمنِع من �إمتام ن�سكه احرتازًا من انت�شار
فريو�س كُ ورُونَا� ،أو لتحقق �إ�صابته بفريو�س كُ ورُونَا
هذه امل�س�ألة تندرج حتت م�س�ألة الإح�صار((( باملر�ض الذي اختلف الفقهاء
يف اعتباره عذرًا ي�سوغ به التّحلل �أم ال؟ على قولني:
((( انظر :بدائع ال�صنائع.)186/2( ،
((( انظر :املب�سوط ،)128/4( ،و�أخرجه البيهقي يف معرفة ال�سنن والآثار ،ح ( ،)139/7( )9592كتاب
احلج ،باب تلبية املر�أة و�إحرامها.
((( انظر :بدائع ال�صنائع.)186/2( ،
((( يراجع قول ال�شيخ ابن عثيمني .
احلج والعمرة بعد الإحرام� ،سواء كان بعد ٍ ّو �أو بحب�س �أو
((( املراد بالإح�صار :هو املن ُع عن امل�ضي يف �أفعال ّ
مبر�ض ،انظر :التَّعريفات الفقهية.
القول الأول �أنَّ الإح�صار يكون باملر�ض �أو العدو �أو غريهما ،وبه قال احلنفيَّة(((،
ورواية عند احلنابلة(((.
القول الثاين� :أنَّ الإح�صار ال يكون �إال بالعدو ،وبه قال املالكيَّة((( ،وال�شَّ افعيَّة(((،
وامل�شهور يف املذهب عند احلنابلة(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
1.1قول اهلل تعالى( :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة.]196 :
وجه ال َّداللة من الآية :عمومها؛ �إذ �إنَّ اهلل مل يقيَّد احل�صر
بالعدو(((.
�2.2أنَّ النَّبي ﷺ قال« :من كُ�سِ رَ� ،أو عَ رَجَ فقد حلَّ ،وعليه حَ جّ ة �أخرى(((».
وجه الدَّاللة من احلديث� :أنَّ من �أحرم ثم حدث له بعد الإحرام ك�سر �أو عرج
ح ّل و�إنْ مل ي�شرتط التَّحلل ،فدلَّ على �أنَّ من �أُح�صر بغري عدو كاملر�ض جاز
له احلِ ّل من الإحرام(((.
نُوق�ش :ب�أنَّ هذا احلديث مرتوك الظاهر ،ف�إنَّ جمرد الك�سر والعرج ال ي�صري
((( انظر :حتفة الفقهاء ،)415/1( ،والهداية للمرغيناين ،)175/1( ،واملحيط الربهاين.)471/2( ،
((( انظر :املغني ،)331/3( ،واملبدع ،)245/3( ،والإن�صاف.)71/4( ،
((( انظر :الذخرية ،)186/3( ،والقوانني الفقهية� ،ص ( ،)94والتاج والإكليل.)290/4( ،
((( انظر :احلاوي ،)345/4( ،واملهذب ،)425/1( ،ونهاية املطلب.)427/4( ،
((( انظر :املغني ،)331/3( ،واملبدع ،)249/3( ،والإن�صاف.)71/4( ،
((( انظر :ال�شرح املمتع.)418/7( ،
((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده ،ح ( ،)508/24( )15731م�سند احلجاج بن عمرو الأن�صاري ،والرتمذي يف
�سننه ،ح ( ،)269/2( )940كتاب احلج ،باب ما جاء يف الذي يهل باحلج فيك�سر �أو يعرج ،والن�سائي يف
�سننه ،ح ( ،)198/5( )2861كتاب احلج ،باب فيمن �أح�صر بعدو ،وابن ماجه يف �سننه ،ح ()3077
( ،)1028/2كتاب احلج ،باب املح�صر ،قال الرتمذي( :هذا حديث ح�سن) ،و�صححه الألباين يف
�صحيح و�ضعيف �سنن ابن ماجه.)77/7( ،
((( انظر :حا�شية ال�سندي.)259/2( ،
حالل ،حُ مل حالل ،و�إنْ �سُ لّم ب أ�نَّه ي�صري املحرم بالك�سر والعرج اً
به املحرم اً
على ما �إذا ا�شرتط احللَّ بذلك ،بالإ�ضافة �إلى �أنَّ يف حديثهم كالمً ا ،ف�إنَّه
يرويه ابن عبا�س ،ومذهبه خالفه(((.
�أدلة القول الثاين:
1.1ما ورد عن �أن�س � أنَّه �سُ ئل كم اعتمر النَّبي ﷺ؟ قال « :أَ� ْر َبعٌ :عُ ْم َر ُة
احلُدَ ْي ِب َي ِة فيِ ذِ ي ال َقعْدَ ِة حَ يْثُ َ�ص َّد ُه املُ�شْ رِ كُونَ .»(((...
وجه الدَّاللة من احلديث� :أنَّ النَّبي ﷺ �أحرم بالعمرة يف ال�سَّ نة ال�سَّ اد�سة
ف�صدَّه امل�شركون عن �إكمال نُ�سْ كه ،فح ّل ونَحر ثم حَ لَق هو و�أ�صحابه �إال
عثمان(((.
�2.2أنَّ النَّبي ﷺ دخل على ُ�ضبَاعَ َة بنت الزبري ،فقالت� :إِنيِّ �شَ اكِ َي ٌة َو�إِنيِّ
�أُرِي ُد الحْ َ جَّ َ ،فقَالَ َلهَا ﷺ« :حُ جِّ ي وَا�شْ ترَ ِطِ ي �أَنَّ محَ ِ لِّي حَ يْثُ تحَ ْ بِ�سُ نِي(((».
وجه الدَّاللة من احلديث� :أنَّه لو كان املر�ض يبيح احلِ ل للمحرم ،ما احتاجت
ب�ضبَاعَ ة �إلى اال�شرتاط (((.
ُ
الترَّ جيح:
الرَّاجح -واهلل تعالى �أعلم -القول الأول الذي يرى �أنَّ الإح�صار يكون باملر�ض
كالإح�صار بالعدو؛ لعموم الأدلة التي مل تفرق بني الإح�صار بعدو �أو غريه.
وبنا ًء على ذلك لو دخل احلاج �أو املعتمر يف النُّ�سك ،ثم �أ�صابه فريو�س كُورُونَا� ،أو
مُنع من �إمتام نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من انت�شار فريو�س كُورُونَا ،ف إ�نَّه يكون
((( انظر :املغني.)332/3( ،
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،ح ( ،)3/3( )1778كتاب احلج ،باب كم اعتمر النبي ﷺ؟.
((( انظر :الذخرية.)186/3( ،
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،ح ( ،)868/2( )1207كتاب احلج ،باب جواز ا�شرتاط املحرم التحلل
بعذر املر�ض.
((( انظر :املغني.)332/3( ،
يف حكم املح�صر ،ف�إنْ كان قد ا�شرتط قبل الدَّخول يف الإحرام ب أ�نَّه �إذا منعه مانع،
�أو حب�سه حاب�س ،فمحِ له حيث حب�سه اهلل� ،أح ّل من �إحرامه وال �شيء عليه(((؛ حلديث
ُ�ضبَاعَ ة بنت الزبري حني دخل عليها النبي ﷺ فقال لهاَ « :ل َعل َِّك �أَ َردْتِ
احلَ جَّ ؟” قَالَتْ َ :واللهَّ ِ َال أ�َجِ دُنيِ �إ اَِّل وَجِ َعةًَ ،فقَالَ َلهَا“ :حُ جِّ ي وَا�شْ ترَ ِطِ يَ ،و ُقوليِ :ال َّلهُمَّ
محَ ِ لِّي حَ يْثُ حَ بَ�سْ َتنِي(((» ،و�إن مل ي�شرتط ف�إنه يجب عليه �أن يذبح هديًا(((؛ لقوله
تعالى( :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة ،]196 :ومبا ورد عن ابن عبا�س
�أنه قال« :قَدْ �أُحْ ِ�ص َر رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ ﷺ ،فَحَ لَقَ َر�أْ�سَ هُ ،وَجَ امَ َع نِ�سَ ا َءهَُ ،ونَحَ َر هَ دْ َيهُ ،حَ تَّى
اعْ َت َم َر عَ امً ا قَابِل(((» ،وعليه �أنْ يذبح الهدي يف حمِ له الذَّ ي أ�ُح�صر فيه �سواء كان يف
احلرم �أو يف احللّ ،ويعطيها للفقراء يف حمِ له ،ولو كان خارج احلرم ،ف�إنْ مل يتي�سر
حوله �أحد نقلت �إلى فقراء احلرم� ،أو �إلى من حوله من الفقراء� ،أو �إلى فقراء بع�ض
القرى ،ثم يحلق �أو يق�صر ويتحلل ،ف�إنْ مل ي�ستطع الهدي �صام ع�شرة �أيام((( ،ثم
حلق �أو ق�صر وحتلل ،وهذا على ر�أي جمهور الفقهاء((( ،وقال �أكرث املالكيَّة بعدم
وجوب الهدي على من �أح�صر((( (((.
((( وهو قول احلنابلة و�أحد قويل ال�شافعية ،انظر :نهاية املطلب ،)428/4( ،واملغني.)332/3( ،
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،ح ( ،)7/7( )5089كتاب النكاح ،باب الأكفاء يف الدين ،وم�سلم يف
�صحيحه ،ح ( ،)867/2( )1207كتاب احلج ،باب جواز ا�شرتاط املحرم التحلل بعذر املر�ض ونحوه.
((( وهو ذبح �شاة �أو بقرة �أو نحر بدنة ،نظر :الكايف يف فقه الإمام �أحمد ،)65/3( ،واملغني.)248/7( ،
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،ح ( ،)9/3( )1809كتاب �أبواب املح�صر ،باب �إذا �أح�صر املعتمر.
((( وهو قول احلنابلة و�أحد قويل َّ
ال�شافع َّية ،وقول �أ�شهب من املالك َّية ،وقال احلنف َّية ،وقول عند املالك َّية:
ب�أ َّنه �إنْ مل يجد الهدي فال ي�صري �إلى البدل ويلزمه �أنْ يقيم حتى يجد الهدي ،انظر :املب�سوط،
( ،)113/4والذخرية ،)189/3( ،واحلاوي ،)355/4( ،واملغني.)330/3( ،
((( من احلنف َّية ،و�أ�شهب من املالك َّية ،واحلنابلة� ،أما َّ
ال�شافع َّية ف�إنهم يرون �أن املري�ض لي�س له �أن يتحلل �إال
�أن يكون �شرط ذلك عند �إحرامه ،انظر :املب�سوط ،)106/4( ،وبدائع ال�صنائع ،)178/2( ،والهداية
للمرغيناين ،)175/1( ،و�شرح خمت�صر خليل للخر�شي ،)389/2( ،ومنح اجلليل،)393/2( ،
واملخت�صر الفقهي ،)245/2( ،واحلاوي ،)346/4( ،والبيان ،)393/4( ،ومنهاج الطالبني� ،ص
( ،)93واملغني ،)327/3( ،والعدة� ،ص ( ،)197واملبدع.)245/3( ،
((( انظر :التاج والإكليل ،)301/4( ،و�شرح خمت�صر خليل للخر�شي ،)389/2( ،واملخت�صر الفقهي،
(.)245/2
َّ
((( وقد رجح بع�ض العلماء املعا�صرين مثل الدكتور حميد حلمر هذا القول ،وقالوا :ب�أنه هو الأليق =
املطلب الرابع
ا�ستخدام �سوائل ومناديل التَّعقيم للمحرم
اتفق الفقهاء((( على �أنَّ الطَّ يب من حمظورات الإحرام يف البدن والثَّوب؛
َاب �شَ ْيئًا مَ �سَّ ُه
ملا ورد عن النَّبي ﷺ �أنه قال فيما يجتنبه املحرم« :و اََل َي ْلب َْ�س مِ نَ ال ِّثي ِ
َور ٌْ�س �أَ ْو زَعْ َفرَا ٌن(((» ،و أ�نَّه تلزم املحرمَ الفدي ُة �إذا تطيب عمدً ا.
ويراد بالطَّ يب املنهي عنه ما يق�صد النَّا�س التَّطيب به عادة ،و�إذا نظرنا حلقيقة
�سوائل ومناديل التَّعقيم وجدنا �أنَّها لي�ست مما يُق�صد عادة التَّطيب به ،مما يدل
على أ�َّنها لي�ست طيبًا يف الأ�صل؛ لذا ف�إنَّه يجوز ا�ستخدام املحرم �سوائل ومناديل
التَّعقيم عند احلاجة لذلك ،والأحوط ترك ا�ستخدامها ،وبه قال ال�شَّ يخ ابن باز(((،
وال�شَّ يخ ابن عثيمني((( ،وال�شَّ يخ عبدالكرمي اخل�ضري(((.
م�سجل يف حج هذه ال�سنة ،وقد وجدت جائحة ُكو ُرو َنا؛ اً الأن�سب يف زماننا ،فال هدي على من كان
وع َّللوا ذلك باملر�ض املتف�شي هناك ،فهو مبثابة عدو للحاج ،مانع له من �أداء منا�سكه ،وا�ستدلوا ب�أ َّنه
ال�ساد�سة مل يكن مع كل املح�صرين من ال�صحابة هدي ،عندما �أح�صر بهم مع ال َّنبي ﷺ يف َّ
ال�سنة َّ
متنفل به ،وهو الذي �أراده اهلل تعالى للهجرة ،و�أنَّ الهدي الذي كان مع ال َّنبي ﷺ �ساقه من املدينة اً
بقوله( :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الفتح ،]25 :وقالوا :ب�أنَّ الآية ال تدل على الوجوب ،انظر :مقال احلج
زمن جائحة كورونا (كوفيد ،)19للأ�ستاذ الدكتور حميد حلمر �أ�ستاذ التعليم العايل بجامعة �سيدي
حممد بن عبداهلل -فا�س ،موقع م�ؤ�س�سة حممد ال�ساد�س للعلماء الأفارقة.https://rb.gy/h59ngk :
قال ابن املنذر( :و�أجمعوا على �أن املحرم ممنوع من اجلماع ،وقتل ال�صيد ،والطيب) ،الإجماع� ،ص (((
( ،)52وبدائع ال�صنائع ،)189/2( ،والتلقني ،)83/1( ،واحلاوي ،)100/4( ،والكايف يف فقه الإمام
�أحمد.)490/1( ،
�سبق تخريجه. (((
للحج �أو العمرة؟ ف�أجاب ب�أن (من ع َّندما ُ�سئل :ما حكم من اغت�سل ب�صابون �أو مطهر وهو حمرم َّ (((
ال�صابون حمرما� ،إال �إذا كان َّ
ً ال�صابون �أو غريه مما يغ�سل به َّ
ال�شعر فال حرج عليه و�إن ْكان ا�ستعمل َّ
ً
فيه طيب كاملم�سك فالأولى تركه احتياطا ،وال ي�س َّمى من ا�ستعمله متطي ًبا ،وال فدية عليه �إذا ا�ستعمل
ال�صابون املم�سك الطيب من َّ ال�صابون �أو �أ�شباه ذلك ،وال يكون حكمه حكم املتطيب ،ولكنْ ترك ما فيه َّ
َّ
الطيب �أحوط و�أولى للم�ؤمن) ،جمموع فتاوى ابن باز.)127/17( ، الذي ُيظهر رائحة َّ
بال�صابون املعطر وقت الإحرام؟ ف�أجاب بقوله( :ال ب�أ�س به؛ لأن هذه عندما ُ�سئل :ما حكم االغت�سال َّ (((
للطيب� ،إمنا هي لتطييب ال َّنكهة فقط) ،جمموع فتاوى ور�سائل ال َّرائحة لي�ست طي ًبا ،وال ت�ستعمل َّ
ف�ضيلة ال�شيخ حممد بن �صالح العثيمني.)160/22( ،
َّ
ال�صابون املعقم (ديتول) للمحرم؟ ف�أجاب( :الطيب مق�صود= ، عندما ُ�سئل :ما حكم ا�ستعمال َّ (((
و�إنْ قلنا� :إنَّها تُع ّد يف حكم الطَّ يب ف�إنَّه يجوز ا�ستخدامها للوقاية من انتقال
ال�ضرورة الدَّافعة جلواز ا�ستعمال الطَّ يب،
عَ دْ وَى فريو�س كُورُونَا ،ويُع ّد هذا يف حكم َّ
وتلزمه الفدية ،قال ابن عرفة( :واكتحال املحرم مطلقًا لدواءٍ جائز ،وفيه مبطيب
الفدية ،ولزينة ممنوع(((.
= ولذا مينع يف الإحرام ،ف�إذا كان لي�س برائحة؛ فما فيه �إ�شكال �إن �شاء اهلل تعالى؛ لأن املمنوع
َّ
الطيب) ،موقع الإ�سالم.https://cutt.ly/UfniJn9 :
((( املخت�صر الفقهي.)221/2( ،
اخلامتة
رجل �أو امر�أة ،و�أنَّ ذلك يُع ّد من حمظورات الإحرام ،لكن �إنْ دعت كان اً
احلاجة للب�سه النت�شار داء �أو خوف انتقال عَ دْ وَى �أو غري ذلك من الأ�سباب،
فيجوز له ذلك مع �إخراج فدية �أذى ،كما �أنَّه ُيُع ّد يف حكم املح�صر �إنْ دخل
يف النَّ�سك ثم �أ�صابه فريو�س كُورُونَا� ،أو مُنع من �إمتام نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة
احرتازًا من انت�شار الوباء ،ف�إنْ كان قد ا�شرتط قبل الدَّخول يف الإحرام ب�أنَّه
�إذا منعه مانع� ،أو حب�سه حاب�س ،فمحِ له حيث حب�سه اهلل� ،أح ّل من �إحرامه
وال �شيء عليه ،و�إنْ مل ي�شرتط ف�إنَّه يجب عليه �أنْ يذبح هديًا.
•�إنَّه يجوز ا�ستخدام املحرم ل�سوائل ومناديل التَّعقيم عند وجود احلاجة
الدَّاعية لذلك كالوقاية من انتقال عَ دْ وَى فريو�س كُورُونَا ،و�إنْ كان الأحوط
ترك ا�ستخدامها.
�أهم التّو�صيات واملقرتحات:
ال�صحية بتثقيف وتوعية احلجّ اج واملعتمرين �صحيًا عن طريق اجلهات •التَّوعية َّ
املعنيّة يف البالد الإ�سالمية ،وحثَّ احلمالت وتوعيتهم باتباع الإجراءات
االحرتازية للح َّد من انت�شار هذا الوباء بني احلجاَّج ،وتهيَّئة �أماكن �إقامة
احلجّ اج وو�سائل تنقالتهم ،واحلر�ص على االلتزام بالنَّظافة والتَّباعد يف
مقر احلمالت ،وتاليف تالقي �أنفا�س احلجّ اج عند نومهم.
•عقد الدَّورات التَّثقيفية وور�ش العمل الطَّ بية وال�شَّ رعية للمخت�صني من
ال�صحيني واملفتني و�أ�صحاب احلمالت ليت�صوروا واقع الوباء املنت�شر يف احلجّ
َّ
مما ميكّنهم ،وي�ساعدهم على التَّعامل مع احلال مبا يالئمه وينا�سب مقامه.
•�إجراء الدَّرا�سات املتخ�ص�صة واملتَّعلقة ب�أداء �شعائر احلجّ والعمرة لإ�صدار
ال�صحيحة يف ظلِّ جائحة انت�شار فريو�س كُورُونَا الفتاوى والأحكام ال�شَّ رعية َّ
من قبل الباحثني والهيّئات واملجامع الفقهيَّة.
ط1431 ،1هـ2010/م.
�4343شرح م�شكل الآثار ،لأحمد بن حممد بن �سالمة املعروف بالطحاوي ،حتقيق:
�شعيب الأرن�ؤوط ،النا�شر :م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط1415 ،1هـ1994/م.
�4444شفاء الغرام ب�أخبار البلد احلرام ،حممد بن �أحمد بن علي ،تقي الدين� ،أبو
الطيب املكي احل�سني الفا�سي ،دار الكتب العلمية ،ط1421 ،1هـ2000/م.
�4545شفاء الغليل يف حل مقفل خليل ،حممد بن �أحمد املكنا�سي ،درا�سة وحتقيق:
الدكتور �أحمد جنيب ،القاهرة ،النا�شر :مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة
الرتاث ،ط1429 ،1هـ 2008/م.
�4646صحيح البخاري ،ملحمد بن �إ�سماعيل البخاري ،املحقق :حممد زهري بن نا�صر
النا�صر ،النا�شر :دار طوق النجاة ،ط1422 ،1هـ.
�4747صحيح م�سلم ،مل�سلم بن احلجاج �أبو احل�سن الق�شريي الني�سابوري ،املحقق:
حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،النا�شر :دار �إحياء الرتاث العربي -بريوت ،د .ط ،د .ت.
�4848صحيح و�ضعيف �سنن ابن ماجة ،ملحمد نا�صر الدين الألباين ،النا�شر :برنامج
منظومة التحقيقات احلديثية -املجاين -من �إنتاج مركز نور الإ�سالم لأبحاث
القر�آن وال�سنة بالإ�سكندرية.
�4949ضعيف �أبي داود ،ملحمد نا�صر الدين الألباين ،دار الن�شر :م�ؤ�س�سة غرا�س
للن�شر والتوزيع -الكويت ،ط1423 ،1هـ.
5050الطب النبوي (جزء من كتاب زاد املعاد البن القيم) ،ملحمد بن �أبي بكر بن
�أيوب ابن قيم اجلوزية ،النا�شر :دار الهالل-بريوت ،د.ط ،د.ت.
5151العدة �شرح العمدة ،لعبدالرحمن بن �إبراهيم بن �أحمد� ،أبو حممد بهاء الدين
املقد�سي ،النا�شر :دار احلديث-القاهرة ،د.ط1424 ،هـ2003/م.
5252عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري ،العيني ،حممود بن �أحمد بن مو�سى
احلنفي ،النا�شر :دار �إحياء الرتاث العربي-بريوت ،د.ط ،د.ت.
5353عون الباري حلل �أدلة البخاري ،ل�صديق ح�سن القنوجي البخاري ،النا�شر :دار
الر�شيد -حلب -دم�شق ،د.ط ،د.ت.
7575املطلع على �ألفاظ املقنع ،ملحمد بن �أبي الفتح بن �أبي الف�ضل البعلي ،املحقق:
حممود الأرنا�ؤوط ويا�سني حممود اخلطيب ،النا�شر :مكتبة ال�سوادي للتوزيع،
ط1432 ،1هـ2003/م.
7676معجم �أعالم �شعراء املدح النبوي ،حممد �أحمد درنيقة ،تقدمي :يا�سني الأيوبي،
النا�شر :دار ومكتبة الهالل ،ط ،1د.ت.
7777معرفة ال�سنن والآثار ،لأحمد بن احل�سني �أبو بكر البيهقي ،املحقق :عبداملعطي
�أمني قلعجي ،النا�شرون :جامعة الدرا�سات الإ�سالمية -كرات�شي -باك�ستان،
دار قتيبة-دم�شق-بريوت ،دار الوعي-حلب-دم�شق ،ودار الوفاء-املن�صورة-
القاهرة ،ط1412 ،1هـ1991/م.
7878املعونة على مذهب عامل املدينة (الإمام مالك بن �أن�س) ،لعبدالوهاب بن
علي بن ن�صر الثعلبي ،املحقق :حمي�ش عبداحلقّ ،النا�شر :املكتبة التجارية،
م�صطفى �أحمد الباز -مكة املكرمة ،د.ط ،د.ت.
7979املغني ،ملوفق الدين ،عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة احلنبلي املقد�سي،
د.ط ،القاهرة ،النا�شر :مكتبة القاهر ،د.ت.
8080املنتقى �شرح املوط�أ ،ل�سليمان بن خلف بن �سعد بن �أيوب القرطبي ،النا�شر:
مطبعة ال�سعادة -بجوار حمافظة م�صر ،ط1332 ،1هـ.
8181املنتقى من فرائد الفوائد ،حممد بن �صالح بن حممد العثيمني ،النا�شر :دار
الوطن للن�شر -الريا�ض ،د.ط1424 ،هـ.
8282منح اجلليل �شرح خمت�صر خليل ،ملحمد بن �أحمد بن حممد علي�ش املالكي.
النا�شر :دار الفكر -بريوت ،د.ط1409 ،هـ1989/م.
8383منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه ،ليحيى بن �شرف النووي ،املحقق:
عو�ض قا�سم �أحمد عو�ض ،النا�شر :دار الفكر ،ط1425 ،1هـ2005/م.
8484املهذب يف فقه الإمام ال�شافعي ،ال�شريازي� ،إبراهيم بن علي بن يو�سف ،النا�شر:
دار الكتب العلمية ،د.ط ،د.ت.
8585مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر خليل ،احلطاب ،حممد بن حممد بن
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د .عبدالله عويد حممد الر�شيدي
ع�ضو هيئة التدري�س يف ق�سم الفقه املقارن
بجامعة الكويت
د .عبداهلل عويد حممد الرشيدي
ملخص البحث
�س ّلط البحث ال�ضوء على تعريف الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية ،وقد تناول
البحث حكم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية ،وم�صادر هذه
الأموال ،وم�صارفها ال�شرعية ،ثم تناول �أثر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية يف
مواجهة جائحة كورونا ،وال�سبل ال�شرعية املمكنة لال�ستفادة منها� ،سواء على م�ستوى
الدول �أو الأفراد �أو امل�ؤ�س�سات ،وقد مت عر�ض الأقوال والأدلة مع بيان قرارات املجامع
الفقهية والهيئات ال�شرعية للبنوك الإ�سالمية.
وقد تو�صل البحث �إلى عدم جواز ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة
لنف�سها ب�أي وجه من الوجوه ،وبيان �سبل اال�ستفادة ال�شرعية من الأموال املُج ّنبة يف
مواجهة هذه اجلائحة.
الكلمات اال�ستفتاحية :الأموال املُج ّنبة -جائحة كورونا -البنوك الإ�سالمية -
الفقه املعا�صر -الفقه املقارن.
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على املبعوث رحمة للعاملني ،نبينا
حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني ،ثم �أما بعد..
ف�إن جائحة كورونا قد اجتاحت العامل �أجمع؛ مما �س ّبب �أ�ضرا ًرا �صحية
واقت�صادية ،فهلعت الدول و�سارعت ملواجهة هذا الفريو�س بالتباعد االجتماعي؛
حما ِول ًة تقليل عدد الإ�صابات ،وخ�سر كثري من النا�س وظائفهم وجتاراتهم ،وتكبدت
الدول خ�سائر مادية �إثر هذه اجلائحة ،ومن الأموال التي ميكن اال�ستفادة منها
يف مواجهة هذه اجلائحة :الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية؛ لذلك �أحببت �أن
�أ�شارك يف بحث (الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية حقيقتها و�أحكامها و�سبل
اال�ستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا) ،واهلل �أ�س�أل التوفيق وال�سداد.
�أهمية البحث و�أ�سباب اختياره:
1.1كرثة الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية التي ميكن اال�ستفادة منها يف
مواجهة جائحة كورونا.
2.2حاجة الدول والأفراد للم�ساعدات املالية يف مقابل النفقات البالغة التي
تكبدوها يف مواجهة جائحة كورونا.
م�شكلة البحث:
ما مدى �شرعية اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية يف مواجهة
جائحة كورونا؟ وما �آلية هذه اال�ستفادة؟
�أ�سئلة البحث:
1.1ما الأموال املُج ّنبة؟
2.2ما م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية؟
3.3ما حكم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية؟
4.4ما م�صارف الأموال املُج ّنبة؟
5.5ما �أثر الأموال املُج ّنبة يف مواجهة جائحة كورونا؟
�أهداف البحث:
1.1بيان ماهية الأموال املُج ّنبة.
2.2بيان م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية.
3.3بيان حكم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية.
4.4بيان م�صارف الأموال املُج ّنبة.
5.5بيان �أثر الأموال املُج ّنبة يف مواجهة جائحة كورونا.
الدرا�سات ال�سابقة:
بعد االطالع والبحث يف فهار�س الر�سائل العلمية ،واملجالت املح َّكمة ،وال�شبكة
العنكبوتية ،وجدت بع�ض املراجع التي تناولت بع�ض �أفراد البحث؛ منها:
1.1البحوث املقدمة لندوة الربكة الأربعني لالقت�صاد الإ�سالمي بعنوان“ :و�ضع
اجلوائح والقوة القاهرة”� ،سنة 2020م.
وقد تناولت الندوة عدة مو�ضوعات يف عدة بحوث ،وقد تطرقت ملو�ضوع
الأموال املُج ّنبة يف بحثني:
�أ .اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة ،د .العيا�شي فداد ،و َّفقه اهلل.
وقد تناول تعريف الأموال املُج ّنبة ،ومدى �إمكانية اال�ستفادة منها ب�شيء
من الإجمال؛ وقد بلغ عدد �صفحات البحث �إحدى ع�شرة �صفحة.
ب� .آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،د .خالد بن حممد
ال�سياري ،وفقه اهلل.
وقد تناول يف بحثه ثالثة مو�ضوعات؛ منها :الإفادة من ح�ساب اخلريات
يف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،وقد تكلم عن هذا املو�ضوع ب�شيء من
الإجمال يف ثالث �صفحات فقط.
وهذان البحثان و�إن كانا و�ضعا اللبنة الأولى للمو�ضوع� ،إال �أنَّ فيهما بع�ض
الإجمال ،فقد �أخذا طابع الأجوبة للأ�سئلة املطروحة يف الندوة ،ومل يتط َّرقا
حلكم الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية ،واقت�صرا على �أثر الأموال
املُج ّنبة يف معاجلة الأ�ضرار الناجمة عن فريو�س كورونا يف البنوك دون
غريها.
2.2توظيف الأموال املُج ّنبة يف التمويل الأ�صغر ..ر�ؤية فقهية ،د .فهد بن �صالح
احلمود ،وفقه اهلل.
وهو بحث حمكم يف م�ؤمتر التمويل الأ�صغر الإ�سالمي ،املغرب 2014م ،وقد
تناول امل�ؤلف يف بحثه تعريف الأموال املُج ّنبة ،وقنوات �صرفها ،و�شروط
�إنفاقها.
وقد �أح�سن الباحث -وفقه اهلل -يف عر�ض امل�سائل وحتريرها ،وميكن بيان
ما �س ُي�ضيفه هذا البحث عليه :يف م�صادر الأموال املُج ّنبة ،و�أثر الأموال
املُج ّنبة يف مواجهة جائحة كورونا.
منهج البحث:
اتبعت يف هذا البحث املنهج اال�ستقرائي ،وذلك بتتبع �أحكام الأموال املُج ّنبة يف
املبحث الأول
التعريف مبفردات العنوان
قد يناق�ش هذا التعريف :اكتفى التعريف بالتمثيل للأموال املُج ّنبة ،ومل ي�ضع
تعري ًفا يبينّ ماهيتها.
•التعريف الرابع“ :ح�ساب م�صريف لدى امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية تودع فيه
املبالغ املُج ّنبة التي ن�ش�أت من تعامل حم َّرم� ،أو م�شبوه� ،أو جهل �صاحبه”(((.
قد يناق�ش هذا التعريف :ب�أن فيه َدو ًرا؛ حيث ع َّرفها باملبالغ املُج ّنبة ،ومل يبينّ
جمال �صرفها.
وميكن تعريف الأموال املُج ّنبة ب�أنها:
ح�ساب م�صريف م�ستقل لدى امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية تودع فيه الأموال التي
ن�ش�أت من تعامل حمرم� ،أو باطل� ،أو جهل �صاحبه ،ويتولى الإ�شراف عليه وال�صرف
منه الهيئ ُة ال�شرعية وفق معايري حمددة.
ويطلق على الأموال املُج ّنبة ح�ساب التطهري� ،أو ح�ساب اخلريات� ،أو �أموال
التنقية� ،أو الك�سب غري امل�شروع(((.
املطلب الثاين
تعريف البنوك الإ�سالمية
العامة ومعهم النقود على مثل هذه الطاوالت التي ت�س َّمى (بانكو) ،وذلك لكي يقوموا
ب�صرف هذه النقود ،وبيع و�شراء العمالت املختلفة(((.
وقد ُع ّرف البنك ب�أنه( :م�ؤ�س�سة تقوم بعمليات االئتمان باالقرتا�ض والإقرا�ض)(((.
امل�س�ألة الثانية :تعريف البنوك الإ�سالمية:
تنوعت عبارات االقت�صاديني يف تعريف البنوك الإ�سالمية مع اتفاقها -ب�شكل
كبري -من جهة امل�ضمون(((؛ فقد كان املحور املهم يف تعريف البنوك الإ�سالمية هو
التزام امل�ؤ�س�سة ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ،ومن �أجود التعريفات« :م�ؤ�س�سة مالية
ربحية تقدم اخلدمات امل�صرفية والتمويلية واال�ستثمارية لعمالئها ،ملتزم ًة �أحكام
ال�شريعة الإ�سالمية يف ذلك ،يف �ضوء قرارات هيئتها ال�شرعية»(((.
املطلب الثالث
تعريف جائحة كورونا
وا�صطالحا:
ً
ُعرفت اجلائحة بعدة تعريفات؛ منها:
•عرفها ال�شافعية ب�أنها“ :الآفة ال�سماوية من َح ٍّر� ،أو برد� ،أو جراد� ،أو حريق”(((.
•عرفها احلنابلة ب�أنها“ :كل �آفة ال ُ�صنع للآدمي فيها؛ كالريح ،والربد،
واجلراد ،والعط�ش”(((.
نوق�ش هذين التعريفني :بق�صر اجلائحة على الآفات ال�سماوية فقط(((.
•ع َّرفها احلنفية ب�أنها“ :ما �أ�صاب الثمرة بعد قب�ض مبتاعها �إياها من ال�سماء،
جان عليها”(((.�أو من جناية ٍ
•عرفها املالكية ب�أنها“ :ما ال ُي�ستطاع دفعه؛ ك�سماوي وجي�ش �أو �سارق”(((.
قد يناق�ش :ب�أن ال�سارق واجلاين يجب عليهما �ضمان املال ،فال يدخالن
�ضمن اجلوائح.
•التعريف املختار“ :كل �ضرر كان �سببه عا ًّما مفاج ًئا غري معتاد ،ال ي�ستطاع
دفعه واالنفكاك من �آثاره ،ويكون مان ًعا من الوفاء بااللتزامات املالية التي
ا�ستقرت يف الذمة ،مع عدم �إمكان الت�ضمني”(((.
امل�س�ألة الثانية :تعريف فريو�س كورونا:
فريو�س كورونا هو“ :مر�ض الفريو�س التاجي 2019املعروف اخت�صا ًرا بـ(كوفيد
)19-هو :التهاب يف اجلهاز التنف�سي ب�سبب فريو�س تاجي جديد”(((.
رو�ضة الطالبني ،النووي (.)139/5 (((
املغني ،ابن قدامة (.)81/4 (((
انظر� :أحكام اجلوائح يف الفقه الإ�سالمي و�صلتها بنظريتي ال�ضرورة والظروف الطارئة ،د .عادل (((
املطريات (�ص .)13
خمت�صر الطحاوي (�ص .)78 (((
خمت�صر خليل (�ص .)160 (((
اجلوائح والقوة القاهرة نظرة من خالل القواعد الكلية واملقا�صد العامة ،د .م�سلم الدو�سري (�ص .)6 (((
تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية بعنوان“ :فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد )19وما يتعلق به من (((
معاجلات طبية و�أحكام �شرعية” ،موقع جممع الفقه الإ�سالمي = .http://www.iifa -aifi.org/5254.html
وقد �أعلنت منظمة ال�صحة العاملية ر�سم ًّيا� ،أن هذا الوباء جائحة عاملية يف 11
مار�س 2020م.
وترتاوح العدوى بني حامل الفريو�س من دون �أعرا�ض �إلى �أعرا�ض �شديدة،
ت�شمل احلمى وال�سعال و�ضيق التنف�س ،ويف احلاالت الأكرث وخامة قد ت�سبب العدوى:
االلتهاب الرئوي ،والف�شل الكلوي ،وحتى الوفاة(((.
املبحث الثاين
م�صادر الأموال املُجنّبة يف البنوك الإ�سالمية
تتنوع م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية ،وهي كما يلي:
1.1الأموال املُج ّنبة ب�سبب حت ُّول البنك من بنك ربوي �إلى بنك �إ�سالمي:
�إذا حت َّول البنك الربوي �إلى بنك �إ�سالمي؛ ف�إنه يجب التخل�ص من الفوائد
والإيرادات املحرمة((( ،جاء يف املعايري ال�شرعية(((�« :إذا كان البنك التقليدي
حتول من داخله �إلى م�صرف؛ ف�إن التخل�ص من الفوائد والإيرادات املحرمة
يتم منذ بداية الفرتة املالية التي ح�صل فيها التحول».
2.2الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنك املركزي التقليدي:
قد ت�ضطر البنوك الإ�سالمية للتعامل مع البنك املركزي الذي يتعامل بالربا،
فيتح�صل من �إيداع البنك الإ�سالمي لدى البنك املركزي بع�ض الفوائد
الربوية التي يجب التخل�ص منها((( ،جاء يف قرار الهيئة ال�شرعية للربكة(((:
«عند قب�ض الفوائد الإ�ضافية الناجتة من الإيداعات لدى البنك املركزي،
يجب �صرفها يف وجوه الرب والإح�سان”.
3.3الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنوك الربوية:
انظر :حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي ،د .عبدال�ستار �أبو غدة ،درا�سات املعايري ال�شرعية (((
( ،)380/1حتول امل�صارف التقليدية للعمل وفق ال�شريعة الإ�سالمية ،يزن خلف (�ص .)130
�ص .160 (((
انظر :ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق غري م�شروعة” ،د .عي�سى زكي ،منتدى (((
ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص ،)469حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي ،د .عبدال�ستار
�أبو غدة ،درا�سات املعايري ال�شرعية ( ،)369/1املكا�سب غري ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية ،حممد
�سعيد (�ص � ،)91آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،د .خالد ال�سياري (�ص .)19
�ص .301 (((
5.5الأموال املُج ّنبة ب�سبب �إعمال �شرط االلتزام بالت�صدق لأوجه اخلري عند
املماطلة يف ال�سداد(((:
ذهبت بع�ض الهيئات ال�شرعية �إلى �إلزام املدين املماطل بدفع غرامات ت�أخري
ت�صرف يف وجوه الرب((( ،جاء يف املعايري ال�شرعية(((“ :يجوز �أن ين�ص يف
عقود املداينة ،مثل املرابحة ،على التزام املدين عند املماطلة بالت�صدق مببلغ
�أو ن�سبة من الدين ،ب�شرط �أن ي�صرف يف وجوه الرب عن طريق امل�ؤ�س�سة،
بالتن�سيق مع هيئة الرقابة ال�شرعية للم�ؤ�س�سة”.
6.6الأموال املُج ّنبة ب�سبب جهالة �أ�صحابها:
قد تنتج عند البنوك الإ�سالمية �أموال ال تعرف �أ�صحابها؛ �إما لوفاتهم،
�أو لتغري عناوينهم وعدم املطالبة بها ،فيتجه البنك الإ�سالمي �إلى تعليق
احل�ساب لفرتة حمددة ،ثم بعد ذلك ت�صرف يف وجوه الرب((( ،جاء يف
املعايري ال�شرعية(((“ :املبالغ التي جهلت العناوين اجلديدة لأ�صحابها تبقى
يف ح�ساب معلق للمدة املحددة ،ثم ت�ضمها امل�ؤ�س�سة �إلى ح�ساب اخلريات”.
انظر :قرار ندوة الربكة الأربعني (�ص ،)22ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق (((
غري م�شروعة” ،د .عي�سى زكي ،منتدى ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص � ،)469آثار الوباء
على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،د .خالد ال�سياري (�ص ،)19املكا�سب غري ال�شرعية يف
امل�صارف الإ�سالمية ،حممد �سعيد (�ص .)83
وبذلك �صدر قرار هيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية ،والهيئة ال�شرعية للربكة ،انظر: (((
املعايري ال�شرعية (�ص ،)94قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص .)292انظر اخلالف يف هذه
امل�س�ألة :املماطلة يف الديون ،د� .سليمان الدخيل (�ص .)512
انظر :املعايري ال�شرعية (�ص .)94 (((
انظر� :آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،د .خالد ال�سياري (�ص .)19 (((
انظر :املعايري ال�شرعية (�ص .)1012 (((
املبحث الثالث
حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُجنّبة فيها
تبينّ يف املبحث ال�سابق �أن م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية متنوعة،
ويختلف حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة فيها باختالف
م�صدرها ،وميكن تق�سيم حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة فيها
�إلى ق�سمني :الأموال املُج ّنبة و�سببها ك�سب حمرم ،والأموال املُج ّنبة و�سببها جهالة
�صاحبها ،و�سيكون احلديث عن كل ق�سم يف م�س�ألة م�ستقلة.
امل�س�ألة الأول��ى :حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأم��وال املُج ّنبة فيها
و�سببها ك�سب حمرم:
ال يجوز للبنك الإ�سالمي اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة التي �سببها ك�سب حمرم؛
لأنها �إما �أن تكون ر ًبا فال جتوز� ،أو معاملة جتارية فا�سدة ،والبنك الإ�سالمي و�إن كان
قد ا�ضطر للدخول يف هذه التعامالت� ،إال �أن ال�ضرورة تقدر بقدرها((( ،وال يجوز
له اال�ستفادة من هذه الأموال ب�أي وجه من الوجوه ،وبذلك �صدر قرار جممع الفقه
الإ�سالمي الدويل((( ،وهيئة املحا�سبة واملراجعة للبنوك الإ�سالمية((( ،وقرار ندوة الربكة
الثامنة ع�شرة((( ،والهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي((( ،والهيئة ال�شرعية لبيت التمويل
الكويتي((( ،والهيئة ال�شرعية للربكة((( ،والهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي(((.
انظر :الأ�شباه والنظائر ،ال�سيوطي (�ص .)172 (((
انظر :قرار رقم ،)3/1( 13قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (.)28/1 (((
انظر :املعايري ال�شرعية (�ص .)158 (((
انظر :قرارات وتو�صيات ندوات الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي (�ص .)317 (((
انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي (.)40/1 (((
انظر :الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (.)223/4 (((
انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص .)302 (((
انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي (.)193/2 (((
امل�س�ألة الثانية :حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأم��وال املُج ّنبة فيها
و�سببها جهالة �صاحبها:
جاءت ال�شريعة الإ�سالمية بحفظ الأموال اخلا�صة والعامة ،وحترمي االعتداء
عليها ،قال اهلل تعالى( :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء ،]29 :وقال
النبي ﷺ يف خطبة الوداع�« :إن دماءكم و�أموالكم و�أعرا�ضكم بينكم حرام كحرمة
يومكم هذا ،يف �شهركم هذا ،يف بلدكم هذا»(((؛ فيجب على البنك الإ�سالمي �أن
يتحرى عن �أ�صحاب هذه الأموال قدر امل�ستطاع ،وبكافة الطرق املمكنة ،ف�إن عجز،
ف�إنه ينتظر مدة ثم يجوز له �صرفها يف وجوه اخلري ،وال يجوز له اال�ستفادة منها،
وبذلك �صدر قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل((( ،وهيئة املحا�سبة واملراجعة
للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية((( ،وقد اتفق الفقهاء على وجوب ردِّها �إلى �أ�صحابها
�أو الت�صدق بها(((.
((( �أخرجه البخاري يف كتاب العلم ،باب قول النبي ﷺ« :رب مبلغ �أوعى من �سامع» ( ،)24/1رقم
( ،)67وم�سلم يف كتاب الق�سامة واملحاربني والديات ،باب تغليظ حترمي الدماء والأعرا�ض والأموال
( ،)1305/3رقم (.)1679
((( قرار رقم .)7/19( 181انظر قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (.)208/2
((( انظر :املعايري ال�شرعية (�ص .)1012
((( انظر :رد املحتار ،ابن عابدين ( ،)99/5بلغة ال�سالك ،ال�صاوي ( ،)417/4املجموع ،النووي
( ،)351/9زاد املعاد ،ابن القيم (.)778/5
املبحث الرابع
م�صارف الأموال املُجنّبة
ب ّينا يف املبحث ال�سابق �أنه ال يجوز للبنك الإ�سالمي ا�ستعمال الأموال املُج ّنبة،
و�إمنا يجب عليه التخل�ص منها ،ويف هذا املبحث �س�أبينّ م�صرف هذه الأموال املُج ّنبة.
اختلف الفقهاء يف م�صرف الأموال املُج ّنبة على �أقوال:
القول الأول:
الت�صدق بالأموال املُج ّنبة يف وجوه الرب .وهو مذهب احلنفية((( ،ومذهب
املالكية((( ،ومذهب ال�شافعية((( ،ومذهب احلنابلة((( ،وبذلك �صدر قرار جممع الفقه
الإ�سالمي الدويل((( ،وهيئة املحا�سبة واملراجعة للبنوك الإ�سالمية((( ،وقرار ندوة
الربكة الثامنة ع�شرة((( ،وقرار هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية ال�سعودية(((،
والهيئة ال�شرعية لبيت التمويل الكويتي((( ،والهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي(،((1
والهيئة ال�شرعية للربكة( ،((1والهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي(.((1
((( انظر :املب�سوط ،ال�سرخ�سي (.)27/11
((( انظر :ال�شرح الكبري ،الدردير ( ،)277/3منح اجلليل ،علي�ش (.)183/3
((( انظر :املجموع ،النووي ( ،)351/9حتفة املحتاج ،الهيتمي (.)127/7
((( انظر :الإن�صاف ،املرداوي ( ،)212/11الفروع ،ابن مفلح (.)140/11
((( انظر :قرار رقم ،)3/1( 13قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (.)28/1
((( انظر :املعايري ال�شرعية (�ص .)158
((( انظر :قرارات وتو�صيات ندوات الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي (�ص .)317
((( انظر :فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (.)354/13
((( انظر :الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (.)223/4
(((1انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي (.)198/1
(((1انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص .)302
(((1انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي (.)193/2
القول الثاين:
الت�صدق بالأموال املُج ّنبة على الفقراء فقط .وهو قول عن احلنفية((( ،وقول
عند املالكية((( ،ورواية عن الإمام �أحمد((( ،وبذلك �صدر قرار الهيئة ال�شرعية لبنك
بوبيان(((.
القول الثالث:
يجب رد الأموال املُج ّنبة �إلى معطيها ،ف�إن كانت بنو ًكا ربوية ،ف�إنها تر ُّد �إلى تلك
البنوك .وهو رواية عن الإمام �أحمد((( ،وقول القرطبي(((.
القول الرابع:
يجب �إتالف املال .وهو مروي عن الف�ضيل بن عيا�ض(((.
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
•الدليل الأول :ما جاء يف احلديث عن رجل من الأن�صار ،قال :خرجنا مع
ر�سول اهلل ﷺ يف جنازة ،فر�أيت ر�سول اهلل ﷺ وهو على القرب يو�صي احلافر:
«�أو�سع من ِقبل رجليه� ،أو�سع من ِقبل ر�أ�سه» ،فلما رجع ا�ستقبله داعي امر�أ ٍة،
فجاء وجيء بالطعام فو�ضع يده ،ثم و�ضع القوم ،ف�أكلوا ،فنظر �آبا�ؤنا َ
ر�سول
اهلل ﷺ يلوك لقمة يف فمه ،ثم قال�« :أج ُد حلم �شا ٍة �أُخذت بغري �إذن �أهلها»،
أر�سلت �إلى البقيع ي�شرتي يل �شاة،
ف�أر�سلت املر�أة ،قالت :يا ر�سول اهلل� ،إين � ُ
انظر :االختيار تعليل املختار ،املو�صلي (.)61/3 (((
انظر :ال�شرح الكبري ،الدردير ( ،)277/3بلغة ال�سالك ،ال�صاوي (.)367/3 (((
انظر :الإن�صاف ،املرداوي ( ،)212/11الفروع ،ابن مفلح (.)140/11 (((
انظر :فتاوى وقرارات هيئة الرقابة ال�شرعية لبنك بوبيان (�ص .)316 (((
انظر :م�سائل الإمام �أحمد رواية ابنه عبداهلل (.)942/3 (((
انظر :اجلامع لأحكام القر�آن (.)237/3 (((
انظر� :إحياء علوم الدين ،الغزايل (.)131/2 (((
املبحث اخلام�س
�أثر الأموال املُجنّبة يف مواجهة فريو�س كورونا
املطلب الأول
�صرف الأموال املُجنّبة يف اخلزينة العامة للدولة
عانت الدول كث ًريا يف مواجهة فريو�س كورونا ،فقد تكبدت م�صاريف باهظة يف
عالج املر�ضى ،و�شراء امل�ستلزمات الطبية الالزمة للوقاية من هذا املر�ض ،وم�ضاعفة
جهود الأطباء ،وتوفري املحاجر الطبية للمر�ضى ،وتوقف حركة التجارة العاملية؛ مما
�أثر على اقت�صادات الدول ،و�س ّبب لكثري منها عجزًا يف امليزانية العامة للدولة.
وقد تبينّ مما �سبق ذكره يف املباحث ال�سابقة ،ترجيح �أن الأموال املُج ّنبة ت�صرف
يف جميع وجوه اخلري ،ومن ذلك �صر ُفها يف اخلزينة العامة للدولة؛ ل�سدِّ عجزها،
وم�ساعدة الدولة يف مواجهة تلك التكاليف ،وقد ن�ص الفقهاء على �أن ت�سليم
ويل الأمر �أو نائبه الأموال املحرمة لي�صرفها يف وجوه الرب؛ ُيعد م�صر ًفا ترب�أ فيه
الذمة.
جاء يف املجموع(((“ :و�إال فيت�صدق به على فقري �أو فقراء ،وينبغي �أن يتولى ذلك
القا�ضي �إن كان عفي ًفا”.
وجاء يف ك�شاف القناع(((“ :وي�سقط عنه� ،أي الغا�صب� ،إثم الغ�صب بدفعها
للحاكم”.
((( للنووي (.)351/9
((( للبهوتي (.)114/4
وجاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((“ :يجب �أن ت�صرف تلك الفوائد
يف �أغرا�ض النفع العام ...وتوفري امل�ساعدات املالية للدول الأع�ضاء”.
املطلب الثاين
�صرف الأموال املُجنّبة يف معاجلة مر�ضى كورونا
يحتاج بع�ض مر�ضى فريو�س كورونا �إلى غرف العناية املركزة ،وا�ستعمال �أجهزة
التنف�س ،وا�ستخدام املحاجر ال�صحية ،وتقدمي الرعاية وامل�ساعدات الطبية والغذائية
لهم ،وميكن �صرف الأموال املُج ّنبة له�ؤالء املر�ضى؛ لتوفري الرعاية ال�صحية لهم،
فقد ب ّينا يف املباحث ال�سابقة �أن م�صارف الأموال املُج ّنبة هي عموم م�صارف اخلري.
جاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((“ :يجب �أن ت�صرف تلك الفوائد
يف �أغرا�ض النفع العام ...وتوفري و�سائل الإغاثة”.
وجاء يف قرار الهيئة ال�شرعية لبيت التمويل الكويتي(((« :ما دام �أن �صاحب املال
يريد التخل�ص من �أمواله امل�شبوهة وال يريد �أخذ �أرباح ،وال يتملك م�ست�شفى ال�سالم
املعدات ،ولكن تعترب هذه املعدات مل�صلحة مر�ضى القلب ،وال يتقا�ضى امل�ست�شفى
أرباحا ،ولكن يتقا�ضى �سعر التكاليف ،فال مانع من ذلك».
� ً
املطلب الثالث
�صرف الأموال املُجنّبة يف م�ساعدة العاطلني عن العمل ب�سبب كورونا
ب�سبب التباعد االجتماعي ،وحظر التجول ،وقد ب ّينا يف املباحث ال�سابقة �أن القول
الراجح �صرف الأموال املُج ّنبة جميع وجوه الرب ،و�إعانة العاطلني عن العمل ب�سبب
كورونا من وجوه الرب واخلري ،كما ميكن �أن ُي�صرف لأ�صحاب امل�شاريع ال�صغرية
املت�ضررة ب�سبب كورونا ما يعاجلون به �آثار هذه الأزمة ،وبذلك �صدر قرار ندوة
الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي الأربعني؛ حيث جاء فيه(((“ :يجوز ال�صرف من
احل�سابات املُج ّنبة على ال�شرائح املت�ضررة يف املجتمع؛ مثل� :أ�صحاب امل�شاريع
ال�صغرية� ،أو ال�صرف على �أغرا�ض النفع العام التي تعود فائدتها للمجتمع،
خ�صو صً� ا من ت�أثروا بالأزمة”.
املطلب الرابع
�صرف الأموال املُجنّبة يف مواجهة �أثر اجلائحة على البنك الإ�سالمي
القول الثاين :جواز اقرتا�ض البنك من الأموال املُج ّنبة ،ب�شرط احلاجة املا�سة،
وب�إ�شراف الهيئة ال�شرعية .وبه قال بع�ض الباحثني(((.
الأدلة:
دليل القول الأول� :أن اقرتا�ض البنك من الأموال املُج ّنبة ُيع ّد متل ًكا لهذه الأموال،
وا�ستفادة منها ،وقد �سبق بيان عدم جواز ا�ستفادة البنك من هذه الأموال
ب�أي وجه من الوجوه(((.
دليل القول الثاين� :أن الأ�صل عدم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة � ،اَّإل �أن احلاجة
ما�س ٌة يف ظل مواجهة جائحة كورونا ،ول�ضرورة ا�ستمرار عمل البنوك
الإ�سالمية(((.
ميكن �أن يناق�ش� :أن الواجب على البنك التخل�ص من الأموال املُج ّنبة ب�أ�سرع
وقت ممكن ،ويف االقرتا�ض منها ت�أخري يف �صرفها ،و�إ�ضرار مب�صالح َمن ي�ستحقون
هذه الأموال ،وال�ضرر ال ُيزال ب�ضرر مثله.
الرتجيح:
الراجح -واهلل �أعلم -القول الأول؛ لأن البنك ممنوع من اال�ستفادة من الأموال
املُج ّنبة.
و�إجابات العلماء عليها ،موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي .https://albaraka.org/روجعت بتاريخ
2020/5/27م.
((( انظر :اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة ،د .العيا�شي فداد (�ص � ،)10أ�سئلة الندوة و�إجابات العلماء
عليها ،موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي .https://albaraka.org/روجعت بتاريخ 2020/5/27م.
((( انظر� :آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،د .خالد ال�سياري (�ص � ،)19أ�سئلة الندوة
و�إجابات العلماء عليها ،موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي .https://albaraka.org/روجعت بتاريخ
2020/5/27م.
ُ
((( انظر :اال�ستفادة من الأموال املج ّنبة ،د .العيا�شي فداد (�ص � ،)10أ�سئلة الندوة و�إجابات العلماء
عليها ،موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي .https://albaraka.org/روجعت بتاريخ 2020/5/27م.
دليل القول الثاين� :أن العامل ُيعطى من الأموال املُج ّنبة ب�صفته فق ًريا ،ال �أنه
موظف يف البنك ،والفقراء من م�صارف الأموال املُج ّنبة(((.
ميكن �أن يناق�ش� :أن من ال�صعب حتقق ال�شروط املذكورة يف اجلواز ،خا�صة �أن
البنك �سي�ستفيد من هذه الأموال بوجه من الوجوه و�إن َب ُعد.
الرتجيح:
الراجح -واهلل �أعلم -القول الأول؛ لأن البنك ممنوع من اال�ستفادة من الأموال
املُج ّنبة.
امل�س�ألة الثالثة� :صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين.
�صورة امل�س�ألة:
قد يتعرث بع�ض عمالء البنك الإ�سالمي عن �سداد ما يرتتب عليهم من التزامات
نحوه ب�سبب فريو�س كورونا ،فهل يجوز للبنك م�ساعدة ه�ؤالء العمالء من الأموال
املُج ّنبة؟
اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم �صرف الأموال املُج ّنبة على م�ساعدة العمالء
املتعرثين ب�سبب فريو�س كورونا ،على قولني:
القول الأول :حرمة �صرف الأموال املُج ّنبة على م�ساعدة العمالء املتعرثين .وبه
�صدر قرار الهيئة ال�شرعية للربكة(((.
القول الثاين :جواز �صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين .وبه
قال بع�ض الباحثني(((.
الأدلة:
دليل القول الأول� :أن �صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين يعود
((( انظر :اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة ،د .العيا�شي فداد (�ص .)10
((( انظر :فتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص .)298
((( انظر� :آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،د .خالد ال�سياري (�ص .)20
بالفائدة على البنك((( ،وقد �سبق بيان عدم جواز ا�ستفادة البنك من هذه
الأموال ب�أي وجه من الوجوه.
دليل القول الثاين :لأنه «لو تعار�ضت م�صلحة موا�ساة املدين الغارم مع مف�سدة
ا�ستفادة امل�ؤ�س�سة منها ،ف�إن الذي يظهر يل تغليب امل�صلحة يف هذه احلال؛
لأن منع امل�ؤ�س�سة من اال�ستفادة من ح�ساب اخلريات ا�ستفادة ال تتملك بها
امل�ؤ�س�سة احل�ساب ،هي اجتهاد م�صلحي من ال�سيا�سة ال�شرعية ملنع امل�ؤ�س�سة
من التو�سع يف احلرام ،وهذا ميكن �إعادة النظر فيه يف مثل هذه الأحوال،
خا�صة التي ت�ضعف فيها املف�سدة التي لأجلها ُمنعت اال�ستفادة بالطرق غري
ال�شرعية»(((.
ميكن �أن يناق�ش من عدة وجوه:
�1.1أنه من املقرر �أنه �إذا تعار�ض درء مف�سدة وجلب م�صلحة؛ ف�إن درء املفا�سد
مقدم على جلب امل�صالح(((.
�2.2أن هذه امل�صلحة ممكنة �إذا كان املتعرث من غري عمالء البنك؛ لأن البنك مل
ي�ستفد من الأموال املُج ّنبة.
الرتجيح:
الراجح -واهلل �أعلم -القول الأول؛ لأن البنك ي�ستفيد من الأموال املُج ّنبة يف
م�ساعدة العمالء املتعرثين عن ال�سداد.
اخلامتة
يف ختام هذا البحث� ،أحمد اهلل الذي بنعمته تتم ال�صاحلات ،وما كان فيه
من �صواب ،فمن اهلل وما كان فيه من خط�أ ،فمني ومن ال�شيطان ،و�أ�ستغفر اهلل
تعالى ،وهذه �أهم النتائج والتو�صيات التي تو�صل �إليها البحث:
� اًأول :النتائج:
•الأموال املُج ّنبة هي :ح�ساب م�صريف م�ستقل لدى امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية،
تودع فيه الأموال التي ن�ش�أت من تعامل حمرم� ،أو باطل� ،أو جهل �صاحبه،
ويتولى الإ�شراف عليه وال�صرف منه الهيئة ال�شرعية وفق معايري حمددة.
•تنوعت م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية ،وهي:
1.1الأموال املُج ّنبة ب�سبب حتول البنك من بنك ربوي �إلى بنك �إ�سالمي.
2.2الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنك املركزي التقليدي.
3.3الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنوك الربوية.
4.4الأموال املُج ّنبة ب�سبب عقود التمويل التي جرى تنفيذها مبا يخالف
ال�ضوابط ال�شرعية لها ،و�أ�صدرت الهيئة ال�شرعية قرا ًرا ب�ش�أن جتنب
الأرباح باعتبارها مكا�سب حمرمة.
5.5الأموال املُج ّنبة ب�سبب �إعمال �شرط االلتزام بالت�صدق لأوجه اخلري عند
املماطلة يف ال�سداد.
6.6الأموال املُج ّنبة ب�سبب جهالة �أ�صحابها.
•ال يجوز للبنك اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة ب�أي وجه من الوجوه.
1111الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف ،عالء الدين �أبو احل�سن علي بن
�سليمان بن �أحمد املرداوي ت 885 :هـ ،حتقيق :الدكتور عبداهلل بن عبداملح�سن
الرتكي ،الدكتور عبدالفتاح حممد احللو ،هجر للطباعة والن�شر والتوزيع
والإعالن ،القاهرة ،م�صر ،ط1415 ،1هـ1995/م.
1212البحر الرائق �شرح كنز الدقائق ،زين الدين �إبراهيم بن جنيم احلنفي ،دار
الكتب العلمية بريوت ،لبنان ،ط1418 ،1ه1997/م.
1313بلغة ال�سالك لأقرب امل�سالك املعروف بحا�شية ال�صاوي على ال�شرح ال�صغري،
�أبو العبا�س �أحمد بن حممد اخللوتي ،ال�شهري بال�صاوي املالكي ،دار املعارف،
ب.ط ،ب.ت
1414تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،حم ّمد بن حم ّمد بن عبدالر ّزاق احل�سيني،
�أبو الفي�ض ،املل ّقب مبرت�ضى ،الزَّبيدي ت1205 :هـ ،حتقيق :جمموعة من
املحققني ،دار الهداية.
1515التبادل املايل بني امل�صارف الإ�سالمية وامل�صارف الأخرى ،د.فهد بن �صالح
احلمود ،دار كنوز �إ�شبيليا ،ط2011 ،1م.
1616حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج� ،أحمد بن حممد بن علي بن حجر الهيتمي،
املكتبة التجارية الكربى مب�صر ل�صاحبها م�صطفى حممد1357 ،هـ1983/م.
1717حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي ،د .عبدال�ستار �أبو غدة ،درا�سات
املعايري ال�شرعية ،هيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية ،دار امليمان،
الريا�ض 1437هـ.
1818حتول امل�صارف التقليدية للعمل وفق ال�شريعة الإ�سالمية ،يزن خلف �سامل
العطيات ،ر�سالة دكتوراه ،الأكادميية العربية للعلوم املالية وامل�صرفية ،كلية
العلوم املالية وامل�صرفية ،تخ�ص�ص امل�صارف الإ�سالمية2007 ،م.
1919تف�سري القرطبي (اجلامع لأحكام القر�آن)� ،أبو عبداهلل حممد بن �أحمد بن
�أبي بكر بن فرح الأن�صاري اخلزرجي �شم�س الدين القرطبي ت671 :هـ،
حتقيق� :أحمد الربدوين و�إبراهيم �أطفي�ش ،دار الكتب امل�صرية ،القاهرة ،ط،2
1384هـ 1964/م.
2020التمويل ووظائفه يف البنوك الإ�سالمية والتجارية ،د.قتيبة عبدالرحمن العاين،
دار النفائ�س للن�شر والتوزيع ،ط.2013 ،1
2121توظيف الأموال املُج ّنبة (الك�سب غري امل�شروع) يف التمويل امل�صغر ر�ؤية فقهية،
د .فهد بن �صالح احلمود ،م�ؤمتر التمويل الأ�صغر الإ�سالمي ،املغرب� ،أغادير،
2014م.
2222اجلوائح والقوة القاهرة نظرة من خالل القواعد الكلية واملقا�صد العامة ،د.
م�سلم بن حممد الدو�سري ،ندوة الربكة الأربعون لالقت�صاد الإ�سالمي2020 ،م.
2323حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري ،حممد بن �أحمد بن عرفة الد�سوقي
املالكي ،دار الفكر ،ب.ط ،ب.ت.
2424دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى(�شرح منتهى الإرادات) ،من�صور بن يون�س بن
�صالح الدين ابن ح�سن بن �إدري�س البهوتي احلنبلي ت1051 :هـ ،عامل الكتب،
ط1414 ،1هـ1993 ،م.
2525رد املحتار على الدر املختار (حا�شية ابن عابدين) ،ابن عابدين ،حممد �أمني
بن عمر بن عبدالعزيز عابدين الدم�شقي احلنفي ت1252 :هـ ،دار الفكر،
بريوت ،ط1412 ،2هـ1992 ،م.
2626رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني� ،أبو زكريا حميي الدين يحيى بن �شرف النووي
ت676 :هـ ،حتقيق :زهري ال�شاوي�ش ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،دم�شق ،عمان،
ط1412 ،3هـ1991 ،م.
2727زاد املعاد ،حممد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،ط 1994 ،27م.
�2828سنن �أبي داود� ،أبو داود �سليمان بن الأ�شعث بن �إ�سحاق بن ب�شري بن �شداد بن
ال�س ِج ْ�ستاين ت275 :هـ ،حتقيق :حممد حميي الدين عبداحلميد، عمرو الأزدي ِّ
املكتبة الع�صرية� ،صيدا ،بريوت.
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د .عبدالله بن عبدالعزيز بن �سعود التميمي
الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة بالريا�ض
ال�سالمية
المام حممد بن �سعود إ جامعة إ
د .عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي
ملخص البحث
يف ظل ظروف انت�شار وباء وكورنا ،ونظ ًرا النت�شار عقود الإجارة بنوعيها ،وما قد
يرتتب على الإجراءات االحرتازية املتخذة ب�سبب انت�شار الوباء من ح�صول النزاع
بني �أطراف عقد الإجارة ب�سبب تعذر ا�ستيفاء املنافع ،فقد جاء هذا البحث لإي�ضاح
احلكم ال�شرعي لتلك العقود ومدى لزومها ،وبيان كمال ال�شريعة ب�إظهار حكمها يف
مثل هذه الظروف اال�ستثنائية.
وقد ف ّرق البحث بني ما �إذا كان عقد الإجارة قد ت�أثر -ب�سبب الإجراءات
أ�صل بذلك ،وذكر حكم العقد ما االحرتازية -ت�أث ًرا كب ًريا� ،أو ي�س ًريا� ،أو مل يت�أثر � اً
�إذا كانت مدة العقد قد انتهت �أو بقي فيها بقية ،و�إذا تعذر �إ�سقاط جزء من الأجرة
مقابل ما فات من املنفعة �أو مل يتعذر ،و�ضابط املنفعة التي يتعذر ا�ستيفا�ؤها ،واحلكم
يف ذلك.
الكلمات املفتاحية :الإجراءات ،االحرتازية ،انت�شار ،وباء كورونا ،الإجارة.
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد ،وعلى �آله و�صحبه
�أجمعني.
�أما بعد:
فال �شك �أن الظروف التي مير بها العامل اليوم من جراء انت�شار وباء فريو�س
كورونا ( )covid-19ظروف ا�ستثنائية قلبت موازين كثري من الدول ،وغيرّ ت
جمريات كثري من العقود والتعامالت احلكومية والفردية ،وكان للإجراءات
االحرتازية املتخذة للحد من انت�شار الوباء �أثرها يف تلك العقود ،وخا�صة ما كان
مقت�ضاه اللزوم ومنع الف�سخ ب�شكل اختياري.
ومن �أكرث العقود التي ت�أثرت ب�سبب هذه الإجراءات :عقود الإجارة؛ نظ ًرا
النت�شارها ،والختالفها عن عقود بيع الأعيان ،ف�إن بيوع الأعيان تنق�ضي بت�سلم
العو�ضني ،و�أما عقود الإجارة ف�إمنا ت�ستوفى منافعها �شي ًئا ف�شيئا.
وقد جاء هذا البحث لبيان ما قرره الفقهاء يف مثل هذه ال�صورة �أو ما قاربها.
�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره:
1.1انت�شار عقود الإجارة بنوعيها.
2.2توقع ح�صول النزاع بني �أطراف عقد الإجارة على �إثر تعذر ا�ستيفاء املنافع
ب�سبب الإجراءات االحرتازية للحد من انت�شار وباء كورونا.
�أهداف البحث:
1.1الو�صول �إلى احلكم ال�شرعي يف مدى لزوم عقود الإجارة يف ظل الإجراءات
االحرتازية املتخذة ب�سبب انت�شار الوباء.
2.2بيان كمال ال�شريعة ب�إظهار حكمها يف عقود الإجارة حتى مع الظروف
اال�ستثنائية النت�شار وباء كورونا.
الدرا�سات ال�سابقة:
مل �أقف على درا�سة مرتبطة ب�شكل وثيق بهذا املو�ضوع ،ومما وقفت عليه مما له
ارتباط مبو�ضوع هذا البحث درا�ستان متعلقتان باجلوائح:
�1.1أحكام اجلوائح يف الفقه الإ�سالمي ،لعادل املطريات (ر�سالة دكتوراه مقدمة
�إلى ق�سم ال�شريعة الإ�سالمية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة .)1422 -
�2.2أثر العذر واجلائحة يف عقدي البيع والإجارة وما يقابلهما يف القانون املدين،
لنزار عوي�ضات (بحث تكميلي للح�صول على درجة املاج�ستري يف الفقه
والت�شريع بكلية الدرا�سات العليا بجامعة النجاح الوطنية يف نابل�س).
وهاتان الدرا�ستان ونحوهما مما يت�صل باجلوائح متثل م�س�ألة واحدة هي التي
تع ّد يف البحث جائحة ،كما �سي�أتي.
ثم �إن تناول الدرا�ستني للم�س�ألة حمل البحث هو تناول خمت�صر دون ذكر
للأحوال وال�ضوابط.
منهج البحث:
املنهج املتبع يف البحث هو املنهج التحليلي اال�ستقرائي ملا قرره الفقهاء ،واملقارنة
بني �أقوالهم بالنظر يف �أدلة كل فريق ومناق�شتها ،ثم بيان الراجح ،والآثار املرتتبة
على ذلك.
تق�سيمات البحث:
انتظم البحث يف مقدمة ،ومتهيد ،ومبحثني ،وخامتة .وبيانها كما يلي:
املقدمة ،وفيها� :أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره ،و�أهداف البحث ،ومنهجه،
وتق�سيماته.
متهيد يف حقيقة الإجارة ولزومها .وفيه مطلبان:
املطلب الأول :حقيقة الإجارة.
املطلب الثاين :لزوم عقد الإجارة.
املبحث الأول� :أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد �إجارة
العني .وفيه مطلبان:
املطلب الأول� :أثر الإجراءات االحرتازية يف لزوم العقد وا�ستحقاق الأجرة.
املطلب الثاين� :ضابط تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الأعيان امل�ؤجرة.
املبحث الثاين� :أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد الأجري.
وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول� :أنواع الأجراء .وفيه ثالث م�سائل:
امل�س�ألة الأولى :الأجري اخلا�ص.
امل�س�ألة الثانية :الأجري امل�شرتك.
امل�س�ألة الثالثة :الفرق بني الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك.
املطلب الثاين� :أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد
الأجري اخلا�ص.
املطلب الثالث� :أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد
الأجري امل�شرتك.
وفيه مطلبان:
املطلب الأول
حقيقة الإجارة
الإجارة لغة:
م�أخوذة من الأجر ،وهو الثواب واجلزاء على العمل ،والأجرة الكراء ،واملهر �أجر،
قال تعالى( :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الن�ساء:
،]24والأجري :امل�ست�أجر بفتح اجليم(((.
ا�صطالحا:
ً الإجارة
تنوعت عبارات الفقهاء يف بيان حقيقة الإجارة:
فقد ع ّرفها احلنفية ب�أنها“ :بيع منفعة معلومة ب�أجر معلوم”(((.
وع ّرفها املالكية ب�أنها“ :عقد معاو�ضة على متليك منفعة بعو�ض مبا يدل”(((.
و�أحيا ًنا يعربون عن الإجارة بالكراء“ ،وهي والكراء �شيء واحد يف املعنى ،غري
�أنهم �أطلقوا على العقد على منافع الآدمي ،وما ُينقل من غري ال�سفن واحليوان:
((( انظر :ال�صحاح ،اجلوهري ()576/2؛ مقايي�س اللغة ،ابن فار�س ()62/1؛ ل�سان العرب ،ابن منظور
()10/4؛ القامو�س املحيط ،الفريوز�آبادي (�ص ..)342كلها مادة (�أ ج ر).
((( كنز الدقائق ،الزيلعي (�ص.)543
((( �أقرب امل�سالك ،الدردير (�ص.)120
�إجارة ،وعلى العقد على منافع ما ال ُينقل كالأر�ض والدور ،وما ُينقل من �سفينة
وحيوان :كراء ،غال ًبا فيهما”(((.
وع ّرف ال�شافعية الإجارة ب�أنها“ :عقد على منفعة مق�صودة معلومة قابلة للبذل
والإباحة بعو�ض معلوم”(((.
وع ّرفها احلنابلة ب�أنها“ :عقد على منفعة مباحة معلومة مدة معلومة من عني
عمل معلوم ،بعو�ض معلوم”(((.
معينة �أو مو�صوفة يف الذمة� ،أو ٍ
ومع هذا التنوع يف العبارة ،ف�إن املذاهب الفقهية كلها متفقة على �أن الإجارة هي
بيع املنافع((( ،وعلى �أنها ت�شمل منافع الأعيان وعمل الآدمي(((.
قال الكا�ساين“ :وذكر بع�ض امل�شايخ �أن الإجارة نوعان� :إجارة على املنافع ،و�إجارة
وف�سر النوعني مبا ذكرنا ،وجعل املعقود عليه يف �أحد النوعني املنفعة ويف
على العملّ ،
الآخر العمل ،وهي يف احلقيقة نوع واحد؛ لأنها بيع املنفعة ،فكان املعقود عليه املنفعة
يف النوعني جمي ًعا� ،إال �أن املنفعة تختلف باختالف حمل املنفعة ،فيختلف ا�ستيفا�ؤها
با�ستيفاء منافع املنازل بال�سكنى ،والأرا�ضي بالزراعة ،والثياب واحللل وعبيد اخلدمة
باخلدمة ،والدواب بالركوب واحلمل ،والأواين والظروف باال�ستعمال ،وال�صناع بالعمل
من اخلياطة والق�صارة ونحوهما ،وقد يقام فيه ت�سليم النف�س مقام اال�ستيفاء ،كما يف
�أجري الواحد ،حتى لو �سلم نف�سه يف املدة ومل يعمل ،ي�ستحق الأجر”(((.
ال�شرح ال�صغري ،الدردير (.)6-5/4 (((
مغني املحتاج ،ال�شربيني (.)427 /2 (((
منتهى الإرادات ،الفتوحي (.)64/3 (((
انظر :بدائع ال�صنائع ،الكا�ساين ()517/5؛ الهداية ،املرغيناين ()269/6؛ اجلامع ،ابن يون�س (((
()358 /15؛ مواهب اجلليل ،احلطاب ()141/6؛ البيان ،العمراين ()296/7؛ التهذيب ،البغوي
()420/4؛ املغني ،ابن قدامة ()7/8؛ معونة �أويل النهى ،الفتوحي (.)102/6
انظر :بدائع ال�صنائع ،الكا�ساين ()517/5؛ نتائج الأفكار ،قا�ضي زاده �أفندي ()58/9؛ مواهب (((
اجلليل ،احلطاب ()141/6؛ التهذيب ،البغوي ()428/4؛ مغني املحتاج ،ال�شربيني ()21/2؛ �شرح
الزرك�شي على اخلرقي ،الزرك�شي ()219/4؛ ك�شاف القناع ،البهوتي (.)32-31 /9
بدائع ال�صنائع (.)518-517/5 (((
وملا كانت الإجارة نوعني :عقدً ا على منفعة عني ،وعقدً ا على عمل �آدمي ،وكان
عمل الآدمي نوعني :خا�صً ا وم�شرت ًكا((( ،فقد اقت�ضى البحث النظر يف �أثر الإجراءات
االحرتازية املتخذة للحد من انت�شار الوباء يف عقد الإجارة يف كل نوع.
املطلب الثاين
لزوم عقد الإجارة
الإجارة ال�صحيحة عقد الزم للطرفني((( ،وقد نقل ابن تيمية الإجماع على
هذا((( ،ومن �أدلة ذلك �-سوى الإجماع :-الن�صو�ص الآمرة بالوفاء بالعقود والعهود،
مثل قوله تعالى( :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [املائدة ،]1 :وقوله ( :ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإ�سراء.]34 :
املبحث الأول
�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا
(((
يف عقد �إجارة العني
املطلب الأول
�أثر الإجراءات االحرتازية يف لزوم العقد وا�ستحقاق الأجرة
�إذا ا ُتخذت الإجراءات االحرتازية على نحو ما ذكر ،ففي لزوم العقد هنا قوالن:
القول الأول:
الزما ،وللم�ست�أجر الف�سخ((( ،وهذا هو قول جمهور الفقهاء:
�أن العقد ال يكون ً
احلنفية((( ،وال�شافعية((( ،واحلنابلة((( ،وهو امل�شهور يف مذهب املالكية((( ،وحكي
إجماعا(((.
� ً
ف�سطاط �أو ثوب �أو متاع �أو حيوان �أو عقار
ٍ أجر
قال حممد بن احل�سن“ :وكل م�ست� ِ
بذهب �أو ف�ضة ،فف�سد حتى ال ينتفع به� ،أو غ�صبه �سلطان �أو غريه ،فال �أجر على
امل�ست�أجر منذ يوم كان ذلك”(((.
وقال ابن يون�س ال�صقلي التميمي يف جامعه“ :كل ما منع املكرتي ال�سكنى من
�أمر غالب ال ي�ستطيع دفعه من �سلطان �أو غا�صب فهو مبنزلة ما لو منعه �أمر من اهلل
�سي�أتي احلديث عن الأجرة -وفق هذا القول.- (((
انظر :الأ�صل ،حممد بن احل�سن ال�شيباين ()10/4؛ العناية ،البابرتي ( ،)70/9اجلوهرة النرية على (((
القدوري ،احلداد اليمني (.)321/1
انظر :البيان ،العمراين ()364/7؛ العزيز �شرح الوجيز ،الرافعي ()171/6؛ النجم الوهاج ،الدمريي (((
()392-391/5؛ مغني املحتاج ،ال�شربيني ( .)458/2ومل �أجد لهم ن�صً ا على م�س�ألة منع ال�سلطان،
و�إمنا قرروا هذا يف م�س�ألة غ�صب العني ،وهي �أقرب ال�صور ملحل البحث ،ولهما احلكم نف�سه عند بقية
املذاهب.
انظر :املغني ،ابن قدامة ()31/8؛ ال�شرح الكبري ،ابن �أبي عمر ()459/14؛ الإن�صاف ،املرداوي (((
()460/14؛ ك�شاف القناع ،البهوتي ()125/9؛ �شرح املنتهى ،البهوتي (.)60/4
انظر :املدونة� ،سحنون ()516/3؛ الكايف ،ابن عبدالرب (�ص)370؛ اجلامع ،ابن يون�س (-198 /16 (((
)199؛ منح اجلليل ،علي�ش ()521/7؛ ال�شرح الكبري ،الدردير (.)31/4
قال ابن تيمية“ :وال خالف بني الأمة �أن تعطل املنفعة ب�أمر �سماوي يوجب �سقوط الأجرة �أو نق�صها �أو (((
الف�سخ ،و�إن مل يكن للم�ست�أجر فيه �صنع” .جمموع الفتاوى (.)293/30
الأ�صل ،حممد بن احل�سن (.)10/4 (((
تعالى ،كانهدام الدار ،وامتناع ماء ال�سماء حتى منعه حرث الأر�ض ،فال كراء عليه
يف ذلك كله؛ لأنه مل يتو�صل �إلى ما اكرتى”(((.
وقال ابن �أبي عمر�“ :إن حدث خوف عام مينع من �سكنى امل�سكن الذي فيه العني
امل�ست�أجرة� ،أو يح�صر البلد ،فيمتنع خروج امل�ست�أجر �إلى الأر�ض امل�ست�أجرة للزرع
ونحو ذلك ،ثبت للم�ست�أجر خيار الف�سخ ....كغ�صب العني”(((.
القول الثاين:
�أن العقد الزم ،والأجرة الزمة ،ولي�س للم�ست�أجر الف�سخ ما دام قد قب�ض العني،
وهذا قول �سحنون من املالكية(((.
�أدلة القول الأول:
الدليل الأول :عن جابر بن عبداهلل قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :لو بعت من
�أخيك ثم ًرا ،ف�أ�صابته جائحة((( ،فال يحل لك �أن ت�أخذ منه �شي ًئا ،مب ت�أخذ
مال �أخيك بغري حق؟»(((.
اجلامع ،ابن يون�س (.)199-198 /16 (((
ال�شرح الكبري ،ابن �أبي عمر (.)460 -459 /14 (((
انظر :اجلامع ،ابن يون�س ()198/16؛ الذخرية ،القرايف ()538/5؛ التو�ضيح ،خليل ()541/5؛ (((
ال�شامل يف فقه مالك ،بهرام الدمريي (.)791/2
ويف م�س�ألة الغ�صب قوالن �آخران يف مذهب مالك :قول بالتف�صيل� :إن كان الغ�صب للعني �سقطت
الأجرة ،و�إن كان الغ�صب للمنفعة مل ت�سقط الأجرة ،وقول بالنظر يف حال الغا�صب ،ف�إن كان �سلطا ًنا
لي�س فوقه غريه �سقطت الأجرة ،و�إال لزمت .انظر :املراجع ال�سابقة.
قال ابن يون�س عن هذه الأقوال ب�أنها لي�ست ب�شيء .انظر :اجلامع (.)198/16
وقال خليل“ :وينبغي �أن يكون هذا اخلالف مق�صو ًرا على ما �إذا غ�صبت املنفعة �أو الرقبة بعد قب�ض
املكرتي �إياها ،و�أما لو كان ذلك قبل القب�ض ،فتكون امل�صيبة من املكري؛ لأن املكرتي مل يتمكن من
القب�ض” التو�ضيح (.)541/5
اجلائحة :الآفة التي تهلك الثمار والأموال وت�ست�أ�صلها .انظر :النهاية ،ابن الأثري (.)745/2 (((
رواه م�سلم يف �صحيحه (-22كتاب امل�ساقاة -3 /باب و�ضع اجلوائح /حديث .)1554 (((
فاملذهب عند احلنفية �أن العقد ينف�سخ بالغ�صب ،ويف املذهب قو ٌل �أنه ال
ينف�سخ �إال بالف�سخ(((.
وعند ال�شافعية ال ينف�سخ �إال باختيار امل�ست�أجر(((.
ويحتمل عدم تخريج امل�س�ألة على م�س�ألة الغ�صب؛ لأنه ميكن مطالبة الغا�صب
بالأجرة؛ ولذا ين�ص الفقهاء على �أن للم�ست�أجر الإبقاء على العقد مع مطالبة
الغا�صب ب�أجرة املثل(((.
قال البهوتي“ :وال ينف�سخ العقد مبجرد غ�صب؛ لأن املعقود عليه مل يفت مطل ًقا،
بل �إلى بدل ،وهو القيمة ،ف�أ�شبه ما لو �أتلف �آدمي املبيع بكيل ونحوه”(((.
و�أما يف م�س�ألة منع ال�سلطان ،فلي�س َث ّم من يطا َلب ب�أجرة فرتة تعذر االنتفاع.
وثمرة اخلالف يف امل�س�ألة� :أن العني لو عادت قبل انق�ضاء املدة ،فهل يعود
امل�ست�أجر �إليها بعقده الأول� ،أو ال بد من ر�ضا امل�ؤجر؟
فمن قال بانف�ساخ العقد مينع من عود امل�ست�أجر �إال بر�ضا امل�ؤجر ،ومن قال
بثبوت حق الف�سخ للم�ست�أجر يقرر ب�أن للم�ست�أجر االنتفاع بالعني بعد عودها،
ما دام مل يف�سخ ،ولي�س للم�ؤجر منعه(((.
والذي يظهر �أن العقد �إذا بقي من مدته �شيء ذو قيمة ،ف�إن الف�سخ ال يثبت
فيه ابتدا ًء؛ لأمور:
�1.1أنه ال يوجد دليل �شرعي على الف�سخ ،ومل يتطرق �إلى العقد ما يف�سده،
انظر :البحر الرائق ،ابن جنيم ( ،)512/7تكملة البحر الرائق ،الطوري ( ،)10/8الدر املختار (((
( ،)16/9حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين (.)16/9
انظر :البيان ،العمراين ()364/7؛ العزيز ،الرافعي ()171/6؛ رو�ضة الطالبني ،النووي (.)242/5 (((
-مثل :-حا�شية الد�سوقي ،الد�سوقي ()31/4؛ العزيز ،الرافعي ()171/6؛ �شرح املنتهى،انظر اً (((
البهوتي (.)59/4
�شرح املنتهى ( .)59/4وانظر :املراجع ال�سابقة. (((
انظر :تكملة البحر الرائق ،الطوري ( ،)10/8حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين ()16/9؛ العزيز، (((
الرافعي ()171/6؛ رو�ضة الطالبني ،النووي (.)243/5
وغاية ما طر�أ عليه :تع ّذر املنفعة يف بع�ض مدته ،في�سقط من الأجرة
مبقدارها ،ويبقى العقد كما هو ،ويحفظ بهذا حق العاقدين كليهما.
�2.2أن الأ�صل هو بقاء العقد ،وال�شريعة تت�ش ّوف �إلى �إم�ضاء العقود وت�صحيحها
وا�ستقرارها ما �أمكن.
�3.3أن هذا هو مقت�ضى العدل ،وال�شريعة قد جاءت بالعدل ورعاية املتعاقدين
ودفع ال�ضرر عنهما ورفعه بعد وقوعه؛ و“امل�ؤاجرة مبناها على املعادلة
وامل�ساواة بني اجلانبني ،مل يبذل �أحدهما ما بذله �إال ليح�صل له ما طلبه،
طالب مطلوب”(((.
فك ٌل منهما �آخ ٌذ ُم ْع ٍطٌ ،
�4.4أن الإجراءات االحرتازية لو انق�ضت �سري ًعا ،ف�إن العقد مل يت�أثر ،بخالف
ما لو اختار امل�ست�أجر الف�سخ� ،أو قيل بانف�ساخ العقد.
ف�إذا مل ير�ض الطرفان� ،أو تعذر �إ�سقاط الأجرة عن مدة تعذر االنتفاع،
فيمكن �أن ي�صار �إلى الف�سخ.
و�أما �إذا كانت مدة العقد قد انتهت ،فال خيار �إال �إ�سقاط ح�صة من الأجرة
تقابل املنفعة املتعذرة.
الثانية� :أن الأجرة -يف م�س�ألة منع ال�سلطان وم�س�ألة الغ�صب -ت�سقط كاملة �إذا
كان الف�سخ �أول العقد ،و�إذا كان قد م�ضت مدة من العقد ميكن االنتفاع بها،
ف�إن الف�سخ يكون ملا بقي ،وتثبت �أجرة ما م�ضى بق�سطه(((.
قال الدردير“ :و ُف�سخت الإجارة بتعذر ما ي�ستوفى منه املنفعة ...والتعذر
�أعم من التلف ،في�شمل ال�ضياع واملر�ض والغ�صب وغلق احلوانيت قه ًرا وغري
((( جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)266/30
((( انظر :االختيار ،املو�صلي ()143/2؛ البحر الرائق ،ابن جنيم ()512/7؛ الذخرية ()538/5؛ منح
اجلليل ،علي�ش ()521/7؛ العزيز ،الرافعي ()171/6؛ رو�ضة الطالبني ،النووي ()242/5؛ خمت�صر
اخلرقي ،اخلرقي ()27/8؛ الإن�صاف ،املرداوي (.)460/14
ذلك مما ي�أتي ،و�إذا ف�سخت رجع للمحا�سبة باعتبار ما ح�صل من املنفعة
وما مل يح�صل”(((.
وقال ابن تيمية�“ :إذا ا�ست�أجر ما تكون منفعة �إيجاره للنا�س ،مثل :احلمام
والفندق والقي�سارية ونحو ذلك ،فنق�صت املنفعة املعروفة ،مثل� :أن ينتقل جريان
املكان ويق ّل الزبون خلوف �أو خراب �أو حتويل ذي �سلطان لهم ونحو ذلك ،ف�إنه
يحط عن امل�ست�أجر من الأجرة بقدر ما نق�ص من املنفعة املعروفة”(((.
ويكون ح�ساب الأجرة بق�سمتها على الزمن �إن كانت قيمة املنفعة ال تختلف
باختالف زمن العقد ،و�إن كانت تتفاوت باختالف زمن العقد ،كحال بع�ض
املواقع التي ترتفع �أجرتها يف املوا�سم ،ف�إن القيمة تق�سم على مدة العقد،
بحيث حتدد ن�سبة كل فرتة من فرتاته ،ثم حت�سب الأجرة بالن�سبة كح�ساب
الن�سبة يف القيمة(((.
ومثال ذلك� :إذا كانت قيمة منفعة املوقع يف ال�صيف �ضعفي قيمتها يف
ال�شتاء ،فهذا يعني �أن �أجرته تق�سم �أثال ًثا :ثلثان لل�صيف ،وثلث لل�شتاء ،فلو
كان تعذر االنتفاع خالل فرتة ال�صيف ،ف�إنه ُي�س ِقط من الأجرة ثلثيها ،كما
هو احلال يف بع�ض املواقع التجارية يف امل�صايف ،التي يكون ج ّل ن�شاطها
التجاري خالل �أ�شهر ال�صيف.
الثالثة� :إذا انتهت الإجراءات االحرتازية قبل الف�سخ ،فال يحق للم�ست�أجر الف�سخ
املوجب للف�سخ قد زال ،وال يزال العقد قائ ًما ،فال
-على القول به-؛ لأن العذر ِ
موجب للف�سخ(((.
يوجد ِ
ال�شرح ال�صغري ،الدردير (.)49/4 (((
جمموع الفتاوى (.)311/30 (((
انظر :التهذيب ،الرباذعي ()487/3؛ جمموع الفتاوى ،ابن تيمية ()298 ،257 ،187/30؛ ك�شاف (((
القناع ،البهوتي ()120/9؛ �شرح املنتهى ،البهوتي (.)55-54/4
انظر :البناية ،العيني ()342/10؛ حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين ()108 ،60/9؛ الذخرية ،القرايف (((
()535 ،533/5؛ التو�ضيح ،خليل ()532/5؛ رو�ضة الطالبني ،النووي ()243/5؛ مغني املحتاج=،
وهذا ال مينع حقه يف �إ�سقاط ق�سط من الأجرة مقابل ما تعذر االنتفاع به.
املطلب الثاين
(((
�ضابط تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الأعيان امل�ؤجرة
وقال �“ :إذا تعطلت منفعتها بغرق �أو غريه ،مل يجب عليه �أجرة ما تعطل
من املنفعة ،باتفاق امل�سلمني”(((.
وذكر � أن زوال نفع العني اً
كامل كتلفها((( ،ال فرق بني احلالني عند �أحد
من العلماء((( ،ولذا م ّثل لتلف املنفعة بتلف العني يف مو�ضع �آخر ،فقال“ :وقد اتفق
العلماء على �أن املنفعة يف الإجارة �إذا تلفت قبل التمكن من ا�ستيفائها ،ف�إنه ال جتب
�أجرة ذلك ،مثل� :أن ي�ست�أجر حيوا ًنا فيموت قبل التمكن من االنتفاع”(((.
ومن �أمثلة تلف املنفعة� :أن يت�سبب حظر التجول يف عدم خروج م�ست�أجر الأر�ض
�إليها لإعدادها وتقليبها وحرثها و�إي�صال املاء �إليها ،فيت�سبب هذا يف ف�ساد الرتبة �أو
فوات وقت البذر �أو نحو ذلك ،وي�ستغرق ذلك مدة العقد �أو �أكرثها.
ومثله :م�ست�أجر امل�صنع ينقطع عنه م�ضط ًرا باملنع من التجول ،فيت�سبب االنقطاع
يف تعطل بع�ض الآالت واحتياجها �إلى �صيانة وتبديل لأجزاء منها ،وي�ضيع من ذلك
مدة العقد �أو �أكرثها.
�إذا تبني هذا ،ف�إن �ضابط التعذر يختلف باختالف املنفعة املعقود عليها ،وميكن
-بالنظر �إلى كالم الفقهاء والأمثلة التي ي�ضربونها -جعل املنفعة ق�سمني:
الق�سم الأول :منفعة ميكن �أن تتجز�أ �إلى �أجزاء �صغرية منف�صلة ال يبنى بع�ضها
على بع�ض .وميكن �ضبط هذا الق�سم ب�أمرين:
الأول� :أن ُيت�صور �إيقاع العقود مددًا ق�صرية وطويلة على بع�ض تلك الأجزاء،
فيمكن اً
-مثل -العقد عليها بال�ساعات �أو بالأيام �أو بالأ�سابيع ونحو ذلك.
الثاين� :أن ميكن تق�سيط الأجرة وتق�سيمها على �أجزاء املنفعة ،وال يلزم كون
جمموع الفتاوى ( ،)307/30وانظر �-أي�ضً ا)312 ،308 ،304 ،293 ،288 ،261 ،257 ،238/30( :- (((
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية ( .)289/30وانظر �-أي ضً� ا :-املغني ،ابن قدامة (.)29/8 (((
ُنقل الإجماع على انف�ساخ الإجارة بتلف العني يف :احلاوي الكبري ،املاوردي ()398/7؛ اال�ستذكار ،ابن (((
عبدالرب ()172/19؛ املغني ،ابن قدامة (.)28-27/8
جمموع الفتاوى (.)238/30 (((
الأجرة تنق�سم بالت�ساوي على �أجزاء املنفعة ،بل ميكن �أن تكون منفعة
ال�صيف �أعلى �أجرة من منفعة ال�شتاء ،وهكذا.
ومن �أمثلة هذا الق�سم :منفعة ال�سكنى ،ومنفعة الركوب ،ونحو ذلك.
وهذا الق�سم �إذا تعذر فيه ا�ستيفاء املنفعة ،ف�إنه ميكن �إ�سقاط �أجرة ما
تعذر ا�ستيفا�ؤه بق�سطه ،كما تقدم يف املطلب ال�سابق� :إن كان قبل التمكن
من اال�ستيفاء ف�إن الأجرة ال جتب كلها ،و�إن �أمكن االنتفاع بع�ض املدة،
ُح ّط من الأجرة بق�سطها(((.
الق�سم الثاين :منفعة ترتكب من �أجزاء مت�صلة ،يك ّمل بع�ضها بع ضً� ا للو�صول �إلى
كمال املنفعة املعقود عليها .و�ضبط هذا الق�سم ب�أن ال ينطبق عليه �ضابط
الق�سم الأول.
ومن �أمثلة هذا الق�سم :منفعة زرع الأر�ض ،وهو �أو�ضح �أمثلته و�أكرثه يف كالم
الفقهاء.
وميكن التمثيل له �-أي�ضً ا :-مبنفعة الإنتاج بوا�سطة �آالت امل�صنع ،ونحو ذلك.
وقبل بيان احلكم هنا ،ال بد من التنبه �إلى حتديد املنفعة املعقود عليها
بالن�ص يف العقد �أو بالعرف ،ف�إن ا�ستئجار الأر�ض للزراعة يختلف عن
م�ستودعا �أو موق ًفا لل�سيارات.
ً ا�ستئجارها
وال بد �-أي ضً� ا -من معرفة الوقت الذي تعذرت فيه ،ولتعذر املنفعة يف هذا
الق�سم -يف �ضوء كالم الفقهاء -ثالثة �أوقات(((:
الوقت الأول� :أن يكون ّ
تعذرها قبل التمكن من ا�ستيفاء جزءٍ ذي قيم ٍة
((( انظر :االختيار ،املو�صلي ()143/2؛ البحر الرائق ،ابن جنيم ()512/7؛ الذخرية ()538/5؛ منح
اجلليل ،علي�ش ()521/7؛ العزيز ،الرافعي ()171/6؛ رو�ضة الطالبني ،النووي ()242/5؛ خمت�صر
اخلرقي ،اخلرقي ()27/8؛ الإن�صاف (.)460/14
((( انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)262-261 /30
منها ،فاحلكم فيه كاحلكم يف الق�سم الأول �إذا تعذر االنتفاع من �أول
العقد(((.
ومثال ذلك� :أن يت�سبب حظر التجول يف عدم خروج م�ست�أجر الأر�ض
�إليها لإعدادها وتقليبها وحرثها و�إي�صال املاء �إليها ،فيت�سبب هذا يف
ف�ساد الرتبة �أو فوات وقت البذر �أو غرق الأر�ض �أو نحو ذلك ،وي�ستغرق
ذلك مدة العقد �أو �أكرثها.
ومثله :م�ست�أجر امل�صنع ينقطع عنه م�ضط ًرا باملنع خالل فرتة حظر
التجول ،فيت�سبب االنقطاع يف تعطل بع�ض الآالت واحتياجها �إلى �صيانة
وتبديل لأجزاء منها ،وي�ضيع من ذلك مدة العقد �أو �أكرثها.
الوقت الثاين� :أن يكون تع ّذرها بعد ا�ستيفائها كاملة وفق من�صو�ص العقد �أو
العرف ،فاحلكم فيه �أن الأجرة تثبت كاملة ،وما تع ّذر ال قيمة له؛ لأنه
خارج من�صو�ص العقد �أو لأن العرف ال يعتربه.
ومثاله� :أن يح�صد م�ست�أجر الأر�ض ما زرعه فيها ،ويجمع املح�صول
وين�شره يف ال�شم�س ليجف ،ثم يمُ َنع من املجيء �إلى الأر�ض ب�سبب
الإجراءات االحرتازية مد ًة يتلف ب�سببها احلب �أو ي�أكله الطري �أو
نحو ذلك.
ومثله :م�ست�أجر امل�صنع الذي �أكمل مراحل الإنتاج ،وجعل املنتج
متهيدا لتوزيعه �أو ت�صديره ،فجاءت الإجراءات ً النهائي جان ًبا
االحرتازية التي منعته من القدوم مل�صنعه .وملا عاد -بعد رفع احلظر-
وجد الإنتاج تال ًفا ب�سبب القوار�ض �أو طول املكث دون حتريك �أو تربيد
�أو نحو ذلك.
الوقت الثالث� :أن يكون تع ّذرها بني الوقتني ،ك�أن يتلف الزرع �أو ت�صيبه �آفة
((( انظر :حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين ()16/9؛ التهذيب ،الرباذعي (.)488 ،487/4
يف مرحلة من املراحل التي ت�سبق ح�صده� ،أو يتعطل �إنتاج امل�صنع يف
مرحلة من املراحل التي ت�سبق اكتمال املنتج(((.
ويف هذا الوقت وقع اختالف الفقهاء يف �سقوط الأجرة �أو ثبوتها ،وتناق�ض كالم
بع�ضهم ،ويزداد االختالف كلما �أو�شكت املنفعة على االكتمال.
و�سبب اخلالف يعود �إلى ما يح�صل به ا�ستيفاء املنفعة� ،أهو بالبدء يف حت�صيلها
�أم باكتمالها؟ فمن قرر الأول �أثبت الأجرة ،ومن قرر الثاين �أ�سقطها ،ومنهم من
ف ّرق بني �صور و�صور.
وقد اختلف الفقهاء يف هذه امل�س�ألة على �أقوال �أربعة:
القول الأول� :أن الأجرة تثبت كاملة ،وهذا مروي عن حممد بن احل�سن((( ،وبه
قالت ال�شافعية((( ،واحلنابلة(((.
مثل ما تعذر،
القول الثاين� :أنه يلزمه �أجرة ما م�ضى� ،إن مل يتمكن من ا�ستيفاء ِ
مثل ما �أتلفته ال�سماء من فلو مل يتمكن يف الأر�ض امل�ؤجرة اً
-مثل -من زرع ِ
قال ابن تيمية“ :و�أما �إذا جاء جي�ش عام ف�أف�سد الزرع ،فهذه �آفة �سماوية ،ف�إن هذا ال ميكن ت�ضمينه، (((
وال االحرتاز منه .ونظريه� :أن يجيء جي�ش عام فيخرج النا�س من م�ساكنهم التي ي�سكنونها” .جمموع
الفتاوى (.)263/30
انظر :املحيط الربهاين ،ابن مازه ()508/7؛ حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين (.)16/9 (((
انظر :احلاوي الكبري ،املاوردي ()463-462/7؛ البيان ،العمراين ()361/7؛ العزيز ،الرافعي (((
()163/6؛ رو�ضة الطالبني ( .)240/5وا�ستثنوا ما �إذا تلفت الأر�ض نف�سها باجلائحة فبطلت قوة
الإنبات فيها ،ف�إن الإجارة تنف�سخ فيما بقي من العقد .و�أما الأجرة :ف�إن كان تلف الأر�ض �ساب ًقا لتلف
الزرع ا�سرتد الأجرة كاملة ،و�إن كان تلف الزرع �ساب ًقا لتلف الأر�ض وتعذر �إبداله قبل االنف�ساخ بتلفها،
مل ي�سرتد عما قبل التلف �شي ًئا؛ لأن �صالحية الأر�ض لو بقيت مل يكن للم�ست�أجر فيها نفع بعد فوات
الزرع ،وي�سرتد ما يقابل ما بعد التلف؛ لبطالن العقد فيه .انظر :رو�ضة الطالبني ()240/5؛ مغني
املحتاج ،ال�شربيني ()456/2؛ حا�شية ال�شرواين على حتفة املحتاج ،ال�شرواين (.)187/6
انظر :املغني ،ابن قدامة ()64-63/8؛ الفروع ،ابن مفلح ()172/7؛ ك�شاف القناع ،البهوتي (((
()122/9؛ �شرح املنتهى ،البهوتي ( .)58/4وقالوا :ثم �إن �أمكنه االنتفاع بالأر�ض بقية املدة فله ذلك،
و�إن تعذر االنتفاع ب�سبب فوات وقت الزراعة فالأجرة ثابتة؛ لأن ال�سبب غري م�ضمون على امل�ؤجر ،و�أما
�إن كان تعذر االنتفاع ب�سبب غرق الأر�ض �أو انقطاع مائها ،فله اخليار فيما بقي؛ لأنه ملعنى يف العني.
الزرع �أو دونه يف ال�ضرر ،فال يلزمه �إال �أجرة ما م�ضى ،و�إن متكن فعليه
الأجرة كاملة .وعلى هذا الفتوى عند احلنفية(((.
القول الثالث� :أن الأجرة تلزم امل�ست�أجر ولو �أ�صابت املعقود عليه جائحة �أو �آفة
�إال يف حالني:
�1.1إن كانت الآفة ن�ش�أت من املعقود عليه نف�سه ،كما لو ن�ش�أ يف الأر�ض ف أ� ٌر
عط�ش ف�أف�سدها ،فال �أجرة� ،سواء �أكانت �آفة الأر�ض حدثت �أو دو ٌد �أو ٌ
وحدها �أم بعد جائحة �سماوية كربد �أو جليد.
عطلت املعقود عليه وف ّوتت منفعته فلم يعد ممك ًنا �2.2إن كانت اجلائحة قد ّ
أر�ض �آفة قبل موعد احلرث ومل تنك�شف �إال االنتفاع به ،كما لو �ضربت ال َ
بعد انق�ضاء موعده بحيث �صارت ال ميكن االنتفاع بها.
أر�ض بعد موعد احلرث� ،أو قبله وانك�شفت قبل ف�أما �إذا �أ�صابت ال َ
انق�ضاء موعده بحيث ميكنه حرثها مرة �أخرى ،ف�إن الأجرة الزمة .وهو
قول املالكية(((.
القول الرابع� :أن هذه جائحة توجب عدم لزوم الأجرة كامل ًة ،و�إمنا ي�سقط كلها
�أو بع�ضها بح�سب ما فات من املنفعة ،وهذا ر�أي ابن تيمية ،وقال :هو الأ�شبه
باملن�صو�ص والأ�صول((( ،وذكر -يف مو�ضع �آخر -ب�أنه الأ�شبه بالكتاب وال�سنة
والعدل(((.
انظر :بدائع ال�صنائع ،الكا�ساين ()537/5؛ البناية ،العيني ()341/10؛ حا�شية ابن عابدين ،ابن (((
عابدين ( .)104 ،16/9قال ابن عابدين“ :والظاهر �أن التقييد ب�إعادة مثل الأول �أو دونه مفرو�ض
نوعا خا صً� ا� ،أما لو قال :على �أن �أزرع فيها ما �أ�شاء ،فال يتقيد”.
فيما �إذا ا�ست�أجرها على �أن يزرع ً
انظر :التهذيب ،الرباذعي ()489/3؛ التو�ضيح ،خليل ()532/5؛ �شرح اخلر�شي على خليل ،اخلر�شي (((
()50/7؛ حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري ،الد�سوقي (.)50/4
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)244/30 (((
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية ( ،)255/30وانظر �-أي�ضً ا .)300 ،262 ،257/30( :-قال (((
يف (- )271-270/30عن و�ضع اجلوائح�“ :إنها ثابتة بالن�ص وبالعمل القدمي الذي مل ُيعلم فيها =
الدليل الثاين� :أن املعقود عليه املق�صود بالعقد التمكن من االنتفاع بالعني �إلى
حني اكتمال املنفعة ،كاحل�صاد يف الأر�ض ،ف�إذا ح�صل للعني ما مينع هذه
املنفعة مطل ًقا ،بطل املق�صود بالعقد قبل التمكن من ا�ستيفائه(((.
املناق�شة :نوق�ش ب�أن التمكن من االنتفاع قد ح�صل بقب�ض العني �أو التخلية
بينها وبني امل�ست� ِأجر ،كما يح�صل يف الأر�ض بالتخلية وحرث الأر�ض وتقليبها
و�إلقاء البذر(((.
اجلواب� :أجيب ب�أنه لو كان ذلك القب�ض فقط هو املعقود عليه ،لوجب �إذا
مثل� -أو ح�صل الغرق بعد ذلك �أن ال ميلك امل�ست�أجرانقطع املاء -يف الأر�ض اً
الف�سخ ،وال ي�سقط �شيء من الأجرة ،ومل تقولوا به.
الدليل الثالث� :أن هذه �آفة متنعه ومتنع غريه من االنتفاع ،فهي مبنزلة تلف
العني(((.
الدليل الرابع� :أن املق�صود املعقو َد عليه هو منفعة العني نف�سها وانتفاع امل�ست�أجر
بها ،ولي�س جمرد فعل امل�ست�أجر ب�شق الأر�ض اً
-مثل -و�إلقاء البذر ،حتى يقال
ب�أنه �إذا فعل ذلك فقد ا�ستوفى املنفعة جميعها ولو ح�صل بعده ما يف�سد
الزرع ومينع االنتفاع به؛ لأن ذلك منقو�ض بانقطاع املاء بعد ذلك(((.
الدليل اخلام�س� :أن عمل امل�ست�أجر يف املعقود عليه مبنزلة �إ�سراج الدابة
امل�ست�أجرة و�إجلامها واقتيادها ،ف�إن ذلك كله من عمل امل�ست�أجر ولي�س هو
املنفعة املق�صودة بالعقد ،بل هو طريق �إلى االنتفاع بزرع الأر�ض وركوب
الدابة(((.
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)293 ،262/30 (((
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)293/30 (((
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)262/30 (((
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)296 ،294 ،293/30 (((
انظر :جمموع الفتاوى ،ابن تيمية (.)297 -296/30 (((
الرتجيح:
الذي يظهر رجحانه هو القول الرابع ،لقوة �أدلته وموافقته �أ�صول ال�شريعة وكونه
�أقرب للعدل.
وهذا عند النزاع ،والأولى يف العقود بني امل�سلمني �أن يحمل القوي ال�ضعيف
ويتحمل الأغنى عمن هو �أقل منه اجلانب الأثقل يف اخل�سارة ،وهو من �إح�سان امل�سلم
�إلى �أخيه.
كما ينبغي للجهات املعنية �أن تنظم العالقات التعاقدية وحتدد ما يلزم كل طرف
يف مثل هذه النوازل.
ثم �إنه ينبغي التفريق بني �ضمان ما تلف من املنفعة ،و�ضمان ما تلف من الب�ضاعة
وترجح �أن �ضمان املنفعة التالفة من مال -مثل ،-فالأول هو حمل البحثّ ، �أو الزرع اً
امل�ؤجر ،و�أما الثاين فال نزاع يف �أن امل�ؤجر ال ي�ضمن منه �شي ًئا.
قال ابن تيمية“ :و�أما ما تلف من الزرع فهو من �ضمان مالكه ،ال ي�ضمنه له
رب الأر�ض باتفاق العلماء .وملا ر�أى بع�ض العلماء اتفاق العلماء على هذا ،ظن �أنهم
متفقون على �أنه ال ينق�ص من الأجرة امل�سماة بقدر ما نق�ص من املنفعة ،ومل مييز
بني كون املنفعة م�ضمونة على امل�ؤجر حتى تنق�ضي املدة ،بخالف الزرع نف�سه ،ف�إنه
لي�س م�ضمو ًنا عليه”(((.
وقال يف مو�ضع �آخر“ :و�أما ما قد يتوهمه بع�ض النا�س �أن جائحة الزرع يف الأر�ض
قيا�سا على
امل�ست�أجرة تو�ضع من رب الأر�ض �أو يو�ضع من رب الأر�ض بع�ض الزرع ً
جائحة املبيع يف الثمر والزرع ،فهذا غلط ،ف�إن امل�شرتي للثمر والزرع ملك بالعقد
نف�س الثمر والزرع ،ف�إذا تلفت قبل التمكن من القب�ض تلفت من ملك البائع .و�أما
امل�ست�أجر ف�إمنا ا�ستحق بالعقد االنتفاع بالأر�ض .و�أما الزرع نف�سه فهو ملكه احلادث
على ملكه ،مل ميلكه بعقد الإجارة ،و�إمنا َم َلك بعقد الإجارة املنفع َة التي تنبته �إلى
حني كمال �صالحه.
((( جمموع الفتاوى (.)258-257/30
فيجب الفرق بني جائحة الزرع والثمر امل�شرتى وبني اجلائحة يف منفعة الأر�ض
امل�ست�أجرة املزروعة ،ف�إن هذا مزلة �أقدام وم�ضلة �أفهام ،غلط فيها خالئق من
احلكام واملقومني واملجيحني واملالك وامل�ست�أجرين ،حتى �إن بع�ضهم يظنون �أن
جائحة الإجارة للأر�ض املزروعة مبنزلة جائحة الزرع امل�شرتى ،وبع�ض املتفقهة يظن
�أن الأر�ض املزروعة �إذا ح�صل بها �آفة منعت من كمال الزرع مل تنق�ص املنفعة ومل
يتلف �شيء منها ،وكال الأمرين غلط ملن تدبر.
ونظري الأر�ض امل�ست�أجرة لالزدراع الأر�ض امل�ست�أجرة للغرا�س والبناء ،ف�إن امل�ؤجر
ال ي�ضمن قيمة الغرا�س والبناء �إذا تلف ،ولكن لو ح�صلت �آفة منعت كمال املنفعة
امل�ستحقة بالعقد ،مثل �أن ي�ستويل عدو مينع االنتفاع بالغر�س والبناء �أو حت�صل �آفة
من جراد �أو �آفة تف�سد ال�شجر املغرو�س �أو ح�صل ريح يهدم الأبنية ونحو ذلك فهنا
نق�صت املنفعة امل�ستحقة بالعقد ،نظري نق�ص املنفعة يف الأر�ض املزروعة.
وملا كان كثري من النا�س يتوهم �أن امل�ست�أجر تو�ضع عنه اجلائحة يف نف�س الزرع
والبناء والغرا�س كامل�شرتي ،نفى ذلك العلماء ،وي�شبه �أن يكون هذا معنى ما ن�ص
عليه �أحمد ،ونقله �أ�صحابنا كالقا�ضي و�أبي حممد ،فقد قالوا -واللفظ لأبي حممد:-
(�إذا ا�ست�أجر �أر ضً� ا فزرعها فتلف الزرع فال �شيء على امل�ؤجر .ن�ص عليه �أحمد وال
نعلم فيه خال ًفا ،لأن املعقود عليه منافع الأر�ض ومل تتلف� ،إمنا تلف مال امل�ست�أجر
ليق�صر فيها ثيا ًبا فتلفت الثياب فيها)(((.
فيها ،ف�صار كدار ا�ست�أجرها ّ
فهذا الكالم يقت�ضي �أن امل�ؤجر ال ي�ضمن �شي ًئا من زرع امل�ست�أجر ،كما ي�ضمن
البائع بزرع امل�شرتي ،ولذلك ذكر ذلك يف باب جوائح الأعيان ،وعلل ذلك ب�أن التالف
�إمنا هو عني ملك امل�ست�أجر ،ال املنفعة .وهذا ح�سن يف نفي �ضمان نف�س الزرع ،ويظهر
ذلك فيما �إذا تلف الزرع بعد كماله .وقد ب ّينا فيما تقدم �أن نف�س املنفعة املعقود عليها
تنق�ص وتتعطل مبا ي�صيب الزرع من الآفة ،فيحط من الأجرة بقدر ما نق�ص من
املنفعة.
((( املغني ،ابن قدامة (.)181/6
فما نفى فيه ال�شيخ اخلالف �ضمان نق�ص العني ،ومل يذكر �ضمان نق�ص املنفعة،
لكن ذكره يف كتاب الإجارة ،واملو�ضع مو�ضع ا�شتباه ،ويف كالم �أكرث العلماء فيها
�إجمال ،ومبا حققناه يت�ضح ال�صواب ،واهلل � أعلم”(((.
املبحث الثاين
�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا
يف عقد الأجري
املطلب الأول
�أنواع الأجراء
املدة ،كما لو ا�ست�أجر رجالن �أو ثالثة راع ًيا لرعي �أغنامهم خا�ص ًة ،فهذا ي�سمى
واحد فهو �أجري خا�ص و�أجري واحد(((.
�أج ًريا خا�صً ا ،و�أما �إذا كان �أج ًريا ل�شخ�ص ٍ
و�سمي الأجري اخلا�ص خا صً� ا؛ الخت�صا�ص امل�ست�أجر بنفعه مدة العقد(((.
ومن �أمثلة الأجري اخلا�ص :ال�سائق ال�شخ�صي ،خادمة العائلة ،العامل يف
ال�شركة�...إلخ.
امل�س�ألة الثانية :الأجري امل�شرتك.
عمل يف مدة ال ي�ستحق امل�ست�أجر
هو :الذي ُيعقد العقد معه على عمل معني� ،أو على ٍ
جميع نفعه فيها(((.
يخ�صون به من عمله ال�صناعة فقط، ويعرب عنه بع�ضهم بال�صانع ،و�إن كانوا ال ّ
بل ُيلحقون به كل �أجري م�شرتك ولو مل يكن يف عمله �صناعة ،كالراعي(((.
أعمال لأكرث من �شخ�ص يف وقت واحد ويعمل لهم، و�سمي م�شرت ًكا؛ لأنه يتقبل � اً
في�شرتكون يف منفعته وا�ستحقاقها(((.
ومن �أمثلة الأجري امل�شرتك :اخلياط ،والطبيب ،وال�سباك ...الخ.
وقد يكون الأجري خا�صً ا من وجه ،وم�شرت ًكا من وجه ،مثل :العامل يف حمل
اخلياطة �أو ال�سباكة �أو �صيانة الأجهزة ونحو ذلك ،فهو من جهة عالقته مع رب
العمل� :أجري خا�ص ،ومن جهة عالقته مع العمالء� :أجري م�شرتك ،وي�أخذ حكم كل
�أجري بح�سب عالقته.
امل�س�ألة الثالثة :الفرق بني الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك.
يختلف الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك يف بع�ض ال�صفات والأحكام ،منها ما
انظر :البناية ،العيني ()230/10؛ حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين (.)95/9 (((
انظر :البناية ،العيني؛ ()239/10؛ املغني ،ابن قدامة (.)103/8 (((
انظر :الهداية ،املرغيناين ()311/6؛ املغني ،ابن قدامة (.)103/8 (((
انظر :اجلامع ،ابن يون�س ()468/15؛ التو�ضيح ،خليل (.)553/5 (((
انظر :البناية ،العيني؛ ()239/10؛ التهذيب ،البغوي ()466/4؛ املغني ،ابن قدامة (.)103/8 (((
هو حمل اتفاق ،ومنها ما وقع فيه اخلالف ،وحمل درا�ستها يف موا�ضعها من كتب
الفقهاء.
فمما اختلف فيه نوعا الأجري:
1.1الأجري اخلا�ص منفعته م�ستحقة مل�ست�أجره خالل مدة العقد ،والأجري
امل�شرتك ال تكون منفعته م�ستحقة مل�ست�أجر واحد(((.
2.2الأجري اخلا�ص ال ي�صح �أن يعمل لغري م�ست�أجره خالل مدة العقد �إال ب�إذنه،
والأجري امل�شرتك ي�ستقبل العمل لأكرث من م�ست�أجر يف وقت واحد(((.
3.3الأجري اخلا�ص ي�ستحق الأجرة بت�سليم نف�سه ولو مل يعمل ،والأجري امل�شرتك
ال ي�ستحق الأجرة حتى يعمل(((.
4.4العقد مع الأجري اخلا�ص قد يكون على منفعته مد ًة �أو على عمله ،ومع الأجري
امل�شرتك ال يكون �إال على عمله(((.
بتعد �أو تفريط عند
5.5الأجري اخلا�ص ال ي�ضمن ما تلف من عمله �أو يف يده �إال ٍّ
جماهري العلماء((( ،والأجري امل�شرتك وقع فيه اخلالف :هل هو كالأجري
اخلا�ص؟ �أو ي�ضمن ما تلف بفعله؟ �أو ي�ضمن ما تلف بفعله �أو غري فعله؟ وهل
ي�ضمن ما تلف من حرزه؟(((.
انظر :الهداية ،املرغيناين ()315 ،311/6؛ حا�شية ابن عابدين ،ابن عابدين ()88/9؛ البيان، (((
العمراين ()385/7؛ التهذيب ،البغوي (.)467/4
انظر :اللباب ،الغنيمي ()95/2؛ اجلوهرة النرية ،احلداد اليمني ()323-322/1؛ احلاوي الكبري، (((
املاوردي ()425/7؛ التهذيب ،البغوي (.)467-466/4
انظر :االختيار ،املو�صلي ()131 ،129/2؛ البناية ،العيني ()239/10؛ التهذيب ،البغوي ()467/4؛ (((
العزيز ،الرافعي (.)100/6
انظر :االختيار ،املو�صلي (.)130/2 (((
إجماعا ،حكاه :ال�سرخ�سي ()103/15؛ بدائع ال�صنائع ،الكا�ساين ()56/6؛ حا�شية ابن وحكي � ً (((
عابدين ،ابن عابدين ()97/9؛ بداية املجتهد ،ابن ر�شد احلفيد (.)440/3
انظر :بدائع ال�صنائع ،الكا�ساين ()54/6؛ االختيار ،املو�صلي ()131 - 129/2؛ التو�ضيح= ، (((
املطلب الثاين
�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا
يف عقد الأجري اخلا�ص
تقدم �أن الفقهاء يقررون �أن الأجري اخلا�ص ي�ستحق �أجرته بت�سليم نف�سه يف مدة
العقد ،و�إن مل يعمل((( ،وهذا يف حال ما �إذا مل يوجد مانع من العمل.
ولكن ما احلكم �إذا منع مانع �سماوي -كحال انت�شار الوباء -من ا�ستيفاء منفعة
الأجري اخلا�ص؟ مثل :ال�سائق اخلا�ص يف فرتة حظر التجول.
-قيا�سا على ما تقدم يف م�س�ألة النق�ص الي�سري
ً الذي يظهر من كالم الفقهاء
يف املنفعة� -أنه �إذا مل يكن �أثر املانع كب ًريا بحيث كان النق�ص الداخل على ا�ستيفاء
منفعة الأجري ي�س ًريا ،ف�إنه ال ي�ضر ،ووجوده كعدمه؛ لأن العقود ال تخلو من نق�ص
ي�سري �أو زيادة ي�سرية.
و�أما �إذا كان �أثر املانع كب ًريا بحيث ت�ضرر امل�ست�أجر ب�سببه �ضر ًرا م�ؤث ًرا ،فقد
وقفت على قولني يف هذه امل�س�ألة:
القول الأول� :أن الأجري ال ي�ستحق �أجرة عن فرتة منعه من العمل ،وهو قول
= خليل ()555-554/5؛ ال�شامل ،بهرام ()794/2؛ البيان ،العمراين ()385/7؛ التهذيب ،البغوي
()466/4؛ الإن�صاف ،املرداوي ()480-471/14؛ ك�شاف القناع ،البهوتي (.)133/9
قال ابن عابدين�“ :ضمان ما تلف مقيد بثالث �شرائط� :أن يكون يف قدرته رفع ذلك ،فلو غرقت مبوج
�أو ريح �أو �صدمة جبل ال ي�ضمن ،و�أن يكون حمل العمل م�سل ًما �إليه بالتخلية ،فلو رب املتاع �أو وكيله يف
ال�سفينة ال ي�ضمن ،و�أن يكون امل�ضمون مما يجوز �أن ي�ضمن بالعقد فال ي�ضمن الآدمي” .حا�شية ابن
عابدين (.)92/9
وقال خليل بن �إ�سحاق املالكي�“ :شرط يف ال�ضمان ثالثة �شروط :....الأول� :أن ين�صب نف�سه لل�صنعة...
ال�شرط الثاين� :أن ال يكون يف بيت رب ال�سلعة ...ال�شرط الثالث� :أن ال يكون رب ال�سلعة يالزمه”.
التو�ضيح (.)555-554/5
((( تقدمت الإ�شارة �إلى هذا يف املطلب ال�سابق.
املطلب الثالث
�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا
يف عقد الأجري امل�شرتك
مل �أقف يف هذه امل�س�ألة على ن�ص بخ�صو�ص تعذر ا�ستيفاء منفعة الأجري امل�شرتك،
ولكن ميكن �أن يقال :مبا �أن الأجري امل�شرتك ال ي�ستحق الأجرة حتى يعمل((( ،ف�إن
النظر يف حال الظروف الطارئة -كحال انت�شار الوباء -يكون كغريه ،والعربة بالعمل،
ف�إذا �أجنز ما جرى العقد عليه ا�ستحق �أجرته ،و�إن مل ينجزه فال �أجرة له.
خامتة
و�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الثاين وكان تع ّذرها قبل التمكن من
ا�ستيفاء جزءٍ ذي قيم ٍة منها ،فاحلكم يف هذه ال�صورة كاحلكم يف الق�سم
الأول �إذا تعذر االنتفاع من �أول العقد.
و�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الثاين وكان تع ّذرها بعد ا�ستيفائها
كاملة وفق من�صو�ص العقد �أو العرف ،فاحلكم فيه �أن الأجرة تثبت كاملة،
وما تع ّذر ال قيمة له.
و�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الثاين وكان تعذرها بني الوقتني
ال�سابقني ،ف�إن هذه جائحة توجب عدم لزوم الأجرة كامل ًة ،و�إمنا ي�سقط
كلها �أو بع�ضها بح�سب ما فات من املنفعة.
�9.9إذا تعذر عمل الأجري اخلا�ص ب�سبب مانع �سماوي ف�إنه ي�سقط من �أجرته
بقدر ما تعذر ا�ستيفا�ؤه من منفعته.
1010ال ي�ستحق الأجري امل�شرتك �أجرته حتى يعمل ،حتى يف حال املانع ال�سماوي
الذي قد ي�ؤثر على عمله
ويو�صى يف اخلتام مبا ي�أتي:
�1.1أن حتر�ص اجلهات املعنية على و�ضع �ضوابط ولوائح حتدد احلقوق
وااللتزامات عند اجلوائح والظروف القاهرة.
�2.2أن تتحمل الدولة -ما �أمكن -الآثار الناجتة عن مثل هذه اجلوائح �أو املوانع
ال�سماوية ،مما يلحق فيه ال�ضرر باملتعاقدين �أو ب�أحدهما.
�3.3أن يرتاحم امل�سلمون فيما بينهم فيتحمل الطرف الأقوى �أو الأغنى اجلزء
الأكرب من ال�ضرر احلا�صل ب�سبب هذه اجلوائح واملوانع ال�سماوية.
1010البناية �شرح الهداية ،بدر الدين حممود بن �أحمد العيني (ت ،)855 :حتقيق:
�أمين �شعبان ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط.2000 - 1420 ،1
1111البيان يف مذهب ال�شافعي ،لأبي احل�سني يحيى بن �أبي اخلري العمراين (ت:
،)558حتقيق :قا�سم النوري ،دار املنهاج :بريوت ،ط.2000- 1421 ،1
1212تكملة البحر الرائق ،ملحمد بن ح�سني بن علي الطوري القادري (ت :بعد
،)1138حتقيق :زكريا عمريات ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط- 1418 ،1
.1997
1313التهذيب يف فقه ال�شافعي ،لأبي حممد احل�سني بن م�سعود البغوي (ت،)516 :
حتقيق :عادل عبداملوجود وعلي معو�ض ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط1418 ،1
.1997 -
1414التهذيب يف اخت�صار املدونة ،لأبي �سعيد خلف بن �أبي القا�سم الرباذعي الأزدي
القريواين (ت :يف القرن الرابع) ،حتقيق :حممد الأمني ولد حممد �سامل بن
ال�شيخ ،دار البحوث :دبي ،ط.2002 - 1423 ،1
1515التو�ضيح �شرح خمت�صر ابن احلاجب ،خلليل بن �إ�سحاق اجلندي املالكي (ت:
،)776حتقيق� :أبي الف�ضل الدمياطي ،دار ابن حزم :بريوت ،ط- 1433 ،1
.2012
1616اجلامع مل�سائل املدونة ،ملحمد بن عبداهلل ابن يون�س ال�صقلي (ت،)451 :
حتقيق :جمموعة حمققني يف ر�سائل علمية ،دار الفكر :بريوت ،ط- 1434 ،1
.2013
1717اجلوهرة النرية على القدوري ،لأبي بكر بن علي بن حممد احلداد اليمني (ت:
،)800مطبعة حممود بك.1301 ،
1818حا�شية ابن عابدين ،ملحمد �أمني ابن عابدين (ت ،)1252 :حتقيق :عادل
عبداملوجود وعلي معو�ض ،دار عامل الكتب :الريا�ض ،طبعة خا�صة- 1423 ،
.2003
1919حا�شية الد�سوقي ،حممد بن عرفة الد�سوقي (ت ،)1230 :دار �إحياء الكتب
العربية :م�صر.
2020حا�شية ال�شرواين على حتفة املحتاج (مطبوع معه) ،عبداحلميد ال�شرواين
(ت ،)1301 :املكتبة التجارية الكربى :م�صر.1938 -1357 ،
2121حا�شية اللكنوي على الهداية ،لعبداحلي اللكنوي (ت ،)1303 :حتقيق :نعيم
�أ�شرف نور �أحمد� ،إدارة القر�آن والعلوم الإ�سالمية :كرات�شي ،ط.1417 ،1
2222احلاوي الكبري ،لأبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب املاوردي (ت،)450 :
حتقيق :علي معو�ض وعادل عبداملوجود ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط1414 ،1
.1994 -
2323الدر املختار ،ملحمد بن علي احل�صني الدم�شقي احل�صكفي (ت،)1088 :
حتقيق :عادل عبداملوجود وعلي معو�ض ،دار عامل الكتب :الريا�ض ،طبعة
خا�صة.2003 - 1423 ،
2424الذخرية� ،أحمد بن �إدري�س القرايف (ت ،)684 :حتقيق :حممد بوخبزة ،دار
الغرب الإ�سالمي ،بريوت ،ط.1994 ،1
2525رو�ضة الطالبني ،يحيى بن زكريا النووي (ت� ،)676 :إ�شراف :زهري ال�شاوي�ش،
املكتب الإ�سالمي :بريوت ،ط.1991 - 1412 ،3
2626ال�شامل يف فقه الإمام مالك ،لبهرام بن عبداهلل الدمريي (ت ،)805 :حتقيق:
�أحمد جنيب ،مركز جنيبويه :القاهرة ،ط.2008- 1429 ،1
�2727شرح خمت�صر خليل ،حممد بن عبداهلل بن علي اخلر�شي (ت ،)1101 :مطبعة
بوالق :م�صر ،ط.1317 ،2
�2828شرح الزرك�شي على اخلرقي ،ل�شم�س الدين حممد بن عبداهلل الزرك�شي (ت:
،)772حتقيق :عبداهلل بن عبدالرحمن اجلربين ،مكتبة العبيكان :الريا�ض،
ط.1993 - 1413 ،1
2929ال�شرح ال�صغري على �أقرب امل�سالك ،لأحمد بن حممد الدردير (ت،)1201 :
دار املعارف :القاهرة.
3030ال�شرح الكبري على املقنع (مطبوع مع املقنع والإن�صاف) ،عبدالرحمن ابن
�أبي عمر املقد�سي (ت ،)682 :حتقيق :عبداهلل الرتكي ،مركز هجر :القاهرة،
ط.1995 - 1415 ،1
3131ال�شرح الكبري� ،أبو الربكات �أحمد الدردير (ت ،)1201 :م�صر :دار �إحياء
الكتب العربية :م�صر.
�3232شرح املنتهى ،من�صور بن يون�س البهوتي (ت ،)1051 :حتقيق :عبداهلل الرتكي،
م�ؤ�س�سة الر�سالة :بريوت ،ط.2000 - 1421 ،1
3333ال�صحاح ،لإ�سماعيل بن حماد اجلوهري (ت ،)393 :حتقيق� :أحمد عبدالغفور
عطار ،دار العلم للماليني :بريوت ،ط.1990 ،4
�3434صحيح م�سلم ،م�سلم بن احلجاج الق�شريي (ت )261 :حتقيق� :أبو �صهيب
الكرمي ،بيت الأفكار الدولية :الريا�ض.1998 - 1419 ،
3535العزيز �شرح الوجيز� ،أبو القا�سم عبدالكرمي الرافعي القزويني (ت،)623 :
حتقيق :علي معو�ض وعادل عبداملوجود ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط1417 ،1
.1997 -
3636العناية �شرح الهداية ،ملحمد بن حممد بن حممود البابرتي (ت ،)786 :تعليق:
عبدالرزاق املهدي ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط.2003 - 1424 ،1
3737الفروع� ،شم�س الدين حممد بن مفلح املقد�سي (ت ،)763 :حتقيق :عبداهلل
الرتكي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة :بريوت ،ط.2003 - 1424 ،1
3838القامو�س املحيط ،ملجد الدين حممد بن يعقوب الفريوز�آبادي (ت،)817 :
حتقيق :مكتب حتقيق الرتاث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة ،م�ؤ�س�سة الر�سالة :بريوت.
3939قرارات املجمع الفقهي الإ�سالمية مبكة املكرمة ،الدورات من الأولى �إلى
ال�سابعة ع�شرة.
4040القواعد ،لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد املقري (ت ،)759 :حتقيق :حممد
الدردابي ،دار الأمان :الرباط.2012 ،
4141الكايف يف فقه �أهل املدينة ،لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل ابن عبدالرب النمري
القرطبي (ت ،)463 :دار الكتب العلمية :بريوت ،ط.1992 - 1413 ،2
4242ك�شاف القناع عن الإقناع ،ملن�صور بن يون�س البهوتي (ت ،)1051 :حتقيق:
جلنة متخ�ص�صة بوزارة العدل ،وزارة العدل :ال�سعودية ،ط.2006- 1427 ،1
4343كفاية النبيه �شرح التنبيه� ،أبو العبا�س جنم الدين �أحمد ابن الرفعة (ت:
،)710حتقيق :جمدي با�سلوم ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط.2009 ،1
4444كنز الدقائق ،لأبي الربكات عبداهلل بن �أحمد الن�سفي (ت ،)710 :حتقيق:
�سائد بكدا�ش ،دار الب�شائر الإ�سالمية :بريوت ،ط.2011 - 1432 ،1
4545اللباب يف �شرح الكتاب ،لعبدالغني الغنيمي (ت :القرن الثالث ع�شر) ،حتقيق:
حممد حميي الدين عبداحلميد ،املكتبة العلمية :بريوت.
4646ل�سان العرب ،لأبي الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم ابن منظور الأفريقي
(ت ،)711 :دار �صادر :بريوت.
4747املب�سوط� ،شم�س الأئمة �أبو بكر حممد بن �سهل ال�سرخ�سي (ت ،)490 :دار
املعرفة :بريوت.1989 - 1409 ،
4848جمموع الفتاوى� ،أحمد بن عبداحلليم ابن تيمية (ت ،)728 :جمع :عبدالرحمن
بن حممد بن قا�سم ،جممع امللك فهد :املدينة.2004 - 1425 ،
4949املحيط الربهاين ،لربهان الدين حممود ابن مازه البخاري (ت،)616 :
حتقيق :نعيم �أ�شرف نور �أحمد ،املجل�س العلمي :كرات�شي ،ط.2004 - 1424 ،1
5050خمت�صر اخلرقي ،لأبي القا�سم عمر بن احل�سني اخلرقي (ت( )334 :مطبوع
مع املغني) ،حتقيق :عبداهلل الرتكي وعبدالفتاح احللو ،دار عامل الكتاب:
الريا�ض ،ط.1997 - 1417 ،3
5151املدونة عن مالك بن �أن�س� ،سحنون بن �سعيد التنوخي (ت ،)240 :حتقيق :علي
الها�شم ،دار الن�صر :القاهرة.
5252معلمة زايد للقواعد الفقهية والأ�صولية ،جمموعة من العلماء والباحثني،
م�ؤ�س�سة زايد� :أبو ظبي ،ط.2013 - 1434 ،1
5353املعونة على مذهب عامل املدينة ،للقا�ضي عبدالوهاب بن ن�صر البغدادي (ت:
،)422حتقيق :حمي�ش عبداحلق ،املكتبة التجارية :مكة.
5454معونة �أويل النهى �شرح املنتهى ،لتقي الدين حممد بن �أحمد الفتوحي ال�شهري
بابن النجار (ت ،)972 :حتقيق :عبدامللك بن دهي�ش ،ط.2008 - 1429 ،5
5555مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج ،ل�شم�س الدين حممد بن اخلطيب
ال�شربيني (ت ،)977 :حتقيق :حممد خليل عيتاين ،دار املعرفة :بريوت ،ط،1
.1997 - 1418
5656املغني ،لأبي حممد عبداهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي (ت ،)620 :حتقيق:
عبداهلل الرتكي وعبدالفتاح احللو ،دار عامل الكتاب :الريا�ض ،ط- 1417 ،3
.1997
5757مقايي�س اللغة ،لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا (ت ،)395 :حتقيق:
عبدال�سالم هارون ،دار الفكر :م�صر.1979 - 1399 ،
5858منتهى الإرادات يف جمع املقنع مع التنقيح وزيادات ،لتقي الدين حممد بن
�أحمد الفتوحي ال�شهري بابن النجار (ت ،)972 :حتقيق :عبداهلل الرتكي،
م�ؤ�س�سة الر�سالة :بريوت ،ط.1999 - 1419 ،1
5959منح اجلليل على خمت�صر خليل ،ملحمد علي�ش (ت ،)1299 :دار الفكر :بريوت:
ط.1984 - 1404 ،1
6060مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل ،لأبي عبداهلل حممد بن حممد
بن عبدالرحمن املالكي املغربي ال�شهري باحلطاب ،حتقيق :دار الر�ضوان ،دار
الر�ضوان :موريتانيا ،ط.2010 - 1431 ،1
6161نتائج الأفكار يف ك�شف الرموز والأ�سرار (تكملة فتح القدير البن الهمام)،
ل�شم�س الدين �أحمد بن قودر املعروف بقا�ضي زاده �أفندي (ت ،)998 :حتقيق:
عبدالرزاق املهدي ،دار الكتب العلمية :بريوت ،ط.2003- 1424 ،1
6262النجم الوهاج يف �شرح املنهاج ،لأبي البقاء حممد بن مو�سى بن عي�سى الدمريي
(ت ،)808 :حتقيق :جمموعة حمققني ب�إ�شراف :حممد غ�سان عزقول ،دار
املنهاج :بريوت ،ط.2004 - 1425 ،1
6363النوادر والزيادات� ،أبو حممد عبداهلل بن �أبي زيد القريواين (ت،)386 :
حتقيق :عبدالفتاح احللو ،دار الغرب الإ�سالمي :بريوت ،ط.1999 ،1
6464الهداية �شرح بداية املبتدي ،لربهان الدين �أبي احل�سن علي بن �أبي بكر
املرغيناين (ت ،)593 :حتقيق :نعيم �أ�شرف نور �أحمد� ،إدارة القر�آن والعلوم
الإ�سالمية :كرات�شي ،ط.1417 ،1
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د .تركي ح�سن القحطاين
باحث يف العلوم ال�رشعية و�ش�ؤون الأ�رسة
د .تركي بن حسن القحطاني
ملخص البحث
يف ظل الإجراءات االحرتازية للوقاية التي اتبعتها كافة الدول للحد من انت�شار
وباء كورونا ،تعطلت �أغلب الو�سائل التقليدية لإمتام املعامالت الق�ضائية ،ومن ذلك
بال�سماح ب�إجراء عقد ال ّنكاح عرب
عقد ال ّنكاح؛ مما دفع وزارة العدل الإماراتية ّ
و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر ،فجاء هذا البحث ال�ستعرا�ض تلك التجربة ،وتكييفها
الفقهي ،ونظر العلماء املعا�صرين لإجراء عقد النكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث
من حيث الأ�صل ،واملوازنة بني الأدلة ومناق�شتها ،وذكر �أ�سباب اخلالف بينهم،
و�صول للراجح مع ذكر جملة من ال�ضوابط الإدارية التي ت�سيرّ العمل الق�ضائي، اً
وحتقق �أهدافه.
وتو�صل الباحث يف ختام بحثه �إلى جواز �إجراء العقد عرب و�سائل االت�صال املرئي
املبا�شر مطل ًقا ،ومع احلاجة من باب �أولى ،وفق �ضوابط �إجرائية حمددة ،ت�ضمن
حتقيق مقا�صد عقد ال ّنكاح.
الكلمات الدالة:
العقد ،ال ّنكاح ،الإيجاب والقبول ،و�سائل االت�صال احلديثة ،االت�صال املرئي،
جائحة كورونا.
املقدمة
�إنّ احلمد هلل ،نحمده ،ون�ستعينه ،ون�ستغفره ،ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا ،ومن
�سيئات �أعمالنا ،من يهده اهلل فال م�ض ّل له ،ومن ي�ضلل فال هادي له ،و�أ�شهد �أال �إله
�إال اهلل وحده ال �شريك له ،و�أ�شهد �أن حممدً ا عبده ور�سوله �-صلوات اهلل و�سالمه
عليه� -أما بعد:
يف ظل ما تعي�شه الب�شرية من �إجراءات احرتازية للحد من �آثار انت�شار جائحة
كورونا(كوفيد ،)19وتعطل مناحي احلياة االعتيادية وال�سعي من اجلهات احلكومية
للتقليل من الأ�ضرار الناجتة عن هذا االختالل ،بذلت اجلهات الق�ضائية جهدً ا
م�شكو ًرا ال�ستمرار تقدمي اخلدمات العدلية للمتعاملني ،جعلها تبتكر بع�ض الطرق
غري االعتيادية لتقدمي تلك اخلدمات.
ومن الإجراءات التي اتبعتها وزارة العدل الإماراتية يف املحاكم ال�شرعية ال�سماح
ب�إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر ،وذلك تطبي ًقا للتباعد
الفيزيائي االحرتازي بني النا�س قدر الإمكان ،و�ضما ًنا ال�ستمرار تقدمي اخلدمات
العدلية بو�سائل مبتكرة.
وكان حكم ا�ستخدام الو�سائل احلديثة ب�أنواعها يف العقود حمل اهتمام العلماء
املعا�صرين من �أهل الف�ضل ،فت�صدوا لبيان حكمها؛ وذلك �إميا ًنا منهم مبا قاله
الإمام ال�شافعي “ :فلي�ست تنزل ب�أحد من �أهل دين اهلل نازلة �إال ويف كتاب
اهلل الدليل على �سبيل الهدى فيها”((( فخل�صت �أغلب البحوث التي ناق�شها جممع
الفقه الإ�سالمي يف دورته ال�ساد�سة((( �إلى عدم �صحة �إمتام عقد ال ّنكاح عرب و�سائل
عموما.
االت�صال احلديث ً
�إال �أنّ هذه الو�سائل قد تطورت كث ًريا ،ودخلت فيها �أ�صناف متعددة ،منها :و�سائل
االت�صال املرئي ،الذي ال يقل انت�شا ًرا عن االت�صال ال�صوتي ،والتوا�صل الكتابي،
وهناك يف �أنظمة ت�شغيل الهواتف الذك ّية برامج متعددة تدعم االت�صال املرئي
املبا�شر؛ فاختار الباحث مو�ضوع�( :إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي
امللحة
املبا�شر يف ظل جائحة كورونا درا�سة فقهية ت�أ�صيلية تطبيقية)؛ لربوز احلاجة ّ
ال�ستخدامه يف ظل هذه الظروف اال�ستثنائية.
�أهمية املو�ضوع:
تكمن �أهمية البحث يف النقاط الآتية:
1.1تعلق مو�ضوع البحث ب�أخطر العقود �أث ًرا؛ وهو عقد ال ّنكاح الذي ت�ستباح به
الأب�ضاع بكلمة اهلل.
2.2التطور واالنت�شار الوا�سع لو�سيلة االت�صال املرئي املبا�شر ،وا�ستخدامها يف
حياة النا�س ب�شكل كبري ،وا�ستخدامها من قبل اجلهات الق�ضائية يف عقد
ال ّنكاح.
3.3احلاجة �إلى �إيجاد بدائل �صحيحة و�آمنة للطرق التقليدية لعقد ال ّنكاح يف
ظل الظروف اال�ستثنائية ملكافحة انت�شار وباء كورونا.
فهذه الأمور ت�ستدعي توجيه اجلهد البحثي للنظر يف �صحة �إجراء عقد ال ّنكاح
عرب و�سائل االت�صال املبا�شر ،وما هي ال�ضوابط التي ال ب ّد من مراعاتها يف ذلك.
((( الر�سالة�( ،ص ،)20وقال �أي�ضً ا“ :فلي�س تنزل ب�أحد نازلة �إال والكتاب يدل عليها ن صً� ا �أو جملة”.
�إبطال اال�ستح�سان (�ضمن مو�سوعة الأم للإمام ال�شافعي).)69/9( ،
((( ي�أتي ذكر جملة من هذه البحوث عند ا�ستعرا�ض الدرا�سات ال�سابقة.
م�شكلة البحث:
تتمثل م�شكلة البحث يف ال�س�ؤال الآتي:
ي�صح �إجراء عقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر؟
هل ّ
وميكن �أن ت�صاغ منه جملة من امل�شكالت يف النقاط الآتية:
1.1ما مفهوم االت�صال املرئي املبا�شر امل�ستخدم يف عقد ال ّنكاح؟
2.2هل حتقق هذه الو�سيلة ال�شروط املعتربة ل�صحة عقد ال ّنكاح؟
3.3ما التكييف الفقهي ال�ستخدام هذه الو�سيلة؟
4.4ما موقف العلماء املعا�صرين من �إجراء عقد ال ّنكاح بهذه الو�سيلة؟ وما �سبب
اخلالف بينهم؟
5.5هل هناك �ضوابط �إجرائية ال ب ّد من اتباعها ل�ضبط عقد ال ّنكاح عرب هذه
الو�سيلة؟
�أهداف البحث:
يهدف هذا البحث �إلى الإجابة عن الت�سا�ؤالت ال�سابقة وفق الآتي:
1.1بيان مفهوم االت�صال املرئي املبا�شر امل�ستخدم يف �إجراء عقد ال ّنكاح.
2.2بيان حتقق �شروط ال�صحة يف عقد ال ّنكاح وا�ستيفاء الإجراءات الإدارية.
3.3بيان التكييف الفقهي لإجراء عقد ال ّنكاح بو�سائل االت�صال املرئي املبا�شر.
4.4بيان موقف العلماء من �إجراء عقد ال ّنكاح بو�سائل االت�صال املرئي املبا�شر،
و�سبب اخلالف يف امل�س�ألة.
5.5بيان جملة من ال�ضوابط الإدارية التي حتقق مقا�صد عقد ال ّنكاح.
منهج البحث:
الو�صفي؛ الذي يهتم بتحليل عنا�صر املو�ضوع،ُّ �سلك الباحث يف البحث املنهج
اً
و�صول �إلى موقف وذلك بتحديد مفهومه ،وبيان �أهم براجمه ،وتكييفه الفقهي،
اال�ستنباطي ،الذي يقوم على ا�ستنباط
ِّ العلماء منه .كما ا�ستفاد � ً
أي�ضا من املنهج
الأحكام والأفكار من الن�صو�ص ،وهذان املنهجان يكتمالن يف البحث مع املنهج
اال�ستقرائي الذي ينطلق من احلقائق اجلزئية املتف ِّرقة لي�صل �إلى احلقائق العامة
والكلية ،من خالل تتبع مو�ضوع و�سائل االت�صال احلديث و�إجراء العقود بوا�سطتها
من مظا ّنه لدى الفقهاء املعا�صرين وجمعها م ًعا ،م�ضي ًفا لها املنهج املقارن والذي
يقارن بني الأقوال والأدلة ،اً
و�صول �إلى ال ّراجح منها.
ويف �سبيل حتقيق الأهداف املرجوة من البحث فقد اتبع الباحث يف �إجراءات
البحث ما هو متبع يف درا�سة النوازل الفقهية من ت�صوير النازلة ،ثم تكييفها الفقهي،
ثم بيان حكمها ،منطل ًقا مما �سطره العلماء حول هذه امل�س�ألة قد ًميا وحدي ًثا ،مع
توثيق �أقوال العلماء من املراجع املعتمدة لكل مذهب ،والعزو �إليها بذكر ا�سم الكتاب
واجلزء وال�صفحة ،و�إن كان املرجع معا�ص ًرا ي�ضاف له ا�سم امل�ؤلف ،مع تخريج
الأحاديث من كتب احلديث امل�سندة ،ف�إن كان احلديث يف ال�صحيحني اكتفى بهما
الباحث ،مع ذكر الكتاب ،والباب ،و�إن كان يف غريهما ي�ضاف ملا �سبق �أقوال نقاد
احلديث دون تو�سع ،وما نقله الباحث بن�صه جعله بني �إ�شارة التن�صي�ص ،وما نقله
مبعناه يتقدم قبله (انظر).
الدرا�سات ال�سابقة يف املو�ضوع:
مل يقف الباحث -بح�سب اطالعه القا�صر -على أ� ّية درا�سة م�ستقلة بهذا العنوان،
ولكن هناك درا�سات تناولت املو�ضوع حتت عناوين �أخرى� ،سيبد�أ الباحث ب�أكرثها
عالقة باملو�ضوع من حيث الت�سمية ،ومن ذلك:
1.1حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة ،الدكتور/
الفقهاء فيما يتعلق بالإيجاب والقبول ،وجمل�س العقد ،وقد ا�ستفاد الباحث
منها ،وجعل ال ّنتيجة التي تو�صلوا �إليها يف قرارهم ،هي منطلق هذا البحث.
4.4التكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته ال�شرعية وفق ا�ستخدام و�سائل وتقنيات
االت�صال احلديث ،با�سل حممود عبداهلل احلايف ،ولقد تناول م�س�ألة التكييف
الفقهي ملجل�س العقد ،وقد �أجاد يف ذلك ،وذهب �إلى عدم �صحة انعقاد عقد
النكاح عن طريق املرا�سلة ،وال عن طريق و�سائل االت�صال املعا�صر ،وكان
اجلهد من�ص ًبا من امل�ؤلف يف التكييف الفقهي ملجل�س العقد ،وقد ا�ستفاد
الباحث منه يف التكييف الفقهي.
ومن حيث العموم ف�إن هناك مالحظة منهجية على جميع البحوث املذكورة �أعاله
�أ ّنها تو�سعت يف ا�ستجالب ما لدى الفقهاء ،ومقارنة ذلك مبا لدى فقهاء القانون،
فهي تنطلق من املا�ضي ،ثم �إلى احلا�ضر ،ولك ّنها ال ت�صل �إلى غايتها �إال وقد �أجهدتها
امل�سافة ،لذلك نرى �أنّ �أقل ن�صيب من الكالم يف تلك البحوث هو الكالم عن عنوان
البحث املو�سوم به.
ورغبة من الباحث يف عدم اال�ستغراق يف ذكر ما هو معلوم لدى املخت�صني يف
عموما ،و�شروح
�أركان العقد ،و�شروطه ،وغري ذلك مما هو مبثوث يف كتب الفقه ً
احلديث ،وامل�ؤلفات اخلا�صة يف عقد ال ّنكاح ،وحتى ال تكون امل�س�ألة جمرد افرتا�ض
ذهني ،فقد تناول الباحث تطبيق هذه الو�سيلة على �أر�ض الواقع لدى املحاكم
أمنوذجا يتم من خالله الت�صور التام لهذه النازلة
ال�شرعية بوزارة العدل الإماراتية � ً
يف ظل هذه اجلائحة ،مع مراعاة مراحل ال ّنظر الفقهي للنوازل املعا�صرة ،وذلك
انطال ًقا من الت�صوير الفقهي للم�س�ألة من واقعها احلقيقي بعد التعريف ب�أهم
مفردات البحث ،مرو ًرا بتكييفها الفقهي ،اً
و�صول لذكر الأقوال يف امل�س�ألة و�أدلتها،
مع بيان الراجح منها ،وذكر جملة من ال�ضوابط الإدارية التي ت�ضمن حتقيق املق�صد
من هذه املعاملة.
والباحث وهو ينظر للم�س�ألة ال ينطلق من �إطار احلاجة العامة التي تنزل منزلة
ال�ضرورة ،بل يتناول �أ�صل �صحة �إجراء عقد ال ّنكاح باالت�صال املرئي ،ومن ثم �سريى
�إن كان هناك من داعي لتطبيق القواعد املتعلقة باملق�صد احلاجي.
خطة البحث:
التزاما من الباحث يف مراعاة من ذكر �آن ًفا من اعتبار مراحل ال ّنظر يف النوازل،
ً
فقد جاء البحث يف مقدمة ،ومبحثني ،وخامتة.
املقدمة :ت�ضمنت العنا�صر العلمية املعتمدة يف مناهج البحث العلمي ،وهي� :أهمية
املو�ضوع ،وم�شكلة البحث ،و�أهدافه ،ومنهجه ،والدار�سات ال�سابقة ،واخلطة.
املبحث الأول :ت�صوير �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر يف ظل
جائحة كورنا ،وفيه �أربعة مطالب:
املطلب الأول :تعريف عقد ال ّنكاح.
املطلب الثاين :تعريف و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر.
املطلب الثالث :تعريف جائحة كورونا.
املطلب الرابع� :إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر يف املحاكم
ال�شرعية يف دولة الإمارات العربية املتحدة.
املبحث الثاين :التكييف الفقهي وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي
املبا�شر ،و�ضوابط ذلك ،وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول :التكييف الفقهي لعقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر.
املطلب الثاين :حكم عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر.
املطلب الثالث� :ضوابط �إجرائية لإمتام عقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي.
و�أخريا اخلامتة ،وت�ضمنت �أهم النتائج والتو�صيات.
ويف ختام هذه املقدمة يتقدم الباحث بال�شكر � اًأول و�آخ ًرا للمولى -جل وعال -
على توفيقه ونعمه الظاهرة والباطنة ،فله احلمد ،والف�ضل ،وامل ّنة ،ون�س�أل اهلل تعالى
�أن يجعل هذا العمل خال صً� ا لوجهه الكرمي ،و�أن يعلمنا ما ينفعنا و�أن ينفعنا مبا
علمنا �إ ّنه العليم احلكيم.
والباحث �إذ يقدم هذا البحث ال ي ّدعي الكمال؛ و�إنمّ ا هو جهد املقل ،ف�إن �أ�صاب
فهذا ف�ضل من اهلل وحده ،و�إن كان هناك خط�أ فمن نف�سه ،ومن ال�شيطان ،واهلل
ور�سوله منه بريئان ،واهلل من وراء الق�صد.
املبحث الأول
ت�صوير �إجراء عقد النّكاح
عن طريق االت�صال املرئي املبا�شر
املطلب الأول
تعريف عقد النّكاح
النكاح لغة:
نكاحا ،مثل� :ضرب ي�ضرب �ضر ًبا ،وهو ال�ضم ،ومنه قولهم:
م�صدر نكح ينكح ً
تناكحت الأ�شجار� ،أي :ان�ضم بع�ضها �إلى بع�ض.
عمرك اهلل كيف يجتمعان. وقوله� :أيها املُنكح الرثيا اً
�سهيل
ويطلق يف الأ�صل على الوطء ،وقيل :هو العقد له ،وهو التزويج؛ لأنه �سبب للوطء
املباح(((.
ا�صطالحا:
ً النكاح
ع ّرف العلماء عقد النكاح بتعريفات خمتلفة ،وهي بح�سب املذاهب الفقهية على
النحو الآتي:
� اًأول :تعريف احلنفية :هو “عقد و�ضع لتملك املتعة بالأنثى ق�صدً ا”(((.
((( انظر :معجم مقايي�س اللغة ،كتاب النون ،باب النون والكاف وما يثلثهما ،مادة( :نكح)،)475/5( ،
وتاج العرو�س من جواهر القامو�س ،حرف الكاف ،مادة( :نكح).)360/10( ،
((( فتح القدير �شرح الهداية.)186/3( ،
ثان ًيا :تعريف املالكية :هو “عقد حلل متتع ب�أنثى غري حمرم ،وغري جمو�سية،
وغري �أمة كتابية”(((.
ثال ًثا :تعريف ال�شافعية :هو “عقد يت�ضمن �إباحة وطء بلفظ �إنكاح �أو تزويج �أو
ترجمته”(((.
راب ًعا :تعريف احلنابلة :هو “عقد يعترب فيه لفظ نكاح �أو تزويج �أو ترجمته”(((.
وبالنظر �إلى التعريفات املذكورة ،ف�إنّ تعريف احلنفية ،واملالكية ،وال�شافعية
تعريف بالثمرة ،وتعريف احلنابلة تعريف باملرادف ،ومل يقف الباحث على من ع ّرف
عقد ال ّنكاح تعري ًفا ذات ًيا((( ،لذلك ميكن �أن ُيع ّرف عقد ال ّنكاح تعري ًفا ذات ًيا من
وجهة نظر الباحث ب�أ ّنه“ :عقد بني ال ّرجل واملر�أة بوا�سطة وليها ،يعترب بلفظ �إنكاح،
�أو تزويج يف اجلملة”.
�شرح التعريف:
قوله( :عقد) :وهو ارتباط �إيجاب بقبول على وجه م�شروع يثبت �أثره يف حمله.
وقوله( :بني الرجل واملر�أة) :وفيه ق�صر ال ّنكاح ال�شرعي على ما يكون بني الرجل
واملر�أة ،وعليه ال ي�صح بني الرجل والرجل ،وال املر�أة واملر�أة ،ومت تعريف الرجل
واملر�أة للمعهود الذهني للإ�شارة �إلى �شرط احلل بينهما.
ال�شرح ال�صغري مع حا�شية ال�صاوي ،)551/2( ،وعرفه ابن عرفه ب�أنه“ :عقد على جمرد متعة التلذذ (((
ب�آدمية ،غري موجب قيمتها ببينة قبله ،غري عامل عاقدها حرمتها �إن حرمها الكتاب على امل�شهور،
�أو الإجماع على الآخر” ،الر�صاع ،الهداية الكافية ال�شافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية،
(.)235/1
مغني املحتاج ،)200/4( ،ومن تعاريفهم �أي�ضً ا“ :عقد و�ضعه ال�شارع ليفيد حل ا�ستمتاع كل من الزوج (((
والزوجة بالآخر على الوجه امل�شروع” ،حتفة املحتاج ب�شرح املنهاج.)183/7( ،
ك�شاف القناع ،)137/11( ،وعرفه موفق الدين ابن قدامة ب�أنه“ :عقد التزويج” ،املغني،)339/9( ، (((
انظر :الو�سيط املي�سر يف فقه الأحوال ال�شخ�صية املقارن ،حممود الكبي�سي�( ،ص ،)10حا�شية،)1( : (((
وانظر :مناق�شة تعاريف الفقهاء يف الأنكحة املنهي عنها يف ال�شريعة الإ�سالمية ،حت�سني بريقدار،
(�ص..)22 :
وقوله( :بوا�سطة وليها) :بيان �أنّ الذي يتولى العقد عن املر�أة هو الويل ،وال ي�صح
�أن تتولى املر�أة عقد ال ّنكاح ال لنف�سها وال عن غريها كما هو الواجب عند اجلمهور،
وامل�ستحب عند احلنفية(((.
وقوله( :بلفظ �إنكاح �أو تزويج) :فيه بيان ال�صيغة التي يتم بها العقد ،وهي لفظ
الإنكاح والتزويج.
وقوله( :يف اجلملة) :بيان �أ ّنه قد يتم ب�ألفاظ �أخرى تدل على ذات املعنى ،مثل:
ملكتك� ،أو ترجمة الأقوال� ،أو بالإ�شارة للأخر�س ،وغري ذلك.
وعقد ال ّنكاح كغريه من العقود له �أركانه وهي عند اجلمهور عدا احلنفية(((:
الزوج ،والزوجة والويل ،وال�صيغة ،ويف كل ركن من هذه الأركان �شروط �صحة منها
إجمال :تعيني الزوجني ،ور�ضا البالغ الرا�شد منهما ،وعدم الإحرام بحج �أو عمرة، � اً
و�أن تكون الزوجة اً
حمل لل ّنكاح ،و�أن تكون بعبارة ال ّرجال ،فيزوج املر�أة وليها ،و�أن
تكون ال�صيغة بلفظ الإنكاح �أو التزويج ،و�أن تكون بلفظ الت�أبيد والدوام ،وموافقة
الإيجاب للقبول يف جمل�س واحد ،و�أن ال ي�صدر من املوجب رجوع قبل القبول ،و�أن
يح�ضر ال ّنكاح �شاهدان ف�أكرث ،والركن عند احلنفية هو ال�صيغة فقط ،ويرون ما ع ّده
اجلمهور �أركا ًنا من لوازم العقد(((.
((( انظر :فتح القدير ،)256-255/3( ،واملراجع الآتية.
((( ذهب احلنفية �إلى �أنّ ركن عقد ال ّنكاح هو ال�صيغة فقط ،وذهب املالكية �إلى �أنّ �أركان عقد ال ّنكاح
خم�سة وهي :الويل ،وال�صداق ،واملحل وهو الزوج والزوجة ،وال�صيغة ،وذهب ال�شافعية �أنها �أربعة
�أركان :ال�صيغة ،واملر�أة ،والعاقدان ،والزوج ،والويل ،وال�شهادة ،ويرى احلنابلة �أنهما ركنان :الزوجان،
وال�صيغة ،انظر :بدائع ال�صنائع ،)228/2( ،ومواهب اجلليل ،)228/4( ،ورو�ضة الطالبني وعمدة
املفتني ،)397-382/5( ،والإقناع.)315 /3( ،
((( هناك تف�صيل يف كل مذهب وال يت�سع املقام لذكرها ،انظر :املراجع ال�سابقة ،والإن�صاف يف معرفة
الراجح من اخلالف مع ال�شرح الكبري.)155 /20( ،
املطلب الثاين
تعريف و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر
يقوم ب�إر�سال الر�سالة ،وامل�ستقبل :الذي يتلقى الر�سالة ،و�إمكانية �أن يرتبط بعملية
االت�صال �أكرث من �شخ�ص.
وقوله( :يف واقع افرتا�ضي) :وهذا نتيجة لعملية االت�صال التقني ،هو خلق واقع
افرتا�ضي حكمي ،يفرت�ض فيه التقاء الأطراف و�إجراء عملية التوا�صل.
وذلك �أنّ عملية االت�صال ب�أنواعها تقوم يف اجلملة على عنا�صر �أربعة ،وهي:
املر�سل ،وامل�ستقبل ،والر�سالة ،وقناة االت�صال.
وبنا ًء عليه يكون عقد ال ّنكاح بوا�سطة االت�صال املرئي املبا�شر هو( :العقد الذي
يتم بوا�سطة برامج االت�صال املرئي املبا�شر لإمتام �إجراءات العقد ،بح�ضور �أطراف
العقد ،وال�شهود يف مع ّية اجلهة املخت�صة).
ومن �أهم الربامج املرئية التي ُت�ستخدم يف اجلهات الر�سمية ما ي�أتي:
1.1برنامج :((()Microsoft Teams( :وهو �أ�شهرها والذي �أطلقته �شركة
مايكرو�سوف يف تاريخ 12يوليو 2018م ،وهو من �أهم التطبيقات التي ظهرت
بقوة يف الفرتة الأخرية(((.
2.2برنامج :((()Zoom Cloud Meeting( :وهو من �أكرث الربامج التي
ا�شتهرت يف الفرتة الأخرية ب�سبب الإقبال الكبري عليها ،ويرجع �سبب ذلك
لل�سهولة الن�سبية يف اال�ستخدام ،وكانت بداية انطالقه يف يناير 2013م(((.
:((()Webexوهو يتبع ل�شركة �سي�سكو �سي�ستمز، (Meeting 3.3برنامج:
راجع موقع مايكرو�سوفت :نظر بتاريخ 2020/06/29مhttps://www.microsoft.com/ar-gulf/ : (((
((( راجع موقعة املعرفة :نظر بتاريخ2020/06/29 :م:
https://www.knowledgewave.com/blog/4-advantages-of-microsoft-teams-with-office-365
راجع موقع الربنامج زووم :نظر بتاريخ2020/06/29 :مhttps://zoom.us/livedemo : (((
((( راجع لال�ستزادة موقع بوابة الأهرام :نظر بتاريخ2020/06/29 :م:
http://gate.ahram.org.eg/News/2393943.aspx
((( راجع موقع الربنامج ويبك�س :نظر بتاريخ2020/06/29 :م:
https://www.webex.com/content/webex/c/en_US/index/downloads.html/
جدا ،وميكن
وبد أ� التطبيق يف �سنة 2015م ،ويتمتع ب�إجراءات حماية عالية ً
التوا�صل مع الأطراف عن طريق االت�صال الهاتفي ،واالت�صال املرئي
بوا�سطة �إر�سال الرابط عن طريق الربيد الإلكرتوين ،كما يتيح كذلك
م�شاركة �سطح املكتب(((.
املطلب الثالث
جائحة كورونا
�ص ّنفت منظمة ال�صحة العاملية تف�شي فريو�س كوفيد 19باجلائحة ()Pandemic
بو�صفه وبا ًء عامل ًيا؛ وذلك ب�سبب االنت�شار الوا�سع وال�سريع لهذا املر�ض يف �أرجاء
العامل((( ،فقد بلغ عدد امل�صابني حتى تاريخ 2020/07/11م اثنى ع�شر مليون حالة
م�ؤكدة حول العامل ،و�أكرث من ن�صف مليون حالة وفاة وف ًقا لإح�صائية جامعة جونز
هوبكنز الأمريكية(((.
ويعترب فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد )19امل�سبب لهذه اجلائحة من �أحدث
الفريو�سات التاجية املكت�شفة التي ت�سبب جمموعة من االعتالالت املـُعدية يف الب�شر،
ترتاوح ح ّدتها ما بني نزلة الربد العادية �إلى املتالزمة التنف�سية احلادة الوخيمة.
وبح�سب منظمة ال�صحة العاملية ف�إنّ فريو�س كورونا (كوفيد )19هو امل�سبب
الرئي�س لهذا املر�ض ،والذي ظهر يف دي�سمرب 2019يف مدينة ووهان ال�صينية،
وحتول �إلى جائحة عاملية �أثرت على العديد من بلدان العامل.
((( راجع موقع �شركة �سي�سكو :نظر بتاريخ2020/06/29 :م:
https://www.cisco.com/c/ar_ae/products/collaboration-endpoints/webex-share/index.html
((( راجع املقابلة امل�صورة مع مدير منظمة ال�صحة العاملية ،موقع �سي �إن �إن العربية ،نظر بتاريخ
2020/08/04م ،رابط:
https://arabic.cnn.com/health/article/2020/03/11/whp-announces-coronavirus-spread-pandemic
((( راجع موقع العني الإخبارية ،نظر بتاريخ 2020/08/04م ،رابط:
https://al-ain.com/article/speed-spread-corona
وال يعرف �إلى الآن ب�شكل قاطع ما هو م�صدر هذا الفريو�س ،و�إن كانت �أغلب
الدرا�سات ت�شري �إلى �أنّ م�صدره حيواين� ،إال �أ ّنه من امل�ؤكد �أنّ طريقة انت�شار هذا
املر�ض هو �سوائل ج�سم امل�صاب من خالل ال�سعال� ،أو العط�س� ،أو عن طريق الأيدي
امللوثة� ،أو مل�س الأ�سطح امللوثة ثم مل�س العني �أو الأنف� ،أو الفم.
وت�ستمر فرتة ح�ضانة الفريو�س ،وهي الفرتة بني التقاط العدوى وبدء ظهور
يوما ،وغال ًبا ما تبد�أ بالظهور بعد حوايل خم�سة
الأعرا�ض من يوم �إلى �أربعة ع�شر ً
�أيام من الإ�صابة ،ولذلك جل�أت ال�سلطات ال�صحية يف خمتلف دول العامل �إلى تطبيق
يوما ،حتى تت�أكد
العزل �أو احلجر ال�صحي لكل م�صاب �أو م�شتبه به ملدة �أربعة ع�شر ً
من �سالمة ال�شخ�ص �أو زوال الأعرا�ض عنه.
وتظهر الإ�صابة بالعدوى من هذا الوباء من خالل ارتفاع يف درجة حرارة اجل�سم،
وال�سعال ،و�ضيق يف التنف�س ،واجلفاف ،والإرهاق ،وقد يحدث معه التهاب رئوي ،كما
مت الإبالغ عن بع�ض الأعرا�ض املعوية املعدية ،ت�شمل الإ�سهال.
ورغم ذلك تختلف ح ّدة الأعرا�ض من �شخ�ص لآخر ،فالبع�ض رغم �إ�صابته
بالعدوى قد ال تظهر عليه �أ ّية �أعرا�ض ،والبع�ض الآخر قد تكون العدوى التنف�سية
لديه معتدلة ،والبع�ض الآخر تتفاقم حالته ال�صحية ،وقد ت�صل يف بع�ض احلاالت �إلى
ف�شل يف التنف�س ،والذي يتطلب تنف�س ا�صطناعي ،والدعم يف وحدة العناية املركزة،
وقد ت�صل يف بع�ض احلاالت �إلى الوفاة.
وت�شتد الأعرا�ض لدى �شخ�ص واحد تقري ًبا من بني كل خم�سة �أ�شخا�ص م�صابني
بهذا املر�ض ،ويتعافى معظم امل�صابني بهذا الداء دون احلاجة �إلى عالج خا�ص ،فقد
بلغت ن�سبة ال�شفاء الذاتي �إلى ما يقارب(.)%80
و�أكرث النا�س ت�أث ًرا بهذا الوباء هم كبار ال�سنّ ،والأ�شخا�ص ذوي اجلهاز املناعي
ال�ضعيف ،وامل�صابون ب�أمرا�ض مزمنة ،مثل :ال�سرطان ،و�أمرا�ض الرئة ،وداء ال�سكري.
وال يوجد عالج مقبول �أو لقاح حتى الآن؛ لذلك جل�أت جميع الدول واملنظمات
العاملية املعنية بتطبيق جملة من الإجراءات االحرتازية ،ومن �أهمها التباعد الفيزيائي
�أو االجتماعي ،مما �أدى �إلى تغري منط احلياة الطبيعي الذي يعرفه ال ّنا�س(((.
ويكمن التحدي الكبري يف مواجهة هذه اجلائحة يف �سرعة االنت�شار الوا�سع
للعدوى بني ال ّنا�س يف حال املخالطة بامل�صابني ،مما ي�ؤدي �إلى �إرهاق الطواقم
الطبية ،وف�شل احتواء انت�شار املر�ض؛ مما دفع الدول التخاذ جملة من الإجراءات
االحرتازية ملواجهة هذا التحدي.
املطلب الرابع
�إجراء عقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر يف املحاكم ال�شرعية
يف دولة الإمارات العربية املتحدة
لقد �سعت اجلهات احلكومية يف دولة الإمارات العربية املتحدة �إلى �سلوك م�سلك
التطوير يف اخلدمات املقدمة للمتعاملني وحت�سينها ،ومنها اجلهات الق�ضائية
التي طوعت التقنيات احلديثة لالرتقاء باخلدمات العدلية املقدمة؛ والتي تهدف
لت�سهيل و�صول اخلدمات للنا�س وفق معايري جودة العمل الإداري املعا�صر ،والذي
كان للعن�صر التقني ح�ضوره امل�شاهد يف تقدمي �أغلب اخلدمات من خالل برامج
متخ�ص�صة تدعم هذا التوجه ،مع احلفاظ على خ�صو�صية امل�ستخدمني ،وال�سهولة
يف التطبيق.
ومن اخلدمات املقدمة من قبل وزارة العدل يف دولة الإمارات العربية املتحدة
�إجراء عقد ال ّنكاح عن بعد عرب االت�صال املرئي املبا�شر ،والذي �أثبتت الإجراءات
االحرتازية يف ظل جائحة كورونا ب�أنّ هذا االجتاه يعترب �ضرورة ملحة يف بع�ض
((( راجع موقع ال�صحة العاملية ،نظر بتاريخ2020/08/03 :م ،رابط:
https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-
coronaviruses
وراجع موقع هيئة ال�صحة بدبي ،نظر بتاريخ2020/08/03 :م ،رابط:
https://www.dha.gov.ae/ar/covid19/pages/coronavirus.aspx
الظروف ،فقد تعذر التوا�صل املبا�شر مع املتعاملني ك�إجراء احرتازي للمحافظة على
�سالمة املجتمع.
و ُيعترب نظام عقد ال ّنكاح عن بعد من مك ّمالت نظام عقود الزّواج الإلكرتوين،
الذي يمُ ّكن املتعامل من تقدمي الطلب عرب نظام اخلدمات املوحد للجهات احلكومية:
( ،)SmartPassوحجز موعد مع امل�أذون ال�شرعي ،وتقدمي جميع الأوراق املطلوبة،
و�سداد الر�سم املقرر �إلكرتون ًيا عرب �أجهزة احلا�سب الآيل ،والأجهزة اللوحية،
والأجهزة الإلكرتونية ،دون احلاجة �إلى املعامالت الورقية� ،أو االلتقاء ال�شخ�صي بني
جميع �أطراف العقد(((.
وبعد التحقق من ا�ستيفاء جميع اال�شرتاطات ال�شرعية والقانونية املن�صو�ص
عليها يف قانون الأحوال ال�شخ�صية الإماراتي ،رقم )28( :ل�سنة 2005م من
قبل امل�أذون ،يتم حتديد املوعد لعقد النكاح عرب تقنية الفيديو عرب برنامج:
( ،)Zoomويف املوعد املحدد يجتمع جميع �أطراف العقد ،وال�شهود مع امل�أذون
ال�شرعي ،ويتم ت�سجيل اللقاء ،ويتم خالله الرتحيب بالأطراف وال�شهود ،وبيان
طبيعة الإجراءات املتبعة ،والتحقق من �صفتهم ال�شخ�صية ،والقانونية ،ور�ضا
املر�أة ،ومن ثم التّلفظ بالإيجاب والقبول بني الويل واخلاطب ،وبعد اعتماد امل�أذون
ير�سل رابط للأطراف للتوقيع الإلكرتوين على املعاملة ،وكذلك ال�شهود ،ثم يعتمد
امل�أذون ال�شرعي املعاملة كاملة.
وبعد ذلك يقوم امل�أذون ال�شرعي ب�إر�سال ن�سخة من املعاملة عرب القناة الإلكرتونية
�إلى املحكمة املخت�صة لتقوم بدورها بالتدقيق ال�شرعي والقانوين املعتاد ،وبعد
اعتماده ،يتم �إ�صدار وثيقة عقد ال ّنكاح ،و�إر�سالها للزوجني عرب الهواتف امل�سجلة
عند تقدمي الطلب(((.
((( ينظر موقع وزارة العدل بدولة الإمارات العربية املتحدةُ ،نظر بتاريخ2020/06/06 :م:
https://www.moj.gov.ae/ar/services/esystems/defaultaspx.aspx
((( �أفاد البحث بجميع هذه التفا�صيل م�شافهة الدكتور /علي �صالح مراد امل�أذون ال�شرعي يف حماكم =
ولو ت�أملنا هذه ال�صورة جند ب�أنّ جميع �أركان العقد ،و�شروطه ال�شرعية،
والإجرائية قد توفرت ،فال يتم العقد �إال بح�ضور الرجل ،واملر�أة ،ووليها ،وال�شهود،
ويتم ذلك عرب اجلهة الر�سمية التي �أناط بها ويل الأمر توثيق العقود ،ويتم الت�أكد
من خلو العقد من �أية موانع �شرعية ،وال جمال للتقدم بطلب �إجراء عقد ال ّنكاح مع
تخلف �شيء من ذلك.
وجمل�س العقد الذي اجتمع فيه الأطراف كافة هو جمل�س افرتا�ضي عرب و�سائل
االت�صال الإلكرتونية ،يتحدث اجلميع ب�صوت م�سموع ،ويرى بع�ضهم البع�ض،
ويتبادلون �أطراف احلديث بدون وجود فا�صل زمني ،و�إن كان اجلميع ال يجتمعون يف
مكان حقيقي واحد.
= عجمان ال�شرعية ،وذلك خالل مكاملة هاتفية بتاريخ 2020/06/27م ،وينظر :موقع وزارة العدل
الإماراتية خرب بعنوان :العدل توفر خدمات عقد الزواج عن بعد ،نظر بتاريخ2020/06/06 :م:
https://www.moj.gov.ae/ar/media-center/news.aspx#page=1
املبحث الثاين
التكييف الفقهي وحكم �إجراء عقد النّكاح عرب و�سائل االت�صال
املرئي املبا�شر و�ضوابط ذلك
وفيه ثالثة مطالب على النحو الآتي:
املطلب الأول
التكييف الفقهي لعقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر
رغم �أهمية التكييف الفقهي �إال �أنه لفت نظر الباحث �أنّ �أغلب الكتابات يف هذا
املو�ضوع مل تظهر هذه اجلزئية بال�ش ّكل املطلوب ،ولذلك �أ�سبابه املو�ضوعية(((؛
ولذلك جاء بحث با�سل احلايف بعنوان( :التكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته
ال�شرعية وفق و�سائل وتقنيات االت�صال املعا�صر) لي�سد هذا الأمر ،و�إن كان م�ضمون
البحث جتاوز م�س�ألة التكييف الفقهي مبعناه الدقيق ،والذي يعني ذكر الو�صف
الفقهي املنا�سب ،وتعدى ذلك �إلى �أمور �أخرى(((� ،إال �أنه �أجاد عندما ربط التكييف
الفقهي مبجل�س العقد؛ لأنّ و�سائل االت�صال احلديث لي�ست من و�سائل التعبري عن
ال ّر�ضا ،و�إنمّ ا هي و�سيلة من و�سائل �إي�صال �صيغه((( ،وجمل�س العقد هو احلالة التي
يكون عليها املتعاقدون يف زمن حمدد((( ،يف واقع افرتا�ضي بديل.
ومنها :ال�سعي للو�صول �إلى احلكم ال�شرعي ،وان�شغال كثري من الباحثني يف ا�ستق�صاء ما ذكره الفقهاء (((
من �أحكام تتعلق ب�صيغة العقد ،كما �أنّ جملة من الباحثني املعا�صرين ال يف ّرق بني معنى التكييف
الفقهي ،والتخريج الفقهي ،وال يت�سع املقام ملناق�شة جميع ذلك.
انظر :التكييف الفقهي ملجل�س العقد�( ،ص ،)54 :وقد تط ّرق �إلى الت�صوير الفقهي وذلك للتالزم (((
بينهما ،ثم تعدى ذلك �إلى احلكم الفقهي والتخريج الفقهي للم�س�ألة ،اً
و�صول لل�شروط العامة واخلا�صة
للتعاقد الإلكرتوين ،ورغم ذلك مال �إلى منع �إجراء عقد النكاح عن طريق الو�سائل احلديثة مطل ًقا.
انظر :مبد�أ الر�ضا يف العقود درا�سة مقارنة يف الفقه الإ�سالمي والقانون املدين ،القره داغي�( ،ص.)904 : (((
انظر :حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة ،وهبة الزحيلي ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي= ، (((
املطلب الثاين
حكم عقد النّكاح باالت�صال املرئي املبا�شر
عموما حمل اهتمام العلماء لقد كانت م�س�ألة ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث ً
املعا�صرين ،و�أقدم من تناول حكم �إجراء العقود بهذه الو�سائل ال�شيخ �أحمد �إبراهيم
بك((( ،ثم ُبحثت هذه امل�س�ألة ب�شيء من التو�سع يف جممع الفقه الإ�سالمي الدويل
بجدة يف دورته ال�ساد�سة يف اململكة العربية ال�سعودية من � 23-17شعبان 1410هـ
املوافق 20-14 :مار�س 1990م ،والذي انتهى يف قراره رقم )54/3/6( :ب�ش�أن حكم
�إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة �إلى جواز التعاقد يف املعامالت املالية بو�سائل
االت�صال احلديث ويكون االنعقاد عند و�صول الإيجاب �إلى املوجه �إليه وقبوله ،يعترب
التعاقد يف هذه احلالة تعاقدًا بني حا�ضرين وتطبق على هذه احلالة الأحكام الأ�صلية
املقررة لدى الفقهاء ،وال ي�صح �إجراء عقد ال ّنكاح ال�شرتاط الإ�شهاد ،وال عقد
ال�صرف ال�شرتاط التقاب�ض ،وال ال�سلم ال�شرتاط تعجيل ر�أ�س املال(((.
= العدد ،)887/2( ،6 :والتكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته ،احلايف�( ،ص.)50 :
((( املدخل الفقهي العام ،م�صطفى الزرقا.)419/1( ، ،
((( وذلك يف بحثه :العقود ،وال�شروط واخليارات�( ،ص.)656
((( انظر :القرار يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي الدويل ،العدد.)1267/2( ،6 :
ومن نافلة القول بيان �أنّ ا�ستخدام و�سيلة االت�صال املرئي املبا�شر �أخ�ص من
م�س�ألة ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديثة ،فالو�سائل متعددة ،ولأهمية عقد ال ّنكاح
فقد تناوله الباحثون بني مو�سع وم�ضيق� ،إال �أنّ �أغلب من تناول حكمه كان على �سبيل
التبع ّية للعقود املالية ،وملخ�ص هذه الآراء يف ثالثة �أقوال ،وهي:
الأول :يمُ نع �إجراء عقد ال ّنكاح ب�أية و�سيلة من و�سائل االت�صال احلديث
مطلقًا ،وهو ما جاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل((( ،وعليه
فتوى ال ّلجنة الدائمة للإفتاء يف اململكة العربية ال�سعودية((( ،ون�سبه
البع�ض �إلى جممع الفقه الهندي((( ،وقال به جمموعة من املفتني على
املواقع الإلكرتونية(((.
الثاين :جواز �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث مطل ًقا ،وهو قول
ال�شيخ �أحمد �إبراهيم بك((( ،وم�صطفى الزرقا((( ،وبدران �أبو العينني(((،
ووهبة الزحيلي((( ،وحممد عقلة الإبراهيم((( ،ومفيدة �إبراهيم(،((1
((( انظر :القرار ال�سابق.
((( انظر :فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ،الفتوى رقم.)91-90/12( ،)1216( :
((( انظر :حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة ،مفيدة �إبراهيم�( ،ص ،1249( :وبعد
حماولة االطالع على ر�أيهم تعذر ذلك؛ لوجود خلل رمبا يف املوقع الإلكرتوين ،راجع موقع جممع الفقه
الهندي.http://www.ifa-india.org/arabic.php?do=home&pageid=library :
((( انظر :املرجع ال�سابق ،ويف حمرك البحث جوجل بع�ض منها.
((( انظر :العقود وال�شروط واخليارات� ،أحمد بك�( ،ص.)656
((( ن�سب له الفتوى م�شافهة حممد عقلة يف �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة�( ،ص.)113 :
((( انظر� :أحكام الزواج والطالق يف الإ�سالم� ،أبو العينني بدران� ،ص ،41 :نقال عن �إجراء العقود بو�سائل
االت�صال احلديثة ،حممد عقلة الإبراهيم�( ،ص ،)113 :ومت الرجوع �إلى الطبعة الثانية من الكتاب لأبو
العينني ،وال يوجد �أي تطرق لو�سائل االت�صال احلديث ،واهلل �أعلم.
((( انظر :حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة ،وهبة الزحيلي ،العدد.)888-887/2( ،6 :
((( انظر :حكم �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة ،حممد عقلة الإبراهيم�( ،ص.)113 :
(((1انظر :حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة ،مفيدة �إبراهيم�( ،ص.)1248 :
و�أ�سامة عمر الأ�شقر((( ،وهو احتمال لدار الإفتاء امل�صرية((( ،وهو ر�أي
�صالح الغليقة عند احلاجة وتعذر اجتماع العاقدين (((.
الثالث :التف�صيل((( ،فيجوز �إجراء العقود بالو�سائل احلديثة التي ت�شبه الكتابة
مثل :التلغراف ،والربقية ،والتلك�س ،والتوقف يف الهاتف على ح�ضور ال�شهود
للعقد ،وهو ر�أي �إبراهيم الفا�ضل الدبو(((.
وعند التدقيق يتبني ب�أنّ القول الثالث ي�أخذ من كل قول بن�صيب ،ولذلك �سيتم
بحث امل�س�ألة باعتبار القولني ،و�أدلتهما.
� اًأول� :أدلة القائلني باملنع:
ا�ستدل القائلون باملنع ب�أدلة منها:
الدليل الأول :عن ابن عبا�س « :ال نكاح �إال بويل و�شاهدي عدل»(((.
وجه الداللة :يدل الأثر على وجوب �شهادة ال�شهود على عقد ال ّنكاح((( ،والتعاقد
((( م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والطالق� ،أ�سامة الأ�شقر�( ،ص.)111 :
((( وقد جاء فيها�“ :أما الكالم يف امل�سرة (التليفون) فالتحقق فيه من �صوت الزوج فيه ع�سر ...وميكن
�أن يقال� :إنه بتطور �آالت االت�صال التي تنقل بها ال�صورة مع ال�صوت قد يح�صل الت�أكد من �شخ�صية
الطرفني وكالمهما بالإيجاب والقبول ،وجترى هذه الر�ؤية عن بعد جمرى احل�ضور يف املجل�س الواحد
الذي ا�شرتطه الفقهاء .وهنا يكون العقد �صحيحا” ،ا.هـ ،عقد الزواج بامل�سرة ،املفتي :عطية �صقر،
مايو 1997م ،فتاوى دار الإفتاء امل�صرية ،املكتبة ال�شاملة.)500/9( ،
((( انظر� :صيغ العقود يف الفقه الإ�سالمي� ،صالح الغليقة�( ،ص.)519 :
((( نقل موقع الإ�سالم �س�ؤال وجواب :يف حكم �إجراء عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنرتنت ،املكتبة
ال�شاملة ،)218/6( ،عن ال�شيخ ابن باز اجلواز �إذا كان العقد عرب الهاتف و�سمعه ال�شهود ،وعلقه
على �أمن التالعب ،ومل يجده الباحث بجهده املتوا�ضع يف فتاوى ابن باز املطبوعة ،و�إن �صحت
ف�صل يف اجلواز ،فيدخل قوله يف القولني ،واهلل �أعلم.
الن�سبة ،فيكون ال�شيخ ُي ّ
((( انظر :حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة� ،إبراهيم الدبو ،العدد.)867-866/2( ،6 :
((( �أخرجه الدارقطني ،ال�سنن ،كتاب النكاح ،حديث رقم ،)3521( :والبيهقي ،ال�سنن الكربى ،كتاب
مرفوعا ،وال ي�صح ،ورجح الدارقطني،
ً النكاح ،باب ال نكاح �إال بويل ،حديث رقم ،)13650( :وروي
والبيهقي ،وابن عبدالهادي وقفه ،انظر :ابن عبدالهادي ،تنقيح التحقيق.)202/4( ،
((( اتفق العلماء على عدم م�شروعية كتمان عقد ال ّنكاح ،نقله غري واحد من �أهل العلم (انظر :مو�سوعة =
عن طريق و�سائل االت�صال احلديث ال يتحقق فيه هذا ال�شرط((( ،فال ميكن �أن
يح�ضر ال�شهود لفظ الإيجاب والقبول من الطرفني ،وعلى ذلك يكون العقد فاقدً ا
ل�شرط من �شروط ال�صحة(((.
ميكن مناق�شة اال�ستدالل ب�أنه :لي�س حمل البحث ت�صحيح ال ّنكاح مع فقد �شرط
من �شروط ال�صحة املعتربة ،بل حم ّل البحث �إذا وجدت هذه ال�شروط ،ومت االت�صال
املرئي املبا�شر ،هل يعترب هذا االت�صال يف حكم االت�صال احلقيقي وي�صح �إجراء
العقد؟ �أم ال يعترب؟
وال جمال للبحث يف حال فقد �شرط من �شروط ال�صحة؛ لأنّ ذلك ال يختلف فيه
احلكم �سوا ًء �أكان العقد بني حا�ضرين �أم من خالل و�سيلة من و�سائل االت�صال.
كما �أنّ ال�صورة حمل البحث يح�ضر فيها ال�شهود ،ويتم التحقق من ذلك ،وال يتم
�إجراء املعاملة �إال بعد ا�ستيفاء جميع ال�شروط ال�شرعية ،ويكون ح�ضورهم بال�صوت
وال�صورة ،ويتم تثبيت ح�ضورهم يف وثيقة ال ّنكاح ،ويتم التوقيع كذلك عليها من
قبلهم ،وعلى ذلك ال بقاء لهذا االعرتا�ض.
الدليل الثاين� :إنّ عقد ال ّنكاح مبناه على االحتياط((( ،ومن ذلك ا�ستنبط العلماء
�أنّ الأ�صل يف الأب�ضاع التحرمي(((؛ ولذلك منع جمهور العلماء عقد ال ّنكاح بوا�سطة
= الإجماع يف الفقه الإ�سالمي ،ظافر العمري )184/3( ،ولكن اختلفوا يف و�سيلة حتقق ذلك ،فذهب
اجلمهور من احلنفية ،وال�شافعية ،واحلنابلة يف امل�شهور �إلى وجوب الإ�شهاد على العقد ،وذهب املالكية
�إلى �أنّ الإ�شهاد �شرط �صحة ،ولكن يجوز ت�أخريه عن جمل�س العقد ،ولكن ال ي�صح �أن يتم الدخول
بدون �إ�شهاد �أو �إعالن ،وعن الإمام �أحمد رواية بعدم ا�شرتاط ال�شهادة .انظر :الهداية يف �شرح بداية
املبتدي ،)185/1( ،ال�شرح ال�صغري مع حا�شية ال�صاوي ،)555/2( ،والإقناع يف حل �ألفاظ �أبي
�شجاع ،)241/2( ،واملغني.)374/9( ،
انظر :وذلك ما جاء يف القرار رقم )54/3/6( :ب�ش�أن حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة. (((
انظر :حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة� ،إبراهيم الدبو.)867/2( ، (((
انظر :فتاوى اللجنة الدائمة ،)91/18( ،وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة، (((
مفيدة�( ،ص .)1249
انظر :اجلمع والفرق ،)539/3( ،وميزان الأ�صول يف نتائج العقول�( ،ص .)282 (((
الكتابة((( ،رغم �أ ّنها من و�سائل التعبري عن ال ّر�ضا يف غري ال ّنكاح((( ،فيكون املنع من
إعمال لالحتياط.و�سائل االت�صال احلديث من باب �أولى((( � ،اً
ميكن �أن يناق�ش ب�أنّ :ما ُذكر من االحتياط يف عقد ال ّنكاح ،لهو �أمر معترب بو�ضع
ال�شارع وال خالف فيه ،ف�إنّ ال�شارع بينّ �أحكام ال ّنكاحّ ،
وف�صل فيها مبا ي�ضمن حت ّقق
مق�صد حفظ الن�سل ،مبراعاته من جانب الوجود والعدم((( ،و�إعمال االحتياط عند
الفقهاء �إنمّ ا يكون عندما ال يت�ضح لهم �صالحية الطريق وم�شروعيتها ،وقد قال ابن
القيم ”:االحتياط �إنمّ ا ي�شرع� ،إذا مل تتبني ال�س ّنة ،ف�إذا تبينت فاالحتياط هو اتباعها
وترك ما خالفها”(((.
وقاعدة الأ�صل يف الأب�ضاع التحرمي ،ال جدال فيها ،ولكن كذلك الأ�صل يف �أموال
الغري احلرمة ،فقد �أ ّكد النبي ﷺ على الأمرين يف خطبة الوداع ،حني قالَ « :ف�إِنَّ
ِد َما َء ُك ْم َو�أَ ْم َوا َل ُك ْم َو َ�أ ْع َر َ
ا�ض ُك ْم َع َل ْي ُك ْم َح َرا ٌمَ ،ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َه َذا ،فيِ َب َل ِد ُك ْم َه َذا،
�صحح العلماء املعا�صرون �إجراء العقود بو�سائل فيِ َ�ش ْه ِر ُك ْم َه َذا»((( ،ورغم ذلك ّ
كاف االت�صال احلديث التي قد تنقل ال�صيغة كتاب ًيا فقط ،وذلك العتبارهم �أنّ ذلك ٍ
للتعبري عن الر�ضا ،ومت�س احلاجة �إليه ،وتطمئن النف�س له(((.
وال قائل با�ستباحة الأب�ضاع بدون وجه �شرعي ،بل �إنّ عقد ال ّنكاح يتم بجميع
وهو مذهب املالكية ،وال�شافعية ،واحلنابلة ،وجوزه احلنفية ب�شرط ح�ضور ال�شهود ،انظر :بدائع ال�صنائع، (((
( ،)231/2وال�شرح ال�صغري ،)752/2( ،واملجموع ،)167/9( ،ك�شاف القناع. )237/11( ،
ذهب اجلمهور ،وهو اختيار حمققي مذهب ال�شافعية �صحة انعقاد البيع بالكتابة ،انظر :رد املحتار على (((
الدر املختار ،)26/7( ،وال�شرح ال�صغري ،)315/3( ،واملجموع ،)167/9( ،والإقناع.)152/2( ،
انظر :حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة ،مفيدة�( ،ص .)1249 (((
مراعاة جانب الوجود يف �ضرورة حفظ الن�سل :يكون بفعل ما به قيام �أركانه ويثبت قواعده ،ومراعاته (((
من جانب العدم :بالأمر مبا يدر أ� عنه االختالل الواقع �أو املتوقع فيه ،انظر :املوافقات.)18/2( ،
انظر :زاد املعاد يف هدي خري العباد.)196/2( ، (((
متفق عليه :رواه البخاري ،ال�صحيح ،كتاب احلج ،باب اخلطبة يف منى ،حديث رقم،)1739( : (((
وم�سلم ،ال�صحيح ،كتاب احلج ،باب حجة النبي ﷺ ،حديث رقم.)1218( :
�سبق الإ�شارة �إلى ذلك يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل. (((
�أركانه و�شروطه ال�شرعية ،وحتت �إ�شراف جهة ق�ضائية ،وفق �ضوابط �إدارية ال ب ّد
منها ل�ضمان حتقيق مقا�صد عقد ال ّنكاح ،منها املجل�س الق�ضائي للعقد ،وهذا �أمر ال
يتحقق يف العقود املالية.
وكل م�س�ألة قبل البحث والتحري حمل التبا�س لدى املك ّلف ،ولذلك يجتهد العلماء
يف �إزالة هذا ال ّلب�س من خالل البحث والت�أمل ،وتطبيق القواعد الكلية ،للو�صول �إلى
حكم �شرعي مع ا�ست�شراف م�آالت تطبيق الأحكام.
وحم ّل ال ّنظر :هل هذه الو�سيلة املرئية املبا�شرة التي جتمع الأطراف يف واقع
افرتا�ضي ،ت�صلح لإمتام عقد ال ّنكاح ُم�ستويف �شروط ال�صحة؟ وميكن الوثوق فيها؛
بديل عن االجتماع احلقيقي ،وتكون حمل اعتبار للجهات املخت�صة بتوثيق فتكون اً
العقود؟ �أم ال ت�صلح؟
وعلى ذلك فال �إهمال لأمر االحتياط عند �إجراء عقد ال ّنكاح بهذه الو�سيلة ،وال
ا�ستباحة للأب�ضاع بغري الطريق امل�شروعة ،واهلل �أعلم.
عموما ال ي�أمن النا�س معها
الدليل الثالث :يف ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث ً
دخول اخلداع والتغرير عن طريق حماكاة �أ�صوات الآخرين ،وهذا يخالف مقا�صد
ال�شريعة يف حفظ الأعرا�ض(((.
ميكن �أن يناق�ش ب�أنّ :هذا �أمر قائم االحتمال حتى يف التعاقد املبا�شر يف ال ّنكاح
وغريه؛ كما يف انتحال �شخ�صية املالك �أو الويل� ،أو �أن يدعي �شخ�ص ملكية املبيع،
كما �أنّ هذا االحتمال موجود يف التعاقد يف جميع الو�سائل حتى يف الو�سائل الكتابية
وال�صوتية ،قال ال�شيخ �أحمد �إبراهيم بك“ :غاية الأمر �أنه يحتمل الكذب وت�صنع �صوت
الغري ،لكن هذا قد يح�صل يف الر�سالة والكتابة �أي ضً� ا”((( ،وال ينكر الباحث �أنّ م�س�ألة
التغرير تزيد احتماليتها مع ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث ،ورغم هذا االحتمال
((( انظر :فتاوى اللجنة الدائمة ،)91/18( ،وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة،
مفيدة�( ،ص .)1249
((( العقود وال�شروط واخليارات� ،أحمد �إبراهيم بك�( ،ص.)656 :
ميكن �أن يناق�ش ب�أنّ :هذا الأمر �صحيح من حيث العموم ،و�إن كانت و�سائل
االت�صال احلديث �أبلغ من هذه ال�صورة املذكورة ،لكون املناداة طريقة بدائية(((،
وقد ال تكون يف الو�ضوح مثل التوا�صل املرئي املبا�شر.
الدليل الثالث� :إنّ ع ّلة املنع من �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث
جاءت لعدم حتقق �شهادة ال�شهود على العقد ،وهو �أمر متحقق يف االت�صال املرئي،
فتكون ال�شهادة مقبولة على وفق قواعد املذاهب الأربعة((( ،فاحلكم يدور مع علته
وعدما.
وجودًا ً
الدليل الرابع :و�سائل االت�صال احلديث �ألغت امل�سافات ،وجعلت النا�س ك�أنمّ ا
يعي�شون يف قرية واحدة ،واملتعاقدون و�إن كانوا متباعدين مكا ًنا ،ولكنهم حا�ضرون
زما ًنا؛ يتوا�صلون وي�سمع كل منهما الآخر بح�ضور ال�شهود(((؛ فال وجه ملنع �إمتام عقد
ال ّنكاح مبا يحقق مقا�صده.
�أ�سباب االختالف بني العلماء املعا�صرين:
الذي يظهر للباحث �أنّ هناك جملة من الأ�سباب والظروف التي كانت �سب ًبا
لتباين وجهات نظر الباحثني حول هذه امل�س�ألة ،ومنها:
1.1ا�ستبعاد حتقق �شروط ال�صحة يف عقد ال ّنكاح ،فمن ر�أى بالإمكان توفر
�شروط ال�صحة قال باجلواز ،ومن ر�أى تعذر حتققها منع ذلك ،ومن ر�آها
تتحقق يف الو�سائل الكتابية فقط ق�صر اجلواز عليه ،ومنعها يف الباقي.
2.2ا�ستح�ضار اخلالف الفقهي يف جواز عقد النكاح بغري ال�صيغة اللفظية
املبا�شرة(((.
انظر :م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والطالق ،الأ�شقر�( ،ص.)109 : (((
انظر� :صيغ العقود يف الفقه الإ�سالمي ،الغليقة�( ،ص.)518 : (((
انظر :م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والنكاح ،الأ�شقر�( ،ص.)111 : (((
انظر :التكييف الفقهي ملجل�س العقد ،احلايف�( ،ص .)52 (((
بع�ض الأحيان بني �أطراف العقد ،وي�س ّهل على الويل مبا�شرة عقد موليته حتى لو كان
خارج النطاق اجلغرايف للمحكمة ،مما يرتجم على �أر�ض الواقع تي�سري عقود ال ّنكاح
على امل�سلمني ،ويخفف من وط�أة الإجراءات ال�شكلية التي اتخذت من �أجل احلفاظ
على كرامة ال ّنا�س ،و�أعرا�ضهم ،ومن ًعا للتالعب ب�أعرا�ض امل�سلمني.
وبنا ًء على ذلك ف�إنّ �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر جائز
و�صحيح يف ظل الظروف الطبيعية ،ومن باب �أولى يف ظل الظروف اال�ستثنائية،
لأنّ احلاجة العامة تنزل منزلة ال�ضرورة اخلا�صة((( ،على �أن تتولى ذلك اجلهة
الق�ضائية يف كل الأحوال ،ويتم اتباع ال�ضوابط الإجرائية حتت �إ�شرافها ،واهلل �أعلم.
املطلب الثالث
�ضوابط �إجرائية لعقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر
ال ب ّد عند �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر من اعتبار
جملة من ال�ضوابط التي ت�ضمن حتقق الغاية واملق�صد من عقد النكاح ،وحتقق �أعلى
درجات االن�ضباط يف العمل الق�ضائي((( ،ومن تلك ال�ضوابط ما ي�أتي:
� اًأول� :أن يكون االت�صال املرئي بو�ساطة برنامج من الربامج ذات احلماية العالية،
والتي حتقق الأمان يف االت�صال ،ومتنع عملية التج�س�س �أو التخريب التي
ت�ؤدي �إلى �ضياع �أو تلف الوثائق الر�سمية.
ثان ًيا� :أن يكون للجهة الق�ضائية املخت�صة ح�ساب م�ستخدم خا�ص وبا�شرتاك
ح�صري ،و�أن يكون العن�صر امل�ضيف هو ال�شخ�ص املخت�ص من قبل اجلهة
الق�ضائية.
((( انظر :الربهان يف �أ�صول الفقه.)82/2( ،
((( ذكر املعا�صرون جملة من ال�شروط وال�ضوابط ال ب ّد من توافرها يف التعاقد الإلكرتوين تنظر يف :حكم
�إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة ،القره داغي ،)942-941/2( ،التكييف الفقهي ملجل�س العقد،
احلايف�( ،ص ،)59-56 :وما مت ذكره يف هذا املطلب يتنا�سب مع طبيعة عقد ال ّنكاح ،واجتهاد من الباحث.
ثال ًثا :يتم ربط تقدمي اخلدمة برقم الهوية الوطنية �أو بح�ساب خا�ص يجمع
اخلدمات الإلكرتونية للمتعاملني.
راب ًعا� :إعداد منوذج �إلكرتوين يت�ضمن جميع البيانات ،واملتطلبات؛ لإمتام املعاملة،
ويتم تذييله بتعهد من مقدم الطلب �أنّ جميع البيانات املقدمة �صحيحة.
خام�سا :يتم تقدمي طلب املعاملة �إلكرتون ًيا من اخلاطب عرب منفذ اخلدمة
ً
الإلكرتونية عرب النموذج الإلكرتوين ،ويت�ضمن جميع بيانات الأطراف،
وال�شهود ،وتفا�صيل العقد ،واملهر.
�ساد�سا :ترفق جميع امل�ستندات املطلوبة من �صور �إثبات هوية اخلاطب ،والويل، ً
واملر�أة ،والفح�ص الطبي ،و�صور �إثبات ال�شهود ،وال�صور ال�شخ�صية ،و�أية
م�ستندات يتوقف �إمتام العقد عليها ،كما يتم �إ�ضافة بيانات التوا�صل مع
الأطراف وال�شهود هاتف ًيا ،و�إلكرتون ًيا.
�ساب ًعا :تقوم اجلهة املخت�صة بالتدقيق على الطلب الإلكرتوين والت�أكد من
�صحة البيانات وامل�ستندات املرفقة ،وا�ستيفاء جميع ال�شروط ال�شرعية،
والإجراءات القانونية ،ثم تتوا�صل مع الأطراف للت�أكد من رغبتهم �إمتام
�إجراءات العقد ،واملوعد املنا�سب لذلك.
ثام ًنا :يتم حتديد موعد لعقد ال ّنكاح عن طريق �إر�سال ر�سائل ّ
ن�صية لرقم جوال
الأطراف وال�شهود� ،أو عرب ر�سالة بالربيد الإلكرتوين.
تا�س ًعا :يقوم ال�شخ�ص املخت�ص وهو عادة امل�أذون ال�شرعي يف اليوم املحدد بعقد
مكاملة مرئية جماعية مع اخلاطب ،والويل ،واملر�أة ،وال�شهود ،وذلك ب�إر�سال
رابط اجلل�سة االفرتا�ضية على العناوين املرفقة يف الطلب ،ويتم ت�سجيل
املكاملة للرجوع �إليها عند احلاجة.
عا�ش ًرا :يلتزم امل�أذون ال�شرعي بالت�أكد من �صفة احل�ضور ،ويطلب من الأطراف
و�ضع �أ�صل �إثبات الهوية على عد�سة الت�صوير ،ويت�أكد من تطابقها مع ال�صور
اخلامتة
1010بدائع الفوائد ،حممد بن �أبي بكر بن القيم ،حتقيق :علي بن حممد العمران،
مكة -ال�سعودية ،دار عامل الفوائد ،ط1425 ،1هـ.
1111الربهان يف �أ�صول الفقه� ،أبو املعايل عبدامللك بن عبداهلل اجلويني ،حتقيق:
عبدالعظيم الديب ،القاهرة -م�صر ،دار الأن�صار( ،بدون ت�أريخ وال رقم طبعة).
1212تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،الزبيدي ،مرت�ضى حممد بن حممد ،حتقيق:
نواف اجلراح ،بريوت -لبنان ،دار �صادر ،ط2001 ،1م.
1313حتفة املحتاج ب�شرح املنهاج� ،أحمد بن حممد بن حجر الهيتمي ،بريوت -لبنان،
دار �إحياء الرتاث العربي( ،بدون رقم طبعة وت�أريخ).
1414التكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته ال�شرعية وفق و�سائل ا�ستخدام و�سائل
وتقنيات االت�صال املعا�صر ،با�سل حممود احلايف ،الريا�ض -ال�سعودية ،املجلة
العلمية جلامعة امللك في�صل( ،العلوم الإن�سانية والإدارية) ،املجلد الثالث،
العدد1433 ،1 :هـ2012 ،م.
1515تنقيح التحقيق يف �أحاديث التعليق ،حممد بن �أحمد بن عبدالهادي ،حتقيق:
�سامي بن حممد بن جاد اهلل اخلباين ،الريا�ض -ال�سعودية ،دار �أ�ضواء ال�سلف،
ط1428 ،1هـ2007 ،م.
1616اجلامع امل�سند ال�صحيح املخت�صر من �أمور ر�سول اهلل ﷺ و�سننه و�أيامه ،حممد
بن �إ�سماعيل البخاري ،حتقيق :حممد زهري بن نا�صر النا�صر ،الريا�ض-
ال�سعودية ،دار طوق النجاة ،ط1422 ،1هـ.
1717اجلمع والفرق� ،أبو حممد عبداهلل بن يو�سف اجلويني ،حتقيق :عبدالرحمن
املزيني ،بريوت -لبنان ،دار اجليل للن�شر والتوزيع ،ط1424 ،1هـ2004 ،م.
1818حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة ،مفيدة عبدالوهاب
�إبراهيم ،جامعة الأزهر ،القاهرة -م�صر( ،بدون رقم طبعة �أو ت�أريخ).
1919حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة� ،إبراهيم فا�ضل الدبو ،جملة جممع
الفقه الإ�سالمي ،جدة -ال�سعودية ،العدد ال�ساد�س1410 ،هـ1990 ،م.
2020حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة ،حممد احلاج النا�صر ،جملة
جممع الفقه الإ�سالمي ،جدة -ال�سعودية ،العدد ال�ساد�س1410 ،هـ1990 ،م.
2121حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة ،حممد عبداللطيف الفرفور ،جملة
جممع الفقه الإ�سالمي ،جدة -ال�سعودية ،العدد ال�ساد�س1410 ،ه1990 ،م.
2222حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة ،وهبة الزحيلي ،جملة جممع الفقه
الإ�سالمي ،جدة -ال�سعودية ،العدد ال�ساد�س1410 ،هـ1990 ،م.
2323حكم �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة يف الفقه الإ�سالمي مواز ًنا بالفقه
الو�ضعي� ،إبراهيم كايف دومنز ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،جدة -ال�سعودية،
العدد ال�ساد�س1410 ،هـ1990 ،م.
2424الذخرية� ،أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن املالكي ال�شهري بالقرايف ،حتقيق:
حممد حجي و�آخرون ،بريوت -لبنان ،دار الغرب ،ط1994 ،1م.
2525رد املحتار على الدر املختار ،حممد �أمني ابن عابدين ،بريوت -دار الفكر ،ط،2
1412هـ1992 ،م.
2626الر�سالة ،حممد بن �إدري�س ال�شافعي ،حتقيق� :أحمد حممد �شاكر ،القاهرة -
م�صر ،دار الت�أ�صيل ،ط 2008 ،1م.
2727الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع ،من�صور بن يون�س البهوتي ،حتقيق :خالد
امل�شيقح و�آخرون ،الكويت ،دار الركائز ،ط1438 ،1هـ.
2828رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني ،حميي الدين يحيى بن �شرف النووي ،حتقيق:
عادل عبداملوجود ،وعلي معو�ض ،الريا�ض -ال�سعودية ،دار عامل الكتب ،ط
خا�صة1423 ،هـ2003 ،م.
2929زاد املعاد يف هدي خري العباد ،حممد بن �أبي بكر بن القيم ،حتقيق :عبدالقادر
الأرن�ؤوط ،و�شعيب الأرن�ؤوط ،بريوت -لبنان ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط 1415 ،27هـ،
1994م.
4242م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والطالق� ،أ�سامة عمر �سليمان الأ�شقر ،دار
النفائ�س ،عمان -الأردن ،ط1431 ،3هـ2010 ،م.
4343امل�سند ال�صحيح املخت�صر بنقل العدل عن العدل �إلى ر�سول اهلل ﷺ ،م�سلم بن
احلجاج الق�شريي ،حتقيق :حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،بريوت -لبنان ،دار �إحياء
الرتاث العربي.
4444معجم مقايي�س اللغة �أحمد بن زكريا بن فار�س ،حتقيق :عبدال�سالم هارون،
بريوت -لبنان ،دار الفكر1399 ،هـ1979 ،م.
4545املغني ،موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن قدامة ،حتقيق :عبداهلل الرتكي،
وعبدالفتاح احللو ،الريا�ض -ال�سعودية ،دار عامل الكتب ،ط1417 ،3هـ.
4646مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج ،حممد بن �أحمد ال�شربيني
اخلطيب ،بريوت-لبنان ،دار �إحياء الرتاث العربي( ،بدون ت�أريخ ورقم طبعة).
4747املقدمات املمهدات ،حممد بن �أحمد بن ر�شد ،حتقيق :حممد حجي ،بريوت-
لبنان ،دار الغرب ،ط1408 ،1هـ1988 ،م.
4848املوافقات� ،إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي،
حتقيق :م�شهور بن ح�سن �آل �سليمان ،القاهرة -م�صر ،دار ابن عفان ،ط،1
1417هـ1997 ،م.
4949مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل ،حممد بن حممد احلطاب،
حتقيق دار الر�ضوان ،نواك�شوط -موريتانيا ،ط1434 ،2هـ2013 ،م.
5050مو�سوعة الإجماع يف الفقه الإ�سالمي ،ظافر بن ح�سن العمري ،القاهرة-
م�صر ،دار الف�ضيلة ،ط1433 ،1هـ2012 ،م.
5151ميزان الأ�صول يف نتائج العقول ،عالء الدين �شم�س النظر �أبو بكر حممد
بن �أحمد ال�سمرقندي ،حتقيق :حممد زكي عبدالرب ،الدوحة -قطر ،مطابع
الدوحة احلديثة ،ط1404 ،1هـ1984 ،م.
5252الهداية يف �شرح بداية املبتدي ،علي بن �أبي بكر املرغيناين ،حتقيق :طالل
يو�سف ،بريوت -لبنان دار �إحياء الرتاث ،ط1425 ،1هـ2004 ،م.
5353الهداية الكافية ال�شافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية ،حممد
الأن�صاري الر�صاع ،ت :حممد �أبو الأجفان ،والطاهر املعموري ،تون�س-دار
الغرب الإ�سالمي ،ط1993 ،1م� ،سحب جديد 2008م.
5454الو�سيط املي�سر يف فقه الأحوال ال�شخ�صية املقارن ،حممود بن جميد الكبي�سي،
�أبوظبي -الإمارات ،دار الإمام مالك ،ط1425 ،1هـ2005 ،م.
املواقع الإلكرتونية:
1.1موقع بوابة الأهرامhttp://gate.ahram.org.eg/News/2393943.aspx :
2.2موقع الربنامج زوومhttps://zoom.us/livedemo :
3.3موقع الربنامج ويبك�س:
https://www.webex.com/content/webex/c/en_US/index/
downloads.html/
4.4موقع �سي �إن �إن العربية:
https://arabic.cnn.com/health/article/2020/03/11/whp-announces-
coronavirus-spread-pandemic
5.5موقع �شركة �سي�سكو:
https://www.cisco.com/c/ar_ae/products/collaboration-endpoints/
webex-share/index.html
6.6موقع �شركة ميكرو�سوفتhttps://www.microsoft.com/ar-gulf/ :
7.7موقع العني الإخباريةhttps://al-ain.com/article/speed-spread-corona :
8.8موقع منظمة ال�صحة العاملية:
https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-
coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses
فهر�س املحتويات
�إعداد:
د� .أمل بنت حممد بن فالح ال�صغي
الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة
ال�سالمية
المام حممد بن �سعود إ
بجامعة إ
د .أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه
ومن تبعهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين� ،أما بعد:
ف�إنه مما اجتاح الب�شرية يف هذا الزمن انت�شار وباء ي�سمى بـ (فريو�س كورونا،
كوفيد 19 -امل�ستجد) ،والذي يتط ّلب النظر والبحث فيما يتعلق به من �أحكام
وم�سائل عامة وخا�صة ،وت�أ�صيلها ت� اً
أ�صيل �شرع ًيا؛ فلذلك وقع اختياري على بحث
�أحد هذه امل�سائل وهي( :العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املر�ض الوبائي -فريو�س
أمنوذجا) ،والوقوف عند تفا�صيل و�أحكام اجلناية بالنقل.
كورونا � ً
�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره:
•احلاجة �إلى معرفة الأحكام الفقهية املتعلقة باملر�ض الوبائي يف هذا الوقت
خا�صة.
•ت�ساهل البع�ض يف م�س�ألة احلجر ال�صحي ،وعزل امل�صاب ،ونقل العدوى،
وعدم �إدراك ما يرتتب على ذلك من عقوبة �شرعية.
•امل�ساهمة يف الكتابة والبحث الفقهي فيما يتعلق مب�سائل املر�ض الوبائي
(فريو�س كورونا).
•عدم وجود بحث م�ستقل يف العقوبة واجلزاء املرتتب على نقل عدوى املر�ض
الوبائي لي�سهل الرجوع �إليه.
الهدف من البحث:
معرفة املراد باملر�ض الوبائي وما �شابهه ،وطرق انتقال العدوى فيه ،وبيان
العقوبة ال�شرعية التي ترتتب على ناقل العدوى بالعمد وغريه.
الدرا�سات ال�سابقة:
الكتابات والدرا�سات كثرية يف الأمرا�ض املعدية والوبائية بعامة ،ولكني مل �أجد
-فيما اطلعت عليه من درا�سات -من �أفرد هذه امل�س�ألة بالبحث ،و�إمنا كانت �ضمن
ر�سائل علمية �أو يف ثنايا الكتب والفتاوى.
هذه الدرا�سات:
(1.1النوازل يف اجلنايات) ر�سالة دكتوراه ،للباحث� :أحمد �آل طالب ،جامعة
الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية.
�(2.2أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي) ،ر�سالة ماج�ستري ،للباحث:
عبدالإله ال�سيف ،جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية.
�(3.3أحكام نقل الأمرا�ض املعدية :درا�سة فقهية) ،ر�سالة ماج�ستري ،للباحث:
ح�سن ح�سني �أبو حماد ،جامعة القد�س ،فل�سطني.
(4.4الأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا) �أ.د .خالد امل�شيقح ،كتاب من�شور يف
موقع الألوكة على �شبكة االنرتنت.
(5.5الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية :جم ًعا ودرا�سة
مقارنة) د .حممد ال�شاماين ،بحث محُ ّكم من�شور يف جملة جامعة طيبة
للآداب والعلوم الإن�سانية ،العدد ،18عام 1440هـ.
ف�أما الر�سائل العلمية ال�سابقة ،فقد تناولت البحث يف هذا املو�ضوع �ضمن امل�سائل
لكنها عامة للأمرا�ض املعدية� ،أو قد تكون ملر�ض نق�ص املناعة املكت�سبة (الإيدز)
وفيها �شيء من االخت�صار ،و�أما الكتب والأبحاث فذكرت امل�س�ألة ب�شكل خمت�صر
جدًا ،و�أما هذا البحث فهو بحث مف�صل للمو�ضوع مع ت�أ�صيله ت� اً
أ�صيل �شرع ًيا وتنزيله
على وباء (كورونا) بالتحديد ،مع تذييله بالتو�صيات والفتاوى ال�صادرة م�ؤخ ًرا.
خطة البحث:
انتظمت خطة البحث يف :مقدمة ،ومتهيد ،ومبحثني ،وخامتة ،وفهر�س للمراجع
وامل�صادر.
املقدمة وفيها� :أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره ،والهدف من البحث ،والدرا�سات
ال�سابقة ،وخطة البحث ،واملنهج املتبع فيه.
التمهيد يف :املراد مب�صطلحات البحث ،والألفاظ ذات ال�صلة ،وفيه �أربعة مطالب:
املطلب الأول :تعريف العقوبة يف اللغة واال�صطالح.
املطلب الثاين :تعريف العدوى يف اللغة واال�صطالح.
املطلب الثالث :تعريف املر�ض الوبائي يف اللغة واال�صطالح.
املطلب الرابع :الألفاظ ذات ال�صلة باملر�ض الوبائي.
املبحث الأول :نقل عدوى املر�ض الوبائي عمدً ا ،وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول :طرق انتقال العدوى.
املطلب الثاين :حاالت العمد يف نقل العدوى.
املطلب الثالث :حكم تعمد نقل العدوى وعقوبته.
املبحث الثاين :نقل عدوى املر�ض الوبائي بغري العمد ،وفيه مطلبان:
املطلب الأول :حاالت غري العمد يف نقل العدوى.
املطلب الثاين :حكم نقل العدوى بغري العمد وعقوبته.
اخلامتة وفيها �أبرز النتائج والتو�صيات.
منهج البحث:
•االعتماد على امل�صادر املعتربة يف الفقه ،مع االطالع واال�ستفادة من كتب
املعا�صرين والفتاوى.
•ال�سلوك يف النازلة م�سلك التخريج �إلى ما ي�شابه امل�س�ألة مما ذكره الفقهاء.
•ت�صوير امل�س�ألة �إذا احتاجت �إلى ت�صوير ،و�ضرب الأمثلة يف ذلك.
•حترير حمل اخلالف ،وذكر الأقوال يف امل�س�ألة �إذا كانت حمل خالف ،مع
االقت�صار على املذاهب الفقهية الأربعة ،وذكر الأدلة واملناق�شات والرتجيح
و�أ�سبابه.
•عزو الآيات ل�سورها من القر�آن الكرمي مع بيان رقم الآية.
•تخريج الأحاديث والآثار من م�صادرها الأ�صلية.
•عند التوثيق� ،أقت�صر على ذكر املرجع مع اجلزء وال�صفحة م�سبو ًقا بكلمة
( ُينظر) �إن كان النقل بت�صرف ،وبدونها �إن مل يكن كذلك ،مع �إ�ضافة ا�سم
امل�ؤلف �إذا كان املرجع من الكتب املعا�صرة �أو املتكررة ،و�إذا ذكرت املرجع يف
املنت ،فرقم التوثيق يكون قبل الن�ص املنقول ويف الهام�ش �أقت�صر على ا�سم
امل�ؤلف.
هذا و�أ�س�أل اهلل التوفيق وال�سداد يف القول والعمل ،و�أن يتجاوز عما
ح�صل يف البحث من جوانب التق�صري والزلل ،واحلمد هلل رب العاملني و�صلى اهلل
و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني.
التمهيد
التعريف مب�صطلحات البحث ،والألفاظ ذات ال�صلة
املطلب الأول
تعريف العقوبة يف اللغة واال�صطالح
العقوبة يف اللغة:
(عقب) ،والعني والقاف والباء �أ�صالن �صحيحان� :أحدهما يدل على الفعل َ
ت�أخري ال�شيء و�إتيانه بعد غريه ،والأ�صل الآخر يدل على ارتفاع و�شدة و�صعوبة ،ومنه:
وعقا ًبا ،والعقاب :العقوبة ،وعا َق َبه :بذنبه(((.
عاقبت الرجل معاقبة وعقوبة ِ
والعقوبة :اجلزاء على الأمر �أو الذنب(((.
يف اال�صطالح:
ال يخرج معنى العقوبة يف ا�صطالح الفقهاء عن املعنى اللغوي ،فقد ع ّرفها
ال�سرخ�سي بقوله“ :جزاء على فعل حمظور حم�ض”(((.
وع ّرفت ب�أنها :زواجر م�شروعة لدرء املفا�سد املتوقعة(((.
ُ
وقيل :اجلزاء املقرر مل�صلحة اجلماعة على ع�صيان �أمر ال�شارع(((.
((( ينظر :مقايي�س اللغة ( )78/4مادة (عقب) ،وخمتار ال�صحاح ( )213/1مادة (عقب).
(ع ِقب) ،والقامو�س الفقهي (.)255/1 ((( ينظر :ل�سان العرب ( )613/1مادة َ
((( املب�سوط (.)94/26
((( ينظر :الفروق ،للقرايف (.)211/1
((( ينظر :الت�شريع اجلنائي ،لعبدالقادر عودة ()609/1؛ واجلنايات يف الفقه الإ�سالمي ،لل�شاذيل (.)29/1
و ُيلحظ على هذه التعاريف� :أنها ت�شمل اجلنايات واملخالفات ،و�أنها تختلف
باختالف اجلناية و�أحوال النا�س ،والغر�ض منها الزجر للع�صاة ،و�إ�صالح حال
الب�شر ،وحمايتهم من الف�ساد فيدخل فيها احلد ،والق�صا�ص ،والتعزير.
واملراد بالعقوبة يف هذا البحث :هي العقوبة ال�شرعية كما يف التعاريف ال�سابقة.
املطلب الثاين
تعريف العدوى يف اللغة واال�صطالح
العدوى يف اللغة:
معان ،منها:
ا�سم م�أخوذ من الفعل عدا ،ويطلق على عدة ٍ
العدو �ضد الويل ،واجلمع �أعداء ،وال ِعدا بك�سر العني الأعداء .والعداء بالفتح:
جتاوز احلد يف الظلم(((.
والتعدي :جماوزة ال�شيء �إلى غريه ،والعدوة :ب�ضم العني وك�سرها :جانب الوادي
وحافته.
والعدوى :قيل هي املعونة ،وقيل :ما يعدي من جرب �أو غريه(((.
يف اال�صطالح:
عرفها الفقهاء ب�أنها“ :تعدي املر�ض من �إن�سان �إلى �آخر ،ومن بهيمة �إلى
�أخرى”(((.
وقيل هي�“ :أن يكون ببعري جرب �أو ب�إن�سان مر�ض �أو بر�ص �أو جذام ،فتتقي
خمالطته خمافة �أن يعدو ما به �إليك ويتعلق بك من �أذى”(((.
ينظر :خمتار ال�صحاح ()203/1؛ ول�سان العرب ( )33/15مادة (عدا). (((
ينظر :املراجع ال�سابقة؛ والقامو�س املحيط ( )1310/1مادة (عدا). (((
القوانني الفقهية (.)296/1 (((
تف�سري غريب ما يف ال�صحيحني ،للميورقي (.)176/1 (((
ومن الناحية الطبية ُع ّرفت العدوى ب�أنها“ :دخول العوامل املُمر�ضة �إلى ج�سم
الإن�سان ومنوها وتكاثرها وتفاعل اجل�سم معها”(((.
املطلب الثالث
تعريف املر�ض الوبائي يف اللغة واال�صطالح
املر�ض يف اللغة:
امليم والراء وال�ضاد� :أ�صل �صحيح يدل على ما يخرج به الإن�سان عن حد ال�صحة
يف �أي �شيء كان ،وجمع املري�ض :مر�ضى(((.
واملر�ض :ال�سقم نقي�ض ال�صحة(((.
يف اال�صطالح:
ال يخرج املعنى اال�صطالحي للمر�ض عن املعنى اللغوي ،فقد ُع ّرف ب�أنه :ف�ساد
املزاج و�سوء ال�صحة بعد اعتدالها(((.
وع ّرف من الناحية الطبية ب�أنه :خروج اجل�سم عن حالة االعتدال التي تعني قيام
ُ
�أع�ضاء البدن بوظائفها املعتادة مما يعوق الإن�سان عن ممار�سة �أن�شطته اجل�سدية
والعقلية والنف�سية ب�صورة طبيعية(((.
الوباء يف اللغة:
م�أخوذ من الفعل وب�أ ،والوب�أ :كل مر�ض عام ،واجلمع� :أوباء ،وقد وبئت الأر�ض
توب�أ وب�أ ،وب�ؤت وبا ًء ووباءة ،كرث فيها الوباء فهي وبئة(((.
املو�سوعة الطبية الفقهية ،لأحمد كنعان �ص.701 (((
ينظر :مقايي�س اللغة ( )311/5مادة (مر�ض). (((
ل�سان العرب ( )231/7مادة (مر�ض). (((
معجم لغة الفقهاء (.)422/1 (((
املو�سوعة الطبية الفقهية� ،ص .845 (((
ينظر :ل�سان العرب ()190/1؛ والقامو�س املحيط ()55/1؛ واملعجم الو�سيط ( )107/2مادة (وب�أ). (((
يف اال�صطالح:
ال يخرج معنى الوباء يف اال�صطالح عن معناه يف اللغة ،فقيل يف تعريفه :ف�ساد
يعر�ض جلوهر الهواء لأ�سباب �سماوية �أو �أر�ضية ،كاملاء الآ�سن واجليف الكثرية(((.
وقيل :هو مر�ض الكثري من النا�س يف جهة من الأر�ض دون �سائر اجلهات ،ويكون
خمال ًفا للمعتاد من الأمرا�ض يف الكرثة وغريها ،ويكون ً
نوعا واحدً ا(((.
فاملر�ض الوبائي:
هو كل مر�ض ي�صيب عددًا كب ًريا من النا�س يف منطقة واحدة يف مدة ق�صرية من
الزمن ،ف�إن �أ�صاب املر�ض عددًا عظي ًما من النا�س يف منطقة جغرافية �شا�سعة �سمى
وبا ًء عامل ًيا ،خا�صة �إذا مل تكن �أ�سبابه معروفة(((.
املطلب الرابع
الألفاظ ذات ال�صلة باملر�ض الوبائي
وع ّرف املر�ض املعدي �أو الأمرا�ض املعدية ب�أنها :ا�ضطرابات ت�سببها ع�ضويات ُ
مثل :البكترييا �أو الفريو�سات �أو الفطريات �أو الطفيليات ،نظ ًرا لأن الكثري من
الع�ضويات تعي�ش داخل ج�سم الإن�سان �أو على �سطحه ،وميكن �أن تنتقل من �إن�سان
�إلى �آخر ،عن طريق مبا�شر �أو غري مبا�شر(((.
وال�صلة بني املر�ض الوبائي واملر�ض املعدي تتبني مما �سبق يف التعريف ،من
�أن الوباء �أ�صله مر�ض ُم ٍعد لكنه �أعم ،و�إذا ارتفع عدد احلاالت عن املتوقع عادة يف
�سمي وبا ًء ،فيق�صد به :االنت�شار ال�سريع� ،أو
منطقة معينة �أو يف مناطق وانت�شرّ ،
الزيادة غري الطبيعية ،وال�سبب يف انت�شاره بكونه معد ًيا فينتقل من �شخ�ص �إلى �آخر،
لكن املر�ض املعدي ال يلزم �أن يكون وبا ًء ،وال ُيقال عنه وبا ًء �إال �إذا انت�شر وكرثت
حاالته (كفريو�س كورونا) املنت�شر حال ًيا.
ثان ًيا :الطاعون:
معنى الطاعون يف اللغة واال�صطالح واحد.
و�أ�صله من الفعل :طعن ،ويراد به الطعن بالرمح وبالطعن بالقول(((.
والطاعون يف اللغة واال�صطالح :دا ٌء معروف ،وهو :املر�ض العام والوباء الذي
يف�سد له الهواء فتف�سد به الأمزجة والأبدان(((.
وع ِّرف كذلك ب�أنه :قروح تخرج من املغابن ق ّلما يلبث �صاحبها(((.ُ
وبني الطاعون والوباء عموم وخ�صو�ص و�إن كان ي�سمى الطاعون وبا ًء ،قال ابن
حجر �“ :أطلق بع�ضهم على الطاعون �أنه وبا ًء لأنه من �أفراده ،لكن لي�س كل
وباء طاعو ًنا”(((.
ينظر :الأمرا�ض املعدية ،موقع منظمة ال�صحة العاملية. https://www.who.int/ . (((
ينظر :ل�سان العرب ( )267/13مادة (طعن). (((
ينظر :النهاية يف غريب احلديث والأثر ()127/3؛ ل�سان العرب ()267/13؛ وتاج العرو�س (((
( )354/35مادة (طعن).
فتح الباري البن حجر (.)149/1 (((
املرجع ال�سابق (.)133/10 (((
فالطاعون نوع من �أنواع الوباء ،ويفارقه بخ�صو�ص �سببه ،الذي لي�س هو يف �شيء
من الأوباء وهو كونه من طعن اجلن.
فعلى هذا يقال� :إن الوباء �أعم من الطاعون ،والطاعون نوع منه ،فلي�س كل وباء
ي�سمى طاعو ًنا ،بينما كل طاعون وباء.
املبحث الأول
نقل عدوى املر�ض الوبائي عمدً ا
املطلب الأول
(((
طرق انتقال العدوى
تختلف طرق انتقال العدوى باختالف املر�ض وم�سبباته ،لذا ف�إن كان امل�سبب
له الفريو�سات (كما يف فايرو�س كورونا ،كوفيد 19 -امل�ستجد) �أو الطفيليات �أو
الفطريات فهي تنتقل بعدة طرق وهي:
� اً
أول :االت�صال املبا�شر:
معظم الأمرا�ض املعدية تنتقل عن طريق االت�صال املبا�شر بال�شخ�ص امل�صاب �أو
حيوان م�صاب باملر�ض ،وميكن �أن يحدث هذا االت�صال ب�أحد طرق ثالثة:
1.1مالم�سة ال�شخ�ص ال�سليم لل�شخ�ص امل�صاب �أو و�صول �شيء من رذاذ
العطا�س �أو الكحة� ،أو اللعاب.
2.2عن طريق احلمل ،فيما �إذا كانت املر�أة اً
حامل ،ف�إن اجلنني معر�ض للإ�صابة.
3.3عن طريق التعر�ض خلد�ش احليوان �أو ع�ضه.
((( ينظر :مقال :طرق انتقال الفريو�س امل�سبب ملر�ض (كوفيد )19-موجز علمي ،موقع :منظمة ال�صحة
العامليةWho.int .؛ ومقال :طرق انتقال العدوى ،موقع وزارة ال�صحة moh.gov.sa؛ ومقال :ما هو
الوباء ،ملحمد مهرو�سه ،موقع جمتمع argeek.com؛ ور�سالة� :أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة
فقهية؛ حل�سام �أبو حماد �ص15؛ ور�سالة� :أحكام مر�ض نق�ص املناعة املكت�سبة (الإيدز) يف الفقه،
حنان �إ�سماعيل� ،ص .31
املطلب الثاين
حاالت العمد يف نقل العدوى
عموما ونقل العدوى خ�صو�صً ا
لقد جاء ال�شرع بتدابري وقائية للحد من الأمرا�ض ً
يف املر�ض الوبائي ،ومن ذلك:
1.1الأمر بالنظافة والغ�سل والتطهر ،مب�شروعية الو�ضوء وال ُغ�سل ،كما يف قوله
تعالى( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)
[املائدة ،]6 :و�أمر النبي ﷺ بغ�سل اليدين عند اال�ستيقاظ من النوم بقوله
�« :إذا ا�ستيقظ �أحدكم من نومه ،فال يغم�س يده يف الإناء حتى
يغ�سلها ثال ًثا ف�إنه اليدري �أين باتت يده»(((.
((( �أخرجه الإمام م�سلم يف ال�صحيح ،كتاب :الطهارة ،باب :كراهة غم�س املتو�ضئ وغريه يده امل�شكوك يف
جنا�ستها يف الإناء قبل غ�سلها ثال ًثا ( )233/1رقم (.)278
2.2حترمي �أكل كل ما ي�ضر بالإن�سان �أو قد مير�ضه �أو ينقل �إليه املر�ض من
احليوانات �أو احل�شرات ،ومن ذلك حترمي �أكل امليتة والدم وحلم اخلنزير،
كما يف قوله تعالى( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ) [املائدة.]3 :
3.3النهي عن قدوم الأر�ض التي فيها الوباء ،كما ثبت يف �صحيح البخاري �أن
عمر بن اخلطاب خرج �إلى ال�شام فلما كان ب�سرغ((( ،بلغه �أن الوباء
وقع يف ال�شام ،ف�أخربه عبدالرحمن بن عوف � أن ر�سول اهلل ﷺ قال:
«�إذا �سمعتم به ب�أر�ض فال تقدموا عليه و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا
فرا ًرا منه»(((.
وما رواه �إبراهيم بن �سعد قال� :سمعت �أ�سامة بن زيد ُيح ّدث �سعدً ا
عن النبي ﷺ �أنه قال�« :إذا �سمعتم بالطاعون ب�أر�ض فال تدخلوها و�إذا وقع
ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا فرا ًرا منه»(((.
فهذه الأحاديث د ّلت على �إثبات العدوى ،وعلى م�شروعية الوقاية من املر�ض
املعدي ،وهذا �إثبات منه ﷺ على الأخذ بالتدابري للحد من انت�شار املر�ض،
وهو مما يتوافق مع حقائق الطب(((.
�4.4إثبات النبي ﷺ للحجر ،وذلك بالنهي عن �أن يقدم املري�ض على ال�صحيح
لت�ضييق انت�شار املر�ض ،بقوله « :ال توردوا املمر�ض على امل�صح»(((.
((( َ�س ْرغ :بفتح ال�سني و�سكون الراء ،وهي قرية يف طرف ال�شام مما يلي احلجاز .ينظر :ل�سان العرب ()434/8
مادة (�سرغ)؛ و�شرح النووي على �صحيح م�سلم ( ،)208/14وفتح الباري البن حجر (.)131/1
((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح .كتاب :الطب ،باب :ما يذكر يف الطاعون ( )130/7رقم (.)5729
((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح ،كتاب� :أحاديث الأنبياء ،باب :حديث الغار ( )175/4رقم ()3473؛
وم�سلم يف ال�صحيح ،كتاب :الآداب ،باب :الطاعون والطرية ( )1737/4رقم (.)2218
((( ينظر :العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع ،ملحمد الدقر ،موقع الإعجاز الطبي.
. https://draldaker.wordpress.com/
((( �أخرجه م�سلم يف ال�صحيح ،كتاب :الآداب ،باب :ال عدوى وال طرية ( .)1743/4رقم (.)2221
(((
وهذا فيه �إ�شارة �إلى �أن نفي العدوى يف قوله « :ال عدوى وال طرية»
لي�س على �إطالقه؛ وذلك لقوله يف �آخر احلديث« :وف ّر من املجذوم فرارك من
الأ�سد» ،فالفرار من املجذوم �سبب لإتقاء العدوى التي قد حت�صل من املخالطة(((.
ف�إنه �إذا ثبت ذلك ،و�ألزمت الدولة وامل�س�ؤولون يف ال�صحة ب�أخذ التدابري الطبية
الوقائية بكافة �أنواعها �-سواء للنا�س عامة �أو للممار�سني ال�صحيني يف املرافق
ال�صحية -فيجب االمتثال لذلك والأخذ بها ،و ُيع ّد من خالفها بال �ضرورة متعمدً ا
لنقل العدوى �إن كان م�صا ًبا �أو معر ضً� ا نف�سه للمر�ض ،وحاالت التعمد يف نقل العدوى
ال تعدوا �إحدى احلاالت التالية:
�1.1أن يقوم املري�ض امل�صاب بارتكاب �أحد طرق نقل العدوى ال�سابقة((( :ك�أن
يخرج ملخالطة الآخرين� ،أو و�ضع �أثره على مقاب�ض الأبواب اً
مثل �أو ال�سلع
الغذائية� ،أو �أدواته ويمُ ّكن غريه منها.
�2.2أن يكون �أحد املمار�سني ال�صحيني ،ويتعمد نقل �أثر مري�ض �إلى غريه،
وكالهما قد يتعمد ن�شر الوباء يف املجتمع �أو يتعمد ب�إ�صابة �شخ�ص معني؛ لذا
�إن كان الإن�سان يعرف �أنه م�صاب باملر�ض املعدي ،فيجب عليه عدم خمالطة
النا�س و�أن يلتزم باالنعزال مدة املر�ض.
املطلب الثالث
حكم تع ّمد نقل العدوى وعقوبته
�إذا علم ال�شخ�ص �أنه م�صاب باملر�ض الوبائي كفريو�س (كوفيد ،19 -كورونا)،
وتعمد نقل العدوى ب�إحدى الطرق ال�سابقة ،فال يخلو من حالتني:
((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح ،كتاب :الطب ،باب :اجلذام ( )126/7رقم ()5707؛ وم�سلم يف
ال�صحيح ،كتاب :الآداب ،باب :ال عدوى وال طرية ( )1744/4رقم (.)2222
((( ينظر :العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع ،ملحمد الدقر ،موقع الإعجاز الطبي �https://dral
daker.wordpress.com/؛ ور�سالة� :أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية ،حل�سام �أبو حماد� ،ص .32
((( يف املطلب الأول من هذا البحث.
ونقل املر�ض الوبائي من �أ�شد الأ�ضرار باملجتمع؛ �إذ �أنه �سريع االنت�شار وقد ي�ؤدي
�إلى الهالك.
وعلى هذا ُيقال� :إن عقوبة من ق�صد ن�شر الوباء باملجتمع هي عقوبة من �أف�سد
يف الأر�ض ،ف�إن من كان اً
قاتل فيجب قتله ،و�إن مل يقتل فتُط ّبق عليه العقوبة بح�سب
دفاعا عن النفو�س التي يجب حفظها عن املر�ض خطورة املر�ض وت�أثريه ،وذلك ً
املهلك(((.
وبهذا جاء قرار جممع الفقه الإ�سالمي((( ب�ش�أن مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب
(الإيدز) والأحكام الفقهية املتعلقة به ،ما ن�صه« :ثان ًيا :تعمد نقل العدوى مبر�ض
نق�ص املناعة املكت�سب (الإيدز) �إلى ال�سليم منه ب�أية �صورة من �صور التعمد عمل
محُ ّرم ،و ُيعد من كبائر الذنوب والآثام ،كما �أنه ي�ستوجب العقوبة الدنيوية ،وتتفاوت
هذه العقوبة بقدر ج�سامة الفعل و�أثره على الأفراد وت�أثريه على املجتمع.
ف�إن كان مق�صد املتعمد �إ�شاعة هذا املر�ض اخلبيث يف املجتمع ،فعمله هذا ُيع ّد
نوعا من احلرابة والف�ساد يف الأر�ض ،وي�ستوجب �إحدى العقوبات املن�صو�ص عليها يفً
�آية احلرابة( :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [املائدة.]33 :
ف�إذا كان كذلك يف مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب (الإيدز) والذي ال ينتقل �إال عن
طريق الدم ،فمر�ض (فريو�س كورونا) والذي ينتقل بطرق عدة وباملخالطة من باب
�أولى.
((( ينظر :بحوث يف الفقه املعا�صر ،حل�سن اجلواهري ()410/2؛ والفقه املي�سر ،للطيار و�آخرين �ص
201؛ والنوازل يف اجلنايات ،لآل طالب ،ر�سالة دكتوراه؛ والأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا ،خالد
امل�شيقح �ص.28
((( قرار رقم (/7/94د )9ينظر :جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،الدورة التا�سعة ( ،)549/4وجامع
الفتاوى الطبية ،الأحكام املتعلقة بها ،جمع :عبدالعزيز بن عبداملح�سن �ص .52-51
ن�ص جمهور الفقهاء (((على �أن الإمام مخُيرّ بتطبيق �أحد هذه وقد ّ
العقوبات على املف�سد يف الأر�ض ،واجلنايات تتفاوت على الأحوال ،فكلما عظمت
اجلناية عظمت العقوبة.
احلالة الثانية :تع ّمد نقل عدوى املر�ض الوبائي ل�شخ�ص معني:
�صورة امل�س�ألة:
بعد ثبوت كون املر�ض الوبائي (فريو�س كورونا) قد يقتل وقد ال يقتل ،ف�إذا تع ّمد
ال�شخ�ص امل�صاب �أو املمار�س ال�صحي نقل الفايرو�س �إلى �شخ�ص �سليم ،فال يخلو:
�إما ان يكون ال�شخ�ص املنقول �إليه ميوت منه �أو ال ميوت.
داخل يف القتل العمد املوجب للق�صا�ص؟ ف�إن مات منه فهل يكون �صاحبه اً
مل يذكر الفقهاء فيما اطلعت عليه من م�صادر �أن نقل العدوى يف املر�ض
الوبائي من �صور قتل العمد؛ لكنهم ذكروا �شروط قتل العمد وهي كون �صاحبه قا�صدً ا
للقتل فيما يقتل غال ًبا ،كما ذكروا �صو ًرا للعمد ومنها ما هو م�شابه للقتل بالفريو�س،
كالقتل بال�سم.
كل منهما وعلى هذا فيمكن تخريج امل�س�ألة على م�س�ألة القتل بال�سم بجامع �أن اً
يدخل يف بدن الإن�سان وقد ي�ؤدي �إلى موته ،وم�س�ألة القتل بال�سم اختلف فيها الفقهاء
على ثالثة �أقوال:
القول الأول� :أن القتل بال�سم قتل عمد يوجب الق�صا�ص ،وبهذا القول قال �أبو يو�سف
وحممد من احلنفية((( ،وقول املالكية((( ،وقول عند ال�شافعية((( ،واملذهب عند
احلنابلة(((.
ينظر :بدائع ال�صنائع ()93/7؛ والذخرية ()125/12؛ واحلاوي الكبري ()353/13؛ واملغني (.)475/12 (((
فيما �إذا كان عاملًا بقتله ال حمالة ،ينظر :املب�سوط ()153/26؛ والبحر الرائق (.)236/8 (((
ينظر :البيان والتح�صيل ()62/16؛ والذخرية (.)284/12 (((
ينظر :الأم ()45/6؛ واحلاوي الكبري ( ،)86/12واملهذب ()178/3؛ ونهاية املطلب (.)95/16 (((
ينظر :املغني ()266/8؛ واملبدع يف �شرح املقنع ()196/7؛ وك�شاف القناع (.)508/5 (((
القول الثاين� :أن القتل بال�سم �شبه عمد ،وهذا القول هو الأظهر عند ال�شافعية(((،
ووجه عند احلنابلة(((.
القول الثالث� :أن القتل بال�سم ال يوجب ق�صا�ص ،والدية فيه على العاقلة ،واجلاين
ُيعزّر وي�ضرب ،وهذا مذهب احلنفية(((.
الأدلة:
ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول مبا ي�أتي:
� اً
أول :الأدلة من ال�سنة:
عن �أبي �سلمة قال :كان ر�سول اهلل ﷺ «يقبل الهدية وال ي�أكل ال�صدقة»،
وزاد :ف�أهدت له يهودية بخيرب �شاة م�صل ّية �س ّمتها ف�أكل منها ر�سول اهلل
ﷺ و�أكل القوم ،فقال« :ارفعوا �أيديكم ف�إنها �أخربتني �أنها م�سمومة» فمات
ب�شر بن الرباء بن معرور ،ف�أر�سل �إلى اليهودية وقال« :ما حملك على الذي
�صنعت» ،قالت� :إن كنت نب ًيا مل ي�ض ّرك ،و�إن كنت مل ًكا �أرحت النا�س منك،
ِ
ف�أمر بها ر�سول اهلل ﷺ فقتلت(((.
وجه الداللة:
�أن النبي ﷺ �أمر بقتل اليهودية ملا مات ب�شر بن الرباء من ال�سم.
((( فيما �إذا كان الأغلب �أنه ال يقتل ،ينظر :احلاوي الكبري ()86/12؛ واملهذب ()178/3؛ ورو�ضة
الطالبني (.)129/9
((( ينظر :املغني ()266/8؛ والإن�صاف (.)440/9
((( ينظر :املب�سوط ()153/26؛ وبدائع ال�صنائع ()235/7؛ وتبيني احلقائق ( .)101/6وهو مذهبهم
فيما �إذا مل يعلم �أنه يقتل.
اً
((( �أخرجه �أبو داود يف ال�سنن ،كتاب :الديات ،باب :فيمن �سقى رجل �س ًما ( )174/4رقم ()4512؛
والدارمي يف ال�سنن ( )207/1رقم ( )68وقال املحقق الداراين�“ :إ�سناده ح�سن وهو مر�سل”؛ و�أخرجه
الطرباين يف املعجم الكبري ( )34/2رقم ()1202؛ قال الهيثمي يف جممع الزوائد (“ :)154/6رواه
مر�سل وفيه ابن لهيعة وفيه �ضعف وحديثه ح�سن”.اً الطرباين
نوق�ش من وجهني(((:
الأول� :أن احلديث مر�سل ،كما يف تخريجه ،وال حجة يف مر�سل.
الثاين� :أن الروايات عن �أبي هريرة لهذا احلديث م�ضطربة ،فم ّرة
ورد �أن النبي ﷺ قتلها ،وم ّرة مل يتعر�ض لها.
�أجيب عن املناق�شة:
الأول� :أن احلديث مو�صول؛ فقد ُروي كذلك من حديث �أبي �سلمة عن �أبي
هريرة ،رواه �أبو داود والبيهقي(((.
الثاين :ثبوت قتل النبي ﷺ ،فقد ثبت �أنه قتلها بب�شر بن الرباء قال
حممد بن �سحنون�“ :أجمع �أهل احلديث �أن الر�سول ﷺ قتلها”((( ،وقال
البيهقي “ :فيحتمل �أنه مل يتعر�ض لها يف االبتداء ،فلما مات ب�شر
بن الرباء �أمر بقتلها ،وهذا هو الأظهر”(((.
ثان ًيا :الأدلة العقلية:
�1.1أن ال�سم مما يقتل غال ًبا(((.
�2.2أن العادة جرت �أن من ُق ّدم له طعام ف�إنه ي�أكل منه م�ضط ًرا ،ك�أنه �أجل�أه �إلى
�أكله ،فوجب عليه ال َق َود كما لو �أكرهه عليه(((.
ينظر :املحلى ( ،)232/11وذكر ابن حزم اجلمع بني الروايات يف احلديث ،وثبوتها جمي ًعا. (((
رجل �س ًما ( )174/4رقم ()4512؛ عند �أبي داود يف ال�سنن ،كتاب :الديات ،باب :فيمن �سقى اً (((
رجل �س ًما ( )83/8رقم ()16010؛ واحلاكم يف امل�ستدرك والبيهقي يف ال�سنن الكربى ،باب :من �سقى اً
( )242/3وقال� :صحيح على �شرط م�سلم ومل يخرجاه.
معرفة ال�سنن والآثار ()51/12؛ وفتح الباري (.)497/7 (((
نقله ابن حجر عن حممد بن �سحنون يف فتح الباري (.)245/10 (((
ينظر :املهذب ()178/3؛ واملغني البن قدامة (.)266/8 (((
ينظر :املجموع �شرح املهذب (.)389/18 (((
نوق�ش:
�أن النبي ﷺ مل يقتلها؛ لأنه مل يذكر يف حديث �أن�س �أن �أحدً ا مات بهذا ال�سم،
و�إمنا وردت الروايات الأخرى -كما �سبق يف دليل �أ�صحاب القول الأول -عن �أبي
هريرة �أن ب�شر بن الرباء � أكل منها فمات ،ف�أمر النبي ﷺ بقتلها(((.
ثان ًيا :الأدلة العقلية:
�أنه �أكله باختياره ف�أ�شبه ما لو قدم �إليه �سكي ًنا ،فطعن بها نف�سه (((.
نوق�ش:
�أنه قيا�س مع الفارق ،لأن ال�سكني ال ُتق ّدم �إلى الإن�سان ليقتل بها نف�سه� ،إمنا تقدم
لينتفع بها ،وهو عامل مب�ضرتها ونفعها ،ف�أ�شبه ما لو قدم �إليه ال�سم وهو عامل به(((.
الراجح:
الذي يرتجح -واهلل تعالى �أعلم -هو القول الأول ،وهو القول ب�أن القتل بال�سم
قتل عمد يوجب الق�صا�ص ،وهو قول اجلمهور؛ لقوة ما ا�ستدلوا به من �أدلة ،ول�ضعف
�أدلة الأقوال الأخرى مبا ورد عليها من مناق�شة.
وبنا ًء على ذلك ُيقال� :أن من تع ّمد نقل عدوى الفريو�س �إلى �شخ�ص بعينه ،ومات
ب�سببه ،ف�إنه ُيقتل به �إذا توفرت �شروط وجوب الق�صا�ص الأخرى؛ �إذ القتل بالأ�سباب
اخلفية يوجب الق�صا�ص �إذا ا�ستند القتل �إليها كالأ�سباب الظاهرة بال فرق(((.
و�أما �إذا مل ميت ب�سببه مع كونه متعمدً ا لنقل العدوى ف�إنه يعاقب العقوبة
التعزيرية ،وهذه ترجع �إلى القا�ضي بح�سب ال�ضرر الواقع ،وهذا �أي�ضً ا ن�ص قرار
ينظر :املب�سوط ()153/26؛ واملغني (.)265/8 (((
ينظر :اجلوهرة النرية ()120/2؛ الدر املختار (.)542/6 (((
ينظر :املغني (.)266/8 (((
ينظر :بحوث يف الفقه املعا�صر ،للجواهري (.)410/2 (((
جممع الفقه الإ�سالمي((( يف مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب (الإيدز) ،فقد جاء فيه:
“و�إن كان ق�صد من تع ّمد نقل العدوى �إعداء �شخ�ص بعينه ومتت العدوى ومل ميت
املنقول �إليه بعد ،عوقب املتعمد بالعقوبة التعزيرية املنا�سبة ،وعند حدوث الوفاة
ينظر يف تطبيق عقوبة القتل ،و�أما �إذا كان ق�صد من تع ّمد نقل العدوى �إعداء �شخ�ص
بعينه ولكن تنتقل العدوى ف�إنه يعاقب عقوبة تعزيرية”.
((( قرار رقم ( /7/94د )9ينظر :جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،الدورة التا�سعة ( )549/4وجامع
الفتاوى الطبية والأحكام املتعلقة بها ،جمع :عبدالعزبز بن عبداملح�سن� ،ص .52
املبحث الثاين
نقل عدوى املر�ض الوبائي بغري العمد
وفيه مطلبان:
املطلب الأول
حاالت غري العمد يف نقل العدوى
ثبت عند الأطباء واملخت�صني �سرعة انت�شار املر�ض الوبائي (فريو�س كورونا)،
مما جعلهم يتفقون على �إلزام النا�س باحلجر ال�صحي ،وعدم اخلروج من منازلهم
من ًعا النت�شار املر�ض(((.
فعلى هذا :يجب على الإن�سان �أن ي�أخذ جميع التدابري التي يلزم اتخاذها
للحفاظ على نف�سه والآخرين(((.
ومع الأخذ بالتدابري واالحتياطات قد تنتقل العدوى بغري ق�صد من ال�شخ�ص
بحاالت عدة منها:
�1.1أال يعلم �أنه يحمل الفريو�س وال تظهر عليه الأعرا�ض �إال بعد فرتة من الوقت،
فانتقاله وخروجه وخمالطته للنا�س قد تنقل لهم العدوى بغري ق�صد منه.
�2.2أن يكون م�صا ًبا باملر�ض وعاملًا لكن ا�ضطر �إلى اخلروج ملا البد منه ،ويفعل
ما له فعله من بيع �أو �شراء ونحو ذلك ،فيخالط النا�س �أو يبقى �أثره خط�أ
منه فتنقل العدوى.
((( ينظر :نوازل الأوبئة ،ملحمد بالعو� ،ص 73
((( �سبقت يف املطلب الثاين من املبحث الأول.
�3.3أن يكون م�صا ًبا لكن يجهل كون هذا املر�ض معد ًيا ،فيخالط غريه وينتقل
املر�ض �إما باالت�صال املبا�شر �أو غري املبا�شر.
ق�صر املمار�س
ق�صر امل�صاب ب�أخذ االحتياطات والتدابري الالزمة� ،أو ُي ّ
�4.4أن ُي ّ
ال�صحي من طبيب وغريه ويت�سبب يف نقل العدوى بال تعمد منه.
املطلب الثاين
حكم نقل العدوى بغري العمد وعقوبته
قبل انتقال العدوى ب�أحد احلاالت ال�سابقة ،يجب على ال�شخ�ص امل�شتبه بحمله
للفريو�س �أو احلامل له� ،أ َال يخفي ذلك عن ال�سلطات ال�صحية واملخالطني له ،كما
يجب عزل املري�ض امل�صاب ،وبهذا �صدرت تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية(((.
وذلك ملا ي�أتي:
1.1عموم الأدلة التي تدل على �ضرورة حفظ النف�س وعدم ال�ضرر بها وبالآخرين،
ومنها:
•قوله تعالى( :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة.]195 :
•وقوله تعالى( :ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء.]29 :
•قول النبي ﷺ« :ال �ضرر وال �ضرار»(((.
((( ينظر :تو�صيات الندوة الفقهية الثانية بعنوان (فريو�س كورونا وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام
�شرعية) املنعقدة يف 1441/8/23هـ -جدة ،اململكة العربية ال�سعودية� ،ص ،6و�سيذكر ن�صها يف �آخر
البحث .وينظر :بحث( :ر�ؤية �إ�سالمية للم�شاكل االجتماعية ملر�ض الإيدز) ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي،
العدد ( .)1346/5و�أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية ،ح�سام �أبو حماد� ،ص .128-127
((( �أخرجه الإمام مالك يف املوط أ� ( )1078/4رقم ( )600وابن ماجة يف ال�سنن ( )784/2رقم ()2340
والإمام �أحمد يف امل�سند ( )55/5رقم ( ،)2865واحلاكم يف امل�ستدرك ( )66/2رقم ( )2345وقال:
�صحيح الإ�سناد على �شرط م�سلم.
� اً
أول :الأدلة النقلية:
1.1قول اهلل تعالى( :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأحزاب.]5 :
2.2قول النبي ﷺ« :من تط ّبب ،ومل ُيعلم منه قبل ذلك الطب ،فهو �ضامن»(((.
وجه الداللة:
�أن مفهوم احلديث �إذا كان يعلم بالطب فال �شيء عليه ،فال ي�ؤاخذ فيما مل يف ّرط
فيه.
ثان ًيا :الأدلة العقلية:
1.1لأنه تو ّلد عن فعل مباح له وم�أذو ٌن له فيه(((.
2.2وميكن �أن ي�ستدل لذلك :ب�أن املر�ض �سريع االنت�شار وي�صعب التثبت من
م�صدر العدوى ،وامل�صاب �أو املمار�س مل يف ّرط و�أخذ بالتدابري واالحتياطات
الالزمة ،لكن قد يكون املنقول �إليه مل ي�أخذ بها.
احلالة الثانية:
�إذا مل ي�أخذ الناقل -امل�صاب �أو املمار�س ال�صحي -بالتدابري االحرتازية و�أخط�أ
�أو ف ّرط ،وانتقلت العدوى وت�سببت يف موت املنقول �إليه ،ف�إن عرف الناقل وثبت خط�أه
فجنايته جناية خط�أ ،يجب فيها الدية والكفارة.
فقد �أجمع الفقهاء((( على �أن الطبيب �إذا �أخط�أ يلزمه الدية.
((( �أخرجه �أبو داود يف ال�سنن ،كتاب الديات ،باب :فيمن تط ّبب بغري علم ( )195/4رقم (،)4586
والن�سائي يف ال�سنن ،كتاب :الق�سامة ،باب� :صفة �شبه العمد ( )52/8رقم ( ،)4830وابن ماجة
يف ال�سنن ،كتاب :الطب ،باب :من تط ّبب ومل يعلم بالطب ( )1148 /2رقم ( ،)3466واحلاكم يف
امل�ستدرك ( )236 /4رقم ( )7484وقال“ :هذا حديث �صحيح الإ�سناد ومل يخرجاه” ،وح�سنه
الألباين يف �سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة (.)227/2
((( ينظر :الذخرية ( ،)257/12واملغني (.)398/5
((( نقل الإجماع :ابن ر�شد يف بداية املجتهد (.)200/4
كما اتفق الفقهاء (((على وجوب الكفارة يف القتل اخلط�أ ،لقوله تعالى( :ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الن�ساء.]92 :
واختلفوا يف :على من جتب الدية؟
�أما �إن كان من غري �أهل الطب فال خالف((( ب�أن الدية من ماله ،ويعزر ويعاقب
على خطئه ,للحديث ال�سابق(((.
و�أما �إذا كان من �أهل الطب :فجمهور �أهل العلم((( على �أن الدية على العاقلة
فيما �إذا بلغت الثلث ف�أكرث يف قتل اخلط�أ ومنه خط�أ الطبيب ،ومن ماله فيما دون
ذلك.
ا�ستدلوا ب�أدلة نقلية وعقلية وهي:
أول :الأدلة النقلية:� اً
1.1قول اهلل تعالى( :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [املائدة.]2 :
وجه الداللة:
حتمل العاقلة من جملة الرب والتقوى ،فدخل يف عموم الآية(((.
2.2حديث �أبي هريرة قال :ق�ضى ر�سول اهلل ﷺ يف جنني امر�أة من بني
نقل االتفاق ابن ر�شد يف بداية املجتهد ( ،)201/4و�شرح الزرك�شي ()206/6 (((
املراجع ال�سابقة. (((
يف ال�صفحة ال�سابقة « من تط ّبب ومل يعلم منه قبل ذلك الطب فهو �ضامن». (((
ينظر :املب�سوط ( )127/27وبدائع ال�صنائع ( ،)256/7الذخرية ( )357 ،17/12والقوانني الفقهية (((
( ،)221/1و�شرح خمت�صر خليل ،للخر�شي ( ،)16/8واحلاوي الكبري ( ،)341/12و�أ�سنى املطالب
( )166/4وحتفة املحتاج ( ،)197/9وم�سائل الإمام �أحمد وا�سحاق ( )362/7واملبدع (،)447/4
وحا�شية الرو�ض املربع (،)339/5
ينظر :احلاوي الكبري (.)341/12 (((
حليان �سقط ميتًا بغرة عبد �أو �أمة ثم �أن املر�أة التي ق�ضى عليها بالغرة توفيت،
فق�ضى ر�سول اهلل ﷺ �أن مرياثها لبنيها وزوجها و�أن العقل على ع�صبتها»(((.
3.3حديث �أبي هريرة � أنه قال :اقتتلت امر�أتان من بني هذيل ،فرفق
�إحداهما الأخرى بحجر فقتلها وما يف بطنها ،فاخت�صموا �إلى ر�سول اهلل ﷺ
فق�ضى �أن دية جنينها غرة عبد �أو وليدة ،وق�ضى بدية املر�أة على عاقلتها»(((.
4.4حديث �أبي �سعيد اخلدري � أن النبي ﷺ قال« :القود بال�سيف واخلط�أ
على العاقلة»(((.
وجه الداللة:
�أن الأحاديث �صريحة يف �إيجاب النبي ﷺ الدية يف اخلط أ� على العاقلة.
�5.5إجماع ال�صحابة املنعقد يف ق�صة عمر بن اخلطاب حني �أنفذ
قذف بلغه عنها ،ف�أجه�ضت ما يف بطنها ،ف�س�أل عثمان ر�سوله �إلى امر�أة يف ٍ
وعبدالرحمن فقاال :ال �شيء عليك �إمنا �أنت معلم ،و�س�أل عل ًيا فقال� :إن كانا
اجتهدا فقد �أخط�أ و�إن مل يجتهدا فقد غ�شيا ،عليك الدية ،فق�ضى يف الدية
على العاقلة((( ،ومل يخالف منهم وال من جميع الأمة �أحد من انت�شار الق�ضية
فثبت �أنه �إجماع ال م�سوغ خالفه(((.
((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح ،كتاب :الفرائ�ض ،باب مرياث املر�أة والزوج مع الولد وغريه ()152/8
رقم ( ،)6740وم�سلم يف ال�صحيح ،كتاب الق�سامة ،باب :دية اجلنني ( )1309/3رقم (.)1681
((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح ،كتاب :الديات ،باب :جنني املر�أة ( )11/9رقم (.)6910
((( �أخرجه الدارقطني يف ال�سنن ( )108/4رقم ( ،)3181والبزار يف امل�سند بلفظ « القود بال�سيف ولكل
خط�أ �أر�ش» ( )207/8رقم ( ،)3244وقال“ :هذا احلديث ال نعلمه يروى �إال عن النعمان بن ب�شري وال
نعلم من رواه عن النعمان �إال �أبو عازب ومن رواه عن �أبي عازب �إال جابر اجلعفي” ،وقال الهيثمي يف
جممع الزوائد (“ :)291/6رواه البزار وفيه جابر اجلعفي وهو �ضعيف”.
((( �أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى ( )558/8رقم ( ،)17550قال ابن امللقن يف البدر املنري (:)493/8
“هذا الأثر علقه البيهقي فقال يف �سننه :ويذكر عن احل�سن �أنه قال لعمر يف جناية جناها عمر :عزمت ملا
ق�سمت الدية على بني انبك ،قال :فق�سمتها عل قري�ش” ،وقال ابن حجر يف التلخي�ص احلبري (:)102/4
“وهذا منقطع بني احل�سن وعمر”.
((( ينظر :احلاوي الكبري (.)342/12
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ تعالى:
ﯖ) [الأحزاب.”]5 :
وجاء يف تو�صيات الندوة الطبية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي(((�“ :أن عزل
�شرعا كما هو معروف ،و�أما بخ�صو�ص امل�شتبه بحمله املري�ض بالفريو�س واجب ً
للفريو�س �أو ظهرت عليه �أعرا�ض املر�ض �أثناء احلجر املنزيل ،فيجب عليه التقيد
مبا ي�سمى التباعد االجتماعي عن �أ�سرته واملخالطني له من عامة النا�س ،وكذلك ال
يجوز ملن ظهرت عليه �أعرا�ض املر�ض �أن يخفي ذلك عن ال�سلطات الطبية املخت�صة
وكذلك عن املخالطني له ،كما ينبغي على من يعرف �أن م�صا ًبا غري �آبه باملر�ض
�أن ُيعلم اجلهات ال�صحية عنه ،لأن ذلك ي�ؤدي �إلى انت�شار هذا املر�ض وا�ستفحال
خطره ،وعليه تنفيذ كل ما ي�صدر عن ال�سلطات الطبية املخت�صة ،وعليها �أن ُتعزّر
من �أ�صيب بهذا املر�ض و�أخفاه ،قال تعالى( :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ) [البقرة.”]195 :
((( تو�صيه رقم ( )6من تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية بعنوان (فريو�س كورونا امل�ستجد -كوفيد
-19وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية) ،املنعقد يف � 23شعبان 1441هـ ،جدة -اململكة
العربية ال�سعودية.
اخلامتة
احلمد هلل الذي بنعمته ال�صاحلات ،ويف ختام هذا البحث خل�صت بنتائج �أهمها
ما ي�أتي:
1.1خطورة نقل العدوى.
�2.2إثبات احلجر ال�صحي من ال�شرع ومن اجلهات ال�صحية للحد من انت�شار
املر�ض الوبائي.
3.3وجوب الأخذ بالتدابري الوقائية ،ووجوب عزل امل�صاب.
4.4املراد بالعقوبة ال�شرعية :اجلزاء املقرر لدرء املفا�سد ومل�صلحة اجلماعة
على ع�صيان �أمر ال�شارع ،وت�شمل اجلنايات واملخالفات ،فيدخل فيها :احلد
والق�صا�ص والتعزير.
�5.5أن املر�ض املعدي هو :ا�ضطرابات ت�س ّببها ع�ضويات كالبكترييا �أو الفريو�سات
�أو الفطريات ،وذلك �أنها تعي�ش داخل ج�سم الإن�سان وميكن �أن تنتقل من
�شخ�ص �إلى �آخر.
�6.6أن املر�ض الوبائي هو :كل مر�ض ي�صيب عددًا كب ًريا من النا�س يف منطقة واحدة
ويف مدة ق�صرية من الزمن ،ويدخل فيه الطاعون واملر�ض املعدي (كفريو�س
كورونا) �إذا �أ�صاب عددًا عظي ًما من النا�س يف منطقة جغرافية �شا�سعة.
7.7تختلف طرق انتقال العدوى بح�سب املر�ض وم�سبباته ،ف�إن كان امل�سبب
الفايرو�س (كما يف فريو�س كورونا) فقد يكون انتقاله عن طريق االت�صال
املبا�شر للم�صاب به �-أن�سان �أو حيوان -باللم�س �أو بو�صول الرذاذ منه وغريها،
�أو االت�صال غري املبا�شر عن طريق بقاء الأثر على الأ�سطح ونحوها.
�8.8أمر ال�شارع بتدابري وقائية للحد من انت�شار الأمرا�ض عامة كالأمر بالنظافة،
وحترمي �أكل ما ي�ضر ،والنهي عن اخلروج من �أر�ض الوباء �أو القدوم لها.
9.9من تع ّمد نقل عدوى املر�ض الوبائي وكان ق�صده الإف�ساد للمجتمع ون�شر
املر�ض ،ف�إن فعله محُ ّرم ومن كبائر الذنوب ،وعقوبته عقوبة املحارب املف�سد
يف الأر�ض.
1010من تع ّمد نقل عدوى املر�ض الوبائي ل�شخ�ص معني ف�إن مات منه فال�صحيح
من �أقوال الفقهاء �أن عقوبته عقوبة قتل العمد ،بالقيا�س على القتل بال�سم،
و�إن مل ميت منه ف ُيعزّر على ح�سب جنايته.
�1111أن نقل العدوى بغري ق�صد -كاخلط أ� �أو اجلهل �أو التق�صري -ف�إن كان اتخذ
بالتدابري الوقائية واالحتياطات فال �شيء عليه على ال�صحيح ،و�إن مل ي�أخذ
ممار�سا �صح ًيا �أو م�صا ًبا بالفريو�س-
ً بها �أو ق�صر يف ذلك �-سواء كان
ف�إن مات املنقول �إليه فعليه دية وكفارة القتل باخلط�أ ،و�إن مل ميت في�ؤدب
لتفريطه وتق�صريه بح�سب جنايته.
التو�صيات:
�أهم التو�صيات التي خرجت بها ما ي�أتي:
1.1عقد الندوات وامل�ؤمترات امل�شرتكة بني اجلهات الطبية والهيئات ال�شرعية
لدرا�سة نوازل الأوبئة.
2.2العناية من الباحثني بدرا�سة النوازل درا�سة فقهية دقيقة.
3.3عدم الت�ساهل �أثناء انت�شار الوباء �أو اجلائحة من النا�س عامة وااللتزام
بالتدابري الوقائية.
واحلمد هلل رب العاملني ،و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه
�أجمعني.
1.1الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية ،جم ًعا ودرا�سة مقارنة،
د .حممد بن �سند ال�شاماين ،بحث حمكم يف جملة اجلامعة الإ�سالمية يف
املدينة املنورة.
2.2الأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا� ،أ.د .خالد بن علي امل�شيقح ،كتاب من�شور
يف �شبكة الألوكة.
�3.3أحكام مر�ضى نق�ص املناعة املكت�سبة (الإيدز) يف الفقه الإ�سالمي ،حنان بنت
حممد �إ�سماعيل ،ر�سالة ماج�ستري ،جامعة النجاح الوطنيةـ نابل�س.
�4.4أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية ،حل�سام بن ح�سن �أبو حماد ،ر�سالة
ماج�ستري ،جامعة القد�س فل�سطني1437 ،هـ.
�5.5أ�سنى املطالب يف �شرح رو�ض الطالب ،لأبي زكريا الأن�صاري ،دار الكتاب
الإ�سالمي ،بدون طبعة وبدون تاريخ.
6.6الأم ،للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �إدري�س ال�شافعي ،دار املعرفة ،بريوت،
الن�شر 1410هـ.
7.7الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل،
للإمام عالء الدين املرداوي ،حتقيق :حممد ح�سن �إ�سماعيل ال�شافعي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ط.1
8.8البحر الرائق �شرح كنز الدقائق ،البن جنيم احلنفي ،دار �إحياء الرتاث العربي،
بريوت ،ط.1
9.9بحوث يف الفقه املعا�صر ،حل�سن اجلواهري ،دار الذخائرـ بريوت ط.1
1010البدر املنري يف تخريج الأحاديث والآثار الواردة يف ال�شرح الكبري ،البن امللقن
�سراج الدين ال�شافعي ،دار الهجرة ،الريا�ض ،ط1425 ،1هـ.
1111بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ،للإمام عالء الدين الكا�ساين احلنفي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ط1406 ،2هـ.
1212بداية املجتهد ونهاية املقت�صد ،للإمام حممد بن ر�شد القرطبي ،دار املعرفة،
بريوت ،ط1409 ،9هـ.
1313البيان والتح�صيل وال�شرح والتوجيه والتعليل ،البن ر�شد القرطبي ،حتقيق :د.
حممد حجي و�آخرون ،دار الغرب الإ�سالمي -بريوت ،ط1408 2هـ1988/م.
1414تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،ملحمد بن حممد احل�سيني الزبيدي ،دار الهداية.
1515تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،لفخر الدين الزيلعي احلنفي .املطبعة
الأمريية الكربى.
1616حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج ،لأحمد بن حجر الهيتمي ،املكتبة التجارية
مب�صر ،بدون طبعة 1357هـ.
1717تف�سري غريب ما يف ال�صحيحني البخاري وم�سلم ،ملحمد بن فتوح امليورقي
احلميدي ،مكتبة ال�سنةـ القاهرة1415 ،هـ.
1818تف�سري القر�آن العظيم ،لأبي الفداء �إ�سماعيل بن كثري ،حتقيق :حممد ح�سني
�شم�س الدين ،دار الكتب العلمية ،ط1419 ،1هـ.
1919التلقني يف الفقه املالكي ،لأبي حممد عبدالوهاب البغدادي املالكي ،دار الكتب
العلمية ،ط1425 ،1هـ.
2020التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري ،البن حجر الع�سقالين،
دار الكتب العلمية ،ط1419 ،1هـ.
2121اجلامع لأحكام القر�آن ،لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد القرطبي ،حتقيق� :أحمد
الربدوين و�إبراهيم �أطفي�ش ،دار الكتب امل�صرية ،ط1384 ،2هـ1964/م.
2222جامع الفتاوى الطبية والأحكام املتعلقة بها ،جمع وترتيب :د .عبدالعزيز بن
عبداملح�سن ،دار القا�سمـ الريا�ض ،ط1425 ،1هـ،
2323اجلنايات يف الفقه الإ�سالمي درا�سة مقارنة بني الفقه الإ�سالمي والقانون،
4646ك�شاف القناع عن منت الإقناع ،لل�شيخ من�صور البهوتي ،حتقيق� :أبو عبداهلل
حممد ح�سن ال�شافعي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط1418 ،1هـ.
4747ل�سان العرب ،للإمام العالمة ابن منظور ،دار �إحياء الرتاث العربي ،م�ؤ�س�سة
التاريخ العربي ،بريوت ،ط1418 ،2هـ.
4848املبدع �شرح املقنع ،البن مفلح احلنبلي ،حتقيق :حممد ح�سن ال�شافعي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ط1418 ،1هـ.
4949املب�سوط ،ملحمد بن �أحمد ال�سرخ�سي ،دار املعرفة ،بريوت ،ط 1414هـ.
5050املحيط الربهاين يف الفقه النعماين ،لأبي املعايل احلنفي ،حتقيق :عبدالكرمي
اجلندي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط1424 ،1هـ.
5151خمتار ال�صحاح ،لزين الدين �أبو عبداهلل الرازي ،حتقيق :يو�سف ال�شيخ حممد.
املكتبة الع�صرية بريوت ط 1420 5هـ 1999/م.
5252جممع الزوائد ومنبع الفوائد ،لأبي احل�سن نور الدين على الهيثمي ،حتقيق:
ح�سان الدين املقد�سي ،مكتبة القد�س ،القاهرة ،ط 1414هـ.
5353املجموع �شرح املهذب ،لأبي زكريا حميي الدين النووي ،دار الفكر.
5454املحلى بالآثار ،لأبي حممد علي بن حزم الظاهري ،دار الفكر بريوت ،بدون
طبعة وبدون تاريخ.
5555م�سائل الإمام �أحمد و�إ�سحاق بن راهوية ،لإ�سحاق بن من�صور �أبو يعقوب
املروزي ،ط1425 1هـ.
5656امل�ستدرك على ال�صحيحني ،لأبي عبداهلل احلاكم الني�سابوري ،دار الكتب
العلميةـ بريوت ط1411 1هـ.
5757م�سند الإمام �أحمد بن حنبل ،لأبي عبداهلل �أحمد بن حنبل ،حتقيق� :شعيب
الأرن�ؤوط ،وعادل مر�شد و�آخرون ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط1421 ،1هـ.
5858م�سند البزار املن�شور با�سم البحر الزخار ،لأبي بكر �أحمد املعروف بالبزار،
مكتبة العلوم واحلكمةـ املدينة .ط1988 1م.
بريوت1399 ،هـ.
7373نهاية املطلب يف دراية املذهب ،لعبدامللك بن عبداهلل امللقب ب�إمام احلرمني،
دار املنهاج ،ط1428 1هـ.
7474النوازل يف اجلنايات ،د� .أحمد �آل طالب ،ر�سالة دكتوراه ،جامعة الإمام حممد
ابن �سعود الإ�سالمية.
•املجالت والندوات:
7575جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ،9جدة اململكة العربية ال�سعودية.
7676الندوة الطبية الفقهية الثانية بعنوان» فريو�س كورونا امل�ستجد وما يتعلق به من
معاجلات طبية و�أحكام �شرعية» املنعقدة عن بعد يف 1441/8/23هـ .جدةـ
اململكة العربية ال�سعودية.
•املواقع االلكرتونية:
1.1الإعجاز الطبي .www.draldaker.wordpress.com
2.2جمتمع .www.arageek.com
3.3مو�ضوع .mawdoo3.com
4.4منظمة ال�صحة العاملية .www.emro.wha.int
5.5وزارة ال�صحة .www.moh.gov.sa
فهر�س املحتويات
�إعداد:
�أ .د .نوره بنت م�سلم املحمادي
ال�سالمية
�أ�ستاذ الفقه بكلية ال�رشيعة والدرا�سات إ
جامعة �أم القرى
أ.د .نوره بنت مسلم احملمادي
امللخص
جاء هذا البحث بعنوان� :سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح و�أثرها يف مواجهة
فريو�س كورونا (كوفيد )19-درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية.
تناول البحث فريو�س كورونا من الناحية الطبية ،وت�أثريه على العامل ب�شكل عام،
ببيان �أنواعه ،وحمل ظهور كل نوع ،وما خ ّلفه من ت�أثري على الب�شرية.
كما ُعني البحث ببيان املق�صود ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،وحكم تقييد
املباح ،و�ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،و�أثر ذلك على فريو�س كوروناُ ،
وختم
البحث بدرا�سة الئحة احلد من التجمعات والعقوبات ملخالفي الإجراءات االحرتازية
والتدابري الوقائية املتخذة ملواجهة فريو�س كورونا؛ �إذ ُتعد ال�سلطة �ضابطة للت�صرفات
ال�ضارة باملجتمع -و�إن كانت مباحة -عندما ينحرف ال�ضابط الذاتي من الأفراد.
ومن �أهم ما انتهى �إليه البحث:
• ُتع ّد ال�شريعة الإ�سالمية ً
نظاما ً
�ضابطا للأفراد واملجتمع ،يكفل لهم اال�ستقرار
واال�ستمرار (اال�ستخالف)؛ ل�شمولها و�صالحيتها لكل زمان ومكان -و�أحداث
فريو�س كورونا خري �شاهد لكل من�صف.-
•ال يلزم �أن تكون القرارات ،والأنظمة التي ي�صدرها ويل الأمر من�صو�صً ا
عليها يف ال�شرع ،والذي يلزم �أمران هما:
الأول� :أن ال تخالف وتعار�ض ال�شرع.
الثاين� :أن حتقق م�صلحة غري متوهمة ،وتدر�أ مف�سدة متحققة.
الكلمات املفتاحية� :سلطة -مباح -الئحة -عقوبة -كورونا -جتمع.
وباهلل التوفيق،،،
املقدمة
�إن احلمد هلل وحده وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني �سيدنا
حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم ،وبعد:
ال يخفى ما �أ�صاب العامل اليوم ،واليزال من فريو�س كورونا امل�ستجد(كوفيد،)19-
ومما يزيد الأمر تعقيدً ا �أنه ال يوجد حتى الآن لقاح� ،أو عالج معتمد من منظمة
ال�صحة العاملية ،مما جعل التعويل على الوقاية من هذا الفريو�س-بعد اهلل تعالى-
على الرقابة الذاتية من الأفراد �أنف�سهم ،وا�ست�شعارهم م�س�ؤولية ذلك؛ وذلك بعد
�أن خ�سرت الدول يف فرتة احلظر العاملي الكثري من االحتياطات املالية مما ال ميكن
تعوي�ضه ل�سنوات طويلة ،ولقد ُملئ الف�ضاء املعلوماتي بزخم كبري من الأبحاث،
واملقاالت حول فريو�س كورونا (كوفيد )19-يف �شتى الفنون العلمية مما مل تظفر به
نازلة من قبل ،وقد لفتت نظري تلك العقوبات التي ُت�سنّ على الأفراد ،وامل�ؤ�س�سات
من ِقبل بع�ض الدول التي تنادي باحلريات ،وهذا م�ؤ�شر قوي يف �شدة هذا الفريو�س.
طويل حتى جاء القرار امللكي الكرمي باملوافقة على الئحة احلد من ومل ننتظر اً
التج ّمعات التي ت�سهم يف نقل ،وتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد ،وجدول ت�صنيف
العقوبات اخلا�صة مبخالفي الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة
ملواجهة هذا الفريو�س ،و�أحببت الكتابة عنه وربطه ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح،
وهو من املو�ضوعات التي حتظى باهتمام كبري يف الع�صر احلديث� ،إذ �إن جماالت
وقولبت كل هذه مبيزان
ُ تدخل احلاكم يف املباح وا�سعة ،تب ًعا لتغري �أحوال الأمة،
ال�شريعة حاكم ًة وم�ؤ�صلة ،وو�سمت البحث بعنوان� :سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح
و�أثرها يف مواجهة فريو�س كورونا (كوفيد )19-درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية ،و�أ�س�أل اهلل
�أن ُيعني ،ويوفق ،وي�سدد القول والعمل ،ونخرج بدرا�سة م�ؤ�صلة ب�إذنه تعالى.
الهدف من البحث:
1.1بيان �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،واحلكم ،وال�ضوابط.
2.2منوذج تطبيقي ل�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح يتمثل يف :الئحة احلد من
التجمعات والعقوبات املرتتبة على خمالفتها ،والت�أ�صيل ال�شرعي لها.
3.3الت�أكيد على �أحقية احلاكم يف فر�ض عقوبات تعزيرية ،ومنها :العقوبات
املرتتبة على خمالفة الئحة التجمعات و�شرعيتها.
م�شكلة البحث:
تكمن م�شكلة البحث يف املتغريات التي ح�صلت يف هذا الع�صر ،ومنها وباء كورونا،
وما خ ّلفه من �آثار على الأفراد واملجتمعات ،والذي يطرح العديد من امل�شكالت
والت�سا�ؤالت ،ومن �ضمن هذه الت�سا�ؤالت :هل يحق لويل الأمر �أن ي�ستعمل �سلطته يف
تقييد تنقالت الأفراد ،واحلد من جتمعاتهم مما هو مباح لهم �إذا ترتب عليه جلب
عموما؛ وذلك من خالل �سنِّ
منفعة� ،أو دفع مف�سدة مما تلحق املكلف ،واملجتمع ً
التنظيمات واللوائح والقوانني �أم ال؟.
الدرا�سات ال�سابقة:
فيما يتعلق بتقييد املباح ،ففيه العديد من الدرا�سات التي تناولته ب�شكل خا�ص
من خالل تطبيقاته يف الأحوال ال�شخ�صية ونحوها� ،أو من خالل قواعده� ،إال �أين مل
�أجد على حد علمي درا�سة م�شابهة ملو�ضوع البحث؛ كونه يجمع بني الت�أ�صيل لنازلة ال
تزال حمل الدرا�سة والنظر ،والتطبيق لالئحة حديثة الإ�صدار.
ومن بني الدرا�سات التي تناولت �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح على �سبيل املثال
ال احل�صر ما يلي:
•�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،للباحث :الب�شري املكي عبدالالوي .ر�سالة
دكتوراه .املعهد الأعلى لل�شريعة .جامعة الزيتونة بتون�س ،عام 1994م .من
�أوائل الدرا�سات التي تناولت هذا املو�ضوع .و ُتعد من �أف�ضل الدرا�سات التي
وقفت عليها ،خل�ص فيها الباحث �إلى �أن تقييد املباح ،ي�شكل نظرية �شرعية
لها �أدلتها و�أ�س�سها و�شروطها.
•تقييد املباح .للباحث :م�صطفى بن م�ؤيد بن حميد ال�سامرائي .ر�سالة
دكتوراه .كلية الفقه و�أ�صوله .اجلامعة الإ�سالمية ببغداد ،عام 2006م.تناول
فيها الباحث تقييد املباح ،وعالقته بامل�صلحة و�سد الذرائع ،وذكر جمل ًة من
التطبيقات لتقييد املباح يف الفقه الإ�سالمي.
•�صالحية ويل الأمر يف تقييد املباح يف الأحوال ال�شخ�صية ،وتطبيقاتها
املعا�صرة .للباحثة� :إميان بنت مر�سي �أبو عبداهلل .ر�سالة ماج�ستري .كلية
ال�شريعة .جامعة م�ؤتة بالأردن ،عام 2009م .وهذه الدرا�سة �أكرث تخ�ص�صية،
بينت الباحثة �ضوابط املباح يف الأحوال ال�شخ�صية ،وما يتعلق بذلك من
امل�ستجدات املعا�صرة.
•تقييد املباح يف قانون الأحوال ال�شخ�صية وتطبيقاته الق�ضائية .للباحث:
فتحي بن مفلح بن �صالح ال�صقر .ر�سالة ماج�ستري .كلية ال�شريعة .جامعة
جر�ش بالأردن ،عام 2013م.
تناولت هذه الدرا�سة �صور تقييد املباح يف قانون الأحوال ال�شخ�صية الأردين،
والتطبيقات الق�ضائية يف ذلك.
وهذه الدرا�سات وغريها ،ا�ستفدت منها يف اجلانب النظري للبحث فيما يتعلق
ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح� ،أما اجلانب التطبيقي (الئحة احلد من التجمعات
يف اململكة العربية ال�سعودية ،والعقوبات املرتتبة على املخالفني) -فعلى ح�سب
علمي -مل يتم بحثها وت�أ�صيلها من الناحية ال�شرعية.
خطة البحث:
انتظمت يف مقدمة ،ومتهيد ،وثالثة مباحث ،وخامتة.
املقدمة :وفيها الهدف من البحث ،وم�شكلته ،والدرا�سات ال�سابقة ،واخلطة ،ومنهج
البحث.
التمهيد :ملحة طبية عن فريو�س كورونا ،وت�أثريه على العامل.
املبحث الأول� :سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،وفيه �أربعة مطالب:
املطلب الأول :املق�صود ب�سلطة ويل الأمر ،وفيه فرعان:
وا�صطالحا.
ً الفرع الأول :تعريف �سلطة ويل الأمر لغة
وا�صطالحا.
ً الفرع الثاين :تعريف ويل الأمر لغة
املطلب الثاين :املق�صود ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،وفيه فرعان:
وا�صطالحا.
ً الفرع الأول :تعريف املباح لغة
الفرع الثاين :املق�صود ب�سلطة تقييد املباح.
املطلب الثالث :حكم تقييد ويل الأمر للمباح ،وفيه ثالثة فروع:
الفرع الأول :حترير الأقوال وحمل النزاع.
الفرع الثاين :الأدلة واملناق�شة.
الفرع الثالث :الرتجيح و�سببه.
املطلب الرابع� :ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح.
منوذجا
ً املبحث الثاين :الئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية -
تطبيق ًيا ل�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول :التعريف بالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية،
وجهة �إ�صدارها.
التمهيد
ملحة طبية عن فريو�س كورونا وت�أثريه على العامل
فريو�س كورونا :جمموعة من الفريو�سات �أطلق عليها ا�سم كورونا ب�سبب �شكلها
الذي ي�شبه التاج ن�سبة �إلى الكلمة الإجنليزية crownوالتي تعني تاج� ،أغلب الأنواع
من فريو�سات كورونا ت�صيب احليوان ،ولكن هناك �أنواع منها ت�صيب الب�شر ،منها:
•فريو�س �سار�س :SARSمر�ض تنف�سي فريو�سي ي�سببه فريو�س من فريو�سات
كورونا ،اخلازن الطبيعي له (اخلفا�ش) واخلازن الو�سيط له القطط،
ومنطه :التهاب تنف�سي رئوي حاد ،مت الإبالغ عن الإ�صابة بال�سار�س لأول مرة
يف ال�صني يف فرباير ،2003ور�صد املر�ض يف 29دولة ،وانتهى بعد � 18شه ًرا،
�أ�صاب � 8،089شخ صً� ا ،وت�سبب يف وفاة � 774شخ�صً ا ،حيث كانت ن�سبة
الوفيات حوايل %10من �إجمايل احلاالت املكت�شفة.
•فريو�س مري�س :MERSمر�ض ي�سببه فريو�س من فريو�سات كورونا ،اخلازن
الطبيعي له �أي�ضً ا (اخلفا�ش) ،واخلازن الو�سيط له الإبل �أحادية ال�سنام،
ومنطه :التهاب تنف�سي رئوي حاد �أي ضً� ا .بد�أ ر�صده يف اجلزيرة العربية يف
اململكة العربية ال�سعودية يف �سبتمرب ،2012وحدث �أكرب تف�شي للإ�صابة
بفريو�س مري�س يف جمهورية كوريا يف عام ،2015ر�صد املر�ض يف 27دولة
حتى الآن ،وبلغ �إجمايل امل�صابني به حتى الآن �2،494شخ�صً ا ،وت�سبب يف وفاة
� 858شخ صً� ا من ن�سبة الوفيات حوايل %35من �إجمايل احلاالت املكت�شفة.
لقاحاته الب�شرية ،واحليوانية ،والعالجات النوعية مازالت حتت التطوير(((.
((( انظر :موقع منظمة ال�صحة العاملية ،ال�صفحة اخلا�صة بكوفيد 19 -بعنوان (فريو�س كورونا
https://www.who.int؛ موقع وزارة ال�صحة� ،صفحة كورونا على املوقع بعنوان (مقارنة بني فريو�سات
كورونا امل�سببة للمر�ض ال�شديد) https://www.moh.gov.sa
((( انظر :موقع وزارة ال�صحة� ،صفحة كورونا على املوقع بعنوان (مقارنة بني فريو�سات كورونا امل�سببة
للمر�ض ال�شديد) https://www.moh.gov.sa؛ موقع ويكبيديا املو�سوعة احلرة بعنوان (جائحة
فريو�س كورونا https://ar.wikipedia.org/wiki )20-2019
املبحث الأول
�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح وحكمه و�ضوابطه
املطلب الأول
املق�صود ب�سلطة ويل الأمر
وفيه فرعان:
وا�صطالحا.
ً الفرع الأول :تعريف �سلطة ويل الأمر لغة
الط ًة.و�س َ ال�سلطة لغة :بال� َّضم ،من الفعل� :سَلَّطَ ،يقال�َ :س َّل َط ُي َ�س ِّل ُط ت َْ�س ِل ْي ًَطا َ
ليبُ ،ي َق ُال�َ :س َّل َطه ليط :مبعنى ال َّت ْغ ُ وال�س ْي َط َرة ،والت ََّح ُّك ُم ،والت َّْ�س ُوال�س ْل َط ُة :الت ََّ�سلُّ ُطَّ ، ُّ
الط ُة :ال َّت َم ُّكنُ .وال�سلطة من وال�س َ اهلل َفت ََ�س َّل َط َع َل ْي ِهم� ،أَي َج َع َل له َع َل ْي ِهم ُق َّو ًة ،و َق ْه ًراَّ .
ال�س ْل َطان مبعنى :الوايل ،و�إطال ُقه َع َل ْي ِه هُ َو الأ ْكثرَ .و�سمي ُّ�س ْل َطا ًنا؛ لت�سليطه ،و�إما ُّ
لمراء َ�سالطني؛ لأَنهم ا َّل ِذينَ ُت َق ُام ِب ِه ُم الحْ ُ َّج ُة كونه ُح َّجة من ُح َجج اهلل؛ ِل َذ ِل َك ِق َيل ل أُ
حلقوق(((. وا ُ
فاملعنى اللغوي ال يخرج عن املعاين التالية :ال ُق َّوة ،وال ُق ْد َر ُة ،واملـــــُلك ،وال َّت َم ُّكن،
ال�سلطة ،فال ُّ�سلطة �إال باملكنة ،والقدرة وال�س ْي َط َرة ،وجميعها متحققة يف ُّ والت ََّح ُّكمَّ ،
التي ت�ستلزم القوة ،وال�سيطرة ،والتحكم ،وامللك.
ا�صطالحا :ال يخرج املعنى اال�صطالحي عن املعنى اللغوي املتمثل يف ً ال�سلطة
ال�س ْي َط َر ِة َوال َّت َم ُّكنَ ،وا ْل َق ْه ِرَ ،والت ََّح ُّكمِ .
َّ
((( انظر :ل�سان العرب ،مادة (�سلط) ()320 :7؛ تاج العرو�س ،مادة (�س ل ط) ()378- 19 :371؛
املعجم الو�سيط ،مادة (�سلط)(.)443 :1
وهذه ال�سلطة منوطة باحلاكم ومن يفو�ضه من الوزراء يف تدبري الأمور بر�أيه
و�إم�ضائها على اجتهاده(((.
وا�صطالحا.
ً الفرع الثاين :تعريف ويل الأمر لغة
ل لغة :م�شتق من ا ْل َوليْ ِ ،مبعنى :ال ُق ْر ُب وال ُّد ُن ُّوُ .ي َقالَ :و ِل َي ُه َو ْل ًيا ،أَ� ْي َد َنا ِم ْنهُ. ا ْل َو يِ ُّ
يل َع َل ْي ِه ِوالي ًة و َوالي ًة َو َوليِ َ الأْ ْم َر :إِ� َذا َق َام ِب ِه، يل ال�شي َء و َو َ َو أَ� ْو َل ْي ُت ُه إِ� َّيا ُه� :أَ ْد َن ْي َت ُه ِم ْنهَُ .و َ
ال�س ْل َطانُ ،والإِمارةَ .و َواليِ َو َت َو َّلى الأْ ْم َر؛ أَ� ْي َت َق َّل َد ُه .وي�أتي على عدة معان منها :ال ِواليةُّ :
ا ْل َب َل ِدَ :ن ِاظ ُر �أُ ُمو ِر أَ� ْه ِل ِه ا َّل ِذي َي ِلي ا ْل َق ْو َم ِبالت َّْد ِب ِري َوالأْ ْم ِر َوال َّن ْهي .ال َوالية :ال ُّن�صرةَ .و ُك ٌّل
َمنْ َوليِ َ �أَ ْم َر � َآخ َر َف ُه َو َو ِل ُّيهَُ .و ِم ْن ُه َوليِ ُّ ا ْل َي ِت ِيم َو َوليِ ُّ ا ْل َق ِتيلَ ،و َوليِ ُّ المْ َ ْر�أَ ِةَ ،وهُ َو ا ْل َقا ِئ ُم
ِب ِه ْمَ ،والمْ ُت ََ�ص ِّر ُف فيِ �أَ ْم ِر ِه ْم (((.
ي�ض ال َّن ْه ِي .أَ� َم َره ِب ِه و أَ� َم َر ُه ،و�أَمره �إِياهَ ،ي�أْ ُم ُره �أَ ْم ًرا وفَ ،ن ِق ُ والأمر يف اللغةَ :م ْع ُر ٌ
و�إِما ًرا ف�أْتمَ َ َر� :أَي َق ِب َل َ�أ ْم َره ،و أَ� َم َر الرج ُل ي�أْ ُم ُر �إِمار ًة �إِذا َ�صا َر َع َل ْي ِه ْم َ�أم ًريا .والأَ ِم ُري:
فاذ �أَ ْم ِره َبينِّ ُ ا ِلإمارة ،والأَمارة .و�أُولوا الأَ ْم ِر :ال ُّر ؤَ��سا ُء ،و أَ�هل ُذو الأَ ْمر امل ِل ُك؛ ل َن ِ
ا ْل ِع ْل ِم(((.
فويل الأمر يف اللغة :كل من تقلد �أم ًرا� ،أو قام به� ،سوا ًء ما كان متعل ًقا ب�آحاد
النا�س :كاليتيم واملر�أة وغريهما .وهو ما يعبرّ عنه عند الفقهاء بالوالية اخلا�صة� ،أو
ما تعلق بعموم النا�س من الرعية ،وهو ما يعرب عنه عند الفقهاء بالوالية العامة(((.
ا�صطالحاَ :منْ تقلد حرا�سة الدين ،و�سيا�سة الدنيا((( .أ� ًّيا كان امل�سمى
ً ويل الأمر
رئي�سا� ،أم ًريا)� ،أو من يقوم مقامهم وينوب عنهم. إماما ،مل ًكا ،حاك ًماً ،
(�سلطا ًناً � ،
انظر :الأحكام ال�سلطانية ،للماوردي (�ص.)25 : (((
انظر :ل�سان العرب ،مادة (ويل) ()411- 15 :406؛ تاج العرو�س ،مادة (و ل ي) ()245 -241 :40؛ (((
املعجم الو�سيط ،مادة (ويل)(.)58 :2
انظر :ل�سان العرب ،مادة (�أمر)()30- 26 :4؛ تاج العرو�س ،مادة(�أمر)(.)74-68 :10 (((
انظر :التعريفات الفقهية (�ص.)213 : (((
الأحكام ال�سلطانية (�ص.)5 : (((
وميكن �أن ُي َع َّرف �أي�ضً ا ب�أنه :من له ُ�سلطة �شرعية عامة ،يجوز له مبقت�ضاها
�إجراء ت�صرفات ترتتب عليها �آثار �شرعية ،لها عن�صر الإلزام ،وقوة التنفيذ(((.
واملق�صود ب�سلطة ويل الأمر :ا�ستعمال �صاحب الوالية العامة نفوذه ،وحقه يف
�إ�صدار الأحكام املنبثقة عن �أحكام ال�شريعة كافة ،مبا يحقق م�صلحة �أفراد املجتمع،
فيدفع عنهم املفا�سد ويجلب لهم امل�صالح� ،أو يحافظ لهم على الكليات اخلم�س:
مق�صد حفظ الدين ،وحفظ النف�س ،وحفظ العر�ض� ،أو الن�سل ،وحفظ العقل ،وحفظ
املال ،وتدبري �ش�ؤون حياتهم(((.
املطلب الثاين
املق�صود ب�سلطة تقييد املباح
وفيه فرعان.
وا�صطالحا
ً الفرع الأول :تعريف املباح لغة
ال�ش ْي ِء ُ
وظ ُهو ُر وبروزه .يقال املباح لغة :ا�سم م�شتق من البوح :و�أ�صل ال َب ْوح� :سعة َّ
باح ال�شي َء :أَ�طلقه .واملُ ُ
باح: ال�ش ْي َء َ :أ�حللته َل َكَ .و�أ َ
باح ِب ِ�س ِّره� :إذا أَ�ظهره ،و أَ� َب ْحتُك َّ
َ
ِخلاَ ُف المْ َ ْح ُظو ِر((( .فاملباح باملعنى اللغوي يطلق على الوا�سع الظاهر املعلن امل�أذون
فيه مطل ًقا من غري حرج.
ا�صطالحا :املباح من الألفاظ امل�شرتكة بني علماء الأ�صول ،والفقه؛ كونه
ً املباح
�أحد الأحكام التكليفية املتفق عليها ،ولكل منهم حد ا�صطالحي يو�ضح حقيقته ،ومن
�أجمع تعاريفه اال�صطالحية عند الأ�صوليني ،ما عرفه به الآمدي بقوله :ما دل الدليل
ال�سمعي على خطاب ال�شارع بالتخيري فيه بني الفعل والرتك من غري بدل(((.
النظام الق�ضائي الإ�سالمي (�ص.)98-97 : (((
�سلطة ويل الأمر يف �سن الأنظمة ،العتيبي ،بحث من�شور يف جملة الدرا�سات العربية العدد .)237 :1( 36 (((
انظر :ل�سان العرب ،مادة (بوح) ()416 :2؛ تاج العرو�س ،مادة (بوح)()323 :6؛ املعجم الو�سيط، (((
مادة (باح)(.)75 :1
الإحكام يف �أ�صول الأحكام (.)123 :1 (((
�أما تعريفه عند الفقهاء :للمباح عند الفقهاء مدلوالن :مدلول يوافق علماء
الأ�صول املباح ب�إذن ال�شرع وهو :ما �أجيز للمكلفني فعله وتركه ،بال ا�ستحقاق ثواب،
وال عقاب(((.
ومدلول اخت�صوا به ،وهو املباح ب�إذن الأفراد بع�ضهم لبع�ض وهو :الإذن يف الفعل
والرتك .يقال� :أباح الرجل ماله� ،أذن يف �أخذه وتركه وجعله مطلق الطرفني(((.
الفرع الثاين :املق�صود ب�سلطة تقييد املباح.
َاب�َ :ض َب َطه؛ َو َك َذ ِل َك التقييد لغة :م�صدر ( َق ّي َد) ،واجلمع :قيود ،و َق َّيد ال ِعلم ِبا ْل ِكت ِ
و�ش ْك ُله .واملُ َق َّي ُد ِمنَ
يط ُه و�إِعجامه َ بال�ش ْكل�َ :ش َك َله ،و َت ْقيي ُد الخْ َ ِّطَ :ت ْن ِق ُ َق َّي َد ا ْل ِكت َ
َاب َّ
خالف املُ ْط َلق ،و َق َّي َد الإِميانُ ال َفتْك� :أَي �أَن الإِميان مينع عن الفتك َك َما يمَ ْ َن ُع ال�ش ْع ِرُ : ِّ
ال َق ْي ُد َع ِن الت ََّ�ص ُّر ِف ،فك أَ�نه َج َع َل ال َفت َْك ُم َق َّيدً ا((( .فاملعنى اللغوي للتقييد :ال�ضبط،
واملنع من الت�صرف.
ا�صطالحا :ال يخرج املعنى اال�صطالحي عن املعنى اللغوي من ال�ضبط
ً التقييد
واملنع من الت�صرف ال�ضار واملُ�ضر بوا�سطة ال�سلطة التي و�ضعها ال�شارع يف يد ويل
الأمر(((.
تقييد املباح :ترجيح �أحد طرفيه (الفعل �أو الرتك) لأ�سباب معقولة ،وم�ؤقتة على
�سبيل الأمر� ،أو املنع ،مما يرى فيه ويل الأمر حتقيق م�صلحة� ،أو دفع مف�سدة ،ما مل
يوجد مانع �شرعي من ن�ص خا�ص� ،أو قاعدة كلية �أو �ضابط(((.
واملق�صود ب�سلطة تقييد املباح :هي �سلطة ويل الأمر يف املنع� ،أو الإلزام مبا فيه
انظر :اللباب()156 :4؛ املوافقات()172 :1؛ كفاية الأخيار()31 :1؛ رو�ضة الناظر(�ص.)128 : (((
التوقيف على مهمات التعاريف (�ص.)35 : (((
انظر :ل�سان العرب ،مادة (قيد)()372 :3؛ تاج العرو�س ،مادة(قيد)()84 :9؛ املعجم الو�سيط ،مادة (((
(قيد)(.)769 :2
انظر� :صالحية ويل الأمر يف تقييد املباح (�ص.)16 : (((
انظر� :سلطة ويل الأمر يف �سن الأنظمة ،العتيبي (�ص.)238 : (((
م�صلحة مباحة يف ال�شريعة الإ�سالمية على عامة النا�س� ،أو بع�ضهم مل�صلحة يراها
�سيا�سة منه(((.
املطلب الثالث
حكم تقييد ويل الأمر للمباح
َو َل ِكنْ َواهلل اَل تجَ ْ ت َِم ُع ِب ْن ُت َر ُ�س ِول اهلل ﷺ َو ِب ْن ُت َع ُد ِّو اهلل َم َكا ًنا َو ِاحدً ا �أَ َبدً ا»(((،
وجه اال�ستدالل :منع النبي ﷺ علي بن �أبي طالب من التزوج ببنت �أبي جهل
دليل على �أنه يحق لويل الأمر تقييد املباح �إذا كان يف ذلك درء ملف�سدة(((.
ول اهلل ﷺ َق َال: ال ْك َو ِع ،أَ�نَّ َر ُ�س َ 3.3منع ادخار حلوم الأ�ضاحي ،فعن َ�س َل َم َة ْب ِن َْ أ
َ«منْ َ�ض َّحى ِم ْن ُك ْم َفلاَ ُي ْ�ص ِب َحنَّ فيِ َب ْي ِت ِه َب ْع َد َثا ِل َث ٍة َ�ش ْي ًئا»َ ،ف َل َّما َكانَ فيِ ا ْل َع ِام
ول اهللَ ،ن ْف َع ُل َك َما َف َع ْل َنا َع َام �أَ َّو َلَ ،ف َق َال :اَ«ل�ِ ،إنَّ َذ َ
اك المْ ُ ْق ِب ِلَ ،قا ُلواَ :يا َر ُ�س َ
ا�س ِفي ِه ِب َج ْه ٍدَ ،ف أَ� َردْتُ �أَنْ َي ْف ُ�ش َو ِف ِيه ْم»((( .وجه اال�ستدالل� :أن َعا ٌم َكانَ ال َّن ُ
ما �صدر عنه ﷺ ُيع ّد تقييدً ا للمباح - ،ادخار حلوم الأ�ضاحي -واملنع منه
حتقي ًقا للم�صلحة العامة فدل نهيه ﷺ على جواز تقييد املباح لويل الأمر �إذا
تعر�ضت البالد لظروف ا�ستثنائية تتطلب التقييد(((.
ا�ض ٌر ِل َب ٍاد(((. 4.4ما روي من �أَ َّن ُه ﷺ َن َهى �أَنْ َي ِبي َع َح ِ
وجه اال�ستدالل :فنهى احلا�ضر العامل بال�سعر �أن يتوكل للبادي اجلالب
لل�سلعة ،لأنه �إذا توكل له -مع خربته بحاجة النا�س� -أغلى الثمن على
امل�شرتي فنهاه عن التوكل له ،مع �أن جن�س الوكالة مباح؛ ملا يف ذلك من
زيادة ال�سعر على النا�س(((.
5.5ما ورد عن عمر بن اخلطاب من منع الزواج من الكتابيات ،فقد بلغه
تَزَ َّو َج ُح َذ ْي َف ُة ِمنْ َي ُهو ِد َّي ًة َف َكت ََب إِ� َل ْي ِه ُع َم ُر أَ�نْ َخ ِّل َ�س ِبي َل َهاَ ،ف َكت ََب �إِ َل ْي ِه� :إِنْ َكا َن ْت
اف �أَنْ
َح َر ًاما َخ َّل ْي ُت َ�س ِبي َل َها َف َكت ََب إِ� َل ْي ِه�« :إِنيِّ اَل �أَ ْز ُع ُم أَ� َّن َها َح َرا ٌمَ ،و َل ِك ِّني أَ� َخ ُ
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه-كتاب ف�ضائل ال�صحابة-باب ف�ضائل فاطمة ،ح (.)903 :4()2449
((( انظر� :شرح النووي على �صحيح م�سلم (.)16 :3
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيه-كتاب الأ�ضاحي -باب بيان ما كان من النهي عن أ�كـل حلوم الأ�ضاحي بعد
ثالث ،ح (.)563 :3()1974
((( انظر� :سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،العتيبي (�ص.)115 :
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه-كتاب البيوع-باب حترمي بيع احلا�ضر للبادي ،ح (.)157 :3()1520
((( الطرق احلكمية (�ص.)221 :
َت َع َ
اط ُوا المْ ُ ِوم َ�س ِ
ات ِم ْنهُنَّ »((( ،وجه اال�ستدالل :منع عمر الزواج من الكتابيات
من باب تقييد املباح؛ ملا ر�آه من مفا�سد ،وقد �أمر ال�شارع احلكيم باالقتداء
حكاما وحمكومني.
بهدي اخللفاء الرا�شدين ً
ميكن �أن يناق�ش :ب�أن حذيفة احتج على عمر بن اخلطاب
بالإباحة ال�شرعية يف قوله « :إِ�نْ َكا َن ْت َح َر ًاما َخ َّل ْي ُت َ�س ِبي َل َها».
�أجيب :ب�أن املباح الذي ثبت بالن�ص ،ال يجوز للحاكم تقييده �إال يف الظروف
الطارئة ويكون ُمق ّيدًا بها ،واملباح الذي ثبت بالرباءة الأ�صلية ،فيجوز تقييده
ب�شرط مراعاة امل�صلحة� ،سوا ًء ُق ّيد بوقت معني �أم ال؟ .وهنا املباح ثابت بالن�ص،
ن�سخا للحكم(((. وتقييد اخلليفة الرا�شد من باب حفظ م�صالح الأمة ولي�س ً
�6.6إم�ضاء عمر بن اخلطاب طالق الثالث بلفظة واحدة ثال ًثا ،فعن
الطلاَ ُق َع َلى َع ْه ِد َر ُ�س ِول اهلل ﷺَ ،و�أَ ِبي َب ْك ٍر، ا�س َ ،ق َالَ « :كانَ َّ ا ْب ِن َع َّب ٍ
اب�ِ :إنََّو َ�س َن َتينْ ِ ِمنْ ِخلاَ َفة ُع َم َرَ ،طلاَ ُق ال َّثلاَ ِث َو ِاح َد ًةَ ،ف َق َال ُع َم ُر ْبنُ الخْ َ َّــط ِ
ا�س َت ْع َج ُلوا فيِ �أَ ْم ٍر َق ْد َكـا َن ْت َل ُه ْم ِفي ِه �أَ َنا ٌةَ ،ف َل ْو َ�أ ْم َـ�ض ْي َنا ُه َع َل ْي ِه ْم،
ا�س َق ِد ْ ال َّن َ
َف�أَ ْم َ
ــــ�ضا ُه َع َل ْي ِه ْم »(((.
وجه اال�ستدالل :مل يكن يف فعل عمر خمالفة لل�شارع� ،إذ �أنه مل يغري �أم ًرا الز ًما،
وغاية ما فيه �أنه منعهم من الرجعة التي �أباحها اهلل تعالى يف الطلقتني الأوليني،
ومل تكن الرجعة الزمة لكل مطلق ،وال جتديد العقد لكل مطلق كذلك ،ولويل الأمر
�أن مينع النا�س من بع�ض املباحات زج ًرا لهم ،وعقا ًبا على ارتكابهم املحظور(((.
7.7تقييد عمر بن اخلطاب لوقت �شراء اللحم ،فعن ابن عمر
((( �أخرجه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه -كتاب النكاح -من كان يكره النكاح يف �أهل الكتاب ،ح ()16163
(.)474 :3
((( انظر� :سلطة ويل الأمر �سن الأنظمة ،العتيبي (�ص.)248 :
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه-كتاب الطالق -باب طالق الثالث ،ح (.)999 :2()1472
((( تعليل الأحكام (�ص.)59 -58 :
قال :كان عمر ي�أتي جمزرة الزبري بن العوام بالبقيع -ومل يكن
باملدينة جمزرة غريها -في�أتي ومعه الدرة((( ،ف�إذا ر�أى اً
رجل ا�شرتى حل ًما
يومني متتالني �ضربه بالدرة ،وقال�( :أال طويت بطنك جلارك ،وابن عمك)(((.
وجه اال�ستدالل :ق ّيد � إباحة �شراء اللحم ب�أال يكون على يومني متتالني؛
مل�صلحة توفر اللحم لعامة النا�س(((.
8.8تقييد حرية التنقل لبع�ض الأفراد ،فقد منع عمر بن اخلطاب عددًا
من ال�صحابة من ال�سفر خارج املدينة �إال ب�إذنه ،و�إلى �أجل؛ لالحتياج
�إليهم((( .وجه اال�ستدالل :التنقل واخلروج من البالد مباح للأفراد؛ ولكن
عمر ب�صفته خليفة للم�سلمني ق ّيد هذا املباح لهم(((.
ثان ًيا :من املعقول:
�1.1أن اهلل تعالى كلف ويل الأمر مبهمة تدبري �أمور الرعية وربطها مب�صاحلها،
وقد ت�ستلزم هذه املهمة الت�صرف يف بع�ض الأحكام بح�سب ما يرتبط
بالأفعال من امل�صالح الطارئة ،واملفا�سد املتجددة(((.
�2.2أن ن�صو�ص الفقهاء تفيد �أن ال�سلطان �إذا �أمر ب�أمر يف مو�ضوع اجتهادي
كان �أمره واجب االحرتام والتنفيذ ،فلو منع العقود؛ مل�صلحة طارئة واجبة
الرعاية ،وكانت جائزة نافذة ،ف�إنها ت�صبح مبقت�ضى منعه باطلة� ،أو موقوفة
ح�سب الأمر(((.
الدِّ َّرة ،بالك�سر :ما ي�ضرب به ،وتطلق على ِد َّرة ال�سلطان التي ي�ضرب بها .ل�سان العرب ،مادة (درر) (((
(.)282 :4
م�سند الفاروق (.)265 :1 (((
انظر :نظرية الإباحة (�ص.)345 : (((
انظر :تاريخ الطربي(.)679 :2 (((
انظر :نظرية الإباحة (�ص.)347 : (((
املرجع ال�سابق (�ص.)335 : (((
انظر :املدخل الفقهي العام (.)168 :1 (((
3.3قرر اهلل تعالى يف �أ�صل �شريعته �أن للمكلف �أن ين�شئ الوجوب فيما لي�س
بواجب يف �أ�صل ال�شرع ... ،و�إذا تقرر �أن اهلل تعالى جعل لكل مكلف -و�إن كان
عام ًيا اً
جاهل -الإن�شاء يف ال�شريعة لغري �ضرورة ،ف�أولى �أن ُيجعل الإن�شاء
للحكام؛ لل�ضرورة ،ودفع الف�ساد(((.
4.4املباحات و�إن كانت تقبل التوجيه نحو اخلري� ،أو ال�شر ح�سب �إرادة املتناول لها،
ف�إن اهلل تعالى مل يق�صد بها �إال اخلري؛ ولهذا ف�إن كل ت�صرف يف املباح مبا
يحقق املقا�صد ال�شرعية من جعلها مباحة يع ّد من مظاهر النهو�ض مب�س�ؤولية
خالفة الإن�سان يف الأر�ض ،ومن باب �أولى خالفة ويل الأمر على رعيته(((.
�5.5أن الأدلة والقواعد ال�شرعية تقت�ضي تقييد ويل الأمر للمباح يف ظل كرثة
امل�ستجدات التي �أحدثها النا�س؛ نتيجة �ضعف الوازع الديني لديهم ،ولهذا
قال عمر بن عبدالعزيز :حتدث للنا�س �أق�ضية بقدر ما �أحدثوا من الفجور(((.
وا�ستدل القائلون مبنع تقييد ويل الأمر للمباح مطل ًقا ،باملنقول ،واملعقول.
� اً
أول :من املنقول:
1.1قوله تعالى( :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ) [املائدة.]87 :
وجه اال�ستدالل :تقييد املباح من ويل الأمر ي�شمل حترمي ما �أحل اهلل فيكون
ممنوعا(((.
ً
نوق�ش :ب�أن طاعة ويل الأمر يف املباح ال ت�ستلزم حترمي ما �أباح اهلل ،غاية ما
يف الأمر �أن ويل الأمر ر�أى يف فعل �أمر ما م�صلحة� ،أو �أنه يرتتب على تركه
انظر :الإحكام يف متييز الفتاوى (�ص.)41-38 : (((
انظر� :سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،عبدالالوي (�ص.)136 : (((
انظر :تب�صرة احلكام ( )126 :2وانظر مقولة عمر بن عبدالعزيز ( )209 :2يف نف�س املرجع. (((
انظر :روح املعاين (.)66 :5 (((
مف�سدة ،فق ّيده و�أمر به ال على �أنه ت�شريع ،بل على �أنه توجيه للم�صالح،
و�إلزام حتى ال تفوت م�صلحته(((.
ول اهللَ ،غلاَ ِّ
ال�س ْع ُر َف َ�س ِّع ْر ا�س َيا َر ُ�س َ 2.2ماورد عن �أَ َن ٍ�س ،قالَ :ق َال ال َّن ُ
ول اهلل ﷺ�« :إِنَّ اهلل هُ َو المْ ُ َ�س ِّع ُر ا ْل َقا ِب ُ�ض ا ْل َب ِا�س ُط ال َّراز ُِقَ ،و�إِنيِّ َل َناَ ،ف َق َال َر ُ�س ُ
َ ألَ ْر ُجو �أَنْ أَ� ْل َقى َ
اهلل َو َل ْي َ�س �أَ َح ٌد ِم ْن ُك ْم ُي َطا ِل ُب ِني بمِ َ ْظ َل َم ٍة فيِ َد ٍم َو اَل َم ٍال»(((.
وجه اال�ستدالل� :إذا مل يق ّيد ﷺ ما �أباحه اهلل تعالى ،فلي�س لغريه من والة
الأمور ذلك(((.
نوق�ش :ب�أن النبي ﷺ امتنع عن تقييد املباح؛ لعدم وجود احلاجة ،فغالء
ال�سعر كان ب�سبب قلة املعرو�ض وكرثة النا�س ،و�إذا اندفعت حاجتهم وقامت
م�صلحتهم بدونه مل ُيفعل(((.
ثان ًيا :من املعقول:
تقييد ويل الأمر للمباح ي�ؤدي �إلى �إمكان �أن يت�صرف بح�سب هواه فيتع�سف الوالة
يف تقييد ما �أباحه اهلل تعالى؛ ف�سدً ا لذريعة ذلك يمُ نع ويل الأمر من التقييد(((.
نوق�ش :ب�أن تقييد ويل الأمر للمباح البد �أن يكون وفق امل�صالح واملفا�سد ،ودون �أن
يتعار�ض هذا التقييد مع قواعد ال�شريعة ون�صو�صها(((.
الفرع الثالث :الرتجيح و�سببه.
يرتجح -واهلل �أعلم -القول بجواز تقييد ويل الأمر للمباح� ،إذا كان م�ستندً ا
((( انظر :نظرية الإباحة (�ص.)338-330 :
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه-كتاب البيوع-باب يف الت�سعري ،ح( )272 :3()3451واللفظ له؛ و�أخرجه
الرتمذي يف �صحيحة -كتاب البيوع-باب ماجاء يف الت�سعري ،ح()597 :3()1314وقال عنه :هذا
حديث ح�سن �صحيح.
((( انظر :امللكية يف ال�شريعة (.)304 :2
((( انظر :الطرق احلكمية (�ص.)441 :
((( انظر :املدخل الفقهي العام (.)221 :1
((( انظر :املرجع ال�سابق؛ نظرية الإباحة(�ص.)340 :
املطلب الرابع
�ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح
و�ضع العلماء جملة من ال�ضوابط ،التي يجب �أن تراعى عند تقييد املباح؛ ليكون
م�شروعا وحمق ًقا لأهدافه ،منها:
ً
ال�ضابط الأول� :أن يكون التقييد �صاد ًرا عن جهة ذات اخت�صا�ص ،وهي اجلهة
التي حددها الن�ص يف قوله تعالى( :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ) [الن�ساء ،]59 :وهم احلكام والعلماء.
داخل �ضمن الوالية التي ال�ضابط الثاين� :أن يكون التقييد ال�صادر عن احلاكم ،اً
يتوالها من م�صالح الأمة ،ولي�ست من م�صاحله ال�شخ�صية ،فلو �أ�صدر �أم ًرا
يوجب تقييد املباح �إيجا ًبا� ،أو نه ًيا؛ مل�صلحته ال يعد ذلك تقييدً ا؛ لأن الطاعة
املتوجهة لويل الأمر لي�ست متوجهة ل�شخ�صه.
ال�ضابط الثالث� :أن يكون التقييد حمق ًقا مل�صلحة عامة ،م�ؤكدة غري متوهمة،
ً
�شروطا للعمل متفقة مع مبادئ ال�شريعة وكلياتها ،وقد و�ضع بع�ض العلماء
بامل�صلحة منها� :أن تكون �ضرورية ،داخلة �ضمن مق�صود ال�شرع؛ لي�شمل
حفظ ال�ضروريات اخلم�س ،ومنها حفظ النف�س(((.
((( انظر :امل�ست�صفى (�ص)103 :؛ املوافقات ()116 :1؛ �إعالم املوقعني ()22-14 :3؛ الطرق احلكمية
(�ص)18 :؛ قواعد الأحكام ()75 :1؛ �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،العتيبي (�ص)248 :؛ تقييد املباح
ومدى الإلزام به� ،أبو مزيريق (�ص)42 :؛ �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،عبدا لالوي�( ،ص.)82 :
ً
ومرتبطا بالظروف التي دعت �إليه� ،إذ ال�ضابط الرابع� :أن يكون التقييد م�ؤقتًا،
�أن تقييد املباح �أمر عار�ض �أ�صل الإباحة ،فيزول بزوال م�سبباته.
ال�ضابط اخلام�س� :أن يكون التقييد لفرد من �أفراد املباح ال جلن�سه ،فلي�س لويل
الأمر �أن مينع جن�س املباح بل له �أن مينع �أحد �أفراده؛ �إذ �أن جن�س الإباحة
ثبت بالدليل ال�شرعي ،فال ي�صح منع جن�سه ب�أي حال ،و�إمنا منع فرد من
�إفراده يف حالة معينة ،ولوقت معني.
ال�ضابط ال�ساد�س :ال يكون التقييد بالهوى والت�شهي ،بل بالنظر يف امل�آل املتوقع
من التطبيق؛ كي ال تكون النتائج خمالفة للم�صالح احلقيقية� ،أو تكون
املف�سدة م�ساوية للم�صلحة التي يحتاط لها� ،أو �أكرب منها� ،أو تفويت م�صلحة
�أف�ضل من التي يحتاط لها(((.
واخلال�صة:
ال�شارع ال ق�صد له يف فعل املباح �أو يف تركه ،بل الأمر مرتوك خلرية املكلف مادام
الأمر ال يرتتب عليه �ضرر يعود على ال�شخ�ص نف�سه واجلماعة ،ف�إذا وقع ال�ضرر ف�إن
هذا الأمر املباح يقيد ،وبالتايل نقول� :إن �ضرر التجمعات يف زمن الأوبئة يوقع �ضر ًرا
على ال�شخ�ص واجلماعة من حتقق انت�شار الوباء -ومنه فريو�س كورونا خا�صة -يف ظل
عدم اتباع الإجراءات الوقائية ،وكرثة عدد املخالطني والذين ال تظهر عليهم �أعرا�ض
املر�ض ،فيحق لويل الأمر ا�ستعمال �سلطته يف تقييد املباح (التجمعات والتنقل ونحوها)
�إذ الأ�صل يف ت�صرف الإمام يف الرعية منوط بامل�صلحة ،يراعى فيه حال من ُت َ�سنَّ لهم
الأنظمة بح�سب رفع احلرج عنهم ،والتي�سري عليهم مبا يتفق مع عاداتهم ،ومعامالتهم
وقت َ�سنَّ الأنظمة؛ لذا ف�إن �ضوابط امل�صلحة لها اعتبارها يف َ�سنَّ الأنظمة باعتباره من
�أهم ت�صرفات والة الأمر وفق امل�صلحة ،ومن �أكرثها ت�شع ًبا ،و�أ�صعبها تقدي ًرا(((.
املبحث الثاين
الئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية ،وجهة
�إ�صدارها ،والت�أ�صيل ال�شرعي لها
املطلب الأول
التعريف بالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية،
وجهة �إ�صدارها
ت�شري بع�ض التقارير �إلى �أن فريو�س كورونا امل�ستجد ميكن �أن ينتقل حتى من
الأ�شخا�ص الذين ال تظهر عليهم �أي �أعرا�ض(((.
وقد حثت منظمة ال�صحة العاملية حكومات الدول �إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات
للوقاية من فريو�س كورونا امل�ستجد ،ومن �أهمها :التباعد االجتماعي ،وفر�ض قيود على
التجمعات ،وغرامات ،وترك م�سافة كافية بني الأفراد يف �أماكن التجمعات ،حيث بينّ
الباحثون واملخت�صون �أنّ تقليل التوا�صل بني ال�سكان واتباع و�سائل التباعد االجتماعي
املختلفة قد ي�ؤدي �إلى خف�ض عدد امل�صابني بفريو�س ما مبقدار الن�صف تقري ًبا.
من منطلق امل�س�ؤولية املنوطة بحكومة اململكة العربية ال�سعودية ،ومن �أهمها
احلفاظ على �صحة و�سالمة املواطنني واملقيمني والزائرين� ،أ�صدرت وزارة الداخلية
قرارين وزاريني رقم ( )9240ورقم ( )9241بتاريخ 1441/9/7هـ املت�ضمن املوافقة
على الئحة احلد من التج ّمعات التي ت�سهم يف نقل وتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد،
((( انظر :موقع منظمة ال�صحة العاملية بعنوان مر�ض فريو�س كورونا (كوفيد� :)19-س�ؤال وجوا
ب
https://www.who.int؛ موقع ويكبيديا املو�سوعة احلرة بعنوان (جائحة فريو�س كورونا )20-2019
https://ar.wikipedia.org
•التجمعات الع ّمالية�( :أي جتمع من فئة العمال داخل املنازل �أو املباين التي
حتت الإن�شاء� ،أو اال�سرتاحات �أو املزارع ونحوها ،خالف م�ساكنهم).
•التجمعات يف املحالت التجارية امل�صرح لها�( :أي جتمع للمت�سوقني �أو
العاملني داخل �أو خارج املحل التجاري مبا يتجاوز الأعداد املن�صو�ص
عليها يف الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية).
راب ًعا :يت ّولى �ضبط التجمعات بجميع �صورها و�أ�شكالها و�أماكن حدوثها �سوا ًء
خ�ص�ص لهذا الغر�ض، داخل الأحياء �أو املدن �أو خارجها ،وحدات �أمنية ُت ّ
�إ�ضافة �إلى اجلهات امل�شرفة على من�ش�آت القطاع اخلا�ص.
خام�ساُ :يعد خمال ًفا لأحكام هذه الالئحة �أي�ضً ا كل من ح�ضر التجمع حمل املخالفة،
ً
�أو دعا �إليه �أو ت�سبب فيه.
�ساد�سا :تن�شر الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية -و�أي حتديث يجرى ً
عليها -واملخالفات املتعلقة بها والعقوبات املرتتبة عليها ،يف و�سائل الإعالم
الر�سمية.
�ساب ًعا :على جميع الأفراد والكيانات من القطاعني العام واخلا�ص ،التقيد التام
بالتعليمات املعتمدة املت�صلة با�شرتاطات ال�سالمة ال�صح ّية ،وقواعد التباعد
االجتماعي ،ومنع التجمعات بجميع �صورها و�أ�شكالها و�أماكن حدوثها.
ثامنـًا :على كل من َيعلم عن �أي جتمع خمالف لأحكام هذه الالئحة� ،إبالغ اجلهة
املخت�صة عن مكان حدوثه(((.
كما �صرح م�صدر م�س�ؤول يف وزارة الداخلية ،ب�صدور القرار الوزاري رقم
((( انظر :موقع �صحيفة �أم القرى الإلكرتونية بعنوان (اعتماد الئحة احلد من التج ّمعات التي ت�سهم يف تف�شي
ونقل فريو�س كورونا وت�صنيف املخالفات والعقوبات املقررة بحقها ،بتاريخ 1441/9/14هـ العدد 4831
�ص https://www.uqn.gov.sa 35؛ موقع وزارة الداخلية ،الئحة احلد من التجمعات ،م�ستند الئحة
احلد من التجمعات التي ت�سهم يف تف�شي ونقل فريو�س كورونا امل�ستجد https://www.moi.gov.sa
املطلب الثاين
الت�أ�صيل ال�شرعي لالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية
واملخالطة بدون �أخذ االحرتازات والتدابري الوقائية ُيعد �إلقا ًء للنف�س يف
التهلكة احلا�صلة من التجمعات ،فهي �إما حمققة �إذا كان املخالط تظهر
عليه الأعرا�ض� ،أو مظنونة �إن كانت ال تظهر على املخالط �أي �أعرا�ض،
وكالهما منهي عنه لكونه �إلقاء للنف�س يف التهلكة.
وقد حذر ﷺ �أمته من االختالط ب�أهل املر�ض املعدي يف التجمعات فقال:
«َ ..و ِف َّر ِمنَ ا َمل ْج ُذ ِوم((( َك َما َت ِف ُّر ِمنَ الأَ َ�س ِد»((( ،وقال :اَ«ل ُيو ِر ُد ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى
ُم ِ�ص ٍّح»((( ،وو�ضع تدابري وقائية من انت�شار هذه الأمرا�ض ،ومن ذلك :عدم
م�صافحة الر�سول ﷺ للمجذوم عند مبايعته له فقد قال ﷺ له� « :إِ َّنا َق ْد
اك َفا ْر ِج ْع»((( ،وهذا �أ�صل �شرعي ي�ؤ�صل لهذه الالئحة ن�صً ا مع الن�صو�ص َبا َي ْع َن َ
العامة الأخرى ،ففريو�س كورونا ينتقل باللم�س وامل�صافحة واملخالطة.
2.2الالئحة من باب دفع ال�ضرر من حيث ال�سيطرة على تف�شي فريو�س كورونا
امل�ستجد بني �أفراد املجتمع من غري �أن ت�ضر مبعا�شهم وحياتهم ،تطبي ًقا
لقاعدة (ال�ضرر وال �ضرار)((( ،و�أ�صلها قوله ﷺ :اَ«ل َ�ض َر َرَ ،و اَل ِ�ض َرا َر»(((؛
في�شمل دفع ال�ضرر قبل نزوله بطرق الوقاية املمكنة ،كما ي�شمل رفعه بعد
وف ،مر�ض مزمن التهابي مزمن ي�صيب اجللد، وم :ا َّل ِذي �أَ َ�صا َب ُه ا ُ
جل َذامَ ،وهُ َو ال َّداء المْ َ ْع ُر ُ ((( ا َمل ْج ُذ ُ
والأع�صاب ،والأن�سجة املخاطية ،ت�سبب اجلذام بكترييا من نوع الع�صبات �شديدة ال�شبه بع�صبات
التدرن ،ت�سمى ع�صابات(هان�سن) .انظر :النهاية يف غريب احلديث والأثر (�ص)252 :؛ معجم
الأمرا�ض وعالجها (�ص )277-274 :موقع منظمة ال�صحة العاملية .https://www.who.int
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه-كتاب الطب -باب اجلذام (ح.)126 :7( )7507 :
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب ال�سالم -باب العدوى وال طرية(..ح.)43 :4( )2221 :
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب ال�سالم -باب اجتناب املجذوم ونحوه (ح.)52 :4( )2231 :
((( وتندرج حتت هذه القاعدة العديد من القواعد « ال�ضرر يزال»« .ال�ضرر ال يزال بال�ضرر» �أو «ال�ضرر
اليزال مبثله»« .ما �أبيح لل�ضرورة يقدر بقدره»« .امل�شقة جتلب التي�سري»ُ « .يتحمل ال�ضرر اخلا�ص لدفع
ال�ضرر العام»« .ال�ضرر الأ�شد يزال بال�ضرر االخف» «يختار �أهون ال�شرين» وغريها .انظر هذه القاعدة
وغريها يف الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم (�ص)78-73 :؛ اال�شباه والنظائر ،لل�سيوطي (�ص.)86 :
((( �أخرجه ابن ماجه يف �سننه :كتاب الأحكام-باب من بنى يف ح ِّقه ما ي�ض ّر بجاره ،ح ()784 :2()2340
�صححه احلاكم ،ومل يتعقبه الذهبي (امل�ستدرك.)58/2 :
وقوعه مبا ميكن من التدابري التي تزيل وتخفف �آثاره ،وهذا ما هدفت �إليه
الالئحة ،التي ن�صت على تدابري وقائية ملنع ال�ضرر بالنف�س وبالآخرين.
3.3الالئحة حتقق مق�صدً ا من مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،فحفظ النف�س
و�صيانتها من مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية اخلم�سة ،ومن جملة ال�ضروريات
التي �أمر ال�شارع بحفظها وعدم تعر�ضها للهالك((( يقول طاهر عا�شور:
وعموما؛ لأن العامل مركب
ً “حفظ النف�س هو حفظ الأرواح من التلف �أفرادًا
من �أفراد الإن�سان ،ويف كل نف�س خ�صائ�صها التي بها بع�ض قوام العامل،
ولي�س املراد حفظها بالق�صا�ص كما مثل بها الفقهاء ،بل جند الق�صا�ص
هو �أ�ضعف �أنواع حفظ النفو�س؛ لأنه تدارك بعد الفوات بل احلفظ �أهمه
حفظها من الت َلف قبل وقوعه ،مثل مقاومة الأمرا�ض ال�سارية ،وقد منع عمر
بن اخلطاب اجلي�ش من دخول ال�شام لأجل طاعون عامو�س ،واملراد
النفو�س املحرتمة يف نظر ال�شريعة وهي املعرب عنها باملع�صومة الدم”(((.
4.4الالئحة تن�سجم مع قواعد ال�شريعة الإ�سالمية التي تقوم يف �أحد �أهم
مبادئها على حفظ م�صالح العباد ،ومنع كل ما من �ش�أنه الإ�ضرار بهذه
امل�صالح ،ف�إن كان يف التجمعات م�صالح �إال �أن املخالطة غري املقننة مف�سدة
تزيد من تف�شي الوباء (فريو�س كورونا امل�ستجد) ،ودرء املفا�سد مقدم على
جلب امل�صالح(((.
((( انظر :املوافقات (.)299 :2
((( مقا�صد ال�شريعة (�ص.)221 :
((( انظر :اال�شباه والنظائر ،البن جنيم (�ص)78 :؛ اال�شباه والنظائر ،لل�سيوطي( ،)86وقد �شرط �أهل
العلم للعمل بامل�صلحة جملة من ال�شروط التي يجب توافرها حتى ي�صح العمل بامل�صلحة منها� :أن
تكون امل�صلحة موافقة ملق�صود ال�شارع� ،أن ترجع �إلى حفظ �أمر �ضروري ،ورفع حرج الزم يف الدين،
�أن تكون م�صلحة حقيقية ال م�صلحة وهمية؛ فالوهمية هي التي ُيتخيل فيها منفعة وهي عند الت�أمل
م�ضرة ،وذلك خلفاء ال�ضرر فيها .عدم تفويتها م�صلحة �أهم منها ،وذلك بالنظر لها من حيث قوتها،
وبالنظر لها من حيث �شمولها ،انظر :االعت�صام (�ص)632 -626 :؛ �إعالم املوقعني ()217 :3؛
مقا�صد ال�شريعة (�ص.)315 :
يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية“ :الواجب حت�صيل امل�صالح وتكميلها ،وتعطيل
املفا�سد وتقليلها ،ف�إذا تعار�ضت كان حت�صيل �أعظم امل�صلحتني بتفويت
�أدناهما ،ودفع �أعظم املف�سدتني مع احتمال �أدناها”((( ،ويقول يف مو�ضع
“ال�شك �أنه من املعلوم �أن ال�شرع والعقل قد د َّال على وجوب حت�صيل َّ �آخر:
املفا�سد وتقليلها ،فك َّلما يرى العاقل �أنه �إذا دخل
ِ إعدام
امل�صالح وتكميلها ،و� ِ
وجب عليه عند ذلك وجه ومف�سد ًة من وج ٍه َ وج ُب له م�صلح ًة من ٍ أمر ما ُي ِ
يف � ٍ
الرتجيح ،في�أخذ لنف�سه بال َأ�سدِّ والأكمل والأر�شد والأ�صلح”(((.
ُ
وال �شك �أن هذا الأخذ مت�أكد يف حق ويل �أمر امل�سلمني من باب �أولى ،فواليته والية
عدل وحماية ورعاية مل�صالح العباد والبالد ودفع املفا�سد عن العباد والبالد
يقول �إمام احلرمني“ :الإمامة ريا�سة تامة ،وزعامة عامة ،تتعلق باخلا�صة
والعامة ،يف مهمات الدين والدنيا .مهمتها :حفظ احلوزة ،ورعاية الرعية،
و�إقامة الدعوة باحلجة وال�سيف ،وكف اخليف واحليف ،واالنت�صاف للمظلومني
من الظاملني ،وا�ستيفاء احلقوق من املمتنعني ،و�إيفا�ؤها على امل�ستحقني”(((.
5.5ن�صبت ال�شريعة الإ�سالمية الوالة على الرعية تن�صيب رعاية وعناية وحفظ
وم�س�ؤولية ،يحا�سب عليها عند تق�صريه فيها(((؛ لقوله ﷺ«َ :ما ِمنْ أَ� ِم ٍري
َي ِلي �أَ ْم َر المْ ُ ْ�س ِل ِمنيَُ ،ث َّم اَل َي ْج َه ُد َل ُه ْم َو َي ْن َ�ص ُح�ِ ،إ اَّل لمَ ْ َي ْد ُخ ْل َم َع ُه ُم الجْ َ َّن َة»(((،
وت�صرف الإمام على رعيته منوط بامل�صلحة كما هو مقرر عند الفقهاء(((،
يقول ابن القيم“ :اجتهاد الأئمة يف كل زمان ومكان بح�سب امل�صلحة”(((.
((( جامع امل�سائل ،ابن تيمية (.)177 :1
((( جمموع الفتاوى ،ابن تيمية ()284 :28؛ وانظر :اجلواب الكايف (�ص)121 :؛ مفتاح دار ال�سعادة (.)19 :2
((( غياث الأمم ،اجلويني (�ص.)22 :
((( انظر :فتح الباري ()128 :13؛ �شرح النووي على �صحيح م�سلم (.)166 :2
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب الأمارة -باب ف�ضيلة الإمام العادل وعقوبة اجلائر (ح.)460 :3()142 :
((( انظر :املب�سوط ()40 :10؛ اال�شباه والنظائر ،البن جنيم (�ص)123 :؛ الفروق ()39 :4؛ الأم (:5
)351؛ اال�شباه والنظائر ،لل�سيوطي (�ص)158 :؛ �شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي (.)94 :2
((( �إعالم املوقعني (.)75 :2
فيتعني على ويل �أمر امل�سلمني ومن ينوبه �إ�صدار القرارات امللزمة للرعية،
�إذا كان ذلك يحقق م�صلحة متحققة ويدر�أ مف�سدة راجحة ،ويتحقق هذا يف
هذه الالئحة التي ن�صت على اتخاذ التدابري االحرتازية الوقائية الالزمة
للحد من تف�شي الأمرا�ض الوبائية (فريو�س كورونا امل�ستجد).
وجاء من �ضمن تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام�22شعبان
1441هـ �16أبريل2020بعنوان( :فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد )19-وما
يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية) التي ينظمها جممع الفقه
الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة التعاون الإ�سالمي“ :يجب االلتزام
بقرارات الدول واحلكومات مبا ي�سمى بالتباعد االجتماعي ونحو ذلك ،ما
من �ش�أنه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س ومنع انت�شاره؛ لأن ت�ص ّرفات الإمام
عمل بالقاعدة ال�شرعية التي تن�ص على �أن (ت�صرف منوطة بامل�صلحة ،اً
الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة”(((.
6.6الالئحة من باب الأخذ بالأ�سباب الذي حثت عليه ال�شريعة الإ�سالمية
و�أوجبته بعد التوكل على اهلل تعالى والت�سليم لق�ضائه ،ومن الأخذ بالأ�سباب
لزاما
التباعد االجتماعي الذي حثت عليه املنظمات ال�صحية الدولية ،فكان ً
تنظم ذلك وت�ضبطه.على ويل الأمر �إ�صدار لوائح ّ
7.7هذه الالئحة من باب تقييد املباح للم�صلحة وهي من �ضمن �سلطة ويل الأمر،
فقد ن�صت هذه الالئحة على تقييد التجمعات ،وهي مباحة يف ذاتها .و�سنت
�إجراءات وتعليمات للتجمعات للحد من انت�شار فريو�س كورونا امل�ستجد،
فكل تقييد ملباح يحقق م�صلحة عامة معتربة ،اختاره الإمام والتزمه يف �سن
الأنظمة �أو �إ�صدار الأوامر والتعليمات ،وغريها من الو�سائل الإدارية؛ وجب
على الأمة �أن تطيعه فيه(((.
((( انظر :موقع جممع الفقه الإ�سالمي الدويل .http://www.iifa-aifi.org
((( انظر :البحر الرائق ()53 :7؛ روح املعاين ()66 :5؛ الأحكام ال�سلطانية للماوردي (�ص)209 :؛ =
وبنا ًء على ما تقدم ف�إن �إ�صدار هذه الالئحة من �ضمن �صالحيات ويل الأمر
وم�س�ؤولياته والعمل بها يعد مطل ًبا وواج ًبا �شرع ًيا؛ وامتثال املكلف لهذه االحرتازات
هو ما ت�ؤيده الن�صو�ص والقواعد العامة يف ال�شريعة الإ�سالمية ،قال ﷺ :اَ«ل َط َاع َة فيِ
وف»((( ،فاملعروف ُيطلق على كل ما ُيق ّره ال�شرع، مَعْ�صِيَةِ اهلل� ،إِنمََّا ال َّطاعَةُ فيِ المَْ ْع ُر ِ
ف�ضل عن الن�صو�ص ويوافق العدل واحلق ،ولو مل يكن يف ذلك ن�صو�ص خا�صة ،هذا اً
التي ت�ؤكد على وجوب طاعة ويل الأمر وال�سمع والطاعة له ،خ�صو�صا �أن �أمر تقييد
املباح يُعد بابا ًمن �أبواب ال�سيا�سة ال�شرعية املفو�ض �أمرها لإمام امل�سلمني(((.
املطلب الثالث
حكم طاعة ويل الأمر فيما لو �أ�صدر قرارا ال يخالف ال�شرع
تهدف الالئحة �إلى فر�ض التباعد االجتماعي ،وتنظيم التجمعات الب�شرية التي
تكون �سب ًبا مبا�ش ًرا لتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد ،واحلد منها مبا ي�ضمن احليلولة،
دون تف�شي الفريو�س وفقد ال�سيطرة عليه واحتوائه ،وهذا الهدف ال يخالف ال�شرع،
بل فيه حتقق م�صالح ودرء مفا�سد ،وحتقيق مق�صد حفظ النف�س ،وال�س�ؤال الذي
�أود الإجابة عليه يف هذا املطلب هل يلزم طاعة ويل الأمر يف هذه الالئحة ،وهل يعد
املخالف لها �آثما �أم ال؟
�أوال� :أحوال ما ي�صدر عن ويل الأمر من قرارات و�أنظمة:
مقت�ضى داللة الكتاب ،وال�سنة ،و�سرية ال�سلف ال�صالح� ،أن ما ي�صدر عن ويل
الأمر ال يخرج عن �أحوال ثالثة كما يلي:
مباحا،
احلالة الأولى� :أن تكون ما ي�صدر عن ويل الأمر واج ًبا� ،أو مندو ًبا� ،أو ً
= جامع العلوم واحلكم (�ص)270 :؛ �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،عبدالالوي(�ص.)82 :
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيه-كتاب الأمارة -باب وجوب طاعة الأمراء يف غري مع�صية (ح:3()1840 :
.)469
((( انظر� :سلطة ويل الأمر يف التعزير على الفعل املباح (�ص.)49-48 :
فيجب له ال�سمع والطاعة فيه؛ طاعة هلل ولر�سوله ،وكذلك لو نهى ويل الأمر
عن �شيء حمرم� ،أو مكروه� ،أو قيد املباح (((.
احلالة الثانية� :أن يكون ما ي�صدر عن ويل الأمر من �أمر� ،أو نهى من م�سائل
اخلالف ،فيعزم ويل الأمر على �أحد القولني ،فيجب ال�سمع والطاعة؛ جم ًعا
للكلمة.
احلالة الثالثة� :أن يكون ما ي�صدر عن ويل الأمر مع�صية ،فال يجب ال�سمع
والطاعة له؛ لأنه ال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق ،ولهذه احلالة ثالثة
م�سالك ،الأول :االنكار يف القلب ،الثاين :عدم اتخاذ ما ي�صدر اً
جمال
للت�شهري والت�شنيع ،ب�إظهار غلط ويل الأمر على امللأ؛ ملا فيه من الفرقة
واالختالف ،الثالث :الن�صيحة لويل الأمر �سرا(((؛ لقوله ﷺَ « :منْ �أَ َرا َد �أَنْ
َي ْن َ�ص َح ِل ُ�س ْل َط ٍان ِب�أَ ْم ٍرَ ،فلاَ ُي ْب ِد َل ُه َعلاَ ِن َي ًةَ ،و َل ِكنْ ِل َي ْ أ� ُخ ْذ ِب َي ِد ِهَ ،ف َي ْخ ُل َو ِب ِهَ ،ف ِ�إنْ
اكَ ،و ِ�إ اَّل َكانَ َق ْد أَ� َّدى ا َّل ِذي َع َل ْي ِه َلهُ»(((. َق ِب َل ِم ْن ُه َف َذ َ
ثانيا :ت�أييد الهيئات ال�شرعية لهذه الإج����راءات االح�ترازي��ة الوقاية من
فريو�س كورونا(كوفيد:)19-
ومنها الئحة احلد من التجمعات والعقوبات املرتتبة على خمالفتها.
�أ�صدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم ( )247يف 1441/7/22هـ فيما يلي
ن�صه :اطلعت هيئة كبار العلماء يف دورتها اال�ستثنائية اخلام�سة والع�شرين املنعقدة
((( انظر� :شرح فتح القدير()248 :6؛ �إكمال املعلم ()240 :6؛ فتح الباري ()7 :13؛ �شرح النووي على
�صحيح م�سلم()223-222 :12؛ املغني()9 :5؛ مفتاح دار ال�سعادة()278-277 :1؛ �سلطة ويل الأمر
يف التعزير (�ص.)60-54 :
((( انظر :جمموع فتاوى ابن تيمية ()8- 5 :35؛ ال�سيل اجلرار ()556 :4؛ كتاب لقاء الباب املفتوح (:9
)6-5 :38()41؛ تنبيه ذوي العقول ال�سليمة (�ص.)30- 26 :
((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده من رواية ه�شام بن حكيم (ح )29 :24()15333 :وقال الهيثمي( :رواه �أحمد،
�سماعا و�إن كان تابع ًيا) جممع الزوائد(:5
ورجاله ثقات �إال �أين مل �أجد ل�شريح من عيا�ض ،وه�شام ً
،)229وقد �صححه الألباين يف ظالل اجلنة يف تخريج كتاب ال�سنة (ح.)1096
مبدينة الريا�ض يوم الثالثاء بتاريخ 1441/7/22هـ على ما يتعلق بجائحة كورونا،
و�سرعة انت�شارها ،وكرثة الوفيات بها .واطلعت على التقارير الطبية املوثقة املتعلقة
بهذه اجلائحة ،وبا�ستقراء ن�صو�ص ال�شريعة الإ�سالمية ،ومقا�صدها ،وقواعدها،
وكالم �أهل العلم يف هذه امل�س�ألة ،ف�إن هيئة كبار العلماء تبني الآتي:
� اًأول :يحرم على امل�صاب �شهود اجلمعة واجلماعة.
ثان ًيا :من قررت عليه جهة االخت�صا�ص �إجراءات العزل ،ف�إن الواجب عليه
االلتزام بذلك ،وترك �شهود �صالة اجلماعة واجلمعة ،وي�صلي ال�صلوات يف
بيته� ،أو موطن عزله.
ثال ًثا :من خ�شي �أن يت�ضرر� ،أو ي�ضر غريه ،فريخ�ص له يف عدم �شهود اجلمعة
واجلماعة ،ويف كل ما ذكر �إذا مل ي�شهد اجلمعة ف�إنه ي�صليها ظه ًرا �أربع
ركعات.
هذا وتو�صي هيئة كبار العلماء اجلميع بالتقيد بالتعليمات والتوجيهات
والتنظيمات التي ت�صدرها جهة االخت�صا�ص ،كما تو�صي اجلميع بتقوى اهلل
واللجوء �إليه بالدعاء والت�ضرع بني يديه يف �أن يرفع هذا البالء(((.
كما �أ�شار املفتي العام يف اململكة العربية ال�سعودية ال�شيخ عبدالعزيز �آل ال�شيخ،
�إلى �أن كل �شخ�ص خالف الأنظمة التي �أقرها ويل الأمر ومل يلتزم بتنفيذها فهو
�آثم ،.فالواجب على جميع املواطنني ،واملقيمني ال�سمع والطاعة لتوجيهات والة الأمر،
وعدم املخالفة.(((...
و�أ�صدر جممع الفقه الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة التعاون الإ�سالمي
تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام ،والتي ُعقدت عرب تقنية م�ؤمترات
((( انظر :موقع وكالة الأنباء ال�سعودية وا�س ،بعنوان( :هيئة كبار العلماء ت�صدر قرارها رقم 246ب�ش�أن �شهود
�صالة اجلمعة واجلماعة يف حال انت�شار الوباء �أو اخلوف من انت�شاره) https://www.spa.gov.sa/
((( انظر� :صحيفة عكاظ ،بعنوان :املفتي :كل من خالف قرارات والة الأمر �آثمhttps://www.okaz.com.sa .
الفيديو يوم � 16إبريل ،2020حتت عنوان «فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ،)19-وما
يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية» ،وجاءت التو�صيات على النحو التايل:
يجوز للدول واحلكومات فر�ض التقييدات على احلرية الفردية مبا يحقق امل�صلحة،
�سواء من حيث منع الدخول �إلى املدن واخلروج منها ،وحظر التج ّول� ،أو احلجر على
�أحياء حمددة� ،أو املنع من ال�سفر� ،أو املنع من التعامل بالنقود الورقية ،واملعدنية،
وفر�ض الإجراءات الالزمة للتعامل بها ،كما �إنه يجب االلتزام بقرارات الدول
واحلكومات مبا ي�سمى بالتباعد االجتماعي ،ونحو ذلك مما من �ش�أنه امل�ساعدة على
تطويق الفريو�س ومنع انت�شاره؛ لأن ت�ص ّرفات الإمام منوطة بامل�صلحة ،اً
عمل بالقاعدة
ال�شرعية التي تن�ص على �أن (ت�صرف الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة)(((.
من جهة �أخرى حث وزير ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد ال�شيخ الدكتور
عبداللطيف بن عبدالعزيز �آل ال�شيخ املواطنني واملقيمني بااللتزام بالتعليمات،
وتطبيق االجراءات االحرتازية بدقة متناهية ،م�ش ًريا �إلى �أن العمل وفق االجراءات
التي ت�صدرها اجلهات الر�سمية م�سئولية جمتمعية ،وواجب �شرعي ،والتفريط
يعر�ض للمر�ض والهالك ،والإثم للمفرط(((.
وقالت هيئة كبار العلماء بالأزهر�“ :إذا ما ق َّرر ويل الأمر ،بنا ًء على ن�صائح
واحد� ،سوا ًء كان ذلك يف
مكان ٍاملخت�صني وتو�صياتهم ،خطورة جت ُّمع النا�س يف ٍ
امل�ساجد �أو غريها ،و�أن هذا التج ُّمع يزيد من انت�شار الفريو�س ،ومنعهم من هذا
التجمع ،ف�إنه يجب على اجلميع االلتزام بهذا احلظر ،ووقف هذا التجمع حتى لو كان
ذلك ل�صالة اجلمعة واجلماعات ،وذلك حتى زوال احلظر”(((.
املبحث الثالث
العقوبات املرتتبة على املخالفني الئحة احلد من
التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية ،وجهة تنفيذها،
والت�أ�صيل ال�شرعي لها
وفيه مطلبان:
املطلب الأول
العقوبات املالية وغري املالية املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من
التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية املتعلقة بالإفراد واملن�ش�آت،
وجهة تنفيذها
ن�صت الئحة احلد من التجمعات على جملة من العقوبات املالية ،وغري املالية
لكل من املواطنني ،واملقيمني ،فقد �صرح م�صدر م�س�ؤول يف وزارة الداخلية ،يوم
الثالثاء 12رم�ضان 1441هـ املوافق 5مايو 2020م ،ب�أنه � ً
إنفاذا للأمر امللكي
الكرمي من الأمر امللكي رقم (�أ )584/وتاريخ 1441/9/6هـ ،الذي ي�أتي انطال ًقا
من احلر�ص على �صحة املواطنني واملقيمني و�سالمتهم ،واحليلولة دون تف�شي
فريو�س كورونا امل�ستجد.
وحتقي ًقا اللتزام اجلميع بتنفيذ الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة
ملواجهة الفريو�س ،ف�إن وزارة الداخلية تعلن لعموم املواطنني واملقيمني الأحكام
والعقوبات املقررة بحق املخالفني ،وقد �صدر قراري وزاري رقم ( )9240وتاريخ
1441/9/7هـ وذلك على النحو الآتي:
� اًأول :يعاقب كل من :الأ�شخا�ص ذوي ال�صفة الطبيعية� ،أو من�ش�آت القطاع اخلا�ص
�أو العاملني فيها �أو املتعاملني معها ،ممن يخالفون الإجراءات االحرتازية ،والتدابري
الوقائية املتخذة من قبل اجلهات املعنية ملواجهة جائحة كورونا ،وذلك بغرامة ال تقل
عن (� )1,000ألف ريال وال تزيد على ( )100,000مائة �ألف ريال� ،أو ال�سجن ملدة ال
تقل عن �شهر وال تزيد عن �سنة� ،أو بال�سجن والغرامة م ًعا ،مع �إغالق املن�ش�أة ملدة ال
تتجاوز �ستة �أ�شهر عند االقت�ضاء.
ويف حال تكرار املخالفة ،تتم م�ضاعفة العقوبة املوقعة يف املرة ال�سابقة ،ويكون
حتديد مقدار عقوبة كل خمالفة وفق جدول ت�صنيف يت�ضمن كل خمالفة وما يقابلها
من عقوبة ،ويتم �إقراره من وزير الداخلية باالتفاق مع وزير ال�صحة.
و�صدرت موافقة �صاحب ال�سمو امللكي وزير الداخلية على اعتماد ت�صنيف
املخالفات والعقوبات املقررة بحقها ،بناء على البند (� اًأول) من الأحكام والعقوبات
اخلا�صة مبخالفي الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة ملواجهة
جائحة فريو�س كورونا امل�ستجد ال�صادرة بالأمر امللكي ،امل�شار �إليه �آن ًفا ،وذلك
وفق التايل:
1.1التجمع العائلي داخل املنازل� ،أو اال�سرتاحات� ،أو املزارع لأكرث من �أ�سرة ،وال
يربطهم عالقة �سكنية واحدة ،العقوبة ( )10،000ريال.
2.2التجمع غري العائلي داخل املنازل� ،أو اال�سرتاحات� ،أو املزارع� ،أو املخيمات،
�أو ال�شاليهات� ،أو املناطق املفتوحة لأهل احلي الواحد �أو غريه ،ونحوها،
العقوبة ( )15،000ريال.
3.3التجمع يف منا�سبات الأفراح ،والعزاء ،واحلفالت ،والندوات ،وال�صالونات،
ونحوها ،العقوبة ( )40،000ريال.
�4.4أي جتمع من فئة العمال داخل املنازل� ،أو املباين التي حتت الإن�شاء� ،أو
اال�سرتاحات �أو املزارع ونحوها ،خالف م�ساكنهم ،العقوبة ( )50،000ريال.
�5.5أي جتمع للمت�سوقني� ،أو العاملني داخل �أو خارج املحل التجاري مبا يتجاوز
املطلب الثاين
الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من
التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية
وقبل بيان الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات �أود �أن �أقرر ما يلي:
•املبد�أ العام لنظام العقوبات يف الإ�سالم� ،أنها �شرعت على �أ�سا�سني هما:
العدل ،والردع.
يقول ابن عابدينُ :
“�شرعت العقوبة مل�صلحة تعود �إلى كافة النا�س من �صيانة
الأن�ساب ،والأموال ،والعقول ،والأعرا�ض ،وزج ًرا عما يت�ضرر به العباد من
�أنواع الف�ساد”(((.
ويقول القرايف“ :الزواجر م�شروعة؛ لدرء املفا�سد املتوقعة”(((.
•�سلطة ويل الأمر �سلطة �إ�صالح لأحوال من حتت واليته ،فكل ت�صرف لويل
الأمر يف �ش�ؤون الأمة ينبغي �أن ال يخرج عن دائرة امل�صلحة ،بل ويتوقف
النفاذ على مراعاتها.
معا�ص
�شرعا يف ٍ •العقوبات يف ال�شريعة الإ�سالمية على نوعني :عقوبات مقدرة ً
لتمنع من الوقوع يف مثلها ،ويدخل حتتها (احلدود -اجلنايات) ،ولي�س لويل
�شرعا يف كل مع�صية ال حد فيها،الأمر االجتهاد فيها ،وعقوبات غري مقدرة ً
نوعا ومقدا ًرا ،و�شدة وت�ضيي ًقا،
وال كفارة (التعزير) ،وحتديد العقوبة فيه ً
�شرعا
وتنفيذًا لويل الأمر� ،أو من يقوم مقامه ،وال�سلطة التقديرية املمنوحة ً
له ،مق َّيدة بامل�صلحة؛ لأن ت�ص ُّرف احلاكم منوط بامل�صلحة ،وحيثما حت َّققت
�شرعا ،فثم �شرع اهلل ودينه(((.
امل�صلحة املعتربة ً
((( حا�شية ابن عابدين (.)3 :4
((( الفروق (.)213 :1
((( انظر :حا�شية ابن عابدين ()163 :4؛ تب�صرة احلكام ()292-291 :2؛ الأحكام ال�سلطانية (�ص:
)293؛ االن�صاف ()249 :10
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [التوبة:
.]118فهجر الر�سول ﷺمن باب التعزير ،والهجر من �أنواع التعزير ،فكان اً
دليل على
م�شروعية التعزير(((.
من ال�سنة :ماورد عن �أبي بردة الأن�صاري � أنه �سمع ر�سول الل ﷺ يقول:
«لاَ ُي ْج َلدُ �أَ َحدٌ َف ْوقَ َع َ�ش َرةِ �أَ ْ�سوَاطٍ�ِ ،إلاَّ فيِ َحدٍّ ِمنْ حُدُو ِد اهلل»((( ،دل احلديث على عدم
جواز اجللد فوق ع�شر جلدات يف غري احلدود ،وهذا يدل مبفهومة على م�شروعية
اجللد مبا دون الع�شر جلدات يف غري احلدود ،وهو التعزير(((.
من الإجماع� :أجمع الفقهاء من ال�سلف واخللف على �أن التعزير م�شروع
يف كل مع�صية ال حد فيها وال كفارة ،وقد �أخذ به ال�صحابة وطبقوه يف بع�ض الوقائع،
إجماعا(((.
ومل ينكر بع�ضهم على بع�ض فكان � ً
املق�صود بالعقوبات املالية التعزيرية:
املق�صود بالعقوبات املالية التعزيرية ب�شكل عام � اً
إجمال ما يلي:
•عقوبة التعزير ب�إتالف املال ،ك�إتالف �أوعية اخلمر ،وكل ما هو غري م�شروع
ي�ضر باملجتمع وال يزول �ضرره �إال بالإتالف.
•عقوبة التعزير ب�أخذ املال ،وي�شمل امل�صادرة -الغرامة (حمل الدرا�سة)-
التمليك.
•عقوبة تعزيرية بتغيري املال ،كتغيري ال�صورة املج�سمة ،وغري املج�سمة �إذا مل
تكن موطوءة(((.
جمموع فتاوى ابن تيمية (.)96 :28 (((
�أخرجه م�سلم يف �صحيحه -كتاب احلدود -باب قدر �أ�سواط التعزير (ح.)332 :3()1708 : (((
ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (.)515-514 :1 (((
انظر :تبني احلقائق()207 :3؛ تب�صرة احلكام ()217 :2؛ الإجماع (�ص)113 :؛ مغني املحتاج (:4 (((
)191؛ الرو�ض املربع ()492؛ الطرق حلكمية (�ص.)141 :
انظر :البحر الرائق ()45 :5؛ تب�صرة احلكام ()298 :2؛ املجموع ()334 :5؛ املغني ()149 :9؛ (((
جمموع فتاوى ابن تيمية ()118-113 :28؛ �إعالم املوقعني (.)117 :2
[الن�ساء ]15 :الإم�ساك الوارد يف الآية احلب�س ،وهو ن�ص �صريح يف �أن عقوبة الإم�ساك
باحلب�س(((.
النبي ﷺ َح َب َ�س َر ُج اًل يف ُت ْه َم ٍة(((،
من ال�سنة :ماورد عن بهز بن حكيم � أن َّ
وهذا احلديث ي�ؤكد م�شروعية احلب�س ،و�أنه من العقوبات التعزيرية ،و�إذا كان
واحتياطا ،وتثبيتًا ،ف�إنه من باب ً احلب�س وقع من البني ﷺ مبجرد التهمة؛ ا�ستظها ًرا
�أولى �أن يكون م�شروعا بعد الثبوت يف العقوبة(((.
((( انظر :ل�سان العرب ،مادة(حب�س)()46-44 :6؛ تاج العرو�س ،مادة (حب�س)()526-520 :15؛
املعجم الو�سيط ،مادة(حب�س)(.)443 :1
((( انظر :الطرق احلكمية (�ص)101 :؛ ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (.)37 :1
((( انظر :تف�سري القرطبي (.)56 :5
((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه-كتاب الديات -باب ما جاء يف احلب�س يف التهمة .وح�سنه(ح:4()1417 :
،)28ويف �سنده� :إبراهيم بن خثيم ،قال الذهبي عنه :مرتوك .انظر :امل�ستدرك (�.)102 :4إما ا�سم
الرجل املبهم يف احلديث ،فلم �أقف عليه يف مظانه؛ ولعل عدم ذكر ا�سمه للتهمة؛ ً
حفظا لأعرا�ض
امل�سلمني.
((( انظر :معامل ال�سنن (.)41 :4
ومن الإجماع :انعقد الإجماع على �أن احلب�س ي�صلح عقوبة من العقوبات
التعزيرية (((.
وتقدير مدة احلب�س يف التعزير ،راجع �إلى اجتهاد ويل الأمر بقدر ما يرى �أنه
ينزجر به(((.
وفيما يلي بع�ض من ن�صو�ص الفقهاء يف كتبهم:
•ففي البحر الرائق“ :وتقدير مدة احلب�س يف التعزير راجع �إلى احلاكم”(((.
•يف �شرح فتح القدير“ :و�إن ر�أى الإمام �أن ي�ضم �إلى ال�ضرب يف التعزير
احلب�س فعل؛ لأنه �صلح تعزي ًرا بانفراده ،وقد ورد ال�شرع به يف اجلملة حتى
تاما”(((.
جاز �أن يكتفي به فجاز �أن ي�ضم �إليه ،فاحلب�س مبفرده يقع تعزي ًرا ً
•جاء يف املنتقى �شرح املوط�أ“ :ال�سجن تعزير فيجب �أن يكون م�صرو ًفا �إلى
اجتهاد الإمام”(((.
•يف تب�صرة احلكام“ :و�أما قدر مدة احلب�س فيختلف باختالف �أ�سبابه
وموجباته؛ فحب�س التعزير راجع �إلى اجتهاد احلاكم بقدر ما يرى �أنه ينزجر
به”(((.
•ويف نهاية املحتاج“ :ويح�صل التعزير بحب�س� ،أو جلد� ،أو �صفع� ،أو توبيخ...
انظر :الإجماع (�ص)113 :؛ تبني احلقائق ()207 :3؛ البحر الرائق ()46 :5؛ تب�صرة احلكام (:2 (((
)240؛ الأحكام ال�سلطانية ،املاوردي (�ص)293 :؛ مغني املحتاج ()192 :4؛ املغني ()110-109 :9؛
ك�شاف القناع ()124 :6؛ جمموع فتاوى ابن تيمية (.)398 :35
انظر :البحر الرائق ()46 :5؛ تب�صرة احلكام ()240 :2؛ الأحكام ال�سلطانية ،املاوردي (�ص)293 :؛ (((
املغني (.)110-109 :9
(.)46 :5 (((
(.)342 :5 (((
(.)166 :7 (((
(.)240 :2 (((
خرج ب�شيءٍ من ُه فعليه غرام ُة ِمث َلي ِه َّخذ ُخ ْب َن ًة((( فال �شي َء عليه ،ومن َ غ َري ُمت ٍ
والع ُقو َب ُة.(((» ..
رجل ي�صي ُد يف ح َر ِم املدين ِة ا َّلذي ح َّر َم أخذ اً ا�ص َ � �سعد بنَ �أبي و َّق ٍ •�أن َ
ر�سول اهلل ﷺ َ ر�سول اهلل ﷺ ف�سل َب ُه ثيا َبهُ ،فجا َء موالي ِه َفك َّلمو ُه في ِهَ ،
فقال� :إنَّ ُ
أخذ �أحدً ا ي�صي ُد في ِه فل َي�س ُل ْب ُه ثيا َبهُ»(((. احلرم َ
وقال« :من � َ َ ح َّر َم هذا
رامتُها ِوم ْث ُلها
توم ُة َغ َ •عن �أبي هريرة �أن النبي ﷺ قال�« :ضا َّل ُة ال ِإبل امل ْك َ
َم َعها»(((.
�إال �أن بع�ضً ا من الفقهاء يرى �أن العقوبات املالية كانت �أول الإ�سالم ثم ن�سخت،
و�أن العقوبة التعزيرية ال تكون يف الأموال(((.
وقد ُر َّد ْت دعوى الن�سخ من كثري من العلماء:
دليل ،وال قدرة لهم عليه هنا”((( ،ويقول
يقول النووي“ :الن�سخ يحتاج �إلى ٍ
ابن تيمية“ :ومن قال� :إن العقوبات املالية من�سوخة و�أطلق ذلك عن �أ�صحاب مالك
و�أحمد فقد غلط على مذهبهما .ومن قاله مطل ًقا من �أي مذهب كان :فقد قال اً
قول
بال دليل .ومل يجئ عن النبي ﷺ �شيء قط يقت�ضي �أنه حرم جميع العقوبات املالية،
((( الخْ ُ ْب َن ُةَ :م ْع ِط ُف الإزا ِر وط َر ُف ال َّثوب� :أَ ْي اَل ي� ُأخذ ِم ْن ُه فيِ َثوبهُ .ي َق ُال أ�َخْ بنَ َ ال َّر ُج ُل �إِ َذا َخب�أ َ�ش ْي ًئا فيِ ُخ ْبنه
َث ْو ِب ِه أَ� ْو َ�سراويله .النهاية يف غريب احلديث والأثر(.)9 :2
((( �أخرجه �أبوداود يف �سننه-كتاب احلدود -باب ما القطع فيه (ح)443 :6()4390 :؛ و�أخرجه الرتمذي
يف �سننه -كتاب البيوع-باب ما جاء يف الرخ�صة يف �أكل الثمر للمار بها ،ح ( )576 :3()1289وقال:
هذا حديث ح�سن ،كما ح�سنه الألباين� .صحيح �سنن �أبي داود (.)395 :5
((( �أخرجه �أبوداود يف �سننه-كتاب املنا�سك-باب يف حترمي املدينة (ح )381 :3()2037 :قال ابن امللقن:
رجاله كلهم ثقات �إال �سليمان بن �أبي عبداهلل :فقال �أبو حامت :لي�س هو بامل�شهور لكن يعترب بحديثه ،ومل
ُي�ض ّعفه �أبو داود ،وذكره �أبو حامت ابن حبان يف «ثقاته» .البدر املنري (.)367-366 :6
((( �أخرجه �أبوداود يف �سننه-كتاب اللقطة -بدون (ح� )141 :3()1718 :صححه الألباين� .صحيح �سنن
�أبي داود(.)395 :5
((( انظر :البحر الرائق ()44 :5؛ حا�شية الد�سوقي ()355 :4؛ املجموع ()308 :5؛ املغني ()523 :12
((( رو�ضة الطالبني (.)209 :5
بل �أخذ اخللفاء الرا�شدون و�أكابر �أ�صحابه بذلك بعد موته ،دليل على �أن ذلك حمكم
غري من�سوخ ... ،واملدعون للن�سخ لي�س معهم حجة بالن�سخ ال من كتاب وال �سنة”(((،
العقوبات املالية من�سوخ ٌة ،و�أطلق ذلك فقد غلط ِ ويقول ابن القيم“ :ومن قال �إن
اً
وا�ستدالل ،ف�أكرث هذه امل�سائل �سائ ٌغ يف مذهب �أحمد وغريه، على مذاهب الأئمة اً
نقل
وفعل اخللفاء الرا�شدين و�أكابر ال�صحابة لها بعد ري منها �سائ ٌغ عند مالكُ ، وكث ٌ
موتهﷺ مبط ٌل �أي�ضً ا لدعوى ن�سخها ،وامل َّدعون للن�سخ لي�س معهم ٌ
كتاب وال �سن ٌة وال
�إجما ٌع ُي�صحح دعواهم ،ومن ا َّدعى �أنها من�سوخ ٌة بالإجماع ،فهذا خط�أٌ �أي�ضً ا ،ف�إن
الأمة مل تجُ مع على ن�سخها ،وحما ٌل �أن ين�سخ الإجما ُع ال�سنة”(((.
والغرامة التعزيرية حال ًيا تقرر مبقت�ضى نظام� ،أو قانون((( ،والتعزير بالغرامة
مطبق يف معظم �أنظمة اململكة العربية ال�سعودية ،وت�أتي عقوبة الغرامة منفردة� ،أو
جمتمعة مع غريها من العقوبات التعزيرية الأخرى ،فالغرامة عقوبة �أ�صلية ميكن �أن
ي�ضاف �إليها عقوبات تبعية تكميلية كاجللد� ،أو ال�سجن(((.
وقد ن�ص يف الئحة احلد من التجمعات والعقوبات املرتتبة على خمالفتها على
الغرامة منفردة ،وكذلك احلب�س ،وجمتمعة مع احلب�س ،وتغليظ العقوبة يف التعزير
�إمنا حت�صل �سيا�سة للم�صلحة ،يقول ابن عابدين نقال عن احلموي“ :ال�سيا�سة
ال�شرعية عبارة عن �شرع مغلظ”((( .ويقول ابن عقيل“ :لل�سلطان �سلوك ال�سيا�سة،
وهو احلزم عندنا ،وال تقف ال�سيا�سة على ما نطق به ال�شرع”(((.
احل�سبة (�ص)48-47 : (((
الطرق احلكمية (�ص.)309 : (((
انظر :الغرامة التعزيرية ،بحث من�شور يف املجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب ،جملد �( 25ص.)14 : (((
ومن الأنظمة التي ن�صت على العقوبة منفردة� ،أو جمتمعة مع غريها نظم الهيئة ال�صحية كال�صيدليني، (((
واملحا�سبيني والقانونيني ،ونظم املجال التجاري ،ومن الأنظمة التي ن�صت على العقوبة بالغرامة
بالإ�ضافة �إلى عقوبات �أخرى :نظامي الأ�سلحة والذخائر ،ومكافحة املخدرات بالن�سبة للمهربني،
واملروجني ،وامل�شاركني ،فال بد من الغرامة مع ال�سجن .انظر :ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (.)545 :1
حا�شية ابن عابدين (.)103 :4 (((
الإن�صاف (.)250 :10 (((
اخلامتة
1.1القر�آن الكرمي.
2.2ابن الأثري ،النهاية يف غريب احلديث والأثر ،جمد الدين �أبو ال�سعادات املبارك
بن حممد بن حممد بن حممد ابن عبدالكرمي ال�شيباين اجلزري ابن الأثري،
حتقيق :طاهر �أحمد الزاوى -حممود حممد الطناحي( ،بريوت :املكتبة
العلمية1399 ،هـ 1979 -م)
3.3الألباين� ،صحيح �سنن �أبي داود� ،سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين ،حتقيق:
حممد نا�صر الدين الألباين(مكتبة املعارف 1419هـ1998 -م).
4.4الألباين ،ظالل اجلنة يف تخريج ال�سنة ،حممد نا�صر الدين الألباين ،مطبوع
مع كتاب ال�سنة ،للحافظ �أبي بكر عمرو بن �أبي عا�صم ال�ضحاك بن خملد
ال�شيباين( ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،ط1400( ،1 :هـ1980 -م).
5.5الألو�سي ،روح املعاين يف تف�سري القر�آن الكرمي وال�سبع املثاين ،حممود �شكري
الألو�سي البغدادي �شهاب الدين( .ادارة الطباعة املنريية -ت�صوير دار �إحياء
الرتاث العربي).
�6.6أني�س ،و�آخرون ،املعجم الو�سيط� ،إبراهيم �أني�س -عبداحلليم منت�صر -عطية
ال�صواحلي -حممد خلف اهلل �أحمد (جممع اللغة العربية -مكتبة ال�شروق
الدولية 2004م)
7.7الآمدي ،الإحكام يف �أ�صول الأحكام� ،أبو احل�سن �سيد الدين علي بن �أبي علي
بن حممد بن �سامل الثعلبي الآمدي ،ت :عبدالرزاق عفيفي( ،املكتب الإ�سالمي،
بريوت)
8.8الباجي ،املنتقى �شرح موط�أ مالك� ،أبو الوليد� ،سليمان بن خلف بن �سعد بن
�أيوب الباجي ،راجعه وخرج �أحاديثه :الدكتور :حممد حممد تامر( ،القاهرة:
2929الرملي ،نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج ،ال�شافعي ال�صغري� ،شم�س الدين حممد
بن �أبي العبا�س �أحمد بن حمزة ابن �شهاب الدين الرملي املنويف امل�صري
الأن�صاري( ،بريوت :دار الكتب العلمية).
3030الزرقا ،املدخل الفقهي العام ،م�صطفى الزرقا( ،دم�شق -دار القلم1418 ،هـ
1998 -م) ط.1 :
3131الزرك�شي� ،شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي� ،أبو عبداهلل� ،شم�س الدين
حممد بن عبداهلل الزرك�شي امل�صري احلنبلي ط ،1 :حتقيق :قدم له وو�ضع
حوا�شيه :عبداملنعم خليل �إبراهيم (بريوت :دار الكتب العلمية 1423-هـ -
2002م).
�3232أبو زيد ،احلدود والتعزيرات عند ابن القيم ،بكر بن عبداهلل �أبو زيد (دار
العا�صمة).
3333الزيلعي ،تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي،
(دار الكتاب الإ�سالمي) ،ط.2 :
3434ال�سج�ستاين� ،سنن �أبي داود مع عون املعبود( ،بريوت -لبنان :دار الكتب
العلمية1410 ،هـ1990-م) ،ط.1 :
3535ال�سيوطي :الأ�شباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه ال�شافعية ،عبدالرحمن بن
�أبي بكر بن حممد بن �سابق الدين اخل�ضريي ال�سيوطي( ،بريوت :دار الكتاب
العلمية 1403هـ1983 -م).
3636ال�شاطبي ،االعت�صام� ،أبي �إ�سحاق �أبراهيم بن مو�سى اللخمي ال�شاطبي،
�ضبطه :م�شهور �آل �سلمان(دار التوحيد).
3737ال�شاطبي ،املوافقات� ،أبي �إ�سحاق �أبراهيم بن مو�سى اللخمي ال�شاطبي،
�ضبطه :م�شهور �آل �سلمان(دار ابن عثمان).
3838ال�شربيني ،مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج ،لل�شيخ �شم�س الدين
(1393هـ1973-م)ط.1 :
5959القرايف ،الإحكام يف متييز الفتاوى عن الأحكام وت�صرفات القا�ضي� ،أبو
العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن املالكي ال�شهري
بالقرايف ،اعتنى به :عبدالفتاح �أبو غدة (بريوت -دار الب�شائر الإ�سالمية،
1416هـ 1995 -م)ط.2 :
6060القرايف ،الفروق� ،أبو العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن
املالكي ال�شهري بالقرايف (عامل الكتب).
6161القزويني� ،سنن ابن ماجه ،الإمام املحدث �أبي عبداهلل حممد بن يزيد
القزويني( ،بريوت :دار الكتب العلمية) ،ط.1 :
6262ابن القيم� ،إعالم املوقعني عن رب العاملني� ،أبو عبداهلل� ،شم�س الدين حممد
بن �أبي بكر بن �أيوب الدم�شقي ،حتقيق :طه عبدالر�ؤوف �سعد (بريوت :دار
اجليل 1973هـ).
6363ابن القيم ،الطرق احلكمية� ،أبو عبداهلل� ،شم�س الدين حممد بن �أبي بكر بن
1428هـ). �أيوب الدم�شقي ،ت
6464ابن القيم ،مفتاح دار ال�سعادة ومن�شور والية العلم والإرادة� ،أبو عبداهلل،
�شم�س الدين حممد بن �أبي بكر بن �أيوب الدم�شقي ،حتقيق :عبدالرحمن بن
قايد (جدة :جممع الفقه الإ�سالمي 1432هـ).
6565ابن كثري ،م�سند الفاروق ،عماد الدين �إ�سماعيل بن عمر بن كثري ال�شافعي
الدم�شقي ،حتقيق :عبداملعطي قلعجي (املن�صورة :دار الوفاء1441 ،هـ-
1991م ،ط)1 :
6666الالوي� ،سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ،الب�شري املكي عبد الالوي ،ر�سالة
دكتوراه .املعهد الأعلى لل�شريعة .جامعة الزيتونة بتون�س ،عام 1994م.
6767اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ،فتاوى اللجنة الدائمة ،جمع وترتيب:
فهر�س املحتويات