You are on page 1of 692

‫عدد خاص ببحوث جائحة‬

‫فريوس كورونا (كوفيد ‪)19 -‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫اجلزء األول‬
‫ذوالقعدة ‪ -‬صفر‬
‫‪1442-1441‬هـ‪ 2020 /‬م‬
‫�ضوابط الن�شر يف املجلة‬

‫ �أن تتوافر يف البحث �صفات الأ�صالة‪ ،‬وا�ستقامة املنهج‪ ،‬و�سالمة اللغة والأ�سلوب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ �أال يكون البحث من�شو ًرا �أو اً‬


‫مقبول للن�شر يف وعاء �آخر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ �أال يكون اً‬


‫م�ستل من عمل علمي �سابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ �أال تزيد �صفحاته عن خم�سني �صفحة‪ ،‬ولهيئة التحرير اال�ستثناء من ذلك‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ �أن يكون يف تخ�ص�ص املجلة (الفقه و�أ�صوله)‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ �أن جتعل حوا�شي كل �صفحة �أ�سفلها‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ �أن يتقدم الباحث برغبته يف ن�شر بحثه كتابة مع التزامه بعدم ن�شر بحثه قبل‬ ‫‪7‬‬

‫�صدور املجلة �إال بعد موافقة خطية من هيئة حترير املجلة‪.‬‬


‫ �أن يقدم الباحث ثالث ن�سخ مطبوعة على احلا�سوب‪ ,‬وملخ�صً ا موجزًا لبحثه‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫وميكن �إر�سال البحوث عن طريق بريد املجلة الإلكرتوين‪.‬‬


‫يجعل مقا�س احل��رف يف ال�صلب (‪ )18‬ويف احلا�شية (‪ ،)14‬ون��وع اخلط‬ ‫‪9‬‬

‫(‪.)Traditional Arabic‬‬
‫يحكم البحث من قبل متخ�ص�صني اثنني على الأقل‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ ال تعاد البحوث �إلى �أ�صحابها؛ ن�شرت �أو مل تن�شر‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫للمجلة احلق يف ن�شرالبحث يف موقع اجلمعية وغريه من �أوعية الن�شر الإلكرتوين‬ ‫‪12‬‬

‫بعد اجتياز البحث للتحكيم‪.‬‬


‫يعطى الباحث ثالث ن�سخ من العدد الذي مت ن�شر بحثه فيه‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫البحث املن�شور يف املجلة يعرب عن ر�أي �صاحبه‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫الهيئة العلمية اال�ست�شارية للمجلة‬
‫�سماحة ال�شيخ‪ /‬عبدالعزيز بن عبداهلل بن حممد �آل ال�شيخ‬
‫املفتي العام للمملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ورئي�س هيئة كبار العلماء‬
‫معايل ال�شيخ الدكتور‪ /‬عبداهلل بن حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ‬
‫رئي�س جمل�س ال�شورى‪ ،‬وع�ضو هيئة كبار العلماء‬
‫معايل ال�شيخ الأ�ستاذ الدكتور‪� /‬صالح بن عبداهلل بن حميد‬
‫رئي�س جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‪ ،‬وامل�ست�شار يف الديوان امللكي‪،‬‬
‫وع�ضو هيئة كبار العلماء‬
‫معايل ال�شيخ الأ�ستاذ الدكتور‪ /‬عبداهلل بن حممد املطلق‬
‫ع�ضو هيئة كبار العلماء‪ ،‬وامل�ست�شار يف الديوان امللكي‬
‫معايل ال�شيخ الأ�ستاذ الدكتور‪ /‬عبداهلل بن علي الركبان‬
‫الأ�ستاذ بكلية ال�شريعة يف جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪،‬‬
‫وع�ضو هيئة كبار العلماء �ساب ًقا‬
‫معايل ال�شيخ‪ /‬عبداهلل بن حممد بن �سعد �آل خنني‬
‫ع�ضو هيئة كبار العلماء‬
‫معايل ال�شيخ الأ�ستاذ الدكتور‪� /‬سعد بن نا�صر ال�شرثي‬
‫امل�ست�شار يف الديوان امللكي‪ ،‬وع�ضو هيئة كبار العلماء‬
‫معايل ال�شيخ الأ�ستاذ الدكتور‪ /‬عبدالرحمن بن عبداهلل ال�سند‬
‫الرئي�س العام لهيئة الأمر باملعروف والنهي عن املنكر‬
‫ف�ضيلة ال�شيخ الأ�ستاذ الدكتور ‪/‬عيا�ض بن نامي ال�سلمي‬
‫رئي�س حترير جملة البحوث الإ�سالمية‪،‬‬
‫وع�ضو هيئة التدري�س باملعهد العايل للق�ضاء بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية �ساب ًقا‬
‫هيئة التحرير‬
‫امل�شرف العام‬
‫�أ‪ .‬د‪� .‬سعد بن تركي اخلثالن‬
‫رئي�س جمل�س �إدارة‬
‫اجلمعية الفقهية ال�سعودية‬
‫والأ�ستاذ بق�سم الفقه بكلية ال�شريعة بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‬
‫رئي�س التحرير‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬حممد بن �سليمان العريني‬
‫�أمني جمل�س �إدارة اجلمعية‬
‫والأ�ستاذ بق�سم �أ�صول الفقه بكلية ال�شريعة بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‬
‫�أع�ضاء هيئة التحرير‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬ح�سني بن عبداهلل العبيدي‬
‫الأ�ستاذ بق�سم الفقه بكلية ال�شريعة بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‬
‫�أ‪ .‬د‪� .‬إبراهيم بن نا�صر احلمود‬
‫الأ�ستاذ بق�سم الفقه املقارن باملعهد العايل للق�ضاء �ساب ًقا‬
‫د‪ .‬ح�سني بن معلوي ال�شهراين‬
‫الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الدرا�سات الإ�سالمية يف كلية الرتبية بجامعة امللك �سعود‬
‫مدير التحرير‬
‫د‪ .‬حممد معلم �أحمد‬

‫عنوان املجلة‬ ‫العدد احلادي واخلم�سون‬


‫ذوالقعدة ‪� -‬صفر ‪1442-1441‬هـ ‪2020 /‬م‬
‫�ص‪.‬ب‪ 5761 :‬الرمز‪ 11432 :‬الريا�ض‬ ‫حقوق الطبع حمفوظة‬
‫هاتف‪011 2582332 - 011 2582118 :‬‬ ‫للجمعية الفقهية ال�سعودية‬
‫فاك�س‪011 2582244 :‬‬ ‫رقم الإيداع ‪1427/2913‬‬
‫‪mfiqhiah@gmail.com‬‬ ‫بتاريخ ‪1427/5/1‬هـ‬
‫‪http://www.alfiqhia.org.sa‬‬ ‫الرقم الدويل املعياري (ردمد) ‪1658-2969‬‬
‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫املحتويات‬
‫‪7‬‬ ‫افتتاحية العدد‬
‫‪13‬‬ ‫كلمة رئي�س التحرير‬
‫القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم والأدلة و�أثرها يف الأحكام الفقهية جلائحة كورونا ‪15‬‬
‫د‪ .‬عي�سى بن حممد العوي�س‬
‫‪75‬‬ ‫املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬
‫‪123‬‬ ‫�آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة اجلماعة يف امل�سجد ‪ -‬درا�سة �شرعية‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن �سعيد بن حمود املطريف‬
‫‪179‬‬ ‫�صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‬
‫د‪ .‬عا�صم بن عبداهلل املطوع‬
‫‪215‬‬ ‫الأحكام الفقهية املتعلقة بجنائز املر�ض املعدي كورونا‬
‫د‪ .‬فاطمة علي فهد الأحمدي‬
‫ترخّ �ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني والتخلف عن اجلمعة‬
‫‪295‬‬ ‫واجلماعة يف ظل انت�شار فايرو�س كورونا (كوفيد‪)19-‬‬
‫د‪ .‬تهاين بنت عبداهلل اخلنيني‬
‫‪357‬‬ ‫ال�صالة مع الإمام عرب البث املبا�شر ‪ -‬درا�سة فقهية ت�أ�صيلية‬
‫عبدالعزيز بن ر�شيد الغازي‬
‫‪397‬‬ ‫�أثر جائحة كورونا على �أداء �شعائر احلج والعمرة ‪ -‬درا�سة فقهية مقارنة‬
‫د‪ .‬م�شاعل بنت ن َّفال احلارثي‬
‫الأموال املُجنّبة يف البنوك الإ�سالمية حقيقتها و�أحكامها و�سبل اال�ستفادة‬
‫‪453‬‬ ‫منها يف مواجهة جائحة كورونا‬
‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الر�شيدي‬
‫‪493‬‬ ‫�أثر الإجراءات االحرتازية يف عقد الإجارة ب�سبب انت�شار وباء كورونا‬
‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن �سعود التميمي‬
‫‪541‬‬ ‫�إجراء عقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر يف ظل جائحة كورونا‬
‫د‪ .‬تركي ح�سن القحطاين‬
‫‪587‬‬ ‫أمنوذجا‬
‫ً‬ ‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املر�ض الوبائي ‪ -‬فريو�س كورونا �‬
‫د‪� .‬أمل بنت حممد بن فالح ال�صغي‬
‫‪629‬‬ ‫�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح و�أثرها يف مواجهة فريو�س كورونا ( كوفيد ‪)19-‬‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬نوره بنت م�سلم املحمادي‬
‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪6‬‬
‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫افتتاحية العدد‬

‫ل�سماحة مفتي عام اململكة العربية ال�سعودية‬


‫ال�شيخ عبدالعزيز بن عبداهلل �آل ال�شيخ‬
‫رئي�س �شرف اجلمعية‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬و�صلى اهلل على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم‬
‫ت�سلي ًما كث ًريا‪.‬‬
‫�أما بعد‪:‬‬
‫ف�إن العامل ي�شهد يف هذه الأيام انت�شار وباء كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ ،)19‬و ُي ّ‬
‫�سخر‬
‫طاقاته و�إمكاناته للحد من انت�شاره وتقليل ما نتج عنه من �آثار �صحية واقت�صادية‬
‫واجتماعية وغريها‪ ،‬الأمر الذي يتطلب من العلماء وطلبة العلم ‪-‬بدورهم‪ -‬بيان‬
‫املنهج ال�شرعي يف التعامل مع هذا الوباء اجلديد �أو غريه من الأوبئة والأمرا�ض‬
‫املعدية‪ ،‬وبيان احلكم ال�شرعي للإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية التي‬
‫تتخذها اجلهات املخت�صة من تعليق للعمل والدرا�سة‪ ،‬وحظر للتجول ومنع لل�سفر‪،‬‬
‫والإلزام بالتباعد االجتماعي‪ ،‬وتغطية الأنف والفم‪ ،‬واحلجر ال�صحي �أو املنزيل‬
‫للم�صابني وغريها من الإجراءات االحرتازية والوقائية‪ ،‬حفظ ًا للنفو�س‪.‬‬
‫ومعلوم �أن اهلل ‪� ‬شرع دين الإ�سالم ليكون منهج حياة للب�شرية ي�سريون‬
‫طبق �أحكامه وتعليماته‪ ،‬فال �ش�أن من �ش�ؤون احلياة �أو نازلة من النوازل �إال وللإ�سالم‬
‫فيها حكم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأنعام‪.]38 :‬‬
‫ومن الإجراءات والتدابري امل�شروعة يف ديننا احلنيف والتي ينبغي اتخاذها عند‬
‫حدوث الأوبئة والأمرا�ض املعدية وانت�شارها (كوباء كورونا امل�ستجد) ما يلي‪:‬‬

‫‪7‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫‪1.1‬منع الدخول �إلى املناطق امل�صابة بالأوبئة والأمرا�ض‪ ،‬ومنع اخلروج منها‪:‬‬
‫ر�سول اهلل ﷺ يقول‪�« :‬إذا‬ ‫�سمعت َ‬ ‫ُ‬ ‫فعن عبدالرحمن بن عوف ‪ ‬قال‪:‬‬
‫أر�ض فال َت ْق َدموا عليه‪ ،‬و�إذا وقع ب�أر�ض‬ ‫�سمعتُم به ‪-‬يعني‪ :‬الطاعون‪ -‬ب� ٍ‬
‫هلل ﷺ‪�ِ « :‬إنَّ َه َذا ا ْل َو َج َع ‪�-‬أي‬ ‫ر�سول ا ِ‬ ‫و�أنتم بها فال تخرجوا فرارًا منه»‪ ،‬وقال ُ‬
‫ا�س ِمنْ َق ْب ِل ُك ْم‪َ ،‬ف إِ� َذا َكانَ‬ ‫اب أَ� ْو َب ِق َّي ُة َع َذ ٍاب ُع ِّذ َب ِب ِه �أُ َن ٌ‬
‫الطاعونَ ‪ِ -‬ر ْج ٌز �أَ ْو َع َذ ٌ‬
‫وها»‪.‬‬‫ِب أَ� ْر ٍ�ض َو أَ� ْنت ُْم ِب َها‪َ ،‬فلاَ ت َْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َو�إِ َذا َب َل َغ ُك ْم �أَ َّن ُه ِب أَ� ْر ٍ�ض َفلاَ ت َْد ُخ ُل َ‬
‫ال�شام‬
‫رب ِمنَ ِ‬ ‫ال�شام‪ ،‬حتى �إذا َق َ‬ ‫خرج �إلى ِ‬ ‫و ُروي عن عمر بن اخلطاب ‪� ‬أنه َ‬
‫اجلراح و�أ�صحا ُب ُه‪ ،‬ف�أخربو ُه �أنَّ الوبا َء قد و َق َع‬ ‫ِ‬ ‫لق َي ُه �أمرا ُء الأجنا ِد �أبو عبيد َة بنُ‬
‫فدعا عم ُر ال�صحاب َة وا�ست�شا َرهُ م‪ ،‬و�أخربهُ م‬ ‫عبا�س‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال�شام‪ ،‬قال ابنُ‬ ‫أر�ض ِ‬ ‫ب� ِ‬
‫أمر وال نرى‬ ‫بع�ض ُهم‪ :‬قد خرجتَ ل ٍ‬ ‫بال�شام‪ ،‬فاختل ُفوا‪ ،‬فقال ُ‬ ‫ِ‬ ‫�أنَّ الوبا َء قد وقع‬
‫هلل ﷺ وال‬ ‫ر�سول ا ِ‬‫أ�صحاب ِ‬ ‫ُ‬ ‫معك بقي ُة ِ‬
‫النا�س و�‬ ‫بع�ض ُهم‪َ :‬‬ ‫�أنْ ترج َع عن ُه‪ ،‬وقال ُ‬
‫ا�س‪� :‬إِنيِّ ُم َ�ص ِّب ٌح َع َلى َظ ْه ٍر‬ ‫قد َم ُهم على هذا الوبا ِء‪َ ،‬ف َنادَى ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ‬ ‫َنرى �أنْ ُت ِ‬
‫جل َّر ِاح‪ :‬أَ� ِف َرا ًرا ِمنْ َقدَ ِر اللهَّ ِ ؟ َف َق َال ُع َم ُر‪َ :‬ل ْو‬ ‫َف أَ� ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِه‪َ .‬ق َال َ أ� ُبو ُع َب ْيدَ َة ْبنُ ا َ‬
‫َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا �أَ َبا ُع َب ْيدَ َة؟ َن َع ْم َن ِف ُّر ِمنْ َقدَ ِر اللهَّ ِ ِإ� َلى َقدَ ِر اللهَّ ِ ‪ ،‬أَ� َر أَ� ْيتَ َل ْو َكانَ َل َك‬
‫�إِ ِب ٌل هَ َب َط ْت َوا ِد ًيا َل ُه ُع ْد َو َت ِان‪ ،‬إِ� ْحدَ اهُ َما َخ ِ�ص َب ٌة‪َ ،‬وا ُلأ ْخ َرى َج ْد َب ٌة‪�َ ،‬أ َل ْي َ�س ِ�إنْ َر َع ْيتَ‬
‫جل ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اللهَّ ِ ؟ َق َال‪َ :‬ف َجا َء‬ ‫خل ْ�ص َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اللهَّ ِ ‪َ ،‬و�ِإنْ َر َع ْيتَ ا َ‬ ‫ا َ‬
‫َع ْبدال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف ‪َ -‬و َكانَ ُم َت َغ ِّي ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َاج ِت ِه‪َ -‬ف َق َال‪� :‬إِنَّ ِع ْن ِدي فيِ هَ َذا‬
‫ِع ْل ًما‪�َ ،‬س ِم ْعتُ َر ُ�س َول اللهَّ ِ ﷺ َي ُق ُول‪�« :‬إِ َذا َ�س ِم ْع ُت ْم ِب ِه ِب َ أ� ْر ٍ�ض َف َال َت ْقدَ ُموا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و إِ� َذا‬
‫َو َق َع ِب�أَ ْر ٍ�ض َو�أَ ْن ُت ْم ِب َها َف َال َت ْخ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْن ُه» َق َال‪َ :‬ف َح ِمدَ اللهَّ َ ُع َم ُر ُث َّم ا ْن َ�ص َر َف‪.‬‬
‫‪2.2‬املنع من خمالطة امل�صاب‪ :‬لقد اعتنى الإ�سالم ب�صحة الأبدان وحفظ‬
‫النفو�س‪ ،‬وحثّ على الوقاية من الأمرا�ض قبل وقوعها؛ ف�أمر �أتباعه باالبتعاد‬
‫عن امل�صابني بالأمرا�ض املُعدية‪ ،‬والبعد عن �أماكن الأوبئة والطاعون ففي‬
‫�صحيح م�سلم عن ال�شريد بن عمرو الثقفي ‪ ‬قال‪ :‬كان يف وفد ثقيف‬
‫رجل جمذوم‪ ،‬ف�أر�سل �إليه النبي ﷺ‪« :‬ارجع فقد بايعناك»‪ ،‬وقال ﷺ‪« :‬ال‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪8‬‬


‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫دخل �صاحب الإبل �إب َله املري�ضة على الإبل‬


‫م�صح»؛ �أي‪ :‬ال ُي ِ‬
‫يورد ممر�ض على ٍّ‬
‫ال�صحيحة؛ وقال ﷺ‪« :‬ف َّر من املجذوم فرارك من الأ�سد»‪.‬‬
‫‪3.3‬احلث على النظافة ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إن الإ�سالم ي�سعى �إلى املحافظة على‬
‫النظافة ال�شخ�صية‪ ،‬فقد بينّ ﷺ �أن الفطرة خم�س فقال‪« :‬ال ِف ْط َر ُة َخ ْم ٌ�س‪:‬‬
‫ال�شا ِر ِب‪ ،‬و َت ْق ِل ُيم ال ْأظفا ِر»‪.‬‬ ‫�ص ّ‬ ‫وال ْ�س ِت ْحدادُ‪ ،‬و َنت ُْف الإ ْب ِط‪ ،‬و َق ُّ‬ ‫اخلتانُ ‪ ،‬اِ‬ ‫ِ‬
‫ونهى ﷺ عن �إدخال اليد يف الإناء عند اال�ستيقاظ من النوم قبل غ�سلها‬
‫ال َنا ِء َحتَّى َي ْغ ِ�س َل َها‬ ‫ا�س َت ْي َق َظ َ�أ َح ُد ُك ْم ِمنْ َن ْو ِم ِه‪َ ،‬فلاَ َي ْغ ِم ْ�س َي َد ُه فيِ ْ إِ‬‫فقال‪�« :‬إِ َذا ْ‬
‫ثَلاَ ًثا‪َ ،‬ف�إِ َّن ُه اَل َي ْد ِري �أَ ْينَ َبات َْت َي ُد ُه»‪ ،‬ونهى عن التنف�س يف الإناء‪ ،‬وكذلك‬
‫ول‪ ،‬وال‬ ‫مالم�سة الذكر باليمني فقال‪« :‬ال‪ ‬يمُ ْ ِ�س َكنَّ � َأح ُد ُك ْم َذ َك َر ُه ب َي ِمي ِن ِه وهو َي ُب ُ‬
‫خلال ِء ب َي ِمي ِن ِه‪ ،‬وال‪َ  ‬ي َت َن َّف ْ�س يف الإناءِ»‪.‬‬ ‫َي َت َم َّ�س ْح ِمنَ ا َ‬
‫تو�ض�أ‪ ،‬و�إذا‪� ‬أراد‪� ‬أن ي�أ ُك َل غ�سل َيد ْيه»‪،‬‬ ‫نب َّ‬ ‫ينام وهو ُج ٌ‬ ‫وكان ﷺ‪�« :‬إذا‪� ‬أراد‪� ‬أن َ‬
‫وقال ﷺ‪ « :‬إِ� َذا َع َط َ�س َ �أ َح ُد ُك ْم؛ َف ْل َي َ�ض ْع َك َّف ْي ِه َع َلى َو ْج ِه ِه َو ْل ُي ْخ ِف ْ�ض َ�ص ْو َتهُ»‪.‬‬
‫فعن �أبي هريرة ‪ « :‬أَ�نَّ ال َّن ِب َّي ﷺ َكانَ �إِ َذا َع َط َ�س َغ َّطى َو ْج َه ُه ِب َي ِد ِه �أَ ْو‬
‫ِب َث ْو ِب ِه َو َغ َّ�ض ِب َها َ�ص ْو َتهُ»‪.‬‬
‫ال�س َن ِة‬
‫ال�س َقا َء‪َ ،‬ف ِإ�نَّ فيِ َّ‬ ‫ال َنا َء‪َ ،‬و أَ� ْو ُكوا ِّ‬ ‫«غ ُّطوا ْ ِإ‬ ‫و�أمر ﷺ بتغطية الأواين فقال‪َ :‬‬
‫َل ْي َل ًة َي ْن ِز ُل ِفي َها َو َبا ٌء‪ ،‬اَل يمَ ُ ُّر ِب�إِ َناءٍ َل ْي َ�س َع َل ْي ِه ِغ َطا ٌء‪� ،‬أَ ْو ِ�س َقاءٍ َل ْي َ�س َع َل ْي ِه ِو َكا ٌء‪،‬‬
‫ا�س َم اللهَّ ِ ‪،‬‬ ‫�إِ اَّل َنزَ َل ِفي ِه ِمنْ َذ ِل َك ا ْل َو َباءِ»‪ ،‬ويف لفظ‪�« :‬أَ ْو ُكوا ِق َر َب ُك ْم َو ْاذ ُك ُروا ْ‬
‫ا�س َم اللهَّ ِ ‪َ ،‬و َل ْو �أَنْ َت ْع ُر ُ�ضوا َع َل ْي َها َ�ش ْي ًئا»‪.‬‬
‫َو َخ ِّم ُروا �آ ِن َي َت ُك ْم َو ْاذ ُك ُروا ْ‬
‫‪4.4‬احلث على النظافة البيئية‪ ،‬ف�إن الإ�سالم �سعى �إلى املحافظة على �سالمة‬
‫البيئة ونظافتها‪ ،‬ودعا �إلى املحافظة على مكوناتها‪ ،‬وم�صادر املياه‪ ،‬وح ّرم‬
‫كل ما فيه �إف�ساد للبيئة‪� ،‬أو �إخالل مبرافقها العامة‪ ،‬ونهى عن البول يف املاء‬
‫الراكد‪ ،‬والتخلي يف طرق النا�س وظلهم‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬ال يبولن �أحدكم يف املاء‬
‫الذي ال يجري ثم يغت�سل فيه»‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫‪5.5‬الأمر بالتداوي من الأمرا�ض‪ ،‬فقد �أمر ﷺ مبداواة الأمرا�ض بعد نزولها‪،‬‬


‫قال ﷺ‪« :‬تداووا عباد اهلل ف�إن اهلل عز وجل مل ينزل دا ًء �إال �أنزل معه �شفاء‬
‫�إال املوت والهرم » وقال‪�« :‬إن اهلل عز وجل مل ُينزل دا ًء �إال �أنزل له �شفاء‪ ،‬علمه‬
‫من علمه‪ ،‬وجهله من جهله»‪.‬‬
‫(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫‪6.6‬البعد عن ال�شائعات وتخويف النا�س‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ) [الن�ساء‪ ،]83 :‬والواجب على املرء �أخذ املعلومات من اجلهات‬
‫املخت�صة‪ ،‬كما يجب عليه �س�ؤال �أهل العلم فيما ُي�شكل �أو يخفى عليه من‬
‫الأحكام ال�شرعية‪� ،‬سوا ًء فيما يتعلق ب�أحكام العبادات �أو املعامالت‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النحل‪.]43 :‬‬
‫‪7.7‬جتنب ا�ستغالل هذه الظروف ال�صعبة باالحتكار ورفع الأ�سعار غري املربر‬
‫ملا ي�ؤدي �إليه االحتكار من الإ�ضرار بعامة النا�س‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬ال يحتكر �إال‬
‫خاطئ»‪.‬‬
‫‪8.8‬التوكل على اهلل والإميان بالق�ضاء والقدر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة‪ ،]51 :‬وقال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ) [يون�س‪ ،]107 :‬مع الأخذ بالأ�سباب امل�شروعة‪ ،‬واالعتقاد �أن ذلك ال‬
‫ينايف التوكل على اهلل‪ ،‬فعلى امل�سلم �أال ُيفرط يف الأخذ بالأ�سباب فيعتقد �أنها‬
‫تدفع عنه املر�ض بنف�سها‪ ،‬بل يعتقد �أن الأمر كله بيد اهلل‪ ،‬و�أن ما قدره اهلل‬
‫فال راد له‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)‪ ،‬وقال‬
‫ﷺ‪« :‬واع َل ْم �أنَّ ما � ْأخط�أَ َك مل يكنْ ل ُي�صي َب َك‪ ،‬وما � َ‬
‫أ�صابك مل يكنْ ِل ُي ْخ ِط َئ َك»‪.‬‬
‫وينبغي للم�سلم �إن �أ�صابه املر�ض �أن يحت�سب عند اهلل الأجر فيما �أ�صابه‬
‫من مر�ض‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬الطاعون �شهادة لكل م�سلم»‪ ،‬و�أن هذا املر�ض تطهري‬
‫لذنوبه‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬ما من م�صيبة ت�صيب امل�سلم �إال ك ّفر اهلل بها عنه حتى‬
‫ال�شوكة ي�شاكها»‪ ،‬و�أن يتفاءل ويثق بقرب الفرج‪ ،‬و�أن هذا الوباء �سيزول قريب ًا‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪10‬‬


‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫ب�إذن اهلل‪ ،‬وال يي�أ�س من رحمة اهلل‪ ،‬و�أن يوقن �أن هلل حكم ًا يف هذه الأمرا�ض‬
‫وامل�صائب‪.‬‬
‫‪9.9‬التوبة �إلى اهلل ف�إنه ما نزل بالء �إال بذنب‪ ،‬وال ُرفع �إال بتوبة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الرعد‪ ،]11 :‬وقال تعالى‪(:‬ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور‪ ،]31 :‬وينبغي للم�سلم‬
‫الإكثار من الدعاء واللجوء �إلى اهلل ولزوم قراءة الأذكار والأوراد امل�شروعة‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [غافر‪ ،]60 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة‪.]186 :‬‬
‫والواجب علينا مالزمة تقوى اهلل ‪ ‬يف ال�سر والعلن ويف كل الأحوال‪،‬‬
‫فتقوى اهلل و�صية اهلل للأولني والآخرين‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الن�ساء‪.]131 :‬‬
‫وتقوى اهلل فيه تي�سري الأمور‪ ،‬وتفريج الكروب‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطالق‪ ،]3-2 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ) [الطالق‪.]4 :‬‬
‫�أو�صي اجلميع بالتعاون مع اجلهات املخت�صة يف مواجهة هذا الوباء‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [املائدة‪ ،]2 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الن�ساء‪ ،]59 :‬وااللتزام بالإر�شادات والن�صائح التي‬
‫تقدمها اجلهات ال�صحية والر�سمية حتى يتم ال�سيطرة على هذا الوباء ب�إذن اهلل‪،‬‬
‫فكل �شخ�ص م�س�ؤول عن حماية نف�سه وحماية من هم حتت م�س�ؤوليته‪ ،‬قال ُ‬
‫ر�سول‬
‫اهلل ﷺ‪« :‬ك ُل ُك ْم َر ٍاع َو َم ْ�س ؤُ�و ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬فالإِ َم ُام َر ٍاع َو َم ْ�س ؤُ�و ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬وال َّر ُج ُل‬
‫فيِ �أَ ْه ِل ِه َر ٍاع َوهُ َو َم ْ�س ُ�ؤو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬وا َمل ْر أَ� ُة فيِ َب ْي ِت َز ْو ِج َها َر ِاع َي ٌة َو ِه َي َم ْ�س ُ ؤ�و َل ٌة َعنْ‬
‫وال�ض َرر‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬ال‬ ‫َر ِع َّي ِت َها»‪ ،‬ويحرم ‌على املرء تعري�ض نف�سه �أو غريه للهالك َّ‬
‫�ضرر وال �ضرار»‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫افـتـتـاحـيـة الـعـدد‬

‫ثم �إين �أ�شكر والة �أمر هذه البالد على ما يقدمونه ويبذلونه من جهود يف �سبيل‬
‫حفظ النفو�س والتقليل من الآثار ال�سيئة لهذا الوباء‪ ،‬كما �أ�شكر اجلمعية الفقهية‬
‫ال�سعودية على طرح مثل هذه املو�ضوعات التي تهم املجتمع عرب جملتها العلمية‬
‫املحكمة‪ ،‬مواكب ًة للنوازل والق�ضايا امل�ستجدة التي تواجه الأمة‪ ،‬و�إتاحة الفر�صة‬
‫للباحثني؛ لتقدمي نتاجهم العلمي بعد حتكيمه وفق املعايري العلمية املتعارف عليها‪،‬‬
‫من �أجل امل�ساهمة يف بيان الأحكام ال�شرعية املرتتبة عن هذه النازلة (جائحة‬
‫كورونا) وعن الإجراءات املتخذة حيالها‪ ،‬وتقدمي حلول �شرعية للم�شكالت التي قد‬
‫ترتتّب عليها‪� ،‬سائ ًال تعالى �أن يوفق القائمني على اجلمعية لكل خري‪ ،‬و�أن يبارك يف‬
‫جهودهم‪ ،‬كما �أ�س�أله تعالى �أن يرفع عنا هذا الوباء عاج ًال �إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫و�صلى اهلل على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪12‬‬


‫كلـمـة رئــيـس الـتـحرير‬

‫كلمة رئيس التحرير‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد بن �سليمان العريني‬


‫رئي�س التحرير‬

‫�إن احلمد هلل؛ نحمده ون�ستعينه ون�ستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا‪ ،‬ومن‬
‫�سيئات �أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال ُم�ض ّل له‪ ،‬ومن ي�ضلل فال هادي له‪ ،‬و�أ�شهد �أن ال‬
‫�إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬و�أ�شهد �أن حممد ًا عبده ور�سوله‪.‬‬
‫�أما بعد‪:‬‬
‫ف�إن اهلل ‪ ‬قد خلق اخللق وقـ ّدر املقادير‪ ،‬فال را ّد حلكمه‪ ،‬وال ُمع ِّقب‬
‫لقوله ‪ ،‬و�إن من تلك املقادير ما ي�صيب النا�س ويجتاحهم من �أمرا�ض‬
‫و�أوبئة منذ �أن خلق اخلليقة ‪.‬‬
‫احلكم الربانية من ذلك‬ ‫و�إن املتفكر واملعترب يف ذلك‪ ،‬ليقف على الكثري من ِ‬
‫التقدير واخللق‪ ،‬ويعلم �أن ذلك و�إن ت�ض ّمن جملة من املحن والباليا �إال �أن يف ثناياه‬
‫هبات وعطايا‪.‬‬
‫و�إن من تلك املنح والعطايا ما ر�أيناه من تداعي علماء ال�شريعة وطالب العلم‬
‫للنظر يف هذه النازلة وما �أحدثته من تغريات مت�سارعة يف �ش�ؤون النا�س و�أمورهم‬
‫عبادات كانت �أو‬
‫ٍ‬ ‫يف كل مناحي احلياة‪ ،‬و�أثرها يف العديد من الأحكام ال�شرعية‬
‫معامالت‪.‬‬
‫وكعادتها ‪-‬بف�ضل اهلل‪ -‬ر�أت اجلمعية الفقهية ال�سعودية �أن تواكب هذه النازلة‬
‫واحلدث العظيم‪ ،‬و�أن يكون لها جملة من الإ�سهامات يف �سبيل بيان الأحكام ال�شرعية‬
‫يف هذا اجللل امل�ستجد‪ ،‬ومن تلك الإ�سهامات دعوتها العلما َء والباحثني للكتابة‬

‫‪13‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫كلـمـة رئــيـس الـتـحرير‬

‫والبحث يف جميع تفا�صيل الأحكام ال�شرعية لهذا الوباء اجلائح عرب جملة اجلمعية‬
‫الفقهية ال�سعودية‪.‬‬
‫وقد وجدنا �إقباالً عظيم ًا وجهد ًا م�شكور ًا من الباحثني ا�ستجاب ًة لتلك الدعوة على‬
‫وجه ي�س ّر الناظرين و ُيثلج ال�صدور‪ ،‬وهلل احلمد وامل ّنة‪.‬‬
‫و�إن فيما اتخذته بالدنا الغالية اململكة العربية ال�سعودية من �إجراءات احرتازية‬
‫وقرارات �صائبة ر�شيدة جتاه هذا الوباء امل�ستجد �أكرب الأثر يف احتواء �آثاره و�أكرب‬
‫دافع لنا لنقدم �إ�سهام ًا ُي�ضاف �إلى تلك اجلهود املباركة‪.‬‬
‫ف�شكر اهلل لوالة �أمر هذه البالد على ما يقدمونه ويبذلونه‪ ،‬وجلامعتنا املباركة‬
‫جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية حر�صها على اجلمعية الفقهية ال�سعودية‪،‬‬
‫وملجلتها ودعمها املتوا�صل ملنا�شطها‪ ،‬وال�شكر مو�صول لأع�ضاء هيئة حترير املجلة‬
‫الذين كانت لهم جهود و�إ�سهامات كبرية وكثرية لإخراج املجلة يف �أح�سن �صورة‬
‫وبعمق علمي ر�صني يف جميع �أعداد هذه الدورة (ال�ساد�سة)‪.‬‬
‫رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على خامت الأنبياء‬
‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ّ‬
‫واملر�سلني‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪14‬‬


‫القواعد األصولية المتعلقة بالحكم‬
‫واألدلة وأثرها في األحكام الفقهية‬
‫لجائحة كورونا‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬عي�سى بن حممد العوي�س‬
‫الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم �أ�صول الفقه بكلية ال�رشيعة بالريا�ض‬
‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪16‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬و�أ�صلي و�أ�سلم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني‪ ،‬وعلى �آله‬
‫و�صحبه �أجمعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ف�إن علم �أ�صول الفقه من العلوم التي بها ُيحفظ الدين‪ ،‬وت�صان ال�شريعة‪،‬‬
‫وب�إدراكه يكون املجتهد قاد ًرا على ا�ستنباط الأحكام الفقهية من الأدلة‪.‬‬
‫وعلم �أ�صول الفقه ي�سهم يف معرفة �أحكام النوازل الفقهية‪ ،‬وربط الفروع‬
‫ب�أ�صولها؛ مما ي�سهم يف �إدراك �أحكام تلك الفروع‪ ،‬و�إك�سابها قوة؛ الرتباطها ب�أ�صولها‬
‫وقواعدها‪.‬‬
‫�إن من النوازل املعا�صرة ما يعرف بجائحة كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ ،)19-‬فهذه‬
‫اجلائحة عمت دول العامل‪ ،‬و�أ�صيب بهذا املر�ض ماليني الب�شر‪ ،‬وهذا مما دعا‬
‫الفقهاء والأ�صوليني املعا�صرين �إلى بيان الأحكام الفقهية املتعلقة بهذه اجلائحة‪.‬‬
‫ومن هنا ر�أيت �أن �أ�سهم بالكتابة يف ت�أ�صيل الأحكام الفقهية املتعلقة بجائحة‬
‫كورونا‪ ،‬وربط الفروع الفقهية ب�أ�صولها‪ ،‬فاخرتت مو�ضوع‪ :‬القواعد الأ�صولية املتعلقة‬
‫باحلكم والأدلة و�أثرها يف الأحكام الفقهية جلائحة كورونا‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫‪1.1‬جمع القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم والأدلة‪ ،‬والتي لها ت�أثري يف الأحكام‬
‫الفقهية املتعلقة بجائحة كورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫‪2.2‬ربط الأحكام الفقهية جلائحة كورونا امل�ستجد ب�أ�صولها وقواعدها مما يك�سب‬
‫تلك الفروع الفقهية قوة بح�سب تخريج امل�س�ألة على القاعدة الأ�صولية‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪�3.3‬أن ربط الأحكام الفقهية للنوازل املعا�صرة ب�أ�صولها ي�ؤكد على �أن هذه‬
‫ال�شريعة �صاحلة لكل زمان ومكان‪ ،‬و�أنها قادرة على بيان الأحكام ال�شرعية‬
‫لكل ما يحتاجه امل�سلم‪.‬‬
‫‪4.4‬اجلدة يف املو�ضوع حيث مل ي�سبق ‪-‬فيما �أعلم‪� -‬أن �أُفرد بدرا�سة علمية‬
‫م�ستقلة‪ ،‬على النحو الذي ُكتب به هذا البحث‪.‬‬
‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬ت�أ�صيل الأحكام الفقهية جلائحة كورونا امل�ستجد وربطها ب�أ�صولها‪.‬‬
‫‪�2.2‬إك�ساب الأحكام الفقهية لهذه النازلة قوة من خالل الك�شف عن القواعد‬
‫الأ�صولية التي ا�ستندت �إليها‪.‬‬
‫‪3.3‬الك�شف عن �أثر �أ�صول الفقه يف الأحكام الفقهية املتعلقة بالق�ضايا امل�ستجدة‪.‬‬
‫حدود البحث‪:‬‬
‫يتناول البحث‪ :‬القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي والأدلة والتي لها‬
‫�أثر وا�ضح يف الأحكام الفقهية جلائحة كورونا‪ ،‬وهذا البحث ال يهدف �إلى تف�صيل‬
‫الأحكام الفقهية لهذه اجلائحة(((‪ ،‬و�إمنا يهدف �إلى بيان القواعد الأ�صولية التي لها‬
‫ت�أثري يف �أحكام هذه اجلائحة وربط تلك الفروع بالقواعد الأ�صولية؛ للك�شف عن‬
‫�أثر �أ�صول الفقه يف الق�ضايا امل�ستجدة‪ ،‬ومبا �أن �إحلاق الفرع الفقهي الواحد ب�أ�صل‬
‫معني يحقق الهدف املن�شود من ربطه بالقواعد الأ�صولية؛ ف�إنه لن يتم تكرار الفروع‬
‫الفقهية التي �سبق تخريجها على �أ�صل معني(((‪.‬‬
‫((( تف�صيل الأحكام الفقهية لهذه اجلائحة وبيان الآراء الفقهية فيها وحتليلها اً‬
‫حتليل فقه ًيا مما تعنى به‬
‫الدرا�سات الفقهية املتخ�ص�صة‪.‬‬
‫((( هذا من حيث الأ�صل‪ ،‬وقد ي�شذ عن ذلك بع�ض الفروع للحاجة �إلى ذلك‪ ،‬وقد روعي يف هذا الأمر‬
‫االخت�صار؛ نظ ًرا لطبيعة �أمثال هذا البحث‪ ،‬ولذا قد توجد قواعد �أ�صولية �أخرى ميكن �أن يخرج عليها‬
‫بع�ض الفروع التي �سبق تخريجها لكنها لن تكون داخلة �ضمن حدود هذا البحث؛ لأن تلك الفروع �سبق‬
‫تخريجها على �إحدى القواعد الأ�صولية‪=.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪18‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫من خالل البحث واالطالع و�س�ؤال بع�ض املخت�صني مل �أقف على درا�سة علمية‬
‫متخ�ص�صة تعنى بجمع القواعد الأ�صولية وربط الأحكام الفقهية لهذه اجلائحة بها‪.‬‬
‫لكن ميكن الإ�شارة �إلى بع�ض ما وقفت عليه من درا�سات �أو كتابات تتعلق بهذه‬
‫اجلائحة‪:‬‬
‫‪1.1‬مقالة خمت�صرة يف مدونة الكاتب يا�سر طر�شاين بعنوان‪� :‬أ�صول الفقه‬
‫وفريو�س كورونا(((‪� ،‬أ�شار فيها �إلى �أن �أ�صول الفقه له دور كبري يف حياة‬
‫امل�سلم‪ ،‬م ّثل بقاعدة القيا�س و�سد الذرائع بكالم خمت�صر جدً ا‪.‬‬
‫والكاتب �إمنا �أراد ت�سليط ال�ضوء على فكرة االهتمام ب�أثر �أ�صول الفقه‪ ،‬ومل‬
‫ُيرد درا�سة ذلك‪.‬‬
‫‪2.2‬اجلائحة الكورونية على �ضوء الأدلة واملقا�صد ال�شرعية ملعايل ال�شيخ‬
‫د‪.‬عبدالرحمن ال�سدي�س‪ .‬وقد ت�ضمن متهيدً ا �أ�شار فيه باخت�صار �إلى �أهم‬
‫القواعد املرعية يف التعامل مع هذه اجلائحة وذكر منها‪ :‬ال�ضرر يزال‪،‬‬
‫و�سد الذرائع‪ ،‬درء املفا�سد مقدم على جلب امل�صالح‪ ،‬الدفع �أولى من الرفع‪،‬‬
‫الوقاية خري من العالج‪.‬‬
‫ثم عقد مباحث الكتاب يف بيان حقيقة اجلائحة وجهود اململكة يف الوقاية‬
‫منها‪ ،‬و�إر�شادات عامة‪.‬‬
‫وكما يلحظ ف�إن امل�ؤلف ‪-‬وفقه اهلل‪ -‬مل يق�صد �إلى جمع القواعد الأ�صولية‬
‫= وقد قمت بجمع كثري من فروع هذه اجلائحة مما وقفت عليه وقت �إعداد هذا البحث‪ ،‬فوجدت �أن‬
‫�أكرثها ميكن تخريجه على قواعد فقهية �أو مقا�صدية‪ ،‬و�أما تخريجه على القواعد الأ�صولية فقد يكون‬
‫فيه نوع تكلف‪ ،‬وال يخفى �أن هذه اجلائحة ال زالت م�ستمرة ولذا فقد تظهر �أحكام �أخرى �أو فتاوى تتعلق‬
‫بهذه اجلائحة بعد كتابة هذا البحث وهذا يدل على �أهمية وجود درا�سات تعنى بهذا اجلانب �أي ضً� ا‪.‬‬
‫((( انظر املدونة على الرابط ‪https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/82d1b212-df3f-‬‬
‫‪4860-86f0-a437a2438af9‬‬

‫‪19‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫لربط الفروع الفقهية لهذه النازلة بقواعدها الأ�صولية‪ ،‬و�إمنا �أ�شار �إلى بع�ض‬
‫القواعد الفقهية‪� ،‬أو القواعد امل�شرتكة توطئ ًة لهذا الكتاب‪ ،‬ومن ثم حتدث‬
‫عن جهود اململكة وبع�ض الإر�شادات العامة‪.‬‬
‫‪3.3‬كتابات ودورات علمية لبيان الأحكام الفقهية جلائحة كورونا امل�ستجد وهي‬
‫متعددة ويف هذا البحث �إ�شارة �إلى عدد منها‪ ،‬ويلحظ �أن تلك الكتابات‬
‫ان�صرفت �إلى بيان احلكم الفقهي من خالل ر�ؤية الكاتب دون ربط بالقواعد‬
‫الأ�صولية امل�ؤثرة يف تلك الأحكام‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫تتكون خطة هذا البحث من مقدمة ومبحثني وخامتة على النحو التايل‪:‬‬
‫املقدمة‪ ،‬وتت�ضمن‪ :‬االفتتاح‪ ،‬وبيان �أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪ ،‬و�أهدافه‬
‫وحدوده‪ ،‬والدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬ومنهج بحثه‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬يف التعريف بجائحة كورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي‪ ،‬وفيه خم�سة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬فاقد العقل لعار�ض غري مكلف‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الواجب ال�شرعي مع ّلق باال�ستطاعة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬املكروه يباح عند احلاجة‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪� :‬إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬القواعد الأ�صولية املتعلقة بالأدلة‪ ،‬وفيه �ستة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬سنة النبي ﷺ حجة ت�ستقل بالت�شريع‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الإجماع حجة �شرعية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪20‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القيا�س حجة �شرعية‬


‫املطلب الرابع‪ :‬يجوز القيا�س يف العبادات‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬مذهب ال�صحابي حجة‪.‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪� :‬سد الذرائع حجة‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وفيها �أبرز نتائج البحث‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬اال�ستقراء مل�صادر املو�ضوع ومراجعه(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ذكر القاعدة الأ�صولية و�إي�ضاحها‪.‬‬
‫‪3.3‬ذكر �أ�شهر �أقوال الأ�صوليني يف القاعدة ‪�-‬إن وجد فيها خالف‪ -‬ب�شكل موجز‪.‬‬
‫‪4.4‬اال�ستدالل للقاعدة الأ�صولية(((‪.‬‬
‫‪5.5‬ذكر بع�ض الفروع الفقهية جلائحة كورونا التي تبنى على القاعدة الأ�صولية‪،‬‬
‫مع احلر�ص على عدم تكرار الفروع بني القواعد الأ�صولية‪.‬‬
‫‪6.6‬عزو الآيات القر�آنية ببيان رقم الآية وا�سم ال�سورة‪.‬‬
‫‪7.7‬تخريج الأحاديث الواردة يف �صلب البحث‪ ،‬وذكر ما قاله �أهل العلم فيها �إن‬
‫مل تكن واردة يف ال�صحيحني �أو �أحدهما(((‪.‬‬
‫((( فيما يتعلق بتوثيق الن�صو�ص املنقولة من امل�صادر ف�إذا مل يرد ا�سم الكتاب فالتوثيق يكون يف نهاية‬
‫الن�ص املنقول‪ ،‬ويف حال ذكر ا�سم الكتاب قبل الن�ص فيتم و�ضع الرقم بجواره‪.‬‬
‫((( و�أعر�ضت عن اال�ستدالل للأقوال الأخرى يف القواعد اخلالفية اخت�صا ًرا‪.‬‬
‫منهجا يف تخريج الأحاديث يقوم على التخريج الإجمايل‪ ،‬ومن ثم تف�صيل ذلك‬ ‫((( اتخذ بع�ض الباحثني ً‬
‫ببيان الكتاب والباب ورقم احلديث‪ ،‬وقد ارت�ضيت هذا املنهج؛ لأن بع�ض القراء قد يهتم ملعرفة من‬
‫إجمال دون تف�صيل الكتب والأبواب‪ ،‬وهذه الطريقة حتقق ذلك‪.‬‬‫�أخرج احلديث � اً‬

‫‪21‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪8.8‬ترجمة الأعالم غري امل�شهورين عند الأ�صوليني(((‪ ،‬مع مراعاة االخت�صار‬


‫غري املخل يف الرتجمة‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ :‬ف�إين ال �أدعي الإ�صابة يف كل ما قلت وعملت‪ ،‬بل �أقر بالق�صور‬
‫والتق�صري‪ ،‬ف�إن يكن يف هذا العمل �صواب فهو من توفيق اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وف�ضله‪ ،‬وما‬
‫فيه من اخلط�أ فهو من نف�سي ومن ال�شيطان‪ ،‬و�أ�ستغفر اهلل الكرمي و�أتوب �إليه‪.‬‬

‫((( هذا ال�ضابط جرى عليه العرف يف بع�ض الكليات ال�شرعية‪ ،‬و�إن كانت وجهات النظر تختلف يف حد‬
‫ال�شهرة‪ ،‬لكن من الأعالم من يتفق اجلميع على �شهرتهم‪ ،‬ومنهم من هو عك�س ذلك‪ ،‬وقد تختلف‬
‫وجهات النظر يف بع�ضهم‪.‬‬
‫وينبه هنا �إلى �أن هذا ال�ضابط قيد عدم ال�شهرة بكونها عند الأ�صوليني؛ ولذا قد يكون العلم م�شهو ًرا‬
‫عند علماء فنه‪ ،‬لكنه ال ُيع ّد من امل�شهورين عند الأ�صوليني‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪22‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫التمهيد‬
‫يف التعريف بجائحة كورونا امل�ستجد‬

‫ُيع ّد فريو�س كورونا امل�ستجد املعروف ب(كوفيد‪ )19-‬من الأمرا�ض التنف�سية‪،‬‬


‫وهو من ف�صيلة فريو�سات كورونا‪ ،‬وقد ظهر للمرة الأولى يف مدينة ووهان ال�صينية‬
‫�أواخر العام (‪2019‬م)‪ ،‬ثم انت�شر حول العامل مما جعل منظمة ال�صحة العاملية‬
‫ت�صنفه كجائحة‪.‬‬
‫وهذا الفريو�س ي�سبب �أعرا ضً� ا ملن �أ�صيب به منها‪ :‬احلمى وال�سعال و�ضيق‬
‫التنف�س والآالم الع�ضلية‪ ،‬وقد يت�سبب مب�ضاعفات ت�صل �إلى حد الوفاة‪ ،‬ومتيز هذا‬
‫الفريو�س اجلديد ب�سرعة انت�شاره مقارنة بغريه من الفريو�سات املماثلة‪.‬‬
‫وقد �أدركت دول العامل خطورة هذا املر�ض مما جعلها تتخذ العديد من الإجراءات‬
‫االحرتازية ملواجهة �آثار ذلك الفريو�س(((‪.‬‬

‫لال�ستزادة انظر‪ :‬موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية على الرابط‪https://www.moh.gov.sa/HealthA� :‬‬ ‫(((‬
‫‪wareness/EducationalContent/PublicHealth/Pages/corona.aspx‬‬
‫وموقع منظمة ال�صحة العاملية على الرابط ‪http://www.emro.who.int/ar/surveillance-fore� :‬‬
‫‪casting-response/publications/‬‬

‫‪23‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫املبحث الأول‬
‫القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي‪.‬‬

‫وفيه خم�سة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫(((‬
‫فاقد العقل لعار�ض غري مكلف‬

‫هذه القاعدة لها �صلة بال�شروط العائدة �إلى املكلف‪ ،‬حيث ا�شرتطوا فيه‪� :‬أن‬
‫يكون املكلف اً‬
‫عاقل فاه ًما(((‪ ،‬وقد حكى الآمدي (ت‪631 :‬هـ) اتفاق العقالء على هذا‬
‫عاقل فاهما للتكليف;‬
‫ال�شرط فقال‪“ :‬اتفق العقالء على �أن �شرط املكلف �أن يكون اً‬
‫لأن التكليف خطاب‪ ،‬وخطاب من ال عقل له وال فهم حمال كاجلماد والبهيمة“(((‪،‬‬
‫بل �إن بع�ض من قال بجواز التكليف باملحال ذهب �إلى ا�شرتاط ذلك‪ ،‬قال الأ�صفهاين‬
‫(ت‪749 :‬هـ)‪“ :‬ووافقهم بع�ض من جوز التكليف باملحال‪ ،‬بناء على �أن فائدة التكليف‪:‬‬
‫االبتالء‪ ،‬وهو ال يت�صور يف تكليف من مل يفهم اخلطاب”(((‪.‬‬
‫�إذا تقرر ذلك ف�إن هذه القاعدة تتعلق بتكليف من فقد عقله لعار�ض كاجلنون‬
‫العار�ض والإغماء‪ ،‬وقد دلت القاعدة على �أن من فقد عقله لعار�ض غري مكلف‬
‫بالأداء حال تلب�سه بذلك العار�ض‪ ،‬وعلى هذا فال �إثم عليه‪ ،‬وال يتوجه �إليه اخلطاب‬
‫انظر‪ :‬مواهب اجلليل ‪ ،43/4‬مذكرة يف �أ�صول الفقه �ص‪.264‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬امل�ست�صفى �ص‪� ،67‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪� ،277/1‬شرح التلويح على التو�ضيح ‪ ،312/2‬البحر‬ ‫(((‬
‫املحيط ‪ ،62/2‬تي�سري التحرير ‪.239/2‬‬
‫الإحكام ‪.150/1‬‬ ‫(((‬
‫بيان املخت�صر ‪.433/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪24‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫حال وجود ذلك العار�ض(((؛ لأنه ال يت�صور منه الأداء وهو متلب�س به قال الرازي (ت‪:‬‬
‫‪606‬هـ)‪�“ :‬أما الذي ال ي�صح منه الأداء ف�إما �أن ميتنع ذلك عقال كالنائم واملغمى‬
‫عليه ف�إنه ميتنع عقال �صدور فعل ال�صالة منه”(((‪.‬‬
‫و�أما ال�سكران ف�إنه و�إن كان ال ي�صح منه �أداء العبادة حال �سكره ف�إنه م�ؤاخذ على‬
‫تركها والإثم عنه غري مرفوع �إذا كان �سكره باختياره‪ ،‬قال ابن تيمية (ت‪728 :‬هـ)‪:‬‬
‫“ف�أما ال�سكران فقد ن�ص �أحمد �أن القلم يجرى عليه وكذلك ال�شافعي وهو قلم الإثم‪،‬‬
‫إجماعا”(((‪.‬‬
‫لي�س مثل املغمى عليه والنائم ف�إن قلم الإثم مرفوع عنهما � ً‬
‫وقد دل على هذه القاعدة قول النبي ﷺ‪« :‬رفع القلم عن ثالثة‪ ،‬عن النائم حتى‬
‫ي�ستيقظ‪ ،‬وعن ال�صغري حتى يكرب‪ ،‬وعن املجنون حتى يعقل �أو يفيق»(((‪.‬‬
‫وداللة احلديث ظاهرة يف عدم م�ؤاخذة ه�ؤالء‪ ،‬ويلحق بهم املغمى عليه؛ لأنه يف‬
‫معنى النائم‪ ،‬بل هو �أولى يف عدم امل�ؤاخذة‪ ،‬قال ابن ال�سبكي (ت‪771 :‬هـ)‪“ :‬و�إمنا‬
‫مل يذكر املغمى عليه يف احلديث؛ لأنه يف معنى النائم”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬عوار�ض الأهلية ال�سماوية و�أثرها يف العبادات �ص‪ ،91‬قواعد و�ضوابط �أ�صولية �صالح عبدالكرمي‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=hSjQ_7fLdi8‬‬
‫�أما ما يتعلق مب�س�ألة تعلق الوجوب به ومطالبته بالق�ضاء بعد زوال العار�ض ف�سي�أتي ‪-‬مب�شيئة اهلل‬
‫تعالى‪ -‬من القواعد ما يدل على ذلك‪ ،‬ومما يح�سن التنبيه �إليه �أن بع�ض الأ�صوليني ممن قال بتكليف‬
‫املغمى عليه مرادهم تعلق الوجوب بذمته ال مطالبته بالأداء حال وجود العار�ض‪ .‬انظر‪ :‬الوا�ضح يف‬
‫ا�صول الفقه ‪� ،75/3‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص‪.71‬‬
‫((( املح�صول ‪.117/1‬‬
‫((( امل�سودة �ص‪ ،37‬وانظر‪� :‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪.285/1‬‬
‫((( �أخرجه بهذا اللفظ الن�سائي وابن ماجه‪ ،‬وبنحوه �أخرجه �أبو داود والرتمذي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب الطالق باب من ال يقع طالقه من الأزواج حديث رقم (‪،265/5 )5596‬‬
‫�سنن ابن ماجه كتاب الطالق باب طالق املعتوه وال�صغري والنائم حديث رقم (‪� ،658/1 )2041‬سنن‬
‫�أبي دواد كتاب احلدود باب يف املجنون ي�سرق �أو ي�صيب حدا حديث رقم (‪� ،455/6 )4403‬سنن‬
‫الرتمذي �أبواب احلدود باب ما جاء فيمن ال يجب عليه احلد حديث رقم (‪.32/4 )1423‬‬
‫واحلديث روي من طرق كثرية‪ ،‬وذكر �شيخ الإ�سالم اتفاق �أهل املعرفة على تلقيه بالقبول‪ ،‬و�صححه ابن‬
‫امللقن والألباين‪ .‬انظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪ ،191/11‬البدر املنري ‪� ،226/3‬إرواء الغليل ‪.4/2‬‬
‫((( نقله عنه ال�سيوطي يف الأ�شباه والنظائر ‪= .212/1‬‬

‫‪25‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬


‫فوات العبادة ب�سب الإغماء‪ :‬من الأعرا�ض التي قد تظهر على بع�ض من ي�صاب‬
‫بفريو�س كورونا �ضيق التنف�س وااللتهاب الرئوي‪ ،‬وقد تزداد تلك امل�ضاعفات لدى‬
‫بع�ض الأ�شخا�ص من ذوي املناعة ال�ضعيفة(((‪ ،‬وحيث �إن امل�صاب قد حتدث له حالة‬
‫�إغماء متنعه من �أداء ال�صلوات املفرو�ضة يف وقتها‪� ،‬أو متنعه من ال�صيام الواجب‬
‫عليه‪ ،‬ف�إن هذه القاعدة دلت على رفع امل�ؤاخذة والإثم؛ لعدم ت�صور الأداء منه اً‬
‫عقل‬
‫حال �إغمائه(((‪ ،‬ولأن املغمى عليه معذور ففارق ال�سكران الذي ي�ؤاخذ على ما فاته‬
‫من عبادة حال �سكره(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫(((‬
‫الواجب ال�شرعي معلق باال�ستطاعة‬

‫يعد الواجب من الأحكام التكليفية وقد ذكر الأ�صوليون له عددًا من التعريفات‬


‫جازما(((‪ ،‬وقيل‪“ :‬ما يثاب على فعله ويعاقب‬
‫منها �أنه‪ :‬ما طلب ال�شارع فعله طل ًبا ً‬
‫على تركه”(((‪.‬‬
‫= وم�س�ألة �إحلاق املغمى عليه بالنائم مما يختلف فيها النظر‪ ،‬ولذلك قال ابن اللحام يف القواعد والفوائد‬
‫الأ�صولية �ص‪“ :57‬املغمى عليه يرتدد بني النائم واملجنون فبالنظر �إلى كون عقله مل يزل بل �سرته الإغماء‬
‫فهو كالنائم ولهذا قيل انه �إذا �شمم البنج �أفاق وبالنظر �إلى كونه �إذا نبه مل ينتبه ي�شبه املجنون وكذلك‬
‫اختلفوا يف الأحكام املتعلقة به فتارة يلحقونه بالنائم وتارة باملجنون والأظهر �إحلاقه بالنائم”‪.‬‬
‫انظر‪ :‬موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/Educa� :‬‬ ‫(((‬
‫‪.tionalContent/PublicHealth/Pages/corona.aspx‬‬
‫انظر‪ :‬املح�صول للرازي ‪� ،117/1‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪� ،196/1‬أ�صول الفقه لأبي زهرة �ص‪.341‬‬ ‫(((‬
‫ومل �أقف على خالف يف هذا عند الفقهاء و�إمنا خالفهم يف وجوب الق�ضاء بعد الإفاقة‪ .‬انظر‪ :‬املب�سوط‬
‫‪ ،87/3‬بداية املجتهد ‪.192/1‬‬
‫انظر‪ :‬امل�سودة �ص‪� ،37‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪.285/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬امل�ست�صفى �ص‪ ،208‬بيان املخت�صر ‪.27/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الإبهاج ‪ ،52/1‬تقريب الو�صول �ص‪.169‬‬ ‫(((‬
‫امل�ست�صفى �ص‪.23‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪26‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫فاملكلف مطلوب منه الإتيان بالفعل الواجب عليه‪ ،‬ويعاقب على ترك الفعل‬
‫املطلوب من حيث الأ�صل‪ ،‬غري �أن الواجبات ال�شرعية معلقة با�ستطاعة املكلف‪،‬‬
‫فاحلج على �سبيل املثال قال اهلل تعالى فيه‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ) [�آل عمران‪ .]97 :‬فهذه القاعدة تدل على �أن الواجب ال�شرعي يف حق‬
‫املكلف منوط باال�ستطاعة‪ ،‬قال الغزايل (ت‪505 :‬هـ)‪“ :‬وكل �إيجاب م�شروط‬
‫باال�ستطاعة”(((‪ ،‬وقال �شم�س الدين الأ�صفهاين (ت‪749 :‬هـ)‪“ :‬الإتيان بالواجب‬
‫مفو�ض �إلى ا�ستطاعتنا”(((‪.‬‬
‫وقد دل على القاعدة قوله تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)‪ ،‬وقوله ﷺ‪:‬‬
‫«ف�إذا نهيتكم عن �شيء فاجتنبوه‪ ،‬و�إذا �أمرتكم ب�أمر ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم»(((‪،‬‬
‫ووجه الداللة منهما ظاهر‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫‪1.1‬ترك احل�ضور ل�صالة اجلمعة واجلماعة‪ :‬تعد �صالة اجلمعة واجبة على املكلف‬
‫الذكر ب�شروطها‪ ،‬وقد دل على وجوبها الكتاب وال�سنة والإجماع‪ ،‬جاء يف بدائع‬
‫ال�صنائع(((‪“ :‬فاجلمعة فر�ض ال ي�سع تركها ويكفر جاحدها والدليل على‬
‫فر�ضية اجلمعة الكتاب وال�سنة و�إجماع الأمة”‪ .‬و�صالة اجلماعة واجبة عند‬
‫عامة احلنفية(((‪ ،‬وهو مذهب احلنابلة(((‪ ،‬وقول كثري من �سلف هذه الأمة(((‪،‬‬
‫((( امل�ست�صفى �ص‪.208‬‬
‫((( بيان املخت�صر ‪.27/2‬‬
‫((( �أخرجه البخاري‪ .‬انظر‪� :‬صحيح البخاري كتاب االعت�صام باب االقتداء ب�سنن ر�سول اهلل ﷺ حديث‬
‫رقم (‪.94/9 )7288‬‬
‫((( ‪ .256/1‬وانظر‪ :‬املب�سوط ‪ ،21/2‬الكايف يف فقه �أهل املدينة ‪ ،248/1‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد ‪.320/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،155/1‬البحر الرائق ‪ ،24/1‬النهر الفائق‪.238/1 ،‬‬
‫ويذكر كثري من احلنفية �أنها �سنة م�ؤكدة‪ ،‬وقد ف�سر الكا�ساين ذلك بالوجوب‪ .‬انظر‪ :‬املو�ضع ال�سابق‬
‫من بدائع ال�صنائع‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد ‪ ،278/1‬الإن�صاف ‪.210/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،130/2‬فتح الباري البن رجب ‪.450/5‬‬

‫‪27‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫قال الكا�ساين (ت‪587 :‬هـ)(((‪“ :‬قال عامة م�شايخنا‪� :‬إنها واجبة»(((‪ ،‬وقال‬
‫ابن قدامة (ت‪620 :‬هـ)‪“ :‬اجلماعة واجبة لل�صلوات اخلم�س”(((‪.‬‬
‫ف�إذا تعذر على املكلف �أداء �صالة اجلمعة �أو ح�ضور �صالة اجلماعة ب�سبب‬
‫احلظر املفرو�ض‪� ،‬أو ب�سبب اخلوف على النف�س �أو اخلوف على الآخرين؛ خ�شية‬
‫انت�شار الفريو�س ف�إن ذلك الواجب ي�سقط عنه‪ ،‬وال ي�أثم(((؛ لعدم ا�ستطاعته �أداء‬
‫الواجب عليه‪ ،‬وقد دلت القاعدة على �أن الواجبات ال�شرعية معلقة باال�ستطاعة‪.‬‬
‫‪2.2‬ترك زيارة الوالدين يف فرتة احلظر املفرو�ض ب�سبب جائحة كورونا‪ :‬من‬
‫الواجبات ال�شرعية على املكلف الرب بوالديه والإح�سان �إليهما‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الإ�سراء‪ ،]23 :‬ومن �أنواع الرب‬
‫بهما زيارتهما وتفقد �أحوالهما‪ ،‬ف�إذا تعذر على املرء زيارة والديه فرتة‬
‫احلظر ف�إنه غري م�ؤاخذ بذلك(((؛ لأن الواجبات ال�شرعية معلقة باال�ستطاعة‪،‬‬
‫لكن يتعني عليه و�صلهما واالطمئنان عليهما بالطرق الأخرى؛ لأن املي�سور ال‬
‫ي�سقط باملع�سور(((‪.‬‬
‫‪3.3‬اعتداد املر�أة يف غري بيتها الذي مات زوجها وهي ت�سكن فيه‪ :‬اختلف الفقهاء‬
‫يف وجوب اعتداد املر�أة يف بيتها التي ت�سكنه حني وفاة زوجها(((‪ ،‬واجلمهور‬
‫هو‪� :‬أبو بكر بن م�سعود بن �أحمد الكا�ساين احلنفي‪� ،‬أحد �أبرز علماء املذهب احلنفي‪ ،‬برع يف الأ�صول‬ ‫(((‬
‫والفروع‪ ،‬و�ألف كتاب بدائع ال�صنائع‪ ،‬تويف �سنة ‪578‬ه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اجلواهر امل�ضية ‪ ،244/2‬تاج الرتاجم �ص‪.329‬‬
‫بدائع ال�صنائع ‪.155/1‬‬ ‫(((‬
‫املغني ‪.130/2‬‬ ‫(((‬
‫وقد �أ�صدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (‪ )247‬املت�ضمن م�شروعية �إيقاف اجلمعة واجلماعة يف‬ ‫(((‬
‫مثل هذه اجلائحة‪ ،‬و�أن من منعه العذر عن �شهودهما ف�إن �أجره تام‪ .‬انظر‪ :‬بيان الهيئة على املوقع‪:‬‬
‫‪https://www.spa.gov.sa/2048662‬‬
‫انظر‪ :‬فتوى اجلنة الدائمة للفتوى على املوقع‪https://twitter.com/aliftasa/status/126575743 :‬‬ ‫(((‬
‫‪8868946945‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنثور يف القواعد الفقهية ‪ ،198/3‬مو�سوعة القواعد الفقهية ‪.1155/11‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط ‪ ،32/6‬املغني ‪.159-158/8‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪28‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫على وجوب ذلك(((؛ لقوله ﷺ‪« :‬امكثي يف بيتك حتى يبلغ الكتاب �أجله»(((‪،‬‬
‫وعلى ذلك ف�إن تعذر عليها االعتداد يف بيتها ب�سبب احلظر املفرو�ض فال‬
‫م�ؤاخذة عليها(((‪ ،‬ويتعني عليها االعتداد يف بيتها متى ما �أتيح لها ذلك(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫(((‬
‫ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب‬

‫هذه القاعدة من القواعد التي �أطال الأ�صوليون احلديث فيها‪ ،‬واخلالف فيها‬
‫بينهم خالف كبري حتى �إن الآمدي (ت‪631 :‬هـ) و�صفها ب�أنها م�س�ألة وعرة(((‪ ،‬وقبل‬
‫ذكر �أقوال الأ�صوليني فيها‪� ،‬أ�شري �إلى حترير حمل اخلالف فيها‪ ،‬ذلك �أن ما ال يتم‬
‫الواجب �إال به ينق�سم �إلى ق�سمني(((‪:‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإ�شراف ‪ ،796/2‬املغني ‪� ،158/8‬إعانة الطالبني ‪.54/4‬‬
‫((( �أخرجه الرتمذي ومالك و�أحمد والبيهقي والطرباين‪.‬‬
‫انظر‪� :‬سنن الرتمذي �أبواب الطالق واللعان باب ماجاء �أين تعتد املتوفى عنها زوجها احلديث رقم‬
‫(‪ ،500/3 )1204‬املوط�أ كتاب الطالق باب مقام املتوفى عنها زوجها‪..‬احلديث رقم ‪،591/2 )087‬‬
‫م�سند الإمام �أحمد احلديث رقم (‪ ،2845 )277087‬ال�سنن الكربى للبيهقي كتاب العدد باب �سكنى‬
‫املتوفى عنها زوجها احلديث رقم (‪ ،712/7 )15497‬املعجم الكبري للطرباين احلديث رقم (‪)1077‬‬
‫‪.440/24‬‬
‫واحلديث اختلف يف ت�صحيحه وت�ضعيفه‪ ،‬فممن �صححه الرتمذي وابن امللقن و�شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬قال‬
‫الرتمذي (‪“ :)500/3‬هذا حديث ح�سن �صحيح والعمل على هذا احلديث عند �أكرث اهل العلم”‪.‬‬
‫و�ضعفه الألباين يف الإرواء‪ .‬انظر‪ :‬البدر املنري ‪� ،243/8‬سنن ابن ماجه بتحقيق �شعيب الأرن�ؤوط‬
‫‪� ،191/3‬إرواء الغليل ‪.206/7‬‬
‫((( كما لو كانت يف �سفر وتعذر عليها الرجوع لبيتها ب�سبب احلظر‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬دليل امل�سلم الفقهي على املوقع الإلكرتوين ‪http://makkah.org.sa/nawazel/ar/‬‬
‫((( انظر‪ :‬العدة ‪ ،419/2‬امل�سودة �ص‪ ،60‬البحر املحيط ‪.296/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام ‪.111/1‬‬
‫((( من الأ�صوليني من �سلك طري ًقا �آخر يف حترير حمل النزاع يف امل�س�ألة‪ ،‬وذكر �أن مقدمة الواجب تنق�سم‬
‫�إلى ق�سمني‪ -1 :‬مقدمة الوجوب �أو ماال يتم الوجب �إال به‪ -2 .‬مقدمة الوجود �أو ما ال يتم الواجب �إال به‪.‬‬
‫وهذه الطريقة ‪-‬و�إن كانت �أعم مما ذكرته �أعاله‪ -‬لكن عنونة امل�س�ألة مبا ال يتم الواجب �إال به يجعل‬
‫حترير حمل النزاع على النحو املذكور �أقرب‪ ،‬واهلل �أعلم‪ .‬انظر‪ :‬امل�سودة �ص‪.61‬‬

‫‪29‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪1.1‬ما هو خارج عن قدرة املكلف واختياره‪ ،‬كاليد للكتابة‪ ،‬فهذا ال يو�صف‬


‫بالوجوب(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ما هو حتت قدرة املكلف ومتعلق باختياره‪ ،‬كغ�سل جزء من الر�أ�س مع الوجه‬
‫ليتحقق غ�سل جميعه‪ ،‬فهذا هو حمل اخلالف �إذا كان مطل ًقا مل يقيد(((‪.‬‬
‫�إذا تقرر ما �سبق ف�إن الأ�صوليني اختلفوا يف وجوب ما ال يتم الواجب �إال به على‬
‫�أقوال‪� ،‬أ�شهرها ما يلي‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ما ال يتم الواجب �إال به واجب مطلقا(((‪.‬‬
‫هذا هو مذهب احلنفية(((‪ ،‬وقول �أكرث ال�شافعية(((‪ ،‬وال�صحيح من مذهب‬
‫احلنابلة(((‪ ،‬واختاره ابو احل�سني الب�صري (ت‪436 :‬هـ)(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ما ال يتم الواجب �إال به لي�س بواجب مطل ًقا‪.‬‬
‫هذا القول ن�سبه ابن ال�سمعاين (ت‪489 :‬هـ) �إلى ال�شافعية(((‪ ،‬والذي يظهر �أن‬
‫هذا الإطالق حمل نظر؛ ملا �سبق يف القول الأول‪ ،‬وهو من�سوب �إلى املعتزلة(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬إن كانت مقدمة الواجب ً‬
‫�شرطا �شرع ًيا وجبت و�إال فال‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا القول بع�ض ال�شافعية(‪.((1‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى �ص‪ ،57‬امل�سودة �ص‪.60‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى �ص‪ ،57‬رو�ضة الناظر ‪.118/1‬‬
‫((( �أي �سواء �أكان ً‬
‫�شرطا �أم �سب ًبا‪ ،‬و�سواء كان كل واحد منهما �شرع ًيا �أو عقل ًيا �أو عاد ًيا‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬التقرير والتحبري ‪ ،137/2‬تي�سري التحرير ‪.371/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى �ص‪ ،57‬التمهيد للإ�سنوي ‪ ،83‬التحبري �شرح التحرير ‪.925/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬رو�ضة الناظر ‪ ،118/1‬التحبري �شرح التحرير ‪.925/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املعتمد ‪.95/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬قواطع الأدلة ‪.100/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر املحيط ‪ ،300/1‬التحبري �شرح التحرير ‪.925/2‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬الفائق ‪ ،145/1‬البحر املحيط ‪.301/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪30‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫وقد دل على �أن ما اليتم الواجب �إال به فهو واجب ما يلي‪:‬‬


‫‪1.1‬ما ذكره الآمدي (ت‪631 :‬هـ) من �أن الإجماع منعقد على وجوب حت�صيل‬
‫ما �أوجبه ال�شارع على املكلفني‪ ،‬وحت�صيله �إمنا يكون بالإتيان بالأمور التي ال‬
‫يتم �إال بها(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن القول بعدم وجوب ما ال يتم الواجب �إال به يلزم منه القول بعدم وجوب‬
‫الواجب‪ ،‬وهذا باطل(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة(((‪:‬‬
‫‪1.1‬تعاطي الدواء والتطعيمات �ضد فريو�س كورونا‪ :‬من مقا�صد ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية احلفاظ على النف�س ورعايتها(((‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء‪ ،]29 :‬وعليه فمن �أ�صيب بفريو�س كورونا‬
‫امل�ستجد ووجد من الأدوية �أو التطعيمات ما يغلب على الظن �أنها �سبب‬
‫لل�شفاء وجب عليه ا�ستعمالها(((؛ لأن حفظ النف�س واجب‪ ،‬وما ال يتم الواجب‬
‫�إال به فهو واجب‪.‬‬
‫‪2.2‬يتعني على �أ�صحاب القرار منع االجتماعات التي يغلب على الظن �أن تكون‬
‫م�صد ًرا النتقال فريو�س كورونا(((؛ لأن هذا ي�ؤدي �إلى حفظ النفو�س‪ ،‬وحفظ‬
‫النف�س واجب‪ ،‬فكان ذلك واج ًبا‪.‬‬
‫‪3.3‬عزل املري�ض بفريو�س كورونا الذي يخ�شى من نقله للعدوى؛ لأن هذا من‬
‫انظر‪ :‬الإحكام ‪.111/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اللمع �ص‪ ،18‬ما ال يتم الواجب �إال به �ص‪( 162‬ر�سالة ما ج�ستري)‪.‬‬ ‫(((‬
‫هذه القاعدة لها ت�أثري يف عدد من الأحكام الفقهية املتعلقة بجائحة كورونا‪ ،‬وبع�ض تلك الأحكام �سريد‬ ‫(((‬
‫يف قواعد �أخر‪ ،‬ولذا �س�أكتفي ب�إيراد بع�ض منها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬امل�ست�صفى �ص‪ ،174‬الإحكام ‪.274/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬دورة الأحكام الفقهية على الرابط ‪https://www.youtube.com/watch?v=xuJXnwt3sHs‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬دورة الأحكام الفقهية على الرابط ‪https://www.youtube.com/watch?v=xuJXnwt3sHs‬‬ ‫(((‬

‫‪31‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫طرق املحافظة على �أرواح النا�س(((‪ ،‬و�إذا كانت املحافظة على النفو�س‬
‫واجبة‪ ،‬فما كان طريقا �إلى ذلك فهو واجب‪.‬‬
‫‪4.4‬التقيد بالتعليمات امللزمة ال�صادرة من اجلهات املخت�صة يف الدولة كاحلظر‬
‫وغريه؛ لأن فيها ً‬
‫حفظا للنف�س‪ ،‬والتفريط يف االلتزام بهذه التعليمات ينتج‬
‫عنه خماطر على نف�س املفرط وغريه(((‪ ،‬واملحافظة على النف�س واجبة‪ ،‬فما‬
‫�أدى �إلى ذلك يكون واج ًبا‪.‬‬
‫‪5.5‬توفري الرعاية ال�صحية ملر�ضى فريو�س كورونا‪ ،‬فيجب على الدول توفري‬
‫الرعاية ال�صحية‪ ،‬وما يحتاجه مر�ضى كورونا من �أجهزة �أو �أدوية؛ لأن ذلك‬
‫ي�سهم يف املحافظة على النفو�س‪ ،‬فيكون واج ًبا(((‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫(((‬
‫املكروه يباح عند احلاجة‬

‫املكروه((( من �أق�سام احلكم التكليفي‪ ،‬وقد ُع ِّرف بتعريفات متعددة‪ ،‬ومما قيل يف‬
‫ذلك �أنه‪“ :‬ما تركه خري من فعله»(((‪ ،‬وقيل‪“ :‬ما نهي عنه نهي تنزيه»(((‪ ،‬وقيل‪ " :‬ما‬
‫طلب ال�شارع تركه طل ًبا غري جازم”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد ) التي عقدها جممع الفقه الإ�سالمي‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬
‫انظر‪ :‬تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على الرابط ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على الرابط ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪ ،312/21‬منظومة �أ�صول الفقه وقواعده �ص‪.79‬‬ ‫(((‬
‫املكروه قد يطلق على احلرام وعلى خالف الأولى‪ ،‬لال�ستزادة‪� :‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪ ،237/1‬حتفة‬ ‫(((‬
‫امل�س�ؤول ‪،80/2‬‬
‫رو�ضة الناظر ‪.137/1‬‬ ‫(((‬
‫التحقيق والبيان ‪.849/1‬‬ ‫(((‬
‫الوجيز يف �أ�صول الفقه الإ�سالمي ‪.300/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪32‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫واملكروه عند جمهور الأ�صوليني يقابله عند احلنفية‪ :‬املكروه تنزي ًها؛ ذلك �أن‬
‫احلنفية ق�سموا املكروه �إلى ق�سمني(((‪:‬‬
‫جازما بدليل ظني‪.‬‬
‫‪1.1‬مكروه حتر ًميا‪ ،‬وعنوا به‪ :‬ما طلب ال�شارع تركه طل ًبا ً‬
‫‪2.2‬مكروه تنزي ًها‪ ،‬وهو ما يقابل املكروه عند اجلمهور‪.‬‬
‫واملكروه بناء على ما �سبق مطلوب الرتك‪ ،‬و�إن كان ذلك الطلب طل ًبا غري جازم‪،‬‬
‫فاملكروه يرتجح تركه على فعله‪ ،‬ويثاب املكلف على تركه و�إن مل يعاقب على فعله(((‪.‬‬
‫وملا كان حكم املكروه كما تبني �ساب ًقا‪ ،‬ف�إن هذه القاعدة دلت على �أن الكراهة‬
‫تزول مع احلاجة‪ ،‬فاحلاجة �إلى الفعل تنقل حكمه من الكراهة �إلى الإباحة‪ ،‬قال‬
‫�شيخ الإ�سالم (ت‪728 :‬هـ)‪“ :‬كل ما كره ا�ستعماله مع اجلواز ف�إنه باحلاجة �إليه‪...‬‬
‫ال يبقى مكروهً ا”(((‪.‬‬
‫وميكن �أن ي�ست�أن�س لهذه القاعدة بالأدلة الدالة على التي�سري ورفع احلرج‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة‪ ،]185 :‬وقوله‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [املائدة‪.]6 :‬‬
‫واكتفي باحلاجة يف زوال الكراهة دون ال�ضرورة؛ “لأن درجة املكروه دون درجة‬
‫املحرم‪ ،‬املحرم منهي عنه على �سبيل الإلزام بالرتك‪ ،‬وي�ستحق فاعله العقوبة‪ ،‬واملكروه‬
‫منهي عنه على �سبيل الأولوية‪ ،‬وال ي�ستحق فاعله العقاب‪ ،‬ولهذا يباح عند احلاجة”(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫‪1.1‬لب�س الكمامة((( يف ال�صالة‪ :‬ن�ص الفقهاء على كراهية تغطية الفم يف‬
‫انظر‪� :‬شرح التلويح على التو�ضيح ‪ ،252/2‬فتح القدير ‪ ،303/2‬التقرير والتحبري ‪ ،80/2‬تي�سري‬ ‫(((‬
‫التحرير ‪ ،225/2‬الوجيز يف �أ�صول الفقه الإ�سالمي ‪.301/1‬‬
‫انظر‪� :‬شرح خمت�صر الرو�ضة ‪ ،383/1‬الأجنم الزاهرات �ص‪.93‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى ‪.312/21‬‬ ‫(((‬
‫منظومة �أ�صول الفقه وقواعده �ص‪.79‬‬ ‫(((‬
‫الكمامة هي ما يو�ضع على الفم والأنف للحماية انظر‪ :‬املعجم الو�سيط ‪ ،799/2‬معجم اللغة العربية‬ ‫(((‬
‫املعا�صرة ‪.1960/3‬‬

‫‪33‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫ال�س ْدل(((‪ ،‬و�أن يغطي الرجل‬


‫ال�صالة؛ ملا ورد (�أن ر�سول اهلل ﷺ نهى عن َّ‬
‫فاه)(((‪ ،‬جاء يف بدائع ال�صنائع(((‪“ :‬ويكره �أن يغطي فاه يف ال�صالة؛‬
‫لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك؛ ولأن يف التغطية منعا من القراءة والأذكار‬
‫امل�شروعة”‪.‬‬
‫لكن �إذا خ�شي امل�صلي((( انتقال العدوى �إليه زالت تلك الكراهة للحاجة‪،‬‬
‫وجاز للم�صلي لب�س الكمامة �أو تغطية الفم والأنف باللثام �أو غريه(((؛ لأن‬
‫الكراهة تزول باحلاجة‪.‬‬
‫‪2.2‬التباعد بني امل�صلني يف ال�صف الواحد‪ :‬ت�سن ت�سوية ال�صفوف يف ال�صالة‪،‬‬
‫جاء يف الفواكه الدواين(((‪“ :‬مما ي�ستحب يف ال�صالة �أي�ضا ت�سوية ال�صفوف‬
‫وات�صالها‪ ،‬ويكره عدم ت�سويتها �أو تقطيعها”‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن دقيق العيد (ت‪702 :‬هـ)((( �أن ت�سوية ال�صفوف ت�شمل �سد‬
‫((( ال�سدل‪�“ :‬أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل‪ ،‬فريكع وي�سجد وهو كذلك”‪ ،‬النهاية يف غريب‬
‫احلديث والأثر ‪355 /2‬‬
‫((( �أخرجه بهذا اللفظ‪� :‬أبوداود وابن خزمية‪ ،‬وبنحوه �أخرجه ابن ماجه‪.‬‬
‫انظر‪� :‬سنن �أبي داود كتاب ال�صالة باب ال�سدل يف ال�صالة حديث رقم (‪� ،480/1 )643‬صحيح ابن‬
‫خزمية كتاب ال�صالة باب النهي عن تغطية الفم يف ال�صالة‪ ..‬حديث رقم (‪� ،60/2 )918‬سنن ابن‬
‫ماجه �أبواب �إقامة ال�صالة وال�سنن فيها باب ما يكره يف ال�صالة حديث رقم (‪.112/2 )966‬‬
‫واحلديث يف �سنده احل�سن بن ذكوان �ضعفه ابن معني و�أبو حامت‪ ،‬لكن �أخرج له البخاري يف �صحيحه‪،‬‬
‫وذكر ابن عدي �أنه ال ب�أ�س به‪ ،‬وح�سن الألباين �إ�سناد احلديث وذكر �أنه على �شرط البخاري‪ ،‬و�أن حديث‬
‫احل�سن بن ذكوان ال ينزل عن رتبة احل�سن‪ .‬انظر‪ :‬ن�صب الراية ‪� ،96/2‬صحيح �أبي داود ‪.209/3‬‬
‫((( ‪ .216/1‬وانظر‪ :‬املب�سوط ‪ ،31/1‬املغني ‪ ،419/1‬الفواكه الدواين ‪.216/1‬‬
‫((( هذا الفرع يتعلق بال�شخ�ص ال�سليم �إذا خ�شي العدوى‪� ،‬أما �إن كان امل�صلي م�صابا فالأظهر هنا �أنه‬
‫يتعني عليه عدم احل�ضور للم�سجد لئال يت�سبب بنقل العدوى �إلى غريه‪.‬‬
‫((( وقد افتت بذلك اللجنة الدائمة للفتوى‪،‬‬
‫انظر املوقع الإلكرتوين‪https://twitter.com/tpcv_ssa?lang=ar :‬‬
‫((( ‪ .211/1‬وانظر‪ :‬املغني ‪� ،333/1‬إعانة الطالبني ‪.28/2‬‬
‫((( هو‪ :‬تقي الدين حممد بن علي بن وهب الق�شريي‪ ،‬املعروف بابن دقيق العيد‪ ،‬من علماء ال�شافعية‪،‬‬
‫وممن بلغ رتبة االجتهاد املطلق‪ ،‬جمع كث ًريا من العلوم‪ ،‬ومن �أبرز م�ؤلفاته‪� :‬إحكام الأحكام‪ ،‬واالقرتاح‪،‬‬
‫تويف �سنة (‪702‬هـ)‪=.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪34‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫ال ُف َرج فقال‪“ :‬ت�سوية ال�صفوف‪ :‬اعتدال القائمني بها على �سمت واحد‪ ،‬وقد‬
‫تدل ت�سويتها �أي�ضا على �سد ال ُف َرج فيها‪ ،‬بناء على الت�سوية املعنوية‪ .‬واالتفاق‬
‫على �أن ت�سويتها باملعنى الأول والثاين �أمر مطلوب”(((‪.‬‬
‫لكن كراهة وجود ُفرج بني امل�صلني تزول عند وجود احلاجة �إليها كاخلوف‬
‫من انتقال العدوى(((‪ ،‬وهذا ما دلت عليه القاعدة‪.‬‬
‫‪3.3‬ال�صالة بني �سواري امل�سجد‪ :‬تكره ال�صالة بني ال�سواري �إذا قطعت ال�صفوف‬
‫قال ابن قدامة (ت‪620 :‬هـ)‪“ :‬وال يكره للإمام �أن يقف بني ال�سواري‪ ،‬ويكره‬
‫للم�أمومني لأنها تقطع �صفوفهم”(((‪.‬‬
‫لكن �إذا احتاج امل�صلون لذلك ب�سبب التباعد و�ضيق م�ساحة امل�سجد زالت‬
‫الكراهة‪ ،‬جاء يف الإقناع(((‪“ :‬يكره للم�أمومني الوقوف بني ال�سواري �إذا‬
‫قطعت �صفوفهم عرفا بال حاجة”‪.‬‬

‫املطلب اخلام�س‬
‫(((‬
‫�إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب‬

‫هذه القاعدة من القواعد التي انفرد بذكرها ‪-‬فيما �أعلم‪ -‬ال�شاطبي (ت‪:‬‬
‫‪790‬هـ) حيث قال‪�“ :‬إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب‪ ،‬ق�صد ذلك امل�سبب �أو ال؛‬
‫لأنه ملا جعل م�سبب عنه يف جمرى العادات؛ عد ك�أنه فاعل له مبا�شرة”(((‪.‬‬
‫= انظر‪ :‬طبقات ال�شافعية الكربى لل�سبكي ‪ ،207/9‬طبقات احلفاظ �ص‪.516‬‬
‫((( �إحكام الأحكام ‪.217/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتوى جلنة الفتوى مبجمع البحوث الإ�سالمية التابع للأزهر على املوقع‪:‬‬
‫‪http://gate.ahram.org.eg/News/2432688.aspx‬‬
‫املغني ‪ .161/2‬وانظر‪� :‬شرح التلقني ‪ ،703/1‬الرو�ض املربع �ص‪.139‬‬ ‫(((‬
‫‪.174/1‬‬ ‫(((‬
‫املوافقات ‪.335/1‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪35‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫فاملكلف �إذا �أوقع ال�سبب كان ذلك منه مبنزلة �إيقاع امل�سبب‪� ،‬سواء �أق�صد املكلف‬
‫ذلك امل�سبب �أم مل يق�صده(((‪ ،‬وقد دلل ال�شاطبي على هذه القاعدة بقوله‪“ :‬وي�شهد‬
‫لهذا قاعدة جماري العادات؛ �إذ �أجري فيها ن�سبة امل�سببات �إلى �أ�سبابها‪ ،‬كن�سبة‬
‫ال�شبع �إلى الطعام‪ ،‬والإرواء �إلى املاء‪ ،‬والإحراق �إلى النار”(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫من تعمد نقل فريو�س كورونا لغريه عن طريق الب�صق على الب�ضائع �أو نحوها‪،‬‬
‫فانتقلت العدوى‪ ،‬وكانت �سب ًبا يف وفاة من �أ�صيب بالعدوى‪ ،‬ف�إن ناقل العدوى يتحمل‬
‫�شرعا؛ لأن �إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب‪.‬‬
‫تبعة ذلك ً‬

‫((( انظر‪ :‬ال�سبب عند الأ�صوليني ‪ ،222/2‬قواعد و�ضوابط �أ�صولية �صالح عبدالكرمي على املوقع الإلكرتوين‪:‬‬
‫‪https: //www.youtube.com/watch?v=hSjQ_7fLdi8‬‬
‫((( املوافقات ‪.335/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪36‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫املبحث الثاين‬
‫القواعد الأ�صولية املتعلقة بالأدلة‬

‫وفيه �ستة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫(((‬
‫�سنة النبي ﷺ حجة ت�ستقل بالت�شريع‬

‫تعد �سنة النبي ﷺ امل�صدر الثاين من م�صادر الت�شريع بعد القر�آن الكرمي‪ ،‬و�سنة‬
‫النبي ﷺ هي‪« :‬ما �صدر عن النبي ﷺ من غري القر�آن من قول �أو فعل �أو تقرير»(((‪.‬‬
‫وامل�سلمون جممعون على حجية ما ثبت من �سنة النبي ﷺ قال ابن تيمية (ت‪:‬‬
‫‪828‬هـ)‪“ :‬وهذه ال�سنة �إذا ثبتت ف�إن امل�سلمني كلهم متفقون على وجوب اتباعها”(((‪،‬‬
‫وقال ال�شوكاين‪“ :‬اعلم �أنه قد اتفق من يعتد به من �أهل العلم على �أن ال�سنة املطهرة‬
‫م�ستقلة بت�شريع الأحكام و�أنها كالقر�آن يف حتليل احلالل وحترمي احلرام”(((‪.‬‬
‫و�أما كونها ت�ستقل بالت�شريع فعامة �أهل العلم قد ًميا وحدي ًثا على ذلك‪� ،‬إال ما‬
‫ذهب �إليه ال�شاطبي (ت‪790 :‬هـ) من �أن ال�سنة ال ت�ستقل بالت�شريع(((‪ ،‬والواقع �أن‬
‫ال�شاطبي ال ينكر �أن ال�سنة قد ت�أتي ب�أحكام مل ترد بن�صها يف القر�آن الكرمي‪ ،‬لكنه‬
‫يرى �أنها داخلة حتت ن�صو�صه بوجه من الوجوه‪ ،‬وبالتايل �آل اخلالف بني الفريقني‬
‫((( انظر‪ :‬رو�ضة الناظر ‪� ،273/1‬إر�شاد الفحول ‪ ،96/1‬املدخل �إلى مذهب الإمام �أحمد �ص‪200‬‬
‫((( �إر�شاد الفحول ‪ .95/1‬وهذا التعريف عند الأ�صوليني‪� ،‬أما تعريف ال�سنة عند املحدثني فهو‪ :‬ما �أ�ضيف �إلى‬
‫النبي ﷺ من قول او فعل �أو تقرير �أو �صفة‪ .‬انظر‪� :‬شرح نخبة الفكر �ص‪ ،156‬حجية ال�سنة النبوية �ص‪.91‬‬
‫((( جمموع الفتاوى ‪.85/19‬‬
‫((( �إر�شاد الفحول ‪ .96/1‬وانظر‪ :‬التقرير والتحبري ‪.225/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات ‪.316-314/4‬‬

‫‪37‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫�إلى كونه لفظ ًيا(((‪ ،‬قال ال�شاطبي‪“ :‬فال جتد يف ال�سنة �أم ًرا �إال والقر�آن قد دل على‬
‫معناه داللة �إجمالية �أو تف�صيلية”(((‪.‬‬
‫ومن الأدلة الدالة على حجية ال�سنة وا�ستقاللها بالت�شريع‪:‬‬
‫(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫‪1.1‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ﮘ) [النور‪ ،]63 :‬حيث توعد اهلل تعالى من خالف �أمر النبي ﷺ فدل ذلك‬
‫على وجوب العمل مبا �صدر عنه ﷺ(((‪.‬‬
‫‪2.2‬قوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الن�ساء‪ ،]80 :‬حيث جعل طاعة‬
‫الر�سول ﷺ من طاعته ‪ ،‬فدل على وجوب طاعته واالمتثال لأمره(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬إجماع �أهل العلم حيث �أجمع �أهل العلم املعتربين على �أن ال�سنة الثابتة عن‬
‫النبي ﷺ حجة ت�ستقل بت�شريع الأحكام‪ ،‬قال ال�شافعي (ت‪204 :‬هـ)‪“ :‬مل �أ�سمع‬
‫�أحدا ن�سبه النا�س �أو ن�سب نف�سه �إلى علم يخالف يف �أن فر�ض اهلل ‪ ‬اتباع‬
‫�أمر ر�سول اهلل والت�سليم حلكمه ب�أن اهلل ‪ ‬مل يجعل لأحد بعده �إال اتباعه‪،‬‬
‫و�أنه ال يلزم قول بكل حال �إال بكتاب اهلل �أو �سنة ر�سوله‪ ،‬و�أن ما �سواهما تبع‬
‫لهما‪ ،‬و�أن فر�ض اهلل علينا وعلى من بعدنا وقبلنا يف قبول اخلرب عن ر�سول اهلل‬
‫واحد ال يختلف يف �أن الفر�ض والواجب قبول اخلرب عن ر�سول اهلل ﷺ”(((‪.‬‬
‫وقال ال�شوكاين (ت‪1250 :‬هـ)‪“ :‬اعلم �أنه قد اتفق من يعتد به من �أهل العلم‬
‫على �أن ال�سنة املطهرة م�ستقلة بت�شريع الأحكام و�أنها كالقر�آن يف حتليل احلالل‬
‫وحترمي احلرام”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�سنة ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي �ص‪� ،420‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص‪.116‬‬
‫((( املوافقات ‪.316/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�سنة ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي �ص‪ ،417‬معامل �أ�صول الفقه عند �أهل ال�سنة واجلماعة �ص‪.124‬‬
‫((( انظر‪ :‬الر�سالة �ص‪� ،93‬إر�شاد الفحول ‪.97/1‬‬
‫((( جماع العلم �ص‪.3‬‬
‫((( �إر�شاد الفحول ‪.96/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪38‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة(((‪:‬‬


‫‪1.1‬عدم �إر�ضاع((( الأم امل�صابة بفريو�س كورونا لطفلها‪� :‬إذا ثبتت �إ�صابة الأم‬
‫بالفريو�س‪ ،‬وغلب على الظن انتقال املر�ض �إلى ر�ضيعها ف�إنه يتعني عليها‬
‫عدم �إر�ضاعه ر�ضاعة طبيعية من ثديها(((؛ لقوله ﷺ‪« :‬ال يوردن ممر�ض‬
‫على م�صح»(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ال�صالة جماعة يف البيوت عند تعذر �إقامتها يف امل�ساجد(((‪� :‬إذا عطلت‬
‫ال�صلوات يف امل�ساجد ب�سبب اخلوف من انت�شار فريو�س كورونا ف�إنه ي�شرع‬
‫لأ�صحاب البيوت �إقامتها يف بيوتهم جماعة مع �أهليهم(((؛ ملا ثبت يف احلديث‪:‬‬
‫«فقام ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬و�صففت واليتيم وراءه‪ ،‬والعجوز من ورائنا‪ ،‬ف�صلى لنا‬
‫ر�سول اهلل ﷺ ركعتني‪ ،‬ثم ان�صرف»(((‪.‬‬
‫‪3.3‬تعطيل ال�صالة يف امل�ساجد خ�شية انت�شار الفريو�س‪� :‬سبق �أن تقرر �أن �صالة‬
‫اجلمعة واجبة على املكلف الذكر ب�شروطها‪ ،‬و�أن �صالة اجلماعة واجبة عند كثري‬
‫من �سلف هذه الأمة‪ ،‬ف�إذا كان احل�ضور للم�ساجد مظنة انتقال العدوى بالفريو�س‬
‫بني امل�صلني وغلب على الظن ذلك‪ ،‬ف�إنه ي�شرع تعطيل احل�ضور �إلى امل�ساجد‬
‫((( هذه القاعدة ‪�-‬أي�ضً ا‪ -‬من القواعد التي لها ت�أثري يف عدد من الأحكام الفقهية املتعلقة بجائحة كورونا‪،‬‬
‫وبع�ض تلك الأحكام �سريد يف قواعد �أخر‪ ،‬ولذا �س�أكتفي ب�إيراد بع�ض منها‪.‬‬
‫((( جاء يف تبيني احلقائق (‪ )181/2‬الر�ضاع هو‪“ :‬هو م�ص الر�ضيع من ثدي الآدمية يف وقت خم�صو�ص»‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬دليل امل�سلم الفقهي على املوقع الإلكرتوين ‪http://makkah.org.sa/nawazel/ar/‬‬
‫((( �أخرجه البخاري وم�سلم‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫انظر‪� :‬صحيح البخاري كتاب الطب باب ال هامة احلديث رقم (‪� ،138/7 )5771‬صحيح م�سلم كتاب‬
‫ال�سالم باب ال عدوى وال طرية‪..‬احلديث رقم (‪.1743/4 )2221‬‬
‫((( انظر‪ :‬دليل امل�سلم الفقهي على املوقع الإلكرتوين ‪http://makkah.org.sa/nawazel/ar/‬‬
‫((( انظر‪ :‬تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على املوقع‪:‬‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬
‫((( �أخرجه البخاري وم�سلم‪.‬‬
‫انظر‪� :‬صحيح البخاري كتاب ال�صالة باب ال�صالة على احل�صري حديث رقم (‪� ،86/1 )380‬صحيح‬
‫م�سلم كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة حديث رقم (‪.457/1 )658‬‬

‫‪39‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫م�ؤق ًتا(((؛ لعموم الأحاديث الدالة على وجوب االحرتاز كقوله ﷺ‪« :‬ال يوردن‬
‫ممر�ض على م�صح»(((‪ ،‬وقوله ﷺ‪« :‬وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد»(((‪.‬‬
‫‪4.4‬فر�ض الغرامات املالية على من يخالف الإجراءات االحرتازية(((‪ :‬يعد فر�ض‬
‫الغرامات على من يخالف الإجراءات االحرتازية ملر�ض فريو�س كورونا من‬
‫قبيل التعزير باملال‪ ،‬والتعزير باملال جائز عند بع�ض �أهل العلم‪ ،‬قال ابن تيمية‬
‫(ت‪728 :‬هـ)‪“ :‬التعزير بالعقوبات املالية م�شروع �أي�ضا يف موا�ضع خم�صو�صة‬
‫يف مذهب مالك يف امل�شهور عنه؛ ومذهب �أحمد يف موا�ضع بال نزاع عنه”(((‪.‬‬
‫وقد دل على جواز ذلك قوله ﷺ‪»:‬يف كل �أربعني من الإبل ال�سائمة ابنة لبون‪،‬‬
‫من �أعطاها م�ؤجترا فله �أجرها ومن كتمها ف�إنا �آخذوها و�شطر �إبله عزمية‬
‫من عزمات ربك‪ ،‬ال يحل ملحمد وال لآل حممد»(((‪ ،‬حيث دل احلديث على �أنه‬
‫يجوز لويل الأمر ان يعاقب ب�أخذ املال(((‪.‬‬
‫‪�5.5‬إنهاء العقود التي ال ميكن تنفيذها ب�سبب جائحة كورونا ويتعذر ت�أجيلها‪:‬‬
‫فريو�س كورونا يعد جائحة من اجلوائح قد يتعذر معها الوفاء ببع�ض العقود‬
‫كعقود ال�سفر وعقود ت�أجري املنافع‪ ،‬ف�إذا تعذر ا�ستيفاء العقد ملثل هذا الظرف‬
‫الطارئ انف�سخ العقد و�سقطت الأجرة(((؛ لعموم قوله ﷺ‪« :‬فبم ي�ستحل‬
‫انظر‪ :‬قرار هيئة كبار العلماء على املوقع ‪https://www.spa.gov.sa/2048662‬‬ ‫(((‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري‪ .‬انظر‪� :‬صحيح البخاري كتاب الطب باب اجلذام احلديث رقم (‪.126/7 )5707‬‬
‫((( انظر‪ :‬دليل امل�سلم الفقهي على املوقع الإلكرتوين ‪http://makkah.org.sa/nawazel/ar/‬‬
‫((( احل�سبة �ص‪ .348‬وانظر‪ :‬الإقناع ‪.270/4‬‬
‫((( �أخرجه بهذا اللفظ البيهقي‪ ،‬وبنحوه �أبو داود والن�سائي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ال�سنن الكربى للبيهقي كتاب الزكاة باب ما ورد فيمن كتمه‪ ،‬احلديث رقم (‪،176/4 )7328‬‬
‫�سنن �أبي داود كتاب الزكاة باب يف زكاة ال�سائمة احلديث رقم (‪ ،26/3 )1575‬ال�سنن ال�صغرى‬
‫للن�سائي كتاب الزكاة باب عقوبة مانع الزكاة احلديث رقم (‪.15/5 )2444‬‬
‫قال ابن امللقن يف خال�صة البدر املنري (‪“ :)296/1‬ال �أعلم له علة غري بهز‪ ،‬واجلمهور على توثيقه”‪.‬‬
‫واحلديث �صحح �إ�سناده احلاكم وح�سنه الألباين‪ .‬انظر‪ :‬امل�ستدرك ‪� ،554/1‬إرواء الغليل ‪.264/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬نيل الأوطار ‪.146/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقال الدكتور خالد الذيابي على املوقع الإلكرتوين ‪= https://sabq.org/Bq8HXR‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪40‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫�أحدكم مال �أخيه»(((‪ ،‬جاء يف جمموع الفتاوى(((‪“ :‬وال خالف بني الأمة �أن‬
‫تعطل املنفعة ب�أمر �سماوي يوجب �سقوط الأجرة �أو نق�صها �أو الف�سخ”‪.‬‬
‫‪6.6‬املنع من احتكار بع�ض ال�سلع التي يحتاجها النا�س يف مثل �أزمة كورونا �سواء‬
‫�أكانت �سل ًعا غذائية �أم طبية �أم غريها(((‪ :‬فاالحتكار هو حب�س ال�سلع ترب�صً ا‬
‫للغالء(((‪ ،‬وقد ورد النهي عنه يف قوله ﷺ‪« :‬من احتكر فهو خاطئ»(((‪ ،‬قال‬
‫ال�شوكاين (ت‪1250 :‬هـ)‪“ :‬والت�صريح ب�أن املحتكر خاطئ كاف يف �إفادة‬
‫عدم اجلواز‪ ،‬لأن اخلاطئ‪ :‬املذنب العا�صي”(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫(((‬
‫الإجماع حجة �شرعية‬

‫الإجماع من الأدلة املتفق عليها من حيث اجلملة(((‪ ،‬وقيل يف تعريفه �إنه‪« :‬اتفاق‬
‫جمتهدي الع�صر من هذه الأمة بعد وفاة النبي ﷺ على �أمر ديني»(((‪.‬‬
‫= وانظر‪ :‬فتوى الدكتور ح�سام الدين عفانة على املوقع الإلكرتوين ‪http://yasaloonak.net/‬‬
‫((( �أخرجه البخاري وم�سلم‪ ،‬واللفظ مل�سلم‪.‬‬
‫انظر‪� :‬صحيح البخاري كتاب البيوع باب �إذا باع الثمار قبل �أن يبدو �صالحها‪ ..‬احلديث رقم (‪)2198‬‬
‫‪� ،77/3‬صحيح م�سلم كتاب امل�ساقاة باب و�ضع اجلوائح احلديث رقم (‪.1190/3 )1555‬‬
‫((( ‪.293/30‬‬
‫((( انظر‪ :‬تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد) على املوقع‪:‬‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬
‫((( انظر‪ :‬البناية �شرح الهداية ‪.210/12‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه كتاب امل�ساقاة باب حترمي االحتكار يف الأقوات احلديث رقم (‪.1227/3 )1605‬‬
‫((( نيل الأوطار ‪.261/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام ‪ ،200/1‬البحر املحيط ‪ ،،384/6‬التقرير والتحبري ‪.83/3‬‬
‫((( وال يناق�ض هذا ما �سيتم ذكره من خالف يف حجيته؛ �إذ �إن من ع َّد الإجماع من الأدلة املتفق عليها مل‬
‫يلتفت �إلى خالف من خالف يف حجيته‪ ،‬جاء يف بيان املخت�صر (‪“ :)530/1‬وال يعتد بالنظام وبع�ض‬
‫اخلوارج وال�شيعة ; ل�شذوذهم بالن�سبة �إلى �أهل احلق”‪.‬‬
‫((( غاية ال�سول �إلى علم الأ�صول �ص‪.81‬‬

‫‪41‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫والإجماع له �أنواع خمتلفة لي�س هذا مقام تف�صيلها‪ ،‬لكن يعنينا هنا احلديث عن‬
‫حجية الإجماع من حيث الأ�صل‪ ،‬حيث وقع خالف يف حجيته على النحو الآتي‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬الإجماع حجة‪.‬‬
‫وهذا هو مذهب �أكرث علماء الأمة من ال�سلف واخللف ممن يعتد بقولهم(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬إجماع ال�صحابة وحدهم حجة‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا القول الظاهرية الظاهرية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬الإجماع لي�س بحجة‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا القول النظام من املعتزلة (ت‪221 :‬هـ)(((‪ ،‬واخلوارج(((‪.‬‬
‫ومن الأدلة على حجية الإجماع‪:‬‬
‫‪1.1‬قوله تعالى‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ) [الن�ساء‪ ،]115 :‬وجه الداللة‪� :‬أن م�شاقة‬
‫الر�سول ﷺ حمرمة‪ ،‬وقد جمع بينها وبني اتباع �سبيل غري امل�ؤمنني ورتب‬
‫الوعيد على ذلك‪ ،‬فدل على حترمي اتباع �سبيل غري امل�ؤمنني‪ ،‬و�إذا كان ذلك‬
‫حمر ًما وجب اتباع �سبيلهم‪ ،‬و�إذا كان اتباع �سبيلهم واج ًبا ف�إجماعهم حجة(((‪.‬‬
‫‪2.2‬قوله تعالى‪( :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ) [البقرة‪ ،]143 :‬والو�سط العدل(((‪ ،‬قال �أبو يعلى (ت‪458 :‬هـ)‬
‫انظر‪ :‬الإحكام ‪ ،200/1‬الإبهاج ‪ ،353/2‬التحبري �شرح التحرير ‪ ،1530/4‬التقرير والتحبري ‪.83/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الإحكام البن حزم ‪ ،147/4‬ت�شنيف امل�سامع ‪.94/3‬‬ ‫(((‬
‫النظام هو‪� :‬إبراهيم بن �سيار ال�ضبعي الب�صري‪ ،‬املعروف بالنظام‪� ،‬شيخ املعتزلة‪ ،‬كان �أ�صوليا متكلما‪،‬‬ ‫(((‬
‫ومن م�ؤلفاته‪ :‬اجلواهر والأعرا�ض‪ ،‬والنبوة‪ ،‬تويف �سنة (‪221‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ بغداد ‪� ،623/6‬سري �أعالم النبالء ‪.541/10‬‬
‫انظر‪ :‬الإحكام ‪ ،200/1‬الإبهاج ‪ ،353/2‬التحبري �شرح التحرير ‪ ،1530/4‬التقرير والتحبري ‪.83/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪ ،371/2‬الإبهاج ‪� ،353/2‬إر�شاد الفحول ‪.198/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تف�سري ابن كثري ‪� ،455/1‬أي�سر التفا�سري ‪.508/4‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪42‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫يف بيان وجه الداللة‪« :‬و�إذا �أخرب اهلل تعالى �أن الأمة عدل‪ ،‬مل يجز عليهم‬
‫ال�ضاللة؛ لأنه ال عدالة مع ال�ضاللة‪ ،‬وجعلهم �شهداء على النا�س‪ ،‬كما جعل‬
‫الر�سول �شهيدا عليهم‪ ،‬فلما كان قول الر�سول ﷺ حجة‪ ،‬كذلك قول الأمة»(((‪.‬‬
‫‪3.3‬قوله تعالى‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ) [�آل عمران‪ ،]110 :‬وجه الداللة‪� :‬أن اهلل تعالى و�صف‬
‫هذه الأمة باخلريية؛ لكونها ت�أمر باملعروف وتنهى عن املنكر‪ ،‬فلزم من ذلك‬
‫كون الإجماع حجة‪� ،‬إذ لو �أجمعوا على ما لي�س بحق ملا كانوا �آمرين باملعروف‬
‫ناهني عن املنكر(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫نق�ض و�ضوء امل�صاب بفريو�س كورونا �إذا �أغمي عليه‪ :‬تقرر فيما �سبق �أن الإغماء‬
‫من الأعرا�ض التي قد تظهر على بع�ض من ي�صاب بفريو�س كورونا‪ ،‬فمن �أ�صيب‬
‫بالإغماء ممن �أ�صيب بفريو�س كورونا وكان على طهارة انتق�ض و�ضو�ؤه؛ وذلك‬
‫للإجماع على كون الإغماء ناق�ض من نواق�ض الو�ضوء‪ ،‬جاء يف �شرح الزرك�شي‬
‫على خمت�صر اخلرقي(((‪« :‬واملزيل للعقل على �ضربني‪ ،‬نوم وغريه‪ ،‬فغريه كاجلنون‬
‫والإغماء‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ينق�ض �إجماعا‪ ،‬حكاه ابن املنذر يف الإغماء»‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫(((‬
‫القيا�س حجة �شرعية‬
‫عرف القيا�س بتعريفات كثرية‪ ،‬ومن �أ�شهر ما قيل يف ذلك �أنه‪�“ :‬إثبات حكم‬
‫معلوم يف معلوم �آخر ال�شرتاكهما يف علة احلكم عند املثبت”(((‪.‬‬
‫العدة ‪.1072/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ا�صول الفقه البن مفلح ‪ ،373/2‬نهاية الو�صول ‪.2475/6‬‬ ‫(((‬
‫‪ .236/1‬وانظر‪ :‬الإجماع البن املنذر �ص‪ ،33‬البناية �شرح الهداية ‪.286/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬نهاية الو�صول ‪ ،3051/7‬البحر املحيط ‪.25/7‬‬ ‫(((‬
‫الإبهاج ‪.3/3‬‬ ‫(((‬

‫‪43‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫�شرعا‪ ،‬وقبل ذكر الأقوال يف امل�س�ألة ف�إنه‬


‫والأ�صوليون خمتلفون يف حجية القيا�س ً‬
‫يح�سن حترير حمل النزاع فيها‪:‬‬
‫‪1.1‬النزاع بني الأ�صوليني يف �أن القيا�س يف الأمور الدنيوية حجة(((‪ ،‬وذلك كما‬
‫يف قيا�س دواء على دواء‪ ،‬قال الزرك�شي (ت‪794 :‬هـ)‪« :‬وهو حجة يف الأمور‬
‫الدنيوية باالتفاق»(((‪.‬‬
‫‪2.2‬نقل الزرك�شي (ت‪794 :‬هـ) االتفاق على حجية القيا�س ال�صادر من النبي‬
‫ﷺ؛ لأن مقدماته قطعية لوجوب علم وقوعه(((‪.‬‬
‫‪3.3‬وقع اخلالف يف حجية القيا�س يف الأمور ال�شرعية(((‪.‬‬
‫�إذا تقرر ما �سبق فن�شري �إلى اخلالف يف حجية القيا�س � اً‬
‫إجمال‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬القيا�س حجة �شر ًعا‪.‬‬
‫وهذا هو مذهب �أكرث الأمة من ال�صحابة والتابعني‪ ،‬وجمهور �أهل العلم ممن جاء‬
‫بعدهم(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬القيا�س لي�س بحجة‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا القول الظاهرية(((‪.‬‬
‫�شرعا �أدلة كثرية منها‪:‬‬
‫وقد دل على �أن القيا�س حجة ً‬
‫‪1.1‬قوله تعالى‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ) [احل�شر‪ ،]2 :‬قال �أبو يعلى (ت‪458 :‬هـ) يف‬
‫بيان وجه الداللة‪“ :‬وحقيقة االعتبار يف اللغة‪ :‬حمل ال�شيء على غريه واعتبار‬
‫انظر‪ :‬املح�صول ‪� ،20/5‬شرح تنقيح الف�صول �ص‪ ،387‬الغيث الهامع �ص‪.515‬‬ ‫(((‬
‫البحر املحيط ‪.19/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البحر املحيط ‪� ،19/7‬إر�شاد الفحول ‪.91/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املرجعني ال�سابقني‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬أ�صول ال�شا�شي �ص‪ ،308‬الربهان ‪ ،7/2‬الإبهاج ‪ ،7/3‬البحر املحيط ‪.19/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الإحكام البن حزم ‪ ،53/7‬الإ�شارة �ص‪.299‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪44‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫حكمه به‪� ،‬إما يف حكمه‪� ،‬أو قدره‪� ،‬أو �صفته‪...‬و�إذا كان حقيقة االعتبار ما ذكرنا‪،‬‬
‫وهو حم�ض القيا�س اقت�ضت الآية وجوب ذلك‪ ،‬والأمر به‪ ،‬وامل�صري �إليه”(((‪.‬‬
‫‪2.2‬حديث معاذ ‪ ‬حينما بعثه النبي ﷺ �إلى اليمن وقال له‪« :‬كيف تق�ضي‬
‫�إذا عر�ض لك ق�ضاء؟» قال‪� :‬أق�ضى بكتاب اهلل‪ ،‬قال‪« :‬ف�إن مل جتد يف كتاب‬
‫اهلل؟» قال‪ :‬فب�سنة ر�سول اهلل ﷺ‪ :‬قال‪« :‬ف�إن مل جتد يف �سنة ر�سول اهلل ﷺ‬
‫وال يف كتاب اهلل؟» قال‪� :‬أجتهد ر�أيي وال �آلو(((‪ ،‬ف�ضرب ر�سول اهلل ﷺ �صدره‬
‫وقال‪« :‬احلمد هلل الذي وفق ر�سول ر�سول اهلل ملا ير�ضي ر�سول اهلل»(((‪ ،‬قال‬
‫((( العدة ‪.1291/4‬‬
‫((( وال �آلو‪� :‬أي ال �أق�صر يف االجتهاد‪ ،‬وال �أترك بذل الو�سع فيه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬معامل ال�سنن ‪.153/4‬‬
‫((( �أخرجه بهذا اللفظ �أبوداود وبنحوه الرتمذي وابن �أبي �شيبة و�أحمد والبيهقي‪.‬‬
‫انظر‪� :‬سنن �أبي داود‪ ،‬كتاب الأق�ضية باب اجتهاد الر�أي يف الق�ضاء‪ ،‬احلديث رقم (‪� ،15/4 ،)3592‬سنن‬
‫الرتمذي‪ ،‬كتاب الأحكام باب ما جاء يف القا�ضي كيف يق�ضي‪ ،‬احلديث رقم (‪ ،607/3 )1327‬م�صنف‬
‫ابن �أبي �شيبة‪ ،‬كتاب �أق�ضية ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬احلديث رقم (‪ ،13/7 )59‬م�سند الإمام �أحمد‪ ،‬احلديث‬
‫رقم (‪ ،333/36 )22007‬ال�سنن الكربى للبيهقي‪ ،‬كتاب �آداب القا�ضي باب ما يق�ضي به القا�ضي ويفتي‬
‫به املفتي‪ ،‬ف�إنه غري جائز له �أن يقلد �أحدً ا من �أهل دهره‪ ،...‬احلديث رقم (‪.195/10 )20339‬‬
‫واحلديث رواه احلارث بن عمرو عن نا�س من �أ�صحاب معاذ ‪ ،‬و�أُع َّل بثالث علل‪:‬‬
‫�أ‪ -‬جهالة �أ�صحاب معاذ ‪.‬‬
‫ب‪ -‬جهالة احلارث بن عمرو‪.‬‬
‫ج‪ -‬الإر�سال‪.‬‬
‫ولذلك �ضعف احلديث جماعة من �أهل العلم‪ ،‬منهم‪ :‬البخاري‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وابن حزم وابن اجلوزي‪ ،‬والألباين‪.‬‬
‫قال البخاري يف التاريخ الكبري (‪“ :)277/2‬احلارث بن عمرو ابن �أخي املغرية بن �شعبة الثقفي‪ ،‬عن‬
‫�أ�صحاب معاذ عن معاذ‪ ،‬روى عنه �أبو عون‪ ،‬وال ي�صح وال يعرف �إال بهذا مر�سل”‪.‬‬
‫وقال الرتمذي يف �سننه (‪“ :)608/3‬هذا حديث ال نعرفه �إال من هذا الوجه‪ ،‬ولي�س �إ�سناده عندي مبت�صل”‪.‬‬
‫وقال ابن اجلوزي يف العلل املتناهية (‪“ :)758/2‬هذا حديث ال ي�صح‪ ،‬و�إن كان الفقهاء كلهم يذكرونه‬
‫يف كتبهم‪ ،‬ويعتمدون عليه‪.”...‬‬
‫ومن العلماء من �صحح احلديث؛ نظ ًرا ل�شهرته‪ ،‬وتلقي الأمة له بالقبول‪ ،‬قال اخلطيب البغدادي يف‬
‫الفقيه واملتفقه (‪“ :)189/1‬ف�إن اعرت�ض املخالف ب�أن قال‪ :‬ال ي�صح هذا اخلرب؛ لأنه ال يروى �إال عن‬
‫�أنا�س من �أهل حم�ص مل ي�سموا فهم جماهيل‪ ،‬فاجلواب‪� :‬أن قول احلارث بن عمرو‪ :‬عن �أنا�س من‬
‫�أ�صحاب معاذ يدل على �شهرة احلديث‪ ،‬وكرثة رواته‪ ،‬وقد عرف ف�ضل معاذ وزهده‪= ،‬‬

‫‪45‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫ابن ال�سبكي (ت‪772 :‬هـ) يف بيان وجه الداللة‪“ :‬واملراد بالر�أي القيا�س قال‬
‫�إمام احلرمني وال يجوز �أن يقال �أراد بالر�أي اال�ستنباط من الكتاب وال�سنة‬
‫ف�إن ذلك لو كان على هذه الوجه لكان مت�سكا بالكتاب وال�سنة”(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬إجماع ال�صحابة ‪ ‬على العمل بالقيا�س وعدم الإنكار على من عمل به‪،‬‬
‫قال �صفي الدين الهندي (ت‪715 :‬هـ)‪“ :‬الإجماع‪ ،‬وهو املعول عليه جلماهري‬
‫املحققني من الأ�صوليني”(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫‪1.1‬اخلروج من البلد �أو القرية التي وقع فيها وباء كورونا‪ :‬ورد عن النبي ﷺ النهي عن‬
‫القدوم �إلى الأر�ض التي وقع فيها الطاعون(((‪� ،‬أو اخلروج منها فرارًا منه‪ ،‬فقال ﷺ‪:‬‬
‫«الطاعون رج�س �أر�سل على طائفة من بني �إ�سرائيل‪� ،‬أو على من كان قبلكم‪ ،‬ف�إذا‬
‫= والظاهر من حال �أ�صحابه الدين والتفقه‪ ،‬والزهد وال�صالح‪ ،‬وقد قيل �إن عبادة بن ن�سي رواه عن‬
‫عبدالرحمن بن غنم عن معاذ‪ ،‬وهذا �إ�سناده مت�صل‪ ،‬ورجاله معروفون بالثقة‪ ،‬على �أن �أهل العلم‬
‫تقبلوه‪ ،‬واحتجوا به فوقفنا بذلك على �صحته عندهم”‪.‬‬
‫وقال ابن القيم يف �إعالم املوقعني (‪“ :)194/1‬فهذا حديث و�إن كان عن غري م�سمني فهم �أ�صحاب‬
‫معاذ‪ ،‬فال ي�ضره ذلك؛ لأنه يدل على �شهرة احلديث‪ ،‬و�أن الذي حدث به احلارث بن عمرو عن جماعة‬
‫من �أ�صحاب معاذ ال واحد منهم‪ ،‬وهذا �أبلغ يف ال�شهرة من �أن يكون عن واحد منهم لو ُ�س ِّمي‪ ،‬كيف‬
‫و�شهرة �أ�صحاب معاذ بالعلم والدين والف�ضل وال�صدق باملحل الذي ال يخفى‪ ،‬وال يعرف يف �أ�صحابه‬
‫متهم وال كذاب‪ ،‬وال جمروح‪ ،‬بل �أ�صحابه من �أفا�ضل امل�سلمني وخيارهم‪ ...‬كيف و�شعبة حامل لواء هذا‬
‫احلديث؟‪ ،‬وقد قال بع�ض �أئمة احلديث‪� :‬إذا ر�أيت �شعبة يف �إ�سناد حديث فا�شدد يديك به”‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الإحكام البن حزم ‪ ،1257/7‬حتفة الطالب �ص‪ ،125 - 124‬خال�صة البدر املنري ‪ ،424/2‬تلخي�ص‬
‫احلبري ‪� ،445/4‬ضعيف �سنن الرتمذي �ص‪� ،124‬سل�سلة الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة ‪.274/2‬‬
‫((( الإبهاج ‪.12/3‬‬
‫((( نهاية الو�صول ‪ .3108/7‬وانظر‪ :‬الإبهاج ‪ ،13/3‬البحر املحيط ‪ ،33/7‬الأجنم الزاهرات �ص‪.228‬‬
‫((( اختلف �أهل العلم يف املراد بالطاعون‪ ،‬فقيل‪ :‬املر�ض العام الذي يف�سد الهواء والأمزجة والأبدان‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫الوباء‪ ،‬وقيل‪ :‬حبة �أو غدة تخرج يف الآباط وبع�ض نواحي اجل�سد‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ،180/10‬عمدة‬
‫القاري ‪.171/5‬‬
‫وعلى القول ب�أن املراد به الوباء �أو املر�ض العام فيدخل وباء كورونا يف م�سمى الطاعون من غري حاجة‬
‫�إلى قيا�س‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪46‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫�سمعتم به ب�أر�ض فال تقدموا عليه‪ ،‬و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا فرارا‬
‫منه»(((‪ ،‬وهذا النهي معلق بق�صد الفرار من وباء الطاعون‪ ،‬وقد ذهب ابن حزم (ت‪:‬‬
‫‪465‬هـ) �إلى حترمي اخلروج يف هذه احلال(((‪ ،‬ف�إذا قيل �إن هذا احلكم معلل(((‪ ،‬و�أن‬
‫العلة هي خ�شية انت�شار املر�ض(((‪ ،‬فيقا�س فريو�س كورونا على الطاعون(((‪ ،‬ويقال ب�أن‬
‫اخلروج من البلد �أو املكان الذي وقع فيه وباء كورونا منهي عنه �إذا كان اخلروج لأجل‬
‫الفرار منه(((؛ لوجود العلة فيه وهي خ�شية انت�شار املر�ض‪.‬‬
‫‪2.2‬ق�ضاء من �أ�صيب بالإغماء ب�سبب فريو�س كورونا لل�صلوات الفائتة‪ :‬اختلف‬
‫الفقهاء يف ق�ضاء املغمى عليه لل�صلوات الفائتة(((‪ ،‬وامل�شهور من مذهب‬
‫احلنابلة وجوب الق�ضاء(((‪ ،‬ومما ا�ستندوا عليه يف ذلك القيا�س‪ ،‬حيث‬
‫قا�سوا املغمى عليه على النائم‪ ،‬قال ابن قدامة (ت‪620 :‬هـ)‪“ :‬وجملة ذلك‬
‫�أن املغمى عليه حكمه حكم النائم”(((‪.‬‬
‫وبناء على هذا القول فمن �أ�صيب بالإغماء ب�سبب مر�ض كورونا حتى فاتته‬
‫ال�صلوات فيتعني عليه ق�ضاء ما فاته قيا�سا على النائم‪.‬‬
‫لكن هذا القيا�س فيما يظهر قيا�س مع الفارق؛ لوجود الفارق بني املغمى عليه‬
‫((( �أخرجه البخاري وم�سلم‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫انظر‪� :‬صحيح البخاري كتاب �أحاديث النبي باب �أحاديث الغار احلديث رقم (‪� ،175/4 )3473‬صحيح‬
‫م�سلم كتاب ال�سالم باب الطاعون والطرية‪.1737/4 )2218(..‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى بالآثار ‪ .304/3‬والقول بالتحرمي هو ظاهر كالم ال�شيخ حممد بن عثيمني ‪ ،‬وذهب الإمام‬
‫مالك �إلى �أن النهي الوارد يف احلديث نهي �إر�شاد‪ .‬انظر‪ :‬الذخرية ‪ ،326/13‬البيان والتح�صيل ‪.397/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفواكه الدواين ‪.241/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون على الرابط الإلكرتوين‬
‫‪https: //www.alukah.net/library/0/140336/‬‬
‫انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫ويقال فيه ما قيل يف النهي الوارد يف الطاعون من ناحية احلكم التكليفي‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رو�ضة الطالبني ‪ ،190/1‬البناية �شرح الهداية ‪ ،649/2‬الثمر الداين �ص‪.196‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ ،290/1‬الكايف ‪.176/1‬‬ ‫(((‬
‫املغني ‪.290/1‬‬ ‫(((‬

‫‪47‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫والنائم‪ ،‬بل �إن بع�ض احلنابلة ن�ص على الفارق بينهما يف باب نواق�ض الو�ضوء(((‪،‬‬
‫وجاء يف ال�شرح املمتع(((‪“ :‬قيا�سه على النائم لي�س ب�صحيح‪ ،‬فالنائم ي�ستيقظ �إذا‬
‫�أوقظ‪ ،‬و�أما املغمى عليه ف�إنه ال ي�شعر”‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫(((‬
‫يجوز القيا�س يف العبادات‬

‫من القواعد التي بحثها الأ�صوليون‪ :‬القيا�س يف العبادات‪ ،‬وال يق�صد بهذه القاعدة‬
‫�إثبات عبادة م�ستقلة بالقيا�س؛ ف�إن هذا غري جائز؛ لأن العبادات توقيفية(((‪ ،‬و�إمنا املراد‬
‫القيا�س يف �أحكام العبادات عند تعقل املعنى الذي �شرع لأجله احلكم‪ ،‬جاء يف ال�شرح‬
‫املمتع(((‪« :‬املراد بقول �أهل العلم ال قيا�س يف العبادات‪� ،‬أي‪ :‬يف �إثبات عبادة م�ستقلة‪� ،‬أما‬
‫�شروط يف عبادة وما �أ�شبه ذلك‪ ،‬مع ت�ساوي العبادتني يف املعنى فال ب�أ�س به‪ ،‬وما زال‬
‫قيا�سا على الو�ضوء‪،‬‬‫العلماء ي�ستعملون هذا‪ ،‬كقولهم جتب الت�سمية يف الغ�سل والتيمم ً‬
‫ولي�س هناك فرق م�ؤثر بني املحرم �إذا خ�شي مان ًعا‪ ،‬وبني املعتكف �إذا خ�شي مان ًعا»‪.‬‬
‫�إذا علم هذا فقد اختلف الأ�صوليون يف القيا�س يف العبادات على النحو التايل‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬يجوز القيا�س يف العبادات‪.‬‬
‫هذا هو قول ال�شافعية(((‪ ،‬واختاره بع�ض احلنابلة(((‪ ،‬ون�سبه املرداوي (ت‪:‬‬
‫‪885‬هـ) �إلى �أكرث القائلني بالقيا�س(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الكايف ‪.84/1‬‬ ‫(((‬
‫‪.17/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الفائق ‪ ،255/2‬الإبهاج ‪.30/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬القيا�س يف العبادات حكمه و�أثره �ص‪.429‬‬ ‫(((‬
‫‪ .524/6‬وانظر‪ :‬نربا�س العقول �ص‪ ،140‬ما ال يجري فيه القيا�س �ص‪.170‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬نهاية الو�صول ‪ ،3229/7‬ت�شنيف امل�سامع ‪.164/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التحبري �شرح التحرير ‪� ،3515/7‬شرح الكوكب املنري ‪.220/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حترير املنقول �ص‪.296‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪48‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز القيا�س يف العبادات‪.‬‬


‫ن�سبه الأ�سمندي (ت‪552 :‬هـ)((( �إلى الكرخي (ت‪340 :‬هـ)(((‪ ،‬وحكاه العراقي‬
‫(ت‪826 :‬هـ) عن احلنفية(((‪.‬‬
‫والدليل على جواز القيا�س يف العبادات ما يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬عموم الأدلة الدالة على حجية القيا�س‪ ،‬فالقيا�س يف العبادات داخل يف عمومها(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن القيا�س يجري يف �سائر الأحكام فيجري كذلك يف العبادات ال�شرتاكهما‬
‫يف امل�صالح النا�شئة عن القيا�س(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫�أداء �صالة العيد يف البيوت‪ :‬ذهب الإمام مالك �إلى جواز ق�ضاء �صالة العيد‬
‫يف البيوت ملن فاتته‪ ،‬جاء يف �شرح التلقني(((‪“ :‬ويف املب�سوط قال مالك‪ ،‬فيمن تلقاه‬
‫النا�س من�صرفني من �صالة العيد‪� ،‬إن �شاء م�ضى ف�ص َّلى و�إن �شاء يف بيته”‪.‬‬
‫ف�إذا تعذرت �إقامتها يف البلد للحظر املفرو�ض ب�سبب جائحة كورونا فت�صلى يف‬
‫قيا�سا على جواز ق�ضائها يف البيوت(((‪.‬‬
‫البيوت ً‬
‫هو‪ :‬حممد بن عبداحلميد الأ�سمندي‪ ،‬من علماء احلنفية‪ ،‬ومن فحول فقهائهم‪ ،‬له م�ؤلفات منها‪ :‬بذل‬ ‫(((‬
‫النظر‪ ،‬وطريقة اخلالف‪ ،‬تويف �سنة (‪552‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاج الرتاجم �ص‪ ،343‬اجلواهر امل�ضية ‪.74/2‬‬
‫انظر‪ :‬بذل النظر �ص‪.623‬‬ ‫(((‬
‫والكرخي هو‪ :‬عبيداهلل بن احل�سني بن دالل الكرخي‪ ،‬من علماء احلنفية‪ ،‬انتهت �إليه رئا�سة �أ�صحاب‬
‫�أبي حنيفة‪ ،‬له ر�سالة يف الأ�صول و املخت�صر يف الفقه‪ ،‬تويف �سنة (‪340‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاج الرتاجم �ص‪ ،200‬اجلواهر امل�ضية ‪.311/1‬‬
‫انظر‪ :‬الغيث الهامع ‪.518/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املح�صول ‪� ،348/5‬شرح الكوكب املنري ‪� ،220/4‬ص ‪ 28‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬نهاية الو�صول ‪.3229/7‬‬ ‫(((‬
‫‪ .1063/1‬وقد يفهم ذلك من عموم قول من قال بجواز ق�ضائها �إذا فاتت‪ ،‬انظر‪ :‬الكايف يف فقه �أهل‬ ‫(((‬
‫املدينة ‪ ،265/1‬البناية �شرح الهداية ‪ ،119/3‬الرو�ض املربع �ص‪.164‬‬
‫وقد �أفتى بجواز �إقامتها يف البيوت �سماحة مفتي عام اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬انظر‪ :‬املوقع الإلكرتوين‬ ‫(((‬
‫‪https: //www.spa.gov.sa/2075735‬‬

‫‪49‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫املطلب اخلام�س‬
‫(((‬
‫مذهب ال�صحابي حجة‬

‫من القواعد التي بحثها الأ�صوليون حجية قول ال�صحابي‪ ،‬ومرادهم مذهبه‬
‫ب�شكل عام �سواء علم بقوله �أو فعله(((‪ ،‬وقد اختلف يف تعريف ال�صحابي‪ ،‬واخلالف‬
‫يف ذلك مبني على م�س�ألة ا�شرتاط طول ال�صحبة‪ ،‬فمن ر�أى �أن ال�صحبة تثبت مبجرد‬
‫لقيا النبي ﷺ مع الإميان به واملوت على ذلك((( عرف ال�صحابي ب�أنه‪« :‬من لقي‬
‫النبي ﷺ م�ؤمنا به ومات على الإ�سالم»(((‪.‬‬
‫ومن ا�شرتط طول ال�صحبة واملالزمة((( عرفه ب�أنه‪« :‬من ر�أى النبي ﷺ واخت�ص‬
‫به اخت�صا�ص ال�صاحب بامل�صحوب‪ ،‬وطالت مدة �صحبته‪ ،‬و�إن مل يرو عنه»(((‪.‬‬
‫وقبل ذكر الأقوال يف حجية مذهب ال�صحابي يح�سن حترير حمل اخلالف على‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫‪1.1‬ال�صحابي �إذا قال اً‬
‫قول وانت�شر بني ال�صحابة دون �إنكار منهم ف�إن ذلك يعد‬
‫من قبيل الإجماع ال�سكوتي(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ال�صحابي �إذا قال اً‬
‫قول وخالفه غريه من ال�صحابة فباالتفاق ال يكون قوله‬
‫حجة على غريه من ال�صحابة(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الإحكام ‪ ،149/4‬بيان املخت�صر ‪.275/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حا�شية البناين ‪.546/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬انظر‪ :‬خمت�صر املنتهى ‪ ،599/1‬تدريب الراوي ‪.191/2‬‬ ‫(((‬
‫الإ�صابة ‪.4/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التمهيد ‪ ،173/3‬التقرير والتحبري ‪.261/2‬‬ ‫(((‬
‫الإحكام ‪.92/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بذل النظر �ص‪� ،537‬أ�صول الفقه البن مفلح ‪.1450/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الإحكام ‪ ،149/4‬نهاية الو�صول ‪.3981/8‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪50‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪�3.3‬إذا رجع ال�صحابي عن قوله فال ي�صح االحتجاج به وقد رجع عنه(((‪.‬‬
‫‪�4.4‬إذا قال ال�صحابي اً‬
‫قول يف م�س�ألة اجتهادية‪ ،‬ومل ي�شتهر قوله بني ال�صحابة‪،‬‬
‫ومل يخالفه غريه‪ ،‬ومل يثبت رجوعه عنه‪ ،‬فهذا هو حمل اخلالف(((‪.‬‬
‫�إذا تقرر ما �سبق فقد اختلف الأ�صوليون يف حجية مذهب ال�صحابي على �أقوال‬
‫�أ�شهرها‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬مذهب ال�صحابي حجة‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا القول بع�ض احلنفية(((‪ ،‬وهو قول الإمام مالك(((‪ ،‬واختيار �أكرث‬
‫احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬مذهب ال�صحابي لي�س بحجة‪.‬‬
‫ن�سب هذا القول �إلى �أبي احل�سن الكرخي (ت‪340 :‬هـ)(((‪ ،‬وهو قول بع�ض املالكية(((‪،‬‬
‫وكثري من ال�شافعية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬مذهب ال�صحابي حجة �إذا خالف القيا�س(((‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا القول الغزايل (ت‪505 :‬هـ) يف املنخول(‪.((1‬‬
‫ومن الأدلة على حجية مذهب ال�صحابي‪:‬‬
‫((( انظر‪ :‬ك�شف الأ�سرار ‪.223/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬العدة ‪ ،1178/4‬قواطع الأدلة ‪.9/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الف�صول يف الأ�صول ‪� ،173/2‬أ�صول ال�سرخ�سي ‪.108/2‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح تنيح الف�صول �ص‪ ،445‬حتفة امل�س�ؤول ‪.235/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬العدة ‪� ،1185/4‬شرح خمت�صر الرو�ضة ‪ ،185/3‬التحبري �شرح التحرير ‪.3800/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬الف�صول يف الأ�صول ‪.172/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنهاج ب�شرحه الإبهاج ‪ ،192/3‬منتهى ال�س�ؤول والأمل �ص‪.206‬‬
‫((( انظر‪ :‬التب�صرة �ص‪ ،395‬امل�ست�صفى �ص‪.168‬‬
‫((( �أ�شار العطار �إلى �أن املراد بالقيا�س هنا القيا�س الأ�صويل‪ .‬انظر‪ :‬حا�شية العطار ‪.297/2‬‬
‫(‪�((1‬ص‪.585‬‬

‫‪51‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫‪1.1‬قوله تعالى‪:‬‬


‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة‪.]100 :‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن اهلل تعالى �أثنى على �صحابة نبيه ﷺ‪ ،‬و�أخرب �أنه تعالى‬
‫ر�ضي عنهم‪ ،‬ومن كان مر�ض ًيا عنه من اهلل تعالى كيف ال يتبع يف قوله(‪.((1‬‬
‫‪�2.2‬أن قول ال�صحابة ‪� ‬أقرب �إلى ال�صواب و�أبعد عن اخلط�أ؛ لأنهم‬
‫ح�ضروا التنزيل والزموا النبي ﷺ‪ ،‬وفهموا كالمه‪ ،‬فهم �أعلم بالت�أويل‬
‫و�أعرف باملقا�صد(‪.((1‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫‪1.1‬الأذان يف البيوت‪� :‬إذا علق احل�ضور للم�ساجد و�صلى النا�س يف بيوتهم ب�سبب‬
‫جائحة كورونا فهل ي�ؤذن يف البيوت؟ ذهب بع�ض ال�شافعية(‪ ،((1‬وهو ال�صحيح‬
‫من مذهب احلنابلة(‪� ((1‬إلى �أن الأذان فر�ض على الكفاية‪ ،‬ولذلك �إذا �أُذن يف‬
‫(‪((1‬‬
‫امل�ساجد ف�إن ذلك يكفي يف �إقامة الواجب‪ ،‬لكن ذهب بع�ض املعا�صرين‬
‫�إلى م�شروعية الأذان يف البيوت �إذا �صلى النا�س يف بيوتهم ب�سبب تعليق‬
‫ال�صالة يف امل�ساجد؛ لفعل عائ�شة ‪.((1(‬‬
‫(‪((1‬انظر‪� :‬إجمال الإ�صابة �ص‪ ،57‬ك�شف الأ�سرار ‪.222/3‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬رو�ضة الناظر ‪.468/1‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬املهذب ‪.107/1‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪ ،390/1‬الإن�صاف ‪.407/1‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬دورة الأحكام الفقهية على الرابط ‪https://www.youtube.com/watch?v=xuJXnwt3sHs‬‬
‫(‪((1‬روي عن عائ�شة ‪�( :‬أنها كانت ت�ؤذن وتقيم وت�ؤم الن�ساء وتقوم و�سطهن) رواه ابن �أبي �شيبة‬
‫واحلاكم والبيهقي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬م�صنف ابن �أبي �شيبة كتاب الأذان والإقامة باب من قال عليهن �أن ي�ؤذن ويقمن برقم (‪)2322‬‬
‫‪ ،202/1‬امل�ستدرك كتاب الطهارة باب يف ف�ضل ال�صلوات اخلم�س برقم (‪ ،320/1 )731‬ال�سنن‬
‫الكربى للبيهقي‪ ،‬ذكر جماع �أبواب الأذان والإقامة باب �أذان املر�أة و�إقامتها‪...‬برقم (‪.600/1 )1922‬‬
‫وقد �ضعفه الألباين لأن فيه ليث بن �أبي �سليم وهو �ضعيف‪ .‬انظر‪� :‬سل�سلة الأحاديث ال�ضعيفة ‪،271/2‬‬
‫متام املنة �ص‪=.153‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪52‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪2.2‬ال�صالة يف البيوت بال �إقامة‪ :‬الإقامة فر�ض كفاية عند بع�ض ال�شافعية(((‪،‬‬
‫وهو ال�صحيح من مذهب احلنابلة(((‪ ،‬ف�إذا �صلى النا�س يف بيوتهم لأجل‬
‫احلظر املفرو�ض ب�سبب جائحة كورونا‪ ،‬فهل يجوز لهم ال�صالة بال �إقامة؟‬
‫ثبت عن ابن م�سعود ‪� ‬أنه �صلى ببع�ض �أ�صحابه يف داره بال �أذان وال‬
‫�إقامة(((‪ ،‬وبناء عليه يجوز ملن �صلى يف البيوت ب�سبب تعليق احل�ضور للم�ساجد‬
‫جلائحة كورونا ال�صالة بال �إقامة(((‪.‬‬

‫املطلب ال�ساد�س‬
‫�سد الذرائع حجة‬

‫املراد ب�سد الذرائع منع الو�سيلة املباحة التي تف�ضي �إلى مف�سدة(((‪ ،‬فقاعدة �سد‬
‫الذرائع مبنية على النظر �إلى م�آالت الأفعال‪� ،‬سواء ق�صد الفاعل ذلك امل�آل �أو ال‪،‬‬
‫فاحلكم يبنى على نتيجة الفعل(((‪.‬‬
‫والذرائع تنق�سم �إلى ما ي�أتي(((‪:‬‬
‫‪1.1‬ما �أدى �إلى املف�سدة قط ًعا‪.‬‬
‫= فهذا الأثر املروي عن عائ�شة ‪ ‬ال يثبت‪ ،‬ولو قيل بثبوته لدل �أي�ضا على جواز الأذان يف البيوت‬
‫للن�ساء‪ ،‬وقد افتى �سماحة ال�شيخ عبدالعزيز بن باز ‪ ‬بعدم م�شروعية الأذان للن�ساء لعدم ثبوت ذلك‬
‫عن عائ�شة ‪ .‬انظر‪ :‬فتوى �سماحته على املوقع الإلكرتوين‪https://binbaz.org.sa/ :‬‬
‫((( انظر‪ :‬املهذب ‪.107/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪ ،390/1‬الإن�صاف ‪.407/1‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة باب الندب �إلى و�ضع الأيدي على الركب‪..‬‬
‫برقم (‪.378/1 )534‬‬
‫((( و�إن كان ذلك خالف الأولى‪ .‬انظر‪ :‬املب�سوط ‪� ،133/1‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي ‪.515/1‬‬
‫وميكن �أن يقال‪� :‬إن فر�ض الكفاية يتحقق بالإقامة يف احلرمني ال�شريفني‪� ،‬أو يف امل�ساجد التي ي�ؤذن‬
‫ب�إقامة ال�صالة فيها‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص‪.211‬‬
‫((( انظر‪ :‬قاعدة �سد الذرائع يف �أ�صول الفقه �ص‪.6‬‬
‫((( هذا هو تق�سيم ال�شاطبي يف املوافقات ‪ .54/3‬وانظر‪� :‬سد الذرائع و�أثره يف الفروع الفقهية �ص‪.50‬‬

‫‪53‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪2.2‬ما �أدى �إلى املف�سدة ناد ًرا‬


‫‪3.3‬ما �أدى �إلى املف�سدة غال ًبا‬
‫‪4.4‬ما �أدى �إلى املف�سدة كث ًريا‬
‫و�أما ما يتعلق بحجية �سد الذرائع من حيث اجلملة فيمكن �أن يذكر اخلالف على‬
‫النحو الآتي‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬سد الذرائع حجة‪.‬‬
‫وهذا هو مذهب جماهري الأمة من الأئمة الأربعة و�أتباعهم(((‪ ،‬بل حكي االتفاق‬
‫عليه‪ ،‬قال القرايف (ت‪684 :‬هـ)‪« :‬فلي�س �سد الذرائع خا�صا مبالك ‪ ‬بل قال بها‬
‫هو �أكرث من غريه و�أ�صل �سدها جممع عليه»(((‪.‬‬
‫اً‬
‫م�ستقل عندهم فهو معمول‬ ‫واحلنفية وال�شافعية و�إن مل يذكروه باعتباره �أ�صال‬
‫به من حيث اجلملة‪ ،‬فالإمام �أبو حنيفة والإمام ال�شافعي “مل يرف�ضاه جملة‪ ،‬ومل‬
‫داخل يف الأ�صول املقررة عندهما كالقيا�س‬ ‫أ�صل قائ ًما بذاته‪ ،‬بل كان اً‬‫يعترباه � اً‬
‫واال�ستح�سان احلنفي”(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬سد الذرائع لي�س بحجة‪.‬‬
‫ذهب �إلى هذا ابن حزم (ت‪45 :‬هـ)(((‪.‬‬
‫والأدلة على حجية �سد الذرائع كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)‬ ‫‪1.1‬قوله تعالى‪:‬‬
‫[الأنعام‪.]108 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات ‪� ،33/2‬شرح تنقيح الف�صول �ص‪� ،448‬شرح خمت�صر الرو�ضة ‪.214/3‬‬
‫((( الفروق ‪.33/2‬‬
‫((( �أ�صول الفقه لأبي زهرة �ص‪.594‬‬
‫((( الإحكام ‪.2/6‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪54‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن اهلل تعالى نهى عن �سب �آلهة الكفار �سدً ا للذريعة لئال يقوم‬
‫�أولئك ب�سب اهلل تعالى(((‪.‬‬
‫(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)‬ ‫‪2.2‬قوله تعالى‪:‬‬
‫[البقرة‪.]104 :‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن اهلل تعالى نهى امل�ؤمنني عن قول هذه الكلمة لئال يكون ذلك‬
‫ذريعة �إلى الت�شبه باليهود(((‪.‬‬
‫‪3.3‬قوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ) [اجلمعة‪.]9 :‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن اهلل تعالى نهى عن البيع مع نداء اجلمعة الثاين لئال يكون‬
‫ذلك ذريعة �إلى الت�شاغل عن �صالة اجلمعة(((‪.‬‬
‫�أثر القاعدة يف الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة‪:‬‬
‫‪�1.1‬إذا كانت امل�صافحة مظنة لنقل العدوى فيجب ترك م�صافحة الآخرين �سدً ا‬
‫لذريعة انت�شار العدوى بفريو�س كورونا‪.‬‬
‫‪2.2‬يجوز للجهات املخت�صة �إغالق املحالت التي ال حتقق التباعد اجل�سدي‬
‫كمحالت احلالقة �سدً ا لذريعة انت�شار فريو�س كورونا(((‪.‬‬
‫‪3.3‬يجوز للدول املنع من ال�سفر خارج البلد �أو من القدوم �إليها �سدً ا لذريعة‬
‫انت�شار املر�ض‪.‬‬
‫‪4.4‬يجوز للجهات املخت�صة �إغالق الدوائر احلكومية وتعليق احل�ضور لأماكن‬
‫انظر‪� :‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله �ص‪.212‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬أعالم املوقعني ‪.110/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬أعالم املوقعني ‪.111/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر يف الفروع من ‪ :5-2‬تو�صيات ندوة (فريو�س كورونا امل�ستجد ) التي عقدها جممع الفقه الإ�سالمي‬ ‫(((‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬

‫‪55‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫العمل �سدً ا لذريعة انت�شار العدوى‪.‬‬


‫‪5.5‬يجب على من �أ�صيب بفريو�س كورونا جتنب الآخرين وااللتزام بالإجراءات‬
‫ال�صحية �سدً ا لذريعة نقل العدوى �إليهم‪.‬‬
‫‪6.6‬القول ب�سد الذرائع يقت�ضي املنع من احليل(((‪ ،‬ومن هنا مينع من �أي حيلة‬
‫ق�صد بها التحيل على التعليمات امللزمة ال�صادرة من ويل الأمر‪ ،‬كالتعليمات‬
‫املتعلقة بحظر التجول يف �أوقات معينة‪.‬‬

‫((( انظر‪� :‬سد الذرائع واثره يف الفروع الفقهية �ص‪.43‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪56‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫اخلامتة‬

‫احلمد هلل الذي تتم بنعمته ال�صاحلات‪� ،‬أحمده ‪ ‬على ما ي�سر يل من‬
‫�أمر �إمتام هذا البحث‪ ،‬فله احلمد ‪ ‬على جزيل عطائه وعظيم نعمه‪.‬‬
‫و� ْإذ بلغ البحث نهايته ف�إنه من املنا�سب �أن �أ�سرد �أبرز النتائج التي تو�صلت �إليها‬
‫على النحو التايل‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن ربط الأحكام الفقهية للنوازل املعا�صرة بقواعدها ي�ؤكد على �صالحية‬
‫ال�شريعة لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪2.2‬ربط الأحكام الفقهية املتعلقة بجائحة كورونا امل�ستجد بقواعدها الأ�صولية‬
‫يك�سبها قوة بح�سب تخريج امل�س�ألة اجلديدة على القاعدة الأ�صولية‬
‫واال�ستدالل لها‪.‬‬
‫‪3.3‬الأحكام الفقهية املتعلقة باجلائحة واملندرجة حتت القواعد الأ�صولية تربز‬
‫ي�سر ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ومراعاتها لأحوال النا�س‪ ،‬و�سعيها للمحافظة على‬
‫النف�س الب�شرية‪.‬‬
‫‪4.4‬فريو�س كورونا من الأمرا�ض التنف�سية‪ ،‬وقد �صنفته منظمة ال�صحة العاملية‬
‫كجائحة‪.‬‬
‫‪5.5‬من القواعد الأ�صولية امل�ؤثرة يف �أحكام هذه اجلائحة قاعدة‪( :‬فاقد العقل‬
‫لعار�ض غري مكلف) وينبني عليها عدم م�ؤاخذة من فاتته العبادة ب�سبب‬
‫الإغماء الناجت عن الإ�صابة بفريو�س كورونا‪.‬‬
‫‪6.6‬قاعدة (الواجب ال�شرعي معلق باال�ستطاعة) لها ت�أثري يف �أحكام هذه‬
‫اجلائحة حيث ي�سقط وجوب ح�ضور اجلمعة واجلماعة �إذا تعذر ذلك ب�سبب‬
‫احلظر‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪7.7‬ال ي�ؤاخذ الإن�سان �إذا تعذر عليه زيارة والديه ب�سبب احلظر املفرو�ض لأن‬
‫الواجبات ال�شرعية معلقة باال�ستطاعة‪.‬‬
‫‪�8.8‬إذا تعذر على املتوفى عنها زوجها االعتداد يف بيت الزوجية ب�سبب احلظر‬
‫فال م�ؤاخذة عليها ويتعني عليها االعتداد يف بيتها متى ما �أتيح ذلك‪.‬‬
‫‪9.9‬قاعدة (ما اليتم الواجب �إال به فهو واجب) تدل على وجوب تعاطي الأدوية‬
‫التي يغلب على الظن �أنها �سبب لل�شفاء من هذا الفريو�س‪ ،‬وتدل على وجوب‬
‫منع االجتماعات التي تكون مظنة النتقال العدوى‪.‬‬
‫‪1010‬يجوز لب�س الكمامة يف ال�صالة عند خ�شية انتقال العدوى بال كراهة لأن‬
‫الكراهة تزول عند احلاجة‪.‬‬
‫‪1111‬كراهة وجود ُف َرج بني امل�صلني تزول عند وجود احلاجة لقاعدة (الكراهة‬
‫تزول عند احلاجة)‪.‬‬
‫‪1212‬قاعدة (�إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب) تدل على �أن من تعمد نقل‬
‫الفريو�س ف�إنه م�ؤاخذ ويتحمل تبعات ذلك‪.‬‬
‫‪1313‬من القواعد الأ�صولية امل�ؤثرة يف �أحكام هذه اجلائحة (�سنة النبي ﷺ حجة‬
‫ت�ستقل بالت�شريع)‪.‬‬
‫‪1414‬يتعني على الأم امل�صابة عدم �إر�ضاع طفلها من ثديها �إذا كان ذلك مظنة‬
‫لنقل العدوى �إليه؛ حلديث (ال يوردن ممر�ض على م�صح)‪.‬‬
‫‪1515‬يجوز تعطيل احل�ضور للم�ساجد وال�صالة فيها �إذا غلب على الظن �أن تكون‬
‫م�صد ًرا لنقل العدوى؛ للحديث ال�سابق‪.‬‬
‫‪�1616‬إذا تعذر ا�ستيفاء العقود ب�سبب هذه اجلائحة جاز ف�سخها؛ حلديث (فبم‬
‫ي�ستحل �أحدكم مال �أخيه)‪.‬‬
‫‪1717‬من �أ�صيب بالإغماء ب�سبب الفريو�س وكان متطه ًرا ف�إن و�ضوئه ينتق�ض‬
‫للإجماع على كون الإغماء ناق ضً� ا للو�ضوء‪ ،‬والإجماع حجة �شرعية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪58‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪1818‬القيا�س حجة �شرعية فيقا�س وباء كورونا على الطاعون فيمنع اخلروج من‬
‫البلد فرا ًرا منه‪.‬‬
‫قيا�سا‬
‫‪1919‬يجوز القيا�س يف العبادات وبناء عليه يجوز �أداء �صالة العيد يف البيوت ً‬
‫على جواز ق�ضائها فيها‪.‬‬
‫‪2020‬من القواعد الأ�صولية (مذهب ال�صحابي حجة)‪ ،‬وقد ذهب بع�ض املعا�صرين‬
‫�إلى م�شروعية الأذان يف البيت؛ لفعل عائ�شة ‪.‬‬
‫‪2121‬قاعدة �سد الذرائع لها ت�أثري يف �أحكام هذه النازلة‪ ،‬فيجوز للجهات املخت�صة‬
‫�إغالق املحالت‪ ،‬وتعطيل الأعمال‪ ،‬واملنع من ال�سفر خارج البلد؛ �سدً ا لذريعة‬
‫انت�شار العدوى‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬الإبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬ال�سبكي‪ ،‬علي بن عبدالكايف (ت‪756 :‬هـ)‪ ،‬وولده‬


‫تاج الدين عبدالوهاب بن علي (ت‪771 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�2.2‬إجمال الإ�صابة يف �أقوال ال�صحابة‪ ،‬العالئي‪ ،‬خليل بن كيكلدى الدم�شقي (ت‪:‬‬
‫‪861‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد الأ�شقر‪ ،‬جمعية �إحياء الرتاث‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪3.3‬الإجماع‪ ،‬ابن املنذر‪ ،‬حممد بن �إبراهيم الني�سابوري (ت‪319 :‬هـ)‪ ،‬دار امل�سلم‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�4.4‬إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام‪ ،‬ابن دقيق العيد‪ ،‬حممد بن علي الق�شريي‬
‫(ت‪702 :‬هـ)‪ ،‬مطبعة ال�سنة املحمدية‬
‫‪5.5‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬ابن حزم‪� ،‬أبو حممد علي بن �أحمد بن �سعد (ت‪:‬‬
‫‪456‬هـ)‪ ،‬حتقيق الدكتور حممود حامد عثمان‪ ،‬دار احلديث بالقاهرة‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6.6‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬الآمدي‪ ،‬علي بن �أبي علي (ت‪631 :‬هـ)‪ ،‬تعليق د‪.‬‬
‫عبدالرزاق عفيفي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7.7‬إرواء الغليل يف تخريج �أحاديث منار ال�سبيل‪ ،‬الألباين‪ ،‬حممد نا�صر الدين‬
‫(ت‪1420 :‬هـ)‪� ،‬إ�شراف زهري �شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪8.8‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬ال�سبكي‪ ،‬عبدالوهاب بن علي (ت‪771 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9.9‬الإ�شارة يف معرفة الأ�صول والوجازة يف معرفة الدليل‪ .‬الباجي‪� ،‬سليمان بن‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪60‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫خلف (ت‪474 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد علي فركو�س‪ ،‬املكتبة املكية‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�1010‬إر�شاد الفحول �إلى حتقيق احلق من علم الأ�صول‪ ،‬ال�شوكاين‪ ،‬حممد بن علي‬
‫(ت‪1250 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبي م�صعب حممد �سعيد البدري‪ ،‬م�ؤ�س�سة الكتب‬
‫الثقافية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1111‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة‪ ،‬ابن حجر‪� ،‬أحمد بن علي الع�سقالين (ت‪:‬‬
‫‪852‬هـ)‪ ،‬دار �صادر بريوت‪( .‬طبع بهام�شه اال�ستيعاب يف معرفة الأ�صحاب‬
‫البن عبدالرب)‪.‬‬
‫‪�1212‬أ�صول ال�سرخ�سي‪ ،‬ال�سرخ�سي‪ ،‬حممد بن �أحمد بن ابي �سهل (ت‪438 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�1313‬أ�صول ال�شا�شي‪ ،‬ال�شا�شي‪� ،‬أحمد بن حممد بن �إ�سحاق (ت‪344 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪� 1414‬أ�صول الفقه‪ ،‬ابن مفلح‪� ،‬شم�س الدين حممد بن مفلح املقد�سي احلنبلي (ت‪:‬‬
‫‪763‬هـ)‪ ،‬حتقيق �أ‪ .‬د فهد بن حممد ال�سدحان‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�1515‬أ�صول الفقه‪� ،‬أبو زهرة‪ ،‬حممد ابو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪�1616‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله‪ ،‬ال�سلمي‪ ،‬د‪ .‬عيا�ض بن نامي‪ ،‬دار‬
‫التدمرية‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�1717‬أعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حممد بن �أبي بكر بن‬
‫�أيوب (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تعليق م�شهور �آل �سلمان‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬الإقناع يف فقه الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬احلجاوي‪ ،‬مو�سى بن �أحمد املقد�سي‬
‫(ت‪986 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبداللطيف ال�سبكي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪�1919‬إعانة الطالبني على حل �ألفاظ فتح املعني‪ ،‬البكري‪ ،‬عثمان بن حممد الدمياطي‬
‫(ت‪1310 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر للطباعة والن�شر‪ :‬ط‪ :‬الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬الأجنم الزاهرات على حل الفاظ الورقات يف �أ�صول الفقه‪ ،‬املارديني‪ ،‬حممد‬
‫بن عثمان (ت‪871 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪.‬عبدالكرمي النملة‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫ط‪ :‬الثالثة‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪2121‬البحر املحيط يف �أ�صول الفقه‪ ،‬الزرك�شي‪ ،‬بدر الدين حممد بن بهادر بن‬
‫عبداهلل (ت‪794 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالقادر العاين وجمموعة‪ ،‬من من�شورات‬
‫وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بالكويت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1413 ،‬هـ‪1992/‬م‬
‫‪2222‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬الكا�ساين‪� ،‬أبو بكر بن م�سعود احلنفي (ت‪:‬‬
‫‪587‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2323‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ ،‬ابن ر�شد‪ ،‬حممد بن �أحمد القرطبي (ت‪:‬‬
‫‪595‬هـ)‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2424‬البدر املنري يف تخريج الأحاديث والآثار الواقعة يف ال�شرح الكبري‪ ،‬ابن امللقن‪،‬‬
‫عمر بن علي ال�شافعي (ت‪804 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق م�صطفى �أبو الغيط و�آخرون‪ ،‬دار‬
‫الهجرة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2525‬بذل النظر يف الأ�صول‪ ،‬الأ�سمندي‪ ،‬حممد بن عبداحلميد (ت‪552 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق د‪.‬حممد زكي عبدالرب‪ ،‬دار الرتاث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2626‬الربهان يف �أ�صول الفقه‪ ،‬اجلويني‪ ،‬عبدامللك بن عبداهلل بن يو�سف (ت‪:‬‬
‫‪478‬هـ)‪ ،‬حتقيق �صالح عوي�ضه‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2727‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬العيني‪ ،‬حممود بن �أحمد بن مو�سى (ت‪855 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬بيان املخت�صر �شرح خمت�صر ابن احلاجب‪ ،‬الأ�صفهاين‪ ،‬حممود بن‬
‫عبدالرحمن (ت‪749 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد مظهر بقا‪ ،‬دار املدين‪ ،‬ال�سعودية‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪62‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪2929‬التاريخ الكبري‪ ،‬البخاري‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل (ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬توزيع دار الباز‪،‬‬
‫مكة املكرمة‪.‬‬
‫‪3030‬التب�صرة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬ال�شريازي‪� ،‬إبراهيم بن علي بن يو�سف (ت‪476 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق حممد ح�سن هيتو‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪.‬‬
‫‪3131‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬الزيلعي‪ ،‬عثمان بن علي (ت‪743 :‬هـ)‪،‬‬
‫املطبعة الكربى الأمريية‪-‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1313 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3232‬التحبري �شرح التحرير يف �أ�صول الفقه‪ ،‬املرداوي‪ ،‬علي بن �سليمان (ت‪:‬‬
‫‪885‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن اجلربين‪ ،‬ود‪ .‬عو�ض القرين‪ ،‬ود‪� .‬أحمد‬
‫ال�سراح‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3333‬حتفة الطالب مبعرفة �أحاديث خمت�صر ابن احلاجب‪ ،‬ابن كثري‪ ،‬ا�سماعيل بن‬
‫عمر (ت‪774 :‬هـ)‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3434‬حتفة امل�س�ؤول يف �شرح خمت�صر منتهى ال�سول‪ ،‬الرهوين‪ ،‬يحيى بن مو�سى‬
‫(ت‪773 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬الهادي �شبيلي‪ ،‬ود‪ .‬يو�سف الأخ�ضر‪ ،‬دار البحوث‬
‫للدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬دبي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3535‬التحقيق والبيان يف �شرح الربهان يف �أ�صول الفقه‪ ،‬البياري‪ ،‬علي بن �إ�سماعيل‬
‫(ت‪616 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق علي ب�سام‪ ،‬دار ال�ضياء‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1434 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3636‬تدريب الراوي يف �شرح تقريب النووي‪ ،‬ال�سيوطي‪ ،‬عبدالرحمن بن �أبي بكر‬
‫(ت‪911 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق نظر حممد الفاريابي‪ ،‬مكتبة الكوثر‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3737‬تف�سري ابن كثري (تف�سري القر�آن العظيم)‪ ،‬ابن كثري‪� ،‬إ�سماعيل بن عمر (ت‪:‬‬
‫‪774‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪� .‬سامي �سالمة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3838‬التقرير والتحبري على حترير الإمام الكمال ابن الهمام‪ ،‬ابن �أمري احلاج‪،‬‬
‫حممد بن حممد احللبي (ت‪879 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪3939‬تلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري‪ ،‬ابن حجر‪� ،‬أحمد بن علي‬
‫بن حممد (ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة نزار م�صطفى الباز‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬التلخي�ص يف �أ�صول الفقه‪� ،‬إمام احلرمني‪ ،‬عبدامللك بن عبداهلل اجلويني (ت‪،‬‬
‫‪478‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبداهلل جومل النيبايل و�شبري �أحمد العمري‪ ،‬دار الب�شائر‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1417 /‬هـ‪.‬‬
‫‪4141‬متام املنة يف التعليق على فقه ال�سنة‪ ،‬الألباين‪ ،‬حممد نا�صر الدين (ت‪:‬‬
‫‪1420‬هـ)‪ ،‬دار الراية‪ ،‬ط‪ :‬اخلام�سة‪.‬‬
‫‪4242‬التمهيد يف �أ�صول الفقه‪� ،‬أبو اخلطاب‪ ،‬حمفوظ بن �أحمد بن احل�سني‬
‫الكلوذاين (ت‪510 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مفيد حممد �أبو عم�شة‪ ،‬ود‪ .‬حممد بن علي‬
‫بن �إبراهيم‪ ،‬مركز البحث العلمي و�إحياء الرتاث الإ�سالمي بجامعة �أم القرى‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4343‬تي�سري التحرير على كتاب التحرير‪ ،‬ابن امري باد�شاه‪ ،‬حممد �أمني (ت‪:‬‬
‫‪987‬هـ)‪ ،‬مطبعة م�صطفى البابي احللبي‪ ،‬م�صر‪1350 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4444‬الثمر الداين �شرح ر�سالة ابن �أبي زيد القريواين‪ ،‬الأزهري‪� ،‬صالح بن‬
‫عبدال�سميع (ت‪133 :‬هـ)‪ ،‬املكتبة الثقافية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪4545‬جماع العلم‪ ،‬ال�شافعي‪ ،‬حممد بن �إدري�س (ت‪204 :‬هـ)‪ ،‬در الآثار‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪،‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪4646‬حا�شية البناين على �شرح اجلالل املحلى‪ ،‬البناين‪ ،‬عبدالرحمن جاد اهلل (ت‪:‬‬
‫‪1198‬هـ)‪� ،‬ضبط ن�صه حممد عبدالقادر �شاهني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4747‬حا�شية العطار على �شرح اجلالل املحلى على جمع اجلوامع‪ ،‬العطار‪ ،‬ح�سن بن‬
‫حممود (ت‪1250 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4848‬حجية ال�سنة النبوية ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬ال�سندي‪ ،‬عبدالقادر بن‬
‫حبيب اهلل‪ ،‬اجلامعة الإ�سالمية‪ ،‬املدينة املنورة‪1395 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪64‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪4949‬احل�سبة ابن تيمية‪� ،‬أحمد بن عبداحلليم (ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق علي ال�شحود‪،‬‬
‫ط‪ :‬الثانية‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5050‬خال�صة البدر املنري‪ ،‬ابن امللقن‪ ،‬عمر بن علي (ت‪804 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة الر�شد‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5151‬الر�سالة‪ ،‬ال�شافعي‪ ،‬حممد بن �إدري�س (ت‪204 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق خالد ال�سبع‬
‫العلمي‪ ،‬وزهري �شفيق الك ّبي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1420 ،‬ه‪.‬‬
‫‪5252‬رو�ضة الناظر وجنة املناظر يف �أ�صول الفقه على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫ابن قدامة‪ ،‬موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد (ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫الريان ط‪ :‬الثانية‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5353‬الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع‪ ،‬البهوتي‪ ،‬من�صور بن يون�س (ت‪1051 :‬هـ)‪،‬‬
‫خرج �أحاديثه عبدالقدو�س نذير‪ ،‬دار امل�ؤيد‪.‬‬
‫‪5454‬ال�سبب عند الأ�صوليني‪ ،‬الربيعة‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز بن عبدالرحمن‪ ،‬جامعة‬
‫الإمام‪ ،‬الريا�ض‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�5555‬سد الذرائع و�أثره يف الفروع الفقهية‪� ،‬شبيلي‪ ،‬الهادي بن ح�سني‪ ،‬ر�سالة‬
‫ماج�ستري‪ ،‬كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬جامعة ام القرى‪� ،‬إ�شراف د‪.‬‬
‫�أحمد بن حميد‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�5656‬سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة و�شيء من فقهها وفوائدها‪ ،‬الألباين‪ ،‬حممد‬
‫نا�صر الدين (ت‪1420 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪.‬‬
‫‪�5757‬سنن �أبي داود‪ ،‬ال�سج�ستاين‪� ،‬سليمان بن الأ�شعث بن �إ�سحاق (ت‪275 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق �شعيب الأرن�ؤوط و حممد كامل‪ ،‬دار الر�سالة العاملية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪،‬‬
‫‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪�5858‬سنن ابن ماجه‪ ،‬القزويني‪ ،‬حممد بن يزيد (ت‪273 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق �شعيب‬
‫الأرن�ؤوط و�آخرون‪ ،‬دار الر�سالة العاملية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1430 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪5959‬ال�سنن الكربى‪ ،‬البيهقي‪� ،‬أحمد بن احل�سني بن علي (ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬


‫حممد عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6060‬ال�سنة ومكانتها يف الت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬ال�سباعي‪ ،‬م�صطفى بن ح�سني (ت‪:‬‬
‫‪1384‬هـ)‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6161‬شرح التلقني‪ ،‬املازري‪ ،‬حممد بن علي بن عمر (ت‪536 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫املختار‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪�6262‬شرح تنقيح الف�صول يف اخت�صار املح�صول‪ ،‬القرايف‪� ،‬أحمد بن �إدري�س (ت‪:‬‬
‫‪684‬هـ)‪ ،‬حتقيق طه عبدالر�ؤوف‪ ،‬مكتبة الكليات الأزهرية‪ ،‬م�صر‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪�6363‬شرح التلويح على التو�ضيح‪ ،‬التفتازاين‪ ،‬م�سعود بن عمر (ت‪793 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة‬
‫�صبيح‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪�6464‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي‪ ،‬الزرك�شي‪ ،‬حممد بن عبداهلل (ت‪:‬‬
‫‪772‬هـ)‪ ،‬دار العبيكان‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6565‬شرح الكوكب املنري‪ ،‬ابن النجار‪ ،‬حممد بن �أحمد الفتوحي (ت‪972 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق د‪ .‬حممد الزحيلي‪ ،‬ود‪ .‬نزيه حماد‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الريا�ض‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6666‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬الطويف‪� ،‬سليمان بن عبدالقوي (ت‪716 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬عبداهلل الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6767‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ ،‬العثيمني‪ ،‬ال�شيخ حممد بن �صالح (ت‪:‬‬
‫‪1421‬هـ)‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6868‬شرح نخبة الفكر يف م�صطلحات �أهل الأثر‪ ،‬الهروي‪ ،‬علي بن حممد القاري‬
‫(ت‪1014 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد نزار وهيثم نزار‪ ،‬دار الأرقم‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪� 6969‬صحيح البخاري (اجلامع امل�سند ال�صحيح‪ ،)..‬البخاري‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل‬
‫(ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد زهري‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1322 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪66‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪�7070‬صحيح ابن خزمية‪ ،‬ابن خزمية‪ ،‬حممد بن �إ�سحاق الني�سابوري (ت‪311 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق حممد الأعظمي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�7171‬صحيح �أبي داود‪ ،‬الألباين‪ ،‬حممد نا�صر الدين (ت‪1420 :‬هـ)‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫غرا�س‪ ،‬الكويت‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7272‬صحيح م�سلم (امل�سند ال�صحيح املخت�صر)‪ ،‬الق�شريي‪ ،‬م�سلم بن احلجاج‬
‫(ت‪261 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد عبدالباقي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�7373‬ضعيف �سنن الرتمذي‪ ،‬الألباين‪ ،‬حممد نا�صر الدين (ت‪1420 :‬هـ)‪� ،‬أ�شرف‬
‫عليه زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7474‬العدة يف �أ�صول الفقه‪� ،‬أبو يعلى‪ ،‬حممد بن احل�سني الفراء (ت‪458 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق د‪� .‬أحمد �سري املباركي‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7575‬العلل املتناهية يف الأحاديث املتناهية‪ ،‬ابن اجلوزي‪ ،‬عبدالرحمن بن علي (ت‪:‬‬
‫‪597‬هـ)‪ ،‬حتقيق �إر�شاد احلق‪� ،‬إدارة العلوم الأثرية‪ ،‬باك�ستان‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪7676‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬العيني‪ ،‬حممود بن �أحمد بن مو�سى (ت‪:‬‬
‫‪855‬هـ)‪ ،‬دار �إحياء الرتاث‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪7777‬عوار�ض الأهلية ال�سماوية و�أثرها يف باب املعامالت‪ ،‬الراجحي‪� ،‬أحمد بن‬
‫عبداهلل‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬جامعة ام‬
‫القرى‪� ،‬إ�شراف د‪� .‬سلطان العمري‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7878‬غاية ال�سول �إلى علم الأ�صول‪ ،‬ابن املربد‪ ،‬يو�سف بن ح�سن (ت‪909 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق بدر ال�سبيعي‪ ،‬غرا�س‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7979‬الغيث الهامع �شرح جمع اجلوامع‪ ،‬العراقي‪� ،‬أحمد بن عبدالرحيم (ت‪:‬‬
‫‪826‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8080‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬ابن حجر‪� ،‬أحمد بن علي الع�سقالين (ت‪:‬‬

‫‪67‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫‪852‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد عبدالباقي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪8181‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬ابن رجب‪ ،‬عبدالرحمن بن �أحمد البغدادي‬
‫(ت‪795 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممود �شعبان و�آخرون‪ ،‬مكتبة الغرباء الأثرية‪ ،‬املدينة‬
‫املنورة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8282‬فتح القدير‪ ،‬ابن الهمام‪ ،‬حممد بن عبدالواحد (ت‪861 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪8383‬الفروق (�أنوار الربوق يف �أنواء الفروق)‪ ،‬القرايف‪� ،‬أحمد بن �إدري�س (ت‪:‬‬
‫‪684‬هـ)‪ ،‬عامل الكتب‪.‬‬
‫‪8484‬الف�صول يف الأ�صول (�أ�صول اجل�صا�ص)‪ ،‬اجل�صا�ص‪� ،‬أحمد بن علي الرازي (ت‪:‬‬
‫‪370‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد حممد تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8585‬الفواكه الدواين على ر�سالة ابن �أبي زيد القريواين‪ ،‬النفراوي‪� ،‬أحمد بن غنيم‬
‫الأزهري (ت‪1126 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8686‬قواطع الأدلة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬ال�سمعاين‪ ،‬من�صور بن حممد بن عبداجلبار‬
‫(ت‪489 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد ح�سن �إ�سماعيل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8787‬القواعد والفوائد الأ�صولية‪ ،‬ابن اللحام‪ ،‬عالء الدين علي بن حممد البعلي‬
‫(ت‪803 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبدلكرمي الف�ضيلي‪ ،‬املكتبة الع�صرية‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8888‬القيا�س يف العبادات حكمه و�أثره‪� ،‬إلهي‪ ،‬حممد منظور‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8989‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،‬ابن قدامة‪ ،‬عبداهلل بن �أحمد الدم�شقي (ت‪:‬‬
‫‪620‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1414 :‬هـ‪.‬‬
‫‪9090‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬ابن عبدالرب‪ ،‬يو�سف بن عبداهلل النمري (ت‪463 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق حممد املوريتاين‪ ،‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9191‬ك�شف الأ�سرار عن �أ�صول فخر الإ�سالم البزدوي‪ ،‬عالء الدين البخاري‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪68‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫عبدالعزيز بن �أحمد‪ ،‬و�ضع حوا�شيه عبداهلل حممود حممد عمر‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9292‬اللمع يف �أ�صول الفقه‪ ،‬ال�شريازي‪� ،‬إبراهيم بن علي (‪476‬هـ)‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9393‬ما اليجري فيه القيا�س‪ ،‬احلريتي‪ ،‬حممد ن�صار‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬كلية دار‬
‫العلوم‪ ،‬جامعة القاهرة‪� ،‬إ�شراف د‪ .‬حممد بلتاجي‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9494‬ما اليتم الواجب �إال به درا�سة �أ�صولية تطبيقية‪ ،‬ميحر‪ ،‬مهدي �إبراهيم‪ ،‬ر�سالة‬
‫ماج�ستري‪ ،‬كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬جامعة ام القرى‪� ،‬إ�شراف د‪.‬‬
‫عثمان املر�شد‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9595‬املب�سوط‪ ،‬ال�سرخ�سي‪ ،‬حممد بن �أحمد (ت‪483 :‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪9696‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬النووي‪ ،‬حميي الدين يحيى بن �شرف (ت‪676 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫‪9797‬املح�صول يف علم �أ�صول الفقه‪ ،‬الرازي‪ ،‬فخر الدين حممدبن عمر (ت‪:‬‬
‫‪606‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪.‬طه العلواين‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9898‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪� ،‬أحمد بن عبداحلليم (ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬جمع‬
‫عبدالرحمن ابن قا�سم‪ ،‬جممع امللك فهد‪ ،‬املدينة املنورة‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9999‬امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬احلاكم‪ ،‬حممد بن عبداهلل الني�سابوري (ت‪:‬‬
‫‪405‬هـ)‪ ،‬حتقيق م�صطفى عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10100‬امل�ست�صفى‪ ،‬الغزايل‪ ،‬حممدبن حممد الطو�سي (ت‪505 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫عبدال�سالم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10101‬م�سند الإمام �أحمد‪� ،‬أحمد بن حممد بن حنبل (ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق �شعيب‬
‫الأرن�ؤوط و�آخرون‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10102‬امل�سودة �آل تيمية‪ ،‬عبدال�سالم بن عبداهلل (ت‪652 :‬هـ)‪ ،‬وابنه‪ :‬عبداحلليم‬

‫‪69‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫(ت‪682 :‬هـ)‪ ،‬وحفيده �أحمد (ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد حميي الدين‬
‫عبداحلميد‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪10103‬م�صنف ابن �أبي �شيبة (الكتاب امل�صنف يف الأحاديث والآثار) ابن ابي �شيبة‪،‬‬
‫عبداهلل بن حممد العب�سي (ت‪235 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق كمال احلوت‪ ،‬مكتبة الر�شد‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10104‬املطلق واملقيد‪ ،‬ال�صاعدي‪ ،‬حمد بن حمدي‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬اجلامعة‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10105‬قاعدة املطلق يجري على �إطالقه ما مل يقم دليل التقييد ن صً� ا �أو داللة‪ ،‬الغول‪،‬‬
‫نادية ح�سني‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬كلية ال�شريعة والقانون‪ ،‬جامعة غزة‪� ،‬إ�شراف‬
‫د‪ .‬زياد مقداد‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10106‬معامل �أ�صول الفقه عند �أهل ال�سنة واجلماعة‪ ،‬اجليزاين‪ ،‬د‪ .‬حممد بن ح�سني‪،‬‬
‫دار ابن اجلوزي‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10107‬معامل ال�سنن‪ ،‬اخلطابي‪ ،‬حممد بن �إبراهيم الب�ستي (ت‪388 :‬هـ)‪ ،‬املطبعة‬
‫العلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1351 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10108‬املعتمد يف �أ�صول الفقه‪ ،‬الب�صري‪ ،‬حممد بن علي (ت‪436 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق خليل‬
‫املي�س‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10109‬املعجم الكبري‪ ،‬الطرباين‪� ،‬سليمان بن �أحمد (ت‪360 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق حمدي‬
‫ال�سلفي‪ ،‬ى مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫‪11110‬معجم اللغة العربية املعا�صرة‪ ،‬عمر‪� ،‬أحمد خمتار‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪11111‬املعجم الو�سيط‪� ،‬إعداد �إبراهيم م�صطفى و�آخرون ‪ -‬جممع اللغة العربية‬
‫بالقاهرة‪ ،‬دار الدعوة‪.‬‬
‫‪11112‬املغني‪ ،‬ابن قدامة‪ ،‬عبداهلل بن �أحمد بن حممد (ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة القاهرة‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪70‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

‫‪1388‬هـ‪.‬‬
‫‪11113‬منتهى ال�س�ؤل والأمل يف علمي الأ�صول واجلدل‪ ،‬ابن احلاجب‪ ،‬عثمان بن عمر‬
‫بن �أبي بكر (ت‪646‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1315 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11114‬املنخول من تعليقات الأ�صول‪ ،‬الغزايل‪ ،‬حممد بن حممد الطو�سي (ت‪:‬‬
‫‪505‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد هيتو‪ ،‬دار الفكر املعا�صر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11115‬منظومة �أ�صول الفقه وقواعده‪ ،‬العثيمني‪ ،‬ال�شيخ حممد بن �صالح (ت‪:‬‬
‫‪1421‬هـ)‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة‪1434 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11116‬منهاج الو�صول �إلى علم الأ�صول‪ ،‬البي�ضاوي‪ ،‬عبداهلل بن عمر (ت‪685‬هـ)‪،‬‬
‫(طبع مع الإبهاج)‪.‬‬
‫‪11117‬املهذب يف فقه الإمام ال�شافعي‪ ،‬ال�شريازي‪� ،‬إبراهيم بن علي (ت‪476 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪11118‬املوافقات‪ ،‬ال�شاطبي‪� ،‬إبراهيم بن مو�سى اللخمي (ت‪790 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق م�شهور‬
‫�آل �سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11119‬موط أ� الإمام مالك‪ ،‬الأ�صبحي‪ ،‬الإمام مالك بن �أن�س (‪179‬هـ)‪ ،‬تعليق حممد‬
‫ف�ؤاد‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12120‬مو�سوعة القواعد الفقهية‪ ،‬البورنو‪ ،‬حممد �صدقي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12121‬نربا�س العقول يف حتقيق القيا�س عند علماء الأ�صول‪ ،‬منون‪ ،‬عي�سى‪� ،‬إدارة‬
‫الطباعة املنريية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪.‬‬
‫‪12122‬نهاية ال�سول يف �شرح منهاج الو�صول �إلى علم الأ�صول‪ ،‬الإ�سنوي‪ ،‬عبدالرحيم‬
‫بن احل�سن (ت‪772 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪� .‬شعبان �إ�سماعيل‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12123‬نيل الأوطار‪ ،‬ال�شوكاين‪ ،‬حممد بن علي (ت‪1250 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق ع�صام الدين‬

‫‪71‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫ال�صبابطي‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬م�صر‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪12124‬النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬اجلزري‪ ،‬املبارك بن حممد بن حممد‬
‫(‪606‬هـ)‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12125‬نهاية الو�صول يف دراية الأ�صول‪ ،‬الهندي‪� ،‬صفي الدين حممد بن عبدالرحيم‬
‫(ت‪715 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق �صالح اليو�سف و�سعد ال�سويح‪ ،‬مكتبة نزار الباز‪ ،‬مكة‬
‫املكرمة‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12126‬الوا�ضح يف �أ�صول الفقه‪ ،‬ابن عقيل‪ ،‬علي بن عقيل بن حممد احلنبلي (ت‪:‬‬
‫‪513‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبداهلل الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12127‬الوجيز يف �أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الزحيلي‪ ،‬حممد م�صطفى‪ ،‬دار اخلري‪،‬‬
‫دم�شق‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12128‬الوجيز يف �إي�ضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬البورنو‪ ،‬حممد �صدقي‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الرابعة‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫املواقع الإلكرتونية‪:‬‬
‫‪1.‬‬ ‫‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/‬‬
‫‪PublicHealth/Pages/corona.aspx‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪https://www.youtube.com/watch?v=hSjQ_7fLdi8‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪https://www.youtube.com/watch?v=xuJXnwt3sHs‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪org.sa/nawazel/ar/‬‬
‫‪5.‬‬ ‫‪https://www.spa.gov.sa/2048662‬‬
‫‪6.‬‬ ‫‪https://twitter.com/aliftasa/status/1265757438868946945‬‬
‫‪7.‬‬ ‫‪https://sabq.org/Bq8HXR‬‬
‫‪8.‬‬ ‫‪http://yasaloonak.net/‬‬
‫‪9.‬‬ ‫‪https://www.alukah.net/library/0/140336/‬‬
‫‪10. https://binbaz.org.sa/‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪72‬‬


‫القواعد األصولية املتعلقة باحلكم واألدلة‬

‫وأثرها يف األحكام الفقهية جلائحة كورونا‬

11. https://www.youtube.com/watch?v=TQZfYQC3pnE&feature=
youtu.be
12. https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/82d1b212-df3f-4860-
86f0-a437a2438af9
13. https: //www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/
PublicHealth/Pages/corona.aspx
14. http://www.emro.who.int/ar/surveillance-forecasting-response/
publications/
15. https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar

73 ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عيسى بن حممد العويس‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة ‪17 ........................................................................‬‬


‫التمهيد‪ :‬يف التعريف بجائحة كورونا امل�ستجد ‪23 .................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬القواعد الأ�صولية املتعلقة باحلكم ال�شرعي‪ ،‬وفيه خم�سة مطالب‪24 ... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬فاقد العقل لعار�ض غري مكلف ‪24 ...............................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الواجب ال�شرعي مع ّلق باال�ستطاعة ‪26 .........................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب ‪29 ..........................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬املكروه يباح عند احلاجة‪32 ....................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪� :‬إيقاع ال�سبب مبنزلة �إيقاع امل�سبب ‪35 ........................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬القواعد الأ�صولية املتعلقة بالأدلة‪ ،‬وفيه �ستة مطالب‪37 .......... :‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬سنة النبي ﷺ حجة ت�ستقل بالت�شريع ‪37 ........................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الإجماع حجة �شرعية ‪41 .......................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القيا�س حجة �شرعية ‪43 .......................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬يجوز القيا�س يف العبادات ‪48 ..................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬مذهب ال�صحابي حجة ‪50 ...................................‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪� :‬سد الذرائع حجة ‪53 ........................................‬‬
‫اخلامتة ‪57 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪60 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪74‬‬


‫المنهج الشرعي‬
‫في التعامل مع األوبئة‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبدالله املطلق‬
‫الأ�ستاذ بق�سم الفقه بكلية ال�رشيعة‬
‫بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪76‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املقدمة‬

‫�إن احلمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ون�ستعينه‪ ،‬ون�ستـغفره‪ ،‬ون�ستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من �شرور‬
‫�أنف�سنا‪ ،‬و�سيئات �أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال م�ضل له‪ ،‬ومن ي�ضـلل فـال هادي له‪،‬‬
‫و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬و�أ�شـهد �أن حمـمدً ا عبده ور�سولـه‪� ،‬صلى‬
‫اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪( ،‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ) [�آل عمران‪( ،]102 :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الن�ساء‪،]1 :‬‬
‫( ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب‪� ،]71-70 :‬أما بعد(((‪:‬‬
‫فقد اجتاح العامل وباء ي�سمى فريو�س كورونا( كوفيد‪ ،)19‬وهذا الفريو�س من‬
‫الأوبئة التي تنتقل بني الب�شر من املر�ضى امل�صابني باللم�س �أو الرذاذ ونحوه مما‬
‫ب ّينته منظمة ال�صحة العاملية‪ ،‬وهذا الوباء �سبقته �أوبئة مرت بها الأمة عرب التاريخ‬
‫ومنها وباء الطاعون وغريه‪ ،‬متيزت ب�سرعة االنت�شار‪ ،‬وانتقال العدوى بها يقي ًنا‪.‬‬
‫((( هذه خطبة احلاجة التي رواها عبداهلل بن م�سعود عن النبي ﷺ �أخرجها الرتمذي يف �سننه‪ ،‬كتاب‬
‫النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف خطبة النكاح (‪ )356-355/2‬برقم (‪ ،)1107‬و �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب‬
‫النكاح‪ ،‬باب‪ :‬يف خطبة النكاح (‪ )239-238/2‬برقم (‪ ،)2118‬وابن ماجه يف �سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪،‬‬
‫باب‪ :‬خطبة النكاح (‪ )609/1‬برقم (‪ ،)1892‬والإمام �أحمد يف م�سنده‪ ،‬انظر‪ :‬الفتح الرباين لرتتيب‬
‫م�سند الإمام �أحمد‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ا�ستحباب اخلطبة للنكاح (‪ ،)165/16‬والبيهقي يف ال�سنن‬
‫الكربى‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف خطبة النكاح (‪ ،)146/7‬واحلاكم يف امل�ستدرك‪ ،‬كتاب النكاح‪،‬‬
‫ح�سنه الرتمذي يف �سننه (‪ ،)356/2‬وقد جمع‬ ‫باب‪ :‬خطبة احلاجة (‪ ،)183-182/2‬وهذا احلديث َّ‬
‫طرق هذه اخلطبة ال�شيخ نا�صر الدين الألباين يف جزء �صغري �س َّماه‪( :‬خطبة احلاجة)‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫وورد التوجيه النبوي الكرمي للتعامل مع الأوبئة ب�إجراءات احرتازية ووقائية‬


‫ت�ساعد يف منع انت�شاره‪� ،‬أو تخفف من حدة و�سرعة انتقال العدوى‪ ،‬و�س�أحتدث‬
‫ب�إذن اهلل يف هذا البحث عن املنهج ال�شرعي للتعامل مع الأوبئة كما ورد عن النبي‬
‫ﷺ‪ ،‬وفعله �صحابته ‪ ،‬وما قرره الفقهاء ‪ ‬بنا ًء على املقا�صد ال�شرعية‬
‫املعتربة‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع‪:‬‬
‫تظهر �أهمية هذا املو�ضوع يف بيان املنهج ال�شرعي وا�ستح�ضار قواعد ال�شريعة‬
‫و�أ�صولها ومقا�صدها التي دلت عليها ن�صو�ص القر�آن وال�سنة و�آثار ال�صحابة يف‬
‫التعامل مع الأوبئة مراعاة حلفظ النفو�س الب�شرية ووقايتها مما قد ي�ضر بها‪.‬‬
‫�أ�سباب اختيار هذا املو�ضوع‪:‬‬
‫عم جميع دول العامل‪ ،‬وكتب فيه العلماء يف جمال ال�صحة‪،‬‬ ‫‪�1.1‬أن الوباء ّ‬
‫لزاما على �أهل العلم ال�شرعي بيان الأحكام الفقهية‬
‫واالقت�صاد؛ فكان ً‬
‫املتعلقة به‪ ،‬واملنهج ال�شرعي يف التعامل معه‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن معرفة املنهج ال�شرعي للتعامل مع هذا الوباء يتعلق بجانب يهم امل�سلم يف‬
‫جميع �أحواله؛ لهذا �آثرت الكتابة فيه‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫وتتكون من املقدمة‪ ،‬وع�شرة مباحث‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وفهر�س ملراجع البحث‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬التعريف بالوباء‪ ،‬وبكورونا(كوفيد ‪ )19‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التعريف بالوباء وما يراد به‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف بوباء فريو�س كورونا ( كوفيد‪.)19‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الأ�صل يف بيان املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪78‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املبحث الثالث‪� :‬أمر املري�ض بالتداوي‪.‬‬


‫املبحث الرابع‪ :‬منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد �سواء كان يف‬
‫بيته (احلجر املنزيل) �أو يف املراكز وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي)‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده‪.‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪� :‬أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية‪ ،‬ومنعه من خمالطة املري�ض‪،‬‬
‫و�إلزامه باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات‪.‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي‪.‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض‪� ،‬أو التهوين منه‪.‬‬
‫املبحث التا�سع‪ :‬ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة‪.‬‬
‫املبحث العا�شر‪ :‬الإتيان بامل�أمورات ح�سب اال�ستطاعة‪.‬‬
‫وقد اتبعت املنهج املعتمد يف البحث الفقهي؛ ببحث اخلالف يف امل�س�ألة ‪�-‬إن‬
‫وجد‪ -‬على املذاهب الأربعة‪ ،‬وبعزو الأقوال لقائليها من كتبهم املعتمدة يف املذهب‪،‬‬
‫وذكرت الأدلة‪ ،‬وما ورد من وجوه اال�ستدالل بها‪ ،‬وما ورد عليها من مناق�شات‪ ،‬ثم‬
‫اختيار ما �أرى رجحانه‪ ،‬مع ذكر �سبب الرتجيح‪ ،‬وعزو الآيات �إلى مو�ضعها من كتاب‬
‫اهلل بذكر ال�سورة ورقم الآية‪ ،‬وتخريج احلديث من كتب احلديث ال�ستة �إال �إذا كان‬
‫يف ال�صحيحني �أو �أحدهما ف�أكتفي بذلك‪ ،‬ثم ذكرت خامتة خل�صت فيها ما تو�صلت‬
‫�إليه من نتائج‪.‬‬
‫هذا و�أ�س�أل اهلل �أن ينفع به‪ ،‬و�أن يجعله خال صً� ا لوجهه الكرمي‪ ،‬وما كان فيه من‬
‫�صواب فمن اهلل وحده فله احلمد‪ ،‬وما كان غري ذلك فمن نف�سي وا�ستغفر اهلل العلي‬
‫العظيم‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫املبحث الأول‬
‫التعريف بالوباء‪ ،‬وبكورونا(كوفيد ‪)19‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‬
‫التعريف بالوباء وما يراد به‬
‫الوباء يف اللغة‪ :‬هو كل مر�ض عام‪ ،‬وقد َو ِب َئ ِت ال ُ‬
‫أر�ض َو َب�أ َو َو ُب�ؤَ ْت ِو َب�أ َو ِو َبا َء ًة َو ِ�إبا ًء‬
‫واال�سم‬
‫ُ‬ ‫أر�ض َو ِب َئ ٌة َوو ِبي َئ ٌة كثري ُة الوباءِ‪،‬‬ ‫َو ِ�إبا َء ًة على البدل‪ ،‬و�أَ ْو َب أَ� ْت َو ُو ِب َئ ْت َوبا ًء‪ ،‬و� ٌ‬
‫أر�ض ا�س َت ْو َخمها‪ ،‬و�أر�ض َم ْو ُبوءة و ُمو ِبئ ٌة كثرية ال َوباء‪.‬‬ ‫ال ِبي َئ ُة‪ ،‬وا�ستو َب�أ ال َ‬
‫والوباء الذي يف�سد له الهواء فتف�سد به الأمزجة والأبدان(((‪.‬‬
‫وعم الكثري من النا�س(((‪.‬‬
‫والوباء يف اال�صطالح‪ :‬ا�سم لكل مر�ض عام(((‪ ،‬تف�شى ّ‬
‫فال فرق بني املعنى اللغوي واال�صطالحي‪ ،‬وقد خ�صه بع�ض العلماء بالطاعون‪،‬‬
‫كما قال ابن عبدالرب ‪“ :‬الوباء الطاعون‪ ،‬وهو كل موت نازل”(((‪ ،‬وقال ابن‬
‫الأثري ‪“ :‬الطاعون هو املر�ض العام والوباء الذي يف�سد له الهواء”(((‪.‬‬
‫وقال ابن حجر‪“ :‬الطاعون‪ :‬هو الوباء‪ ،‬وهو الوجع الغالب الذي يطفئ الروح‬
‫كالذبيحة‪� ،‬سمي بذلك لعموم م�صابه و�سرعة قتله‪ ،‬وقال عيا�ض‪� :‬أ�صل الطاعون‬
‫انظر‪ :‬املحكم واملحيط الأعظم ‪ ،566/10‬مادة(و ب �أ)‪ ،‬ل�سان العرب (‪ ،)267/13‬مادة (و ب �أ)‪،‬‬ ‫(((‬
‫املغرب يف ترتيب املعرب �ص ‪ 475‬مادة ( و ب �أ)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬النهر الفائق �شرح كنز الدقائق‪ ،376/1‬حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين‪� ،93/2‬أ�سنى‬ ‫(((‬
‫املطالب‪،83/3‬‬
‫انظر‪ :‬معجم لغة الفقهاء (‪.)498/1‬‬ ‫(((‬
‫التمهيد (‪.)211/6‬‬ ‫(((‬
‫النهاية يف غريب احلديث ‪.127/3‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪80‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫القروح اخلارجة يف اجل�سد‪ ،‬والوباء‪ :‬عموم الأمرا�ض ف�سميت طاعو ًنا ل�شبهها به‬
‫يف الهالك‪ ،‬و�إال فكل طاعون وباء‪ ،‬ولي�س كل وباء طاعو ًنا‪ ،‬وقال جماعة من الأطباء‬
‫ورما قت اًّال يحدث يف املوا�ضع‬ ‫ومنهم �أبو علي بن �سينا‪ :‬الطاعون مادة �سمية حتدث ً‬
‫الرخوة واملغابن من البدن‪ ،‬و�أغلب ما تكون حتت الإبط‪� ،‬أو خلف الأذن‪� ،‬أو عند‬
‫(((‪.‬‬
‫الأرنبة‪ ،‬وغري ذلك من املعاين الكثرية للطاعون”‬
‫‪-‬منْ َح ْيثُ اللُّ َغ ُة‪َ -‬ن ْو ٌع ِمنَ ا ْل َو َباءِ‪َ ...‬ولمَ َّا َكانَ‬ ‫“الط ُاعونُ ِ‬ ‫وقال ابن القيم ‪َّ :‬‬
‫ال َّطاعُونُ يَكْثرُُ فيِ الْوَبَاءِ‪ ،‬وَفيِ الْبِلاَدِ ا ْل َو ِبي َئ ِة‪ُ ،‬عبرِّ َ َع ْن ُه ِبا ْل َو َباءِ‪َ ،‬ك َما َق َال اخلليل‪:‬‬
‫الط ُاع ِون ُع ُم ًوما‬ ‫الط ُاعونُ ‪َ .‬و ِق َيل‪ :‬هُ َو ُك ُّل َم َر ٍ�ض َي ُع ُّم‪َ ،‬والت َّْح ِقيقُ �أَنَّ َبينْ َ ا ْل َو َبا ِء َو َّ‬ ‫ا ْل َو َبا ُء َّ‬
‫ا�ض ا ْل َعا َّم ُة �أَ َع ُّم‬ ‫َو ُخ ُ�صو صً� ا َف ُك ُّل َط ُاع ٍون َو َبا ٌء‪َ ،‬و َل ْي َ�س ُك ُّل َو َباءٍ َط ُاعو ًنا‪َ ،‬و َك َذ ِل َك َْ أ‬
‫ال ْم َر ُ‬
‫الط َو ِاع ُني ُخ َّر َاجاتٌ َو ُق ُرو ٌح َو�أَ ْو َرا ٌم َر ِدي َئ ٌة َحا ِد َث ٌة فيِ‬ ‫الط ُاع ِون َف�إِ َّن ُه َو ِاح ٌد ِم ْن َها‪َ ،‬و َّ‬ ‫ِمنَ َّ‬
‫ا�ض ِع المْ ُ َت َقدِّ ِم ِذ ْك ُر َها”(((‪.‬‬
‫المْ َ َو ِ‬
‫وا�سم الطاعون يطلق يف اللغة على الأوبئة عامة‪� ،‬أما يف الطب فالطاعون (‪)Plague‬‬
‫يطلق على مر�ض وبائي معروف �شديد ال�سراية ينتهي غالبا بوفاة ال�شخ�ص امل�صاب(((‪.‬‬
‫وجاء يف املو�سوعة الطبية احلديثة الوباء هو‪ :‬كل مر�ض ي�صيب عددًا كب ًريا من‬
‫النا�س يف منطقة واحدة يف مدة ق�صرية من الزمن‪ ،‬ف�إن �أ�صاب املر�ض عددًا عظي ًما‬
‫من النا�س يف منطقة جغرافية �شا�سعة �سمي وبا ًء عامل ًيا ‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫التعريف بوباء فريو�س كورونا ( كوفيد‪)19‬‬

‫مر�ض الفريو�س التاجي ‪ 2019‬املعروف اخت�صا ًرا بكوفيد ‪ 19‬هو التهاب يف اجلهاز‬
‫التنف�سي ب�سبب فريو�س تاجي جديد‪ ،‬وقد �أعلنت منظمة ال�صحة العاملية ر�سم ًيا �أن‬
‫((( فتح الباري ‪.190/10‬‬
‫((( زاد املعاد ‪.35/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املو�سوعة الطبية الفقهية �ص ‪.704‬‬

‫‪81‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫هذا الوباء جائحة عاملية يف ‪ 11‬مار�س ‪2020‬م‪ .‬و ُيظن �أن الفريو�س حيواين املن�ش�أ يف‬
‫الأ�صل‪ ،‬ولكن احليوان اخلازن غري معروف حتى الآن ب�شكل م�ؤكد‪ ،‬وهناك �شبهات حول‬
‫اخلفا�ش و�آكل النمل‪ ،‬و�أما انتقاله من �إن�سان لآخر فقد ثبت �أنه وا�سع االنت�شار‪ .‬وترتاوح‬
‫العدوى بني حامل الفريو�س من دون �أعرا�ض �إلى �أعرا�ض �شديدة‪ .‬ت�شمل احلمى‬
‫وال�سعال و�ضيق التنف�س (يف احلاالت املتو�سطة �إلى ال�شديدة)؛ قد يتطور املر�ض خالل‬
‫�أ�سبوع �أو �أكرث من معتدل �إلى حاد‪ ،‬ومعدل الوفيات بني احلاالت امل�شخ�صة ب�شكل عام‬
‫حوايل ‪� %2‬إلى ‪ %3‬ولكنها تختلف ح�سب البلد و�شدة احلالة‪ .‬وال يوجد لقاح متاح ملنع‬
‫هذه العدوى‪ .‬وتبقى تدابري مكافحة العدوى هي الدعامة الأ�سا�سية للوقاية (�أي غ�سل‬
‫اليد وكظم ال�سعال‪ ،‬والتباعد اجل�سدي للذين يعتنون باملر�ضى بالإ�ضافة �إلى ما ي�سمى‬
‫بالتباعد االجتماعي بني النا�س)‪ .‬واملعرفة بهذا املر�ض غري مكتملة وتتطور مع الوقت؛‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فمن املعروف �أن الفريو�سات التاجية تتحول وتتجمع يف كثري من‬
‫الأحيان‪ ،‬وهذا ميثل حتدٍّ م�ستمر لفهمنا للمر�ض وكيفية تدبري احلاالت ال�سريرية(((‪.‬‬
‫وقد ع ّرفت وزارة ال�صحة ال�سعودية كورونا فقالت‪:‬‬
‫فريو�س (كورونا) من ف�صيلة فريو�سات (كورونا) اجلديد؛ حيث ظهرت �أغلب‬
‫حاالت الإ�صابة به يف مدينة ووهان ال�صينية نهاية دي�سمرب ‪٢٠١٩‬م على �صورة‬
‫التهاب رئوي حاد‪ .‬و ُيعتقد �أن فريو�س (كورونا) اجلديد مرتبط باحليوان؛ حيث �إن‬
‫�أغلب احلاالت الأولية كان لها ارتباط ب�سوق للبحريات واحليوانات يف مدينة ووهان‪،‬‬
‫وينتقل الفريو�س بني الب�شر من ال�شخ�ص امل�صاب بالعدوى �إلى �شخ�ص �آخر عن‬
‫طريق املخالطة القريبة دون حماية(((‪.‬‬

‫((( جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا امل�ستجد كوفيد ‪19-‬‬
‫ومايتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها جممع الفقه اال�سالمي ‪-‬عن بعد‪23 -‬‬
‫�شعبان ‪1441‬هـ‪ 16 ،‬ابريل ‪2020‬م‪ِ .‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية �‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/Educational‬‬
‫‪Content/PublicHealth/Pages/corona.aspx‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪82‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املبحث الثاين‬
‫الأ�صل يف بيان املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة‬

‫‪( 1.1‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة‪.]195 :‬‬


‫‪( 2.2‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء‪.]29 :‬‬
‫هلل ﷺ يقول‪�ِ « :‬إنَّ‬ ‫‪3.3‬ماورد عن �أ�سامة بن زيد ‪ ‬قال‪� :‬سمعت ر�سول ا ِ‬
‫ا�س ِمنْ‬ ‫اب َ�أ ْو َب ِق َّي ُة َع َذ ٍاب ُع ِّذ َب ِب ِه �أُ َن ٌ‬ ‫َه َذا ا ْل َو َج َع ‪�-‬أي الطاعونَ ‪ِ -‬ر ْج ٌز �أَ ْو َع َذ ٌ‬
‫َق ْب ِل ُك ْم‪َ ،‬ف�إِ َذا َكانَ ِب َ�أ ْر ٍ�ض َو أَ� ْنت ُْم ِب َها‪َ ،‬فلاَ ت َْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َو إِ� َذا َب َل َغ ُك ْم َ أ� َّن ُه ِب َ�أ ْر ٍ�ض‬
‫وها» (((‪.‬‬‫َفلاَ ت َْد ُخ ُل َ‬
‫رب‬ ‫ال�شام حتى �إذا َق َ‬ ‫ِ‬ ‫خرج �إلى‬ ‫اخلطاب ‪� ‬أنه َ‬ ‫ِ‬ ‫‪4.4‬ما ورد عن عمر بن‬
‫اجلراح و�أ�صحا ُبهُ‪ ،‬ف�أخربو ُه‬ ‫ِ‬ ‫أجناد �أبو عبيد َة بنُ‬ ‫ال�شام لق َي ُه �أمرا ُء ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمنَ‬
‫فدعا عم ُر ال�صحاب َة‬ ‫عبا�س‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال�شام‪ ،‬قال ابنُ‬ ‫ِ‬ ‫�أنَّ الوبا َء قد و َق َع ب� ِ‬
‫أر�ض‬
‫بع�ض ُهم‪:‬‬ ‫بال�شام‪ ،‬فاختل ُفوا‪ ،‬فقال ُ‬ ‫ِ‬ ‫أخربهم �أنَّ الوبا َء قد وقع‬ ‫وا�ست�شا َر ُهم‪ ،‬و� ُ‬
‫النا�س‬ ‫معك بقي ُة ِ‬ ‫بع�ض ُهم‪َ :‬‬ ‫أمر وال نرى �أنْ ترج َع عنهُ‪ ،‬وقال ُ‬ ‫خرجت ل ٍ‬‫َ‬ ‫قد‬
‫ُقد َم ُهم على هذا الوباءِ‪َ ،‬ف َنا َدى‬ ‫هلل ﷺ وال َنرى �أنْ ت ِ‬ ‫ر�سول ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ�صحاب‬
‫ُ‬ ‫و�‬
‫ا�س‪� :‬إِنيِّ ُم َ�ص ِّب ٌح َع َلى َظ ْه ٍر َف�أَ ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِه‪َ .‬ق َال �أَ ُبو ُع َب ْي َد َة ْبنُ‬ ‫ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ‬
‫اجل َّر ِاح‪ :‬أَ� ِف َرا ًرا ِم ْن َق َد ِر اهلل؟ َف َق َال ُع َم ُر‪َ :‬ل ْو َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا �أَ َبا ُع َب ْي َدةَ؟‬ ‫َ‬
‫َن َع ْم َن ِف ُّر ِم ْن َق َد ِر اهلل ِإ� َلى َق َد ِر اهلل‪� ،‬أَ َر�أَ ْي َت َل ْو َكانَ َل َك ِ�إ ِب ٌل َه َب َط ْت َو ِاد ًيا‬
‫اخل ْ�ص َب َة‬ ‫َان‪� ،‬إِ ْح َد ُاه َما َخ ِ�ص َب ٌة‪َ ،‬والأُخْ َرى َج ْد َب ٌة‪� ،‬أَ َل ْي َ�س �إِنْ َر َع ْي َت َ‬ ‫َل ُه ُع ْد َوت ِ‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬باب ما يكره من االحتيال يف الفرار من الطاعون(‪ ،)6974‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬باب الطاعون والطرية (‪.)2218‬‬

‫‪83‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫اجل ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر اهلل؟ َق َال‪َ :‬ف َجا َء‬ ‫َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر اهلل‪َ ،‬و�ِإنْ َر َع ْي َت َ‬
‫َع ْب ُدال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف ‪َ -‬و َكانَ ُم َت َغ ِّي ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َ‬
‫اج ِت ِه‪َ -‬ف َق َال‪ :‬إِ�نَّ ِع ْن ِدي فيِ‬
‫ول‪�« :‬إِ َذا َ�سمِ ْعت ُْم ِب ِه ِب�أَ ْر ٍ�ض َف َال َتق َْد ُموا‬
‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َه َذا ِع ْل ًما‪�َ ،‬سمِ ْع ُت َر ُ�س َ‬
‫َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ِإ� َذا َو َق َع ِب َ أ� ْر ٍ�ض َو أَ� ْنت ُْم ِب َها َف َال تَخْ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ» َق َال‪َ :‬ف َحمِ َد اللهَّ َ‬
‫ُع َم ُر ُث َّم ا ْن َ�ص َر َف(((‪.‬‬
‫‪5.5‬ما ورد عن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ﷺ قال‪( :‬و ِف ِّر من‬
‫املجذوم كما تف ُّر من الأ�سد)(((‪.‬‬
‫هلل ﷺ‪:‬‬ ‫أر�سل اليه ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬ ‫قيف كان ِمن ِ�ضم ِنهم رج ٌل جمذوم ف� َ‬ ‫‪6.6‬ملا َو َف َد َو ْف ُد َث ٍ‬
‫اك َفا ْر ِج ْع» (((‪.‬‬ ‫« �إِ َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ‬
‫‪7.7‬عن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪َ « :‬ال ُيو ِردَنَّ ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى‬
‫ُم ِ�ص ٍّح»(((‪.‬‬
‫‪ 8.8‬ماورد عن ابن عبا�س ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪ « :‬ال �ضرر وال‬
‫�ضرار»(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب ما يذكر يف الطاعون(‪ ،)5729‬وم�سلم يف �صحيحه‪،‬‬
‫باب الطاعون والطرية(‪.)2177‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب اجلذام ‪ ،167/10‬برقم (‪ ،)5707‬واجلذام‬
‫ب�ضم اجليم وتخفيف املعجمة هو‪ :‬علة رديئة حتدث من انت�شار املرة ال�سوداء يف البدن كله فتف�سد مزاج‬
‫الأع�ضاء‪ ،‬ورمبا �أف�سد يف �آخره �إي�صالها حتى يت�آكل‪� ،‬سمي بذلك لتجذم الأ�صابع وتقطعها‪ .‬انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري ‪ .167/10‬وقال ال�شيخ حممد ف�ؤاد عبدالباقي يف تعليقه على �سنن ابن ماجة ‪ :1172/2‬اجلذام‬
‫داء ي�سبب ت�ساقط اللحم والأع�ضاء‪�.‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬باب اجتناب املجذوم ونحوه(‪.)2231‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬باب ال هامه(‪ ،)5771‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬باب العدوى وال‬
‫طرية(‪.)2221‬‬
‫((( �أخرجه ابن ماجه يف �سننه‪ ،‬كتاب الأحكام‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما ي�ضر جاره من حديث ابن‬
‫عبا�س ‪ ‬من قوله ﷺ ‪ 784/2‬برقم (‪ )2341‬اللفظ له‪ ،‬و�أحمد يف م�سنده‪ ،‬م�سند عبداهلل بن‬
‫العبا�س ‪ ،313/1‬و�أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬جزء من حديث‬
‫�أبي �سعيد اخلدري من قوله ﷺ ‪ ،66/2‬وقال احلاكم هذا حديث �صحيح الإ�سناد وعلى =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪84‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪9.9‬القاعدة الفقهية‪ :‬ال�ضرر يزال(((‪.‬‬

‫= �شرط م�سلم ومل يخرجاه‪� .‬أ‪.‬هـ‪ .‬وكـذا �أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬باب ال �ضرر وال �ضرار‬
‫‪ ،69/6‬والدارقطني يف �سننه‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،77/3‬الطرباين يف املعجم الكبري ‪،302 ،228/11‬‬
‫وقال الق�شريي يف الإملام ‪ :565/2‬حديث �صحيح‪ ،‬وقال‪ :‬ويف الباب عن عبادة بن ال�صامت وابن‬
‫عبا�س و�أبي هريرة و�أبي لبابة‪ ،‬وجابر‪ ،‬وعائ�شة‪ ،‬وينتهي احلديث مبجموع تلك ال�شواهد �إلى درجة‬
‫ال�صحيح‪� .‬أ‪ .‬هـ‬
‫اً‬ ‫اً‬
‫وقال النووي يف الأذكار �ص‪ :446‬ورواه مالك مر�سل‪ ،‬ويف �سنن الدارقطني وغريه من طرق مت�صل‪،‬‬
‫وهو ح�سن �أ‪.‬هـ‪ ،‬وقال الهيثمي يف جممع الزوائد‪ :110/4‬وفيه ابن ا�سحاق‪ ،‬وهو ثقة ولكنه يدل�س‪�.‬أ‪.‬هـ‪،‬‬
‫وقال املناوي يف في�ض القدير ‪ :432/6‬وقال العالئي‪ :‬للحديث �شواهد ينتهي جمموعها �إلى درجة‬
‫ال�صحة �أو احل�سن املحتج به‪� .‬أ‪ .‬هـ‪.‬‬
‫((( الأ�شباه والنظائر البن امللقن(‪.)61/1‬‬

‫‪85‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫املبحث الثالث‬
‫�أمر املري�ض بالتداوي‬
‫حث النبي ﷺ امل�سلمني على التداوي بقوله‪ ،‬وكان ﷺ يتداوى‪ ،‬ففي م�سند �أحمد‬
‫�أن عروة بن الزبري كان يقول لعائ�شة ‪ :‬يا �أمتاه ال �أعجب من فهمك! �أقول‬
‫زوجة الر�سول ﷺ‪ ،‬وبنت �أبي بكر‪ ،‬وكان �أعلم النا�س �أو من �أعلم النا�س‪ ،‬ولكن �أعجب‬
‫من علمك بالطب‪ ،‬كيف هو؟ ومن �أين هو؟ قال‪ :‬ف�ضربت على منكبه وقالت‪� :‬أي‬
‫عرية(((‪� ،‬إن الر�سول ﷺ كان ي�سقم عند �آخر عمره‪� ،‬أو يف �آخر عمره‪ ،‬فكانت تقدم‬
‫عليه وفود العرب من كل وجه؛ فتنعت له الأنعات(((‪ ،‬وكنت �أعاجلها له فمن ثم(((‪.‬‬
‫وكان ﷺ ي�أمر بالتداوي ملن �أ�صابه املر�ض من �أهله �أو �أ�صحابه(((‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫ورد عن �أبي الدرداء ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪�« :‬إن اهلل �أنزل الداء والدواء‪،‬‬
‫وجعل لكل داء دواء فتداووا‪ ،‬وال تتداووا بحرام»(((‪.‬‬
‫فالتداوي من احلفظ للنف�س الب�شرية وهو مق�صد من مقا�صد ال�شريعة الأ�سا�سية‬
‫وفيه حفظ لل�ضروريات اخلم�س والتي منها حفظ النف�س وحمايتها و�إنقاذها من‬
‫الهالك‪ ،‬كما �أنه �أخذ بالأ�سباب التي جعلها اهلل يف الكون كما يف احلديث ال�سابق‪.‬‬

‫((( ب�ضم �أوله وفتح الراء وت�شديد التحتية مفتوحة ت�صغري عروة‪ ،‬و�أي حرف نداء‪� ،‬أي يا عروة‪ .‬انظر‪ :‬بلوغ‬
‫الأماين من �أ�سرار الفتح الرباين‪.124/22‬‬
‫((( �أي ت�صف له ال�صفات‪ .‬انظر‪ :‬بلوغ الأماين من �أ�سرار الفتح الرباين‪.124/22‬‬
‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ ،‬م�سند عائ�شة ‪ ،)67/6( ،‬قال الهيثمي يف جممع الزوائد(‪» :)242/9‬‬
‫فيه عبداهلل بن معاوية الزبريي‪ ،‬قال �أبو حامت‪ :‬م�ستقيم احلديث‪ ،‬وفيه �ضعف»‪.‬‬
‫((( زاد املعاد ‪.10/4‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب الأدوية املكروهة(‪ ،)3874( ،)7/4‬قال املناوي يف في�ض‬
‫القدير(‪» :)216/2‬وفيه ا�سماعيل بن عيا�ش وفيه مقال»‪ ،‬وقال ال�شوكاين يف نيل الأوطار(‪» :)93/9‬‬
‫ولكن �إذا حدث ‪�-‬أي ا�سماعيل‪ -‬عن �أهل ال�شام فهو ثقة»‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪86‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املبحث الرابع‬
‫منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد‬
‫�سواء كان يف بيته (احلجر املنزيل) �أو يف املراكز‬
‫ً‬
‫(((‬
‫وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي)‬

‫وال �شك �أن اتخاذ الإجراءات االحرتازية التي حتمي النفو�س وتوقف انت�شار‬
‫املر�ض‪ ،‬وانتقال العدوى به من القربات التي يتقرب بها �إلى اهلل‪ .‬فال يجوز له‬
‫خمالطة النا�س واالجتماع بهم �سوا ًء كان االجتماع ل�صالة �أو ح�ضور منا�سبة عزاء‬
‫�أو زواج‪� ،‬أو زيارة مري�ض‪ ،‬بل يحرم عليه ذلك �إن ذكر الأطباء �أنه ينقل املر�ض‪ ،‬ف�إن‬
‫تعمد املري�ض ن�شر املر�ض والإ�ضرار بغريه ف�إنه يعاقب على ذلك‪ ،‬ف�إن مات من نقل‬
‫املر�ض �إليه كان كالقتل العمد ويكون كمن �سقى غريه �سما‪ ،‬و�إن �أراد ن�شر املر�ض يف‬
‫املجتمع كان ُمف�سدً ا يف الأر�ض‪.‬‬
‫وتعمد نقل العدوى للآخرين عمل حم ّرم؛ لق�صده الإ�ضرار بهم‪ ،‬خا�صة �إن كان‬
‫هذا املر�ض �ضرره ي�ؤدي �إلى املوت‪ ،‬ففيه �إهالك للنف�س املع�صومة بغري حق‪ ،‬واهلل‬
‫تعالى يقول‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإ�سراء‪ ،]33 :‬وهو من الكبائر ملا ورد عن �أن�س‬
‫بن مالك �أن النبي ﷺ ُ�سئل عن الكبائر فقال‪« :‬ال�شرك باهلل‪ ،‬وقتل النف�س‪ ،‬وعقوق‬
‫((( املراد باحلجر ال�صحي‪ :‬احلد من حتركات الأ�صحاء الذين اختلطوا مبن �أ�صيب مبر�ض �سا ٍر خالل‬
‫فرتة القابلية للعدوى‪.‬‬
‫والهدف من هذا الإجراء هو احلد من انت�شار املر�ض ال�ساري يف املجتمع‪ ،‬لأن ه�ؤالء املخالطني الذين‬
‫يبدون ب�صحة جيدة قد تكون العدوى باملر�ض �أ�صابتهم ولكن مل تظهر الأعرا�ض عليهم لأنهم مازالوا‬
‫يف فرتة احل�ضانة للمر�ض‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املو�سوعة الطبية الفقهية �ص‪.704‬‬

‫‪87‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫الوالدين‪ ،(((» ...‬ومن ال�سبع املوبقات املهلكات لقوله ﷺ‪ « :‬اجتنبوا ال�سبع املوبقات»‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل ومـاهن؟ قال‪« :‬ال�شرك باهلل‪ ،‬وال�سحر‪ ،‬وقتل النف�س التي حرم‬
‫اهلل �إال باحلق‪(((» ....‬؛ فال عالج لهذا املر�ض �إلى الآن �سوى عالجات تخفف من‬
‫�آالمه‪ ،‬وت�ؤخر م�ضاعفاته ال�شديدة التي قد ت�ؤدي للموت لبع�ض الفئات من املر�ضى‪.‬‬
‫وفريو�س كورونا (كوفيد‪ )19‬مل يتعر�ض له الفقهاء ال�سابقني لعدم ظهوره لديهم‪،‬‬
‫ولكن �إن كان نقله ي�ؤدي للموت كما لو نقل لكبار ال�سن وممن مناعتهم �ضعيفة ب�سبب‬
‫�إ�صابتهم بالأمرا�ض املزمنة(((؛ ف�إنه يقا�س على ما ذكروه يف كتبهم يف عقوبة القتل‬
‫بال�سم‪ ،‬بجامع �أنهما من �صور القتل اخلفية‪ ،‬ويعاقب متعمد نقل هذا املر�ض‪ ،‬وقد‬
‫اختلف الفقهاء يف عقوبة من يقتل غريه بال�سم على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪:‬‬
‫�أن القتل بال�سم مثل القتل باملحدد واملثقل يوجب القود على القاتل بتوفر‬
‫ال�شروط‪ ،‬وهو مذهب بع�ض احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬وهو الظاهر عند ال�شافعية(((‪،‬‬
‫ومذهب احلنابلة(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫(ﮉ ﮊ‬ ‫‪1.1‬بعموم �أدلة وجوب الق�صا�ص يف القتل العمد كقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب قول اهلل تعالى (ومن �أحياها‪199/12)..‬برقم‬
‫(‪ )6871‬و م�سلم يف �صحيحه ب�شرح النووي‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب الكبائر و�أكربها ‪ ،82/2‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب رمي املح�صنات ‪ ،188/12‬برقم (‪)6857‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬وم�سلم يف �صحيحه ب�شرح النووي‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب الكبائر و�أكربها ‪.83 /2‬‬
‫((( موقع وزارة ال�صحة ال�سعودي‪https: //www.moh.gov.sa/Ministry :‬‬
‫((( انظر‪ :‬البناية �شرح الهداية ‪ ،92/12‬الدر املختار ومعه حا�شية ابن عابدين ‪ ،542/6‬البحر الرائق ‪.336/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح ال�صغري للدردير مع �شرحه بلغة ال�سالك ‪ ،384/2‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‬
‫‪� ،244/4‬شرح اخلر�شي ‪ ،9/8‬منح اجلليل ‪.23/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع ‪ ،389/18‬نهاية املحتاج ‪ ،251/7‬مغني املحتاج ‪.218/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني وال�شرح الكبري ‪ ،329/9‬منتهى الإرادات ‪ ،8/5‬ك�شاف القناع ‪.508/5‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪88‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة‪،]178 :‬‬
‫وقوله‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة‪،]179 :‬‬
‫وقوله‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإ�سراء‪. ]33 :‬‬
‫‪2.2‬ما ورد عن النبي ﷺ ملا مات ب�شر بن الرباء بن معرور ‪� ‬أر�سل �إلى‬
‫اليهودية فقال‪« :‬ما حملك على الذي �صنعت»‪ ،‬ف�أمر بها الر�سول ﷺ فقتلت(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن تناول ال�سم يقتل غال ًبا‪ ،‬ويتخذ طري ًقا �إلى القتل كث ًريا؛ ف�أوجب الق�صا�ص‬
‫كما لو �أكرهه على �شربه(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫�أنه يجب يف القتل بال�سم التعزير‪ ،‬فال ق�صا�ص وال دية‪ ،.‬وهو مذهب جمهور‬
‫احلنفية(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا‪:‬‬
‫ب�أنه �أكله باختياره فلم ُيكرهه ومل يجربه عليه فال ق�صا�ص حينئذ وال دية‪ ،‬ويعزر‬
‫وي�ضرب‪ ،‬وي�ؤدب؛ لأنه ارتكب جناية لي�س لها ح ٌد مق َّد ٌر‪ ،‬وغ ّر غريه(((‪.‬‬
‫نوق�ش هذا اال�ستدالل‪:‬‬
‫�أن ال�سم يقتل غال ًبا‪ ،‬ويتخذ ذريعة �إلى القتل والتهرب من الق�صا�ص؛ فلو كان‬
‫ال�شخ�ص عاملًا ب�أنه �سم مل ي�شربه؛ ف�أ�شبه ما لو �أكرهه على �شربه(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب فيمن �سقى اً‬
‫رجل �سما �أو �أطعمة فمات �أيقاد منه؟‬
‫‪ 175-174/4‬برقم (‪ )4514( ،)4511‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬باب اجلنايات‪ ،‬باب من �سقى‬
‫اً‬
‫رجل �س ًما ‪ 46/8‬من حديث جابر بن عبداهلل‪.‬‬
‫((( املغني مع ال�شرح الكبري ‪.329/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط ‪ ،153/26‬بدائع ال�صانع ‪ ،235/7‬البناية �شرح الهداية ‪ ،126/12‬البحر الرائق ‪.336/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،235/7‬البحر الرائق ‪.336/8‬‬
‫((( املغني مع ال�شرح الكبري ‪.329/9‬‬

‫‪89‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫القول الثالث‪:‬‬
‫�أن القتل بال�سم قتل �شبه عمد‪ ،‬جتب فيه دية �شبه العمد‪ ،‬وهو الأظهر عند‬
‫ال�شافعية(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬ما ورد عن �أن�س بن مالك‪� :‬أن يهودية �أتت �إلى ر�سول اهلل ﷺ ب�شاة م�سمومة‬
‫ف�أكل منها النبي ﷺ ومل يقتلها(((؛ فالنبي ﷺ �أكل منه ومل يقتلها؛ فدل ذلك‬
‫على عدم وجوب الق�صا�ص‪.‬‬
‫نوق�ش هذا اال�ستدالل‪:‬‬
‫ب�أنه ‪ ‬مل يقتلها قبل �أن ميوت ب�شر بن الرباء ‪‬؛ فلما مات‬
‫�أر�سل �إليها النبي ﷺ ف�س�ألها فاعرتفت فقتلها؛ فنقل �أن�س �صدر الق�صة دون‬
‫�آخرها‪ ،‬وتعني حمله عليه جم ًعا بني اخلربين‪ .‬ويجوز �أن يكون النبي ﷺ ترك‬
‫قتلها لكونها ما ق�صدت قتل ب�شر؛ و�إمنا ق�صدت قتل النبي ﷺ؛ فاختل العمد‬
‫بالن�سبة لب�شر(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن �آكل ال�سم �أكله خمتا ًرا فلم ي�ؤثر تغريره؛ �أ�شبه ما لو قدم �إليه �سكني فطعن‬
‫قاتل لنف�سه(((‪.‬‬‫بها نف�سه فيكون اً‬
‫نوق�ش هذا اال�ستدالل مبا يلي‪:‬‬
‫�أ‪� .‬أن ال�سم يقتل غال ًبا‪ ،‬ويتخذ ذريعة �إلى القتل والتهرب من الق�صا�ص؛ فلو‬
‫كان ال�شخ�ص عاملًا ب�أنه �سم مل ي�شربه؛ ف�أ�شبه ما لو �أكرهه على �شربه‪.‬‬
‫ب‪� .‬أن هناك فر ًقا بني تقدمي ال�سكني له و�إطعامه ال�سم؛ �إذ ال�سكني ال تقدم‬
‫((( املجموع ‪ ،389/18‬نهاية املحتاج ‪ ،251/7‬مغني املحتاج ‪.218/5‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحة ب�شرح النووي‪ ،‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب ال�سم ‪.179-178/14‬‬
‫((( �شرح النووي على �صحيح م�سلم ‪.179/14‬‬
‫((( املجموع ‪ ،389/18‬نهاية املحتاج ‪.254/7‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪90‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫�إلى الإن�سان ليقتل بها نف�سه؛ و �إمنا تقدم لينتفع بها وهو يعلم مب�ضرتها‬
‫ونفعها؛ ف�أ�شبه ما لو ق ّدم له ال�سم وهو عامل به(((‪.‬‬
‫الراجح ووجه الرتجيح‪:‬‬
‫يرتجح ‪-‬واهلل �أعلم بال�صواب‪� -‬أن من تعمد قتل غريه بال�سم يجب عليه القود؛‬
‫لتعمده �إزهاق روح م�سلم بغري حق‪ ،‬ولأن القتل بالأ�سباب اخلفية يوجب الق�صا�ص‬
‫كالقتل بالأ�سباب الظاهرة حتى ال ُيتخذ و�سيلة لقتل الآخرين‪ ،‬وكذلك ُيقا�س عليه من‬
‫تعمد نقل املر�ض الوبائي ومنه فريو�س كورونا فمات َمنْ ُنقل �إليه‪ُ ،‬قتل َمنْ َنقله �إليه؛‬
‫�إذا توافرت �شروط القود‪ ،‬وانتفت موانعه من وجود �شبهات يدرء بها الق�صا�ص‪،‬‬
‫و�إن مل ميت ف�إنه يعاقب عقوبة تعزيرية لت�سببه يف �إ�ضرار الآخرين‪ ،‬و�إيذائهم‪،‬‬
‫�أما �إذا مل يتعمد املري�ض بفريو�س كورونا نقله و�إ�صابة غريه كما لو مل يكن يعلم‬
‫ب�إ�صابته‪ ،‬وعا�شر ال�سليم فانتقل �إليه املر�ض ف ُيعذر باجلهل؛ لأن اجلهل واخلط�أ رافع‬
‫للإثم لقول اهلل تعالى‪( :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة‪� ،]286 :‬أما �إذا كان‬
‫نوعا‬
‫ق�صد املتعمد لنقل العدوى �إف�ساد املجتمع بن�شر هذا املر�ض فيه‪ ،‬فعمله ُيع ّد ً‬
‫من احلرابة‪ ،‬والإف�ساد يف الأر�ض‪ ،‬وي�ستوجب فعله هذا �إحدى العقوبات املن�صو�ص‬
‫عليها يف �آية احلرابة قال اهلل تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [املائدة‪ ،]33 :‬ومما‬
‫ي�ؤكد اعتباره كاملحارب ما قاله الإمام مالك ‪ ‬من �أن املت�سرت يف ذلك‪ ،‬واملعلن‬
‫بحرابته �سواء(((‪ ،‬واملحتال كاملحارب‪ ،‬وهو الذي يحتال يف قتل �إن�سان على �أخذ مال‬
‫و�إن مل ي�شهر ال�سالح‪ ،‬ولكن دخل عليه بيته‪� ،‬أو �صحبه يف �سفر ف�أطعمه �س ًما فقتله‬
‫ُيقتل حدً ا ال قودًا(((‪.‬‬
‫((( املغني مع ال�شرح الكبري ‪.330-329/9‬‬
‫((( انظر‪� :‬أحكام القر�آن البن العربي ‪.94/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬اجلامع لأحكام القر�آن للقرطبي ‪.99/6‬‬

‫‪91‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫كما مينع امل�صاب بالوباء من �شهود اجلمعة واجلماعة ملا يف ذلك من الإ�ضرار‬
‫بالنا�س حيث ين�شر املر�ض بالعدوى‪ ،‬و�أدلة ذلك ما ي�أتي‪:‬‬
‫�صح»(((‪.‬‬
‫‪1.1‬قول النبي ﷺ‪« :‬ال يورد ممر�ض على ُم ّ‬
‫فالنهي من باب اجتناب الأ�سباب التي خلقها اهلل وجعلها �أ�سبابا للهالك‪،‬‬
‫والعبد م�أمور باتقاء �أ�سباب البالء �إذا كان يف عافية منها(((‪.‬‬
‫‪2.2‬قوله ﷺ‪« :‬ف َّر من املجذوم فرارك من اال�سد»(((‪.‬‬
‫ف�أمر بالفرار من املجذوم واجتنابه كما جتتنب خمالطة الأ�سد احليوان‬
‫املفرت�س‪ ،‬ف�إنه يعدي املعا�شر كما جزم به ال�شافعي يف الأم يف مو�ضع وحكاه‬
‫عن الأطباء واملجربني يف �آخر‪ ،‬ونقله غريه عن �أفا�ضل الأطباء فقالوا‪ :‬مقاربة‬
‫املجذوم ُمعدية برائحته وقد تكون الطبيعة �سريعة االنفعال قابلة لالكت�ساب‬
‫من �أبدان املجاورين واملخاطبني بل الوهم وحده من �أكرب �أ�سباب الإ�صابة‬
‫والرائحة �أ�شد �أ�سباب العدوى(((‪.‬‬
‫والعزلة �أثناء الوباء كانت معروفه منذ املا�ضي‪ ،‬وكان املر�ضى يعتزلون النا�س‬
‫يف �ضواحي املدينة �أو يف بيوتهم‪ ،‬وقد يق�ضي احلاكم ملن به وباء بال�سجن �إذا مل‬
‫ا�ض ِر �أَنْ‬
‫يلتزم بذلك‪ ،‬ومما يدل على ذلك َق َال‪�“ :‬أَ ْ�ص َب ُغ َل ْي َ�س َع َلى َم ْر َ�ضى الحْ َ َو ِ‬
‫َيخْ ُر ُجوا ِم ْن َها إ� َلى َن ِاح َي ٍة ِب َق َ�ضاءٍ ُي ْح َك ُم ِب ِه َع َل ْيهِ ْم َو َل ِكنْ �إنْ �أَ ْج َرى َع َل ْيهِ ْم ْ ِإ‬
‫ال َم ُام ِمنْ‬
‫ال�س ْج ِن �إنْ َ�شا َء‬ ‫ُوم ُب ُيوتِهِ ْم‪� ،‬أَ ْو ِب َّ‬ ‫ا�س ِب ُلز ِ‬ ‫الر ْز ِق َما َي ْكفِيهِ ْم ُم ِن ُعوا ِمنْ مخُ َ ا َل َط ِة ال َّن ِ‬ ‫ِّ‬
‫ال�س ْج ِن � َإذا كَثرُ ُ وا أَ� َح ُّب �إليَ َّ َو َه َذا‬
‫يب َوا ْبنُ عبدالحْ َ َك ِم َي ْح ُك ُم َع َل ْيهِ ْم ِب َّ‬ ‫َو َق َال‪ :‬ا ْبنُ َح ِب ٍ‬
‫ا�س”(((‪.‬‬ ‫ا َّل ِذي َع َل ْي ِه ال َّن ُ‬
‫�سبق تخريجه‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬شرح الزرقاين للموط�أ ‪.528/4‬‬ ‫(((‬
‫�سبق تخريجه‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬في�ض القدير ‪.137/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط أ� ‪.265-264/7‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪92‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫ويف املو�سوعة الطبية الفقهية‪“ :‬عزل املري�ض عن الأ�صحاء (‪ )Isolation‬وقد‬


‫�شرعه النبي بقوله‪« :‬ال يوردن ممر�ض على م�صح»‪ ،‬وذلك لتجنب انتقال العدوى‬
‫وانت�شارها يف املجتمع‪ ،‬ومن ذلك �أي�ضً ا قوله ﷺ‪« :‬ف ّر من املجذوم كما تفر من الأ�سد»(((‪،‬‬
‫وحدوث العدوى �أمر ثابت ال ريب فيه عند �أهل الطب‪ ،‬ففي نهيه ‪ ‬من‬
‫خمالطة املجذوم بيان �أن هذا الأمر من الأ�سباب التي �أجرى اهلل ‪ ‬العادة ب�أنها‬
‫معد �إثبات للأ�سباب‪،‬‬
‫تف�ضي �إلى م�سبباتها‪ ،‬ففي نهيه عن خمالطة امل�صاب مبر�ض ٍ‬
‫ويف خمالطته للم�صاب بها �إ�شارة �إلى �أن تلك الأمرا�ض ال تفعل من تلقائها؛ بل اهلل‬
‫‪ ‬هو الذي �إن �شاء �سلبها فال ت�ؤثر �شي ًئا‪ ،‬و�إن �شاء �أبقاها ف�أثرت”(((‪.‬‬

‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب الطب باب اجلذام ‪ ،126/7‬و�أخرجه �أحمد يف م�سنده عن �أبي‬
‫هريرة ‪ ،449/15‬وقال عنه ابن حجر (مل �أقف عليه من حديث �أبي هريره اال من هذا الوجه‪ ،‬ومن وجه‬
‫�آخر عن �أبي نعيم يف الطب لكنه معلول فتح الباري‪.159/10‬‬
‫((( �ص‪.703-702‬‬

‫‪93‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده‬

‫اب أَ� ْو َب ِق َّي ُة َع َذ ٍاب‬ ‫هلل ﷺ‪�« :‬إِنَّ َه َذا ا ْل َو َج َع ‪�-‬أي الطاعونَ ‪ِ -‬ر ْج ٌز �أَ ْو َع َذ ٌ‬ ‫لقول ر�سول ا ِ‬
‫ا�س ِمنْ َق ْب ِل ُك ْم‪َ ،‬ف ِ إ� َذا َكانَ ِب أَ� ْر ٍ�ض َ َو�أ ْنت ُْم ِب َها‪َ ،‬فلاَ ت َْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َو ِ�إ َذا َب َل َغ ُك ْم‬ ‫ُع ِّذ َب ِب ِه أُ� َن ٌ‬
‫وها»(((‪.‬‬‫�أَ َّن ُه ِب�أَ ْر ٍ�ض َفلاَ ت َْد ُخ ُل َ‬
‫ال�شام‬
‫ِ‬ ‫رب ِمنَ‬ ‫ال�شام حتى �إذا َق َ‬ ‫خرج �إلى ِ‬ ‫اخلطاب ‪� ‬أنه َ‬ ‫ِ‬ ‫وما ورد عن عمر بن‬
‫أر�ض‬‫اجلراح و�أ�صحا ُبهُ‪ ،‬ف�أخربو ُه �أنَّ الوبا َء قد و َق َع ب� ِ‬ ‫ِ‬ ‫لق َي ُه �أمرا ُء الأجنا ِد �أبو عبيد َة بنُ‬
‫فدعا عم ُر ال�صحاب َة وا�ست�شا َرهُ م‪ ،‬و�أخربهُ م �أنَّ الوبا َء قد وقع‬ ‫عبا�س‪َ :‬‬ ‫ال�شام‪ ،‬قال ابنُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫بع�ض ُهم‪:‬‬ ‫أمر وال نرى �أنْ ترج َع عنهُ‪ ،‬وقال ُ‬ ‫بع�ض ُهم‪ :‬قد خرجتَ ل ٍ‬ ‫بال�شام‪ ،‬فاختل ُفوا‪ ،‬فقال ُ‬ ‫ِ‬
‫قد َم ُهم على هذا الوبا ِء‪َ ،‬ف َنادَى‬ ‫هلل ﷺ وال َنرى �أنْ ُت ِ‬ ‫ر�سول ا ِ‬‫أ�صحاب ِ‬ ‫ُ‬ ‫معك بقي ُة ِ‬
‫النا�س و�‬ ‫َ‬
‫جل َّر ِاح‪� :‬أَ ِف َرا ًرا‬ ‫ا�س‪� :‬إِنيِّ ُم َ�ص ِّب ٌح َع َلى َظ ْه ٍر َف�أَ ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِه‪َ .‬ق َال أَ� ُبو ُع َب ْيدَ َة ْبنُ ا َ‬
‫ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ‬
‫ِمنْ َقدَ ِر اهلل؟ َف َق َال ُع َم ُر‪َ :‬ل ْو َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا �أَ َبا ُع َب ْيدَ َة؟ َن َع ْم َن ِف ُّر ِمنْ َقدَ ِر اهلل �إِ َلى َقدَ ِر‬
‫اهلل‪ ،‬أَ� َر أَ� ْيتَ َل ْو َكانَ َل َك ِإ� ِب ٌل هَ َب َط ْت َوا ِد ًيا َل ُه ُع ْد َو َت ِان‪ِ� ،‬إ ْحدَ اهُ َما َخ ِ�ص َب ٌة‪َ ،‬وا ُلأ ْخ َرى َج ْد َب ٌة‪،‬‬
‫جل ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اهلل؟ َق َال‪:‬‬ ‫خل ْ�ص َب َة َر َع ْي َت َها ِب َقدَ ِر اهلل‪َ ،‬و ِ إ�نْ َر َع ْيتَ ا َ‬ ‫�أَ َل ْي َ�س ِ إ�نْ َر َع ْيتَ ا َ‬
‫َف َجا َء َع ْب ُد ال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف ‪َ -‬و َكانَ ُم َت َغ ِّي ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َاج ِت ِه‪َ -‬ف َق َال‪�ِ :‬إنَّ ِع ْن ِدي فيِ هَ َذا‬
‫ِع ْل ًما‪�َ ،‬س ِم ْعتُ َر ُ�س َول اهلل ﷺ َي ُق ُول‪ « :‬إِ� َذا َ�س ِم ْع ُت ْم ِب ِه ِب�أَ ْر ٍ�ض َف َال َت ْقدَ ُموا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و إِ� َذا َو َق َع‬
‫ِب�أَ ْر ٍ�ض َو أَ� ْن ُت ْم ِب َها َف َال َت ْخ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ» َق َال‪َ :‬ف َح ِمدَ اللهَّ َ ُع َم ُر ُث َّم ا ْن َ�ص َر َف»(((‪.‬‬
‫وما ورد من قول ر�سول اهلل ﷺ‪َ « :‬ال ُيو ِردَنَّ ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى ُم ِ�ص ٍّح»(((‪.‬‬
‫لُ َّم ِة فيِ َن ْه ِي ِه َع ِن ال ُّد ُخ ِول ِ�إ َلى‬ ‫يقول ابن القيم ‪َ “ :‬و َق ْد َج َم َع ال َّن ِب ُّي ﷺ ِل ْ أ‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪94‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫الَ ْر ِ�ض ا َّل ِتي هُ َو ِب َها‪َ ،‬و َن ْه ِي ِه َع ِن الخْ ُ ُر ِوج ِم ْن َها َب ْع َد ُو ُق ِوع ِه َك َم َال الت ََّح ُّر ِز ِم ْنهُ‪َ ،‬ف ِإ�نَّ فيِ‬ ‫ْأ‬
‫الَ ْر ِ�ض ا َّل ِتي هُ َو ِب َها َت َع ُّر ضً� ا ِل ْل َبلاَ ءِ‪َ ،‬و ُم َوا َفا ًة َل ُه فيِ محَ َ ِّل ُ�س ْل َطا ِن ِه‪َ ،‬و�إِ َعا َن ًة‬ ‫ال ُّد ُخ ِول فيِ ْ أ‬
‫ِل ْلِإ ْن َ�س ِان َع َلى َن ْف ِ�س ِه‪َ ،‬و َه َذا مخُ َ ا ِل ٌف ِل َّل�ش ْر ِع َوا ْل َع ْق ِل‪َ ،‬ب ْل تجَ َ ُّن ُب ال ُّد ُخ ِول ِ�إ َلى �أَ ْر ِ�ض ِه ِمنْ‬
‫الَ ْه ِو َي ِة المْ ُ�ؤْ ِذ َي ِة‪.‬‬
‫الَ ْم ِك َن ِة‪َ ،‬و ْ أ‬
‫اب الحْ ِ ْم َي ِة ا َّل ِتي أَ� ْر َ�ش َد اهلل ُ�س ْب َحا َن ُه إِ� َل ْي َها‪َ ،‬و ِه َي ِح ْم َي ٌة َع ِن ْ أ‬ ‫َب ِ‬
‫َو أَ� َّما َن ْه ُي ُه َع ِن الخْ ُ ُر ِوج ِمنْ َب َل ِد ِه‪َ ،‬ف ِفي ِه َم ْع َن َي ِان‪:‬‬
‫ال�صبرْ ِ َع َلى �أَ ْق ِ�ض َي ِت ِه‬ ‫و�س َع َلى ال ِّث َق ِة ِب َاللهَّ ِ ‪َ ،‬وال َّت َو ُّك ِل َع َل ْي ِه َو َّ‬ ‫�أَ َحدُهُ َما‪َ :‬ح ْم ُل ال ُّن ُف ِ‬
‫َوال ِّر َ�ضا ِب َها‪.‬‬
‫الط ِّب‪� :‬أَ َّن ُه َي ِج ُب َع َلى ُك ِّل محُ ْ ترَ ِ زٍ ِمنَ ا ْل َو َبا ِء أَ�نْ ُي ْخ ِر َج‪...‬‬ ‫َوال َّثانيِ ‪َ :‬ما َقا َل ُه �أَ ِئ َّم ُة ِّ‬
‫الَ ْر ِ�ض ا َّل ِتي َق ْد َو َق َع ِب َها ِع َّد ُة ِح َك ٍم‪:‬‬ ‫وَفيِ المْ َ ْن ِع ِمنَ ال ُّد ُخ ِول �إِ َلى ْ أ‬
‫اب المْ ُ ؤْ� ِذ َي ِة َوا ْل ُب ْع ُد ِم ْن َها‪.‬‬‫الَ ْ�س َب ِ‬
‫�أَ َحد َُها‪ :‬تجَ َ ُّن ُب ْ أ‬
‫ا�ش َوالمْ َ َعا ِد‪.‬‬ ‫الَ ْخ ُذ ِبا ْل َعا ِف َي ِة ا َّل ِتي ِه َي َما َّد ُة المْ َ َع ِ‬ ‫ال َّثانيِ ‪ ْ :‬أ‬
‫ال َّثا ِلثُ ‪� :‬أَنْ اَل َي ْ�س َت ْن ِ�ش ُقوا ا ْل َه َوا َء ا َّل ِذي َق ْد َع ِفنَ َو َف َ�س َد َف َي ْم َر ُ�ضونَ ‪.‬‬
‫ال َّرا ِب ُع‪� :‬أَنْ اَل ُي َجا ِو ُروا المْ َ ْر َ�ضى ا َّل ِذينَ َق ْد َم ِر ُ�ضوا ِب َذ ِل َك َف َي ْح ُ�ص ُل َل ُه ْم بمِ ُ َجا َو َر ِت ِه ْم‬
‫ِمنْ ِج ْن ِ�س �أَ ْم َر ِ‬
‫ا�ض ِه ْم‪.‬‬
‫وعا‪ « :‬إِ�نَّ ِمنَ ا ْل َق َر ِف ال َّت َل َف»‪.‬‬ ‫وَفيِ ُ�سننَ ِ �أبي داود َم ْر ُف ً‬
‫َق َال ابن قتيبة‪ :‬ا ْل َق َر ُف ُم َدا َنا ُة ا ْل َو َباءِ‪َ ،‬و ُم َدا َنا ُة المْ َ ْر َ�ضى‪.‬‬
‫الطيرَ َ َة َع َلى َمنْ‬ ‫الطيرَ َ ِة َوا ْل َع ْد َوى َف ِإ� َّن َها َت َت أَ� َّث ُر ِب ِه َما‪َ ،‬ف�ِإنَّ ِّ‬‫و�س َع ِن ِّ‬ ‫الخْ َ ِام ُ�س‪ِ :‬ح ْم َي ُة ال ُّن ُف ِ‬
‫الَ ْم ُر ِبالحْ َ َذ ِر َوالحْ ِ ْم َي ِة‬ ‫َت َطيرَّ َ ِب َها‪َ ،‬و ِبالجْ ُ ْم َل ِة َف ِفي ال َّن ْه ِي َع ِن الدِّ ُخ ِول فيِ �أَ ْر ِ�ض ِه ْ أ‬
‫الَ ْم ُر ِبال َّت َو ُّك ِل‪،‬‬‫اب ال َّت َل ِف‪ .‬وَفيِ ال َّن ْه ِي َع ِن ا ْل ِف َرا ِر ِم ْن ُه ْ أ‬ ‫َوال َّن ْه ِي َع ِن ال َّت َع ُّر ِ�ض ِ ألَ ْ�س َب ِ‬
‫ي�ض َو َت ْ�س ِلي ٌم”(((‪.‬‬ ‫يب َو َت ْع ِلي ٌم‪َ ،‬وال َّثانيِ ‪َ :‬ت ْف ِو ٌ‬ ‫الَ َّو ُل‪َ :‬ت�أْ ِد ٌ‬
‫ي�ض‪َ ،‬ف ْ أ‬ ‫َوالت َّْ�س ِل ِيم‪َ ،‬وال َّت ْف ِو ِ‬

‫((( انظر‪ :‬زاد املعاد ‪.40-39/4‬‬

‫‪95‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫�أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية‪ ،‬ومنعه من خمالطة‬
‫املري�ض‪ ،‬و�إلزامه باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات‬

‫طاعة لويل الأمر‪ ،‬وح ًّدا من انت�شار الفريو�س يقول اهلل تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الن�ساء‪.]59 :‬‬
‫�شرعا ملا يلي‪:‬‬
‫�أما �أن يعر�ض الإن�سان نف�سه للموت بر�ضاه ف�إن ذلك ال يجوز ً‬
‫�أوال‪ :‬قول اهلل تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة‪.]195 :‬‬
‫هلل‬ ‫قيف كان ِمن ِ�ضم ِنهم رج ٌل جمذوم‪ ،‬ف� َ‬
‫أر�سل اليه ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬ملا َو َف َد َو ْف ُد َث ٍ‬
‫ﷺ‪�ِ « :‬إ َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ‬
‫اك َفا ْر ِج ْع»(((‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬وفِر ِّ من املجذوم كما تف ُّر من الأ�سد»(((‪.‬‬
‫دل على �أن من هديه ‪ ‬التحرز من الأمرا�ض املعدية بطبعها‪،‬‬ ‫فقد ّ‬
‫و�إر�شاده الأ�صحاء �إلى جتنب �أهلها(((‪.‬‬
‫قال ابن حجر يف بيان مذاهب العلماء يف معنى الأمر بالفرار مـن املجـذوم‪:‬‬
‫“رابعها‪� :‬أن الأمر بالفرار من املجذوم لي�س من باب العدوى يف �شيء‪ ،‬بل هو‬
‫لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من ج�سد جلـ�سد بوا�سطة املالم�سة‪ ،‬واملخالطة‪،‬‬
‫و�شم الرائحة”(((‪.‬‬
‫فالنبي ﷺ لكمال �شفقته على الأمة و ُن�صحه لهم نهاهم عن الأ�سباب التي‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬زاد املعاد ‪.147/4‬‬ ‫(((‬
‫فتح الباري ‪.170/10‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪96‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫تعر�ضهم النتقال الأمرا�ض �إلى �أج�سادهم‪ ،‬وقد يكون يف البدن تهي�ؤ وا�ستعداد‬
‫كامن لقبول هذا الداء‪ ،‬وقد تكون الطبيعة �سريعة االنفعال قابلة لالكت�ساب‬
‫من �أبدان من جتاوره وتخالطه‪ ،‬ف�إنها ن ّقالة‪ ،‬وقد ت�صل رائحة العليل �إلى‬
‫ال�صحيح فت�سقمه‪ ،‬وهذا ُمعا َين يف بع�ض الأمرا�ض‪ ،‬والرائحة �أحد �أ�سباب‬
‫العدوى كما ذكر ذلك ابن القيم ‪.(((‬‬
‫نوق�ش هذا احلديث‪ :‬ب�أنه معار�ض ب�أحاديث �أخر تبطله وتناق�ضه(((‪ ،‬فمنها‬
‫ما رواه الرتمذي من حديث جابر ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ �أخذ بيد رجل‬
‫جمذوم ف�أدخلها معه يف الق�صعة وقال‪« :‬كل ب�سم اهلل ثقة باهلل اً‬
‫وتوكل عليه»‪،‬‬
‫ورواه ابن ماجه(((‪ ،‬وما ثبت يف ال�صحيح عن �أبي هريرة عن النبي ﷺ �أنه‬
‫قال‪« :‬ال عدوى وال طرية»(((‪.‬‬
‫�أجيب عن هذه املناق�شة‪ :‬ب�أن حديث (ال عدوى) قد كان �أبو هريرة ‪‬‬
‫�شك فيه فرتكه‪ ،‬وراجعوه فيه‪ ،‬وقالوا‪� :‬سمعناك تحُ ّدث به‪،‬‬ ‫يرويه � اًأول ثم َّ‬
‫ف�أبى �أن يحدِّ ث به‪ ،‬قال �أبو �سلمة‪ :‬فال �أدري �أن�سي �أبو هريرة‪� ،‬أم ن�سخ �أحد‬
‫احلديثني الآخر؟‬
‫و�أما حديث جابر �أن النبي ﷺ �أخذ بيد جمذوم ف�أدخلها معه يف الق�صعة‬
‫فحديث ال يثبت‪ ،‬وال ي�صح‪ ،‬وغاية ما قال فيه الرتمذي‪� :‬إنه غريب‪ ،‬مل‬
‫ي�صححه‪ ،‬ومل يح�سنه‪ ،‬وقد قال �شعبة وغريه‪ :‬اتقوا هذه الغرائب‪ ،‬قال‬
‫((( انظر‪ :‬زاد املعاد ‪.148/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬زاد املعاد ‪.149/4‬‬
‫((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه‪ ،‬كتاب الأطعمة‪ ،‬باب ما جاء يف الأكل مع املجذوم ‪ 321-320/3‬برقم‬
‫(‪ )1824‬واللفظ له وقال‪ :‬حديث غريب �أ‪ .‬هـ‪ ،.‬و�أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب يف الطرية ‪20/4‬‬
‫برقم (‪ ،)3925‬وابن ماجه يف �سننه‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب اجلذام ‪ 1172/2‬برقم (‪ ،)3542‬وقال حمققا‬
‫زاد املعاد �شعيب وعبدالقادر الأرن�ؤوط ‪ :149/4‬ويف �سنده املف�ضل بن ف�ضالة‪ ،‬وهو �ضعيف‪ ،‬وقد عدوا‬
‫هذا احلديث من مناكريه‪� .‬أ‪.‬هـ‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب ال عدوى ‪ 254/10‬برقم (‪ )5776‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحة ب�شرح النووي‪ ،‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب الطرية والف�أل‪ ،‬وما يكون من ال�ش�ؤم ‪ 219/4‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫الرتمذي‪ :‬ويروى هذا من فعل عمر‪ ،‬وهو �أثبت؛ فهذا �ش�أن احلديثني الذين‬
‫ُعور�ض بهما �أحاديث النهي �أحدهما‪ :‬رجع �أبو هريرة عن التحديث به و�أنكره‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬ال ي�صح عن ر�سول اهلل ﷺ(((‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬ما ورد عن عبدالرحمن بن عوف ‪� ‬أن النبي ﷺ قال يف الطاعون‪:‬‬
‫«�إذا �سمعتم به ب�أر�ض فال تقدموا عليه‪ ،‬و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال‬
‫تخرجوا فرا ًرا منه»(((‪.‬‬
‫ففي هذا احلديث االحرتاز واالبتعاد عن الأمرا�ض و�أ�سبابها‪ ،‬وفيه الت�سليم‬
‫لق�ضاء اهلل عند حلول الأمرا�ض(((‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬ما ورد عن �أبي هريرة ‪ ‬من قوله ﷺ‪« :‬وال يورد ممر�ض على‬
‫ً‬
‫م�صح»(((‪.‬‬
‫ففي هذا احلديث النهي عن �أن يورد �صاحب الإبل املرا�ض �إبله على �إبل‬
‫�صاحب الإبل ال�صحاح؛ لأنه رمبا �أ�صابها املر�ض بفعل اهلل تعالى‪ ،‬وقدره(((‪.‬‬
‫وقد نهى ‪ ‬عن ذلك يف الإبل‪ ،‬ففي بني �آدم من باب �أولى‪ ،‬حماية‬
‫له ً‬
‫وحفظا من �إ�صابته بالعدوى‪.‬‬

‫((( زاد املعاد ‪.154 - 153/4‬‬


‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح النووي على �صحيح م�سلم ‪.207/14‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه مع الفتح‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب ال هامة ‪ 251/10‬برقم (‪ ،)5771‬وباب ال‬
‫عدوى ‪ 254/10‬برقم (‪ .)5774‬وم�سلم يف �صحيحه ب�شرح النووي‪ ،‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب ال عدوى‪ ،‬وال‬
‫طرية‪ ،‬وال هامة‪ ،‬وال �صفر‪ ،‬وال نوء‪ ،‬وال غول‪ ،‬وال يورد ممر�ض على م�صح ‪ ،215/14‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( �شرح النووي على �صحيح م�سلم ‪.217/14‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪98‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املبحث ال�سابع‬
‫منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي‬

‫فالأ�صل عدم جواز القدوم على البالد املوبوءة‪ ،‬كذلك عدم اخلروج منها وهو‬
‫مذهب الأئمة الثالثة((( ماعدا مالك(((‪.‬‬
‫ال�ش ِام‪َ ،‬حتَّى �ِإ َذا‬ ‫اب َخ َر َج �ِإ َلى َّ‬ ‫ا�س‪� ،‬أَنَّ ُع َم َر ْبنَ الخْ َ َّط ِ‬ ‫هلل ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ملا ورد َعنْ عبدا ِ‬
‫َكانَ ِب َ�س ْر َغ‪َ ،‬ل ِق َي ُه أُ� َم َرا ُء الأَ ْج َن ِاد‪ :‬أَ� ُبو ُع َب ْي َد َة ْبنُ الجْ َ َّر ِاح‪َ ،‬و َ أ� ْ�ص َحا ُبهُ‪َ ،‬ف أَ�خْ برَ ُ و ُه �أَنَّ ا ْل َو َب َ أ�‬
‫اب‪ :‬ا ْد ُع ليِ المْ ُ َه ِاج ِرينَ‬ ‫ا�س‪َ :‬ف َق َال ُع َم ُر ْبنُ الخْ َ َّط ِ‬ ‫ال�ش ِام‪َ ،‬ق َال ا ْبنُ َع َّب ٍ‬ ‫َق ْد َو َق َع ِب أَ� ْر ِ�ض َّ‬
‫ال�ش ِام‪َ ،‬فاخْ َت َل ُفوا‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ا�ست ََ�شا َر ُه ْم‪َ ،‬و أَ�خْ برَ َ ُه ْم أَ�نَّ ا ْل َو َب�أَ َق ْد َو َق َع ِب َّ‬
‫الأ َّو ِلنيَ‪َ ،‬ف َد َع ُاه ْم َف ْ‬
‫ا�س‬ ‫َب ْع ُ�ض ُه ْم‪َ :‬ق ْد َخ َر ْج َت لأَ ْم ٍر‪َ ،‬و َال َن َرى �أَنْ َت ْر ِج َع َع ْنهُ‪َ ،‬و َق َال َب ْع ُ�ض ُه ْم‪َ :‬م َع َك َب ِق َّي ُة ال َّن ِ‬
‫هلل ﷺ‪َ ،‬و َال َن َرى �أَنْ ُتق ِْد َم ُه ْم َع َلى َه َذا ا ْل َو َب ِ�إ‪َ ،‬ف َق َال ُع َم ُر‪ :‬ا ْر َت ِف ُعوا‬ ‫اب َر ُ�س ِول ا ِ‬ ‫َو أَ� ْ�ص َح ُ‬
‫ا�ست ََ�شا َر ُه ْم‪َ ،‬ف َ�س َل ُكوا َ�س ِب َيل المْ ُ َه ِاج ِرينَ ‪،‬‬ ‫َع ِّني‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ا ْد ُع ليِ الأَ ْن َ�صا َر‪َ ،‬ف َد َع ْو ُت ُه ْم‪َ ،‬ف ْ‬
‫َواخْ َت َل ُفوا َكاخْ ِت َالفِهِ ْم‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْر َت ِف ُعوا َع ِّني‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ا ْد ُع ليِ َمنْ َكانَ َه ُاه َنا ِمنْ‬
‫َم ْ�ش َي َخ ِة ُق َر ْي ٍ�ش‪ِ ،‬منْ ُم َه ِاج َر ِة ا ْل َفت ِْح‪َ ،‬ف َد َع ْو ُت ُه ْم‪َ ،‬ف َل ْم َيخْ َت ِل ْف َع َل ْي ِه ِم ْن ُه ُم ا ْث َن ِان‪،‬‬
‫ا�س‪:‬‬ ‫ا�س‪َ ،‬و َال ُتق ِْد َم ُه ْم َع َلى َه َذا ا ْل َو َب�إِ‪َ ،‬ف َنا َدى ُع َم ُر فيِ ال َّن ِ‬ ‫َف َقا ُلوا‪َ :‬ن َرى �أَنْ َت ْر ِج َع ِبال َّن ِ‬
‫هلل؟ َف َق َال‬ ‫ِ�إنيِّ ُم ْ�ص ِب ٌح َع َلى َظ ْه ٍر‪َ ،‬ف�أَ ْ�ص ِب ُحوا َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال َ أ� ُبو ُع َب ْي َدةَ‪�َ :‬أ ِف َرا ًرا ِمنْ َق َد ِر ا ِ‬
‫هلل‪� ،‬أَ َر�أَ ْي َت َل ْو‬ ‫هلل ِإ� َلى َق َد ِر ا ِ‬ ‫ُع َم ُر‪َ :‬ل ْو َغيرْ ُ َك َقا َل َها َيا أَ� َبا ُع َب ْي َدةَ؟ َن َع ْم‪َ ،‬ن ِف ُّر ِمنْ َق َد ِر ا ِ‬
‫َان‪� ،‬إِ ْح َد ُاه َما‪ :‬مخُ ْ َ�ص َب ٌة‪َ ،‬والأُخْ َرى َج ْد َب ٌة‪� ،‬أَ َل ْي َ�س‬ ‫َكانَ َل َك �إِ ِب ٌل‪َ ،‬ف َه َب َط ْت َو ِاد ًيا َل ُه ُع ْد َوت ِ‬
‫هلل؟ َف َجا َء‬ ‫هلل‪َ ،‬و إِ�نْ َر َع ْي َت الجْ َ ْد َب َة َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر ا ِ‬ ‫إِ�نْ َر َع ْي َت الخْ َ ِ�ص َب َة َر َع ْي َت َها ِب َق َد ِر ا ِ‬
‫((( انظر‪ :‬الدر املختار مع حا�شية ابن عابدين ‪ ،757/6‬حا�شية الطحطاوي على مراقي الفالح �ص‪،547‬‬
‫حتفة املحتاج ‪ ،33/7‬نهاية املحتاج ‪ ،63/6‬حا�شيتا قليوبي وعمرية‪ ،165/3‬الأداب ال�شرعية البن مفلح‬
‫‪.366/3‬‬
‫((( البيان والتح�صيل ‪ ،396/17‬الذخرية للقرايف ‪ ،326-325/13‬القوانني الفقهية �ص‪.296‬‬

‫‪99‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫اج ِت ِه‪َ ،‬ف َق َال‪ِ :‬إ�نَّ ِع ْن ِدي ِمنْ َه َذا ِع ْل ًما‪،‬‬ ‫َع ْب ُدال َّر ْح َم ِن ْبنُ َع ْو ٍف‪َ ،‬و َكانَ َغا ِئ ًبا فيِ َب ْع ِ�ض َح َ‬
‫ول‪�« :‬إِ َذا َ�سمِ ْعت ُْم ِب ِه ِب�أَ ْر ٍ�ض‪َ ،‬ف َال َتق َْد ُموا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و إِ� َذا َو َق َع‬ ‫هلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫َ�سمِ ْع ُت َر ُ�س َ‬
‫اهلل ُع َم ُر‪ُ ،‬ث َّم ا ْن َ�ص َر َف(((‪.‬‬ ‫ِب أَ� ْر ٍ�ض َو�أَ ْنت ُْم ِب َها‪َ ،‬ف َال تَخْ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َحمِ َد َ‬
‫ا�ص‪َ ،‬عنْ َ�أ ِبي ِه‪�َ ،‬أ َّن ُه َ�س ِم َع ُه َي ْ�س�أَ ُل �أُ َ�س َام َة ْبنَ َز ْي ٍد‪َ ،‬ما‬ ‫وعنْ َع ِام ِر ْب ِن َ�س ْع ِد ْب ِن أَ� ِبي َو َّق ٍ‬ ‫َ‬
‫«الط ُاعونُ‬‫هلل ﷺ‪َّ :‬‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ُ‬
‫الط ُاع ِون؟ َف َق َال �أ َ�س َام ُة‪َ :‬ق َال َر ُ�س ُ‬ ‫هلل ﷺ فيِ َّ‬ ‫َ�س ِم ْع َت ِمنْ َر ُ�س ِول ا ِ‬
‫ِر ْجزٌ‪� ،‬أُ ْر ِ�س َل َع َلى َطا ِئ َف ٍة ِمنْ َب ِني �ِإ ْ�س َرا ِئ َيل‪� ،‬أَ ْو َع َلى َمنْ َكانَ َق ْب َل ُك ْم‪َ ،‬ف ِ�إ َذا َ�س ِم ْعت ُْم ِب ِه‬
‫ِب أَ� ْر ٍ�ض‪َ ،‬ف َال ت َْد ُخ ُلوا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ِ�إ َذا َو َق َع ِب أَ� ْر ٍ�ض َ َو أ� ْنت ُْم ِب َها‪َ ،‬ف َال ت َْخ ُر ُجوا ِف َرا ًرا ِم ْنهُ»‪.‬‬
‫َق َال َما ِل ٌك‪َ :‬ق َال أَ� ُبو ال َّن ْ�ض ِر‪َ :‬ال ُي ْخ ِر ُج ُك ْم �إِ َّال ِف َرا ًرا ِم ْن ُه(((‪.‬‬

‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬


‫((( �أخرجه مالك يف املوط�أ‪ ،‬باب ما جاء يف الطاعون (‪.)2612‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪100‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املبحث الثامن‬
‫جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض‪� ،‬أو التهوين منه‬

‫ح ّرم اهلل تعالى نقل الأمر واحلكم عليه دون التثبت منه؛ فقال‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [احلجرات‪.]٦ :‬‬
‫ونهى ال�شارع احلكيم عن نقل ال�شائعات دون ت�أكد منها‪ ،‬ي�ؤيد ذلك قول الر�سول‬
‫ﷺ‪َ « :‬ك َفى ِبالمْ َ ْر ِء َك ِذ ًبا �أَنْ ُي َحدِّ َث ِب ُك ِّل َما َ�س ِم َع»(((‪.‬‬
‫وال �شك �أن التخويف من املر�ض واملبالغة يف ذلك بذكر �سرعة انت�شاره وعدم‬
‫ال�سيطرة عليه‪ ،‬وكرثة الهالك به‪ ،‬ي�ضر النا�س وي�ؤدي �إلى الي�أ�س عند البع�ض‪،‬‬
‫واالكتئاب والقلق عند البع�ض الآخر‪ ،‬وقد جاءت ال�شريعة بحفظ النفو�س والعقول‬
‫وعدم الإ�ضرار بها فمن القواعد الفقهية‪ ( :‬ال �ضرر وال �ضرار) كذلك التهوين‬
‫من �ش�أن املر�ض والت�شكيك يف وجوده ال يجوز لأنه ي�ؤدي �إلى تهاون النا�س يف الأخذ‬
‫باالحرتازات التي ت�أمر بها وزارة ال�صحة مما ي�ؤدي �إلى ارتفاع �أعداد امل�صابني نتيجة‬
‫التجمع واالختالط وكرثة اخلروج مما ي�ؤدي �إلى الإ�ضرار بحياة الآخرين‪ ،‬فيكون �إثم‬
‫مطلق الإ�شاعة ونا�شرها عند اهلل عظيم‪ ،‬وكذلك من يت�صرف بت�صرفات ته ّون من‬
‫�ش�أن املر�ض‪ ،‬ويدعو للتجمع واالختالط‪� ،‬أو يخرتق �إجراءات احلظر ويو ّثقها بو�سائل‬
‫التوا�صل االجتماعي‪ ،‬والواجب تتبع مطلقي ونا�شري الإ�شاعات ومعاقبتهم وتعزيرهم‪،‬‬
‫ويح�سن التنويه بجهود النيابة العامة يف اململكة العربية ال�سعودية بتتبعها ملطلقي‬
‫الإ�شاعات ونا�شريها عرب و�سائل التوا�صل االجتماعي وتطبيق العقوبات عليهم‪.‬‬

‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬باب النهي عن احلديث بكل ما �سمع (‪ )10/1‬برقم (‪.)3‬‬

‫‪101‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫املبحث التا�سع‬
‫ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة‬

‫والقاعدة يف ذلك‪( :‬الت�صرف على الرعية منوط بامل�صلحة) (((‪.‬‬


‫�أي �أن نفاذ ت�صرف الراعي على الرعية ولزومه �شا�ؤوا �أو �أبوا معلق ومتوقف على‬
‫وجود الثمرة واملنفعة يف �ضمن ت�صرفه‪ ،‬دينية كانت �أو دنيوية‪ ،‬ف�إن ت�ضمن منفعة‬
‫عاما كان‬
‫ما وجب عليهم تنفيذه‪ ،‬واملراد بالراعي‪ :‬كل من ويل �أم ًرا من �أمور العامة ً‬
‫كال�سلطان الأعظم‪� ،‬أو خا�صً ا كمن دونه من العمال‪ ،‬ف�إن نفاذ ت�صرفات كل منهم‬
‫على العامة مرتتب على وجود املنفعة يف �ضمنها‪ ،‬لأنه م�أمور من قبل ال�شارع �أن‬
‫يحوطهم بالن�صح(((‪.‬‬
‫والك�شف الطبي للت�أكد من خلو املخالطني ‪-‬ملري�ض مبر�ض وبائي معدي‪ -‬من‬
‫املوانع املر�ضية يقع حتت عموم قوله ﷺ‪« :‬ال �ضرر وال �ضرار»(((‪� ،‬أي اَل فعل َ�ض َرر‬
‫َو اَل �ضرار ِب�أحد فيِ دين َنا‪� ،‬أَي اَل يجوز �شرعا لأحد �أَن ي ْلحق ب�آخر َ�ض َررا َو اَل ِ�ض َرا ًرا‪،‬‬
‫َوقد �سيق َذ ِلك ب�أ�سلوب نفي الجْ ِ ْن�س ل َي ُكون �أبلغ فيِ ال َّن ْهي والزجر(((‪ ،‬فاملخالطة �ضرر‬
‫على الزوج والأبناء والأهل والأ�صدقاء‪ ،‬فن�ص احلديث ينفي ال�ضرر نف ًيا يوجب منعه‬
‫مطل ًقا وي�شمل ال�ضرر اخلا�ص والعام‪ ،‬وي�شمل ذلك دفع ال�ضرر من الوقوع ب�أي طريق‬
‫من طرق الوقاية‪ ،‬ورفعه بعد الوقوع مبا ميكن‪ ،‬ومبا مينع تكراره م�ستقبل(((‪.‬‬
‫ويت�أكد طلب الفح�ص الطبي يف حال اال�شتباه يف ال�شخ�ص مبخالطته للمري�ض‬
‫�شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص‪.309‬‬ ‫(((‬
‫�شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص‪.309‬‬ ‫(((‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫�شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص‪.165‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قاعدة ال �ضرر وال �ضرار �ص‪.48-47‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪102‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫وبال�سفر �إلى البالد التي ينت�شر فيها هذا الوباء‪ ،‬كما �أن من قواعد ال�شرع‪( :‬ال�ضرر‬
‫يزال)((( �أي يجب �إزالته باعتبار �أن الأخبار يف كالم الفقهاء للوجوب(((‪ ،‬ف�إذا كان‬
‫يجب بعد وقوعه؛ فمن باب �أولى االحتياط قبل وقوعه‪ ،‬و�إذا ظن البع�ض �أن هذا الأمر‬
‫فيه تكلف وم�شقة على النا�س‪ ،‬ف�إن الت�أكد من ال�سالمة �أمر �أكرث �أهمية حتى ال يقع ما‬
‫يندم عليه‪ ،‬وكل ذلك يخ�ضع حتت قاعدة‪( :‬ال�ضرر الأ�شد يزال بال�ضرر الأخف)(((‪،‬‬
‫و(�إذا تعار�ضت مف�سدتان روعي �أعظمهما بارتكاب �أخفهما)(((‪ ،‬كذلك (ال�ضرر ُيدفع‬
‫بقدر الإمكان) ف�إن �أمكن دفعه بالكلية‪ ،‬و�إال فبقدر ما ميكن(((‪.‬‬
‫وهذا الفح�ص يتحقق به امل�صلحة العامة للمجتمع‪ ،‬ويـقع حتت م�ضمون قـاعدة‪:‬‬
‫(الت�صرف على الرعية منوط بامل�صلحة)(((‪.‬‬
‫كذلك تت�ضح لنا هذه القاعدة يف التعامل مع طاعون عموا�س‬
‫فقد ا�ست�شهد يف طاعون عموا�س كثري من ال�صحابة �أبرزهم �أبو عبيدة بن‬
‫اجلراح الذي كان وال ًيا على ال�شام حينها‪ ،‬وكان �أبو عبيدة قد خطب يف النا�س‬
‫قائل‪ :‬يا �أيها النا�س �إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة‬‫عندما ا�شتد عليهم الوباء اً‬
‫نبيكم‪ ،‬وموت ال�صاحلني قبلكم‪ ،‬و�إن �أبا عبيدة ي�س�أل اهلل تعالى �أن يق�سم له من‬
‫هذا الطاعون حظه»‪ .‬وخلفه يف والية ال�شام معاذ بن جبل‪ ،‬الذي �أودى الطاعون‬
‫بحياته �أي ضً� ا وقال حني ظهرت عليه �أعرا�ضه حيث ظهرت يف راحة يده‪،‬‬
‫فنظر �إليها وقبل ظاهر كفه وقال‪« :‬ما �أحب �أن يل مبا فيك �شي ًئا من الدنيا»‪.‬‬
‫الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ‪ ،94‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ‪� ،173‬شرح القواعد الفقهية‬ ‫(((‬
‫للزرقاء �ص ‪ ،179‬القواعد الفقهية للندوي �ص ‪.287‬‬
‫�شرح القواعد الفقهية للزرقاء �ص‪.179‬‬ ‫(((‬
‫�شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص ‪.207‬‬ ‫(((‬
‫الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ‪ ،98‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ‪� ،178‬شرح القواعد الفقهية‬ ‫(((‬
‫للزرقاء �ص ‪ ،201‬القواعد الفقهية للندوي �ص ‪.388‬‬
‫القواعد الفقهية للندوي �ص ‪.388‬‬ ‫(((‬
‫مادة رقم‪ )58( :‬من جملة الأحكام العدلية �ص‪.13‬‬ ‫(((‬

‫‪103‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫�أما ال�صحابي اجلليل عمرو بن العا�ص ‪ ،‬حني خلف معاذ بن جبل يف والية ال�شام‬
‫خطب يف النا�س طال ًبا منهم �أن ي�شعلوا النار ويختبئوا منه يف اجلبال ب�أرا�ض مرتفعة‬
‫بحيث يبعدهم عن الهواء امللوث يف املناطق املنخف�ضة‪ ،‬وهكذا رفع الطاعون عن �أهل‬
‫ال�شام‪ ،‬وكان ذلك اجتهادًا موف ًقا من ابن العا�ص خمال ًفا فيه هدي �سابقيه‪ ،‬فنجا ‪‬‬
‫وجنا من بقي معه من امل�سلمني(((‪ .‬وهو ما تن�صح به منظمة ال�صحة العاملية والهيئات‬
‫الطبية يف معاجلة الأوبئة بالعزلة يف مكان منا�سب واالبتعاد عن خمالطة النا�س‪.‬‬
‫و يجوز للدول واحلكومات فر�ض التقييدات على احلرية الفردية مبا يحقق امل�صلحة‪،‬‬
‫�سوا ًء من حيث منع الدخول �إلى املدن واخلروج منها‪ ،‬وحظر التج ّول �أو احلجر على‬
‫�أحياء حمددة‪� ،‬أو املنع من ال�سفر‪� ،‬أو املنع من التعامل بالنقود الورقية واملعدنية‬
‫وفر�ض الإجراءات الالزمة للتعامل بها‪ ،‬وتعليق الأعمال والدرا�سة و�إغالق الأ�سواق‪،‬‬
‫كما �إنه يجب االلتزام بقرارات الدول واحلكومات مبا ي�سمى بالتباعد االجتماعي‬
‫ونحو ذلك مما من �ش�أنه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س ومنع انت�شاره لأن ت�ص ّرفات‬
‫عمل بالقاعدة ال�شرعية التي تن�ص على �أن (ت�صرف‬ ‫الإمام منوطة بامل�صلحة‪ ،‬اً‬
‫الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة)(((‪.‬‬

‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده (‪ )118/4‬برقم (‪.)1605‬‬


‫((( جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا امل�ستجد كوفيد ‪19-‬‬
‫ومايتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها جممع الفقه اال�سالمي ‪ -‬عن بعد‪23 -‬‬
‫�شعبان ‪1441‬هـ‪ 16 ،‬ابريل ‪2020‬م‪ِ .‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪104‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫املبحث العا�شر‬
‫الإتيان بامل�أمورات ح�سب اال�ستطاعة‬

‫في�أتي املري�ض �أو املمار�س ال�صحي امل�سلم املخالط للمر�ضى بعباداته ح�سب‬
‫قدرته وا�ستطاعته �سوا ًء يف الطهارة �أو يف ال�صالة؛ ومبا يحقق عدم انتقال املر�ض‪،‬‬
‫كما يف طهارة املمار�س ال�صحي الذي يتعذر عليه خلع مالب�سه الوقائية عند كل‬
‫و�ضوء‪ ،‬وكذا عدم القدرة على الو�ضوء للمري�ض وكذا عدم ال�سجود يف بع�ض احلاالت‬
‫لقول اهلل تعالى‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن‪ ،]16 :‬وقوله ﷺ‪« :‬و�إذا �أمرتكم ب�أمر‬
‫«�صل قائما فان مل ت�ستطع ِّ‬
‫ف�صل قاعدً ا فان‬ ‫ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم»(((‪ ،‬وقوله ﷺ‪ِّ :‬‬
‫مل ت�ستطع فعلى جنب»((( كذلك الأمر بالن�سبة لل�صحيح يف بع�ض الإجراءات الوقائية‬
‫التي متنع من انتقال املر�ض بالتجمعات كتعذر �إقامة �صالة اجلماعة الواجبة يف‬
‫امل�ساجد‪ ،‬و ي�سقط وجوب اجلمعة وت�صلى ظه ًرا للعذر‪ ،‬وكذلك �صالة العيد‪ ،‬كذلك‬
‫تباعد ال�صفوف بني امل�صلني يف �صالة اجلماعة حتر ًزا من نقل املر�ض‪ ،‬ذلك �أن‬
‫الرتا�ص اال�ستحباب ملا روي عن �أن�س ‪ ‬قال‪� :‬أقيمت ال�صالة ف�أقبل‬ ‫ّ‬ ‫الأ�صل يف‬
‫وترا�صوا ف�إين �أراكم من وراء‬
‫ّ‬ ‫علينا ر�سول اهلل ﷺ بوجهه فقال‪�« :‬أقيموا �صفوفكم‬
‫فالرتا�ص لي�س رك ًنا وال واج ًبا من واجبات ال�صالة‪ ،‬و�إمنا هو �سنة فرتكه‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫ظهري»‬
‫ال ي�ؤثر على �صحة ال�صالة‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬باب االقتداء ب�سنن ر�سول اهلل ﷺ ‪94/9‬برقم (‪ )6858‬واللفظ له‪ ،‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬باب الف�ضائل‪ ،‬باب توقريه ﷺ وترك �إكثار �س�ؤاله عما ال �ضرورة �إليه ‪1830/4‬برقم (‪.)1337‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة باب اذا مل ُيطق قاعدً ا �صلى على جنب ‪ ،48/2‬و�أخرجه‬
‫�أبوداود يف �سننه‪ ،‬كتاب ال�صالة باب يف �صالة القاعد‪ ،250/1‬و�أخرجه الرتمذي يف كتاب ال�صالة‪،‬‬
‫باب ما جاء �أن �صالة القاعد على الن�صف من �صالة القائم ‪ ،208/2‬و�أخرجه ابن ماجه يف كتاب‬
‫ال�صالة‪ ،‬باب ما جاء يف �صالة املري�ض ‪.386/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف عند الإقامة وبعدها (‪)184/1‬برقم(‪.)719‬‬

‫‪105‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫كذلك لب�س الكمام يف ال�صالة عند احلاجة �إليه‪.‬‬


‫قال �شيخ الإ�سالم‪“ :‬و�إذا كان القيام والقراءة و�إمتام الركوع وال�سجود والطهارة‬
‫باملاء وغري ذلك ي�سقط بالعجز؛ فكذلك اال�صطفاف وترك التقدم”(((‪.‬‬
‫ومما ي�ؤيد ذلك ما ورد من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء حول �أداء العبادات‬
‫ملر�ضى كورونا‪� ،‬أو املمار�سني ال�صحيني ومنها ما ي�أتي‪:‬‬
‫�سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء‪ :‬بع�ض مر�ضى فريو�س كورونا ال ي�ستطيع الو�ضوء‬
‫وهو قادر على التيمم‪ ،‬ولكن يخ�شى �أن ي�ؤثر الغبار على اجلهاز التنف�سي خ�صو�صا �أن‬
‫الفايرو�س عادة يفتك باجلهاز التنف�سي‪ ،‬فما احلكم من حيث الطهارة؟‬
‫�أجابت اللجنة‪� :‬إذا كان التيمم يلحقه به �ضرر ف�إنه ي�صلي على ح�سب حاله‪.‬‬
‫و�سئلت �أي�ضً ا‪� :‬إذا كان مري�ض فريو�س كورونا يف مكان ال يوجد حوله دورات مياه‬
‫وكان على غري طهارة‪ ،‬و�أدركته الفري�ضة ويف الغالب يلحقه �ضرر برتك مكانه فكيف‬
‫يتطهر وي�صلي؟‬
‫�أجابت اللجنة �إذا كان الأمر كما ذكر ف�إنه ي�صلي على ح�سب حاله �إن قدر على‬
‫التطهر باملاء لزمه ف�إن مل يقدر ف�إنه يتيمم ف�إن تعذر عليه الو�ضوء والتيمم �صلى على‬
‫ح�سب حاله(((‪.‬‬
‫وقد �سئلت‪ :‬هل يجوز للممار�س ال�صحي الذي يتعامل مع امل�صابني بفريو�س‬
‫كورونا وي�صعب عليه نزع املالب�س الطبية الواقية �أن يتيمم لل�صالة؟‬
‫�أجابت اللجنة‪� :‬إذا كان ال ي�ستطيع نزع املالب�س الواقية �أو يت�ضرر بنزعها للو�ضوء‬
‫�أو للتيمم ف�إنه ي�صلي على ح�سب حاله (((‪.‬‬
‫وقد �سئلت‪ :‬متى ي�صلى املمار�س ال�صحي الذي لديه حاالت حرجة وال ي�ستطيع‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى(‪.)327/2‬‬
‫((( فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (‪ )28068‬وتاريخ ‪1441/9/17‬ه‪.‬‬
‫((( فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (‪ )28068‬وتاريخ ‪1441/9/17‬ه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪106‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫اً‬
‫م�شغول ب�إنقاذ املر�ضى من الهلكة حتى‬ ‫ال�صالة يف وقتها‪ ،‬كالع�صر اً‬
‫مثل وكان‬
‫غربت ال�شم�س؟‬
‫�أجابت اللجنة‪� :‬إذا كان الأمر كما ذكر ف�إنه ي�صليها متى متكن من ذلك ولو بعد‬
‫خروج وقتها(((‪.‬‬
‫وال �شك �أن من مقا�صد ال�شريعة رفع احلرج وامل�شقة عن املكلفني قال ال�شاطبي‪:‬‬
‫مثل مفقود فيه �صيغة عموم؛ ف�إنا‬ ‫«فكذلك �إذا فر�ضنا �أن رفع احلرج يف الدين اً‬
‫ن�ستفيده من نوازل متعددة خا�صة‪ ،‬خمتلفة اجلهات متفقة يف �أ�صل رفع احلرج‪ ،‬كما‬
‫�إذا وجدنا التيمم �شرع عند م�شقة طلب املاء‪ ،‬وال�صالة قاعدً ا عند م�شقة القيام‪،‬‬
‫والق�صر والفطر يف ال�سفر‪ ،‬واجلمع بني ال�صالتني يف ال�سفر واملر�ض واملطر‪� ...‬إلى‬
‫جزئيات كثرية جدً ا يح�صل من جمموعها ق�صد ال�شارع لرفع احلرج؛ ف�إنا نحكم‬
‫مبطلق رفع احلرج يف الأبواب كلها‪ ،‬اً‬
‫عمل باال�ستقراء‪ ،‬فك�أنه عموم لفظي»(((‪.‬‬
‫املري�ض بال نزاع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال املرداوي يف الإن�صاف‪ :‬و ُيعذ ُر يف ترك اجلمعة واجلماعة‬
‫املر�ض (((‪.‬‬ ‫حدوث ِ‬ ‫ِ‬ ‫خلوف‬
‫و ُيعذ ُر �أي�ضا يف تركهما ِ‬
‫وقال املاوردي ال�شافعي‪“ :‬العذر الذي يرتك به اجلماعة هو اخلوف العام من‬
‫متغ ّلب غري م�أمون على نف�س �أو مال”(((‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة‪“ :‬و ُي ْع َذ ُر فيِ َت ْر ِك ِه َما الخْ َ ا ِئ ُف؛ لمِ َا َر َوى �أَ ُبو َدا ُود َعنْ ا ْبن َع َّب ٍ‬
‫ا�س‬
‫�أَنَّ ال َّن ِب َّي ﷺ َقال‪َ :‬منْ َ�س ِم َع المْ ُ َنا ِدي َف َل ْم يمَ ْ َن ْع ُه ِمنَ ا ِّت َب ِاع ِه ُع ْذ ٌر‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َما ا ْل ُع ْذ ُر؟‬
‫ال�ص َال ُة ا َّل ِتي �صلى»(((‪َ .‬والخْ َ ْو ُف‪ ،‬ثَلاَ َث ُة �أَ ْن َو ٍاع؛‬ ‫«خ ْو ٌف �أَ ْو َم َر ٌ�ض لمَ ْ ُت ْق َبل ِم ْن ُه َّ‬
‫َقال‪َ :‬‬
‫((( فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (‪ )28068‬وتاريخ ‪1441/9/17‬ه‪.‬‬
‫((( املوافقات ‪.58 /4‬‬
‫((( الإن�صاف ‪.300/2‬‬
‫((( احلاوي ‪.304/2‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه كتاب ال�صالة‪ ،‬باب يف الت�شديد يف ترك اجلماعة ‪ ،294/2‬و�صححه احلاكم يف‬
‫م�ستدركه باب الت�أمني ‪ ،245/1‬و�أخرجه الدارقطني يف �سننه ‪ ،420/1‬و�أخرجه ابن حبان يف �صحيحه‬
‫يف=‬ ‫‪َ ،415/5‬وقال ابن حجر يف ن�صب الراية ‪َ ( 23/2‬ر َوا ُه ا ْبنُ ِح َّبانَ ‪َ .‬والحْ َ ِاك ُم‪َ ،‬و�أَكْثرَ ُ ال َّن ِ‬
‫ا�س َع َلى ت َْ�ض ِع ِ‬

‫‪107‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫اف َع َلى َن ْف ِ�س ِه‬ ‫الَ َّو ُل‪� ،‬أَنْ َي َخ َ‬


‫الَ ْه ِل‪َ .‬ف ْ أ‬
‫َخ ْو ٌف َع َلى ال َّن ْف ِ�س‪َ ،‬و َخ ْو ٌف َع َلى المْ َ ِال‪َ ،‬و َخ ْو ٌف َع َلى ْ أ‬
‫ُ�س ْل َطا ًنا‪َ ،‬ي ْ�أ ُخ ُذ ُه َ�أ ْو َع ُد ًّوا‪� ،‬أَ ْو ِل ًّ�صا‪� ،‬أَ ْو َ�س ُب ًعا‪� ،‬أَ ْو َدا َّب ًة‪�َ ،‬أ ْو َ�س ْي اًل‪َ ،‬و َن ْح َو َذ ِل َك‪ ،‬ممِ َّ ا ُي�ؤْ ِذي ِه‬
‫فيِ َن ْف ِ�س ِه”(((‪ ،‬وال�شك �أن ترك ال�صالة جماعة �إمنا هو للخوف على النف�س من الهلكة‬
‫من الوباء‪.‬‬
‫اف‬ ‫و�س َوالأْ ْط َر ِ‬ ‫امل�ش َّق ٌة العظيمة يف ال�شرع معتربة‪َ ،‬ك َم َ�ش َّق ِة الخْ َ ْو ِف َع َلى ال َّن ُف ِ‬ ‫ولأن َ‬
‫اف‬ ‫ي�ص لأِنَّ ِح ْف َظ المْ ُ َه ِج َوالأْ ْط َر ِ‬ ‫يف َوالترَّ ِْخ ِ‬ ‫وج َب ٌة ِللت َّْخ ِف ِ‬ ‫اف‪َ ،‬ف َه ِذ ِه َم َ�ش َّق ٌة ُم ِ‬ ‫َو َم َنا ِف ِع الأْ ْط َر ِ‬
‫ي�ض َها ِل ْل َف َو ِات فيِ ِع َبا َد ٍة �أَ ْو ِع َبا َد ٍات ُث َّم َت ُفوتُ‬ ‫لإِ َق َام ِة َم َ�صا ِل ِح ال َّدا َر ْي ِن �أَ ْو َلى ِمنْ َت ْع ِر ِ‬
‫أَ� ْم َثا ُل َها(((‪.‬‬
‫وت»(((‪.‬‬ ‫اب‪ :‬المْ َ َ�س ِاج ُد فيِ ا ْل ُب ُي ِ‬ ‫يث َف َق َال‪َ « :‬ب ٌ‬ ‫وقد َب َّو َب ا ْل ُب َخا ِر ُّي ‪َ ‬ع َلى َه َذا الحْ َ ِد ِ‬
‫ال�صلاَ ِة ِم ْن َها‪َ ،‬و َق ْد َكانَ‬ ‫وت‪ِ :‬ه َي �أَ َم ِاكنُ َّ‬ ‫َق َال الحْ َ ا ِف ُظ ا ْبنُ َر َج ٍب ‪«َ :‬م َ�س ِاج ُد ا ْل ُب ُي ِ‬
‫ل�صلاَ ِة ِفي َها»(((‪ ،‬وقال اي�ضا (قد‬ ‫ال�س َل ِف أَ�نْ َيت َِّخ ُذوا فيِ ُب ُيو ِت ِه ْم �أَ َم ِاكنَ ُم َع َّد ًة ِل َّ‬ ‫ِمنْ َعا َد ِة َّ‬
‫ي�ستدل بحديث عتبان على �أن اجلماعة يف البيت تكفي من ح�ضور امل�سجد خ�صو�صً ا‬
‫للأعذار)(((‪ ،‬وقال النووي ‪« :‬وفيه‪� :‬أنه ال ب�أ�س مبالزمة ال�صالة يف مو�ضع‬
‫معني من البيت‪ ،‬و�إمنا جاء يف احلديث النهي عن �إيطان مو�ضع من امل�سجد للخوف‬
‫من الرياء ونحوه(((‪.‬‬
‫وقال النووي ال�شافعي ‪“ :‬قال �أ�صحابنا (ال�شافعية)‪ :‬من الأعذار يف ترك‬
‫اجلماعة‪� :‬أن يكون ممُ َ ِّر ضً� ا ملري�ض يخاف �ضياعه‪ ،‬ف�إن كان له غريه يتعهده لكنه‬
‫= ا ْل َك ْل ِب ِّي‪َ ،‬و َل ِكنْ َق َال ا ْبنُ َم ِع ٍني‪ :‬هُ َو َ�صدُو ٌق‪ � ،‬اَّإل أَ� َّن ُه يُدَ ِّل ُ�س) وقال يف الدراية ‪�( :167/1‬أخرجه �أَ ُبو دَا ُود‬
‫من َط ِريق �أبي جناب َعن مغراء ا ْل َع ْبدي َعن عدي بن َثابت َعن �سعيد بن ُج َبري َعن ُه َو�أخرجه ا ْبن ماجة‬
‫من ِر َوا َية ُ�ش ْع َبة َعن عدي ِب َلفْظ من �سمع النداء َفلم َي�أْته َفلاَ َ�صلاَ ة َل ُه ِ�إ اَّل من عذر َو َ�صحح ُه الحْ َ ِاكم)‪.‬‬
‫املغني ‪.451/1‬‬ ‫(((‬
‫قواعد االحكام ‪.10/2‬‬ ‫(((‬
‫�صحيح البخاري ‪.92/1‬‬ ‫(((‬
‫فتح الباري ‪.196/3‬‬ ‫(((‬
‫فتح الباري‪.186/3‬‬ ‫(((‬
‫�شرح �صحيح م�سلم ‪.161/5‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪108‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫يتعلق قلبه به فوجهان‪� ،‬أ�صحهما �أنه عذر؛ لأن م�شقة تركه �أعظم من م�شقة املطر‪،‬‬
‫ولأنه يذهب خ�شوعه”(((‪.‬‬
‫وقال املرداوي‪“ :‬يعذر �أي�ضً ا يف تركها لتمري�ض قريبه”(((‪.‬‬
‫ويجوز للعاملني يف املجاالت ال�صحية يف هذه اجلائحة الأخذ برخ�صة اجلمع بني‬
‫قيا�سا على ال�سفر بجامع امل�شقة واحلاجة‪،‬‬
‫ال�صلوات‪ ،‬جمع تقدمي �أو جمع ت�أخري‪ً ،‬‬
‫وقد كان هذا من �ضمن تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لعام ‪1441‬هـ والتي‬
‫كانت بعنوان فايرو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ )19‬وما يتعلق به من معاجلات طبية‬
‫و�أحكام �شرعية»(((‪.‬‬
‫ومن املعلوم �أن ال�شريعة الإ�سالمية و�أحكامها متتاز ب�صفات عديدة من �أهمهما‪:‬‬
‫رفع احلرج وال�سماحة والتي�سري ودفع امل�شقة وقلة التكاليف‪ ،‬و�إذا وجد ما ي�صعب فعله‬
‫وو�صل الأمر �إلى درجة ال�ضرورة‪ ،‬فقد �شرع اهلل تعالى رخ صً� ا تبيح للمكلفني ما حرم‬
‫عليهم‪ ،‬وت�سقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول ال�ضرورة‪ ،‬وذلك رحمة من‬
‫وكرما‪ ،‬ففي الفقه الإ�سالمي قواعد فقهية مهمة حاكمة لأوقات‬ ‫اً‬
‫وتف�ضل ً‬ ‫اهلل بعباده‬
‫الأزمات‪ ،‬من �أهمها‪ :‬قاعدة رفع احلرج وال�سماحة‪ ،‬وقاعدة امل�شقة جتلب التي�سري‪،‬‬
‫و�إذا �ضاق الأمر ات�سع‪ ،‬وقاعدة الأخذ بالرخ�ص �أولى من العزمية ً‬
‫حفظا للنفو�س‪،‬‬
‫وقاعدة ال �ضرر وال �ضرار‪ ،‬وقاعدة الت�صرف على الرعية منوط بامل�صلحة‪ ،‬وقاعدة‬
‫للإمام تقييد املباح يف حدود اخت�صا�صه مراعاة للم�صلحة العامة(((‪.‬‬

‫املجموع �شرح املهذب‪.205/4‬‬ ‫(((‬


‫االن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪301/2.‬‬ ‫(((‬
‫جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا امل�ستجد كوفيد ‪19-‬‬ ‫(((‬
‫ومايتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها جممع الفقه اال�سالمي ‪ -‬عن بعد‪23 -‬‬
‫�شعبان ‪1441‬هـ‪ 16 ،‬ابريل ‪2020‬م‪ِ .‬‬
‫جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا امل�ستجد كوفيد ‪ 19-‬وما‬ ‫(((‬
‫يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها جممع الفقه الإ�سالمي ‪ -‬عن بعد‪� 23 -‬شعبان‬
‫‪1441‬هـ‪� 16 ،‬إبريل ‪2020‬م‪ِ .‬‬

‫‪109‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫اخلامتة‬

‫احلمد هلل حمدً ا يليق بجالل وجهه وعظيم �سلطانه على �أن ي�سر يل �إمتام هذا‬
‫البحث‪ ،‬والذي خل�صت فيه �إلى النتائج الآتية‪:‬‬
‫‪1.1‬مر�ض كورونا (كوفيد‪ )19‬من الأوبئة وذلك ب�إعالن منظمة ال�صحة العاملية‬
‫لذلك‪ ،‬وما ذكر يف البحث من �أحكام جتري عليه فيما �إذا تيقنا �سرعة‬
‫انت�شاره وعظيم �ضرره بالعدوى‪.‬‬
‫‪َ 2.2‬ح َوت ال�شريعة الإ�سالمية الأ�صول التي ُيعتمد عليها يف بناء املنهج ال�شرعي‬
‫يف التعامل مع الأوبئة‪.‬‬
‫‪3.3‬ي�شرع تداوي امل�صاب بالوباء حفظا لنف�سه‪ ،‬وحماية لغريه من امل�سلمني‪.‬‬
‫‪4.4‬منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد �سواء كان يف بيته‬
‫(احلجر املنزيل) �أو يف املراكز وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي)‪.‬‬
‫‪5.5‬منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده‪ ،‬جتن ًبا لن�شر الوباء‪.‬‬
‫‪�6.6‬أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية‪ ،‬ومنعه من خمالطة املري�ض‪ ،‬و�إلزامه‬
‫باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات‪.‬‬
‫‪7.7‬منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي‪ ،‬حفظا لنف�سه‬
‫ووقاية لها‪.‬‬
‫‪8.8‬جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض‪� ،‬أو التهوين منه‪ ،‬وو�ضع‬
‫عقوبات ملن يتهاون يف ذلك‪.‬‬
‫‪ 9.9‬ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة‪ ،‬وله تعزير من يخالف ما ي�أمر به من‬
‫الإجراءات واالحرتازات التي فيها م�صلحة للرعية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪110‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪1010‬الإتيان بامل�أمورات ح�سب اال�ستطاعة للمري�ض امل�صاب بالوباء وللممار�س‬


‫ال�صحي؛ وهذا من ي�سر ال�شريعة و�سماحتها‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪2.2‬الآداب ال�شرعية‪ .‬البن مفلح عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب‬
‫الأرنا�ؤوط وعمر القيام‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1419 ،‬هـ‪1999-‬م‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪3.3‬الأذكار‪ .‬للإمام احلافظ �أبي زكريا يحيى بن �شرف النووي (ت‪676 :‬هـ)‬
‫حتقيق‪ :‬حمي الدين م�ستو‪ ،‬ط‪1413 ،6‬هـ‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬دم�شق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ودار‬
‫الكلم الطيب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ 4.4‬اجلامع لأحـكام القر�آن‪ .‬لأبي عبداهلل حممد بن �أحـمد الأن�صاري الـقرطـبي‬
‫(ت‪671 :‬هـ)‪ ،‬ط‪1408 ،١‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪�5.5‬أحكام القر�آن‪ .‬لأبي بكر حممد بن عبداهلل بن العربي (ت‪543 :‬هـ) حتقيق‪:‬‬
‫حممد عبدالقادر عطا‪ ،‬دار الفكر للطباعة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪�6.6‬أ�سنى املطالب يف �شرح رو�ض الطالب‪ .‬لزكريا بن حممد بن زكريا الأن�صاري‪،‬‬
‫زين الدين �أبو يحيى ال�سنيكي (ت‪926 :‬هـ) دار الكتاب الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪7.7‬الأ�شباه والنظائر‪ .‬لزين الدين بن �إبراهيم املعروف بابن جنيم (ت‪970 :‬هـ)‬
‫حتقيق‪ :‬حممد مطيع احلافظ‪ ،‬ط‪1403 ،١‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪.‬‬
‫‪8.8‬الأ�شباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه ال�شافعية‪ .‬للإمام جالل الدين‬
‫عبدالرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي (ت‪911 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حممد املعت�صم باهلل‬
‫البغدادي‪ ،‬ط‪1414 ،٢‬هـ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪9.9‬الإملام‪ .‬لأبي الفتح تقي الدين حممد بن �أبي احل�سن علي بن �أبي الطاعة الق�شريي‬
‫امل�صري (ت‪702 :‬هـ) حتقيق‪ :‬ح�سني �إ�سماعيل اجلمل‪ ،‬ط‪1423 ،٢‬هـ‪2002-‬م‪،‬‬
‫دار املعراج الدولية‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ال�سعودية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪112‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪1010‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪.‬‬


‫لعلي بن �سليمان املرداوي (ت‪885 :‬هـ)حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪1111‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ .‬لزين الدين ابن جنيم احلنفي (ت‪970 :‬هـ)‬
‫ط‪ ،٢‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪1212‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ .‬لعالء الدين �أبي بكر امل�سعود الكا�ساين‬
‫احلنفي (ت‪587 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪1313‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ .‬للإمام �أبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن‬
‫ر�شد القرطبي ال�شهري بابن ر�شد احلفيد‪( ،‬ت‪595 :‬هـ) حتقيق‪� :‬أبي الزهراء‬
‫حازم القا�ضي‪ ،‬طبعة عام ‪1415‬هـ‪ ،‬النا�شر مكتبة نزار م�صطفى الباز‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫‪1414‬بلغة ال�سالك لأقرب امل�سالك يف مذهب الإمـام مالك‪ .‬لل�شـيخ �أحمد بن حممد‬
‫ال�صاوي املــالكي (ت‪1241 :‬هـ)‪ ،‬طبعة �سنة ‪1409‬هـ دار املــعرفة للطباعـة‬
‫والن�شر‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪1515‬بلوغ الأماين من �أ�سرار الفتح الرباين‪ ،‬مطبوع مع الفتح الرباين لرتتيب م�سند‬
‫الإمام �أحمد بن حنبل ال�شيباين‪ .‬ت�أليف‪� :‬أحمد بن عبدالرحمن بن حممد البنا‬
‫ال�ساعاتي (ت‪1378 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ ، ،٢‬دار �إحياء الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪1616‬البناية يف �شرح الهداية‪ .‬لأبي حممد حممود بن �أحمد العيني (ت‪855 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ ،٢‬منقحة وبها زيادات ‪1411‬هـ‪ ،‬دار الفكر بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪1717‬البيان والتح�صيل وال�شرح والتوجيه والتعليل مل�سائل امل�ستخرجة‪ .‬لأبي الوليد‬
‫حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي (ت‪520 :‬هـ) حتقيق‪ :‬د حممد حجي و�آخرون‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪1818‬التاج والإكليل ملخت�صر خليل‪ .‬لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف املواق (ت‪:‬‬
‫‪897‬هـ)‪( ،‬مطبوع بهام�ش مواهب اجلليل) ط‪1416 ،١‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت لبنان‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫‪1919‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ .‬ت�أليف العالمة فخر الدين عثمان بن علي‬
‫الزيلعي احلنفي (ت‪743 :‬هـ) وبهام�شه حا�شية العالمة العمدة ال�شيخ ال�شلبي‬
‫ط‪� ،١‬سنة ‪1313‬هـ باملطبعة الكربى الأمريية ببوالق م�صر املحمية‪ ،‬النا�شر دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪2020‬حتفة الفقهاء‪ .‬لعالء الدين ال�سمرقندي (ت‪539 :‬هـ) النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪2121‬حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج‪ .‬لأحمد بن حممد بن علي بن حجر الهيتمي‪ ،‬روجعت‬
‫و�صححت‪ :‬على عدة ن�سخ مبعرفة جلنة من العلماء‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬عام الن�شر‪:‬‬
‫‪1357‬هـ ‪1983 -‬م‪ ،‬النا�شر‪ :‬املكتبة التجارية الكربى مب�صر ل�صاحبها م�صطفى‬
‫حممد (ثم �صورتها دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬بدون طبعة وبدون تاريخ)‪.‬‬
‫‪2222‬التلقني يف الفقه املالكي‪ .‬لعبدالوهاب علي بن ن�صر الثعلبي (ت‪362 :‬هـ)‬
‫حتقيق‪ :‬حممد ثالث �سعيد الغاين‪ ،‬ط‪� ،١‬سنة ‪1415‬هـ‪ ،‬النا�شر‪ :‬املكتبة التجارية‪،‬‬
‫مكة املكرمة‪.‬‬
‫‪2323‬اجلامع لأحـكام القر�آن‪ .‬لأبي عبداهلل حممد بن �أحـمد الأن�صاري الـقرطـبي‬
‫(ت‪671 :‬هـ)‪ ،‬ط‪1408 ،١‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪2424‬حا�شيتا قليوبي وعمرية‪ .‬ت�أليف‪� :‬أحمد �سالمة القليوبي و�أحمد الربل�سي عمرية‪،‬‬
‫بدون طبعة‪1415 ،‬هـ‪1995-‬م‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪2525‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪ .‬للـعامل �شم�س الدين ال�شيخ حممد عرفـة‬
‫الـد�سوقي (ت‪1230 :‬هـ)‪ ،‬طبعه دار الفكر للطباعة والن�شر والتوزيع‪.‬‬
‫‪2626‬حا�شـية رد املـحتار‪ .‬ملـحـمد �أمـني ال�شهري بابـن عابـدين (ت‪1252 :‬هـ)‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫‪1404‬هـ طبعة �سنة ‪1421‬هـ دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪2727‬حا�شية العدوي على �شرح كفاية الطالب الرباين‪ .‬لأبي احل�سن علي بن �أحمد‬
‫بن مكرم ال�صعيدي العدوي (ن�سبة �إلى بني عدي‪ ،‬بالقرب من منفلوط) (ت‪:‬‬
‫‪1189‬هـ) حتقيق‪ :‬يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي‪ ،‬طبعة �سنة ‪1414‬هـ ‪1994 -‬م‪،‬‬
‫دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪114‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪2828‬حا�شية الطحطاوي على مراقي الفالح �شرح نور الإي�ضاح‪.‬لأحمد بن حممد‬


‫بن �إ�سماعيل الطحطاوي احلنفي (ت‪ 1231 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حممد عبدالعزيز‬
‫اخلالدي‪ ،‬ط‪1418 ،١‬هـ ‪1997 -‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪2929‬احلاوي الكبري‪ .‬للإمام �أبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب املاوردي (ت‪:‬‬
‫‪450‬هـ)‪ .‬حققه د‪ .‬حممود مطرجي‪ ،‬طبعة �سنة ‪1414‬هـ‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫والن�شر والتوزيع بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪3030‬اخلر�شي على خمت�صر خليل‪ .‬لأبي عبداهلل حممد الـخر�شي (ت‪1101 :‬هـ)‬
‫وبهام�شه حا�شية العالمة علي العدوي‪ ،‬ط‪� ،٢‬سنة ‪1317‬هـ‪ ،‬باملطبعة الكربى‬
‫الأمريية ببوالق م�صر املحمية‪ ،‬النا�شر دار �صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪3131‬الدر املختار‪ .‬للح�صفكي‪ ،‬مطبوع مع حا�شيته رد املحتار البن عابدين‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪ ،‬دار الفكر‪-‬بريوت‪.‬‬
‫‪3232‬الذخرية‪ .‬لأبي العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن املالكي‬
‫ال�شهري بالقرايف (ت‪684 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬جزء ‪ :13 ،8 ،1‬حممد حجي‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الأولى‪1994 ،‬م‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪3333‬ذخرية العقبى يف �شرح املجتبى‪ .‬ملحمد بن علي بن �آدم بن مو�سى الإثيوبي‬
‫ال َو َّل ِوي النا�شر‪ :‬دار املعراج الدولية للن�شر [جـ ‪ ،]5-1‬دار �آل بروم للن�شر‬
‫والتوزيع [جـ ‪ ]40-6‬ط‪. ،١‬‬
‫‪3434‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪ .‬ملحي الدين يحي بن �شرف النووي (ت‪676 :‬هـ)‬
‫طبعة �سنة ‪1415‬هـ‪1995-‬م‪ ،‬دار الفكر للن�شر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪3535‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ .‬لل�شيخ �شم�س الدين حممد بن �أبي بكر املعروف‬
‫بابن قيم اجلوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ .‬حقق ن�صو�صه وخرج �أحاديثه وعلق عليه‪:‬‬
‫�شعيب الأرن�ؤوط وعبدالقادر الأرن�ؤوط‪ ،‬ط‪� ،27‬سنة ‪1415‬هـ‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬مكتبة املنار الإ�سالمية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪�3636‬سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة‪ .‬و�شيء من فقهها وفوائدها‪ .‬ملحمد نا�صر الدين الألباين‬
‫(ت‪1420 :‬هـ)‪ ،‬طبعة عام ‪1415‬هـ‪ ،‬مكتبة املعارف للن�شر والتوزيع‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫‪�3737‬سنن ابن ماجه‪ .‬للحافظ �أبي عبداهلل حممد بن يزيد القزويني(ت‪275 :‬هـ)‬
‫حتقيق وتعليق‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والن�شر والتوزيع‪.‬‬
‫‪�3838‬سنن �أبي داود‪ .‬للإمام �أبي داود �سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين الأزدي (ت‪:‬‬
‫‪275‬هـ) راجعه وعلق عليه‪ :‬حممد حمي الدين عبداحلميد‪ ،‬طبعة دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪�3939‬سنن الرتمذي وهو اجلامع املخت�صر من ال�سنن عن ر�سول اهلل ﷺ ومعرفة‬
‫ال�صحيح واملعلول وما عليه العمل‪ .‬لأبي عي�سى حممد بن عبا�س بن �سورة‬
‫الرتمذي (ت‪279 :‬هـ) مراجعة‪� :‬صدقي حممد جميل عطار‪ ،‬طبعة �سنة ‪1414‬هـ‪،‬‬
‫دار الفكر للطباعة والن�شر‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫‪�4040‬سـنن الــدار قطني‪ .‬لل�شيخ عــلي بن عمر الـدار قطني (ت‪385 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫ال�سيد عبداهلل ها�شم اليماين املدين‪ ،‬طبعة عام ‪1386‬هـ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪4141‬ال�سنن الكربى‪ .‬للحافظ �أبي بكر �أحمد بن احل�سني بن علي البيهقي‪( ،‬ت‪458 :‬هـ)‪،‬‬
‫وبذيله اجلوهر النقي للعالمة عالء الدين بن علي بن عثمان املارديني ال�شهري‬
‫بابن الرتكماين (ت‪745 :‬هـ) طبعة عام ‪1413‬هـ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪4242‬ال�سيل اجلرار املتدفق على حدائق الأزهار‪ .‬لل�شيخ حممد بن علي ال�شوكاين‬
‫(ت‪1255 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حممود �إبراهيم زايد‪ ،‬ط‪1405 ،١‬هـ‪1985 -‬م‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪�4343‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي‪ .‬ل�شم�س الدين �أبي عبداهلل حممد بن‬
‫عبداهلل الزرك�شي (ت‪772 :‬هـ) قدم له‪ ،‬وو�ضع حوا�شيه‪ :‬عبداملنعم خليل‬
‫�إبراهيم‪ ،‬ط‪1423 ،١‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�4444‬شرح فتح القدير‪ .‬لكمال الدين حممد بن عبدالواحد ال�سيوا�سي (ت‪681 :‬هـ)‬
‫ط‪ ،٢‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�4545‬شرح القواعد الفقهية‪ .‬لل�شيخ �أحمد ابن ال�شيخ حممد الزرقاء‪ ،‬تعليق‪ :‬م�صطفى‬
‫�أحمد الزرقاء‪ ،‬ط‪1409 ،٢‬هـ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬دم�شق‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪116‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪4646‬ال�شرح الكبري‪ .‬ل�شم�س الدين �أبي الفرج عبدالرحمن بن حممد بن �أحمد بن‬
‫قدامه املقد�سي‪( ،‬ت‪682 :‬هـ) (مطبوع مع املغني) ط‪1404 ،١‬هـ دار الفكر‬
‫للطباعة والن�شر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪�4747‬شرح جملة الأحكام العدلية‪ .‬لعلي حيدر با�شا‪ ،‬ط‪1411 ،١‬هـ‪ ،‬دار اجلليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�4848‬شرح منتهى الإرادات دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى‪ .‬لل�شيخ من�صور بن يون�س‬
‫بن �إدري�س البهوتي‪( ،‬ت‪1051 :‬هـ) حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪،‬‬
‫ط‪1421 ،١‬هـ‪2000 -‬م‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪.‬‬
‫‪�4949‬صحيح البخاري‪ .‬للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �إ�سماعيل البخاري‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪256‬هـ) (مطبوع مع �شرحه فتح الباري) ط‪1409 ،٢‬هـ‪ ،‬دار الريان للرتاث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬وكذلك ن�سخة املكتبة ال�شاملة‪.‬‬
‫‪�5050‬صحيح م�سلم‪ .‬لأبي احل�سني م�سلم بن احلجاج بن م�سلم الق�شريي الني�سابوري‬
‫(ت‪261 :‬هـ) (مطبوع مع �شرح النووي عليه) ط‪1407 ،١‬هـ‪ ،‬دار الريان للرتاث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬وكذلك ن�سخة املكتبة ال�شاملة‪.‬‬
‫‪5151‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري‪ .‬لأبي حممد حممود بن �أحمد بن مو�سى‬
‫بن �أحمد بن ح�سني الغيتابى احلنفى بدر الدين العينى (ت‪855 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪5252‬الفتاوى الكربى‪ .‬ل�شيخ الإ�سالم تقي الدين �أحمد بن عبداحلليم ابن تيمية (ت‪:‬‬
‫‪728‬هـ) قدم له‪ :‬ح�سنني حممد خملوف‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪5353‬الفتاوى الهندية يف مذهب الإمام الأعظم �أبي حنيفة النعمان‪ .‬لل�شيخ نظام‪،‬‬
‫وجماعة من علماء الهند‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪5454‬فتاوى نور على الدرب‪ .‬ملحمد بن �صالح بن حممد العثيمني (ت‪1421 :‬هـ)‪،‬‬
‫املكتبة ال�شاملة‪.‬‬
‫‪5555‬الفتح الرباين لرتتيب م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪ .‬لأحمد بن عبدالرحمن‬
‫البنا‪ .‬دار ال�شهاب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪5656‬الـفـروع‪ .‬لل�شيخ �شم�س الدين املقد�سي �أبي عبداهلل حممد بن مفلح (ت‪763 :‬هـ)‪،‬‬

‫‪117‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬ط‪1424 ،١‬هـ‪2003-‬م‪ ،‬النا�شر‪:‬‬


‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار امل�ؤيد‪.‬‬
‫‪5757‬في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري‪ .‬للعالمة حممد املدعو بعبدالر�ؤوف املناوي‬
‫(ت‪1031 :‬هـ) دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪5858‬قاعدة ال �ضرر وال �ضرار‪ .‬لل�شيخ حممد بن عبدالعزيز ال�سويلم‪ ،‬ط‪1423 ،١‬هـ‪-‬‬
‫‪2002‬م‪ ،‬دار عامل الكتب للطباعة والن�شر‪.‬‬
‫‪5959‬القواعد الفقهية الكربى وما تفرع عنها‪ .‬ت�أليف‪ :‬ال�شيخ الدكتور‪� :‬صالح بن‬
‫غامن ال�سدالن‪ ،‬ط‪1420 ،٢‬هـ‪1999-‬م‪ ،‬دار بلن�سية للن�شر والتوزيع‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫ال�سعودية‪.‬‬
‫‪6060‬القوانني الفقهية‪ .‬ملحمد بن �أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي(ت‪741 :‬هـ)‪ ،‬من‬
‫القر�ص املمغنط ملكتبة الفقه و�أ�صوله‪ ،‬الإ�صدار الرابع‪.‬‬
‫‪6161‬الكايف يف فقه �أهل املدينة املالكي‪ .‬لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل بن حممد‬
‫بن عبدالرب النمري القرطبي‪( .‬ت‪463 :‬هـ) ط‪� ،١‬سنة ‪1407‬هـ‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪6262‬ك�شاف القناع على منت الإقناع‪ .‬لل�شيخ من�صور بن يون�س بن �إدري�س البهوتي‪،‬‬
‫(ت‪1046 :‬هـ) عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪6363‬ل�سان العرب‪ .‬للإمام �أبي الف�ضل جمال الدين حممد مكرم بن منظور الإفريقي‬
‫امل�صري‪( ،‬ت‪711 :‬هـ) ط‪ ، ،١‬دار �صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪6464‬املبدع يف �شرح املقنع‪ .‬لإبراهيم بن حممد بن عبداهلل بن مفلح احلنبلي(ت‪:‬‬
‫‪884‬هـ)النا�شر‪ :‬املكتب الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪6565‬املـب�سوط‪ .‬ل�شم�س الدين ال�سرخ�سي‪ ( ،‬ت‪490 :‬هـ)‪ ،‬ط‪� ،١‬سنة ‪1414‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪6666‬جملة الأحكام العدلية‪ .‬ط‪ ،١‬الإ�صدار الأول‪ 1999‬م‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة دار الثقافة‬
‫للن�شر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬الأردن‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪118‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪6767‬جممع الزوائد‪ .‬لعلي بن �أبي بكر الهيثمي (ت‪807 :‬هـ) �سنة الن�شر‪1407‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الريان للرتاث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪6868‬جممع الفقه اال�سالمي الدويل الندوة الفقهية الطبية الثانية فايرو�س كورونا‬
‫امل�ستجد كوفيد ‪ 19-‬ومايتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية التي ينظمها‬
‫جممع الفقه اال�سالمي ‪-‬عن بعد‪� 23 -‬شعبان ‪1441‬هـ‪ 16 ،‬ابريل ‪2020‬م‪.‬‬
‫‪6969‬املجموع �شرح املهذب‪ .‬لأبي زكريا حمي الدين �شرف النووي‪( ،‬ت‪676 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫‪7070‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم �أحمد بن تيمية‪( .‬ت‪827 :‬هـ) جمع وترتيب‪:‬‬
‫عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم العا�صمي النجدي احلنبلي‪ ،‬وم�ساعدة ابنه‬
‫حممد‪ ،‬طبع ب�إ�شراف الرئا�سة العامة ل�ش�ؤون احلرمني ال�شريفني‪.‬‬
‫‪7171‬املحرر يف الفقه على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪ .‬لل�شيخ الإمام جمد الدين‬
‫�أبي الربكات (ت‪652 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪7272‬املحكم واملحيط الأعظم‪ .‬لأبي احل�سن علي بن �إ�سماعيل بن �سيده املر�سي [ت‪:‬‬
‫‪458‬هـ]‪ ،‬املحقق‪ :‬عبداحلميد هنداوي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫لمـام احلافظ �أبي عبداهلل احلاكم الـني�سابوري‪،‬‬
‫‪7373‬امل�سـتدرك على ال�صحيحني‪ .‬ل إ‬
‫(ت‪405 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬ط‪ ،١‬عام‪1411‬هـ‪1990-‬م‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪7474‬م�سند الإمام �أحمد‪ .‬مل�ؤلفه‪� :‬أبي عبداهلل �أحمد بن حـنبل ال�شيباين‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪241‬هـ)‪ ،‬الطبعة امل�صورة عن الطبعة امليمنية‪ ،‬م�ؤ�س�سة قرطبة‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪7575‬امل�صـنف‪ .‬للحافظ الكبري �أبي بكر عبدالرزاق بن همام ال�صنعاين (ت‪211 :‬هـ)‬
‫حـققه وخرج �أحاديثه‪ :‬ال�شيخ حبيب الرحمن الأعظمي‪ ،‬ط‪1403 ،٢‬هـ‪ ،‬املجل�س‬
‫العلمي املكتبة اال�سالمية‪ ،‬ببريوت‪.‬‬

‫‪119‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫‪7676‬املطلع على �أبواب املقنع‪ .‬للإمام �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أبي الفتح‬
‫البعلي احلنبلي (ت‪709 :‬هـ) طبعة عام ‪1401‬هـ‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪7777‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬حممد روا�س قلعجي و حامد �صادق قنب�س‪ ،‬دار النفائ�س‬
‫للطباعة‪ ،‬ط‪1408 ،٢‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪7878‬املغرب يف ترتيب املعرب‪ .‬لنا�صر بن عبدال�سيد �أبى املكارم ابن على‪� ،‬أبو الفتح‪،‬‬
‫برهان الدين اخلوارزمي املُ َط ِّرز ِّى (ت‪610 :‬هـ)‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪7979‬املغنى‪ .‬ت�أليف‪ :‬موفـق الدين �أبي حممد عبداهلل بن قدامة (ت‪620 :‬هـ) (مطبوع‬
‫مع ال�شرح الكبري) ط‪1404 ،٢‬هـ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والن�شر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪8080‬مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج‪ .‬لل�شيخ‪� :‬شم�س الدين حممد بن‬
‫حممد اخلطيب ال�شربيني (ت‪977 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�شيخ‪ :‬علي حممد معو�ض‪،‬‬
‫وال�شيخ‪ :‬عادل �أحمد عبداملوجود‪ ،‬ط‪1415 ،١‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪8181‬منتهى الإرادات يف جمع املقنع مع التنقيح وزيادات‪ .‬لتقي الدين حممد بن �أحمد‬
‫الفتوحي احلنبلي امل�صري‪ ،‬ال�شــــهري بابن النجار(ت‪972 :‬هـ)‪( ،‬مطـبوع مع‬
‫حا�شيته) حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬ط‪1419 ،١‬هـ‪1999-‬م‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر والتوزيع‪ ،‬يوزع على نفقة ح�سن عبا�س �شربتلي‪.‬‬
‫‪8282‬منح اجلليل �شرح على خمت�صر �سيدي خليل‪ .‬لل�شيخ حممد علي�ش (ت‪:‬‬
‫‪1299‬هـ)‪ ،‬ط‪1404 ،١‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪8383‬املهذب يف فقه ال�شافعي‪ .‬لأبي ا�سحاق ال�شريازي (ت‪476 :‬هـ) حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد‬
‫الزحيلي‪ ،‬ط‪1417 ،١‬هـ‪1996 -‬م‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الدار ال�شامية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪8484‬مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر خليل‪ .‬ت�أليف‪� :‬أبي عبداهلل حممد بن حممد‬
‫املغربي املعروف باحلطاب (ت‪954 :‬هـ)‪� ،‬ضبطه وخرج �آياته و�أحاديثه‪ :‬ال�شيخ‬
‫زكريا عمريات‪ ،‬ط‪1416 ،١‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪120‬‬


‫املنهج الشرعي يف التعامل مع األوبئة‬

‫‪8585‬املو�سوعة الطبية الفقهية‪ .‬مو�سوعة جامعة للأحكام الفقهية يف ال�صحة‬


‫واملر�ض واملمار�سات الطبية‪ .‬ت�أليف‪ :‬د‪� .‬أحمد حممد كنعان‪ ،‬تقدمي‪ :‬حممد‬
‫هيثم اخلياط‪ ،‬ط‪1427 ،٢‬هـ‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪8686‬النهر الفائق �شرح كنز الدقائق‪ .‬ت�أليف‪� :‬سراج الدين عمر بن �إبراهيم بن جنيم‬
‫احلنفي (ت‪1005 :‬هـ) املحقق‪� :‬أحمد عزو عناية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪1422 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2002‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪8787‬النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ .‬ت�أليف الإمام جمد الدين �أبي ال�سعادات‬
‫املبارك بن حممد بن الأثري اجلوزي (ت‪606 :‬هـ)‪ ،‬خ ّرج �أحاديثه وعلق عليه‪:‬‬
‫�أبو عبدالرحمن �صالح بن حممد بن عوي�ضة‪ ،‬ط‪1418 ،١‬هـ‪1997-‬م‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪8888‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج يف الفقه على مذهب الإمام ال�شافعي‪ .‬ت�أليف‪:‬‬
‫�شم�س الدين حممد بن �أبي العبا�س �أحمد بن حمزة ابن �شهاب الدين‬
‫الرملي ال�شهري بال�شافعي ال�صغري (ت‪1004 :‬هـ)‪ ،‬ومعه حا�شية �أبي ال�ضياء‬
‫ال�شربامل�سي القاهري (ت‪1087 :‬هـ)‪ ،‬وحا�شية �أحمد بن عبدالرزاق بن حممد‬
‫بن �أحمد املعروف باملغربي الر�شيدي (ت‪1096 :‬هـ)‪ ،‬الطــبعة الأخرية �سنة‬
‫‪1404‬هـ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والن�شر‪.‬‬
‫‪8989‬نيل الأوطار من �أحاديث �سيد الأخيار �شرح منتقى الأخبار‪ .‬لل�شيخ حممد بن‬
‫علي ال�شوكاين (ت‪1255 :‬هـ) طبعة �سنة ‪1973‬م‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪9090‬موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/ :‬‬
‫‪EducationalContent/PublicHealth/Pages/corona.aspx‬‬

‫‪121‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬نورة بنت عبداهلل املطلق‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة‪77 .........................................................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬التعريف بالوباء‪ ،‬وبكورونا(كوفيد ‪ )19‬وفيه مطلبان‪80 .......... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التعريف بالوباء وما يراد به ‪80 .................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف بوباء فريو�س كورونا ( كوفيد‪81 ..................)19‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الأ�صل يف بيان املنهج ال�شرعي يف التعامل مع الأوبئة ‪83 ...........‬‬
‫املبحث الثالث‪� :‬أمر املري�ض بالتداوي ‪86 ..........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬منع املري�ض من خمالطة الأ�صحاء و�إلزامه باالنفراد �سواء كان يف‬
‫بيته (احلجر املنزيل) �أو يف املراكز وامل�شايف الطبية (احلجر ال�صحي) ‪87 ...‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬منع املري�ض من ال�سفر واخلروج من بلده ‪94 ...................‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪� :‬أمر ال�صحيح باتخاذ �أ�سباب الوقاية‪ ،‬ومنعه من خمالطة‬
‫املري�ض‪ ،‬و�إلزامه باحلجر املنزيل ومنعه من التجمعات ‪96 ....................‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬منع ال�صحيح من ال�سفر �إلى بالد ينت�شر بها الفايرو�س املعدي‪99 ....‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬جتنب ن�شر ال�شائعات للتهويل من انت�شار املر�ض‪� ،‬أو التهوين منه ‪101 ..‬‬
‫املبحث التا�سع‪ :‬ت�صرف ويل الأمر منوط بامل�صلحة ‪102 ...........................‬‬
‫املبحث العا�شر‪ :‬الإتيان بامل�أمورات ح�سب اال�ستطاعة ‪105 ..........................‬‬
‫اخلامتة ‪110 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪112 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪122‬‬


‫آثار وباء كورونا‬
‫على أحكام صالة الجماعة في المسجد‬
‫دراسة شرعية‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن �سعيد بن حمود املطريف‬
‫ال�سالمية‬
‫الأ�ستاذ مبركز الدرا�سات إ‬
‫بكلية ال�رشيعة ‪ -‬جامعة �أم القرى‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪124‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ملخص البحث‬

‫لقد ا�ستهدفت الدرا�سة الفقهية بعنوان‪�( :‬آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة‬
‫اجلماعة يف امل�سجد درا�سة �شرعية) بحث وجمع وت�أ�صيل مل�س�ألة الأثر الفقهي املرتتب‬
‫على �أحكام اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب جائحة كورونا؛ �إذ �أنني مل �أر من بحثها �أو‬
‫جمعها و� ّأ�صلها بالأدلة ال�شرعية‪ ،‬وقد �سرت يف بحثها وفق منهج علمي و�صفته يف‬
‫املقدمة‪.‬‬
‫وق�سمت البحث �إلى مقدمة م�شتملة على �أهميته‪ ،‬و�أ�سباب اختياره‪ ،‬والدرا�سات‬
‫ال�سابقة‪ ،‬وخطته ومنهجه؛ ثم التمهيد وفيه ثالثة مطالب املطلب الأول‪ :‬تعريف �صالة‬
‫وا�صطالحا‪ ،‬املطلب‬
‫ً‬ ‫وا�صطالحا‪ ،‬املطلب الثاين‪ :‬تعريف امل�سجد لغة‬
‫ً‬ ‫اجلماعة لغة‬
‫الثالث‪ :‬تعريف وباء كورونا‪ ،‬و�سبعة مباحث‪ :‬املبحث الأول‪ :‬ترك امل�صاب بوباء كورونا‬
‫للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله؛ املبحث الثاين‪ :‬ترك اجلماعة يف امل�سجد‬
‫ب�سبب اخلوف من عدوى وباء كورونا؛ املبحث الثالث‪ :‬التباعد بني امل�صلني خو ًفا من‬
‫العدوى من وباء كورونا؛ املبحث الرابع‪ :‬التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى؛‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى؛ املبحث‬
‫ال�ساد�س‪ :‬عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س القفازين؛‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى‪ .‬ثم ختمت‬
‫البحث ب�أهم النتائج امل�ستخل�صة منه والتو�صيات‪ ،‬وفهر�س للم�صادر واملراجع‪.‬‬

‫‪125‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد �أ�شرف اخللق‬
‫واملر�سلني‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪� ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فاالبتالء �سنة من �سنن اهلل يف هذه احلياة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة‪ ،]155 :‬وقد ابتليت الأمة‬
‫الإ�سالمية على امتداد تاريخها الطويل‪ ،‬بالعديد من اجلوائح التي كانت م�صدر‬
‫تهديد وخطر عليها‪ ،‬منها ما كانت جوائح عامة‪ ،‬كالأوبئة‪ ،‬والطاعون وغريها‪ ،‬ومنها‬
‫ما كانت جوائح من اجليو�ش الب�شرية تتعلق ب�أخطار داهمت امل�سلمني؛ كما ح�صل‬
‫�أيام غزو التتار لبالد امل�سلمني �أو ال�صليبيني‪ ،‬وغريها‪ ،‬تلك اجلوائح والأوبئة التي‬
‫تقت�ضي من �أهل الإ�سالم ال�صرب عليها وحمد اهلل تعالى يف كل الأحوال‪ ،‬فعن �صهيب‬
‫الرومي ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬عج ًبا لأمر امل�ؤمن �إنّ �أمره كله خري‪ ،‬ولي�س‬
‫ذلك لأحد �إال للم�ؤمن‪� ،‬إن �أ�صابته �سراء �شكر فكان خ ًريا له‪ ،‬و�إن �أ�صابته �ضراء �صرب‬
‫أحكاما خا�صة‪،‬‬
‫فكان خ ًريا له»(((‪ ،‬وهذه الأوبئة اقت�ضت من الفقهاء نظرة خا�صة‪ ،‬و� ً‬
‫مع ما ميتاز به ديننا العظيم من مرونة‪ ،‬و�صالحية لكل زمان ومكان‪ ،‬فو�ضعوا‬
‫الأحكام اخلا�صة‪ ،‬والقواعد املتعلقة بهذه الأوبئة‪� ،‬سوا ًء ما ارتبط منها بالعبادات �أو‬
‫املعامالت �أو خمتلف نواحي احلياة‪.‬‬
‫ومن هذه اجلوائح والأوبئة انت�شار وباء كورونا يف �آخر الن�صف الأول لعام ‪1441‬هـ‬
‫يف �أرجاء املعمورة حتى �أ�صاب املاليني من الب�شر وتويف ب�سببه مئات الألوف‪ ،‬وقد‬
‫((( رواه م�سلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب امل�ؤمن �أمره كله خري‪ ،‬حديث رقم ‪.5318‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪126‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ن�صحت منظمات ال�صحة وجهات االخت�صا�ص بالتباعد االجتماعي‪ ،‬و�أخذ االحرتازات‬


‫ملنع انت�شار الوباء‪ ،‬ومن ذلك ما يتعلق ب�أداء �صالة اجلماعة يف امل�سجد؛ لأنها حمل‬
‫تقارب بني امل�صلني‪ ،‬ويتكرر عليها �أهل الإ�سالم يف اليوم خم�س مرات‪ ،‬ومنزلة �صالة‬
‫اجلماعة يف امل�سجد عظيمة‪ ،‬ويدل على ذلك ن�صو�ص كثرية‪ ،‬منها قوله تعالى‪( :‬ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النور‪ ،]38-36 :‬وعن �أبي‬
‫اجل َم َاع ِة ُت َ�ض َّع ُف ع َلى َ�صلاَ ِت ِه‬ ‫«�صلاَ ُة ال َّر ُج ِل يف َ‬ ‫هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫وذلك �أ َّن ُه � َإذا َت َو َّ�ض�أَ‪ ،‬ف� ْأح َ�سنَ ال ُو ُ�ضو َء‪،‬‬
‫يف َب ْي ِت ِه‪ ،‬ويف ُ�سو ِق ِه‪َ ،‬خ ْم ً�سا ِوع ْ�ش ِرينَ ِ�ض ْع ًفا‪َ ،‬‬
‫ال�صلاَ ُة‪ ،‬لمَ ْ َي ْخ ُط َخ ْط َو ًة‪ � ،‬اَّإل ُر ِف َع ْت له ب َها َد َر َج ٌة‪،‬‬
‫ُث َّم َخ َر َج �إلى ا َمل ْ�س ِج ِد‪ ،‬ال ُي ْخ ِر ُج ُه � اَّإل َّ‬
‫وح َّط ع ْنه ب َها َخ ِطي َئ ٌة‪َ ،‬ف ِإ� َذا َ�ص َّلى‪ ،‬لمَ ْ تَزَ ِل ا َمللاَ ِئ َك ُة ُت َ�ص ِّلي عليه‪ ،‬ما َد َام يف ُم َ�صلاَّ ُه‪:‬‬ ‫ُ‬
‫لاَ (((‬
‫ال�ص َة» ‪.‬‬ ‫ال َّل ُه َّم َ�ص ِّل عليه‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْر َح ْمهُ‪ ،‬اَول َيزَ ُال � َأح ُد ُك ْم يف َ�صلاَ ٍة ما ا ْنت ََظ َر َّ‬
‫خ�ص هذه النازلة بالبحث والدرا�سة وجمع �أطرافها‬
‫ومبا �أنني مل �أقف على َمن ّ‬
‫يف حمل واحد؛ فقد رغبت يف امل�شاركة ببيانها وك�شف حكمها من خالل ن�صو�ص‬
‫وجمعت جملة من كالم �أهل العلم ‪ ‬حولها يف هذا البحث‬ ‫ُ‬ ‫الوحي املطهر‪،‬‬
‫بعنوان(�آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة اجلماعة يف امل�سجد درا�سة �شرعية)؛‬
‫لأجيب على الأ�سئلة التالية‪:‬‬
‫ما مدى ت�أثري تلك التو�صيات والقرارات املتخذة على �أحكام �أداء �صالة اجلماعة‬
‫يف امل�سجد؟ وما القواعد والأ�صول ال�شرعية التي تبنى عليها �أحكام هذه النازلة؟‬
‫�أهمية البحث و�أ�سبابه‪:‬‬
‫تظهر �أهمية البحث و�أ�سبابه من خالل الآتي‪:‬‬
‫‪�1.1‬أهمية �صالة اجلماعة يف امل�سجد ومنزلتها العالية يف ال�شريعة‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الأذان‪ ،‬باب ف�ضل �صالة اجلماعة‪ ،‬ح‪ ،647‬وم�سلم كتاب امل�ساجد‪ ،‬باب ف�ضل‬
‫�صالة اجلماعة وبيان الت�شديد يف التخلف عنها‪ ،‬ح ‪.649‬‬

‫‪127‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫جانب من جوانب ثبوت �أحكام ال�شرع املطهر ومرونتها ومراعاتها‬


‫‪�2.2‬إبراز ٍ‬
‫لأحوال املكلفني‪.‬‬
‫‪3.3‬كرثة �أ�سئلة امل�سلمني عن �أحكام تلك الإجراءات االحرتازية ومدى ت�أثريها‬
‫على �صحة �صالة اجلماعة‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫وقفت على درا�سة بعنوان (�أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي)‬ ‫ُ‬
‫للباحث‪/‬عبدالإله بن �سعود بن نا�صر ال�سيف‪ ،‬وهي ر�سالة ماج�ستري بق�سم الفقه‬
‫بكلية ال�شريعة بجامعة الإمام‪ ،‬حتدث فيها الباحث عن �أحكام الأمرا�ض املعدية يف‬
‫العبادات والأنكحة وغريهما من �أبواب الفقه‪ ،‬وهي درا�سة مهمة يف بابها ومتميزة‪،‬‬
‫وهناك �أوجه �شبه بينها وبني هذه الدرا�سة‪ ،‬و�أوجه اختالف‪:‬‬
‫�أوجه ال�شبه‪:‬‬
‫الدرا�ستان مت�صلتان ب�أحكام الأمرا�ض املعدية‪ ،‬وفيهما مباحث وم�سائل متعلقة‬
‫ب�أثر املر�ض املعدي على �أحكام ال�صالة‪.‬‬
‫�أوجه االختالف‪:‬‬
‫هذه الدرا�سة خمت�صة ب�أثر املر�ض املعدي على �أحكام �صالة اجلماعة يف امل�سجد؛‬
‫لذا يوجد فيها ما ال يوجد يف �أحكام الأوبئة من مباحث مثل‪ :‬التباعد بني امل�صلني خو ًفا‬
‫من العدوى من وباء كورونا‪ ،‬والتباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى‪ ،‬وتغطية امل�صلي يف‬
‫اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى‪ ،‬ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا‬
‫من العدوى‪� ،‬أما درا�سة �أحكام الأمرا�ض املعدية فهي عامة ومل تتطرق لتلك امل�سائل‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫�سلكت يف �إعداد البحث املنهج الآتي‪:‬‬
‫‪1.1‬اعتمدتُ املنهجني الو�صفي واال�ستنباطي‪ ،‬ف�أقوم بو�صف املفاهيم املت�صلة‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪128‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫بامل�س�ألة وذات العالقة بها‪ ،‬ومن ّثم اال�ستنباط من الن�صو�ص وكالم الفقهاء‬
‫والقواعد ال�شرعية ما يبني احلكم ال�شرعي‪.‬‬
‫‪2.2‬اقت�صرتُ على بحث امل�سائل الفقهية املتعلقة ب�آثار وباء كورونا على �أحكام‬
‫�صالة اجلماعة يف امل�سجد تعل ًقا مبا�ش ًرا‪ ،‬دون امل�سائل التي قد ترتبط بها‬
‫ب�أي �سبب من الأ�سباب‪ ،‬وكذلك امل�سائل الدقيقة‪ ،‬ومل �أ�ستطرد يف اخلالفات‬
‫والأدلة وامل�سائل املتفرعة عن هذه امل�سائل‪ ،‬والتي مل تقع حتى ال يطول‬
‫البحث‪ ،‬وق�ص ًرا للم�سائل على مو�ضوع البحث‪.‬‬
‫‪3.3‬جمعت ونقلت �أقوال الفقهاء من م�صادرها‪.‬‬
‫‪4.4‬عزوت الآيات القر�آنية �إلى �سورها‪.‬‬
‫‪5.5‬خرجت الأحاديث النبوية والآثار من كتب ال�سنة املعتمدة‪.‬‬
‫‪6.6‬حررت حمل النزاع قبل �سياق امل�سائل اخلالفية‪� ،‬إن احتاجت امل�س�ألة لذلك‪.‬‬
‫‪7.7‬اجتهدت يف بيان الراجح بدليله‪.‬‬
‫‪8.8‬بينت م�صطلحات البحث وما ورد فيه من غريب‪.‬‬
‫‪9.9‬حر�صت على العناية بقواعد اللغة العربية‪ ،‬والإمالء‪ ،‬وعالمات الرتقيم‪.‬‬
‫‪1010‬و�ضعت يف نهاية البحث خامتة �أجملت فيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫مت البحث �إلى مقدمة ومتهيد و�سبعة مباحث وخامتة وفهار�س‪.‬‬
‫ق�س ُ‬
‫ّ‬
‫املقدمة‪ ،‬وت�شتمل على ما يلي‪ :‬اال�ستفتاح‪ ،‬و�أهمية البحث و�أ�سبابه ومنهجه‬
‫و�أ�سباب اختياره واخلطة‪.‬‬
‫متهيد وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الأول‪ :‬تعريف �صالة اجلماعة لغة‬

‫‪129‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف امل�سجد لغة‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف وباء كورونا‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ترك اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب اخلوف من العدوى من وباء كورونا‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التباعد بني امل�صلني خو ًفا من العدوى من وباء كورونا‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى‪.‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س القفازين‪.‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وبينت فيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪130‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫التمهيد‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‬
‫وا�صطالحا‬
‫ً‬ ‫تعريف �صالة اجلماعة لغة‬

‫هذا امل�صطلح مركب من كلمتني‪:‬‬


‫‪�1.1‬صالة وهي يف �أ�صل اللغة‪ :‬الدعاء؛ كما قال تعالى‪( :‬ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ) [التوبة‪]103 :‬؛ �أي‪ :‬اد ُع لهم؛ لذا �سميت ال�صالة ال�شرعية �صالة ال�شتمالها‬
‫على الدعاء(((‪.‬‬
‫ويف اال�صطالح‪�“ :‬أقوال و�أفعال مفتتحة بالتكبري وخمتتمة بالت�سليم مع النية‬
‫ب�شرائط خم�صو�صة”(((‪.‬‬
‫و�ضم ال�شيء بتقريب بع�ضه‬
‫‪2.2‬اجلماعة يف اللغة‪ :‬من اجلمع‪ ،‬وهو ت�أليف املتف ّرق ّ‬
‫ببع�ض‪ ،‬يقال‪ :‬جمعته فاجتمع‪.‬‬
‫واجلماعة‪ :‬عدد من النا�س يجمعهم غر�ض واحد‪ ،‬وا�ستعملت يف غري النا�س‪ ،‬يقال‬
‫جماعة ال�شجر‪ ،‬وجماعة النبات‪ ،‬وبهذا املعنى تطلق على عدد كل �شيء وكرثته(((‪.‬‬
‫اجلماعة يف اال�صطالح‪ :‬كلمة اجلماعة من الكلمات التي يختلف معناها بح�سب‬
‫مراد �أهل كل فن‪ ،‬ف�أهل العلم يبحثون �أحكام اجلماعة يف علم العقيدة وعلم الفقه؛‬
‫لداللة يف كال الفنني‪ ،‬ومل �أقف على تعريف للجماعة يخ�صه ومييزه عن غريه يف‬
‫كتب الفقهاء ‪ ‬واملالحظ �أن املعنى اال�صطالحي ال يخرج يف ا�ستعمالهم عن‬
‫((( ينظر‪ :‬مقايي�س اللغة ‪ ،300/3‬ل�سان العرب ‪.464/14‬‬
‫((( ينظر‪ :‬معجم امل�صطلحات والألفاظ الفقهية‪.377/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقايي�س اللغة ‪ ،479/1‬ل�سان العرب ‪ ،55/8‬القامو�س املحيط ‪.13/3‬‬

‫‪131‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫املعنى اللغوي‪� ،‬إال �أنه ميكن تخ�صي�ص املعنى اال�صطالحي مبا له �أثر يف الأحكام‬
‫الفقهية‪ ،‬وعلى هذا فاملعنى اللغوي �أعم ل�شموله كل ما ي�سمى جماعة‪ ،‬واملعنى‬
‫اال�صطالحي �أخ�ص منه؛ لأنه خم�صو�ص مبا له �أثر يف الأحكام الفقهية(((‪.‬‬
‫وعليه ف�إن املق�صود ب�صالة اجلماعة‪ :‬ارتباط �صالة امل�أموم ب�صالة الإمام‬
‫ب�شروط خم�صو�صة(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫وا�صطالحا‬
‫ً‬ ‫تعريف امل�سجد لغة‬

‫امل�سجد لغة‪ :‬املو�ضع الذي ي�سجد فيه‪ ،‬ثم اتّ�سع املعنى �إلى البيت املُتّخذ الجتماع‬
‫امل�سلمني لأداء ال�صالة فيه‪ ،‬قال الزرك�شي ‪“ :‬ولـَمـّا كان ال�سجود �أ�شرف �أفعال‬
‫ال�صالة‪ ،‬لقرب العبد من ربه‪ ،‬ا�شتق ا�سم املكان منه فقيل‪ :‬م�سجد‪ ،‬ومل يقولوا‪:‬‬
‫مركع‪ ،‬ثم �إن ال ُعرف خ�ص�ص امل�سجد باملكان امله ّي�أ لل�صلوات اخلم�س‪ ،‬حتى يخرج‬
‫املُ�ص ّلى املجتمع فيه للأعياد ونحوها‪ ،‬فال ُيعطى حكمه”(((‪.‬‬
‫ويف اال�صطالح‪ :‬املبنى املوقوف املخ�ص�ص لل�صلوات اخلم�س املفرو�ضة وغريها(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫تعريف وباء كورونا‬

‫مر�ض عام‪،‬‬
‫الوباء يف اللغة‪ :‬الوباء بالق�صر واملد والهمز‪ :‬الطاعون‪ ،‬وقيل‪ :‬كل ٍ‬
‫و�أر�ض و ِبئة‪ :‬كثرية الوباء‪ ،‬وا�ستوب�أ الأر�ض‪ :‬ا�ستوخمها ووجدها وبئة(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،156/1‬جمموع فتاوى ابن تيمية ‪� ،157/3‬أحكام اجلماعة يف الفقه الإ�سالمي �ص‪.26‬‬
‫((( ينظر‪� :‬صالة اجلماعة حكمها و�أحكامها �ص ‪.12‬‬
‫((( �إعالم ال�ساجد ب�أحكام امل�ساجد‪� ،‬ص‪ ،28-27‬وينظر‪ :‬ل�سان العرب ‪.204 ،203/3‬‬
‫((( �أحكام امل�ساجد يف ال�شريعة الإ�سالمية ‪.11/1‬‬
‫((( انظر ل�سان العرب ‪.189/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪132‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫وا�صطالحا‪ :‬ا�سم لكل مر�ض عام(((‪.‬‬


‫ً‬
‫و�أنبه هنا على �أن وباء كورونا ال ي�سمى طاعو ًنا؛ لأن الطاعون‪ :‬قروح تخرج يف‬
‫املغابن واملرافق‪ ،‬ثم تعم البدن ويح�صل معه خفقان القلب‪ ،‬وهو �أنواع و�أ�شكال ال‬
‫ت�شبه كورونا(((‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر ‪“ :‬ت�سمية الطاعون وبا ًء ال يلزم منه �أنَّ‬
‫كل وباء طاعون‪ ،‬بل يدل على عك�سه‪ ،‬وهو �أنَّ كل طاعون وبا ًء؛ لكن ملا كان الوباء ين�ش�أ‬
‫عنه كرثة املوت‪ ،‬وكان الطاعون �أي ضً� ا كذلك‪� ،‬أُطلق عليه ا�سمه” ا‪.‬هـ(((‪.‬‬
‫تعريف وباء كورونا‪:‬‬
‫وباء كورونا مر�ض فريو�س (كورونا ‪)2019‬اخت�صا ًرا كوفيد‪ 19-‬و ُيعرف �أي�ضً ا‬
‫با�سم املر�ض التنف�سي احلاد املرتبط بفريو�س كورونا امل�ستجد ‪ ،2019‬هو ٌ‬
‫مر�ض‬
‫تنف�سي �إنتاين حيواين املن�ش�أ‪ُ ،‬ي�سببه فريو�س كورونا ‪ 2‬املرتبط باملتالزمة التنف�سية‬
‫قريب جدً ا من فريو�س �سار�س‪،‬‬ ‫احلادة ال�شديدة (�سار�س كوف ‪ )2‬هذا الفريو�س ٌ‬
‫اكتُ�شف الفريو�س امل�ستجد لأول مرة يف مدينة ووهان ال�صينية عام ‪ ،2019‬وانت�شر‬
‫حول العامل ب�سبب العدوى منذ ذلك الوقت م�سب ًبا جائحة فريو�س كورونا ‪-2019‬‬
‫‪ 2020‬العاملية‪ ،‬تت�ضمن الأعرا�ض ال�شائعة للمر�ض احلمى وال�سعال و�ضيق النف�س‪،‬‬
‫�أما الآالم الع�ضلية و�إنتاج الق�شع و�أمل احللق فلي�ست �أعرا�ضً ا �شائعة‪ ،‬يف حني ت�سلك‬
‫معظم الإ�صابات م�سا ًرا حميدً ا قليل الأعرا�ض‪ ،‬يتطور عدد منها �إلى �أ�شكال �أكرث‬
‫خطورة مثل ذات الرئة ال�شديدة واالختالل الع�ضوي املتعدد‪ ،‬و ُتق ّدر ن�سبة عدد‬
‫�شخ�صة بنحو ‪ %3.4‬لكنها تختلف تب ًعا للعمر ووجود‬ ‫الوفيات �إلى عدد الإ�صابات املُ ّ‬
‫�أمرا�ض �أخرى(((‪ ،‬وحتى حترير هذا البحث ال توجد لقاحات �أو عالجات حمددة له؛‬
‫ينظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،69/3‬و�شرح خمت�صر خليل للخر�شي ‪ ،133/5‬و�أ�سنى املطالب ‪.38/3‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬م�شارق الأنوار ‪ ،321/1‬وك�شاف القناع ‪https://www.who.int/features/qa/plague/ar/ ،323/4‬‬ ‫(((‬
‫بذل املاعون يف ف�ضل الطاعون �ص‪.104 :‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مو�سوعة ويكيبيديا احلرة ‪https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B1%D8%B6_%‬‬ ‫(((‬
‫‪D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D‬‬
‫‪9%86%D8%A7_2019‬‬

‫‪133‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫بل مل تت�أكد حتى الآن جميع طرق وو�سائل انت�شاره‪ ،‬وعدد امل�صابني به جتاوز حاجز‬
‫الـ ‪ 14‬مليو ًنا و‪� 374‬ألف �شخ�ص‪ ،‬تقري ًبا حول العامل‪ ،‬وعدد املتوفني حول العامل يزيد‬
‫عن ‪� 600‬ألف حالة؛ كما مت �شفاء �أكرث من ‪ 8‬ماليني و‪� 572‬ألف حالة(((‪.‬‬

‫((( ‪.https://www.bbc.com/arabic/51855397‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪134‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫املبحث الأول‬
‫ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد‬
‫ومنعه من دخوله‬

‫قبل بيان حكم ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله‪،‬‬
‫البد من الإ�شارة �إلى م�س�ألتني‪:‬‬
‫امل�س�ألة الأولى‪:‬‬
‫مل �أقف على َمن قال بتعطيل ال�صلوات بالكلية يف عموم امل�ساجد مع وجود الأوبئة‬
‫وانت�شار الطواعني على مر التاريخ �أهل الإ�سالم‪ ،‬حتى يف الطاعون الأعظم الذي‬
‫انت�شر يف كثري من البلدان عام‪749‬ه؛ بل اجته النا�س للم�ساجد والت�ضرع والدعاء؛‬
‫كما و�صف ذلك ابن كثري ‪ ‬بقوله‪ ...“ :‬ويف يوم االثنني الثالث والع�شرين منه‪-‬‬
‫جمادى الآخرة‪ -‬نودي يف البلد �أن ي�صوم النا�س ثالثة �أيام‪ ،‬و�أن يخرجوا يف اليوم‬
‫الرابع وهو يوم اجلمعة �إلى عند م�سجد القدم يت�ضرعون �إلى اهلل وي�س�ألونه يف رفع‬
‫الوباء عنهم‪ ،‬ف�صام �أكرث النا�س ونام النا�س يف اجلامع‪ ،‬و�أحيوا الليل كما يفعلون‬
‫يف �شهر رم�ضان‪ ،‬فلما �أ�صبح النا�س يوم اجلمعة ال�سابع والع�شرين منه خرج النا�س‬
‫فج عميق‪ ،‬واليهود والن�صارى وال�سامرة‪ ،‬وال�شيوخ والعجائز‬ ‫يوم اجلمعة من كل ٍ‬
‫وال�صبيان‪ ،‬والفقراء والأمراء والكرباء والق�ضاة من بعد �صالة ال�صبح‪ ،‬فما زالوا‬
‫يوما م�شهودا‪ ،‬ويف يوم‬ ‫هنالك يدعون اهلل تعالى حتى تعالى النهار جدً ا‪ ،‬وكان ً‬
‫اخلمي�س عا�شر جمادى الأولى‪� :‬صلى اخلطيب بعد �صالة الظهر على �ستة ع�شر ميتًا‬
‫يومئذ كث ًريا‪ ،‬رمبا يقارب‬
‫جملة واحدة‪ ،‬فتهول النا�س من ذلك وانذعروا‪ ،‬وكان الوباء ٍ‬
‫الثالثمائة بالبلد وحوا�ضره‪ ،‬ف�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون‪ ...‬وكان ي�صلى يف �أكرث الأيام‬
‫يف اجلامع على �أزيد من مائة ميت ف�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون‪ ،‬وبع�ض املوتى ال ي�ؤتى‬

‫‪135‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫بهم �إلى اجلامع‪ ،‬و�أما حول البلد و�أرجائها فال يعلم عدد من ميوت بها �إال اهلل ‪‬‬
‫رحمهم اهلل �آمني‪ ”.‬ا‪.‬هـ(((‪.‬‬
‫لكن مع التقدم الطبي يف وقتنا احلا�ضر‪ ،‬وظهور الدرا�سات املتخ�ص�صة يف‬
‫الأوبئة والأمرا�ض املعدية �أ�صبح لتلك الدرا�سات ت�أث ًريا يف املوقف ال�شرعي من مثل‬
‫هذه الأمرا�ض‪ ،‬وبيان الأحكام مبني على تلك الدرا�سات والأبحاث وما تنتهي �إليه‬
‫من نتائج‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪:‬‬
‫حكم �أداء �صالة اجلماعة يف امل�سجد‪ ،‬اختلف فيها �أهل العلم على ع ّدة �أقوال‬
‫�أ�شهرها ثالثة‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أنها �سنة يف امل�سجد‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور من احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪،‬‬
‫وال�شافعية(((‪ ،‬ورواية عن الإمام �أحمد وهي ال�صحيح من املذهب(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن �صالتها بامل�سجد فر�ض عني على َمن جتب عليه‪ ،‬رواية عن‬
‫الإمام �أحمد‪ ،‬اختارها جماعة من احلنابلة منهم �شيخ الإ�سالم ابن تيمية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أن فعلها يف امل�سجد فر�ض كفاية‪ ،‬رواية عن الإمام �أحمد واختارها‬
‫بع�ض احلنابلة(((‪.‬‬
‫وقد اتفق �أهل العلم ‪ ‬على �أن املر�ض ُيع ّد عذ ًرا يف ترك اجلماعة واجلمعة‪،‬‬
‫واحد من �أهل العلم(((‪ ،‬وبنا ًء على ما تقدم من الإ�شارة للخالف يف‬
‫نقل االتفاق غري ٍ‬
‫البداية والنهاية البن كثري‪ ،181/14‬وينظر‪ :‬بذل املاعون �ص‪.329 ،328‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،340/1‬حا�شية ابن عابدين ‪.287/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الذخرية ‪ ،265/2‬مواهب اجلليل ‪.81/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املجموع ‪ ،93/4‬رو�ضة الطالبني‪ ،341/1‬مغني املحتاج ‪.351/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني ‪ ،8/3‬الفروع ‪ ،577/1‬والإن�صاف ‪.213/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الفروع ‪ ،577/1‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.254/23‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الفروع ‪ ،577/1‬والإن�صاف ‪.213/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الأو�سط البن املنذر‪ ،139/4‬بداية املجتهد ‪.157/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪136‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫�أداء اجلماعة يف امل�سجد‪ ،‬مع االتفاق على اعتبار املر�ض عذ ًرا ف�إن امل�صاب بوباء‬
‫رخ�ص له يف ترك اجلماعة يف امل�سجد وت�سقط عنه‪ ،‬حتى على قول َمن يقول‬ ‫كورونا ُي ّ‬
‫من �أهل العلم بفر�ضية �أداء ال�صالة يف امل�سجد‪ ،‬وهكذا احلكم ل�صالة اجلمعة‪ ،‬فهي‬
‫واجبة على الأعيان بالإجماع(((؛ لكن َمن كان مري�ضً ا بوباء كورونا ف�إنها ت�سقط عنه‬
‫ويكون معذو ًرا يف تركها‪ ،‬وبيان ذلك �أن امل�صاب بهذا املر�ض اجتمع فيه �أمران �أو‬
‫�أحدهما‪:‬‬
‫الأول‪ :‬املر�ض الذي ي�شق معه الذهاب �إلى امل�سجد؛ لأنه ي�صيب اجلهاز التنف�سي؛‬
‫كما تقدم‪ ،‬ويلحق احلرج و ال�ضرر بامل�صاب غال ًبا‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪( :‬ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [احلج‪ ،]78 :‬والقاعدة الكربى التي جاءت بها‬
‫ال�شريعة ال�سمحة وقررها �أهل العلم ‪( ‬امل�شقة جتلب التي�سري)((( تدل‬
‫على �أن ال�شدة وال�صعوبة البدنية �أو النف�سية التي يجدها املكلف عند القيام‬
‫�صحيحا للت�سهيل والتخفيف كي تزول تلك‬
‫ً‬ ‫بالتكليف ت�صري �سب ًبا �شرع ًيا‬
‫ال�شدة و ال�صعوبة �أو تهون(((؛ لكن يف بع�ض حاالت املر�ض ال توجد م�شقة‬
‫وال �ضر ٌر يف الذهاب للم�سجد وح�ضور اجلماعة‪ ،‬فيبقى الأمر التايل وهو‬
‫العدوى‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬العدوى امل�صاحبة للمر�ض‪ ،‬فبع�ض املر�ضى ال تظهر عليه �أعرا�ض وال‬
‫ي�شق عليه الذهاب للجماعة واجلمعة؛ لكنه يعدي غريه‪ ،‬وذكرت منظمة‬
‫ال�صحة العاملية �أن كورونا من الأمرا�ض املعدية‪ ،‬وينت�شر املر�ض ب�شكل‬
‫�أ�سا�سي من �شخ�ص �إلى �شخ�ص عن طريق ال ُقطريات ال�صغرية التي يفرزها‬
‫ال�شخ�ص امل�صاب بكوفيد‪ 19-‬من �أنفه �أو فمه عندما ي�سعل �أو يعط�س �أو‬
‫يتكلم‪ ،‬وهذه القطريات وزنها ثقيل ن�سب ًيا‪ ،‬فهي ال تنتقل �إلى مكان بعيد و�إمنا‬
‫((( ينظر‪ :‬الإقناع يف م�سائل الإجماع‪.440/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر البن ال�سبكي ‪ ،48/1‬املنثور يف القواعد ‪ ،120/1‬والأ�شباه والنظائر البن جنيم‬
‫�ص ‪.93-84‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املف�صل يف القواعد �ص‪.204‬‬

‫‪137‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫ت�سقط �سري ًعا على الأر�ض‪ ،‬وميكن �أن يلقط الأ�شخا�ص مر�ض كوفيد‪19-‬‬
‫�إذا تنف�سوا هذه ال ُقطريات من �شخ�ص م�صاب بعدوى الفريو�س؛ لذلك من‬
‫املهم احلفاظ على م�سافة مرت واحد على الأقل (‪� 3‬أقدام) من الآخرين‪،‬‬
‫وقد حتط هذه القطريات على الأ�شياء والأ�سطح املحيطة بال�شخ�ص‪ ،‬مثل‬
‫الطاوالت ومقاب�ض الأبواب ودرابزين ال�سالمل وميكن حينها �أن ي�صاب‬
‫النا�س بالعدوى عند مالم�ستهم هذه الأ�شياء �أو الأ�سطح ثم مل�س �أعينهم �أو‬
‫�أنفهم �أو فمهم(((‪ ،‬و�إذا تقرر �أن امل�صاب بكورونا يخ�شى من ح�ضوره للم�سجد‬
‫�أن يعدي امل�صلني مبا يحمله من مر�ض عن طريق الو�سائل امل�ؤكدة �أو يغلب‬
‫على الظن ح�صولها به؛ كما ذكرت ذلك منظمة ال�صحة العاملية‪ ،‬فهل مينع‬
‫امل�صاب به من احل�ضور للجماعة واجلمعة؟‬
‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫مل يختلف العلماء يف �أن النادر �أنه ال يمُ نع من امل�ساجد واجلمعة(((‪ ،‬ولعل هذا‬
‫ُيحمل على �أنه ال يتحقق منهم �ضرر‪� ،‬أو �أذى للم�صلني(((‪.‬‬
‫واملر�ض املعدي امل�صاب به الإن�سان ال يخلوا من حالني(((‪:‬‬
‫احلال الأولى‪� :‬أال يح�صل ب�سببه �ضرر للم�صلني‪ ،‬ك�أن كان ال ينتقل عن طريق‬
‫املخالطة �أو املالم�سة‪� ،‬أو ال تخرج من امل�صاب ب�سببه رائحة م�ؤذية‪� ،‬أو ال‬
‫تعاف النف�س اجللو�س بجواره‪ ،‬كامل�صاب بالتهاب الكبد الوبائي ‪� ،c‬أو الإيدز‬
‫يف مراحلة الأولى والأمرا�ض التنا�سلية املعدية‪ ،‬فيباح له ح�ضور اجلماعة؛‬
‫لأنه كال�سليم من املر�ض وعليه ُيحمل الإجماع املتقدم‪.‬‬
‫‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-‬‬ ‫(((‬
‫‪coronaviruses‬‬
‫((( ينظر‪� :‬إكمال املعلم ‪ 164/7‬واال�ستذكار ‪407/4‬وفتح الباري‪.163/10‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأمرا�ض املعدية �ص‪.159‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬وينظر‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/ :‬‬
‫‪advice-for-public/q-a-coronaviruses‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪138‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫احلال الثانية‪� :‬أن يح�صل ب�سببه �ضر ٌر للم�صلني؛ ككونه ينتقل عن طريق املخالطة‬
‫�أو املالم�سة‪� ،‬أو تخرج من امل�صاب ب�سببه رائحة م�ؤذية‪� ،‬أو تعاف النف�س‬
‫اجللو�س بجواره؛ كالأمرا�ض الوبائية التي تنتقل عن طريق الهواء �أو املالم�سة‬
‫كالطاعون واجلذام واجلدري وكورونا‪� ،‬أو بع�ض الأمرا�ض يف مراحلها املتقدمة‬
‫التي تعاف النف�س اجللو�س بجواره؛ كاجلذام �أو الأمرا�ض اجللدية املعدية‪.‬‬
‫واختلف �أهل العلم ‪ ‬يف اعتبار العدوى مانعة من ح�ضور اجلماعة‪ ،‬على‬
‫ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫مبر�ض ُم ٍعد احل�ضور للم�سجد ومينع من اجلماعة‪،‬‬
‫القول الأول‪ :‬يكره للم�صاب ٍ‬
‫وهو مذهب احلنفية(((‪ ،‬ومذهب ال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة يف ال�صحيح من‬
‫مذهبهم‪� ،‬إال �أنهم قالوا‪ :‬ي�ستحب منعهم(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال مينعون‪ ،‬قال به بع�ض املالكية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أنهم يحرم عليهم دخول امل�سجد ومينعون منه‪ ،‬وهو ومذهب‬
‫املالكية‪ ،‬ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪1.1‬عن �أبي هريرة ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬ال عدوى‪ ،‬وال هامة‪ ،‬وال �صفر‪،‬‬
‫((( الأحناف يرون عموم املر�ض من الأعذار التي ت�سقط بها اجلماعة واجلمعة‪ ،‬وجمموع الأعذار‬
‫التي ت�سقط بها اجلماعة عندهم ع�شرون عذ ًرا‪ ،‬ينظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،293/2‬الفتاوى‬
‫الهندية ‪.83/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مغني املحتاج‪ ،360/1‬نهاية املحتاج ‪.160/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفروع ‪ ،41/2‬الإن�صاف ‪.300/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حا�شية الد�سوقي ‪.609/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التاج والإكليل ‪ ،182/2‬حا�شية الد�سوقي ‪ ،609/1‬املغني ‪ ،341/9‬الفروع ‪ ،34/2‬الإن�صاف‬
‫‪304/2‬‬

‫‪139‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫وف ّر من املجذوم فرارك من الأ�سد»(((‪ .‬وقوله ﷺ‪« :‬ال يورد ممر�ض على‬
‫م�صح»(((‪.‬‬
‫معد للجماعة يح�صل به اختالط‬ ‫وجه الداللة‪� :‬أن ح�ضور املري�ض مبر�ض ٍ‬
‫ومظنة للعدوى؛ لذا �أمر النبي ﷺ بالفرار من املجذوم‪ ،‬ونهى عن ورود‬
‫املمر�ض على امل�صح‪ ،‬و�إن كان هذا يف الإبل وهو يف النا�س �أولى للحفاظ‬
‫عن نفو�سهم‪ ،‬فيدخل يف احلديث امل�صاب بكورونا‪ ،‬و�إحلاق امل�صاب بكورونا‬
‫باملجذوم ظاهر من حيث ثبوت العدوى وح�صول الوفاة يف كال املر�ضني؛ و�إن‬
‫كان اجلذام �أ�شد فت ًكا؛ وعليه ف�إنهم يمُ نعون من ح�ضور اجلمعة واجلماعة‬
‫دف ًعا ل�ضررهم‪.‬‬
‫‪2.2‬حديث �أ�سامة ابن زيد ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪�« :‬إذا َ�س ِم ْعت ُْم َّ‬
‫بالط ُاع ِون‬
‫ب�أَ ْر ٍ�ض فال ت َْد ُخ ُلوها‪ ،‬و�إذا و َق َع ب�أَ ْر ٍ�ض و�أَ ْنت ُْم بها فال ت َْخ ُر ُجوا ِم ْنها»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف احلديث الأخذ باالحرتاز وعدم القدوم على الأر�ض املوبوءة‬
‫بالطاعون‪ ،‬وهكذا كل مر�ض ُم ِعد وي�ؤدي �إلى الهالك(((‪.‬‬
‫‪3.3‬قوله ﷺ للرجل املجذوم الذي كان يف وفد ثقيف‪�« :‬إنا قد بايعناك فارجع»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬دل احلديث على وجوب مباعدة املجذوم‪ ،‬وكل ذي عاهة معدية‪،‬‬
‫وترك جمال�سته‪ ،‬ويف ح�ضوره لل�صالة مع اجلماعة خمالطة للنا�س؛ لذا ف�إنه‬
‫((( �أخرجه البخاري معل ًقا ب�صيغة «قال» يف كتاب الطب باب اجلذام ح ‪ ،5707‬وهذه ال�صيغة حممولة على‬
‫اً‬
‫مو�صول عن �أبي هريرة ‪ ‬الإمام �أحمد يف امل�سند‬ ‫االت�صال عند جماعة من �أهل العلم‪ ،‬و�أخرجه‬
‫رقم احلديث ح ‪ ،9720‬واحلديث معلول فيه را ٍو جمهول؛ لكن له �شاهد من حديث عائ�شة ‪ ‬عند‬
‫ابن خزمية‪ ،‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.168/10‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف كتاب الطب باب ال هامة ح ‪ ،5771‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف كتاب الطب باب ما يذكر يف الطاعون‪ ،‬ح‪ ،5728‬وم�سلم يف كتاب ال�سالم‪ ،‬باب‬
‫الطاعون والطرية والكهانة‪ ،‬ح‪ ،2218‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫((( ينظر‪.https://themwl.org/ar/node/37165 :‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه كتاب ال�سالم‪ ،‬باب اجتناب املجذوم ونحوه ح ‪ ،2231‬عن ال�شريد بن �سويد‬
‫الثقفي ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪140‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫مينع من دخول امل�سجد وينهى عن ذلك؛ كما منع املجذوم يف وفد ثقيف من‬
‫دخول املدينة‪ ،‬وهكذا َمن �أ�صيب بكورونا‪.‬‬
‫‪4.4‬حديث �أبي �سعيد اخلدري ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬ال �ضرر وال �ضرار»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن امل�صلني يت�ضررون من ح�ضور امل�صاب بكورونا وغريه من‬
‫الأمرا�ض املعدية‪ ،‬فيمنعون من احل�ضور‪.‬‬
‫ثوما �أو‬
‫‪5.5‬القيا�س على النهي عن دخول امل�سجد وح�ضور اجلماعة ملن �أكل ً‬
‫ب�صل �أو كرا ًثا �أو نحوهما مما له رائحة كريهة‪ ،‬بجامع ح�صول الأذى من‬ ‫اً‬
‫كل منهما‪ ،‬ملا رواه جابر بن عبداهلل ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬من‬
‫�أكل من هذه البقلة ‪-‬الثوم‪ ،»-‬وقال مرة‪« :‬من �أكل الب�صل والثوم والكراث‬
‫فال يقربن م�سجدنا؛ ف�إن املالئكة تت�أذى مما يت�أذى منه بنو �آدم»(((‪ ،‬فن�ص‬
‫ﷺ على �أن العلة يف منع �آكل الثوم من دخول امل�سجد �أذيته للنا�س‪ ،‬فوجب �أن‬
‫يعترب احلكم حيثما وجدت العلة‪ ،‬فكل ما يت�أذى منه امل�صلون فيمنعون من‬
‫ال�صالة يف امل�سجد‪ ،‬وامل�صاب بكورونا ونحوه �أعظم و�أكرث �أذى من �آكل الثوم‬
‫والب�صل‪ ،‬فهو �أولى باحلكم(((‪.‬‬
‫‪6.6‬الأثر املروي عن عمر ‪� ‬أنه قال للمر�أة املبتالة باجلذام ملا ر�آها تطوف‬
‫جل�ست يف بيتك لكان خ ًريا لك‬
‫ِ‬ ‫مع النا�س‪“ :‬يا �أمة اهلل ال ت�ؤذي النا�س‪ ،‬لو‬
‫فجل�ست”(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه ابن ماجة يف �سننه كتاب الأحكام باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره‪ ،‬ح‪ ،2341‬و�أخرجه‬
‫الدارقطني‪ ،228/4‬كتاب الأق�ضية‪ ،‬ح ‪ ،86‬واحلاكم يف امل�ستدرك ‪ ،577/2‬كتاب البيوع‪ :‬باب النهي‬
‫عن املحاقلة‪ ،...‬والبيهقي ‪ ،70 -69/6‬كتاب ال�صلح‪ :‬باب ال �ضرر وال �ضرار‪ ،‬وقال ابن رجب‪“ :‬طرق‬
‫احلديث يقوي بع�صها بع ضً� ا”‪ .‬جامع العلوم ‪ ،210/2‬وقال ال�شيخ الألباين‪�“ :‬صحيح”‪ .‬الإرواء ‪.408/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف كتاب الآذان‪ ،‬باب ما جاء يف الثوم النيء والب�صل والكرات ح‪.855‬‬
‫((( البيان والتح�صيل البن ر�شد‪ ،61-60/18‬مغني املحتاج ‪ ،236/1‬التاج والإكليل ‪.182/2‬‬
‫((( �أخرجه الإمام مالك يف املوط�أ يف كتاب احلج‪ ،‬باب جامع احلج ح‪ ،250‬وعبدالرزاق يف م�صنفه‪ ،‬باب‬
‫طواف الرجال والن�ساء م ًعا‪ ،‬ح‪ ،9031‬وينظر‪ :‬اال�ستذكار ‪.355/13‬‬

‫‪141‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫وجه الداللة من الأثر‪� :‬أنه ‪� ‬أمر املر�أة باجللو�س يف البيت‪ ،‬ومنعها من‬
‫الطواف مع النا�س؛ كي ال يح�صل منها �أذى للم�صلني‪ ،‬وهو �أثر �صري ٌح يف‬
‫امل�س�ألة(((‪.‬‬
‫وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪�1.1‬أنه ﷺ قد َبينّ َ الأعذار التي تبيح التخلف عن اجلماعة؛ كاملر�ض واملطر‬
‫والربد وخوف �ضياع املال ونحو ذلك‪ ،‬ولو كان املجذوم ونحوه ممن يباح لهم‬
‫التخلف عنها لبينه الر�سول ﷺ(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يناق�ش‪:‬‬
‫ال ي�س ّلم �أنه ‪ ‬مل يبني ذلك‪ ،‬فقد �صح عنه ﷺ قوله‪« :‬فر من‬
‫املجذوم فرارك من الأ�سد»‪ ،‬وهذا �شامل للم�سجد وغريه‪ ،‬و�صريح يف اجتنابه‬
‫وعدم القرب منه(((‪.‬‬
‫‪2.2‬عن جابر بن عبداهلل ‪� ‬أن النبي ﷺ �أكل مع املجذوم يف ق�صع ٍة واحده‪،‬‬
‫وقال‪ُ « :‬ك ْل ثق ًة باهلل اً‬
‫وتوكل عليه»(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪:‬‬
‫�أ‪ -‬حديث جابر ‪� ‬ضعيف �ضعفه �أهل العلم‪ ،‬فال يحتج به‪.‬‬
‫ب‪ -‬على فر�ض �صحته‪ ،‬ف ُيحمل �أكل ﷺ مع املجذوم يف ق�صعة واحدة على �أنه‬
‫مل يعد يح�صل منه �أذى لكونه ي�س ًريا‪� ،‬أو النتهاء فرتة الإعداء‪� ،‬أو �أن �أكله‬
‫((( البيان والتح�صيل البن ر�شد‪ ،410/9‬التاج والإكليل ‪� ،182/2‬أحكام الأمرا�ض املعدية �ص‪.164‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املحلى البن حزم ‪203-202/4‬‬
‫((( �أحكام الأمرا�ض املعدية �ص‪.160‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه كتاب الطب‪ ،‬باب يف الطرية ح‪ ،3925‬وابن ماجه يف �سننه كتاب ال�سالم باب‬
‫و�ض َّع َفه ابن اجلوزي يف العلل املتناهية ‪ ،869/2‬وقال ابن القيم‪“ :‬ال يثبت‬
‫الطرية والف�أل‪ ،‬ح ‪َ .2225‬‬
‫وال ي�صح” زاد املعاد ‪ .153/4‬و�سبب ت�ضعيف احلديث‪� :‬أن مداره على املف�ضل بن ف�ضالة وهو �ضعيف‪،‬‬
‫�ضعفه غري واحد من �أهل العلم‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪142‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ﷺ معه ليبني للأمة �أن املخالطة و�إن كانت �سب ًبا للعدوى ف�إنه يعار�ضها‬
‫�أ�سباب �أخرى متنع اقت�ضاءها‪ ،‬من �أقواها التوكل على اهلل والثقة به‪،‬‬
‫ف�إنه مينع ت�أثري ذلك ال�سبب‪ ،‬ومن �أعظم الأ�سباب التي يدفع بها املكروه‪،‬‬
‫بدليل قوله ﷺ‪« :‬كل با�سم اهلل ثق ًة باهلل اً‬
‫وتوكل عليه»(((‪.‬‬
‫‪3.3‬قول عمر ‪ ‬قال للمر�أة املبتالة ملا ر�آها تطوف بالبيت مع النا�س‪“ :‬يا‬
‫جل�ست يف بيتك لكان خ ًريا لك فجل�ست”(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫�أمة اهلل ال ت�ؤذي النا�س‪ ،‬لو‬
‫وجه اال�ست�شهاد‪:‬‬
‫�أنه ‪ ‬مل يعزم عليها باجللو�س يف بيتها فدل على �إباحة ح�ضورها‬
‫ال�صالة و�أنها ال متنع من امل�سجد(((‪.‬‬
‫ونوق�ش الدليل‪:‬‬
‫ال ي�س ّلم �أنه مل يعزم عليها؛ لأنه يرى �إباحة ح�ضورها‪ ،‬بل �إمنا مل يعزم عليها‬
‫لأمور‪:‬‬
‫�أ‪� -‬إنه من باب اللني يف القول والرحمة بها للبالء الذي نزل بها(((‪.‬‬
‫ب‪� -‬إنه مل يزجرها و�إمنا �أ�شار لها لعلمه �أنها تكتفي بالإ�شارة لعلمه بدينها‬
‫وعقلها؛ بدليل �أنه ملا مات م ّر بها رجل فقال لها‪� :‬إن الذي كان قد نهاك‬
‫قد مات فاخرجي فقالت‪ :‬ما كنت لأطيعه ح ًيا و�أع�صيه ميتًا(((‪ ،‬ففهمت‬
‫من قول عمر ‪ ‬النهي لها عن �أذى النا�س‪ ،‬فالتزمت به بعد موته‬
‫�أي�ضً ا‪.‬‬
‫((( �أحكام الأمرا�ض املعدية �ص‪.161‬‬
‫((( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( الطرق احلكمية ‪ ،732/2‬املعيار املعرب للون�شري�سي ‪.422/6‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اال�ستذكار البن عبدالرب ‪.357/13‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اال�ستذكار البن عبدالرب ‪.358-357/13‬‬

‫‪143‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫ج‪ -‬ما روي عن عمر ‪� ‬أنه منع املجذوم من دخول امل�سجد‪ ،‬وخمالطة‬
‫النا�س(((‪ ،‬مما يدل على �أنه يرى منعه من �صالة اجلماعة‪.‬‬
‫وا�ستدل �أ�صحاب القول الثالث‪:‬‬
‫‪1.1‬مبا تقدم من �أدلة القول الأول فظاهرها التحرمي‪.‬‬
‫‪2.2‬ما يرتتب على ح�ضورهم من �أذية للم�صلني‪ ،‬و�أذية امل�سلمني حمرمة ولي�ست‬
‫مكروهة فح�سب؛ كما قال تعالى‪( : :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحزاب‪.(((]58 :‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الأقرب عند الباحث ‪-‬واهلل �أعلم‪-‬هو القول الثالث منع وحترمي دخول امل�سجد‬
‫معد؛ ملا يلي‪:‬‬
‫ملن �أ�صيب مبر�ض ٍ‬
‫‪1.1‬ما تقدم من �أدلة؛ ومناق�شات‪.‬‬
‫‪2.2‬وملا يح�صل من الأذى بح�ضوره للم�سجد؛ �إذ هو �أ�شد �ضر ًرا من �أذى الثوم‬
‫والب�صل‪ ،‬فقد ي�ؤدي �إلى الهالك‪.‬‬
‫‪3.3‬وما يح�صل من �ضرر معنوي يلحق بهم‪ ،‬ذلك �أنهم ي�شعرون بعدم رغبة النا�س‬
‫بهم‪ ،‬ورمبا بد أ� الواحد منهم بالتماثل بال�شفاء فعاد عليه املر�ض باالجتماع‪،‬‬
‫وال�ضرر ال يزال مبثله(((‪ ،‬و�إذا اجتمعت مف�سدتان روعي �أعظمهما �ضر ًرا‬
‫بارتكاب �أخفهما(((‪.‬‬
‫((( �إكمال املعلم للقا�ضي عيا�ض‪� ،85/7‬شرح م�سلم للنووي ‪ ،173/14‬فتح الباري‪ 10‬البن حجر‪،205/‬‬
‫ويذكر كثري من �أهل العلم هذه الق�صة على �أن املجذوم رجل‪ ،‬ومل �أجدها بعد طول بحث‪ ،‬واملعروف‬
‫ق�صة املر�أة املجذومة التي منعها عمر من الطواف‪ ،‬وجميع من ذكر الرجل نقله عن القا�ضي عيا�ض‬
‫ينظر‪� :‬إكمال املعلم ‪ ،85/7‬و�أحكام الأمرا�ض املعدية �ص‪.162‬‬
‫((( ينظر الطرق احلكمية ‪.732/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص‪ ،87‬املف�صل يف القواعد �ص‪.363‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪ ،96‬والأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص‪.89‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪144‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ثم �إنه لويل الأمر منع امل�صابني من ح�ضور امل�ساجد؛ لأن ال�شريعة جاءت بتحرمي‬
‫�أذى امل�سلم والنهي عن الإ�ضرار به‪ ،‬وملا تقرر من قواعد ال�شرع بتقدمي م�صلحة‬
‫اجلماعة على م�صلحة الفرد و�أن درء املف�سدة �أولى من جلب امل�صلحة‪ ،‬واملف�سدة‬
‫هنا �أعظم خا�صة يف الأمرا�ض الوبائية مثل كورونا التي تنت�شر ب�سرعة بقدر اهلل‬
‫‪ ،‬والنف�س تنفر بطبيعتها من امل�صاب بذلك‪ ،‬قال ابن عبدالرب ‪:‬‬
‫“و�إذا كان �آكل الثوم ي�ؤمر باجتناب امل�سجد‪ ،‬وكان يف عهد ر�سول اهلل ﷺ رمبا‬
‫�أُخرج �إلى البقيع‪ ،‬فما ظنك باجلذام؟ وهو عند بع�ض النا�س يعدي‪ ،‬وعند جميعهم‬
‫ي�ؤذي”‪ .‬ا‪ .‬هـ‪ ،(((.‬وقال ابن حجر الهيتمي(((‪�“ :‬سبب املنع يف نحو املجذوم خ�شية‬
‫�ضرره وحينئذ فيكون املنع واج ًبا فيه‪ ...‬ملا يف ذلك من امل�صالح العامة و�أن املدار‬
‫يف املنع على االختالط بالنا�س”‪ ،‬وقال يف مطالب �أولى النهى(((‪“ :‬ومينع �أبر�ص‬
‫وجمذوم يت�أذى به من ح�ضور م�سجد وجماعة‪...‬وعلى ويل الأمر منعه؛ �أي‪ :‬املجذوم‬
‫من خمالطة الأ�صحاء”(((‪.‬‬
‫بل لويل الأمر اتخاذ القرار ب�إيقاف �أداء �صالة اجلمعة واجلماعة يف امل�ساجد؛‬
‫حفاظا على الأنف�س‪ ،‬ودف ًعا لل�ضرر بقدر الإمكان‪ ،‬وبهذا �صدر قرار هيئة كبار‬ ‫ً‬
‫العلماء باململكة العربية ال�سعودية رقم (‪ )247‬يف يوم الثالثاء ‪1441/7/22‬هـ ب�ش�أن‬
‫�إيقاف �صالة اجلمعة واجلماعة جلميع الفرو�ض يف امل�ساجد واالكتفاء برفع الأذان‬
‫وي�ستثنى من ذلك احلرمان ال�شريفان‪ ،‬وذلك بعد �سرعة انت�شار جائحة كورونا وكرثة‬
‫الوفيات بها‪ ،‬وبعد اطالع الهيئة على التقارير الطبية املوثقة املتعلقة باجلائحة جاء‬
‫فيه‪.‬واطلعت على التقارير الطبية املوثقة املتعلقة بهذه اجلائحة امل�شمولة ب�إي�ضاح‬
‫معايل وزير ال�صحة لدى ح�ضوره يف هذه اجلل�سة التي �أكدت على خطورتها املتمثلة‬
‫يف �سرعة انتقال عدواها بني النا�س مبا يهدد �أرواحهم وما بينه معاليه من �أنه ما‬
‫اال�ستذكار‪.356/13‬‬ ‫(((‬
‫الفتاوى الفقهية الكربى ‪.212/1‬‬ ‫(((‬
‫للرحيباين ‪.699/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪� :‬أحكام الأمرا�ض املعدية �ص‪.171‬‬ ‫(((‬

‫‪145‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫مل تكن هناك تدابري احرتازية �شاملة دون ا�ستثناء ف�إن اخلطورة �ستكون مت�ضاعفة‬
‫مبي ًنا �أن التجمعات تعترب ال�سبب الرئي�س يف انتقال العدوى‪ ،‬وقد ا�ستعر�ضت هيئة‬
‫كبار العلماء الن�صو�ص ال�شرعية الدالة على وجوب حفظ النف�س من ذلك قول اهلل‬
‫‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة‪ ،]195 :‬وقوله ‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء‪ ،]29 :‬وهاتان الآيتان تدالن على وجوب جتنب الأ�سباب‬
‫املف�ضية �إلى هالك النف�س‪ ،‬وقد دلت الأحاديث النبوية على وجوب االحرتاز يف حال‬
‫انت�شار الوباء كقوله ﷺ‪« :‬ال ُيو ِرد ممر�ض على م�صح» متفق عليه‪ .‬وقوله ﷺ‪« :‬ف ّر‬
‫من املجذوم كما تفر من الأ�سد» �أخرجه البخاري‪ .‬وقوله ﷺ‪�« :‬إذا �سمعتم الطاعون‬
‫ب�أر�ض فال تدخلوها و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم فيها فال تخرجوا منها» متفق عليه‪ ،‬وقد‬
‫تقرر يف قواعد ال�شريعة الغراء �أنه «ال �ضرر وال �ضرار» ومن القواعد املتفرعة عنها‪:‬‬
‫“�أن ال�ضرر يدفع قدر الإمكان”‪ .‬وبنا ًء على ما تقدم ف�إنه ي�سوغ ً‬
‫�شرعا �إيقاف �صالة‬
‫اجلمعة واجلماعة جلميع الفرو�ض يف امل�ساجد واالكتفاء برفع الأذان‪ ،‬وي�ستثنى من‬
‫ذلك احلرمان ال�شريفان‪ ،‬وتكون �أبواب امل�ساجد مغلقة م�ؤقتًا‪.(((”..‬‬
‫وجاء يف تو�صيات الندوة التي �أقامها جممع الفقه التابع ملنظمة التعاون‬
‫الإ�سالمي بعنوان (فريو�س كورونا امل�ستجد وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام‬
‫�شرعية)(((‪ ،‬ما ن�صه‪...“ :‬كما �أنه يجب االلتزام بقرارات الدول واحلكومات مبا‬
‫ي�سمى بالتباعد االجتماعي ونحو ذلك مما من �ش�أنه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س‬
‫عمل بالقاعدة ال�شرعية التي‬ ‫ومنع انت�شاره؛ لأن ت�ص ّرفات الإمام منوطة بامل�صلحة‪ ،‬اً‬
‫تن�ص على �أن (ت�صرف الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة)‪ ...‬وقالوا‪� :‬أما �إذا كان‬
‫من بني الذين يعي�شون يف البيت نف�سه م�شتبه ب�أنه م�صاب وقرر عليه احلجر املنزيل‬
‫انتظا ًرا للحكم عليه فيجب �أن يلتزم مبا طلب منه طب ًيا‪ ،‬والذي مينعه من �صالة‬
‫اجلماعة حر�صً ا على قاعدة التباعد االجتماعي‪ ،‬حتى ال يعدي غريه” ا‪ .‬هـ‪.‬‬

‫((( ينظر‪.https://themwl.org/ar/node/37165 :‬‬


‫((( ينظر‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪146‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫املبحث الثاين‬
‫(((‬
‫ترك اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب اخلوف‬
‫من العدوى من وباء كورونا‬

‫�سبقت الإ�شارة يف املبحث الأول �إلى خالف �أهل العلم ‪ ‬يف وجوب �صالة‬
‫اجلماعة يف امل�سجد لل�صلوات اخلم�س‪ ،‬ف�إذا طر أ� على املكلف عذ ٌر مينعه من �أدائها‬
‫يف امل�سجد‪ ،‬ف�إنه يرخ�ص له يف تركها فيه‪ ،‬وقد عدد بع�ض الفقهاء ‪ ‬الأعذار‬
‫و�أو�صلها �إلى �أربعني عذ ًرا(((‪.‬‬
‫عاما جلميع املكلفني ب�صالة اجلماعة يف امل�سجد؛ كاملطر ال�شديد‬
‫والعذر قد يكون ً‬
‫والريح ال�شديدة‪� ،‬أو �شدة احلر والربد(((‪.‬‬
‫وقد يكون خا صً� ا ببع�ض املكلفني؛ كمدافعة الأخبثني‪ ،‬وا�شتداد اجلوع‪ ،‬وح�ضرة‬
‫الطعام الذي ُي�شتهى‪ ،‬وغري ذلك(((‪ ،‬وال تخلو بع�ض هذه الأعذار من خالف فقهي يف‬
‫ً‬
‫م�سقطا لوجوب‬ ‫اعتبارها عذ ًرا من عدمه‪ ،‬واملراد هنا‪ :‬هل اخلوف من العدوى يعترب‬
‫عاما �أو خا�صً ا؟‬
‫اجلماعة يف امل�سجد‪� ،‬سوا ًء اعترب عذ ًرا ً‬
‫الفقهاء ‪ ‬متفقون على �أن اخلوف من الأعذار امل�سقطة للجماعة واجلمعة(((‪،‬‬
‫ولهم يف ذلك �أدلة منها‪:‬‬
‫اخلوف هو‪ :‬الت�أثر احلا�صل نتيجة حدوث مكروه يف احلال‪� ،‬أو توقع حدوثه يف امل�آل‪� .‬آثار اخلوف يف‬ ‫(((‬
‫الأحكام الفقهية ‪.28/1‬‬
‫ينظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪.493‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬رو�ضة الطالبني ‪.344/1‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الفتاوى الهندية ‪ ،83/1‬الذخرية‪ ،355/2‬املجموع ‪ ،489 ،205/4‬الإن�صاف ‪ ،301/2‬الأ�شباه‬ ‫(((‬
‫والنظائر لل�سيوطي �ص‪.439‬‬

‫‪147‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫‪1.1‬قوله تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪ ،]286 :‬و�شهود اجلماعة مع‬


‫اخلوف من وجود العدوى خروج من الو�سع فال يكلف به ال�شرع‪.‬‬
‫‪2.2‬حديث ابن عبا�س ‪� ‬أن النبي ﷺ‪َ « :‬من �سمع النداء فلم يجب فال �صالة له‬
‫�إال من عذر‪ ،‬قالوا‪ :‬وما العذر يا ر�سول اهلل؟ قال‪ :‬خوف �أو مر�ض»(((‪ ،‬وهذا فيه‬
‫الت�صريح باعتبار اخلوف عذ ًرا‪ ،‬واخلوف يكون على هالك النف�س عل ًما �أو ظ ًنا(((‪.‬‬
‫‪3.3‬الإجماع على �أن اخلوف على النف�س عذر ت�سقط به اجلماعة‪ ،‬قال ابن حزم‬
‫“ومن ال ُعذر للرجال يف التخلُّف عن اجلماعة يف امل�سجد‪ :‬املر�ض‪،‬‬ ‫‪ِ :‬‬
‫الف يف ذلك؛ لقول اهلل تعالى‪( :‬ﯗ‬ ‫واخلوف‪ ...‬ف�أ َّما املر�ض واخلوف فال ِخ َ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ) [الأنعام‪.(((]119 :‬‬
‫وتبقى الإ�شارة �إلى �أن الأمرا�ض تنق�سم �إلى ق�سمني من حيث العدوى وعدمها(((‪:‬‬
‫أمرا�ض غري معدية‪ :‬وهي التي ال تنتقل من �شخ�ص �إلى �آخر‪ ،‬و�أمثلة‬ ‫الق�سم الأول‪ٌ � :‬‬
‫هذا الق�سم كثرية ت�شمل الأمرا�ض الوراثية‪ ،‬والأمرا�ض النف�سية‪ ،‬والآالم‬
‫املو�ضعية؛ ك�أمرا�ض الدم‪� ،‬أو الغذائية نتيجة لنق�ص بع�ض العنا�صر الغذائية‬
‫يف اجل�سم كالفيتامينات والربوتينات �أو الأورام خبيثة كانت �أو حميدة‪ ،‬وكذا‬
‫الآالم املو�ضعية ك�أمرا�ض القلب وق�صور الكلى وال�صداع وال�صرع‪.‬‬
‫أمرا�ض معدية‪ :‬وهي التي تنتقل من �شخ�ص لآخر ب�إحدى طرق‬ ‫الق�سم الثاين‪ٌ � :‬‬
‫أق�ساما عدة باعتبار طريقة العدوى به‪ ،‬ومنها‪ :‬الأمرا�ض‬ ‫العدوى‪ ،‬وت�شمل � ً‬
‫((( �أخرجه �أبو داوود يف �سننه كتاب ال�صالة باب احلث جلار امل�سجد على ال�صالة فيه �إال من عذر‪ ،‬ح‪،551‬‬
‫ٌ‬
‫“�ضعيف بهذا‬ ‫والدارقطني يف �سننه‪ ،‬ح‪ ،١٥٧٦‬والبيهقي؛ ح‪ ،٥٢٤٩‬قال الألباين يف الإرواء ‪:٣٣٦/٢‬‬
‫جناب يحيى بن �أبي ح َّية الكلبي‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫�ضعيف فيه �أبو ٍ‬ ‫اللفظ”‪ .‬و يف امل�شكاة‪ 335/1‬هام�ش‪ ،6‬قال‪“ :‬و�إ�سناده‬
‫�ضعيف مد ِّل ٌ�س‪ ،‬وقد عنعنه” ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫((( ينظر‪ :‬املف�صل يف القواعد �ص‪.239‬‬
‫((( املحلى ‪.118/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأمرا�ض املعدية د‪ .‬ف�ؤاد ال�شعبان‪� ،‬ص ‪ 5‬وما بعدها‪ ،‬و�أبحاث يف العدوى والطب الوقائي من‬
‫�أبحاث امل�ؤمتر العاملي الأول للإعجاز العلمي يف القر�آن وال�سنة‪� ،‬ص ‪ 2‬وما بعدها‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪148‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫التي تنتقل عن طريق التنف�س‪ ،‬فينتقل فريو�س املر�ض عن طريق التنف�س‬


‫والهواء ك�أمرا�ض اجلهاز التنف�سي ومنها‪ :‬مر�ض كورونا‪.‬‬
‫ومما تقدم يتنب �أن اخلوف من العدوى من �أ�سباب ترك اجلماعة يف امل�سجد‪ ،‬ب�شرط‬
‫�أ ّال يكون اخلوف متوه ًما‪ ،‬فاملتوهم ال عربة به؛ بل حقيق ًيا يخ�شى معه خوف تلف النف�س‬
‫حذر �أهل االخت�صا�ص من‬ ‫أ�سباب م�ؤثر ٍة؛ ك�أن ُي َ‬
‫�أو ع�ضو من الأع�ضاء‪ ،‬ويكون م�ستندًا �إلى � ٍ‬
‫ن�ص عليه الأطباء‬‫امل�سلمني من االجتماع يف امل�سجد و�أنه �سبب يف انت�شار املر�ض‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫واملخت�صون يف جممع الفقه التابع ملنظمة التعاون الإ�سالمي يف ندوة (فريو�س كورونا‬
‫امل�ستجد وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية)(((‪ ،‬ومنظمة ال�صحة العاملية(((‪.‬‬
‫وعليه ف�إن الأخذ بالإجراءات االحرتازية والتزام امل�صلني جمي ًعا يف امل�سجد‬
‫بذلك �سبب يف دفع اخلوف من انتقال املر�ض ب�إذن اهلل فال يبقى عذ ًرا يف ترك‬
‫اجلماعة واجلمعة؛ لكن يبقى الت�أمل يف الواقع حيث يوجد بع�ض امل�صلني ممن ال‬
‫يلتزم بتلك الإجراءات فهل يبقى اخلوف عذ ًرا يف ترك اجلمعة واجلماعة؟ الظاهر‬
‫للباحث ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أنه ال يعترب عذ ًرا واحلال هذه لأمرين‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن امل�صلي �إذا التزم بتلك بالإجراءات ف�إن ن�سبة انتقال العدوى له تقل‬
‫الكمامة‪ ،‬وعدم امل�صافحة‪ ،‬والتباعد‪ -‬يتجنب‬ ‫كث ًريا؛ لأنه بالتزامه ‪-‬بو�ضع ِ‬
‫�أ�سباب انتقال املر�ض التي ن�ص عليها �أهل االخت�صا�ص؛ كا�ستن�شاق الرذاذ‬
‫املتطاير من املري�ض �أثناء الكحة �أو العط�س‪ ،‬ومالم�سة الأ�سطح والأدوات‬
‫امللوثة بالفريو�س(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن الغالب من حال امل�صلني يف امل�ساجد‪-‬كما هو م�شاهد يف الواقع‪ -‬االلتزام‬
‫بالإجراءات االحرتازية؛ مما يغلب على الظن معه ندرة انتقال املر�ض بني‬
‫امل�صلني‪ ،‬والنادر ال حكم له‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫ينظر‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar :‬‬ ‫(((‬
‫((( ينظر‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q- :‬‬
‫‪.a-coronaviruses‬‬
‫((( ينظر‪.https://www.moh.gov.sa/CCC/FAQs/Corona/Pages/default.aspx :‬‬

‫‪149‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫ولعل من املنا�سب هنا نقل كالم احلافظ ابن حجر ‪ ‬وفيه الإ�شارة �إلى �أن‬
‫االجتماع ل�صالة خم�صو�صة و االجتماع للدعاء برفعه ك�صالة اال�ست�سقاء بدعة‪ ،‬وكان‬
‫ممنوعا‬
‫ً‬ ‫االجتما ُع �سب ًبا يف انت�شار وباء الطاعون‪ ،‬يقول ‪“ :‬فلي�س الدعاء برفع الوباء‬
‫وال م�صاد ًما للمقدور من حيث هو � اً‬
‫أ�صل‪ ،‬و�أما االجتماع له ‪-‬كما يف اال�ست�سقاء‪ -‬فبدع ٌة‬
‫حدثت يف الطاعون الكبري �سنة (‪٧٤٩‬هـ) بدم�شق‪ ،‬فقر�أت جزء املنبجي بعد �إنكاره‬
‫ً‬
‫�صراخا عال ًيا‪ ،‬وذلك يف �سنة‬ ‫يف جمع النا�س يف مو�ضع‪ ،‬ف�صاروا يدعون وي�صرخون‬
‫(‪٧٦٤‬هـ) ملا وقع الطاعون بدم�شق؛ فذكر �أن ذلك حدث �سنة (‪٧٤٩‬هـ)‪ ،‬وخرج النا�س‬
‫�إلى ال�صحراء‪ ،‬ومعظم �أكابر البلد‪ ،‬فدعوا وا�ستغاثوا‪ ،‬ف َع ُظم الطاعون بعد ذلك وكَثرُ !‬
‫وكان قبل دعائهم �أخف!! قلت‪ :‬ووقع هذا يف زماننا‪ ،‬حني وقع �أول الطاعون بالقاهرة يف‬
‫‪ ٢٧‬من �شهر ربيع الآخر �سنة ‪ ٨٣٣‬هـ‪ ،‬فكان عدد من ميوت بها دون الأربعني‪ ،‬فخرجوا‬
‫أيام ‪-‬كما يف‬‫�إلى ال�صحراء يف ‪ ٤‬جمادى الأولى بعد �أن نودي فيهم ب�صيام ثالثة � ٍ‬
‫اال�ست�سقاء‪ ،-‬واجتمعوا ودعوا و�أقاموا �ساع ًة ثم رجعوا‪ ،‬فما ان�سلخ ال�شهر حتى �صار‬
‫يوم بالقاهرة فوق الألف‪ ،‬ثم تزايد”‪ .‬ا‪.‬هـ(((‪.‬‬‫عدد من ميوت يف كل ٍ‬
‫فهذا الن�ص منه ‪ ‬ي�ؤكد على �أن االجتماع كان �سب ًبا يف زيادة عدد املوتى‬
‫حتى قال‪“ :‬ف َع ُظم الطاعون بعد ذلك و َكث”‪ ،‬وهذا ي�ؤكد على �أن الإجراءات التي‬
‫الكمامة‬ ‫ن�صحت بها كثري من جهات االخت�صا�ص؛ كالتباعد االجتماعي ولب�س ِ‬
‫وغريها �إجراءات �صحيحة‪ ،‬وتخفف من ِح ّدة وانت�شار الأمرا�ض املعدية‪.‬‬

‫((( بذل املاعون يف ف�ضل الطاعون �ص‪ ،328‬و�أ�شري هنا �إلى خالف �أهل العلم ‪ ‬يف القنوت للوباء‬
‫والطاعون على ثالثة �أقوال‪ :‬القول الأول‪ :‬ي�ستحب القنوت للوباء والطاعون‪ ،‬وهو مذهب احلنفية‪،‬‬
‫وقول للمالكية‪ ،‬وال�صحيح من مذهب ال�شافعية‪ .‬القول الثاين‪ :‬ال يقنت للوباء وال للطاعون‪ ،‬وهو قول‬
‫لبع�ض املالكية‪ ،‬وبع�ض ال�شافعية‪ ،‬ومذهب احلنابلة‪ .‬القول الثالث‪ :‬يقنت للوباء ال للطاعون‪ ،‬قول لبع�ض‬
‫احلنابلة‪ ،‬ينظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ‪ ،454‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،448/2‬النوادر والزيادات‬
‫‪ ،512/1‬التب�صرة لأبي احل�سن اللخمي ‪ ،615/2‬وحا�شية الد�سوقي ‪ ،308/1‬رو�ضة الطالبني ‪،254/1‬‬
‫ونهاية املحتاج ‪ ،508/1‬الفروع ‪ ،543/1‬الإن�صاف ‪.175/2‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪150‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫املبحث الثالث‬
‫التباعد بني امل�صلني ب�سبب اخلوف من العدوى وباء كورونا‬

‫ورد يف الإجراءات االحرتازية ملنع انت�شار وباء كورونا عند الذهاب ل�صالة‬
‫اجلماعة يف امل�سجد‪� :‬إبقاء م�سافة ال تقل عن مرتين بني كل م�صلي‪ .‬ا‪.‬هـ‪ (((.‬فما هو‬
‫حكم هذا الفعل‪ ،‬وال�صالة مع ترك التقارب والرتا�ص بني امل�صلني؟‬
‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪1.1‬اتفق الفقهاء ‪ ‬على م�شروعية ت�سوية ال�صف و�سد اخللل بني امل�صلني؛‬
‫للن�صو�ص املتواترة عن النبي ﷺ؛ ولفعل اخللفاء الرا�شدين من بعده؛ لأن‬
‫الت�سوية متعلقة بركن عظيم من �أركان الإ�سالم وهو ال�صالة‪ ،‬وقد نقل ابن‬
‫عبدالرب ‪ ‬الإجماع على م�شروعية ذلك(((‪.‬‬
‫‪2.2‬وال خالف بينهم يف �صحة �صالة َمن خالف ومل ي�س ِّو ال�صف‪ ،‬قال ابن‬
‫ف�صالة َمن خا َل َف‬ ‫ِّ‬
‫ال�صف واجبة َ‬ ‫حجر ‪ ..“ :‬ومع ال َقول ب�أنَّ ت�سوية‬
‫أن�سا مع �إنكاره عليهم‪ ،‬مل ي�أمرهم ب�إعادة‬
‫ومل ي�س ِّو �صحيحة‪ ،‬وي�ؤيد ذلك �أن � ً‬
‫ال�صالة”(((‪.‬‬
‫واختلفوا يف الت�سوية هل هي واجبة �أو �سنة؟ على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن ت�سوية ال�صف �سنة‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور من احلنفية(((‪،‬‬
‫‪https://www.‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬موقع وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد باململكة العربية ال�سعودية‪:‬‬
‫‪moia.gov.sa/Pages/MSJDInstructions.aspx‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اال�ستذكار ‪.61 ،60/5‬‬
‫((( فتح الباري ‪.210/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،351/1‬حا�شية ابن عابدين‪.311/2‬‬

‫‪151‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫واملالكية(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬


‫القول الثاين‪� :‬أنها واجبة‪ ،‬وهو اختيار الإمام البخاري(((‪ ،‬و�شيخ الإ�سالم ابن‬
‫تيمية(((‪ ،‬وال�شوكاين(((‪ ،‬واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء باململكة‬
‫العربية ال�سعودية(((‪ ،‬و�شيخنا ابن عثيمني(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪1.1‬حديث �أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪�« :‬أقيموا ال�صف يف ال�صالة ف�إن‬
‫�إقامة ال�صف من ح�سن ال�صالة»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن ح�سن ال�شيء زيادة على متامه‪ ،‬فال�صالة تامة‪ ،‬والت�سوية‬
‫�سنة؛ لأنها زيادة وجمال(‪.((1‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن رواية‪“ :‬ف�إن ت�سوية ال�صف من متام ال�صالة”(‪ .((1‬تدل على من‬
‫مل يقم ال�صف ف�إن �صالته ناق�صة(‪.((1‬‬
‫ويجاب عنه‪ :‬ب�أنه قد ي�ؤخذ من قوله‪« :‬متام ال�صالة» اال�ستحباب؛ لأن متام‬
‫((( ينظر‪ :‬حا�شية الد�سوقي ‪.523 ،518/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع ‪ ،188/4‬مغني املحتاج ‪.373/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفروع ‪ ،28/2‬الإن�صاف ‪.39/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،246/2‬وفتح الباري البن رجب‪.281/6‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفتاوى الكربى ‪ ،416/4‬الإن�صاف ‪.39/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬نيل الأوطار ‪.230/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪.14/8‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ال�شرح املمتع ‪.10/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إقامة ال�صف من متام ال�صالة‪ ،‬ح‪ ،722‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف‪ ،‬ح‪.435‬‬
‫(‪((1‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب ‪ ،278/6‬نيل الأوطار ‪.205/2‬‬
‫(‪� ((1‬أخرجها م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف و�إقامتها‪ ،‬ح‪.435‬‬
‫(‪((1‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.245/2‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪152‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ال�شيء يف العرف �أمر زائد على حقيقته التي ال يتحقق �إال بها‪ ،‬و�إن كان قد‬
‫يطلق بح�سب الو�ضع على بع�ض ما ال تتم احلقيقة �إال به(((‪.‬‬
‫و�أجيب عنه‪ :‬ب�أن هذا بعيد؛ لأن لفظ ال�شارع ال ُيحمل �إال على ما دل عليه‬
‫الو�ضع بالل�سان العربي‪ ،‬و�إمنا ُيحمل على العرف �إذا ثبت �أنه عرف ال�شرع ال‬
‫عرف حادث(((‪.‬‬
‫‪2.2‬قول �أن�س ‪« :‬ما �أنكرتُ �شي ًئا �إال �أنكم ال تقيمون ال�صفوف»(((‪.‬‬
‫وجه اال�ستالل‪� :‬أن �أن�س ‪ ‬مل ي�أمرهم بالإعادة‪ ،‬ولو كانت الت�سوية واجبة‬
‫لأمرهم بها(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن ت�سوية ال�صف �إمنا هي واجب لل�صالة‪ ،‬خارج عن هيئتها‪ ،‬فال‬
‫تبطل ال�صالة به(((‪.‬‬
‫وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪1.1‬حديث �أن�س ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪�« :‬سووا �صفوفكم»(((‪ ،‬وعنه‬
‫�أن النبي ﷺ قال‪« :‬ترا�صوا واعتدلوا»(((‪ ،‬وعنه ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫«�أقيموا �صفوفكم وترا�صوا ف�إين �أراكم من وراء ظهري»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة من الأحاديث‪� :‬أنها جاءت ب�صيغة الأمر‪ ،‬وهو مقت�ضي للوجوب‪،‬‬
‫ما مل يوجد �صارف(((‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.245/2‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إثم من مل يتم ال�صفوف ح‪.724‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.246/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ال�شرح املمتع ‪.10/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إقامة ال�صف من متام ال�صالة ح‪.724‬‬
‫((( �أخرجه الإمام �أحمد يف امل�سند ح‪ ،12255‬قال حمققه‪ :‬حديث �صحيح وهذا �إ�سناد قوي‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب �إقبال الإمام على النا�س عند ت�سوية ال�صفوف‪ ،‬ح‪.719‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪ ،246/2‬نيل الأوطار ‪.223/3‬‬

‫‪153‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫‪2.2‬حديث النعمان بن ب�شري ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬لتُ�س ّونَّ �صفوفكم �أو‬
‫ليخالفن اهلل بني وجوهكم»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة من جهتني‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬وقوع الوعيد من جن�س اجلناية‪ ،‬وعلى هذا فهو واجب‪ ،‬والتفريط فيه‬
‫حرام(((‪.‬‬
‫الثانية‪� :‬أن الالم يف قوله «ل ُت�سونّ » واقعة يف جواب ق�سم مقدر‪ ،‬وتقدير‬
‫الكالم‪ :‬واهلل لت�س ّون‪ ،‬فاجلملة م�ؤكدة بثالث م�ؤكدات هي‪ :‬الق�سم‪،‬‬
‫والالم‪ ،‬والنون‪ ،‬وهذا خرب فيه حتذير(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬أمر عمر وبالل ‪ ‬بت�سوية ال�صفوف‪ ،‬و�أن عمر ‪ ‬كان ي�ضرب قدم‬
‫َمن ال يتم ال�صف‪ ،‬وهو ال ي�ضرب �إال على ترك واجب(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر للباحث ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬هو القول بوجوب ت�سوية ال�صفوف والتقارب‬
‫بني امل�صلني؛ ملا تقدم من �أدلة ومناق�شة‪ ،‬وعليه‪ :‬ف�إن الواجب �سد اخللل بني امل�صلني‬
‫والرتا�ص‪ ،‬و�أن يحاذي بع�ضهم بع�ضً ا بالأعقاب واملناكب؛ لكن هذا الواجب ي�سقط‬‫ّ‬
‫بالعذر كبقية الواجبات التي جاءت ال�شريعة ب�إ�سقاطها رحمة ورف ًعا للحرج عن‬
‫املكلفني‪ ،‬والقاعدة الفقهية‪“ :‬الواجبات ت�سقط بالعجز” مما اتفق عليه �أهل العلم(((‪،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه كتاب الأذان باب ت�سوية ال�صفوف عند الإقامة وبعدها‪ ،‬ح‪ ،717‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف‪ ،‬ح‪.436‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،242/2‬فتح الباري البن رجب ‪.267/6‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ال�شرح املمتع ‪.10/3‬‬
‫((( �أثر عمر ‪� ‬أخرجه مالك يف املوط�أ‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ما جاء يف ت�سوية ال�صفوف‪ ،‬ح‪،373‬‬
‫وعبدالرزاق يف م�صنفه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ال�صفوف ح‪ ،2439‬و�أثر بالل ‪� ‬أخرجه عبدالرزاق‬
‫يف م�صنفه كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ال�صفوف‪ ،‬ح‪ ،2435‬والأثران �صححهما ابن حجر ‪ ‬يف فتح‬
‫الباري ‪.246/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪344/10‬ومابعدها‪ ،‬و‪ ،49/20‬واملنثور يف القواعد‪.375/2‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪154‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫الرتا�ص والتقارب ب�سبب اخلوف من العدوى‪ ،‬ف�إن‬


‫ّ‬ ‫ف�إذا عجز وتعذر على امل�صلني‬
‫هذا الواجب ي�سقط‪ ،‬قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ‬بعد تقريره �أهمية ووجوب‬
‫اال�صطفاف و�سد اخللل‪ ..“ :‬ونظري ذلك �أن ال يجد الرجل موق ًفا خلف ال�صف‪،‬‬
‫ففي هذا نزاع بني املبطلني ل�صالة املنفرد‪ ،‬والأظهر �صحة �صالته يف هذا املو�ضع؛‬
‫لأن جميع واجبات ال�صالة ت�سقط بالعجز‪ ،‬وطرد هذا �صحة املتقدم على الإمام‬
‫للحاجة‪ ...‬و�إذا كان القيام والقراءة و�إمتام الركوع وال�سجود والطهارة باملاء وغري‬
‫ذلك ي�سقط بالعجز‪ ،‬فكذلك اال�صطفاف‪ ،‬وترك التقدم‪ ،‬وطرد هذا يف بقية م�سائل‬
‫ال�صفوف”(((‪ ،‬ون�صح الأطباء املخت�صون بالتباعد بني النا�س يف مكان اجتماعهم‬
‫تباعد بني امل�صلني مما ُيرخ�ص فيه‬
‫من ًعا للعدوى �أو تقليلها(((؛ لذا فما يح�صل من ٍ‬
‫وي�سقط واجب الرتا�ص والتقارب‪.‬‬

‫((( جمموع فتاوى ابن تيمية ‪.397 -393/23‬‬


‫((( ينظر‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q- :‬‬
‫‪.a-coronaviruses‬‬

‫‪155‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫املبحث الرابع‬
‫التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى‬

‫ال يختلف الفقهاء ‪ ‬يف �صحة ال�صالة امل�صلني مع تباعد �صفوفهم يف امل�سجد‬
‫الواحد‪ ،‬قال ال�سرخ�سي احلنفي ‪“ :‬و�إذا �صلى فوق امل�سجد مقتد ًيا بالإمام‬
‫�أجز�أ” ا‪.‬هـ‪ .(((.‬وقال اخلطاب املالكي ‪ ‬يف �شرحه على قول خليل‪“ :‬وعلو م�أموم‬
‫ولو ب�سطح” ما ن�صه‪“ :‬يعني �أن علو امل�أموم على �إمامه جائز ولو كان امل�أموم يف‬
‫�سطح والإمام �أ�سفل منه‪ ،‬وهذا قول مالك الأول” ا‪.‬هـ‪ .(((.‬وقال �أي ضً� ا يف نقله عن‬
‫بع�ض املحققني من املالكية‪“ :‬وحمل الكراهة �إذا مل تد ُع �إلى ذلك �ضرورة‪ ،‬ف�أما �إن‬
‫دعت فال ب�أ�س به‪ ،‬على ما روى يف املجموعة((( عن مالك ‪ ‬يف الإمام ي�صلي يف‬
‫ال�سفينة وبع�ضهم فوقه وبع�ضهم حتته قال‪� :‬إن مل يجدوا بدً ا فذلك جائز”(((‪ .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫وقال العمراين ال�شافعي ‪“ :‬ف�إذا �صلى ب�صالة الإمام وهما يف امل�سجد‪،‬‬
‫رب يف �صحة �صالة امل�أموم علمه ب�صالة الإمام‪� ،‬إما �أن ي�شاهده �أو ي�سمع‬‫ف�إنه ُيعت ُ‬
‫قرب �أو بع ٌد‪ ،‬و�سواء كان بينهما حائل‪،‬‬
‫تكبريه‪� ،‬أو يبلغ عنه‪ ،‬و�سوا ًء كان بني الإمام ٌ‬
‫�أو ال حائل بينهما‪ ،‬وهذا �إجماع ال خالف فيه؛ لأن امل�سجد كله مو�ضع للجماعة‬
‫الواحدة” ا‪.‬هـ‪.(((.‬‬
‫وقال ابن قدامة احلنبلي ‪“ :‬وال يعترب ات�صال ال�صفوف �إذا كانا يف‬
‫امل�سجد‪ ،‬قال الآمدي ‪ :‬ال خالف يف املذهب �أنه �إذا كان يف �أق�صى امل�سجد‪،‬‬
‫((( املب�سوط‪.373/1‬‬
‫((( مواهب اجلليل‪.117/2‬‬
‫((( املجموعة كتاب �أل ّفه ابن عبدو�س جمع فيها �أقوال الإمام مالك و�أ�صحابه‪ ،‬وهي الدواوين اخلم�سة عند‬
‫املالكية‪ .‬ينظر‪ :‬ا�صطالح املذهب عند املالكية �ص‪.153‬‬
‫((( مواهب اجلليل‪.120/2‬‬
‫((( البيان‪.433/2‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪156‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ولي�س بينه وبني الإمام ما مينع اال�ستطراق وامل�شاهدة‪� ،‬أنه ي�صح اقتدا�ؤه به‪ ،‬و�إن مل‬
‫تت�صل ال�صفوف” ا‪.‬هـ‪.(((.‬‬
‫ومما تقدم ف�إنه ال مانع من التباعد بني �صفوف امل�صلني داخل امل�سجد خو ًفا‬
‫من العدوى‪ ،‬وكذلك لو امتدت ال�صفوف �إلى خارج امل�سجد وكانت فيه رحبة(((‪� ،‬أو‬
‫مل تكن‪ ،‬ب�شرط تعاقب ال�صفوف وعدم انقطاعها عر ًفا و�إمكان االقتداء بالإمام(((‪.‬‬

‫((( املغني‪.44/3‬‬
‫((( الرحبة‪� :‬ساحة مبينة مت�صلة بامل�سجد حمجور عليها غال ًبا‪ ،‬ينظر‪ :‬ات�صال ال�صفوف يف امل�سجد احلرام‬
‫�ص‪.33‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪ ،412-409/23‬ات�صال ال�صفوف يف امل�سجد احلرام �ص‪.41‬‬

‫‪157‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى‬

‫ورد يف الإجراءات االحرتازية ملنع انت�شار وباء كورونا عند الذهاب ل�صالة‬
‫الكمامة (((‪.‬القما�شية‪.‬ا‪.‬هـ‪ ،(((.‬فما هو حكم هذا الفعل؟‬
‫اجلماعة يف امل�سجد‪ :‬لب�س ِ‬
‫قبل ذكر حكم هذه النازلة �أ�شري �إلى خالف �أهل العلم يف حكم تغطية الفم‬
‫والأنف يف ال�صالة‪ ،‬وقد اختلفوا على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أنه مكروه كراهية تنزيه‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور من ال�سلف والأئمة‬
‫الأربعة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أنه مكروه كراهية حترمي‪ ،‬ذهب �إليه بع�ض احلنفية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أنه مباح‪ ،‬رواية عن الإمام �أحمد(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪1.1‬ما روى �أبو هريرة ‪� ‬أن النبي ﷺ «نهى عن ال�سدل يف ال�صالة و�أن‬
‫يغطي الرجل فاه»(((‪.‬‬
‫يكم به‬ ‫الك َم َام ُة يف الأ�صل‪ :‬ما ُيج َع ُل على �أَنف احلمار �أَو البعري لئ َّال ي�ؤذ َيه ال ُّذ ُ‬
‫باب وهي �أي ضً� ا ما ي�ش ّد �أو ّ‬ ‫((( ِ‬
‫الع�ض �أو الأكل‪ ،‬ينظر‪ :‬ل�سان العرب ‪.527/12‬‬ ‫فم احليوان من ًعا له من ّ‬
‫((( ينظر‪ :‬موقع وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد باململكة العربية ال�سعودية‪https://www. :‬‬
‫‪moia.gov.sa/Pages/MSJDInstructions.aspx‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،411/1‬والفتاوى الهندية‪ ،107/1‬التاج والإكليل ‪ ،502/1‬املجموع‪ ،184/3‬مغني‬
‫املحتاج‪ ،308/1‬الفروع‪ ،484/1‬الأو�سط البن املنذر ‪.264/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪.423/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الإن�صاف ‪.470/1‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ما جاء يف ال�سدل‪ ،‬ح‪ ،643‬وابن ماجة يف �سننه‪= ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪158‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫‪�2.2‬أن يف ذلك ت�شب ًها باملجو�س حال عبادتهم النار(((‪.‬‬


‫‪�3.3‬أن يف ذلك �سوء �أدب مع اهلل؛ لأن احلال حال مناجاة هلل تعالى(((‪.‬‬
‫�أما َمن ذهب �إلى التحرمي فلم �أقف لهم على دليل‪ ،‬والظاهر �أنهم ي�ستدلون‬
‫بظاهر الن�ص املفيد للنهي‪ ،‬وملا فيه من الت�شبه باملجو�س‪.‬‬
‫و�أما القائلون بالإباحة فلم �أقف لهم على دليل �أي ضً� ا‪� ،‬إال �أنه ميكن اال�ستدالل لهم‬
‫بالرباءة الأ�صلية‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الأقرب عند الباحث ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬هو القول الأول كراهية تغطية الفم والأنف يف‬
‫ال�صالة؛ ملا يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬ما تقدم من �أدلة‪.‬‬
‫‪2.2‬ولأنه مينع من مبا�شرة الأنف للأر�ض‪� ،‬إال �إذا وجدت حاجة فال ب�أ�س ك�ش ّدة‬
‫الربد �أو التثا�ؤب‪ ،‬وقد جاء الن�ص بو�ضع اليد على الفم(((‪ ،‬ومن احلاجة‬
‫اخلوف من العدوى وانتقال املر�ض عن طريق التنف�س‪ ،‬فمتى تلثم امل�صلي‬
‫خو ًفا على نف�سه من انتقال املر�ض ف�إن فعله �صحيح وال كراهية يف ذلك؛ ملا‬
‫تقدم من �أن ال�شريعة جاءت بالرحمة ورفع احلرج عن املكلفني‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫= كتاب �إقامة ال�صالة و�سننها‪ ،‬باب ما يكره يف ال�صالة‪ ،‬ح‪ ،966‬وقال الألباين‪ :‬ح�سن‪� ،‬سنن �أبي داود‬
‫�ص‪.105‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التاج والإكليل ‪.502/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأو�سط البن املنذر ‪.266/3‬‬
‫((( كما يف �صحيح م�سلم من حديث �أبي �سعيد اخلدري ‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب ت�شميت‬
‫العاط�س‪ ،‬ح‪.2995‬‬

‫‪159‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س‬
‫القفازين‬

‫مما يفعله بع�ض امل�صلني عند ق�صدهم ل�صالة اجلماعة يف امل�سجد وقت انت�شار‬
‫وباء كورونا لب�س القفازين يف اليدين‪ ،‬وذلك خو ًفا من العدوى‪ ،‬فما هو حكم عدم‬
‫مبا�شرة امل�صلي بيديه الأر�ض‪ ،‬وهل يجب عليه ك�شف يديه؟‬
‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫ال خالف بني الفقهاء ‪ ‬على �أن امل�صلي �إذا �سجد على حائل منف�صل عنه‬
‫لعذر كحر �أو برد ف�إن ذلك جائز(((‪.‬‬
‫واختلفوا يف وجوب مبا�شرة امل�صلي بيديه الأر�ض‪ ،‬وال�سجود على ما هو مت�صل‬
‫به على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ال يجب على امل�صلي �أن يبا�شر بيديه الأر�ض‪ ،‬ويجوز �أن ي�سجد على‬
‫حائل مت�صل به؛ كالقفازين‪ ،‬عند احلاجة‪ ،‬ويكره عند عدمها‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫اجلمهور من احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬وقول عند ال�شافعية(((‪ ،‬وال�صحيح من‬
‫مذهب احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬وجوب مبا�شرة امل�صلني بيديه الأر�ض‪ ،‬فال يجوز للم�صلي �أن ي�سجد‬
‫ينظر‪ :‬الفتاوى الهندية‪ ،108/1‬مواهب اجلليل ‪ ،547/1‬البيان‪ ،217/2‬املغني‪ ،197/2‬الفروع ‪.435/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،305/1‬الفتاوى الهندية‪.108/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مواهب اجلليل ‪ ،547/1‬ال�شرح الكبري مع حا�شية الد�سوقي‪399/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬البيان‪ ،219/2‬املجموع‪.402/3‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الفروع ‪ ،435/1‬الإن�صاف ‪.68/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪160‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫على كمه �أو ظرف ثوبه ونحو ذلك‪ ،‬وهو ال�صحيح من مذهب ال�شافعية(((‪،‬‬
‫ورواية عن الإمام �أحمد(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪1.1‬حديث �أن�س ‪ ‬قال‪ :‬كنا ن�صلي مع النبي ﷺ‪ ،‬في�ضع �أحدنا طرف الثوب‬
‫من �ش ّدة احلر يف مكان ال�سجود(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬احلديث يدل على جواز ا�ستعمال الثياب وغريها يف احليلولة‬
‫بني امل�صلي وبني الأر�ض التقاء حرها وكذا بردها‪ ،‬وال جتب املبا�شرة(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن هذا احلديث حممول على الثوب املنف�صل(((‪.‬‬
‫و�أيد هذا البيهقي ‪ ‬مبا روى جابر ‪ ‬قال‪« :‬كنت �أ�صلي مع ر�سول‬
‫اهلل ﷺ �صالة الظهر ف�آخذ قب�ضة من احل�صى يف كفي حتى تربد و�أ�ضعها‬
‫يف جبهتي �إذا �سجدت من �شدة احلر»(((‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪“ :‬لو جاز ال�سجود على ثوب مت�صل به لكان �أ�سهل من‬
‫تربيد احل�صى يف الكف وو�ضعها لل�سجود عليها”(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬البيان‪ ،219/2‬املجموع‪.402/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفروع ‪ ،435/1‬الإن�صاف ‪ ،68/2‬و�أنكر ابن رجب ‪ ‬هذه الرواية وقال‪“ :‬وبكل حال‬
‫ُ‬
‫خالف ذلك البتة‪،‬‬ ‫فيجزيء ال�سجود و�إن مل يبا�شر ال َ‬
‫أر�ض بيديه رواية واحدة‪ ،‬وال ي�صح عن �أحمد‬
‫و�إمنا �أ�صل نقل اخلالف يف ذلك عن �أحمد م�أخوذ من كتب جمهول ٍة‪ ،‬ال يعرف �أ�صحابها‪ ،‬وال يعتمد‬
‫عليها”‪.‬ا‪.‬هـ فتح الباري‪.31/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ال�سجود على الثوب يف �شدة احلر‪ ،‬ح‪ ،385‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب امل�ساجد‪ ،‬باب ا�ستحباب تقدمي الظهر يف �أول الوقت يف غري �شدة احلر‪ ،‬ح‪620‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري الحجر‪.588/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع‪.401/3‬‬
‫((( ينظر‪� :‬أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب الك�شف عن اجلبهة يف ال�سجود‪،105/2‬‬
‫وح�سن �إ�سناده الألباين يف تعليقه على م�شكاة امل�صابيح‪.319/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ال�سنن الكربى للبيهقي‪.106/2‬‬

‫‪161‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫و�أجيب عنه‪ :‬ب�أن حمله على املنف�صل �ضعيف؛ لأن الغالب من حال ال�صحابة‬
‫‪ ‬قلة الثياب و�أنه لي�س لأحدهم �إال ثوبه املت�صل به(((‪.‬‬
‫‪2.2‬عن ثابت بن ال�صامت ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ‪�« :‬صلى يف بيت بني‬
‫عبدالأ�شهل وعليه ك�ساء ملفف به ي�ضع يديه عليه يقيه احل�صى»‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬
‫«فر�أيته وا�ض ًعا يديه على ثوبه‪� ،‬إذا �سجد»(((‪.‬‬
‫ووجه الداللة ظاهر‪.‬‬
‫و�أجيب عنه‪ :‬ب�أنه حديث �ضعيف(((‪.‬‬
‫‪3.3‬عن احل�سن الب�صري ‪ ‬قال‪“ :‬كان �أ�صحاب النبي ﷺ ي�سجدون و�أيديهم‬
‫يف ثيابهم وي�سجد الرجل منهم على عمامته”(((‪.‬‬
‫وجه الداللة ظاهر‪.‬‬
‫‪�4.4‬أن اليدين ع�ضو من �أع�ضاء ال�سجود فجاز ال�سجود على حائله؛ كالقدمني(((‪.‬‬
‫‪�5.5‬أنه ع�ضو ال يربز يف العادة �إال حلاجة‪ ،‬فلم يجب ك�شفه يف ال�سجود؛ كالركبتني‬
‫والقدمني(((‪.‬‬
‫وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪1.1‬حديث خباب بن الأرت ‪ ‬قال‪�« :‬شكونا �إلى ر�سول اهلل ﷺ حر الرم�ضاء‬
‫يف جباهنا و�أك ّفنا‪ ،‬فلم ُي ْ�ش ِكنا»(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اجلوهر النقي البن الرتكماين‪ ،‬وهو بذيل ال�سنن الكربى للبيهقي‪ ،106/2‬وفتح الباري البن‬
‫حجر ‪.588/1‬‬
‫((( �أخرجه الإمام �أحمد يف امل�سند‪ ،‬ح‪ ،18953‬وابن ماجه يف �سننه‪ ،‬كتاب �إقامة ال�صالة‪ ،‬باب ال�سجود‬
‫على الثياب يف احلر والربد‪ ،‬ح‪ ،1032‬قال حمقق امل�سند‪� :‬إ�سناده �ضعيف‪.282/31 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع ‪.401/3‬‬
‫((( ينظر‪� :‬أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ب�سط ثوب في�سجد عليه‪ ،106/2‬و�أخرجه‬
‫البخاري يف �صحيحه معل ًقا ب�صيغة اجلزم‪ ،‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.587/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املغني ‪.198/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬البيان ‪.219/2‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب امل�ساجد‪ ،‬باب ا�ستحباب تقدمي الظهر يف �أول الوقت يف غري =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪162‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن ال�صحابة ‪� ‬شكوا حر الرم�ضاء يف جباههم و�أكفهم‪،‬‬


‫ولو كان الك�شف غري واجب لقيل لهم ا�سرتوها‪ ،‬فلما مل يقل ذلك دل على �أنه‬
‫ال بد من ك�شفها(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن ال�صحابة ‪ ‬مل يطلبوا من النبي ﷺ ال�سجود على حائل؛‬
‫لأنه لو كان مطلبهم ال�سجود على حائل لأذن لهم فيه؛ لأنه ثبت عنه ﷺ‬
‫ال�سجود على اخلمرة والفرا�ش‪ ،‬و�إمنا طلبوا منه ت�أخريها زيادة على ما كان‬
‫ي�ؤخرها ويربد بها‪� ،‬أو ت�سقيف امل�سجد‪� ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬مما يزيل عنهم �ضرر‬
‫الرم�ضاء يف جباههم و�أكفهم‪ ،‬فلم يجبهم(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنه ع�ضو له مدخ ٌل يف التيمم‪ ،‬فوجب ك�شفه يف ال�سجود؛ كالوجه(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يناق�ش‪ :‬ب�أن �إحلاقه بالوجه فيه بع ٌد؛ لأنه ال عالقة بني التيمم‬
‫وك�شف الوجه وتغطيته‪ ،‬و�إحلاق اليدين بالركبتني والقدمني حيث ال يجب‬
‫ك�شفهما وهما من �أع�ضاء ال�سجود �أولى؛ لأن العادة جرت ب�أنها ال تربز �إال‬
‫حلاجة؛ فكذلك اليدان‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الأقرب عند الباحث ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬هو القول الأول بعدم وجوب مبا�شرة امل�صلي‬
‫بكفيه الأر�ض‪ ،‬ويجوز له ال�سجود على حائل؛ ملا تقدم من �أدلة ومناق�شات؛ خ�صو�صً ا‬
‫�إن كان لعذر كاحلر ال�شديد �أو اخلوف من العدوى‪ ،‬وقد ن�ص فقهاء احلنفية‪،‬‬
‫واملالكية‪ ،‬واحلنابلة((( على �أنه متى وجد العذر فيجوز للم�صلي تغطية كفيه للعذر‪،‬‬
‫واهلل �أعلم‪.‬‬

‫= �شدة احلر‪ ،‬ح‪.619‬‬


‫ينظر‪ :‬املجموع‪.397/3‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني ‪ ،198/2‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.172/22‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬البيان ‪.219/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الفتاوى الهندية‪ ،108/1‬ال�شرح الكبري مع حا�شية الد�سوقي‪ ،399/1‬الإن�صاف ‪.68/2‬‬ ‫(((‬

‫‪163‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫املبحث ال�سابع‬
‫ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى‬

‫ورد يف الإجراءات االحرتازية ملن ق�صد �صالة اجلماعة بامل�سجد‪� :‬إح�ضار‬


‫ال�سجادة اخلا�صة وعدم تركها يف مكان �صالته(((‪ ،‬جتن ًبا لنقل العدوى‪ ،‬فما هو حكم‬
‫ال�صالة على ال�سجادة املفرو�شة على فر�ش امل�سجد؟‬
‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪1.1‬ال خالف بني �أهل العلم على �أن امل�ستحب هو ال�صالة على الأر�ض مبا�شرة‬
‫من غري حائل(((؛ لأن هذا هو هدي النبي ﷺ؛ �إذ كان م�سجده مفرو�شً ا‬
‫باحل�صباء‪ ،‬و�أكرث �صالته على هذه ال�صفة(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ال نزاع بني الفقهاء ‪ ‬يف جواز ال�صالة على احلائل املنف�صل �سواء‬
‫كانت ال�صالة عليه لعذر؛ كاحلر والربد ونحو ذلك‪� ،‬أو لغري عذر‪� ،‬إذا كان‬
‫احلائل من جن�س الأر�ض؛ كاحل�صري(((‪.‬‬
‫ويدل لهذا ما ثبت عن النبي ﷺ �أنه �صلى على احل�صري(((؛ وقال �أبو �سعيد‬
‫((( ينظر‪ :‬موقع وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد باململكة العربية ال�سعودية‪:‬‬
‫‪https://www.moia.gov.sa/Pages/MSJDInstructions.aspx‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع ‪ ،401/3‬جمموع الفتاوى ‪.183/22‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪ ،163/22‬فتح الباري البن رجب ‪.20/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،305/1‬مواهب اجلليل‪ ،546/1‬مغني املحتاج‪ ،259/1‬املغني‪ ،198/2‬ونقل ابن‬
‫بطال و النووي و�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ :‬الإجماع على جواز ال�صالة على احل�صري و�سائر ما‬
‫يخرج من الأر�ض‪� ،‬إال ما يروى عن عمر بن عبدالعزيز �أنه كان ي�ؤتى برتاب فيو�ضع على اخلمرة في�سجد‬
‫عليه‪ ،‬حممول على املبالغة يف التوا�ضع واخل�شوع‪ ،‬ينظر‪� :‬شرح النووي على م�سلم‪ ،294/4‬جمموع فتاوى‬
‫ابن تيمية‪ ،174/22‬فتح الباري البن حجر ‪.582/1‬‬
‫((( احل�صري هو‪ :‬الب�ساط ال�صغري من النبات‪ ،‬ينظر‪ :‬ل�سان العرب‪.196/4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪164‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫اخلدري ‪�« :‬إنه دخل على ر�سول اهلل ﷺ فوجده ي�صلي على ح�صري ي�سجد‬
‫عليه»(((‪ ،‬وثبت �أنه ﷺ �صلى على اخلمرة(((‪.‬‬
‫وهنا �صورتان‪:‬‬
‫ال�صورة الأولى‪:‬‬
‫ال�صالة على ما لي�س من جن�س الأر�ض؛ كاجللود وما ي�صنع منه ال�سجاد من‬
‫قما�ش و�صوف ونحوه يفر�ش على الأر�ض مبا�شرة‪ ،‬فهذه فيها خالف على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬الكراهة‪ ،‬وهو مذهب املالكية(((‪ ،‬واختيار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬عدم الكراهة‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور‪ ،‬من احلنفية(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪،‬‬
‫واحلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول ب�أدلة منها‪:‬‬
‫ي�صل على ال�سجادة(((‪.‬‬
‫‪�1.1‬أن النبي ﷺ مل ِ‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ال�صالة على احل�صري‪ ،‬ح‪ ،380‬و�أخرجه م�سلم‬
‫يف �صحيحه‪ ،‬كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة‪ ،‬باب جواز اجلماعة يف النافلة‪ ،‬وال�صالة على ح�صري‬
‫وخمرة‪ ،‬ح‪ ،661‬من حديث �أن�س بن مالك ‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ال�صالة على اخلمرة‪ ،‬ح ‪� ،381‬أخرجه م�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة‪ ،‬باب جواز اجلماعة يف النافلة‪ ،‬وال�صالة على ح�صري‬
‫وخمرة‪ ،‬ح‪ ،661‬من حديث ميمونة ‪ ،‬واخلمرة هي‪ :‬فرا�ش �صغري على قدر الوجه يعمل من �سعف‬
‫النخل ي�سجد عليه امل�صلي يتقي به حر الأر�ض وبردها‪ ،‬ينظر‪ :‬نيل الأوطار ‪.150/2‬‬
‫((( �إال ل�ضرورة جنا�سة �أو برد �أو كان فر�ش م�سجد �أو فر�شً ا ال رفاهية فيه ينظر‪ :‬مواهب اجلليل‪،546/1‬‬
‫ال�شرح الكبري مع حا�شية الد�سوقي‪ ،399/1‬والفواكه الدواين ‪.182/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪172/22‬ومابعدها‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،305/1‬الفتاوى الهندية‪.109/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع ‪ ،169/3‬نهاية املختاج‪.64 ،52/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املغني ‪ ،479/2‬الإن�صاف‪ ،485/1‬وك�شاف القناع ‪.297/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪.163/22‬‬

‫‪165‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫و�أجيب عنه‪ :‬بعدم الت�سليم؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ �أنه �صلى على احل�صري(((‪.‬‬
‫ونوق�ش اجلواب‪ :‬ب�أن احل�صري واخلمرة ونحوها من جن�س الأر�ض‪ ،‬و�إمنا‬
‫اخلالف يف كراهية ما لي�س من جن�سها؛ كال�صوف ونحوه(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يف ال�صالة على ال�سجادة رفاهية‪ ،‬وهي مكروهة(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يناق�ش‪ :‬ب�أنه لي�ست كل رفاهية مكروهة‪ ،‬فال تكره ال�صالة يف ثياب‬
‫الكتان وال�صوف مع �أن فيها نوع رفاهية‪ ،‬فكذلك ال تكره ال�صالة عليها(((‪.‬‬
‫وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين ب�أدلة منها‪:‬‬
‫‪1.1‬الأ�صل �إباحة ال�صالة على ال�سجادة؛ لأن النبي ﷺ �صلى على ما ي�شبهها وهو‬
‫اخلمرة واحل�صري(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنَّ ال�صحابة ‪� ‬صلوا على �أنواع من الفر�ش والب�سط؛ مما ي�صدق عليه‬
‫�أنه �سجادة‪� ،‬أو يف معناها‪َّ ،‬‬
‫فدل ذلك على �أنَّ الأ�صل عندهم هو الإباحة(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن ما ال ُتكره ال�صالة فيه ال تكره ال�صالة عليه(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الأقرب عند الباحث ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬هو القول الثاين عدم كراهة ال�صالة على‬
‫ينظر‪ :‬املغني ‪.479/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪.174/22‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مواهب اجلليل‪.546/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني ‪.479/2‬‬ ‫(((‬
‫تقدم تخريجه قري ًبا‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬امل�صنف البن �أبي �شيبة‪ ،400/1‬وامل�صنف لعبدالرزاق ‪ ،395/1‬قال ابن قدامة ‪“ :‬ال‬ ‫(((‬
‫ب�أ�س بال�صالة على احل�صري والب�سط من ال�صوف وال�شعر والوبر‪ ،‬والثياب من القطن والكتان و�سائر‬
‫الطاهرات‪ ،‬و�صلى عمر على عبقري‪ ،‬وابن عبا�س على طنف�سة‪ ،‬وزيد بن ثابت وجابر على ح�صري وعلي‬
‫وابن عبا�س وابن م�سعود على املن�سوج” اهـ املغني ‪.479/2‬‬
‫ينظر‪ :‬املغني ‪ ،480/2‬وك�شاف القناع ‪ ،334/1‬ومطالب �أويل النهى ‪.352/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪166‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫ال�سجادة خ�صو صً� ا �إن كانت لعذر كخوف العدوى؛ ملا تقدم من �أدلة ومناق�شة؛ لكنها‬
‫ُتكره يف الأحوال التالية‪:‬‬
‫احلال الأولى‪� :‬أن يقع يف قلب امل�صلي نوع من الكرب والرتفع على النا�س فيخ�ص‬
‫نف�سه بال�سجادة لهذا املعنى(((‪.‬‬
‫احلال الثانية‪ :‬اتخاذ ال�صالة على ال�سجادة �شعا ًرا‪ ،‬ك�أن يرى ُ‬
‫متخذها �أن عدم‬
‫ال�صالة عليها تق�ص ًريا يف ِّ‬
‫حق ال�صالة(((‪.‬‬
‫تورعا وحت ُّر ًجا من ال�صالة على الأر�ض‬
‫احلال الثالثة‪ :‬حتري ال�صالة عليها ً‬
‫خو ًفا من جنا�سة متوهمة‪ ،‬من غري حاجة وال �ضرورة من برد �أو مر�ض �أو‬
‫ح ٍّر؛ فهذا التحري مكروه؛ لأن ا�ستدامة ذلك خمالف لهدي النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم و�أ�صحابه‪ ،‬فقد كانوا ي�صلون على الأر�ض والرتاب والطني‪ ،‬من‬
‫غري حرج(((‪.‬‬
‫احلال الرابعة‪ :‬تقدمي ال�سجادة �إلى امل�سجد قبل الذهاب له بق�صد احلجز‬
‫والتحجري(((‪.‬‬
‫ال�صورة الثانية‪:‬‬
‫ال�صالة على ما لي�س من جن�س الأر�ض من ال�سجاد ويفر�ش على فر�ش امل�سجد‪،‬‬
‫فهذه ال تخلو من حالني‪:‬‬
‫احلال الأولى‪� :‬أن يفر�ش ال�سجاد على فر�ش امل�سجد لعذر؛ ك�أن يكون الفرا�ش فيه‬
‫غبار كثري �أو تنبعث منه رائحة‪� ،‬أو يخ�شى من العدوى ب�سبب �صالة م�صلي‬
‫م�صاب يف املكان نف�سه‪ ،‬فهذه ونحوها �أعذار اتفق الفقهاء ‪ ‬على جواز‬
‫ينظر‪ :‬مواهب اجلليل‪.546/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪.187/22‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪.177/22‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪.189/22‬‬ ‫(((‬

‫‪167‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫ال�صالة على احلائل املنف�صل مع وجودها(((‪ ،‬ووجود فر�ش امل�سجد هنا‬


‫كعدمه؛ ملا فيه من �ضرر �أو يخ�شى منه نقل املر�ض وال�ضرر‪ ،‬وال�ضرر يدفع‬
‫بقدر الإمكان(((‪.‬‬
‫احلال الثانية‪� :‬أن يفر�ش ال�سجاد على فر�ش امل�سجد من غري عذر �صحيح فهذا‬
‫جن�سا؛ كما قرر ذلك‬
‫نوع من البدع املنكرة؛ ك�أن يخ�شى �أن يكون الفرا�ش ً‬
‫�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ،‬وذكر لذلك ع ّدة �أوجه منها(((‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن اتقاء ال�صالة على الفر�ش خ�شية جنا�ستها غري م�شروع؛ لأن اهلل جعل‬
‫الأر�ض لنا م�سجدً ا طهو ًرا‪ ،‬فال ي�شرع اتقاء ال�صالة عليها لأجل هذا‪،‬‬
‫يت فيِ‬‫بل ثبت يف �صحيح البخاري عن ابن عمر ‪ ‬قال‪ُ « :‬ك ْن ُت �أَ ِب ُ‬
‫المْ َ ْ�س ِج ِد فيِ َع ْه ِد َر ُ�س ِول ﷺ‪َ ،‬و ُك ْن ُت َف ًتى َ�شا ًّبا َعزَ ًبا‪َ ،‬و َكا َن ْت ا ْل ِكلاَ ُب َت ُب ُ‬
‫ول‬
‫َو ُت ْق ِب ُل َو ُت ْد ِب ُر فيِ المْ َ ْ�س ِج ِد‪َ ،‬ف َل ْم َي ُكو ُنوا َي ُر ُّ�شونَ َ�ش ْي ًئا ِمنْ َذ ِل َك»(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن هذا الأمر مل يفعله ال�سلف‪ ،‬وقد علم بالتواتر �أن امل�سجد احلرام ما‬
‫زال يط أ� عليه امل�سلمون على عهد الر�سول ﷺ وعهد خلفائه‪ ،‬وهناك من‬
‫احلمام ما لي�س بغريه‪ ،‬ومير باملطاف من اخللق ما ال مير مب�سجد من‬
‫امل�ساجد‪ ،‬ف�شبهة ح�صول النجا�سة باملكان هذا �أقوى من غريه‪ ،‬ومع ذلك‬
‫مل يكن النبي ﷺ وخلفا�ؤه و�أ�صحابه ي�صلون على حائل‪ ،‬ومل ي�ستحبوا ذلك‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،305/1‬الذخرية ‪ ،197/2‬مواهب اجلليل ‪ ،546/1‬مغني املحتاج ‪ ،259/1‬املغني‬
‫‪ ،198/2‬جمموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،174/22‬فتح الباري البن حجر ‪.582/1‬‬
‫املف�صل يف القواعد الفقهية �ص‪.359‬‬
‫((( ينظر‪ّ :‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية ‪ 179/22‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الو�ضوء‪ ،‬باب املاء يغ�سل به �شعر الإن�سان‪ ،‬ح‪.174‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪168‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫اخلامتة‬

‫احلمد هلل على ما ي�سر لهذا البحث بعنوان (�آثار وباء كورونا على �أحكام �صالة‬
‫اجلماعة يف امل�سجد درا�سة �شرعية)‪ ،‬و�صلى اهلل على عبده ور�سوله نبينا حممد و�آله‬
‫و�صحبه و�سلم‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ف�أختم هذا البحث ب�أهم نتائجه والتو�صيات املتعلقة به‪:‬‬
‫النتائج‪:‬‬
‫‪1.1‬املق�صود ب�صالة اجلماعة‪ :‬ارتباط �صالة امل�أموم ب�صالة الإمام ب�شروط‬
‫خم�صو�صة‪.‬‬
‫‪2.2‬امل�سجد‪ :‬املبنى املوقوف املخ�ص�ص لل�صلوات اخلم�س املفرو�ضة وغريها‪.‬‬
‫‪3.3‬امل�صاب بوباء كورونا يمُ نع من ح�ضور اجلماعة يف امل�سجد‪.‬‬
‫‪4.4‬اخلوف من العدوى من �أ�سباب ترك اجلماعة يف امل�سجد‪ ،‬ب�شرط �أن يكون‬
‫أ�سباب م�ؤثر ٍة‪.‬‬
‫اخلوف حقيق ًيا وم�ستندً ا �إلى � ٍ‬
‫الرتا�ص والتقارب ب�سبب اخلوف من العدوى‪ ،‬ف�إن‬
‫ّ‬ ‫‪�5.5‬إذا تعذر على امل�صلني‬
‫هذا الواجب ي�سقط‪.‬‬
‫‪6.6‬متى تلثم امل�صلي وغطى الفم والأنف خو ًفا على نف�سه من انتقال املر�ض ف�إن‬
‫فعله �صحيح‪ ،‬وال كراهية يف ذلك‪.‬‬
‫‪7.7‬يجوز للم�صلي تغطية يديه وال�سجود على حائل؛ خ�صو�صً ا �إن كان لعذر‬
‫كاملر�ض �أو اخلوف من العدوى‪.‬‬
‫‪8.8‬عدم كراهة ال�صالة على ال�سجادة خ�صو�صً ا �إن كانت لعذر كخوف العدوى‪.‬‬

‫‪169‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫‪9.9‬جواز فر�ش ال�سجاد على فر�ش امل�سجد لعذر؛ ك�أن يكون الفرا�ش فيه غبار‬
‫كثري �أو تنبعث منه رائحة‪� ،‬أو يخ�شى من العدوى ب�سبب �صالة م�صلي م�صاب‬
‫يف املكان نف�سه‪.‬‬
‫التو�صيات‪:‬‬
‫‪1.1‬االهتمام بالبحث يف م�سائل �أثر اجلوائح على فري�ضة ال�صالة؛ لأنها الركن‬
‫الثاين من �أركان الإ�سالم‪.‬‬
‫‪2.2‬بحث �أثر الوباء على العقود املالية؛ لكرثة فروعها‪ ،‬وكرثة ال�س�ؤال عنها‬
‫وحاجة النا�س لها‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني و�صلى اهلل على نبينا حممد و�آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪170‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‬
‫‪�2.2‬أبحاث يف العدوى والطب الوقائي من �أبحاث امل�ؤمتر العاملي الأول للإعجاز‬
‫العلمي يف القران وال�سنة �إ�سالم �آباد باك�ستان يف الفرتة من ‪� 28-25‬صفر �سنه‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪3.3‬ات�صال ال�صفوف بامل�سجد احلرام وخارجه‪ ،‬د‪ .‬غازي بن �سعيد بن حمود‬
‫املطريف‪ ،‬بحث من�شور مبجلة املجمع الفقهي الإ�سالمي التابعة لرابطة العامل‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪ ،30‬عام ‪1435‬هـ‪.‬‬
‫‪�4.4‬آثار اخلوف يف الأحكام الفقهية‪ ،‬د‪� .‬إبراهيم بن يحيى عطيف‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪�5.5‬أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬عبدالإله بن �سعود بن نا�صر‬
‫ال�سيف‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪�6.6‬أحكام امل�ساجد يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬د‪� .‬إبراهيم اخل�ضريي‪ ،‬دار الف�ضيلة‬
‫للن�شر‪ ،‬ط‪ ،2‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪�7.7‬إرواء الغليل يف تخريج �أحاديث منار ال�سبيل‪ :‬حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1405‬هـ‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪8.8‬اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار وعلى الأقطار فيما ت�ضمنه املوط�أ‬
‫من معاين الر�أي والآثار‪ :‬و�شرح ذلك كله بالإيجاز واالخت�صار‪ ،‬يو�سف ابن‬
‫عبداهلل بن عبدالرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪/‬عبداملعطي �أمني قلعجي‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪9.9‬اال�ستذكار اجلامع ملذهب فقهاء الأم�صار وعلماء الأقطار‪/‬لأبي عمر يو�سف بن‬
‫عبداهلل ابن عبدالرب القرطبي‪ .‬دار الكتب العلمية ط‪2000 ،1‬م حتقيق‪� :‬سامل‬
‫حممد عطا وحممد علي معو�ض‪.‬‬

‫‪171‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫‪1010‬الأ�شباه والنظائر يف قواعد وفروع ال�شافعية‪ ،‬جالل الدين عبدالرحمن بن �أبي‬


‫بكر ال�سيوطي‪( ،‬ت‪911 :‬هـ)‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ‪ ،‬مكتب نزار م�صطفى الباز‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫‪1111‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لتاج الدين عبدالوهاب بن علي ال�سبكي‪ ،‬ت‪ :‬عادل �أحمد‬
‫عبداملوجود‪ ،‬وعلي حممد معو�ض‪ ،‬النا�شر دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪�1212‬إكمال املعلم بفوائد م�سلم‪ ،‬للقا�ضي عيا�ض بن مو�سى اليح�صبي‪ ،‬حتقيق د‪.‬‬
‫يحيى �إ�سماعيل‪ ،‬ط‪1452 ،2‬هـ‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪1313‬الأمرا�ض املعدية‪/‬د‪ .‬ف�ؤاد عبدالوهاب ال�شعبان مطبعة اخللود‪.‬‬
‫‪1414‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬علي بن �سليمان املرداوي‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪885‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد حامد الفقهي‪ ،‬ط‪1375 ،1‬هـ‪ ،‬مطبعة ال�سنة املحمدية‪.‬‬
‫‪1515‬الأو�سط يف ال�سنن والإجماع واالختالف‪� :‬أبو بكر حممد بن �إبراهيم بن املنذر‬
‫الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبو حماد �صغري �أحمد حنيف‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪1616‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬لزين الدين ابن جنيم‪ ،‬ط‪ ،2‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪1717‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ ،‬لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن ر�شد‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬ماجد احلموي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬لأبي بكر بن م�سعود الكا�ساين‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪587‬هـ)‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪1919‬بذل املاعون يف ف�ضل الطاعون‪ ،‬لأحمد بن علي بن حجر الع�سقالين‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪852‬هـ) حتقيق‪� :‬أحمد عا�صم عبدالقادر الكتاب‪ ،‬ط‪ ،1‬دار العا�صمة بالريا�ض‪.‬‬
‫‪2020‬البيان يف مذهب الإمام ال�شافعي‪ ،‬لأبي احل�سني يحيى بن �أبي اخلري العمراين‪،‬‬
‫عناية‪ :‬قا�سم النوري‪ ،‬دار املنهاج‪.‬‬
‫‪2121‬البيان والتح�صيل وال�شرح والتوجيه والتعليل مل�سائل امل�ستخرجة‪ ،‬لأبي الوليد‬
‫حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي‪ ،‬ت‪ :‬حممد حجي و�آخرون‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الغرب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪172‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫‪2222‬التاج والإكليل ملخت�صر خليل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف العبدري‪ ،‬ال�شهري‬
‫باملواق‪ ،‬مطبوع بهام�ش مواهب اجلليل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.3‬‬
‫‪2323‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ :‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1420‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪2424‬اجلوهر النقي على �سنن البيهقي‪ ،‬البن الرتكماين علي بن عثمان‪ ،‬دار النوادر‪،‬‬
‫‪2013‬م‪.‬‬
‫‪2525‬حا�شية الد�سوقي على �شرح الكبري‪ ،‬ملحمد عرفة الد�سوقي‪( ،‬ت‪1230 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪2626‬الذخرية؛ ل�شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س القرايف‪ ،‬ت‪ :‬د‪.‬حممد حجي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار العرب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬
‫‪2727‬رو�ضة الطالبني‪ :‬ليحيى بن �شرف النووي ت ‪624‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل عبداملوجود‬
‫وعلي معو�ض‪ ،‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬رو�ضه الطالبني‪/‬لأبي زكريا يحيى بن �شرف النووي الدم�شقي‪ .‬حتقيق‪ :‬ال�شيخ‪.‬‬
‫عادل �أحمد عبداملوجود وال�شيخ‪.‬علي حممد معو�ض‪ .‬دار الكتب العلمية ط‪1 :‬‬
‫‪1412‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪2929‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ .‬ابن القيم‪ ،‬حممد بن �أبي بكر‪( .‬لبنان‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ .‬ط‪1415 ،3‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬
‫‪�3030‬سنن ابن ماجة‪ ،‬حممد بن زيد القزويني‪ ،‬ت‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار �إحياء‬
‫مكتب العربية‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪�3131‬سنن �أبي داود‪� :‬سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عزت الدعا�س‪،‬‬
‫طبعة‪1389 ،1‬هـ‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬حم�ص‪.‬‬
‫‪�3232‬سنن الرتمذي‪ :‬حممد بن عي�سى بن �سورة الرتمذي‪ ،‬ت‪ :‬عزت عبدالدعا�س‪،‬‬
‫املكتبة الإ�سالمية‪ ،‬تركيا‪.‬‬

‫‪173‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫‪3333‬ال�سنن الكربى‪� :‬أحمد بن ح�سني البيهقي‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪3434‬ال�سنن الكربى‪� :‬أحمد بن �شعيب الن�سائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من الباحثني؛‬
‫ب�إ�شراف‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪3535‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ ،‬حممد بن �صالح العثيمني‪ ،‬م�ؤ�س�سة �آ�سام‪ ،‬ط‪.3‬‬
‫‪ 363636‬ال�صحاح تاج اللغة و�صحاح العربية‪� ،‬إ�سماعيل بن حماد اجلوهري‪ ،‬حتقيق‪/‬‬
‫�أحمد العطار‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1984 ،3‬م‪.‬‬
‫‪�3737‬صحيح البخاري‪ ،‬ملحمد بن �إ�سماعيل البخاري‪( ،‬ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬ترقيم‪ :‬حممد‬
‫ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬ط‪1400 ،1‬هـ‪ ،‬املطبعة ال�سلفية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪�3838‬صحيح م�سلم‪ ،‬مل�سلم بن احلجاج الني�سابوري‪( ،‬ت‪261 :‬هـ)‪ ،‬ترقيم‪ :‬حممد‬
‫ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬ط‪1374 ،1‬هـ‪ ،‬املكتبة الإ�سالمية‪ ،‬ا�سطنبول‪.‬‬
‫‪3939‬الطرق احلكمية يف ال�سيا�سة ال�شرعية‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �أبي بكر ابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬ت‪/‬نايف احلمد‪ ،‬دار عامل الفوائد‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬الفتاوى الهندية‪ ،‬لل�شيخ نظم وجماعة من علماء الهند‪ ،‬وبهام�شه فتاوى‬
‫قا�ضيخان‪ ،‬والفتاوى البزازية دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت لنان‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫‪4141‬فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ :‬جمع �أحمد ابن عبدالرزاق‬
‫الدوي�ش‪ ،‬رئا�سة �إدارة البحوث العلمية‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪4242‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪� :‬أحمد بن حجر الع�سقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب‬
‫الدين اخلطيب‪ ،‬طبعة‪1407 ،1‬هـ‪ ،‬دار الريان‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪4343‬فتح الباري لأبي الفرج ابن رجب احلنبلي‪ :‬ط‪1417 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة الغرباء الأثرية‪.‬‬
‫‪4444‬فتح القدير‪ ،‬لكمال الدين حممد بن عبدالواحد املعروف بابن الهمام‪ ،‬ت‪:‬‬
‫‪861‬هـ‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪4545‬الفروع‪ ،‬ل�شم�س الدين املقد�سي‪� ،‬أبي عبداهلل حممد بن مفلح احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫د‪.‬عبداهلل الرتكي‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪174‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫‪4646‬الفواكه الدواين على ر�سالة بن �أبي زيد القريواين‪ ،‬لل�شيخ‪� :‬أحمد بن غنيم بن‬
‫�سامل بن مهنا التعراوي‪( ،‬ت‪1126 :‬هـ)‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪4747‬القامو�س املحيط‪ ،‬ملجد الدين حممد بن يعقوب الفريوز �آبادي‪( ،‬ت‪817 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪1416 ،5‬هـ‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪.‬‬
‫‪4848‬ك�شاف القناع عن منت االقناع‪ ،‬املن�صور بن يون�س بن �إدري�س البهوتي‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪1051‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪4949‬ل�سان العرب‪ ،‬لأبي الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم بن منظور‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1412‬هـ‪ ،‬دار �صادر‪.‬‬
‫‪5050‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ت�أليف‪� :‬أحمد عبداحلليم بن تيمية احلراين �أبو العبا�س‪ ،‬دار‬
‫الن�شر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالرحمن بن حممد بن‬
‫قا�سم العا�صمي النجدي‪.‬‬
‫‪5151‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬لأبي زكريا يحيى ابن �شرف الدين النووي‪( ،‬ت‪676 :‬هـ)‪،‬‬
‫ت‪ :‬كمال جنيب املطيعي‪ ،‬ط‪1415 ،2‬هـ‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪5252‬املحلى‪ :‬علي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الأندل�سي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪/‬عبدالغفار‬
‫البنداري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪5353‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل ال�شيباين‪ ،‬حتقيق‪ :‬نخبة من الأ�ساتذة ط‪،1‬‬
‫‪1417‬هـ ن�شر م�ؤ�س�سة الر�سالة بريوت لبنان‪.‬‬
‫‪5454‬م�صنف عبدالرزاق بن همام ال�صنعاين‪ :‬حتقيق‪ :‬حبيب الرحمن الأعظمي‪،‬‬
‫ط‪1403 ،2‬هـ‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪5555‬امل�صنف يف الأحاديث والآثار‪ ،‬لعبداهلل بن حممد بن �أبي �شيبة‪( ،‬ت‪235 :‬هـ)‪،‬‬
‫ت�صحيح‪ :‬حممد عبدال�سالم �شاهني‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪5656‬مطالب �أويل النهى يف �شرح غاية املنتهى وجتريد الزوائد الغاية وال�شرح‪،‬‬
‫م�صطفى ال�سيوطي الرحيباين ‪ -‬ح�سن ال�شطي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪175‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫‪5757‬معجم امل�صطلحات والألفاظ الفقهية‪ ،‬د‪ .‬حممود عبدالرحمن عبداملنعم‪ ،‬دار‬


‫الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‪ ،‬م�صر‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪5858‬معجم املقايي�س يف اللغة‪ ،‬لأبي احل�سني بن فار�س بن زكريا‪( ،‬ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫عبدال�سالم هارون‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪5959‬املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى علماء �إفريقية والأندل�س واملغرب؛‬
‫لأحمد بن يحيى الون�شري�سي‪� ،‬إ�شراف د‪ .‬حممد حجي‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪6060‬مغني املحتاج �إلى معرفة �ألفاظ املنهاج للخطيب ال�شربيني‪ ،‬ط‪ :‬دار املعرفة ‪-‬‬
‫بريوت‪ -‬الطبعة الثالثة‪1428 ،‬هـ‪2007 ،‬م‪ ،‬اعتنى به‪ :‬حممد خليل عيتاين‪.‬‬
‫‪6161‬املغني‪ ،‬لعبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة‪( ،‬ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل‬
‫الرتكي‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح احللو‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ‪ ،‬دار هجر للطباعة والن�شر‪.‬‬
‫‪6262‬املف�صل يف القواعد الفقهية‪ ،‬د‪.‬يعقوب بن عبدالوهاب الباح�سني‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫التدمرية‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪6363‬املنثور يف القواعد‪ ،‬للإمام بدر الدين حممد بن بهادر ال�شافعي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬تي�سري فائق �أحمد حممود‪ ،‬النا�شر وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‬
‫بالكويت‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪6464‬مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر خليل‪ ،‬حممد بن حممد بن عبدالرحمن‬
‫الطرابل�سي‪ ،‬املعروف باحلطاب‪( ،‬ت‪954 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.‬‬
‫‪6565‬موقع وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد باململكة العربية ال�سعودية‪:‬‬
‫‪.https://www.moia.gov.sa/Pages/MSJDInstructions.aspx‬‬
‫‪6666‬ندوة جممع الفقه التابع ملنظمة التعاون الإ�سالمي بعنوان (فريو�س كورونا امل�ستجد)‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬
‫‪6767‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج‪� :‬شم�س الدين حممد ابن �أبي العبا�س �أحمد‬
‫الرملي‪ ،‬ال�شهري بال�شافعي ال�صغري‪1386 ،‬هـ‪ ،‬مطبعة البابلي احللبي‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪176‬‬


‫آثار وباء كورونا على أحكام صالة اجلماعة يف‬

‫املسجد ‪ -‬دراسة شرعية‬

‫‪6868‬نيل الأوطار �شرح منتقى الأخبار من �أحاديث �سيد الأخيار‪ ،‬ملحمد بن علي‬
‫ال�شوكاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬ع�صام الدين ال�صباطي‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪177‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬غازي بن سعيد بن محود املطريف‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث‪125 .................................................................‬‬


‫املقدمة‪126 .........................................................................‬‬
‫التمهيد‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪131 .................................................. :‬‬
‫وا�صطالحا ‪131 ......................‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الأول‪ :‬تعريف �صالة اجلماعة لغة‬
‫وا�صطالحا ‪132 .............................‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف امل�سجد لغة‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف وباء كورونا ‪132 .........................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ترك امل�صاب بوباء كورونا للجماعة يف امل�سجد ومنعه من دخوله‪135 ...‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ترك اجلماعة يف امل�سجد ب�سبب اخلوف من العدوى من وباء كورونا ‪147 ..‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التباعد بني امل�صلني ب�سبب اخلوف من العدوى وباء كورونا ‪151 ...‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬التباعد بني ال�صفوف خو ًفا من العدوى ‪156 ........................‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬تغطية امل�صلي يف اجلماعة لأنفه وفمه خو ًفا من العدوى ‪158 ....‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬عدم مبا�شرة امل�صلي يف اجلماعة الأر�ض بيديه ب�سبب لب�س‬
‫القفازين ‪160 ...................................................................‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬ال�صالة على ال�سجادة فوق فر�ش امل�سجد خو ًفا من العدوى ‪164 ...‬‬
‫اخلامتة ‪169 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪171 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪178‬‬


‫صالة المنفرد خلف الصف احترا ًزا من‬
‫العدوى بكورونا المستجد‬
‫دراسة فقهية م�قارنة‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬عا�صم بن عبدالله املطوع‬
‫الأ�ستاذ امل�ساعد بق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة‬
‫ال�سالمية ‪ -‬جامعة الق�صيم‬
‫والدرا�سات إ‬
‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪180‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫املقدمة‬

‫�إن احلمد هلل نحمده‪ ,‬ون�ستعينه‪ ,‬ون�ستغفره‪ ,‬ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا ومن‬
‫�سيئات �أعمالنا‪ .‬من يهده اهلل فال م�ضل له‪ .‬ومن ي�ضلل فال هادي له‪ ,‬و�أ�شهد �أن ال‬
‫�إله �إ َّال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬و�أ�شهد �أن حممدً ا عبده ور�سوله‪.‬‬
‫•(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [�آل عمران‪.]102 :‬‬
‫•(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الن�ساء‪.]1 :‬‬
‫•(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب‪.]71- 70 :‬‬
‫�أ َّما بعد‪:‬‬
‫ف�إن الفقه يف الدين من �أعظم املبتغيات‪ ،‬و�أكمل املطلوبات‪ ،‬و�أ�شرف املقامات‪،‬‬
‫وله يف ال�شريعة الغراء �ش�أن ال يخفى‪ ،‬ولومل ي�أت فيه �إال قول النبي ﷺ‪« :‬من يرد اهلل‬
‫به خ ًريا يفقهه يف الدين»(((‪ .‬لكفى �شر ًفا ومق�صدً ا‪.‬‬
‫و�إن من �أبرز خ�صائ�ص هذه اخلريية‪� :‬أن املتفقه ينظر يف ن�صو�ص الوحيني وكالم‬
‫الأئمة من ال�سلف ال�صالح فمن بعدهم‪ ،‬ملا يعر�ض من النوازل والواقعات وامل�ستجدات‪،‬‬
‫التي اقت�ضتها حكمة اهلل تعالى يف هذه الدنيا‪ ،‬وما �أودع اهلل دينه و�شريعته من الكمال‬
‫والتمام‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه برقم (‪ .)71‬وم�سلم يف �صحيحه برقم (‪.)1037‬‬

‫‪181‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫ﮄ ﮅ) [املائدة‪ ،]3 :‬ولن ي�ضل عن مبتغاه �أبدً ا‪ ،‬لأن �أحكام ال�شريعة الغراء �شاملة‬
‫لكل ما يحتاجه الإن�سان؛ لثبات �أحكامها‪ ،‬ور�سوخ قواعدها‪ ،‬فما تنـزل بالنا�س نازلة‬
‫وتخريجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ا�ستنباطا‪،‬‬ ‫�إ َّال اجتهد فقهاء ال�شريعة للو�صول �إلى حكمها‬
‫و�إذا كان البحث يف �أحكام النوازل متعل ًقا بالركن الأعظم من �أركان الإ�سالم وهو‬
‫ال�صالة‪ ،‬فال�شرف كبري وعظيم‪ ،‬والأهمية مت�أكدة وحا�ضرة لأجل متع َّلقها‪ ،‬وملا نزل‬
‫بالعامل وباء كورونا امل�ستجد ‪-‬حني ُ�سجلت �أول حالة يف ال�صني بت�أريخ ‪1441/5/5‬هـ‬
‫املوافق ‪2019/12/31‬م‪ ،-‬واتخذت الدول �إجراءات متنوعة حلماية �شعوبها‪ ،‬كانت‬
‫دولتنا املباركة اململكة العربية ال�سعودية يف طليعة الدول التي تعاملت مع النازلة بقوة‬
‫واقتدار‪ ،‬حماية ملواطنيها واملقيمني على �أرا�ضيها‪ ،‬و�أ�صبحت م�ضرب املثل‪ ،‬واملثل‬
‫املحتذى للتعامل مع هذا الوباء امل�ستجد على كافة الأ�صعدة‪ ،‬وملا اقت�ضت امل�صلحة‬
‫التي ر�آها والة الأمر حفظهم اهلل يف �إغالق امل�ساجد‪ ،‬ثم بعد ذلك �إعادة فتحها بت�أريخ‬
‫‪1441/10/8‬هـ بعد اتخاذ الإجراءات االحرتازية الوقائية يف اجلمع واجلماعات‪،‬‬
‫وكان من �أبرز تلك الإجراءات‪ :‬التباعد بني امل�صلني‪ ،‬احرتا ًزا من العدوى بهذا‬
‫أيت كما ر�أى غريي جملة من النوازل يف ال�صالة بحاجة‬ ‫الفريو�س �شديد االنت�شار‪ ،‬ر� ُ‬
‫ما�سة �إلى جتلية حكمها وبيان وجه الفتيا فيها‪ ،‬وقد ر�أيت من �أهم امل�سائل اجلديرة‬
‫بالبحث‪ :‬حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫حيث �إن الفتوى الر�سمية يف بالدنا ‪-‬حر�سها اهلل‪ -‬وال�صادرة من اللجنة الدائمة‬
‫للإفتاء هي عدم جواز �صالة املنفرد خلف ال�صف(((‪ ،‬وحيث ظهرت احلاجة ‪-‬على‬
‫عدة �صور خمتلفة‪ -‬لل�صالة بانفراد خلف ال�صف مع االئتمام ب�صالة الإمام‪ ،‬وحيث‬
‫يختلف النا�س يف حكم ذلك‪ ،‬ورمبا �أنكر بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬فقد ر�أيت بحث هذه‬
‫امل�س�ألة والنظر يف �أقوال �أهل العلم‪ ،‬و�سيجيب البحث ب�إذن اهلل عن الت�سا�ؤالت التالية‪:‬‬
‫‪1.1‬ما املق�صود ب�صالة املنفرد خلف ال�صف‪ ،‬وما حكمه من حيث الأ�صل؟‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء باململكة العربية ال�سعودية (‪.)8/8‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪182‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫‪2.2‬ما حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد؟‬
‫‪3.3‬ما �أثر قواعد ال�شريعة الكلية ومقا�صدها املرعية على بيان حكم هذه النازلة؟‬
‫�أهمية البحث‪:‬‬
‫تتلخ�ص �أهمية املو�ضوع يف عدة �أمور �أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪�1.1‬أنه يتعلق بدرا�سة نازلة متعلقة بالركن الثاين من �أركان الإ�سالم‪ ،‬ويحتاجها‬
‫الرجل املكلف خم�س مرات يف اليوم والليلة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن وباء كورونا امل�ستجد حتّم على اجلميع اتخاذ �إجراءات مل تكن موجودة من‬
‫قبل‪ ،‬وخ�صو�صً ا ما كان منها يف العبادات كال�صالة اً‬
‫مثل‪ ،‬وهذا ي�ؤكد العناية‬
‫والأهمية لبحث احلكم ال�شرعي لهذه امل�س�ألة‪ ،‬وبيان الدليل ال�شرعي لها‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن معرفة حكم امل�س�ألة مما يحتاجه املكلف ليخرج من عهدة الواجب‬
‫ال�شرعي املتعلق بذمته كما �أمره اهلل تعالى‪ ،‬وذلك بالنظر يف الأدلة و�أقوال‬
‫الفقهاء ‪ ،‬ليعبداهلل على ب�صرية‪.‬‬
‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬بيان املق�صود ب�صالة املنفرد خلف ال�صف‪ ،‬وبيان حكمها من حيث الأ�صل‪.‬‬
‫‪2.2‬بيان حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫‪�3.3‬إي�ضاح �أثر قواعد ال�شريعة الكلية ومقا�صدها املرعية يف بيان حكم هذه النازلة‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫مل �أجد فيما وقفت عليه درا�سة يف ذات امل�س�ألة‪ ،‬وذلك لكون النازلة ما زالت‬
‫حديثة‪ ،‬لكني وجدت بح ًثا علم ًيا حمك ًما يف �أ�صل امل�س�ألة‪ ،‬بعنوان‪�( :‬صالة املنفرد‬
‫خلف ال�صف ‪ -‬رواية ودراية)‪ ،‬للباحث‪ :‬خالد بن عبدالعزيز الربيع‪ ،‬من�شور يف العدد‬
‫الأول للمجلة العلمية جلامعة امللك في�صل‪.‬‬
‫وقد ظهر يل بعد االطالع عليه �أنه بحث حديثي اهتم بجمع روايات �أحاديث‬

‫‪183‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫امل�س�ألة ودرا�ستها كما هو جمال الباحث وتخ�ص�صه‪ ،‬و�أما جانب الدراية فاقت�صر‬
‫على ذكر ثالثة �أقوال يف امل�س�ألة فقط‪.‬‬
‫و�س�أ�ضيف بعون اهلل يف هذا البحث �أقوال الفقهاء كلها يف امل�س�ألة‪ ،‬ثم تخريج‬
‫احلكم يف النازلة حمل الدرا�سة على ما يتم �إيراده من الأدلة والن�صو�ص‪.‬‬
‫حدود البحث‪:‬‬
‫�سوف يكون جمال الدرا�سة وحدودها يف �صالة الرجل املكلف خلف ال�صف من‬
‫حيث الأ�صل‪ ،‬ثم حكمها تعمدً ا وذلك بق�صد االحرتاز عن العدوى بفايرو�س كورونا‬
‫امل�ستجد‪.‬‬
‫منهج البحث و�إجراءاته‪:‬‬
‫�سلكت يف �إعداد البحث املنهج املقارن‪ ،‬واتبعت يف �إعداده الإجراءات والقواعد‬
‫العلمية املعتمدة‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫تتك ّون خطة البحث من مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫وت�شتمل املقدمة على‪ :‬م�شكلة البحث‪ ،‬و�أهميته‪ ،‬و�أهدافه‪ ،‬والدرا�سات ال�سابقة‪،‬‬
‫وحدوده‪ ،‬ومنهجه‪ ،‬و�إجراءاته‪ ،‬وخطته‪.‬‬
‫و�أ َّما التمهيد‪ ،‬في�شتمل على مطلبني‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬املق�صود مبفردات العنوان‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬صور �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫املبحث الأ َّول‪ :‬حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫وت�شمل اخلامتة على �أبرز نتائج البحث‪ ،‬و�أتبعت ذلك بقائمة امل�صادر واملراجع‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪184‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫التمهيد‬

‫املطلب الأ َّول‬


‫املق�صود مبفردات العنوان‬

‫ت�ضمن عنوان البحث �أربع جمل‪ ،‬وفيما يلي بيان املق�صود بها‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬املق�صود بـ(�صالة املنفرد)‪:‬‬
‫‪1.1‬املراد بال�صالة هنا‪ :‬ما توافرت فيه �صفتان‪:‬‬
‫‪�2.2‬أن تكون �صالة فري�ضة‪ ،‬لأن �أ�صل اخلالف يف امل�س�ألة هو يف �صالة الفري�ضة‪،‬‬
‫ولأن الأ�صل يف النافلة �أال تكون مع جماعة‪.‬‬
‫�أن تكون مع جماعة‪ ،‬ليتحقق االنفراد عن ال�صف الذي هو حمل الدرا�سة‪.‬‬
‫واملراد باملنفرد هنا‪ :‬الفذ‪� ،‬أو الفرد‪ ،‬وكلها ت�سميات �صحيحة‪ ،‬واملراد به‪ :‬الرجل‬
‫العاقل البالغ الذي ي�صلي فري�ضة مع جماعة منفردًا خلف ال�صف‪ ،‬فخرج بذلك غري‬
‫املكلف‪ ،‬وخرج به من ين�ضم �إليه �أحد قبل الركوع‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬املق�صود بـ(خلف ال�صف)‪:‬‬
‫املراد باخللف هنا‪� :‬ضد الأمام‪ ،‬فاملق�صود به‪� :‬صالة املنفرد مت�أخ ًرا عن ال�صفوف‬
‫منفردًا لوحده‪ ،‬مع حمافظته على االئتمام مع �إمام اجلماعة‪ ،‬ك�أن يكون يف امل�سجد‬
‫اً‬
‫مثل‪� ،‬أو ملح ًقا به كالدور العلوي �أو ال�سفلي‪� ،‬أو يف م�صلى الن�ساء‪� ،‬أو خارجه مع عدم‬
‫انقطاع ال�صفوف‪ ،‬وخرج به �أي ضً� ا �صالته �أمام الإمام‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬املق�صود بـ(احرتا ًزا)‪:‬‬
‫االحرتاز هنا جاء يف �سياق التعليل‪ ،‬فاملق�صود به‪� :‬أن يكون الباعث له على االنفراد‬

‫‪185‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫عن النا�س خلف ال�صفوف هو االحرتاز‪ ،‬واالحرتاز هو‪ :‬التحفظ واالحتياط(((‪ ،‬فخرج‬
‫بذلك من ي�صلي خلف ال�صف لعدم وجود فرجة اً‬
‫مثل‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬املق�صود بـ(العدوى بكورونا امل�ستجد)‪:‬‬
‫املراد بالعدوى‪ :‬انتقال مر�ض من �شخ�ص �إلى �آخر‪ ،‬و�أ�صل معناه‪ :‬ما ي�س ّرع يف‬
‫االنتقال من �شخ�ص �إلى �آخر(((‪.‬‬
‫واملراد بكورونا امل�ستجد‪ :‬امل�سمى كوفيد‪ 19-‬هو مر�ض ُم ٍعد ي�سببه �آخر فريو�س‬
‫مت اكت�شافه من �ساللة فريو�سات كورونا‪ ،‬ومل يكن هناك �أي علم بوجود هذا الفريو�س‬
‫اجلديد ومر�ضه قبل بدء تف�شيه يف مدينة ووهان ال�صينية يف كانون الأول‪ /‬دي�سمرب‬
‫‪ .2019‬وقد حت ّول كوفيد‪ 19-‬الآن �إلى جائحة ت�ؤثر على العديد من بلدان العامل‪ ،‬و�أهم‬
‫�شيوعا‬
‫�أعرا�ضه‪:‬‏احلمى والإرهاق وال�سعال اجلاف‪ ،‬وت�شمل الأعرا�ض‏الأخرى الأقل ً‬
‫ولكن قد ي�صاب بها بع�ض ‏املر�ضى‪ :‬الآالم والأوجاع‪ ،‬واحتقان الأنف‪ ،‬‏وال�صداع‪،‬‬
‫والتهاب امللتحمة‪ ،‬و�أمل احللق‪ ،‬والإ�سهال‪،‬‏وفقدان حا�سة الذوق �أو ال�شم‪ ،‬وظهور طفح‬
‫جلدي‏�أو تغري لون �أ�صابع اليدين �أو القدمني‪ .‬وعاد ًة ما‏تكون هذه الأعرا�ض خفيفة‬
‫وتبد أ� ب�شكل تدريجي‪ .‬‏وي�صاب بع�ض النا�س بالعدوى دون �أن ي�شعروا �إال ‏ب�أعرا�ض‬
‫خفيفة جدً ا‪.‬‬
‫ويتعافى معظم النا�س (نحو ‪ )%80‬من املر�ض دون ‏احلاجة �إلى عالج خا�ص‪.‬‬
‫ولكن الأعرا�ض ت�شتد‏لدى �شخ�ص واحد تقري ًبا من بني كل خم�سة �أ�شخا�ص‏م�صابني‬
‫مبر�ض كوفيد‪ 19-‬فيعاين من �صعوبة يف‏التنف�س‪ .‬وتزداد خماطر الإ�صابة مب�ضاعفات‬
‫وخيمة ‏بني امل�سنني والأ�شخا�ص امل�صابني مب�شاكل �صحية ‏�أخرى مثل ارتفاع �ضغط‬
‫الدم �أو �أمرا�ض القلب والرئة‏�أو ال�سكري �أو ال�سرطان (((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقايي�س اللغة (‪ ،)38/2‬ل�سان العرب (‪.)187/12‬‬
‫((( انظر‪ :‬التعريفات �ص (‪.)144‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع منظمة ال�صحة العاملية ‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-‬‬
‫‪.coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪186‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫املطلب الثاين‬
‫�صور �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‬

‫ال يخلو امل�صلي خلف ال�صف منفردًا من ثالث �صور‪:‬‬


‫ال�صورة الأولى‪ :‬باعتبار ق�صد امل�صلي االحرتاز من عدمه‪ ،‬فال يخلو من حالني‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا اتفا ًقا‪ ،‬كما يحدث يف حال اكتمال ال�صف‬
‫الأول‪ ،‬وهذا يقع كث ًريا قبل وباء كورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا ق�صدً ا واحرتا ًزا‪ ،‬بحيث لو �أراد الدخول يف‬
‫ال�صف ال�ستطاع‪.‬‬
‫ال�صورة الثانية‪ :‬باعتبار اكتمال ال�صف من عدمه‪ ،‬فال يخلو من حالني‪:‬‬
‫اً‬
‫مكتمل �سوا ًء مع وجود التباعد‬ ‫‪�1.1‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬ويكون ال�صف‬
‫بني امل�صلني ح�سب املو�صى به من اجلهة املخت�صة‪� ،‬أو مع عدم وجود التباعد‬
‫بني امل�صلني فال توجد فرجة يف ال�صف‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬ويكون ال�صف غري مكتمل �سواء كان بتباعد‬
‫�أو عدمه‪.‬‬
‫ال�صورة الثالثة‪ :‬باعتبار ات�صال ال�صفوف من عدمه‪ ،‬فال يخلو من حالني‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬مع ات�صال ال�صفوف ب�أن يرتك مو�ضع ال�سجود‬
‫�أو مو�ضع �صفني �أو ثالثة ونحوها فقط‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬مع التباعد عن ال�صفوف داخل امل�سجد �أو‬
‫خارجه‪ ،‬بحيث ي�سمع �صوت الإمام وال يراه وال يرى �أحدً ا من امل�صلني‪.‬‬
‫فهذه �صور ثالث ب�أحوالها ال�ست‪ ،‬ومن خاللها يت�ضح �أن ال�ضابط يف �صالة املنفرد‬
‫خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد هو‪� :‬أن يق�صد امل�صلي ال�صالة‬
‫منفردًا عن ال�صفوف‪� ،‬سوا ًء اكتملت ال�صفوف �أم مل تكتمل‪ ،‬و�سواء �أكان هناك تباعد‬

‫‪187‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫بني امل�صلني �أم مل يكن‪ ،‬و�سوا ًء وقف خلف ال�صف مبا�شرة �أم مل يقف مبا�شرة مع‬
‫�سماعه �صوت الإمام‪.‬‬
‫فهذه الأو�صاف التي ت�ضمنها ال�ضابط هي حمل الدرا�سة �إن �شاء اهلل‪ ،‬وقد‬
‫انح�صرت يف ذلك بنا ًء على ال�سرب والتق�سيم‪ ،‬تقري ًبا للفهم والت�صور‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪188‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫املبحث الأ َّول‬


‫حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف‬

‫� اًأول‪� :‬أقوال �أهل العلم يف امل�س�ألة‪.‬‬


‫اختلف �أهل العلم يف حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف على �ستة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأ َّول‪:‬‬
‫�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة وجمزئة مطل ًقا‪.‬‬
‫وهو قول عند احلنفية(((‪ ،‬وامل�شهور عن املالكية(((‪ ،‬وقول عند ال�شافعية(((‪.‬‬
‫جاء يف البناية‪“ :‬ولو وقف منفردًا بغري عذر ت�صح �صالته عندنا”(((‪.‬‬
‫وقال الإمام مالك ‪“ :‬ومن �ص َّلى خلف ال�صفوف وحده ف�إن �صالته تامة‬
‫جمزئة عنه‪ ،‬وال يجبذ �إليه �أحدً ا”(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف غري �صحيحة وعليه الإعادة �إن �ص َّلى ركعة كاملة‬
‫منفردًا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الأ�صل ملحمد بن احل�سن (‪ ،)197/1‬النتف يف الفتاوى لل�سغدي �ص(‪ ،)70‬حتفة الفقهاء‬ ‫(((‬
‫لل�سمرقندي (‪ ،)144/1‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)218/1‬جممع الأنهر (‪� ،)125/1‬شرح خمت�صر الطحاوي‬
‫للج�صا�ص (‪ ،)74/2‬التجريد للقدوري (‪ ،)640/2‬املب�سوط لل�سرخ�سي (‪.)192/1‬‬
‫انظر‪ :‬املدونة (‪ ،)194/1‬التو�ضيح يف �شرح خمت�صر ابن احلاجب (‪ ،)489/1‬التلقني (‪،)51/1‬‬ ‫(((‬
‫الكايف البن عبدالرب (‪ ،)212/1‬بداية املجتهد (‪ ،)159/1‬الذخرية للقرايف (‪ ،)261/2‬التاج والإكليل‬
‫(‪ ،)446/2‬القوانني الفقهية �ص(‪.)49‬‬
‫انظر‪ :‬احلاوي الكبري (‪ ،)341 -340/2‬التهذيب يف فقه الإمام ال�شافعي (‪.)279/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البناية �شرح الهداية (‪.)342/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املدونة (‪.)194/1‬‬ ‫(((‬

‫‪189‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫وهو قول للإمام مالك كما رواه ابن وهب عنه(((‪ ،‬وهو املذهب عند احلنابلة(((‪،‬‬
‫وهو قول النخعي‪ ،‬واحلكم‪ ،‬واحل�سن بن �صالح‪ ،‬و�إ�سحاق‪ ،‬وابن املنذر(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪:‬‬
‫�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة مع الكراهة مطل ًقا‪.‬‬
‫وهو قول عند املالكية(((‪ ،‬وقول عند ال�شافعية(((‪.‬‬
‫قال العمراين‪“ :‬و�إن وقف الرجل يف ال�صف وحده خلف امل�أمومني كره ذلك‬
‫و�صحت �صالته”(((‪.‬‬
‫القول الرابع‪:‬‬
‫�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة مع الكراهة �إذا مل يكن َّثم عذر‪� ،‬أ َّما مع‬
‫العذر فال كراهة‪.‬‬
‫وهو قول عند احلنفية(((‪ ،‬ورواية عند احلنابلة(((‪ ،‬وذلك ك�أن ي�أتي �إلى ال�صف‬
‫فال يجد فرجة في�صلي خلفه منفردًا فت�صح �صالته بال كراهة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البيان والتح�صيل البن ر�شد (‪ ،)331 ،146 -145/1‬الذخرية للقرايف (‪ ،)261/2‬التاج‬ ‫(((‬
‫والإكليل (‪.)446/2‬‬
‫انظر‪ :‬م�سائل الإمام �أحمد برواية �أبي داود �ص(‪ ،)54‬خمت�صر اخلرقي �ص(‪ ،)26‬املغني (‪،)155/2‬‬ ‫(((‬
‫الكايف البن قدامة (‪ ،)300/1‬الهداية لأبي اخلطاب �ص(‪ ،)100‬املبدع البن مفلح (‪ ،)96/2‬الإن�صاف‬
‫(‪ ،)290/2‬الفروع (‪.)40/3‬‬
‫انظر‪ :‬املغني (‪.)155/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املخت�صر البن عرفة (‪� ،)340/1‬شرح اخلر�شي على خليل (‪ ،)33/2‬ال�شرح الكبري للدردير‬ ‫(((‬
‫(‪� ،)334/1‬شرح التلقني للمازري (‪� ،)696/1‬شرح الزرقاين على خليل (‪.)30/2‬‬
‫انظر‪ :‬فتح العزيز �شرح الوجيز (‪ ،)342 -341/4‬املجموع �شرح املهذب (‪ ،)298/4‬البيان للعمراين‬ ‫(((‬
‫(‪� ،)430/2‬أ�سنى املطالب (‪ ،)223/1‬مغني املحتاج (‪.)493/1‬‬
‫انظر‪ :‬البيان (‪.)430/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حتفة الفقهاء (‪ ،)145 -144/1‬بدائع ال�صنائع (‪.)146/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املبدع (‪ ،)97/2‬الفروع (‪.)40/3‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪190‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫جاء يف حتفة الفقهاء‪“ :‬ثم ال�صالة خلف ال�صفوف منفردًا �إمنا يكره �إذا وجد‬
‫فرجة يف ال�صف‪ ،‬ف�أ َّما �إذا مل يجد ال يكره؛ لأن حال العذر م�ستثناة”(((‪.‬‬
‫القول اخلام�س‪:‬‬
‫�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة يف �صالة النفل دون الفر�ض فال ت�صح‪.‬‬
‫وهو احتمال عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول ال�ساد�س‪:‬‬
‫�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة يف حق اجلاهل باحلكم‪� ،‬أ َّما من كان‬
‫عاملًا باحلكم فال ت�صح‪.‬‬
‫وهو رواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الأدلة واملناق�شة‪:‬‬
‫قبل ذكر �أدلة الأقوال وما يرد عليها من املناق�شات‪ ،‬فمن اجلدير ذكره �أن‬
‫جمهور اال�ستدالل من�صب على القولني املتقابلني‪ :‬القول ب�صحة ال�صالة‪ ،‬والقول‬
‫بعدم �صحتها‪ ،‬وما كان بني ذلك فاال�ستدالل له ملحق بالأقرب له والأ�شبه‪ ،‬فمن قال‬
‫مثل فدليله ال يخرج ع َّمن قال باجلواز مطل ًقا‪� ،‬إ َّال �أنه ي�ستدل‬
‫باجلواز مع الكراهة اً‬
‫للكراهة باعتبارها �أم ًرا زائدً ا على مطلق اجلواز‪ ،‬وكذا من قال باجلواز يف حق‬
‫املعذور دون غريه ف�إن ا�ستدالله يف حق املعذور ملحق مبن قال باجلواز من جهة‪،‬‬
‫وملحق مبن قال بعدم اجلواز حال عدم العذر وهكذا‪ ،‬ف�إلى بيان ذلك‪:‬‬
‫�أدلة القول الأ َّول‪:‬‬
‫‪1.1‬حديث �أبي بكرة ‪� ‬أنه انتهى �إلى النبي ﷺ وهو راكع فركع قبل �أن ي�صل‬
‫�إلى ال�صف فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال‪« :‬زادك اهلل حر صً� ا وال َت ُعد»(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬حتفة الفقهاء (‪.)145 -144/1‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح الزرك�شي على اخلرقي (‪.)111/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املبدع (‪ ،)97/2‬الفروع (‪.)41/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)873‬‬

‫‪191‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫ووجه اال�ستدالل منه‪� :‬أن النبي ﷺ جوز اقتداءه به خلف ال�صف(((‪ ،‬ومل‬
‫قادحا يف �صالته‬
‫ي�أمره ب�إعادة ال�صالة(((‪ ،‬ولو كان انفراده خلف ال�صف ً‬
‫لأمره بالإعادة(((‪.‬‬
‫قال ال�شافعي‪“ :‬فيه داللة على �أنه ر�أى ركوعه منفردًا جمز ًئا عنه”(((‪.‬‬
‫وقال اخلطابي‪“ :‬فيه داللة على �أن �صالة املنفرد خلف ال�صف جائزة؛ لأن جز ًءا‬
‫من ال�صالة �إذا جاز على حال االنفراد جاز �سائر �أجزائها‪ ،‬وقوله‪« :‬وال َت ُعد»‬
‫�إر�شاد له يف امل�ستقبل �إلى ما هو �أف�ضل‪ ،‬ولو مل يكن جمز ًيا لأمره بالإعادة”(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أنه مل ي�أمره بالإعادة؛ جلهله‪ ،‬لكن نهاه عن العود‪ ،‬والنهي يقت�ضي‬
‫الف�ساد(((‪.‬‬
‫و�أجيب بع ّدة �أجوبة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫•�أن املق�صود بالنهي النهي عن الإ�سراع واللهث يف جميئه �إلى ال�صالة(((‪.‬‬
‫•�أن املق�صود بالنهي النهي عن الإحرام خلف ال�صف‪ ،‬فال ُيحرم �إ َّال �إذا‬
‫دخل يف ال�صف(((‪ ،‬فك�أنه نهي عنه‪.‬‬
‫•�أن املق�صود بالنهي النهي عن الت�أخر يف احل�ضور �إلى ال�صالة ت�أخ ًرا‬
‫يف ِّوته الركعة(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)146/1‬املب�سوط (‪.)192/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بداية املجتهد (‪� ،)261/2‬شرح التلقني (‪.)697/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الغرر البهية (‪ ،)451/1‬احلاوي الكبري (‪ ،)341/2‬فتح العزيز (‪ ،)342/4‬التهذيب (‪.)279/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اختالف احلديث لل�شافعي (مطبوع مع الأم) �ص(‪.)636‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬معامل ال�سنن (‪.)186/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الكايف (‪ ،)300/1‬املغني (‪ ،)155/2‬املبدع (‪.)96/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البيان (‪.)431/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬امل�صدر ال�سابق‪� ،‬شرح ابن بطال للبخاري (‪.)401/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البيان (‪ ،)431/2‬اال�ستذكار (‪ ،)271/2‬وتعقبه ابن رجب ب�أنه ال يعرف عن �أحد من العلماء‬ ‫(((‬
‫املتقدمني‪ .‬فتح الباري البن رجب (‪.)123/7‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪192‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫ف�إن قيل‪� :‬إن النبي ﷺ مل ي�أمر �أبا بكرة ‪ ‬بالإعادة؛ لأنه مل ِّ‬
‫ي�صل �صالة‬
‫كاملة خلف ال�صف‪ ،‬و�إمنا ركع خلف ال�صف ثم دخل يف ال�صف فدل ذلك‬
‫على �أن من �ص َّلى �صالة كاملة خلف ال�صف ف�صالته غري جمزئة؛ لأن النبي‬
‫ﷺ نهى �أبا بكرة عن العود‪.‬‬
‫فاجلواب‪� :‬أنه �إذا جاز الركوع للرجل خلف ال�صفوف وحده و�أجز�أ ذلك‬
‫عنه فكذلك �سائر �صالته؛ لأن الركوع ركن من �أركانها‪ ،‬ف�إذا جاز للم�صلي‬
‫�أن يركع خلف ال�صفوف وحده كان له �أن ي�سجد ويتم �صالته خلف ال�صف‬
‫منفردًا(((‪.‬‬
‫‪2.2‬حديث �أن�س بن مالك ‪� ‬أن جدته مليكة دعت ر�سول اهلل ﷺ لطعام‬
‫أ�صل لكم»‪ ،‬قال‪ :‬فقمت �إلى ح�صري‬
‫�صنعته له‪ ،‬ف�أكل منه‪ ،‬ثم قال‪« :‬قوموا فل ِ‬
‫لنا قد ا�سود من طول ما ُل ِب�س فن�ضحته مباء‪ ،‬فقام ر�سول اهلل ﷺ و�صففت‬
‫واليتيم وراءه‪ ،‬والعجوز من ورائنا‪ ،‬ف�ص َّلى لنا ر�سول اهلل ﷺ ركعتني ثم‬
‫ان�صرف(((‪.‬‬
‫ووجه اال�ستدالل منه‪� :‬أنه ﷺ ج ّوز اقتداءها به مع انفرادها خلف ال�صفوف‪،‬‬
‫ودل على �أن حماذاة املر�أة مف�سدة �صالة الرجل؛ لأنه �أقامها خلفهما(((‪،‬‬
‫فدل على عدم بطالن �صالة املر�أة خلف ال�صف(((‪.‬‬
‫قال ال�شافعي‪“ :‬وال فرق يف هذا بني امر�أة ورجل‪ ،‬ف�إذا �أجز�أت املر�أة �صالتها‬
‫مع الإمام منفردة �أجز�أ الرجل �صالته مع الإمام منفردًا‪ ،‬كما جتزئها هي‬
‫�صالتها”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬التمهيد البن عبدالرب (‪.)269/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)380‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)685‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)146/1‬البناية �شرح الهداية (‪ ،)342/2‬املب�سوط (‪ ،)192/1‬الإ�شراف‬
‫(‪.)299/1‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح التلقني (‪.)697/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬اختالف احلديث �ص(‪.)636‬‬

‫‪193‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫ونوق�ش‪ :‬ب�أنه �أجمع العلماء على �أن �سنة املر�أة الوقوف خلف ال�صف(((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪“ :‬ا�ستدل ابن بطال بحديث �أن�س ل�صحة �صالة املنفرد خلف‬
‫ال�صف �إحلا ًقا للرجل باملر�أة‪ ،‬ثم وجدته م�سبو ًقا باال�ستدالل به عن جماعة‬
‫من كبار الأئمة‪ ،‬لكنه ُمتَع َّقب‪ ،‬و�أقدم من وقفت على كالمه َّ‬
‫ممن تعقبه ابن‬
‫خزمية‪ ،‬فقال‪ :‬ال ي�صح اال�ستدالل به؛ لأن �صالة املرء خلف ال�صف وحده‬
‫ممن يقول جتزئه �أو ال جتزئه‪ ،‬و�صالة املر�أة وحدها‬ ‫باتفاق َّ‬
‫ٍ‬ ‫منهي عنها‬
‫�إذا مل يكن هناك امر�أة �أخرى م�أمور بها باتفاق فكيف يقا�س م�أمور على‬
‫منهي”(((‪.‬‬
‫“بت عند خالتي‪ ،‬فقام النبي ﷺ ي�صلي‬ ‫‪3.3‬حديث ابن عبا�س ‪ ‬قال‪ُّ :‬‬
‫من الليل‪ ،‬فقمت �أ�صلي معه‪ ،‬فقمت عن ي�ساره ف�أخذ بر�أ�سي ف�أقامني عن‬
‫ميينه”(((‪.‬‬
‫ووجه اال�ستدالل منه‪� :‬أن ابن عبا�س ‪ ‬ح�صل له االنفراد خلف ال�صف‬
‫حني �أداره النبي ﷺ �إلى �أن �صار عن ميينه‪َّ ،‬‬
‫فدل ذلك على جواز االنفراد‬
‫خلف ال�صف(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يناق�ش بع ّدة مناق�شات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫�أ‪� -‬أن هذا يف �صالة النافلة ولي�س يف �صالة الفر�ض‪.‬‬
‫وميكن �أن يجاب‪ :‬ب�أن ما ثبت يف النافلة يثبت للفر�ض على حد �سواء‪.‬‬
‫ب‪� -‬أن ابن عبا�س ‪ ‬مل يبلغ احللم �آنذاك فجاز ذلك يف حقه باعتباره‬
‫من ال�صبيان‪ ،‬فال يجوز يف حق املكلفني‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستذكار البن عبدالرب (‪.)316/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)268/2‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)699‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)763‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح خمت�صر الطحاوي للج�صا�ص (‪.)74/2‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪194‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫ج‪� -‬أن االنفراد احلا�صل ب�سبب حتويل مكانه ي�سري‪ ،‬وهو حلاجة وهي ت�صحيح‬
‫موقفه من الإمام‪ ،‬بخالف االنفراد بركعة ف�أكرث‪� ،‬أو االنفراد لغري حاجة‬
‫فال ي�صح‪.‬‬
‫‪4.4‬القيا�س على �صحة �صالة من �ص َّلى مع رجل بغري و�ضوء‪� ،‬أو من �ص َّلى مع‬
‫�صبي‪� ،‬أو من �ص َّلى مع رجل فكبرَّ �أحدهما قبل الآخر‪ ،‬ف�إذا قيل ب�صحة �صالة‬
‫ه�ؤالء ف�صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن من �أحرم قبل الآخر ولي�س معه يف ال�صف �أحد فلي�س يف تلك‬
‫احلال ً‬
‫فذا باالتفاق(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يجاب‪ :‬ب�أن االتفاق هنا ال يثبت‪ ،‬بدليل وجود اخلالف يف بع�ض‬
‫ال�صور‪ ،‬فلو تبني �أن من بجانبه كان حمد ًثا فتجوز �صالته بالإجماع(((‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن ال�ضابط يف �صحة ال�صالة خلف الإمام‪� :‬أن من �صحت �صالته خلف‬
‫قيا�سا على �صحة وقوف املر�أة‬
‫ال�صف مع غريه �صحت �صالته منفردًا‪ ،‬وذلك ً‬
‫خلف ال�صف كما يف حديث �أن�س املتقدم(((‪.‬‬
‫قيا�سا‬
‫‪�6.6‬أن خمالفة املوقف املختار للم�أموم ال ُيف�سد ال�صالة‪ ،‬وال مينع �صحتها ً‬
‫على ما لو وقف عن ي�سار الإمام(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يناق�ش‪ :‬بعدم �صحة الأ�صل املقي�س عليه‪ ،‬فلي�س فيه ما يدل على‬
‫�صحة �صالته �إذا وقف عن ي�سار الإمام �إ َّال لعذر؛ كاجلهل‪ ،‬كما يف حديث ابن‬
‫عبا�س املتقدم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الأ�صل ملحمد بن احل�سن (‪ ،)197/1‬املب�سوط (‪.)192/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪.)125/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع (‪.)146/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الإ�شراف على نكت م�سائل اخلالف (‪ ،)299/1‬املعونة على مذهب عامل �أهل املدينة (‪،)83/1‬‬ ‫(((‬
‫احلاوي الكبري (‪.)341/2‬‬
‫انظر‪� :‬شرح التلقني (‪ ،)697/1‬الإ�شراف (‪.)299/1‬‬ ‫(((‬

‫‪195‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫‪7.7‬قيا�س انفراد امل�أموم خلف ال�صف على انفراد الإمام �أمام ال�صف(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن هذه هي �سنة موقف الإمام فال يقا�س عليه امل�أموم(((‪.‬‬
‫و�أجيب‪ :‬ب�أن �سنة موقفه تدل على �أن لي�س يف االنفراد �شيء يف�سد ال�صالة(((()‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫‪1.1‬حديث واب�صة بن معبد �أن النبي ﷺ ر�أى اً‬
‫رجل ي�صلي خلف ال�صف وحده‪،‬‬
‫ف�أمره �أن يعيد ال�صالة(((‪.‬‬
‫ووجه اال�ستدالل منه‪� :‬أنه لو �صحت �صالة الرجل وحده خلف ال�صف مل‬
‫ي�أمره بالإعادة‪.‬‬
‫ونوق�ش بع ّدة مناق�شات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫�أ‪� -‬أن احلديث م�ضطرب الإ�سناد فال تقوم به حجة(((‪.‬‬
‫و�أجيب‪ :‬ب�أن احلديث �صححه كبار الأئمة‪.‬‬
‫قال ابن املنذر‪“ :‬وقد ث َّبت هذا احلديث �أحمد و�إ�سحاق‪ ،‬وهما من معرفة‬
‫احلديث باملو�ضع الذي ال يدفعان عنه”(((‪.‬‬
‫وجاء يف م�سائل الإمام �أحمد برواية ابنه عبداهلل‪�“ :‬س�ألت �أبي عن رجل‬
‫�ص َّلى خلف ال�صف وحده‪ ،‬قال‪ُ :‬يعيد ال�صالة‪� ،‬أذهب فيه �إلى حديث‬
‫واب�صة بن معبد �أن النبي ﷺ �أمره �أن يعيد ال�صالة”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬اختالف احلديث لل�شافعي �ص(‪.)336‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫((( �أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده‪ ،‬برقم (‪ ،)18005‬والرتمذي يف جامعه‪ ،‬برقم (‪ ،)231‬وابن ماجة يف‬
‫�سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)1003‬و�صححه الألباين يف امل�شكاة (‪ )345/1‬برقم (‪.)1105‬‬
‫((( انظر‪ :‬بداية املجتهد (‪� ،)159/1‬شرح التلقني (‪.)697/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأو�سط (‪.)184/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬م�سائل الإمام �أحمد برواية ابنه عبداهلل �ص(‪.)115‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪196‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫ب‪� -‬أن �أمره بالإعادة حممول على اال�ستحباب ال الوجوب‪ ،‬جم ًعا بني الأدلة(((‪.‬‬
‫ج‪� -‬أن �أمره بالإعادة ملعنى كان منه يف ال�صالة‪ ،‬ال لأنه �ص َّلى خلف ال�صف‬
‫وحده(((‪.‬‬
‫‪2.2‬حديث علي بن �شيبان ‪ ‬قال‪� :‬صليت خلف ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬فان�صرف‬
‫رجل ي�صلي فردًا خلف ال�صف‪ ،‬فوقف نبي اهلل ﷺ حتى ان�صرف الرجل‬ ‫فر�أى اً‬
‫من �صالته‪ ،‬فقال له‪« :‬ا�ستقبل �صالتك‪ ،‬فال �صالة لفرد خلف ال�صف»(((‪.‬‬
‫ووجه اال�ستدالل منه‪ :‬كحديث واب�صة ال�سابق‪.‬‬
‫ونوق�ش بع ّدة مناق�شات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫�أ‪� -‬أن النفي حممول على نفي الكمال(((‪.‬‬
‫و�أجيب‪ :‬ب�أنه مردود؛ لأن النفي �إذا وقع فله ثالث مراتب‪ :‬املرتبة الأولى‬
‫والثانية‪� :‬أن يكون نف ًيا للوجود احل�سي‪ ،‬ف�إن مل يكن فهو نفي للوجود‬
‫ال�شرعي‪� ،‬أي نفي لل�صحة‪ ،‬فلما مل ميكن �أن يكون النفي يف احلديث من‬
‫قبيل نفي الوجود احل�سي؛ لأنه ميكن �أن يوجد ذلك ب�أن ي�صلي املرء خلف‬
‫ال�صف‪ ،‬فعلم بذلك �أن املق�صود به النفي ال�شرعي‪� ،‬أي نفي ال�صحة(((‪.‬‬
‫ب‪ -‬لو كانت �صالة الرجل باطلة ملا وقف عليه النبي ﷺ حتى ين�صرف‪ ،‬بل‬
‫كان ي�أمره بالإعادة قبل �إمتامها‪ ،‬فدل على عدم بطالنها(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬معامل ال�سنن (‪ ،)186/1‬املجموع للنووي (‪� ،)298/4‬أ�سنى املطالب (‪.)223/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان والتح�صيل (‪.)246/1‬‬
‫((( �أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده (‪ ،)517/31‬برقم (‪ ،)75‬و�صححه الألباين يف الإرواء (‪-328/2‬‬
‫‪.)329‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط (‪ ،)192/1‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)146/1‬البيان والتح�صيل (‪ ،)246/1‬املجموع‬
‫(‪.)298/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح املمتع البن عثيمني (‪.)270/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي الكبري (‪ ،)341/2‬املجموع (‪.)298/4‬‬

‫‪197‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫ج‪ -‬لو ثبت احلديث فيحتمل �أنه كان بينه وبني الإمام ما مينع االقتداء(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن من �ص َّلى خلف ال�صف منفردًا فقد خالف املوقف امل�شروع‪ ،‬فلم ت�صح‬
‫�صالته‪ ،‬كما لو وقف قدام الإمام(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثالث‪:‬‬
‫ملا كان القول الثالث م�شرت ًكا مع القول الأ َّول يف �صحة �صالة املنفرد خلف ال�صف‪،‬‬
‫�إ َّال �أنه زاد عليه الكراهة مطل ًقا‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫‪1.1‬جم ًعا بني الأدلة يف القولني املتقابلني(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ملا كان مدر ًكا لف�ضيلة اجلماعة‪ ،‬وفاتته ف�ضيلة ال�صف ف�إن حكمه اجلواز مع‬
‫الكراهة(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الرابع‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن الرخ�صة وردت يف حق املعذور‪ ،‬فال يلحق به غريه(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن املر�أة م�أمورة بال�صالة خلف �صفوف الرجال ولو كانت منفردة‪ ،‬حتى‬
‫ال حتاذي الرجال‪ ،‬ف�إن حماذاتها لهم مف�سدة ل�صالتهم‪ ،‬فل َّما علمنا‬
‫�أن انفرادها لهذه ال�ضرورة دل على �أن االنفراد مع وجود العذر ال يبطل‬
‫ال�صالة(((‪.‬‬
‫�أدلة القول اخلام�س‪:‬‬
‫‪1.1‬حديث ابن عبا�س ‪ ‬املتق ّدم ذكره‪ ،‬ف�إن انفراده عن النبي ﷺ وهو‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)146/1‬املب�سوط (‪.)92/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الكايف البن قدامة (‪ ،)300/1‬ال�شرح الكبري (‪ ،)64/2‬ك�شاف القناع (‪.)490/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املجموع (‪� ،)298/4‬أ�سنى املطالب (‪.)223/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬شرح التلقني للمازري (‪� ،)696/1‬شرح الزرقاين على خليل (‪.)30/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الكايف (‪ ،)300/1‬املبدع (‪.)97/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حتفة الفقهاء (‪ ،)145/1‬بدائع ال�صنائع (‪.)218/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪198‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫م�ؤمت به كان يف �صالة الليل‪ ،‬وهي نافلة‪ ،‬فدل ذلك على �صحة االنفراد يف‬
‫النافلة دون الفر�ض‪.‬‬
‫‪2.2‬ما جاز �أن يقف مع ال�صبي يف النفل دون الفر�ض‪ ،‬ولي�س من �أهل املوقف‬
‫علمنا جواز االنفراد بالنفل دون الفر�ض(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن �إمامة ال�صبي ملا �صحت يف النفل فكذلك موقفه(((‪.‬‬
‫�أدلة القول ال�ساد�س‪:‬‬
‫حديث �أبي بكرة املتق ّدم ذكره‪.‬‬
‫ووجه اال�ستدالل منه‪ :‬ما ذكره ابن اجلوزي بقوله‪“ :‬ظاهر احلديث النهي عن‬
‫�صالة الفذ‪ ،‬ومن �ص َّلى ومل يعلم بالنهي �أُعلم و�صحت �صالته‪ ،‬ف�إن علم و�ص َّلى ً‬
‫فذا‬
‫مل ت�صح”(((‪.‬‬
‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن التفريق بني العامل واجلاهل ال دليل عليه‪ ،‬بل الدليل �ضده‪ ،‬ف�إن‬
‫النبي ﷺ �أمر الأعرابي امل�سيء يف �صالته بالإعادة(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫قبل ذكر القول الراجح و�سببه‪� ،‬أُ�شري �إلى �سبب اخلالف يف امل�س�ألة‪ ،‬وهو‬
‫االختالف بني �أهل العلم يف ت�صحيح حديث واب�صة وعلي بن �شيبان‪ ،‬كما ن�ص عليه‬
‫ابن ر�شد ‪ ،(((‬ومن هنا ف�إن اخلالف بني �أهل العلم يف هذه امل�س�ألة خالف‬
‫معنوي‪ ،‬وترتتب عليه �آثار فقهية و�إفتائية‪ ،‬فمن يقول ب�صحة �صالة املنفرد خلف‬
‫ال�صف ف�إنه ي�أخذ بحديث �أبي بكرة‪ .‬ومن يقول بعدم �صحتها ف�إنه يذهب �إلى �أن‬
‫انظر‪� :‬شرح الزرك�شي (‪.)111/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ك�شف امل�شكل (‪.)15/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية (‪.)397/23‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بداية املجتهد (‪.)159/1‬‬ ‫(((‬

‫‪199‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫حديث واب�صة وعلي بن �شيبان خم�ص�صان لعموم حديث �أبي بكرة فال ي�صحح‬
‫حينئذ �صالة املنفرد خلف ال�صف‪ ،‬بل ي�أمره بالإعادة‪.‬‬
‫والذي يظهر يل بعد الت�أمل يف الأقوال و�أدلة كل قول‪ ،‬ون�صو�ص الأئمة يف امل�س�ألة‪،‬‬
‫�أن القول الرابع القائل ب�صحة �صالة املنفرد خلف ال�صف �صحيحة حال العذر هو‬
‫الأقرب وهو الراجح �إن �شاء اهلل‪ ،‬جم ًعا بني حديث �أبي بكرة وحديث واب�صة وعلي بن‬
‫�شيبان‪ ،‬واجلمع �إذا �أمكن مقدم على الرتجيح‪ ،‬ثم ذلك �أي ضً� ا �أولى من الأخذ بعموم‬
‫حديث �أبي بكرة والقول ب�صحة االنفراد مطل ًقا‪ ،‬فلي�س فيه ما يدل على ذلك‪ ،‬بل فيه‬
‫ما ُي�شعر ب�ضد ذلك‪ ،‬وهو قوله ﷺ‪« :‬وال َت ُعد»‪ ،‬مما يدل على �أن ت�صحيحه ل�صالته‬
‫اً‬
‫م�ستقبل عن العود ملثل ذلك‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫تلك بناء على العذر‪ ،‬مع نهية‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪200‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫املبحث الثاين‬
‫حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا‬
‫من العدوى بكورونا امل�ستجد‬

‫ملا تقدم يف املبحث الأول �إيراد �أقوال الفقهاء وا�ستدالالتهم ملا ذهبوا �إليه يف حكم‬
‫�صالة املنفرد خلف ال�صف‪ ،‬ف�إن بيان حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من‬
‫العدوى بكورونا امل�ستجد‪ ،‬ال يخرج عما تقدم �إيراده‪ ،‬وذلك بتخريج �صور هذه النازلة‬
‫على تلك الأقوال‪ ،‬وحتقيق املناط املالئم لها‪ ،‬بعر�ضها وموازنتها مع �أدلة امل�س�ألة‪ ،‬ومبا‬
‫�أنه تقدم يف التمهيد ذكر �صور االنفراد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا‬
‫امل�ستجد‪ ،‬ف�سيكون تخريج هذه ال�صور وحتقيق مناطها بنا ًء على التق�سيم ال�سابق(((‪.‬‬
‫وملا تقدم �أن ال�صور تنح�صر يف ثالث‪ ،‬ب�أحوالها ال�ستة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ال�صورة الأولى‪ :‬باعتبار ق�صد امل�صلي االحرتاز من عدمه‪ ،‬فال يخلو من حالني‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا اتفا ًقا‪ ،‬كما يحدث يف حال اكتمال ال�صف‬
‫الأول‪ ،‬وهذا يقع كث ًريا قبل وباء كورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا ق�صدً ا واحرتا ًزا‪ ،‬بحيث لو �أراد الدخول يف‬
‫ال�صف ال�ستطاع‪.‬‬
‫ال�صورة الثانية‪ :‬باعتبار اكتمال ال�صف من عدمه‪ ،‬فال يخلو من حالني‪:‬‬
‫اً‬
‫مكتمل �سواء مع وجود التباعد‬ ‫‪�1.1‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬ويكون ال�صف‬
‫((( من املعلوم �أن وظيفة الفقيه حني ينظر يف النوازل هي حتقيق املناط‪ ،‬ف�إذا وجد الو�صف امل�ؤثر يف نوازل‬
‫�أخرى ف�إنها تعطى حكمها‪ ،‬ولكن يبقى �شرط حتقق االنطباق واملالئمة من �أهم ما ينظر فيه الفقيه‪،‬‬
‫فهذا احلكم ميكن نقله لكل من انفرد خلف ال�صف خ�شية من العدوى ب�أي مر�ض ي�ؤثر على �صحته‬
‫ويكون �سب ًبا يف تلف نف�سه �أو ع�ضو من �أع�ضائه‪.‬‬

‫‪201‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫بني امل�صلني ح�سب املو�صى به من اجلهة املخت�صة‪� ،‬أو مع عدم وجود التباعد‬
‫بني امل�صلني فال توجد فرجة يف ال�صف‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬ويكون ال�صف غري مكتمل �سوا ًء كان بتباعد‬
‫�أو عدمه‪.‬‬
‫ال�صورة الثالثة‪ :‬باعتبار ات�صال ال�صفوف من عدمه‪ ،‬فال يخلو من حالني‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬مع ات�صال ال�صفوف ب�أن يرتك مو�ضع ال�سجود‬
‫�أو مو�ضع �صفني �أو ثالثة ونحوها فقط‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يقف خلف ال�صف منفردًا‪ ،‬مع التباعد عن ال�صفوف داخل امل�سجد �أو‬
‫خارجه‪ ،‬بحيث ي�سمع �صوت الإمام وال يراه وال يرى �أحدً ا من امل�صلني‪.‬‬
‫ف�إنه يت�ضح من خالل ذلك �أن ال�ضابط يف �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا‬
‫من العدوى بكورونا امل�ستجد هو‪� :‬أن يق�صد امل�صلي ال�صالة منفردًا عن ال�صفوف‪،‬‬
‫�سوا ًء اكتملت ال�صفوف �أم مل تكتمل‪ ،‬و�سوا ًء �أكان هناك تباعد بني امل�صلني �أم مل‬
‫يكن‪ ،‬و�سواء وقف خلف ال�صف مبا�شرة �أم مل يقف مبا�شرة مع �سماعه �صوت الإمام‪.‬‬
‫ومن خالل الأو�صاف املذكورة يف هذا ال�ضابط وعر�ضها على الأقوال ال�سابقة‬
‫يت�ضح ما يلي‪:‬‬
‫•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة‪،‬‬
‫تخريجا على القول الأول‪.‬‬
‫ً‬
‫•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد غري‬
‫تخريجا على القول الثاين‪.‬‬
‫ً‬ ‫�صحيحة‪،‬‬
‫•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة‬
‫تخريجا على القول الثالث‪.‬‬
‫ً‬ ‫مع الكراهة‪،‬‬
‫•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة‬
‫تخريجا على القول الرابع‪.‬‬
‫ً‬ ‫بدون كراهة لوجود العذر‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪202‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة‬
‫تخريجا على القول‬
‫ً‬ ‫يف النافلة فقط‪ ،‬ك�صالة الرتاويح �أو الك�سوف �أو العيدين‪،‬‬
‫اخلام�س‪.‬‬
‫•�أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد �صحيحة‬
‫تخريجا على القول ال�ساد�س‪.‬‬
‫ً‬ ‫يف حق اجلاهل باحلكم‪،‬‬
‫تخريجا هو �صحة �صالة‬
‫ً‬ ‫ومن خالل هذا التخريج‪� ،‬أقول �إن قول جمهور �أهل العلم‬
‫املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‪ ،‬على التف�صيل املتقدم‪ ،‬هذا‬
‫من حيث الإجمال واالقت�ضاب‪� ،‬أما من حيث التخريج الفقهي لقول بعينه‪ ،‬وحتقيق املناط‬
‫من خالله‪ ،‬ف�إن �أقرب الأقوال ال�سابقة لهذه النازلة هو القول الرابع‪ ،‬وهو �أن �صالة املنفرد‬
‫خلف ال�صف �صحيحة �إذا كان َّثم عذر‪ ،‬ولئن كان الفقهاء ‪ ‬يرون �أن من الأعذار‬
‫عدم وجود فرجة يف ال�صف �إ َّال �أن الواقع يف هذه النازلة هو تعمد امل�صلي ترك الفرجة‬
‫ليتحقق بذلك معنى االحرتاز من العدوى وهو وجود التباعد اجل�سدي‪ ،‬وهذا العذر الذي‬
‫يذكره الفقهاء ظاهر املعنى‪ ،‬فالقيا�س عليه للعذر املالئم �أمر يف غاية املعقولية‪ ،‬فاملناط‬
‫حينئذ هو العذر‪ ،‬وتقديره حمل اجتهاد الفقيه‪ ،‬ب�إحلاقه بالأ�شبه به مما ذكره الفقهاء‬
‫واعتربوه‪ ،‬وال ريب �أن ترجيح هذا القول لهذا العذر وهو االحرتاز عن العدوى مما يتوافق‬
‫مع �أ�صول ال�شريعة وقواعدها الكلية ومقا�صدها املرعية‪ ،‬لعدّة اعتبارات‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن االحرتاز من العدوى مع املحافظة على �صالة اجلماعة يف امل�سجد فيه حفظ‬
‫لأ�صلني عظيمني ومق�صدين كبريين من املقا�صد اخلم�س التي جاءت ال�شرائع‬
‫جممعة على حفظها‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ النف�س من الوقوع يف الهلكة ولو على �سبيل‬
‫الظن‪ ،‬وحفظ الدين باال�ستجابة لأمر اهلل ب�أداء ال�صالة حيث ينادى بها‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن امل�صلي خلف ال�صف باختالف �صوره كما تق ّدم‪ ،‬قد امتثل ما �أمر به‬
‫من عدم �إلقاء نف�سه �إلى التهلكة‪ ،‬و أ� َّدى ما �أمر به من �أداء ال�صالة حيث‬
‫ينادى بها‪ ،‬ولئن كان قد نق�ص منه بع�ض ما يجب يف الأحوال العادية‪ ،‬ف�إن‬
‫ذلك النق�ص �أولى من تركه العبادة بالكلية وذلك ب�صالته يف بيته‪ ،‬ولذا‬

‫‪203‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬ونظري ذلك �أن ال يجد الرجل موق ًفا‬
‫�إ َّال خلف ال�صف فهذا فيه نزاع بني املبطلني ل�صالة املنفرد‪ ،‬والأظهر �صحة‬
‫�صالته يف هذا املو�ضع؛ لأن جميع واجبات ال�صالة ت�سقط بالعجز‪ ،‬وطرد‬
‫هذا �صحة �صالة املتق ّدم على الإمام للحاجة‪ ...‬و�إذا كان القيام‪ ،‬والقراءة‪،‬‬
‫و�إمتام الركوع‪ ،‬وال�سجود‪ ،‬والطهارة باملاء وغري ذلك ي�سقط بالعجز فكذلك‬
‫اال�صطفاف‪ ،‬وترك التق ّدم‪ ،‬وطرد هذا بقية م�سائل ال�صفوف كم�س�ألة من‬
‫�ص َّلى ومل ي َر الإمام وال من وراءه مع �سماعه للتكبري وغري ذلك”(((‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن من ت�أمل ن�صو�ص ال�شريعة يف االنتقال �إلى البدل عند عدم وجود الأ�صل �أو‬
‫عدم القدرة عليه يجدها ت�أتي بالتدرج بني درجة ودرجة‪ ،‬وال ت�سقط الأحكام‬
‫بالكلية جملة واحدة‪ ،‬ولذا جند �أن امل�صلي خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى لئن‬
‫ترك الدرجة الفا�ضلة وهي ال�صف الأ َّول‪ ،‬وامل�صافة‪ ،‬و�سد الفرج‪ ،‬لهذا العذر‬
‫القائم‪ ،‬ف�إنه �أدرك ف�ضيلة اجلماعة وهو بهذا �أف�ضل ممن ترك ال�صالة يف‬
‫امل�سجد بالكلية‪ ،‬ومثل هذا يقال يف �سائر الواجبات يف ال�صالة وغريها‪ ،‬ونظائر‬
‫هذا يف ال�شريعة كثرية‪ ،‬فمن ذلك �صفة �صالة اخلوف ف�إنها جاءت على هيئات‬
‫و�أو�صاف مغايرة للأحوال العادية يف حال الأمن‪ ،‬مما يدل على اعتبار ال�شريعة‬
‫لأمر هذه ال�شعرية العظيمة‪ ،‬و�أن �سقوط بع�ض ما يجب فيها ال يقت�ضي البتة‬
‫القول ب�سقوطها بالكلية‪ ،‬وهذا معنى معقول جدير بالت�أمل‪ ،‬وهو ال يتعار�ض مع‬
‫الرتخي�ص بال�صالة بالبيت ملن خ�شي على نف�سه ال�ضرر ب�أمر زائد؛ ك�أ�صحاب‬
‫الأمرا�ض املزمنة ونحوهم ممن يغلب على ظنه وقوع ال�ضرر‪ ،‬ف�إن ه�ؤالء معذورون‬
‫بالرخ�صة ال�شرعية‪ ،‬و�أولئك �آخذون بالعزمية مع االحرتاز‪ ،‬وكلهم بف�ضل اهلل‬
‫وح�سن نواله ي�ؤتى �أجره اً‬
‫كامل ما دام العذر قائ ًما وف�ضل اهلل ورحمته وا�سعة‪.‬‬
‫‪�4.4‬أن معقولية املعنى يف العذر �أمر البد منه يف احلكم للنازلة‪ ،‬لكن ذلك ال‬
‫يقت�ضي املطابقة من كل وجه لآحاد الأعذار مع تعددها على اختالف النوازل‪،‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية (‪.)397 -396/23‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪204‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫و�إال مل ي�صح تخريج حكم نازلة على ما �سلف من الأقوال وتقدم‪ ،‬ولذا جند‬
‫من دقيق فهم الإمام مالك ‪ ‬ملعنى العذر و�شموليته �أنه قال‪“ :‬وال ب�أ�س‬
‫على �أهل اخليل �أَن ُي�صلُّوا ب�إمام متباعدين‪ِ ،‬‬
‫حل َ�صا َن ِة خيلهم”‪..... ،‬‬
‫يل من �صالتهم � ً‬
‫أفذاذا(((‪ ،‬فانظر‬ ‫قال عنه علي يف املجموعة(((‪ :‬وهو أَ� َح ُّب �إ َّ‬
‫�إلى هذا العذر من حيث متعلقه‪ ،‬ف�إنه متعلق بدوا ّبهم‪ ،‬على �أي تف�سري قيل‬
‫مبعنى ح�صانة خيلهم‪ ،‬ثم ت�أمل يف الرتجيح بني �صالة املتباعدين و�صالة‬
‫الفرادى‪ ،‬وهذا من الفقه الدقيق‪ ،‬خ�صو�صً ا مع طول العذر وا�ستمراره كحال‬
‫النا�س اليوم مع جائحة كورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن �أدلة الأقوال الأخرى املتقدمة يف �أ�صل امل�س�ألة مل ت�سلم من الإيرادات‬
‫واملناق�شات‪ ،‬وهذا ي�ضعف الأخذ بها‪ ،‬فرتجيح �صحة �صالة املنفرد خلف‬
‫ال�صف لهذا العذر جا ٍر على قواعد ال�شريعة ومت�سق معها‪ ،‬كما يف قوله‬
‫‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن‪ ،]16 :‬وقوله ‪( :‬ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪ ،]286 :‬وقوله ‪�« :‬إذا �أمرتكم ب�أمر‬
‫ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم»(((‪.‬‬
‫قال الألباين ‪�“ :‬إذا مل ي�ستطع الرجل �أن ين�ضم �إلى ال�صف ف�ص َّلى وحده‪،‬‬
‫فهل ت�صح �صالته؟‪ ،‬الأرجح ال�صحة‪ ،‬والأمر بالإعادة حممول على من مل ي�ستطع‬
‫القيام بواجب االن�ضمام”(((‪.‬‬

‫((( علي هو ابن زياد التون�سي‪ ،‬من تالميذ الإمام مالك (ت‪183‬هـ)‪ ،‬واملجموعة‪ :‬كتب ا�شتهرت بهذا اال�سم‬
‫تن�سب ملحمد بن �إبراهيم بن عبدو�س (ت‪260‬هـ)‪ ،‬واعتربها ابن �أبي زيد من م�صادره يف الكتاب‪،‬‬
‫انظر‪ :‬النوادر والزيادات (‪ ،)10/1‬درا�سات يف م�صادر الفقه الإ�سالمي ملوراين �ص‪ ،148-140‬اً‬
‫نقل‬
‫عن‪ :‬اختالف �أقوال مالك و�أ�صحابه �ص‪.21‬‬
‫((( انظر‪ :‬النوادر والزيادات (‪.)295/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)7288‬‬
‫((( انظر‪� :‬إرواء الغليل (‪.)329/2‬‬

‫‪205‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫اخلامتة‬

‫يف ختام هذا البحث �أحمد اهلل تعالى على توفيقه‪ ،‬وعونه‪ ،‬وتي�سريه‪ ،‬وفيما يلي‬
‫�أبرز النتائج‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى بكورونا امل�ستجد‪ ،‬له �صور‬
‫متعددة‪ ،‬ويجمعها �ضابط واحد هو‪� :‬أن يق�صد امل�صلي ال�صالة منفردًا عن‬
‫ال�صفوف‪� ،‬سوا ًء اكتملت ال�صفوف �أم مل تكتمل‪ ،‬و�سوا ًء �أكان هناك تباعد بني‬
‫امل�صلني �أم مل يكن‪ ،‬و�سوا ًء وقف خلف ال�صف مبا�شرة �أم مل يقف مبا�شرة مع‬
‫االقتداء بالإمام وعدم قطع ات�صال ال�صفوف‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن �أهل العلم اختلفوا يف حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف على �ستة �أقوال‪،‬‬
‫هي � اً‬
‫إجمال‪ :‬اجلواز مطل ًقا‪ ،‬وعدم اجلواز مطل ًقا‪ ،‬واجلواز مطل ًقا مع الكراهة‪،‬‬
‫واجلواز مع العذر بال كراهة‪ ،‬واجلواز يف النفل دون الفر�ض‪ ،‬واجلواز يف حق‬
‫اجلاهل دون العامل‪.‬‬
‫‪�3.3‬أرجح الأقوال و�أو�سطها القول باجلواز مع وجود العذر‪ ،‬وبه جتتمع الأدلة‪.‬‬
‫‪�4.4‬أن ال�شريعة بقواعدها الكلية ومقا�صدها املرعية راعت الأعذار يف ال�صالة‬
‫وجاءت بتقديرها‪ ،‬ف�أباحت ترك الواجبات عند العجز عنها‪� ،‬أو خ�شية‬
‫ال�ضرر بفعلها كما هو حمل الدرا�سة وهو االنفراد عن ال�صف وترك �سد‬
‫الفرج‪ ،‬وهذا تو�سط بني الأقوال بحيث ي�صلي امل�سلم مع �أخذه باالحرتازات‪،‬‬
‫خ�صو صً� ا و�أن هذا الوباء �سريع االنت�شار وقد تطول مدة بقائه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪206‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬


‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪�2.2‬أ�سنى املطالب يف �شرح رو�ض الطالب‪ ،‬لزين الدين �أبي يحيى زكريا بن حممد‬
‫بن زكريا الأن�صاري ال�سنيكي (ت‪926 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتاب الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪3.3‬الإ�شراف على نكت م�سائل اخلالف‪ ،‬للقا�ضي عبدالوهاب بن علي بن ن�صر‬
‫البغدادي املالكي (ت‪422 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬احلبيب بن طاهر‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬ط‪1420 ،1 :‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬الأ�صل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن احل�سن بن فرقد ال�شيباين (ت‪189 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أبو الوفا الأفغاين‪ ،‬النا�شر‪� :‬إدارة القر�آن والعلوم الإ�سالمية‪،‬‬
‫كرات�شي‪.‬‬
‫‪5.5‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬لعالء الدين �أبي احل�سن علي بن‬
‫�سليمان املرداوي الدم�شقي ال�صاحلي احلنبلي (ت‪885 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء‬
‫الرتاث العربي‪ ،‬ط‪ ،2 :‬و�أي ضً� ا‪ :‬طبعة دار عامل الكتب للطباعة والن�شر والتوزيع‬
‫بالريا�ض‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪1426 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪6.6‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ ،‬لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن‬
‫�أحمد بن ر�شد القرطبي ال�شهري بابن ر�شد احلفيد (ت‪595 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫دار احلديث بالقاهرة‪1425 .‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫‪7.7‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬لعالء الدين �أبي بكر بن م�سعود بن �أحمد‬
‫الكا�ساين احلنفي (ت‪587 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1406 ،2 :‬هـ‬
‫‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪8.8‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬لبدر الدين �أبي حممد حممود بن �أحمد بن مو�سى بن‬
‫�أحمد بن ح�سني الغيتابى العينى (ت‪855 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫ببريوت لبنان‪ ،‬ط‪ 1420 ،1 :‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫‪207‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫‪9.9‬البيان يف مذهب الإمام ال�شافعي‪ .‬لأبي احل�سني يحيى بن �أبي اخلري بن‬
‫�سامل العمراين اليمني ال�شافعي (ت‪558 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬قا�سم حممد النوري‪.‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار املنهاج بجدة‪ ،‬ط‪1421 ،1 :‬هـ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪1010‬البيان والتح�صيل وال�شرح والتوجيه والتعليل مل�سائل امل�ستخرجة‪ ،‬لأبي الوليد‬
‫حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي (ت‪520 :‬هـ)‪ ،‬حققه‪ :‬د‪ .‬حممد حجي و�آخرون‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الغرب الإ�سالمي ببريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،2 :‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪1111‬التاج والإكليل ملخت�صر خليل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف بن �أبي القا�سم‬
‫بن يو�سف العبدري الغرناطي‪ ،‬املواق املالكي (ت‪897 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1416 ،1 :‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫‪1212‬التجريد‪ ،‬لأبي احل�سني القدوري‪� ،‬أحمد بن حممد بن �أحمد بن جعفر بن‬
‫حمدان (ت‪428 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪� :‬أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد �سراج‪� ،‬أ‪.‬د‪ .‬علي جمعة‬
‫حممد‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار ال�سالم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1427 ،2 :‬هـ‪2006 -‬م‪.‬‬
‫‪1313‬حتفة الفقهاء‪ ،‬لأبي بكر عالء الدين حممد بن �أحمد بن �أبي �أحمد‬
‫ال�سمرقندي (ت‪ :‬نحو ‪540‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ببريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪1414 ،2 :‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪1414‬التعريفات‪ .‬لعلي بن حممد بن علي الزين ال�شريف اجلرجاين (ت‪816 :‬هـ)‪،‬‬
‫�ضبطه و�صححه جماعة من العلماء ب�إ�شراف النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫بريوت ‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1403 ،1 :‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪1515‬التلقني يف الفقة املالكي‪ ،‬لأبي حممد عبدالوهاب بن علي بن ن�صر الثعلبي‬
‫البغدادي املالكي (ت‪422 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبي �أوي�س حممد بو خبزة احل�سني‬
‫التطواين‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1425 ،1 :‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬
‫‪1616‬التهذيب يف اخت�صار املدونة‪ .‬خللف بن �أبي القا�سم حممد‪ .‬الأزدي‬
‫القريواين‪� ،‬أبو �سعيد ابن الرباذعي املالكي (ت‪372 :‬هـ)‪ .‬درا�سة وحتقيق‪:‬‬
‫الدكتور حممد الأمني ولد حممد �سامل بن ال�شيخ‪ .‬النا�شر‪ :‬دار البحوث‬
‫للدرا�سات الإ�سالمية و�إحياء الرتاث بدبي‪ .‬ط‪1423 ،1 :‬هـ‪2002 -‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪208‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫‪1717‬التهذيب يف فقه الإمام ال�شافعي‪ ،‬لأبي حممد البغوي‪ ،‬احل�سني بن م�سعود‬


‫بن حممد بن الفراء (ت‪516 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل �أحمد عبداملوجود‪ ،‬علي‬
‫حممد معو�ض‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1418 ،1 :‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ 1818‬التو�ضيح يف �شرح املخت�صر الفرعي البن احلاجب‪ ،‬ل�ضياء الدين خليل بن‬
‫�إ�سحاق بن مو�سى اجلندي املالكي امل�صري (ت‪776 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪� .‬أحمد‬
‫بن عبدالكرمي جنيب‪ ،‬النا�شر‪ :‬مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة الرتاث‪،‬‬
‫ط‪1429 ،1 :‬هـ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪1919‬اجلامع الكبري= �سنن الرتمذي‪ ،‬لأبي عي�سى حممد بن عي�سى بن �سورة بن‬
‫مو�سى بن ال�ضحاك الرتمذي (ت‪279 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬ب�شار عواد معروف‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الغرب الإ�سالمي ببريوت‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪2020‬اجلامع امل�سند ال�صحيح املخت�صر من �أمور ر�سول اهلل ﷺ و�سننه و�أيامه=‬
‫�صحيح البخاري‪ ،‬ملحمد بن �إ�سماعيل �أبو عبداهلل البخاري اجلعفي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد زهري بن نا�صر النا�صر‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار طوق النجاة (م�صورة عن‬
‫ال�سلطانية ب�إ�ضافة ترقيم حممد ف�ؤاد عبدالباقي)‪ ،‬ط‪1422 ،1 :‬هـ‪ ،‬مع‬
‫�شرح وتعليق‪ :‬د‪ .‬م�صطفى ديب البغا‪.‬‬
‫‪2121‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب الإمام ال�شافعي وهو �شرح خمت�صر املزين‪،‬‬
‫لأبي احل�سن علي بن حممد بن حممد بن حبيب الب�صري البغدادي‪ ،‬ال�شهري‬
‫باملاوردي (ت‪450 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�شيخ علي حممد معو�ض ‪ -‬ال�شيخ عادل‬
‫�أحمد عبداملوجود‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ببريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫‪1419‬هـ ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪�2222‬سنن ابن ماجه‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن يزيد القزويني (ت‪273 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪:‬‬
‫�شعيب الأرن�ؤوط ‪ -‬عادل مر�شد ‪ -‬حممد كامل قره بللي ‪ -‬عبداللطيف حرز‬
‫اهلل‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الر�سالة العاملية‪ .‬ط‪1430 ،1 :‬هـ ‪2009 -‬م‪ .‬و�أي ضً� ا‪ :‬طبعة‬
‫دار �إحياء الكتب العربية بالقاهرة‪1952 .‬م‪.‬‬
‫‪2323‬ال�سنن الكربى‪ ،‬لأبي عبدالرحمن �أحمد بن �شعيب بن علي اخلرا�ساين‪،‬‬

‫‪209‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫الن�سائي (ت‪303 :‬هـ)‪ ،‬حققه وخرج �أحاديثه‪ :‬ح�سن عبداملنعم �شلبي‪.‬‬


‫�أ�شرف عليه‪� :‬شعيب الأرنا�ؤوط‪ .‬قدم له‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪.‬‬
‫النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ببريوت‪ .‬ط‪1421 ،1 :‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪�2424‬شرح التلقني‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن مكي بن عمر املازري (ت‪536 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬سماحة ال�شيخ حممد املختار ال�سالمي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الغرب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬ط‪2008 ،1 :‬م‪.‬‬
‫‪2525‬ال�شرح الكبري لل�شيخ �أحمد الدردير على خمت�صر خليل(ت‪1201 :‬هـ)‪ .‬ومعه‬
‫حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن عرفة الد�سوقي‬
‫املالكي (ت‪1230 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪2626‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ ،‬لل�شيخ حممد بن �صالح العثيمني (ت‪:‬‬
‫‪1421‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪1422 ،1 :‬هـ‪1428 -‬هـ‪.‬‬
‫‪�2727‬شرح خمت�صر الطحاوي‪ ،‬لأبي بكر �أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص احلنفي‬
‫(ت‪370 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬ع�صمت اهلل عناية اهلل حممد‪ ،‬و�آخرين‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الب�شائر الإ�سالمية‪ ،‬دار ال�سراج‪ ،‬ط‪1431 ،1 :‬هـ‪2010 -‬م‪.‬‬
‫‪�2828‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬لعبدالباقي الزرقاين (ت‪1099 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬املطبعة‬
‫البهية امل�صرية‪1307 .‬هـ‪.‬‬
‫‪�2929‬شرح خمت�صر خليل للخر�شي‪ .‬لأبي عبداهلل حممد بن عبداهلل اخلر�شي املالكي‬
‫(ت‪1101 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر للطباعة ببريوت‪ ،‬وبهام�شه‪ :‬حا�شية العدوي‪،‬‬
‫لأبي احل�سن علي بن �أحمد بن مكرم ال�صعيدي العدوي (ت‪1189 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪3030‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬جمع وترتيب‪� :‬أحمد بن‬
‫عبدالرزاق الدوي�ش‪ ،‬النا�شر‪ :‬رئا�سة �إدارة البحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬الإدارة‬
‫العامة للمطابع‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪3131‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ .‬لزين الدين عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب بن‬
‫احل�سن‪ ،‬ال�سالمي البغدادي ثم الدم�شقي احلنبلي (ت‪795 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حممود‬
‫بن �شعبان بن عبداملق�صود ‪ -‬جمدي بن عبداخلالق ال�شافعي ‪� -‬إبراهيم بن‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪210‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫�إ�سماعيل القا�ضي ‪ -‬ال�سيد عزت املر�سي ‪ -‬حممد بن عو�ض املنقو�ش ‪� -‬صالح بن‬
‫�سامل امل�صراتي ‪ -‬عالء بن م�صطفى بن همام ‪� -‬صربي بن عبداخلالق ال�شافعي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬مكتبة الغرباء الأثرية باملدينة النبوية‪ .‬ط‪ 1417 ،1 :‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪3232‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬لأحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل‬
‫الع�سقالين ال�شافعي‪ ،‬قام ب�إخراجه‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬تعليقات‪ :‬ال�شيخ‬
‫ابن باز‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3333‬فتح العزيز ب�شرح الوجيز = ال�شرح الكبري‪ .‬لعبدالكرمي بن حممد الرافعي‬
‫القزويني (ت‪623 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪3434‬الفروع‪.‬لأبي عبداهلل حممد بن مفلح بن حممد بن مفرج‪� ،‬شم�س الدين‬
‫املقد�سي الرامينى ثم ال�صاحلي احلنبلي (ت‪763 :‬هـ)‪.‬ومعه‪ :‬ت�صحيح‬
‫الفروع‪ .‬لعالء الدين �أبي احل�سن علي بن �سليمان املرداوي الدم�شقي‬
‫ال�صاحلي احلنبلي (ت‪885 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬عبداهلل بن عبداملح�سن‬
‫الرتكي‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1424 ،1 :‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪3535‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ .‬لأبي حممد موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن‬
‫حممد بن قدامة اجلماعيلي املقد�سي ثم الدم�شقي احلنبلي‪ .‬ال�شهري بابن‬
‫قدامة املقد�سي (ت‪620 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1414 ،1 :‬هـ‬
‫‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪3636‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ ،‬لل�شيخ من�صور بن يون�س بن �صالح الدين ابن‬
‫ح�سن بن �إدري�س البهوتى احلنبلى (ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬جلنة متخ�ص�صة‬
‫يف وزارة العدل‪ ،‬النا�شر‪ :‬وزارة العدل باململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫‪1428‬هـ ‪2007 -‬م‪ ،‬و�أي�ضا‪ :‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪3737‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور جمال الدين حممد بن مكرم الأن�صاري‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار �صادر ببريوت‪ ،‬ط‪ 1414 ،3 :‬هـ‪.‬‬
‫‪3838‬املبدع يف �شرح املقنع‪ ،‬لربهان الدين �أبي �إ�سحاق �إبراهيم بن حممد بن‬
‫عبداهلل بن حممد ابن مفلح (ت‪884 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‬

‫‪211‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫ببريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1 :‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬


‫‪3939‬املب�سوط‪ ،‬ل�شم�س الأئمة حممد بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي (ت‪:‬‬
‫‪483‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة ببريوت‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪4040‬جمموع الفتاوى‪ ،‬لتقي الدين �أبي العبا�س �أحمد بن عبداحلليم بن تيمية‬
‫احلراين (ت‪728 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫جممع امللك فهد لطباعة امل�صحف ال�شريف باملدينة النبوية‪1416 .‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪4141‬املجموع �شرح املهذب (مع تكملة ال�سبكي واملطيعي)‪ ،‬لأبي زكريا حميي‬
‫الدين يحيى بن �شرف النووي (ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪4242‬خمت�صر العالمة خليل‪� ،‬ضياء الدين خليل بن �إ�سحاق بن مو�سى اجلندي‬
‫املالكي امل�صري (ت‪776 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد جاد‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار احلديث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1426 ،1 :‬هـ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪4343‬املدونة‪ ،‬لإمام دار الهجرة مالك بن �أن�س بن مالك بن عامر الأ�صبحي املدين‬
‫(ت‪179 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1415 ،1 :‬هـ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪4444‬م�سائل الإمام �أحمد بن حنبل برواية �أبي داود ال�سج�ستاين‪ ،‬لأبي داود‬
‫�سليمان بن الأ�شعث (ت‪275 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبي معاذ طارق بن عو�ض اهلل‬
‫بن حممد‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬م�صر‪ ،‬ط‪1420 ،1 :‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪4545‬م�سائل الإمام �أحمد بن خليل برواية ابنه عبداهلل‪ ،‬لأبي عبداهلل �أحمد بن‬
‫حممد بن حنبل (ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬النا�شر‪ :‬املكتب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1401 ،1 :‬هـ‪1981 -‬م‪.‬‬
‫‪4646‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪ .‬لأبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل بن‬
‫هالل بن �أ�سد ال�شيباين (ت‪241 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط ‪ -‬عادل‬
‫مر�شد‪ .‬و�آخرون‪� .‬إ�شراف‪ :‬د عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ .‬ط‪1421 .1 :‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪4747‬امل�سند ال�صحيح املخت�صر بنقل العدل عن العدل �إلى ر�سول اهلل ﷺ‪ .‬مل�سلم‬
‫بن احلجاج �أبي احل�سن الق�شريي الني�سابوري (ت‪261 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪212‬‬


‫احرتازا من العدوى‬
‫ً‬ ‫صالة املنفرد خلف الصف‬

‫بكورونا املستجد ‪ -‬دراسة فقهيَّة مقارنة‬

‫ف�ؤاد عبدالباقي‪ .‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي ببريوت‪.‬‬


‫‪4848‬م�شكاة امل�صابيح‪ .‬لأبي عبداهلل ويل الدين حممد بن عبداهلل اخلطيب‬
‫العمري التربيزي (ت‪741 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد نا�صر الدين الألباين‪.‬‬
‫النا�شر‪ :‬املكتب الإ�سالمي ببريوت‪ .‬ط‪1985 .3 :‬م‪.‬‬
‫‪4949‬معامل ال�سنن‪ ،‬لأبي �سليمان حمد بن حممد بن �إبراهيم الب�ستي املعروف‬
‫باخلطابي (ت‪388 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪ :‬املطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1351 ،1 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1932‬م‪.‬‬
‫‪5050‬املعونة على مذهب عامل �أهل املدينة‪ ،‬لأبي حممد عبدالوهاب بن علي بن‬
‫ن�صر الثعلبي البغدادي املالكي (ت‪322 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمي�ش عبداحلق‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬املكتبة التجارية‪ ،‬م�صطفى �أحمد الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪.‬‬
‫‪5151‬املغني‪ .‬لأبي حممد موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة‬
‫اجلماعيلي املقد�سي ثم الدم�شقي احلنبلي‪ ،‬ال�شهري بابن قدامة املقد�سي‬
‫(ت‪620 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬مكتبة القاهرة‪1388 ،‬هـ ‪1968 -‬م‪.‬‬
‫‪5252‬مقايي�س اللغة‪ ،‬لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكرياء القزويني الرازي‬
‫(ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدال�سالم حممد هارون‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪1399‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫ال�س ْغدي احلنفي‬
‫‪5353‬النتف يف الفتاوى‪ .‬لأبي احل�سن علي بن احل�سني بن حممد ُّ‬
‫(ت‪461 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬املحامي الدكتور �صالح الدين الناهي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الفرقان ‪ -‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬عمان ‪ -‬الأردن‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪،2 :‬‬
‫‪1404‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪5454‬الهداية على مذهب الإمام �أبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل ال�شيباين‪،‬‬
‫ملحفوظ بن �أحمد بن احل�سن‪� ،‬أبو اخلطاب الكلوذاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداللطيف‬
‫هميم ‪ -‬ماهر يا�سني الفحل‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة غرا�س للن�شر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫‪1425‬هـ‪2004 -‬م‪.‬‬

‫‪213‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عاصم بن عبداهلل املطوع‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة‪181 .........................................................................‬‬
‫التمهيد‪ ,‬وفيه مطلبني‪185 .........................................................:‬‬
‫املطلب الأ َّول‪ :‬املق�صود مبفردات العنوان ‪185 ...................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬صور �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى‬
‫بكورونا امل�ستجد‪187 .........................................................‬‬
‫املبحث الأ َّول‪ :‬حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف ‪189 ................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حكم �صالة املنفرد خلف ال�صف احرتا ًزا من العدوى‬
‫بكورونا امل�ستجد ‪201 ............................................................‬‬
‫اخلامتة ‪206 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪207 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪214‬‬


‫األحكام الفقهية المتعلقة بجنائز‬
‫المرض المعدي كورونا‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬فاطمة علي فهد الأحمدي‬
‫الأ�ستاذ امل�ساعد بق�سم ال�رشيعة يف كلية ال�رشيعة والأنظمة‬
‫جامعة الطائف‬
‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪216‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ملخص البحث‬

‫يتناول هذا البحث الأحكام الفقهية املتعلقة بامليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬
‫أمنوذجا‪ ،‬وذلك من خالل الأحكام الفقهية والطبية يف هذه النازلة‪ ،‬من حيث غ�سل‬
‫� ً‬
‫امليت باملر�ض املعدي كورونا‪ ،‬وتكفينه‪ ،‬وال�صالة عليه‪ ،‬ودفنه‪ ،‬وقد جاء البحث يف‬
‫مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬و�أربعة مباحث‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫�أما املقدمة‪ :‬فقد ا�شتملت على �أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪ ،‬و�أهداف البحث‪،‬‬
‫والدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬ومنهج البحث‪ ،‬وخطته‪ ،‬وا�شتمل التمهيد على التعريف باملر�ض‬
‫املعدي (كورونا) و�أ�سبابه‪ ،‬واملبحث الأول‪ :‬غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪،‬‬
‫وفيه مطلبان‪ :‬املطلب الأول‪ :‬حكم غ�سل امليت‪ ،‬واملطلب الثاين‪ :‬حكم غ�سل من مات‬
‫باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬واملبحث الثاين‪ :‬تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪،‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪ :‬املطلب الأول‪ :‬حكم تكفني امليت‪ ،‬واملطلب الثاين‪ :‬حكم تكفني‬
‫امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬واملطلب الثالث‪� :‬صورة تكفني امليت باملر�ض املعدي‬
‫(كورونا)‪ ،‬و�أما املبحث الثالث فقد تناولت فيه ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي‬
‫(كورونا)‪ ،‬وفيه مطلبان‪ :‬املطلب الأول‪ :‬حكم ال�صالة على امليت‪ ،‬واملطلب الثاين‪:‬‬
‫حكم ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬وجاء املبحث الرابع يف دفن امليت‬
‫باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪ :‬املطلب الأول‪ :‬حكم دفن امليت‪ ،‬املطلب‬
‫الثاين‪ :‬حكم دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬واملطلب الثالث‪ :‬حكم الدفن يف‬
‫املقابر اجلماعية يف حالة تف�شي وباء (كورونا)‪.‬‬
‫وكان من �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها‪� :‬أن املر�ض املعدي‪ :‬هو �أي مر�ض ت�سببه‬
‫جرثومة معدية ميكن انتقالها بطريق مبا�شر �أو غري مبا�شر �إلى الإن�سان �أو احليوان‬
‫�أو الطائر‪ ،‬و�أن فريو�سات كورونا هي ف�صيلة كبرية من الفريو�سات التي قد ت�س ّبب‬
‫املر�ض للحيوان والإن�سان‪ ،‬و�أنها ت�س ّبب لدى الب�شر حاالت عدوى اجلهاز التنف�سي‬

‫‪217‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫ فاطمة علي فهد األمحدي‬.‫د‬

‫التي ترتاوح حدتها من نزالت الربد ال�شائعة �إلى الأمرا�ض الأ�شد وخامة مثل‬
،)‫متالزمة ال�شرق الأو�سط التنف�سية واملتالزمة التنف�سية احلادة الوخيمة (ال�سار�س‬
‫ وال تنطبق �أو�صافه على فريو�س كورونا‬،‫و�أن الطاعون نوع خا�ص من �أنواع الأوبئة‬
.‫املعا�صر‬
،‫ والتكفني‬،‫ الغ�سل‬،19-‫ كوفيد‬،‫ كورونا امل�ستجد‬،‫ املر�ض املعدي‬:‫الكلمات املفتاحية‬
.‫ امليت‬،‫ اجلنائز‬،‫ الدفن‬،‫ال�صالة‬

Abstract
This research deals with the jurisprudential provisions related to
the death of contagious disease (Corona) as a model, through the
jurisprudence and medical provisions in this downward, in terms of
washing the dead with coronary disease, shrouding it, praying on it
and burying it, the research came in the introduction, prelude, and
four topics, And a conclusion.
The introduction: included the importance of the topic and the
reasons for his choice, and research objectives, previous studies,
research methodology, and his plan, and included the boot on the
definition of the disease contagious (corona) and its causes, and the
first topic: the washing of the Dead contagious disease (Corona),
in which two demands: first demand: The ruling on washing the
dead, and the second requirement: The ruling on washing the person
who died with contagious disease (corona), and the second topic:
shrouding the dead with contagious disease (corona), and it has
three demands: the first demand: the rule of shrouding the dead,
and the second requirement: the rule of shrouding the dead with
disease prepared me (SK), and the third demand: image shrouding
Dead disease contagious (Corona), and the topic of the Olathe dealt
with it Prayer for the deceased disease contagious (Corona), in

‫العدد احلادي واخلمسون‬ 218


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

which two demands: Almt the first core of the prayer for the dead
rule, and the second requirement: Ruling on praying for the dead
of the disease contagious (Corona), came the fourth section in the
burial of the deceased disease contagious (Corona), in which three
demands The first requirement: the rule of burial of the dead, the
second requirement: the ruling of the burial of the dead person with
infectious disease (SK), and the third requirement: the ruling of
burial in mass graves in the event of an epidemic (corona).
Among the most important results that I reached, including: that
an infectious disease: is any disease caused by an infectious bacterium
that can be transmitted directly or indirectly to humans, animals or
birds, and that corona viruses are a large group of viruses that may
cause disease to animals and humans, and that they are Humans cause
respiratory infections that range from common cold to more severe
diseases such as Middle Eastern Respiratory Syndrome and severe
acute respiratory syndrome (SARS), and that plague is a special type
of epidemic, and its descriptions do not apply to the contemporary
Corona virus.
Key words: infectious disease, new corona, coffed19, washing,
shrouding, prayer, burial, funerals, dead.

219 ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬وال عدوان �إال على الظاملني‪ ،‬ون�شهد �أن‬
‫ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له ويل ال�صاحلني‪ ،‬ون�شهد �أن �سيدنا ونبينا حممدً ا عبده‬
‫ور�سوله �إمام الأنبياء واملر�سلني‪ ،‬و�أف�ضل خلق اهلل �أجمعني‪� ،‬صلوات اهلل و�سالمه‬
‫عليه‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه والتابعني لهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪� ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ف�إنِّ الفقه يف الدين من �أعظم ما ُ�صرفت فيه الأوقات‪ ،‬و أُ�نفقت يف حت�صيله وطلبه‬
‫الأموال‪ ،‬وله ُت�شد الرحال‪ ،‬كما �أنه عالمة ملن �أراد اهلل ‪ ‬به خ ًريا يف احلياة‪ ،‬وقد‬
‫بينّ ذلك النبي ﷺ يف احلديث الذي �أخرجه البخاري وم�سلم عن معاوية ‪� ‬أن‬
‫اهلل ُي ْع ِطي‪،‬‬ ‫اهلل ِب ِه َخيرًْ ا ُي َف ِّق ْه ُه فيِ الدِّ ِين‪َ ،‬و ِ�إنمَّ َ ا �أَ َنا َق ِا�س ٌم َو ُ‬
‫النبي ﷺ قال‪«َ :‬منْ ُي ِر ِد ُ‬
‫هلل‪ ،‬ال َي ُ�ض ُّرهُ ْم َمن َخا َل َف ُه ْم َحتَّى َي�أْ ِت َي �أَ ْم ُر‬ ‫هذ ِه الأُ َّم ُة َقا ِئ َم ًة َع َلى �أَ ْم ِر ا ِ‬
‫َو َلنْ تَزَ َال ِ‬
‫هلل»(((‪.‬‬
‫ا ِ‬
‫وملا كان الأمر كذلك؛ كان على �أهل العلم �أن يبينوا للنا�س الأحكام الفقهية‬
‫املتعلقة بالعبادات واملعامالت‪ ،‬وغري ذلك من �أبواب الفقه الأخرى؛ حتى تكون‬
‫العبادة واملعاملة على الوجه ال�صحيح كما �أراد اهلل ‪ ،‬ور�سوله ﷺ‪.‬‬
‫وقد تنزل بالأمة بع�ض النوازل التي حتتاج لبيان الأحكام الفقهية املتعلقة‬
‫بها‪ ،‬ومن ذلك هذا الوباء اخلطري (فريو�س كورونا امل�ستجد) الذي اجتاح البالد‬
‫والعباد يف العديد من الدول‪ ،‬والذي ترتب عليه تعليق اجلمع واجلماعات بامل�ساجد‪،‬‬
‫((( �صحيح البخاري‪ -‬كتاب العلم‪ -‬باب‪ :‬من يرد اهلل به خريا يفقهه يف الدين‪ -‬حديث رقم (‪،21/1)71‬‬
‫�صحيح م�سلم‪ -‬كتاب الزكاة‪ -‬باب النهي عن امل�س�ألة‪ -‬حديث رقم (‪.407/1 )2439‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪220‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫وتعطيل الدرا�سة يف املدار�س واجلامعات‪ ،‬وغري ذلك من الأمور الأخرى‪ ،‬وقد‬


‫�أدى هذا الوباء لوفاة العديد من الأ�شخا�ص على م�ستوى الدول‪ ،‬فكان ال بد من‬
‫معرفة الأحكام الفقهية املتعلقة بامليت باملر�ض املعدي (كورونا) من غ�سله‪،‬‬
‫وتكفينه‪ ،‬وال�صالة عليه‪ ،‬ودفنه‪ ،‬من �أجل ذلك جاءت هذه الدرا�سة لتو�ضح وتبني‬
‫هذه الأحكام الفقهية اخلا�صة باجلنائز يف زمن الأوبئة‪ ،‬والتي منها وباء كورونا‬
‫امل�ستجد‪.‬‬
‫� اًأول‪� :‬أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‬
‫تتمثل �أهمية البحث و�أ�سباب اختياره يف النقاط الآتية‪:‬‬
‫‪1.1‬حاجة النا�س للتعرف على حقيقة املر�ض املعدي كورونا‪ ،‬والأحكام الفقهية‬
‫املتعلقة به‪.‬‬
‫‪2.2‬امل�ساهمة يف خدمة الفقه الإ�سالمي ب�إ�ضافة بحث متخ�ص�ص يف هذا املو�ضوع‬
‫يجمع بني الأ�صالة واملعا�صرة‪.‬‬
‫‪3.3‬كونه يو�ضح كيفية التعامل مع امليت باملر�ض املعدي كورونا من غ�سله‪،‬‬
‫وتكفينه‪ ،‬وال�صالة عليه‪ ،‬ودفنه‪.‬‬
‫‪4.4‬كونه يبني عظمة ال�شريعة الإ�سالمية و�صالحيتها لكل زمان ومكان‪ ،‬وما‬
‫يحقق م�صالح العباد يف الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أهداف البحث‪.‬‬
‫يهدف هذا البحث �إلى ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪1.1‬التعريف باملر�ض املعدي يف الطب وال�شرع‪ ،‬و�أ�سبابه‪.‬‬
‫‪2.2‬بيان حقيقة فريو�س «كورونا» امل�ستجد (كوفيد ‪ ،)19‬و�أعرا�ضه‪ ،‬و�أ�سبابه‪.‬‬
‫‪3.3‬تو�ضيح الأحكام الفقهية املتعلقة بامليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬

‫‪221‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫ثال ًثا‪ :‬الدرا�سات ال�سابقة‪.‬‬


‫هناك عدة بحوث ودرا�سات اطلعت عليها منها‪:‬‬
‫الدرا�سة الأولى‪ :‬الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون ‪-‬مع درا�سة فقهية‬
‫للأحكام املتعلقة بـ (فريو�س كورونا)‪ ،‬لأبي عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري‪،‬‬
‫من�شور على �شبكة الإنرتنت ‪1441‬هـ‪2020/‬م‪ ،‬وقد جاءت هذه الدرا�سة يف �أربعة‬
‫ف�صول‪ :‬الف�صل الأول‪ :‬حقيقة الطاعون والوباء وف�ضله وامل�سائل املتعلقة بذلك‪،‬‬
‫والف�صل الثاين‪� :‬أحكام البلد امل�صاب بالطاعون والوباء وامل�سائل املتعلقة‬
‫بذلك‪ ،‬والف�صل الثالث‪� :‬سبل رفع الطاعون والوباء وفهما وامل�سائل املتعلقة‬
‫بذلك‪ ،‬والف�صل الرابع‪ :‬بع�ض الأحكام الفقهية املتعلقة بالوباء والطاعون‪.‬‬
‫الدرا�سة الثانية‪ :‬الأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا‪ ،‬د‪ /‬خالد بن علي امل�شيقح‪،‬‬
‫درا�سة من�شورة على موقع �صيد الفوائد على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬وقد تعر�ض‬
‫فيها لبع�ض امل�سائل الفقهية املتعلقة بهذا الوباء‪ ،‬ومنها �صالة اجلنازة‪ ،‬لكن‬
‫باخت�صار �شديد‪.‬‬
‫الدرا�سة الثالثة‪ :‬الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية ‪-‬جم ًعا‬
‫ودرا�سة مقارنة‪ -‬د‪ /‬حممد بن �سند ال�شاماين‪ ،‬بحث من�شور يف جملة جامعة‬
‫طيبة للآداب والعلوم الإن�سانية‪ ،‬ال�سنة ال�سابعة‪ ،‬العدد (‪1440 )18‬هـ‪ ،‬وقد‬
‫جاءت هذه الدرا�سة يف مقدمة‪ ،‬وخم�سة مباحث‪ :‬املبحث الأول‪ :‬تعريف‬
‫الأوبئة‪ ،‬ومناذج لها‪ ،‬واملبحث الثاين‪ :‬الأحكام املتعلقة بالأوبئة يف ال�صالة‪،‬‬
‫واملبحث الثالث‪ :‬الأحكام املتعلقة بالأوبئة يف �صالة اجلنائز‪ ،‬واملبحث الرابع‪:‬‬
‫الأحكام املتعلقة بالأوبئة يف املواريث‪ ،‬واملبحث اخلام�س‪ :‬التعامل مع الأوبئة‬
‫بني الفقه والطب احلديث‪.‬‬
‫ومن خالل هذه الدرا�سة وجدت �أنه مل يتعر�ض لأحكام امليت امل�صاب باملر�ض‬
‫املعدي (كورونا) �إال يف املبحث الثالث‪ ،‬وقد تناول فيه حكم غ�سل املوتى يف‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪222‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫الأوبئة‪ ،‬وحكم دفن املوتى بالأوبئة يف قرب واحد �إذا كانوا جمموعة‪ ،‬وجاء‬
‫هذا التناول خمت�ص ًرا جدً ا‪ ،‬ويف حاجة �إلى مزيد �إي�ضاح‪.‬‬
‫الدرا�سة الرابعة‪� :‬أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا «التغ�سيل‬
‫وال�صالة والدفن والعزاء»‪ ،‬د‪ /‬بلخري طاهري الإدري�سي‪ ،‬وهو بحث من�شور‬
‫على موقع مكتبة نور على �شبكة الإنرتنت‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه الدرا�سة يف �ستة مباحث‪ :‬املبحث الأول‪ :‬حرمة الإن�سان يف‬
‫القانون والأديان‪ ،‬واملبحث الثاين‪ :‬حكم تغ�سيل �أو تيمم امليت عند املالكية‪،‬‬
‫واملبحث الثالث‪ :‬حكم الكفن للميت‪ ،‬واملبحث الرابع‪ :‬حكم الدفن وكيفيته؟‪،‬‬
‫واملبحث اخلام�س‪ :‬حكم ال�صالة على امليت مبر�ض معدي �أو مل ي�ص َّل عليه‪،‬‬
‫واملبحث ال�ساد�س‪� :‬أحكام تتعلق بالعزاء يف زمن الوباء‪.‬‬
‫وبالنظر والت�أمل يف هذا البحث وجدت �أنه قد تناول هذه امل�سائل يف مذهب‬
‫املالكية‪ ،‬وتعر�ض للعديد من امل�سائل ب�صورة خمت�صرة‪ ،‬و�أما بحثي هذا فقد‬
‫تناولت فيه امل�سائل املتعلقة بامليت امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا) من خالل‬
‫املذاهب الفقهية املعتمدة‪ ،‬وفتاوى املجامع الفقهية‪ ،‬وغريها‪ ،‬ب�صورة مو�سعة‪.‬‬
‫الدرا�سة اخلام�سة‪ :‬الأحكام الفقهية املتعلقة بامل�صاب باملر�ض املعدي‪ :‬عادل‬
‫مبارك مهدي املطريات‪ ،‬بحث من�شور يف جملة الدرا�سات العربية‪ ،‬جامعة‬
‫املنيا‪ ،‬كلية دار العلوم‪ ،‬عدد (‪ ،)42‬جملد (‪ ،)3‬يونيو ‪2011‬م‪ .‬جاء هذا‬
‫البحث يف مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪ :‬املبحث الأول‪ :‬تعريف املر�ض‬
‫املعدي و�أمثلة له‪ ،‬واملبحث الثاين‪� :‬أحكام امل�صاب باملر�ض املعدي يف باب‬
‫النكاح‪ ،‬واملبحث الثالث‪� :‬أحكام امل�صاب باملر�ض املعدي يف باب الطالق‪،‬‬
‫وخامتة فيها �أهم النتائج‪.‬‬
‫والناظر يف هذه الدرا�سة يجد �أنها تختلف عن درا�ستي؛ وذلك �أنها تناولت ما‬
‫يتعلق بامل�صاب باملر�ض املعدي يف الأحوال ال�شخ�صية من الزواج والطالق‪،‬‬
‫ومل تتعر�ض لأحكام اجلنائز للم�صاب باملر�ض املعدي‪.‬‬

‫‪223‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫ومن خالل النظر والت�أمل يف هذه الدرا�سات ال�سابقة وجدت �أنها تختلف عن درا�ستي‬
‫هذه‪ ،‬ذلك �أن هذه الدرا�سات جاءت ب�صورة خمت�صرة للأحكام الفقهية املتعلقة باملوت‬
‫باملر�ض املعدي «كورونا»‪ ،‬ومنها من �أغفل هذه الأحكام‪ ،‬ومنها من حتدث عن بع�ضها‬
‫باخت�صار‪ ،‬ومنهم من مل يتطرق �إليها‪ ،‬من �أجل ذلك جاءت هذه الدرا�سة لتكون بح ًثا‬
‫فقه ًيا مقار ًنا يجمع هذه الأحكام املتعلقة بامليت باملر�ض املعدي «كورونا» يف �ضوء الطب‬
‫املعا�صر والفقه الإ�سالمي‪ ،‬وفتاوى املجامع الفقهية‪ ،‬ودور الفتوى‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬منهج البحث‪.‬‬
‫اتبعت يف هذا البحث املنهج اال�ستقرائي‪ ،‬والو�صفي التحليلي‪ ،‬با�ستقراء مو�ضوعات‬
‫البحث‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬وبيان حكمها‪ ،‬وذلك باتباع اخلطوات الآتية‪:‬‬
‫‪1.1‬الرجوع �إلى امل�صادر الأ�صلية‪ ،‬يف اجلمع‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬ودرا�سة امل�س�ألة الواردة‬
‫يف البحث‪ ،‬مع اال�ستفادة من املراجع احلديثة‪.‬‬
‫‪2.2‬عزو الآيات القر�آنية �إلى مواطنها يف القر�آن الكرمي‪ ،‬بذكر ا�سم ال�سورة‪،‬‬
‫ورقم الآية‪.‬‬
‫‪3.3‬تخريج الأحاديث النبوية ال�شريفة من م�صادرها الأ�صلية خ�صو�صً ا الكتب‬
‫الت�سعة‪ ،‬و�إذا كانت يف غري ال�صحيحني (البخاري وم�سلم) �أذكر كالم �أهل‬
‫احلديث فيها‪ ،‬من حيث ال�صحة وال�ضعف‪.‬‬
‫‪4.4‬بيان و�شرح معاين الكلمات وامل�صطلحات الغربية الواردة يف البحث‪.‬‬
‫‪5.5‬عزو الن�صو�ص‪ ،‬و�آراء العلماء �إلى كتبهم‪ ،‬وتوثيق �أقوال املذاهب من الكتب‬
‫املعتمدة من كل مذهب‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬خطة البحث‪:‬‬
‫ً‬
‫اقت�ضت طبيعة البحث �أن يكون يف مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬و�أربعة مباحث‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫�أما املقدمة‪ :‬فقد ا�شتملت على �أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪ ،‬و�أهداف البحث‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪224‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫والدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬ومنهج البحث‪ ،‬وخطته‪.‬‬


‫التمهيد‪ :‬يف التعريف باملر�ض املعدي (كورونا) و�أ�سبابه‬
‫� اًأول‪ :‬التعريف باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أ�سباب املر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم غ�سل امليت‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم غ�سل من مات باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم تكفني امليت‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬صورة تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم ال�صالة على امليت‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم دفن امليت‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم الدفن يف املقابر اجلماعية يف حالة تف�شي وباء (كورونا)‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وفيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬

‫‪225‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫التمهيد‬
‫التعريف باملر�ض املعدي (كورونا) و�أ�سبابه‬

‫� اًأول‪ :‬التعريف باملر�ض املعدي (كورونا)‪.‬‬


‫�أ‪ .‬تعريف املر�ض يف اللغة واال�صطالح‪:‬‬
‫ال�سقم نقي�ض ال�صحة‪ ،‬واجلمع مر�ضى ومرا�ضى ومرا�ض‪،‬‬ ‫املر�ض يف اللغة‪ :‬هو ّ‬
‫قال �سيبويه ‪�“ :‬أمر�ض الرجل جعله مري ضً� ا‪ ،‬ومر�ضه متري�ضً ا قام عليه ووليه‬
‫يف مر�ضه وداواه ليزول مر�ضه‪ ،‬وكل ما �ضعف‪ ،‬فقد مر�ض”‪ ،‬وقال ابن عرفة ‪:‬‬
‫“املر�ض يف القلب فتور عن احلق‪ ،‬ويف الأبدان فتور الأع�ضاء”(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪“ :‬هو‪ :‬ما يعر�ض للبدن فيخرجه عن االعتدال اخلا�ص”(((‪،‬‬
‫ً‬ ‫واملر�ض‬
‫وعرفه بع�ضهم بقوله‪“ :‬هو‪ :‬اخلروج عن االعتدال اخلا�ص بالإن�سان”(((‪.‬‬
‫ونخل�ص من هذا �أن املر�ض ع ّلة �أو �ضعف يخرج به اجل�سم عن حد االعتدال‬
‫وال�صحة(((‪.‬‬
‫((( ل�سان العرب‪ :‬ملحمد بن مكرم بن علي‪� ،‬أبو الف�ضل‪ ،233-231/7 ،‬مادة (مر�ض)‪ ،‬ط‪ /‬دار �صادر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا (ت‪:‬‬
‫‪395‬هـ)‪ ،250/4 ،‬باب العني والباء وما يثلثهما‪ ،‬ط‪ /‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1420 ،‬هـ‪1999/‬م‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدال�سالم حممد هارون‪ ،‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬حم ّمد بن حم ّمد بن عبدالر ّزاق احل�سيني‪،‬‬
‫�أبو الفي�ض‪ ،‬املل ّقب مبرت�ضى‪ ،‬الزَّبيدي‪ ،55/19 ،‬ط‪ /‬دار الهدية‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من املحققني‪.‬‬
‫((( التعريفات‪ ،‬علي بن حممد بن علي اجلرجاين‪ ،268/1 ،‬ط‪ /‬دار الكتاب العربي‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1405 ،‬هـ‪ ،‬حتقيق‪� :‬إبراهيم الأبياري‪ ،‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬حممد عبدالر�ؤوف‬
‫املناوي ‪ ،649/1‬ط‪ /‬دار الفكر املعا�صر‪ ,‬دار الفكر‪ -‬بريوت‪ ,‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى‪1410 ،‬هـ‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬حممد ر�ضوان الداية‪.‬‬
‫((( املفردات يف غريب القر�آن‪ ،‬لأبي القا�سم احل�سني بن حممد الراغب الأ�صفهاين (ت‪502 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد �سيد كيالين‪.‬‬
‫((( �أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬جامعة القد�س‪ ،‬فل�سطني‪1437 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪2106‬م‪ ،‬ح�سام ح�سن ح�سني �أبو حماد‪� ،‬ص ‪.10‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪226‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ب‪ .‬تعريف العدوى يف اللغة واال�صطالح‬


‫العدوى يف اللغة‪�“ :‬أعداه الداء يعديه �إعدا ًء‪ :‬جاوز غريه �إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو �أن‬
‫ي�صيبه مثل ما ب�صاحب الداء‪ .‬و�أعداه من ع ّلته وخلقه و�أعداه به‪ :‬ج ّوزه �إليه‪ ،‬واال�سم‬
‫من ّكل ذلك العدوى”(((‪.‬‬
‫جاء يف خمتار ال�صحاح‪“ :‬والعدوى �أي ضً� ا‪ :‬ما ُيعدي من جرب �أو غريه‪ ،‬وهو‬
‫جماوزته من �صاحبه �إلى غريه‪ .‬يقال‪� :‬أعدى فالن فال ًنا من خلقه‪� ،‬أو من ع ّلة به �أو‬
‫من جرب‪ .‬ويف احلديث «ال عدوى» �أي‪ :‬ال يعدي �شيء �شي ًئا‪ .‬والعدو احل�ضر‪ .‬تقول‪:‬‬
‫عدا يعدو عد ًوا و�أعدى فر�سه‪ ،‬و�أعدى يف منطقه �أي‪ :‬جار‪ ،‬ودفعت عنك عادية فالن‬
‫�أي» ظلمه و�شره”(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬انتقال الداء من املري�ض به �إلى ال�صحيح بو�ساط ٍة ما‪ ،‬مما‬
‫ً‬ ‫والعدوى‬
‫يعدي من جرب �أو غريه �أي ي�سري من واحد �إلى �آخر عن طريق االت�صال املبا�شر‬
‫وغري املبا�شر(((‪.‬‬
‫ج‪ .‬تعريف املر�ض املعدي‪:‬‬
‫هو املر�ض الذي ينتقل من مري�ض لآخر ب�أحد طرق العدوى �إما عن طريق‬
‫التنف�س كالأنفلونزا وال�سل الرئوي‪� ،‬أو بطريق الفم كالزحار((( والتيفوئيد(((‪،‬‬
‫ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة (عدا) ‪ ،31/15‬تاج العرو�س‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬مادة (عدو) ‪.10/39‬‬ ‫(((‬
‫خمتار ال�صحاح‪ ،‬حممد بن �أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت‪721 :‬هـ)‪ ،176/1 ،‬باب العني (مادة‬ ‫(((‬
‫عدو)‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة لبنان نا�شرون‪� ،‬سنة الن�شر ‪1415‬هـ‪1995 -‬هـ‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود خاطر‪.‬‬
‫املعجم الو�سيط‪� :‬إبراهيم م�صطفى و�آخرون‪ ،589/2 ،‬ط‪ /‬دار الدعوة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جممع اللغة‬ ‫(((‬
‫العربية‪� ،‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية‪ :‬ح�سام ح�سن‪� ،‬ص ‪.10‬‬
‫الزحار‪ :‬هو عبارة عن �إ�سهال دموي حاد‪ .‬الإ�سهال هو ارتفاع عدد التغوطات (�أكرث من ‪ 3‬مرات يف‬ ‫(((‬
‫اليوم) �أو انخفا�ض يف مدى �صالبة الرباز‪� ،‬أي براز رخو �أو مائي‪ .‬يحدث الزحار نتيجة ت�ضرر الغ�شاء‬
‫املخاطي يف الأمعاء‪� ،‬سببه غالبا �إ�صابة بعدوى مو�ضعية من جراثيم غازية �أو املواد ال�سامة التي‬
‫تفرزها‪ .‬تنتقل العدوى �إلى اجل�سم عن طريق الفم عند تناول طعام �أو مياه ملوثني‪.‬‬
‫ينظر‪https://www.webteb.com/gastrointestinal-tract/diseases/%D8%A7%D9%84% :‬‬
‫‪.D8%B2%D8%AD%D8%A7%D8%B1‬‬
‫التيفوئيد �أو احلمى التيفية (‪ :)Typhoid‬هو مر�ض معدٍ ‪ ،‬جمموعي‪ ،‬ت�س ّببه جرثومة ال�سلمونيلة =‬ ‫(((‬

‫‪227‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫والكولريا(((‪� ،‬أو عن العالقات اجلن�سية كال�سيالن((( �أو باملالم�سة كاجلدري(((‪،‬‬


‫واجلذام((( �أو بوا�سطة احلقن كالتهاب الكبد الفريو�سي �أو بوخز احل�شرات‬
‫كاملالريا((( (((‪.‬‬
‫وتن�ش�أ الأمرا�ض املُ ْع ِد َية (‪ )Infectious diseases‬عند دخول � ِ‬
‫أج�سام غريب ٍة‬
‫ملوثة �إلى ج�سم الإن�سان‪ .‬تكون هذه الأج�سام الغريبة عبارة عن جراثيم‪ ،‬فريو�سات‪،‬‬
‫فطريات �أو طفيليات‪ .‬تنتقل هذه الأج�سام عن طريق ال َع ْدوى من �إن�سان �آخر‪،‬‬
‫حيوانات‪ ،‬طعام ملوث‪� ،‬أو من التعر�ض لأي من العوامل البيئية التي تكون ملوث ًة ب� ِأي‬
‫من هذه الأج�سام(((‪.‬‬
‫(�‪Salmonella paraty‬‬ ‫= التيفية( (‪� )Salmonella typhi‬أو جرثومة ال�سلمونيلة النظرية التيفية‬
‫‪� .)phi‬أعرا�ض احلمى التيفية م�شابهة لأعرا�ض التيفو�س (‪ ,)Typhus‬مع اختالف اجلرثومة امل�سببة‬
‫للمر�ض‪ ,‬ومن هنا يختلف ا�سم املر�ض‪ :‬احل ّمى املعو ّية (‪� )Enteric fever‬أو احلمى التيفية‪.‬‬
‫ينظر‪https://www.webteb.com/general-health/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9 :‬‬
‫‪.%8A%D9%81%D9%88%D8%A6%D9%8A%D8%AF‬‬
‫ُ‬
‫((( الكولريا‪ :‬عدوى حادة ت�سبب الإ�سهال وقادرة على �أن تودي بحياة امل�صاب بها يف غ�ضون �ساعات �إن‬
‫ُت ِركت من دون عالج‪ .‬ينظر‪.https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/cholera :‬‬
‫((( حتدث العدوى بداء ال�سيالن عن طريق نقل البكرتيا باالت�صال اجلن�سي الذي ي�صيب كلاًّ من الذكور‬
‫والإناث‪ .‬وغال ًبا ما ي�ؤثر ال�سيالن على احلالب‪ ،‬وال�شرج‪ ،‬واحللق‪ .‬يف الإناث‪ ،‬ميكن لل�سيالن �إ�صابة‬
‫عنق الرحم �أي�ضً ا‪ .‬ينظر‪https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/gonorrhea/ :‬‬
‫‪.symptoms-causes /syc-20351774‬‬
‫((( ​اجلدري‪ :‬هو مر�ض تلوثي معدٍ ينقل من �شخ�ص �إلى �آخر‪ .‬من بني الأعرا�ض التي يتميز بها هذا املر�ض‪:‬‬
‫الطفح اجللدي ب�شكل الفقاعات ال�سوداء املليئة ب�سائل كدر‪.‬‬
‫ينظر‪.https://www.health.gov.il/Arabic/Subjects/diseases/smallpox/Pages/default.aspx :‬‬
‫((( اجلذام‪ :‬هو مر�ض جلدي معد‪ ،‬ي�ؤدي �إلى تقرحات جلدية �شديدة تتفاقم لتت�سبب تلف يف الأع�صاب‪.‬‬
‫ينظر‪.https: //www.webteb.com/articles :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫((( املالريا‪ :‬مر�ض ُي َ�س ِّب ُبه طفيلي‪ .‬ينتقل الطفيلي �إلى الب�شر من خالل لدَ غات البعو�ض احلامل للعدوى‪.‬‬
‫َي ْ�ش ُعر الأ�شخا�ص امل�صابون باملالريا عادة ب�إعياء �شديد مع ارتفاع يف درجة احلرارة وق�شعريرة م�صحوبة‬
‫برجفة‪ .‬ينظر‪https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/malaria/symptoms :‬‬
‫‪.-causes/syc-20351184‬‬
‫((( العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع‪ :‬د‪ /‬حممد نزار الدقر‪،‬‬
‫ينظر‪.https://draldaker.wordpress.com/ :‬‬
‫((( ‪.https://www.webteb.com/general-health/‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪228‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫بذلك نخل�ص �إلى �أن املر�ض املعدي‪ :‬هو �أي مر�ض ت�سببه جرثومة معدية ميكن‬
‫انتقالها بطريق مبا�شر �أو غري مبا�شر �إلى الإن�سان �أو احليوان �أو الطائر(((‪.‬‬
‫ومن هنا يتبني �أن الأمرا�ض العادية غري املعدية التي ت�صيب اجل�سم ال تنتقل‬
‫بالعدوى من �إن�سان لآخر‪ ،‬وهي رمبا تكون وراثية كالناعور(((‪� ،‬أو غذائية تنجم عن‬
‫نق�ص مواد غذائية معينة �أو زيادة يف تناولها كنق�ص الربوتينات �أو الفيتامينات‪،‬‬
‫�أو ب�سبب هرموين ك�أمرا�ض الغدد �أو لأ�سباب خلقية ت�صيب اجلنني وهو ال يزال‬
‫يف رحم �أمه‪ ،‬وهناك �أمرا�ض تنتج عن تكاثر اخلاليا الع�شوائية كالأورام ال�سليمة‬
‫وال�سرطانية‪ ،‬وهناك �أمرا�ض تنتج عن �أ�سباب متعددة جمتمعة كداء ال�سكري و�ضغط‬
‫الدم وغريهما(((‪.‬‬
‫د‪ .‬التعريف باملر�ض املعدي (فريو�س كورونا امل�ستجد)‬
‫فريو�سات كورونا هي‪ :‬ف�صيلة كبرية من الفريو�سات التي قد ت�سبب املر�ض‬
‫للحيوان والإن�سان‪ ،‬ومن املعروف �أن عددًا من فريو�سات كورونا ت�سبب لدى الب�شر‬
‫حاالت عدوى اجلهاز التنف�سي التي ترتاوح حدتها من نزالت الربد ال�شائعة �إلى‬
‫الأمرا�ض الأ�شد وخامة مثل‪ :‬متالزمة ال�شرق الأو�سط التنف�سية‪ ،‬واملتالزمة التنف�سية‬
‫احلادة الوخيمة (ال�سار�س)‪ ،‬وي�سبب فريو�س كورونا املُكت�شف م�ؤخ ًرا مر�ض فريو�س‬
‫كورونا كوفيد‪.19-‬‬
‫ومر�ض كوفيد‪ 19-‬هو مر�ض ُم ٍعد ي�سببه فريو�س كورونا املُكت�شف م�ؤخ ًرا‪ ،‬ومل‬
‫((( �أحكام نقل الأمرا�ض املعدية‪ :‬ح�سام ح�سن ح�سني‪� ،‬ص ‪.11‬‬
‫((( الناعور (‪ :)Hemophilia‬هو مر�ض وراثي ناجم عن نق�ص ب�أحد عوامل تخرث الدم‪ ،‬يتجلى بنزيف‬
‫متكرر يف الأع�ضاء الداخلية‪ ،‬خا�صة باملفا�صل‪ .‬يحمل �صبغي اجلن�س الأنثوي‪ ،‬ال�صبغي (‪ ،)X‬اجلني‬
‫الطافر الذي ينقل املر�ض‪ ،‬لذلك ي�صاب الذكور باملر�ض يف حني الإناث يحملن املر�ض ويبقني معافيات‪،‬‬
‫غري م�صابات باملر�ض‪.‬‬
‫ينظر‪.https://www.webteb.com/hematology/ :‬‬
‫((( العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع‪ :‬د‪ /‬حممد نزار الدقر‪ ،‬ينظر‪https://draldaker. :‬‬
‫‪� ،wordpress.com/‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية‪ :‬ح�سام ح�سن ح�سني‪� ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪229‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫يكن هناك �أي علم بوجود هذا الفريو�س‪ ،‬وهذا املر�ض امل�ستجد قبل اندالع الفا�شية‬
‫يف مدينة يوهان ال�صينية يف كانون الأول‪ /‬دي�سمرب ‪2019‬م(((‪.‬‬
‫وقد جاء التعريف بفريو�س كورونا امل�ستجد يف تو�صيات الندوة الفقهية الطبية‬
‫الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل ب�أنه‪« :‬مر�ض الفريو�س التاجي ‪ 2019‬املعروف‬
‫اخت�صا ًرا بكوفيد‪ 19-‬هو التهاب يف اجلهاز التنف�سي ب�سبب فريو�س تاجي جديد‪،‬‬
‫وقد �أعلنت منظمة ال�صحة العاملية ر�سم ًيا �أن هذا الوباء جائحة عاملية يف ‪ 11‬مار�س‬
‫‪2020‬م‪ .‬و ُيظن �أن الفريو�س حيواين املن� أش� يف الأ�صل‪ ،‬ولكن احليوان اخلازن غري‬
‫معروف حتى الآن ب�شكل م�ؤكد‪ ،‬وهناك �شبهات حول اخلفا�ش و�آكل النمل‪ ،‬و�أما انتقاله‬
‫من �إن�سان لآخر فقد ثبت �أنه وا�سع االنت�شار‪ ،‬وترتاوح العدوى بني حامل الفريو�س‬
‫من دون �أعرا�ض �إلى �أعرا�ض �شديدة‪ ،‬ت�شمل احلمى وال�سعال و�ضيق التنف�س (يف‬
‫احلاالت املتو�سطة �إلى ال�شديدة)؛ قد يتطور املر�ض خالل �أ�سبوع �أو �أكرث من معتدل‬
‫�إلى حاد(((‪.‬‬
‫هـ‪ .‬هل ُيعد املر�ض املعدي «فريو�س كورونا» طاعو ًنا؟‬
‫الطاعون يف اللغة‪ :‬املر�ض العام والوباء الذي يف�سد له الهواء فتف�سد له الأمزجة‬
‫والأبدان(((‪.‬‬
‫وبعبارة �أخرى الطاعون‪“ :‬دا ٌء َو َر ِم ٌّي وبائي �سببه مكروب ي�صيب الفئران‪ ،‬وتنقله‬
‫الرباغيث �إلى فئران �أخرى و�إلى الإن�سان”(((‪.‬‬
‫و�أما الطاعون يف اال�صطالح‪ :‬فقد عرفه الإمام النووي ‪“ :‬الطاعون‪ :‬قروح‬
‫‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-‬‬ ‫(((‬
‫‪public/q-a-coronaviruses‬‬
‫((( تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل‪ ،‬منظمة املتعاون الإ�سالمي‪،‬‬
‫بعنوان‪« :‬فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ )19-‬وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية‪ ،‬املنعقد‬
‫(بوا�سطة الفيديو عن ُبعد) يف ‪� 23‬شعبان ‪1441‬هـ‪-‬املوافق ‪� 16‬أبريل ‪2020‬م‪ ،‬جدة‪ ،‬ال�سعودية‪� ،‬ص ‪.4-3‬‬
‫((( ل�سان العرب‪ ،‬مادة (طعن) ‪.265/13‬‬
‫((( املعجم الو�سيط‪( ،‬طعن) ‪.558/2‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪230‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫تخرج يف اجل�سد فتكون يف الآباط �أو املرافق �أو الأيدي �أو الأ�صابع و�سائر البدن‪،‬‬
‫ويكون معه ورم و�أمل �شديد‪ ،‬وتخرج تلك القروح مع لهيب وي�س ّو ّد ما حواليه �أو يخ�ض ّر‬
‫�أو يحم ّر حمرة بنف�سجية كدرة ويح�صل معه خفقان القلب والقيء”(((‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف يتبني �أن الطاعون مر�ض خم�صو�ص ب�أعرا�ض معينة‪ ،‬ولي�س‬
‫معد يعد طاعو ًنا �إال بالقيا�س �أو املجاز‪.‬‬
‫كل وباء ٍ‬
‫ويرى الإمام ابن القيم ‪� ‬أن بني الوباء والطاعون عموم وخ�صو�ص؛ فكل‬
‫طاعون وباء‪ ،‬ولي�س كل وباء طاعو ًنا‪ ،‬وكذلك الأمرا�ض العامة �أعم من الطاعون؛‬
‫ف�إنه واحد منها‪�( .‬أي‪ :‬الطاعون �أحد �أنواع الأوبئة)‪ ،‬حيث يقول‪“ :‬والتحقيق �أن بني‬
‫عموما وخ�صو صً� ا‪ ،‬فكل طاعون وباء‪ ،‬ولي�س كل وباء طاعونا‪ ،‬وكذلك‬ ‫الوباء والطاعون ً‬
‫الأمرا�ض العامة �أعم من الطاعون‪ ،‬ف�إنه واحد منها‪ ،‬والطواعني خراجات وقروح‬
‫و�أورام رديئة حادثة يف املوا�ضع املتقدم ذكرها”(((‪ ،‬وهو ما ذكره اخلليل بن �أحمد‬
‫الطاعون‪ ،‬وهو �أي ضً� ا ك ّل َم َر�ض عا ّم‪ ،‬تقول‪� :‬أ�صاب �أهل الكورة العام‬ ‫فقال‪“ :‬الوباء‪ّ :‬‬
‫أر�ض َو ِبئة‪� ،‬إذا كرث َم ْر ُ�ضها‪ ،‬وقد ا�ستوب�أتها وقد َو ُب�ؤَت َت ْو ُب�ؤُ َوباء ًة‪� ،‬إذا‬
‫وباء �شديد‪ ..‬و� ٌ‬
‫كَثرُ ت �أمرا�ضها”(((‪.‬‬
‫و�أما عن تعريف الطاعون يف الطب املعا�صر‪ ،‬ف�إن منظمة ال�صحة العاملية عرفت‬
‫الطاعون ب�أنه‪« :‬مر�ض من الأمرا�ض املعدية املوجودة لدى بع�ض �صغار الثدييات‬
‫والرباغيث املعتمدة لها‪ .‬وقد ُي�صاب النا�س بالطاعون �إذا ما تعر�ضوا للدغ الرباغيث‬
‫احلاملة للعدوى‪ ،‬ويظهر عليهم ال�شكل الدبلي للطاعون‪ .‬وقد يتطور الطاعون الدبلي‬
‫((( �شرح النووي على م�سلم‪ ،‬لأبي كريا يحيى بن �شرف بن مري النووي (ت‪676 :‬هـ)‪ ،204 /14 ،‬ط‪ /‬دار‬
‫�إحياء الرتاث العربي‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫((( زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية (ت‪:‬‬
‫‪751‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت ‪ -‬مكتبة املنار الإ�سالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬ال�سابعة والع�شرون‪,‬‬
‫‪1415‬هـ ‪1994/‬م‪ ،‬والعني‪ :‬للخليل ‪.209/2‬‬
‫((( معجم العني‪ ،‬للخليل بن �أحمد الفراهيدي (ت‪175 :‬هـ)‪ ،418/8 ،‬ط‪ /‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪/‬‬
‫مهدي املخزومي‪ / ،‬د �إبراهيم ال�سامرائي‪.‬‬

‫‪231‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫يف بع�ض الأحيان ليتحول �إلى طاعون رئوي‪ ،‬وذلك عندما ت�صل البكترييا �إلى الرئتني‪.‬‬
‫وانتقال الطاعون من �شخ�ص �إلى �آخر �أم ٌر ممكنٌ من خالل ا�ستن�شاق رذاذ اجلهاز‬
‫التنف�سي امل�صاب بالعدوى من �شخ�ص م�صاب بالطاعون الرئوي(((‪.‬‬
‫وبناء على ما �سبق‪ ،‬وقع اخلالف بني العلماء يف ت�صنيف فريو�س كورونا وغريه‬
‫من الأوبئة املنت�شرة هل تعد طاعو ًنا �أم ال؟‬
‫القول الأول‪� :‬أن «فريو�س كورونا» يف حكم الطاعون‪ ،‬وقد قال بهذا القول من �أهل‬
‫العلم املعا�صرين ف�ضيلة ال�شيخ‪ /‬عبدالعزيز �آل ال�شيخ املفتي العام للمملكة‬
‫العربية ال�سعودية‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ‪ /‬عبداملح�سن العباد البدر‪ ،‬وغريهم(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن «فريو�س كورونا» ال ي�أخذ حكم الطاعون؛ لأن الطاعون نوع خا�ص‬
‫من �أنواع الأوبئة‪ ،‬وال تنطبق �أو�صافه على هذا الفريو�س‪ ،‬وقد قال بهذا بع�ض‬
‫�أهل العلم منهم ال�شيخ‪ /‬حممد بن �صالح العثيمني ‪“ :‬والطاعون قيل‪:‬‬
‫�إنه نوع معني من املر�ض ي�ؤدي �إلى الهالك‪ ،‬وقيل‪� :‬إن الطاعون كل مر�ض‬
‫فتاك منت�شر‪ ،‬مثل الكولريا‪ ،‬فاملعروف �أنها �إذا وقعت يف �أر�ض ف�إنها تنت�شر‬
‫ب�سرعة‪ ،‬واحلمى ال�شوكية‪ ،‬وغريها من الأمرا�ض التي يعرفها الأطباء‪،‬‬
‫وجنهل كث ًريا منها‪ .‬فهذه الأمرا�ض التي تنت�شر ب�سرعة وت�ؤدي �إلى الهالك‬
‫ي�صح �أن نقول‪� :‬إنها طاعون حقيقة‪� ،‬أو حك ًما‪.‬‬
‫ولكن الظاهر من ال�سنة خالف ذلك؛ لأن الر�سول ﷺ َع َّد ال�شهداء فقال‪:‬‬
‫«املطعون واملبطون»(((‪ ،‬وهذا يدل على �أن من �أ�صيب بداء البطن غري من‬
‫((( ‪.https://www.who.int/features/qa/plague/ar/‬‬
‫((( الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون مع درا�سة فقهية للأحكام املتعلقة بفريو�س كورونا‪� ،‬أبو‬
‫عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري‪� ،‬ص ‪ ،8‬الطبعة الأولى ‪1441‬هـ‪2020/‬م‪ ،‬بدون بيانات نا�شر‪ ،‬و�إذا‬
‫رجحنا هذا القول ونظرنا ملا ذكره �أهل الطب املعا�صر يف �أ�شكال الطاعون ف�إن فريو�س كورونا النازل‬
‫ي�شبه �أن يكون من النوع الثاين من �أنواع الطاعون �أال وهو الطاعون الرئوي‪ ،‬واهلل �أعلم‪ .‬ينظر‪ :‬الأحكام‬
‫ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون‪ ،‬لأبي عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري‪� ،‬ص ‪.8‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ‪ -‬كتاب اجلهاد وال�سري ‪ -‬باب ال�شهادة �سبع �سوى القتل ‪ -‬حديث رقم‬
‫(‪ ،550/2 )2866‬ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1421‬هـ‪ ،‬و�أخرجه م�سلم =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪232‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫�أ�صيب بالطاعون‪ ،‬واملبطون هو الذي انطلق بطنه”(((‪.‬‬


‫وحت�صل من هذا �أمور‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪�1.1‬أن الطاعون �سببه طعن اجلن للإن�سان‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنه يكون على �شكل قروح وبثور وورم م�ؤمل جدً ا‪ ،‬يخرج مع لهب وي�سود ما‬
‫حواليه �أو يخ�ض ّر �أو يحم ّر حمرة بنف�سجية كدرة‪ ،‬ويح�صل معه خفقان القلب‬
‫وقيء‪ ،‬ويكون يف �أماكن معينة من البدن كالآباط‪ ،‬واملراق‪ ،‬ورمبا �أ�صاب غري‬
‫ذلك من البدن‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن هناك �أوبئة و�أمرا�ضً ا يح�صل بها كرثة املوت‪ ،‬فت�سمى طاعونا جمازا‪،‬‬
‫لكن لي�ست هي الطاعون املن�صو�ص على �أنه �شهادة ملن مات به‪ ،‬لكنها ُتلحق‬
‫بالطاعون يف احلجر على �أهلها‪ ،‬ويف القدوم عليهم‪ ،‬بجامع العلة‪.‬‬
‫‪4.4‬وبهذا يعلم �أن مر�ض «كورونا» لي�س هو الطاعون الوارد يف ال�سنة‪ ،‬واملوعود‬
‫�أهله ب�أجر ال�شهادة(((‪.‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬
‫الأظهر من �أقوال �أهل العلم �أن الطاعون نوع خا�ص من �أنواع الأوبئة‪ ،‬وال تنطبق �أو�صافه‬
‫على فريو�س كورونا املعا�صر‪ ،‬كما جاء و�صفه يف ال�سنة النبوية «غدة كغدة البعري»(((‪.‬‬
‫= يف �صحيحه‪ -‬كتاب الإمارة‪ -‬باب بيان ال�شهداء‪ -‬حديث رقم (‪ ،838/2 )5049‬ط‪ /‬جمعية املكنز‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫((( ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ :‬لل�شيخ‪ /‬حممد بن �صالح بن حممد العثيمني (ت‪1421 :‬هـ)‪،110/11 ،‬‬
‫ط‪ /‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبعة الأولى‪1428 - 1422 ،‬هـ‪ ،‬وهذا القول من ال�شيخ ‪ ‬كان يف الأوبئة‬
‫قيا�سا على ما ذكره ال�شيخ ‪ ‬يف كالمه عن الطاعون‪،‬‬ ‫التي ظهرت يف زمانه‪ ،‬وهذا القول يف كورونا ً‬
‫والفرق بينه وبني غريه من الأمرا�ض كالكولريا‪ ،‬واحلمى ال�شوكية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫((( موقع الإ�سالم �س�ؤال وجواب‪ :‬هل مر�ض كورونا من الطاعون؟ ‪https://islamqa.info/ar/answers/‬‬
‫((( م�سند �أحمد بن حنبل‪ -‬م�سند الأن�صار‪ -‬امللحق امل�ستدرك من م�سند الأن�صار ‪ -‬حديث ال�سيدة عائ�شة‬
‫‪ - ‬حديث رقم (‪ ،53/42 )25118‬ط‪ /‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ‪/‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط و�آخرون‪ ،‬وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع حديث رقم (‪= ،)4282‬‬

‫‪233‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫وي�ؤكد هذا ما ُذكر من دخول هذا الفريو�س �إلى املدينة املنورة قبل عدة �سنني‪،‬‬
‫واهلل �أعلم(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أ�سباب املر�ض املعدي‬
‫يمُ كن �أن حتدُث الأمرا�ض املُعدية ب�سبب‪:‬‬
‫‪1.1‬البكترييا‪ :‬تلك الكائنات وحيدة اخللية م�سئولة عن حدوث �أمرا�ض مثل التهاب‬
‫وال�س ِّل‪.‬‬
‫احللق العقدي‪ ،‬وعدوى اجلهاز البويل‪ُ ،‬‬
‫‪2.2‬الفريو�سات‪ :‬ت�سبب الفريو�سات‪ ،‬وهي كائنات �أ�صغر من البكترييا‪ ،‬العديد‬
‫من الأمرا�ض والتي ترتاوح من نزالت الربد وحتى الإيدز‪.‬‬
‫‪3.3‬الفطريات‪ :‬حتدُث العديد من الأمرا�ض اجللدية مثل ال�سعفة والقدَ م الريا�ضي‬
‫ب�سبب الفطريات‪ .‬بينما يمُ كن �أن ُت�سبب �أنواع �أخرى من الفطريات عدوى يف‬
‫الرئتني �أو اجلهاز الع�صبي‪.‬‬
‫‪4.4‬الطفيليات‪ :‬حتدث الإ�صابة باملالريا نتيجة التعر�ض لطفيل �صغري للغاية‬
‫ينتقل عن طريق لدغة البعو�ض‪ .‬بينما قد تنتقل بع�ض الطفيليات الأخرى‬
‫�إلى الإن�سان عرب ف�ضالت احليوانات‪.‬‬
‫‪5.5‬االت�صال املبا�شر‪ :‬ت َْ�س ُهل الإ�صابة مبعظم الأمرا�ض املعدية عند االت�صال‬
‫حيوان يحمل العدوى‪ .‬ويمُ كن �أن تنت�شر الأمرا�ض املعدية‬
‫ٍ‬ ‫�شخ�ص �أو‬
‫ٍ‬ ‫مع‬
‫باالت�صال املبا�شر كما يلي(((‪:‬‬
‫•من �شخ�ص لآخر‪َ .‬ي�شيع انت�شار الأمرا�ض املعدية عرب االنتقال املبا�شر‬
‫= ون�ص احلديث‪ :‬معاذة بنت عبداهلل العدوية قالت‪ :‬دخلت على عائ�شة فقالت‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬ال‬
‫تفنى �أمتي �إال بالطعن والطاعون قلت يا ر�سول اهلل‪ :‬هذا الطعن قد عرفناه‪ ،‬فما الطاعون؟ قال‪ :‬غدة‬
‫كغدة البعري املقيم بها كال�شهيد والفار منها كالفار من الزحف»‪.‬‬
‫((( الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون‪� ،‬أبو عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري‪� ،‬ص ‪.8‬‬
‫((( ‪https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/infectious-diseases/symptoms-‬‬
‫‪causes/syc-20351173‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪234‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫للبكترييا �أو الفريو�سات �أو غريها من اجلراثيم من �شخ�ص �إلى �آخر‪ .‬وقد‬
‫م�صاب بالبكترييا �أو الفريو�س �إن�سا ًنا‬
‫ٌ‬ ‫َيحدُث ذلك حني يالم�س �إن�سا ٌن‬
‫�سلي ًما �أو ُي َق ِّبله �أو ي�سعل �أو يعط�س ناحيته‪.‬‬
‫•من حيوان �إلى �شخ�ص‪ .‬يمُ كن �أن ُت�صاب باملر�ض من خالل التع ُّر�ض‬
‫حيوان موبوء ‪-‬حتى �إن كان حيوا ًنا �ألي ًفا‪ -‬وقد‬
‫ٍ‬ ‫للع�ض �أو اخلد�ش من ِقبل‬ ‫ِّ‬
‫يكون ذلك مميتًا يف حاالت �شديدة‪ .‬كما �أن التعامل مع ف�ضالت احليوانات‬
‫يمُ كن �أن يكون خط ًرا �أي ضً� ا(((‪.‬‬
‫‪6.6‬االت�صال غري املبا�شر‪ :‬ميكن �أن تنتقل الكائنات التي ت�سبب املر�ض �أي�ضً ا من‬
‫خالل االت�صال غري املبا�شر‪ .‬وقد يعي�ش الكثري من اجلراثيم على الأج�سام‬
‫غري احلية‪ ،‬مثل �أ�سطح الطاوالت �أو مقاب�ض الأبواب �أو ال�صنابري‪.‬‬
‫‪7.7‬لدغات احل�شرات‪ :‬تعتمد بع�ض اجلراثيم على ح�شرات حاملة للمر�ض ‪-‬مثل‬
‫النامو�س �أو الرباغيث �أو القمل �أو القراد‪ -‬لالنتقال من م�ضيف �إلى �آخر‪.‬‬
‫ُتعرف حامالت املر�ض هذه بناقالت العدوى‪ .‬ميكن للنامو�س حمل طفيل‬
‫املالريا �أو فريو�س غرب النيل‪ .‬قد يحمل ُقراد الغزالن البكترييا التي ت�سبب‬
‫داء (اليمْ )‪.‬‬
‫‪8.8‬تلوث الطعام‪ :‬ميكن �أن ت�صيبك �أي ضً� ا اجلراثيم امل�سببة للأمرا�ض من‬
‫خالل الطعام واملاء امللوث‪ .‬ت�سمح �آلية االنتقال هذه انت�شار اجلراثيم للعديد‬
‫من الأ�شخا�ص من خالل م�صدر واحد‪ .‬على �سبيل املثال‪ ،‬ف�إن البكترييا‬
‫الإ�شريكية القولونية (‪ )E. coli‬هي بكترييا موجودة يف �أطعمة معينة ‪ -‬مثل‬
‫الهامربغر غري املطهو جيدً ا �أو ع�صري الفاكهة غري املب�سرت(((‪.‬‬

‫‪https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/infectious-diseases/symptoms-‬‬ ‫(((‬
‫‪causes/syc-20351173‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪235‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫املبحث الأول‬
‫غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫حكم غ�سل امليت‬

‫اختلف الفقهاء يف حكم غ�سل امليت امل�سلم على قولني‪:‬‬


‫القول الأول‪:‬‬
‫�أن غ�سل امليت واجب على الكفاية‪� ،‬إذا قام به البع�ض �سقط الإثم عن الباقني؛‬
‫حل�صول املق�صود بالبع�ض‪ ،‬ك�سائر الواجبات على �سبيل الكفاية‪ ،‬وهذا القول هو ما‬
‫ذهب �إليه جمهور الفقهاء من احلنفية(((‪ ،‬وقول عن الإمام مالك(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪،‬‬
‫واحلنابلة(((‪ ،‬والظاهرية(((‪.‬‬
‫إجماعا �أن‬
‫جاء يف الدر املختار‪“ :‬ويجب �أي يفر�ض على الأحياء امل�سلمني كفاية � ً‬
‫ُيغ�سلوا امل�سلم �إال اخلنثى امل�شكل ف ُيي ّمم”(((‪.‬‬
‫حا�شية ابن عابدين‪ ،113-112/1 :‬ط‪ /‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بدائع ال�صنائع‪ ،300-299/1 :‬ط‪/‬‬ ‫(((‬
‫املكتبة العلمية بريوت‪.‬‬
‫مواهب اجلليل‪ ،207/2 :‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪1398‬هـ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ال�شرح ال�صغري‪.523/1 :‬‬ ‫(((‬
‫رو�ضة الطالبني‪ ،98/2 :‬ط‪ /‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬حا�شية اجلمل‪ ،143/2 :‬ط‪ /‬دار الفكر ‪-‬‬ ‫(((‬
‫بريوت‪.‬‬
‫الإن�صاف‪ ،470/2 :‬ط‪ /‬دار �إحياء الرتاث العربي‪.‬‬ ‫(((‬
‫املحلى‪ ،113/5 :‬ط‪/‬دار الرتاث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫(((‬
‫رد املحتار على الدر املختار‪.112 / 1 :‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪236‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫وجاء يف مواهب اجلليل‪“ :‬ف�صل‪ :‬يف وجوب ُغ�سل امليت بمِ ُ ٍ‬


‫طهر ولو بزمرم‪،‬‬
‫وال�صالة عليه كدفنه‪ ،‬وكفنه‪ ،‬و�سنيتهما”(((‪.‬‬
‫وجاء يف رو�ضة الطالبني‪“ :‬ف�صل‪ُ :‬غ�سل امليت فر�ض كفاية‪ ،‬وكذا التكفني‪،‬‬
‫وال�صالة عليه‪ ،‬والدفن‪ ،‬بالإجماع”(((‪.‬‬
‫وجاء يف الإن�صاف‪“ :‬قوله‪ُ :‬غ�سل امليت وتكفينه وال�صالة عليه ودفنه فر�ض‬
‫كفاية‪ ،‬بال نزاع‪ ،‬فلو دُفن قبل الغ�سل من �أمكن غ�سله لزم نب�شه على ال�صحيح من‬
‫املذهب”(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫�أن غ�سل امليت امل�سلم �سنة‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه الإمام مالك يف القول الثاين عنه‪،‬‬
‫وبع�ض �أ�صحابه منهم ابن يون�س(((‪.‬‬
‫جاء يف التاج والإكليل‪“ :‬قال ابن عرفة‪ :‬غ�سل امليت امل�سلم غري ال�شهيد‪ .‬قال‬
‫ال�شيخ (ابن يون�س) مع الأكرث‪� :‬سنة‪ ،‬وقال القا�ضي عيا�ض مع البغداديني‪ :‬فر�ض‬
‫كفاية»”(((‪.‬‬
‫�سبب اخلالف‪:‬‬
‫يقول الإمام ابن ر�شد ‪“ :‬ال�سبب يف ذلك‪� :‬أنه نقل بالعمل ال بالقول‪ ،‬والعمل‬
‫لي�س له �صيغة ُتفهم الوجوب �أو ال ُتفهمه‪ ،‬وقد احتج لوجوبه بقوله ‪« :‬يف‬
‫ابنته اغ�سلنها ثال ًثا �أو ً‬
‫خم�سا» وبقوله يف املحرم‪« :‬اغ�سلوه»‪ .‬فمن ر�أى �أن هذا القول‬
‫مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪.207 /2 :‬‬ ‫(((‬
‫رو�ضة الطالبني‪ :‬للنووي ‪.98 /2‬‬ ‫(((‬
‫الإن�صاف‪.470/2 :‬‬ ‫(((‬
‫قول مالك هذا حكاه ابن �أبي زيد‪ ،‬وابن يون�س‪ ،‬وابن اجلالب‪ ،‬مواهب اجلليل‪ ،209 / 2 :‬بداية املجتهد‪:‬‬ ‫(((‬
‫‪ ،226/2‬وال�شرح ال�صغري‪ 543 / 1 :‬ط‪ /‬دار املعارف مب�صر‪.‬‬
‫التاج والإكليل‪ :‬لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف �أبي القا�سم العبدري‪ ،‬الغرناطي‪� ،‬أبو عبداهلل املواق‬ ‫(((‬
‫املالكي (ت‪897 :‬هـ)‪ ،207/2 ،‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪1398‬هـ‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬

‫‪237‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫خرج خمرج تعليم ل�صفة الغ�سل ال خمرج الأمر به‪ :‬مل يقل بوجوبه‪ ،‬ومن ر�أى �أنه‬
‫يت�ضمن الأمر وال�صفة قال‪ :‬بوجوبه”(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل جمهور الفقهاء على �أن غ�سل امليت امل�سلم واجب على الكفاية‪� ،‬إذا قام به‬
‫البع�ض �سقط الإثم عن الباقني ب�أدلة من ال�سنة‪ ،‬واملعقول‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬من ال�سنة النبوية‪� :‬أحاديث منها‪:‬‬
‫•احلديث الأول‪ :‬عن �أم عطية الأن�صارية ‪ ،‬قالت‪ :‬دخل علينا ر�سول اهلل‬
‫ﷺ حني توفيت ابنته‪ ،‬فقال‪« :‬اغ�سلنها ثال ًثا‪� ،‬أو ً‬
‫خم�سا‪� ،‬أو �أكرث من ذلك �إن‬
‫ر�أينت ذلك‪ ،‬مباء و�سدر‪ ،‬واجعلن يف الآخرة كافورا ‪�-‬أو �شي ًئا من كافور‪ -‬ف�إذا‬
‫فرغنت ف�آذنني»‪ ،‬فلما فرغنا �آذناه‪ ،‬ف�أعطانا حقوه‪ ،‬فقال‪�« :‬أ�شعرنها �إياه»‬
‫تعني �إزاره(((‪.‬‬
‫ويف رواية مل�سلم عن �أم عطية‪ ،‬قالت‪ :‬دخل علينا النبي ﷺ ونحن نغ�سل ابنته‪،‬‬
‫خم�سا‪� ،‬أو �أكرث من ذلك‪� ،‬إن ر�أينت ذلك‪ ،‬مباء‬ ‫فقال‪« :‬اغ�سلنها ثال ًثا‪� ،‬أو ً‬
‫و�سدر‪ ،‬واجعلن يف الآخرة كافو ًرا �أو �شي ًئا من كافور‪ ،‬ف�إذا فرغنت ف�آذنني»‪،‬‬
‫فلما فرغنا �آذناه ف�ألقى �إلينا حقوه‪ ،‬فقال‪�« :‬أ�شعرنها �إياه»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف قوله ﷺ‪« :‬اغ�سلنها»‪� ،‬أمر يدل على وجوب الغ�سل لها ول�سائر‬
‫�أموات امل�سلمني‪ ،‬وقوله فيما بعد‪�« :‬إن ر�أينت ذلك» راجع �إلى العدد ال �إلى الغ�سل‪،‬‬
‫((( بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ :‬لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي‬
‫ال�شهري بابن ر�شد احلفيد (املتوفى‪595 :‬هـ)‪ ،266/1 ،‬ط‪ /‬مطبعة م�صطفى البابي احللبي و�أوالده‪،‬‬
‫م�صر‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1395 ،‬هـ‪1975/‬م‪.‬‬
‫((( �صحيح البخاري‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب غ�سل امليت وو�ضوئه باملاء وال�سدر‪ -‬حديث رقم ()‪� ،‬صحيح‬
‫م�سلم‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب يف غ�سل امليت‪ -‬حديث رقم (‪.368/1 )2211‬‬
‫((( �صحيح م�سلم‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب يف غ�سل امليت‪ -‬حديث رقم (‪.369/1 )2216‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪238‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫قال الإمام النووي ‪ ‬معناه‪�“ :‬إن احتجنت‪ ،‬ولي�س معناه التخيري وتفوي�ض‬
‫ذلك �إلى �شهوتهن‪ ،‬وكانت �أم عطية غا�سلة للميتات‪ ،‬وكانت من فا�ضالت‬
‫ال�صحابيات ال�ضارية‪ ،‬وا�سمها‪ :‬ن�سيبة‪-‬ب�ضم النون‪ ،‬وقيل‪ :‬بفتحها”(((‪.‬‬
‫•احلديث الثاين‪ :‬عن ابن عبا�س ‪ ،‬قال‪ :‬بينما رجل واقف بعرفة‪� ،‬إذ‬
‫وقع عن راحلته‪ ،‬فوق�صته ‪�-‬أو قال‪ :‬ف�أوق�صته‪ -‬قال النبي ﷺ‪« :‬اغ�سلوه‬
‫مباء و�سدر‪ ،‬وكفنوه يف ثوبني‪ ،‬وال حتنطوه‪ ،‬وال تخ ّمروا ر�أ�سه‪ ،‬ف�إنه يبعث يوم‬
‫القيامة ُملب ًيا»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف قوله ﷺ‪« :‬اغ�سلوه مباء و�سدر»‪ ،‬ب�صيغة الأمر الدالة على‬
‫الوجوب‪ ،‬وهو على الكفاية؛ رف ًعا للحرج املحتم �إن كان واج ًبا عين ًيا‪ ،‬وال يوجد‬
‫عاما ل�سائر امل�سلمني‬‫دليل على خ�صو�صية هذا الرجل بهذا احلكم‪ ،‬فيكون ً‬
‫الذين هم ميوتون يف مثل حاله‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬املعقول‪:‬‬
‫ا�ستدلوا باملعقول على وجوب غ�سل امليت امل�سلم على �سبيل الكفاية‪ ،‬بعدة �أوجه منها‪:‬‬
‫•الوجه الأول‪ :‬على القول ب�أن الآدمي ال يتنج�س باملوت(((؛ فالغ�سل واجب‬
‫للحدث‪ ،‬وهو يتحقق بالبع�ض فيكون وجوبه كفائ ًيا؛ لأن املوت ال يخلو عن �سابقة‬
‫حدث؛ لوجود ا�سرتخاء املفا�صل‪ ،‬وزوال العقل‪ ،‬وهو القيا�س يف احلي‪ ،‬والبدن‬
‫يف حق التطهري ال يتجز�أ‪ ،‬فوجب غ�سله كله‪� ،‬إال �أنا اكتفينا بغ�سل هذه الأع�ضاء‬
‫الظاهرة حال احلياة (�أع�ضاء الو�ضوء وما وقع عليها النجا�سة) دف ًعا للحرج‬
‫((( �شرح النووي على م�سلم‪.3 /7 :‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب الكفن يف ثوبني ‪ -‬حديث رقم (‪،237/1 )1277‬‬
‫و�أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ -‬كتاب احلج‪ -‬باب ما يفعل باملحرم �إذا مات ‪ -‬حديث رقم (‪.487/1 )2948‬‬
‫((( وهذا قول حممد بن احل�سن من احلنفية ومال �إليه بع�ض ال�شافعية‪ ،‬وهو �أ�صح القولني عند ال�شافعية؛‬
‫لأن الآدمي مكرم‪ ،‬ولأنه لو تنج�س ملا حكم بطهارته بالغ�سل ك�سائر احليوانات التي حكم بنجا�ستها‬
‫باملوت‪ ،‬والآدمي يطهر بالغ�سل‪ .‬ينظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،299/1 :‬املجموع‪.140/5 :‬‬

‫‪239‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫لغلبة وجود احلدث يف كل وقت‪ .‬حتى �إن خروج املني عن �شهوة ملا كان ال يكرث‬
‫وجوده مل يكتف فيه �إال بالغ�سل‪ ،‬وال حرج بعد املوت‪ ،‬فوجب غ�سل الكل(((‪.‬‬
‫•الوجه الثاين‪ :‬على القول ب�أن الآدمي يتنج�س باملوت(((‪ ،‬فالغ�سل واجب لق�ضاء‬
‫حق امليت ب�إزالة النجا�سة‪ ،‬وكونه على الكفاية ل�صريورة حقه مق�ض ًيا بفعل‬
‫البع�ض‪ ،‬ويحكم بطهارة امليت امل�سلم بالغ�سل كرامة له‪.‬‬
‫فكانت الكرامة ‪-‬عند �أ�صحاب هذا القول‪ -‬يف احلكم بالطهارة عند وجود ال�سبب‬
‫املطهر يف اجلملة ‪-‬وهو الغ�سل‪ -‬ال يف املنع عند حلول النجا�سة (((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ا�ستدل املالكية على ا�ستحباب غ�سل امليت امل�سلم مبا �أخرجه احلاكم و�صححه‪،‬‬
‫عن �أبي بن كعب‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬ملا ح�ضر �آدم ‪ ‬قال لبنيه‪ :‬انطلقوا‬
‫فاجنوا يل من ثمار اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬فخرج بنوه فا�ستقبلتهم املالئكة فقالوا‪� :‬أين تريدون‬
‫يا بني �آدم؟ قالوا‪ :‬بعثنا �أبونا لنجني له من ثمار اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬ارجعوا فقد كفيتم»‪.‬‬
‫قال‪« :‬فرجعوا معهم حتى دخلوا على �آدم‪ ،‬فلما ر�أتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو‬
‫�إلى �آدم وتلت�صق به‪ ،‬فقال لها �آدم‪� :‬إليك عني �إليك عني‪ ،‬فمن قبلك �أتيت خل بيني‬
‫وبني مالئكة ربي قال‪ :‬فقب�ضوا روحه‪ ،‬ثم غ�سلوه وحنطوه وكفنوه‪ ،‬ثم �صلوا عليه‪ ،‬ثم‬
‫حفروا له ثم دفنوه‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬يا بني �آدم هذه �سنتكم يف موتاكم‪ ،‬فكذاكم فافعلوا»(((‪.‬‬
‫بدائع ال�صنائع‪� ،299/1 :‬شرح فتح القدير‪.106/2 :‬‬ ‫(((‬
‫وهو قول جمهور احلنفية وامل�شهور عند املالكية والقول الثاين عند ال�شافعية؛ لأن الآدمي حيوان دموي‬ ‫(((‬
‫فيتنج�س باملوت ك�سائر احليوان‪ .‬قالوا‪ :‬ولذا لو حمل ميتًا قبل غ�سله ال ت�صح �صالته‪ ،‬ولو كان للحدث‬
‫ل�صحت كحمل املحدث‪� ،‬إال �أن الآدمي امل�سلم خ�ص باعتبار جنا�سته املوتية زائلة بالغ�سل تكر ًميا بخالف‬
‫الكافر ف�إنه ال يطهر بالغ�سل‪ .‬ينظر‪ :‬مواهب اجلليل‪ ،208/2 :‬املنتقى‪ ،4/2 :‬مغني املحتاج‪.333/1 :‬‬
‫بدائع ال�صنائع‪� ،299/1 :‬شرح فتح القدير‪ ،106/2 :‬ورجح الكا�ساين وابن الهمام هذا القول‪ -‬الذي‬ ‫(((‬
‫عمل بالدليلني‪� :‬إثبات النجا�سة عند وجود �سبب النجا�سة‪ ،‬واحلكم‬ ‫عليه جمهور احلنفية‪ -‬لأن فيه اً‬
‫بالطهارة عند وجود ما له �أثر يف التطهري‪.‬‬
‫امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬حديث رقم (‪ ،495/1 )1275‬ط‪ /‬دار الكتب‬ ‫(((‬
‫العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1411 ،‬هـ‪1990 -‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬وقال احلاكم‪:‬‬
‫هذا حديث �صحيح الإ�سناد‪ ،‬ومل يخرجاه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪240‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫وجه الداللة‪:‬‬
‫�أن يف قوله‪« :‬هذه �سنتكم يف موتاكم» دليل على �أن غ�سل امليت �سنة‪ ،‬ولي�س واج ًبا‬
‫كما جاء يف هذا احلديث‪.‬‬
‫ونوق�ش هذا الدليل‪:‬‬
‫ب�أن املق�صود بال�سنة يف هذا احلديث‪ :‬الطريقة امل�ستقيمة ال ق�سيم الواجب‪،‬‬
‫ثم �إن ال�سنة املطلقة يف معنى الواجب‪ ،‬والنا�س قد توارثوا غ�سل امليت من لدن �آدم‬
‫‪� ‬إلى يومنا هذا‪ ،‬فكان تاركه م�سي ًئا لرتكه ال�سنة املتوارثة(((‪.‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬
‫من خالل ما تقدم من ذكر �أقوال الفقهاء و�أدلتهم يف حكم غ�سل امليت امل�سلم‪،‬‬
‫يتبني لنا �أن القول الراجح هو ما ذهب �إليه �أ�صحاب القول الأول‪ ،‬وهم جمهور‬
‫الفقهاء �أن غ�سل امليت امل�سلم واجب على �سبيل الكفاية �إذا قام به البع�ض �سقط‬
‫الإثم عن الباقني‪ ،‬وذلك لقوة �أدلتهم‪ ،‬و�سالمتها من املعار�ضة‪ ،‬وهذا القول هو الذي‬
‫يتفق مع تكرمي الإ�سالم للإن�سان ح ًيا وميتًا‪ ،‬اً‬
‫ف�ضل عن جتديد اليقني باليوم الآخر‪،‬‬
‫ففي هذا الغ�سل تعبري عن حقيقة لقاء اهلل تعالى املحتوم؛ لأن الغ�سل طهارة وجتهيز‬
‫للقاء امللك‪ ،‬كما يف ال�صالة(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم غ�سل من مات باملر�ض املعدي (كورونا)‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم تعذر غ�سل امليت‬
‫قد يتعذر يف بع�ض الأحوال تغ�سيل امليت ل�سبب من الأ�سباب؛ مثل �أن يكون امليت‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪.306 ،299/1 :‬‬
‫((( �أحكام غ�سل امليت‪ :‬د‪� /‬سعد الدين م�سعد الهاليل‪� ،‬ص ‪ 20‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة الإميان‪ ،‬املن�صورة‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪241‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫قد احرتق ج�سده‪ ،‬ولو ُغ ِّ�سل باملاء لتف�سخ‪� ،‬أو احرتق حتى �صار رمادًا‪� ،‬أو رمبا كان‬
‫�سبب وفاته مر�ضً ا من الأمرا�ض املعدية كاجلذام والطاعون وغريها من الأمرا�ض‬
‫بحيث لو ُغ ِّ�سل لرمبا انتقل املر�ض �إلى ُم َغ ِّ�س ِل ِه‪.‬‬
‫وبا�ستعرا�ض �أقوال الفقهاء و�أئمة املذاهب يف هذه امل�س�ألة نرى �أنهم اختلفوا على‬
‫قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ذهب �إلى جواز ترك الغ�سل واالنتقال منه �إلى �صب املاء من غري‬
‫دلك‪ ،‬ف�إن تعذر انتقل �إلى التيمم‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من‬
‫احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬
‫ال�ص ِع ِيد”(((‪.‬‬
‫“منْ َت َع َّذ َر ُغ ْ�س ُلهُ؛ ِل َع َد ِم َما ُي ْغ َ�س ُل ِب ِه َف ُي َي َّم ُم ِب َّ‬
‫جاء يف العناية‪َ :‬‬
‫ال�صب عليه من غري خ�شية‬ ‫ويف ال�شرح الكبري‪“ :‬و�صب على جمروح �أمكن َّ‬
‫�صب املاء عليه �إن مل‬
‫تزلع((( ما ٌء من غري ذلك؛ كمجدور ونحوه‪ ،‬ف ُي ُّ‬ ‫تقط ٍع �أو ٍ‬ ‫ُّ‬
‫تقطعه‪ ...‬ف�إن مل يمُ كن ب�أن خيف ما َذ َك َر يمُ ِّ َم”(((‪.‬‬
‫َي َخ ْف تز ُّلعه �أو ُّ‬
‫وقال النووي ‪�“ :‬إذا تع ّذر غ�سل امليت لفقد املاء �أو احرتق بحيث لو‬
‫ُغ ِّ�سل ل َت َه َّرى‪ ،‬مل ُي َغ َّ�سل بل ُي َي َّمم‪ ،‬وهذا التيمم واجب؛ لأنه تطهري ال يتعلق‬
‫ب�إزالة جنا�سة‪ ،‬فوجب االنتقال فيه عند العجز عن املاء �إلى التيمم كغ�سل‬
‫العناية �شرح الهداية‪.261/16 :‬‬ ‫(((‬
‫ال�شرح الكبري‪� ،410/4 :‬شرح اخلر�شي على خمت�صر خليل‪.117/2 :‬‬ ‫(((‬
‫املجموع‪� ،178/5 :‬إعانة الطالبني‪.127/2 :‬‬ ‫(((‬
‫املبدع‪ ،240/2 :‬ال�شرح الكبري‪.337/2 :‬‬ ‫(((‬
‫العناية �شرح الهداية‪ ،261/16 :‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫(((‬
‫تز ّلعه‪� :‬أي ت�س ّلخه‪ .‬ينظر‪� :‬شرح الزرقاين على خمت�صر خليل‪ ،155 /1 :‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية بريوت‪،‬‬ ‫(((‬
‫واملعنى‪� :‬أن املجدور واملح�صوب واملجروح وذا القروح ومن ته�شم حتت الهدم و�شبههم‪� ،‬إن �أمكن‬
‫تغ�سيلهم غ�سلوا و�إال ُ�ص ّب عليهم املاء من غري ذلك �إن �أمكن‪ ،‬ف�إن زاد �أمرهم على ذلك‪� ،‬أو ُخ�شي من‬
‫�صب املاء تز ّلع �أو تقطع ميموا‪ .‬ينظر‪� :‬شرح اخلر�شي على خمت�صر خليل‪.117/2 :‬‬
‫ال�شرح الكبري‪.410/4 :‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪242‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ملدوغا بحيث لو ُغ َّ�سل ل َت َه َّرى �أو خيف على الغا�سل يمُ ِّ م ملا‬
‫ً‬ ‫اجلنابة‪ ،‬ولو كان‬
‫ذكرناه”(((‪.‬‬
‫وقال يف املبدع‪“ :‬ومن تع ّذر غ�سله لعدم املاء �أو عذر غريه؛ كاحلرق واجلذام‬
‫والتب�ضيع يمُ ِّ م؛ لأن غ�سل امليت طهارة على البدن‪ ،‬فقام التيمم عند العجز‬
‫عنه مقامه؛ كاجلنابة‪.(((”...‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ذهب �إلى �أن امليت �إذا تع ّذر غ�سله وخيف من التهري �أو �إ�سراع‬
‫غ�سل وال ُيي ّمم‪ ،‬وهو وجه عند ال�شافعية(((‪.‬‬ ‫البلى �إليه بعد الدفن‪� ،‬أنه ُي ّ‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫دليل القول الأول‪ :‬ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول على �أن امليت �إذا تعذر غ�سله‬
‫غ�سل ب�أن‪ :‬غ�سل امليت تطهري ال‬ ‫وخيف عليه من التهري بالغ�سل‪� ،‬أنه ُيي ّمم وال ُي ّ‬
‫يتعلق ب�إزالة النجا�سة‪ ،‬فوجب االنتقال فيه عند العجز عن املاء �إلى التيمم‪،‬‬
‫كاحلي اجلنب الذي ي�ؤذيه املاء(((‪.‬‬
‫غ�سل وال ُيي ّمم‬
‫دليل القول الثاين‪ :‬ا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين على �أن امليت ُي ّ‬
‫ب�أن‪ :‬املوتى �صائرون �إلى البلى‪ ،‬بخالف اخلوف على اجلنب من املر�ض‬
‫با�ستعمال املاء(((‪.‬‬
‫وميكن اجلواب عن ذلك‪:‬‬
‫ب�أن هناك فر ًقا كب ًريا بني البلى الذي ي�صري �إليه املوتى بحكم �سنة اهلل يف‬
‫الأر�ض‪ ،‬وبني ما يكون ب�سبب الإن�سان‪ ،‬مع وجود البديل ال�شرعي وهو التيمم(((‪.‬‬
‫((( املجموع‪� ،178/5 :‬إعانة الطالبني‪.127/2 :‬‬
‫((( املبدع‪.240/2 :‬‬
‫((( ذكره �إمام احلرمني والغزايل و�آخرون من اخلرا�سانيني‪ .‬ينظر‪ :‬املجموع‪ ،134/5 :‬رو�ضة الطالبني‪.108/2 :‬‬
‫((( املب�سوط‪ ،112/1 :‬ال�شرح ال�صغري‪ ،545/1 :‬املجموع‪ ،134/5 :‬رو�ضة الطالبني‪ ،108/2 :‬الرو�ض‬
‫املربع‪ ،335/1 :‬املغني‪.540/2 :‬‬
‫((( املجموع‪ ،134/5 :‬رو�ضة الطالبني‪.108/2 :‬‬
‫((( �أحكام غ�سل امليت‪ :‬د‪� .‬سعد الهاليل‪� ،‬ص ‪.206‬‬

‫‪243‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫املناق�شة والرتجيح(((‪:‬‬
‫‪1.1‬جمهور الفقهاء متفقون على وجوب غ�سل امليت عند تع ّذر املوانع‪ ،‬بل �إن‬
‫بع�ضهم نقل الإجماع على �أن ذلك من فرو�ض الكفاية‪.‬‬
‫‪2.2‬كما يرى اجلمهور �أنه عند تع ّذر غ�سل امليت على وفق ما ورد يف ال�شريعة‬
‫ل�سبب مانع من حرق �أو مر�ض يغلب على الظن ت�ضرر الغا�سل �أو املغ�سول‪،‬‬
‫ف�إنه ي�سقط الغ�سل مع الدلك‪ ،‬وي�صار �إلى �صب املاء على امليت من غري دلك‪،‬‬
‫و�إال انتقل �إلى التيمم‪.‬‬
‫‪3.3‬كما يرى بع�ض العلماء �سقوط التيمم عند تعذر الغ�سل ‪-‬كما هو يف الرواية‬
‫الثانية عند احلنابلة‪ -‬بنا ًء على �أن الق�صد من غ�سل امليت هو التنظيف‪ ،‬وهو‬
‫ال يتحقق بالتيمم‪ .‬في�صلى عليه واحلالة هذه من غري غ�سل وال تيمم‪.‬‬
‫‪ )44.4‬ذهب بع�ض املعا�صرين من �أهل العلم �إلى �أن امليت �إذا تع ّذر غ�سله ب�سبب‬
‫معد يخاف من انتقاله �إلى مغ�سله‪ ،‬ف�إنه ي�صار �إلى التيمم‪ ،‬و�أنه �إذا‬
‫مر�ض ٍ‬
‫قرر املخت�صون من �أهل الطب خطورة الغ�سل والتيمم على من با�شره‪ ،‬ف�إنه‬
‫ي�صلى عليه من غري غ�سل وال تيمم‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن القول ب�سقوط الغ�سل والتيمم ال ي�صار �إليه �إال بعد اتخاذ الإجراءات‬
‫الوقائية الالزمة ملنع انتقال عدوى املر�ض �إلى املبا�شرين للغ�سل �أو التيم‪،‬‬
‫و�أن يكون �أولئك املبا�شرون من �أهل الدربة واالخت�صا�ص يف التعامل مع هذه‬
‫احلاالت املر�ضية‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬حكم غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا) على قولني(((‪:‬‬
‫((( وحدة البحث العلمي‪ ،‬ب�إدارة الإفتاء‪ ،‬وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية بالكويت‪.‬‬
‫((( النوازل يف اجلنائز‪ :‬ر�سالة ماج�ستري يف الفقه‪ ،‬كلية ال�شريعة‪ ،‬جامعة الإمام حممد بن �سعود‬
‫الإ�سالمية بالريا�ض‪ ،‬للباحث‪ /‬عبدالرحمن بن �إبراهيم بن حممد املر�شد‪1432 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪ 117‬وما‬
‫بعدها (بت�صرف)‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪244‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫القول الأول‪� :‬أنه يجب تغ�سيل امليت‪ ،‬مع الأخذ باالحتياطات الواجبة يف ذلك‪،‬‬
‫وهي فتوى اللجنة الدائمة(((()‪.‬‬
‫تخريجا على م�س�ألة ما �إذا كان املاء ي�ؤدي �إلى‬
‫ً‬ ‫غ�سل وال ُيي ّمم‪،‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال ُي ّ‬
‫غ�سل وال يكفن حماية له‪ ،‬فكذلك يف‬ ‫تز ّلغ جلد امليت‪ ،‬وتقطعه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال ُي ّ‬
‫م�س�ألتنا‪ ،‬حماية للمغ�سل‪ ،‬وهو قول احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول على ما ذهبوا �إليه ب�أنه يجب تغ�سيل امليت امل�صاب‬
‫باملر�ض املعدي‪ ،‬مع الأخذ باالحتياطات الواجبة يف ذلك بالأدلة الآتية‪:‬‬
‫• الدليل الأول‪ :‬الإجماع علي �أن غ�سل امليت فر�ض كفاية‪ ،‬وهو من الأموات‬
‫فالواجب غ�سله(((‪.‬‬
‫•الدليل الثاين‪� :‬أن الأمرا�ض املعدية ال ُتنقل بنف�سها‪ ،‬بل ب�أمر اهلل وتقديره‪،‬‬
‫وعليه فال يكون املر�ض املعدي �سب ًبا ملنع التغ�سيل(((‪.‬‬
‫•الدليل الثالث‪� :‬أن خمالطة املري�ض �سبب للعدوى‪ ،‬فيجب االتقاء من ذلك‬
‫ب�أخذ االحتياطات‪ ،‬والو�سائل الواقية(((‪.‬‬
‫جامع الفتاوى والأحكام الطبية‪ ،‬د‪ /‬عبدالعزيز بن فهد بن املح�سن‪ ،‬رقم (‪ ،)14658‬ط‪ /‬دار القا�سم‪،‬‬ ‫(((‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫الفروع‪ ،164/2 :‬الإن�صاف‪ ،505/2 :‬ال�شرح املمتع‪.375/5 :‬‬ ‫(((‬
‫ممن ن�ص على الإجماع‪ :‬الكا�ساين يف بدائع ال�صنائع‪ ،299/1 :‬والكمال بن الهمام يف �شرح فتح‬ ‫(((‬
‫القدير‪ ،105/2 :‬والنووي يف �شرح �صحيح م�سلم‪.129/8 :‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة‪ -‬املجموعة الثانية‪ ،-‬اللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬جمع‬ ‫(((‬
‫وترتيب‪� :‬أحمد بن عبدالرزاق الدوي�ش‪ ،279 /1 ،‬فتوى رقم ‪ 14658‬وتاريخ ‪ 1412/4/15‬هـ‪ ،‬ط‪/‬‬
‫الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬النوازل يف اجلنائز‪ :‬عبدالرحمن املر�شد‪� ،‬ص ‪.117‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة‪ -‬املجموعة الثانية‪ .279/1 -‬النوازل يف اجلنائز‪ :‬عبدالرحمن املر�شد‪.117 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪245‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫�أدلة القول الثاين‪ :‬وي�ستدل لهم بالآتي‪:‬‬


‫•الدليل الأول‪� :‬أن املق�صود من غ�سل امليت تنظيفه‪ ،‬و�إزالة الأذى عنه‪ ،‬ف�إذا‬
‫تع ّذر فال ي�صار لغريه‪ ،‬بل يك ّفن بال غ�سل وال تيمم‪ ،‬وقد تع ّذر يف م�س�ألتنا‬
‫هذه(((‪.‬‬
‫•الدليل الثاين‪� :‬أن ترك امليت بال غ�سل‪ ،‬له يف ال�شريعة ما يوافقه كما يف‬
‫ال�شهيد‪ ،‬فينبغي �أن يكون هنا كذلك‪ ،‬لل�ضرورة(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪:‬‬
‫بالفرق بني ال�شهيد واملري�ض مر ضً� ا معد ًيا‪ ،‬فال يقا�س عليه؛ �إذ عدم التغ�سيل‬
‫لل�شهيد‪ ،‬لكرامته‪ ،‬بخالف املري�ض مر ضً� ا معد ًيا‪ .‬ثم �إن كان املق�صود من غ�سل‬
‫امليت‪ ،‬تنظيفه‪ ،‬و�إزالة الأذى‪ ،‬فليكن كذلك هنا‪ ،‬ولي�س ذلك مبتعذر(((‪.‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬
‫بعد النظر يف الأقوال يتبني �أن الراجح هو القول الأول القائل ب�أنه يجب تغ�سيل‬
‫امليت امل�صاب بالعدوى؛ وذلك لقوة ما ا�ستدلوا به‪ ،‬و�سالمته من املعار�ض‪.‬‬
‫ومن االحتياطات التي تتخذ ملنع العدوى ‪-‬ب�إذن اهلل‪:-‬‬
‫�أ‪ .‬ا�ستخدام الألب�سة الواقية كالقفازات والكمامات �أثناء تغ�سيل امليت؛ لأنه‬
‫يحتاج �إلى مالم�سة امليت ودعك ج�سده‪ ،‬ومالم�سة �إفرازاته‪ ،‬كتنظيف �أنفه‪,‬‬
‫و�أ�سنانه‪ ,‬وقد ن�ص �أهل العلم علي ا�ستحباب و�ضع املغ�سل خرقة على يده عند‬
‫مبا�شرة غ�سل امليت‪ ,‬كي ال يبا�شر النجا�سة بيده وال يتلوث بها(((‪.‬‬
‫ب‪ .‬تعقيم املكان‪ ,‬والأدوات امل�ستخدمة يف التنظيف قبل ا�ستخدامها وبعده‪ .‬وقد‬
‫الفروع‪ ،164/2 :‬الإن�صاف‪ ،505/2 :‬ال�شرح املمتع‪.375/5 :‬‬ ‫(((‬
‫الفروع‪ ،164/2 :‬الإن�صاف‪ ،505/2 :‬ال�شرح املمتع‪.375/5 :‬‬ ‫(((‬
‫النوازل يف اجلنائز‪ :‬عبدالرحمن املر�شد‪� ،‬ص ‪.118‬‬ ‫(((‬
‫املدونة الكربى‪ ،185/1 :‬الأم‪ ،265/1 :‬املغني‪.164/2 :‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪246‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫جاء يف فتاوى اللجنة اجلواب على ال�س�ؤال (�آمل �إفادتنا حول بع�ض حاالت‬
‫الوفاة لدى امل�ست�شفى‪ ,‬حيث �إن بع�ض هذه احلاالت معدية جدً ا مثل نق�ص‬
‫املناعة ( الإيدز) وبع�ض حاالت الوفاة مبر�ض الكبد الوبائي‪ ,‬حيث �إن هذه‬
‫الأمرا�ض يذكر الأطباء �أنها معدية‪ ...‬ف�آمل �إفادتنا ب�ش�أن تغ�سيلها من عدمه‪,‬‬
‫�أو تيممها بالرتاب‪ ,‬وهل ُيفتح كي�س البال�ستيك‪� ,‬أو ييمم فوق البال�ستيك �إذا‬
‫كان التيمم يجوز خ�شية العدوى؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫يتم تغ�سيل املوتى يف احلاالت املذكورة كغريهم من املوتى‪ ,‬والأمرا�ض املذكورة ال‬
‫ُتعدي بطبعها‪ ,‬لأن هذا من اعتقاد اجلاهلية‪ ,‬فهم ي�ضيفون الفعل �إلى غري اهلل‪ ,‬ولكن‬
‫قد يقع مب�شيئة اهلل تعالى ب�سبب املخالطة للمري�ض �شيء من العدوى‪ ,‬ولذلك ال مانع‬
‫من اتخاذ الو�سائل الواقية من التطعيم واللثام والكفون‪ ,‬ونحوها من الو�سائل)(((‪.‬‬
‫وفيما يلي بع�ض الفتاوى والتو�صيات ال�صادرة عن املجامع الفقهية ب�ش�أن غ�سل‬
‫امليت بفريو�س كورونا امل�ستجد‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية‪:‬‬
‫�أو�ضح مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية‪ ،‬حكم تغ�سيل وتكفني ا َمليت‬
‫غ�سل‬
‫مبر�ض وبائي كـ (كورونا)‪ ،‬مو�ضحا �أنَّ الأ�صل فيمن مات من امل�سلمني �أن ُي َّ‬
‫اجلنازة؛ ولكن يف زمن انت�شار الأوبئة وخوف العدوى التي‬ ‫و ُيك َّفن و ُي�ص َّلى عليه �صالة ِ‬
‫املخت�صة �أ َّنها تنتقل مبخالطة ا َمليت املُ َ�صاب؛ ف�إن كان هناك‬
‫َّ‬ ‫ُتث ِبت اجلهات ِّ‬
‫الطب َّية‬
‫فريق متخ�ص�ص يف تغ�سيل وتكفني ودفن �أمثال هذه احلاالت َي ِعرف �إجراءات الوقاية‬
‫و�أحكام َّ‬
‫ال�شريعة اخلا�صة بهذه الأمور؛ فتوليه �أمر ال ُغ�سل والتَّكفني خ ٌ‬
‫ري و�أولى‪.‬‬
‫((( فتاوى اللجنة الدائمة ‪-‬املجموعة الثانية‪ ،-‬اللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬جمع‬
‫وترتيب‪� :‬أحمد بن عبدالرزاق الدوي�ش‪ ،279 /1 ،‬فتوى رقم ‪ 14658‬وتاريخ ‪1412/4/15‬هـ‪ ،‬ط‪/‬‬
‫الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬جامع الفتاوى والأحكام الطبية‪ / ،‬عبدالعزيز بن فهد بن‬
‫املح�سن رقم (‪ ،)14658‬النوازل يف اجلنائز‪ :‬عبدالرحمن املر�شد‪� ،‬ص ‪.120-119‬‬

‫‪247‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫ب�صب‬
‫ِّ‬ ‫فعندئذ ُيك َت َفى‬
‫ٍ‬ ‫�سل وتكفني‪،‬‬ ‫و�س ِّلم املتو َّفى لأهله دون ُغ ٍ‬ ‫و�إنْ مل َيحدُث ُ‬
‫املاء عليه و�إمراره فقط ب�أي طريقة كانت دون تدليكه‪ ،‬مع وجوب �أخذ كل التَّدابري‬
‫غ�سل بدلة‬‫حلجرة‪ ،‬وارتداء املُ ِّ‬ ‫غ�سل‪ ،‬من تعقيم ا ُ‬ ‫االحرتازية ملنع انتقال املر�ض �إلى املُ ِّ‬
‫وقائية‪ ،‬وفر�ض كل ُ�س ُبل الوقاية من ِق َبل �أهل االخت�صا�ص يف ذلك قبل القيام ب�إجراء‬
‫�صب املاء خ�شية انتقال‬ ‫تعذر ُّ‬ ‫ال ُغ�سل؛ من ًعا من �إحلاق الأذى مبن يبا�شر ذلك‪ .‬و�إن َّ‬
‫طريق املاء امل�صبوب على ج�سم امل ِّيت يمُ ِّ َم َك َت َي ُّم ِم ِه َّ‬
‫لل�صالة‪.‬‬ ‫العدوى عن ِ‬
‫و�صل الغبار‬ ‫م�سه لأجل التيمم ولو بخرقة ُت ِ‬ ‫تعذر �إي�صال املاء �إليه‪� ،‬أو َّ‬
‫تعذر ُّ‬ ‫و�إذا َّ‬
‫مبا�شرة على وجهه ويديه عند تف�شي الوباء‪ ،‬و�سرعة انت�شار العدوى‪ ،‬وكرثة امل�صابني؛‬
‫احل ِّي �أَو َلى من ا َمل ِّيت؛ ولكن ال‬
‫احلرج ودُفن دون غ�سل �أو تيمم؛ فاحلفاظ على َ‬ ‫ُ‬ ‫ُرف َع‬
‫أخف ‪-‬مما ُذكر‪� -‬إال ب�ضرورة مانع ٍة ِمن ِف ْعل الأَ�صل‪ ،‬ك ُّل‬‫ُينتَقل ِمن الأَ ْ�صل �إلى ُ�صورة � ّ‬
‫حال ٍة بح�سبها(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تو�صيات البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني‪ ،‬للمجل�س الأوروبي‬
‫للإفتاء والبحوث‪:‬‬
‫جاء فيها‪�« :‬إن تغ�سيل امليت امل�سلم على اختالف بني الفقهاء يف حكمه‪ ،‬فجمهورهم‬
‫على الوجوب‪ ،‬ويف قول عند املالكية واحلنفية �أنه �سنة م�ؤكدة‪ ،‬وهو خالف معترب‬
‫فهم الوجوب‪� ،‬أو ال‬‫و�سببه‪� :‬أن الغ�سل ُنقل بالعمل ال بالقول‪ ،‬والعمل لي�س له �صيغة ُت ِ‬
‫تفهمه‪ ،‬كما �أنه ورد على �سبيل التعليم له‪ ،‬ال الأمر به‪ ،‬والراجح هو وجوب الغ�سل‬
‫لكنه ال ُيقدر عليه �إال يف الأحوال الطبيعية‪ ،‬أ� ّما يف الأحوال اال�ستثنائية ك�أوقات الأوبئة‬
‫والطواعني فيجوز ترك التغ�سيل والتيمم(((‪.‬‬
‫واملعلوم اليوم لدى الأو�ساط ال�صحية �أن التغ�سيل �أو التيمم مع �أخذ االحتياطات‬
‫((( ينظر‪ :‬الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ ،)19‬مركز الأزهر العاملي للفتوى‬
‫الإلكرتونية‪� ،‬ص ‪ 103‬وما بعدها‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1441‬هـ‪2020 -‬م‪.‬‬
‫((( البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني‪ ،‬للمجل�س الأوروبي للإفتاء والبحوث املنعقدة بتقنية (‪)zoom‬‬
‫التوا�صلية يف الفرتة من ‪� 4-1‬شعبان ‪1441‬هـ‪ ،‬املوافق ‪ 28-25‬مار�س ‪2020‬م‪� ،‬ص ‪.23‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪248‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫خ�صو�صا �أن الأخذ ب�شروط الوقاية‬


‫ً‬ ‫الوقائية لل ُمغ�سل ال ينفي عنه خطر العدوى‪،‬‬
‫للمغ�سل يحتاج �إلى تدريب وخربة غري مقدور عليها الآن‪ ،‬و�إذا كانت الطواقم الطبية‬
‫يتعر�ض �أع�ضا�ؤها للعدوى رغم تدريبيها ومبالغتها يف التح ّوط من الإ�صابة‪ ،‬فكيف‬
‫اً‬
‫ات�صال مبا�ش ًرا!(((‪.‬‬ ‫غ�س ٍل ال ميتلك هذه اخلربة ويت�صل بامليت‬ ‫ُمب ّ‬
‫احلي‬
‫�إن القواعد الفقهية والن�صو�ص ال�شرعية تدل على �أن املحافظة على حياة ّ‬
‫ال�صحيح تق ّدم على �إقامة ال�س ّنة �أو الواجب يف حق امليت‪ ،‬ويكفي يف الأحكام اعتبار‬
‫غ�سل ثم انتقالها منه لغريه(((‪.‬‬‫غلبة الظن املتمثل يف انتقالها لل ُم ّ‬
‫ثال ًثا‪ :‬تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل‪:‬‬
‫يجب تغ�سيل املوتى وتكفينهم ولو ّ‬
‫بر�ش املاء‪ ،‬ف�إن تع ّذر فالتيمم‪ ،‬ف�إن تع ّذر‬
‫ي�سقط وجوب الغ�سل على �أن يقوم بذلك امللتزمون �صح ًيا‪ ،‬فال بد �أن يرتدي املغ�سلون‬
‫واملغ�سالت مالب�س حافظة‪ ،‬ويجب �أن يكون هناك حد �أدنى من النا�س لغ�سل املوتى‬
‫للتقليل من خماطر انتقال الفريو�س‪...‬ويجوز غ�سل موتى الأوبئة ب�أجهزة التحكم‬
‫عن بعد‪ ،‬والتي جتمع بني الوفاء ب�شروط وواجبات و�سنن غ�سل املوتى يف ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية واال�شرتاطات ال�صحية والبيئية املرعية‪ .‬والدعوة موجهة للمخت�صني يف‬
‫هذا ال�ش�أن من امل�سلمني للم�سارعة ب�إنتاج مثل هذه الأجهزة(((‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬فتوى جمل�س الإفتاء الأردين يف حكم غ�سل امليت امل�صاب باملر�ض املعدي‬
‫(كورونا)(((‪:‬‬
‫بعد الدرا�سة ومداولة الر�أي قرر املجل�س ما ي�أتي‪:‬‬
‫من مات يف الوباء فيرُ جى �أن يكتب اهلل له �أجر ال�شهيد؛ ذلك �أن النبي ﷺ يقول‪:‬‬
‫البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني‪� ،‬ص ‪.23‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.23‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق‪� :‬ص ‪ 9‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمل�س الإفتاء والبحوث والدرا�سات الإ�سالمية بالأردن يف جل�سته الثانية املنعقدة يوم ال�سبت (‪ 24‬رجب‬ ‫(((‬
‫‪1441‬هـ)‪ ،‬املوافق (‪2020/3/19‬م)‪ ،‬قرار رقم‪ )2020/3( )283( :‬بتاريخ (‪ 24‬رجب ‪1441‬هـ)‪،‬‬
‫املوافق (‪2020/3/19‬م)‬

‫‪249‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫َ«ما ِمنْ َع ْب ٍد َي ُكونُ فيِ َب َل ٍد َي ُكونُ ِفي ِه [يعني‪ :‬الطاعون ومثله كل وباء]‪ ،‬وَيمَ ْ ُكثُ ِفي ِه َال‬
‫َي ْخ ُر ُج ِمنَ ال َب َل ِد‪�َ ،‬صا ِب ًرا محُ ْ ت َِ�س ًبا‪َ ،‬ي ْع َل ُم �أَ َّن ُه َال ُي ِ�صي ُب ُه �إِ اَّل َما َكت ََب اللهَّ ُ َلهُ‪� ،‬إِ اَّل َكانَ َل ُه‬
‫ِم ْث ُل �أَ ْج ِر َ�ش ِه ٍيد»(((‪.‬‬
‫ومع �أجر ال�شهادة‪� ،‬إال �أن الأ�صل يف جنازته غ�سله وتكفينه وال�صالة عليه‪ ،‬ف�إن‬
‫تي�سر ذلك بدون �ضرر على الغا�سل واملكفن وامل�صلي‪ ،‬ب�أن تتخذ االحتياطات الوقائية‬
‫الالزمة واملتعارف عليها لعدم انتقال العدوى �إليه فهو الأ�صل‪ ،‬و�إال فيتبع جمهز‬
‫اجلنازة ما �أمكن قدر امل�ستطاع‪ ،‬ولو �أن ير�ش باملاء ويكفن‪ ،‬ذلك �أن القاعدة ال�شرعية‬
‫املتفق عليها تقرر �أن املي�سور ال ي�سقط باملع�سور‪ ،‬واهلل �سبحانه وتعالى يقول‪( :‬ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪.]286 :‬‬

‫((( �صحيح البخاري‪ -‬كتاب القدر‪ -‬باب قل لن ي�صيبنا �إال ما كتب اهلل لنا‪ -‬حديث رقم (‪/3 )6701‬‬
‫‪.1339-1338‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪250‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫املبحث الثاين‬
‫تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫حكم تكفني امليت‬

‫اختلف الفقهاء يف حكم تكفني امليت امل�سلم على قولني‪:‬‬


‫القول الأول‪:‬‬
‫�أن تكفني امليت امل�سلم فر�ض كفاية‪� ،‬إذا قام به البع�ض �سقط الإثم عن الباقني؛‬
‫لأن حقه �صار مقت�ض ًيا‪ ،‬كما يف الغ�سل‪ .‬والف�ضل لأهل الوالية بذلك على �أهل‬
‫التخلف عنه‪ ،‬واملخاطب بذلك كل من علم مبوته من قريب �أو غريه‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫مذهب جمهور الفقهاء من احلنفية(((‪ ،‬وجمهور املالكية(((‪ ،‬وهو قول ال�شافعية(((‪،‬‬
‫واحلنابلة(((‪ ،‬والظاهرية(((‪.‬‬
‫جاء يف �شرح فتح القدير‪َ (“ :‬ف ْ�ص ٌل فيِ ال َّت ْك ِف ِني) هُ َو َف ْر ٌ�ض َع َلى ا ْل ِك َفا َي ِة‪َ ,‬و ِل َذا ُقدِّ َم‬
‫و�س ًرا َو َج َب فيِ َما ِل ِه‪َ ,‬و�إِنْ لمَ ْ َيترْ ُْك َ�ش ْي ًئا َفا ْل َك َفنُ َع َلى َمنْ‬
‫َع َلى ال َّد ْي ِن‪َ ,‬ف�إِنْ َكانَ المْ َ ِّي ُت ُم ِ‬
‫تجَ ِ ُب َع َل ْي ِه َن َف َق ُتهُ‪.(((”...‬‬
‫�شرح فتح القدير‪ ،452/1 :‬بدائع ال�صنائع‪.306/1 :‬‬ ‫(((‬
‫املنتقى‪ ،9/2 :‬مواهب اجلليل‪ ،207/2 :‬ال�شرح ال�صغري‪.544/1 :‬‬ ‫(((‬
‫الأم‪ ،274/1 :‬مغني املحتاج‪ ،331/1 :‬املجموع �شرح املهذب‪.188/5 :‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪ ،521/2 :‬ك�شاف القناع‪ ،103/2 :‬الإن�صاف‪.355/2 :‬‬ ‫(((‬
‫املحلى‪.113/5 :‬‬ ‫(((‬
‫‪.452/1‬‬ ‫(((‬

‫‪251‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫وجاء يف املجموع �شرح املهذب‪َ “ :‬ت ْك ِف ُني المْ َ ِّي ِت َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة ِبال َّن ِّ�ص َوا ِلإ ْج َما ِع َو ِ�إ َّن ُه‬
‫وع ُه ِمنْ ُم َك َّل ٍف‪َ ,‬حتَّى َل ْو َك َّف َن ُه َ�ص ِب ٌّي �أَ ْو مجَ ْ ُنو ٌن َح َ�ص َل ال َّت ْك ِف ُني ِل ُو ُجو ِد‬ ‫ال ُي ْ�شترَ َُط ُو ُق ُ‬
‫المْ َ ْق ُ�صو ِد”(((‪.‬‬
‫وجاء يف ك�شاف القناع‪َ (“ :‬ف ْ�ص ٌل فيِ ا ْل َك َف ِن)‪َ ،‬و َت َق َّد َم �أَنَّ َت ْك ِفي َن ُه َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة‪...,‬‬
‫( َي ِج ُب َك ْفنُ المْ َ ِّي ِت) فيِ َما ِل ِه‪.(((”...‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫�أن تكفني امليت امل�سلم �سنة ولي�س فر�ضً ا‪ ،‬وهذا القول هو ما ذهب �إليه ابن يون�س‬
‫من املالكية(((‪.‬‬
‫ويناق�ش‪ :‬مبا قاله احلطاب‪“ :‬ال خالف يف وجوب ما ي�سرت العورة‪ ،‬وما حكي عن‬
‫ابن يون�س من �أن التكفني �سنة يحمل على ما زاد على �سرت العورة؛ �إذ ال خالف يف‬
‫وجوب �سرتها”(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل جمهور الفقهاء على �أن تكفني امليت امل�سلم فر�ض كفاية‪� ،‬إذا قام به‬
‫البع�ض �سقط الإثم عن الباقني‪ ،‬ب�أدلة من ال�سنة‪ ،‬واملعقول‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬من ال�سنة النبوية‪:‬‬
‫•الدليل الأول‪ :‬عن ابن عبا�س ‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬الب�سوا من‬
‫ثيابكم البيا�ض ف�إنها من خري ثيابكم‪ ،‬وك ِّفنوا فيها موتاكم»(((‪.‬‬
‫((( ‪.188/5‬‬
‫((( ‪.103/2‬‬
‫((( مواهب اجلليل‪.209/2 :‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.209 /2 :‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ‪ -‬كتاب الطب ‪ -‬باب يف الأمر بالكحل ‪ -‬حديث رقم (‪ ،653/2 )3880‬ط‪ /‬جمعية‬
‫املكنز الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1421‬هـ‪ ،‬والرتمذي يف �سننه ‪ -‬كتاب اجلنائز ‪ -‬باب ما ي�ستحب =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪252‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫وجه الداللة‪ :‬يف ظاهر الأمر بالتكفني‪ ،‬والأمر للوجوب؛ لعدم وجود ما‬
‫ي�صرفه(((‪� .‬أما تخ�صي�ص البيا�ض فال يدخل مع هذا الوجوب؛ فقد �صح �أنه‬
‫ﷺ لب�س حلة حمراء(((‪ ،‬و�شملة �سوداء(((‪.‬‬
‫فهذه قرائن جتعل الأمر بالبيا�ض للندب(((‪.‬‬
‫•الدليل الثاين‪ :‬عن ابن عبا�س ‪ ،‬قال‪ :‬وق�صت برجل حمرم ناقته‪،‬‬
‫فقتلته‪ ،‬ف�أُتي به ر�سول اهلل ﷺ فقال‪« :‬اغ�سلوه‪ ،‬وكفنوه‪ ،‬وال تغطوا ر�أ�سه‪ ،‬وال‬
‫تقربوه طي ًبا‪ ،‬ف�إنه ُيبعث ُيه ّل»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬هذا احلديث وا�ضح الداللة يف وجوب تكفني امليت امل�سلم‪ ،‬فالأمر‬
‫للوجوب‪ ،‬لعدم وجود ما ي�صرفه‪.‬‬
‫•الدليل الثالث‪ :‬عن �أبي بن كعب ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬كان �آدم اً‬
‫رجل‬
‫طوال �آدم‪ ،‬ك�أنه نخلة �سحوق‪ ،‬و�إنه ملا ح�ضره الوفاة نزلت املالئكة‬ ‫�أ�شعر اً‬
‫بحنوطه وكفنه من اجلنة‪ ،‬فلما مات غ�سلوه باملاء وال�سدر ثال ًثا‪ ،‬وجعلوا يف‬
‫الثالثة كافو ًرا‪ ،‬وكفنوه يف وتر ثياب‪ ،‬وحفروا له حلدً ا و�صلوا عليه”‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫هذه �سنة ولد �آدم من بعده»(((‪.‬‬
‫= من الأكفان ‪ -‬حديث رقم (‪ ،267/1 )1010‬ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪1421‬هـ‪ ،‬والن�سائي يف ال�سنن ال�صغرى‪ -‬كتاب اجلنائز‪� -‬أي الكفن خري ‪ -‬حديث رقم (‪ ،313/1 )1907‬ط‪/‬‬
‫جمعية املكنز الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1421‬هـ‪ ،‬و�صححه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود حديث‬
‫رقم (‪ ،)3878‬و�صحيح �سنن الرتمذي حديث رقم (‪ ،)994‬و�صحيح �سنن الن�سائي حديث رقم (‪.)1895‬‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪ ،306/1 :‬املغني‪.521/2 :‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ‪ -‬كتاب ال�صالة ‪ -‬باب ال�صالة يف الثوب الأحمر ‪ -‬حديث رقم (‪)378‬‬
‫‪� ،80/1‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ‪ -‬كتاب ال�صالة ‪ -‬باب �سرتة امل�صلي ‪ -‬حديث رقم (‪.204/1 )1147‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ -‬كتاب احلج‪ -‬باب جواز دخول مكة بغري �إحرام ‪ -‬حديث رقم (‪)3377‬‬
‫‪ ،555/1‬ولفظه‪� » :‬أن ر�سول اهلل ﷺ خطب النا�س وعليه عمامة �سوداء»‪.‬‬
‫((( املحلى‪.119/5 :‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ -‬كتاب جزاء ال�صيد‪ -‬باب ما ينهى من الطيب للمحرم واملحرمة‪ -‬حديث‬
‫رقم (‪.345/1 )1870‬‬
‫((( م�صنف عبدالرزاق ال�صنعاين‪ -‬كتاب اجلنائز ‪ -‬باب غ�سل امليت ‪ -‬حديث رقم (‪ ،400/3 )6086‬ط‪/‬‬
‫املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرحمن الأعظمي‪.‬‬

‫‪253‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫وجه الداللة‪ :‬يف قوله ﷺ عن املالئكة‪« :‬هذه �سنة ولد �آدم من بعده»؛ ذلك �أن‬
‫ال�سنة املطلقة يف معنى الواجب‪ ،‬وكذا ف�إن النا�س قد توارثوا هذا من لدن �آدم‬
‫‪� ‬إلى يومنا هذا‪ ،‬فكان تاركه م�سي ًئا لرتكه ال�سنة املتوارثة(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من املعقول‪:‬‬
‫و�أما �أدلتهم‪ ،‬فمن ثالثة �أوجه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن �سرتة امل�سلم واجبة يف احلياة‪ ،‬فكذلك بعد املوت(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن غ�سل امليت �إمنا وجب كرامة له وتعظي ًما‪ ،‬ومعنى التعظيم‬
‫والكرامة �إمنا يتم بالتكفني‪ ،‬فكان واج ًبا(((‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن تكفني امليت يح�سب من ر�أ�س ماله‪ ،‬وهو مقدم على الدين‬
‫والإرث والو�صية‪ ،‬فكان واج ًبا‪ ،‬ولذلك قالوا‪ :‬من مل يكن له مال فكفنه على‬
‫من عليه نفقته‪ ،‬كما تلزمه ك�سوته يف حال حياته(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ا�ستدل ابن يون�س من املالكية على ما ذهب �إليه من �أن تكفني امليت امل�سلم �سنة‬
‫ولي�س فر�ضً ا مبا جاء عن �أبي بن كعب ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬كان �آدم اً‬
‫رجل‬
‫طوال �آدم‪ ،‬ك�أنه نخلة �سحوق‪ ،‬و�إنه ملا ح�ضره الوفاة نزلت املالئكة بحنوطه‬ ‫�أ�شعر اً‬
‫وكفنه من اجلنة‪ ،‬فلما مات غ�سلوه باملاء وال�سدر ثال ًثا‪ ،‬وجعلوا يف الثالثة كافو ًرا‪،‬‬
‫وكفنوه يف وتر ثياب‪ ،‬وحفروا له حلدً ا و�صلوا عليه”‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه �سنة ولد �آدم من‬
‫بعده»(((‪.‬‬
‫بدائع ال�صنائع‪.306 ،299/1 :‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪ ،521/2 :‬الكايف‪.255/1 :‬‬ ‫(((‬
‫بدائع ال�صنائع‪.306/1 :‬‬ ‫(((‬
‫جممع الأنهر‪� ،181/1 :‬شرح فتح القدير‪.452/1 :‬‬ ‫(((‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪254‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫وجه الداللة‪:‬‬
‫قوله ﷺ‪« :‬هذه �سنة ولد �آدم من بعده» دليل على �أن تكفني امليت امل�سلم �سنة‬
‫بال�سن ّية(((‪ ،‬وهذا دليل على �أنه �سنة‪.‬‬
‫ولي�س فر�ضً ا؛ لأنه عرب ُ‬
‫واجلواب عن هذا اال�ستدالل‪:‬‬
‫ب�أن املق�صود بال�سنة يف هذا احلديث‪ :‬الطريقة امل�ستقيمة ال ق�سيم الواجب‪ ،‬ثم‬
‫�إن ال�سنة املطلقة يف معنى الواجب‪ .‬هذا اً‬
‫ف�ضل عن الأدلة الكثرية الثابتة يف فر�ضية‬
‫الكفن للم�سلم‪ ،‬والتي �سبق بيانها يف �أدلة اجلمهور يف �أدلة القول الأول‪ ،‬وكذا ف�إن‬
‫النا�س قد توارثوا هذا من لدن �آدم ‪� ‬إلى يومنا هذا‪ ،‬فكان تاركه م�سي ًئا لرتكه‬
‫ال�سنة املتوارثة(((‪.‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬
‫من خالل ما �سبق ذكره يف حكم تكفني امليت امل�سلم‪ ،‬وذكر �أقوال الفقهاء يف‬
‫امل�س�ألة و�أدلتهم‪ ،‬يتبني �أن الراجح هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء �أ�صحاب القول‬
‫الأول �أن تكفني امليت امل�سلم فر�ض على الكفاية �إذا قام به البع�ض‪� ،‬سقط الإثم عن‬
‫الباقني‪ ،‬وذلك لقوة �أدلتهم‪ ،‬و�ضعف �أدلة القول الثاين‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫�إن تكفني امليت امل�سلم امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا) فر�ض كفاية �إذا قام به‬
‫البع�ض �سقط الإثم عن الباقني‪ ،‬وهذا هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء يف غ�سل امليت‬
‫عموما‪ ،‬وما ينطبق على امليت غري امل�صاب ينطبق �أي�ضً ا على امليت امل�صاب‬
‫امل�سلم ً‬
‫بهذا املر�ض املعدي‪ ،‬مع االلتزام بكافة التدابري االحرتازية التي تقرها اجلهات‬
‫((( مواهب اجلليل‪.208/2 :‬‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪.306 ،299/1 :‬‬

‫‪255‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫املخت�صة‪ ،‬وهذا ما عليه قرارات املجامع الفقهية وجلان الفتوى املخت�صة‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما جاء يف تو�صيات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل ب�ش�أن «فريو�س كورونا امل�ستجد»‪،‬‬
‫فقد ورد فيها‪« :‬ال يجوز �إجراء التكفني والدفن �إال حتت �إ�شراف اخلرباء املخت�صني‬
‫مراعاة لعدم انتقال العدوى مع االلتزام ب�أ ّية �إجراءات يقررونها مثل و�ضع جثث‬
‫املوتى يف �أكيا�س بال�ستيكية حمكمة الإغالق‪ ،‬ثم ي�صلى عليه‪ .‬وميكن ملن �شاء من‬
‫امل�سلمني �أن ي�صلي عليه �صالة الغائب ولو فرادى يف �أي مكان متاح‪ ،‬وال يجوز حرق‬
‫جثامني امل�سلمني يف �أي حال من الأحوال‪ ،‬وال بد من الإ�سراع يف الدفن؛ ذلك لأن‬
‫ول‪ِ�« :‬إ َذا َماتَ‬‫�شرعا عن ابن عمر ‪ ‬قال َ�س ِم ْع ُت ال َّن ِب َّي ﷺ َي ُق ُ‬ ‫الت�أخر عنه مكروه ً‬
‫�أَ َح ُد ُك ْم َفلاَ تحَ ْ ِب ُ�سو ُه‪َ ،‬و�أَ ْ�س ِر ُعوا ِب ِه ِ إ� َلى َقبرْ ِ ِه»((( (((‪.‬‬
‫كما �أو�ضح مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية‪ ،‬حكم تغ�سيل وتكفني ا َمليت‬
‫غ�سل‬ ‫مو�ضحا �أنَّ الأ�صل فيمن مات من امل�سلمني �أن ُي َّ‬ ‫ً‬ ‫مبر�ض وبائي كـ (كورونا)‪،‬‬
‫اجلنازة؛ ولكن يف زمن انت�شار الأوبئة وخوف العدوى التي‬ ‫و ُيك َّفن و ُي�ص َّلى عليه �صالة ِ‬
‫املخت�صة �أ َّنها تنتقل مبخالطة ا َمليت املُ َ�صاب؛ ف�إن كان هناك‬ ‫َّ‬ ‫ُتث ِبت اجلهات ِّ‬
‫الطب َّية‬
‫فريق متخ�ص�ص يف تغ�سيل وتكفني ودفن �أمثال هذه احلاالت َي ِعرف �إجراءات الوقاية‬
‫ري و�أولى‪.‬‬ ‫ال�شريعة اخلا�صة بهذه الأمور؛ فتوليه �أمر ال ُغ�سل والتَّكفني خ ٌ‬ ‫و�أحكام َّ‬
‫ب�صب‬
‫ِّ‬ ‫فعندئذ ُيك َت َفى‬
‫ٍ‬ ‫�سل وتكفني‪،‬‬ ‫و�س ِّلم املتو َّفى لأهله دون ُغ ٍ‬ ‫و�إنْ مل َيحدُث ُ‬
‫املاء عليه و�إمراره فقط ب�أية طريقة كانت دون تدليكه‪ ،‬مع وجوب �أخذ كل التَّدابري‬
‫غ�سل بدلة‬ ‫حلجرة‪ ،‬وارتداء املُ ِّ‬ ‫غ�سل‪ ،‬من تعقيم ا ُ‬ ‫االحرتازية ملنع انتقال املر�ض �إلى املُ ِّ‬
‫وقائية‪ ،‬وفر�ض كل ُ�س ُبل الوقاية من ِق َبل �أهل االخت�صا�ص يف ذلك قبل القيام ب�إجراء‬
‫((( املعجم الكبري للطرباين ‪-‬من ا�سمه عبداهلل‪ -‬ومما �أ�سند عبداهلل بن عمر ‪- ‬عطاء بن �أبي رباح‬
‫‪-‬حديث رقم (‪ ،444/12 )13613‬ط‪ /‬مكتبة الزهراء‪ ،‬املو�صل‪1404 ،‬هـ‪1983/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمدي بن‬
‫عبداملجيد ال�سلفي و�ضعفه الألباين يف �أحكام اجلنائز حديث رقم (‪.)11‬‬
‫((( تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل‪ ،‬منظمة املتعاون الإ�سالمي‪،‬‬
‫بعنوان‪« :‬فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ )19-‬وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية‪ ،‬املنعقد‬
‫(بوا�سطة الفيديو عن ُبعد) يف ‪� 23‬شعبان ‪1441‬هـ‪-‬املوافق ‪� 16‬أبريل ‪2020‬م‪ ،‬جدة‪ ،‬ال�سعودية‪� ،‬ص ‪.9‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪256‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫�صب املاء خ�شية انتقال‬ ‫تعذر ُّ‬ ‫ال ُغ�سل؛ من ًعا من �إحلاق الأذى مبن يبا�شر ذلك‪ .‬و�إن َّ‬
‫تعذر‬‫لل�صالة‪.‬و�إذا َّ‬ ‫طريق املاء امل�صبوب على ج�سم امل ِّيت يمُ ِّ َم َك َت َي ُّم ِم ِه َّ‬ ‫العدوى عن ِ‬
‫و�صل الغبار مبا�شرة على‬ ‫م�سه لأجل التيمم ولو بخرقة ُت ِ‬ ‫�إي�صال املاء �إليه‪� ،‬أو َّ‬
‫تعذر ُّ‬
‫احلرج‬
‫ُ‬ ‫وجهه ويديه عند تف�شي الوباء‪ ،‬و�سرعة انت�شار العدوى‪ ،‬وكرثة امل�صابني؛ ُرف َع‬
‫احل ِّي أَ�و َلى من ا َمل ِّيت؛ ولكن ال ُينتَقل ِمن‬ ‫ودُفن دون غ�سل �أو تيمم؛ فاحلفاظ على َ‬
‫أخف ‪-‬مما ُذكر‪� -‬إال ب�ضرورة مانع ٍة ِمن ِف ْعل الأَ�صل‪ ،‬ك ُّل حال ٍة‬ ‫الأَ ْ�صل �إلى ُ�صورة � ّ‬
‫ال�ضروري �إحاطة الكفن‬ ‫خ�شى من نزول �سوائل من ُج َّثته؛ فمن َّ‬ ‫بح�سبها‪.‬و�إن كان ُي َ‬
‫ال�سوائل منه‪ .‬وك ُّل ما �سبق يتَّفق ومقا�صد َّ‬
‫ال�شريعة‬ ‫بغطاءٍ محُ كم ال َي�سمح بت�س ُّرب َّ‬
‫ال�ضرورات تبيح املحظورات‪،‬‬ ‫ال�شرع َّية املُعتربة؛ �إذ َّ‬
‫ال ُعليا‪ ،‬وكذلك تد ُّل عليه الأد َّلة َّ‬
‫وال�ضرورة ُتق َّدر بقدرها(((‪.‬‬
‫َّ‬

‫املطلب الثالث‬
‫�صورة تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫الأ�صل �أن ُيج ّرد امليت من جميع مالب�سه التي عليه‪ ،‬و ُت�ؤخذ يف كي�س معقم لتحرق‬
‫وتدفن يف مكان ال ُينب�ش‪ ،‬خو ًفا من انتقال العدوى عن طرق البهائم‪� ،‬أو ال�سباع بكل‬
‫�أنواعها‪.‬‬
‫و�صورة الكفن ل�صاحب الوباء‪� ،‬أن يكون معق ًما �سات ًرا جلميع بدنه‪ ،‬بحيث ال‬
‫يت�سرب منه �شيء‪ ،‬ال من �سائل �أو رائحة(((‪.‬‬
‫ولهذا وجب و�ضعه بلبا�س �أو كي�س بال�ستيكي معقم‪ ،‬مثل الذي هو عند رجال‬
‫((( ينظر‪ :‬الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ ،)19‬مركز الأزهر العاملي للفتوى‬
‫الإلكرتونية‪� ،‬ص ‪ 103‬وما بعدها‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1441‬هـ‪2020/‬م‪.‬‬
‫((( �أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا‪ :‬د‪ /‬بلخري طاهري الإدري�سي‪� ،‬ص ‪ ،17‬بحث من�شور‬
‫على �شبكة االنرتنت (مكتبة نور الإلكرتونية ‪ ،https://www.noor-book.com/‬الطبعة الأولى ‪/2020‬‬
‫‪2021‬م‪.‬‬

‫‪257‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫احلماية املدنية‪ ،‬فيدخل فيه‪ ،‬حتى ال يت�سرب �شيء منه‪� ،‬أو تخرج رائحته‪� ،‬أو تنتقل‬
‫عدواه من خالل اللم�س‪ ،‬فيكون كالعازل‪.‬‬
‫ويف حالة عدم التمكن من تكفني امليت بالوباء‪� ،‬إما لغياب ما ذكرنا من ثوب‬
‫لف مبا تي�سر من قما�ش معقم �إن وجد‪،‬‬‫خا�ص معقم‪� ،‬أو كي�س بال�ستيكي معقم‪ُ ،‬ي ّ‬
‫و�أمن انتقال العدوى منه‪ ،‬و�إال يرتك يف ثيابه كما هو‪ ،‬ويدفن بها(((‪.‬‬
‫وعن هذه الإجراءات ب�شيء من التف�صيل قالت وزارة ال�صحة ال�سعودية‪ ،‬يف بيان‬
‫لها‪“ :‬نظ ًرا �إلى احتمالية انتقال العدوى يف �أثناء التعامل مع اجلثمان‪ ،‬يجب التزام‬
‫�إجراءات التعامل مع حاالت الوفاة مل�صابي فريو�س كورونا”(((‪.‬‬
‫ودعا املركز الوطني للوقاية من الأمرا�ض ومكافحتها (وقاية)‪ ،‬الذي يعمل‬
‫حتت �إ�شراف وزارة ال�صحة‪ ،‬املن�ش�آت ال�صحية �إلى (التعامل مع مغا�سل املوتى التي‬
‫حددتها والفرق املتخ�ص�صة التي �سوف تتعامل مع اجلثث ُ‬
‫وغ�سلها)(((‪.‬‬
‫و�أو�صى املركز ب�أنه ال ب ّد من �أن يرتدي الكادر الذي �سيقوم ب ُغ�سل اجلثمان‬
‫«كمامات وقفازات ومريلة طبية‪ ،‬والتزام غ�سل الأيدي باملاء وال�صابون مدة ال تقل‬
‫عن (‪ )40‬ثانية بعد انتهاء عملية النقل �أو الغ�سل»(((‪.‬‬
‫وح�سب �أنظمة طبية عاملية دعت وزارة ال�صحة لتطبيقها‪� ،‬ستو�ضع اجلثة يف‬
‫كي�س مقفل مقاوم املاء‪ ،‬ومينع ت�س ّرب ال�سوائل‪ ،‬وهو �إجراء متوافق مع معايري وزارة‬
‫ال�صحة‪� .‬أما فيما يتعلق بذوي املوتى‪ ،‬ف�إن وزارة ال�صحة منعت �أي تالم�س بني ذوي‬
‫املتويف واجلثمان مثل «التقبيل �أو مل�س اجلثمان»‪ ،‬الحتمالية انتقال فريو�س عالق على‬
‫اجلثة‪ ،‬كما �أنّ �إجراءات ال ُغ�سل �ستكون بوا�سطة عدد حمدود من العاملني‪.‬‬
‫و�أو�صى املركز الوطني للوقاية يف �إر�شاداته ب�ضرورة التطهري البيئي للمغا�سل‪،‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� :‬ص ‪.18‬‬
‫((( ‪https: //www.independentarabia.com/node/‬‬
‫((( ‪https: //www.independentarabia.com/node/‬‬
‫((( ‪https: //www.independentarabia.com/node/‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪258‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫والتخل�ص من النفايات الطبية من قبل املتخ�ص�صني والتزام ا�ستخدام م�ستلزمات‬


‫الوقاية ال�شخ�صية واحتياطات مكافحة العدوى‪� .‬إ�ضافة �إلى التطهري البيئي لو�سيلة‬
‫النقل بعد نقل اجلثث‪ ،‬ودعا �سائقي ومرافقي املوتى ل�ضرورة ارتداء «الكمامات‬
‫وواقي العينني وقفازات اخلدمة وواقي القدمني والأحذية املغلقة»(((‪.‬‬
‫و�شدد املركز على وجوب التخل�ص من م�ستلزمات الوقاية ال�شخ�صية اخلا�صة‬
‫بكل القائمني على عملية الدفن يف �أكيا�س خا�صة بذلك (�أكيا�س النفايات الطبية‬
‫ال�صفراء)‪ ،‬التي �س ُيجرى التخل�ص منها بـ»احلرق �أو الدفن» ب�إ�شراف رقابي ح�سب‬
‫معايري وزارة ال�صحة(((‪.‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪259‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫املبحث الثالث‬
‫ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫حكم ال�صالة على امليت‬

‫اختلف الفقهاء يف حكم ال�صالة على امليت امل�سلم على قولني‪:‬‬


‫القول الأول‪:‬‬
‫�أن الأ�صل يف �صالة اجلنازة �أنها فر�ض كفاية على من مات من امل�سلمني‪ ،‬وهذا‬
‫القول هو ما ذهب �إليه احلنفية يف اجلملة(((‪ ،‬واملالكية يف امل�شهور(((‪ ،‬وهو مذهب‬
‫ال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪ ،‬والظاهرية(((‪.‬‬
‫جاء يف بدائع ال�صنائع‪“ :‬ف�صل والكالم يف �صالة اجلنازة يف موا�ضع‪ :‬يف بيان‬
‫�أنها فري�ضة‪�... ،‬أما الأول‪ :‬فالدليل على فر�ضيتها‪ ...‬مواظبة النبي ﷺ و�أ�صحابه‬
‫‪ ‬والأمة من لدن ر�سول اهلل ﷺ �إلى يومنا هذا عليها دليل الفر�ضية‪.(((”...‬‬
‫وجاء يف مواهب اجلليل‪“ :‬ذهب جمهور النا�س �إلى �أنها من فرو�ض الكفاية‪،‬‬
‫بدائع ال�صنائع‪� ،311/1 :‬شرح فتح القدير‪.116/2 :‬‬ ‫(((‬
‫املنتقى‪ ،11/2 :‬مواهب اجلليل‪.208/2 :‬‬ ‫(((‬
‫املهذب‪ ،132/1 :‬رو�ضة الطالبني‪.116/2 :‬‬ ‫(((‬
‫الكايف‪ ،258/1 :‬الرو�ض املربع‪.340/1 :‬‬ ‫(((‬
‫املحلى‪.21 /5 :‬‬ ‫(((‬
‫بدائع ال�صنائع‪� ،311/1 :‬شرح فتح القدير‪.117-116/2 :‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪260‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ون�ص عليه �سحنون يف كتاب ابنه فقال‪ :‬ال�صالة على اجلنازة فر�ض يحمله بع�ضهم‬
‫عن بع�ض”(((‪.‬‬
‫وجاء يف املجموع‪“ :‬ال�صالة على امليت فر�ض على الكفاية”(((‪.‬‬
‫وجاء يف ك�شاف القناع‪“ :‬ف�صل (يف ال�صالة على امليت)‪ ،‬وهي فر�ض كفاية على‬
‫غري �شهيد معركة ومقتول ظل ًما؛ لأمر ال�شارع بها يف غري حديث”(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫�أن �صالة اجلنازة �سنة‪ ،‬ولي�س فر ضً� ا على الكفاية‪ ،‬وهو قول �ضعيف عند‬
‫وحكي عن �أ�صبغ وابن القا�سم وبع�ض �أ�صحاب مالك‪ ،‬وحكاه عبدالوهاب‬
‫احلنفية(((‪ُ ،‬‬
‫عن الإمام مالك(((‪.‬‬
‫جاء يف جممع الأنهر‪“ :‬ف�صل يف (ال�صالة على امليت) ال�صالة عليه فر�ض كفاية‬
‫بالإجماع؛ حيث ي�سقط عن الآخرين ب�أداء البع�ض‪ ،‬و�إال ي�أثم الكل‪.(((”...‬‬
‫وجاء يف مواهب اجلليل‪“ :‬وقال ابن القا�سم يف املجموعة فيمن �صحب اجلنازة‪:‬‬
‫له �أن ين�صرف عن ال�صالة من غري حاجة ولي�ست بفري�ضة‪.(((” ...‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول على �أن ال�صالة على امليت امل�سلم فر�ض كفاية �إذا‬
‫مواهب اجلليل‪.208/2 :‬‬ ‫(((‬
‫املجموع �شرح املهذب‪.164/5 :‬‬ ‫(((‬
‫ك�شاف القناع‪.109/2 :‬‬ ‫(((‬
‫جممع الأنهر‪.268/1 :‬‬ ‫(((‬
‫املنتقى‪ ،11/2 :‬مواهب اجلليل‪.208/2 :‬‬ ‫(((‬
‫جممع الأنهر‪.268/1 :‬‬ ‫(((‬
‫مواهب اجلليل‪.208/2 :‬‬ ‫(((‬

‫‪261‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫قام به البع�ض �سقط الإثم عن الباقني بعدة �أدلة من الكتاب‪ ،‬ال�سنة‪ ،‬والإجماع‪،‬‬
‫واملعقول‪ ،‬منها‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬من الكتاب الكرمي‪:‬‬
‫قوله تعالى‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة‪.]103 :‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف قوله تعالى‪( :‬ﮡ ﮢ) ب�صيغة الأمر الدالة على الوجوب‪ ،‬وال‬
‫توجد قرينة ت�صرف هذا الأمر عن ظاهره‪ .‬قال الكمال بن الهمام ‪“ :‬وحمل‬
‫معنى ال�صالة يف الآية على املفهوم ال�شرعي �أولى ما �أمكن‪ ،‬وقد �أمكن بجعلها �صالة‬
‫جنازة‪ .‬ثم قال‪ :‬لكن هذا‪� ،‬إذا مل ي�صرح �أهل التف�سري بخالفه”(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من ال�سنة النبوية‪� :‬أحاديث كثرية‪ ،‬منها ما يلي‪:‬‬
‫رجل من �أ�صحاب‬ ‫•الدليل الأول‪ :‬عن زيد بن خالد اجلهني ‪� ،‬أن اً‬
‫النبي ﷺ تويف يوم خيرب‪ ،‬فذكروا ذلك لر�سول اهلل ﷺ فقال‪�“ :‬صلوا على‬
‫�صاحبكم”‪ .‬فتغريت وجوه النا�س لذلك‪ ،‬فقال‪�“ :‬إن �صاحبكم غل يف �سبيل‬
‫اهلل”‪ .‬ففت�شنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ال ي�ساوي درهمني”(((‪.‬‬
‫و�أخرج الرتمذي يف �سننه عن �أبي قتادة يحدث‪ ،‬عن �أبيه‪� ،‬أن النبي ﷺ �أتي برجل‬
‫لي�صلي عليه‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪�« :‬صلوا على �صاحبكم‪ ،‬ف�إن عليه دينا»‪ ،‬قال �أبو‬
‫قتادة‪ :‬هو علي؛ فقال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬بالوفاء»‪ ،‬قال‪ :‬بالوفاء‪ ،‬ف�صلى عليه(((‪.‬‬
‫((( �شرح فتح القدير‪.117/2 :‬‬
‫((( �سنن �أبي داود‪ -‬كتاب اجلهاد‪ -‬باب يف تعظيم الغلول‪ -‬حديث رقم (‪ ،464/2 )2712‬ال�سنن ال�صغرى‪-‬‬
‫كتاب اجلنائز‪ -‬باب ال�صالة على من غل‪ -‬حديث رقم (‪ ،323/1 )1971‬و�ضعفه الألباين يف �ضعيف‬
‫�سنن �أبي داود حديث رقم (‪ ،)2710‬و�ضعيف �سنن الن�سائي حديث رقم (‪.)1958‬‬
‫((( �سنن الرتمذي‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب ما جاء يف ال�صالة على املديون حديث رقم (‪،286/1 )1090‬‬
‫والن�سائي يف ال�سنن ال�صغرى ‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬ال�صالة على من عليه دين ‪ -‬حديث رقم (‪)1972‬‬
‫‪ ،323/1‬وابن ماجه يف �سننه‪ -‬كتاب ال�صدقات‪ -‬باب الكفالة ‪ -‬حديث رقم (‪ ،348/1 )2499‬و�صححه‬
‫الألباين يف �صحيح �سنن الرتمذي حديث رقم (‪ ،)1069‬و�صحيح �سنن الن�سائي حديث رقم (‪،)1959‬‬
‫و�صحيح �سنن ابن ماجه حديث رقم (‪.)2437‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪262‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫•الدليل الثاين‪ :‬عن �أبي بن كعب‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬ملا ح�ضر �آدم ‪‬‬
‫قال لبنيه‪ :‬انطلقوا فاجنوا يل من ثمار اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬فخرج بنوه فا�ستقبلتهم‬
‫املالئكة فقالوا‪� :‬أين تريدون يا بني �آدم؟ قالوا‪ :‬بعثنا �أبونا لنجني له من ثمار‬
‫اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬ارجعوا فقد كفيتم»‪ .‬قال‪« :‬فرجعوا معهم حتى دخلوا على �آدم‪،‬‬
‫فلما ر�أتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو �إلى �آدم وتلت�صق به‪ ،‬فقال لها‬
‫�آدم‪� :‬إليك عني �إليك عني‪ ،‬فمن قبلك �أتيت خل بيني وبني مالئكة ربي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫غ�سلوه وحنطوه وكفنوه‪ ،‬ثم �صلوا عليه‪ ،‬ثم حفروا له ثم‬ ‫فقب�ضوا روحه‪ ،‬ثم ّ‬
‫دفنوه‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬يا بني �آدم هذه �سنتكم يف موتاكم‪ ،‬فكذاكم فافعلوا»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف قوله‪« :‬هذه �سنتكم»‪� ،‬أي‪� :‬شريعتكم ومنهاجكم الذي ال يجوز‬
‫غريه‪ ،‬وي�ؤيد ذلك‪ :‬قولهم ب�صيغة الأمر‪« :‬فكذلكم فافعلوا»(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬الإجماع‪:‬‬
‫قال الإمام ابن ر�شد ‪�“ :‬أجمع على العمل بذلك ‪-‬يعني ال�صالة على امليت‪-‬‬
‫جميع امل�سلمني يف جميع بالد الإ�سالم‪ ،‬ف�صار ذلك �سبيل امل�ؤمنني الذين توعد اهلل على‬
‫ترك اتباعها بقوله‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ) [الن�ساء‪ .]115 :‬فلو �أن قو ًما تركوا ال�صالة على‬
‫جنائزهم للحقهم الوعيد املذكور يف الآية‪ ،‬وهذا دليل بينّ على الوجوب”(((‪.‬‬
‫وقال الإمام النووي ‪“ :‬ما حكي عن بع�ض املالكية‪� ،‬أنه جعلها �سنة‪ ،‬مرتوك‬
‫عليه ال يلتفت �إليه”(((‪.‬‬
‫((( امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم ‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬حديث رقم (‪ ،495/1 )1275‬قال احلاكم‪ :‬هذا‬
‫حديث �صحيح الإ�سناد‪ ،‬ومل يخرجاه‪ ،‬وهو من النوع الذي ال يوجد للتابعي �إال الراوي الواحد‪ ،‬ف�إن عتي بن‬
‫�ضمرة ال�سعدي لي�س له راو غري احل�سن‪ ،‬وعندي �أن ال�شيخني علاله بعلة �أخرى‪ ،‬وهو �أنه روي عن احل�سن‪،‬‬
‫عن �أبي دون ذكر عتي»‪.‬‬
‫((( �أحكام ال�صالة على املوتى‪ :‬د‪� /‬سعد الهاليل‪� ،‬ص ‪.21‬‬
‫((( املقدمات املمهدات‪.165/1 :‬‬
‫((( املجموع‪.160/5 :‬‬

‫‪263‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫راب ًعا‪ :‬املعقول‪:‬‬


‫و�أما الدليل من املعقول‪ :‬فهو ما ثبت من مواظبة النبي ﷺ‪ ،‬و�أ�صحابه والأمة من‬
‫بعدهم �إلى يومنا هذا‪ ،‬على ال�صالة على كل من مات من امل�سلمني يف غري �شهادة‪.‬‬
‫يقول الإمام الكا�ساين ‪“ :‬وهذا �إن دل ف�إمنا يدل على الفر�ضية”(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين على �أن ال�صالة على امليت امل�سلم �سنة ولي�ست‬
‫فر ضً� ا ب�أدلة من ال�سنة واملعقول‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬من ال�سنة النبوية‪:‬‬
‫عن طلحة بن عبيداهلل ‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل �إلى ر�سول اهلل ﷺ من �أهل جند‬
‫ثائر الر�أ�س‪ُ ،‬ي�سمع دوي �صوته وال يفقه ما يقول‪ ،‬حتى دنا‪ ،‬ف�إذا هو ي�س�أل عن الإ�سالم‪،‬‬
‫فقال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬خم�س �صلوات يف اليوم والليلة»‪ .‬فقال‪ :‬هل علي غريها؟ قال‪:‬‬
‫«ال‪� ،‬إال �أن تطوع»‪ .‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬و�صيام رم�ضان»‪ .‬قال‪ :‬هل علي غريه؟ قال‪:‬‬
‫«ال‪� ،‬إال �أن تطوع»‪ .‬قال‪ :‬وذكر له ر�سول اهلل ﷺ الزكاة‪ ،‬قال‪ :‬هل علي غريها؟ قال‪:‬‬
‫«ال‪� ،‬إال �أن تطوع»‪ .‬قال‪ :‬ف�أدبر الرجل وهو يقول‪ :‬واهلل ال �أزيد على هذا وال �أنق�ص‪ ،‬قال‬
‫ر�سول اهلل ﷺ‪�« :‬أفلح �إن �صدق»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف �إقرار النبي ﷺ لذلك الأعرابي عندما �أق�سم �أن ال يزيد وال‬
‫ينق�ص يف ال�صالة عن تلك اخلم�س‪ ،‬بل �أخرب ﷺ بفالحه �إن �صدق(((‪.‬‬
‫وميكن اجلواب عن ذلك‪ :‬ب�أن النبي ﷺ �إمنا �أخرب الأعرابي من ال�صالة عما‬
‫يجب عليه عي ًنا‪ ،‬فال ينفك الوجوب عنه �إذا قام غريه بها(((‪.‬‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪� ،311/1 :‬أحكام ال�صالة على املوتى‪ :‬د‪� /‬سعد الهاليل‪� ،‬ص ‪.26‬‬
‫((( �صحيح البخاري‪ -‬كتاب الإميان‪ -‬باب‪ :‬الزكاة من الإ�سالم‪ -‬حديث رقم (‪� ،14/1 )46‬صحيح م�سلم‪-‬‬
‫كتاب الإميان‪ -‬باب بيان ال�صلوات التي هي �أحد �أركان الإ�سالم ‪ -‬حديث رقم (‪.25/1 )109‬‬
‫((( �أحكام ال�صالة على املوتى ‪-‬درا�سة فقهية مقارنة‪ :-‬د‪� /‬سعد الدين م�سعد الهاليل‪� ،‬ص ‪ ،15‬ط‪ /‬مكتبة‬
‫الإميان‪ ،‬املن�صورة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪2006‬م‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� :‬ص ‪.15‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪264‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ثان ًيا‪ :‬من املعقول‪:‬‬


‫و�أما دليل املعقول‪ :‬فمن وجهني‪:‬‬
‫•الوجه الأول‪� :‬أن الإقامة من �شعائر الدين وفرائ�ض ال�صالة‪ ،‬فلو كانت �صالة‬
‫اجلنازة فر�ضً ا ُ‬
‫ل�ش ِرعت لها الإقامة والأذان ك�سائر الفرو�ض‪ ،‬فلما مل ُت�شرع‬
‫لها الإقامة دل ذلك على انتفاء الفري�ضة فيها‪ ،‬ك�سائر النوافل(((‪.‬‬
‫وميكن اجلواب عن ذلك‪ :‬ب�أنه ال تالزم بني وجوب ال�صالة وبني م�شروعية‬
‫الأذان والإقامة؛ لأنهما �شرعا من �أجل ال�صلوات اخلم�س املكتوبات لتكرارها‬
‫وتوقيتها دون غريها‪ ،‬بدليل �أنهما مل ُي�شرعا يف املنذورة(((‪.‬‬
‫•الوجه الثاين‪� :‬أن القيام يف �صالة اجلنازة ركن من �أركان ال�صالة‪ ،‬يفعل‬
‫قيا�سا على �سجود التالوة(((‪.‬‬
‫مفردًا لغري �إ�صالح �صالة‪ ،‬فلم يكن واج ًبا ً‬
‫واجلواب عن ذلك من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن النبي ﷺ �سماها �صالة‪ ،‬فقد قال‪« :‬من �صلى على اجلنازة»‪،‬‬
‫وقال‪�« :‬ص ّلوا على �صاحبكم»‪ ،‬وقال‪�« :‬ص ّلوا على النجا�شي»‪ .‬ف�سماها �صالة‬
‫ولي�س فيها ركوع وال �سجود(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أنه ال ُيتكلم يف �صالة اجلنازة‪ ،‬وفيها تكبري‪ ،‬وت�سليم‪ .‬قال‬
‫الإمام ابن حجر ‪“ :‬وهذا االتفاق ‪�-‬أي بني الفقهاء‪ -‬و�إن اختُلف يف‬
‫عدد التكبري والت�سليم”(((‪ .‬ثم قال عن ابن املرابط‪“ :‬فوقوفه يف ال�صالة‪،‬‬
‫وتكبريه يف افتتاحها‪ ،‬وت�سليمه يف التحلل منها‪ ،‬كل ذلك دل على �أنها على‬
‫الأبدان ال على الل�سان وحده‪ ،‬وكذا امتناع الكالم فيها‪ ،‬و�إمنا مل يكن‬
‫((( مواهب اجلليل‪.208 /2 :‬‬
‫((( �أحكام ال�صالة على املوتى‪ :‬د‪� /‬سعد الدين الهاليل‪� ،‬ص ‪.16‬‬
‫((( املنتقى‪.11/2 :‬‬
‫((( �أحكام ال�صالة على املوتى‪ :‬د‪� /‬سعد الدين الهاليل‪� ،‬ص ‪.17‬‬
‫((( فتح الباري‪.148/3 :‬‬

‫‪265‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫فيها ركوع وال �سجود لئال يتوهم بع�ض اجلهلة �أنها عبادة للميت‪ ،‬في�ضل‬
‫بذلك”(((‪.‬‬
‫ومما �سبق يت�ضح الفرق بني �صالة اجلنازة و�سجود التالوة‪ ،‬فبطل قيا�سهم(((‪.‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬
‫من خالل ما �سبق يتبني لنا �أن القول الراجح هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء‬
‫من �أن ال�صالة على امليت امل�سلم فر�ض على الكفاية‪� ،‬إذا قام به البع�ض �سقط‬
‫الإثم عن الباقني‪ ،‬وذلك لقوة �أدلتهم‪ ،‬و�ضعف �أدلة القول الثاين‪ ،‬وعدم �سالمتها‬
‫من املعار�ضة‪ ،‬ولأن فر�ضية �صالة اجلنازة((( ‪-‬مع �سائر الفرائ�ض ال�شرعية‪ -‬جتعل‬
‫من امل�سلمني �أمة واحدة مرتاحمة‪ ،‬يفي �أحيا�ؤها بحق �أمواتها من الغ�سل والتكفني‬
‫وال�صالة والدفن والدعاء‪ ،‬كما يقوم �أغنيا�ؤها بحق فقرائها يف الزكاة و�إغاثة‬
‫امللهوفني‪ ،‬كما يرعى والة �أمورها حتى املولى عليهم يف الن�صح لكل م�سلم‪ ،‬وبغري‬
‫ذلك ال تتحقق وحدة الأمة التي �أخربنا اهلل تعالى بها يف قوله‪( :‬ﭝ ﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأنبياء‪ ،]92 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [امل�ؤمنون‪.]52 :‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫تخريجا على ما �سبق‪ :‬ف�إن ال�صالة على امليت امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا)‬
‫ً‬
‫وغريه من �سائر الأمرا�ض والأوبئة املعدية فر�ض على الكفاية‪� ،‬إذا قام به البع�ض‬
‫�سقط الإثم عن الباقني‪ ،‬ويتحقق هذا يف مثل هذه الأحوال والظروف اال�ضطرارية‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.149/3 :‬‬
‫((( �أحكام ال�صالة على املوتى‪ :‬د‪� /‬سعد الدين الهاليل‪� ،‬ص ‪.17‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� :‬ص ‪.26‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪266‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ببع�ض الأطباء وطواقم التمري�ض وبع�ض �أهل املتوفى‪ ،‬وذلك ح�سب تقدير اجلهات‬
‫الطبية املخت�صة حتى ال يت�سبب هذا الفعل يف عدوى له�ؤالء‪ ،‬وحر صً� ا على النف�س‬
‫الب�شرية قدر الإمكان‪ ،‬والتزام ه�ؤالء بال�ضوابط والتدابري االحرتازية التي �أقرتها‬
‫اجلهات الطبية املخت�صة من تباعد امل�سافات‪ ،‬وتعقيم املكان جيدً ا‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫الو�سائل الأخرى الالزمة لأداء ال�صالة‪.‬‬
‫وقد �صدر يف ال�ش�أن العديد من الفتاوى والقرارات اجلماعية عن بع�ض الهيئات‬
‫ال�شرعية منها جممع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف بالقاهرة‪ ،‬وقد جاء فيها‪:‬‬
‫ق�سم حقوق النا�س بع�ضهم على بع�ض �إلى �أق�سام منها حق الأحياء على‬ ‫“�إن الإ�سالم ّ‬
‫الأحياء‪ ،‬وحق الأموات على الأحياء‪ ،‬ولقد جمع الر�سول ﷺ بع ضً� ا من هذه احلقوق‬
‫ال�س َال ِم‪،‬‬
‫«ح ُّق المْ ُ ْ�س ِل ِم َع َلى المْ ُ ْ�س ِل ِم َخ ْم ٌ�س َر ُّد َّ‬
‫يف حديثه الذي �أخرجه البخاري ب�سنده‪َ :‬‬
‫يت ا ْل َع ِاط ِ�س»(((‪ ،‬ومن هذه‬ ‫ي�ض‪َ ،‬وا ِّت َبا ُع الجْ َ َنا ِئ ِز‪َ ،‬و إِ� َجا َب ُة ال َّد ْع َو ِة‪َ ،‬وت َْ�ش ِم ُ‬
‫َو ِع َيا َد ُة المْ َ ِر ِ‬
‫احلقوق اخلا�صة بالأموات على الأحياء حق ال�صالة على امليت واتباع جنازته �إلى‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫و�أ�شار املجمع((( �إلى �أنه من عظمة هذا الدين �أنه جعل ال�صالة على امليت واتباع‬
‫جنازته �شعرية من �شعائره‪ ،‬بل وجعله فر�ض كفاية على امل�سلمني؛ �إذا فعله البع�ض‬
‫�سقط عن الباقني‪.‬‬
‫وقد ت�ؤدى هذه ال�صالة مفردة ويف جماعات‪ ،‬وقد ت�ؤدى يف بلد املتو َّفى‪ ،‬وقد‬
‫ي�ؤديها �إخوانه يف بالد �شتى ِب ًّرا ِبه‪ ،‬و ُقربة �إلى اهلل‪ ،‬وهي ما ُي�سميها الفقهاء ب�صالة‬
‫الغائب‪ ،‬ولها م�ستند عن ر�سول اهلل؛ فقد ثبتت �صالته على النجا�شي ‪- ‬بعد‬
‫وفاته‪ -‬يف املدينة‪ ،‬كما روى البخاري عن جابر بن عبداهلل ‪� ‬أنه قال‪�“ :‬أن‬
‫((( �صحيح البخاري ‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب الأمر باتباع اجلنائز ‪ -‬حديث رقم (‪� ،233/1 )1251‬صحيح‬
‫م�سلم‪ -‬كتاب ال�سالم ‪ -‬باب من حق امل�سلم للم�سلم رد ال�سالم ‪ -‬حديث رقم (‪.940/2 )5777‬‬
‫((( من�شور بال�صفحة الر�سمية ملجمع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف عرب الفي�س بوك‪ ،‬بتاريخ ‪3‬‬
‫�أبريل ‪2020‬م ‪https: //www.facebook.com/AIRCAzhar/‬‬

‫‪267‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫ر�سول اهلل ﷺ �صلى على النجا�شي‪ ،‬فكنت يف ال�صف الثاين �أو الثالث”(((‪ ،‬ومن هذا‬
‫الن�ص وغريه ا�ستنبط الفقهاء جواز ال�صالة على الغائب‪.‬‬
‫و�أو�ضح املجمع �أنه من هذا املنطلق ف�إن الفقه الإ�سالمي ب�شموله و�سعته ي�سع كل‬
‫النوازل وامل�ستجدات؛ ففي مثل النازلة التي ع ّمت النا�س‪� ،‬إذا �أ�صيب �إن�سان وتويف‬
‫بالكورونا ‪-‬وقد حكم الأطباء �أنه ُم ٍعد‪ -‬الأمر الذي يرتتب عليه �صعوبة تغ�سيله‪،‬‬
‫وحمله‪ ،‬والقيام بحقوقه �إال بتدابري معينة‪ ،‬وقامت الدولة ب�إغالق امل�ساجد لالحرتاز‪،‬‬
‫�شرعا �أن املنع لغر�ض احلفاظ على النف�س عذر �شرعي‪ ،‬وهو يتنزل‬ ‫وكان من املقرر ً‬
‫منزلة املنع احل�سي‪.‬‬
‫وعليه ف�إذا تعذرت ال�صالة احلا�ضرة على امليت‪� ،‬إما خلوف العدوى‪ ،‬و�إما ملنع‬
‫ال�سلطات‪ ،‬في�شرع ملن تويف قريبه بفريو�س كورونا ومل يتمكن من ال�صالة عليه �أن‬
‫يذهب �إلى قربه ل�صالة اجلنازة عليه‪ ،‬و�إن تعذر �صلى عليه من مكانه‪ ،‬وكذا �إذا‬
‫تعذرت ال�صالة عليه يف امل�سجد لغلقه في�صلى عليه عند املقابر �أو يف �أي مكان مت�سع‪،‬‬
‫�إذ يجب الأخذ بالإجراءات االحرتازية التي تفر�ضها ال�سلطات املخت�صة من ًعا لتف�شي‬
‫الإ�صابة بهذا الفريو�س(((‪.‬‬
‫ولكن يف حالة عدم �إمكانية حمله �أو قربانه‪� ،‬أو كان يف بلد كافر ودفن دون �أن‬
‫تخرب ال�سلطات‪ ،‬فهذه كلها حاالت ممكنة وواقعة‪ ،‬فنقول‪� :‬أنها تكون على التدرج‬
‫بالإمكان قدر امل�ستطاع(((‪.‬‬
‫� اًأول‪� :‬إذا �أمكن ال�صالة عليه يف امل�ست�شفى فهذا �أولى‪ ،‬و�إال عند الو�صول �إلى‬
‫املقربة‪� ،‬أو املكان الذي �أُع ّد له لدفن �أ�صحاب الأوبئة واملر�ض املعدي‪.‬‬
‫((( �صحيح البخاري‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب من �صف �صفني �أو ثالثة على اجلنازة خلف الإمام ‪ -‬حديث‬
‫رقم (‪.247/1 )1329‬‬
‫((( من�شور بال�صفحة الر�سمية ملجمع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف عرب الفي�س بوك‪ ،‬بتاريخ ‪/3‬‬
‫�أبريل ‪2020‬م ‪https: //www.facebook.com/AIRCAzhar/‬‬
‫((( �أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا‪ :‬د‪ /‬بلخري طاهري الإدري�سي‪� ،‬ص ‪.21‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪268‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ثان ًيا‪ :‬يف حالة دفنه خو ًفا من انت�شار الوباء ودون علم �أهله �أو ت�أخرهم �أو لأي‬
‫عار�ض ما‪ ،‬ف�إنه ي�صلى على قربه‪ ،‬كما �صنع النبي ﷺ مع تلك ال�صحابية‬
‫التي كانت تقم امل�سجد‪.‬‬
‫ثال ًثا‪� :‬إذا تعذرت ال�صالة عليه لعدم وجود �أحد �أقاربه‪� ،‬أو وجد ولكنه ال ي�صلي‪،‬‬
‫�أو كان يف بلد �أجنبي ي�صلى عليه �صالة الغائب(((‪.‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪� :‬ص ‪.22‬‬

‫‪269‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫املبحث الرابع‬
‫دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫حكم دفن امليت‬

‫دفن امليت امل�سلم فر�ض كفاية بالإجماع‪ ،‬ف�إذا تعطل �أثم به كل من دخل يف ذلك‬
‫الفر�ض دون غريه‪ ،‬و�إذا تعني يف طائفة؛ لعدم وجود �سواهم مع امليت‪ ،‬فلم يقوموا‬
‫به ‪-‬دون عذر‪� -‬أثموا وع�صوا اهلل تعالى‪ ،‬وعلى ال�سلطان �أن يعاقبهم على ذلك ال‬
‫�ستخفافهم مبا يجب عليهم من حوائجهم يف الإ�سالم‪.‬‬
‫والدليل على هذا الإجماع‪:‬‬
‫توارث النا�س من لدن �آدم ‪� ‬إلى يومنا هذا على وجوب دفن املوتى‪ ،‬مع‬
‫النكري على تاركه(((‪.‬‬
‫وال فرق يف حكم الدفن �إذا كان امليت امل�سلم �صغ ًريا �أو كب ًريا‪ ،‬ذك ًرا �أو �أنثى‪،‬‬
‫رما �أو اً‬
‫حالل‪� ،‬شهيدً ا �أو غري �شهيد‪ ،‬كامل البدن �أو مفقود بع�ضه �أو �أكرثه(((‪.‬‬ ‫محُ ِ ً‬
‫و�إن وجد اجلزء بعد دفن امليت دفن �إلى جانب القرب‪� ،‬أو نب�ش بع�ض القرب ودفن‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪ ،318/1 :‬وينظر القول بهذا الإجماع يف‪ :‬بداية املجتهد‪ ،244/1 :‬املجموع‪،230/5 :‬‬
‫احلاوي الكبري‪.188/3 :‬‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪� ،318/1 :‬شرح فتح القدير‪ ،137/2 :‬املقدمات املمهدات‪ ،172 ،171/1 :‬بداية‬
‫املجتهد‪ ،244/1 :‬املهذب‪ ،136/1 :‬املجموع‪ ،230/5 :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،265/1 :‬الرو�ض‬
‫املربع وحا�شية العنقري ‪ ،348/1‬املحلى‪.138 ،121 ،116/5 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪270‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫فيه‪ ،‬وال حاجة �إلى ك�شف امليت؛ لأن �ضرر نب�ش امليت وك�شفه �أعظم من ال�ضرر بتفرقة‬
‫�أجزائه(((‪.‬‬
‫ا�ض َع‪ :‬فيِ َب َي ِان ُو ُجو ِب ِه‪,‬‬ ‫الم فيِ ال َّد ْف ِن فيِ َم َو ِ‬ ‫جاء يف بدائع ال�صنائع‪َ (“ :‬ف ْ�ص ٌل)‪َ :‬وا ْل َك ُ‬
‫َو َك ْي ِف َّي ِة ُو ُجو ِب ِه‪ ,‬وَفيِ َب َي ِان ُ�س َّن ِة الحْ َ ْف ِر َوال َّد ْف ِن َو َما َيت َِّ�ص ُل ِب ِه َما‪� .‬أَ َّما الأَ َّو ُل َفال َّد ِل ُيل َع َلى‬
‫ا�س ِمنْ َلدُنْ آ� َد َم ‪� -‬صلوات اهلل عليه‪� -‬إ َلى َي ْو ِم َنا َه َذا َم َع ال َّن ِك ِري َع َلى‬ ‫ُو ُجو ِب ِه‪َ :‬ت َوا ُر ُث ال َّن ِ‬
‫تَا ِر ِك ِه‪.(((”...‬‬
‫وجاء يف التاج والإكليل‪َ “ :‬و�أَ َّما ُو ُج ُ‬
‫وب َد ْف ِن ِه َو َك َف ِن ِه َف َق َال ا ْبنُ ُيو ُن َ�س‪ُ :‬غ ْ�س ُل المْ َ ِّي ِت‬
‫يط ُه ُ�س َّن ٌة‪َ ,‬و�أَ َّما َد ْف ُن ُه َف َف ْر ٌ�ض َع َلى ا ْل ِك َفا َي ِة‪َ ,‬و َق ْد ِق َيل فيِ الجْ َ ِمي ِع �إ َّن ُه ِمنْ‬ ‫َو َت ْك ِفي ُن ُه َوتحَ ْ ِن ُ‬
‫و�ض”(((‪.‬‬ ‫ا ْل ُف ُر ِ‬
‫وجاء يف رو�ضة الطالبني‪« :‬ال َّد ْفنُ َق ْد َت َق َّد َم �أَ َّن ُه َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة‪َ ،‬و َي ُجو ُز فيِ َغيرْ ِ‬
‫المْ َ ْقبرَ َ ِة‪َ ،‬ل ِكنْ ِفي َها �أَ ْف َ�ض ُل‪.(((»...‬‬
‫وجاء يف ك�شاف القناع‪َ (“ :‬ف ْ�ص ٌل َح ْم ُل ُه َو َد ْف ُن ُه ِمنْ ُف ُر ِ‬
‫و�ض ا ْل ِك َفا َي ِة) َو َت َق َّد َم ( َو َك َذا‬
‫ُم�ؤْ َن ُت ُه َما) �أَ ْي‪ُ :‬م�ؤْ َن ُة الحْ َ ْم ِل َوال َّد ْف ِن َف ِه َي َف ْر ُ�ض ِك َفا َي ٍة‪.(((”...‬‬
‫ويدل على وجوب دفن امليت امل�سلم الكتاب وال�سنة واملعقول‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬من الكتاب الكرمي‪:‬‬
‫(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫قوله تعالى‪:‬‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الإ�سراء‪.]70 :‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬من مقت�ضى التكرمي‪� :‬أن يدفن الإن�سان بعد موته‪ ،‬وال يرتك اً‬
‫همل‬
‫املغني‪.540/2 :‬‬ ‫(((‬
‫بدائع ال�صنائع‪.318/1 :‬‬ ‫(((‬
‫التاج والإكليل‪.208 /2 :‬‬ ‫(((‬
‫رو�ضة الطالبني‪.131 /2 :‬‬ ‫(((‬
‫ك�شاف القناع‪.131 ،126 /2 :‬‬ ‫(((‬

‫‪271‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫يتقزز منه النا�س‪ ،‬والآية عامة لكل الب�شر‪ ،‬ال �سيما �أهل التوحيد منهم؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [املنافقون‪.]8 :‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من ال�سنة النبوية‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن جابر بن عبداهلل ‪� ،‬أخربه �أن ر�سول اهلل ﷺ كان يجمع‬
‫بني الرجلني من قتلى �أحد يف ثوب واحد‪ ،‬ثم يقول‪�« :‬أيهم �أكرث � ً‬
‫أخذا للقر�آن»؛‬
‫ف�إذا �أ�شري له �إلى �أحد قدمه يف اللحد‪ ،‬وقال‪�« :‬أنا �شهيد على ه�ؤالء يوم‬
‫غ�سلوا”(((‪.‬‬
‫القيامة»‪ ،‬و�أمر بدفنهم بدمائهم‪ ،‬ومل ي�صل عليهم ومل ُي ّ‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف قول جابر ‪« :‬ف�أمر بدفنهم»‪ ،‬والأمر للوجوب؛ لعدم‬
‫وجود قرينة ت�صرفه عن ظاهره(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬عن �أبي بن كعب‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬ملا ح�ضر �آدم ‪ ‬قال‬
‫لبنيه‪ :‬انطلقوا فاجنوا يل من ثمار اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬فخرج بنوه فا�ستقبلتهم‬
‫املالئكة فقالوا‪� :‬أين تريدون يا بني �آدم؟ قالوا‪ :‬بعثنا �أبونا لنجني له من‬
‫ثمار اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬ارجعوا فقد كفيتم»‪ .‬قال‪« :‬فرجعوا معهم حتى دخلوا على‬
‫�آدم‪ ،‬فلما ر�أتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو �إلى �آدم وتلت�صق به‪ ،‬فقال‬
‫خل بيني وبني مالئكة ربي‬‫لها �آدم‪� :‬إليك عني �إليك عني‪ ،‬فمن قبلك �أتيت ِّ‬
‫قال‪ :‬فقب�ضوا روحه‪ ،‬ثم غ�سلوه وحنطوه وكفنوه‪ ،‬ثم �صلوا عليه‪ ،‬ثم حفروا له‬
‫ثم دفنوه‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬يا بني �آدم هذه �سنتكم يف موتاكم‪ ،‬فكذاكم فافعلوا»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف قوله‪« :‬هذه �سنتكم»‪� ،‬أي �شريعتكم ومنهاجكم الذي ال يجوز‬
‫غريه‪ ،‬وي�ؤيد ذلك قولهم ب�صيغة الأمر‪« :‬فكذلك فافعلوا»(((‪.‬‬
‫((( �صحيح البخاري ‪ -‬كتاب املغازي ‪ -‬باب من قتل من امل�سلمني يوم �أحد ‪ -‬حديث رقم (‪.810/2 )4128‬‬
‫((( �أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم‪ :‬د‪� /‬سعد الدين م�سعد هاليل‪ ،16 ،‬ط‪ /‬مكتبة الإميان‪ ،‬املن�صورة‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪2006‬م‪.‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم‪ :‬د‪� /‬سعد الدين هاليل‪.16 ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪272‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫ثال ًثا‪ :‬دليل املعقول‪:‬‬


‫و�أما دليل املعقول على وجوب دفن امليت‪ ،‬فهو‪� :‬أن يف تركه هت ًكا حلرمته‪ ،‬و�أذى‬
‫للنا�س من رائحته(((‪ .‬ذلك �أن الإن�سان بعد موته ي�صري �إلى جيفة غال ًبا‪ ،‬وترتب�ص‬
‫ف�ضل عن فرار �أهله وذويه وجميع النا�س من �أذاه‪ ،‬فكان دفنه‬‫به الطيور وال�سباع‪ ،‬اً‬
‫�ضرورة له ب�صيانته عن موا�ضع االمتهان‪ ،‬و�ضرورة ل�سائر الأحياء من الب�شر حتى‬
‫انتفاعا معنو ًيا باملوعظة‬
‫ً‬ ‫ال يت�ضررون من �أذاه‪ .‬بل �سينتفعون حت ًما بذلك الدفن‬
‫وانتفاعا اجتماع ًيا بوجود مقابر م�صانة ت�ؤهل الأطفال‬
‫ً‬ ‫التي تتجدد بزيارة القبور‪،‬‬
‫‪-‬الذين يتجددون دائ ًما مع ا�ستمرار احلياة‪ -‬للتعرف على النهاية الطبيعية للإن�سان‪،‬‬
‫وانتفاعا اقت�صاد ًيا عن طريق ما يتخلف عن املوتى من زيوت ومعادن وخالفه تكون‬‫ً‬
‫ذخرية لأقوات الأر�ض(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا)‬

‫واجب على امل�سلمني ال ي�سعهم تركه‪،‬‬ ‫دفن املُتو َّفى بفريو�س ُكورونا ‪-‬كدفن غريه‪ٌ -‬‬
‫الوجوب عن الباقني‪ ،‬وال �ضرر من دفن املُتو َّفى بفريو�س‬ ‫ُ‬ ‫بع�ضهم �سقط‬ ‫و�إذا قام به ُ‬
‫كورونا بعد �أخذ كافة االحتياطات ال�سابقة يف �أي مقابر‪ ،‬كما أ� َّكدت ذلك اجلهات‬
‫تخ�ص�صة حمل ًّيا ودول ًّيا‪ ،‬و�أن رف�ض ا�ستالم ُج َّثة املُتو َّفى بفريو�س ُكورونا‪� ،‬أو‬ ‫ِّ‬
‫الطبية املُ ِّ‬
‫مناف حلرمة املوت‪ ،‬ولأوامر‬ ‫لوك حمر ٌم ٍ‬ ‫و�س ٌ‬
‫اعرتا�ض ِجنازته ومنع دفنه؛ �أم ٌر منك ٌر ُ‬
‫ف�ضل عن �أ َّنه ال يليق ب�أ�صحاب املُروءة‪ ،‬وذوي الف�ضائل(((‪.‬‬ ‫ال ّدين ب�إكرام الإن�سان‪ ،‬اً‬
‫وبنا ًء على ما �سبق؛ فال يجوز ترك جثة املتوفى باملر�ض املعدي (كورونا) دون‬
‫((( املهذب‪ ،136/1 :‬الكايف‪.265/1 :‬‬
‫((( �أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم‪ :‬د‪� /‬سعد الدين هاليل‪.17-16 ،‬‬
‫((( فتوى من�شورة مبوقع مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية بتاريخ ‪2020/4/11‬م‪https://www. .‬‬
‫‪facebook.com/fatwacenter/‬‬

‫‪273‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫دفن‪ ،‬كما �أنه ال يجوز حتريقها اً‬


‫بدل عن دفنها؛ ملا يف الرتك �أو الإحراق من منافاة‬
‫للتكرمي واالحرتام‪.‬‬
‫مبر�ض ُم ٍعد قبل وفاته‪ ،‬ك�إ�صابته بفريو�س كورونا‬
‫ٍ‬ ‫و�إن كان املتوفى قد �أ�صيب‬
‫وخيف من انتقال العدوى �إلى الأحياء بتجهيزه ودفنه؛ فال‬ ‫امل�ستجد (كوفيد ‪ِ ،)19‬‬
‫بد من �أخذ كافة التدابري الوقائية والتطهريية مبا يحفظ �سالمة الأحياء املبا�شرين‬
‫للغ�سل والتكفني والدفن‪ ،‬كارتدائهم الواقيات ال�شخ�صية ب�أنواعها‪ ،‬وتطهري بدن‬
‫املتوفى‪ ،‬وو�ضعه يف تابوت حمكم الإغالق‪ ،‬وتقليل �أعداد املخالطني له بعد الوفاة قدر‬
‫اال�ستطاعة‪ ،‬وتعميق حفرة دفنه �إلى غري ذلك الإجراءات الوقائية املعروفة لدى �أهل‬
‫االخت�صا�ص(((‪.‬‬
‫وجاء يف تو�صيات البيان اخلتامي للدورة الثالثني للمجل�س الأوروبي للإفتاء‪:‬‬
‫�أما الدفن(((‪ ،‬ف�إنّ الأ�صل فيه �أن ُيدفن امل�سلم يف املكان الذي ميوت فيه‪ ،‬فقد دُفن‬
‫ال�صحابة ‪ ‬يف الأماكن التي ماتوا فيها‪ ،‬والأ�صل كذلك �أن يدفن امل�سلم يف‬
‫املقابر اخلا�صة بامل�سلمني؛ ف�إن مل يتي�سر فيدفن حيث �أمكن ولو يف مقابر غري‬
‫نف�سا �إال و�سعها‪ ،‬وال ي�ض ّر امل�سلم يف حالة كهذه �أن يدفن‬
‫امل�سلمني؛ �إذ ال يكلف اهلل ً‬
‫يف مقابر غري امل�سلمني‪ ،‬ف�إنّ الذي ينفعه يف �آخرته هو عمله ولي�س مو�ضع دفنه‪ .‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النجم‪.]39 :‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫حكم الدفن يف املقابر اجلماعية يف حالة تف�شي وباء (كورونا)‬

‫�إن ح�صلت �ضرورة كعدم وجود احلافر �أو �ضاق املكان‪ ،‬كما لو كرث املوتى يف‬
‫كارثة من وباء (كما هي احلال يف وباء كورورنا امل�ستجد)‪� ،‬أو هدم‪� ،‬أو غرق‪� ،‬أو‬
‫((( الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ ،)19‬مركز الأزهر العاملي للفتوى‬
‫الإلكرتونية‪� :‬ص ‪.106‬‬
‫((( البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني‪� ،‬ص ‪.24‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪274‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫غري ذلك‪ ،‬وع�سر دفن كل واحد يف قرب‪ ،‬فيجوز دفن الإثنني والثالثة و�أكرث يف قرب‪،‬‬
‫بح�سب ال�ضرورة �أو احلاجة‪ ،‬وحينئذ ُيق ّدم يف القرب �أف�ضلهم �إلى القبلة‪ ،‬مع مراعاة‬
‫ترتيبيهم �إلى الإمام يف ال�صالة (((‪.‬‬
‫فقد اتفق جمهور الفقهاء من احلنفية(((‪ ,‬واملالكية(((‪ ,‬وال�شافعية(((‪ ,‬واحلنابلة(((‪,‬‬
‫على جواز دفن �أكرث من ميت يف القرب الواحد‪.‬‬
‫الن �أَ ْو �أَ ْكثرَ ُ فيِ َقبرْ ٍ َو ِاح ٍد َه َك َذا َج َر ْت‬ ‫جاء يف بدائع ال�صنائع‪َ “ :‬وال ُي ْد َفنُ ال َّر ُج ِ‬
‫َاجوا إ� َلى َذ ِل َك َق َّد ُموا �أَ ْف َ�ض َل ُه َما َو َج َع ُلوا‬ ‫ال�س َّن ُة ِمنْ َلدُنْ �آ َد َم �إ َلى َي ْو ِم َنا َه َذا‪َ ,‬ف ِ�إنْ ْاحت ُ‬ ‫ُّ‬
‫ال�ص ِع ِيد‪. ”...‬‬
‫(((‬
‫َب ْي َن ُه َما َح ِاجزً ا ِمنْ َّ‬
‫وجاء يف جواهر الإكليل‪(“ :‬و) جاز (جمع �أموات بقرب) واحد (ل�ضرورة) ككرثة‬
‫املوتي‪ ،‬و�ضيق املكان ذكو ًرا كانوا �أو �أنا ًثا‪� ،‬أو بع�ضهم ذكور وبع�ضهم �إنا ًثا كانوا �أقارب‬
‫�أو �أباعد”(((‪.‬‬
‫االخ ِت َيا ِر‪� ،‬أَنْ ُي ْد َفنَ ُك ُّل َم ِّي ٍت‬
‫وجاء يف رو�ضة الطالبني‪َ “ :‬ف ْر ٌع المْ ُ ْ�ست ََح ُّب فيِ َح ِال ْ‬
‫فيِ َقبرْ ٍ َف ِإ�نْ كَثرُ َ المْ َ ْوتَى‪َ ،‬و َع ُ�س َر ِ�إ ْف َرا ُد ُك ِّل َم ِّي ٍت ِب َقبرْ ٍ ‪ُ ،‬د ِفنَ اال ْث َن ِان َوال َّثال َث ُة فيِ َقبرْ ٍ ‪،‬‬
‫َو ُي َق َّد ُم ِ�إ َلى ا ْل ِق ْب َل ِة �أَ ْف َ�ض ُل ُه ْم‪َ ،‬و ُي َق َّد ُم الأَ ُب َع َلى اال ْب ِن َو ِ�إنْ َكانَ اال ْبنُ �أَ ْف َ�ض َل ِم ْنهُ‪ ،‬لحِ ُ ْر َم ِة‬
‫الأُ ُب َّو ِة‪َ ،‬و َك َذا ُت َق َّد ُم الأُ ُّم َع َلى ا ْل ِب ْن ِت‪َ ،‬وال ُي ْج َم ُع َبينْ َ ال ِّن َ�سا ِء َوال ِّر َج ِال �إِال ِع ْن َد َت�أَ ُّك ِد‬
‫ال�ض ُرو َر ِة‪.(((”...‬‬ ‫َّ‬
‫((( املب�سوط‪ ،65/2 :‬بدائع ال�صنائع‪ ،319/1 :‬ال�شرح ال�صغري‪ ،578 ،567/1 :‬مواهب اجلليل‪،236 /2 :‬‬
‫املجموع‪ ،233/5 :‬رو�ضة الطالبني‪ ،138/2 :‬املغني‪ ،563 /2 :‬الكايف‪ ،269 /1 :‬املو�سوعة الفقهية‬
‫الكويتية‪� ،18 /21 :‬أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم‪ :‬د‪� /‬سعد هاليل‪� ،‬ص ‪ 88‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( املب�سوط‪ ،65/2 :‬بدائع ال�صنائع‪.319/1 :‬‬
‫((( ال�شرح ال�صغري‪ ،578 ،567/1 :‬مواهب اجلليل‪.236 /2 :‬‬
‫((( املجموع‪ ،233/5 :‬رو�ضة الطالبني‪.138/2 :‬‬
‫((( املغني‪ ،563 /2 :‬الكايف‪.269 /1 :‬‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪.319/1 :‬‬
‫((( جواهر الإكليل‪.114/1 :‬‬
‫((( رو�ضة الطالبني‪.142 ،138 /2 :‬‬

‫‪275‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫وجاء يف ك�شاف القناع‪َ “ :‬و َي ْح ُر ُم َد ْفنُ ا ْث َنينْ ِ َف أَ� ْكثرَ َ فيِ َقبرْ ٍ َو ِاح ٍد لأَ َّن ُه ﷺ َكانَ‬
‫ال�ص َحا َب ِة َو َمنْ َب ْع َدهُ ْم (�إال ِل َ�ض ُرو َر ٍة �أَ ْو‬
‫ا�س َت َم َّر ِف ْع ُل َّ‬
‫َي ْد ِفنُ ُك َّل َم ِّي ٍت فيِ َقبرْ ٍ َو َع َلى َه َذا ْ‬
‫اج ٍة) َككَثرْ َ ِة المْ َ ْوتَى َو ِق َّل ِة َمنْ َي ْد ِف ُن ُه ْم‪َ ,‬و َخ ْو ِف ا ْل َف َ�سا ِد َع َل ْي ِه ْم‪.(((”...‬‬
‫َح َ‬
‫وقد ا�ستدلوا على ذلك ب�أدلة منها‪:‬‬
‫•الدليل الأول‪ :‬ما ورد عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك‪� ,‬أن جابر بن عبداهلل‬
‫‪� ‬أخربه �أن ر�سول اهلل �صلي اهلل عليه و�سلم كان يجمع بني الرجلني‬
‫من قتلى �أحد يف ثوب واحد‪ ,‬ثم يقول‪�« :‬أيهم �أكرث � ً‬
‫أخذا للقران؟» ف�إذا �أ�شري‬
‫له �إلى �أحد ق ّدمه يف اللحد‪ ,‬وقال‪�« :‬أنا �شهيد علي ه�ؤالء يوم القيامة»‪ ،‬و�أمر‬
‫غ�سلوا(((‪.‬‬ ‫بدفنهم بدمائهم‪ ,‬ومل ِّ‬
‫ي�صل عليهم ومل ُي ّ‬
‫•الدليل الثاين‪ :‬ورد عن �سعد بن ه�شام بن عامر‪ ,‬عن �أبيه قال‪ :‬ملا كان يوم �أحد‬
‫�أ�صيب من امل�سلمني ف�أ�صاب النا�س جراحات‪ ،‬فقال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬احفروا‬
‫و�أو�سعوا وادفنوا االثنني يف القرب‪ ,‬وقدموا �أكرثهم قر�آنا»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬كال احلديثني يدالن بو�ضوح على �أن النبي ﷺ قد جمع يف‬
‫الكفن الواحد والقرب والواحد �أكرث من ميت‪ ,‬لوجود �ضرورة اقت�ضت تخفيف‬
‫الأحكام وتي�سريها‪.‬‬
‫•الدليل الثالث‪ :‬عن �أن�س ‪ ،‬قال‪ :‬ملا كان يوم �أحد مر ر�سول اهلل ﷺ‬
‫بحمزة بن عبداملطلب وقد ُجدع و ُم ّثل به‪ ،‬فقال‪« :‬لوال �أن جتد �صفية تركته‬
‫حتى يح�شره اهلل من بطون الطري وال�سباع»‪ ،‬فكفنه يف منرة �إذا خمر ر�أ�سه‬
‫�صل على‬‫بدت رجاله‪ ،‬و�إذا خمرت رجاله بدا ر�أ�سه‪ ،‬فخمر ر�أ�سه‪ ،‬ومل ُي ِّ‬
‫((( ك�شاف القناع‪.143 /2 :‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �سنن الرتمذي‪ -‬كتاب اجلهاد‪-‬باب ما جاء يف دفن ال�شهداء‪ -‬حديث رقم (‪ ،458/1 )1817‬ال�سنن‬
‫ال�صغرى‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب ما ي�ستحب من تو�سيع القرب ‪ -‬حديث رقم (‪ ،330/1 )2024‬و�صححه‬
‫الألباين يف �صحيح �سنن الرتمذي حديث رقم (‪ ،)1713‬و�صحيح �سنن الن�سائي حديث رقم (‪.)2010‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪276‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫�أحد من ال�شهداء غريه‪ ،‬وقال‪�« :‬أنا �شاهد عليكم اليوم»‪ ،‬وكان يجمع الثالثة‬
‫والإثنني يف قرب واحد‪ ،‬وي�س�أل‪�« :‬أيهم �أكرث قر�آنا؟»؛ فيقدمه يف اللحد‪ ،‬وك ّفن‬
‫الرجلني والثالثة يف الثوب الواحد(((‪.‬‬
‫•الدليل الرابع‪ :‬ما �أخرجه عبدالرزاق ال�صنعاين عن �سليمان بن مو�سى‪� ،‬أن‬
‫واثلة بن الأ�سقع كان �إذا دفن الرجال والن�ساء جمي ًعا يجعل الرجل يف القرب‬
‫مما يلي القبلة‪ ،‬ويجعل املر�أة وراءه يف القرب‪ ،‬قال �سليمان‪“ :‬ف�إن كانا رجلني‬
‫يف قرب واحد‪ ،‬كبرّ الإمام قال‪ :‬الأكرب �إمام الأ�صغر”(((‪.‬‬
‫•الدليل اخلام�س‪ :‬قيام ال�ضرورة الداعية �إلى ذلك‪ ,‬ولرفع احلرج عن املكلفني‪,‬‬
‫وتغلي ًبا ملقا�صد ال�شريعة الداعية �إلى التي�سري ال التع�سري(((‪.‬‬
‫وبنا ًء على ما �سبق‪ :‬يجوز دفن �أكرث من واحد يف مقربة جماعية يف حالة ال�ضرورة‪،‬‬
‫والتي منها حاالت تف�شي الوباء‪ ،‬ومنها فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬وذلك نظ ًرا ملا عليه‬
‫جمهور الفقهاء يف هذه امل�س�ألة‪ ،‬والأدلة التي ا�ستدلوا بها‪ ،‬وفعل النبي ﷺ‪.‬‬
‫وقد �أو�ضح مركز الأزهر العاملي للفتوى الإلكرتونية حكم الدفن يف املقابر‬
‫اجلماعية عند تف�شي وباء كورورنا وزيادة احلاالت فقال‪“ :‬الأ�صل يف وقت االختيار‬
‫وانعدام ال�ضرورة �أن يفرد كل ميت بقرب واحد‪ ,‬و�أن ي�ضم القرب الواحد ميتًا واحدً ا‪,‬‬
‫و�إن كان ثمة خالف قائم بني الفقهاء يف مدى وجوب ذلك �أو ا�ستحبابه‪� ,‬إال �أن الكل‬
‫متفق على �أن �إفراد امليت يف القرب الواحد هو املعمول به واملتوارث يف دفن املوتى من‬
‫لدن �آدم ‪� ,‬إلى يومنا هذا‪ ,‬كما �أنه ما جرى العمل به زمن النبي �صلي اهلل عليه‬
‫((( امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬حديث رقم (‪ ،519/1 )1351‬وح�سنه الألباين يف‬
‫�أحكام اجلنائز حديث رقم (‪.)62‬‬
‫((( �أخرجه عبدالرزاق ال�صنعاين يف م�صنفه‪ -‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب دفن الرجل واملر�أة ‪ -‬حديث رقم‬
‫(‪ ،474/3 )6378‬ط‪ /‬املكتب الإ�سالمي‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرحمن‬
‫الأعظمي‪.‬‬
‫((( رو�ضة الطالبني‪ ،142 ،138 /2 :‬ك�شاف القناع‪.143 /2 :‬‬

‫‪277‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫و�سلم‪ ,‬وتبعه �أ�صحابه من بعده على هذا(((‪ .‬غري �أنه يف حاالت ال�ضرورة من ح�صول‬
‫الكوارث �أو الزالزل �أو الرباكني‪� ,‬أو تف�شي الأوبئة التي ميوت فيها خلق كثري‪ ,‬وي�صعب‬
‫�إفراد كل ميت بقرب م�ستقل‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فيجوز �إعداد مقابر جماعية‪ ,‬ولكن ال ُيلج�أ �إلى الدفن فيها �إال �إذا ت�أكدت‬
‫ال�ضرورة الداعية �إلى ذلك‪ ,‬من �ضيق الرقعة املتاحة لدفن املوتى‪ ,‬لكرثة �أعدادهم‪,‬‬
‫�شرعا وط ًبا‪ ،‬وي�ستحب‬
‫�أو حماولة حتجيم العدوى‪� ,‬أو غري ذلك من الأ�سباب املعتربة ً‬
‫�أن يجعل بني كل اثنني من الأموات حاجز من الرتاب‪ ,‬في�صري ك�أن كل واحد منهما‬
‫يف قرب خا�ص‪ ,‬كما يلزم �أن ُتق ّدر ال�ضرورة بقدرها‪ ,‬ف ُي�ضم الرجال �إلى الرجال يف‬
‫الدفن‪ ,‬والن�ساء �إلى الن�ساء‪� ,‬إال �إذا تعذر ذلك(((‪.‬‬

‫((( الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ ،)19‬مركز الأزهر العاملي للفتوى‬
‫الإلكرتونية‪� :‬ص ‪.107‬‬
‫((( الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ ،)19‬مركز الأزهر العاملي للفتوى‬
‫الإلكرتونية‪� :‬ص ‪.108‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪278‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫اخلامتة‬

‫� اًأول‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫‪1.1‬املر�ض املعدي‪ :‬هو �أي مر�ض ت�سببه جرثومة معدية ميكن انتقالها بطريق‬
‫مبا�شر �أو غري مبا�شر �إلى الإن�سان �أو احليوان �أو الطائر‪.‬‬
‫‪2.2‬فريو�سات كورونا هي ف�صيلة كبرية من الفريو�سات التي قد ت�سبب املر�ض‬
‫للحيوان والإن�سان‪.‬‬
‫‪3.3‬فريو�سات كورونا ت�س ّبب لدى الب�شر حاالت عدوى اجلهاز التنف�سي التي‬
‫ترتاوح حدتها من نزالت الربد ال�شائعة �إلى الأمرا�ض الأ�شد وخامة مثل‬
‫متالزمة ال�شرق الأو�سط التنف�سية واملتالزمة التنف�سية احلادة الوخيمة‬
‫(ال�سار�س)‪.‬‬
‫‪4.4‬الأظهر من �أقوال �أهل العلم �أن الطاعون نوع خا�ص من �أنواع الأوبئة‪ ،‬وال‬
‫تنطبق �أو�صافه على فريو�س كورونا املعا�صر‪.‬‬
‫‪5.5‬جمهور الفقهاء على �أن غ�سل امليت امل�سلم واجب على �سبيل الكفاية �إذا قام‬
‫به البع�ض �سقط الإثم عن الباقني‪ ،‬وهذا القول هو الذي يتفق مع تكرمي‬
‫الإ�سالم للإن�سان ح ًيا وميتًا‪ ،‬اً‬
‫ف�ضل عن جتديد اليقني باليوم الآخر‪.‬‬
‫‪�6.6‬إنِّ القول ب�سقوط الغ�سل والتيمم ال ي�صار �إليه �إال بعد اتخاذ الإجراءات‬
‫الوقائية الالزمة ملنع انتقال عدوى املر�ض �إلى املبا�شرين للغ�سل �أو التيمم‪،‬‬
‫و�أن يكون �أولئك املبا�شرون من �أهل الدربة واالخت�صا�ص يف التعامل مع هذه‬
‫احلاالت املر�ضية‪.‬‬

‫‪279‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫‪�7.7‬إنِّ القواعد الفقهية والن�صو�ص ال�شرعية تدل على �أن املحافظة على حياة‬
‫احلي ال�صحيح تق ّدم على �إقامة ال�س ّنة �أو الواجب يف حق امليت‪ ،‬ويكفي يف‬
‫ّ‬
‫الأحكام اعتبار غلبة الظن املتمثل يف انتقال العدوى للمغ�سل ثم انتقالها‬
‫منه لغريه‪.‬‬
‫‪8.8‬يجوز غ�سل موتى الأوبئة ب�أجهزة التحكم عن بعد‪ ،‬والتي جتمع بني الوفاء‬
‫ب�شروط وواجبات و�سنن غ�سل املوتى يف ال�شريعة الإ�سالمية واال�شرتاطات‬
‫ال�صحية والبيئية املرعية‪ .‬والدعوة موجهة للمخت�صني يف هذا ال�ش�أن من‬
‫امل�سلمني للم�سارعة ب�إنتاج مثل هذه الأجهزة‬
‫‪ 9.9‬الراجح �أن تكفني امل�سلم فر�ض على الكفاية �إذا قام به البع�ض‪� ،‬سقط الإثم‬
‫عن الباقني‪ ،‬وذلك لقوة �أدلتهم‪ ،‬و�ضعف �أدلة القول الثاين‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫‪1010‬الأ�صل �أن يجرد امليت من جميع مالب�سه التي عليه‪ ،‬وت�أخذ يف كي�س معقم‬
‫لتحرق وتدفن يف مكان ال ينب�ش‪ ،‬خو ًفا من انتقال العدوى عن طرق البهائم‪،‬‬
‫�أو ال�سباع بكل �أنواعها‪.‬‬
‫‪�1111‬صورة الكفن ل�صاحب الوباء‪� ،‬أن يكون معق ًما �سات ًرا جلميع بدنه‪ ،‬فال يت�سرب‬
‫منه �شيء‪ ،‬ال من �سائل �أو رائحة‪.‬‬
‫‪1212‬ال خالف بني الفقهاء على �أن �صالة اجلنازة ُ�شرعت يف الأ�صل قبل الدفن‪،‬‬
‫وعلى �سبيل الكفاية‪� ،‬إذا قام بها بع�ض املكلفني �سقط طلبها عن الباقني‪،‬‬
‫و�إذا تواطئوا على تركها تعلقت م�شروعيتها بهم جمي ًعا‪ ،‬ويقع �إثم تركها على‬
‫من عرف منهم‪.‬‬
‫‪1313‬ال�صالة على امليت امل�صاب باملر�ض املعدي (كورونا) وغريه من �سائر‬
‫الأمرا�ض والأوبئة املعدية فر�ض على الكفاية �إذا قام به البع�ض �سقط الإثم‬
‫عن الباقني‪ ،‬ويتحقق هذا يف مثل هذه الأحوال والظروف اال�ضطرارية ببع�ض‬
‫الأطباء وطواقم التمري�ض وبع�ض �أهل املتوفى‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪280‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫‪1414‬دفن امليت امل�سلم فر�ض كفاية بالإجماع‪ ،‬ف�إذا تعطل �أثم به كل من دخل‬
‫يف ذلك الفر�ض دون غريه‪ ،‬و�إذا تعني يف طائفة؛ لعدم وجود �سواهم مع‬
‫امليت‪ ،‬فلم يقوموا به ‪-‬دون عذر‪� -‬أثموا وع�صوا اهلل تعالى‪ ،‬وعلى ال�سلطان‬
‫�أن يعاقبهم على ذلك ال �ستخفافهم مبا يجب عليهم من حوائجهم يف‬
‫الإ�سالم‪.‬‬
‫‪1515‬دفن املُتو َّفى بفريو�س ُكورونا ‪-‬كدفن غريه‪ٌ -‬‬
‫واجب على امل�سلمني ال ي�سعهم‬
‫الوجوب عن الباقني‪ ،‬وال �ضرر من دفن‬
‫ُ‬ ‫تركه‪ ،‬و�إذا قام به ُ‬
‫بع�ضهم �سقط‬
‫املُتو َّفى بفريو�س كورونا بعد �أخذ كافة االحتياطات ال�سابقة يف �أية مقابر‪.‬‬
‫‪�1616‬إن ح�صلت �ضرورة كعدم وجود احلافر �أو �ضاق املكان‪ ،‬كما لو كرث املوتى يف‬
‫كارثة من وباء (كما هي احلال يف وباء كورورنا امل�ستجد)‪� ،‬أو هدم‪� ،‬أو غرق‪،‬‬
‫�أو غري ذلك‪ ،‬وع�سر دفن كل واحد يف قرب‪ ،‬فيجوز دفن االثنني والثالثة و�أكرث‬
‫يف قرب‪ ،‬بح�سب ال�ضرورة �أو احلاجة‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬التو�صيات‪:‬‬
‫‪�1.1‬أو�صي الباحثني وطالب العلم املتخ�ص�صني يف الفقه الإ�سالمي ب�إجراء‬
‫املزيد من البحوث والدرا�سات املتخ�ص�صة حول هذه النازلة‪ ،‬وبيان ما يتعلق‬
‫بها من �أحكام‪.‬‬
‫‪�2.2‬أو�صي القائمني على املجامع الفقهية‪ ،‬ودور الفتوى ببذل اجلهد ببيان‬
‫ما يتعلق بهذه النازلة وغريها من النوازل امل�ستجدة‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫عقد الندوات وامل�ؤمترات املتخ�ص�صة‪ ،‬واخلروج بتو�صيات ي�ستفيد منها‬
‫املتخ�ص�ص وغريه‪.‬‬
‫‪3.3‬على و�سائل الإعالم املرئي واملقروء وامل�سموع جتنب �إثارة ال�شائعات يف‬
‫�أوقات الأزمات‪ ،‬والعمل على نقل حقيقة الأخبار بدون تهويل و�إثارة للفزع‬
‫بني النا�س‪.‬‬

‫‪281‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫‪4.4‬على املتخ�ص�صني يف �شتى املجاالت �أن يكونوا على �أهبة اال�ستعداد ملواجهة‬
‫خماطر هذه الأزمات وتقدمي احللول الناجعة لها‪.‬‬
‫‪�5.5‬ضرورة التوا�صل والتفاعل بني اجلهات الطبية واجلهات ال�شرعية من �أجل‬
‫�إ�صدار الفتاوى ال�صحية يف زمن الأوبئة‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪282‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫•القر�آن الكرمي‬
‫•� اًأول‪ :‬كتب التف�سري وعلوم القر�آن‬
‫‪1.1‬تف�سري القر�آن العظيم‪ :‬لأبي الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الدم�شقي‬
‫(ت‪774 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار طيبة للن�شر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ‪1999/‬م‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬سامي بن حممد �سالمة‪.‬‬
‫‪2.2‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن‪ :‬حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب الآملي‬
‫�أبو جعفر الطربي (ت‪310 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ :‬بريوت‪ -‬ط‪ /‬الأولى‪:‬‬
‫‪1420‬هـ‪2000/‬م‪ :‬حتقيق‪ :‬العالمة‪� /‬أحمد حممد �شاكر‪.‬‬
‫‪3.3‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد بن �أبي بكر بن فرح‬
‫الأن�صاري اخلزرجي �شم�س الدين القرطبي (ت‪ 671 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬الطبعة‪ 1423 :‬هـ‪2003/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬ه�شام �سمري‬
‫البخاري‪.‬‬
‫•ثان ًيا‪ :‬كتب احلديث و�شروحه‬
‫‪�1.1‬سنن ابن ماجه‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن يزيد القزويني ابن ماجه (ت‪273 :‬هـ)‬
‫ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة‪ ،‬ط‪ /‬الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�2.2‬سنن �أبي داود للإمام �أبي داود �سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين الأزدي (ت‪:‬‬
‫‪275‬هـ) ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة‪ ،‬ط‪ /‬الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�3.3‬سنن الرتمذي‪ :‬للإمام حممد بن عي�سى �أبو عي�سى الرتمذي ال�سلمي (ت‪،)279 :‬‬
‫ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة‪ ،‬ط‪ /‬الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪4.4‬ال�سنن الكربى للبيهقي‪ ،‬للإمام �أحمد بن احل�سني بن علي بن مو�سى �أبو بكر‬

‫‪283‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫البيهقي (ت‪ ،)458 :‬ط‪ /‬جمل�س دائرة املعارف النظامية الكائنة يف الهند ببلدة‬
‫حيدر �آباد‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1344‬هـ‪.‬‬
‫‪�5.5‬سنن الن�سائي‪ :‬للإمام �أحمد بن �شعيب �أبو عبدالرحمن الن�سائي (ت‪303 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة‪ ،‬ط‪ /‬الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�6.6‬شرح النووي على م�سلم‪ :‬لأبي زكريا يحيى بن �شرف بن مري النووي (ت‪:‬‬
‫‪676‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1392‬هـ‪.‬‬
‫‪�7.7‬شعب الإميان للبيهقي‪ ،‬للإمام �أحمد بن احل�سني بن علي بن مو�سى �أبو بكر‬
‫البيهقي (ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت ‪ -‬الطبعة الأولى ‪1410‬هـ‬
‫‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ال�سعيد ب�سيوين زغلول‪.‬‬
‫‪�8.8‬صحيح البخاري‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن املغرية بن‬
‫بردزبة البخاري اجلعفي (ت‪256 :‬هـ) ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة ‪-‬‬
‫ط‪ /‬الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�9.9‬صحيح م�سلم للإمام �أبي احل�سني م�سلم بن احلجاج الق�شريي الني�سابوري (ت‪:‬‬
‫‪261‬هـ) ط‪ /‬جمعية املكنز الإ�سالمي بالقاهرة ‪ -‬ط‪ /‬الأولى ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪1010‬عون املعبود �شرح �سنن �أبى داود‪ :‬لأبي الطيب حممد �شم�س احلق العظيم �آبادي‪،‬‬
‫ط‪ /‬املكتبة ال�سلفية‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1388 ،‬هـ‪1968 ،‬م‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدالرحمن حممد عثمان‪.‬‬
‫‪1111‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ :‬للإمام �أحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل‬
‫الع�سقالين‪ ،‬ط‪ /‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت ‪1379‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪،‬‬
‫وحمب الدين اخلطيب‪.‬‬
‫‪1212‬امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم‪ -‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى ‪1411‬هـ‪1990/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬وقال احلاكم‪ :‬هذا‬
‫حديث �صحيح الإ�سناد‪ ،‬ومل يخرجاه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪284‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫‪1313‬م�سند �أحمد بن حنبل ‪ -‬ط‪ /‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ‪/‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط و�آخرون‪.‬‬
‫‪1414‬م�صنف عبدالرزاق ال�صنعاين‪ ،‬ط‪ /‬املكتب الإ�سالمي‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1403‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرحمن الأعظمي‪.‬‬
‫‪1515‬املعجم الكبري للطرباين‪� ،‬سليمان بن �أحمد بن �أيوب �أبو القا�سم الطرباين‪،‬‬
‫ط‪ /‬مكتبة الزهراء‪ ،‬املو�صل‪1404 ،‬هـ‪1983/‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمدي بن عبداملجيد‬
‫ال�سلفي‪.‬‬
‫•ثال ًثا‪ :‬كتب الفقه الإ�سالمي‪:‬‬
‫�أ‪ .‬كتب الفقه احلنفي‬
‫‪1.1‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ :‬للعالمة ال�شيخ‪ /‬زين الدين بن �إبراهيم بن‬
‫حممد بن حممد بن بكر ال�شهري بابن جنيم (ت‪970 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬الطبعة الثانية (ن‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪2.2‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ :‬للإمام عالء الدين �أبى بكر ابن م�سعود‬
‫الكا�ساين احلنفي (ت‪587 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬املكتبة العلمية بريوت‪.‬‬
‫‪3.3‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ :‬لفخر الدين عثمان بن على الزيلعي احلنفي‬
‫(ت‪743 :‬هـ)ـ‪ ،‬ط‪/‬دار الكتاب الإ�سالمي‪ ،‬الطبعة الثانية (ن‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪4.4‬حا�شية ابن عابدين امل�سماة رد املحتار على الدر املختار �شرح تنوير الأب�صار‪:‬‬
‫ملحمد �أمني ال�شهري بابن عابدين‪ -‬ط‪ /‬دار �إحياء الرتاث العربي (ن‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪�5.5‬شرح العناية على الهداية‪ :‬ملحمد بن حممود البابرتي‪ ،‬مطبوع بهام�ش فتح‬
‫القدير‪ :‬للكمال ابن الهمام‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪( ،‬ن‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪�6.6‬شرح فتح القدير‪ :‬لكمال الدين حممد بن عبدالواحد بن عبداحلميد بن م�سعود‬
‫املعروف بابن الهمام احلنفي (ت‪861 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬دار �إحياء الرتاث العربى‬
‫(ن‪.‬ت)‪.‬‬

‫‪285‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫‪7.7‬املب�سوط‪ :‬ملحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي‪� ،‬أبو بكر‪ ،‬ط‪ /‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪8.8‬جممع الأنهر يف �شرح ملتقى الأبحر‪ :‬عبداهلل بن حممد بن �سليمان ال�شهري‬
‫بداماد �أفندي‪ ،‬و�صاحب ملتقى الأبحر هو ال�شيخ‪� /‬إبراهيم بن حممد بن‬
‫�إبراهيم احللبي‪ ،‬ط‪ /‬دار الطباعة العامرة ‪1317‬هـ‪ -‬دار �إحياء الرتاث العربي‬
‫للن�شر والتوزيع بالقاهرة‪.‬‬
‫ب‪ .‬كتب الفقه املالكي‬
‫‪1.1‬اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار‪ :‬لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل بن‬
‫عبدالرب النمري القرطبي (ت‪463 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬حتقيق‪� :‬سامل حممد عطا‪-‬حممد علي معو�ض‪.‬‬
‫‪2.2‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ :‬لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن �أحمد‬
‫بن ر�شد القرطبي ال�شهري بابن ر�شد احلفيد (املتوفى‪595 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬مطبعة‬
‫م�صطفى البابي احللبي و�أوالده‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1395 ،‬هـ‪1975/‬م‪.‬‬
‫‪3.3‬التاج والإكليل‪ :‬لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف �أبي القا�سم العبدري‪ ،‬الغرناطي‪،‬‬
‫�أبو عبداهلل املواق املالكي (ت‪897 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪1398‬هـ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫‪4.4‬التلقني يف الفقه املالكي‪ ،‬لأبي حممد عبدالوهاب بن علي بن ن�صر الثعلبي‬
‫البغدادي املالكي (ت‪422 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1425‬هـ‪-‬‬
‫‪2004‬م‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبو �أوي�س حممد بو خبزة احل�سني التطواين‪.‬‬
‫‪5.5‬جواهر الإكليل �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل يف مذهب الإمام مالك �إمام دار‬
‫التنزيل‪ :‬لل�شيخ‪� /‬صالح عبدال�سميع الآبي الأزهري‪ ،‬ط‪ /‬املكتبة الثقافية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪6.6‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري لل�شرح ‪ /‬حممد بن �أحمد بن عرفة الد�سوقي‬
‫املالكي (ت‪1230 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬دار �إحياء الكتب العربية عي�سى البابي احللبي (ن‪.‬ت)‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪286‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫‪7.7‬حا�شية العدوى على خمت�صر خليل‪ :‬لل�شيخ على �أحمد العدوى ال�صعيدي (ت‪:‬‬
‫‪1189‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬دار الكتاب الإ�سالمي لإحياء ون�شر الرتاث الإ�سالمي بالقاهرة‬
‫(ن‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪8.8‬ال�شرح ال�صغري على �أقرب امل�سالك‪� :‬أحمد بن حممد بن �أحمد الدردير‪ ،‬ط‪/‬‬
‫دار املعارف مب�صر‪.‬‬
‫‪9.9‬الكايف يف فقه �أهل املدينة املالكي‪ ،‬لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل بن حممد بن‬
‫عبدالرب بن عا�صم النمري القرطبي (ت‪463 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1400 ،‬هـ‪1980/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حممد‬
‫�أحيد ولد ماديك املوريتاين‪.‬‬
‫‪1010‬املدونة الكربى‪ :‬للإمام مالك بن �أن�س الأ�صبحي املدين (ت‪179 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1400‬هـ‪1980-‬م‪.‬‬
‫‪1111‬املقدمات املمهدات لبيان ما اقت�ضته ر�سوم املدونة من الأحكام‪ :‬لأبي الوليد‬
‫حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي (ت‪520 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬دار الغرب الإ�سالمي‪،‬‬
‫بريوت ‪ -‬لبنان الطبعة‪ :‬الأولى‪ 1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ /‬حممد حجي‪.‬‬
‫‪1212‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ :‬للقا�ضي �سليمان بن خلف بن �سعد بن �أيوب بن وارث‬
‫الباجي الأندل�سي‪ ،‬ط‪ /‬مطبعة ال�سعادة‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1332‬هـ‪.‬‬
‫‪1313‬مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ :‬لأبي عبداهلل حممد بن عبدالرحمن‬
‫املغربي‪ ،‬املعروف باحلطاب‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪1398‬هـ‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫ج‪ .‬كتب الفقه ال�شافعي‬
‫‪�1.1‬إعانة الطالبني‪ :‬لأبي بكر (امل�شهور بالبكري) بن حممد �شطا الدمياطي (ت‪:‬‬
‫بعد ‪1302‬هـ)‪ ،‬هو حا�شية على حل �ألفاظ فتح املعني ل�شرح قرة العني مبهمات‬
‫الدين‪ :‬لزين الدين بن عبدالعزيز املعربي املليباري (ت‪ 987 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪287‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫‪2.2‬الإقناع يف حل �ألفاظ �شجاع‪ :‬حممد اخلطيب ال�شربيني املتوفى �سنة ‪977‬هـ‪ ،‬ط‪/‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب البحوث والدرا�سات بدار الفكر‪.‬‬
‫‪3.3‬الأم‪ :‬للإمام �أبى عبداهلل حممد بن �إدري�س ال�شافعي املتوفى �سنة ‪204‬هـ‪،‬‬
‫حتقيق‪�/‬أحمد عبيد وعناية‪ ،‬ط‪/‬دار �إحياء الرتاث العربى‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى ‪1400‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬حتفة املحتاج ب�شرح املنهاج‪ :‬ل�شهاب الدين �أحمد بن حجر الهيتمي (ت‪:‬‬
‫‪974‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ /‬مكتب البحوث والدرا�سات يف دار الفكر‪ ،‬ط‪/‬دار الفكر‬
‫للطباعة والن�شر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1418‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪5.5‬حا�شية اجلمل على املنهج ل�شيخ الإ�سالم زكريا الأن�صاري‪ ،‬للعالمة ال�شيخ‬
‫�سليمان اجلمل‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪6.6‬احلاوي الكبري‪ :‬لأبى احل�سن على بن حممد بن حبيب املاوردي (ت‪450 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق ‪ /‬حممود مطرجي و�آخرون‪ ،‬ط‪/‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪1414‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪7.7‬رو�ضة الطالبني‪ :‬للإمام �أبو زكريا حميى الدين بن �شرف النووي (ت‪676 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ /‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪8.8‬املجموع �شرح املهذب‪ :‬للإمام �أبو زكريا حميى الدين بن �شرف النووي (ت‪:‬‬
‫‪676‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد جنيب املطيعي‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1977 ،‬م‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬د‪ /‬حممود مطرجي‪.‬‬
‫‪9.9‬مغني املحتاج �إلى حل �ألفاظ املنهاج‪ :‬حممد اخلطيب ال�شربيني (ت‪977 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪/‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1415‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪1010‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج‪ :‬للإمام �شم�س الدين حممد بن �أبي العبا�س �أحمد‬
‫بن حمزة ابن �شهاب الدين الرملي ال�شهري بال�شافعي ال�صغري (ت‪1004 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ /‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1404 ،‬هـ ‪1984/‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪288‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫د‪ .‬كتب الفقه احلنبلي‬


‫‪1.1‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫للإمام علي بن �سليمان املرداوي �أبو احل�سن (ت‪885 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار �إحياء‬
‫الرتاث العربي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪.‬‬
‫‪2.2‬حا�شية العنقري هام�ش الرو�ض املربع‪ :‬لل�شيخ‪ /‬عبداهلل بن عبدالعزيز العنقري‪،‬‬
‫ط‪ /‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ال�سعودية‪1390 ،‬هـ‪1970/‬م‪.‬‬
‫‪3.3‬الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع‪ :‬لل�شيخ‪ /‬من�صور بن يون�س بن �إدري�س البهوتي‬
‫(ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ال�سعودية‪1390 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد �شم�س الدين‬
‫ابن قيم اجلوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت ‪ -‬مكتبة املنار‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬ال�سابعة والع�شرون‪1415 ,‬هـ ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪5.5‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ :‬لل�شيخ‪ /‬حممد بن �صالح بن حممد العثيمني‬
‫(ت‪1421 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبعة الأولى‪1428-1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6.6‬شرح زاد امل�ستقنع يف اخت�صار املقنع (كتاب الطهارة)‪ ،‬ط‪ /‬الرئا�سة العامة‬
‫للبحوث العلمية والإفتاء الإدارة العامة ملراجعة املطبوعات الدينية‪ ،‬الريا�ض ‪-‬‬
‫اململكة العربية ال�سعودية‪1428 ،‬هـ‪2007/‬م‪.‬‬
‫‪7.7‬الفروع‪ :‬لأبي عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي‪ ،‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪1418‬هـ‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبي الزهراء حازم القا�ضي‪.‬‬
‫‪8.8‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ :‬لأبي حممد عبداهلل بن قدامة املقد�سي‪ ،‬ط‪/‬‬
‫املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪1408 :‬هـ‪1988/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري‬
‫ال�شاوي�ش‪.‬‬
‫‪9.9‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ :‬لل�شيخ العالمة ‪ /‬من�صور بن يون�س بن �إدري�س‬

‫‪289‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫البهوتي (ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬راجعه وعلق عليه ال�شيخ‪ /‬هالل م�صيلحي م�صطفى‬
‫هالل‪ ،‬ط‪/‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪1402‬هـ‪1982/‬م‪.‬‬
‫‪1010‬املبدع �شرح املقنع‪� :‬إبراهيم بن حممد بن عبداهلل بن حممد ابن مفلح‪� ،‬أبو‬
‫�إ�سحاق‪ ،‬برهان الدين (ت‪884 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار عامل الكتب‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫‪1423‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪1111‬مطالب �أويل النهى يف �شرح غاية املنتهى‪ :‬للفقيه العالمة ال�شيخ‪ /‬م�صطفى‬
‫ال�سيوطي الرحيباين (ت‪1243 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬بدون ا�سم مطبعة ‪1421‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪1212‬املغني‪ :‬ملوفق الدين �أبى حممد بن عبداهلل بن �أحمد بن حممد ابن قدامة‬
‫املقد�سي احلنبلي (ت‪630 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬ط‪ /‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫ال�سعودية‪1390 ،‬هـ‪1970/‬م‪ ،‬ت�صحيح ال�شيخ‪ /‬حممد �سامل حمي�سن‪ ،‬وال�شيخ‪/‬‬
‫�شعبان حممد �إ�سماعيل‪.‬‬
‫هـ‪ .‬كتب الفقه الظاهري‬
‫‪1.1‬املحلى‪ :‬لأبي حممد على بن �أحمد بن �سعيد ابن حزم املتوفى �سنة ‪456‬هـ‪،‬‬
‫حتقيق‪� /‬أحمد حممد �شاكر‪ ،‬ط‪/‬دار الرتاث‪ ،‬القاهرة (ن‪.‬ت)‪.‬‬
‫و‪ .‬الفقه العام واملقارن‪:‬‬
‫‪1.1‬املو�سوعة الفقهية الكويتية‪ :‬وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية ‪ -‬الكويت‪ ،‬ط‪/‬‬
‫دار ال�سال�سل ‪ -‬الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية‪( :‬من ‪ 1427 - 1404‬هـ)‪.‬‬
‫•راب ًعا‪ :‬كتب اللغة واملعاجم‬
‫‪1.1‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬حم ّمد بن حم ّمد بن عبدالر ّزاق احل�سيني‪،‬‬
‫�أبو الفي�ض‪ ،‬املل ّقب مبرت�ضى‪ ،‬الزَّبيدي‪ ،‬ط‪ /‬دار الهدية‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من‬
‫املحققني‪.‬‬
‫‪2.2‬تاج اللغة و�صحاح العربية امل�سمى (ال�صحاح) لأبى ن�صر �إ�سماعيل بن حماد‬
‫اجلوهري الفارابي (ت‪398 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬دار �إحياء الرتاث العربى‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪290‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫الأولى ‪1419‬هـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪3.3‬التعريفات‪ ،‬علي بن حممد بن علي اجلرجاين‪ ،‬ط‪ /‬دار الكتاب العربي‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪1405 ،‬هـ‪ ،‬حتقيق‪� :‬إبراهيم الأبياري‪.‬‬
‫‪4.4‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬حممد عبدالر�ؤوف املناوي‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر‬
‫املعا�صر‪ ,‬دار الفكر‪ -‬بريوت‪ ,‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى‪1410 ،‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد‬
‫ر�ضوان الداية‪.‬‬
‫‪5.5‬الكليات‪ :‬لأبي البقاء الكفوي �أيوب بن مو�سى احل�سيني‪ ،‬ط‪ /‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪-‬‬
‫بريوت ‪1419 -‬هـ‪1998/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬عدنان دروي�ش ‪ -‬حممد امل�صري‪.‬‬
‫‪6.6‬ل�سان العرب‪ :‬ملحمد بن مكرم بن منظور الأفريقي امل�صري‪ ،‬ط‪ /‬دار �صادر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪7.7‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬حممد بن �أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت‪721 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬‬
‫مكتبة لبنان نا�شرون‪� ،‬سنة الن�شر ‪1415‬هـ‪1995/‬هـ‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود‬
‫خاطر‪.‬‬
‫‪8.8‬معجم العني‪ ،‬للخليل بن �أحمد الفراهيدي (ت‪175 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار ومكتبة‬
‫الهالل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ /‬مهدي املخزومي‪ / ،‬د �إبراهيم ال�سامرائي‪.‬‬
‫‪9.9‬املعجم الو�سيط‪� :‬إبراهيم م�صطفى و�آخرون‪ ،‬ط‪ /‬دار الدعوة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫جممع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪1010‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا (ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬ط‪/‬‬
‫دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1420 ،‬هـ‪1999/‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدال�سالم حممد هارون‪.‬‬
‫‪1111‬املفردات يف غريب القر�آن‪ ،‬لأبي القا�سم احل�سني بن حممد الراغب الأ�صفهاين‬
‫(ت‪502 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ /‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد �سيد كيالين‪.‬‬
‫• ً‬
‫خام�سا‪ :‬الكتب والبحوث املعا�صرة‬
‫‪1.1‬الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالوباء والطاعون مع درا�سة فقهية للأحكام املتعلقة‬

‫‪291‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫بفريو�س كورونا‪� ،‬أبو عبدالعزيز هيثم بن قا�سم احلمري‪ ،‬الطبعة الأولى‬


‫‪1441‬هـ‪2020/‬م‪ ،‬بدون بيانات نا�شر‪.‬‬
‫‪�2.2‬أحكام ال�صالة على املوتى ‪-‬درا�سة فقهية مقارنة‪ :-‬د‪� /‬سعد الدين م�سعد‬
‫الهاليل‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة الإميان‪ ،‬املن�صورة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪�3.3‬أحكام النوازل الفقهية املتعلقة ب�أموات الكورونا‪ :‬د‪ /‬بلخري طاهري الإدري�سي‪،‬‬
‫بحث من�شور على �شبكة االنرتنت (مكتبة نور الإلكرتونية ‪https://www.noor-‬‬
‫‪ ،/book.com‬الطبعة الأولى ‪2021-2020‬م‪.‬‬
‫‪�4.4‬أحكام دفن املوتى و�أحكام قبورهم‪ :‬د‪� /‬سعد الدين م�سعد هاليل‪ ،16 ،‬ط‪/‬‬
‫مكتبة الإميان‪ ،‬املن�صورة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪�5.5‬أحكام غ�سل امليت‪ :‬د‪� /‬سعد الدين م�سعد الهاليل‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة الإميان‪ ،‬املن�صورة‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪�6.6‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬جامعة القد�س‪،‬‬
‫فل�سطني‪1437 ،‬هـ‪2106/‬م‪ ،‬ح�سام ح�سن ح�سني �أبو حماد‪.‬‬
‫‪7.7‬البيان اخلتامي للدورة الطارئة الثالثني‪ ،‬للمجل�س الأوروبي للإفتاء والبحوث‬
‫املنعقدة بتقنية (‪ )zoom‬التوا�صلية يف الفرتة من ‪� 4-1‬شعبان ‪1441‬هـ‪ ،‬املوافق‬
‫‪ 28-25‬مار�س ‪2020‬م‪.‬‬
‫‪8.8‬تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدويل‪ ،‬منظمة‬
‫املتعاون الإ�سالمي‪ ،‬بعنوان‪“ :‬فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ )19-‬وما يتعلق‬
‫به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية‪ ،‬املنعقد (بوا�سطة الفيديو عن ُبعد) يف‬
‫‪� 23‬شعبان ‪1441‬هـ‪/‬املوافق ‪� 16‬أبريل ‪2020‬م‪ ،‬جدة‪ ،‬ال�سعودية‪.‬‬
‫‪9.9‬الدليل ال�شرعي للتعامل مع فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ ،)19‬مركز الأزهر‬
‫العاملي للفتوى الإلكرتونية‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1441‬هـ‪2020/‬م‪.‬‬
‫‪1010‬النوازل يف اجلنائز‪ :‬ر�سالة ماج�ستري يف الفقه‪ ،‬كلية ال�شريعة‪ ،‬جامعة الإمام‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪292‬‬


‫األحكام الفقهية املتعلقة جبنائز املرض املعدي‬

‫كورونا‬

‫حممد بن �سعود الإ�سالمية بالريا�ض‪ ،‬للباحث‪ /‬عبدالرحمن بن �إبراهيم بن‬


‫حممد املر�شد‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1111‬فتاوى العلماء حول فريو�س كورونا‪ :‬د‪ /‬م�سعود �صربي‪ ،‬ط‪ /‬دار الب�شري‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪1441‬هـ‪2020/‬م‪.‬‬
‫‪1212‬الأحكام الفقهية املتعلقة بامل�صاب باملر�ض املعدي‪ :‬عادل مبارك مهدي املطريات‪،‬‬
‫بحث من�شور يف جملة الدرا�سات العربية‪ ،‬جامعة املنيا‪ ،‬كلية دار العلوم‪ ،‬عدد‬
‫(‪ ،)42‬جملد (‪ ،)3‬يونيو ‪2011‬م‪.‬‬
‫•�ساب ًعا‪ :‬املراجع الطبية‬
‫‪1.1‬موقع الإعجاز الطبي‪ :‬د‪ /‬حممد نزار الدقر‪:‬‬
‫‪https://draldaker.wordpress.com/‬‬
‫‪2.2‬موقع مايو كلينك‪https //www.mayoclinic.org/ar/diseases- :‬‬
‫‪3.3‬موقع ويب طب‪https://www.webteb.com/articles :‬‬
‫‪4.4‬موقع منظمة ال�صحة العاملية‪:‬‬
‫‪h t t p s : / / w w w. w h o . i n t / a r / e m e rg e n c i e s/ d i s e a s e s / n o v e l -‬‬
‫‪coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses‬‬

‫‪293‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬فاطمة علي فهد األمحدي‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث ‪217 .............................................................‬‬


‫املقدمة ‪220 .....................................................................‬‬
‫التمهيد‪ :‬التعريف باملر�ض املعدي (كورونا) و�أ�سبابه ‪226 .........................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬غ�سل امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪236 ..........................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم غ�سل امليت ‪236 ..........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم غ�سل من مات باملر�ض املعدي (كورونا) ‪241 ..............‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪251 ........................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم تكفني امليت ‪251 ..........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪255 ................‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬صورة تكفني امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪257 ...............‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪260 .................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم ال�صالة على امليت ‪260 ...................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم ال�صالة على امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪266 .........‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪270 .........................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم دفن امليت ‪270 ...........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم دفن امليت باملر�ض املعدي (كورونا) ‪273 .................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم الدفن يف املقابر اجلماعية يف حالة تف�شي وباء(كورونا) ‪274 .‬‬
‫اخلامتة‪279 ....................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪283 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪294‬‬


‫ترّخص الممارس الصحي بالتيمم‬
‫والجمع بين الصالتين والتخلف عن‬
‫الجمعة والجماعة في ظل انتشار‬
‫�فايروس كورونا (كوفيد‪)19-‬‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬تهاين بنت عبدالله اخلنيني‬
‫الأ�ستاذ امل�ساعد يف ق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة‬
‫ال�سالمية‬
‫جامعة الإمام حممد بن �سعود إ‬
‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪296‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على املبعوث رحمة للعاملني‪ ،‬وعلى �آله‬
‫و�صحبه ومن تبعهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪.‬‬
‫�أما بعد‪..‬‬
‫ف�إن اهلل �سبحانه وتعالى خلق اخللق‪ ،‬وتك ّفل لهم بالعطاء والرزق‪ ،‬و�أجرى عليهم‬
‫ي�صح وخلق مير�ض‪ ،‬وكان من �سننه‬
‫�سننه يف الأر�ض‪ ،‬فخلق ميوت وخلق ُيولد‪ ،‬وخلق ّ‬
‫�أن ير�سل بالآيات تخوي ًفا وتنبي ًها وابتال ًء‪ ،‬لعلهم �إليه يرجعون‪ ،‬ولريفع درجات من‬
‫ابتلي بها من امل�ؤمنني‪ ،‬ويزيد �شقاء من كتب �شقاءه �إلى يوم الدين‪.‬‬
‫و�إن مما حل بالعامل �أجمع يف هذه الأيام من انت�شار وباء كورونا (كوفيد‪)19-‬‬
‫لآية عظيمة من �آيات اهلل؛ ال�شاهدة على خلقه وقدرته وحكمته‪ ،‬ولأن هذا الوباء‬
‫والتعامل معه �أورث نوازل وم�سائل يف حياة امل�سلمني‪� ،‬أفرادًا وجماعات‪ ،‬مر�ضى‬
‫و�أ�صحاء‪� ،‬أطباء وممار�سني �صحيني وغريهم؛ ف�إن من واجب العلماء �أن يبذلوا‬
‫جهدهم يف االجتهاد‪ ،‬وبيان �أحكام اهلل فيها‪ ،‬ولهم يف ذلك �سنة م�سبوقة‪ ،‬فعندما‬
‫نرجع بالذاكرة �إلى الزمن الغابر يف حياة الأمة الإ�سالمية؛ حني انت�شرت الطواعني‪،‬‬
‫أرواحا كثرية‪ ،‬جند �أن علماءنا الأفذاذ ت�صدوا جلمع �أحكامه وبيانها‪ ،‬حتى‬
‫وح�صدت � ً‬
‫ورثنا منهم امل�صنفات اخلا�صة فيه‪ ،‬والعامة التي �أودع فيها �أحكامه مع غريه‪ ،‬و�إين‬
‫لأجد احلاجة ما�سة يف هذه الأيام لبيان الأحكام التي �أفرزها التعامل مع هذا الوباء‪،‬‬
‫وعزمت �أن �أرمي ب�سهم يف ذلك‪ ،‬واختار منها ما يتعلق بالطبيب ومعاونيه‪ ،‬ممن‬
‫يطلق عليهم (املمار�سون ال�صحيون)‪ ،‬ال�سيما �أنه وجد الت�سا�ؤل من لدن املمار�سني‬

‫‪297‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫ال�صحيني يف �إقامة عبادة ال�صالة مع تعذر الو�ضوء‪� ،‬أو �إيقاع ال�صالة يف غري وقتها‬
‫لدواعي التطبيب يف هذه اجلائحة‪ ،‬ومدى جواز الرتخ�ص بالتيمم‪� ،‬أو ال�صالة بغري‬
‫طهور‪ ،‬وكذلك اجلمع بني ال�صالتني‪� ،‬أو ت�أخري ال�صالة عن وقتها لأ�سباب �س�أبينها‪،‬‬
‫لذا �أحببت �أن �أجمع ما تفتقت عنه �أذهان علماءنا يف فهم الدالئل ال�شرعية املتعلقة‬
‫بذلك يف هذا البحث الذي �أ�سميته‪ :‬بــــ (ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني‬
‫ال�صالتني والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انت�شار وباء كورونا (كوفيد‪.))19-‬‬
‫�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫تتجلى �أهمية املو�ضوع يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن انت�شار وباء كورونا (كوفيد‪ )19-‬والتعامل معه �أ ّثر على حياة النا�س؛ مما‬
‫طال بع�ض العبادات واملعامالت ونحوها‪.‬‬
‫‪2.2‬حاجة املمار�سني ال�صحيني على اختالف ت�صنيفهم ملعرفة الأحكام ال�شرعية‬
‫املتعلقة بال�صالة و�شروطها؛ يف حميط عملهم �أثناء التعامل مع هذا الوباء‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن البحث يتعلق ب�أهم �أركان الإ�سالم وعمود الدين وهو ال�صالة وما ت�ستلزمه‬
‫ل�صحتها‪ ،‬خا�صة �أن غالب ما ُكتب يف ذلك ال يعدو كونه فتاوى ور�سائل‬
‫مقت�ضبة‪ ،‬مما ي�ستدعي بحث امل�س�ألة على وجه التف�صيل والت�أ�صيل‪.‬‬
‫‪�4.4‬أنه ُيربز كمال ال�شريعة وح�ضورها احلي يف كل نازلة‪ ،‬و�صالحية �أحكامها‬
‫لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫�أهداف املو�ضوع‪:‬‬
‫يهدف بحث هذا املو�ضوع �إلى بيان الآتي‪:‬‬
‫‪1.1‬الأ�سباب املبيحة للرتخ�ص وعالقتها بعمل املمار�س ال�صحي‪.‬‬
‫‪�2.2‬أحوال املمار�س ال�صحي وحكم ترخ�صه بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني �أثناء‬
‫العمل‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪298‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫‪3.3‬احلكم يف حال عجز املمار�س ال�صحي عن الطهارة وال�صالة يف وقتها �أو‬


‫وقت املجموعة �إليها‪.‬‬
‫‪4.4‬احلكم يف تخلف املمار�س ال�صحي عن اجلمعة واجلماعة‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة للمو�ضوع‪:‬‬
‫بعد البحث يف مواقع التك�شيف اخلا�صة بالر�سائل العلمية والبحوث املحكمة‪،‬‬
‫وجدت بع�ض الر�سائل والبحوث التي قد يكون بينها وبني مو�ضوع البحث بع�ض‬
‫الت�شابه ومنها‪:‬‬
‫‪1.1‬ر�سالة دكتوراه بعنوان‪�( :‬أحكام طب الطوارئ والعناية املركزة) للدكتورة‪:‬‬
‫�إميان ال�شلهوب‪ ،‬يف كلية ال�شريعة بالريا�ض‪ ،‬وقد حتدثت عن حكم جمع‬
‫ال�صالة لطبيب الطوارئ وتخلفه عن �صالة اجلمعة‪ ،‬ويف هذا البحث‬
‫�س�أ�ضيف الرتخ�ص بالتيمم‪ ،‬والتخلف عن اجلماعة لطبيب الطوارئ وغريه‬
‫من املمار�سني ال�صحيني‪ ،‬لأ�سباب ال تخ�ص الإنقاذ‪ ،‬فال يوجد اتفا ٌق من كل‬
‫وجه مع ما يف هذه الر�سالة‪.‬‬
‫‪2.2‬ر�سالة ماج�ستري بعنوان‪�( :‬أحكام التمري�ض يف الفقه الإ�سالمي)‪ ،‬للباحثة‪:‬‬
‫�أمل اللحيان‪ ،‬يف جامعة امللك �سعود‪ ،‬واقت�صرت الباحثة من م�سائل الرتخ�ص‬
‫بالتخلف عن اجلمعة واجلماعة‪.‬‬
‫‪3.3‬ر�سالة دكتوراه بعنوان‪( :‬الأحكام ال�شرعية املرتتبة على ت�صرفات الطبيب‪،‬‬
‫درا�سة فقهية مقارنة) للدكتور‪ :‬حممد املنا�سية‪ ،‬جامعة العلوم الإ�سالمية‬
‫العاملية‪ ،‬الأردن‪ ،‬والأحكام موجهة فيه �إلى املري�ض لإحاطة الطبيب‪.‬‬
‫‪4.4‬بحث من�شور يف جملة علوم ال�شريعة والقانون‪( :‬التمري�ض و�أحكامه يف الفقه‬
‫الإ�سالمي)‪ ،‬د‪ .‬جميلة الرفاعي‪ ،‬د‪.‬فريال اجلمال‪ ،‬ومل تتطرق فيه الباحثتان‬
‫�إلى �أحكام الأحوال التف�صيلية للممر�ض ومدى جواز الرتخ�ص فيها‪ ،‬وما‬
‫ذكر �إمنا هو ت�أ�صيل مل�س�ألة حكم تقدمي حفظ النف�س على �أداء العبادات يف‬

‫‪299‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫وقتها ب�شكل عام‪.‬‬


‫‪5.5‬بحث من�شور يف جملة الدرا�سات الإ�سالمية والبحوث الأكادميية‪ ،‬بعنوان‪:‬‬
‫أمنوذجا)‪،‬‬
‫(الأحكام الفقهية املتعلقة مب�ساعدي الطبيب‪ ،‬طبيب التخدير � ً‬
‫د‪.‬عبداملهيمن اخلطيب‪ ،‬ومل يتعر�ض فيه للأحكام املتعلقة بالعبادات‪.‬‬
‫بالإ�ضافة ملا �سبق‪ ،‬ف�إين يف هذا البحث ركزت على �أمر قد يخت�ص بهذا الوباء‬
‫دون غريه من احلاالت الإ�سعافية والعالجية‪ ،‬وهي عائق املعدات واللبا�س اخلا�ص‬
‫الذي يرتديه املمار�سون ال�صحيون �أثناء املعاجلة‪ ،‬مع العجز عن توفري الأعداد‬
‫الكافية‪ ،‬الأمر الذي قد ال يوجد يف احلاالت الإ�سعافية العادية‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫انتظم هذا البحث يف مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬التعريف مب�صطلحات عنوان البحث‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الرتخ�ص‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف املمار�س ال�صحي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف الوباء‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التعريف بوباء كورونا (كوفيد‪.)19-‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم‪ ،‬واجلمع بني ال�صالتني؛ فرتة‬
‫معاجلة وباء كورونا (كوفيد‪ ،)19-‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬الأ�سباب املبيحة للتيمم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التيمم واجلمع بني ال�صالتني للمار�س ال�صحي فرتة معاجلة وباء‬
‫كوفيد‪.19-‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪300‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التخلف عن اجلمعة واجلماعة للمار�س ال�صحي زمن انت�شار وباء‬
‫كوفيد‪.19-‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وفيها �أبرز النتائج‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫�سلكت يف هذا البحث املنهج املتبع يف درا�سة امل�سائل الفقهية وهو كالآتي‪:‬‬
‫‪1.1‬جمعت املادة العلمية من مظانها عن طريق اال�ستقراء‪.‬‬
‫‪�2.2‬صورت امل�س�ألة ليت�ضح املق�صود منها وبيان موا�ضع االتفاق فيها ب�أدلتها‪،‬‬
‫وموا�ضع االختالف‪ ،‬بذكر الأقوال من املذاهب الأربعة‪ ،‬واال�ستدالل على‬
‫ذلك‪ ،‬وبيان ما يرد من مناق�شات وما يجاب عنها به �إن وجدت‪ ،‬ثم ذكرت‬
‫الراجح مع بيان �سبب الرتجيح‪.‬‬
‫‪3.3‬وثقت من امل�صادر املعتربة‪.‬‬
‫‪4.4‬عزوت الآيات �إلى �سورها‪ ،‬وخ ّرجت الأحاديث من م�صادرها وبينت ما ذكره‬
‫�أهل العلم يف احلكم عليها‪.‬‬
‫ذكرت خامتة �ضمنتها خال�صة البحث‪ ،‬ونتائجه‪.‬‬
‫ذيلت البحث بفهر�س امل�صادر واملراجع‪.‬‬
‫هذا وقد بذلت فيه جهدي فما كان فيه من حق و�صواب فمن اهلل‪ ،‬وما كان غري‬
‫ذلك فمن نف�سي وال�شيطان‪ ،‬وا�ستغفر اهلل منه‪.‬‬
‫و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪.‬‬

‫‪301‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫التمهيد‬
‫التعريف مب�صطلحات عنوان البحث‬

‫وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬


‫يتطلب البحث قبل ال�شروع فيه بيان بع�ض امل�صطلحات الواردة يف العنوان‪ ،‬والتي‬
‫حتتاج �إلى ك�شف وتو�ضيح‪ ،‬دون غريها من امل�صطلحات الوا�ضحة كالتيمم‪ ،‬واجلمع‬
‫بني ال�صالتني‪ ،‬والتخلف عن اجلماعة‪ ،‬وامل�صطلحات هي‪( :‬الرتخ�ص)‪ ،‬و(املمار�س‬
‫ال�صحي)‪ ،‬و(الوباء)‪ ،‬و(وباء ُكرونا كوفيد‪.)19-‬‬

‫املطلب الأول‬
‫تعريف الرتخ�ص‬

‫الرتخ�ص لغة‪ :‬من الفعل رخ�ص‪ ،‬قال ابن فار�س‪“ :‬الراء واخلاء وال�صاد �أ�صل‬
‫يدل على لني‪ ،‬وخالف �شدة”(((‪ ،‬ومن ذلك اللحم والثوب ال ّر ْخ�ص‪� :‬أي الناعم‪ ،‬ومنه‬
‫ال ُّرخ�ص‪ :‬خالف الغالء‪ ،‬يقال �أرخ�ص ال�شيء‪� :‬أي جعله رخي صً� ا‪ ،‬والرخ�صة يف الأمر‬
‫خالف الت�شديد‪ ،‬وترخي�ص اهلل للعبد يف �أ�شياء خففها عنه‪ ،‬ورخ�ص يل يف الأمر‪:‬‬
‫�أَ ِذن يل فيه بعد النهي عنه(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬الرتخ�ص هو الأخذ بالرخ�صة امل�أذون فيها بعد النهي(((‪ ،‬وع ّرف‬
‫ً‬
‫الأ�صوليون الرخ�صة بتعريفات عدة من �أ�شهرها‪ :‬ما ثبت على خالف دليل �شرعي‬
‫ملعار�ض راجح (((‪.‬‬
‫مقايي�س اللغة ‪( ،500/2‬مادة ر خ �ص)‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬مقايي�س اللغة ‪ ،500/2‬ل�سان العرب ‪( 40/7‬مادة ر خ �ص)‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب ‪.40/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رو�ضة الناظر ‪ ،259/1‬البحر املحيط ‪.31/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪302‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫املطلب الثاين‬
‫تعريف املمار�س ال�صحي‬

‫وفيه ثالث م�سائل‪:‬‬


‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬تعريف املمار�س‪:‬‬
‫املمار�س لغة‪ :‬ا�سم فاعل من مار�س‪ ،‬و�أ�صل الفعل مر�س‪ ،‬قال ابن فار�س‪“ :‬امليم‬
‫والراء وال�سني �أ�صل �صحيح‪ ،‬يدل على ُم�ضا ّمة �شيء ل�شيء ب�شدة وقوة‪ ،‬ومت ّر�س فالن‬
‫بال�شيء‪ :‬احتك به”(((‪ ،‬واملر�س واملرا�س‪ :‬املمار�سة واملزاولة و�شدة العالج‪ ،‬وا َمل ِر�س‪:‬‬
‫ال�شديد الذي مار�س الأمور وجربها(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬ي�ستخدم الفقهاء م�صطلح املمار�سة‪ ،‬واملمار�س ويريدون به كرثة‬
‫ً‬
‫مزاولة ال�شيء وجتربته‪ ،‬مما يك�سب ال�شخ�ص اخلربة والدراية فيما �أكرث ممار�سته(((‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬تعريف ال�صحي‪:‬‬
‫ال�صحي لغة‪ :‬ا�سم من�سوب �إلى ال�صحة‪ ،‬و�أ�صله من الفعل �صح‪( ،‬وال�صاد‬
‫واحلاء �أ�صل يدل على الرباءة من املر�ض والعيب‪ ،‬وعلى اال�ستواء‪ ،‬وال�صحة‪ :‬ذهاب‬
‫ال�سقم)(((‪ ،‬و�صح فالن من علته وا�ست�صح‪� :‬إذا ذهب �سقمه‪ ،‬واملُ ِ�صح الذي �صحت‬
‫ما�شيته من الأمرا�ض والعاهات‪ ،‬و�أر�ض َم َ�ص ّحة َوم ِ�ص ّحة‪ :‬بريئة من الأوباء‪� ،‬صحيحة‬
‫ت�صحيحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ال وباء فيها‪ ،‬وال تكرث فيها العلل والأ�سقام‪ ،‬و�صححت الكتاب واحل�ساب‬
‫�إذا كان �سقي ًما ف�أ�صلحت خط�أه (((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مقايي�س اللغة ‪.310/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب ‪ ،215/6‬القامو�س املحيط �ص ‪( ،741‬مادة م ر �س)‪.‬‬ ‫(((‬
‫على �سبيل املثال‪ :‬جاء يف الأحكام ال�سلطانية‪ :‬ف�إن كان هذا الوزير م�شاركا يف الر�أي احتاج �إلى و�صف‬ ‫(((‬
‫ثامن وهو احلنكة والتجربة التي ت�ؤدي �إلى �صحة الر�أي‪ ،‬و�صواب التدبري‪ ،‬ف�إن يف التجارب خربة بعواقب‬
‫الأمور‪ ،‬و�إن مل ي�شارك يف الر�أي مل يحتج �إلى هذا الو�صف و�إن كان ينتهي �إليه مع كرثة املمار�سة) ‪.29/1‬‬
‫مقايي�س اللغة ‪.281/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب ‪( ،507/2‬مادة �ص ح ح)‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪303‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫ا�صطالحا‪ :‬ي�ستخدم الفقهاء م�صطلح ال�صحة ويريدون به �أحد معنيني(((‪:‬‬


‫‪1.1‬اخللو من الأمرا�ض والعيوب‪.‬‬
‫‪�2.2‬صحة الت�صرفات القولية والفعلية �إذا توفرت �شروطها و�أركانها‪.‬‬
‫واملق�صود بالبحث امل�صطلح الأول‪.‬‬
‫وال�صحة باملفهوم الطبي تعني كما يف تعريف منظمة ال�صحة العاملية‪ :‬حالة من‬
‫اكتمال ال�سالمة بدن ًيا وعقل ًيا واجتماع ًيا‪ ،‬ال جم ّرد انعدام املر�ض �أو العجز(((‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪ :‬تعريف املمار�سني ال�صحيني‪:‬‬
‫هذا اللفظ املركب يق�صد به يف الو�سط الطبي‪ :‬الأ�شخا�ص الذين يعملون يف حماية‬
‫وتطوير ال�صحة يف جمتمعاتهم‪ ،‬وقد ارتبطوا عمل ًيا بتح�سني ال�صحة باعتبارها هد ًفا‬
‫رئي�سا‪ ،‬ويعتربون عن�ص ًرا رئي�س ًيا يف النظام ال�صحي يقدمون فيه م�ساهمات مهمة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولهم ت�صنيف فمنهم املتخ�ص�صون‪ :‬وهم الأطباء‪ ،‬واملمر�ضون‪ ،‬وال�صيادلة‪.‬‬
‫وامل�ساعدون‪ :‬كفنيي الأ�شعة‪ ،‬وم�شغلي الأجهزة الطبية‪.‬‬
‫و�آخرون‪ :‬كمقدمي الرعاية االجتماعية‪ ،‬وامل�ساندة الدينية(((‪.‬‬
‫وجاء يف الئحة نظام مزاولة املهن الطبية يف اململكة العربية ال�سعودية تعريف‬
‫املمار�س ال�صحي بـ‪ :‬كل مـن ّ‬
‫يرخ�ص لـه مبزاولـة املهـن ال�صحيـة التـي ت�شـمل الفئـات‬
‫الآتية‪ :‬الأطباء الب�شـريني‪ ،‬و�أطبـاء الأ�سنان‪ ،‬وال�صيادلة‪ ،‬الأخ�صائيني والفنيني‬
‫ال�صحيني فـــي الأ�شعة‪ ،‬والتمريـ�ض‪ ،‬والتخدير‪ ،‬واملخترب‪ ،‬وال�صيدلة‪ ،‬والب�صريـات‪،‬‬
‫والوبائيات‪ ،‬والأطراف ال�صناعيـة‪ ،‬والعالج الطبيعـي‪ ،‬ورعايـة الأ�سـنان وتركيبها‬
‫((( انظر‪ :‬املو�سوعة الفقهية املي�سرة ‪.1199/2‬‬
‫((( موقع منظمة ال�صحة العاملية على ال�شبكة العنكبوتية‪ .‬الرابط‪https://www.who.int/ar/news- :‬‬
‫‪room/fact-sheets/detail/mental-health-strengthening-our-response‬‬
‫((( انظر‪ :‬العمل م ًعا من �أجل ال�صحة‪​​ :‬تقرير ال�صحة العاملية‪ .)2006( .‬تقرير منظمة ال�صحة العاملية‪.‬‬
‫على الرابط‪https://www.who.int/world-health-day/previous/2006/ar/ :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪304‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫والت�صوير الطبقي‪ ،‬والعالج النووي‪ ،‬و�أجهزة الليزر‪ ،‬والعمليات‪ ،‬والأخ�صائيني‬


‫النف�سـيني واالجتماعيني‪ ،‬و�أخ�صائي التغذية‪ ،‬وال�صحة العامة‪ ،‬والقبالة‪ ،‬والإ�سـعاف‪،‬‬
‫ومعاجلة النطـق وال�سمع‪ ،‬والت�أهيـل احلريف‪ ،‬والعالج احلريف‪ ،‬والفيزياء الطبية‪،‬‬
‫وغيـر ذلك من املهن ال�صحية الأخرى التي يتم االتفاق عليهـــا بيـــن وزيري ال�صحة‪،‬‬
‫واخلدمة املدنية‪ ،‬والهيئــة ال�سعودية للتخ�ص�صات ال�صحية(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫تعريف الوباء‬

‫الوباء لغة‪ :‬قال ابن فار�س‪( :‬الواو والباء والهمزة كلمة واحدة هي الوباء‪،‬‬
‫أر�ض َو ِبئة على َف ِعلة‪ ،‬وقد َو ِبئت‪ ،‬وموبوءة وقد ُو ِب َئ ْت)(((‪ ،‬والوباء بالق�صر واملد‬
‫و� ٌ‬
‫مر�ض عام‪ ،‬و�أر�ض و ِبئة‪ :‬كثرية الوباء‪ ،‬وا�ستوب�أ الأر�ض‪:‬‬
‫والهمز‪ :‬الطاعون‪ ،‬وقيل‪ :‬كل ٍ‬
‫ا�ستوخمها ووجدها وبئة(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬الوباء عند الفقهاء‪ :‬املر�ض العام(((‪.‬‬
‫ً‬
‫ويطلقونه �أي�ضً ا على الطاعون‪ ،‬وهو مر�ض يعم الكثري من النا�س يف جهة من‬
‫اجلهات دون غريها؛ بخالف املعتاد من �أحوال النا�س و�أمرا�ضهم‪ ،‬ويكون مر�ضهم‬
‫غال ًبا مر�ضً ا واحدً ا؛ بخالف �سائر الأوقات ف�إن �أمرا�ض النا�س خمتلفة (((‪.‬‬
‫ويعنى به بالتعريف الطبي‪ :‬االنت�شار ال�سريع للأمرا�ض �إلى عدد كبري من ال�سكان‬
‫يف غ�ضون فرتة زمنية ق�صرية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظام مزاولة املهن ال�صحية ال�صادر باملر�سوم امللكي رقم (م‪ )95/‬وتاريخ ‪1426/11/4‬هـ‪،‬‬
‫على الرابط‪https://cutt.us/d4y7D :‬‬
‫ مقايي�س اللغة ‪.83/6‬‬ ‫(((‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب ‪ ،189/1‬والقامو�س املحيط ‪.69‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغرب يف ترتيب املعرب ‪.475/1‬‬
‫((( املنتقى �شرح املوط�أ‪.197/7‬‬

‫‪305‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫فعلى �سبيل املثال‪ ،‬يعترب معدل هجوم ما يزيد على ‪ 15‬حالة لكل ‪100,000‬‬
‫�شخ�ص ملدة �أ�سبوعني متتاليني وباء(((‪.‬‬
‫ويع ّرف مركز �أتالنتا ملكافحة الأمرا�ض الوباء على نطاق وا�سع ب�أنه‪ :‬حدوث‬
‫حاالت مر�ضية �أو �إ�صابات �أو حاالت �صحية �أخرى �أكرث مما هو متوقع؛ يف منطقة‬
‫معينة‪� ،‬أو بني جمموعة معينة من الأ�شخا�ص خالل فرتة معينة‪ ،‬وعادة ما يفرت�ض‬
‫�أن احلاالت لها �سبب م�شرتك �أو �أن تكون ذات �صلة ببع�ضها البع�ض بطريقة ما(((‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫التعريف بوباء كورونا (كوفيد‪)19-‬‬

‫يف ‪ 31‬دي�سمرب من عام ‪2019‬م مت �إبالغ املكتب الإقليمي ملنظمة ال�صحة العاملية يف‬
‫ال�صني بحاالت التهاب رئوي حاد؛ حدثت يف مدينة ووهان مبقاطعة هوبي ال�صينية‪،‬‬
‫ومت التعرف على الفريو�س عن طريق الت�سل�سل اجليني‪ ،‬و�أُعلن ر�سم ًيا �أن فريو�س‬
‫(كورونا اجلديد) هو الفريو�س امل�سبب لتلك احلاالت من ِق َبل ال�سلطات ال�صينية يوم‬
‫‪ 7‬يناير ‪2020‬م‪ ،‬و ُيعتقد �أن فريو�س ( ُكرونا) اجلديد مرتبط باحليوان؛ وذلك �أن �إن‬
‫�أغلب احلاالت الأولية كان لها ارتباط ب�سوق للبحريات واحليوانات يف مدينة ووهان‪.‬‬
‫وفريو�سات الكورونا هي جمموعة من فريو�سات ذات ال�صلة بفريو�س (فريو�س‬
‫احلم�ض النووي الريبوزي ‪ ،)RNA‬ت�شكلت من �أ�سرة كبرية من الفريو�سات‪ ،‬وت�سبب‬
‫((( انظر‪( :‬مركز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها ‪ -‬بحث ‪ -‬م�صدر �أجنبي)‬
‫‪Principles of Epidemiology, Third Edition (PDF). Atlanta, Georgia: Centers for Dis-‬‬
‫‪ease Control and Prevention. 2012‬‬
‫((( انظر‪( :‬مركز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها ‪ -‬بحث ‪ -‬م�صدر �أجنبي)‬
‫‪Principles of Epidemiology, Third Edition (PDF). Atlanta, Georgia: Centers for Dis-‬‬
‫‪ease Control and Prevention. 2012،‬‬
‫وموقع منظمة ال�صحة العاملية‪ :‬الإنذار بحدوث الأوبئة واجلوائح ومواجهتها (تقرير)‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪https://web.archive.org/web/20090429100200/www.who.int/csr/disease/avian_in-‬‬
‫‪fluenza/phase/ar/index.html‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪306‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫�أمرا�ضً ا يف الثدييات والطيور‪ ،‬وينتقل الفريو�س بني الب�شر من ال�شخ�ص امل�صاب‬


‫بالعدوى �إلى �شخ�ص �آخر عن طريق املخالطة القريبة دون حماية‪ ،‬وت�سبب هذه‬
‫الفريو�سات عدوى اجلهاز التنف�سي التي ميكن �أن ترتاوح ما بني معتدلة �إلى فتاكة؛‬
‫مثل متالزمة التنف�س يف ال�شرق الأو�سط (‪ ،)MERS-CoV‬ومتالزمة التنف�س‬
‫احلادة ال�شديدة (‪.)SARS-Cov‬‬
‫وت�شمل الأعرا�ض النمطية لفريو�س (كورونا)‪ :‬احلمى ‪ -‬ال�سعال ‪� -‬ضيق التنف�س‪،‬‬
‫و�أحيا ًنا تتطور الإ�صابة �إلى التهاب رئوي‪ ،‬وقد يت�سبب يف م�ضاعفات حادة �أو فتاكة لدى‬
‫الأ�شخا�ص ذوي اجلهاز املناعي ال�ضعيف‪ ،‬وامل�سنني‪ ،‬والأ�شخا�ص امل�صابني ب�أمرا�ض مزمنة‬
‫مثل‪ :‬ال�سرطان‪ ،‬وال�سكري‪ ،‬و�أمرا�ض القلب والأوعية‪ ،‬و�أمرا�ض الرئة املزمنة‪ ،‬ومعظم‬
‫الأ�شخا�ص الذين لي�س لديهم م�شاكل �صحية و�أ�صيبوا بفريو�س كورونا (كوفيد‪)19-‬‬
‫غال ًبا ما يعانون من مر�ض تنف�سي معتدل‪ ،‬ويتعافى دون �أن يتطلب معاملة خا�صة‪ ،‬ويف‬
‫الوقت احلايل ال توجد لقاحات �أو عالجات حمددة ملر�ض الكورونا (كوفيد‪ ،)19-‬لكن‬
‫هناك العديد من التجارب ال�سريرية اجلارية لتقييم العالجات املحتملة(((‪.‬‬
‫وهذا املر�ض ب�صورته احلالية وقوة انت�شاره‪ ،‬وعدم وجود لقاح �أو عالج له‪،‬‬
‫ي�شكل حتد ًيا للأفراد واملجتمعات ب�شتى ال�شرائح‪ ،‬مبا يف ذلك الأطباء واملمار�سني‬
‫ال�صحيني؛ �إذ ي�ستلزم العمل يف تطبيب مر�ضى فايرو�س كورونا (كوفيد‪� )19-‬أخذ‬
‫كافة االحتياطات يف االحرتاز من انتقال الفايرو�س‪ ،‬ويجب على املمار�سني ال�صحيني‬
‫�سوا ًء يف اخلطوط الأمامية ملعاجلة املر�ضى‪� ،‬أو امل�ساعدين ونحوهم االلتزام بالأنظمة‬
‫ال�صحية االحرتازية (ما ي�سمى بالربوتوكوالت) من انتقال الفايرو�س وانت�شاره‪.‬‬
‫ويف هذا املجال يجب على املمار�س ال�صحي ارتداء لبا�س عازل خا�ص �أثناء عمله‪،‬‬
‫وا�ستخدام معدات احلماية ال�شخ�صية وهي‪ :‬الأقنعة (الكمامة)‪ ،‬والنظارات الواقية‪،‬‬
‫انظر‪ :‬تقرير ‪Coronavirus. (2020). Retrieved 13 June 2020, from https://www.who. -‬‬ ‫(((‬
‫‪int/health-topics/coronavirus#tab=tab_1‬‬
‫وموقع وزارة ال�صحة ال�سعودية ‪ -‬تقرير ‪،-‬‬
‫‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Corona/Pages/corona.aspx‬‬

‫‪307‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫ودروع الوجه الواقية‪ ،‬والقفازات وغطاء ال�شعر وجهاز التنف�س �أحيا ًنا‪ .‬واللبا�س العازل‬
‫�إما �أن يكون على �شكل ثوب �سابغ‪� ،‬أو بدلة مف�صلة على �أع�ضاء اجل�سم اً‬
‫كامل‪ ،‬فالثوب‬
‫ُيلب�س على اجل�سم ليغطي اجلذع بالكامل من الرقبة �إلى الركبتني ويكون مغل ًقا من‬
‫الأمام وذا �أكمام طويلة‪ ،‬ويعترب �أ�سهل ن�سب ًيا يف االرتداء واخللع من البدلة‪ ،‬ويتم‬
‫ا�ستخدامه ب�شكل متكرر يف الرعاية ال�صحية‪ ،‬و ُيلب�س معه القفازات وتثبت ب�شريط‬
‫ال�صق‪ ،‬وقناع �أو جهاز التنف�س املثبت على الر�أ�س والرقبة ليغطي منت�صف الوجه‬
‫و�أ�سفل الذقن‪ ،‬ويلب�س فوقه النظارات �أو درع الوجه‪ ،‬وغطا ٌء لل�شعر‪ ،‬و�أما البدلة ف�إما‬
‫�أن تكون مت�صلة وعلى كامل اجل�سم فتلب�س من الأ�سفل �إلى الأعلى‪ ،‬وبع�ضها يت�صل‬
‫بنطال م�ستقل‪ ،‬وغال ًبا ما تكون‬‫ٍ‬ ‫به غطاء للر�أ�س‪� ،‬أو تكون من قطعتني‪ :‬ال�سرتة مع‬
‫من�سوجة من مواد خم�ص�صة ملقاومة الهواء وال�سوائل‪ ،‬ولتمنع العوامل املعدية‪ ،‬وقد‬
‫يتطلب الأمر يف كال الرداءين لب�س ثياب خارجية واقية‪ ،‬و�أغطية واقية فوق الأحذية‪،‬‬
‫ال�صق‪ ،‬والنظارات‪ ،‬ودرع الوجه‪� ،‬أو‬‫ب�شريط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بالإ�ضافة ملا �سبق من القفازات املثبتة‬
‫جهاز التنف�س(((‪ ،‬ويتم ا�ستخدام هذا اللبا�س يف املقام الأول من قبل الذين يتعاملون‬
‫مع مر�ضى �شديدي احلالة؛ والذين يحتاجون �إلى رعاية م�ستمرة‪ ،‬وميكن له�ؤالء‬
‫البقاء يف غرفة املري�ض ملدة ت�صل �إلى ‪� 12‬ساعة‪ .‬وي�ستخدم يف جهاز التنف�س منفا ٌخ‬
‫مر�شح يوفر هوا ًء خال ًيا من امللوثات �أو اجلزيئات‬‫لتمرير الهواء امللوث من خالل ّ‬
‫انظر‪� :‬أنواع معدات احلماية ال�شخ�صية امل�ستخدمة ملكافحة ‪ - .COVID-19‬بحث ‪ -‬م�صدر �أجنبي)‬ ‫(((‬
‫‪Petras, G. and Loehrke, J., 2020. PPE: Types of Personal Protective Equipment Used‬‬
‫‪to Combat COVID-19. [online] Usatoday.com. Available at: <https://www.usatoday.‬‬
‫‪com/in-depth/news/2020/03/31/coronavirus-protection-what-health-care-workers-‬‬
‫‪need-stay-safe/2917179001/> [Accessed 4 June 2020].‬‬
‫(مراكز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها ‪ .2020 .‬مر�ض الفريو�س التاجي ‪COV�( 2019‬‬
‫‪ .)ID-19‬بحث ‪-‬م�صدر �أجنبي)‬
‫‪Centers for Disease Control and Prevention. 2020. Coronavirus Disease 2019 (CO-‬‬
‫‪VID-19). [online] Available at: <https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/‬‬
‫]‪respirator-use-faq.html> [Accessed 4 June 2020‬‬
‫(كيفية ارتداء بدلة واقية ب�شكل �صحيح ‪ -‬فيديو وقائمة مراجعة ال�سالمة ‪ -‬م�صدر �أجنبي ‪.)-‬‬
‫‪uvex xpertblog. 2020. How to Put On A Protective Suit Correctly - Video & Check-‬‬
‫‪list | Uvex Safety. [online] Available at: <https://www.uvex-safety.com/blog/how-to-‬‬
‫]‪put-on-a-protective-suit-correctly/> [Accessed 4 June 2020‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪308‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫املحمولة ج ًوا‪ .‬وتعترب البدلة من �أكرث معدات احلماية ال�شخ�صية �صعوبة يف اللب�س‬
‫والإزالة‪ ،‬وقد ت�ستدعي وجود م�ساعد‪ ،‬ولكنها توفر �أف�ضل حماية(((‪.‬‬
‫وقد ُ�ص ّممت هذه املعدات الوقائية لال�ستخدام مرة واحدة فقط‪ ،‬ومن قبل �شخ�ص‬
‫واحد فقط‪ ،‬ثم يتم التخل�ص منها‪ ،‬كما �أنه يجب تغيريها ملقابلة كل مري�ض للحد من‬
‫انت�شار العدوى‪ ،‬ويجب اتباع نظام معني (بروتوكالت) عند خلع هذه املعدات والألب�سة‬
‫للحد من انتقال العدوى للممار�س ال�صحي؛ كنزعه من الأعلى للأ�سفل‪ ،‬و�سحب القفاز‬
‫من الداخل للخارج‪ ،‬و�إزالة النظارة والقناع ب�سحبها للأمام ونحو ذلك‪ ،‬ثم التعقيم‬
‫التام بغ�سل الوجه واليدين‪ ،‬و�أي مناطق ملوثة من اجل�سم باملاء وغ�سول مطهر(((‪.‬‬
‫انظر‪( :‬مراكز ال�سيطرة على الأمرا�ض والوقاية منها‪ .2020 .‬مر�ض الفريو�س التاجي ‪CO�( 2019‬‬ ‫(((‬
‫‪.)VID-19‬بحث ‪-‬م�صدر �أجنبي ‪)-‬‬
‫‪Centers for Disease Control and Prevention. 2020. Coronavirus Disease 2019 (CO-‬‬
‫‪VID-19). [online] Available at: <https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/‬‬
‫‪respirator-use-faq.html> [Accessed 4 June 2020].‬‬
‫(معدات للوقاية من الأمرا�ض �شديدة العدوى ب�سبب التعر�ض ل�سوائل اجل�سم امللوثة يف طاقم الرعاية‬
‫ال�صحية‪ -‬تقرير ‪ -‬م�صدر �أجنبي ‪)-‬‬
‫‪Verbeek, J., Rajamaki, B., Ijaz, S., Sauni, R., Toomey, E., Blackwood, B., Tikka, C.,‬‬
‫‪Ruotsalainen, J. and Kilinc Balci, F., 2020. Personal Protective Equipment for Pre-‬‬
‫‪venting Highly Infectious Diseases Due to Exposure To Contaminated Body Fluids‬‬
‫‪In Healthcare Staff‬‬
‫(كيفية ارتداء بدلة واقية ب�شكل �صحيح ‪ -‬فيديو وقائمة مراجعة ال�سالمة ‪ -‬م�صدر �أجنبي ‪.)-‬‬
‫‪uvex xpertblog. 2020. How To Put On A Protective Suit Correctly - Video & Check-‬‬
‫‪list | Uvex Safety. [online] Available at: <https://www.uvex-safety.com/blog/how-to-‬‬
‫]‪put-on-a-protective-suit-correctly/> [Accessed 4 June 2020‬‬
‫((( ميكن االطالع على مقاطع فيديو توعوية للممار�سني ال�صحيني يف طريقة اللب�س والنزع على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=rNfcwA6ihfc‬‬
‫‪https://www.gov.uk/government/publications/covid-19-personal-protective-equipment-‬‬
‫‪use-for-aerosol-generating-procedures#attachment-4254631-accessibility-request‬‬
‫وانظر‪( :‬هذا هو ال�سبب يف �أن معدات احلماية ال�شخ�صية مهمة للغاية �أثناء تف�شي فريو�س كورونا ‪-‬‬
‫تقرير ‪ -‬م�صدر �أجنبي)‬
‫‪Groth, L., 2020. This Is Why Personal Protective Equipment Is So Important During‬‬
‫‪the Coronavirus Outbreak. [online] Health.com. Available at: <https: //www.health.‬‬
‫]‪com/condition/infectious-diseases/coronavirus/what-is-ppe> [Accessed 4 June 2020‬‬
‫(املركز الوطني للتح�صني و�أمرا�ض اجلهاز التنف�سي (‪ .2020 .)NCIRD‬مر�ض الفريو�س =‬

‫‪309‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫وب�سبب نق�ص الإمدادات الطبية يف معدات الوقاية ال�شخ�صية من وباء كورونا‬


‫(كوفيد‪ )19-‬يف بع�ض الأحيان(((‪ ،‬ويف بع�ض الدول؛ ُيلزم املمار�س ال�صحي بلبا�س واحد‬
‫طوال الفرتة يف اليوم من ‪� 7-6‬ساعات تقري ًبا‪ ،‬مما يدفعه لتجنب �شرب املياه وال�سوائل‬
‫حتى ال ي�ضطر لدخول اخلالء‪ ،‬وقد ُيلزم كذلك بلب�س ما ميكنه من ق�ضاء حاجته على‬
‫حاله دون الذهاب �إلى اخلالء حمافظ ًة على املوارد لقلة املعدات �أو ندرتها(((‪ ،‬وقد يكون‬
‫ل�سبب �آخر وهو كرثة احلاالت التي جتعل املمار�س ال�صحي ال يجد الوقت الكايف لق�ضاء‬
‫حاجته يف اخلالء؛ ومن ثم التغيري والتطهري والتعقيم وارتداء مالب�س جديدة‪.‬‬
‫والو�سط الطبي الذي يتعامل مع حاالت هذا الوباء ميكن تق�سيمه �إلى ق�سمني‪:‬‬
‫ق�سم التنومي والعناية الفائقة مبر�ضى الوباء‪ ،‬وق�سم الطوارئ‪.‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬ق�سم التنومي والعناية الفائقة مبر�ضى الوباء‪.‬‬
‫خ�ص�ص لكل مري�ض ممر�ض يكون �إلى جانبه يف غرفته‪ ،‬ويتابع‬
‫ويف هذا الق�سم ُي ّ‬
‫= التاجي ‪ - )COVID-19( 2019‬تقرير ‪ -‬م�صدر �أجنبي ‪)-‬‬
‫‪National Center for Immunization and Respiratory Diseases (NCIRD). 2020. Coro-‬‬
‫‪navirus Disease 2019 (COVID-19). [online] Available at: <https: //www.cdc.gov/‬‬
‫‪coronavirus/2019-ncov/hcp/using-ppe.html> [Accessed 4 June 2020].‬‬
‫((( انظر‪ :‬تقرير منظمة ال�صحة العاملية (نق�ص معدات احلماية ال�شخ�صية تهدد العاملني يف جمال‬
‫ال�صحة حول العامل) على الرابط‪:‬‬
‫‪https: //www.who.int/ar/news-room/detail/08-07-1441-shortage-of-personal-protec-‬‬
‫‪tive-equipment-endangering-health-workers-worldwide‬‬
‫((( كما يف بع�ض م�ست�شفيات ال�صني يف ووهان‪ ،‬وبع�ض امل�ست�شفيات احلكومية يف (بنغالورو‪ ،‬الهند)‬
‫انظر (‪� .)2020‬أخبار �سي‪ ،‬اخبار بي بنغالورو‪ :‬حلفظ معدات الوقاية ال�شخ�صية‪ ،‬يرتدي الأطباء‬
‫واملمر�ضات حفا�ضات‪ ،‬وجتنب �شرب املاء �أخبار بنغالور ‪ -‬تاميز �أوف �إنديا ‪( -‬م�صدر �أجنبي)‪:‬‬
‫‪News, C., & News, B. (2020). Bengaluru: To save PPE, doctors & nurses wear‬‬
‫‪diapers, avoid drinking water | Bengaluru News - Times of India. Retrieved 5 June‬‬
‫‪2020, from https: //timesofindia.indiatimes.com/city/bengaluru/bengaluru-to-save-‬‬
‫‪ppe-doctors-nurses-wear-diapers-avoid-drinking-water/articleshow/75019145.cms‬‬
‫‪Fifield, A. (2020). In Wuhan’s virus wards, plenty of stress but shortages of every-‬‬
‫‪thing else. Retrieved 5 June 2020, from https: //www.washingtonpost.com/world/‬‬
‫‪asia_pacific/in-wuhans-virus-wards-plenty-of-stress-but-shortages-of-everything-‬‬
‫‪else/2020/01/24/ba1c70f0-3ebb-11ea-afe2-090eb37b60b1_story.html‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪310‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫م�ؤ�شراته احليوية با�ستمرار‪ ،‬ولكل ع�شرة مر�ضى طبيب‪ ،‬ويختلف هذا الأمر بطبيعة‬
‫احلال بح�سب �إمكانيات املن�ش�أة ال�صحية‪ ،‬والدولة‪ ،‬وكرثة احلاالت‪.‬‬
‫الق�سم الثاين‪ :‬ق�سم الطوارئ‪:‬‬
‫ويكون يف هذا الق�سم ا�ستقبال احلاالت بعد فرزها والقيام بعمل الالزم من‬
‫الفح�ص والإجراءات العالجية التالية ح�سب حالة كل مري�ض خطورة من عدمه‪،‬‬
‫وبعد و�صول املري�ض امل�شتبه به �إلى ق�سم الطوارئ وت�شخي�صه باملر�ض ثم اطالقه من‬
‫ق�سم الطوارئ �إلى املن�ش�أة ال�صحية (التنومي)‪ ،‬يجب على املمار�س ال�صحي يف ق�سم‬
‫الطوارئ التخل�ص من اللبا�س الواقي‪ ،‬وتعقيم اليدين‪ ،‬ليت�سنى له اال�ستجابة ملري�ض‬
‫�آخر يف ق�سم الطوارئ‪.‬‬
‫وت�شدد املن�ش�أة ال�صحية على املمار�سني ال�صحيني يف حرية التحركات وت�سعى‬
‫للحد من االنتقال من مكان �إلى �آخر بال �ضرورة �أو حاجة ما�سة‪ ،‬وتقليل ا�ستخدام‬
‫مرافق املن�شاة كدورات املياه‪ ،‬و�أماكن اال�سرتاحة‪ ،‬وتناول الطعام‪ ،‬للحد من انت�شار‬
‫الفايرو�س وانتقاله �إلى �أجنحة و�أق�سام امل�ست�شفى الأخرى(((‪.‬‬
‫واملق�صود من البحث‪ :‬بيان حكم الأخذ برخ�صة التيمم‪ ،‬واجلمع بني ال�صالتني‪،‬‬
‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة‪ ،‬ممن يعمل يف جمال مداوة املر�ضى والقيام على‬
‫�ش�أنهم وعنايتهم يف املن�ش�آت ال�صحية‪ ،‬يف زمن انت�شار الأوبئة‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬مر�ض الفريو�س التاجي ‪ - )2020( .)COVID-19( 2019‬م�صدر �أجنبي ‪.)-‬‬
‫‪Coronavirus Disease 2019 (COVID-19). (2020). Retrieved 9 June 2020, from https:‬‬
‫‪//www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/guidance-for-ems.html‬‬
‫(مر�ض الفريو�س التاجي ‪ )COVID-19( 2019‬يف طب الطوارئ‪ :‬اخللفية‪ ،‬الت�شخي�ص التفريقي‪،‬‬
‫رعاية ما قبل امل�ست�شفى‪ -‬م�صدر �أجنبي ‪)-‬‬
‫‪Kohn, M. (2020). Coronavirus Disease 2019 (COVID-19) in Emergency Medicine:‬‬
‫‪Background, Differential Diagnosis, Prehospital Care. Retrieved 9 June 2020, from‬‬
‫‪https: //emedicine.medscape.com/article/2500118-overview#a5‬‬

‫‪311‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫املبحث الأول‬
‫ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم‪ ،‬واجلمع بني ال�صالتني‪ ،‬فرتة‬
‫معاجلة وباء كورونا (كوفيد‪)19-‬‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪.‬‬


‫توطئة‪:‬‬
‫ال�صالة واجبة على كل م�سلم‪ ،‬ولها �شروط يجب حت�صيلها لتقع على الوجه‬
‫ال�صحيح‪ ،‬وقد يواجه املمار�س ال�صحي بع�ض العوائق يف مراعاتها كما يجب؛ ذلك‬
‫�أنه عند مبا�شرة احلاالت ال�صحية يف وقت الأزمات والكوارث وبالتحديد ‪-‬يف‬
‫�أزمة انت�شار وباء كورونا‪ -‬يتوجب عليه ارتداء املالب�س اخلا�صة الواقية من انتقال‬
‫الفايرو�س �إليه‪ ،‬ومن ثم نقله �إلى الآخرين �أي�ضً ا‪ ،‬وكذلك يلزمه الت�أهب التام للعمل‬
‫املتوا�صل؛ خا�صة مع كرثة احلاالت‪ ،‬وارتفاع ن�سبة امل�صابني ون�سبة خطورة بع�ض‬
‫احلاالت‪ ،‬وحاجتها للإ�سعاف �أو العناية الفائقة‪ ،‬وهذان الأمران قد يعوقانه دون‬
‫حت�صيل �شرطي الطهارة‪ ،‬و�إيقاع ال�صالة يف وقتها‪ ،‬من ناحية م�شقة خلع املالب�س‬
‫لوقت كل �صالة والتطهر �إذا انتق�ض و�ضوءه(((‪� ،‬أو �أن ن�سبة الإ�صابة بالعدوى قد‬
‫تزيد عند نزعها �أكرث من مرة لكرثة مبا�شرة احلاالت اً‬
‫مثل‪� ،‬أو قلة املوارد يف بع�ض‬
‫املن�ش�آت ال�صحية والتي ال تو ّفر للممار�س ال�صحي العدد الكايف من املالب�س بعدد‬
‫ال�صلوات التي �سي�ؤديها �أثناء عمله‪� ،‬أو من ناحية كرثة عدد احلاالت املر�ضية مما‬
‫يجعل من االنقطاع لأجل التغيري والتط ّهر وال�صالة يت�سبب بال�ضرر �أو فوت النف�س‪،‬‬
‫�أو ت�أخر الربء للمري�ض ونحوه‪.‬‬
‫ولذا كان من املهم تو�ضيح احلكم ال�شرعي يف مثل هذه احلاالت مبا يراعي �إيقاع‬
‫((( انظر‪ :‬و�صف هذه املالب�س يف املطلب ال�سابق‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪312‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫العبادة على الوجه امل�أمور به قدر الإمكان‪ ،‬ومبا يراعي �أي ضً� ا القيام بواجب حفظ‬
‫الأنف�س من الهالك‪.‬‬
‫واملت�أمل يف �أحكام ال�شريعة �أجمع ال يغيب عنه ما اخت�صت به من التي�سري ورفع‬
‫ّ‬
‫امل�شاق �إذا اعرت�ضت‬ ‫احلرج‪ ،‬و�إباحة الرتخ�ص عند حدوث ما ي�ستوجب ذلك من‬
‫املكلف‪ ،‬والبحث يف حتقيق املناط يف ال�صور احلادثة يف كل زمان ومكان مهمة‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وملعرفة حكم ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني‪ ،‬والإجابة‬
‫عن ت�سا�ؤالته فيما �سبق‪ ،‬يح�سن تو�ضيح ما له تعلق بامل�س�ألة املذكورة من الأ�سباب‬
‫املبيحة للتيمم‪ ،‬وكذلك املبيحة للجمع بني ال�صالتني‪ ،‬ومدى كون الأو�صاف املذكورة‬
‫للمار�س الطبي مما ُي�شرع لأجله التيمم �أو اجلمع‪.‬‬

‫املطلب الأول‬
‫الأ�سباب املبيحة للتيمم‬

‫�أجمع الفقهاء ‪ ‬على م�شروعية التيمم(((‪ ،‬وم�ستند هذا الإجماع الكتاب‬


‫وال�سنة‪.‬‬
‫قال ابن املنذر‪“ :‬و�أجمعوا على �أن امل�سافر �إذا كان معه ماء وخ�شي العط�ش �أنه‬
‫يبقي ماءه لل�شرب ويتيمم”(((‪.‬‬
‫فمن الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء‪.]43 :‬‬
‫ومن ال�سنة‪ :‬ما جاء عن عائ�شة ‪� ‬أنها ا�ستعارت من �أ�سماء قالدة فهلكت‪،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإجماع البن املنذر �ص ‪ ،35‬وانظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،163/1‬بداية املجتهد �ص‪ ،65‬املجموع‬
‫‪ ،166/2‬املغني ‪.172/1‬‬
‫((( الإجماع البن املنذر �ص ‪.35‬‬

‫‪313‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫نا�سا من �أ�صحابه يف طلبها‪ ،‬ف�أدركتهم ال�صالة ف�صلوا بغري‬


‫ف�أر�سل ر�سول اهلل ﷺ ً‬
‫و�ضوء فلما �أتوا النبي ﷺ �شكوا ذلك �إليه فنزلت �آية التيمم‪ ،‬فقال �أ�سيد بن ح�ضري‪:‬‬
‫خمرجا‪ ،‬وجعل‬
‫ً‬ ‫جزاك اهلل خ ًريا‪ ،‬فواهلل ما نزل بك �أمر قط �إال جعل اهلل لك منه‬
‫للم�سلمني فيه بركة(((‪.‬‬
‫وذكر الفقهاء ‪� ‬أن الأ�سباب املبيحة للتيمم‪ :‬انعدام املاء‪� ،‬أو العجز عن‬
‫ا�ستعماله(((‪ ،‬على خالف بينهم يف ال�صور اجلزئية وانطباق هذين احلالتني عليهما‪.‬‬
‫ال�سبب الأول‪ :‬انعدام املاء‪:‬‬
‫والأدلة على ذلك‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء‪.]43 :‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ما رواه �أبو ذر ‪ ‬عن النبي ﷺ �أنه قال‪�« :‬إن ال�صعيد الطيب‬
‫َط ُهور امل�سلم و�إن مل يجد املاء ع�شر �سنني‪ ،‬ف�إذا وجد املاء فليم�سه ب�شرته ف�إن‬
‫ذلك خري»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬الآية واحلديث �صريحان يف �إباحة التيمم ملن مل يجد املاء‪.‬‬
‫ويف حكم انعدام املاء من مل يجد �آلة ي�ستخرج بها املاء‪� ،‬أو كان بينه وبني املاء‬
‫�سبع‪� ،‬أو كان لديه ما ٌء‬
‫ما يخاف على نف�سه الهالك �إذا �سعى يف حت�صيله كعد ٍو �أو ٍ‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب التيمم باب �إذا مل يجد ماء وال ترابا‪ ،‬رقم ‪� ،336‬ص ‪ ،58‬وم�سلم‬
‫يف �صحيحه يف كتاب احلي�ض باب التيمم رقم ‪� ،367‬ص ‪ ،158‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،170-168/1‬تبيني احلقائق ‪ ،36/1‬التب�صرة ‪ , 179/1‬مواهب اجلليل ‪،331/1‬‬
‫احلاوي ‪ ،269- 262/1‬املقنع ‪.172-168/1‬‬
‫((( اخرجه �أبو داود يف �سننه يف كتاب الطهارة باب اجلنب يتيمم‪ ،‬رقم ‪� ،332‬ص‪ ،60‬و الرتمذي يف �سننه‬
‫يف كتاب الطهارة باب ما جاء يف التيمم للجنب �إذا مل يجد املاء رقم ‪� ،124‬ص‪ ،33‬وقال‪ :‬وهذا حديث‬
‫ح�سن �صحيح‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬والن�سائي يف �سننه يف كتاب الطهارة باب ال�صلوات بتيمم واحد‪ ،‬رقم ‪،323‬‬
‫�ص ‪ ،44‬و�صححه الألباين يف �إرواء الغليل ‪.181/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪314‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫ويخاف �إذا تو� أض� به العط�ش على نف�سه �أو رفيقه �أو دابته‪� ،‬أو وجده يباع بزياد ٍة كثري ٍة‬
‫على ثمن مثله �أو ثمن يعجز عن �أدائه(((‪.‬‬
‫يجمع هذه ال�صور وغريها العجز عن الو�صول للماء‪ ،‬و�إذا عجز عن الو�صول له‬
‫مل يكن واجدً ا له من حيث املعنى؛ فيدخل يف الن�ص(((‪.‬‬
‫واخلوف على الرفيق من العط�ش �إذا تو�ض�أ باملاء كاخلوف على النف�س‪ ،‬لأن‬
‫حرمته كحرمة نف�سه‪ ،‬وحرمة الآدمي تقدم على ال�صالة‪ ،‬بدليل ما لو ر�أى حري ًقا �أو‬
‫غري ًقا عند �ضيق وقت ال�صالة‪ ،‬لزمه ترك ال�صالة‪ ،‬واخلروج لإنقاذه‪ ،‬فلأن يقدمها‬
‫على الطهارة باملاء �أولى(((‪.‬‬
‫ال�سبب الثاين‪ :‬العجز عن ا�ستعمال املاء‪:‬‬
‫تعريف العجز‪ :‬عدم القدرة على ال�شيء �إال مب�شقة غري معتادة(((‪.‬‬
‫والعجز له �صور ذكرها الفقهاء منها‪:‬‬
‫ال�صورة الأولى‪ :‬املر�ض‪:‬‬
‫ذكر الفقهاء ‪� ‬أن من �صور العجز عن ا�ستخدام املاء‪ :‬املر�ض الذي ي�ؤدي‬
‫ا�ستخدام املاء معه �إلى التلف (�سوا ٌء تلف النف�س �أو الع�ضو)(((‪.‬‬
‫والدليل على �إباحة التيمم لذلك‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء‪.]43 :‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،168 /1‬الفواكه الدواين ‪ ،152/1‬حا�شية العدوي‪ ،222/1‬املجموع ‪ 194 /2‬وما‬ ‫(((‬
‫بعدها‪ ،‬ال�شرح الكبري ‪ 175/2‬وما بعدها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪.168/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬مواهب اجلليل ‪ ،334/1‬ال�شرح الكبري ‪.177/2‬‬ ‫(((‬
‫املو�سوعة الفقهية ‪.1365/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،171 /1‬فتح القدير ‪ ،124/1‬التب�صرة ‪ ،179/1‬مواهب اجلليل ‪،334/1‬‬ ‫(((‬
‫احلاوي ‪ ،269/1‬ال�شرح الكبري ‪.174 /2‬‬

‫‪315‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫وجه الداللة‪ :‬الآية ن�ص يف �إباحة التيمم للمري�ض‪.‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬ما رواه جابر ‪ ‬قال‪ :‬خرجنا يف �سفر ف�أ�صاب اً‬
‫رجل‬
‫منا حج ٌر ف�شجه يف ر�أ�سه؛ ثم احتلم ف�س�أل �أ�صحابه فقال‪ :‬هل جتدون‬
‫يل رخ�صة يف التيمم؟ قالوا‪ :‬ما جند لك رخ�ص ًة و�أنت تقدر على املاء‪،‬‬
‫فاغت�سل فمات‪ ،‬فلما قدمنا على النبي ﷺ أُ�خرب بذلك فقال‪« :‬قتلوه قتلهم‬
‫اهلل �أال �س�ألوا �إذ مل يعلموا ف�إمنا �شفاء ال ِعي((( ال�س�ؤال‪� ،‬إمنا كان يكفيه �أن‬
‫يتيمم ويع�صر �أو يع�صب على جرحه خرقة؛ ثم مي�سح عليها ويغ�سل �سائر‬
‫ج�سده»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬احلديث ن�ص يف جواز العدول عن الو�ضوء �إلى التيمم خ�شية‬
‫املر�ض والتلف(((‪.‬‬
‫�أما �إن مل يخ�ش على نف�سه �أو ع�ضوه الهالك؛ و�إمنا خ�شي ال�ضرر �أو ت�أخر الربء‬
‫�أو زيادة الأمل‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء يف ذلك على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬يباح له التيمم كاملري�ض الذي يخ�شى الهالك على نف�سه �أو ع�ضو من‬
‫((( العي‪ :‬بك�سر العني �أي اجلهل‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث والأثر ‪.334/3‬‬
‫((( واخلرب �أخرجه �أبو داود يف �سننه يف كتاب الطهارة باب املجدور يتيمم �ص‪ 61‬رقم‪ , 336 :‬واللفظ‬
‫له‪ ,‬وابن ماجه يف �سننه كتاب الطهارة باب يف املجروح ت�صيبه اجلنابة فيخاف على نف�سه �إن اغت�سل‬
‫�ص‪ 81‬رقم‪ ,572 :‬والدارمي يف �سننه ‪ 585/1‬رقم‪ ,779 :‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى ‪ ,227/1‬وقال‪:‬‬
‫(و�أ�صح ما روي فيه حديث عطاء بن �أبي رباح الذي قد تقدم ولي�س بالقوي)‪ ,‬والدارقطني يف �سننه‬
‫‪ ,350/1‬وقال‪( :‬قال �أبو بكر‪ :‬هذه �سنة تفرد بها �أهل مكة وحملها �أهل اجلزيرة‪ ,‬ومل يروه عن عطاء‬
‫عن جابر غري الزبري بن خريق ولي�س بالقوي‪ ,‬وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عبا�س وهو‬
‫ال�صواب‪ ,‬واختلف على الأوزاعي فقيل‪ :‬عنه عن عطاء‪ ,‬وقيل‪ :‬عنه بلغني عن عطاء‪ ,‬و�أر�سل الأوزاعي‬
‫�آخره عن عطاء عن النبي ﷺ وهو ال�صواب‪ ,‬وقال ابن �أبي حامت‪� :‬س�ألت �أبي و�أبا زرعة عنه فقاال‪ :‬رواه‬
‫ابن �أبي الع�شرين‪ ,‬عن الأوزاعي عن ا�سماعيل بن م�سلم عن عطاء عن ابن عبا�س و�أ�سند احلديث)‬
‫�أهـ‪ ،‬وح�سنه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود ‪ ,101/1‬وقد تعا�ضدت طرقه ف�صلح لالحتجاج‪ ,‬انظر‬
‫نيل الأوطار ‪.97/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،171 /1‬ونيل الأوطار ‪.320/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪316‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫�أع�ضائه‪ ،‬وهو قول اجلمهور من احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬وبع�ض ال�شافعية(((‪،‬‬


‫وال�صحيح من مذهب احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يباح له التيمم‪ ،‬وهو مذهب ال�شافعية(((‪ ،‬ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪ :‬القائل بجواز التيمم ملن يخ�شى ال�ضرر ونحوه ‪-‬فيما دون‬
‫الهالك‪:-‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء‪.]43 :‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬بينت الآية �إباحة التيمم للمري�ض مطل ًقا من غري تفريق بني‬
‫ومر�ض‪� ،‬إال �أن املر�ض الذي ال ي�ضر ا�ستعمال املاء معه لي�س مبراد(((‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مر�ض‬
‫ٍ‬
‫فبقي املر�ض الذي ي�ضر معه ا�ستعمال املاء مرادًا بالن�ص(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ما جاء عن عمرو بن العا�ص ‪� ‬أنه �أجنب يف ليل ٍة بارد ٍة فتيمم‬
‫وتال‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)‪ ،‬فذكر للنبي ﷺ فلم ُيع ّنف‪،‬‬
‫ويف رواية �أبي داود‪ :‬ف�ضحك ر�سول اهلل ﷺ ومل يقل �شي ًئا(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط ‪ ،112/1‬بدائع ال�صنائع ‪ ،168 /1‬البناية �شرح الهداية ‪.516/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬التب�صرة ‪ ،179 /1‬الذخرية ‪ ،330/1‬مواهب اجلليل ‪.334/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪ ،271/1‬البيان يف مذهب ال�شافعي ‪ ،307/1‬املجموع ‪.226/2‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي ‪ ،353/1‬ال�شرح الكبري ‪ ،174/1‬الإن�صاف ‪.174 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪ ،271/1‬البيان يف مذهب ال�شافعي ‪ ،307/1‬املجموع ‪.226/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف ‪.174 /1‬‬
‫((( قال النووي‪( :‬وبه قال العلماء كافة �إال ما حكاه �أ�صحابنا عن �أهل الظاهر وبع�ض �أ�صحاب مالك �أنهم‬
‫جوزوه للآية) املجموع ‪ ،228/2‬ولأن امل�شقة الالحقة به م�شقة خفيفة‪ ،‬وهذا ال �أثر له وال التفات �إليه‬
‫لأن حت�صيل م�صالح العبادات �أولى من دفع مثل هذه املف�سدة‪ ،‬انظر‪ :‬غمز عيون الب�صائر ‪.267/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪� ،171 /1‬أحكام القر�آن البن العربي ‪.516/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري معل ًقا يف �صحيحه يف كتاب التيمم باب �إذا خاف اجلنب على نف�سه املر�ض �أو املوت �أو‬
‫خاف العط�ش تيمم �ص‪ ،61‬و�أبو داود يف �سننه يف كتاب الطهارة باب �إذا خاف اجلنب الربد �أيتيمم؟ =‬

‫‪317‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن �ضحك النبي ﷺ وعدم قوله �شي ًئا‪ ،‬يدل على �إقراره‪ ،‬و�إباحة‬
‫ذلك‪ ،‬لأنه ال يقر على خط�أ(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن زيادة املر�ض �سبب املوت‪ ،‬وخوف املوت مبي ٌح‪ ،‬فكذا خوف �سبب‬
‫املوت‪ ،‬لأنه خوف املوت بوا�سطة‪ ،‬ولذلك أ� ّثر يف �إباحة الفطر وترك القيام بال‬
‫خالف(((‪ ،‬ولإن �أ ّثر يف �إ�سقاط الركن فلأن ي�ؤثر يف �إ�سقاط ال�شرط من باب‬
‫�أولى(((‪ ،‬لأن اخلوف ال يختلف و�إمنا تختلف جهاته(((‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪�( :‬أن رخ�ص املر�ض ت�ستباح بلحوق امل�شقة ال حلوق التلف)(((‪.‬‬
‫الدليل اخلام�س‪� :‬أن امل�سافر ملا جاز له �أن يتيمم �إذا ُب ِذل له املاء ب�أكرث من ثمنه‬
‫ملا يقابله من ال�ضرر يف ماله‪ ،‬فلأن يجوز للمري�ض �أن يتيمم من باب �أولى‪،‬‬
‫بجامع حلوق ال�ضرر(((‪.‬‬
‫الدليل ال�ساد�س‪ :‬القيا�س على امل�سح على اجلبائر فكما يباح امل�سح عليها لت�ضرر‬
‫ال�شخ�ص بالغ�سل‪ ،‬فكذلك التيمم للمر�ض الذي يخ�شى منه ال�ضرر‪ ،‬بجامع‬
‫�أن كلاًّ منهما م�سح �أبيح لل�ضرورة فال يفرتق احلكم فيه بني خوف املر�ض‬
‫وخوف التلف(((‪.‬‬
‫اً‬
‫مو�صول‬ ‫= رقم ‪� ،334‬ص‪ ،60‬قال ابن حجر‪( :‬رواه البخاري تعلي ًقا‪ ،‬و�أبو داود وابن حبان واحلاكم‬
‫من حديث عمرو بن العا�ص نحوه‪ ،‬ويف �آخره ف�ضحك ومل يقل �شي ًئا‪ ،‬واختلف فيه على عبدالرحمن بن‬
‫جبري‪ ،‬فقيل‪ :‬عنه عن �أبي قي�س عن عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬عنه عن عمرو بال وا�سطة‪ ،‬لكن الرواية التي فيها‬
‫�أبو قي�س لي�س فيها ذكر التيمم‪ ،‬بل فيها �إنه غ�سل مغابنه فقط‪.....‬وله �شاهد من حديث ابن عبا�س)‪،‬‬
‫التلخي�ص احلبري ‪ ،265/1‬و�صححه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود ‪.100/1‬‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪.173/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬يف الإجماع على �إباحة الفطر وترك القيام للمري�ض‪ :‬بداية املجتهد �ص‪.271 ،168‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪.171/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪.174/2‬‬ ‫(((‬
‫احلاوي ‪.271/1‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط أ� ‪.109/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪318‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫�أدلة القول الثاين‪ :‬القائل ال يجوز للمري�ض التيمم �إذا مل يخ�ش على نف�سه �أو‬
‫ع�ضوه الهالك �أو التلف‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬القيا�س على من به �صداع �أو حمى‪ ،‬فكما ال يجوز له �أن يتيمم‪،‬‬
‫فكذلك املري�ض الذي يخ�شى �ضر ًرا دون الهالك‪ ،‬بجامع القدرة على‬
‫ا�ستعمال املاء من غري خوف التلف(((‪.‬‬
‫يجاب عنه‪ :‬القيا�س هنا قيا�س مع الفارق فال�صداع واحلمى الي�سرية من‬
‫الأمرا�ض التي ال تلحق امل�شقة العظيمة ب�صاحبها‪ ،‬بخالف غريها مما يكون‬
‫�سب ًبا للموت‪.‬‬
‫ٌ‬
‫م�شروط بخوف التلف كالعط�ش‬ ‫الدليل الثاين‪�( :‬أن كل معنى ي�ستباح به التيمم‬
‫واملر�ض)(((‪.‬‬
‫يجاب عنه‪ :‬بعدم الت�سليم بذلك؛ فالن�صو�ص الواردة مل ت�شرتط يف حد‬
‫املر�ض امل�شارفة على الهالك للإباحة‪ ،‬و�إمنا �أطلقت م�سمى املر�ض كما يف‬
‫الآية‪ ،‬واخلوف من الإ�صابة به كما يف حديث عمرو بن العا�ص واهلل �أعلم‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫يرتجح واهلل �أعلم القول ب�إباحة التيمم �إذا خ�شي ال�ضرر �أو ت�أخر الربء �أو زيادة‬
‫الأمل‪ ،‬ملا يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬قوة �أدلة القول بذلك و�صراحتها على املق�صود يف مقابل �أدلة القول الآخر‬
‫التي توجهت لها املناق�شة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن هذا القول يتوافق ومقا�صد ال�شريعة من رفع احلرج عن املكلف‪ ،‬ورعاية‬
‫�أحواله املوجبة للتخفيف والرتخ�ص‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪.271/1‬‬
‫((( احلاوي ‪.271 /1‬‬

‫‪319‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫ال�صورة الثانية‪ :‬اخلوف من ا�ستعمال املاء ل�شدة الربد‪:‬‬


‫ذهب الفقهاء ‪� ‬إلى �إباحة التيمم عن احلدث الأكرب يف حال خوف ال�ضرر‬
‫من االغت�سال باملاء ب�سبب الربد؛ �إذا مل يوجد ما ّ‬
‫ي�سخن به املاء‪� ،‬أو مل ميكن ا�ستعماله‬
‫على وجه ي�أمن به ال�ضرر(((‪ ،‬ويباح عن احلدث الأ�صغر �إذا خ�شي تلف نف�سه �أو ع�ضو‬
‫من �أع�ضائه(((‪.‬‬
‫واختلفوا يف �إباحة التيمم عن احلدث الأ�صغر خو ًفا من ح�صول املر�ض �أو ال�ضرر‬
‫ب�سبب الربد‪ ،‬على �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬يباح التيمم عن احلدث الأ�صغر حال الربد خ�شية املر�ض �أو ال�ضرر‪،‬‬
‫وهو قول عند احلنفية(((‪ ،‬وقول بع�ض ال�شافعية (((‪ ،‬واملذهب عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يباح التيمم عن احلدث الأ�صغر حال الربد خ�شية املر�ض �أو‬
‫ال�ضرر‪ ،‬وهو املذهب عند احلنفية(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪ ،‬ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪ :‬القائل ب�إباحة التيمم عن احلدث الأ�صغر خ�شية املر�ض �أو‬
‫ال�ضرر حال الربد‪:‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،171/1‬البحر الرائق ‪ ،148/1‬يف ال�سفر واحل�ضر خال ًفا لأبي يو�سف وحممد‬ ‫(((‬
‫حيث �أجازوه يف ال�سفر دون احل�ضر‪ ،‬املدونة ‪ ،147/1‬مواهب اجلليل ‪ ،331/1‬احلاوي ‪ ،271/1‬مغني‬
‫املحتاج ‪ ،253/1‬املغني ‪ ،192/1‬املبدع ‪.177/1‬‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق ‪ ،148/1‬املدونة ‪ ،147/1‬احلاوي ‪ ،271/1‬ال�شرح الكبري ‪.173‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،36/1‬البحر الرائق ‪.148/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املجموع ‪.226/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ ،192/1‬الإن�صاف ‪.173‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،36/1‬فتح القدير ‪.124/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬احلاوي ‪ ،271/1‬املجموع ‪ ،226/2‬ومل �أجد للمالكية ن�صا يف احلدث الأ�صغر ح�سب ما وقفت‬ ‫(((‬
‫عليه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الإن�صاف ‪.173/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪320‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫الدليل الأول‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [احلج‪.]78 :‬‬


‫وجه الداللة‪� :‬أن ح�صول املر�ض �أو ال�ضرر ب�سبب الو�ضوء يف �شدة الربد‬
‫حر ٌج يلحق باملكلف من هذه العبادة‪ ،‬واهلل �سبحانه وتعالى قد نفى عن هذه‬
‫ال�شريعة احلرج والكلفة‪ ،‬و�إباحة التيمم يف هذه احلالة من نفي احلرج عن‬
‫الأمة‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ما جاء عن عمرو بن العا�ص ‪� ‬أنه �أجنب يف ليلة باردة فتيمم‬
‫وتال‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)‪ ،‬فذكر للنبي ﷺ فلم ُيع ّنف‪،‬‬
‫ويف رواية �أبي داود‪ :‬ف�ضحك ر�سول اهلل ﷺ ومل يقل �شي ًئا(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬سكوت النبي ﷺ يدل على اجلواز لأنه ال يقر على اخلط�أ(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬القيا�س على اجلريح واملري�ض يف �إباحة التيمم لهما بجامع‬
‫ح�صول اخلوف من ا�ستعمال املاء‪ ،‬واملمار�س ال�صحي بهذه احلال يخاف‬
‫على نف�سه من العدوى فيباح له(((‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬القيا�س على ما لو خاف على نف�سه عط�شً ا‪� ،‬أو ل�صً ا �أو �سب ًعا‬
‫يف طلب املاء ف�إنه يباح له التيمم‪ ،‬فكذلك يف حال املمار�س ال�صحي بجامع‬
‫كل(((‪.‬‬
‫وجود اخلوف يف ٍ‬
‫�أدلة القول الثاين‪ :‬القائل بعدم �إباحة التيمم عن احلدث الأ�صغر خ�شية املر�ض‬
‫�أو ال�ضرر حال الربد‪:‬‬
‫ا�ستدلوا هنا مبا ا�ستدلوا به يف عدم �إباحتهم للمري�ض التيمم �إذا خاف ال�ضرر‬
‫دون الهالك‪ ،‬ويجاب عليها مبا �أجيب به هناك‪.‬‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪.192/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪.192/1‬‬ ‫(((‬
‫امل�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪321‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫الرتجيح‪:‬‬
‫يرتجح واهلل �أعلم القول ب�إباحة التيمم للمحدث حد ًثا �أ�صغر �إذا خ�شي املر�ض �أو‬
‫ال�ضرر ل�شدة الربد كما رجحت يف �إباحته للمري�ض الذي يخاف على نف�سه ال�ضرر �أو‬
‫ت�أخر الربء ملا ي�أتي‪:‬‬
‫‪1.1‬قوة �أدلة القول بذلك و�صراحتها على املق�صود يف مقابل �أدلة القول الآخر‬
‫التي توجهت لها املناق�شة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن هذا القول يتوافق ومقا�صد ال�شريعة من رفع احلرج عن املكلف‪ ،‬ورعاية‬
‫�أحواله املوجبة للتخفيف والرتخ�ص‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني‬

‫�أجمع الفقهاء ‪ ‬على م�شروعية اجلمع بني ال�صالتني يف عرفة ومزدلفة(((‪.‬‬


‫قال ابن املنذر‪“ :‬و�أجمعوا على اجلمع بني ال�صالتني الظهر والع�صر بعرفة‪،‬‬
‫وبني املغرب والع�شاء ليلة النحر”(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا على ذلك‪ :‬مبا جاء عن جابر ‪ ‬يف رواية حجة الوداع عن النبي‬
‫ﷺ وفيها‪( :‬ثم �أ ّذن ثم �أقام ف�صلى الظهر‪ ،‬ثم �أقام ف�صلى الع�صر ومل ِّ‬
‫ي�صل بينهما‬
‫�شي ًئا‪ ،‬حتى �أتى املزدلفة ف�صلى بها املغرب والع�شاء ب�أذان واحد و�إقامتني ومل ي�سبح‬
‫بينهما �شي ًئا)(((‪.‬‬
‫واختلفوا فيما عداها من الأحوال التي قد ُتلحق امل�شقة باملكلف �إذا �صلى كل‬
‫((( انظر‪ :‬الإجماع البن املنذر �ص ‪ ،41‬بدائع ال�صنائع ‪ ،327/1‬بداية املجتهد �ص‪ ،163‬املجموع ‪،73/8‬‬
‫�شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي ‪.234/3‬‬
‫((( الإجماع البن املنذر �ص ‪.41‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب احلج باب حجة النبي ﷺ‪ ،‬رقم ‪� ،1218‬ص‪.513‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪322‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫�صالة يف وقتها‪� ،‬أو متنعه من حت�صيل الطهارة‪� ،‬أو تفوت عليه اجلماعة‪ ،‬كال�سفر‪،‬‬
‫واملطر‪ ،‬والوحل والرياح والظلمة ال�شديدة‪ ،‬واملر�ض‪ ،‬واخلوف‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬على ثالثة‬
‫�أقوال (باعتبار القاعدة لديهم يف اجلمع)‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ال ُي�شرع اجلمع بني ال�صالتني �إال للن�سك‪ ،‬وهو اجلمع بني الظهر‬
‫والع�صر يف عرفة‪ ،‬وبني املغرب والع�شاء يف مزدلفة‪ ،‬وما عداه فال ُي�شرع له‬
‫اجلمع‪ ،‬وهو مذهب احلنفية(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ُ :‬ي�شرع اجلمع يف كل حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه جمع فيها وهذه‬
‫الأحوال (اجلمع يف عرفة ومزدلفة‪ ،‬اجلمع يف ال�سفر‪ ،‬اجلمع يف املطر)‪،‬‬
‫و�أما ما عداها فال ي�شرع اجلمع فيها‪ ،‬وهو مذهب ال�شافعية(((‪.‬‬
‫حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه جمع فيها‪ ،‬وغريها‬ ‫القول الثالث‪ُ :‬ي�شرع اجلمع يف كل ٍ‬
‫مما مياثلها يف علة امل�شقة‪ ،‬وهو مذهب املالكية(((‪ ،‬وقول لبع�ض ال�شافعية(((‪،‬‬
‫ومذهب احلنابلة(((‪.‬‬
‫ثم اختلف �أ�صحاب هذا القول يف الأحوال املختلفة املماثلة ومدى حتقق العلة‬
‫فيها‪ ،‬فذهب املالكية �إلى �إحلاق املر�ض بتلك الأحوال(((‪.‬‬
‫وذهب احلنابلة على ال�صحيح من املذهب �إلى �إحلاق املر�ض وغريه مما يلحق‬
‫ب�صاحبه لأجل �إيقاع كل �صالة يف وقتها امل�شقة‪ ،‬بال�سفر يف جواز الرتخ�ص(((‪.‬‬
‫وذكر املرداوي يف الإن�صاف جملة من امل�سائل يف ذلك منها‪� :‬أنه يجوز اجلمع للمر�ض‪،‬‬
‫انظر بدائع ال�صنائع ‪ , 327/1‬تبيني احلقائق ‪ ،88/1‬جممع الأنهر ‪.74/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬احلاوي ‪ ،399/2‬نهاية املطلب ‪ ،474-466/2‬املجموع ‪.182/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الذخرية ‪ ،198/2‬بداية املجتهد �ص‪ ،162‬الفواكه الدواين ‪.269/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املجموع ‪ ،182/4‬رو�ضة الطالبني ‪.401/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر ال�شرح الكبري ‪ ،87/5‬الإن�صاف ‪.89/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر بداية املجتهد �ص‪ ،162‬حا�شية الد�سوقي ‪.368/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر املغني ‪ ،204/2‬الإن�صاف ‪ ،90/5‬ك�شاف القناع ‪.5/2‬‬ ‫(((‬

‫‪323‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫وللم�شقة بكرثة النجا�سة‪ ،‬وللعجز عن الطهارة والتيمم لكل �صالة‪ ،‬وللم�ستحا�ضة ومن يف‬
‫معناها على ال�صحيح من املذهب‪ ،‬ونقل عن �صاحب الرعاية رواية �أوم�أ �إليها الإمام يف‬
‫جواز اجلمع للعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى‪ ،‬ونقل عنه �أي ضً� ا جواز اجلمع ملن له �شغل‪،‬‬
‫�أو عذر يبيح ترك اجلمعة واجلماعة كخوفه على نف�سه‪� ،‬أو حرمه‪� ،‬أو ماله‪� ،‬أو غري ذلك(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪ :‬القائل ب�إباحة اجلمع بني ال�صالتني يف عرفة ومزدلفة فقط‪:‬‬
‫(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)‬ ‫الدليل الأول‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫[الن�ساء‪.]103 :‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن هذه ال�صلوات ُفر�ضت م�ؤقت ًة ب� ٍ‬
‫أوقات خم�صو�ص ٍة قطعي ٍة‪،‬‬
‫مقت�ض للف�ساد‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بدليل مثل ذلك‪ ،‬وتقدميها عن وقتها‬
‫وال يجوز تركها �إال ٍ‬
‫قت�ض للحرمة(((‪.‬‬
‫وت�أخريها ُم ٍ‬
‫نوق�ش من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن �أدلة املواقيت عام ٌة يف احل�ضر وال�سفر‪ ،‬و�أحاديث اجلمع‬
‫خا�ص ٌة بال�سفر‪ ،‬ونحوه من املر�ض‪ ،‬فتقدم(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن الدليل لي�س فيه حج ٌة لأن وقت اجلمع يكون وقتًا لهما‪،‬‬
‫وامل�صلي فيه جم ًعا يعترب م�ؤد ًيا ال قا�ض ًيا(((‪.‬‬
‫�أجيب عنه‪� :‬أن هذا حمل نزاع‪ ،‬وال ُي�س ّلم بتداخل الوقتني‪ ،‬بل كل �صالة‬
‫خمت�صة بوقتها‪ ،‬فال يدخل وقت �صالة حتى يخرج وقت الأخرى(((‪.‬‬
‫((( انظر الإن�صاف ‪.90/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق ‪.267/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع ‪.177/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪.393/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط ‪.149/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪324‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫الدليل الثاين‪ :‬ما رواه ابن م�سعود ‪ ‬عن النبي ﷺ �أنه قال‪« :‬من جمع بني‬
‫ال�صالتني من غري عذر فقد �أتى با ًبا من �أبواب الكبائر»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن ت�أخري ال�صالة من الكبائر كما يف اخلرب‪ ،‬فال ُيباح اجلمع‬
‫بعذر ال�سفر واملطر‪ ،‬و ُيع ّد ذلك ك�سائر الكبائر(((‪.‬‬
‫ويناق�ش من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن احلديث �ضعيف فال تقوم به حجة‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬على فر�ض �صحة احلديث ف�إنه يدل على حترمي اجلمع من‬
‫غري عذر‪� ،‬أما �إذا كان لعذر فال ب�أ�س به‪ ،‬وت�أخريها ب�سبب ال�سفر واملطر‬
‫واملر�ض ت�أخري لعذر‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن عذر ال�سفر واملطر ال يبيح اجلمع بني الع�شاء والفجر وال بني‬
‫�شرعا‪،‬‬
‫الفجر والظهر‪ ،‬الخت�صا�ص كل واحد منهما بوقت من�صو�ص عليه ً‬
‫فكذلك الظهر مع الع�صر واملغرب مع الع�شاء(((‪.‬‬
‫�أجيب عنه من ثالثة �أوجه‪:‬‬
‫قيا�س يف مقابل الن�ص‪،‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن هذا القيا�س فا�سد االعتبار لأنه ٌ‬
‫فالن�ص قد دل على جواز اجلمع بني الظهرين والع�شاءين للعذر‪ ،‬كما‬
‫�سي�أتي يف �أدلة القول الثاين‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬ب�أن الرخ�صة املتعلقة بال�صالة لأجل ال�سفر رخ�صتان‪ :‬الق�صر‬
‫((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه يف كتاب ال�صالة باب ما جاء فيمن �أدرك ركعة من الع�صر قبل �أن تغرب‬
‫ال�شم�س‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬وقال فيه‪ :‬وحن�ش هذا هو �أبو علي الرحبي وهو حن�ش بن قي�س وهو �ضعيف عند‬
‫�أهل احلديث‪� ،‬ضعفه �أحمد وغريه‪ ،‬رقم ‪� ،188‬ص‪ ،52‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى ‪ ،169/3‬والدارقطني‬
‫يف ال�سنن ‪ ،247/2‬وقال عنه الألباين يف �ضعيف �سنن الرتمذي‪� :‬ضعيف جدً ا‪� ،‬ص‪.35‬‬
‫((( انظر بدائع ال�صنائع ‪.327/1‬‬
‫((( املب�سوط ‪.149/1‬‬

‫‪325‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫واجلمع‪ ،‬فلما اخت�ص بالق�صر بع�ض ال�صلوات دون بع�ض فكذلك يف‬
‫رخ�صة اجلمع‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن �صالة ال�صبح مل جتمع �إلى غريها لأن التي قبلها الع�شاء‬
‫وهي جتمع �إلى املغرب‪ ،‬والتي بعدها الظهر وهي جتمع �إلى الع�صر(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪ :‬القائل ب�إباحة اجلمع يف كل حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه‬
‫جمع فيها فقط‪:‬‬
‫دليل �إباحة اجلمع لعذر ال�سفر‪:‬‬
‫ما رواه ابن عمر ‪ ‬قال‪( :‬كان ر�سول اهلل ﷺ يجمع بني املغرب والع�شاء �إذا‬
‫جد به ال�سري)(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬اخلرب فيه داللة �صريحة على جواز اجلمع يف ال�سفر لفعل النبي‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫نوق�ش من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن اخلرب من �أخبار الآحاد؛ وال يرتك العمل بدليل قطعي وهو الآية‬
‫التي دلت على توقيت ال�صالة مبواقيت خم�صو�صة بخرب �آحاد(((‪.‬‬
‫�أجيب عنه‪ :‬العمل بخرب الآحاد يف هذه امل�س�ألة لي�س فيه ترك للأدلة القطعية‪،‬‬
‫بل غاية الأمر تخ�صي�ص املتواتر بخرب الآحاد ال�صحيح‪ ،‬وهو جائز(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن احلديث م�ؤول باجلمع بالفعل ال بالوقت‪ ،‬ب�أن � ّأخر الأولى منهما‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪.395/2‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب التق�صري باب اجلمع يف ال�سفر بني املغرب والع�شاء رقم ‪،1106‬‬
‫�ص‪ 177‬واللفظ له‪ ،‬وم�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب جواز اجلمع بني ال�صالتني يف‬
‫ال�سفر رقم‪� ،703‬ص‪.286‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪.126/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪ ،86/5‬وانظر يف �أ�صل امل�س�ألة‪ :‬البحر املحيط ‪.488/4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪326‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫�إلى �آخر الوقت‪ ،‬ثم أ� ّدى الأخرى يف �أول الوقت وال وا�سطة بني الوقتني‪ ،‬فوقعتا‬
‫جمتمعتني فعل(((‪.‬‬
‫�أجيب عنه‪� :‬أن هذا الت�أويل فا�س ٌد لأمرين‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن هذا لي�س فيه حج ٌة؛ لأنه نقل عن النبي ﷺ �أنه جمع بني‬
‫ال�صالتني يف ال�سفر يف وقت �أحداهما‪ ،‬ومن حفظ حجة على من مل‬
‫يحفظ ومل ي�شهد(((‪ ،‬ومن ذلك ما رواه �أن�س ‪ ‬قال‪( :‬كان ر�سول‬
‫اهلل ﷺ �إذا ارحتل قبل �أن تزيغ ال�شم�س �أخّ ر الظهر �إلى �أن يدخل‬
‫وقت الع�صر‪ ،‬ثم نزل فجمع بينهما‪ ،‬ف�إن زاغت ال�شم�س قبل �أن يرحتل‬
‫�صلى الظهر ثم ركب)(((‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن اجلمع رخ�صة؛ فلو كان على ما ذكر لكان �أ�شد �ضي ًقا‪ ،‬و�أعظم‬
‫حرجا من الإتيان بكل �صالة يف وقتها‪ ،‬لأن ذلك �أو�سع من مراعاة طريف‬‫ً‬
‫الوقتني‪ ،‬بحيث ال يبقى من وقت الأولى �إال قدر فعلها(((‪.‬‬
‫�أدلة �إباحة اجلمع لعذر املطر‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬ما رواه ابن عبا�س ‪�( :‬صلى ر�سول اهلل ﷺ الظهر والع�صر‬
‫جمي ًعا‪ ،‬واملغرب والع�شاء جمي ًعا من غري خوف وال �سفر)(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يف احلديث داللة �صريحة على جواز اجلمع للعذر غري عذر ال�سفر‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪.126/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬التمهيد ‪.344/4‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب التق�صري باب ي�ؤخر الظهر �إلى الع�صر �إذا ارحتل قبل �أن تزيغ‬
‫ال�شم�س‪ ،‬رقم ‪� ،1111‬ص‪ ،178‬وم�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب جواز اجلمع بني‬
‫ال�صالتني يف ال�سفر رقم‪� ،704‬ص ‪ 286‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪.87/5‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب اجلمع بني ال�صالتني يف احل�ضر‪ ،‬رقم ‪705‬‬
‫�ص‪.286‬‬

‫‪327‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫واخلوف‪ ،‬قال الإمام مالك‪� :‬أرى ذلك يف وقت املطر(((‪.‬‬


‫نوق�ش‪� :‬أنه وردت رواية �أخرى تخالف هذه الرواية و�أن اجلمع مل يكن للمطر‪،‬‬
‫فقد روى ابن عبا�س ‪ ‬فقال‪( :‬جمع ر�سول اهلل ﷺ بني الظهر والع�صر‬
‫واملغرب والع�شاء باملدينة يف غري خوف وال مطر)(((‪.‬‬
‫و�أجيب عنه‪ :‬ب�أنه ميكن اجلمع بني الروايتني‪ ،‬بحمل الرواية الثانية على حال‬
‫املر�ض(((‪ ،‬فتكون واقعتني خمتلفتني‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬أن اجلمع بني ال�صالتني للمطر مروي عن ابن عبا�س وابن عمر‬
‫‪.(((‬‬
‫ثبت عن النبي ﷺ‬ ‫�أدلة القول الثالث‪ :‬القائل مب�شروعية اجلمع يف كل حالٍ‬
‫�أنه جمع فيها‪ ،‬وغريها مما مياثلها يف علة امل�شقة‪:‬‬
‫اال�ستدالل على جواز اجلمع للمر�ض‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬ما رواه ابن عبا�س ‪( :‬جمع ر�سول اهلل ﷺ بني الظهر‬
‫والع�صر واملغرب والع�شاء باملدينة يف غري خوف وال مطر)(((‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬
‫(من غري خوف وال �سفر)(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أنه قد وقع الإجماع على �أن اجلمع ال يجوز لغري عذر‪ ،‬فيثبت �أن‬
‫اجلمع الواقع يف احلديث كان عن مر�ض(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوط�أ ‪.208/1‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب اجلمع بني ال�صالتني يف احل�ضر رقم ‪� ،705‬ص‪.287‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح النووي على �صحيح م�سلم ‪.218/5‬‬
‫((( �أثر ابن عمر ‪� ‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب �صالة امل�سافرين باب جواز اجلمع بني‬
‫ال�صالتني يف ال�سفر‪ ،‬رقم‪� 703‬ص‪ .86‬و�أثر ابن عبا�س اخرجه عبدالرزاق يف م�صنفه ‪.548/2‬‬
‫((( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( ال�شرح الكبري ‪.89/5‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪328‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫طويل وفيه‪:‬‬
‫حديث ٍ‬‫ٍ‬ ‫الدليل الثاين‪ :‬ما جاء عن حمنة بنت جح�ش ‪ ‬من‬
‫«�إمنا هذه رك�ضة من رك�ضات ال�شيطان فتحي�ضي �ستة �أيام �أو �سبعة يف‬
‫علم اهلل ثم اغت�سلي‪ ،‬حتى �إذا ر�أيت �أنك قد طهرت‪ ،‬وا�ستيقنت‪ ،‬وا�ستنق�أت‬
‫ف�صلي �أرب ًعا وع�شرين ليلة‪� ،‬أو ثال ًثا وع�شرين ليلة‪ ،‬و�أيامها و�صومي‪ ،‬ف�إن‬
‫ذلك يجزئك‪ ،‬وكذلك فافعلي يف كل �شهر‪ ،‬كما حتي�ض الن�ساء‪ ،‬وكما يطهرن‬
‫مبيقات حي�ضهن وطهرهن‪ ،‬و�إن قويت على �أن ت�ؤخري الظهر وتعجلي الع�صر‬
‫فتغت�سلني‪ ،‬ثم ت�صلني الظهر والع�صر جمي ًعا‪ ،‬ثم ت�ؤخرين املغرب وتعجلني‬
‫الع�شاء ثم تغت�سلي وجتمعني بني ال�صالتني فافعلي‪ ،‬وتغت�سلني مع الفجر‬
‫وت�صلني‪ ،‬وكذلك فافعلي‪ ،‬و�صلي و�صومي �إن قدرت على ذلك»‪ ،‬وقال ر�سول‬
‫اهلل ﷺ‪« :‬وهذا �أعجب الأمرين �إيل»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ �أباح للم�ستحا�ضة اجلمع ملا جتده من م�شقة‬
‫التطهر والتلجم لكل فري�ضة(((‪ ،‬واال�ستحا�ضة نوع من املر�ض قد يلحق‬
‫ب�سببها ال�ضرر ب�إيقاع كل �صالة يف وقتها‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن احلديث �ضعيف‪ ،‬انفرد به ابن عقيل‪ ،‬وقد �ضعفه �أكرث �أهل‬
‫العلم(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه يف كتاب الطهارة‪ ،‬باب �إذا �أقبلت احلي�ضة تدع ال�صالة‪� ،‬ص‪ ،52‬ح‪،287‬‬
‫والرتمذي يف �سننه يف كتاب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء يف امل�ستحا�ضة �أنها جتمع بني ال�صالتني بغ�سل‬
‫واحد‪� ،‬ص‪ ،34‬ح‪ ،128‬والإمام �أحمد يف امل�سند ‪ ،381/6‬والدارقطني يف ال�سنن ‪ ،214/1‬واحلديث‬
‫خمتلف يف االحتجاج به‪.‬‬
‫فقد قال �أبو داود بعد ذكره لهذه الرواية‪�“ :‬سمعت �أحمد بن حنبل يقول‪ :‬حديث ابن عقيل يف نف�سي منه‬
‫�شيء”‪� ،‬ص‪52‬؛ وجاء يف التلخي�ص احلبري ‪( :163/1‬قال الرتمذي‪ :‬ح�سن‪ ،‬قال وهكذا قال �أحمد والبخاري‪،‬‬
‫وقال البيهقي تفرد به بن عقيل وهو خمتلف يف االحتجاج به‪ ،‬وقال ابن منده‪ :‬ال ي�صح بوجه من الوجـوه‬
‫لأنهم �أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل‪ ،‬وقال ابن �أبي حامت �س�ألت �أبي عنه فوهنه ومل يق ِو �إ�سناده)‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪.89/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬العلل البن �أبي حامت ‪ 583/1‬قال‪�“ :‬س�ألت �أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن �إبراهيم بن حممد عن‬
‫عمران بن طلحة عن �أمه حمنة بنت جح�ش يف احلي�ض فوهنه ومل يق ِو �إ�سناده” �أه‪ ،‬قال �أبو داود بعد روايته‬
‫لهذا احلديث يف ال�سنن �ص‪�“ :50‬سمعت �أحمد بن حنبل يقول‪ :‬حديث ابن عقيل يف نف�سي منه �شيء” �أهـ‪.‬‬

‫‪329‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫الدليل الثالث‪ :‬القيا�س على امل�سافر واملمطور‪ ،‬وذلك �أن امل�شقة على املري�ض‬
‫ب�إفراد كل �صالة يف وقتها �أ�ش ّد منها عليهما‪ ،‬وهو �أولى بالرفق منهما ملا‬
‫يخاف عليه(((‪.‬‬
‫و�أما دليل احلنابلة على �إحلاق غري املري�ض بامل�سافر كالعاجز عن الطهارة‪ ،‬واملر�ضع‪،‬‬
‫واجلمع يف الوحل والأعا�صري‪ ،‬واخلائف على نف�سه �أو حرمه �أو ماله‪ ،‬ونحوها‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬ما رواه ابن عبا�س ‪( :‬جمع ر�سول اهلل ﷺ بني الظهر‬
‫والع�صر واملغرب والع�شاء باملدينة يف غري خوف وال مطر)‪ .‬قيل البن عبا�س‪:‬‬
‫مل فعل ذلك؟ قال‪ :‬كيال ُيحرج �أمته(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬جمع النبي ﷺ لغري الأعذار املذكورة دليل على �إباحته ملا ماثلها‬
‫يف امل�شقة‪ ،‬بدليل جواب ابن عبا�س فلم يعلله مبر�ض وال غريه(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬أن بع�ض هذه الأحوال قد يلحق املكلف ب�سببها ال�ضرر‪� ،‬إذا‬
‫�أفرد ال�صلوات كاملر�ض‪ ،‬وبع�ضها قد �ساوى املطر يف العذر برتك اجلمعة‬
‫واجلماعة‪ ،‬فدل على حتقق امل�شقة املرعية يف احلكم (((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫يرتجح واهلل �أعلم القول مب�شروعية اجلمع يف كل حال ثبت عن النبي ﷺ �أنه‬
‫جمع فيها‪ ،‬وغريها مما مياثلها يف علة امل�شقة‪ ،‬ملا يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬وجاهة �أدلة القول القائل بذلك‪ ،‬يف مقابل �أدلة الأقوال الأخرى لعدم �سالمتها‬
‫من املعار�ضة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن هذا القول يتما�شى ومقا�صد ال�شرع يف التخفيف عن املكلف عند وجود‬
‫انظر‪ :‬بداية املجتهد �ص‪ ،165‬املنتقى ‪ ،252/1‬املجموع ‪.185/4‬‬ ‫(((‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الغرر البهية ‪.468/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪ ،95/5‬ك�شاف القناع ‪.5/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪330‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫امل�شقة‪ ،‬ويتفق مع قواعده يف رفع احلرج‪ ،‬واحلرج منفي عن هذه ال�شريعة‬


‫بقوله تعالى‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [احلج‪.]78 :‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫م�شروعية التيمم واجلمع بني ال�صالتني للمار�س ال�صحي فرتة معاجلة‬
‫وباء كورونا (كوفيد‪)19-‬‬

‫من خالل عر�ض الأ�سباب املبيحة للتيمم‪ ،‬وعند الت�أمل يف و�صف حال املمار�س‬
‫ال�صحي املكلف بالك�شف ومتابعة مر�ضى كورونا (كوفيد‪ ،)19-‬ومدى حتقق �أ�سباب‬
‫�إباحة التيمم واجلمع بني ال�صالتني يف حالته‪ ،‬جند �أنه ال ميكن �أن يعطى و�ص ًفا‬
‫واحدً ا يف كل الأحوال‪� ،‬إذ يعتمد الأمر على نوع اللبا�س الذي يرتديه‪ ،‬وكذلك كرثة‬
‫احلاالت املر�ضية التي حتتاج للك�شف �أو املتابعة‪ ،‬ومدى ارتفاع ن�سبة اخلطورة من‬
‫العدوى‪ ،‬ومدى �إمكان ال�سيطرة على املر�ض بالعالج‪.‬‬
‫وميكن القول ب�أن املمار�س ال�صحي ال يت�صور يف حالته ب�شكل عام منا�سبة �سبب‬
‫انعدام املاء‪� ،‬إذ الغالب وجود املاء يف املن�ش�أة ال�صحية‪ ،‬و ُي ْ�سر تناوله والو�صول له‪.‬‬
‫�إال �أنه ي�شابه مما ذكره الفقهاء حالة اخلوف على الرفيق من العط�ش فيما لو تو�ض�أ‬
‫باملاء من ناحية �أن �سعيه يف حت�صيل الطهارة بالو�ضوء وما ي�ستلزمه من خلع املعدات‬
‫واملالب�س الواقية‪ ،‬ومن ثم لب�س �أخرى جديدة يخ�شى منه حلوق ال�ضرر باملر�ضى‬
‫بانقطاعه عنهم مدة قد يكون وجوده معهم �ضرور ًيا للإنقاذ واملداوة العاجلة‪� ،‬أو‬
‫املالحظة امل�شددة امل�ستمرة‪.‬‬
‫و�أما ال�سبب الثاين وهو‪ :‬العجز عن ا�ستعمال املاء‪ ،‬ف�أقرب ال�صور التي ذكرها‬
‫الفقهاء ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬حلالة املمار�س ال�صحي هي اخلوف من ا�ستعمال املاء للربد‬
‫خ�شية املر�ض �أو الهالك‪� ،‬إذ املمار�س ال�صحي لي�س مري�ضً ا فيباح له التيمم بهذا‬
‫االعتبار‪ ،‬واخلوف يكون من جهة انتقال العدوى عند تغيري املالب�س‪ ،‬ون�شرها يف‬
‫مرافق املن�ش�أة ال�صحية؛ وذلك �أن �أماكن ق�ضاء احلاجة يرتادها �أكرث من �شخ�ص‪،‬‬

‫‪331‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫فاحتمال انتقال العدوى لهم واردة وقد تكون غالبة‪� ،‬أو قلة املوارد والإمدادات الطبية‪،‬‬
‫مما يعر�ض املمار�س الطبي للعدوى واخلطر يف حال عدم ح�صوله على العدد الكايف‬
‫من الغيارات‪.‬‬
‫وكذلك يف اجلمع بني ال�صالتني‪ ،‬ف�أقرب الأ�سباب املبيحة له واهلل �أعلم‪ ،‬حلوق‬
‫امل�شقة على النحو املذكور �آن ًفا يف حت�صيل الطهارة لكل وقت‪ ،‬وملا قد ي�سببه من‬
‫�ضر ٍر يلحق املر�ضى بانقطاعه عنهم مدة‪� ،‬أو ما ي�سببه من �ضر ٍر للمن�ش�أة ال�صحية‬
‫يف ا�ستهالك املعدات الوقائية يف حال العجز عن توفري الكمية الكافية �إذا حترى‬
‫الطهارة وال�صالة يف وقتها لكل فري�ضة‪ ،‬وكل هذه الأو�صاف تدور يف فلك امل�شقة‪.‬‬
‫ولكن ينبغي �أال يكون احلكم على �إطالقه يف هذا ال�صدد‪ ،‬بل يكون على تف�صيل‬
‫ينا�سب حالة املمار�س ال�صحي‪ ،‬و�إمكاناته وظروفه من وجه‪ ،‬ويراعي �شروط ال�صالة‬
‫من وجه �آخر قدر الإمكان‪ ،‬والتف�صيل الذي يظهر ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬كالآتي‪:‬‬
‫احلالة الأولى‪:‬‬
‫�إذا كان املمار�س ال�صحي طاه ًرا ال يحتاج للو�ضوء‪ ،‬ويخ�شى من انتقا�ض‬
‫و�ضوئه قري ًبا‪ ،‬وميكنه اجلمع بني ال�صالتني بالفعل ال بالوقت ب�أن ي�ؤخر الظهر �إلى‬
‫�آخر وقتها‪ ،‬ويقدم الع�صر لأول وقتها‪ ،‬ومثله يف املغرب والع�شاء‪ ،‬ف�إنه يجب عليه‬
‫مراعاة ذلك‪.‬‬
‫و�إن �أمكنه الو�ضوء بال م�شقة تلحقه �أو تلحق غريه مما ذكر‪ ،‬و�إيقاع ال�صالة يف‬
‫وقتها‪ ،‬فال يجوز له التيمم‪ ،‬وال اجلمع بني ال�صالتني‪ ،‬بل ي�صلي كل �صالة يف وقتها‬
‫�سواء �أول الوقت‪� ،‬أو و�سطه‪� ،‬أو �آخره‪.‬‬
‫اً‬
‫حت�صيل ل�شرطي الطهارة‪ ،‬والوقت‪ ،‬وعدم الإخالل بهما‪.‬‬ ‫التعليل‪ :‬لأن يف ذلك‬
‫احلالة الثانية‪:‬‬
‫ف�إن كان ال ي�ستطيع اجلمع بينهما بالفعل ملا ذكر‪ ،‬بل يحتاج �إلى جمع الأولى مع‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪332‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫الثانية يف وقت �إحداهما‪� ،‬إما لغلبة ظنه انتقا�ض طهارته‪� ،‬أو متكنه من الو�ضوء يف‬
‫مثل عند �صالة الأولى‪� ،‬أو انتهائها عند وقت‬ ‫وقت حمدد لي�س له غريه‪� ،‬أو لبدء نوبته اً‬
‫الثانية‪ ،‬ف�إنه يجمع ح�سب الأ�صلح حلاله تقد ًميا وت�أخ ًريا(((‪.‬‬
‫التعليل‪ :‬لأن امل�شقة تبيح اجلمع‪ ،‬ولأن كل �شرط من �شروط ال�صالة مق�صود مهم‬
‫ال ي�سقط مي�سوره مبع�سوره(((‪.‬‬
‫وهذا ما �أو�صى به جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة التعاون الإ�سالمي يف‬
‫ندوة‪« :‬فريو�س كورونا امل�ستجد وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية»‬
‫املنعقدة يف تاريخ ‪1441/8/23‬هـ‪ ،‬ون�صها‪( :‬ويجوز للعاملني يف املجاالت ال�صحية‬
‫والأمنية ومثيالتها يف هذه اجلائحة‪ ،‬الأخذ برخ�صة اجلمع بني ال�صلوات‪ ،‬جم َع‬
‫قيا�سا على ال�سفر بجامع امل�شقة واحلاجة‪� ،‬أو اجلمع ال�صوري ملن ال‬
‫تقدمي �أو ت�أخري‪ً ،‬‬
‫ي�صح يف مذهبه اجلمع بني ال�صلوات)(((‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪:‬‬
‫ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء ونزع املالب�س‪ ،‬وي�ستطيع ال�صالة يف وقتها‪� ،‬أو اجلمع‬
‫بالفعل ال بالوقت‪ ،‬ف�إنه يتيمم‪ ،‬وي�صلي ال�صالة يف وقتها �أو ي�صلي الأولى يف �آخر‬
‫وقتها‪ ،‬والثانية يف �أول وقتها‪.‬‬
‫التعليل‪ :‬لأن امل�شقة نوع من العجز املبيح للتيمم‪ ،‬وما �أبيح لل�ضرورة يقدر بقدرها‪،‬‬
‫((( ن�ص جمع من الفقهاء على �أنه يراعي الأ�صلح يف التقدمي والت�أخري انظر‪ :‬املقدمات ‪،187/1‬‬
‫مواهب اجلليل ‪ ،3/2‬املجموع ‪ ،258/4‬رو�ضة الطالبني ‪ ،401/1‬الفروع ‪� ،68/2‬شرح منتهى‬
‫الإرادات ‪.299/1‬‬
‫((( انظر قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ‪ ،22/2‬ووردت القاعدة ب�شكل عام يف كتب القواعد الفقهية‬
‫كالقواعد البن رجب �ص‪ ،56‬والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ‪ ،203‬ودليلها قوله ﷺ‪« :‬و�إذا �أمرتكم‬
‫ب�شيء ف�أتوا منه ما ا�ستطعتم» �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة باب‬
‫االقتداء ب�سنن النبي ﷺ‪� ،‬ص‪ 1254‬رقم‪.7288 :‬‬
‫((( انظر التو�صيات على موقع منظمة التعاون الإ�سالمي على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬

‫‪333‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫فيباح اجلمع‪ ،‬ويجب التطهر‪ ،‬ولأن كل �شرط من �شروط ال�صالة مق�صود مهم ال‬
‫ي�سقط مي�سوره مبع�سوره(((‪.‬‬
‫وعلى هذا هل يجب عليه �أن يعيد ال�صالة بعد قدرته على الو�ضوء؟‬
‫لعل هذه امل�س�ألة ُتخ َّرج على م�س�ألة �إعادة ال�صالة �إذا قدر على ا�ستعمال املاء‪،‬‬
‫على القول ب�إباحة التيمم �إذا خ�شي على نف�سه املر�ض �أو ال�ضرر ل�شدة الربد‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف لزوم الإعادة على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ال تلزمه الإعادة �سواء كان م�ساف ًرا �أم حا�ض ًرا‪ ،‬وهو مذهب‬
‫احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬واملذهب عند احلنابلة (((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬تلزمه الإعادة �سواء كان م�ساف ًرا �أو حا�ض ًرا‪ ،‬وهو الأ�صح عند‬
‫ال�شافعية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬تلزمه الإعادة حال احل�ضر دون ال�سفر‪ ،‬وهو قول عند ال�شافعية(((‪،‬‬
‫ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪ :‬القائل ب�أنه ال تلزمه الإعادة �سوا ًء كان م�ساف ًرا �أم حا�ض ًرا‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬ما جاء عن عمرو بن العا�ص ‪� ‬أنه �أجنب يف ليلة باردة فتيمم‬
‫وتال‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)‪ ،‬فذكر للنبي ﷺ فلم ُيع ّنف‪،‬‬
‫ويف رواية �أبي داود‪ :‬ف�ضحك ر�سول اهلل ﷺ ومل يقل �شي ًئا(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ‪.22/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط ‪ ،122/1‬بدائع ال�صنائع ‪ ،172/1‬حا�شية منحة اخلالق على البحر الرائق ‪.148/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفواكه الدواين ‪ ،155/1‬حا�شية العدوي‪.225/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،192/1‬الفروع ‪.211/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪ ،272/1‬املجموع ‪ ،252/2‬حتفة املحتاج ‪.381/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪ ،272/1‬املجموع ‪ ،252/2‬حتفة املحتاج ‪.381/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪.173 /2‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪334‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫وجه الداللة‪ :‬يف احلديث داللة على عدم لزوم الإعادة حيث مل ي�أمره النبي‬
‫ﷺ بها‪ ،‬ولو لزمته لأمره بها �إذ ال يجوز ت�أخري البيان عن وقت احلاجة(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قيا�س املتيمم الذي يخ�شى على نف�سه ال�ضرر على املتيمم للمر�ض؛‬
‫يف عدم وجوب الإعادة عند القدرة على ا�ستعمال املاء بجامع اخلوف على‬
‫النف�س(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قيا�س �صحة العبادة من املتيمم الذي يخ�شى على نف�سه ال�ضرر‪،‬‬
‫ب�سائر من �أبيح له التيمم‪ ،‬بجامع �أنه �أتى مبا �أمر به(((‪.‬‬
‫دليل القول الثاين‪ :‬القائل ب�أنه تلزمه الإعادة �سوا ًء كان م�ساف ًرا �أم حا�ض ًرا‪:‬‬
‫�أن الأعذار النادرة ال ت�سقط معها الإعادة‪ ،‬كالعادم للماء والرتاب‪ ،‬والأعذار العامة‬
‫ت�سقط معها الإعادة كالعادم للماء يف ال�سفر وكاملري�ض يف احل�ضر‪ ،‬وتعذر �إ�سخان املاء‬
‫يف الربد واخلوف من ا�ستعماله من الأعذار النادرة فلم ت�سقط معه الإعادة(((‪.‬‬
‫�أجيب عنه‪ :‬عدم الت�سليم بهذا التفريق بني الأعذار النادرة وغريها‪ ،‬بدليل عدم‬
‫�أمر النبي ﷺ لعمرو بن العا�ص ب�إعادة ال�صالة حينما تيمم خلوفه ب�سبب �شدة‬
‫الربد‪ ،‬ولو كانت الإعادة الزمة لأمره بها‪.‬‬
‫�أدلة القول الثالث‪ :‬القائل ب�أنه تلزمه الإعادة حال احل�ضر دون ال�سفر‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الن�ساء‪.]43 :‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن املتيمم يف هذه احلالة لي�س مب�سافر عادم وال مري�ض‪ ،‬فتجب‬
‫عليه الإعادة(((‪.‬‬
‫املغني ‪.192/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري ‪.174/2‬‬ ‫(((‬
‫املغني ‪.192/1‬‬ ‫(((‬
‫احلاوي ‪.272/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬احلاوي ‪.272/1‬‬ ‫(((‬

‫‪335‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫يجاب عنه‪� :‬أن ال�صور املذكورة يف الآية يلحق بها ما مياثلها يف امل�شقة‪ ،‬فقد‬
‫ثبت �إقرار النبي ﷺ على فعل عمرو بن العا�ص ‪ ‬حني تيمم خ�شية‬
‫الربد من غري �أمر بالإعادة‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬لأنه عذر نادر غري مت�صل((( فلم ي�سقط معه الفر�ض وال مينع‬
‫الإعادة كمن �صلى نا�س ًيا الطهارة(((‪.‬‬
‫�أجيب عنه‪ :‬القيا�س على ن�سيان الطهارة قيا�س مع الفارق‪ ،‬لأنه مل ي�أت مبا �أمر‬
‫به‪ ،‬و�إمنا ظن �أنه �أتى به‪ ،‬بخالف التيمم يف هذه احلال فقد �أتى مبا �أمر به(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫يرتجح ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬القول الأول القائل بعدم وجوب الإعادة يف حال التيمم‬
‫ل�شدة الربد‪ ،‬وبنا ًء عليه ال يجب على املمار�س ال�صحي �إعادة ال�صالة يف حال التيمم‬
‫لوجود امل�شقة وخوف ال�ضرر‪ ،‬وذلك لقوة ما ا�ستدل به هذا القول و�صراحته‪ ،‬يف‬
‫مقابل �أدلة القولني الآخرين‪.‬‬
‫احلالة الرابعة‪:‬‬
‫ف�إن كان هناك مانع من ا�ستعمال الرتاب كم�شقة نزع جهاز التنف�س لأجل م�سح‬
‫الوجه‪� ،‬أو اخلوف من انت�شار الوباء وانتقال الفايرو�س عن طريق الرتاب‪ ،‬في�صلي‬
‫بدون و�ضوء‪.‬‬
‫((( ندرة العذر من ناحية �أن املاء يف الغالب موجود يف احل�ضر ويوجد ما ي�سخن به‪ ،‬وقول الفقهاء ب�أنه‬
‫نادر‪ :‬احرتا ًزا من عدم املاء يف ال�سفر‪ ،‬واالت�صال يق�صد به عذر اال�ستحا�ضة‪ ،‬قال العمراين بعد �سوقه‬
‫للدليل‪“ :‬فقولنا نادر‪ :‬احرتاز من عدم املاء يف ال�سفر‪ ،‬وقولنا غري مت�صل‪ :‬احرتاز من اال�ستحا�ضة‬
‫ومن �سل�س البول‪ ،‬لأن الأعذار على ثالثة �أ�ضرب‪ :‬الأول‪ :‬غري معتاد‪ :‬وهو ال�سفر واملر�ض‪ ،‬والثاين‪ :‬عذر‬
‫نادر مت�صل وهو اال�ستحا�ضة و�سل�س البول‪ ،‬فهذان العذران ي�سقط معهما فر�ض الإعادة‪ ،‬والثالث‪ :‬عذر‬
‫نادر منقطع‪ :‬وهو عدم املاء يف احل�ضر وخوف الربد يف احل�ضر‪ ....‬فهذا ال ي�سقط معه فر�ض �إعادة‬
‫ال�صالة”‪ ،‬البيان يف مذهب ال�شافعي ‪.320/1‬‬
‫((( انظر احلاوي ‪ ،272/1‬ال�شرح الكبري ‪.174/2‬‬
‫((( املغني ‪.192/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪336‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫قيا�سا على فاقد الطهورين ف�إنه ي�صلي على حاله يف �أ�صح �أقوال �أهل‬
‫التعليل‪ً :‬‬
‫العلم(((‪� ،‬إقامة مل�صالح ال�صالة التي ال تدانيها م�صالح الطهارة(((‪.‬‬
‫وقد �صدرت فتوى اللجنة الدائمة برقم (‪ ،)28068‬وتاريخ ‪1441/9/17‬هـ‪،‬‬
‫بذلك ون�صها‪( :‬هل يجوز للممار�س ال�صحي الذي يتعامل مع امل�صابني بفايرو�س‬
‫كورونا وي�صعب عليه نزع املالب�س الطبية الواقية �أن يتيمم لل�صالة؟ اجلواب‪� :‬إذا‬
‫كان ال ي�ستطيع نزع املالب�س الواقية �أو يت�ضرر بنزعها للو�ضوء �أو التيمم ف�إنه ي�صلي‬
‫على ح�سب حاله)(((‪.‬‬
‫احلالة اخلام�سة‪:‬‬
‫ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء وال اجلمع بني ال�صالتني بالفعل‪ ،‬ف�إنه يتيمم ويجمع‬
‫بني الفر�ضني ح�سب الأ�صلح تقد ًميا وت�أخ ًريا‪ ،‬ف�إن كان ال ي�ستطيع التيمم في�صلي من‬
‫غري طهارة‪.‬‬
‫التعليل‪ :‬لأن امل�شقة نوع من العجز املبيح للتيمم‪ ،‬و�سبب من الأ�سباب املبيحة‬
‫للجمع بني ال�صالتني‪� ،‬أما �إن مل ي�ستطع التيمم ف�إنه يقا�س على فاقد الطهورين‬
‫وي�صلي على حاله يف �أ�صح �أقوال �أهل العلم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫خالف على‬ ‫ويف �إعادة ال�صالة عند من �صحح �صالته على حاله من غري طهارة‬
‫ما ي�أتي‪:‬‬
‫((( اختلف �أهل العلم يف حكم فاقد الطهورين‪ ،‬فذهب بع�ض احلنفية‪ ،‬وبع�ض املالكية‪ ،‬واملذهب عند‬
‫ال�شافعية واحلنابلة �أنه يجب عليه ال�صالة على ح�سب حاله‪ ،‬ا�ستنادًا �إلى خرب عائ�شة ‪ ‬يف نزول‬
‫�آية التيمم‪ ،‬حني ح�ضرت ال�صالة و�صلوا بغري و�ضوء ومل ينكر النبي ﷺ عليهم ذلك‪ .‬ومذهب احلنفية‬
‫ورواية عن الإمام �أحمد �أنه ال ي�صلي حتى يقدر على �أحدهما لأنها عبادة ال تُ�سقط الق�ضاء؛ فلم جتب‬
‫قيا�سا على �سقوطها عن احلائ�ض لفقد‬
‫ك�صيام احلائ�ض‪ ،‬ومذهب الإمام مالك �سقوط ال�صالة عنه ً‬
‫�شرط الطهارة‪ .‬انظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،252/1‬الذخرية ‪ ،336/1‬املجموع ‪ ،223/2‬ال�شرح الكبري ‪.211/2‬‬
‫((( انظر قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ‪.163 /2‬‬
‫((( انظر فتوى اللجنة الدائمة على الرابط‪.https: //cutt.us/HciG0 :‬‬

‫‪337‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫القول الأول‪ :‬جتب عليه الإعادة وهو قول بع�ض احلنفية(((‪ ،‬وبع�ض املالكية(((‪،‬‬
‫ومذهب ال�شافعية(((‪ ،‬ورواية عن الإمام �أحمد(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال جتب عليه الإعادة‪ ،‬وهو قول بع�ض احلنفية(((‪ ،‬قول بع�ض‬
‫املالكية(((‪ ،‬وقول عند ال�شافعية(((‪ ،‬ومذهب احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫دليل القول الأول‪ :‬القائل بوجوب الإعادة‪:‬‬
‫�أن هذا العذر عذر نادر غري مت�صل(((‪.‬‬
‫يجاب عنه‪� :‬أن هذا العذر ولو كان ناد ًرا �إال �أنه عذر متطاول‪ ،‬كامل�سافر‪ ،‬بل‬
‫احلاجة هنا �أكرث من حاجة امل�سافر(‪.((1‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪ :‬القائل بعدم وجوب الإعادة‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬ما جاء يف ال�صحيحني عن عائ�شة ‪� ‬أنه ا�ستعارت من �أ�سماء‬
‫نا�سا من �أ�صحابه يف طلبها‪ ،‬ف�أدركتهم‬
‫قالدة فهلكت ف�أر�سل ر�سول اهلل ﷺ ً‬
‫ال�صالة ف�صلوا بغري و�ضوء فلما �أتوا النبي ﷺ �شكوا ذلك �إليه فنزلت �آية‬
‫التيمم‪ ،‬فقال �أ�سيد بن ح�ضري‪ :‬جزاك اهلل خ ًريا‪ ،‬فواهلل ما نزل بك �أمر قط‬
‫خمرجا‪ ،‬وجعل للم�سلمني فيه بركة(‪.((1‬‬
‫ً‬ ‫�إال جعل اهلل لك منه‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،175/1‬ورد املحتار ‪ ،252/1‬اجلوهرة النرية ‪.23/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الذخرية ‪ ،223 /3‬التاج والإكليل ‪ ،528/1‬مواهب اجلليل ‪.360/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع ‪ , 223/2‬الغرر البهية ‪ ،209/1‬مغني املحتاج ‪.273/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقنع ‪ ،212/2‬الفروع ‪ ،221/1‬الإن�صاف ‪.212 /2‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق ‪ ،149/1‬اجلوهرة النرية ‪ ،23/1‬درر احلكام ‪.32/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الذخرية ‪ ،223 /3‬التاج والإكليل ‪ ،582/1‬مواهب اجلليل ‪.360/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع ‪ ،223/2‬الغرر البهية ‪ ،209/1‬مغني املحتاج ‪.273/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقنع ‪ ،212/2‬الإن�صاف ‪ , 212 /2‬ك�شاف القناع ‪.171/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع ‪ ،224/2‬املبدع ‪.189/1‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬املغني ‪.172/1‬‬
‫(‪�((1‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪338‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ مل ي�أمرهم بالإعادة(((‪.‬‬


‫الدليل الثاين‪� :‬أنه �أتى مبا �أُمر به‪ ،‬فوجب �أن يخرج من عهدة الواجب‪ ،‬وال جتب‬
‫قيا�سا على املري�ض وامل�سافر‬
‫جديد والأ�صل عدم ذلك ً‬
‫أمر ٍ‬ ‫عليه الإعادة �إال ب� ٍ‬
‫ي�صليان كما �أمرا وال يعيدان(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫يرتجح واهلل �أعلم القول بعدم وجوب �إعادة ال�صالة لوجاهة �أدلة القول القائل‬
‫بذلك‪.‬‬

‫((( ال�شرح الكبري ‪.212 /2‬‬


‫((( انظر‪ :‬الذخرية ‪ ،223/3‬ال�شرح الكبري ‪.212/2‬‬

‫‪339‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫املبحث الثاين‬
‫التخلف عن اجلمعة واجلماعة للممار�س ال�صحي‬

‫�أجمع الفقهاء على �أن اجلمعة واجبة على الأحرار البالغني املقيمني الذين ال عذر‬
‫لهم(((‪.‬‬
‫قال ابن املنذر‪“ :‬و�أجمعوا على �أن اجلمعة واجبة على الأحرار البالغني املقيمني‬
‫الذين ال عذر لهم”(((‪.‬‬
‫و�أما �صالة اجلماعة فال�صحيح من مذهب احلنفية (((‪ ،‬وقول بع�ض ال�شافعية(((‪،‬‬
‫ومذهب احلنابلة (((‪� ،‬أنها واجبة على الأعيان‪ .‬وذهب ال�شافعية �إلى �أنها فر�ض‬
‫كفاية(((‪ ،‬واملالكية �إلى ا�ستحبابها(((‪ .‬وحتى القول با�ستحبابها �صرح بع�ض الفقهاء‬
‫ب�أن �أهل امل�صر لو تركوها قوتلوا‪ ،‬و�أن تاركها فا�سق ويعزر‪ ،‬و�صرح بع�ضهم برد �شهادة‬
‫املداوم على تركها لغري عذر(((‪.‬‬
‫و ُيعذر برتكها املكلف عندما تعرت�ضه بع�ض الأعذار التي يتحقق مناط احلكم‬
‫فيها وهي‪ :‬ال�ضرر والأذى وامل�شقة الالحقة به‪� ،‬أو بغريه‪.‬‬
‫وقد �أورد الفقهاء جملة من الأعذار التي يباح عند ح�صولها �أو تلب�س املكلف بها‬
‫انظر‪ :‬الإجماع البن املنذر �ص‪ ،44‬بدائع ال�صنائع ‪ ،577/1‬بداية املجتهد �ص‪ ،148‬املجموع ‪،244/4‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪.218/2‬‬
‫الإجماع البن املنذر �ص‪.44‬‬ ‫(((‬
‫انظر بدائع ال�صنائع ‪ ،384/1‬اجلوهرة النرية ‪ ،59/1‬البحر الرائق ‪.365/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر املجموع ‪ ،61/4‬احلاوي ‪.297/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر املغني ‪ ،130/2‬الإن�صاف ‪ ،210/2‬ك�شاف القناع ‪.454/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر املجموع ‪ ،61/4‬احلاوي ‪� ،297/2‬أ�سنى املطالب ‪.208/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر املنتقى �شرح املوط�أ ‪ ،228/1‬التاج والإكليل ‪� ،395/2‬شرح خمت�صر خليل للخر�شي ‪.16/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر رد املحتار ‪ ،456/1‬نهاية املحتاج ‪155/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪340‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫عاما كاملطر ال�شديد‪ ،‬والوحل‪،‬‬


‫الرتخ�ص برتك اجلمعة واجلماعة‪ ،‬منها ما يكون ً‬
‫والريح ال�شديدة يف الليلة املظلمة(((‪.‬‬
‫ومنها ما يكون خا�صً ا مثل‪ :‬املر�ض‪ ،‬ومتري�ض املري�ض والقيام عليه‪ ،‬وح�ضور موته‪،‬‬
‫ومدافعة الأخبثني‪ ،‬وح�ضور طعام والنف�س تائقة �إليه(((‪ ،‬وكذلك اخلوف على نف�سه‪� ،‬أو‬
‫�أهله‪� ،‬أو �ضياع ماله‪� ،‬أو مالزمة غرمي(((‪ ،‬وكذلك من يلحق بح�ضوره �ضرر �أو �إيذاء لغريه‪،‬‬
‫ك�أكل ما له رائحة كريهة �إذا تع�سر �إزالتها بغ�سل ومعاجلة‪ ،‬كالب�صل والثوم ونحوها‪،‬‬
‫ومن ينبعث من جرحه �أو من ج�سده ب�سبب املر�ض رائحة كريهة كاملجذوم(((‪ ،‬و�أحلق به‬
‫وال�سماك‪ ،‬ومن به بخر‪ ،‬و�صنان(((‪.‬‬
‫بع�ض العلماء اجلزار الذي له رائحة كريهة ّ‬
‫وعند الت�أمل يف و�صف املمار�س الطبي املعني خا�صة باحلاالت املتف�شية يف �أثناء‬
‫الأزمات ك�أزمة انت�شار فايرو�س كورونا (كوفيد‪ ،)19-‬ميكن القول‪� :‬إن ح�ضوره‬
‫للجمعة واجلماعة يف ظل هذه الظروف من �سرعة االنت�شار‪ ،‬وحلوق املر�ض وال�ضرر‪،‬‬
‫وتطوره ب�شدة عند بع�ض الفئام من النا�س‪ ،‬وعدم وجود لقاح �أو عالج ميكن به‬
‫حت�صني النا�س ومداواتهم‪ ،‬قد يلحق الأذى بغريه من �أحد وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪:‬‬
‫�أذى يلحق باملر�ضى �إذا انقطع عن مالحظتهم‪ ،‬ومتري�ضهم‪ ،‬لتح�صيل �صالة‬
‫اجلماعة يف امل�سجد مما يدعو �إلى خروجه �إلى م�صلى امل�شفى �أو غريه‪ ،‬خا�صة مع‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،132/1‬البحر الرائق ‪ ،365/1‬رد املحتار ‪� ،553/1‬شرح اخلر�شي على خمت�صر‬ ‫(((‬
‫خليل ‪ ،90/2‬حا�شية الد�سوقي ‪ ،389/1‬احلاوي ‪ ،304/2‬املجموع ‪� ،71/4‬أ�سنى املطالب ‪،213/1‬‬
‫ال�شرح الكبري ‪ ،469/4‬الفروع ‪ ،43/2‬ك�شاف القناع ‪.495/1‬‬
‫انظر‪ :‬فتح القدير ‪ ،345/1‬البحر الرائق ‪ ،365/1‬رد املحتار ‪� ،553/1‬شرح اخلر�شي على خمت�صر خليل ‪،90/2‬‬ ‫(((‬
‫حا�شية الد�سوقي ‪ ،389/1‬احلاوي ‪ ،304/2‬املجموع ‪ ،71/4‬ال�شرح الكبري ‪ 469/4‬ك�شاف القناع ‪.495/1‬‬
‫انظر‪� :‬شرح اخلر�شي على خمت�صر خليل ‪ ،90/2‬حا�شية الد�سوقي ‪ ،389/1‬املجموع ‪� ،71/4‬أ�سنى‬ ‫(((‬
‫املطالب ‪ ،213/1‬ال�شرح الكبري ‪ ،469/4‬ك�شاف القناع ‪.495/1‬‬
‫انظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،661/1‬التاج والإكليل ‪ ،558/2‬حا�شية الد�سوقي ‪ ،389/1‬املجموع ‪� ،71/4‬أ�سنى‬ ‫(((‬
‫املطالب ‪ ،213/1‬ال�شرح الكبري ‪� ،469/4‬شرح منتهى الإرادات ‪.285/1‬‬
‫انظر‪ :‬رد املحتار ‪� ،661/1‬أ�سنى املطالب ‪� ،213/1‬شرح منتهى الإرادات ‪ ،285/1‬ك�شاف القناع ‪.497/1‬‬ ‫(((‬

‫‪341‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫ف�شو املر�ض وانت�شاره‪ ،‬وكرثة احلاالت‪ ،‬و�صعوبة ال�سيطرة على الو�ضع من ناحية‬
‫ا�ستقبال املر�ضى وفح�صهم ومداواتهم‪� ،‬أو مع �شدة بع�ض احلاالت وحرجها‪ ،‬مما‬
‫ي�ستدعي املالحظة التامة امل�شددة‪.‬‬
‫و�إذا كان الأمر كذلك فقد ن�ص الفقهاء كما �سبق على جواز التخلف عن اجلمعة‬
‫واجلماعة لتمري�ض املري�ض والعناية به‪� ،‬أو ح�ضور موته‪ ،‬للآتي‪:‬‬
‫‪1.1‬ما ورد �أن ابن عمر ‪ُ ‬ذكر له �أن �سعيد بن زيد مر�ض يف يوم جمعة‪،‬‬
‫فركب �إليه بعد �أن تعالى النهار واقرتبت اجلمعة‪ ،‬وترك اجلمعة(((‪.‬‬
‫‪2.2‬ولأن �سبب حفظ الآدمي �آكد من حرمة اجلماعة(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪:‬‬
‫�أن �سعي املمار�س ال�صحي ل�صالة اجلماعة قد ُيلحق بغريه الأذى من ناحية نقل‬
‫العدوى‪ ،‬وانت�شارها بني الأ�صحاء‪� ،‬إذ مبا�شرة الطبيب �أو امل�ساعد ونحوه للمر�ضى‬
‫وفح�صهم وعالجهم‪ ،‬وتقدمي الرعاية لهم‪ ،‬قد تعر�ضهم حلمل الفايرو�س‪ ،‬ومن ثم‬
‫نقله للأ�صحاء‪ ،‬خا�صة يف ظل عدم وجود دواء لعالجه‪ ،‬وعدم وجود لقاح للحماية‬
‫منه يف هذه الآونة‪.‬‬
‫و�إذا كان احلال كهذه ف�إنه يجوز له التخلف عن اجلمعة واجلماعة للآتي‪:‬‬
‫‪1.1‬ما جاء عن �أبي �سعيد اخلدري ‪ ‬عن النبي ﷺ �أنه قال‪« :‬ال �ضرر وال �ضرار»(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه يف كتاب املغازي رقم ‪� ،3990‬ص ‪.674‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان يف مذهب ال�شافعي ‪.368/2‬‬
‫((( �أخرجه ابن ماجه يف باب الأحكام‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره‪� ،‬ص‪ ،335‬رقم‪ ،2341 :‬واحلاكم‬
‫يف امل�ستدرك من حديث �أبي �سعيد اخلدري ‪ ،66/2‬وقال‪ :‬هذا حديث �صحيح الإ�سناد على �شرط م�سلم‬
‫ومل يخرجاه‪ ،‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى ‪ ،69/6‬والدارقطني يف ال�سنن ‪ ،77/3‬ومالك يف املوط�أ ‪745/2‬‬
‫مو�صول عن �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬وابن عبا�س وعبادة بن ال�صامت‬‫اً‬ ‫اً‬
‫مر�سل عن عمرو بن يحيى‪ .‬وروي‬
‫وعائ�شة و�أبي هريرة وجابر وثعلبة بن مالك‪ ،‬واملر�سل �صححه الألباين‪ ،‬و�أما املو�صولة ففيها �ضعف‪،‬‬
‫انظر‪� :‬سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة ‪ ،498/1‬وباجلملة ف�إن جمموع طرق احلديث يقوي بع�ضها بع�ضً ا‬
‫ويح�سنه وقد تقبله جماهري �أهل العلم واحتجوا به‪ ،‬انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪342‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫وجه الداللة‪ :‬ح�ضور املمار�س ال�صحي للجمعة واجلماعة مظنة نقل العدوى و�إيقاع‬
‫ال�ضرر على الآخرين‪ ،‬وهذه قاعدة جليلة يف منع �إحلاق ال�ضرر بالنف�س �أو بالغري‪.‬‬
‫‪2.2‬ما رواه ابن �أبي مليكة �أن عمر ‪ ‬مر بامر�أة جمذومة وهي تطوف بالبيت‪،‬‬
‫فقال لها‪( :‬يا �أمة اهلل ال ت�ؤذي النا�س‪ ،‬لو جل�ست يف بيتك)‪ ،‬فجل�ست‪ ،‬فمر‬
‫بها رجل بعد ذلك؛ فقال لها‪� :‬إن الذي كان نهاك قد مات فاخرجي فقالت‪:‬‬
‫ما كنت لأطيعه ح ًيا و�أع�صيه ميتًا(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن هذا الت�صرف من اخلليفة عمر ‪ ‬يف منع املجذومة‬
‫من الطواف لئال ت�ؤذي النا�س‪ ،‬ميكن اال�ستناد عليه يف �إباحة التخلف عن‬
‫اجلمعة واجلماعة للممار�س ال�صحي ملا قد يلحقه يف هذا الو�ضع وانت�شار‬
‫الوباء من الأذى وال�ضرر بالنا�س‪ ،‬قال ابن عبدالرب‪“ :‬ويف هذا احلديث‬
‫من الفقه احلكم ب�أن يحال بني املجذومني وبني اختالطهم بالنا�س ملا يف‬
‫ذلك من الأذى لهم‪ ،‬و�أذى امل�ؤمن واجلار ال يحل‪ ،‬و�إذا كان �آكل الثوم ي�ؤمر‬
‫باجتناب امل�سجد وكان يف عهد ر�سول اهلل ﷺ رمبا �أخرج �إلى البقيع فما‬
‫ظنك باجلذام؟ وهو عند بع�ض النا�س يعدي وعند جميعهم ي�ؤذي”(((‪.‬‬
‫‪3.3‬القيا�س على منع �آكل الب�صل والثوم ونحوه مما يت�أذى برائحته امل�صلون من‬
‫دخول امل�سجد وح�ضور اجلمعة واجلماعة‪ ،‬ف�إذا كانوا يعذرون بذلك �إذا مل‬
‫يجدوا ما يذهب هذه الريح الكريهة‪ ،‬ف�إن حلوق �أذى الإ�صابة باملر�ض املعدي‬
‫لهم ب�سبب �صالة املمار�س الطبي معهم ينبغي �أن يكون عذ ًرا من باب �أولى‪.‬‬
‫�أما يف حال ال�سيطرة على املر�ض بوجود لقاح للتح�صن منه‪ ،‬ف�إن احلكم قد‬
‫يتغري لأن العلة املبيحة لذلك قد تزول‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫((( �أخرجه مالك يف املوط�أ يف كتاب احلج باب جامع احلج ‪ ،567/1‬رقم‪ ،1275 :‬وعبدالرزاق يف م�صنفه‬
‫يف كتاب احلج باب الطواف �أف�ضل �أم ال�صالة وطواف املجذوم ‪ ،71/5‬رقم‪.9031 :‬‬
‫((( اال�ستذكار ‪.355/13‬‬

‫‪343‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫اخلامتة‬

‫احلمد هلل على �إح�سانه‪ ،‬وال�شكر له على توفيقه وامتنانه‪ ،‬وعلى ما ي�سره من‬
‫جمع هذا البحث و�إمتامه‪ ،‬ويف ختامه �أعر�ض �أبرز ما تو�صلت له من نتائج على النحو‬
‫الآتي‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن الأ�سباب املبيحة للتيمم هي انعدام املاء‪� ،‬أو العجز عن ا�ستعماله‪ ،‬ومن‬
‫�صور العجز املر�ض الذي يخ�شى معه الهالك وتلف النف�س �أو تلف الع�ضو‪،‬‬
‫وكذلك ت�أخر الربء �أو زيادة الأمل ونحوه مما ال ي�صل حلد الهالك‪ ،‬وكذلك‬
‫اخلوف من الهالك �أو املر�ض ب�سبب �شدة الربد‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني‪ ،‬هي كل �سبب ورد عن النبي ﷺ‬
‫�أنه جمع لأجله‪ ،‬وغريه مما مياثله يف امل�شقة وحلوق ال�ضرر �أو الأذى بنف�سه‬
‫�أو غريه‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني �أثناء تطبيبه‬
‫ومتري�ضه يعتمد على ظروف عديدة منها‪ :‬نوع اللبا�س وم�شقة النزع‪ ،‬وكرثة‬
‫احلاالت‪ ،‬ومدى ارتفاع ن�سبة اخلطورة من العدوى‪ ،‬ومدى �إمكان ال�سيطرة‬
‫على املر�ض بالعالج واللقاحات‪.‬‬
‫‪�4.4‬أن جواز الرتخ�ص بالتيمم واجلمع بني ال�صالتني للممار�س ال�صحي له‬
‫حاالت هي‪:‬‬
‫�أ‪� -‬إذا كان املمار�س ال�صحي طاه ًرا ال يحتاج للو�ضوء‪ ،‬ويخ�شى من انتقا�ض‬
‫و�ضوئه‪� ،‬أو ميكنه الو�ضوء بال م�شقة تلحقه �أو تلحق غريه مما ذكر‪،‬‬
‫وميكنه اجلمع بني ال�صالتني بالفعل ال بالوقت ب�أن ي�ؤخر الظهر �إلى �آخر‬
‫وقتها ويقدم الع�صر لأول وقتها‪ ،‬ومثله يف املغرب والع�شاء‪ ،‬ف�إنه يجب عليه‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪344‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫مراعاة ذلك‪ ،‬و�إن �أمكنه الو�ضوء بال م�شقة تلحقه �أو تلحق غريه مما ذكر‪،‬‬
‫و�إيقاع ال�صالة يف وقتها فال يجوز له التيمم‪ ،‬وال اجلمع بني ال�صالتني‪ ،‬بل‬
‫ي�صلي كل �صالة يف وقتها �سوا ًء �أول الوقت‪� ،‬أو و�سطه‪� ،‬أو �آخره‪.‬‬
‫ب‪ -‬ف�إن كان ال ي�ستطيع اجلمع بينهما بالفعل‪ ،‬بل يحتاج �إلى جمع الأولى‬
‫مع الثانية يف وقت �إحداهما‪ ،‬ف�إنه يجمع ح�سب الأ�صلح حلاله تقد ًميا‬
‫وت�أخ ًريا‪.‬‬
‫ج‪ -‬ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء ونزع املالب�س‪ ،‬وي�ستطيع ال�صالة يف وقتها‪،‬‬
‫�أو اجلمع بالفعل ال بالوقت‪ ،‬ف�إنه يتيمم‪ ،‬وي�صلي ال�صالة يف وقتها‪،‬‬
‫�أو ي�صلي الأولى يف �آخر وقتها والثانية يف �أول وقتها‪ ،‬وال يلزمه �إعادة‬
‫ال�صالة‪.‬‬
‫د‪ -‬ف�إن كان هناك مانع من ا�ستعمال الرتاب كم�شقة نزع جهاز التنف�س لأجل‬
‫م�سح الوجه‪� ،‬أو اخلوف من انت�شار الوباء وانتقال الفايرو�س عن طريق‬
‫الرتاب‪ ،‬في�صلي بدون و�ضوء‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ف�إن كان ال ي�ستطيع الو�ضوء وال اجلمع بني ال�صالتني بالفعل‪ ،‬ف�إنه يتيمم‬
‫ويجمع بني الفر�ضني ح�سب الأ�صلح تقد ًميا وت�أخ ًريا‪ ،‬ف�إن كان ال ي�ستطيع‬
‫التيمم في�صلي من غري طهارة‪ ،‬وال جتب عليه الإعادة‪.‬‬
‫‪5.5‬يجوز للممار�س ال�صحي التخلف عن �صالة اجلمعة وعن اجلماعة �إذا كان‬
‫ح�ضوره يف ظل هذه الظروف من �سرعة االنت�شار‪ ،‬وح�صول العدوى‪ ،‬وعدم‬
‫وجود لقاح ميكن به حت�صني النا�س‪ ،‬قد يلحق الأذى بغريه‪ ،‬حماية للأنف�س‪،‬‬
‫ودف ًعا لل�ضرر والأذى عن الآخرين‪.‬‬
‫هذا واهلل �أعلم‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪.‬‬

‫‪345‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪2.2‬الإجماع لأبي بكر حممد بن �إبراهيم بن املنذر الني�سابوري‪ ،‬حتقيق �أبو حماد‬
‫�صغري �أحمد حنيف‪ ،‬مكتبة الذقان‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪١٤٢٠‬هـ‪.‬‬
‫‪3.3‬الأحكام ال�سلطانية لعلي بن حممد املاوردي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�4.4‬أحكام القر�آن البن العربي �أحكام القر�آن‪ ،‬لأبي بكر حممد بن عبداهلل الأندل�سي‬
‫املالكي املعروف بابن العربي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪.‬‬
‫‪5.5‬االختيار لتعليل املختار‪ ،‬عبداهلل بن حممود بن مودود املو�صلي احلنفي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪�6.6‬إرواء الغليل يف �أحاديث منار ال�سبيل‪ ،‬ملحمد نا�صر الدين الألباين‪� ،‬إ�شراف‪:‬‬
‫زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٣٩٩‬هـ‪.‬‬
‫‪7.7‬اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار وعلماء الأقطار فيما ت�ضمنه املوط�أ‬
‫من معاين الر�أي واالثار و�شرح ذلك كله بالإيجاز واالخت�صار‪ ،‬البن عبدالرب �أبي‬
‫عمر يو�سف بن عبداهلل بن عبدالرب النمري‪ ،‬اعتنى به‪ :‬د‪.‬عبداملعطي قلعجي‪،‬‬
‫ط‪ :‬دار قتيبة دم�شق‪ ،‬دار الوعي‪ ،‬حلب ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الأولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�8.8‬أ�سنى املطالب �شرح رو�ض الطالب‪� ،‬أبو يحيى زين الدين زكريا بن حممد بن‬
‫زكريا الأن�صاري‪ ،‬دار الكتاب الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪9.9‬الأ�شباه والنظائر جلالل الدين عبدالرحمن ال�سيوطي‪� ،‬ضبطه‪ :‬خالد عبدالفتاح‬
‫�أبو �سليمان‪ ،‬ط‪ :‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الأولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1010‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬عالء الدين �أبو احل�سن �سليمان‬
‫املرداوي‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح احللو‪ ،‬ط‪ :‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الريا�ض‪1432 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪346‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫‪1111‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬لزين الدين بن �إبراهيم بن حممد ال�شهري‬
‫بابن جنيم‪ ،‬ومعه حا�شية ابن عابدين‪ :‬منحة اخلالق‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتاب الإ�سالمي‪،‬‬
‫ط‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫‪1212‬البحر املحيط‪ ،‬لبدر الدين بن حممد بن بهادر الزرك�شي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتبي‪،‬‬
‫الأولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1313‬بدائع ال�صنائع بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬لعالء الدين �أبي بكر بن‬
‫م�سعود بن �أحمد الكا�ساين‪،‬‬
‫‪1414‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ ،‬لأبي الوليد حممد بن �أحمد بن حممد بن ر�شد‬
‫القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي حممد معو�ض‪ ،‬عادل �أحمد عبداملوجود‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪١٤٢٢‬هـ‪.‬‬
‫‪1515‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬لبدر الدين العيني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى‪١٤٢٠‬هـ‪.‬‬
‫‪1616‬البيان يف مذهب ال�شافعي‪ ،‬لأبي احل�سن يحيى بن �أبي احل�سني العمراين‪ ،‬دار‬
‫املنهاج‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪١٤٢١‬هـ‪.‬‬
‫‪1717‬التاج والإكليل ملخت�صر خليل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن يو�سف العبدري ال�شهري‬
‫باملواق‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪١٤١٦‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬التب�صرة لأبي احل�سن علي بن حممد اللخمي‪ ،‬حتقيق‪ :‬دار �أحمد جنيب‪ ،‬وزارة‬
‫الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بدولة قطر‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤٣٢‬هـ‪.‬‬
‫‪1919‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫‪2020‬حتفة املحتاج �شرح املنهاج‪� ،‬شهاب الدين �أحمد بن حممد بن حجر الهيثمي‪،‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪2121‬التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري‪ ،‬للإمام �أحمد بن علي‬
‫الع�سقالين‪ ،‬ط‪ :‬م�ؤ�س�سة قرطبة‪.‬‬

‫‪347‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫‪2222‬التمهيد ملا يف املوط�أ من املعاين والأ�سانيد للحافظ �أبي عمر يو�سف بن عبداهلل‬
‫ابن حممد بن عبدالرب‪ ،‬حتقيق‪� :‬أ�سامة بن �إبراهيم‪ ،‬ط‪ :‬الفاروق احلديثة‪،‬‬
‫الثالثة ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪2323‬اجلوهرة النرية‪ ،‬لأبي بكر بن علي بن حممد احلدادي العبادي‪ ،‬املطبعة‬
‫اخلريية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٣٢٢‬هـ‪.‬‬
‫‪2424‬حا�شية اجلمل على �شرح املنهج‪ ،‬املعروفة بفتوحات الوهاب بتو�ضيح �شرح منهج‬
‫الطالب‪� ،‬سليمان اجلمل‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪2525‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪� ،‬شم�س الدين حممد بن �أحمد بن عرفة‬
‫الد�سوقي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪2626‬حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين‪ ،‬علي ال�صعيدي العدوي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪١٤١٤ :‬هـ‪.‬‬
‫‪2727‬احلاوي الكبري �شرح خمت�صر املزين يف فقه الإمام ال�شافعي‪ ،‬لأبي احل�سن‬
‫علي بن حممد بن حبيب املاوردي ال�شافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي معو�ض‪ ،‬عادل �أحمد‬
‫عبداملوجود‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬درر احلكام درر احلكام �شرح غرر الأحكام‪ ،‬للقا�ضي حممد بن فراموز ال�شهري‬
‫مبنالخ�سرو �أو مالخ�سرو‪ ،‬دار �إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪2929‬الذخرية‪ ،‬ل�شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س القرايف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى ‪١٤٢٢‬هـ‪.‬‬
‫‪3030‬رد املحتار على الدر املختار يف �شرح تنوير الأب�صار حا�شية ابن عابدين‪ ،‬حممد‬
‫بن �أمني بن عمر ابن عابدين‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪١٤١٢‬هـ‪.‬‬
‫‪3131‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني للإمام �أبي زكريا يحيى بن �شرف النووي‪،‬‬
‫�إ�شراف‪ :‬زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬ط‪ :‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬الثالثة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3232‬رو�ضة الناظر وجنة املناظر‪ ،‬ملوفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالكرمي النملة‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الرابعة‪1416 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪348‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫‪�3333‬سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة‪ ،‬حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتبة املعارف‪،‬‬


‫الريا�ض‪ ،‬ط‪١٤١٥ :‬هـ‪.‬‬
‫‪�3434‬سنن ابن ماجه للإمام �أبي عبداهلل حممد بن يزيد ابن ماجة �إ�شراف‪ :‬د �صالح‬
‫�آل ال�شيخ‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪3535‬ال�سنن الكربى‪ ،‬لأبي بكر �أحمد بن احل�سني بن علي البيهقي‪ ،‬جمل�س دائرة‬
‫املعارف النظامية‪ ،‬يف الهند حيدر �آباد‪١٣٤٤ ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�3636‬سنن الرتمذي ملحمد بن عي�سى بن �سورة الرتمذي‪� ،‬إ�شراف‪ :‬د �صالح �آل ال�شيخ‪،‬‬
‫دار ال�سالم‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�3737‬سنن الدارقطني للحافظ علي بن عمر الدارقطني‪ ،‬حتقيق و�ضبط‪ :‬ح�سن‬
‫عبداملنعم �شلبي‪ ،‬جمال عبداللطيف‪ ،‬ط‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الأولى‪،‬‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪�3838‬سنن �أبي داود �سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين‪� ،‬إ�شراف‪ :‬د �صالح �آل ال�شيخ‪،‬‬
‫دار ال�سالم‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�3939‬سنن الن�سائي للإمام �أبي عبدالرحمن �أحمد بن �شعيب الن�سائي‪� ,‬إ�شراف‪ :‬د‬
‫�صالح �آل ال�شيخ‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬ال�شرح الكبري ل�شم�س الدين �أبي الفرج عبدالرحمن بن حممد ابن قدامة‬
‫املقد�سي‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح احللو‪ ،‬ط‪ :‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الريا�ض‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪� 4141‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬حممد عبداهلل اخلر�شي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪�4242‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي �شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي‪،‬‬
‫�شم�س الدين حممد بن عبداهلل الزرك�شي‪ ،‬اعتنى به‪ :‬عبداملنعم �إبراهيم‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪١٤٢٣‬هـ‬
‫‪�4343‬شرح �صحيح م�سلم للإمام �أبي زكريا يحيى بن �شرف النووي‪ .‬ط‪ :‬الأولى‪،‬‬
‫‪1349‬هـ‪ .‬املطبعة امل�صرية بالأزهر‪.‬‬

‫‪349‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫‪�4444‬شرح منتهى الإرادات امل�سمى بدقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى‪ ،‬من�صور بن‬
‫يون�س البهوتي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤١٤‬هـ‪.‬‬
‫‪�4545‬صحيح �سنن �أبي داود‪ ،‬حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى ‪١٤١٩‬هـ‪.‬‬
‫‪�4646‬صحيح م�سلم للإمام �أبي احل�سني م�سلم بن احلجاج بن م�سلم الق�شريي‬
‫الني�سابوري‪� ،‬إ�شراف‪ :‬د �صالح �آل ال�شيخ‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط الثانية‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�4747‬ضعيف �سنن الرتمذي‪ ،‬ملحمد بن نا�صر الدين الألباين‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة املعارف‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الأولى ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪4848‬العلل للحافظ �أبي حممد عبدالرحمن بن �أبي حامت الرازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬فريق من‬
‫الباحثني‪ ،‬ط‪ :‬م�ؤ�س�سة اجلري�سي‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪4949‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬حممد بن حممود البابرتي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪5050‬الغرر البهية يف �شرح البهجة الوردية‪� ،‬أبو يحيى زكريا الأن�صاري‪ ،‬ط‪ :‬امليمنية‪.‬‬
‫‪5151‬غمز عيون الب�صائر يف �شرح الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لأحمد بن حممد احلموي‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬الأولى ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪5252‬الفتاوى الكربى‪ ،‬ل�شيخ الإ�سالم تقي الدين �أحمد بن عبداحلليم بن تيمية‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤٠٨‬هـ‪.‬‬
‫‪5353‬فتح القدير �شرح الهداية‪ ،‬لكمال الدين حممد بن عبدالواحد الإ�سكندري‬
‫ال�سيوا�سي‪ ،‬املعروف بابن همام‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪5454‬الفروع‪ ،‬ل�شم�س الدين �أبو عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الرابعة ‪١٤٠٠‬هـ‪.‬‬
‫‪5555‬الفواكه الدواين على ر�سالة �أبي زيد القريواين‪ ،‬لأحمد بن غنيم بن �سامل‬
‫النفراوي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪١٤١٥ :‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪350‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫‪5656‬القامو�س املحيط‪ ،‬ملجد الدين حممد يعقوب الفريوز �آبادي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب‬
‫الرتاث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة ‪١٤١٣‬هـ‪.‬‬
‫‪5757‬القواعد يف الفقه لأبي الفرج عبدالرحمن البغدادي‪ ،‬ال�شهري بابن رجب‬
‫احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪� :‬إياد القي�سي‪ ،‬ط‪ :‬دار الأفكار الدولية‪ ،‬لبنان‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪5858‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام‪ ،‬للإمام عز الدين عبدالعزيز بن عبدال�سالم‪،‬‬
‫ط‪� :‬أم القرى‪.‬‬
‫‪5959‬ك�شاف القناع ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ ،‬من�صور بن يون�س البهوتي‪ ،‬دار‬
‫الفكر عامل الكتب‪١٤٠٢ ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6060‬ل�سان العرب جلمال الدين حممد بن مكرم ابن منظور‪ ،‬دار الفكر ط‪ :‬الأولى‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪6161‬املبدع �شرح املقنع‪ ،‬لأبي �إ�سحاق برهان الدين �إبراهيم بن حممد بن مفلح‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤١٨‬هـ‪.‬‬
‫‪6262‬املب�سوط‪ ،‬ل�شم�س الأئمة �أبي بكر بن حممد بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي‪،‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪١٤١٤ ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6363‬جممع الأنهر يف �شرح ملتقى الأبحر‪ ،‬عبدالرحمن بن ال�شيخ حممد بن �سليمان‬
‫�شيخي زادة املعروف بداماد �أفندي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث‪.‬‬
‫‪6464‬املجموع �شرح املهذب للإمام �أبي زكريا حميي الدين بن �شرف النووي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد جنيب املطيعي‪ ،‬ط‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪6565‬املدونة‪ ،‬للإمام مالك بن �أن�س بن مالك الأ�صبحي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الأولى‪ 1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6666‬امل�ستدرك على ال�صحيحني للإمام �أبي عبداهلل حممد بن عبداهلل احلاكم‬
‫الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى عبدالقادر عطا‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ :‬الأولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪351‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫‪6767‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬م�ؤ�س�سة قرطبة‪ ،‬م�صر‪.‬‬


‫‪6868‬امل�صباح املنري يف غريب ال�شرح الكبري‪ ،‬لأحمد بن حممد بن علي الفيومي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫‪6969‬امل�صنف للحافظ �أبي بكر عبدالرزاق بن همام ال�صنعاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب‬
‫الرحمن الأعظمي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪ :‬الثانية ‪١٤٠٣‬هـ‪.‬‬
‫‪7070‬املغرب يف ترتيب املعرب‪� ،‬أبو الفتح نا�صر بن عبدال�سعيد بن علي املطرازي‪،‬‬
‫دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪7171‬املغني �شرح خمت�صر اخلرقي‪ ،‬لأبي حممد موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن‬
‫قدامة املقد�سي‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬ط‪١٣٨٨ :‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7272‬مغني املحتاج �إلى معرفة �ألفاظ املنهاج‪ ،‬ل�شم�س الدين حممد بن �أحمد‬
‫ال�شربيني اخلطيب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤١٥‬هـ‪.‬‬
‫‪7373‬املقنع ملوفق الدين �أبي حممد عبداهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي‪ ،‬حتقيق‬
‫د‪ .‬عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح احللو‪ ،‬ط‪ :‬دار عامل الكتب‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7474‬املقدمات املمهدات لبيان ما اقت�ضته ر�سوم املدونة من الأحكام ال�شرعيات و‬
‫التح�صيالت املحكمات لأمهات م�سائلها امل�شكالت‪ ،‬لأبي الوليد حممد بن �أحمد‬
‫بن ر�شد القرطبي‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤٠٨‬هـ‪.‬‬
‫‪7575‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬لأبي الوليد �سليمان بن خلف الباجي الأندل�سي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫‪7676‬منح اجلليل منح اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد‬
‫املعروف بال�شيخ علي�ش‪ ،‬دار الفكر‪. ،‬ط‪١٤٠٩ :‬هـ‪.‬‬
‫‪7777‬املوط�أ للأمام مالك بن �أن�س‪ ،‬برواية يحيى الليثي حتقيق‪ :‬ب�شار عواد‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫الغرب الإ�سالمي‪ ،‬الثانية‪1417 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪352‬‬


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

‫‪7878‬مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن حممد بن‬
‫عبدالرحمن الرعيني املعروف باحلطاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة ‪١٤١٢‬هـ‬
‫‪7979‬مقايي�س اللغة لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا‪ ،‬بتحقيق‪ :‬عبدال�سالم‬
‫حممد هارون‪ ،‬ط‪ :‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪8080‬موقع منظمة ال�صحة العاملية على ال�شبكة العنكبوتية‪.‬‬
‫‪8181‬موقع منظمة التعاون الإ�سالمي‪ :‬على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23343&t_ref=13985&lan=ar‬‬
‫‪8282‬موقع وزارة ال�صحة ال�سعودية على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/‬‬
‫‪Corona/Pages/corona.aspx‬‬
‫‪8383‬املو�سوعة الفقهية املي�سرة‪ .‬د حممد روا�س قلعة جي‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪ ،1426‬بريوت‪.‬‬
‫‪8484‬نظام مزاولة املهن ال�صحية ال�صادر باملر�سوم امللكي رقم (م‪ )95/‬وتاريخ‬
‫‪1426/11/4‬هـ‪ ،‬على الرابط‪https://cutt.us/d4y7D :‬‬
‫‪8585‬النهاية يف غريب احلديث والأثر النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬جمد الدين‬
‫�أبي ال�سعادات املبارك بن حممد اجلزري ابن الأثري علي بن ح�سن عبداحلميد‬
‫احللبي الأثري‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى ‪١٤٢١‬هـ‪.‬‬
‫‪8686‬نهاية املطلب يف دراية املذهب‪ ،‬للإمام عبدامللك بن عبداهلل اجلويني‪ ،‬حتقيق‬
‫عبدالعظيم الديب‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة ‪١٤٣٢‬هـ‪.‬‬
‫‪8787‬نيل الأوطار �شرح منتقى الأخبار‪ ،‬ملحمد بن علي ال�شوكاين‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬ط‪:‬‬
‫الأولى ‪١٤١٣‬هـ‪.‬‬
‫املراجع الأجنبية‪:‬‬
‫‪1. Augmented Biological P.P.E Training- <https://www.youtube.‬‬
‫>‪com/watch?v=rNfcwA6ihfc‬‬

‫‪353‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫ هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬.‫د‬

2. Centers for Disease Control and Prevention. 2020. Coronavirus


Disease 2019 (COVID-19). [online] Available at: <https: //www.
cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/hcp/respirator-use-faq.html>
[Accessed 4 June 2020].
3. COVID-19: personal protective equipment use for aerosol
generating procedures at: <https://www.gov.uk/government/
publications/covid-19-personal-protective-equipment-use-
for-aerosol-generating-procedures#attachment-4254631-
accessibility-request>
4. Fifield, A. (2020). In Wuhan’s virus wards, plenty of stress but
shortages of everything else. Retrieved 5 June 2020, from <https:
//www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/in-wuhans-
virus-wards-plenty-of-stress-but-shortages-of-everything-
else/2020/01/24/ba1c70f0-3ebb-11ea-afe2-090eb37b60b1_
story.html>
5. Maney, M., 2020. Respiratory Protection Program.
[online] Hopkinsmedicine.org. Available at: <https://www.
hopkinsmedicine.org/hse/respiratory_protection_program/>
[Accessed 4 June 2020].
6. National Center for Immunization and Respiratory Diseases
(NCIRD). 2020. Coronavirus Disease 2019 (COVID-19).
[online] Available at: <https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-
ncov/hcp/using-ppe.html> [Accessed 4 June 2020].
7. News, C., & News, B. (2020). Bengaluru: To save PPE, doctors
& nurses wear diapers, avoid drinking water | Bengaluru
News - Times of India. Retrieved 5 June 2020, from <https:
//timesofindia.indiatimes.com/city/bengaluru/bengaluru-to-
save-ppe-doctors-nurses-wear-diapers-avoid-drinking-water/
articleshow/75019145.cms>
8. Petras, G. and Loehrke, J., 2020. PPE: Types Of Personal
Protective Equipment Used To Combat COVID-19. [online]
Usatoday.com. Availabl at: <https://www.usatoday.com/in-
depth/news/2020/03/31/coronavirus-protection-what-health-

‫العدد احلادي واخلمسون‬ 354


‫ترخّص املمارس الصحي بالتيمم واجلمع بني الصالتني‬

‫والتخلف عن اجلمعة واجلماعة يف ظل انتشار فايروس كورونا‬

care-workers-need-stay-safe/2917179001/> [Accessed 4 June


2020].
9. Groth, L., 2020. This Is Why Personal Protective Equipment
Is So Important During The Coronavirus Outbreak. [online]
Health.com. Available at: <https://www.health.com/condition/
infectious-diseases/coronavirus/what-is-ppe> [Accessed 4 June
2020].
10. Principles of Epidemiology, Third Edition (PDF). Atlanta,
Georgia: Centers for Disease Control and Prevention. 2012
11. uvex xpertblog. 2020. How To Put On A Protective Suit Correctly
- Video & Checklist | Uvex Safety. [online] Available at: <https:
//www.uvex-safety.com/blog/how-to-put-on-a-protective-suit-
correctly/> [Accessed 4 June 2020].
12. Verbeek, J., Rajamaki, B., Ijaz, S., Sauni, R., Toomey, E.,
Blackwood, B., Tikka, C., Ruotsalainen, J. and Kilinc Balci,
F., 2020. Personal Protective Equipment For Preventing Highly
Infectious Diseases Due To Exposure To Contaminated Body
Fluids In Healthcare Staff.
13. Working together for health: The World Health Report. (2006).
World Health Organization (WHO).
14. Coronavirus. (2020). Retrieved 13 June 2020, from
https://www.who.int/health-topics/coronavirus#tab=tab_1

355 ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬هتاني بنت عبداهلل اخلنيين‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة‪297 .........................................................................‬‬
‫التمهيد‪ :‬التعريف مب�صطلحات عنوان البحث‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪302 ............ :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الرتخ�ص ‪302 ............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف املمار�س ال�صحي ‪303 ...................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف الوباء ‪305 ...............................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التعريف بوباء كورونا (كوفيد‪306 ........................ )19-‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ترخ�ص املمار�س ال�صحي بالتيمم‪ ،‬واجلمع بني ال�صالتني؛ فرتة‬
‫معاجلة وباء كورونا (كوفيد‪ ،)19-‬وفيه ثالثة مطالب‪312 ................. :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬الأ�سباب املبيحة للتيمم ‪313 ......................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الأ�سباب املبيحة للجمع بني ال�صالتني ‪322 ......................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التيمم واجلمع بني ال�صالتني للمار�س ال�صحي فرتة معاجلة‬
‫وباء كوفيد‪331 ..........................................................19-‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التخلف عن اجلمعة واجلماعة للمار�س ال�صحي زمن انت�شار وباء‬
‫كوفيد‪340 .............................................................. 19-‬‬
‫اخلامتة ‪344 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪346 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪356‬‬


‫الصالة مع اإلمام عبر البث المباشر‬
‫دراسة فقهية تأصيلية‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫عبدالعزيز بن ر�شيد الغازي‬
‫حما�رض يف ق�سم الفقه املقارن ‪ -‬املعهد العايل للق�ضاء‬
‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪358‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬الذي له الأمر يف الأولى والآخرة‪ ،‬وله احلكم و�إليه‬
‫ترجعون‪ ،‬وال�صالة على ر�سولنا النبي الأمي الذي جنده مكتو ًبا عندهم يف التوراة‬
‫والإجنيل‪ ،‬ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر‪ ،‬وي�ضع الآ�صار والأغالل التي كانت‬
‫عليهم‪� ،‬صلى اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه �أجمعني؛ �أما بعد‪:‬‬
‫فهذا بحث يف م�س�ألة ال�صالة جماعة مع �إمام عرب البث املبا�شر؛ وهي من امل�سائل‬
‫التي �شاعت وظهر الكالم فيها وانت�شر حني مر العامل ب�أزمة وبالء غري م�سبوق؛ �أزمة‬
‫فريو�س كورونا عام �ألف و�أربعمائة وواحد و�أربعني من هجرة امل�صطفى ‪‬؛‬
‫متاما من �إقامة ال�صالة فيها جماعة‪ ،‬يف �إجراء احرتازي لعدم‬ ‫ف ُع ّطلت امل�ساجد ً‬
‫تو�سع البالء وانت�شاره‪ ،‬ودخل �شهر رم�ضان والأمر كذلك‪ ،‬فلم تقم �صلوات الفرو�ض‬
‫والرتاويح يف امل�ساجد‪ ،‬و�إمنا �صالها النا�س يف البيوت‪ ،‬عدا احلرمان ال�شريفان‬
‫حفظهما اهلل من كل �سوء‪ ،‬و�أدامهما حمفوظني؛ فقد �صليت فيهما ال�صلوات جمي ًعا؛‬
‫والرتاويح كذلك ب�أعداد ي�سرية جدً ا‪.‬‬
‫وخالل ذلك؛ ظهر الكالم عن م�س�ألة ال�صالة مع �إمام احلرم عرب البث املبا�شر‪،‬‬
‫فكان هذا البحث الي�سري يف الأ�صول ال�شرعية املتعلقة بامل�س�ألة‪ ،‬وكالم الفقهاء يف‬
‫نظائرها‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫يظهر ذلك من جوانب؛ هي‪:‬‬

‫‪359‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫‪1.1‬كون املو�ضوع وا�سع االنت�شار �أثناء الأزمة‪ ،‬واحلاجة �إليه ظاهرة‪ ،‬يف �صحة‬
‫ال�صالة وبطالنها‪.‬‬
‫‪2.2‬قلة كالم الفقهاء املتقدمني يف مثل هذا املو�ضوع بعينه‪ ،‬لكون �إمكانية املتابعة‬
‫عرب البث �أمر حادث ونازل‪.‬‬
‫‪�3.3‬أنّ كالم املعا�صرين فيه قليل؛ وعامته فتاوى خمت�صرة �إجابة ل�س�ؤال‬
‫امل�ستفتني‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫وقفت عليه يف بع�ض متعلقات املو�ضوع ما يلي‪:‬‬
‫مما ُ‬
‫‪1.1‬ر�سالة‪« :‬الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع»؛ لأبي الفي�ض؛‬
‫�أحمد بن حممد الغماري‪( ،‬ت‪ 1380 :‬هـ)‪.‬‬
‫ن�صر فيها جواز �صالة اجلمعة يف املنزل متابعة للمذياع‪ ،‬وهذه الر�سالة من‬
‫�أ�شهر ما ُكتب يف املو�ضوع‪ ،‬مطبوعة يف م�صر‪ ،‬وتقع يف ‪� 73‬صفحة من القطع‬
‫املتو�سط‪.‬‬
‫‪2.2‬فتاوى وكتابات من�شورة يف ال�شبكة العنكبوتية؛ وهي ال ُتع ّد من قبيل البحوث‬
‫العلمية‪ ،‬بل من قبيل الفتاوى �أو الردود عليها‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬توثيق الأقوال والنقول من امل�صادر الأ�صيلة‪.‬‬
‫خارجا عن ال�صحيحني‪.‬‬
‫‪2.2‬تخريج الأحاديث النبوية‪ ،‬واحلكم على ما كان ً‬
‫‪3.3‬ذكر الأقوال الفقهية وعزوها‪ ،‬و�أدلة الأقوال وتوثيقها‪ ،‬والإجابة عليها‪.‬‬
‫‪4.4‬الرتجيح يف امل�سائل االجتهادية‪ ،‬بعد �سياق �أقوال الفقهاء فيها‪.‬‬
‫‪5.5‬التعريف بالأعالم غري امل�شهورين‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪360‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫‪6.6‬ختم البحث بخامتة فيها �أبرز نتائجه؛ يليه فهر�س م�صادر البحث ومراجعه‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫انتظم الكالم يف هذا البحث يف مقدمة ومتهيد و�أربعة مباحث وخامتة وفهار�س‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬وفيه التعريف بامل�س�ألة وتاريخها‪ .‬ويليه �أربعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬الأ�صول ال�شرعية التي ترجع �إليها امل�س�ألة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪� :‬أ�صول الفقهاء يف باب الإمامة واالئتمام‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ن�صو�ص الفقهاء املعا�صرين يف امل�س�ألة‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ُ :‬حكم امل�س�ألة‪.‬‬
‫ثم اخلامتة والفهار�س‪.‬‬
‫واهلل تعالى املوفق‪..‬‬

‫‪361‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫التمهيد‬
‫التعريف بامل�س�ألة وتاريخها‬
‫املطلب الأول‬
‫التعريف بامل�س�ألة‬

‫إمام‬
‫املق�صود بامل�س�ألة حمل البحث هي �صالة امل�أموم يف بيته �أو نحو ذلك مع � ٍ‬
‫بعيد يف مكان �آخر‪ ،‬ومتابعته عرب التلفاز �أو املذياع ونحو ذلك‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫�ضابط امل�س�ألة‬

‫�ضابط امل�س�ألة هو يف �صالة امل�أموم مع �إمامه ومتابعته له عرب التلفاز واملذياع‬


‫ونحوها من و�سائل البث املبا�شر‪ ،‬وال يجمعهما مكا ٌن واح ٌد على احلقيقة‪.‬‬
‫وعلى هذا؛ فال يدخل يف امل�س�ألة املكانُ املجاور القريب للم�سجد‪� ،‬أو باحة امل�سجد‬
‫وفنائه وما ُح ِكم عر ًفا االت�صال به مع جماعة امل�صلني خلف الإمام؛ حتى لو تابعوه‬
‫عرب البث يف �شا�شة ونحوها‪.‬‬
‫و�إمنا الكالم على امل�صلي الذي ال يجمعه ب�إمامه مكان واحد؛ بل بينهما امل�سافات‬
‫الكبرية؛ والديار املتباعدة‪ ،‬ولكنه يرى �صالة الإمام ومن معه بالبث املبا�شر؛ كمن‬
‫ي�صلي مع �إمام احلرم املكي وهو يف جند �أو يف ال�شام �أو م�صر‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫تاريخ امل�س�ألة‬

‫هذه امل�س�ألة حادثة ومعا�صرة؛ وذلك �أن و�سائل البث املبا�شر عرب الآفاق املتباعدة‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪362‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫غري معهودة �ساب ًقا‪ ،‬و�إمنا تكلم الفقهاء على م�سائل متعلقة بالإئتمام يف امل�سجد‬
‫والرحبة اخلارجة عنه والدار املال�صقة له‪ ،‬وما نحا نحو ذلك‪.‬‬
‫متاما؛ و�إمنا تكلم عليها بع�ضهم حني خرج‬
‫ومع ذلك فلي�ست جديدة الوقوع ً‬
‫املذياع ونحوه؛ و أ� ّلف بع�ض املغاربة ر�سالة فيها(((‪.‬‬
‫ور ّد على هذه الر�سالة جملة من العلماء؛ منهم مفتي الديار امل�صرية ال�شيخ‬
‫حممد بن بخيت املطيعي(((؛ وال�شيخ عبدالرحمن بن نا�صر ال�سعدي‪.‬‬
‫ثم �أثريت امل�س�ألة ب�شكل وا�سع �أثناء �أزمة فايرو�س كورونا يف الن�صف الأخري من‬
‫عام ‪1441‬هـ‪ ،‬حني دخل �شهر رم�ضان وامل�ساجد معطل ٌة عن �إقامة اجلمعة واجلماعة‬
‫والرتاويح يف �إجراء احرتازي ملنع اختالط النا�س وتقاربهم‪.‬‬
‫ف ُكتب فيها �أثناء ذلك ر�سائل خمت�صرة من بع�ض طلبة العلم‪ ،‬وخرجت بع�ض‬
‫الفتاوى كذلك‪.‬‬

‫((( هو �أبو الفي�ض؛ �أحمد بن حممد الغماري من �أهل طنجة (ت‪1380 :‬هـ)؛ �أ ّلف ر�سالة بعنوان‪« :‬الإقناع‬
‫ب�صحة �صالة اجلمعة عرب املذياع»‪.‬‬
‫((( حممد بخيت بن ح�سني املطيعي؛ مفتي الديار امل�صرية‪ ،‬ومن كبار فقهائها‪ ،‬ولد يف بلدة (املطيعة) من‬
‫�أعمال �أ�سيوط‪ .‬وتعلم يف الأزهر‪ ،‬وا�شتغل بالتدري�س فيه‪ ،‬وانتقل �إلى الق�ضاء ال�شرعي �سنة ‪1297‬هـ‪،‬‬
‫وكان مفت ًيا للديار امل�صرية من عام (‪1339 - 1333‬هـ)‪ ،‬تويف عام ‪1354‬هـ‪ .‬الأعالم للزركلي (‪.)50/6‬‬

‫‪363‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫املبحث الأول‬
‫الأ�صول ال�شرعية التي ترجع �إليها امل�س�ألة‬

‫املطلب الأول‬
‫مبنى العبادات على ال�شرع واالتباع‬

‫فالعبادات الأ�صل فيها التوقيف واحلظر واملنع(((؛ وهذه قاعدة عظيمة يف ال ّدين؛‬
‫فال يجوز الإحداث يف العبادات وال تغيري نظامها وال هيئتها وال �صفتها وال اخرتاع‬
‫�شيء فيها من غري برهان وبيان و�إذن من اهلل تعالى ور�سوله؛ كما قال اهلل تعايل‪:‬‬
‫(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [ال�شورى‪.]21 :‬‬
‫و�أنّ البدعة يف الدين �إمنا جاءت يف نق�ض هذا الأ�صل والتطاول عليه‪ ،‬والتقدم‬
‫بني يدي اهلل ور�سوله‪ ،‬وا�ستح�سان الإن�سان مب�ستم�سك وا ٍه لو ًنا من العبادات‪� ،‬أو هيئ ًة‬
‫التفات �إلى كون ذلك مما �أذن اهلل ‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫�أو �صف ًة �أو ً‬
‫نظاما جديدً ا لها‪ ،‬من غري‬
‫فيه ح ًقا �أم مل ي�أذن به‪.‬‬
‫(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫و�أن االتباع ال�صحيح لل�شرع هو �سبيل النجاة؛‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [اجلاثية‪.]18 :‬‬
‫ويف ال�صحيح عن عائ�شة ‪� ‬أنّ النبي ﷺ‪«َ :‬منْ َ أ� ْح َد َث فيِ َ �أ ْم ِر َنا َه َذا َما َل ْي َ�س‬
‫ِم ْن ُه َف ُه َو َر ٌّد»(((‪.‬‬
‫وهذا احلديث هو �أحد الأحاديث التي عليها مدار الدين كما ن�ص عليه �أئمة الإ�سالم(((‪.‬‬
‫((( جمموع فتاوى ابن تيمية (‪.)29/17‬‬
‫((( متفق عليه؛ رواه البخاري‪ ،‬كتاب ال�صلح‪ ،‬باب �إذا ا�صطلحوا على �صلح جور فال�صلح مردود (‪،)2697‬‬
‫وم�سلم‪ ،‬كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب نق�ض الأحكام الباطلة‪ ،‬ورد حمدثات الأمور (‪.)1718‬‬
‫((( ذكر ذلك الإمام �أبو عبيد القا�سم بن �سالم‪ ،‬والإمام �أحمد‪ ،‬و�إ�سحاق بن راهويه‪ ،‬و�أبو داود ال�سج�ستاين‬
‫وغريهم‪ .‬جامع العلوم واحلكم البن رجب (‪.)61/1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪364‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫ولذا يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪“ :‬العبادات مبناها على ال�شرع واالتباع‪ ،‬ال‬
‫على الهوى واالبتداع”(((‪.‬‬
‫وقال‪“ :‬ولهذا قال الفقهاء‪ :‬العبادات مبناها على التوقيف”(((‪.‬‬
‫وقال �أي�ضً ا‪“ :‬الأعمال الدينية ال يجوز �أن يتخذ منها �شي ٌء �سب ًبا �إال �أن تكون‬
‫م�شروعة؛ ف�إن العبادات مبناها على التوقيف”(((‪.‬‬
‫كالم ينا�سب ما نحن فيه من م�س�ألتنا‪“ :‬قد ُمنعنا‬‫ويقول ابن دقيق العيد يف ٍ‬
‫�إحداث ما هو �شعا ٌر يف الدين‪ ،‬ومثاله‪ :‬االجتماع و�إقامة �شعاره يف وقت خم�صو�ص‬
‫�شرعا‪ ،‬وقريب من ذلك‪� :‬أن تكون العبادة من جهة‬ ‫على �شيء خم�صو�ص مل يثبت ً‬
‫ال�شرع مرتبة على وجه خم�صو�ص‪ ،‬فرييد بع�ض النا�س‪� :‬أن يحدث فيها �أم ًرا �آخر‬
‫مل يرد به ال�شرع‪ ،‬زاع ًما �أنه ُيدرجه حتت عموم‪ ،‬فهذا ال ي�ستقيم؛ لأن الغالب على‬
‫العبادات التعبد‪ ،‬وم�أخذها التوقيف”(((‪.‬‬
‫وقال كذلك يف احلديث ال�ضعيف �إذا جاء با�ستحباب �شيء خم�صو�ص يف‬
‫العبادات‪“ :‬يحتمل �أن يقال‪� :‬إنه م�ستحب؛ لدخوله حتت العمومات املقت�ضية لفعل‬
‫اخلري‪ ،‬وا�ستحباب ال�صالة‪.‬‬
‫ويحتمل �أن ُيقال‪� :‬إن هذه اخل�صو�صيات بالوقت �أو باحلال والهيئة‪ ،‬والفعل‬
‫خا�ص يقت�ضي ا�ستحبابه بخ�صو�صه؛ وهذا �أقرب”(((‪.‬‬
‫دليل ٍ‬
‫املخ�صو�ص‪ :‬يحتاج �إلى ٍ‬
‫ق�صة عبداهلل بن م�سعود ‪ ‬مع القوم الذين اجتمعوا يف امل�سجد للت�سبيح‬ ‫ويف ّ‬
‫وذكر اهلل على هيئة معينة؛ ما ُيبينّ الت�شديد يف �أمور العبادات والإحداث فيها‪ ،‬و�شدة‬
‫((( جمموع الفتاوى (‪.)80/1‬‬
‫((( جمموع الفتاوى (‪.)334 /1‬‬
‫((( جمموع الفتاوى (‪.)137 /1‬‬
‫((( �إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام (‪ )200 /1‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫((( �إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام (‪.)200 /1‬‬

‫‪365‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫حتذير �سلف الأمة من مثل ذلك؛ و�أنّ هذا الباب ينبغي التثبت فيه غاية التثبت‪،‬‬
‫فلي�س هو من جن�س �أبواب املعامالت واملطعومات والعاديات وما كان الأ�صل فيه احل ّل‬
‫والإذن وال�سماح‪.‬‬
‫اب َع ْب ِدالهلِ ِ ْب ِن َم ْ�س ُع ٍود ‪َ ،‬ق ْب َل‬ ‫َع ْن َع ْم ُرو ْب ِن َ�س َل َم َة َق َال‪ُ :‬ك َّنا نجَ ْ ِل ُ�س َع َلى َب ِ‬
‫الَ ْ�ش َع ِر ُّي‬ ‫و�سى ْ أ‬ ‫َ�صلاَ ِة ا ْل َغ َدا ِة‪َ ،‬ف إِ� َذا َخ َر َج‪َ ،‬م َ�ش ْي َنا َم َع ُه ِ إ� َلى المْ َ ْ�س ِج ِد‪َ ،‬ف َجا َء َنا َ أ� ُبو ُم َ‬
‫‪َ ‬ف َق َال‪ :‬أَ� َخ َر َج إِ� َل ْي ُك ْم َ�أ ُبو َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن؟ ُق ْل َنا‪ :‬اَل‪َ ،‬ب ْع ُد‪َ ،‬ف َج َل َ�س َم َع َنا َحتَّى َخ َر َج‪،‬‬
‫و�سى‪َ :‬يا �أَ َبا َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن‪�ِ ،‬إنيِّ َر َ أ� ْي ُت فيِ‬ ‫َف َل َّما َخ َر َج‪ُ ،‬ق ْم َنا �ِإ َل ْي ِه َجمِ ي ًعا‪َ ،‬ف َق َال َل ُه �أَ ُبو ُم َ‬
‫المْ َ ْ�س ِج ِد آ� ِن ًفا أَ� ْم ًرا �أَ ْن َك ْر ُت ُه َولمَ ْ َ�أ َر ‪َ -‬والحْ َ ْم ُد لهلِ ِ ‪�ِ -‬إ اَّل َخيرًْ ا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َما ُه َو؟ َف َق َال‪ِ :‬إ�نْ‬
‫ال�صلاَ َة فيِ ُك ِّل‬ ‫و�سا َي ْنت َِظ ُرونَ َّ‬ ‫ِع ْ�ش َت َف َ�سترَ َا ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ر َ�أ ْي ُت فيِ المْ َ ْ�س ِج ِد َق ْو ًما ِح َل ًقا ُج ُل ً‬
‫ول‪َ :‬ه ِّل ُلوا‬ ‫ول‪َ :‬كبرِّ ُ وا ِما َئ ًة‪َ ،‬ف ُي َكبرِّ ُ ونَ ِما َئ ًة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َح ْل َق ٍة َر ُج ٌل‪َ ،‬وفيِ �أَ ْي ِديهِ ْم ح�صً ا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪�َ :‬س ِّب ُحوا ِما َئ ًة‪َ ،‬ف ُي َ�س ِّب ُحونَ ِما َئ ًة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َاذا ُق ْل َت َل ُه ْم؟‪،‬‬ ‫ِما َئ ًة‪َ ،‬ف ُي َه ِّل ُلونَ ِما َئ ًة‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫َق َال‪َ :‬ما ُق ْل ُت َل ُه ْم َ�ش ْي ًئا ا ْن ِت َظا َر َر ْ أ� ِي َك َ�أ ِو ا ْنتظا َر �أَ ْم ِر َك‪َ ،‬ق َال‪�َ “ :‬أ َفلاَ َ أ� َم ْر َت ُه ْم �أَنْ َي ُع ُّدوا‬
‫َ�س ِّي َئاتِهِ ْم‪َ ،‬و َ�ضمِ ْن َت َل ُه ْم أَ�نْ اَل َي ِ�ضي َع ِم ْن َح َ�س َناتِهِ ْم”‪ُ ،‬ث َّم َم َ�ضى َو َم َ�ض ْي َنا َم َع ُه َحتَّى‬
‫“ما َه َذا ا َّل ِذي �أَ َرا ُك ْم ت َْ�ص َن ُعونَ ؟”‬ ‫أَ�تَى َح ْل َق ًة ِم ْن ِت ْل َك الحْ ِ َل ِق‪َ ،‬ف َو َق َف َع َل ْيهِ ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬يا أَ� َبا َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن ح�صً ا َن ُع ُّد ِب ِه ال َّت ْك ِب َري َوال َّت ْه ِل َيل َوالت َّْ�س ِب َيح‪َ ،‬ق َال‪َ “ :‬ف ُع ُّدوا‬
‫َ�س ِّي َئا ِت ُك ْم‪َ ،‬ف أَ� َنا َ�ض ِامنٌ َ�أنْ اَل َي ِ�ضي َع ِم ْن َح َ�س َنا ِت ُك ْم َ�ش ْي ٌء‪َ ،‬و ْي َح ُك ْم َيا �أُ َّم َة محُ َ َّم ٍد‪،‬‬
‫َما �أَ ْ�س َر َع َه َل َك َت ُك ْم َه ؤُ� اَل ِء َ�ص َحا َب ُة َن ِب ِّي ُك ْم ُم َت َوا ِف ُرونَ ‪َ ،‬و َه ِذ ِه ِث َيا ُب ُه لمَ ْ َت ْب َل‪َ ،‬و�آ ِن َي ُت ُه لمَ ْ‬
‫ُت ْك َ�س ْر‪َ ،‬وا َّل ِذي َنف ِْ�سي ِب َي ِد ِه‪� ،‬إِ َّن ُك ْم َل َع َلى ِم َّل ٍة ِه َي أَ� ْه َدى ِم ْن ِم َّل ِة محُ َ َّم ٍد ﷺ �أ ْو ُم ْف َت ِت ُحو‬
‫اب َ�ضلاَ َل ٍة”‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬والهلِ ِ َيا �أَ َبا َع ْب ِدال َّر ْح َم ِن‪َ ،‬ما �أَ َر ْد َنا ِ�إ اَّل الخْ َ يرْ َ ‪َ .‬ق َال‪َ “ :‬و َك ْم ِم ْن‬ ‫َب ِ‬
‫ول الهلِ ِ ﷺ َح َّد َث َنا أَ�نَّ َق ْو ًما َي ْق َر ُءونَ ا ْل ُق ْر�آنَ اَل ُي َجا ِو ُز‬ ‫ُم ِر ٍيد ِل ْل َخيرْ ِ َل ْن ُي ِ�صي َبهُ‪ِ� ،‬إنَّ َر ُ�س َ‬
‫َت َرا ِق َي ُه ْم‪َ ،‬وايمْ ُ الهلِ ِ َما أَ� ْدرِي َل َع َّل أَ� ْكثرَ َ ُه ْم ِم ْن ُك ْم” ُث َّم َت َو َّلى َع ْن ُه ْم(((‪.‬‬
‫((( رواه الدارمي يف مقدمة �سننه؛ باب فيِ كراهية �أخذ الر�أي‪ ،‬برقم (‪)210‬؛ والأثر ثابت‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪366‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫املطلب الثاين‬
‫الأ�صول ال�شرعية يف باب الإمامة واالئتمام و�صالة اجلماعة‬

‫جاء يف باب الإمامة واالئتمام و�صالة اجلماعة �أحاديث كثرية جدً ا؛ ويف كتاب‬
‫اهلل �أي ضً� ا �إ�شارة �إلى اجلماعة يف ال�صالة والأمر بها يف �أ�شد احلاالت و�أحلك الأحوال‬
‫كما يف �آيات �صالة اخلوف من �سورة الن�ساء‪.‬‬
‫و�سيكون الكالم هنا على ثالث ٍة من �أ�صول �صالة اجلماعة‪:‬‬
‫الأ�صل الأول‪:‬‬
‫�أنّ �صالة اجلماعة �صال ٌة م�شروع ٌة على هيئ ٍة معين ٍة؛ وهي �أن يقوم الإمام‬
‫�أمام �صفوف امل�صلني يف مكان واحد حقيقة؛ وهذا مما ُيعلم �ضرورة من �صالة‬
‫امل�سلمني‪.‬‬
‫و�أنّ املكان الواحد الذي يجمع امل�صلني ب�إمامهم حقيق ًة �أ�ص ٌل يف �صالة اجلماعة؛‬
‫وهو حقيق ُة معناها‪.‬‬
‫فهذه ال�صورة هي �صالة اجلماعة؛ التي ّ‬
‫دل على هيئتها ونظامها �أحاديث كثرية‬
‫جدً ا‪ ،‬وتناقل �صفتها امل�سلمون جيل �إثر جيل‪.‬‬
‫والنبي ‪� ‬شدد كث ًريا يف عدم الإخالل بهذه الهيئة‪ ،‬و�أن انتظام‬
‫ال�صفوف ومقاربتها وانتظامها �أ�ص ٌل من �أ�صول �صالة اجلماعة؛ والإخالل الكلي‬
‫بهذه ال�صفة �إخالل بحقيقتها وجوهرها‪.‬‬
‫هلل ﷺ ُي َ�س ِّوي ُ�ص ُفو َف َنا َحتَّى‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ُيبينّ ذلك قول ال ُّن ْع َمانَ ْبنَ َب ِ�ش ٍري ‪َ :‬كانَ َر ُ�س ُ‬
‫َك�أَنمَّ َ ا ُي َ�س ِّوي ِب َها ا ْل ِق َد َاح(((! َحتَّى َر�أَى �أَ َّنا َق ْد َع َق ْل َنا َع ْنهُ‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج َي ْو ًما َف َق َام‪َ ،‬حتَّى‬
‫((( القداح‪ :‬بك�سر القاف؛ هي خ�شب ال�سهام حني تنحت وتربى واحدها قدح بك�سر القاف معناه يبالغ‬
‫يف ت�سويتها حتى ت�صري ك�أمنا يقوم بها ال�سهام ل�شدة ا�ستوائها واعتدالها‪� .‬شرح �صحيح م�سلم للنووي‬
‫(‪.)157/4‬‬

‫‪367‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫هلل َلت َُ�س ُّونَّ ُ�ص ُفو َف ُك ْم‪� ،‬أَ ْو‬ ‫َكا َد ُي َكبرِّ ُ َف َر�أَى َر ُج اًل َبا ِد ًيا َ�ص ْد ُر ُه ِمنَ َّ‬
‫ال�ص ِّف‪َ ،‬ف َق َال‪«ِ :‬ع َبا َد ا ِ‬
‫وه ُك ْم»(((‪.‬‬ ‫َل ُي َخا ِل َفنَّ ُ‬
‫اهلل َب َي ُو ُج ِ‬
‫ووجه الداللة من هذا احلديث‪:‬‬
‫أمر ُم�ستحب‪ ،‬وبالتايل يجوز تركه مطل ًقا‬
‫�أنّ هذا التهديد والوعيد ال يكون على � ٍ‬
‫ب�أجمعه؛ �أو ترك �أفراده‪.‬‬
‫ف�إنّ احلديث دا ٌّل على احلتم واللزوم والوجوب؛ والت�شديد يف �إقامة ال�صف‬
‫واعتداله واملحافظة على هيئة ال�صالة واالنتظام فيها؛ و�أحوال النبي ﷺ واخللفاء‬
‫الرا�شدين بعده ظاهرة يف الت�شديد على �إقامة ال�صفوف واعتدالها؛ وكانوا يبعثون‬
‫رجال يقيمون ال�صفوف وال يكبرّ ون �إال بعد ذلك(((؛ حتى قال َع ْم ُرو ْبنُ َم ْي ُم ٍون‪:‬‬ ‫اً‬
‫اب ‪َ ‬غ َدا َة ُط ِعنَ ‪َ ،‬ف ُك ْن ُت فيِ َّ‬
‫ال�ص ِّف ال َّثان‪َ ،‬و َما يمَ ْ َن ُع ِني‬ ‫ل َّط ِ‬ ‫“�ش ِه ْدتُ ُع َم َر ْبنَ ا َ‬‫َ‬
‫ال�ص َّف ِ�إ َذا �أُ ِقي َم ِت َّ‬
‫ال�صلاَ ُة‪َ ،‬ف ِإ� َذا َر َ أ�ى‬ ‫ال�ص ِّف ْالأَ َّو ِل �ِإ اَل َه ْي َب ُتهُ؛ َكانَ َي ْ�س َت ْق ِب ُل َّ‬
‫�أَنْ �أَ ُكونَ فيِ َّ‬
‫�إِ ْن َ�سا ًنا ُم َت َقدِّ ًما �أَ ْو ُم َت أَ� ِّخ ًرا �أَ َ�صا َب ُه ِبالدِّ َّر ِة‪.(((”..‬‬
‫و�إن كان جماعة من الفقهاء عبرّ وا هنا باال�ستحباب يف ت�سوية ال�صفوف(((؛‬
‫الق�صة‪ ،‬كتاب الأذان‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف عند الإقامة وبعدها‪ ،‬برقم (‪،)717‬‬ ‫رواه البخاري من غري ّ‬ ‫(((‬
‫وم�سلم‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف‪ ،‬و�إقامتها‪ ..‬برقم (‪.)436‬‬
‫�ساق ابن حزم الآثار عن اخللفاء الرا�شدين يف ذلك‪ .‬املحلى (‪.)378/2‬‬ ‫(((‬
‫هذا لفظ رواية احلارث يف م�سنده؛ (‪)622/2‬؛ قال ابن حجر يف املطالب العالية (‪“ :)775/15‬حديثٌ‬ ‫(((‬
‫�صحيح”‪.‬‬
‫بلفظ مقارب؛ كتاب ف�ضائل ال�صحابة‪ ،‬باب ق�صة البيعة واالتفاق على‬ ‫والأثر عند البخاري يف �صحيحه ٍ‬
‫عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬برقم (‪.)3700‬‬
‫الفواكه الدواين (‪ ،)246/1‬مغني املحتاج (‪ ،)248/1‬ك�شاف القناع (‪.)328/1‬‬ ‫(((‬
‫قال برهان الدين ابن مفلح يف النكت على املحرر (‪“ :)115/1‬قد ا�شتهر �أن ت�سوية ال�صفوف �أمر‬
‫مطلوب لل�شارع؛ وعندنا وعند عامة العلماء �أن ذلك م�ستحب؛ وفيه �إ�شكال؛ ف�إن يف ال�صحيحني من‬
‫حديث �أن�س �أنه عليه ال�صالة وال�سالم قال‪�« :‬سووا �صفوفكم ف�إن ت�سوية ال�صف من متام ال�صالة»‬
‫وفيهما من حديث النعمان بن ب�شري �أنه عليه ال�صالة وال�سالم قال‪« :‬لت�س ّون �صفوفكم �أو ليخالفن اهلل‬
‫بني وجوهكم» ويف لفظ «�أقيموا �صفوفكم ‪-‬ثال ًثا‪ -‬واهلل لتقيمنّ �صفوفكم �أو ليخالفن اهلل بني قلوبكم»‪..‬‬
‫وهذا ظاهر يف الوجوب؛ وعلى هذا‪ :‬بطالن ال�صالة به حمل نظر”‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪368‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫ومنهم من جعله مما ينبغي للم�صلني فعله(((‪ ،‬ولكن هذا غري ناه�ض �إذا كان‬
‫املق�صود جواز تركه؛ ف�إن الأمر به ظاهر يف �أحاديث عدة‪ ،‬وفعل ال�صحابة �أي�ضً ا دا ٌّل‬
‫على فهمهم الوجوب والت�أكيد ال�شديد؛ كما �سبق عنهم ‪.‬‬
‫ولذا ب ّوب البخاري‪( :‬باب �إثم من مل يتم ال�صفوف)(((‪.‬‬
‫وهو اختيار �أبي العبا�س ابن تيمية ‪ ‬وغريه من املحققني؛ “ومن ذكر الإجماع‬
‫على ا�ستحباب ت�سوية ال�صفوف فمراده ثبوت اال�ستحباب ال نفي الوجوب”(((‪.‬‬
‫فاملق�صود مما �سبق تقريره‪:‬‬
‫نظاما وهيئة معينة �أرادها ال�شارع‬
‫�أنّ هذا من الدالالت على �أنّ ل�صالة جماعة ً‬
‫وطلبها؛ فال يجوز بحال الإخالل بها جملة‪ ،‬و�أن حديث النعمان �إمنا هو يف اخللل‬
‫الواقع من �آحاد امل�صلني؛ فكيف �إن وقع اخللل يف جملة منهم ي�صلون على هيئة غري‬
‫مطلوبة لل�شارع؛ ومناق�ضة ملق�صوده‪.‬‬
‫و�أي �إخالل �أكرب من َ�ص ٍّف ي�صلي خلف �شا�شة �أو مذياع مع �إمام بينه وبينه‬
‫ال�سهول واجلبال والقفار والبحار!‬
‫وت�أ ّمل وجه الإخالل يف �صور ِة �أن ي�صلي الإمام وحده يف بيته وامل�أمومون متفرقون‬
‫يف �سائر بقاع الأر�ض ي�صلون خلفه عرب البث؛ لقول القائل‪� :‬إنّ املتابعة ت�صح؛ لأن‬
‫املق�صود �إمكان املتابعة وهو حا�صل؛ فهل تكون هذه هيئ ًة لل�صالة امل�شروعة؟ �أم �أنها‬
‫�أقرب للإحداث واالبتداع؟‬
‫الأ�صل الثاين‪:‬‬
‫�أنّ معنى الإمامة يقت�ضي االقتداء واملتابعة واملالحظة التامة؛ و�أن بني �صالة‬
‫((( قال الزيلعي احلنفي‪« :‬وينبغي للقوم �إذا قاموا �إلى ال�صالة �أن يرتا�صوا وي�سدوا اخللل وي�سووا بني‬
‫مناكبهم يف ال�صفوف» تبيني احلقائق (‪.)136/1‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر (‪.)210/2‬‬
‫((( اختيارات البعلي (‪ ،)76/1‬الإن�صاف (‪.)39/2‬‬

‫‪369‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫الإمام و�صالة امل�أمومني رابطة وعالقة يف �أحكام ال�صالة وابتناء �صالة امل�أموم على‬
‫�صالة �إمامه‪.‬‬
‫وهذا الأ�صل الكلي متفق عليه باجلملة؛ و�إن اختلف الفقهاء يف �آحاد �صوره؛‬
‫كحمل الإمام القراءة عن امل�أموم‪ ،‬وك�صحة �صالة امل�أموم �إن انتق�ضت طهارة الإمام‪،‬‬
‫ونحو ذلك من امل�سائل التي وقع فيها اخلالف بني الفقهاء(((‪.‬‬
‫�إال �أ ّنهم متفقون �أنّ ل�صالة امل�أموم عالقة ب�صالة الإمام؛ بدليل الإجماع على‬
‫�أن امل�سبوق ُيخالف من نظام �صالته من �أجل متابعته �إمامه‪ ،‬كجلو�سه بعد الأولى يف‬
‫ثانية الإمام(((‪.‬‬
‫وهذا االبتناء ال يكون حقيقة مع اختالف املكان‪ ،‬وتباعد الأقطار؛ و�إمنا هو ابتناء‬
‫جمازي ال حقيقي‪.‬‬
‫هلل ﷺ َف َد َخ َل َع َل ْي ِه‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ا�ش َت َكى َر ُ�س ُ‬ ‫حديث َعا ِئ َ�ش َة ‪َ ،‬قا َل ْت‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫وقد جاء يف‬
‫هلل ﷺ َجا ِل ً�سا‪َ ،‬ف َ�ص َّل ْوا ِب َ�صلاَ ِت ِه ِق َي ًاما‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ا�س ِمنْ �أَ ْ�ص َحا ِب ِه َي ُعودُو َنهُ‪َ ،‬ف َ�ص َّلى َر ُ�س ُ‬ ‫َن ٌ‬
‫َف�أَ َ�شا َر ِ إ� َل ْي ِه ْم‪�َ :‬أ ِن ْاج ِل ُ�سوا َف َج َل ُ�سوا؛ َف َل َّما ا ْن َ�ص َر َف َق َال‪�« :‬إِنمَّ َ ا ُج ِع َل ْ ِ إ‬
‫ال َم ُام ِل ُي�ؤتمَ َّ ِب ِه َف ِ�إ َذا‬
‫و�سا»(((‪.‬‬ ‫َر َك َع َفا ْر َك ُعوا َو ِإ� َذا َر َف َع َفا ْر َف ُعوا َو ِ�إ َذا َ�ص َّلى َجا ِل ً�سا َف َ�صلُّوا ُج ُل ً‬
‫ففي احلديث دالل ٌة على عالقة �صالة امل�أموم ب�صالة الإمام‪ ،‬وات�صالها بها‬
‫إ�سقاط لركن القيام لأجل حال الإمام‪.‬‬ ‫ات�صال ترتبت عليه �أحكا ٌم يف �صلب ال�صالة‪ ،‬و� ٌ‬ ‫اً‬
‫فلي�ست امل�س�ألة فقط �إمكانُ املتابعة‪ ،‬بل هي حالة تامة من املتابعة واالت�صال‪،‬‬
‫والهيئة الواحدة الناظمة‪ ،‬واملالحظة كما ب�إ�شارته ‪ ‬لهم باجللو�س‪.‬‬
‫وكذا ما جاء َعنْ �أَ ِبي هُ َر ْي َر َة ‪َ ‬عنْ ال َّن ِب ِّي ﷺ َق َال‪�« :‬أَ َما َي ْخ َ�شى �أَ َح ُد ُك ْم ِ�إ َذا‬
‫((( رد املحتار على الدر املختار (‪ ،)329-320/1‬الفواكه الدواين (‪ ،)228 - 205/1‬املهذب يف فقه‬
‫الإمام ال�شافعي (‪ ،)89-79/1‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع (‪.)309/1‬‬
‫((( التمهيد البن عبدالرب (‪.)136/6‬‬
‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب �إمنا جعل الإمام لي�ؤمت به‪ ،‬برقم (‪ ،)688‬وم�سلم‪ ،‬يف كتاب ال�صالة‪،‬‬
‫باب ائتمام امل�أموم بالإمام‪ ،‬برقم (‪.)411‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪370‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫ال َم ِام َ�أنْ َي ْج َع َل اللهَّ ُ َر�أْ َ�س ُه َر أْ� َ�س ِح َما ٍر �أَ ْو َي ْج َع َل اللهَّ ُ ُ�صو َر َت ُه ُ�صو َر َة‬
‫َر َف َع َر�أْ َ�س ُه َق ْب َل ْ ِإ‬
‫ِح َمارٍ»(((‪.‬‬
‫ووجه الداللة‪:‬‬
‫�أنّ الوعيد ال�شديد؛ جاء يف الفعل املُخ ّل مبعنى الإمامة‪ ،‬وهيئة اجلماعة‪ ،‬ومق�صود‬
‫املتابعة؛ وهل من ي�صلي مع الإمام وبينهما امل�سافات العظيمة هو �أخف يف املخالفة‬
‫ممن يرفع ر�أ�سه قبل الإمام؟‬
‫الأ�صل الثالث‪:‬‬
‫حديث َوا ِب َ�ص َة ِبن َم ْع َبد‬ ‫ِ‬ ‫بطالن �صالة الفذ خلف ال�صف؛ كما جاء ذلك يف‬
‫ال�ص ِّف َو ْح َد ُه َف�أَ َم َر ُه �أَنْ ُي ِع َيد‬
‫ول الهلِ ِ ﷺ « َر�أَى َر ُج اًل ُي َ�ص ِّلي َخ ْل َف َّ‬
‫‪� ،‬أَنَّ َر ُ�س َ‬
‫ال�صلاَ َة»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫وجاء يف معناه َح ِديثُ َع ِل ِّي ْب ِن َ�ش ْي َبانَ احلنفي ‪.(((‬‬
‫ف�إذا كان النبي ‪� ‬أبطل �صالة من �صلى مع �إمامه يف مكان واحد‪،‬‬
‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب �إثم من رفع ر�أ�سه قبل الإمام‪ ،‬برقم (‪ ،)691‬وم�سلم‪ ،‬كتاب ال�صالة‪،‬‬
‫باب النهي عن �سبق الإمام‪ ،‬برقم (‪.)427‬‬
‫((( رواه الإمام �أحمد يف احلا�شية‪ ،‬برقم (‪ ،)18283‬و�أبو داود يف �سننه (‪ )254/1‬برقم‪ ،)682( :‬كتاب‬
‫ال�صالة‪ ،‬باب الرجل ي�صلي وحده خلف ال�صف؛ والرتمذي يف جامعه (‪ )268/1‬برقم‪،)230( :‬‬
‫�أبواب ال�صالة عن ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬باب ما جاء يف ال�صالة خلف ال�صف وحده؛ وابن ماجه يف �سننه‬
‫(‪ )137/2‬برقم‪� ،)1004( :‬أبواب �إقامة ال�صالة وال�سنة فيها‪.‬‬
‫واحلديث احتج به الإمام �أحمد؛ وقال‪ :‬ح�سن‪ .‬وقال مرة‪ :‬أُ�ثبت حديث عمرو بن مرة‪ .‬وقال مرة‪ :‬ال‬
‫�أعرف حلديث واب�صة خمال ًفا‪.‬‬
‫املغني البن قدامة (‪ ،)42 /2‬تنقيح التحقيق البن عبدالهادي (‪� ،)23 /2‬سنن الدارمي (‪،)333 /1‬‬
‫فتح الباري البن رجب (‪.)25 ،23 /5‬‬
‫((( رواه الإمام �أحمد يف احلا�شية برقم‪ ،)16555( :‬وابن ماجه يف �سننه (‪ )135/2‬برقم‪)1003( :‬‬
‫وابن حبان يف �صحيحه (‪ )579/5‬برقم‪ )580/5( ،)2202( :‬برقم‪ )2203( :‬وابن خزمية يف‬
‫�صحيحه (‪ )82/3‬برقم‪ .)1569( :‬و�صححه ابن حبان وابن خزمية حيث خرجاه وارت�ضياه‪ ،‬وقال ابن‬
‫عبدالهادي يف التنقيح‪� :‬إ�سناده قوي‪.)449/2( .‬‬

‫‪371‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫وبقعة واحد ٍة يراه ب�أقرب ما يكون لأ ّنه �أخ ّل بامل�صاففة ونظام اجلماعة واملكان؛ و�صلى‬
‫لي�س بجانبه �أحد؛ فكيف ب�صالة من يتابع �إمامه عرب التلفاز الذي هو �أ�شد � اً‬
‫إخالل‬
‫بنظام ال�صالة وهيئتها وجماعتها من �صالة الفذ خلف ال�صف و�أولى بالبطالن؛ و�إن‬
‫�صلى معه �أحد‪.‬‬
‫وفيما ي�شبه هذا املعنى قول �أبي الع ّبا�س ابن تيمية ‪ ‬يف م�س�ألة ت�سوية‬
‫ال�صفوف‪“ :‬ف�إذا كان تقومي ال�صف وتعديله من متامها و�إقامتها بحيث لو خرجوا‬
‫عن اال�ستواء واالعتدال بالكلية حتى يكون ر�أ�س هذا عند الن�صف الأ�سفل من هذا‬
‫مل يكونوا م�صطفني‪ ،‬ولكانوا ي�ؤمرون بالإعادة؛ وهم بذلك �أولى من الذي �صلى خلف‬
‫ال�صف وحده ف�أمره النبي ﷺ �أن يعيد �صالته”(((‪.‬‬
‫فهذا ال ّن�ص فيه من الفقه وح�سن الفهم والنظر التام ل�صورة الأمر بكماله ما‬
‫يدفع االجتزاء يف نظر امل�سائل وتع�ضيتها ثم اخلروج بحكم لها دون النظر �إلى جممل‬
‫الأمر و�أثر الرتكيب وحقيقة ال�شيء ب�أكمله‪.‬‬

‫((( جمموع الفتاوى (‪.)546/22‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪372‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫املبحث الثاين‬
‫�أ�صول الفقهاء يف باب الإمامة والإئتمام‬

‫مبجموعه‬
‫ِ‬ ‫�أ�صول باب الإمامة والإئتمام وما يع ّلل به الفقهاء يف هذا الباب؛ دا ٌّل‬
‫على اعتبار مقاربة امل�أموم �إمامه حقيق ًة ال ُحك ًما‪ ،‬وات�صاله به يف املكان الواحد‬
‫املحكوم به عر ًفا؛ و�أن كالمهم يف االت�صال ور�ؤية الإمام �أو امل�أمومني �إمنا هو يف‬
‫املكان الواحد والبقعة الواحدة؛ وال ي�صح �إحلاق غري ذلك به‪ ،‬لأنه لي�س مرادًا لهم‪،‬‬
‫وال هو يف معنى املراد؛ �إذ هم يتكلمون على امل�سائل وال�صور املعقولة واملت�صورة لديهم‬
‫يف زمنهم؛ التي ُيحكم بها عر ًفا باالت�صال و�أنّ امل�صلي تاب ٌع لإمامه يف املكان الواحد‪،‬‬
‫و�إن حال طري ٌق �أو نهر �صغري ونحو ذلك‪.‬‬
‫ولي�س مرادهم ال�صالة عرب الآفاق وامل�سافات املتباعدة؛ فال ي�صح بحال القيا�س‬
‫هنا على �أقوالهم والتخريج عليها؛ ملجرد �أ ّنهم قالوا من ر�أى �إمامه �أو ال�صفوف ُحكم‬
‫حم�ض وظاهر؛ وقيا�س مع الفارق ال�شديد؛ لأنهم �إمنا حكموا‬ ‫له باالت�صال؛ فهو خط�أٌ ٌ‬
‫بذلك بح�سب حالهم املعلومة‪ ،‬وال�صور املعروفة لديهم‪.‬‬
‫هذا؛ وقد جاء يف كالمهم ما يدل على اعتبار املكان ذاته؛ فمن ذلك‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬ما ذكره احلنفية يف �شروط �صحة االقتداء؛ �أنّ منها‪ :‬ما جاء يف بدائع‬
‫ال�صنائع �أن من �شروط ال�صحة‪“ :‬احتاد مكان الإمام وامل�أموم‪ ،‬ولأن‬
‫االقتداء يقت�ضي التبعية يف ال�صالة‪ ،‬واملكان من لوازم ال�صالة فيقت�ضي‬
‫التبعية يف املكان �ضرورة‪ ،‬وعند اختالف املكان تنعدم التبعية يف املكان‪،‬‬
‫فتنعدم التبعية يف ال�صالة النعدام الزمها؛ ولأن اختالف املكان يوجب‬
‫خفاء حال الإمام على املقتدي فتتعذر عليه املتابعة التي هي معنى االقتداء‪،‬‬
‫حتى �أنه لو كان بينهما طريق عام مير فيه النا�س �أو نهر عظيم ال ي�صح‬

‫‪373‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫االقتداء؛ لأن ذلك يوجب اختالف املكانني عر ًفا مع اختالفهما حقيقة‬


‫فيمنع �صحة االقتداء”(((‪.‬‬
‫ويف حا�شية الدر‪“ :‬فقد حترر مبا تقرر �أنّ اختالف املكان مانع من �صحة‬
‫االقتداء ولو بال ا�شتباه”(((‪.‬‬
‫�أي‪� :‬أنّ جمرد اختالف مكان الإمام وامل�أمون مينع من االقتداء؛ ولو متكن‬
‫امل�أموم من املتابعة بال ا�شتباه؛ ومق�صودهم هنا املكانيني املتقاربني‪ ،‬ك�سطح‬
‫دارين‪� ،‬أو كم�سجد ودا ٍر قريبة؛ �أو م�سجد وما وراء طريق عابر‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫فهذا بينّ غاية البيان �أنهم يعتربون املكان الواحد حقيقة‪ ،‬فيجتمع امل�أموم مع‬
‫�إمامه فيه؛ فكيف مبا نحن فيه من م�س�ألتنا من ال�صالة عرب الآفاق‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أو�سع ال ّنا�س يف اعتبار ات�صال امل�أموم بالإمام ولو بعد وحال بينهما حاجز‬
‫هم املالكية؛ ومع ذلك ف�إنهم يرون كراهة ال�صالة على جبل �أبي قبي�س‬
‫وق َع ْي ِقعان((( ب�صالة �إمام احلرم؛ ومنهم من ُيبطلها(((‪.‬‬
‫مالك يف �صالة الرجل على قعيقعان وعلى‬ ‫قول ٍ‬‫جاء يف املدونة‪“ :‬قلت‪ :‬ما ُ‬
‫�أبي قبي�س ب�صالة الإمام يف امل�سجد احلرام؟ قال‪ :‬مل �أ�سمع فيه �شي ًئا؛ وال‬
‫ُيعجبني”(((‪.‬‬
‫كم‬ ‫ثال ًثا‪ :‬ما ذكره ال�شافعية �أنّ من �شروط �صحة اقتداء امل�أموم بالإمام (ا ُ‬
‫حل ُ‬
‫باجتماعهم)؛ فقالوا يف �شروط ذلك‪:‬‬
‫بدائع ال�صنائع (‪ .)145/1‬و ُينظر‪ :‬املحيط الربهاين (‪.)420-415/1‬‬ ‫(((‬
‫حا�شية ابن عابدين (‪.)588/1‬‬ ‫(((‬
‫هما اجلبالن امل�شرفان على الكعبة‪ُ .‬ينظر‪� :‬أخبار مكة للأزرقي (‪.)267-266/2‬‬ ‫(((‬
‫�شرح التلقني للمازري (‪ ،)699/1‬مواهب اجلليل (‪.)107/2‬‬ ‫(((‬
‫املجيب ابن القا�سم‪ .‬املدونة (‪.)175/1‬‬ ‫(((‬
‫قال احلطاب يف مواهب اجلليل (‪“ :)107/2‬هذا يدل على �أن ال يعجبني على التحرمي‪ ،‬وقال عبداحلق‪:‬‬
‫قال غري واحد �إمنا كره ال�صالة لبعده عن الإمام ف�إن فعل ف�صالته تامة”‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪374‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫“�أنْ ُيع ّدا جمتمعني ليظهر ال�شعار والتوا ّد والتعا�ضد؛ �إذ لو اكتفى بالعلم‬
‫باالنتقاالت فقط لبطل ال�سعي امل�أمور به والدعاء �إلى اجلماعة‪ ،‬وكان كل �أحد‬
‫ي�صلي يف �سوقه �أو بيته ب�صالة الإمام يف امل�سجد �إذا علم بانتقاالته”(((‪.‬‬
‫ن�ص ظاهر يف اعتبارهم ملا نحن فيه من م�س�ألتنا؛ وهو �أن االجتماع يف‬
‫وهذا ٌ‬
‫املكان الواحد هو حقيقة اجلماعة؛ التي ال ت�صح �إال بتحقيقه‪.‬‬
‫وكذلك جعل ال�شافعية �أكرث حد وم�سافة بني امل�أموم والإمام �أو �آخر ال�صفوف‬
‫ثالثمئة ذراع؛ وما كان �أكرث من ذلك فال تبعية له لإمامه(((‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬احلنابلة؛ وقد ا�شرتطوا ‪-‬مع غريهم‪ -‬عدم وجود حائل كبري بني الإمام‬
‫وامل�أموم؛ كالنهر الذي جتري فيه ال�سفن؛ والطريق املطروق؛ ما مل تت�صل‬
‫ال�صفوف‪ ،‬ف�إن ات�صلت �صحت ال�صالة(((‪.‬‬
‫خام�سا‪� :‬أنّ التقدم على الإمام من غري حاجة مبط ٌل ل�صالة امل�أموم عند عامة‬
‫ً‬
‫الفقهاء؛ من احلنفية وال�شافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫(((‬

‫و�أخف ال ّنا�س فيه املالكية؛ وقد قال الإمام مالك يف م�س�ألة التقدم على‬
‫الإمام‪“ :‬قد بلغني �أن دارا لآل عمر بن اخلطاب وهي �أمام القبلة كانوا‬
‫ي�صلون ب�صالة الإمام فيها فيما م�ضى من الزمان‪ ،‬قال‪ :‬وما �أحب �أن يفعله‬
‫�أحد‪ ،‬ومن فعله �أجز�أه”(((‪.‬‬
‫فمالك يقول‪“:‬ال �أُحب �أن يفعله �أحد”‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وعامة الفقهاء يرون �أن التقدم على الإمام مبط ٌل ل�صالة امل�أموم‪ ،‬مع �أنه‬
‫ميكن االقتداء به بجرد ال�سماع‪ ،‬ولكن لأن التقدم عليه خم ٌل ب�شعار ال�صالة‬
‫مغني املحتاج لل�شربيني (‪ ،)495/1‬نهاية املحتاج للرملي (‪.)198/2‬‬ ‫(((‬
‫منهاج الطالبني للنووي (‪ ،)41/1‬بداية املحتاج (‪ ،)342/1‬حا�شيتا قليوبي وعمرية (‪.)275/1‬‬ ‫(((‬
‫املبدع �شرح املقنع (‪� ،)99/2‬شرح املنتهى (‪.)283/1‬‬ ‫(((‬
‫تبيني احلقائق للزيلعي (‪ ،)250/1‬املجموع للنووي (‪ ،)299/4‬ك�شاف القناع للبهوتي (‪.)485/1‬‬ ‫(((‬
‫املدونة (‪.)175/1‬‬ ‫(((‬

‫‪375‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫ونظامها وهيئتها ال�شرعية وحقيقة االقتداء ومعنى الإمامة كان التقدم عليه‬
‫ُم اً‬
‫بطل‪.‬‬
‫�ساد�سا‪ :‬يقول �أبو العبا�س ابن تيمية ‪ ‬يف كالم له على بطالن �صالة الفذ‬ ‫ً‬
‫خلف ال�صف‪“ :‬هو مقت�ضى الن�صو�ص امل�شهورة والأ�صول املقررة؛ ف�إن‬
‫�صالة اجلماعة �سميت جماعة الجتماع امل�صلني يف الفعل مكا ًنا وزما ًنا؛ ف�إذا‬
‫� َأخ ّلوا باالجتماع املكاين �أو الزماين مثل �أن يتقدموا �أو بع�ضهم على الإمام‬
‫�أو يتخلفوا عنه تخل ًفا كث ًريا لغري عذر كان ذلك منه ًيا عنه باتفاق الأئمة؛‬
‫وكذلك لو كانوا مفرتقني غري منتظمني مثل �أن يكون هذا خلف هذا وهذا‬
‫خلف هذا كان هذا من �أعظم الأمور املنكرة بل قد �أمروا باال�صطفاف بل‬
‫�أمرهم النبي ﷺ بتقومي ال�صفوف وتعديلها وترا�ص ال�صفوف و�سد اخللل‬
‫و�سد الأول فالأول كل ذلك مبالغة يف حتقيق اجتماعهم على �أح�سن وجه‬
‫بح�سب الإمكان‪ ،‬ولو مل يكن اال�صطفاف واج ًبا جلاز �أن يقف واحد خلف‬
‫عاما �أن هذه لي�ست �صالة‬ ‫واحد وهلم جرا؛ وهذا مما يعلم كل �أحد عل ًما ً‬
‫امل�سلمني”(((‪.‬‬
‫فهذا الكالم فيه بيا ٌن مل�أخذ ومناط امل�س�ألة التي يتناولها البحث؛ وهو �أنّ‬
‫ال�صالة والإئتمام عرب ال�شا�شات والبث املبا�شر يف امل�سافات املتباعدة‬
‫لي�ست �صالة امل�سلمني املعهودة عن نبيهم ‪ ،‬وهو مما يعلمه كل‬
‫عاما �أ ّنه لي�س من امل�شروع‪ ،‬وال من جن�س امل�شروع‪.‬‬
‫أحد عل ًما ً‬
‫� ٍ‬
‫واملق�صود‪� :‬أن القول ب�صحة اقتداء من ي�صلي خلف �إمام بينه وبينه امل�سافات‬
‫الهائلة قو ٌل ال ين�ضبط على قول فقيه متقدم‪ ،‬وتخريج ذلك على كالم الأئمة ٌ‬
‫غلط يف‬
‫وقيا�س فا�سد‪ ،‬وخط�أٌ عليهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الفقه‪،‬‬

‫((( جمموع الفتاوى (‪.)393/23‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪376‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫املبحث الثالث‬
‫ن�صو�ص الفقهاء املعا�صرين يف امل�س�ألة‬

‫ملا كتب بع�ض املغاربة ر�سالة يف جواز �صالة اجلمعة عرب الإمتام وراء املذياع(((؛‬
‫�أنكر عليه جماعة من املعا�صرين له؛ وردوا على ر�سالته بكالم يبينّ درجة الإخالل‬
‫فيها؛ وممن تكلم يف ذلك‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬مفتي الديار امل�صرية ال�شيخ حممد بن بخيت املطيعي (ت‪1354 :‬هـ)‪.‬‬
‫و�أفتى ببطالن ذلك على مقت�ضى مذاهب الفقهاء الأربعة جمي ًعا(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬ال�شيخ عبدالرحمن بن نا�صر ال�سعدي (ت‪1376 :‬هـ)‪.‬‬
‫ت�صفحا اً‬
‫عجل فوجدت فيها انتقادات كثرية يف �أ�صلها‬ ‫ً‬ ‫قال‪“ :‬ت�صفحت الر�سالة‬
‫وتف�صيلها‪.(((”..‬‬
‫وممن تكلم يف امل�س�ألة كذلك‪:‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬ال�شيخ حممد �أبو زهرة (ت‪1393 :‬هـ)(((؛ ُ�سئل عن ال�صالة خلف ّ‬
‫امل�سجل‬
‫هو �أبو الفي�ض؛ �أحمد بن حممد الغماري من �أهل طنجة (ت‪1380 :‬هـ)؛ �أ ّلف ر�سالة بعنوان‪« :‬الإقناع‬ ‫(((‬
‫ب�صحة �صالة اجلمعة عرب املذياع»‪.‬‬
‫اهتم بعلوم احلديث‪ ،‬وله ر�سائل يف ذلك؛ ور�سائل يف علوم �أخرى‪ُ ،‬مت�صوف �شيخ طريقة‪ ،‬مت�شيع لآل‬
‫غال فيهم‪ ،‬يذكر بع�ض ال�صحابة ‪ ‬ب�أقبح الألفاظ والأو�صاف واللعن؛ وله �شذوذات �أخرى‪.‬‬ ‫البيت‪ٍ ،‬‬
‫كان مالك ًيا‪ ،‬ثم �شافع ًيا‪ ،‬ثم ترك ذلك وقال باالجتهاد وما �أدى �إليه نظره‪.‬‬
‫ُينظر‪ :‬فقه احلافظ �أحمد الغماري‪ ،‬لـ احل�سن بن علي الكتاين‪ .‬املقدمة �ص (‪.)64-61‬‬
‫فقه احلافظ �أحمد الغماري‪ ،‬لـ احل�سن بن علي الكتاين �ص (‪.)156‬‬ ‫(((‬
‫ويف مقدمة ر�سالة الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة عرب املذياع بقلم �أخي كاتب الر�سالة �إ�شارة �إلى كالم‬
‫ال�شيخ املطيعي‪.‬‬
‫الأجوبة النافعة عن الأ�سئلة الواقعة‪ ،‬ر�سائل بني ابن عقيل و�شيخه ال�سعدي �ص (‪.)317‬‬ ‫(((‬
‫ال�شيخ حممد بن �أحمد �أبو زهرة‪ ،‬عامل م�صري معا�صر‪ ،‬ع�ضو جممع البحوث اال�سالمية‪ ،‬عمل �أ�ستاذاً‬ ‫(((‬
‫يف جامعات القاهرة‪ ،‬له عدة م�صنفات‪ ،‬منها عن الأئمة الفقهاء الأربعة‪=.‬‬

‫‪377‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫غريب غرابة �شديدة‪ ،‬لأن املق�صود من �صالة‬


‫فقال‪“ :‬ال�صالة خلف امل�سجل ٌ‬
‫اجلماعة هو االجتماع؛ فهل تتحقق اجلماعة بال�صالة تب ًعا للم�سجل!”(((‪.‬‬
‫وقد ذكر ال�شيخ حممد �أبو زهرة �أنه عقدت ندوة يف جملة لواء الإ�سالم‬
‫ملناق�شة امل�س�ألة‪ ،‬وانتهت �إلى بطالن تلك ال�صالة‪ ،‬وذلك يف �شوال �سنة (ت‪:‬‬
‫‪1375‬هـ)(((‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬ال�شيخ عبدالعزيز بن عبداهلل بن باز (ت‪1420 :‬هـ)(((‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬ال�شيخ م�صطفى الزرقا (ت‪1420 :‬هـ)(((؛ ُ�سئل عن ذلك؛ فقال‪“ :‬ال‬ ‫ً‬
‫ن�ستطيع �إجراء هذا القيا�س فنقبل �صالة اجلمعة من الإن�سان يف بيته اقتداء‬
‫قيا�سا على ما قلنا يف �سماعه تالوة القر�آن‪ ،‬ذلك لأن �صالة اجلمعة‬
‫باملذياع ً‬
‫ي�شرتط فيها ح�ضور الإن�سان �إلى امل�سجد اجلامع واالقتداء بالإمام يف‬
‫امل�سجد نف�سه دون فا�صل مانع لالقتداء لتكثري �سواد امل�سلمني يف اجلمعة‪،‬‬
‫ولذا ال ي�صح �أن ي�صلي املرء اجلمعة منفردًا كما ت�صح �سائر �صلواته الأخرى‬
‫منفردًا‪ ،‬بل ال بد ل�صحة اجلمعة من االقتداء مع اجلماعة ب�إمام اجلمعة يف‬
‫امل�سجد نف�سه”(((‪.‬‬
‫�ساد�سا‪ :‬ال�شيخ حممد بن �صالح العثيمني (ت‪1421 :‬هـ)؛ �سئل عن ذلك فقال‪:‬‬ ‫ً‬
‫“ال يجوز للإن�سان �أن يقتدي بالإمام بوا�سطة الراديو �أو بوا�سطة التلفزيون؛‬
‫= ُينظر‪ :‬مقدمة كتاب فتاوى �أبو زهرة ملحمد عثمان �شبري‪.‬‬
‫فتاوى ال�شيخ حممد �أبو زهرة �ص (‪ )200‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬ ‫(((‬
‫جملة لواء الإ�سالم (العدد ‪ 2‬ال�سنة ‪.)8‬‬ ‫(((‬
‫فتاوى نور على الدرب (‪.)10/7‬‬ ‫(((‬
‫ال�شيخ م�صطفى �أحمد الزرقاء من علماء ال�شام املربزين‪ ،‬والفقهاء الذين �أثرو الفقه املعا�صر‬ ‫(((‬
‫مب�صنفات فريدة ور�أي �سديد؛ من �أبرز ت�صانيفه‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.‬‬
‫ُينظر‪.)https://majles.alukah.net/t121085/( :‬‬
‫�ضمن فتاوى �أجاب عنها ف�ضيلة ال�شيخ م�صطفى الزرقا يف برنامج «حكم الدين» يف الإذاعة الأردنية‪،‬‬ ‫(((‬
‫وبع�ض هذه الفتاوى بخط ال�شيخ الزرقا‪ ،‬وهي مما مل ي�سبق ن�شره يف اجلزء الأول من الفتاوى املطبوع له‪.‬‬
‫رابطة العلماء ال�سوريني‪.)https://islamsyria.com/site/show_consult/22( :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪378‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫لأن �صالة اجلماعة يق�صد بها االجتماع‪ ،‬فالبد �أن تكون يف مو�ضع واحد‪� ،‬أو‬
‫تت�صل ال�صفوف بع�ضها ببع�ض‪ ،‬وال جتوز ال�صالة بوا�سطتهما‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫ح�صول املق�صود بهذا”(((‪.‬‬
‫القول ال �شك �أ َّنه قو ٌل باط ٌل؛ لأنه ي�ؤدي �إلى �إبطال �صالة‬
‫ُ‬ ‫وقال‪“ :‬هذا‬
‫ال�صفوف‪ ،‬وهو بعي ٌد ِمن مق�صو ِد‬
‫جلمعة‪ ،‬ولي�س فيه ات�صال ُّ‬ ‫اجلماعة �أو ا ُ‬
‫ال�شار ِع ب�صالة اجلمعة واجلماعة”(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫�ساب ًعا‪ :‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين (ت‪1420 :‬هـ)؛ وا�ستغرب من �صحح‬
‫ذلك(((‪.‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬اللجنة الدائمة للإفتاء يف اململكة العربية ال�سعودية؛ حيث �أفتت بعدم‬
‫�صحة ذلك(((‪.‬‬
‫تا�س ًعا‪ :‬املجل�س الأوروبي للإفتاء والبحوث؛ �أفتى بعدم �صحة ذلك(((‪.‬‬

‫فتاوى �أركان الإ�سالم �ص (‪.)377‬‬ ‫(((‬


‫ال�شرح املمتع (‪.)299/4‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)https://www.alathar.net/home/esound/index.php?op=codevi&coid=155353‬‬ ‫(((‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة املجموعة الأولى (‪ .)214/8( ،)30-26/8‬بتوقيع �أ�صحاب الف�ضيلة‪( :‬عبداهلل‬ ‫(((‬
‫ابن قعود‪ ،‬عبداهلل بن غديان‪ ،‬عبدالرزاق عفيفي‪ ،‬عبدالعزيز بن عبداهلل بن باز)‪.‬‬
‫يف دورته الطارئة (‪ ،)30‬يف �شعبان ‪1441‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪379‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫املبحث الرابع‬
‫حكم امل�س�ألة‬

‫ال�صال ُة مع �إمام ال يجمعه بامل�صلني مكا ٌن واح ٌد على احلقيقة حيث �أمكن‬
‫متابعته من الآفاق املتباعدة عرب البث املبا�شر �أم ٌر بطالنه ظاهر‪ ،‬وال �شك من منعه‬
‫وعدم جوازه؛ و�أنّ هذه ال�صالة بهذه الكيفية وال�صفة �أم ٌر ُي�شبه الإحداث واالبتداع‬
‫قارب ذلك و ُي�شاكله‪.‬‬
‫يف العبادة‪ ،‬و ُي ُ‬
‫وذلك لعل ٍة هي �أ�صل هذه امل�س�ألة؛ وهي‪:‬‬
‫واحد يف بقعة واحدة ومكان‬
‫�أنّ �صالة اجلماعة حقيقتها االجتماع على �إمام ٍ‬
‫واحد على هيئة معلومة يف ال ّدين؛ هذا هو معنى «�صالة اجلماعة»‪.‬‬
‫فينتظم امل�صلون ب�إمامهم ويجتمعون �إليه على تلك ال�صفة املعلومة التي جاءت‬
‫ال�شريعة بها وتناقلها امل�سلمون من لدن ر�سول اهلل ﷺ �إلى ما �شاء اهلل؛ فالإخالل‬
‫بهذه ال�صفة �إخالل بحقيقة اجلماعة و�صفتها ال�شرعية‪ ،‬و� ُ‬
‫إحداث �صفة �أخرى ال‬
‫ُت�شبه ما ُ�شرع فيها حقيقة؛ لأن امل�صلي الذي ال يجمعه ب�إمامه مكان واحد غري ٍ‬
‫تابع‬
‫لإمامه حقيقة؛ �إذ لي�س جمتم ًعا به؛ فكيف له �أن ي�أمت به‪ ،‬وي�صلي معه‪ ،‬ويبني �صالته‬
‫على �صالته؛ وهو لي�س معه‪.‬‬
‫فمن ي�شاهد عرب البث �أُ ً‬
‫نا�سا ف�إ ّنه لي�س معهم حقيقة؛ و�إمنا �أمكن له ر�ؤيتهم‬
‫و�سماعهم‪.‬‬
‫ولو غابت على ه�ؤالء ال�شم�س ف�أفطروا مل يكن له الفطر؛ ولو �صلوا املغرب مل يكن‬
‫له ذلك وال�شم�س عنده مل تغب؛ لأ ّنه ال حقيقة له مبكانهم‪ ،‬و�إمنا هو راءٍ لهم‪ ،‬عا ٌمل‬
‫بحالهم‪.‬‬
‫فكذا �صالة اجلماعة؛ لها حقيق ٌة مكانية كما �أنّ لها حقيق ًة زمانية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪380‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫رب حقيقة يف بقعة امل�صلي؛ ف�إن املكان معترب حقيقة كذلك‪.‬‬


‫فكما �أنّ الزمان معت ٌ‬
‫نكتة امل�س�ألة‪:‬‬
‫�أنّ �صالة امل�صلي مع �إمام يف بقعة �أخرى ُمبا ِين ٍة حيث �أمكن متابعته عرب البث‬
‫لي�س هو من قبيل التغيري يف الو�سائل غري املق�صودة يف العبادات‪ ،‬ك�صالة الإمام‬
‫وحم�سناته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مبكربات ال�صوت‬
‫بل هو من قبيل تغيري �أمر مق�صود يف العبادة وهيئتها ونظامها و�صفتها‪.‬‬
‫أمر مق�صود يف العبادة ال بد فيه من الإذن من اهلل ور�سوله ﷺ‪.‬‬
‫وتغري � ٍ‬
‫فمجمل ن�صو�ص الإمامة وال�صالة وما كان يفعله الر�سول ﷺ وخلفا�ؤه الرا�شدون‬
‫مطلوب‬
‫ٌ‬ ‫بعده يف �صالة اجلماعة دا ٌل على �أنّ االجتماع يف مكان واحد على هيئة معينة‬
‫لل�شارع؛ وهو مق�صو ٌد يف هذه ال�صالة‪.‬‬
‫كالم يطابق ما نحن فيه من م�س�ألتنا‪:‬‬
‫جاء يف نهاية املحتاج يف ٍ‬
‫أي�ضا(((‪� :‬أن يجمعهما موقف؛ �إذ من مقا�صد االقتداء‬ ‫“من �شروط القدوة � ً‬
‫مكان كما ُعهد عليه اجلماعات يف الأع�صر اخلالية؛ ومبنى العبادات‬ ‫جمع يف ٍ‬ ‫اجتما ُع ٍ‬
‫على رعاية االتباع”(((‪.‬‬
‫ع ّلق �صاحب احلا�شية(((‪(“ :‬قوله‪ :‬على رعاية االتباع)‪� :‬أي ال االبتداع‪ ،‬فلي�س لنا‬
‫�إحداث �صفة مل توجد يف عهده ﷺ �إال بدليل كالقيا�س على ما ثبت عنه”‪.‬‬
‫وهذا ال ّن�ص عزيز ومفيد؛ �إذ هو تعلي ٌل مل�أخذ امل�س�ألة التي حدثت يف ع�صرنا‪،‬‬
‫ومطاب ٌق ً‬
‫متاما لعلة املنع املراد بيانها يف هذا البحث‪.‬‬
‫وهذا املعنى وهو (رعاية االتباع‪ ،‬ومق�صد االجتماع) مل يكن ظاه ًرا غاية الظهور‬
‫((( يف �سياق الكالم على �شروط �صحة اقتداء امل�أموم ب�إمامه‪.‬‬
‫((( نهاية املحتاج للرملي (‪.)198/2‬‬
‫((( حا�شية ال�شربامل�سي على نهاية املحتاج‪ .‬املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪381‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫حني عبرّ امل�ص ّنف بذلك؛ لأن مق�صده الأماكن املتقاربة التي ميكن من خاللها‬
‫للم�أموم متابعة �إمامه‪ ،‬كما لو كان يف باحة والإمام يف باحة �أخرى‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫فكيف بحالنا الآن؛ من �إمكان املتابعة عرب الآفاق املتباعدة والأم�صار املختلفة؛‬
‫�أين هي من مق�صد االجتماع ورعاية االتباع؟‬
‫م�أخذ من �أجاز ذلك ووجه اخلط أ� فيه‪:‬‬
‫�سبق �أن ُذكر �أنّ هناك من �أ ّلف ر�سالة يف جواز �صالة اجلمعة يف البيوت متابعة‬
‫للإمام عرب املذياع؛ و�أنّ العلماء املعا�صرين له ب ّينوا خط�أ هذا الر�أي‪ ،‬وخمالفته‬
‫للأ�صول امل�شروعة يف اجلمعة واجلماعة‪.‬‬
‫�أبرز ما ا�ستدل به من قال ذلك وما ميكن �أن ي�ستدل به لهم ما يلي‪:‬‬
‫� اًأول‪� :‬أن املتابعة فيمن ي�صلي عرب البث املبا�شر ممكنة؛ وقد تكون �أف�ضل من‬
‫املتابعة يف بع�ض اجلوامع الكبرية والطرق القريبة منه؛ و�أن كث ًريا من‬
‫الفقهاء يعربون عن �إمكان املتابعة بالر�ؤية �أو ال�سماع للإمام �أو امل�صلني(((‪.‬‬
‫وهذا �أبرز دليل ملن ي�صحح ذلك‪.‬‬
‫واجلواب على هذا‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬هو الت�سليم ب�إمكان املتابعة‪ ،‬و�أنّ جمرد �إمكان املتابعة حا�ص ٌل يف‬
‫البث املبا�شر‪� ،‬إال �أن علة املنع لي�ست �إمكان املتابعة �أو عدمها‪.‬‬
‫بل الع ّلة كما �سبق بيانه يف موا�ضع �سابقة؛ �أنّ �صالة اجلماعة لها حقيقة‬
‫�شرعية‪ ،‬وهي االجتماع يف املكان الواحد خلف �إمام واحد وفق �صفة مع ّينة؛‬
‫و�أن هذه احلقيقة هي ال�صالة املعهودة امل�شروعة‪ ،‬و�أن ال�شارع طلب هذه‬
‫احلقيقة و�أمر بها وحث عليها‪ ،‬ونهى عن خالفها وزجر عنه؛ فكل �صفة‬
‫خالف ال�صفة التي طلبها ال�شارع ف�إنها ال ت�صح‪.‬‬
‫((( الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع للغماري (‪.)29‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪382‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫الوجه الثاين‪� :‬أنه ال يجوز �إحداث �صفة يف العبادة غري ال�صفة امل�شروعة فيها‬
‫امل�أذون بها من ال�شارع‪ ،‬كما يف �صفات �صالة اخلوف‪ ،‬حيثُ �إن ال�شارع �أذن‬
‫و�شرعت‪.‬‬‫بذلك َ�ص ّحت ُ‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن الفقهاء الذين عربوا ب�سماع الإمام �أو ر�ؤيته �أو امل�صلني‬
‫ل�صحة االقتداء ما جعلوا ذلك مطل ًقا؛ بل �إنهم راعوا االت�صال العريف‪،‬‬
‫والتقارب يف املكان‪ ،‬كما �سبق بيان ذلك يف ن�صو�صهم‪.‬‬
‫فمنهم من يذكر �أنّ النهر مانع ل�صحة االقتداء‪ ،‬ومنهم من يذكر الطريق‪،‬‬
‫و�إن اختلفوا يف قدر النهر والطريق و�سعتهما‪.‬‬
‫ومنهم من حد ذلك بامل�سافة كما يف حد ال�شافعية ثالثمئة ذراع‪.‬‬
‫فهم م�ست�شعرون ملعنى االت�صال العريف واملكان الواحد اجلامع‪.‬‬
‫بل �إن بع�ضهم عبرّ �صراحة عن ا�شرتاط املكان الواحد؛ كما يف كالم‬
‫احلنفية وال�شافعية‪ ،‬وعدهم ذلك ً‬
‫�شرطا لالقتداء؛ كما �سبق نقل ن�صو�صهم‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫وعلى كل حال؛ فالفقهاء ال�سابقون يتكلمون عن حد االت�صال و�صحة االقتداء‬
‫يف املكان الواحد؛ وال �شك يف ذلك‪ ،‬وال ي�صح بحال �إحلاق مثل م�س�ألتنا هذه‬
‫بكالمهم‪ ،‬فيقال �إنهم عربوا بالر�ؤية �أو ال�سماع‪ ،‬فيلحق به الر�ؤية وال�سماع‬
‫عرب الآفاق املتباعدة؛ لأن هذا معلو ٌم �ضرورة �أنه غري مراد لهم‪ ،‬وال جا ٍر على‬
‫�سنن كالمهم‪ ،‬وال هو مق�صود لهم ب�أي وجه‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من �أدلتهم‪ :‬القيا�س على �صالة الغائب‪ ،‬وذلك �إنّ النبي ﷺ �صلى وهو يف‬
‫املدينة على النجا�شي يف احلب�شة(((‪.‬‬
‫وهذا ال ي�صح من �أوجه‪:‬‬
‫((( الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع للغماري (‪.)47‬‬

‫‪383‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫الوجه الأول‪� : :‬أنّ مبنى العبادات على التوقيف؛ فباب القيا�س يف العبادات‬
‫باب م�ضي ٌق غري مو�سع؛ كما يقول �صاحب املوافقات‪“ :‬الأ�صل يف العبادات‬ ‫ٌ‬
‫بالن�سبة �إلى املك َّلف التعبد دون االلتفات �إلى املعاين‪ ،‬و� ُ‬
‫أ�صل العادات االلتفات‬
‫�إلى املعاين”(((‪.‬‬
‫وع ِلمت علته التي من �أجلها جاء احلكم‪.‬‬
‫والقيا�س ال يكون �إال فيما ُع ِقل وجهه ُ‬
‫الوجه الثاين‪ :‬على تقدير �صحة �إجراء القيا�س هنا؛ فهو قيا�س مع الفارق‬
‫ويف غري حمل النزاع‪ ،‬ف�إن حمل ال ّنزاع يف الإمامة والإئتمام وحال االقتداء‪،‬‬
‫ولي�س فيما ُي�صلي �إليه الإمام وقربه منه وبعده‪.‬‬
‫ولي�س يف ال�صالة على الغائب �صفة �أخرى يف الإمامة واالئتمام واجلماعة‬
‫حتى يقا�س عليها؛ ف�إن النبي ‪� ‬صلى بهم وهو معهم وهم معه يف‬
‫املكان ذاته‪.‬‬
‫و�إمنا اجلنازة لي�ست حا�ضرة بني يديه؛ فال وجه لهذا يف م�س�ألة الإمامة‬
‫واالئتمام واملتابعة‪.‬‬
‫ف�إن مق�صود �صالة اجلنازة الدعاء للميت وهو حا�صل بكل حال‪ ،‬لذا ال‬
‫ي�شرتط لها اجلماعة‪ ،‬فت�صح �صالة الفرد عليها؛ وال يلزم ح�ضور امل ّيت‬
‫حل�صول الدعاء‪ ،‬بخالف �صالة اجلماعة التي مق�صودها االجتماع ذاته‪.‬‬
‫خ�صوا �صحة ال�صالة على الغائب ملن‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن طائفة من الفقهاء ّ‬
‫خ�صها بال َنبي ‪ ،(((‬فهي على هذا الوجه‬ ‫مل ُي�ص َّل عليه‪ ،‬وبع�ضهم ّ‬
‫من كالمهم من قبيل ال ُّرخ�ص‪ ،‬وال قيا�س يف الرخ�ص(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬من �أدلتهم‪� :‬أنّ احلاجة قد تدعو �إلى مثل ذلك؛ كما يف �أزمة فايرو�س‬
‫((( املوافقات لل�شاطبي (‪.)513/2‬‬
‫((( ُينظر هذه الأقوال وغريها يف الفتح البن حجر (‪.)188/3‬‬
‫((( �شرح الكوكب املنري (‪.)220/4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪384‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫كورونا الواقعة يف عامنا هذا ‪1441‬هـ؛ فقد �أُغلقت امل�ساجد‪ُ ،‬‬


‫وع ّطلت اجلمع‬
‫واجلماعات حتى مر رم�ضان ب�أكمله واحلال كذلك‪.‬‬
‫وبع�ض من ال ّنا�س ال ُيح�سن القراءة‪ ،‬ف�صالته يف بيته جماعة مع �إمام احلرم‬
‫ري له؛ واحلاجة العامة تنزل منزلة ال�ضرورة‪ ،‬وال واجب مع العجز‪.‬‬ ‫خ ٌ‬
‫واجلواب على هذا‪:‬‬
‫�شرعا؛ ف�إن الرجل ي�صلي يف بيته‬ ‫الوجه الأول‪� :‬أ ّنه ال وجود للحاجة املعتربة ً‬
‫بح�سب و�سعه وقدرته‪ ،‬وبح�سب من معه؛ وبهذا أُ�مر؛ �أن يتقي اهلل ما ا�ستطاع‪.‬‬
‫فال وجود ملعنى احلاجة املبيحة للمحظور‪ ،‬وال للعجز امل�سقط للواجب‪.‬‬
‫واهلل �أمرنا بتقواه ما ا�ستطعنا‪ ،‬فال وجود ملعنى احلاجة والإجلاء �إلى مثل‬
‫هذه ال�صفة املُخ ّلة بالعبادة من ال�صالة عن طريق البث‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬هو ما �سبق ذكره يف موا�ضع عدة؛ وهو �أنّ العبادات ال يحل تغيري‬
‫�صفتها �إال ب�إذن من اهلل ور�سوله‪ ،‬و�أنّ مبناها على االتباع ال على االبتداع‪.‬‬
‫واهلل تعالى �أعلم و�أحكم‪..‬‬

‫‪385‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫اخلامتة‬

‫فمما �سبق بيانه يف البحث يتبينّ �أنّ ال�صالة جماعة عرب البث املبا�شر ال‬
‫ت�صح‪ ،‬وهي خط�أ حم�ض‪ ،‬واجتهاد ال ي�سوغ‪ ،‬وفيه م�شابهة ومقاربة للبدعة يف‬
‫العبادة؛ ملا يلي‪:‬‬
‫•�أنّ �صفة العبادات مبناها على التوقيف واال ِّتباع؛ وال يجوز االخرتاع واالبتداع‬
‫فيها‪.‬‬
‫واحد يف بقعة واحدة ومكان‬‫•�أنّ �صالة اجلماعة حقيقتها االجتماع على �إمام ٍ‬
‫واحد على هيئة معلومة يف ال ّدين؛ فينتظم امل�صلون ب�إمامهم ويجتمعون‬
‫�إليه على تلك ال�صفة املعلومة التي جاءت ال�شريعة بها وتناقلها امل�سلمون؛‬
‫فالإخالل بهذه ال�صفة �إخالل بحقيقة اجلماعة و�صفتها ال�شرعية‪ ،‬و� ُ‬
‫إحداث‬
‫�صفة �أخرى ال ُت�شبه ما ُ�شرع فيها حقيقة؛ لأن امل�صلي الذي ال يجمعه ب�إمامه‬
‫تابع لإمامه حقيقة؛ �إذ لي�س جمتم ًعا به؛ فكيف له �أن ي�أمت به‪،‬‬
‫مكان واحد غري ٍ‬
‫وي�صلي معه‪ ،‬ويبني �صالته على �صالته؛ وهو لي�س معه‪.‬‬
‫•�أنّ �صالة امل�صلي مع �إمام يف بقعة �أخرى ُمبا ِين ٍة حيث �أمكن متابعته عرب البث‬
‫لي�س هو من قبيل التغيري يف الو�سائل غري املق�صودة يف العبادات‪ ،‬ك�صالة‬
‫وحم�سناته؛ بل هو من قبيل تغيري �أمر مق�صود يف‬ ‫ّ‬ ‫الإمام مبكربات ال�صوت‬
‫أمر مق�صود يف العبادة ال بد فيه من‬‫العبادة وهيئتها ونظامها و�صفتها؛ وتغري � ٍ‬
‫الإذن من اهلل ور�سوله‪.‬‬
‫•جاء يف كالم الفقهاء ال ّن�ص على اعتبار اجتماع امل�أموم مع �إمامه يف املكان‬
‫الواحد حقيقة‪.‬‬
‫•ال ي�صح بحال �إحلاق هذه امل�س�ألة مبا قاله الفقهاء من �صحة املتابعة ملن ر�أى‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪386‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫�أو �سمع �إمامه وامل�صلني؛ لأن مرادهم من كان يف مكان مع �إمامه؛ فلم يكن‬
‫يقع يف الت�صور غري ذلك‪.‬‬
‫•�أفتى جماهري املعا�صرين من كبار العلماء وهيئات الإفتاء ببطالن املتابعة‬
‫عرب البث املبا�شر ونحوه‪.‬‬

‫‪387‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬الأجوبة النافعة عن الأ�سئلة الواقعة‪ ،‬لل�شيخ عبداهلل بن عقيل‪ ،‬ر�سائل بني ابن‬
‫عقيل و�شيخه ال�سعدي‪ ،‬قام ب�إخراج الر�سائل‪ :‬هيثم بن جواد احلداد‪ ،‬دار ابن‬
‫اجلوزي الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬
‫‪�2.2‬إحكام الإحكام �شرح عمدة الأحكام؛ لأبي الفتح‪ ،‬حممد بن علي بن وهب بن‬
‫مطيع‪ ،‬تقي الدين الق�شريي‪ ،‬املعروف ك�أبيه وجده بابن دقيق العيد‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫مطبعة ال�سنة املحمدية‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪3.3‬الأخبار العلمية من االختيارات الفقهية البن تيمية‪ ،‬عالء الدين �أبو احل�سن علي‬
‫بن حممد البعلي (ت‪ ،)803 :‬ت‪� :‬أحمد اخلليل‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار العا�صمة الريا�ض‪.‬‬
‫‪�4.4‬أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار؛ امل�ؤلف‪� :‬أبو الوليد حممد بن عبداهلل بن‬
‫الأزرق الغ�ساين املكي املعروف بالأزرقي (ت‪250 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬ر�شدي ال�صالح‬
‫ملح�س‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الأندل�س للن�شر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪5.5‬الأعالم؛ خلري الدين بن حممود بن حممد بن علي بن فار�س‪ ،‬الزركلي‬
‫الدم�شقي (ت‪1396 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار العلم للماليني‪ .‬الطبعة اخلام�سة ع�شر‪:‬‬
‫�أيار‪/‬مايو ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪6.6‬الإقناع ب�صحة �صالة اجلمعة يف املنزل عرب املذياع؛ لأبي الفي�ض حممد بن‬
‫�أحمد الغماري‪ ،‬النا�شر‪ :‬مطبعة دار الت�أليف‪ .‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪7.7‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف؛ لعالء الدين‪� ،‬أبو احل�سن علي بن‬
‫�سليمان املرداوي الدم�شقي ال�صاحلي احلنبلي (ت‪885 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫�إحياء الرتاث العربي‪ .‬الطبعة الثانية‪ :‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪8.8‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع؛ لأبي بكر بن م�سعود بن �أحمد الكا�ساين احلنفي‬
‫(ت‪587 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة الثانية‪1406 :‬هـ‪1986 /‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪388‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫‪9.9‬بغية الباحث عن زوائد م�سند احلارث؛ امل�ؤلف‪� :‬أبو حممد احلارث بن حممد‬
‫بن داهر التميمي البغدادي اخل�صيب املعروف بابن �أبي �أ�سامة (ت‪282 :‬هـ)‪،‬‬
‫املنتقي‪� :‬أبو احل�سن نور الدين علي بن �أبي بكر بن �سليمان بن �أبي بكر الهيثمي‬
‫(ت‪ 807 :‬هـ)‪.‬املحقق‪ :‬د‪ .‬ح�سني �أحمد �صالح الباكري‪ ،‬النا�شر‪ :‬مركز خدمة‬
‫ال�سنة وال�سرية النبوية ‪ -‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪1413 ،‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪1010‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق مع حا�شية ِّ‬
‫ال�ش ْل ِب ِّي؛ لعثمان بن علي بن‬
‫حمجن البارعي‪ ،‬فخر الدين الزيلعي احلنفي (ت‪ 743 :‬هـ)‪ .‬واحلا�شية ل�شهاب‬
‫الدين �أحمد بن حممد بن �أحمد بن يون�س بن �إ�سماعيل بن يون�س ِّ‬
‫ال�ش ْل ِب ُّي (ت‪:‬‬
‫‪1021‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬املطبعة الكربى الأمريية ‪ -‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪ .‬الطبعة الأولى‪:‬‬
‫‪1313‬هـ‪.‬‬
‫‪1111‬حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج مع حا�شية ال�شرواين والعبادي؛ لأحمد بن حممد‬
‫بن علي بن حجر الهيتمي (ت‪977 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي ‪-‬‬
‫بريوت‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪1212‬جامع العلوم واحلكم يف �شرح خم�سني حدي ًثا من جوامع الكلم؛ امل�ؤلف‪ :‬زين‬
‫ال�سالمي‪ ،‬البغدادي‪ ،‬ثم‬ ‫الدين عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب بن احل�سن‪َ ،‬‬
‫الدم�شقي‪ ،‬احلنبلي (ت‪795 :‬هـ) املحقق‪� :‬شعيب الأرنا�ؤوط ‪� -‬إبراهيم باج�س‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬ال�سابعة‪1422 ،‬هـ‪2001/‬م‪.‬‬
‫‪1313‬حا�شيتا قليوبي وعمرية؛ لأحمد �سالمة القليوبي (ت‪1069 :‬هـ) و�أحمد الربل�سي‬
‫عمرية (ت‪957 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‪� .‬سنة‬
‫الن�شر‪1415 :‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪1414‬دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى؛ املعروف ب�شرح منتهى الإرادات‪ .‬ملن�صور بن‬
‫يون�س بن �صالح الدين ابن ح�سن بن �إدري�س البهوتي احلنبلي (ت‪1051 :‬هـ)‪.‬‬
‫النا�شر‪ :‬عامل الكتب‪ .‬الطبعة الأولى‪1414 :‬هـ‪1993/‬م‪.‬‬
‫‪1515‬رد املحتار على الدر املختار؛ البن عابدين‪ ،‬حممد �أمني بن عمر بن عبدالعزيز‬

‫‪389‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫عابدين الدم�شقي احلنفي (ت‪1252 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪-‬بريوت‪ .‬الطبعة‬


‫الثانية‪1412 :‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪�1616‬سنن ابن ماجه؛ لأبي عبداهلل حممد بن يزيد ‪-‬وهو ماجه‪ -‬القزويني (ت‪:‬‬
‫‪273‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ .‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪�1717‬سنن �أبي داود؛ لأبي داود �سليمان بن الأ�شعث بن �إ�سحاق بن ب�شري بن �شداد‬
‫ال�س ِج ْ�ستاين (ت‪275 :‬هـ)‪ .‬املحقق‪ :‬حممد حميي الدين‬ ‫بن عمرو الأزدي ِّ‬
‫عبداحلميد‪ .‬النا�شر‪ :‬املكتبة الع�صرية‪� ،‬صيدا ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪�1818‬سنن الرتمذي؛ ملحمد بن عي�سى بن َ�س ْورة بن مو�سى بن ال�ضحاك الرتمذي‪،‬‬
‫�أبو عي�سى (ت‪279 :‬هـ)‪ .‬املحقق‪ :‬ب�شار عواد معروف‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الغرب‬
‫الإ�سالمي‪� .‬سنة الن�شر‪1998 :‬م‪.‬‬
‫‪�1919‬سنن الدارمي؛ امل�ؤلف‪� :‬أبو حممد عبداهلل بن عبدالرحمن بن الف�ضل بن َبهرام‬
‫بن عبدال�صمد الدارمي‪ ،‬التميمي ال�سمرقندي (ت‪255 :‬هـ) حتقيق‪ :‬ح�سني‬
‫�سليم �أ�سد الداراين النا�شر‪ :‬دار املغني للن�شر والتوزيع‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الأولى‪1412 ،‬هـ‪ 2000/‬م‪.‬‬
‫‪2020‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع؛ امل�ؤلف‪ :‬حممد بن �صالح بن حممد العثيمني‪،‬‬
‫دار الن�شر‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪1428-1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�2121‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان؛ ملحمد بن حبان بن �أحمد بن حبان بن‬
‫معاذ بن َم ْع َبد‪ ،‬التميمي‪� ،‬أبو حامت‪ ،‬الدارمي‪ ،‬ال ُب�ستي (ت‪354 :‬هـ)‪ .‬املحقق‪:‬‬
‫�شعيب الأرنا�ؤوط‪ .‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ .‬الطبعة الثانية‪1414 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫‪�2222‬صحيح ابن خزمية؛ لأبي بكر حممد بن �إ�سحاق بن خزمية بن املغرية بن‬
‫�صالح بن بكر ال�سلمي الني�سابوري (ت‪311 :‬هـ) املحقق‪ :‬د‪ .‬حممد م�صطفى‬
‫الأعظمي‪ .‬النا�شر‪ :‬املكتب الإ�سالمي ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪�2323‬صحيح البخاري؛ للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪390‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫املغرية اجلعفي البخاري (ت‪256 :‬هـ)‪ .‬املحقق‪ :‬حممد زهري بن نا�صر النا�صر‪.‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار طوق النجاة‪ .‬الطبعة الأولى ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪�2424‬صحيح م�سلم؛ للإمام م�سلم بن احلجاج‪� ،‬أبي احل�سن الق�شريي الني�سابوري‬
‫(ت‪261 :‬هـ)‪ .‬املحقق‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ .‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث‬
‫العربي ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪2525‬فتاوى �أركان الإ�سالم؛ لل�شيخ حممد بن �صالح العثيمني؛ جمع فهد ال�سليمان‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪2626‬فتاوى ال�شيخ حممد �أبو زهرة؛ جمع د‪ .‬حممد عثمان �شبري‪ ،‬النا�شر دار القلم‪،‬‬
‫دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬
‫‪2727‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء؛ بعناية‪� :‬أحمد بن عبدالرزاق‬
‫الدوي�ش‪ .‬النا�شر‪ :‬الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء‪.‬‬
‫‪2828‬فتاوى م�صطفى الزرقا؛ جمعها‪ :‬جمد �أحمد مكي‪ .‬النا�شر‪ :‬دار القلم ‪ -‬دم�شق‪.‬‬
‫الطبعة الأولى‪1420 :‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪2929‬فتاوى نور على الدرب البن باز؛ جمعها‪ :‬الدكتور حممد بن �سعد ال�شويعر‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬الرئا�سة العامة للإفتاء‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪3030‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري؛ لأبي الفرج عبدالرحمن ابن �شهاب الدين‬
‫البغدادي ثم الدم�شقي ال�شهري بابن رجب‪ .‬حتقيق‪� :‬أبو معاذ طارق بن عو�ض اهلل‬
‫ابن حممد‪ .‬النا�شر‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ال�سعودية ‪ -‬الدمام‪ .‬الطبعة الثانية‪1422 :‬هـ‪.‬‬
‫‪3131‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري؛ لأحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل‬
‫الع�سقالين ال�شافعي‪ .‬ب�إ�شراف‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ .‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة ‪-‬‬
‫بريوت‪ .‬بتاريخ‪1379 :‬هـ‪.‬‬
‫‪3232‬فقه احلافظ �أحمد الغماري‪ ،‬لـ احل�سن بن علي الكتاين‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪391‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫‪3333‬الفواكه الدواين على ر�سالة ابن �أبي زيد القريواين؛ لأحمد بن غامن بن �سامل‬
‫ابن مهنا‪� ،‬شهاب الدين النفراوي الأزهري املالكي (ت‪1126 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‪ .‬تاريخ الن�شر‪1415 :‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪3434‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع؛ ملن�صور بن يون�س بن �صالح الدين ابن ح�سن بن‬
‫�إدري�س البهوتي احلنبلي (ت‪1051 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة‬
‫الأولى‪1418 :‬هـ‪.‬‬
‫‪3535‬املبدع يف �شرح املقنع؛ لإبراهيم بن حممد بن عبداهلل بن حممد ابن مفلح‪،‬‬
‫�أبو �إ�سحاق‪ ،‬برهان الدين (ت‪884 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪ .‬الطبعة الأولى‪1418 :‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪3636‬جمموع الفتاوى؛ لأبي العبا�س تقي الدين �أحمد بن عبداحلليم بن تيمية‬
‫احلراين (ت‪728 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫جممع امللك فهد لطباعة امل�صحف‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬ال�سعودية‪ .‬عام الن�شر‪:‬‬
‫‪1416‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪3737‬املجموع �شرح املهذب للنووي مع تكملة ال�سبكي واملطيعي؛ لأبي زكريا حميي‬
‫الدين يحيى بن �شرف النووي (ت‪676 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪� .‬سنة‬
‫الن�شر‪1997 :‬م‪.‬‬
‫‪3838‬املُحلى بالآثار؛ لأبي حممد علي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الأندل�سي القرطبي‬
‫الظاهري (ت‪456 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‬
‫وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪3939‬خمت�صر التحرير �شرح الكوكب املنري؛ لتقي الدين �أبو البقاء حممد بن �أحمد‬
‫بن عبدالعزيز بن علي الفتوحي املعروف بابن النجار احلنبلي (ت‪972 :‬هـ)‪.‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد الزحيلي ونزيه حماد‪ .‬النا�شر‪ :‬مكتبة العبيكان‪ .‬الطبعة الثانية‪:‬‬
‫‪1418‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪4040‬املدونة الكربى؛ رواية �سحنون عن ابن القا�سم عن الإمام مالك بن �أن�س‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪392‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة الأولى‪1415 :‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬


‫‪4141‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل؛ لأبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل بن هالل‬
‫بن �أ�سد ال�شيباين (ت‪241 :‬هـ)‪ .‬املحقق‪� :‬شعيب الأرنا�ؤوط وعادل مر�شد‬
‫و�آخرون‪ .‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ .‬الطبعة الأولى‪ 1421 :‬هـ‪ 2001/‬م‪.‬‬
‫‪4242‬املحيط الربهاين يف الفقه النعماين؛ امل�ؤلف‪� :‬أبو املعايل برهان الدين حممود‬
‫بن �أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن َما َز َة البخاري احلنفي (ت‪616 :‬هـ)‬
‫املحقق‪ :‬عبدالكرمي �سامي اجلندي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪1424 ،‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬
‫‪4343‬املطالب العالية بزوائد امل�سانيد الثمانية؛ لأبي الف�ضل �أحمد بن علي بن حممد‬
‫بن �أحمد بن حجر الع�سقالين (ت‪852 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬جمموعة باحثني‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫دار العا�صمة‪ ،‬دار الغيث ‪ -‬ال�سعودية‪ .‬الطبعة الأولى‪1419 :‬هـ‪.‬‬
‫‪4444‬مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج؛ ل�شم�س الدين‪ ،‬حممد بن �أحمد‬
‫اخلطيب ال�شربيني ال�شافعي (ت‪977 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة‬
‫الأولى‪1415 :‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪4545‬املغني البن قدامة؛ �أبو حممد موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن‬
‫قدامة اجلماعيلي املقد�سي ثم الدم�شقي احلنبلي‪ ،‬ال�شهري بابن قدامة املقد�سي‬
‫(ت‪620 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬مكتبة القاهرة‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‪ .‬تاريخ الن�شر‪:‬‬
‫‪1388‬هـ‪1968/‬م‪.‬‬
‫‪4646‬منتهى الإرادات؛ لتقي الدين حممد بن �أحمد الفتوحي احلنبلي ال�شهري بابن‬
‫النجار (ت‪972 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪ .‬النا�شر‪:‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ .‬الطبعة الأولى‪1419 :‬هـ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪4747‬منح اجلليل �شرح خمت�صر خليل؛ ملحمد بن �أحمد بن حممد علي�ش‪� ،‬أبو عبداهلل‬
‫املالكي (ت‪1299 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ .‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‪ .‬تاريخ‬
‫الن�شر‪1409 :‬هـ‪1989/‬م‪.‬‬

‫‪393‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫عبدالعزيز بن رشيد الغازي‬

‫‪4848‬منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه؛ لأبي زكريا حميي الدين يحيى بن‬
‫�شرف النووي (ت‪676 :‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬عو�ض قا�سم عو�ض‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫الطبعة الأولى‪1425 :‬هـ‪2005/‬م‪.‬‬
‫‪4949‬املوافقات؛ �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي‬
‫(ت‪790 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار ابن عفان‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الطبعة الأولى ‪1417‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪5050‬مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر خليل؛ لأبي عبداهلل حممد بن حممد بن‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬املعروف باحلطاب ال ُّرعيني املالكي (ت‪954 :‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ .‬الطبعة الثالثة‪1412 :‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪5151‬النكت والفوائد ال�سنية على م�شكل املحرر؛ امل�ؤلف‪� :‬إبراهيم بن حممد بن‬
‫عبداهلل بن حممد ابن مفلح‪� ،‬أبو �إ�سحاق‪ ،‬برهان الدين (ت‪884 :‬هـ)‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫مكتبة املعارف ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪5252‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج مع حا�شية ال�شربامل�سي والر�شيدي؛ ل�شم�س‬
‫الدين حممد بن �أبي العبا�س �أحمد بن حمزة �شهاب الدين الرملي (املتوفى‪:‬‬
‫‪1004‬هـ)‪ .‬النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ .‬الطبعة‪1404 :‬هـ‪1984/‬م‪.‬‬
‫‪5353‬حا�شية �أبي ال�ضياء نور الدين بن علي ال�شربامل�سي الأقهري (ت‪1087 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪5454‬حا�شية �أحمد بن عبدالرزاق املعروف باملغربي الر�شيدي (ت‪1096 :‬هـ)‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪394‬‬


‫الصالة مع اإلمام عرب البث املباشر ‪ -‬دراسة‬

‫فقهية تأصيلية‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة ‪359 .....................................................................‬‬


‫التمهيد‪ :‬وفيه التعريف بامل�س�ألة وتاريخها ‪362 ...................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬الأ�صول ال�شرعية التي ترجع �إليها امل�س�ألة ‪364 .....................‬‬
‫املبحث الثاين‪� :‬أ�صول الفقهاء يف باب الإمامة واالئتمام ‪373 .....................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ن�صو�ص الفقهاء املعا�صرين يف امل�س�ألة ‪377 .......................‬‬
‫املبحث الرابع‪ُ :‬حكم امل�س�ألة ‪380 ................................................‬‬
‫اخلامتة‪386 ....................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪388 .......................................................‬‬

‫‪395‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر‬
‫الحج وال ُعمرة‬
‫ّ‬
‫دراسة فقهية م�قارنة‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬م�شاعل بنت ن َّفال احلارثي‬
‫الأُ� ْست َاذ املُ� َساعد يف ال ِف ْقه و أُ� ُ�صوله قِ� ْسم َّ‬
‫الدرا� َسات الإ�سالمية‬
‫التبية بجامعة امللك �سعود‬ ‫بكليَّة رَّ‬
‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪398‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫ملخص البحث‬

‫هذا البحث جاء حتت عنوان (�أثر جائحة ُ كُورُونَا على �أداء �شعائر احلجّ‬
‫وال ُعمْرِ ة)‪ ،‬ولتعلق هذا املو�ضوع بجائحة م�سَّ تجدة تُع ّد من النَّوازل اجلديدة التي‬
‫يرتتب عليها �آثار و�أحكام فقهيَّة؛ ف�إنَّني قد تناولت �أهم امل�سائل امل�سَّ تجدة واملتعلقة‬
‫ب�أداء �شعائر احلجّ وال ُع ْمرَة‪ ،‬والتي �أثّر فيها انت�شار فريو�س كُورُونَا‪ ،‬و�شمل ذلك جملة‬
‫من امل�سائل‪� :‬أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات العَدْ وَى‬
‫والأخذ بالأ�سباب‪ ،‬و�أثر جائحة كُورُونَا يف قرار �إيقاف �أداء �شعائر احلجّ وال ُع ْمرَة‪،‬‬
‫من بيان حقيقة دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة �إلى مكَّة واملدينة‪ ،‬وبيان حقيقة‬
‫فريو�س كُورُونَا؛ وهل يُع ّد طاعونًا؟ وبيان حكم �أداء فري�ضة احلجّ مع وجود الوباء‬
‫وانت�شاره‪ ،‬وبيان احلكم ال�شَّ رعي لقرار �إلغاء �شعريتي احلجّ وال ُع ْمرَة ب�سبب انت�شار‬
‫فريو�س كُورُونَا‪ ،‬وتاريخ منع احلجّ عرب الع�صور ال�سَّ ابقة‪ ،‬و�أثر جائحة كُورُونَا يف �أداء‬
‫�شعائر احلجّ وال ُع ْمرَة‪ ،‬من لب�س الكِ مامة والقفازين للحاجِّ احرتازًا من انت�شار الوباء‪،‬‬
‫ومن �أحرم باحلجّ ثم ُمنِع من ذلك احرتازًا من انت�شار الوباء‪� ،‬أو �أحرم باحلجّ ثم‬
‫�أ�صيب بالوباء‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬انت�شار ‪ -‬فريو�س ‪-‬كُورُونَا ‪� -‬أثر‪� -‬شعائر‪ -‬احلجّ ‪ -‬ال ُع ْمرَة‪.‬‬

‫‪399‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املقدمة‬

‫وال�صالة وال�سَّ الم على من وجَّ هنا‬


‫احلمد هلل الذي �شاء وقدّر‪ ،‬وحكم ودبّر‪َّ ،‬‬
‫و�أر�شدنا ملا فيه �صالح ديننا ودنيانا‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬
‫من �سنن اهلل ‪ ‬يف هذا الكون �أنْ جعل هذه الدَّنيا دار ابتالء وامتحان؛‬
‫وذلك �أنَّ طبيعة احلياة الدَّنيا وطبيعة الب�شر فيها تقت�ضي �أال يخلو احلال من تعاقب‬
‫املحن والأزمات والأوبئة على جن�س الب�شريَّة على مر ع�صور التَّاريخ‪ ،‬و�إنزال �أنواع‬
‫االبتالءات بهم‪.‬‬
‫ويف هذه الأيام ان�شغل العامل بوجود هذا الوباء الذَّ ي يزداد انت�شارًا يومً ا بعد‬
‫يوم‪ ،‬وامل�سمَّى بفريو�س كُورُونَا امل�ستجد (كُوفِيد‪ ،)19-‬وال يخفى على اجلميع �سرعة‬
‫انت�شاره بني النَّا�س و�سرعة العَدْ وَى به؛ ممَّ ا يرتتب عليه اتّ�ساع دائرة الوباء وتف�شيه بني‬
‫عامَّة النَّا�س‪ ،‬وهذا قد ي�ؤدي �إلى فقد ال�سَّ يطرة على هذا الوباء باتَّ�سَ اع انت�شاره‪ ،‬وعدم‬
‫ال�صحية للم�صابني‪ ،‬وبالتَّايل ارتفاع حاالت الوفاة‪ ،‬مما‬ ‫التَّمكن من توفري الرَّعاية َّ‬
‫دفع بحكومتنا الرَّ�شيدة ‪�-‬أعزّها اهلل ‪� -‬إلى اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية‬
‫التَّي تُ�ساعد ‪-‬ب�إذن اهلل تعالى‪ -‬يف احل َّد من انت�شاره‪ ،‬فجاء القرار بـاتَّخاذ الإجراءات‬
‫االحرتازية‪ ،‬وذلك ب�إيقاف العمرة‪ ،‬والإلزام بالبقاء يف البيت‪ ،‬واملنع من االجتماعات‬
‫والتَّجوال‪ ،‬وتعطيل امل�ؤ�سَّ �سَ ات التَّعليمية‪ ،‬و�إجازة املوظَّ فني‪ ،‬وفر�ض متابعة الدَّرا�سة‬
‫املن�صات الإلكرتونية‪ ،‬ولو‬‫عن ُبعْد‪ ،‬و�أداء مهام العمل وعقد االجتماعات عن طريق َّ‬
‫ا�ستمر الأمر على ما هو عليه الآن؛ فهل من املتوقِع �إلغاء مو�سم احلجّ لهذا العام؟‬
‫�أم �أنه �سيُقام مع التَّ�شديد يف الإجراءات االحرتازية؟ وبهذا تظهر لنا م�شكلة هذا‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪400‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫البحث التَّي يَبرْ ز من خاللها احلاجة �إلى �إي�ضاح الأحكام ال�شَّ رعية املتعلقة ب�أداء‬
‫منا�سك احلجّ والعمرة يف ظلِّ ظروف هذه اجلائحة‪.‬‬
‫�أهمية البحث و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫تكمن يف الأمور الآتية‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أ�نَّه يُعالج م�شكلة متعلقة ب�شعريتني من �شعائر الإ�سالم‪ ،‬وهما �أداء منا�سك‬
‫احلجّ والعمرة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن م�سائل هذا البحث حتتاج �إلى ت�أ�صيل فقهي‪ ،‬لعدم وجود درا�سة فقهيَّة‬
‫�أكادميية متعلقة بهذا املو�ضوع‪.‬‬
‫‪3.3‬حاجة كثري من النَّا�س ملعرفة الأحكام املتعلقة بهذا املو�ضوع‪.‬‬
‫الدَّرا�سات ال�سَّ ابقة‪:‬‬
‫مل �أجد ‪-‬ح�سب بحثي واطالعي‪ -‬درا�سة متخ�ص�صة بدرا�سة هذا املو�ضوع لتعلقه‬
‫بجائحة عاملية م�سَّ تجدة ُتعّد من النَّوازل اجلديدة التي يرتتب عليها �آثار و�أحكام‬
‫وتق�ص وتفتي�ش يف هذه الآثار والأحكام‪ .‬ولقد قُمت‬
‫فقهيَّة حتتاج �إلى مزيد بحث ٍّ‬
‫با�ستعرا�ض الكتابات والأبحاث ال�سَّ ابقة وامل�شابهة ملو�ضوع هذا البحث‪ ،‬ومن هذه‬
‫الكتابات‪:‬‬
‫‪1.1‬الأحكام ال�شَّ رعية املتعلقة بالوباء والطَّ اعون‪ ،‬مع درا�سة فقهية للأحكام‬
‫املتعلقة بــــ(فريو�س كُورُونَا)‪ ،‬للباحث هيثم بن قا�سم احلَ مري‪1441 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪2020‬م‪ ،‬وتناول فيه م�س�ألتني فقهيتني متعلقتني ب�أداء احلجّ والعمرة‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫حكم لب�س الكِ مامات للمحرم بحجٍّ �أو عمرة‪ ،‬وحكم لب�س القفازات يف‬
‫الإحرام‪.‬‬
‫‪2.2‬النَّوازل يف احلجّ ‪ ،‬لعلي بن نا�صر ال�شَّ لعان‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار التوحيد ‪ -‬الريا�ض‪،‬‬
‫‪1431‬هـ‪2011/‬م‪ ،‬و�أ�صل هذا الكتاب ر�سالة علمية لنيل الدَّكتوراه‪ ،‬كلية‬

‫‪401‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫ال�شَّ ريعة ‪ -‬جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ .‬تناول الباحث فيها‬
‫نوازل احلجّ ‪ ،‬وبيان احلكم ال�شَّ رعي‪� ،‬سوا ًء كانت هذه النَّوازل طارئة �أو‬
‫م�سَّ تجدة ومل تكن عند املتَقدمَّني �أو كانت عند املتقدمَّني‪ ،‬وطر�أ عليها ما‬
‫ي�ستدعي بحثها واالجتهاد فيها‪� ،‬أو مل تتعر�ض للأمرا�ض املُعدية البتة‪.‬‬
‫‪3.3‬بحث �أثر الأمرا�ض املعدية يف �أداء فري�ضة احلجّ درا�سة فقهية‪ ،‬للدكتور خالد‬
‫بن عيد اجلري�سي‪ ،‬جامعة �أم القرى‪ ،‬مكَّة املكرَّمة‪ ،‬ال�سجل العلمي للملتقى‬
‫العلمي ‪� 16‬أبحاث احلجّ والعمرة والزَّيارة ‪1437 -‬هـ‪ ،‬معهد خادم احلرمني‬
‫ال�شَّ ريفني لأبحاث احلجّ والعمرة ‪ -‬جامعة �أم القرى‪ .‬ويعالج الباحث فيه‬
‫عدة ا�ستف�سارات‪ :‬هل يحق للجهة امل�شرفة على احلجّ منع حجَّ اج البلد الذي‬
‫ينت�شر فيه مر�ض مُعدٍ ؟‪ ،‬وهل يجوز حلامل املر�ض �أن يُقدم على احلَّج مع‬
‫حمله للمر�ض‪.‬‬
‫‪�4.4‬أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬للباحث عبدالإله بن �سعود‬
‫ال�سَّ يف‪ ،‬وهي ر�سالة ماج�ستري ‪ -‬جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‬
‫نُوق�شت عام ‪1326‬هـ‪ ،‬ومل تطبع بعد‪ .‬وقد تناول الباحث فيه �أحكام امل�صاب‬
‫باملر�ض املعدي يف احلجّ ‪ ،‬وجعلها يف مطلبني‪ :‬املطلب الأول‪ :‬تناول فيه حكم‬
‫احلجّ يف حق امل�صـاب باملر�ض املعـدي �أو النَّيابـة عنه‪ ،‬وفيه ثالث م�سائل‪:‬‬
‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬حكم احلجّ يف حق امل�صاب باملر�ض املعدي‪ ،‬وامل�س�ألة الثانية‪:‬‬
‫حكم النيابة يف احلجّ عن امل�صاب باملر�ض املعدي‪ ،‬وامل�س�ألة الثالثة‪ :‬حكم‬
‫الإح�صار بامل�صاب باملر�ض املعدي يف احلجّ والعمرة‪ ،‬واملطلب الثاين‪ :‬تناول‬
‫فيه حكم �إيجاب التَّق�صري ل�شعر الر�أ�س يف حق امل�صاب باملر�ض املعدي‪.‬‬
‫ويظهر مما �سبق ا�ستعرا�ضه �أن مو�ضوع هذا البحث يختلف عن غريه من‬
‫الدَّرا�سات ال�سَّ ابقة؛ �إذ �إنه ُي ْعنَى بدرا�سة �أثر من �آثار جائحة كُورُونَا‪ ،‬والتي هي من‬
‫الق�ضايا والنَّوازل امل�سَّ تجدة يف العامل مما يدلل على �أن هذا البحث يختلف عن غريه‬
‫من الدَّرا�سات‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪402‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫الهدف من الدَّرا�سة‪:‬‬
‫‪1.1‬بيان العالقة بني �إثبات حقيقة العَدْ وَى يف الأمرا�ض املعدية‪ ،‬وبني ما يتخذ‬
‫ال�صحية‪.‬‬
‫من �إجراءات الوقاية َّ‬
‫‪2.2‬التَّفريق بني حقيقة الطَّ اعون وحقيقة فريو�س كُورُونَا‪ ،‬والتَّحقق من حقيقة‬
‫دخول الأوبئة كالطَّ اعون م َّك َة املكرَّمة واملدين َة املنَّورة‪.‬‬
‫‪�3.3‬إي�ضاح الآثار ال�شَّ رعية جلائحة ُ كُورُونَا امل�سَّ تجدة وت�أثريها يف �أداء �شعائر‬
‫احلجّ وال ُع ْمرَة‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اتبعت يف هذا البحث املنهج الآتي‪:‬‬
‫‪�1.1‬إذا كانت امل�س�ألة من م�سائل اخلالف ف�إنني اتبعت ما ي�أتي‪:‬‬
‫�أ‪ -‬حترير امل�س�ألة �إذا كانت فيها موا�ضع اتفاق واختالف بذكر موا�ضع‬
‫االتفاق‪ ،‬ثم موا�ضع االختالف‪.‬‬
‫ب‪ -‬ذكر الأقوال بن�سبتها ملن قال بها بالرجوع �إلى كتب املذهب نف�سه‪.‬‬
‫ج‪ -‬االعتماد على �أقوال فقهاء املذاهب الأربعة دون غريهم من الفقهاء‪.‬‬
‫د‪ -‬ذكر الأدلة ومناق�شتها �إن �أمكن ذلك‪ ،‬والترَّ جيح مع بيان �سببه �إن �أمكن‪.‬‬
‫‪2.2‬االعتماد على �أمهات امل�صادر واملراجع يف التَّخريج والتَّحرير والتَّوثيق‪.‬‬
‫‪3.3‬و�ضع خامتة ت�شتمل على �أبرز النَّتائج والتَّو�صيات التي ت�ضمنها البحث‪.‬‬
‫‪4.4‬تذييل البحث بقائمة من امل�صادر واملراجع‪ ،‬وفهر�س املو�ضوعات‪.‬‬
‫تق�سيمات البحث‪:‬‬
‫التمهيد‪� :‬أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات العَدْ وَى‬
‫والأخذ بالأ�سباب‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬

‫‪403‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املطلب الأول‪ :‬حقيقة انتقال العَدْ وَى بني الإثبات والنَّفي‪.‬‬


‫املطلب الثاين‪� :‬أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات‬
‫العَدْ وَى‪.‬‬
‫املبحث الأول‪� :‬أثر جائحة كُورُونَا يف قرار �إيقاف �أداء �شعائر احلجّ والعمرة‪ ،‬وفيه‬
‫ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حقيقة دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة مكَّة واملدينة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم �أداء فري�ضة احلجّ مع وجود فريو�س كُورُونَا وانت�شاره‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احلكم ال�شرعي املرتتب على قرار �إلغاء �شعريتي احلجّ والعمرة‬
‫ب�سبب انت�شار فريو�س كُورُونَا‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪� :‬أثر جائحة كُورُونَا على �أداء �شعائر احلجّ والعمرة‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم لب�س الكِ مامة للدَّاخل يف نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من‬
‫انت�شار فريو�س كُورُونَا‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم لب�س القفازين للدَّاخل يف نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من‬
‫انت�شار فريو�س كُورُونَا‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬من �أحرم باحلجّ �أو العمرة ثم ُمنِع من �إمتام نُ�سْ كه احرتازًا من‬
‫انت�شار فريو�س كُورُونَا‪� ،‬أو لتحقق �إ�صابته بفريو�س كُورُونَا‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ا�ستخدام �سوائل ومناديل التَّعقيم للمحرم‪.‬‬
‫اخلامتة‪ ،‬والفهار�س‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪404‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫التَّمهيد‬
‫�أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات‬
‫الَعدْ وَى والأخذ بالأ�سباب‬

‫املطلب الأول‬
‫حقيقة انتقال العدوى بني الإثبات والنفي‬

‫اختلفت املذاهب يف �إثبات العدوى ونفيها‪ ،‬على ثالثة مذاهب‪:‬‬


‫املذهب الأول‪:‬‬
‫�أن العدوى تنتقل بنف�سها(((‪ ،‬وعلى هذا �أكرث العرب((( وبخا�صة الأطباء الذين‬
‫ذكروها يف كتبهم بعد درا�سات وجتارب(((‪.‬‬
‫وميكن �أن يُ�ستدل على ذلك‪ :‬بالأحاديث التي تنهى عن خمالطة املري�ض‪ ،‬كقوله‬
‫ثقيف ل ُيبَايع ُو ُه وكان‬
‫ﷺ‪ :‬اَ«ل يُو ِر ُد ممُ ْ رِ ٌ�ض عَ لَى م ُِ�صحٍّ (((»‪ ،‬و ِف ْعلِه عندما جاءه وف ُد ٍ‬
‫((( ال َع ْد َوى هي‪( :‬اعتقاد املرء �أن مكروهً ا َج َل َب �إليه مكروهً ا)‪ ،‬امل�سالك �شرح موط�أ مالك‪.)466/7( ،‬‬
‫بارك ا ُ‬
‫جل ْر ِب‪ ،‬وقد جاء النبي ﷺ مبا‬ ‫حاح َم ُ‬ ‫((( و َو َّظ ُفوا ذلك يف �أ�شعارهم‪ ،‬ومن ذلك قول ال�شاعر‪ُ :‬ت ْع ِدي ِّ‬
‫ال�ص َ‬
‫يكذب ذلك‪ ،‬وبني �أن ذلك كله من عند اهلل تبارك‪ ،‬انظر‪ :‬اال�ستذكار‪ ،)422/8( ،‬واملنتقى‪.)263/7( ،‬‬
‫((( فابن �سينا �أ�شار �إليها يف كتابه (القانون)‪ ،‬كما �أ�شار �إلى انتقال الأمرا�ض باملاء والرتاب‪ ،‬وذكر العدوى‬
‫واحل�صبة ب�أنهما داءين‬
‫َّ‬ ‫يف مر�ض ال�س ّل الرئوي‪ ،‬كما �أن الرازي ذكر العدوى‪ ،‬وو�صف داءي ا ُ‬
‫جلدَ ري‬
‫ينتقالن بالعدوى‪� .‬أما ابن اخلطيب الأندل�سي فقد جزم بوجود العدوى‪ ،‬من خالل مالحظته �أن من‬
‫خالط املر�ضى امل�صابني مبر�ض �سا ٍر مرا ًرا ابتلي به‪ ،‬ومن مل يخالطهم جنا من العدوى‪ .‬ودافع الطبيب‬
‫العربي ابن البيطار عن نظرية العدوى من خالل ر�سالته التي و�سمها بـ ( ُمقْنعة ال�سائل عن املر�ض‬
‫الهائل) عندما انت�شر مر�ض الطاعون يف �أوربا يف منت�صف القرن الرابع ع�شر‪ ،‬ووقوف �أوربا حياله‬
‫مكتوفة الأيدي‪ .‬وقد و�ضع العرب �أول نظام للحجر ملنع انت�شار الأوبئة‪ .‬انظر‪ :‬موقع نظرات يف الطب‬
‫الطب والإ�سالم‪.https://cutt.ly/bfniKfy :‬‬ ‫والأدب والإ�سالم‪ ،‬العدوى بني ّ‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)1743/4( )104‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب ال عدوى‪ ،‬وال طرية‪ ،‬وال هامة‪،‬‬
‫وال �صفر‪ ،‬وال نوء‪ ،‬وال غول‪ ،‬وال يورد ممر�ض على م�صح‪.‬‬

‫‪405‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫َاك فَارْجِ ْع(((»‪ ،‬وحملوا ذلك‬


‫فيهم رج ٌل جمذومٌ‪ ،‬ف�أر�سل �إليه النبي ﷺ‪�« :‬إِنَّا قَدْ بَا َي ْعن َ‬
‫على �إثبات انتقال العدوى وت�أثريها بنف�سها(((‪.‬‬
‫نُوق�ش‪ :‬ب�أنه ال منافاة بني الأحاديث التي تنهى عن مخُ الَطة املري�ض(((‪ ،‬وبني‬
‫الأحاديث التي تنفي وجود العدوى(((؛ �إذ �إنَّ نفي العدوى هو نهي عما كان يعتقده‬
‫�أهل اجلاهلية من �أنَّ الأمرا�ض ُت�ؤثّر بنف�سها وبطبعها من غري �إ�ضافة �إلى تقدير اهلل‬
‫وتدبريه‪ ،‬ويف النهي عن مخُ الَطة املر�ضى �إثباتٌ للأ�سباب التي جرت العادة بها لكن‬
‫بدون �أنَّ تَ�سْ تقِلَّ بنف�سها(((‪.‬‬
‫املذهب الثاين‪:‬‬
‫�أن العدوى ال تنتقل بنف�سها‪ ،‬وبه قال بع�ض الفقهاء(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا على ذلك‪:‬‬
‫‪1.1‬ب�أن قول النبي ﷺ‪« :‬ال عَ دْ وَى» نا�سخ لقوله ﷺ‪ :‬اَ«ل يُو ِر ُد ممُ ْ رِ ٌ�ض عَ لَى‬
‫م ُِ�صحٍّ (((»(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)1752/4( )2231‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب اجتناب املجذوم ونحوه‪.‬‬
‫((( انظر التو�ضيح‪.)557/27( ،‬‬
‫((( كما يف حديث �أبي هريرة ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ قال‪“ :‬وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد”‪ ،‬الذي‬
‫�أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)126/7( )5707‬كتاب الطب‪ ،‬باب املجذوم‪ ،‬وحديث عمرو بن‬
‫ثقيف رج ٌل جمذو ٌم‪ ،‬ف�أر�سل �إليه النبي ﷺ‪ « :‬إِ� َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ‬
‫اك‬ ‫وفد ٍ‬‫ال�شريد‪ ،‬عن �أبيه ‪ ‬قال‪ :‬كان يف ِ‬ ‫َّ‬
‫َفا ْرج ْع»‪� ،‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)126/7( )5707‬كتاب الطب‪ ،‬باب اجلذام‪ ،‬بلفظ‪“ :‬ال عدوى‬
‫وال طرية‪ ،‬وال هامة وال �صفر‪ ،‬وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد”‪ ،‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪)2220‬‬
‫(‪ ،)1742/4‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب ال عدوى‪ ،‬وال طرية‪ ،‬وال هامة‪ ،‬وال �صفر‪ ،‬وال نوء‪ ،‬وال غول‪ ،‬وال يورد‬
‫ممر�ض على م�صح‪ ،‬بلفظ‪“ :‬ال عدوى وال طرية‪ ،‬وال هامة وال �صفر‪ ،‬وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد”‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬عون الباري‪ ،)248/5( ،‬التو�ضيح‪.)427/27( ،‬‬
‫((( كعي�سى بن دينار‪ ،‬و�سحنون و�أبي عبيد‪ ،‬انظر‪ :‬اال�ستذكار‪ ،)422/8( ،‬واملنتقى‪ ،)263/7( ،‬والتو�ضيح‪،‬‬
‫(‪.)557/27‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( وممن زعم بالن�سخ عي�سى بن دينار‪ ،‬انظر‪ :‬امل�سالك �شرح موط أ� مالك‪ ،)466/7( ،‬والتو�ضيح‪.)427/27( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪406‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫نُوق�ش‪ :‬ببطالن دعوى الن�سخ‪ ،‬وف�سَّ روا ذلك بقولهم‪� :‬إن كان قوله ﷺ‪:‬‬
‫«ال عَ دْ وَى» �أتى مبعنى اخلرب والتَّكذيب لقول من يعتقد العَدْ وَى‪ ،‬فال يكون‬
‫نا�سخً ا له‪ ،‬و�إنمَّ ا يكون مبعنى �إن�شاء خرب‪� ،‬أما �إنْ كان جاء مبعنى النَّهي‪،‬‬
‫ب�أنْ ال تكرهوا دخول البعري اجلَ رْب بني إِ�بْلكم غري اجلَ رْبة‪ ،‬وال متتنعوا من‬
‫ذلك وال متنعوا منه؛ ف إ�نَّنا نقول ب�أنَّ ظاهر قوله ﷺ‪« :‬ال عَ دْ وَى(((» ورد يف‬
‫�أول احلديث‪ ،‬فمحال �أن يكون نا�سخً ا ملا ورد بعده(((؛ لأنَّ النَّا�سخ �إمنا يكون‬
‫نا�سخً ا حلكم قد ثبت قبله(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنَّ النَّهي من �إِيرِ اد امل ُِ�ص ُّح على املُمْرِ ِ�ض مل يكن املعنى املراد منه �أنَّ املر�ض‬
‫يُعدي بنف�سه‪ ،‬و�إمنا حُ مل على عدة معانٍ ‪ ،‬منها‪ :‬لئال يمُ ا�شي امل ُِ�ص ُّح املُمْرِ َ�ض‬
‫في�صيُبه الداء ف ُيكْذِ ب ما ورد يف احلديث «ال عَ دْ وَى» في�أثم(((‪ ،‬ولئال يت�أذى‬
‫ال�صادرة من املري�ض؛ ودللَّوا على ذلك‬ ‫امل ُِ�ص ُّح من ال َّر�ؤية القذرة املُ َنفِّرة َّ‬
‫بقوله ﷺ‪« :‬فمَن �أَعْ دَ ى الأوَّل؟(((»(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أنَّ قوله ﷺ‪« :‬ال عَ دْ وَى» َنفْيٌ ملا كانت العرب يف اجلاهليَّة تقوله من‬
‫لل�صحيح‬ ‫�أنْ املر�ض ُيعْدِ ي بنف�سه‪ ،‬فالعَدْ وَى وانتقالها يف جماورة املري�ض َّ‬
‫�إنمَّ ا هو من فعل اهلل ‪ ‬ابتداءً‪ ،‬كما َف َعلَه يف املري�ض الأول ابتداءً‪،‬‬
‫ُ�صحٍّ » حممول على �أنَّ اهلل ‪‬‬ ‫كما �أنَّ قول ﷺ‪ :‬اَ«ل يُو ِر ُد ممُ ْ رِ ٌ�ض عَ لَى م ِ‬
‫وال�صحة‪ ،‬وال ُي�ؤثَّر‬
‫قد �أجرى العادة بذلك‪ ،‬و�إنْ كان اهلل هو اخلالق للمر�ض َّ‬
‫�شي ٌء يف �شيءٍ (((‪.‬‬
‫((( لفظه‪َ “ :‬ال َع ْد َوى َو َال ِطيرَ َ َة‪َ ،‬و َال هَ َام َة َو َال َ�ص َف َر‪َ ،‬و ِف َّر ِمنَ ا َمل ْج ُذ ِوم َك َما َت ِف ُّر ِمنَ الأَ َ�س ِد”‪.‬‬
‫((( “وفر من املجذوم كما تفر من الأ�سد”‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�سالك �شرح موط أ� مالك‪.)469/7( ،‬‬
‫((( وممن قال بهذا التف�سري �سحنون‪ ،‬انظر‪ :‬التو�ضيح‪.)557/27( ،‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)1742/4( )2220‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب ال عدوى‪ ،‬وال طرية‪ ،‬وال هامة‪،‬‬
‫وال �صفر‪ ،‬وال نوء‪ ،‬وال غول‪ ،‬وال ُيورد ممُ ْ ر�ض على م�صح‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬التو�ضيح‪.)557/27( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستذكار‪ ،)422/8( ،‬وامل�سالك �شرح موط�أ مالك‪.)469/7( ،‬‬

‫‪407‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املذهب الثالث‪:‬‬
‫�أنَّ املر�ض ال ُيعْدي بطبعه‪ ،‬و�إنمَّ ا ذلك يت ُّم بفعل اهلل وقدَ رِه‪ ،‬وبه قال جمهور‬
‫الفقهاء(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا‪ :‬بالأحاديث التي وردت تنهى عن االعتقاد بانتقال العَدْ وَى بنف�سها‪ ،‬كقوله‬
‫ﷺ‪ :‬اَ«ل عَ دْ وَى و اََل طِ يرَ َ َة و اََل هَ امَ َة و اََل َ�ص َف َر(((»‪ ،‬وك ِفعْله عنَّدما �أكل مع المْ َجْ ذُ ومِ (((‪،‬‬
‫وحملوا هذا النَّهي على �أنَّ ال�شيء ال ُيعْدِ ي بطبعه‪ ،‬و�أنَّ الأمرا�ض ال ُتعْدِ ي بطبعها‬
‫من غري �إ�ضافة �إلى اهلل تعالى‪ ،‬ولهذا قال ﷺ‪« :‬فمَن أ�َعْ دَ ى الأوَّل؟(((»؛ فالنَّبي ﷺ‬
‫�أبطل ما كان �أهل اجلاهلية يعتقدونه من �أنَّ العَدْ وَى تنتقل بنف�سها وبطبعها؛ لي�ؤكد‬
‫ب�أنَّ اهلل ‪ ‬هو الذَّ ي يمُ ْرِ �ض ويُ�شّ فِي‪ ،‬ويف املقابل نهى عن مخُ الَطة املري�ض‬
‫ُ�صافَحة‬ ‫كقوله‪ِ « :‬ف َّر مِ نَ املَجْ ذُ ومِ َكمَا َت ِف ُّر مِ نَ الأَ�سَ دِ (((»‪ ،‬كما �أنَّه امتنع ﷺ عن م َ‬
‫ُف�ضي‬
‫المْ َجْ ذُ ومِ يف البيّعة‪ ،‬ليبني �أنَّ هذا من الأ�سباب((( التَّي �أجرى اهلل العادة ب أ�نَّها ت ِ‬
‫�إلى م�سبباتها‪� ،‬إال �أنَّها ال تَ�سْ تقِلَّ بنف�سها‪ ،‬واهلل �إنْ �شاء �سلبها ُقوَاها فال ُت ؤ�ثّر �شيئًا‬
‫و�إنْ �شاء �أبقاها ف�أثرت(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستذكار‪ ،)422/8( ،‬وامل�سالك �شرح موط أ� مالك‪ ،)469/7( ،‬والتو�ضيح‪..)427/27( ،‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬ح (‪ ،)20/4( )3925‬كتاب الطب‪ ،‬باب الطرية‪ ،‬والرتمذي يف �سننه‪ ،‬ح‬
‫(‪ ،)266/4( )1817‬كتاب �أبواب الأطعمة‪ ،‬باب ما جاء يف الأكل مع املجذوم‪ ،‬ولفظه‪�“ :‬أن ر�سول اهلل‬
‫ﷺ �أخذ بيد جمذوم ف�أدخله معه يف الق�صعة‪ ،‬ثم قال‪« :‬كل ب�سم اهلل‪ ،‬ثقة باهلل‪ ،‬اً‬
‫وتوكل عليه»‪ ،‬قال‬
‫الرتمذي‪“ :‬هذا حديث غريب ال نعرفه �إال من حديث يون�س بن حممد‪ ،‬عن املف�ضل بن ف�ضالة‪ ،‬واملف�ضل‬
‫بن ف�ضالة هذا �شيخ ب�صري‪ ،‬واملف�ضل بن ف�ضالة �شيخ �آخر م�صري �أوثق من هذا و�أ�شهر‪ .‬وقد روى‬
‫�شعبة هذا احلديث‪ ،‬عن حبيب بن ال�شهيد‪ ،‬عن ابن بريدة‪� ،‬أن عمر‪� ،‬أخذ بيد جمذوم‪ ،‬وحديث �شعبة‬
‫�أ�شبه عندي و�أ�صح”‪ ،‬و�ض ّعفه الألباين‪ ،‬انظر‪� :‬ضعيف �سنن الرتمذي‪� ،‬ص (‪.)206‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( موقف �أهل ال�سنة واجلماعة من الأخذ بالأ�سباب �أ َّنهم يثبتونها‪ ،‬ولك َّنهم ينزلونها باملحل الذي �أنزلها اهلل‬
‫‪ ‬من كونها حتت تدبريه وم�شيئته‪ ،‬بخالف الفرق التَّي �ضلت بني �إنكارها بالكل َّية‪ ،‬وبني �إثباتها‬
‫و�إثبات ت�أثريها من دون �أنْ تكون خا�ضعة لإرادة اهلل وم�شيئته‪ ،‬انظر‪ :‬مدارج ال�سالكني‪.)514/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬عون الباري‪ ،)248/5( ،‬التو�ضيح‪.)427/27( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪408‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫الرتجيح‪:‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪ -‬هو ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من �أنَّ املر�ض ال‬
‫ُيعْدِ ي بطبعه‪ ،‬و�إنمَّ ا يتم بفعل اهلل وقَدَ رِه؛ ملا يف ذلك من اجلمع بني الأدلة؛ �إذ �إنَّ‬
‫اجلمع والعمل بالأدلة �إنْ �أمكن �أولى من العمل ببع�ضها دون البع�ض الآخر‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫�أحكام اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتُها بحقيقة �إثبات العَدْ وَى‬
‫والأخذ بالأ�سباب‬

‫امل�ضار‪ ،‬وبينّ‬
‫دعا الدين الإ�سالمي �إلى الأخذ بالأ�سباب يف تحَ ِْ�صيل املنافع ودفع ّ‬
‫�أنَّ ذلك مطلبٌ �شرعيٌ ال يُنايف التوكل على اهلل ‪‬؛ �إذ �إنْ املكلف يَتعَاطَ ى‬
‫امتثال لأمر اهلل ‪ ‬مع علمه ويقينه ب أ�نَّه ال يقع �إال ما ي�شاء اهلل وقوعه‪،‬‬ ‫ال�سَّ بب اً‬
‫فهو متوك ٌل على اهلل‪ ،‬عا ٌمل ب�أنَّه ال ي ُِ�صيبه �إال ما كتب اهلل له(((؛ ومما ي�ؤيد ذلك �أنَّ‬
‫الرَّ�سول ﷺ �أر�شد الرَّجل الأعرابي �إلى اجلمع بني الأخذ بالأ�سباب والتوَّكل على اهلل‬
‫حينما قال له‪« :‬اعْ ِق ْلهَا َو َت َوكَّلْ (((»‪.‬‬
‫ال�صحية التي قامت العديد من‬ ‫ويندرج حتت هذا الباب الإجراءات االحرتازية َّ‬
‫دول العامل باتَّخاذها للح َّد من االنت�شار ال�سَّ ريع لفريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تجد‪ ،‬وكانت‬
‫اململكة العربية ال�سَّ عودية �سبَّاقة يف اتَّخاذها عدَّة �إجراءات احرتازية مبكرة ملنع‬
‫انتَّ�شار الفريو�س؛ فقد قرَّرت تعْليق الدَّخول لأغرا�ض العمرة(((‪ ،‬وزيَّارة امل�سَّ جد‬
‫((( انظر‪� :‬أ�ضواء البيان‪.)476/4( ،‬‬
‫�سم له با ًبا‪ ،‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه‪ ،‬ح (‪ ،)249/4( )2517‬كتاب �صفة القيامة‪ ،‬ومل ُي ِّ‬
‫“وهذا حديث غريب من حديث �أن�س‪ ،‬ال نعرفه �إال من هذا الوجه‪ ،‬وقد روي عن عمرو بن �أمية ال�ضمري‪،‬‬
‫وح�سنه الألباين يف �صحيح �سنن الرتمذي‪.)610/2( ،‬‬ ‫عن النبي ﷺ نحو هذا”‪َّ ،‬‬
‫((( وقد مت ت ْعليق العمرة بتاريخ (‪� )3‬شهر رجب (‪1441‬هـ) املوافق (‪ )27‬من �شهر فرباير (‪2020‬م)‪.‬‬
‫و�أ َّكدت وزارة ّ‬
‫احلج والعمرة ا�ستمرار ت ْعليق العمرة والزَّيارة يف الفرتة احلال َّية‪ ،‬وذلك مبوجب قرارات‬
‫القيادة ال َّر�شيدة لتطبيق الإجراءات املرحلية للعودة �إلى احلياة َّ‬
‫الطبيعية‪ ،‬و�أ�ضافت الوزارة‪� :‬أنه �ستتم‬

‫‪409‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫ال�صحة‬
‫النَّبوي من خارج اململكة وذلك قبل �أ�سبوعني تقريبًا من �إعالن منظَّ مة َّ‬
‫ت�صنيف فريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تج ّد (كُوفِيد‪ )19-‬وبا ًء عامليًا(((‪ ،‬وبعد ظهور‬ ‫العاملية َّ‬
‫حاالت يف اململكة من الإ�صابة بفريو�س كُورُونَا بد�أت بتقرير بع�ض الإجراءات‬
‫ال�صحي اجلزئي‪ ،‬ثم الكلَّي‪ ،‬و�إيقاف �صالة اجلمعة‪،‬‬ ‫االحرتازية؛ كفر�ض احلجر َّ‬
‫واجلماعة‪ ،‬و�صالة العيد‪ ،‬و�إيقاف الرَّحالت اخلارجية والدَّاخلية‪ ،‬و�إلغاء حجز‬
‫اال�ضطرار للخروج من املنزل‬ ‫ت�صاريح احلجّ (((‪ ،‬وفر�ض �إجراءات احرتازية عند َّ‬
‫من التَّباعد االجتماعي‪ ،‬واجتناب املعانقة‪ ،‬وامل�صافحة باليد‪ ،‬ولب�س الكِ مامة‪ ،‬وغ�سل‬
‫بال�صابون جيدً ا‪ ،‬والأخذ ب�آداب العُطا�س كو�ضع املنديل عند العُطا�س‪ ،‬ولُزوم‬ ‫اليدين َّ‬
‫لل�ضرورة‪ ،‬وغري ذَ لك من الإجراءات االحرتازية(((‪.‬‬ ‫املنزل‪ ،‬و�أ َّال يكون اخلروج �إال َّ‬
‫ال�صحة العاملية‪ ،‬بالإجراءات التَّي اتَّخذتها اململكة للتَّ�صدي‬
‫وقد �أ�شادت منظَّ مة َّ‬
‫لفريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تجد ومَ نْع انت�شاره‪ ،‬والتَّي �ساهمت ب�شكل كبري يف احل َّد من‬
‫انت�شار هذا الفريو�س(((‪.‬‬
‫وقد �أعدَّت اجلهات املعنية يف اململكة العربية ال�سَّ عودية ومبتابعة من حكومة‬
‫خادم ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها اهلل‪ -‬خُ طة مكونة من ثالث مراحل للتَّعاي�ش مع هذا‬
‫الفريو�س يف ظل هذه الظَّ روف‪ ،‬ولإمكان �إعادة احلياة �إلى طبيعتها‪ ،‬بدءًا بالتَّ�شديد‬
‫ال�صحي الكلَّي واجلزئي‪ ،‬وفر�ض العقوبات على خمالفي‬ ‫يف االحرتازات من احلجر َّ‬
‫هذه الإجراءات‪ ،‬ومن ثم التَّقليل من هذه الإجراءات مع احلر�ص بالتَّقيد ب�إجراءات‬
‫ال�سَّ المة‪ ،‬وتنتهي هذه املراحل باملرحلة الثَّالثة التي تُرفع فيها كثري من القيود‬
‫املخت�صة‪ .‬انظر‪ :‬موقع‬
‫َّ‬ ‫ال�صادرة من اللجنة‬
‫املراجعة ال َّدورية لذلك وفق م�سار اجلائحة والتَّو�صيات َّ‬
‫جريدة عكاظ‪.https://www.okaz.com.sa/news/local/2012711 :‬‬
‫وكان ذلك بتاريخ يف (‪ )16‬رجب (‪1441‬هـ) املوافق (‪ )11‬مار�س (‪2020‬م)‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬موقع وزارة احلج‪.https://www.haj.gov.sa/ar/Services/Details/31 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬موقع الوقاية من كورونا‪ ،‬وزارة ال�صحة‪ ،https://covid19awareness.sa/ :‬وموقع �أرقام‪:‬‬ ‫(((‬
‫‪.https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1359090‬‬
‫انظر‪ :‬موقع �أرقام‪.https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1359090 :‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪410‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫االحرتازية من رفع احلجر بالكليَّة مع التزام �إجراءات ال�سَّ المة حتى ن�ستطيع ب�إذن‬
‫اهلل تعالى من الو�صول �إلى ب َّر الأمان‪ ،‬والق�ضاء على هذا الفريو�س بالكليَّة‪.‬‬
‫ومن خالل ما َّمت ا�ستعرا�ضه يظهر لنا �أنَّ انتقال عَ دْ وَى املر�ض ال ُت�ؤثَّر بنف�سها‪،‬‬
‫كما �أنَّ الأخذ بالإجراءات الوقائية ال ُي ؤ�ثَّر بنف�سه‪ ،‬بل ت�أثريها متعلق ب�إرادة اهلل‬
‫وم�شيئته‪ ،‬فينبغي على كل مُ�سْ لِم االلتزام ب�أ�سباب الوقاية من الفريو�س باجتناب‬
‫م�سببات العَدْ وَى مع الأخذ باالحرتازات الوقائية معتقدً ا �أنَّ هذه كلَّها �أ�سباب ال متنع‬
‫من ق�ضاء اهلل وقدره‪ ،‬فما قدّر اهلل ‪� ‬أن ي�صيب الإن�سان فلن يُخطئه‪ ،‬وما‬
‫�أخط�أه مل يكن لي�صيبه‪.‬‬

‫‪411‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املبحث الأول‬
‫احلج والعمرة‬
‫�أثر جائحة كُ ورُونَا على قرار �إيقاف �أداء �شعائر ّ‬
‫املطلب الأول‬
‫حقيقة دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة �إلى مكَّة واملدينة‬

‫الفرع الأول‪ :‬دخول الطَّ اعون وغريه من الأوبئة �إلى مكَّة واملدينة‪.‬‬
‫(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)‬ ‫�أخرب اهلل ‪ ‬عن مكَّة املكرَّمة ب�أنَّها �آمنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫خ�ص اهلل‬
‫[�آل عمران‪ ،]97 :‬وقد اختلف العلماء يف املق�صود بالأمن الوارد يف الآية‪ ،‬والتَّي َّ‬
‫رجل‬
‫‪ ‬به مكَّة املكرَّمة‪ .‬فقال بع�ض �أهل ال َّت�أويل‪� :‬إنَّ املق�صود به �أنَّ من قتل اً‬
‫ثم الذ بالكعبة ف إ�نَّه �آمنٌ ‪ ،‬وقال �آخرون‪� :‬أنَّ من دخلها كان �آمنًا من النار‪ ،‬وقال غريهم‪:‬‬
‫الأَمْن من �أيدي امل�شركني؛ ف إ�نَّهم ما كانوا يتعرّ�ضون لأهل مكَّة(((‪.‬‬
‫وقد ح�صر ابن القيَّم ‪ ‬املراد من الأّمْن الوارد يف الآية بثالثة احتماالت ال‬
‫باطل ال �صحة له‪ ،‬فقال‪“ :‬وهذا �إمَّا خرب مبعنى‬ ‫قول اً‬‫يخرج منها‪ ،‬وما عداها اعتربه اً‬
‫الأمر اِل�سْ تِحَ ا َل ِة الخْ ُ ل ِْف يف خربه ‪ ،‬و إ�مَّا خرب عن �شرعه ودينه الذي �شرعه‬
‫يف حَ رَمِ هِ‪ ،‬و إ�مَّا �إخبار عن الأمر املعهود امل�ستمر يف حَ رَمِ ِه يف اجلاهليَّة والإ�سالم‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [العنكبوت‪ ]67 :‬وقوله‬
‫تعالى‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الق�ص�ص‪ ،]57 :‬وما عدا هذا من الأقوال الباطلة فال يلتفت‬
‫�إليه‪ ،‬كقول بع�ضهم‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [�آل عمران‪ ]97 :‬من النَّار‪ ،‬وقول بع�ضهم‪ :‬كان‬
‫�آمنًا من املوت على غري الإ�سالم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فكم ممَّ ن دخله وهو يف قعر اجلحيم(((”‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬تف�سري الطربي‪ ،)29/6( ،‬وتف�سري ال�سمعاين‪.)136/1( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬زاد املعاد‪.)391/3( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪412‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫ووردت �أحاديث تدل على �صيانة مكَّة املكرَّمة واملدينة املنَّورة من دخول الطَّ اعون‪،‬‬
‫منها‪ :‬ما ورد عن �أبي هريَّرة ‪ ‬مرفوعً ا‪« :‬المْ َدِ ي َن ُة وَمَ َّك ُة محَ ْ فُو َفتَانِ ِبالمْ َلاَ ِئ َكةِ‪،‬‬
‫عَ لَى كُلِّ َنق ٍْب مِ ْنهَا مَ لَكٌ اَل يَدْ خُ ُلهَا الدَّجَّ الُ ‪ ،‬و اََل الطَّ اعُ ونُ (((»‪.‬‬
‫وقد دلَّت الوقائِع التَّاريخية ب�أنَّه مل يقع باملدينة وال مبكَّة طاعو ٌن قط �إال ما ورد من‬
‫�أنَّ مكَّة دخلها الطَّ اعون �سنة ت�سع و�أربعني و�سبعمئة(((‪ ،‬وقد ر ّد ذلك ابن حَ جَ ر بقوله‪:‬‬
‫“وعلى هذا‪ ،‬فالذي نُقل �أنَّه وجُ د يف �سنة ت�سع و�أربعني و�سبعمئة منه لي�س كما ظَ نَّ‬
‫من َنقَل ذلك(((”‪ ،‬وردَّه ا ْلقُ�سْ طَ لاَنيِ ّ بقوله‪“ :‬وحينئذ؛ فالذي َنقَل �أنَّه وَجَ د يف �سنة‬
‫�سبع و�أربعني و�سبعمئة لي�س كما ظَ نَّ ‪� ،‬أو يقال‪ :‬إ�نَّه ال يدخُ لهما من الطَّ اعون مثل الذي‬
‫َا�س(((”‪ ،‬وعلى هذا ف�إنَّ مكَّة واملدينة حمفوظة من‬ ‫يقع يف غريهما كاجلارف وعَ َمو َ‬
‫مر�ض الطَّ اعون لكنَّها لي�ست حمفوظة من �سائر الأوبئة الأخرى والأمرا�ض العامَّة‪،‬‬
‫وقد �أثبتت الوقائِع ذلك قدميًا وحديثًا‪.‬‬
‫مما يدل على �أنَّ املق�صود بالأمنْ الوارد يف الآية واحلديث لي�س الأمنْ من �أمرا�ض‬
‫الأوبئة؛ ف�أمرا�ض الأوبئة قد تنزل �أر�ض احلَ رَم املكَّي واملدنيَّ ‪ ،‬وممَّ ا يدل على ذلك‬
‫حديثًا ما ح�صل من انت�شار ونزول وباء فريو�س كُورُونَا بهما وغريه من الأوبئة‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على �أنَّ مكَّة واملدينة حمفوظتان من الطَّ اعون‪ ،‬ولي�ستا حمفوظتني من غريه من‬
‫الأمرا�ض والأوبئة(((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬حقيقة فريو�س كُورُونَا؛ وهل يُع ّد طاعونًا؟‬
‫ملعرفة حقيقة فريو�س كُورُونَا؛ وهل يُع ّد طاعونًا �أم ال؟ الب َّد من التَّعرف على‬
‫حقيقة كل من الطَّ اعون وفريو�س كُورُونَا‪ ،‬وهل يُع ُّد ك ٌّل منهما وبا ًء �أم ال؟‬
‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ ،‬ح (‪ ،)184/16( )10265‬م�سند �أبي هريرة ‪ ،‬قال الهيثمي يف جممع الزوائد‪:‬‬
‫(رجاله ثقات)‪ ،)309/3( ،‬قال ابن حجر يف رو�ضة املحدثني‪“ :‬رجاله رجال ال�صحيح”‪.)378/5( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬التو�ضيح‪.)473/27( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري‪.)191/10( ،‬‬
‫((( �إر�شاد ال�ساري‪.)386/8( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع (الإ�سالم‪� ،‬س�ؤال وجواب)‪.)4109/5( ،‬‬

‫‪413‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫وبالنَّظر يف تعاريف الطَّ اعون وجدت ب�أنَّه قد عُ رف بعدَّة تعاريف‪ ،‬منها ما‬
‫هو تعريف عام فيه و�صف للطَّ اعون ب�أنَّه وباء ومر�ض يعمَّ الكثري من النَّا�س دون‬
‫تخ�صي�صه بو�صف معني �أو �أعرا�ض معينة‪ ،‬فقيل �إنَّه‪“ :‬املر�ض العام‪ ،‬والوباء الذي‬
‫يُف�سد الهواء‪ ،‬فتف�سد به الأمزجة والأبدان(((”‪ ،‬وقيل �إنَّه‪“ :‬مر�ض يع ُّم الكثري من‬
‫النَّا�س يف جهة من اجلهات دون غريها بخالف املعتاد من �أحوال النَّا�س و�أمرا�ضهم‪،‬‬
‫ويكون مر�ضهم غالبًا مر ضً� ا واحدً ا بخالف �سائر الأوقات ف�إنَّ �أمرا�ض النَّا�س‬
‫خمتلفة(((”‪ ،‬وهذا فيه تكييف للطَّ اعون على �أنَّه مر�ض وبائي ي�صيب عامَّة النَّا�س‪.‬‬
‫�أما التَّعريف اخلا�ص بالطَّ اعون واملميز له عن غريه من الأمرا�ض؛ فقد ورد‬
‫تف�سريه يف حديث عائ�شة ‪ ‬عندما �سئل ﷺ عن معنى الطَّ اعون ف�أو�ضح وبينّ‬
‫َاط(((»‪ ،‬وعُ رف عند �أهل الطَّ ب ب�أنَّه‪:‬‬
‫والب ِ‬
‫ب أ�نَّه‪« :‬غُ َّد ٌة َك ُغ َّد ِة ا ْل َب ِع ِري تَخْ رُجُ فيِ المْ َرَاقِّ ْ آ‬
‫“ور ٌم ردي ٌء قتّال يخرج معه تلهُّب �شديد م�ؤمل جدً ا يتجاوز املقدار يف ذلك‪ ،‬وي�صري ما‬
‫حوله يف الأكرث �أ�سود �أو �أخ�ضر‪� ،‬أو �أكْمد‪ ،‬وي�ؤُوُل �أمره �إلى التقرح �سريعًا‪ .‬ويف الأكرث‪،‬‬
‫يحدث يف ثالثة موا�ضع‪ :‬يف الإِبط‪ ،‬وخلف الأذن‪ ،‬والأ ْرنَبة‪ ،‬ويف اللحوم الرَّخوة(((”‪،‬‬
‫وهذا التَّعريف مييز الطاَّعون عن غريه من الأمرا�ض ب�أو�صاف و�أعرا�ض خا�صة به‬
‫متيزه عن غريه‪.‬‬
‫ويظهر من خالل ما ذُ كر من التَّعريفات ال�سَّ ابقة �أنَّ الطَّ اعون نوع من �أنواع‬
‫اخلا�صة به‪ ،‬وقد قيل ب�أنَّ ‪ :‬كل طاعون وباء‪،‬‬‫َّ‬ ‫الأمرا�ض الوبائية له �أو�صافه و�أعرا�ضه‬
‫ولي�س كل وباء طاعونًا(((‪.‬‬
‫�أما فريو�س كُورُونَا فقد عُ رَّف ب أ�نَّه‪“ :‬من ف�صيلة فريو�سات كُورُونَا اجلديد؛ فقد‬
‫املطلع‪.)354( ،‬‬ ‫(((‬
‫املنتقى‪.)198/7( ،‬‬ ‫(((‬
‫اال�ستذكار‪� ،)69/3( ،‬أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ ،‬ح (‪ ،)53/42( )25118‬م�سند عائ�شة ‪ ‬بلفظ‪«ُ :‬غ َّد ٌة‬ ‫(((‬
‫َك ُغ َّد ِة ْ ِإ‬
‫ال ِب ِل‪ ،‬المْ ُ ِق ُيم ِبهَا َك َّ‬
‫ال�ش ِه ِيد‪َ ،‬وا ْل َفا ُّر ِم ْنهَا َكا ْل َفا ِّر ِمنَ ال َّز ْح ِف»‪ ،‬و�صححه الألباين يف الإرواء‪.)72/6( ،‬‬
‫الطب النبوي‪� ،‬ص (‪.)30‬‬ ‫(((‬
‫عمدة القارئ‪.)58/16( ،‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪414‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫ال�صينيَّة نهاية دي�سمرب ‪٢٠١٩‬م‪،‬‬ ‫ظهرت �أغلب حاالت الإ�صابة به يف مدينة َووَهَ ان َّ‬
‫على �صورة التَّهاب رئوي حاد(((”‪ ،‬وينتمي فريو�س (كُوفِيد‪� )19-‬إلى نف�س عائلة‬
‫الفريو�سات امل�سببة لل�سَّ ار�س(((‪ ،‬لكنَّه لي�س الفريو�س نف�سه‪ ،‬وميكن �أنْ ي�سَّ بب فريو�س‬
‫كُورُونَا اجلديد �أعرا ضً� ا خفيفة �إلى �شديَّدة لدى الأ�شخا�ص امل�صابني بالفريو�س‪.‬‬
‫عادة ما تكون الأعرا�ض اخلفيفة لفريو�س كُورُونَا �شبيهة بالإنفلونزا‪ ،‬والتَّي ت�شمل‬
‫�سيالن الأنف وال�سَّ عال والتَّهاب احللَّق واحلمَّى‪ ،‬لكنْ عنَّدما ت�صبح الأعرا�ض حادَّة؛‬
‫ُت�ؤدَّي �إلى ُ�صعوبات يف التَّنف�س �أو التَّهاب رئوي �أو الوفاة(((‪.‬‬
‫وبذلك يظهر ب�أنَّ حقيقة الطَّ اعون تختلف متامً ا عن حقيقة فريو�س كُورُونَا؛ �إذ �إنَّ‬
‫�أعرا�ض الطَّ اعون تختلف عن �أعرا�ض فريو�س كُورُونَا‪ ،‬ويجتمعان يف �أنَّ كلاًّ منها وبا ٌء‬
‫�سري ٌع االنت�شار واالنتقال بني الب�شر‪ ،‬وبنا ًء على ذلك فيُمكن تكييف فريو�س كُورُونَا‬
‫ب�أنَّه وباء من الأوبئة ولي�س طاعونًا‪ ،‬فال مانع من دخوله مكَّة املكرَّمة واملدينة املنَّورة‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم �أداء فري�ضة احلجّ مع وجود فريو�س كُ ورُونَا وانت�شاره‬

‫الفرع الأول‪ :‬حكم اخلروج من بلد الوباء والقدوم عليه‪.‬‬


‫(((‬
‫�أخرج البخاري يف �صحيحه �أن عمر ‪ ‬خرج �إلى ال�شَّ ام‪ ،‬فلما كان بِ�سَ ْر َغ‬
‫‪https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/‬‬ ‫((( موقع وزارة ال�صحة‪:‬‬
‫‪.Corona/Pages/corona.aspx‬‬
‫((( وهو فريو�س ُكو ُرو َنا املتالزمة التَّنف�سية احلا َّدة الوخيمة‪ ،‬وهو مر�ض فتَّاك ومعدٍ ب�شكل وبائي‪َّ .‬‬
‫تف�شى‬
‫بال�صني ويف جميع �أنحاء العامل‪ ،‬بعدما انتقل من اخلفافي�ش وقطط الزَّباد‪ ،‬املنتَّ�شرة يف‬ ‫عام ‪2002‬م َّ‬
‫�آ�سيا اال�ستوائية‪https://www.chla.org/blog/health-and-safety-tips/novel-coronavirus- ،‬‬
‫‪.what-you-should-know-arabic‬‬
‫((( انظر‪https://www.chla.org/blog/health-and-safety-tips/novel-coronavirus-what-you- :‬‬
‫‪.should-know-arabic‬‬
‫ال�شام �إلى احلجاز”‪،‬‬ ‫ب�س ْر َغ‪“ :‬قرية بوادي تبوك يف طريق َّ‬
‫ال�شام‪ ،‬وقيل‪�َّ :‬س ْرغ من �أدنى َّ‬ ‫((( قيل‪� :‬إن املراد ِ َ‬
‫املنتَّقى‪.)198/7( ،‬‬

‫‪415‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫بلغه �أنَّ الوباء قد وقع بال�شَّ ام‪ ،‬ف�أخربه عبدالرحمن بن عوف ‪� :‬أنَّ ر�سول‬
‫ْ�ض َو�أ ْنتُمْ ِبهَا‪،‬‬
‫ْ�ض َف َال َتقْدَ مُوا عَ َل ْيهِ‪َ .‬و�إِذَ ا َو َق َع ِب�أَر ٍ‬
‫اهلل ﷺ قال‪ « :‬إ�ِذَ ا �سَ مِ ْعتُمْ ِب ِه ِب أَ�ر ٍ‬
‫َف َال تَخْ رُجُ وا ِفرَا ًرا مِ ْن ُه(((»‪ ،‬وقد �أخذ جمهور العلماء ‪ ‬وهم احلنفيَّة(((‪،‬‬
‫وال�شَّ افعيَّة(((‪ ،‬واحلنابلة((( من ظاهر هذا احلديث عدم جواز القدوم بال حاجة على‬
‫�أر�ض بها وباء فتَّاك ينتقل بالعَدْ وَى‪ ،‬ولي�س ذلك من الطَّ رية‪ ،‬و�إنمَّ ا هو من الأخذ‬
‫باالحَّ تياط والبعد عن مكان العَدْ وَى‪ ،‬وفيه كمال حترَّز من الوباء؛ �إذ �إنَّ يف القدوم‬
‫�إلقا َء النَّف�س �إلى التَّهلكة‪ ،‬وفيه تعرّ�ض للبالء‪ ،‬وموافاة له يف حم َّل �سلطانه(((‪.‬‬
‫كما �أنَّهم ا�ستدلوا بهذا احلديث على املنع من اخلروج من الأر�ض التي وقع فيها‬
‫الوباء(((‪ ،‬وذلك ملا يف النَّهي عن اخلروج حمل النَّفو�س على الثَّقة باهلل‪ ،‬والتَّوكل‬
‫وال�صرب على �أق�ضيته‪ ،‬والرَّ�ضى بها‪ ،‬والحتياجه يف اخلروج من بلد الوباء �إلى‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬
‫ال�سَّ فر الذَّ ي ال يتمّ �إال باحلركة ال�شَّ ديدة التي نهى عنها �أئمة الطَّ ب لأنَّ البدن ال يخلو‬
‫غالبًا من ف�ضل رديء كامن فيه يثار باحلركة ال�شَّ ديدة مما يجعلها تخالط ما هو‬
‫جيَّد يف البدن وذلك يجلب علَّة عظيمة؛ والحَّ تمال نقله الوباء �إلى �أماكن �أخرى خالية‬
‫من هذا الوباء(((‪.‬‬
‫ور�أى بع�ض العلماء وهم املالكيَّة (((‪ ،‬ب أ�نَّه ال ب�أ�س ب�أنَّ يدخل ويخرج من بلد الوباء؛‬
‫وحملوا النَّهي الوارد يف احلديث عن اخلروج والقدوم من بلد الوباء على �أنَّه نهي‬
‫كراهة و�إر�شاد وت�أديب‪ ،‬ال نهي حترمي(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)130/7( )5729‬كتاب الطب‪ ،‬باب ما يذكر يف َّ‬
‫الطاعون‪ ،‬وم�سلم‬
‫الطاعون َّ‬
‫والطرية والكهانة ونحوها‪.‬‬ ‫يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)1740/4( )2219‬كتاب ال�سالم‪ ،‬باب َّ‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية َّ‬
‫الطحاوي‪� ،‬ص (‪ ،)547‬ر َّد املحتار على ال َّدر املختار‪.)757/6( ،‬‬
‫الطالبني‪.)247/3( ،‬‬‫املحتاج‪ ،)63/6( ،‬حا�شية قليوبي وعمرية‪� ،)396/1( ،‬إعانة َّ‬ ‫((( انظر‪ :‬نهاية َّ‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح املمتع‪.)42/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،)187/10( ،‬وزاد املعاد‪.)39/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري‪.)187/10( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،)187/10( ،‬وزاد املعاد‪.)39/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬القوانني الفقهية‪ ،)296( ،‬والتاج والإكليل‪ ،)339/6( ،‬وحا�شية العدوي‪.)493/2( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬القوانني الفقهية‪ ،)296( ،‬وحا�شية العدوي‪.)493/2( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪416‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫الترَّ جيح‪:‬‬
‫الرَّاجح ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪ -‬ما ذهب �إليه اجلمهور من حترمي الدَّخول �إلى‬
‫ال�صريحة النَّاهية‬
‫ال�صحيحة َّ‬
‫الأر�ض التي بها الطَّ اعون واخلروج منها للأحاديث َّ‬
‫عن ذلك‪ ،‬والنَّهي يقت�ضي التَّحرمي‪ ،‬وال �صارف للنَّهي‪ ،‬ما مل يكن هناك حاجة داعية‬
‫للخروج من بلد الوباء �أو القدوم �إليه كالتَّداوي وغريه(((‪.‬‬
‫�أما البلدان التي نزلت بها الأوبئة غري الطَّ اعون؛ ف�إنَّه يجوز اخلروج منها‪ ،‬وقد‬
‫َنقَل الإجماع على ذلك الإمام جالل الدَّين ال�سَّ يوطي((( (((‪.‬‬
‫وقد �سُ ئل ال�شَّ يخ ابن باز ‪� :‬إذا كان الوباء املنت�شر يف البلد غري الطَّ اعون‪،‬‬
‫فهل يجوز اخلروج من البلد فرارًا؟ فقال‪ :‬ال ب�أ�س باخلروج (((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬حكم القدوم لأداء فري�ضة احل�� ّج مع وج��ود فريو�س ُك��و ُرو َن��ا‬
‫وانت�شاره‪.‬‬
‫يف الأو�ضاع الرَّاهنة التي انت�شر فيها فريو�س كُورُونَا يف العامل‪ ،‬ومع �إتاحة �أداء‬
‫�شعائر احلجّ لهذا العام مع ما اتخذته حكومة خادم احلرمني ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها‬
‫اهلل‪ -‬من الإجراءات االحرتازية التي ترى أ�نَّه ميكن معها �أنْ يح َّد من انت�شار‬
‫ال�صحيح املعافى من الفريو�س‪� ،‬سوا ًء كان من �أهل‬ ‫الفريو�س‪ ،‬و�أراد الراغب يف احلجّ َّ‬
‫املناطق والبالد التي ال يوجد بها فريو�س كُورُونَا‪� ،‬أو ي ِقلّ؛ فهل يجوز له القدوم لأداء‬
‫فري�ضة احلجّ ؟ �أم أ�نَّه ينبغي عليه ت�أخريه �إلى زوال هذا الوباء؟‬
‫انظر‪ :‬الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية‪� ،‬ص (‪.)171‬‬ ‫(((‬
‫وهو عبدالرحمن بن كمال الدين �أبي بكر (جالل الدين الأ�سيوطي)‪ ،‬امل�صري ال�شافعي‪� ،‬أعلم �أهل‬ ‫(((‬
‫زمانه يف احلديث وفنونه‪� ،‬ص ّنف الكثري من الكتب منها‪ :‬الأ�شباه والنظائر يف الفقه‪ ،‬انظر‪ :‬معجم‬
‫�أعالم �شعراء املدح النبوي‪.)220( ،‬‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الفقهية الكربى‪.)11/4( ،‬‬ ‫(((‬
‫وهو ما رجحه بع�ض العلماء يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪ ،‬انظر‪ :‬م�سائل الإمام ابن باز‪� ،‬ص (‪،)250‬‬ ‫(((‬
‫ال�شبكة الإ�سالمية‪.)3159/6( ،‬‬‫وفتاوى َّ‬

‫‪417‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫بنا ًء على ما �أجازه العلماء بالإجماع((( من جواز القدوم على البلدان املوبوءة‬
‫واخلروج منها‪ ،‬وبالنَّظر ملا قرّره جمهور العلماء من احلنفيَّة(((‪ ،‬واملالكيَّة(((‪،‬‬
‫واحلنابلة(((‪ ،‬من �أنَّ �أداء فري�ضة احلجّ واجب على الفور ملن �أمكنْه ذلك(((‪ ،‬ف�إنَّه‬
‫يجب على املُ�سْ لِم الذي توفرت فيه �شروط وجوب احلجّ �أنَّ يُبادر ويُ�سارع ب�أداء فري�ضة‬
‫احلج‪ ،‬ولكنْ مع وجود هذه الظَّ روف الرَّاهنة التي قد انت�شر فيها هذا الفريو�س الذي‬
‫�أثبت الطَّ ب �أنَّه من الأمرا�ض الفتَّاكة التي تقتل مبعدل ‪� %2‬إلى ‪ ،%3‬و�أنَّه ينت�شر ب�سرعة‬
‫فائقة عن طريق العَدْ وَى بني الأ�شخا�ص‪� ،‬سواء كان عن طريق اجلهاز التَّنف�سي‬
‫والرذاذ املتناثر من الأنف �أو الفم املحمَّل بامليكروب عندما ي�سعل امل�صاب بالفريو�س‬
‫�أو يعط�س‪� ،‬أو عن طريق املُخَ الَطة ومالم�سة املر�ضى والأ�سطح املحيطة بهم دون‬
‫((( كما قرره الإمام جالل الدين ال�سيوطي يف �ص (‪.)27‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)163/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)119/2( ،‬الهداية للمرغيناين‪.)132/1( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،)358/1( ،‬ومواهب اجلليل‪ )471/2( ،‬والفواكه الدواين‪.)350/1( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،)467/1( ،‬واملغني‪ ،)232/3( ،‬واملحرر‪.)233/1( ،‬‬
‫((( وا�ستدلوا بقوله تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة‪ ،]196 :‬وقالوا‪� :‬إن الأمر يف الآية للفور‪ ،‬وا�ستدلوا مبا‬
‫رواه ابن ماجه عن ابن عبا�س ‪ ‬عن النبي ﷺ �أ َّنه قال‪«َ :‬منْ �أَ َرا َد الحْ َ َّج َف ْل َي َت َع َّج ْل‪َ ،‬ف�إِ َّن ُه يمَ ْ َر ُ�ض‬
‫احلج على الترَّ اخي‪،‬‬ ‫اج ُة»‪ ،‬وقد ا�ستدل من خالفهم وقال‪� :‬إنَّ �أداء ّ‬ ‫ي�ض‪َ ،‬وت َِ�ض ُّل َّ‬
‫ال�ضا َّل ُة‪َ ،‬و َت ْبدُو الحْ َ َ‬ ‫المْ َ ِر ُ‬
‫ف�إنَّ �أخ َّر حتى مات فهو �آثم بال َّت�أخري‪ ،‬وهو قول عند احلنف َّية‪ ،‬وقول عند املالك َّية‪ ،‬وقول ال�شافع َّية بقوله‬
‫احلج‪ ،‬و�أطلق‬ ‫تعالى‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [�آل عمران‪ ،]97 :‬وقالوا‪� :‬إن اهلل فر�ض ّ‬
‫احلج و�أ�شهره يف �آية ثانية ومو�ضع �آخر بقوله‪( :‬ﭑ ﭒ‬ ‫الوقت ومل يحدده‪ ،‬ثم بينّ بعد ذلك وقت ّ‬
‫احلج مطل ًقا من‬ ‫احلج يف �أ�شهر ّ‬ ‫فدل على �أنَّ املفرو�ض على امل�سلم هو �أداء ّ‬ ‫ﭓ) [البقرة‪َّ ،]197 :‬‬
‫دل على �أنَّ القول بالفور تقييد املطلق بال دليل‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬وا�ستدلوا‬ ‫العمر بال تقييد بوقت معني مما َّ‬
‫احلج يف �سنة �ست‬ ‫احلج بعدما فر�ضه اهلل ‪ ،‬وقد نزلت فر�ضية ّ‬ ‫�أي�ضً ا ب�أنَّ ر�سول اهلل ﷺ �أخ َّر ّ‬
‫احلج لي�س على الفور؛ �إذ �إنهَّ‬ ‫من الهجرة‪ ،‬وال َّر�سول ﷺ مل يحج �إال يف �سنة ع�شر‪ ،‬وهذا فيه داللة على �أنَّ ّ‬
‫فر�ض يف العمر مرة واحدة‪ ،‬فكان جميع العمر وقت �أدائه‪ ،‬وال ي�ستغرق جميع العمر �أدا�ؤه ف�صار جميع‬
‫ال�صالة يف جميع الوقت ب�شرط �أال‬ ‫ال�صالة‪ ،‬ف�إنَّ امل�صلي خميرَّ ب�أداء َّ‬‫احلج كجميع وقت َّ‬ ‫الوقت يف حق ّ‬
‫احلج ف�إنه خمري ب�أدائه يف �أي وقت ب�شرط �أن ال ي�ؤخره حتى يفوته عن وقته‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ي�ؤخرها عن وقتها‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫وهو نهاية عمره‪ ،‬انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)163/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)119/2( ،‬والهداية للمرغيناين‪،‬‬
‫(‪ ،)132/1‬والكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،)358/1( ،‬ومواهب اجلليل‪ ،)471/2( ،‬والفواكه الدواين‪،‬‬
‫(‪ ،)350/1‬واحلاوي‪ ،)24/4( ،‬والو�سيط يف املذهب‪ ،)587/2( ،‬والبيان‪.)48/4( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪418‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫ال�صحة العاملية‪ ،‬واتخَّ اذ مثل هذه‬ ‫اتَّخاذ تدابري الوقاية والنَّظافة؛ كما �أفادته منظَّ مة َّ‬
‫الإجراءات الوقائية للتَّحرز من انتقاله وانت�شاره كالتَّباعد؛ ي�صعب وقد يتعذر عند‬
‫وخا�صة عند الطَّ واف وال�سَّ عي ورمي اجلمرات والتَّنقالت‬ ‫�أداء �شعائر احلجّ والعمرة َّ‬
‫بني امل�شاعر‪ ،‬مما �سي�ؤدي �إلى امل�ساهمة يف اتَّ�ساع دائرة املر�ض و�سرعة انت�شاره‪،‬‬
‫وقد وردت �أحاديث �صحيحة تنهى عن �إيراد امل ُِ�صحٍّ على املري�ض(((‪ ،‬وت�أمر بتجنُّب‬
‫�أ�صحاب هذه الأمرا�ض؛ خوفًا من انت�شارها(((‪ ،‬وهذه النَّ�صو�ص حذَّ رت من مخُ َ الَطة‬
‫�أ�صحاب العَدْ وَى يف الظَّ روف العاديَّة التي يح�صل فيها بع�ض االختالط واملالم�سة؛‬
‫فكان من باب �أولى �أنْ يكون احلذ ُر �أ�ش َّد يف �شِ دَّة االختالط وكرثة التَّجمعات‪ ،‬ويت�أكد‬
‫ذلك يف احلجّ والعمرة اللذين يُع َّدان مظنَّة االختالط وكرثة التَّجمعات؛ لذا ف�إنَّه يلزم‬
‫من توفرت فيه �شروط احلجّ والعمرة ت�أخريهما‪ ،‬وال يجوز له �أدا�ؤهما خ�شية �أنْ تنتقل‬
‫له العَدْ وَى ويُ�صاب باملر�ض‪ ،‬والقاعدة الفقهية تقول‪َ ( :‬ال َ�ضرَر و َال ِ�ضرَار((()(((‪.‬‬
‫((( وقد ورد بلفظ‪ :‬اَ«ل ُيو َر ُد ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى ُم ِ�ص ٍّح»‪� ،‬سبق تخريجه‪ ،‬و�أخرج مالك يف موطئه‪ ،‬ح (‪)1603‬‬
‫احلج‪ ،‬بلفظ‪� :‬أن عمر بن اخلطاب ‪َ :‬م َّر ِبا ْم َر أَ� ٍة مجَ ْ ُذ َوم ٍة َو ِه َي‬ ‫احلج‪ ،‬باب جامع ّ‬ ‫(‪ ،)625/3‬كتاب ّ‬
‫هلل‪َ ،‬ال ُت�ؤ ِْذي ال َّن َ‬
‫ا�س‪َ ،‬ل ْو َج َل ْ�س ِت فيِ َب ْي ِت ِك‪َ ،‬ف َج َل َ�س ْت يف بيتها‪َ ،‬ف َم َّر ِب َها َر ُج ٌل‬ ‫َ‬ ‫ت َُط ُ‬
‫وف ِبا ْل َب ْي ِت‪َ ،‬ف َق َال َل َها‪َ :‬يا �أ َم َة ا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اك َق ْد َماتَ ‪َ ،‬ف ْاخ ُر ِجي‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬واهلل َما ُك ْنتُ لأ ِطي َع ُه َح ًّيا َو أ� ْع ِ�ص َي ُه َم ِّيتًا”‪.‬‬ ‫َب ْعدَ َذ ِل َك‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ�نَّ ا َّل ِذي َن َه ِ‬
‫ا�س”‪.‬‬ ‫هلل‪ ،‬ا ُق ْع ِدي فيِ َب ْي ِتك‪ ،‬و َال ُت�ؤ ِْذي ال َّن َ‬ ‫َ‬
‫ويف رواية الإمام حممد بن احل�سن ال�شيباين للموط�أ‪َ “ :‬يا �أ َم َة ا ِ‬
‫َ‬
‫((( كما يف حديث �أبي هر َّيرة ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ قال‪َ “ :‬و ِف َّر ِمنَ ا َمل ْج ُذ ِوم َك َما َت ِف ُّر ِمنَ الأ َ�س ِد”‪� ،‬سبق‬
‫ثقيف رج ٌل جمذو ٌم‪ ،‬ف�أر�سل �إليه‬ ‫وفد ٍ‬ ‫تخريجه‪ ،‬وحديث عمرو بن ال�شريد‪ ،‬عن �أبيه ‪ ‬قال‪ :‬كان يف ِ‬
‫اك َفا ْرج ْع”‪� ،‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫النبي ﷺ‪ِ “ :‬إ� َّنا َق ْد َبا َي ْع َن َ‬
‫موطئه‪ ،‬ح (‪ ،)1078/4( )2758‬كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب الق�ضاء يف املرفق‪ ،‬وابن ماجه‬ ‫((( �أخرجه مالك يف َّ‬
‫يف �سننه‪ ،‬ح (‪ ،)784/2( )2340‬كتاب الأحكام‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره‪ ،‬والدارقطني يف‬
‫�سننه‪ ،‬ح (‪ ،)51/4( )3079‬كتاب البيوع‪ ،‬مل ي�سم له با ًبا‪ ،‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬ح (‪)11384‬‬
‫(‪ ،)114/6‬كتاب ال�صلح‪ ،‬باب ال �ضرر وال �ضرار‪ ،‬و�أحمد يف م�سنده‪ ،‬ح (‪ ،)55/5( )2865‬م�سند‬
‫عبداهلل بن عبا�س‪ ،‬قال يف م�صباح الزجاجة‪( :‬هذا �إ�سناد فيه جابر اجلعفي وقد اتهم)‪،)48/3( ،‬‬
‫وقال يف الهداية يف تخريج �أحاديث البداية‪( :‬وهذا �سند ح�سن �أو �صحيح‪ ،‬وال ي�ضره كون حم َّمد بن‬
‫مغراء رواه عن ابن �إ�سحاق ف�أر�سله‪ ،‬عن وا�سع مل يذكر جاب ًرا)‪.)13/8( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع دار الإفتاء امل�صرية‪https://www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa :‬‬
‫&‪،&ID=15346‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وبهذا القول قال �أ‪.‬د‪ .‬خالد بن علي امل�شيقح‪ ،‬يف دورته بعنوان الأحكام الفقهية املتعلقة بفايرو�س كو ُرونا‪= ،‬‬

‫‪419‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫وهذه امل�س�ألة حتتاج �إلى مزيد درا�سة من الهيَّئات واملجامع الفقهيَّة يرجع القرار‬
‫فيها �إلى الأطباء امل�سلمني املخَّ ت�صني‪ ،‬ويُ�صدر العلماء بناء على ذلك فتوى معتمدة‬
‫يف املو�ضوع(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫احلكم ال�شَّ رعي املرتتب على قرار �إلغاء �شعريتي احلجّ والعمرة ب�سبب‬
‫انت�شار فريو�س كُ ورُونَا‬

‫الفرع الأول‪ :‬املنع من �أداء �شعائر احل ّج عرب ع�صور ال َّتاريخ‪.‬‬


‫�إنَّ ما قامت به اململكة العربية ال�سَّ عودية يف ظلِّ ظروف هذه اجلائحة التي‬
‫اجتاحت العامل عامَّة‪ ،‬ب�إلغاء و�إيقاف �أداء منا�سك العمرة‪ ،‬وق�صر �إقامة مو�سم احلجّ‬
‫لهذا العام((( على احلُجَّ اج املقيمني يف اململكة العربية ال�سَّ عودية؛ مل يكن هذا القرار‬
‫هو الأول من نوعه يف التَّاريخ‪ ،‬بل قد حَ ُ�صلت وقائِع كثرية على مر الع�صور ت�أثر فيها‬
‫مو�سم احلجّ ببع�ض الظَّ روف ال�سَّ يا�سية‪� ،‬أو كوارث وبائية‪� ،‬أو غالء معي�شة ح�صرها‬
‫امل�ؤرخون يف �أنها تزيد على الـ (‪ )40‬مرة‪.‬‬
‫= وانظر‪ :‬موقع النوازل الفقهية‪ ،http://makkah.org.sa/nawazel/ar/index.php#plus :‬ومما‬
‫بال�شبكة الإ�سالم َّية‪ ،‬عندما وجه لهم �س�ؤال عن حكم ت�أخري‬ ‫ُي ؤ� َّيد ذلك ما ذهبت �إليه جلنة الفتوى َّ‬
‫احلج‬
‫الطيور‪ ،‬فكانت الفتوى بعدم جواز ت�أخري فري�ضة ّ‬ ‫احلج الفر�ض ب�سبب اخلوف من �أنفلونزا َّ‬ ‫�أداء ّ‬
‫مقطوعا بذلك‪ ،‬وعلى‬ ‫ً‬ ‫�إذا كان م�ستطي ًعا بحجة اخلوف من ال َع ْد َوى من �أمرا�ض يتوقع ح�صولها‪ ،‬ولي�س‬
‫فر�ض القطع به فيمكنه �أن يحتاط ب�أخذ التَّطعيم امل�ضاد لها‪ ،‬وذكروا �أن جواز ال َّت�أخري يجوز يف حالة‬
‫الظنَّ والتَّخوف‪ ،‬وهذا يدل على أ� َّنهم يرون جواز‬‫وتف�شى ولي�س جم َّرد َّ‬
‫فعل وح�صل الوباء َّ‬ ‫�إذا وقع اً‬
‫وتف�شي فريو�س ُكو ُرو َنا متحقق‪،‬‬
‫ال َّت�أخري يف حال التَّف�شي واالنت�شار احلقيقي للمر�ض‪ ،‬ولي�س املتوهم‪َّ ،‬‬
‫ومل يكت�شف له �إلى الآن �أي عقار طبي ي�صلح ملعاجلته �أو التَّطعيم �ضده مما يدل على جواز ت�أخري‬
‫ال�شبكة الإ�سالمية‪.)18721/11( ،‬‬ ‫تف�شي هذا الفريو�س‪ ،‬انظر‪ :‬فتاوى َّ‬ ‫احلج لأجل َّ‬
‫فري�ضة ّ‬
‫((( انظر‪ :‬موقع الإ�سالم �س�ؤال وجواب‪.)104/3( ،‬‬
‫((( العام الهجري ‪1441‬هـ‪ ،‬انظر‪ :‬موقع وزارة احلج‪ ،https://www.haj.gov.sa/ :‬وح�ساب الوزارة على‬
‫من�صة توتري‪https://twitter.com/HajMinistry/status/1275163316462202885?ref_src=t :‬‬
‫‪.wsrc%5Egoogle%7Ctwcamp%5Eserp%7Ctwgr%5Etweet‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪420‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫ومن �أهم هذه الفرتات‪ :‬ما ح�صل يف عام (‪357‬هـ) عر�ض للنَّا�س داء املا�شري‬
‫فمات به خلق كثري‪ ،‬وفيها مات �أكرث جمال احلجيج يف الطَّ ريق من العط�ش‪ ،‬ومل‬
‫ي�صل منهم �إلى مكَّة �إال القليل‪ ،‬بل مات �أكرث من و�صل منهم بعد احلجّ (((‪ ،‬ويف عام‬
‫(‪419‬هـ) مل يحجّ �أحد من �أهل امل�شَّ رق وال من �أهل الديَّار امل�صرية ب�سبب الغالء‪،‬‬
‫وقد بيع الرَّطب كل ثالثة �أرطال بدينار جاليل‪� ،‬إال �أن قومً ا من خرا�سان ركبوا يف‬
‫البحر من مدينة كرمان فانتهوا �إلى جدة فحجَّ وا(((‪ ،‬ويف �سنة (‪428‬هـ) مل يحجَّ �أحد‬
‫من �أهل العراق وخرا�سان ب�سبب الفنت واخلالفات التي حدثت هناك(((‪.‬‬
‫ويف عام (‪1307‬هـ‪1890/‬م) تف�شَّ ى وباء الكولريا عن طريق حجاج هنود من‬
‫مومباي و�صلوا �إلى جدَّة على منت �سفينة �إجنليزيَّة‪ ،‬مما ترتب عليه �أن منعت �إدارة‬
‫االحَّ تالل الفرن�سي رعاياهم امل�ستعمَرين يف كل من اجلزائر وتون�س من احلجّ عاميَّ‬
‫(‪1888‬م) و(‪1889‬م)‪ ،‬واحتمالية منعهم �سنة (‪1891‬م)‪ ،‬كما �أنَّ حكومة رو�سيا‬
‫منعت من احلجّ ‪ ،‬ويرجع ذلك �إلى �أنَّ بذور الوباء مل تختف يف بالد احلجاز وجند‬
‫وع�سري وبالد ما بني النَّهرين(((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬احلكم ال�شرعي املرتتب على ق��رار �إلغاء �أداء �شعريتي احل ّج‬
‫والعمرة ب�سبب انت�شار فريو�س ُكو ُرو َنا‪.‬‬
‫نظرًا ملا ي�شهده العامل من تف�شَّ ي لفريو�س كُورُونَا املُ�سَّ تجد (كُوفِيد‪ )19-‬يف �أكرث‬
‫من (‪ )180‬دولة حول العامل بلغ عدد الوفيَّات املت�أثرة به قرابة ن�صف مليون حالة‬
‫وفاة‪ ،‬و�أكرث من �سبعة ماليني �إ�صابة حول العامل‪ ،‬ومع ا�ستمرار خطر هذه اجلائحة‪،‬‬
‫وعدم توفر اللقاح والعالج للم�صابني بعَدْ وَى الفريو�س حول العامل؛ وللحفاظ على‬
‫خا�صة مع ارتفاع معدل الإ�صابات يف معظم دول العامل وفقًا‬ ‫ال�صحي العاملي َّ‬ ‫الأمن َّ‬
‫انظر‪ :‬البداية وال َّنهاية‪ ،‬البن كثري‪.)300/11( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.)31/12( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.)20/12( ،‬‬ ‫(((‬
‫حج �سنة (‪1307‬هـ‪1890/‬م)‪ ،‬انظر‪:‬‬‫كما ورد ذلك يف التَّقرير ال َّدبلوما�سي الفرن�سي اخلا�ص مبو�سم َّ‬ ‫(((‬
‫جملة دارة امللك عبدالعزيز‪ ،‬املجلد (‪ ،)38‬مج ‪� ،38‬سنة (‪2012‬م)‪ ،‬العدد (‪� ،)4‬ص (‪.)166‬‬

‫‪421‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫ال�صحية العاملية‪ ،‬وخطورة تف�شَّ ي‬ ‫ال�صادرة من الهيَّئات‪ ،‬ومراكز الأبحاث َّ‬ ‫للتَّقارير َّ‬
‫العَدْ وَى والإ�صابة به‪ ،‬وخا�صة يف التَّجمعات الب�شريَّة التي ي�صعب توفري التَّباعد الآمن‬
‫بني �أفرادها‪ ،‬وحلر�ص اململكة العربية ال�سَّ عودية الدائم على متكني �ضيوف بيت‬
‫امل�صطفى ﷺ من �أداء منا�سك احلجّ والعمرة والزَّيارة‬ ‫اهلل احلرام وزوار م�سجد َّ‬
‫يف �أمن و�سالمة؛ حر�صت منذ بدء الإ�صابات بفريو�س كُورُونَا وانتقال العَدْ وَى �إلى‬
‫بع�ض الدول على اتَّخاذ الإجراءات االحرتازية حلماية �ضيوف الرَّحمن بتعليق قدوم‬
‫املعتمرين‪ ،‬و�إيقاف �أداء العمرة �إلى �إ�شعار �آخر((( (((‪.‬‬
‫وبا�ستمرار اجلائحة ومع قُرب مو�سم احلجّ أ�ُلقي على عاتق اململكة العربية‬
‫ال�سَّ عودية م�س�ؤولية �إن�سانية و�شرعية عظيمة‪ ،‬تدعو التَّخاذ قرارات و�إجراءات‬
‫ال�صحية الراهنة والقواعد الفقهيَّة الرَّا�سخة‪ ،‬وتتما�شى‬
‫�صارمة ت�ستند �إلى املعطيات َّ‬
‫مع الرُّخ�ص ال�شَّ رعية التي �شرعها اهلل ‪ ‬لعباده عندما ي�شق عليهم �أداء‬
‫العبادات �أو املنا�سك؛ ممَّ ا دعا حكومة خادم احلرمني ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها اهلل‬
‫تعالى‪� -‬إلى اتَّخاذ قرار ق�صر �إقامة مو�سم احلجّ لهذا العام((( على �أعداد حمدودة‬
‫جدً ا قد ال تتجاوز ع�شرة �آالف حاج للراغبني يف �أداء منا�سك احلجّ من خمتلف‬
‫اجلن�سيَّات املوجودة داخل اململكة العربية ال�سَّ عودية مع �إجراءات احرتازية دقيقة‬
‫جدً ا(((؛ وذلك حر صً� ا منها على �إقامة ال�شَّ عرية ب�شكل �آمن �صحيًا‪ ،‬ومبا يحقق‬
‫((( وقد َّمت تعليق العمرة بتاريخ (‪� )3‬شهر رجب (‪1441‬هـ) املوافق (‪ )27‬من �شهر فرباير (‪2020‬م)‪،‬‬
‫و�أكدت وزارة احلج والعمرة ا�ستمرار تعليق العمرة والزيارة يف الفرتة احلالية‪ ،‬وذلك مبوجب قرارات‬
‫القيادة الر�ش َّيدة لتطبيق الإجراءات املرحلية للعودة �إلى احلياة َّ‬
‫الطبيعية‪ ،‬و�أ�ضافت الوزارة‪� ،‬أنه �ستتم‬
‫ال�صادرة من اللجنة املخت�صة‪ .‬انظر‪ :‬موقع‬ ‫املراجعة الدورية لذلك وفق م�سار اجلائحة والتَّو�صيات َّ‬
‫جريدة عكاظ‪. ،https://www.okaz.com.sa/news/local/2012711 :‬‬
‫((( �أتى هذا يف البيان الذي �صدر عن وزارة احلج‪ ،‬انظر‪ :‬موقع وزارة احلج‪ ،https://www.haj.gov.sa/ :‬وح�ساب‬
‫الوزارة على من�صة توتري‪https://twitter.com/HajMinistry/status/1275163316462202885?ref_ :‬‬
‫‪.src=twsrc%5Egoogle%7Ctwcamp%5Eserp%7Ctwgr%5Etweet‬‬
‫((( العام الهجري ‪1441‬هـ‪.‬‬
‫احلج �سيكون ملن هم �أقل من (‪� )65‬سنة‪ ،‬ولي�س لديهم �أمرا�ض‬ ‫حج هذا العام �أن ّ‬ ‫((( ومن �ضوابط َّ‬
‫احلجاج والعاملني للفح�ص قبل و�صولهم �إلى امل�شاعر املق َّد�سة‪ ،‬انظر‪� :‬صحيفة �سبق‬‫مزمنة‪ ،‬وخ�ضوع ّ‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪422‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫متطلبات الوقاية والتباعد االجتماعي الالزم ل�ضمان �سالمة احلجيج وحمايتهم من‬
‫خطر هذه اجلائحة‪ ،‬وحتقيقًا ملقا�صد ال�شَّ ريعة يف حفظ النَّف�س الب�شريَّة؛ وملا يف‬
‫اتَّخاذ هذه الإجراءات من تقدمي درء املفا�سد على م�صالح احلجّ من �أجل درء َ�ضرر‬
‫هذه اجلائحة‪ ،‬الذَّ ي ال ميكن التنب�ؤ بحجمه(((‪.‬‬
‫وقد �صدر قبل ذلك بيان من وزارة احلجّ والعمرة يف اململكة العربية ال�سَّ عودية‬
‫ورد فيه‪ :‬الطَّ لب من الإخوة امل�سلمني يف جميع دول العامل الرتيث يف عمل �أي عقود‬
‫حتى تت�ضح ال َّر�ؤية‪ ،‬و�أنَّ اململكة قامت برد مبالغ ر�سوم ال َّت�أ�شريات جلميع من ح�صلوا‬
‫على ت�أ�شريات لأداء منا�سك العمرة ومل يتمكَّنوا من القدوم �إلى البالد(((‪ ،‬كما �أنَّ‬
‫الوزارة �أ�صدرت عرب موقعها الإلكرتوين قرارًا بــ(�إلغاء حجز ت�صريح احلجّ )(((‪،‬‬
‫وهذا كله لأجل ا�ستي�ضاح ظروف هذه اجلائحة وما ينتج عنها التخاذ القرار املنا�سب‬
‫لهذا الظَّ رف اال�ستثنائي من �إقامة مو�سم احلجّ ب�ضوابطه �أو �إلغائه؟(((‪.‬‬
‫الإلكرتونية‪.https://sabq.org/4jvmzJ :‬‬
‫احلج‪ ،https://www.haj.gov.sa/ :‬وح�ساب‬ ‫احلج‪ ،‬انظر‪ :‬موقع وزارة ّ‬
‫((( �أتى هذا يف البيان الذي �صدر عن وزارة ّ‬
‫الوزارة على من�صة توتري‪https://twitter.com/HajMinistry/status/1275163316462202885?ref_ :‬‬
‫‪.src=twsrc%5Egoogle%7Ctwcamp%5Eserp%7Ctwgr%5Etweet‬‬
‫احلج حممد �صالح بن طاهر بننت؛ يف لقاء مع قناة “الإخبارية”‬ ‫((( وقد �صدر هذا البيان من وزير ّ‬
‫الر�سمية‪ ،‬انظر‪ :‬موقع البث املبا�شر‪.https://www.france24.com/ar/20200402- :‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع وزارة احلج‪.https://www.haj.gov.sa/ar/Services/Details/31 :‬‬
‫َّ‬
‫احلج لهذا العام‪ ،‬ويف هذه الظروف‬ ‫((( وقد وردت ت�سويغات �شرعية كثرية من جهات عديدة لإلغاء مو�سم ّ‬
‫اال�ستثنائية يف ظل هذه اجلائحة‪ ،‬ومن ذلك الفتوى التي �صدرت من الأمني العام لالتحَّ اد العاملي‬
‫واحلج ب�شكل م�ؤقت‬
‫ّ‬ ‫لعلماء امل�سلمني َّ‬
‫ال�شيخ الدكتور علي القره داغي‪ ،‬بجواز منع �أداء منا�سك العمرة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يف حال انت�شار فريو�س كو ُرونا اجلديد‪ ،‬وح ّر�ص على ال َّت�أكد من حتقق انت�شار الوباء عن طريق القطع‬
‫�أو غلبة الظن من خالل اخلرباء املخت�صني‪ ،‬فيجوز بنا ًء على ذلك منع العمرة �أو احلج م�ؤقتًا مبقدار‬
‫ما تدر أ� به املف�سدة‪ ،‬وقد بينّ ال�شيخ الدكتور علي القره داغي �أن الفقهاء اتفقوا على جواز ترك احلج‬
‫عند خوف الطريق‪ ،‬و�أن اال�ستطاعة التي هي من �شروط وجوب احلج لن تتحقق �إال مع الأمن والأمان‪،‬‬
‫ومع وجود الأمرا�ض الوبائية ال تتحقق معها اال�ستطاعة‪ ،‬ويكون ذلك من الأعذار املبيحة لرتك احلج‬
‫والعمرة‪ ،‬ويرجع تقدير ذلك �إلى �أهل االخت�صا�ص من الأطباء‪ ،‬وي�صدر ب�ش�أنه قرار من ال�سعودية‪،‬‬
‫مفتوحا فحينئذ يعود التقدير للدولة التي ظهر فيها‬‫ً‬ ‫و�أ�شار �إلى �أنه يف حال �إبقاء باب العمرة �أو احلج‬
‫الوباء مبنع مواطنيها من �أداء احلج خو ًفا من نقل الوباء �إلى احلجيج واملعتمرين‪ ،‬وقد قامت �أكرب =‬

‫‪423‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫و�صدر عن هيئة كبار العلماء بيان ت�ؤيد فيه ما قرَّرته حكومة خادم احلرمني‬
‫ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها اهلل‪ -‬ب�أنْ يكون احلجّ هذا العام (‪1441‬هـ) بعدد حمدود جدً ا‬
‫من داخل اململكة حفاظً ا على �صحة احلجّ اج و�سالمتهم‪ ،‬م�سرت�شدين على ذلك‬
‫بقوله تعالى‪( :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة‪ ،]125 :‬و�أن‬
‫�أهم ما تر�شد �إليه الآية الكرمية يف �أمنْ البيت احلرام وتطهريه اتَّخاذ الأ�سباب‬
‫ملنع انت�شار الأمرا�ض والأ�سقام كالعَدْ وَى التَّي تفتك بالأرواح يف زمن الأوبئة‪ ،‬كما‬
‫ال�صحيحة التَّي تدل على وجوب االحرتاز من الأوبئة‪،‬‬ ‫�أنَّهم ا�سرت�شدوا بالأحاديث َّ‬
‫و�أنْ تُبذل كل الأ�سباب التي ت�ؤدي �إلى التَّقليل من تف�شيها كقوله ﷺ‪ :‬اَ«ل يُو ِردَنَّ‬
‫ْ�ض‪ ،‬فَلاَ تَدْ خُ لُوهَ ا‪،‬‬
‫ممُ ْ رِ ٌ�ض عَ لَى م ُِ�صحٍّ (((»‪ ،‬وقوله ﷺ‪�« :‬إِذَ ا �سَ مِ ْعتُمْ بِالطَّ اعُ ونِ ِب َ�أر ٍ‬
‫ْ�ض َو�أَ ْنتُمْ ِبهَا‪ ،‬فَلاَ تَخْ رُجُ وا مِ ْنهَا(((»‪ ،‬وبيّنوا ب�أنَّ هذا كله فيه حمافظة‬ ‫َو�إِذَ ا َو َق َع ِب َ أ�ر ٍ‬
‫على النَّفو�س الب�شريَّة التي جاءت ال�شَّ ريعة بوجوب املحافظة عليها‪ ،‬بل هو من �أعظم‬
‫مقا�صدها‪ ،‬كما �أنَّهم قالوا‪� :‬إنَّ هذا القرار جاء من منطلق القاعدة الفقهيَّة التي‬
‫(ال�ضرر يُدفع قدر الإمكان((()‪ ،‬وبنا ًء على ما قرَّره �أهل االخت�صا�ص‬ ‫تنَّ�ص على �أنَّ َ‬
‫من �أنَّ التَّجمعات تُع َّد ال�سَّ بب الرَّئي�س يف انتقال العّدْ وَى يف ظلِّ ما ي�شهده العامل من‬
‫جائحة كُورُونَا‪ ،‬و�أنَّ منعها �أو التَّقليل منها هو احلل الأمثل حتى ي�أذن اهلل ‪‬‬

‫= الدولة الإ�سالمية كالهند و�إندوني�سيا من �إلغاء رحالت احلج هذا العام ملواطنيها‪ ،‬و�أكدت على‬
‫ا�ستمرار القيود على ال�سفر ب�سبب املخاوف من فريو�س كورونا؛ وي�أتي ذلك من منطلق �أن ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية خ َّولت احل ّكام والأئمة باتخاذ كافة �إجراءات الرعاية والعناية وو�سائل احليطة والوقاية التي‬
‫تعني على حفظ النفو�س‪ ،‬وتوفري و�سائل ال�سالمة لها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ت�أمني وقايتهم من الأوبئة والأمرا�ض‬
‫�سبيل؛ ومن �أعظم ما حتفظ به نفو�س الرعايا وخا�صة يف هذه‬ ‫املعدية ما ا�ستطاعوا �إلى ذلك اً‬
‫الظروف الراهنة حفظهم من الإ�صابة بفريو�س كورونا‪ .‬انظر‪ :‬موقع وكالة رم للأنباء‪https://nabd. :‬‬
‫‪ ،com/t/71019039-4de520‬ومقال‪( :‬يف زمن كورنا‪ :‬كيف ميكن تربير وقف �أداء فري�ضة الإ�سالم‬
‫اخلام�سة؟)‪ ،‬للباحثني لينا‪-‬ماريا مولر‪ ،‬و�سردار كورنا‪ ،‬موقع قنطرة‪.https://cutt.ly/Jfnindc :‬‬
‫وموقع جريدة عكاظ‪.https://www.okaz.com.sa/news/local/2027212 :‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( الوجيز‪� ،‬ص (‪.)256‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪424‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫بارتفاع هذا الوباء‪ ،‬ولأهمية �إقامة �شعرية احلجّ دون �أنْ يُلحق �ضرر ب�أرواح احلجّ اج‪،‬‬
‫ودون �أنْ تكون هذه ال�شَّ عرية العظيمة �سببًا يف زيادة انت�شاره‪ ،‬ف�إنَّ ال�شَّ ريعة جاءت‬
‫بتح�صيل امل�صالح وتكثريها‪ ،‬ودرء املفا�سد وتقليلها‪ ،‬لذلك كله من النَّ�صو�ص‬
‫ال�شَّ رعية واملقا�صد والقواعد الكليَّة‪ ،‬ف�إن بيانهم جاء م�ؤيدً ا ملا قررته حكومة خادم‬
‫احلرمني ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها اهلل‪.(( (((-‬‬
‫ومما �أيد قرار حكومة خادم ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها اهلل‪ -‬حيال �إقامة مو�سم احلجّ‬
‫هذا العام بقيود دقيقة جدً ا ما جاء يف التَّو�صية الرَّابعة من تو�صيات النَّدوة الطَّ بية‬
‫الفقهيَّة الثَّانية ملجمع الفقه الإ�سالمي الدَّويل حول فريو�س كُورُونَا وما يتعلق به‪،‬‬
‫واملنعقدة افرتا�ض ًيّا يف (‪� 16‬أبريل ‪2020‬م) من �أنَّه‪( :‬يجوز للدَّول واحلكومات فر�ض‬
‫التَّقييدات على احلريَّة الفرديَّة مبا يحقق امل�صلحة �سواء من حيث منع الدَّخول �إلى‬
‫املدن واخلروج منها‪ …،‬كما �أنَّه يجب االلتزام بقرارات الدَّول واحلكومات مبا‬
‫ي�سمَّى التَّباعد االجتماعي ونحو ذلك ممَّ ا من �ش�أنِّه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س‪،‬‬
‫عمل بالقاعدة ال�شَّ رعية التي‬ ‫ومنع انت�شاره لأنَّ ت�صرفات الإمام منوطة بامل�صلحة‪ ،‬اً‬
‫تنَّ�ص على �أنَّ (ت�صرف الإمام على الرعية مَ نُوط بامل�صلحة((( ((()‪.‬‬

‫انظر‪ :‬موقع �صحيفة املواطن‪https://cutt.ly/sfniHWT :‬‬ ‫(((‬


‫ال�شريفني ‪-‬حفظها اهلل‪ -‬الأمانة العامة َّ‬
‫ملنظمة التَّعاون الإ�سالمي مبينة‬ ‫((( وقد رحب بقرار حكومة خادم َّ‬
‫�أن ذلك ي�أتي ات�سا ًقا مع جميع الإجراءات االحرتازية والتَّدابري الوقائية التي اتَّخذتها اململكة‪ ،‬منذ بداية‬
‫ظهور اجلائحة‪ ،‬والتي �ساهمت على نحو فاعل بتقليل الآثار ال�سلبية للجائحة‪ ،‬واحليلولة دون انت�شارها‪.‬‬
‫منظمة التَّعاون الإ�سالمي‪https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23544&t_ :‬‬ ‫انظر‪ :‬موقع َّ‬
‫‪.ref=14057&lan=ar‬‬
‫((( الأ�شباه والنظائر‪� ،‬ص (‪.)121‬‬
‫منظمة ال َّتعاون الإ�سالمي‪.https://www.oic-oci.org/topic/?t_id=23544&t_ref=14057&lan=ar :‬‬ ‫((( موقع َّ‬

‫‪425‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املبحث الثاين‬
‫�أثر جائحة كُ ورُونَا على �أداء �شعائر احلجّ والعمرة‬

‫املطلب الأول‬
‫حكم لب�س الكِمامة للداخل يف ن�سك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من انت�شار‬
‫فريو�س كُ ورُونَا‬

‫حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫‪1.1‬اتفق الفقهاء ‪ ‬على حترمي لب�س النّقاب للمر�أة يف الإحرام(((؛ ملا ورد عن‬
‫ابن عمر ‪ ‬عن النَّبي ﷺ �أنَّه قال‪َ « :‬و َال َت ْن َتقِبِ ((( ا َمل ْر أَ� ُة املُحْ رِ مَ ُة(((»‪ ،‬كما‬
‫وقع اتفاقهم ‪ ‬على حترمي تغطية املحرمة وجهها �إذا مل تكن بح�ضرة‬
‫�أجانب(((‪ ،‬ملا ورد عن ابْن عمر ‪ ‬عن النَّبي ﷺ �أنه قال‪�« :‬إِحْ رَامُ المْ َ ْر�أَ ِة‬
‫فيِ وَجْ هِ هَا َو إ�ِحْ رَامُ الرَّجُ لِ فيِ َر�أْ�سِ ِه(((»‪ ،‬و�إنْ غطَّ ت وجهها �أو لب�ست النَّقاب‬
‫من غري ما �ضرورة وجبت عليها الفدية(((‪ ،‬ف�إنْ احتاجت �إلى �سرت وجهها‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،)183/2( ،‬و�شرح خمت�صر الطحاوي‪ ،)559/2( ،‬والتاج والإكليل‪،)201/4( ،‬‬
‫و�شفاء الغليل‪ ،)336/1( ،‬و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬والكايف يف فقه الإمام �أحمد‪.)489/1( ،‬‬
‫((( املراد بال َّنقاب‪( :‬ال ِقناع على مارن الأنف ت�سرت به املر�أة وج َهها)‪ ،‬التَّعريفات الفقهية‪� ،‬ص (‪.)231‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)15/3( )1838‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما ينهى من الطيب للمحرم‪.‬‬
‫((( قال ابن قدامة‪“ :‬يحرم على املر�أة تغطية وجهها يف �إحرامها‪ ،‬ال نعلم يف هذا خال ًفا �إال ما روي عن �أ�سماء‬
‫‪� ‬أنها كانت تغطي وجهها‪ ،‬فيحتمل �أنها كانت تغطيه بال�سدل عند احلاجة”‪ ،‬انظر‪ :‬ال�شرح الكبري البن‬
‫قدامة‪ ،)323/3( ،‬وقال ابن عبدالرب يف اال�ستذكار‪“ :‬و�أجمعوا �أن �إحرام املر�أة يف وجهها”‪.)14/4( ،‬‬
‫((( �أخرجه الدار قطني يف �سننه‪ ،‬ح (‪ ،)363/3( )2761‬كتاب احلج‪ ،‬باب املواقيت‪ ،‬والبيهقي يف �سننه‪،‬‬
‫ح (‪ ،)74/5( )9048‬كتاب احلج‪ ،‬باب املر�أة ال تنتقب يف �إحرامها وال تلب�س القفازين‪ ،‬قال ابن حجر‪:‬‬
‫(ويف �إ�سناده �أيوب بن حممد �أبو اجلمل‪ ،‬وهو �ضعيف‪ .‬قال ابن عدي‪ :‬تفرد برفعه‪ ،‬وقال العقيلي‪ :‬ال‬
‫يتابع على رفعه‪� ،‬إمنا يروى موقو ًفا‪ ،‬وقال الدار قطني يف العلل‪ :‬ال�صواب وقفه‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬قد روي‬
‫من وجه �آخر جمهول‪ ،‬وال�صحيح وقفه)‪ ،‬التلخي�ص احلبري‪.)577/2( ،‬‬
‫((( �إن غطت املر�أة وجهها بال �ضرورة �أو لب�ست النقاب �أو الربقع عاملة بحكم ذلك متعمدة‪ ،‬وجب عليها =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪426‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫ملرور الرجال قريبًا منها ف�إنَّها تَ�سْ دل الغطاء من فوق ر�أ�سها على وجهها(((؛‬
‫لفعل عائ�شة ‪ ،(((‬قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬ولو غطت‬
‫املر�أة وجهها ب�شيء ال مي�س الوجه جاز باالتفاق‪ .‬و�إنْ كان مي�سه‪ ،‬فال�صحيح‬
‫�أنَّه يجوز �أي ضً� ا(((‪ ،‬وال تكلف املر�أة �أنْ جتايف �سُ رتتها عن الوجه‪ ،‬ال بعودٍ ‪ ،‬وال‬
‫بيدٍ ‪ ،‬وال غري ذلك؛ ف�إنَّ النَّبي ﷺ �سَ وَّى بني يديها ووجهها‪ ،‬وكالهما كبدن‬
‫الرجل‪ ،‬ال كر�أ�سه‪ ،‬و�أزواجه ﷺ كنَّ يَ�سْ دلنَّ على وجوههنَّ من غري مراعاة‬
‫املجافاة‪ ،‬ومل ينقل �أحد من �أهل العلم عن النَّبي ﷺ أ�نَّه قال‪ « :‬إ�ِحْ رَامُ المْ َ ْر�أَ ِة‬
‫فيِ وَجْ هِ هَا»‪ .‬و�إنمَّ ا هذا قول بع�ض ال�سَّ لف‪ ،‬لكنَّ النَّبي ﷺ نهاها �أنَّ َت ْن َتقِبِ �أو‬
‫َت ْلب َِ�س ال ُقفَّا َزيْنِ ‪ ،‬كما نهى املحرم �أنْ يلب�س القمي�ص واخلُف مع �أنَّه يجوز له‬
‫�أنْ ي�سرت يديه ورجليه باتفاق الأئمة‪ ،‬والربقع �أقوى من النَّقاب‪ ،‬فلهذا يُنهى‬
‫عنه باتفاقهم‪ ،‬ولهذا كانت املحرمة ال تلب�س ما يُ�صنع ل�سرت الوجه كالربقع‬
‫ونحوه‪ ،‬ف إ�نَّه كالنَّقاب(((”‪.‬‬
‫= الكفارة‪ ،‬وهي التخيري بني ثالثة �أمور‪� :‬إطعام �ستة م�ساكني لكل م�سكني ن�صف �صاع‪ ،‬يعني‪ :‬كيلو‬
‫ون�صف‪� ،‬أو ذبح �شاة‪� ،‬أو �صيام ثالثة �أيام‪ .‬انظر‪ :‬املعونة‪ ،)526( ،‬والبيان‪ ،)155/4( ،‬والإن�صاف‪،‬‬
‫(‪.)503/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)128/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)185/2( ،‬و�شرح خمت�صر الطحاوي‪،)559/2( ،‬‬
‫والتلقني‪ ،)82/1( ،‬وخمت�صر خليل‪ ،)72( ،‬والتاج والإكليل‪ ،)201/4( ،‬والو�سيط يف املذهب‪،‬‬
‫(‪ ،)680/2‬و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬ونهاية املحتاج‪ ،)333/3( ،‬والكايف يف فقه الإمام �أحمد‪،‬‬
‫(‪ ،)489/1‬واملحرر‪ ،)238/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪.)323/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ ،‬ح (‪ ،)21/40( )24021‬م�سند عائ�شة ‪ ،)30/6( ،‬و�أبو داود يف �سننه‪،‬‬
‫ح (‪ ،)167/2( )1833‬كتاب احلج‪ ،‬باب يف املحرمة تغطي وجهها‪ ،‬والبيهقي يف �سننه‪ ،‬ح (‪)9051‬‬
‫(‪ ،)75/5‬كتاب احلج‪ ،‬باب املحرمة تلب�س الثوب من علو في�سرت وجهها وجتايف عنه‪ ،‬قال الألباين‪:‬‬
‫“قلت‪� :‬إ�سناد �ضعيف؛ ل�سوء حفظ يزيد بن �أبي ز َّياد‪ ،‬وقال احلافظ‪ :‬يف �إ�سناده �ضعف”‪� ،‬ضعيف �أبي‬
‫داود‪ ،)157/2( ،‬بلفظ‪َ “ :‬كانَ ال ُّر ْك َبانُ يمَ ُ ُّرونَ ِب َنا‪َ ،‬و َن ْحنُ َم َع َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ﷺ محُ ْ ِر َماتٌ ‪َ ،‬ف ِ�إ َذا َح َاذ ْوا ِب َنا‪،‬‬
‫�أَ ْ�سدَ َل ْت ِ�إ ْحدَ ا َنا ِج ْل َبا َب َها ِمنْ َر�أْ ِ�س َها َع َلى َو ْجهِ َها‪َ ،‬ف ِإ� َذا َجا َو ُزو َنا َك َ�ش ْف َنا ُه”‪.‬‬
‫ال�شافع َّية‪ ،‬والقا�ضي من احلنابلة فقد ذهبوا �إلى �أنه يجب‬ ‫((( وبه قال احلنف َّية‪ ،‬واملالك َّية‪ ،‬واحلنابلة‪� ،‬أما َّ‬
‫بيد‪� ،‬أو غري ذلك‪ ،‬انظر‪� :‬شرح خمت�صر الطحاوي‪،‬‬ ‫بعود‪� ،‬أو ٍ‬ ‫على املر�أة �أن جتايف ُ�سرتتها عن الوجه‪ٍ ،‬‬
‫(‪ ،)559/2‬وحا�شية العدوي‪ ،)555/1( ،‬والبيان‪ ،)155/4( ،‬والكايف يف فقه الإمام �أحمد‪.)489/1( ،‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪.)112/26( ،‬‬

‫‪427‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫‪2.2‬واختلفوا يف حكم تغطية الرجل املحرم وجهه على قولني‪:‬‬


‫القول الأول‪ :‬ال يجوز للمحرم تغطية وجهه‪ ،‬و�إذا غطاه وجبت عليه الفدية‪،‬‬
‫وهو مذهب احلنفيَّة(((‪ ،‬واملالكيَّة(((‪ ،‬ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يجوز للمحرم تغطية وجهه وال فدية عليه‪ ،‬وهو مذهب‬
‫ال�شَّ افعيَّة(((‪ ،‬وال�صحيح من مذهب احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫‪1.1‬ما ورد عن ابن عبا�س ‪ ‬أ�َنَّ رَجُ اًل �أَ ْوق ََ�ص ْت ُه رَاحِ َل ُت ُه وَهُ َو محُ ْ رِ ٌم َفمَاتَ ‪،‬‬
‫هلل ﷺ‪“ :‬اغْ �سِ لُو ُه بمِ َاءٍ وَ�سِ دْ ٍر َو َك ِّفنُو ُه فيِ َث ْو َب ْيهِ‪ ،‬و اََل تُخَ ِّمرُوا َر�أْ�سَ ُه‬ ‫َفقَالَ رَ�سُ ولُ ا ِ‬
‫و اََل وَجْ َههُ‪َ ،‬ف�إِ َّن ُه ُي ْبعَثُ َيوْمَ ا ْل ِقيَامَ ِة ُم َل ِّبيًا(((»‪.‬‬
‫ن�ص على النَّهي عن تخمري‬ ‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أنَّ هذا احلديث َّ‬
‫وتغطية الوجه‪ ،‬وقرن ذلك بالنَّهي عن تخمري ال َّر�أ�س‪ ،‬فدلَّ على �أنَّ تغطية‬
‫املحرم لوجهه منهي عنها كتغطية ال َّر�أ�س(((‪.‬‬
‫نُوق�ش‪ :‬من وجهني‪:‬‬
‫الأول‪ :‬ب�أنَّ الرَّواية املتفق عليها من حديث ابن عبا�س ‪« :‬و اََل تُخَ ِّمرُوا‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)128/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)185/2( ،‬واملحيط الربهاين‪.)448/2( ،‬‬
‫((( و�إن كان بع�ض املالكية ال يرون �أن عليه الفدية بتغطية ر�أ�سه كما ذكر ذلك �صاحب كتاب التلقني‪:‬‬
‫“ويلزم الرجل الفدية بتغطية ر�أ�سه �أو بع�ضه‪ ،‬وال يلزمه بتغطية وجهه”‪ ،‬انظر‪ :‬التلقني‪،)82/1( ،‬‬
‫والتاج والإكليل‪ ،)205/4( ،‬و�شفاء الغليل‪.)336/1( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،)489/1( ،‬واملحرر‪ ،)238/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪.)271/3( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الو�سيط يف املذهب‪ ،)680/2( ،‬و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬ونهاية املحتاج‪.)331/3( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،)489/1( ،‬واملحرر‪ ،)238/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪.)271/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)866/2( )1206‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما يفعل باملحرم �إذا مات‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪.)489/1( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪428‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫َر�أْ�سَ ُه(((»‪� ،‬أما الزَّيادة الواردة يف احلديث يف قوله‪« :‬و اََل وجهه»‪ ،‬ف إ�نَّها‬
‫�ضعيفة‪ ،‬ووهم مما ي�ؤيد ذلك‪ ،‬ما ورد عن �شعبة �أنَّه ذكر �أنّ �أبا ب�شر حدّثه‬
‫هذا احلديث‪ ،‬ثم ذكر �أنَّه �س�أله عن هذا احلديث بعد ع�شر �سنني فجاء‬
‫باحلديث كما حدّث �إال أ�نَّه قال‪« :‬و اََل تُخَ ِّمرُوا َر�أْ�سَ هُ»‪ ،‬وهذا يدل على أ�نَّه‬
‫َ�ضعَّف هذه الزَّيادة‪ ،‬و�إنْ �صحت هذه الزَّيادة فتُحمل على ما يجب ك�شفه‬
‫من الوجه لتحقق ك�شف ال َّر�أ�س‪ ،‬و�صح خمّروا وجهه وال تخمّروا ر�أ�سه(((‪.‬‬
‫�أُجيب عنه‪ :‬ب�أنَّ هذه الزيادة قد �أخرجها م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬مما يدل‬
‫على �صحة هذه الزَّيادة‪ ،‬وهي �صريحة يف النَّهي عن تغطية الوجه(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬ب�أنَّ قيا�س املحرم احلي على املحرم امليت قيا�س مع الفارق؛‬
‫�إذ �إنَّ املحرم احلي ال يلزمه ك�شف وجهه‪ ،‬و�إنمَّ ا يلزمه ك�شف ر�أ�سه فقط؛‬
‫ف�إذا مات �أحدث اهلل ‪ ‬له حكمًا زائدً ا‪ ،‬وهو �أنْ ال يخمّر وجهه‬
‫وال ر�أ�سه(((‪.‬‬
‫�أُجيب عنه‪ :‬ب�أنَّ التَّفريق بني املُحرم احلي واملُحرم امليت تفريق من غري‬
‫دليل‪ ،‬فدلَّ على عدم �صحته(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنَّ تغطية الوجه حمرَّم على املر�أة مع أ�نَّها م�أمورة ب�سرته‪ ،‬فحرَّم على الرَّجل‬
‫من باب �أولى‪ ،‬وقيا�سً ا على الطَّ يب(((‪.‬‬
‫نُوق�ش‪ :‬ب�أنَّ القيا�س مع الفارق؛ لكون املر�أة منهية عن لب�س �أمور كالقفازين‪،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)75/2( )1265‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب الكفن يف ثوبني‪ ،‬وم�سلم يف‬
‫«اغ ِ�س ُلو ُه بمِ َ اءٍ‬
‫�صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)865/2( )1206‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما يفعل باملحرم �إذا مات‪ ،‬بلفظ‪ْ :‬‬
‫َو ِ�س ْد ٍر َو َك ِّف ُنو ُه فيِ َث ْو َب ْي ِه‪َ ،‬و اَل ت َُخ ِّم ُروا َر أْ� َ�س ُه َو اَل َو ْج َههُ‪َ ،‬ف ِإ� َّن ُه ُي ْب َعثُ َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُم َل ِّب ًيا»‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح كتاب احلج من بلوغ املرام‪ ،)86( ،‬ونهاية املحتاج‪ ،)331/3( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪،‬‬
‫(‪.)271/3‬‬
‫لل�شلعان‪� ،‬ص (‪.)237‬‬ ‫((( انظر‪ :‬النوازل يف احلج َّ‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪.)81/5( ،‬‬
‫لل�شلعان‪� ،‬ص (‪.)237‬‬ ‫((( انظر‪ :‬النوازل يف احلج َّ‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري البن قدامة‪.)271/3( ،‬‬

‫‪429‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫والرَّجل مل يُنه عن ذلك‪ ،‬والرَّجل منهي عن لب�س املخيط وتغطية ال َّر�أ�س‬


‫واملر�أة غري منهية(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫رجل �س�أل النَّبي ﷺ ما يلب�س املحرم من‬ ‫‪1.1‬ما ورد عن ابْن عمر ‪� ‬أنَّ اً‬
‫ُ�ص‪َ ،‬و َال ال َعمَائِمَ ‪َ ،‬و َال ال�سَّ رَاوِيالَتِ ‪َ ،‬و َال البرَ َان َِ�س‪،‬‬ ‫الثياب‪ ،‬فقال‪َ « :‬ال َي ْلب َُ�س ال ُقم َ‬
‫َاف �إ اَِّل �أَحَ ٌد َال يَجِ ُد َن ْع َلينْ ِ‪َ ،‬ف ْل َي ْلب َْ�س خُ فَّينْ ِ‪َ ،‬و ْل َيقْطَ ْع ُهمَا أ�َ�سْ فَلَ مِ نَ‬‫َو َال اخلِ ف َ‬
‫َاب �شَ ْيئًا مَ �سَّ ُه الزَّعْ َفرَانُ �أَ ْو َور ٌْ�س((( ((»‪.‬‬ ‫ال َك ْعبَينْ ِ‪َ ،‬و َال َت ْلبَ�سُ وا مِ نَ ال ِّثي ِ‬
‫وجه الدَّاللة من احلديث‪� :‬أنَّ ال�سَّ �ؤال من الرَّجل وقع يف احلديث عمَّا يلب�س‬
‫املحرم ف�أجاب النَّبي ﷺ على �س�ؤاله مبا ال يُلب�س؛ لأنَّ ما ال يُلب�س حم�صور؛‬
‫بخالف ما يُلب�س‪� ،‬إذ الأ�صل الإباحة‪ ،‬ومل يذكر ِ�ضمْن ما ال يُلب�س تغطية‬
‫الوجه فدلَّ على جواز ك�شفه(((‪.‬‬
‫بن�ص �آخر غري هذا النَّ�ص كما ورد‬
‫نُوق�ش‪ :‬ب�أنَّ النَّهي عن تغطية الوجه ورد َّ‬
‫يف حديث الرَّجل الذي وق�صته ناقته(((‪.‬‬
‫ال�صحابة على جواز تغطية الوجه للمحرم؛ فقد روي عن عثمان بن‬‫‪�2.2‬إجماع َّ‬
‫عفان وعبدالرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وعبداهلل بن الزَّبري و�سعد بن‬
‫�أبي وقا�ص وجابر ‪� ‬أنَّهم �أجازوه‪ ،‬ومل يُعرف لهم خمالف(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪.)80/5( ،‬‬
‫((( املراد بالور�س‪ :‬نبات �أ�صفر ال َّلون طيب ال َّريح تُ�صبغ به الثياب‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.)404/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)15/3( )1838‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما ينهى من الطيب للمحرم‪،‬‬
‫وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)835/2( )1177‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما يباح للمحرم بحج �أو عمرة‪ ،‬وما ال‬
‫يباح‪ ،‬وبيان حترمي الطيب عليه‪ ،‬بلفظ‪َ “ :‬ال َي ْل َب ُ�س ال ُق ُم َ�ص‪َ ،‬و َال ال َع َما ِئ َم‪َ ،‬و َال َّ‬
‫ال�س َرا ِوي َال ِت‪َ ،‬و َال البرَ َ ا ِن َ�س‪،‬‬
‫اف ِ�إ اَّل �أَ َح ٌد َال َي ِج ُد َن ْع َلينْ ِ ‪َ ،‬ف ْل َي ْل َب ْ�س ُخ َّفينْ ِ ‪َ ،‬و ْل َيق َْط ْع ُه َما أَ� ْ�س َف َل ِمنَ ال َك ْع َبينْ ِ ‪َ ،‬و َال َت ْل َب ُ�سوا ِمنَ ال ِّث َي ِ‬
‫اب‬ ‫َو َال ِ‬
‫اخل َف َ‬
‫َ‬
‫َ�ش ْي ًئا َم َّ�س ُه الز َّْع َف َرانُ �أ ْو َو ْر ٌ�س”‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬أ�سنى املطالب‪.)504/1( ،‬‬
‫لل�شلعان‪� ،‬ص (‪.)240‬‬ ‫((( انظر‪ :‬ال َّنوازل يف احلج َّ‬
‫((( انظر‪ :‬نهاية املحتاج‪ ،)331/3( ،‬والكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،)489/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪،‬‬
‫(‪.)271/3‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪430‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫نُوق�ش‪ :‬ب�أنَّ هذا الإجماع قد خالفه قول ابن عمر ‪« :‬مَ ا َفوْقَ الذَّ قَنِ مِ نَ‬
‫ال َّر�أ ِْ�س‪َ ،‬ف َال يُخَ مِّ ْر ُه المْ ُحْ رِ مُ (((»‪.‬‬
‫�أُجيب عنه‪ :‬ب�أنَّ عبداهلل بن عمر ‪ ‬كان يذهب �إلى هذا القول‪ ،‬لكنَّه‬
‫ترك العمل به(((‪.‬‬
‫‪ 3.3‬أ�نَّه لو كان تغطية املحرم وجهه مكروهً ا �أو حمرمً ا‪ ،‬لبيَّنه الرَّ�سول ﷺ فلمَّا مل‬
‫ينه عن ذلك دلّ على �أنَّه مباح(((‪.‬‬
‫نُوق�ش‪ :‬مبا ورد يف حديث ابن عبا�س يف الرَّجل الذي وق�صته ناقته(((‪.‬‬
‫يُجاب عنه‪ :‬ب�أنَّ حديث ابن عبا�س حممول على ما يجب ك�شفه من الوجه‬
‫لتحقق ك�شف الر�أ�س‪ ،‬و�صح خمّروا وجهه وال تخمّروا ر�أ�سه(((‪.‬‬
‫الترَّ جيح‪:‬‬
‫الرَّاجح ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪ -‬العمل بالأحوط بالن�سبة للرَّجل من ترك لب�س‬
‫الكِ مامة؛ لقوة �أدلة كل من القولني وتكافئهما؛ لكن لو دعت احلاجة �إلى لب�س الرَّجل‬
‫للكِ مامة خوفًا من انتقال العَدْ وَى عند انت�شار الأمرا�ض املعدية‪ ،‬ف إ�نَّه يجوز لب�سها‬
‫العتبار احلاجة الَّداعية لذلك وعليه فدية الأذى(((‪ ،‬واحلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة‬
‫عامة كانت �أو خا�صة(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه مالك يف موطئه‪ ،‬ح (‪ ،)327/1( )13‬كتاب احلج‪ ،‬باب تخمري املحرم وجهه‪ ،‬البيهقي يف‬
‫�سننه‪ ،‬ح (‪ ،)87/5( )9090‬كتاب احلج‪ ،‬باب ال يغطي املحرم ر�أ�سه‪ ،‬وله �أن يغطي وجهه‪.‬‬
‫((( ملا ورد عنه فيما رواه رافع عنه من قوله‪�“ :‬إحرام املر�أة يف وجهها‪ ،‬و�إحرام الرجل يف ر�أ�سه”‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫�شرح م�شكل الآثار‪.)411/8( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪.)81/5( ،‬‬
‫لل�شلعان‪� ،‬ص (‪.)242‬‬‫((( انظر‪ :‬ال َّنوازل يف احلج َّ‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري البن قدامة‪.)271/3( ،‬‬
‫((( فدية دفع الأذى الواردة يف �آية الإح�صار‪ :‬هي على التخيري بني �صيام ثالثة �أيام‪� ،‬أو �إطعام �ستة‬
‫م�ساكني لكل م�سكني ُم ّد بر �أو ن�صف �صاع متر �أو �شعري‪� ،‬أو ذبح �شاة‪ ،‬انظر‪ :‬التاج والإكليل‪،)241/4( ،‬‬
‫واحلاوي‪ ،)227/4( ،‬واملبدع‪.)157/3( ،‬‬
‫((( قال ال�شيخ زكريا الأن�صاري‪“ :‬من لب�س يف الإحرام ما يحرم لب�سه به �أو �سرت ما يحرم �سرته فيه =‬

‫‪431‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫أ�مَّا املر�أة املحرمة فقد مت اتفاق الفقهاء ‪ ‬على حترمي انتقاب املر�أة وتغطية‬
‫وجهها بغري ح�ضرة الأجانب‪ ،‬و�أنَّ ذلك يُع ُّد من حمظورات الإحرام بحقها‪ ،‬ولذلك‬
‫فال يجور لها لب�س الكِ مامة‪ ،‬لكنْ �إنَّ دعت احلاجة للب�سه النت�شار داء‪� ،‬أو خوف انتقال‬
‫عدوى‪� ،‬أو غري ذلك من الأ�سباب؛ فيجوز لها �أنْ تلب�س الكِ مامة مع �إخراج فدية �أذى(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم لب�س القفازين للداخل يف نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من انت�شار‬
‫فريو�س كُ ورُونَا‬

‫حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫‪1.1‬اتفق الفقهاء ‪ ‬على حترمي لب�س القفازين للرَّجل حال الإحرام(((‪،‬‬
‫وعليه الفدية يف حال لب�سهما(((؛ ومل ين�ص النَّبي ﷺ على القفازين فيما‬
‫يحرم على املحرم لب�سه؛ لأنَّه مل يكن من عادة الرَّجال �أنْ يلب�سوا القفازين؛‬
‫بخالف النَّ�ساء الالتي كان من عادتهنَّ لب�س القفازين(((‪.‬‬
‫‪2.2‬واختلفوا ‪ ‬يف حكم لب�س املر�أة للقفازين على قولني‪:‬‬
‫= حلاجة حر �أو برد �أو مداواة �أو نحوها جاز وفدى”‪ ،‬انظر‪� :‬أ�سنى املطالب‪ ،)507/1( ،‬وقال ال�شيخ‬
‫ابن عثيمني‪“ :‬لفاعل املحظورات ال�سابقة ثالث حاالت‪ ... :‬الثانية‪� :‬أن يفعله حلاجة‪ ،‬فلي�س ب�آثم‪ ،‬وعليه‬
‫فدية‪ .‬قال تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚﰛ‬
‫ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [البقرة‪ ،”]196 :‬جمموع فتاوى ور�سائل العثيمني‪.)434/24( ،‬‬
‫احلج َّ‬
‫لل�شلعان‪� ،‬ص (‪.)243‬‬ ‫((( انظر‪ :‬النوازل يف ّ‬
‫َّ‬
‫((( وقد حكى الإجماع على ذلك بع�ض العلماء‪ ،‬انظر‪ :‬ال�شرح املمتع‪.)135/7( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)128/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)186/2( ،‬والبناية‪ ،)274/4( ،‬وخمت�صر خليل‪،‬‬
‫(‪ ،)72‬والتاج والإكليل‪ ،)201/4( ،‬و�شفاء الغليل‪ ،)336/1( ،‬والو�سيط يف املذهب‪،)682/2( ،‬‬
‫و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬ونهاية املحتاج‪ ،)333/3( ،‬والكايف يف فقه الإمام �أحمد‪،)489/1( ،‬‬
‫واملحرر‪ ،)239/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪.)325/3( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬نهاية املحتاج‪َّ ،)333/3( ،‬‬
‫وال�شرح املمتع‪.)135/7( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪432‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫القول الأول‪ :‬حترمي لب�س القفازين على املر�أة وفيها الفدية‪ ،‬وهو قول‬
‫املالكيَّة(((‪ ،‬وقول عند ال�شَّ افعيَّة(((‪ ،‬وقول احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز لب�س القفازين للمر�أة‪ ،‬وبه قال احلنفيَّة(((‪ ،‬والقول‬
‫الأ�صح عند ال�شَّ افعيَّة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫‪1.1‬ما ورد عن ابن عمر ‪� ‬أنَّه‪�« :‬سَ مِ َع رَ�سُ ولَ اهلل ﷺ َنهَى النِّ�سَ ا َء فيِ‬
‫َاب(((»‪.‬‬ ‫َاب‪ ،‬وَمَ ا مَ َّ�س ا ْل َور ُْ�س وَالزَّعْ َفرَانُ مِ نَ ال ِّثي ِ‬
‫�إِحْ رَامِ هِ نَّ عَ نِ ال ُقفَّا َزيْنِ وَال ِّنق ِ‬
‫‪2.2‬ما ورد عن ابن عمر ‪� ‬أنَّ النَّبي ﷺ قال‪َ « :‬و َال َت ْن َتقِبِ ا َمل ْر�أَ ُة املُحْ رِ مَ ةُ‪،‬‬
‫َو َال َت ْلب َِ�س ال ُقفَّا َزيْنِ (((»‪.‬‬
‫وجه الدَّاللة من احلديثني‪ :‬عموم النَّهي الوارد يف احلديثني‪ ،‬والنَّهي يقت�ضي‬
‫التَّحرمي؛ فدلَّ ذلك على حترمي لب�س القُفازين على املر�أة املحرمة(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬خمت�صر خليل‪ ،)72( ،‬والتاج والإكليل‪ ،)201/4( ،‬و�شفاء الغليل‪.)336/1( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الو�سيط يف املذهب‪ ،)682/2( ،‬و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬ونهاية املحتاج‪.)333/3( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،)489/1( ،‬واملحرر‪ ،)239/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪،‬‬
‫(‪.)325/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)128/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)186/2( ،‬والبناية‪.)274/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الو�سيط يف املذهب‪ ،)682/2( ،‬و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬ونهاية املحتاج‪.)333/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ ،‬ح (‪ ،)361/8( )4740‬م�سند عبداهلل بن عمر ‪ ،‬و�أبو داود يف �سننه‪ ،‬ح‬
‫(‪ ،)166/2( )1827‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما يلب�س املحرم‪ ،‬والبيهقي يف �سننه‪ ،‬ح (باب ما يلب�س املحرم)‬
‫(‪ ،)83/5‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما تلب�س املر�أة املحرمة من الثياب‪ ،‬قال احلاكم يف امل�ستدرك‪( :‬هذا‬
‫حديث �صحيح على �شرط م�سلم‪ ،‬ومل يخرجاه)‪ ،)661/1( ،‬قال الألباين عنه‪( :‬و�إ�سناده �صحيح)‪،‬‬
‫�إرواء الغليل‪.)192/4( ،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)15/3( )1838‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما ينهى من الطيب للمحرم‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الو�سيط يف املذهب‪ ،)682/2( ،‬و�أ�سنى املطالب‪ ،)504/1( ،‬وال�شرح الكبري البن قدامة‪،‬‬
‫(‪.)325/3‬‬

‫‪433‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫نُوق�ش‪ :‬ب�أنَّ النَّهي الوارد يف قوله ﷺ‪َ « :‬و َال َت ْلب َِ�س ال ُقفَّا َزيْنِ »‪ ،‬نهي ندب حملناه‬
‫عليه جمعًا بني الأدلة بقدر الإمكان(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫‪1.1‬ما ورد عن �سعد بن �أبي وقا�ص ‪ « :‬أ�نَّه كان يُلب�س بناتَه ال ُقفَّا َزيْنِ فيِ‬
‫الإحرام»(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنَّ لب�س املر�أة للقفازين لي�س الغر�ض منه �إال تغطية اليدين باملخيط‪ ،‬واملر�أة غري‬
‫ممنوعة من لب�س املخيط؛ فدلَّ على جواز لب�س القفازين يف حال الإحرام(((‪.‬‬
‫الترَّ جيح‪:‬‬
‫الرَّاجح ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪�-‬أنَّه يحرم على كل من الرجل واملر�أة لب�س القفازين‬
‫يف حال �إحرامهما‪� ،‬إال �إنْ دعت احلاجة للب�س لدواعٍ وقائية من مر�ض �أو انتقال‬
‫عدوى‪ ،‬فيلب�سانهما ثم يخرجان فدية الأذى(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫من �أحرم باحلجّ �أو العمرة ثم ُمنِع من �إمتام ن�سكه احرتازًا من انت�شار‬
‫فريو�س كُ ورُونَا‪� ،‬أو لتحقق �إ�صابته بفريو�س كُ ورُونَا‬

‫هذه امل�س�ألة تندرج حتت م�س�ألة الإح�صار((( باملر�ض الذي اختلف الفقهاء ‪‬‬
‫يف اعتباره عذرًا ي�سوغ به التّحلل �أم ال؟ على قولني‪:‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪.)186/2( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)128/4( ،‬و�أخرجه البيهقي يف معرفة ال�سنن والآثار‪ ،‬ح (‪ ،)139/7( )9592‬كتاب‬
‫احلج‪ ،‬باب تلبية املر�أة و�إحرامها‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪.)186/2( ،‬‬
‫((( يراجع قول ال�شيخ ابن عثيمني ‪.‬‬
‫احلج والعمرة بعد الإحرام‪� ،‬سواء كان بعد ٍ ّو �أو بحب�س �أو‬
‫((( املراد بالإح�صار‪ :‬هو املن ُع عن امل�ضي يف �أفعال ّ‬
‫مبر�ض‪ ،‬انظر‪ :‬التَّعريفات الفقهية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪434‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫القول الأول �أنَّ الإح�صار يكون باملر�ض �أو العدو �أو غريهما‪ ،‬وبه قال احلنفيَّة(((‪،‬‬
‫ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أنَّ الإح�صار ال يكون �إال بالعدو‪ ،‬وبه قال املالكيَّة(((‪ ،‬وال�شَّ افعيَّة(((‪،‬‬
‫وامل�شهور يف املذهب عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫‪1.1‬قول اهلل تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة‪.]196 :‬‬
‫وجه ال َّداللة من الآية‪ :‬عمومها؛ �إذ �إنَّ اهلل ‪ ‬مل يقيَّد احل�صر‬
‫بالعدو(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنَّ النَّبي ﷺ قال‪« :‬من كُ�سِ رَ‪� ،‬أو عَ رَجَ فقد حلَّ‪ ،‬وعليه حَ جّ ة �أخرى(((»‪.‬‬
‫وجه الدَّاللة من احلديث‪� :‬أنَّ من �أحرم ثم حدث له بعد الإحرام ك�سر �أو عرج‬
‫ح ّل و�إنْ مل ي�شرتط التَّحلل‪ ،‬فدلَّ على �أنَّ من �أُح�صر بغري عدو كاملر�ض جاز‬
‫له احلِ ّل من الإحرام(((‪.‬‬
‫نُوق�ش‪ :‬ب�أنَّ هذا احلديث مرتوك الظاهر‪ ،‬ف�إنَّ جمرد الك�سر والعرج ال ي�صري‬
‫((( انظر‪ :‬حتفة الفقهاء‪ ،)415/1( ،‬والهداية للمرغيناين‪ ،)175/1( ،‬واملحيط الربهاين‪.)471/2( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،)331/3( ،‬واملبدع‪ ،)245/3( ،‬والإن�صاف‪.)71/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الذخرية‪ ،)186/3( ،‬والقوانني الفقهية‪� ،‬ص (‪ ،)94‬والتاج والإكليل‪.)290/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي‪ ،)345/4( ،‬واملهذب‪ ،)425/1( ،‬ونهاية املطلب‪.)427/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،)331/3( ،‬واملبدع‪ ،)249/3( ،‬والإن�صاف‪.)71/4( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح املمتع‪.)418/7( ،‬‬
‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ ،‬ح (‪ ،)508/24( )15731‬م�سند احلجاج بن عمرو الأن�صاري‪ ،‬والرتمذي يف‬
‫�سننه‪ ،‬ح (‪ ،)269/2( )940‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما جاء يف الذي يهل باحلج فيك�سر �أو يعرج‪ ،‬والن�سائي يف‬
‫�سننه‪ ،‬ح (‪ ،)198/5( )2861‬كتاب احلج‪ ،‬باب فيمن �أح�صر بعدو‪ ،‬وابن ماجه يف �سننه‪ ،‬ح (‪)3077‬‬
‫(‪ ،)1028/2‬كتاب احلج‪ ،‬باب املح�صر‪ ،‬قال الرتمذي‪( :‬هذا حديث ح�سن)‪ ،‬و�صححه الألباين يف‬
‫�صحيح و�ضعيف �سنن ابن ماجه‪.)77/7( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ال�سندي‪.)259/2( ،‬‬

‫‪435‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫حالل‪ ،‬حُ مل‬ ‫حالل‪ ،‬و�إنْ �سُ لّم ب أ�نَّه ي�صري املحرم بالك�سر والعرج اً‬
‫به املحرم اً‬
‫على ما �إذا ا�شرتط احللَّ بذلك‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى �أنَّ يف حديثهم كالمً ا‪ ،‬ف�إنَّه‬
‫يرويه ابن عبا�س‪ ،‬ومذهبه خالفه(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫‪1.1‬ما ورد عن �أن�س ‪� ‬أنَّه �سُ ئل كم اعتمر النَّبي ﷺ؟ قال‪ « :‬أَ� ْر َبعٌ‪ :‬عُ ْم َر ُة‬
‫احلُدَ ْي ِب َي ِة فيِ ذِ ي ال َقعْدَ ِة حَ يْثُ َ�ص َّد ُه املُ�شْ رِ كُونَ ‪.»(((...‬‬
‫وجه الدَّاللة من احلديث‪� :‬أنَّ النَّبي ﷺ �أحرم بالعمرة يف ال�سَّ نة ال�سَّ اد�سة‬
‫ف�صدَّه امل�شركون عن �إكمال نُ�سْ كه‪ ،‬فح ّل ونَحر ثم حَ لَق هو و�أ�صحابه �إال‬
‫عثمان(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أنَّ النَّبي ﷺ دخل على ُ�ضبَاعَ َة بنت الزبري ‪ ،‬فقالت‪� :‬إِنيِّ �شَ اكِ َي ٌة َو�إِنيِّ‬
‫�أُرِي ُد الحْ َ جَّ ‪َ ،‬فقَالَ َلهَا ﷺ‪« :‬حُ جِّ ي وَا�شْ ترَ ِطِ ي �أَنَّ محَ ِ لِّي حَ يْثُ تحَ ْ بِ�سُ نِي(((»‪.‬‬
‫وجه الدَّاللة من احلديث‪� :‬أنَّه لو كان املر�ض يبيح احلِ ل للمحرم‪ ،‬ما احتاجت‬
‫ب�ضبَاعَ ة �إلى اال�شرتاط (((‪.‬‬
‫ُ‬
‫الترَّ جيح‪:‬‬
‫الرَّاجح ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪ -‬القول الأول الذي يرى �أنَّ الإح�صار يكون باملر�ض‬
‫كالإح�صار بالعدو؛ لعموم الأدلة التي مل تفرق بني الإح�صار بعدو �أو غريه‪.‬‬
‫وبنا ًء على ذلك لو دخل احلاج �أو املعتمر يف النُّ�سك‪ ،‬ثم �أ�صابه فريو�س كُورُونَا‪� ،‬أو‬
‫مُنع من �إمتام نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة احرتازًا من انت�شار فريو�س كُورُونَا‪ ،‬ف إ�نَّه يكون‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪.)332/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)3/3( )1778‬كتاب احلج‪ ،‬باب كم اعتمر النبي ﷺ؟‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الذخرية‪.)186/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)868/2( )1207‬كتاب احلج‪ ،‬باب جواز ا�شرتاط املحرم التحلل‬
‫بعذر املر�ض‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪.)332/3( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪436‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫يف حكم املح�صر‪ ،‬ف�إنْ كان قد ا�شرتط قبل الدَّخول يف الإحرام ب أ�نَّه �إذا منعه مانع‪،‬‬
‫�أو حب�سه حاب�س‪ ،‬فمحِ له حيث حب�سه اهلل‪� ،‬أح ّل من �إحرامه وال �شيء عليه(((؛ حلديث‬
‫ُ�ضبَاعَ ة بنت الزبري ‪ ‬حني دخل عليها النبي ﷺ فقال لها‪َ « :‬ل َعل َِّك �أَ َردْتِ‬
‫احلَ جَّ ؟” قَالَتْ ‪َ :‬واللهَّ ِ َال أ�َجِ دُنيِ �إ اَِّل وَجِ َعةً‪َ ،‬فقَالَ َلهَا‪“ :‬حُ جِّ ي وَا�شْ ترَ ِطِ ي‪َ ،‬و ُقوليِ ‪ :‬ال َّلهُمَّ‬
‫محَ ِ لِّي حَ يْثُ حَ بَ�سْ َتنِي(((»‪ ،‬و�إن مل ي�شرتط ف�إنه يجب عليه �أن يذبح هديًا(((؛ لقوله‬
‫تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪ ،]196 :‬ومبا ورد عن ابن عبا�س ‪‬‬
‫�أنه قال‪« :‬قَدْ �أُحْ ِ�ص َر رَ�سُ ولُ اللهَّ ِ ﷺ‪ ،‬فَحَ لَقَ َر�أْ�سَ هُ‪ ،‬وَجَ امَ َع نِ�سَ ا َءهُ‪َ ،‬ونَحَ َر هَ دْ َيهُ‪ ،‬حَ تَّى‬
‫اعْ َت َم َر عَ امً ا قَابِل(((»‪ ،‬وعليه �أنْ يذبح الهدي يف حمِ له الذَّ ي أ�ُح�صر فيه �سواء كان يف‬
‫احلرم �أو يف احللّ‪ ،‬ويعطيها للفقراء يف حمِ له‪ ،‬ولو كان خارج احلرم‪ ،‬ف�إنْ مل يتي�سر‬
‫حوله �أحد نقلت �إلى فقراء احلرم‪� ،‬أو �إلى من حوله من الفقراء‪� ،‬أو �إلى فقراء بع�ض‬
‫القرى‪ ،‬ثم يحلق �أو يق�صر ويتحلل‪ ،‬ف�إنْ مل ي�ستطع الهدي �صام ع�شرة �أيام(((‪ ،‬ثم‬
‫حلق �أو ق�صر وحتلل‪ ،‬وهذا على ر�أي جمهور الفقهاء(((‪ ،‬وقال �أكرث املالكيَّة بعدم‬
‫وجوب الهدي على من �أح�صر((( (((‪.‬‬
‫((( وهو قول احلنابلة و�أحد قويل ال�شافعية‪ ،‬انظر‪ :‬نهاية املطلب‪ ،)428/4( ،‬واملغني‪.)332/3( ،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)7/7( )5089‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الأكفاء يف الدين‪ ،‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)867/2( )1207‬كتاب احلج‪ ،‬باب جواز ا�شرتاط املحرم التحلل بعذر املر�ض ونحوه‪.‬‬
‫((( وهو ذبح �شاة �أو بقرة �أو نحر بدنة‪ ،‬نظر‪ :‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،)65/3( ،‬واملغني‪.)248/7( ،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬ح (‪ ،)9/3( )1809‬كتاب �أبواب املح�صر‪ ،‬باب �إذا �أح�صر املعتمر‪.‬‬
‫((( وهو قول احلنابلة و�أحد قويل َّ‬
‫ال�شافع َّية‪ ،‬وقول �أ�شهب من املالك َّية‪ ،‬وقال احلنف َّية‪ ،‬وقول عند املالك َّية‪:‬‬
‫ب�أ َّنه �إنْ مل يجد الهدي فال ي�صري �إلى البدل ويلزمه �أنْ يقيم حتى يجد الهدي‪ ،‬انظر‪ :‬املب�سوط‪،‬‬
‫(‪ ،)113/4‬والذخرية‪ ،)189/3( ،‬واحلاوي‪ ،)355/4( ،‬واملغني‪.)330/3( ،‬‬
‫((( من احلنف َّية‪ ،‬و�أ�شهب من املالك َّية‪ ،‬واحلنابلة‪� ،‬أما َّ‬
‫ال�شافع َّية ف�إنهم يرون �أن املري�ض لي�س له �أن يتحلل �إال‬
‫�أن يكون �شرط ذلك عند �إحرامه‪ ،‬انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،)106/4( ،‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)178/2( ،‬والهداية‬
‫للمرغيناين‪ ،)175/1( ،‬و�شرح خمت�صر خليل للخر�شي‪ ،)389/2( ،‬ومنح اجلليل‪،)393/2( ،‬‬
‫واملخت�صر الفقهي‪ ،)245/2( ،‬واحلاوي‪ ،)346/4( ،‬والبيان‪ ،)393/4( ،‬ومنهاج الطالبني‪� ،‬ص‬
‫(‪ ،)93‬واملغني‪ ،)327/3( ،‬والعدة‪� ،‬ص (‪ ،)197‬واملبدع‪.)245/3( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬التاج والإكليل‪ ،)301/4( ،‬و�شرح خمت�صر خليل للخر�شي‪ ،)389/2( ،‬واملخت�صر الفقهي‪،‬‬
‫(‪.)245/2‬‬
‫َّ‬
‫((( وقد رجح بع�ض العلماء املعا�صرين مثل الدكتور حميد حلمر هذا القول‪ ،‬وقالوا‪ :‬ب�أنه هو الأليق =‬

‫‪437‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املطلب الرابع‬
‫ا�ستخدام �سوائل ومناديل التَّعقيم للمحرم‬
‫اتفق الفقهاء((( ‪ ‬على �أنَّ الطَّ يب من حمظورات الإحرام يف البدن والثَّوب؛‬
‫َاب �شَ ْيئًا مَ �سَّ ُه‬
‫ملا ورد عن النَّبي ﷺ �أنه قال فيما يجتنبه املحرم‪« :‬و اََل َي ْلب َْ�س مِ نَ ال ِّثي ِ‬
‫َور ٌْ�س �أَ ْو زَعْ َفرَا ٌن(((»‪ ،‬و أ�نَّه تلزم املحرمَ الفدي ُة �إذا تطيب عمدً ا‪.‬‬
‫ويراد بالطَّ يب املنهي عنه ما يق�صد النَّا�س التَّطيب به عادة‪ ،‬و�إذا نظرنا حلقيقة‬
‫�سوائل ومناديل التَّعقيم وجدنا �أنَّها لي�ست مما يُق�صد عادة التَّطيب به‪ ،‬مما يدل‬
‫على أ�َّنها لي�ست طيبًا يف الأ�صل؛ لذا ف�إنَّه يجوز ا�ستخدام املحرم �سوائل ومناديل‬
‫التَّعقيم عند احلاجة لذلك‪ ،‬والأحوط ترك ا�ستخدامها‪ ،‬وبه قال ال�شَّ يخ ابن باز(((‪،‬‬
‫وال�شَّ يخ ابن عثيمني((( ‪ ،‬وال�شَّ يخ عبدالكرمي اخل�ضري(((‪.‬‬
‫م�سجل يف حج هذه ال�سنة‪ ،‬وقد وجدت جائحة ُكو ُرو َنا؛‬ ‫اً‬ ‫الأن�سب يف زماننا‪ ،‬فال هدي على من كان‬
‫وع َّللوا ذلك باملر�ض املتف�شي هناك‪ ،‬فهو مبثابة عدو للحاج‪ ،‬مانع له من �أداء منا�سكه‪ ،‬وا�ستدلوا ب�أ َّنه‬
‫ال�ساد�سة‬ ‫مل يكن مع كل املح�صرين من ال�صحابة هدي‪ ،‬عندما �أح�صر بهم مع ال َّنبي ﷺ يف َّ‬
‫ال�سنة َّ‬
‫متنفل به‪ ،‬وهو الذي �أراده اهلل تعالى‬ ‫للهجرة‪ ،‬و�أنَّ الهدي الذي كان مع ال َّنبي ﷺ �ساقه من املدينة اً‬
‫بقوله‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الفتح‪ ،]25 :‬وقالوا‪ :‬ب�أنَّ الآية ال تدل على الوجوب‪ ،‬انظر‪ :‬مقال احلج‬
‫زمن جائحة كورونا (كوفيد ‪ ،)19‬للأ�ستاذ الدكتور حميد حلمر �أ�ستاذ التعليم العايل بجامعة �سيدي‬
‫حممد بن عبداهلل ‪ -‬فا�س‪ ،‬موقع م�ؤ�س�سة حممد ال�ساد�س للعلماء الأفارقة‪.https://rb.gy/h59ngk :‬‬
‫قال ابن املنذر‪( :‬و�أجمعوا على �أن املحرم ممنوع من اجلماع‪ ،‬وقتل ال�صيد‪ ،‬والطيب)‪ ،‬الإجماع‪� ،‬ص‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)52‬وبدائع ال�صنائع‪ ،)189/2( ،‬والتلقني‪ ،)83/1( ،‬واحلاوي‪ ،)100/4( ،‬والكايف يف فقه الإمام‬
‫�أحمد‪.)490/1( ،‬‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫للحج �أو العمرة؟ ف�أجاب ب�أن (من‬ ‫ع َّندما ُ�سئل‪ :‬ما حكم من اغت�سل ب�صابون �أو مطهر وهو حمرم َّ‬ ‫(((‬
‫ال�صابون‬ ‫حمرما‪� ،‬إال �إذا كان َّ‬
‫ً‬ ‫ال�صابون �أو غريه مما يغ�سل به َّ‬
‫ال�شعر فال حرج عليه و�إن ْكان‬ ‫ا�ستعمل َّ‬
‫ً‬
‫فيه طيب كاملم�سك فالأولى تركه احتياطا‪ ،‬وال ي�س َّمى من ا�ستعمله متطي ًبا‪ ،‬وال فدية عليه �إذا ا�ستعمل‬
‫ال�صابون املم�سك‬ ‫الطيب من َّ‬ ‫ال�صابون �أو �أ�شباه ذلك‪ ،‬وال يكون حكمه حكم املتطيب‪ ،‬ولكنْ ترك ما فيه َّ‬
‫َّ‬
‫الطيب �أحوط و�أولى للم�ؤمن)‪ ،‬جمموع فتاوى ابن باز‪.)127/17( ،‬‬ ‫الذي ُيظهر رائحة َّ‬
‫بال�صابون املعطر وقت الإحرام؟ ف�أجاب بقوله‪( :‬ال ب�أ�س به؛ لأن هذه‬ ‫عندما ُ�سئل‪ :‬ما حكم االغت�سال َّ‬ ‫(((‬
‫للطيب‪� ،‬إمنا هي لتطييب ال َّنكهة فقط)‪ ،‬جمموع فتاوى ور�سائل‬ ‫ال َّرائحة لي�ست طي ًبا‪ ،‬وال ت�ستعمل َّ‬
‫ف�ضيلة ال�شيخ حممد بن �صالح العثيمني‪.)160/22( ،‬‬
‫َّ‬
‫ال�صابون املعقم (ديتول) للمحرم؟ ف�أجاب‪( :‬الطيب مق�صود‪= ،‬‬ ‫عندما ُ�سئل‪ :‬ما حكم ا�ستعمال َّ‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪438‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫و�إنْ قلنا‪� :‬إنَّها تُع ّد يف حكم الطَّ يب ف�إنَّه يجوز ا�ستخدامها للوقاية من انتقال‬
‫ال�ضرورة الدَّافعة جلواز ا�ستعمال الطَّ يب‪،‬‬
‫عَ دْ وَى فريو�س كُورُونَا‪ ،‬ويُع ّد هذا يف حكم َّ‬
‫وتلزمه الفدية‪ ،‬قال ابن عرفة‪( :‬واكتحال املحرم مطلقًا لدواءٍ جائز‪ ،‬وفيه مبطيب‬
‫الفدية‪ ،‬ولزينة ممنوع(((‪.‬‬

‫= ولذا مينع يف الإحرام‪ ،‬ف�إذا كان لي�س برائحة؛ فما فيه �إ�شكال �إن �شاء اهلل تعالى؛ لأن املمنوع‬
‫َّ‬
‫الطيب)‪ ،‬موقع الإ�سالم‪.https://cutt.ly/UfniJn9 :‬‬
‫((( املخت�صر الفقهي‪.)221/2( ،‬‬

‫‪439‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫اخلامتة‬

‫خال�صة النَّتائج والتَّو�صيات التَّي مت التو�صل لها من خالل هذا البحث‪:‬‬


‫�أهم النَّتائج‪:‬‬
‫•�إنَّ الأمرا�ض املعدية وانتقال العّدْ وَى بها ال ُي�ؤثّر بنف�سه‪ ،‬كما �أنَّ الأخذ‬
‫بالإجراءات الوقائية ال ُي�ؤثّر بنف�سه‪ ،‬بل ت�أثريها متعلق ب�إرادة اهلل وم�شيئته‪،‬‬
‫فعلى كل مُ�سْ لِم �أنْ ي�أخذ ب�أ�سباب الوقاية من الفريو�س باجتناب م�سبَّبات‬
‫العَدْ وَى مع الأخذ باالحرتازات الوقائية معتقدً ا �أنَّ هذه كلها �أ�سباب ال متنع‬
‫من ق�ضاء اهلل وقدره‪.‬‬
‫•اختالف حقيقة الطَّ اعون عن حقيقة غريه من الأوبئة كفريو�س كُورُونَا مما‬
‫يدل على جواز دخول غري الطَّ اعون ملكَّة املكرَّمة واملدينة املنَّورة‪.‬‬
‫•�إنَّه يلزم من توفرت فيه �شروط �أداء احلجّ والعمرة مع وجود فريو�س كُورُونَا‬
‫وانت�شاره ت�أخري �أدائهما �إلى �أنْ يزول هذا الفريو�س؛ خ�شية �أنْ تنتقل له‬
‫العَدْ وَى وي�صاب باملر�ض‪.‬‬
‫•�إنَّ القرار الذي اتَّخذته حكومة خادم احلرمني ال�شَّ ريفني ‪-‬حفظها اهلل‬
‫تعالى‪-‬بخ�صو�ص �إيقاف �أداء العمرة‪ ،‬وق�صر �إقامة مو�سم احلجّ لهذا العام‬
‫على �أعداد حمدودة جدًا ملختلف اجلن�سيَّات املوجودة داخل اململكة العربية‬
‫دليل على حر�صها على‬ ‫ال�سَّ عودية مع �إجراءات احرتازية دقيقة جدًا؛ كان اً‬
‫�إقامة �شعرية احلجّ ب�شكل �آمن �صحيًا‪ ،‬وحمققًا ملتطلبات الوقاية والتَّباعد‬
‫االجتماعي الالزم ل�ضمان �سالمة احلجيج وحمايتهم من خطر هذه اجلائحة‪.‬‬
‫• إ�نَّه يُحرم لب�س الكِ مامة والقفازين للداخل يف نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة �سوا ًء‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪440‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫رجل �أو امر�أة‪ ،‬و�أنَّ ذلك يُع ّد من حمظورات الإحرام‪ ،‬لكن �إنْ دعت‬ ‫كان اً‬
‫احلاجة للب�سه النت�شار داء �أو خوف انتقال عَ دْ وَى �أو غري ذلك من الأ�سباب‪،‬‬
‫فيجوز له ذلك مع �إخراج فدية �أذى‪ ،‬كما �أنَّه ُيُع ّد يف حكم املح�صر �إنْ دخل‬
‫يف النَّ�سك ثم �أ�صابه فريو�س كُورُونَا‪� ،‬أو مُنع من �إمتام نُ�سْ ك احلجّ �أو العمرة‬
‫احرتازًا من انت�شار الوباء‪ ،‬ف�إنْ كان قد ا�شرتط قبل الدَّخول يف الإحرام ب�أنَّه‬
‫�إذا منعه مانع‪� ،‬أو حب�سه حاب�س‪ ،‬فمحِ له حيث حب�سه اهلل‪� ،‬أح ّل من �إحرامه‬
‫وال �شيء عليه‪ ،‬و�إنْ مل ي�شرتط ف�إنَّه يجب عليه �أنْ يذبح هديًا‪.‬‬
‫•�إنَّه يجوز ا�ستخدام املحرم ل�سوائل ومناديل التَّعقيم عند وجود احلاجة‬
‫الدَّاعية لذلك كالوقاية من انتقال عَ دْ وَى فريو�س كُورُونَا‪ ،‬و�إنْ كان الأحوط‬
‫ترك ا�ستخدامها‪.‬‬
‫�أهم التّو�صيات واملقرتحات‪:‬‬
‫ال�صحية بتثقيف وتوعية احلجّ اج واملعتمرين �صحيًا عن طريق اجلهات‬ ‫•التَّوعية َّ‬
‫املعنيّة يف البالد الإ�سالمية‪ ،‬وحثَّ احلمالت وتوعيتهم باتباع الإجراءات‬
‫االحرتازية للح َّد من انت�شار هذا الوباء بني احلجاَّج‪ ،‬وتهيَّئة �أماكن �إقامة‬
‫احلجّ اج وو�سائل تنقالتهم‪ ،‬واحلر�ص على االلتزام بالنَّظافة والتَّباعد يف‬
‫مقر احلمالت‪ ،‬وتاليف تالقي �أنفا�س احلجّ اج عند نومهم‪.‬‬
‫•عقد الدَّورات التَّثقيفية وور�ش العمل الطَّ بية وال�شَّ رعية للمخت�صني من‬
‫ال�صحيني واملفتني و�أ�صحاب احلمالت ليت�صوروا واقع الوباء املنت�شر يف احلجّ‬
‫َّ‬
‫مما ميكّنهم‪ ،‬وي�ساعدهم على التَّعامل مع احلال مبا يالئمه وينا�سب مقامه‪.‬‬
‫•�إجراء الدَّرا�سات املتخ�ص�صة واملتَّعلقة ب�أداء �شعائر احلجّ والعمرة لإ�صدار‬
‫ال�صحيحة يف ظلِّ جائحة انت�شار فريو�س كُورُونَا‬ ‫الفتاوى والأحكام ال�شَّ رعية َّ‬
‫من قبل الباحثني والهيّئات واملجامع الفقهيَّة‪.‬‬

‫‪441‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬


‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪2.2‬الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية‪-‬جمعًا ودرا�سة مقارنة‪،‬‬
‫لــدكتور‪ :‬حممد بن �سند ال�شاماين‪ ،‬النا�شر‪ :‬جملة جامعة طيبة ‪-‬املدينة املنورة‪،‬‬
‫العدد (‪1440 ،)18‬هـ‪.‬‬
‫‪�3.3‬إر�شاد ال�ساري ل�شرح �صحيح البخاري‪ ،‬لأحمد بن حممد بن �أبى بكر الق�سطالين‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬املطبعة الكربى الأمريية ‪ -‬م�صر‪ ،‬ط ‪1323 ،7‬هـ‪.‬‬
‫‪�4.4‬إرواء الغليل يف تخريج �أحاديث منار ال�سبيل‪ ،‬ملحمد نا�صر الدين الألباين‪،‬‬
‫�إ�شراف‪ :‬زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪ ،‬النا�شر‪ :‬املكتب الإ�سالمي‪ 1405 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪5.5‬اال�ستذكار‪ ،‬ليو�سف بن عبداهلل بن حممد بن عبدالرب القرطبي‪ ،‬حتقيق‪� :‬سامل حممد‬
‫عطا‪ ،‬حممد علي معو�ض‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪2000/1421 .1‬م‪.‬‬
‫‪�6.6‬أ�سنى املطالب يف �شرح رو�ض الطالب‪ ،‬زكريا بن حممد بن زكريا الأن�صاري‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتاب الإ�سالمي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪7.7‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لعبدالرحمن بن �أبي بكر‪ ،‬جالل الدين ال�سيوطي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪1990/‬م‪.‬‬
‫‪�8.8‬إعانة الطالبني على حل �ألفاظ فتح املعني‪ ،‬للبكري بن حممد �شطا الدمياطي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الفكر للطباعة والن�شر والتوريع‪ .‬ط ‪1418 ،1‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪�9.9‬أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن‪ ،‬ملحمد الأمني بن حممد املختار‬
‫ال�شنقيطي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر للطباعة والن�شر والتوزيع‪-‬بريوت‪-‬لبنان‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪1995 /‬م‪.‬‬
‫‪1010‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬املرداوي‪ ،‬علي بن �سليمان الدم�شقي‬
‫ال�صاحلي احلنبلي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪442‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫‪1111‬بحث (مو�سم حج �سنة ‪1307‬هـ‪1890/‬م من خالل تقرير دبلوما�سي فرن�سي)‪ ،‬للدكتور‬


‫حممد �أمني‪ ،‬النا�شر‪ :‬جملة دارة امللك عبدالعزيز‪ ،‬العدد (‪ ،)38‬عام ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪1212‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬للكا�ساين احلنفي‪� ،‬أبي بكر بن م�سعود بن‬
‫�أحمد‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط ‪1406 ،2‬هـ‪1986/‬م‪.‬‬
‫‪1313‬البداية والنهاية‪ ،‬لإ�سماعيل بن عمر بن كثري‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪1986/‬م‪.‬‬
‫‪1414‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬ملحمود بن �أحمد بن مو�سى بن �أحمد بن ح�سني العينى‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪1515‬البيان يف مذهب الإمام ال�شافعي‪ ،‬يحيى بن �أبي اخلري بن �سامل اليمني‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫قا�سم حممد النوري‪ ،‬جدة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املنهاج‪-‬جدة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪1616‬التاج والإكليل ملخت�صر خليل‪ ،‬املواق‪ ،‬حممد بن يو�سف بن �أبي القا�سم‬
‫الغرناطي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪1717‬حتفة الفقهاء‪ ،‬ال�سمرقندي‪ ،‬حممد بن �أحمد بن �أبي �أحمد‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪1818‬التعريفات الفقهية‪ ،‬ملحمد عميم الإح�سان املجددي الربكتي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط ‪1424 ،1‬هـ ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪1919‬تف�سري القر�آن‪ ،‬ملن�صور بن حممد ال�سمعاين‪ ،‬املحقق‪ :‬يا�سر بن �إبراهيم وغنيم بن‬
‫عبا�س بن غنيم‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الوطن‪ ،‬الريا�ض ‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫‪2020‬التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري‪� ،‬أحمد بن علي ابن حجر‬
‫الع�سقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬ح�سن بن عبا�س بن قطب‪ ،‬م�صر‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة قرطبة‪،‬‬
‫ط‪1416 ،1‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪2121‬التلقني يف الفقه املالكي‪ ،‬الثعلبي البغدادي املالكي‪ ،‬عبدالوهاب بن علي بن‬
‫ن�صر‪ ،‬املحقق‪� :‬أبي �أوي�س حممد بو خبزة احل�سني‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪1425 ،1‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬
‫‪2222‬التو�ضيح يف �شرح املخت�صر الفرعي البن احلاجب‪ ،‬خليل بن �إ�سحاق اجلندي‪،‬‬

‫‪443‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫املحقق‪ :‬د‪� .‬أحمد بن عبدالكرمي جنيب‪ ،‬النا�شر‪ :‬مركز جنيبويه للمخطوطات‪،‬‬


‫ط‪1429 ،1‬هـ‪2008 /‬م‪.‬‬
‫‪2323‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن‪ ،‬ملحمد بن جرير بن يزيد بن كثري‪� ،‬أبو جعفر‬
‫الطربي املحقق‪� :‬أحمد حممد �شاكر‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‬
‫‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪2424‬اجلامع الكبري ‪�-‬سنن الرتمذي‪� ،‬أبو عي�سى الرتمذي‪ ،‬حممد بن عي�سى بن‬
‫�سَ وْرة‪ ،‬املحقق‪ :‬ب�شار عواد معروف‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الغرب الإ�سالمي ‪-‬بريوت‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪2525‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب الإمام ال�شافعي‪ ،‬علي بن حممد الب�صري‬
‫املاوردي‪ ،‬املحقق‪ :‬علي حممد معو�ض‪-‬عادل �أحمد عبداملوجود‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪2626‬حا�شية ال�سندي على �سنن ابن ماجه‪ ،‬ملحمد بن عبدالهادي ال�سندي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪2727‬حا�شية الطحاوي على مراقي الفالح �شرح نور الإي�ضاح‪ ،‬لأحمد بن حممد بن‬
‫�إ�سماعيل الطحاوي‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عبدالعزيز اخلالدي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪2828‬حا�شية العدوي على �شرح كفاية الطالب الرباين‪ ،‬لعلي بن �أحمد العدوي‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ .‬د‪.‬ط‪1414 .‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪2929‬حا�شيتا قليوبي وعمرية‪ ،‬لأحمد �سالمة القليوبي و�أحمد الربل�سي عمرية‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الفكر‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪3030‬الذخرية‪ ،‬القرايف‪� ،‬أحمد بن �إدري�س املالكي‪ ،‬املحققون‪ :‬حممد حجي و�آخرون‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الغرب الإ�سالمي‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪3131‬رد املحتار على الدر املختار‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬حممد �أمني بن عمر احلنفي‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بريوت‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪1412 ،‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪3232‬رو�ضة املحدثني (وهو ي�شبه �أن يكون تفريغًا لأحكام احلافظ ابن حجر وغريه‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪444‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫على الأحاديث)‪ ،‬م�صدر الكتاب‪ :‬برنامج منظومة التحقيقات احلديثية‬


‫‪-‬املجاين‪-‬من �إنتاج مركز نور الإ�سالم لأبحاث القر�آن وال�سنة بالإ�سكندرية‪.‬‬
‫‪3333‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن �أيوب ابن قيم اجلوزية‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪-‬بريوت‪-‬مكتبة املنار الإ�سالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪،27‬‬
‫‪1415‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪�3434‬سنن ابن ماجه‪ ،‬ابن ماجه‪ ،‬حممد بن يزيد القزويني‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد‬
‫عبدالباقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الكتب العربية ‪-‬في�صل عي�سى البابي احللبي‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪�3535‬سنن �أبي داود‪� ،‬أبو داود‪� ،‬سليمان بن الأ�شعث بن �إ�سحاق الأزدي ال�سِّ جِ �سْ تاين‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد حميي الدين عبداحلميد‪ ،‬د‪.‬ط‪� ،‬صيدا ‪ -‬بريوت‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫املكتبة الع�صرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪�3636‬سنن الدار قطني‪ ،‬الدار قطني‪ ،‬علي بن عمر البغدادي‪ ،‬حققه‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‬
‫و�آخرون‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪1424 ،‬هـ ‪2004/‬م‪.‬‬
‫‪3737‬ال�سنن الكربى‪ ،‬الن�سائي‪� ،‬أحمد بن �شعيب اخلرا�ساين‪ ،‬حققه‪ :‬ح�سن عبداملنعم‬
‫�شلبي‪ ،‬بريوت‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2001/‬م‪.‬‬
‫‪3838‬ال�سنن الكربى‪ ،‬البيهقي‪� ،‬أحمد بن احل�سني اخلرا�ساين‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عبدالقادر‬
‫عطا‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪3939‬ال�شرح الكبري على منت املقنع‪ ،‬ابن قدامة‪ ،‬عبدالرحمن بن حممد بن �أحمد‬
‫املقد�سي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتاب العربي للن�شر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪4040‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ ،‬العثيمني‪ ،‬حممد بن �صالح‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬م‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار ابن اجلوزي‪1428-1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�4141‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل اخلر�شي املالكي �أبو عبداهلل‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الفكر للطباعة ‪ -‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪�4242‬شرح خمت�صر الطحاوي‪ ،‬لأحمد بن علي �أبو بكر الرازي اجل�صا�ص‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫د‪ .‬ع�صمت اهلل عنايت اهلل حممد‪ ،‬و�آخرون‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الب�شائر الإ�سالمية‪،‬‬

‫‪445‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫ط‪1431 ،1‬هـ‪2010/‬م‪.‬‬
‫‪�4343‬شرح م�شكل الآثار‪ ،‬لأحمد بن حممد بن �سالمة املعروف بالطحاوي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪�4444‬شفاء الغرام ب�أخبار البلد احلرام‪ ،‬حممد بن �أحمد بن علي‪ ،‬تقي الدين‪� ،‬أبو‬
‫الطيب املكي احل�سني الفا�سي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬
‫‪�4545‬شفاء الغليل يف حل مقفل خليل‪ ،‬حممد بن �أحمد املكنا�سي‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪:‬‬
‫الدكتور �أحمد جنيب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬النا�شر‪ :‬مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة‬
‫الرتاث‪ ،‬ط‪1429 ،1‬هـ ‪2008/‬م‪.‬‬
‫‪�4646‬صحيح البخاري‪ ،‬ملحمد بن �إ�سماعيل البخاري‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد زهري بن نا�صر‬
‫النا�صر‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪�4747‬صحيح م�سلم‪ ،‬مل�سلم بن احلجاج �أبو احل�سن الق�شريي الني�سابوري‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪�4848‬صحيح و�ضعيف �سنن ابن ماجة‪ ،‬ملحمد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬النا�شر‪ :‬برنامج‬
‫منظومة التحقيقات احلديثية ‪ -‬املجاين ‪ -‬من �إنتاج مركز نور الإ�سالم لأبحاث‬
‫القر�آن وال�سنة بالإ�سكندرية‪.‬‬
‫‪�4949‬ضعيف �أبي داود‪ ،‬ملحمد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬دار الن�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة غرا�س‬
‫للن�شر والتوزيع‪ -‬الكويت‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪5050‬الطب النبوي (جزء من كتاب زاد املعاد البن القيم)‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن‬
‫�أيوب ابن قيم اجلوزية‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الهالل‪-‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪5151‬العدة �شرح العمدة‪ ،‬لعبدالرحمن بن �إبراهيم بن �أحمد‪� ،‬أبو حممد بهاء الدين‬
‫املقد�سي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار احلديث‪-‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪5252‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬العيني‪ ،‬حممود بن �أحمد بن مو�سى‬
‫احلنفي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي‪-‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪5353‬عون الباري حلل �أدلة البخاري‪ ،‬ل�صديق ح�سن القنوجي البخاري‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الر�شيد ‪ -‬حلب ‪ -‬دم�شق‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪446‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫‪5454‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬لأحمد بن حممد بن حجر الهيتمي‪ ،‬جمعها‪ :‬تلميذ‬


‫ابن حجر الهيتمي‪ ،‬ال�شيخ عبدالقادر بن �أحمد الفاكهي املكي‪ ،‬النا�شر‪ :‬املكتبة‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪5555‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬ابن حجر الع�سقالين �أحمد بن علي‬
‫ال�شافعي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5656‬الفواكه الدواين على ر�سالة ابن �أبي زيد القريواين‪ ،‬لأحمد بن غامن بن �سامل‬
‫بن مهنا الأزهري املالكي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪1415 ،‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪5757‬القوانني الفقهية‪ ،‬ابن جزي‪ ،‬حممد بن �أحمد الكلبي الغرناطي‪ ،‬د‪ .‬ن‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪5858‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد‪ ،‬ملوفق الدين‪ ،‬عبداهلل بن �أحمد املقد�سي احلنبلي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪5959‬الكايف يف فقه‪� ،‬أهل املدينة‪ ،‬ليو�سف بن عبداهلل بن عبدالرب بن القرطبي‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد حممد �أحيد ولد ماديك املوريتاين‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة الريا�ض‬
‫احلديثة ‪ -‬الريا�ض ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ط‪1400 ،2‬هـ‪1980/‬م‪.‬‬
‫‪6060‬املبدع يف �شرح املقنع‪ ،‬ابن مفلح‪� ،‬إبراهيم بن حممد بن عبداهلل‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪6161‬املب�سوط‪ ،‬ال�سرخ�سي‪ ،‬حممد بن �أحمد بن �أبي �سهل �شم�س الأئمة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫املعرفة‪-‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1414 ،‬هـ ‪1993/‬م‪.‬‬
‫‪6262‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬الهيثمي‪ ،‬علي بن �أبي بكر بن �سليمان‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫ح�سام الدين القد�سي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة القد�سي‪-‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1414 ،‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪6363‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪� ،‬أحمد بن عبداحلليم احلراين‪ ،‬املحقق‪ :‬عبدالرحمن‬
‫بن حممد بن قا�سم‪ ،‬النا�شر‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة امل�صحف ال�شريف‪-‬‬
‫املدينة النبوية‪ ،‬د‪.‬ط‪1416 ،‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪6464‬جمموع فتاوى العالمة عبدالعزيز بن باز‪ ،‬لعبدالعزيز بن عبداهلل بن باز‪،‬‬
‫�أ�شرف على جمعه وطبعه‪ :‬حممد بن �سعد ال�شويعر‪.‬‬
‫‪6565‬جمموع فتاوى ور�سائل العثيمني‪ ،‬ملحمد بن �صالح بن حممد العثيمني‪ ،‬جمع‬

‫‪447‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫وترتيب‪ :‬فهد بن نا�صر بن �إبراهيم ال�سليمان‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الوطن‪-‬دار الرثيا‪،‬‬


‫الطبعة الأخرية‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6666‬املحرر يف الفقه على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬لعبدال�سالم بن عبداهلل‬
‫ابن تيمية‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة املعارف‪-‬الريا�ض‪ ،‬ط‪1404 ،2‬هـ‪1984/‬م‪.‬‬
‫‪6767‬املحلى بالآثار‪ ،‬لعلي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الظاهري‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‬
‫‪ -‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪6868‬املحيط الربهاين يف الفقه النعماين‪ ،‬حممود بن �أحمد ابن مَ ا َز َة البخاري‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبدالكرمي �سامي اجلندي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪-‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬
‫‪6969‬خمت�صر خليل‪ ،‬خلليل بن �إ�سحاق بن مو�سى املالكي‪ ،‬املحقق‪� :‬أحمد جاد‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار احلديث‪/‬القاهرة‪ ،‬ط‪1426 ،1‬هـ‪2005/‬م‪.‬‬
‫‪7070‬املخت�صر الفقهي‪ ،‬ملحمد بن حممد ابن عرفة املالكي‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬حافظ‬
‫عبدالرحمن حممد خري‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة خلف �أحمد اخلبتور للأعمال‬
‫اخلريية‪ ،‬ط‪1435 ،1‬هـ‪2014/‬م‪.‬‬
‫‪7171‬مدارج ال�سالكني بني منازل �إياك نعبد و�إياك ن�ستعني‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر ابن‬
‫قيم اجلوزية‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد املعت�صم باهلل البغدادي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1416 ،3‬هـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫‪7272‬امل�سالك �شرح موط�أ مالك‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل بن العربي املالكي‪ ،‬قر�أه وعلّق‬
‫عليه‪ :‬حممد بن احل�سني ال�سُّ ليماين وعائ�شة بنت احل�سني ال�سُّ ليماين‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دَار الغَرب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ‪2008/‬م‪.‬‬
‫‪7373‬امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل املعروف باحلاكم‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى‬
‫عبدالقادر عطا‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪1990/‬م‪.‬‬
‫‪7474‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪� ،‬أحمد بن حممد بن حنبل‪ ،‬املحقق‪� :‬شعيب‬
‫الأرن�ؤوط‪ ،‬و�آخرون‪� ،‬إ�شراف‪ :‬د عبداهلل الرتكي‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪،‬‬
‫ط‪1421 ،1‬هـ‪2001/‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪448‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫‪ -‬دراسة فقهية مقارنة‬

‫‪7575‬املطلع على �ألفاظ املقنع‪ ،‬ملحمد بن �أبي الفتح بن �أبي الف�ضل البعلي‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫حممود الأرنا�ؤوط ويا�سني حممود اخلطيب‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة ال�سوادي للتوزيع‪،‬‬
‫ط‪1432 ،1‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪7676‬معجم �أعالم �شعراء املدح النبوي‪ ،‬حممد �أحمد درنيقة‪ ،‬تقدمي‪ :‬يا�سني الأيوبي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪7777‬معرفة ال�سنن والآثار‪ ،‬لأحمد بن احل�سني �أبو بكر البيهقي‪ ،‬املحقق‪ :‬عبداملعطي‬
‫�أمني قلعجي‪ ،‬النا�شرون‪ :‬جامعة الدرا�سات الإ�سالمية ‪-‬كرات�شي‪ -‬باك�ستان‪،‬‬
‫دار قتيبة‪-‬دم�شق‪-‬بريوت‪ ،‬دار الوعي‪-‬حلب‪-‬دم�شق‪ ،‬ودار الوفاء‪-‬املن�صورة‪-‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‪1991/‬م‪.‬‬
‫‪7878‬املعونة على مذهب عامل املدينة (الإمام مالك بن �أن�س)‪ ،‬لعبدالوهاب بن‬
‫علي بن ن�صر الثعلبي‪ ،‬املحقق‪ :‬حمي�ش عبداحلقّ ‪ ،‬النا�شر‪ :‬املكتبة التجارية‪،‬‬
‫م�صطفى �أحمد الباز ‪ -‬مكة املكرمة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪7979‬املغني‪ ،‬ملوفق الدين‪ ،‬عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة احلنبلي املقد�سي‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة القاهر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪8080‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬ل�سليمان بن خلف بن �سعد بن �أيوب القرطبي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫مطبعة ال�سعادة ‪ -‬بجوار حمافظة م�صر‪ ،‬ط‪1332 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪8181‬املنتقى من فرائد الفوائد‪ ،‬حممد بن �صالح بن حممد العثيمني‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫الوطن للن�شر‪ -‬الريا�ض‪ ،‬د‪.‬ط‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8282‬منح اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن حممد علي�ش املالكي‪.‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1409 ،‬هـ‪1989/‬م‪.‬‬
‫‪8383‬منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه‪ ،‬ليحيى بن �شرف النووي‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫عو�ض قا�سم �أحمد عو�ض‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪2005/‬م‪.‬‬
‫‪8484‬املهذب يف فقه الإمام ال�شافعي‪ ،‬ال�شريازي‪� ،‬إبراهيم بن علي بن يو�سف‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪8585‬مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬احلطاب‪ ،‬حممد بن حممد بن‬

‫‪449‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫عبدالرحمن الطرابل�سي املغربي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1412 ،3‬هـ ‪1992/‬م‪.‬‬


‫‪8686‬املوط�أ‪ ،‬ملالك بن �أن�س بن مالك بن عامر الأ�صبحي‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد م�صطفى‬
‫الأعظمي‪� ،‬أبو ظبي‪ ،‬النا�شر‪ :‬م�ؤ�س�سة زايد بن �سلطان �آل نهيان للأعمال‬
‫اخلريية والإن�سانية‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬
‫‪8787‬النوازل يف احلج‪ ،‬لعلي بن نا�صر ال�شلعان‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار التوحيد ‪ -‬الريا�ض‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪1431 ،‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬
‫‪8888‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج‪ ،‬ملحمد بن �أبي العبا�س �أحمد الرملي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الفكر‪-‬بريوت‪ ،‬ط الأخرية‪1404 ،‬هـ‪1984/‬م‪.‬‬
‫‪8989‬نهاية املطلب يف دراية املذهب‪ ،‬لعبدامللك بن عبداهلل اجلويني‪ ،‬حققه‪� :‬أ‪ .‬د‪.‬‬
‫عبدالعظيم حممود الدّيب‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املنهاج‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ‪2007/‬م‪.‬‬
‫‪9090‬الو�سيط يف املذهب‪ ،‬ملحمد بن حممد الغزايل الطو�سي‪ ،‬املحقق‪� :‬أحمد حممود‬
‫�إبراهيم‪ ،‬حممد حممد تامر‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار ال�سالم ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪9191‬الهداية يف �شرح بداية املبتدي‪ ،‬لعلي بن �أبي بكر بن عبداجلليل املرغيناين‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫طالل يو�سف‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي ‪-‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪9292‬الهداية يف تخريج �أحاديث البداية‪ ،‬لأحمد بن حممد ال ُغمَارِي‪ ،‬حتقيق‪ :‬يو�سف‬
‫عبدالرحمن املرع�شلي و�آخرون‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار عامل الكتب ‪ -‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪1407 ،1‬هـ‪1987/‬م‪.‬‬
‫‪9393‬الوجيز يف �إي�ضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬ملحمد �صدقي بن �أحمد �آل بورنو‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1416 ،4‬هـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫املواقع االلكرتونية‪:‬‬
‫‪1.1‬موقع نظرات يف الطب والأدب والإ�سالم‪ ،‬رابط‪https://cutt.ly/bfniKfy :‬‬
‫‪2.2‬موقع الوقاية من كورونا‪ ،‬وزارة ال�صحة‪.https://covid19awareness.sa/ :‬‬
‫‪3.3‬موقع �أرقام‪https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1359090 :‬‬
‫‪4.4‬موقع فتاوى ال�شيخ ابن باز ‪https://binbaz.org.sa/fatwas/14817/ :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪450‬‬


‫أثر جائحة كورونا على أداء شعائر احلج والعمرة‬

‫ دراسة فقهية مقارنة‬-

https://rb.gy/h59ngk :‫موقع م�ؤ�س�سة حممد ال�ساد�س للعلماء الأفارقة‬5.5


https://www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa. :‫موقع دار الإفتاء امل�صرية‬6.6
aspx?sec=fatwa&ID=15346&
http://makkah.org.sa/nawazel/ar/index.php#plus :‫موقع النوازل الفقهية‬7.7
https://cutt.ly/Jfnindc :‫موقع قنطرة‬8.8
https://www.france24.com/ar/20200402- :‫موقع البث املبا�شر‬9.9
https://www.haj.gov.sa/ar/Services/Details/31 :‫موقع وزارة احلج‬1010
https://www.okaz.com.sa/news/local/2027212 :‫موقع جريدة عكاظ‬1111
https://nabd.com/t/71019039-4de520 :‫موقع وكالة رم للأنباء‬1212
https://www.oic-oci.org/topic/?t_ :‫موقع منظمة التعاون الإ�سالمي‬1313
id=23544&t_ref=14057&lan=ar
https://cutt.ly/sfniHWT :‫موقع �صحيفة املواطن‬1414

451 ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬مشاعل بنت َّنفال احلارثي‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث‪399 .................................................................‬‬


‫املقدمة‪400 .........................................................................‬‬
‫التمهيد‪� :‬أحكام اتخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات العدوى‬
‫والأخذ بالأ�سباب‪ ،‬وفيه مطلبان‪405 ........................................ :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حقيقة انتقال العدوى بني الإثبات والنفي ‪405 ....................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أحكام اتخاذ الإجراءات االحرتازية وعالقتها بحقيقة �إثبات‬
‫العدوى والأخذ بالأ�سباب ‪409 ...............................................‬‬
‫احلج والعمرة‪،‬‬
‫املبحث الأول‪� :‬أثر جائحة كورونا يف قرار �إيقاف �أداء �شعائر ّ‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪412 ..................................................... :‬‬
‫الطاعون وغريه من الأوبئة م َّكة واملدينة ‪412 .......‬‬ ‫املطلب الأول‪ :‬حقيقة دخول َّ‬
‫احلج مع وجود فريو�س كورونا وانت�شاره ‪415 .‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬حكم �أداء فري�ضة ّ‬
‫احلج‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احلكم ال�شرعي املرتتب على قرار �إلغاء �شعريتي ّ‬
‫والعمرة ب�سبب انت�شار فريو�س كورونا ‪420 ...................................‬‬
‫احلج والعمرة‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪426 . :‬‬ ‫املبحث الثاين‪� :‬أثر جائحة كورونا على �أداء �شعائر ّ‬
‫الكمامة لل َّداخل يف ُن ْ�سك ّ‬
‫احلج �أو العمرة احرتا ًزا‬ ‫املطلب الأول‪ :‬حكم لب�س ِ‬
‫من انت�شار فريو�س كورونا ‪426 ...............................................‬‬
‫احلج �أو العمرة احرتا ًزا‬‫املطلب الثاين‪ :‬حكم لب�س القفازين لل َّداخل يف ُن ْ�سك ّ‬
‫من انت�شار فريو�س كورونا ‪432 ...............................................‬‬
‫باحلج �أو العمرة ثم ُم ِنع من �إمتام ُن ْ�سكه احرتا ًزا‬
‫ّ‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬من �أحرم‬
‫من انت�شار فريو�س كورونا‪� ،‬أو لتحقق �إ�صابته بفريو�س كورونا ‪434 ...........‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ا�ستخدام �سوائل ومناديل التَّعقيم للمحرم ‪438 ..................‬‬
‫اخلامتة ‪440 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪442 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪452‬‬


‫المجنّبة في البنوك اإلسالمية‬
‫األموال ُ‬
‫حقيقتها وأحكامها وسبل االست�فادة‬
‫منها في مواجهة جائحة كورونا‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬عبدالله عويد حممد الر�شيدي‬
‫ع�ضو هيئة التدري�س يف ق�سم الفقه املقارن‬
‫بجامعة الكويت‬
‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪454‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫ملخص البحث‬

‫�س ّلط البحث ال�ضوء على تعريف الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪ ،‬وقد تناول‬
‫البحث حكم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪ ،‬وم�صادر هذه‬
‫الأموال‪ ،‬وم�صارفها ال�شرعية‪ ،‬ثم تناول �أثر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية يف‬
‫مواجهة جائحة كورونا‪ ،‬وال�سبل ال�شرعية املمكنة لال�ستفادة منها‪� ،‬سواء على م�ستوى‬
‫الدول �أو الأفراد �أو امل�ؤ�س�سات‪ ،‬وقد مت عر�ض الأقوال والأدلة مع بيان قرارات املجامع‬
‫الفقهية والهيئات ال�شرعية للبنوك الإ�سالمية‪.‬‬
‫وقد تو�صل البحث �إلى عدم جواز ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة‬
‫لنف�سها ب�أي وجه من الوجوه‪ ،‬وبيان �سبل اال�ستفادة ال�شرعية من الأموال املُج ّنبة يف‬
‫مواجهة هذه اجلائحة‪.‬‬
‫الكلمات اال�ستفتاحية‪ :‬الأموال املُج ّنبة ‪ -‬جائحة كورونا ‪ -‬البنوك الإ�سالمية ‪-‬‬
‫الفقه املعا�صر ‪ -‬الفقه املقارن‪.‬‬

‫‪455‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على املبعوث رحمة للعاملني‪ ،‬نبينا‬
‫حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪ ،‬ثم �أما بعد‪..‬‬
‫ف�إن جائحة كورونا قد اجتاحت العامل �أجمع؛ مما �س ّبب �أ�ضرا ًرا �صحية‬
‫واقت�صادية‪ ،‬فهلعت الدول و�سارعت ملواجهة هذا الفريو�س بالتباعد االجتماعي؛‬
‫حما ِول ًة تقليل عدد الإ�صابات‪ ،‬وخ�سر كثري من النا�س وظائفهم وجتاراتهم‪ ،‬وتكبدت‬
‫الدول خ�سائر مادية �إثر هذه اجلائحة‪ ،‬ومن الأموال التي ميكن اال�ستفادة منها‬
‫يف مواجهة هذه اجلائحة‪ :‬الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية؛ لذلك �أحببت �أن‬
‫�أ�شارك يف بحث (الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية حقيقتها و�أحكامها و�سبل‬
‫اال�ستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا)‪ ،‬واهلل �أ�س�أل التوفيق وال�سداد‪.‬‬
‫�أهمية البحث و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫‪1.1‬كرثة الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية التي ميكن اال�ستفادة منها يف‬
‫مواجهة جائحة كورونا‪.‬‬
‫‪2.2‬حاجة الدول والأفراد للم�ساعدات املالية يف مقابل النفقات البالغة التي‬
‫تكبدوها يف مواجهة جائحة كورونا‪.‬‬
‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫ما مدى �شرعية اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية يف مواجهة‬
‫جائحة كورونا؟ وما �آلية هذه اال�ستفادة؟‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪456‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫�أ�سئلة البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬ما الأموال املُج ّنبة؟‬
‫‪2.2‬ما م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية؟‬
‫‪3.3‬ما حكم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية؟‬
‫‪4.4‬ما م�صارف الأموال املُج ّنبة؟‬
‫‪5.5‬ما �أثر الأموال املُج ّنبة يف مواجهة جائحة كورونا؟‬
‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬بيان ماهية الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫‪2.2‬بيان م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪3.3‬بيان حكم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪4.4‬بيان م�صارف الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫‪5.5‬بيان �أثر الأموال املُج ّنبة يف مواجهة جائحة كورونا‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫بعد االطالع والبحث يف فهار�س الر�سائل العلمية‪ ،‬واملجالت املح َّكمة‪ ،‬وال�شبكة‬
‫العنكبوتية‪ ،‬وجدت بع�ض املراجع التي تناولت بع�ض �أفراد البحث؛ منها‪:‬‬
‫‪1.1‬البحوث املقدمة لندوة الربكة الأربعني لالقت�صاد الإ�سالمي بعنوان‪“ :‬و�ضع‬
‫اجلوائح والقوة القاهرة”‪� ،‬سنة ‪2020‬م‪.‬‬
‫وقد تناولت الندوة عدة مو�ضوعات يف عدة بحوث‪ ،‬وقد تطرقت ملو�ضوع‬
‫الأموال املُج ّنبة يف بحثني‪:‬‬
‫�أ‪ .‬اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬د‪ .‬العيا�شي فداد‪ ،‬و َّفقه اهلل‪.‬‬

‫‪457‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫وقد تناول تعريف الأموال املُج ّنبة‪ ،‬ومدى �إمكانية اال�ستفادة منها ب�شيء‬
‫من الإجمال؛ وقد بلغ عدد �صفحات البحث �إحدى ع�شرة �صفحة‪.‬‬
‫ب‪� .‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد بن حممد‬
‫ال�سياري‪ ،‬وفقه اهلل‪.‬‬
‫وقد تناول يف بحثه ثالثة مو�ضوعات؛ منها‪ :‬الإفادة من ح�ساب اخلريات‬
‫يف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬وقد تكلم عن هذا املو�ضوع ب�شيء من‬
‫الإجمال يف ثالث �صفحات فقط‪.‬‬
‫وهذان البحثان و�إن كانا و�ضعا اللبنة الأولى للمو�ضوع‪� ،‬إال �أنَّ فيهما بع�ض‬
‫الإجمال‪ ،‬فقد �أخذا طابع الأجوبة للأ�سئلة املطروحة يف الندوة‪ ،‬ومل يتط َّرقا‬
‫حلكم الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪ ،‬واقت�صرا على �أثر الأموال‬
‫املُج ّنبة يف معاجلة الأ�ضرار الناجمة عن فريو�س كورونا يف البنوك دون‬
‫غريها‪.‬‬
‫‪2.2‬توظيف الأموال املُج ّنبة يف التمويل الأ�صغر‪ ..‬ر�ؤية فقهية‪ ،‬د‪ .‬فهد بن �صالح‬
‫احلمود‪ ،‬وفقه اهلل‪.‬‬
‫وهو بحث حمكم يف م�ؤمتر التمويل الأ�صغر الإ�سالمي‪ ،‬املغرب ‪2014‬م‪ ،‬وقد‬
‫تناول امل�ؤلف يف بحثه تعريف الأموال املُج ّنبة‪ ،‬وقنوات �صرفها‪ ،‬و�شروط‬
‫�إنفاقها‪.‬‬
‫وقد �أح�سن الباحث ‪-‬وفقه اهلل ‪ -‬يف عر�ض امل�سائل وحتريرها‪ ،‬وميكن بيان‬
‫ما �س ُي�ضيفه هذا البحث عليه‪ :‬يف م�صادر الأموال املُج ّنبة‪ ،‬و�أثر الأموال‬
‫املُج ّنبة يف مواجهة جائحة كورونا‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اتبعت يف هذا البحث املنهج اال�ستقرائي‪ ،‬وذلك بتتبع �أحكام الأموال املُج ّنبة يف‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪458‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫البنوك الإ�سالمية من مظانها‪ ،‬والتحليلي‪ ،‬وذلك بدرا�سة مفردات البحث ب�أ�سلوب‬


‫م�ستخدما تنظي ًما معي ًنا للو�صول �إلى احلقائق والنتائج‪ ،‬واال�ستنباطي‪ ،‬وذلك‬
‫ً‬ ‫علمي‬
‫با�ستنباط مفردات البحث من مظانها‪ ،‬واملقارن‪ ،‬وذلك باملقارنة بني �أقوال الفقهاء‪.‬‬
‫�إجراءات البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬جمع م�سائل البحث من مظا ّنها‪.‬‬
‫‪�2.2‬أُ�ص ِّور امل�س�ألة املراد بحثها قبل بيان حكمها؛ ليت�ضح املق�صود من درا�ستها‪.‬‬
‫‪�3.3‬إذا كانت امل�س�ألة من موا�ضع االتفاق‪� ،‬أذكر حكمها بدليله‪ ،‬مع توثيق االتفاق‬
‫من مظانه املعتربة‪.‬‬
‫‪�4.4‬إذا كانت امل�س�ألة من م�سائل اخلالف‪� ،‬أتبع ما يلي‪:‬‬
‫•حترير حمل اخلالف‪� ،‬إذا كانت بع�ض �صور امل�س�ألة حمل خالف وبع�ضها‬
‫حمل اتفاق‪.‬‬
‫•ذكر الأقوال يف امل�س�ألة‪ ،‬وبيان من قال بها من �أهل العلم‪ ،‬ويكون عر�ض‬
‫اخلالف ح�سب االجتاهات الفقهية‪.‬‬
‫•االقت�صار على الأقوال الفقهية املعتربة‪ ،‬و�إذا مل �أقف على امل�س�ألة يف‬
‫مذهب‪ ،‬ف�أ�سلك م�سلك التخريج‪.‬‬
‫•توثيق الأقوال من كتب املذهب نف�سه‪.‬‬
‫•ذكر �أدلة الأقوال‪ ،‬مع بيان وجه الداللة‪ ،‬وذكر ما يرد عليه من مناق�شات‪،‬‬
‫ف�إن كانت املناق�شة من عندي‪ ،‬قلت‪ :‬يناق�ش �أو ميكن �أن يناق�ش‪ ،‬و�إن كانت‬
‫من عند غريي‪ ،‬قلت‪ :‬نوق�ش‪ ،‬ثم �أذكر الإجابة عن املناق�شة �إن كان َث َّم‬
‫جواب‪.‬‬
‫•الرتجيح‪ ،‬مع بيان �سببه‪ ،‬وذكر ثمرة اخلالف �إن وجدت‪.‬‬

‫‪459‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫‪5.5‬االعتماد على �أمهات امل�صادر‪ ،‬واملراجع الأ�صلية يف التحرير‪ ،‬والتوثيق‪،‬‬


‫والتخريج‪ ،‬واجلمع‪.‬‬
‫‪6.6‬الرتكيز على مو�ضوع البحث وجتنب اال�ستطراد‪.‬‬
‫‪7.7‬كتابة الآيات الكرمية بالر�سم العثماين‪ ،‬وعزوها بذكر ال�سورة ورقم الآية‪.‬‬
‫‪8.8‬تخريج الأحاديث ال�شريفة‪ ،‬وبيان ما ذكره �أهل العلم يف درجتها‪� ،‬إن مل تكن‬
‫يف ال�صحيحني �أو �أحدهما‪ ،‬ف�إن كانت كذلك �أكتفي بتخريجها فيهما‪.‬‬
‫‪9.9‬تخريج الآثار من م�صادرها الأ�صلية‪ ،‬واحلكم عليها �إن كان َث َّم حك ٌم لأهل‬
‫العلم فيها‪.‬‬
‫‪1010‬التعريف بامل�صطلحات و�شرح الغريب‪.‬‬
‫‪1111‬العناية بقواعد اللغة العربية‪ ،‬والإمالء‪ ،‬وعالمات الرتقيم‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫انتظم البحث يف مقدمة وخم�سة مباحث وخامتة‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬التعريف مبفردات العنوان‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف البنوك الإ�سالمية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف جائحة كورونا‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة فيها‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬م�صارف الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪� :‬أثر الأموال املُج ّنبة يف مواجهة فريو�س كورونا‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪460‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫املطلب الأول‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف اخلزينة العامة للدولة‪.‬‬


‫املطلب الثاين‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف معاجلة مر�ضى كورونا‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العاطلني عن العمل ب�سبب‬
‫كورونا‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف مواجهة �أثر اجلائحة على البنك‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬وفيه ثالث م�سائل‪:‬‬
‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬اقرتا�ض البنك الإ�سالمي من الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬م�ساعدة موظفي البنك يف مواجهة جائحة كورونا‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين‪.‬‬
‫خامتة‪ :‬وفيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬

‫‪461‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫املبحث الأول‬
‫التعريف مبفردات العنوان‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬


‫املطلب الأول‬
‫تعريف الأموال املُجنّبة‬

‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬تعريف املال‪:‬‬


‫املال لغة‪:‬‬
‫�أ�صله مول‪ ،‬وامليم والواو والالم كلمة واحدة‪ ،‬مت َّول الرجل‪ :‬اتخذ اً‬
‫مال‪ ،‬وهو ما‬
‫ملكته من جميع الأ�شياء(((‪.‬‬
‫وا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬
‫•ع َّرفه احلنفية ب�أنه‪“ :‬ما مييل �إليه الطبع وميكن ادخاره لوقت احلاجة”(((‪.‬‬
‫•ع َّرفه املالكية ب�أنه‪“ :‬ما يقع عليه امللك‪ ،‬وي�ستبد به املالك عن غريه �إذا �أخذه‬
‫من وجهه”(((‪.‬‬
‫•ع َّرفه ال�شافعية ب�أنه‪“ :‬ما له قيمة يباع بها‪ ،‬وتلزم متلفه و�إن ق َّلت‪ ،‬وما ال‬
‫يطرحه النا�س مثل الفل�س وما �أ�شبه ذلكق(((‪.‬‬
‫•ع َّرفه احلنابلة ب�أنه‪“ :‬ما يباح نفعه مطل ًقا �أو اقتنا�ؤه بال حاجة”(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬ابن فار�س (‪ ،)285/5‬ل�سان العرب‪ ،‬ابن منظور (‪.)635/11‬‬ ‫(((‬
‫البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬ابن جنيم (‪.)277/5‬‬ ‫(((‬
‫املوافقات‪ ،‬ال�شاطبي (‪.)32/2‬‬ ‫(((‬
‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬ال�سيوطي (�ص ‪.)327‬‬ ‫(((‬
‫دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)7/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪462‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬تعريف املُج ّنبة‪:‬‬


‫املُج ّنبة لغة‪:‬‬
‫“اجليم والنون والباء �أ�صالن متقاربان‪� :‬أحدهما الناحية‪ ،‬والآخر البعد”(((‪،‬‬
‫وتطلق املُج ّنبة على ما ب ُعد كما تطلق على مقدمة اجلي�ش(((‪.‬‬
‫وا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬
‫ال يخرج املعنى اال�صطالحي عن املعنى اللغوي‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪ :‬تعريف الأموال املُج ّنبة‪:‬‬
‫ُعرفت الأموال املُج ّنبة بعدة تعريفات؛ منها‪:‬‬
‫•التعريف الأول‪“ :‬ن�سبة من �أرباح امل�صرف تن� أش� من ك�سب غري م�شروع‬
‫ُت�صرف يف م�صارف م�شروعة”(((‪.‬‬
‫• التعريف الثاين‪�“ :‬أموال و�أرباح تن�ش�أ من ك�سب غري م�شروع‪ُ ،‬ت�صرف يف‬
‫م�صارف م�شروعة”(((‪.‬‬
‫قد يناق�ش هذين التعريفني‪ :‬ال ُي�س ّلم �أن كل الأموال املُج ّنبة تعترب من الك�سب‬
‫غري امل�شروع؛ فقد تكون الأموال املُج ّنبة نا�شئة عن عمل م�شبوه �أو مال جمهول‪.‬‬
‫•التعريف الثالث‪“ :‬الفوائد التي حت�صل عليها امل�ؤ�س�سة من معامالت تلج�أ‬
‫�إليها م�ضطرة مع البنوك التقليدية‪ ،‬وكذلك ما حت�صل عليه من عمالئها‪،‬‬
‫مثل املبلغ الذي يلتزم العميل بالتربع به يف حال مماطلته عن �سداد ما يف‬
‫ذمته من �أق�ساط �أو �أرباح بع�ض العمليات التي تقرر الهيئة ال�شرعية للبنك‬
‫بطالنها‪ ،‬وتجُ ّنب �أرباحها للخريات”(((‪.‬‬
‫((( مقايي�س اللغة‪ ،‬ابن فار�س (‪.)483/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬ابن منظور (‪ ،)276/1‬تاج العرو�س‪ ،‬الزبيدي (‪ ،)187/2‬املعجم الو�سيط‪،‬‬
‫�إبراهيم م�صطفى و�آخرون (�ص ‪.)139‬‬
‫((( التبادل املايل بني امل�صارف الإ�سالمية وامل�صارف الأخرى‪ ،‬د‪ .‬فهد احلمود (�ص ‪.)211‬‬
‫((( توظيف الأموال املُج ّنبة يف التمويل امل�صغر‪ ،‬د‪ .‬فهد احلمود (�ص ‪.)6‬‬
‫((( �أ�سئلة ندوة الربكة الأربعني (�ص ‪.)67‬‬

‫‪463‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫قد يناق�ش هذا التعريف‪ :‬اكتفى التعريف بالتمثيل للأموال املُج ّنبة‪ ،‬ومل ي�ضع‬
‫تعري ًفا يبينّ ماهيتها‪.‬‬
‫•التعريف الرابع‪“ :‬ح�ساب م�صريف لدى امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية تودع فيه‬
‫املبالغ املُج ّنبة التي ن�ش�أت من تعامل حم َّرم‪� ،‬أو م�شبوه‪� ،‬أو جهل �صاحبه”(((‪.‬‬
‫قد يناق�ش هذا التعريف‪ :‬ب�أن فيه َدو ًرا؛ حيث ع َّرفها باملبالغ املُج ّنبة‪ ،‬ومل يبينّ‬
‫جمال �صرفها‪.‬‬
‫وميكن تعريف الأموال املُج ّنبة ب�أنها‪:‬‬
‫ح�ساب م�صريف م�ستقل لدى امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية تودع فيه الأموال التي‬
‫ن�ش�أت من تعامل حمرم‪� ،‬أو باطل‪� ،‬أو جهل �صاحبه‪ ،‬ويتولى الإ�شراف عليه وال�صرف‬
‫منه الهيئ ُة ال�شرعية وفق معايري حمددة‪.‬‬
‫ويطلق على الأموال املُج ّنبة ح�ساب التطهري‪� ،‬أو ح�ساب اخلريات‪� ،‬أو �أموال‬
‫التنقية‪� ،‬أو الك�سب غري امل�شروع(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫تعريف البنوك الإ�سالمية‬

‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬تعريف البنك‪:‬‬


‫البنك كلمة �إيطالية م�أخوذة من (‪ ،)banca‬وتعني ال�صندوق املتني‪� ،‬أو املائدة‪� ،‬أو‬
‫الطاولة(((؛ وذلك لأن التجار يف القرون الو�سطى كانوا يجل�سون يف املوانئ والأماكن‬
‫((( �آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)19‬‬
‫((( انظر‪ :‬ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق غري م�شروعة”‪ ،‬د‪ .‬عي�سى زكي‪ ،‬منتدى‬
‫ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص ‪ ،)469‬توظيف الأموال املُج ّنبة يف التمويل امل�صغر‪ ،‬د‪ .‬فهد احلمود‬
‫(�ص ‪� ،)6‬أ�سئلة ندوة الربكة الأربعني (�ص‪� ،)67‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)19‬‬
‫((( انظر‪ :‬قامو�س �أك�سفورد (�ص ‪.)93‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪464‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫العامة ومعهم النقود على مثل هذه الطاوالت التي ت�س َّمى (بانكو)‪ ،‬وذلك لكي يقوموا‬
‫ب�صرف هذه النقود‪ ،‬وبيع و�شراء العمالت املختلفة(((‪.‬‬
‫وقد ُع ّرف البنك ب�أنه‪( :‬م�ؤ�س�سة تقوم بعمليات االئتمان باالقرتا�ض والإقرا�ض)(((‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬تعريف البنوك الإ�سالمية‪:‬‬
‫تنوعت عبارات االقت�صاديني يف تعريف البنوك الإ�سالمية مع اتفاقها ‪-‬ب�شكل‬
‫كبري‪ -‬من جهة امل�ضمون(((؛ فقد كان املحور املهم يف تعريف البنوك الإ�سالمية هو‬
‫التزام امل�ؤ�س�سة ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ومن �أجود التعريفات‪« :‬م�ؤ�س�سة مالية‬
‫ربحية تقدم اخلدمات امل�صرفية والتمويلية واال�ستثمارية لعمالئها‪ ،‬ملتزم ًة �أحكام‬
‫ال�شريعة الإ�سالمية يف ذلك‪ ،‬يف �ضوء قرارات هيئتها ال�شرعية»(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫تعريف جائحة كورونا‬

‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬تعريف اجلائحة‪:‬‬


‫اجلائحة يف اللغة‪:‬‬
‫“اجليم والواو واحلاء �أ�صل واحد‪ ،‬وهو اال�ستئ�صال‪ ،‬يقال‪ :‬جاح ال�شيء يجوحه‪:‬‬
‫ا�ست�أ�صله‪ ،‬ومنه ا�شتقاق اجلائحة”(((‪ ،‬وتطلق على ال�شدة والنازلة العظيمة التي‬
‫جتتاح املال من �سنة �أو فتنة(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬د‪ .‬حممد عثمان �شبري (�ص ‪ ،)252‬جمموع م�ؤلفات ور�سائل وبحوث‪،‬‬ ‫(((‬
‫�أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل الطيار (‪.)324/11‬‬
‫املعجم الو�سيط‪� ،‬إبراهيم م�صطفى و�آخرون (‪.)71/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع م�ؤلفات ور�سائل وبحوث �أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل الطيار (‪ ،)396/11‬التمويل ووظائفه يف البنوك‬ ‫(((‬
‫الإ�سالمية والتجارية‪ ،‬د‪ .‬قتيبة العاين (�ص ‪ ،)38‬التبادل املايل بني امل�صارف الإ�سالمية وامل�صارف‬
‫الأخرى‪ ،‬د‪ .‬فهد احلمود (�ص ‪ ،)20‬الفقه الإ�سالمي و�أدلته‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي (‪.)3755/5‬‬
‫عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬حامد مرية (�ص ‪.)39‬‬ ‫(((‬
‫مقايي�س اللغة‪ ،‬ابن فار�س (‪.)492/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تاج العرو�س‪ ،‬الزبيدي (‪ ،)355/6‬القامو�س املحيط‪ ،‬الفريوز�آبادي (�ص ‪.)216‬‬ ‫(((‬

‫‪465‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫وا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬
‫ُعرفت اجلائحة بعدة تعريفات؛ منها‪:‬‬
‫•عرفها ال�شافعية ب�أنها‪“ :‬الآفة ال�سماوية من َح ٍّر‪� ،‬أو برد‪� ،‬أو جراد‪� ،‬أو حريق”(((‪.‬‬
‫•عرفها احلنابلة ب�أنها‪“ :‬كل �آفة ال ُ�صنع للآدمي فيها؛ كالريح‪ ،‬والربد‪،‬‬
‫واجلراد‪ ،‬والعط�ش”(((‪.‬‬
‫نوق�ش هذين التعريفني‪ :‬بق�صر اجلائحة على الآفات ال�سماوية فقط(((‪.‬‬
‫•ع َّرفها احلنفية ب�أنها‪“ :‬ما �أ�صاب الثمرة بعد قب�ض مبتاعها �إياها من ال�سماء‪،‬‬
‫جان عليها”(((‪.‬‬‫�أو من جناية ٍ‬
‫•عرفها املالكية ب�أنها‪“ :‬ما ال ُي�ستطاع دفعه؛ ك�سماوي وجي�ش �أو �سارق”(((‪.‬‬
‫قد يناق�ش‪ :‬ب�أن ال�سارق واجلاين يجب عليهما �ضمان املال‪ ،‬فال يدخالن‬
‫�ضمن اجلوائح‪.‬‬
‫•التعريف املختار‪“ :‬كل �ضرر كان �سببه عا ًّما مفاج ًئا غري معتاد‪ ،‬ال ي�ستطاع‬
‫دفعه واالنفكاك من �آثاره‪ ،‬ويكون مان ًعا من الوفاء بااللتزامات املالية التي‬
‫ا�ستقرت يف الذمة‪ ،‬مع عدم �إمكان الت�ضمني”(((‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬تعريف فريو�س كورونا‪:‬‬
‫فريو�س كورونا هو‪“ :‬مر�ض الفريو�س التاجي ‪ 2019‬املعروف اخت�صا ًرا بـ(كوفيد‬
‫‪ )19-‬هو‪ :‬التهاب يف اجلهاز التنف�سي ب�سبب فريو�س تاجي جديد”(((‪.‬‬
‫رو�ضة الطالبني‪ ،‬النووي (‪.)139/5‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)81/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬أحكام اجلوائح يف الفقه الإ�سالمي و�صلتها بنظريتي ال�ضرورة والظروف الطارئة‪ ،‬د‪ .‬عادل‬ ‫(((‬
‫املطريات (�ص ‪.)13‬‬
‫خمت�صر الطحاوي (�ص ‪.)78‬‬ ‫(((‬
‫خمت�صر خليل (�ص ‪.)160‬‬ ‫(((‬
‫اجلوائح والقوة القاهرة نظرة من خالل القواعد الكلية واملقا�صد العامة‪ ،‬د‪ .‬م�سلم الدو�سري (�ص ‪.)6‬‬ ‫(((‬
‫تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية بعنوان‪“ :‬فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ )19‬وما يتعلق به من‬ ‫(((‬
‫معاجلات طبية و�أحكام �شرعية”‪ ،‬موقع جممع الفقه الإ�سالمي ‪= .http://www.iifa -aifi.org/5254.html‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪466‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫وقد �أعلنت منظمة ال�صحة العاملية ر�سم ًّيا‪� ،‬أن هذا الوباء جائحة عاملية يف ‪11‬‬
‫مار�س ‪2020‬م‪.‬‬
‫وترتاوح العدوى بني حامل الفريو�س من دون �أعرا�ض �إلى �أعرا�ض �شديدة‪،‬‬
‫ت�شمل احلمى وال�سعال و�ضيق التنف�س‪ ،‬ويف احلاالت الأكرث وخامة قد ت�سبب العدوى‪:‬‬
‫االلتهاب الرئوي‪ ،‬والف�شل الكلوي‪ ،‬وحتى الوفاة(((‪.‬‬

‫=روجعت بتاريخ ‪2020/5/25‬م‪.‬‬


‫((( موقع منظمة ال�صحة العاملية ‪http://www.emro.who.int/ar/health-topics/corona-virus/about-covid‬‬
‫‪ .-19.html‬روجعت بتاريخ ‪2020/5/25‬م‪.‬‬

‫‪467‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫املبحث الثاين‬
‫م�صادر الأموال املُجنّبة يف البنوك الإ�سالمية‬

‫تتنوع م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب حت ُّول البنك من بنك ربوي �إلى بنك �إ�سالمي‪:‬‬
‫�إذا حت َّول البنك الربوي �إلى بنك �إ�سالمي؛ ف�إنه يجب التخل�ص من الفوائد‬
‫والإيرادات املحرمة(((‪ ،‬جاء يف املعايري ال�شرعية(((‪�« :‬إذا كان البنك التقليدي‬
‫حتول من داخله �إلى م�صرف؛ ف�إن التخل�ص من الفوائد والإيرادات املحرمة‬
‫يتم منذ بداية الفرتة املالية التي ح�صل فيها التحول»‪.‬‬
‫‪2.2‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنك املركزي التقليدي‪:‬‬
‫قد ت�ضطر البنوك الإ�سالمية للتعامل مع البنك املركزي الذي يتعامل بالربا‪،‬‬
‫فيتح�صل من �إيداع البنك الإ�سالمي لدى البنك املركزي بع�ض الفوائد‬
‫الربوية التي يجب التخل�ص منها(((‪ ،‬جاء يف قرار الهيئة ال�شرعية للربكة(((‪:‬‬
‫«عند قب�ض الفوائد الإ�ضافية الناجتة من الإيداعات لدى البنك املركزي‪،‬‬
‫يجب �صرفها يف وجوه الرب والإح�سان”‪.‬‬
‫‪3.3‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنوك الربوية‪:‬‬
‫انظر‪ :‬حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي‪ ،‬د‪ .‬عبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬درا�سات املعايري ال�شرعية‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)380/1‬حتول امل�صارف التقليدية للعمل وفق ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬يزن خلف (�ص ‪.)130‬‬
‫�ص ‪.160‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق غري م�شروعة”‪ ،‬د‪ .‬عي�سى زكي‪ ،‬منتدى‬ ‫(((‬
‫ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص ‪ ،)469‬حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي‪ ،‬د‪ .‬عبدال�ستار‬
‫�أبو غدة‪ ،‬درا�سات املعايري ال�شرعية (‪ ،)369/1‬املكا�سب غري ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حممد‬
‫�سعيد (�ص ‪� ،)91‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)19‬‬
‫�ص ‪.301‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪468‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫قد ت�ضطر البنوك الإ�سالمية للتعامل مع البنوك الربوية‪ ،‬فيتح�صل من �إيداع‬


‫البنك الإ�سالمي لديها بع�ض الفوائد الربوية التي يجب التخل�ص منها(((‪،‬‬
‫وبذلك �صدر قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية‬
‫مل�صرف الراجحي(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية لبيت التمويل الكويتي(((‪ ،‬والهيئة‬
‫ال�شرعية للربكة(((‪.‬‬
‫‪4.4‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب عقود التمويل التي جرى تنفيذها مبا يخالف ال�ضوابط‬
‫ال�شرعية لها‪ ،‬و�أ�صدرت الهيئة ال�شرعية قرا ًرا ب�ش�أن جتنب الأرباح باعتبارها‬
‫مكا�سب حمرمة‪:‬‬
‫قد تتعامل البنوك الإ�سالمية مع بع�ض اجلهات بعقود متويل‪ ،‬ويف �أثناء �إمتام‬
‫هذه العملية حتدث بع�ض الأخطاء الفنية؛ مما ُي�س ّبب ف�ساد العملية التمويلية‪،‬‬
‫فت�صدر الهيئة ال�شرعية قرا ًرا بالتخل�ص من هذا الك�سب يف وجوه الرب(((‪،‬‬
‫جاء يف قرار الهيئة ال�شرعية لبيت التمويل الكويتي(((‪�“ :‬أموال الفوائد الربوية‬
‫التي ت�أتينا نتيجة عملية �أو �صفقة جتارية حدث فيها تهاون من الطرف الآخر‬
‫�أو خط أ� منه‪ ،‬وقام ب�إعطائنا فوائد عن هذا التهاون الذي حدث منه بدون‬
‫مطالبة منا؛ �أفتت اللجنة بعدم ترك هذه الأموال للبنوك والتخلُّ�ص منها”‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق غري م�شروعة”‪ ،‬د‪ .‬عي�سى زكي‪ ،‬منتدى‬ ‫(((‬
‫ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص ‪ ،)469‬حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي‪ ،‬د‪ .‬عبدال�ستار‬
‫�أبو غدة‪ ،‬درا�سات املعايري ال�شرعية (‪ ،)369/1‬املكا�سب غري ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حممد‬
‫�سعيد (�ص ‪� ،)91‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)19‬‬
‫انظر‪ :‬قرار رقم ‪ ،)3/1( 13‬قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (‪.)28/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي (‪.)40/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (‪.)158/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪.)302‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق غري م�شروعة”‪ ،‬د‪ .‬عي�سى زكي‪ ،‬منتدى‬ ‫(((‬
‫ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص ‪� ،)469‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪.‬‬
‫خالد ال�سياري (�ص ‪ ،)19‬املكا�سب غري ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حممد �سعيد (�ص ‪.)83‬‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (‪.)223/4‬‬ ‫(((‬

‫‪469‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫‪5.5‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب �إعمال �شرط االلتزام بالت�صدق لأوجه اخلري عند‬
‫املماطلة يف ال�سداد(((‪:‬‬
‫ذهبت بع�ض الهيئات ال�شرعية �إلى �إلزام املدين املماطل بدفع غرامات ت�أخري‬
‫ت�صرف يف وجوه الرب(((‪ ،‬جاء يف املعايري ال�شرعية(((‪“ :‬يجوز �أن ين�ص يف‬
‫عقود املداينة‪ ،‬مثل املرابحة‪ ،‬على التزام املدين عند املماطلة بالت�صدق مببلغ‬
‫�أو ن�سبة من الدين‪ ،‬ب�شرط �أن ي�صرف يف وجوه الرب عن طريق امل�ؤ�س�سة‪،‬‬
‫بالتن�سيق مع هيئة الرقابة ال�شرعية للم�ؤ�س�سة”‪.‬‬
‫‪6.6‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب جهالة �أ�صحابها‪:‬‬
‫قد تنتج عند البنوك الإ�سالمية �أموال ال تعرف �أ�صحابها؛ �إما لوفاتهم‪،‬‬
‫�أو لتغري عناوينهم وعدم املطالبة بها‪ ،‬فيتجه البنك الإ�سالمي �إلى تعليق‬
‫احل�ساب لفرتة حمددة‪ ،‬ثم بعد ذلك ت�صرف يف وجوه الرب(((‪ ،‬جاء يف‬
‫املعايري ال�شرعية(((‪“ :‬املبالغ التي جهلت العناوين اجلديدة لأ�صحابها تبقى‬
‫يف ح�ساب معلق للمدة املحددة‪ ،‬ثم ت�ضمها امل�ؤ�س�سة �إلى ح�ساب اخلريات”‪.‬‬

‫انظر‪ :‬قرار ندوة الربكة الأربعني (�ص ‪ ،)22‬ورقة عمل “وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق‬ ‫(((‬
‫غري م�شروعة”‪ ،‬د‪ .‬عي�سى زكي‪ ،‬منتدى ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة (�ص ‪� ،)469‬آثار الوباء‬
‫على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪ ،)19‬املكا�سب غري ال�شرعية يف‬
‫امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حممد �سعيد (�ص ‪.)83‬‬
‫وبذلك �صدر قرار هيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪ ،‬والهيئة ال�شرعية للربكة‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫(((‬
‫املعايري ال�شرعية (�ص ‪ ،)94‬قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪ .)292‬انظر اخلالف يف هذه‬
‫امل�س�ألة‪ :‬املماطلة يف الديون‪ ،‬د‪� .‬سليمان الدخيل (�ص ‪.)512‬‬
‫انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية (�ص ‪.)94‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)19‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية (�ص ‪.)1012‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪470‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫املبحث الثالث‬
‫حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُجنّبة فيها‬

‫تبينّ يف املبحث ال�سابق �أن م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية متنوعة‪،‬‬
‫ويختلف حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة فيها باختالف‬
‫م�صدرها‪ ،‬وميكن تق�سيم حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُج ّنبة فيها‬
‫�إلى ق�سمني‪ :‬الأموال املُج ّنبة و�سببها ك�سب حمرم‪ ،‬والأموال املُج ّنبة و�سببها جهالة‬
‫�صاحبها‪ ،‬و�سيكون احلديث عن كل ق�سم يف م�س�ألة م�ستقلة‪.‬‬
‫امل�س�ألة الأول��ى‪ :‬حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأم��وال املُج ّنبة فيها‬
‫و�سببها ك�سب حمرم‪:‬‬
‫ال يجوز للبنك الإ�سالمي اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة التي �سببها ك�سب حمرم؛‬
‫لأنها �إما �أن تكون ر ًبا فال جتوز‪� ،‬أو معاملة جتارية فا�سدة‪ ،‬والبنك الإ�سالمي و�إن كان‬
‫قد ا�ضطر للدخول يف هذه التعامالت‪� ،‬إال �أن ال�ضرورة تقدر بقدرها(((‪ ،‬وال يجوز‬
‫له اال�ستفادة من هذه الأموال ب�أي وجه من الوجوه‪ ،‬وبذلك �صدر قرار جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي الدويل(((‪ ،‬وهيئة املحا�سبة واملراجعة للبنوك الإ�سالمية(((‪ ،‬وقرار ندوة الربكة‬
‫الثامنة ع�شرة(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية لبيت التمويل‬
‫الكويتي(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية للربكة(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬ال�سيوطي (�ص ‪.)172‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرار رقم ‪ ،)3/1( 13‬قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (‪.)28/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية (�ص ‪.)158‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرارات وتو�صيات ندوات الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي (�ص ‪.)317‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي (‪.)40/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (‪.)223/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪.)302‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي (‪.)193/2‬‬ ‫(((‬

‫‪471‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأم��وال املُج ّنبة فيها‬
‫و�سببها جهالة �صاحبها‪:‬‬
‫جاءت ال�شريعة الإ�سالمية بحفظ الأموال اخلا�صة والعامة‪ ،‬وحترمي االعتداء‬
‫عليها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء‪ ،]29 :‬وقال‬
‫النبي ﷺ يف خطبة الوداع‪�« :‬إن دماءكم و�أموالكم و�أعرا�ضكم بينكم حرام كحرمة‬
‫يومكم هذا‪ ،‬يف �شهركم هذا‪ ،‬يف بلدكم هذا»(((؛ فيجب على البنك الإ�سالمي �أن‬
‫يتحرى عن �أ�صحاب هذه الأموال قدر امل�ستطاع‪ ،‬وبكافة الطرق املمكنة‪ ،‬ف�إن عجز‪،‬‬
‫ف�إنه ينتظر مدة ثم يجوز له �صرفها يف وجوه اخلري‪ ،‬وال يجوز له اال�ستفادة منها‪،‬‬
‫وبذلك �صدر قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((‪ ،‬وهيئة املحا�سبة واملراجعة‬
‫للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية(((‪ ،‬وقد اتفق الفقهاء ‪ ‬على وجوب ردِّها �إلى �أ�صحابها‬
‫�أو الت�صدق بها(((‪.‬‬

‫((( �أخرجه البخاري يف كتاب العلم‪ ،‬باب قول النبي ﷺ‪« :‬رب مبلغ �أوعى من �سامع» (‪ ،)24/1‬رقم‬
‫(‪ ،)67‬وم�سلم يف كتاب الق�سامة واملحاربني والديات‪ ،‬باب تغليظ حترمي الدماء والأعرا�ض والأموال‬
‫(‪ ،)1305/3‬رقم (‪.)1679‬‬
‫((( قرار رقم ‪ .)7/19( 181‬انظر قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (‪.)208/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية (�ص ‪.)1012‬‬
‫((( انظر‪ :‬رد املحتار‪ ،‬ابن عابدين (‪ ،)99/5‬بلغة ال�سالك‪ ،‬ال�صاوي (‪ ،)417/4‬املجموع‪ ،‬النووي‬
‫(‪ ،)351/9‬زاد املعاد‪ ،‬ابن القيم (‪.)778/5‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪472‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫املبحث الرابع‬
‫م�صارف الأموال املُجنّبة‬

‫ب ّينا يف املبحث ال�سابق �أنه ال يجوز للبنك الإ�سالمي ا�ستعمال الأموال املُج ّنبة‪،‬‬
‫و�إمنا يجب عليه التخل�ص منها‪ ،‬ويف هذا املبحث �س�أبينّ م�صرف هذه الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫اختلف الفقهاء ‪ ‬يف م�صرف الأموال املُج ّنبة على �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪:‬‬
‫الت�صدق بالأموال املُج ّنبة يف وجوه الرب‪ .‬وهو مذهب احلنفية(((‪ ،‬ومذهب‬
‫املالكية(((‪ ،‬ومذهب ال�شافعية(((‪ ،‬ومذهب احلنابلة(((‪ ،‬وبذلك �صدر قرار جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي الدويل(((‪ ،‬وهيئة املحا�سبة واملراجعة للبنوك الإ�سالمية(((‪ ،‬وقرار ندوة‬
‫الربكة الثامنة ع�شرة(((‪ ،‬وقرار هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية ال�سعودية(((‪،‬‬
‫والهيئة ال�شرعية لبيت التمويل الكويتي(((‪ ،‬والهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي(‪،((1‬‬
‫والهيئة ال�شرعية للربكة(‪ ،((1‬والهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي(‪.((1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬ال�سرخ�سي (‪.)27/11‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح الكبري‪ ،‬الدردير (‪ ،)277/3‬منح اجلليل‪ ،‬علي�ش (‪.)183/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬النووي (‪ ،)351/9‬حتفة املحتاج‪ ،‬الهيتمي (‪.)127/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬املرداوي (‪ ،)212/11‬الفروع‪ ،‬ابن مفلح (‪.)140/11‬‬
‫((( انظر‪ :‬قرار رقم ‪ ،)3/1( 13‬قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (‪.)28/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية (�ص ‪.)158‬‬
‫((( انظر‪ :‬قرارات وتو�صيات ندوات الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي (�ص ‪.)317‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (‪.)354/13‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (‪.)223/4‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي (‪.)198/1‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪.)302‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي (‪.)193/2‬‬

‫‪473‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫القول الثاين‪:‬‬
‫الت�صدق بالأموال املُج ّنبة على الفقراء فقط‪ .‬وهو قول عن احلنفية(((‪ ،‬وقول‬
‫عند املالكية(((‪ ،‬ورواية عن الإمام �أحمد(((‪ ،‬وبذلك �صدر قرار الهيئة ال�شرعية لبنك‬
‫بوبيان(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪:‬‬
‫يجب رد الأموال املُج ّنبة �إلى معطيها‪ ،‬ف�إن كانت بنو ًكا ربوية‪ ،‬ف�إنها تر ُّد �إلى تلك‬
‫البنوك‪ .‬وهو رواية عن الإمام �أحمد(((‪ ،‬وقول القرطبي(((‪.‬‬
‫القول الرابع‪:‬‬
‫يجب �إتالف املال‪ .‬وهو مروي عن الف�ضيل بن عيا�ض(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫•الدليل الأول‪ :‬ما جاء يف احلديث عن رجل من الأن�صار‪ ،‬قال‪ :‬خرجنا مع‬
‫ر�سول اهلل ﷺ يف جنازة‪ ،‬فر�أيت ر�سول اهلل ﷺ وهو على القرب يو�صي احلافر‪:‬‬
‫«�أو�سع من ِقبل رجليه‪� ،‬أو�سع من ِقبل ر�أ�سه»‪ ،‬فلما رجع ا�ستقبله داعي امر�أ ٍة‪،‬‬
‫فجاء وجيء بالطعام فو�ضع يده‪ ،‬ثم و�ضع القوم‪ ،‬ف�أكلوا‪ ،‬فنظر �آبا�ؤنا َ‬
‫ر�سول‬
‫اهلل ﷺ يلوك لقمة يف فمه‪ ،‬ثم قال‪�« :‬أج ُد حلم �شا ٍة �أُخذت بغري �إذن �أهلها»‪،‬‬
‫أر�سلت �إلى البقيع ي�شرتي يل �شاة‪،‬‬
‫ف�أر�سلت املر�أة‪ ،‬قالت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إين � ُ‬
‫انظر‪ :‬االختيار تعليل املختار‪ ،‬املو�صلي (‪.)61/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري‪ ،‬الدردير (‪ ،)277/3‬بلغة ال�سالك‪ ،‬ال�صاوي (‪.)367/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬املرداوي (‪ ،)212/11‬الفروع‪ ،‬ابن مفلح (‪.)140/11‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬فتاوى وقرارات هيئة الرقابة ال�شرعية لبنك بوبيان (�ص ‪.)316‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬م�سائل الإمام �أحمد رواية ابنه عبداهلل (‪.)942/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اجلامع لأحكام القر�آن (‪.)237/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬إحياء علوم الدين‪ ،‬الغزايل (‪.)131/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪474‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫فلم �أجد‪ ،‬ف�أر�سلت �إلى جا ٍر يل قد ا�شرتى �شاة‪� ،‬أن �أر�سل �إ َّ‬


‫يل بها بثمنها‪ ،‬فلم‬
‫يل بها‪ ،‬فقال ر�سول اهلل ﷺ‪�« :‬أطعميه‬ ‫أر�سلت �إ َّ‬
‫أر�سلت �إلى امر�أته‪ ،‬ف� ْ‬
‫يوجد‪ ،‬ف� ُ‬
‫الأ�سارى»(((‪.‬‬
‫وجه باالنتفاع بهذا اللحم امل�شوي امل�سروق‪ ،‬ومل‬ ‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ ّ‬
‫ووجه �إلى االنتفاع به‪ ،‬وال يح ُّل لذي اليد‬
‫ي�أمر ب�إهداره‪ ،‬بل ا�ستبقى ماهيته َّ‬
‫عليه االنتفاع به(((‪ ،‬قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬حتى لو كان الرجل‬
‫قد ح�صل بيده مال حرام‪ ،‬وقد تعذر ر ُّده �إلى �أ�صحابه جلهله بهم ونحو ذلك‪،‬‬
‫�أو كان بيده ودائع �أو رهون �أو عوار قد تعذر معرفة �أ�صحابها؛ فلينفقها يف‬
‫�سبيل اهلل؛ ف�إن ذلك م�صرفها”(((‪.‬‬
‫•الدليل الثاين‪ :‬عن املغرية بن �شعبة ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪« :‬وكره لكم‬
‫قيل وقال‪ ،‬وكرثة ال�س�ؤال‪ ،‬و�إ�ضاعة املال»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬إتالف املال و�إ�ضاعته منهي عنه‪ ،‬و�إر�صاده �أبدً ا تعري�ض له‬
‫للإتالف‪ ،‬وا�ستيالء َّ‬
‫الظ َلمة عليه‪ ،‬فالت�صدق به الطريق الأ�سلم يف الأموال‬
‫املُج ّنبة(((‪.‬‬
‫دليل القول الثاين‪:‬‬
‫القيا�س على اللُّقطة؛ ف�إنها تعرف �س َن ًة ثم يت�ص َّدق بها على الفقراء(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أنه قيا�س مع الفارق؛ ف�إن اللُّقطة تمُ ُ‬
‫لك بعد تعريفها(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب يف اجتناب ال�شبهات (‪ ،)244/3‬رقم (‪ ،)3332‬و�صححه الألباين‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأموال الربوية وم�صارفها يف العمل اخلريي‪ ،‬د‪� .‬إبراهيم ال�شال‪ ،‬ود‪ .‬حممود �أبو الليل (�ص ‪.)9‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)421/28‬‬
‫((( �أخرجه البخاري‪ ،‬باب عقوق الوالدين من الكبائر (‪ ،)4/8‬رقم (‪.)5975‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪ ،)597/28‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬ابن رجب (‪.)268/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬توظيف الأموال املُج ّنبة يف التمويل امل�صغر‪ ،‬د‪ .‬فهد احلمود (�ص ‪.)15‬‬
‫((( انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪475‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫دليل القول الثالث‪:‬‬


‫قوله تعالى‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة‪.]279 :‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬إن �سبيل التوبة مما بيده من الأموال احلرام �إن كانت من ر ًبا‪،‬‬
‫فلريدها على من �أربى عليه(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن تركها للبنوك الربوية �إعانة لهم يف ا�ستغاللها باحلرام(((‪.‬‬
‫دليل القول الرابع‪:‬‬
‫�أن الت�صدق ال يكون �إال بالطيب‪ ،‬والأموال املُج ّنبة لي�ست بطيبة؛ فيجب �إتالفها(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪� :‬أن الت�صدق بها للخال�ص من املظلمة ال لطلب الأجر(((‪ ،‬قال �شيخ‬
‫الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬مل �أعلم �أحدً ا من النا�س قال‪� :‬إن الأموال املحرتمة‬
‫املجهولة املالك تتلف‪ ،‬و�إمنا ُيحكى ذلك عن بع�ض الغالطني من املتورعة‪� :‬أنه �ألقى‬
‫�شي ًئا من ماله يف البحر‪� ،‬أو �أنه تركه يف الرب ونحو ذلك‪ ،‬فه�ؤالء جتد منهم ح�سن‬
‫الق�صد و�صدق الورع؛ ال �صواب العمل”(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬القول الأول؛ لقوة �أدلته‪ ،‬ومناق�شة �أدلة الأقوال الأخرى‪.‬‬

‫انظر‪ :‬تف�سري القرطبي (‪.)366/3‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬املال احلرام متلكه و�إنفاقه والتحلل منه‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز اخلطيب (�ص ‪ ،)42‬املكا�سب غري‬ ‫(((‬
‫ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حممد �سعيد (�ص ‪.)83‬‬
‫انظر‪� :‬إحياء علوم الدين (‪.)131/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى (‪.)596/28‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪476‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫�أثر الأموال املُجنّبة يف مواجهة فريو�س كورونا‬

‫وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫�صرف الأموال املُجنّبة يف اخلزينة العامة للدولة‬

‫عانت الدول كث ًريا يف مواجهة فريو�س كورونا‪ ،‬فقد تكبدت م�صاريف باهظة يف‬
‫عالج املر�ضى‪ ،‬و�شراء امل�ستلزمات الطبية الالزمة للوقاية من هذا املر�ض‪ ،‬وم�ضاعفة‬
‫جهود الأطباء‪ ،‬وتوفري املحاجر الطبية للمر�ضى‪ ،‬وتوقف حركة التجارة العاملية؛ مما‬
‫�أثر على اقت�صادات الدول‪ ،‬و�س ّبب لكثري منها عجزًا يف امليزانية العامة للدولة‪.‬‬
‫وقد تبينّ مما �سبق ذكره يف املباحث ال�سابقة‪ ،‬ترجيح �أن الأموال املُج ّنبة ت�صرف‬
‫يف جميع وجوه اخلري‪ ،‬ومن ذلك �صر ُفها يف اخلزينة العامة للدولة؛ ل�سدِّ عجزها‪،‬‬
‫وم�ساعدة الدولة يف مواجهة تلك التكاليف‪ ،‬وقد ن�ص الفقهاء ‪ ‬على �أن ت�سليم‬
‫ويل الأمر �أو نائبه الأموال املحرمة لي�صرفها يف وجوه الرب؛ ُيعد م�صر ًفا ترب�أ فيه‬
‫الذمة‪.‬‬
‫جاء يف املجموع(((‪“ :‬و�إال فيت�صدق به على فقري �أو فقراء‪ ،‬وينبغي �أن يتولى ذلك‬
‫القا�ضي �إن كان عفي ًفا”‪.‬‬
‫وجاء يف ك�شاف القناع(((‪“ :‬وي�سقط عنه‪� ،‬أي الغا�صب‪� ،‬إثم الغ�صب بدفعها‬
‫للحاكم”‪.‬‬
‫((( للنووي (‪.)351/9‬‬
‫((( للبهوتي (‪.)114/4‬‬

‫‪477‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫وجاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((‪“ :‬يجب �أن ت�صرف تلك الفوائد‬
‫يف �أغرا�ض النفع العام‪ ...‬وتوفري امل�ساعدات املالية للدول الأع�ضاء”‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫�صرف الأموال املُجنّبة يف معاجلة مر�ضى كورونا‬

‫يحتاج بع�ض مر�ضى فريو�س كورونا �إلى غرف العناية املركزة‪ ،‬وا�ستعمال �أجهزة‬
‫التنف�س‪ ،‬وا�ستخدام املحاجر ال�صحية‪ ،‬وتقدمي الرعاية وامل�ساعدات الطبية والغذائية‬
‫لهم‪ ،‬وميكن �صرف الأموال املُج ّنبة له�ؤالء املر�ضى؛ لتوفري الرعاية ال�صحية لهم‪،‬‬
‫فقد ب ّينا يف املباحث ال�سابقة �أن م�صارف الأموال املُج ّنبة هي عموم م�صارف اخلري‪.‬‬
‫جاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((‪“ :‬يجب �أن ت�صرف تلك الفوائد‬
‫يف �أغرا�ض النفع العام‪ ...‬وتوفري و�سائل الإغاثة”‪.‬‬
‫وجاء يف قرار الهيئة ال�شرعية لبيت التمويل الكويتي(((‪« :‬ما دام �أن �صاحب املال‬
‫يريد التخل�ص من �أمواله امل�شبوهة وال يريد �أخذ �أرباح‪ ،‬وال يتملك م�ست�شفى ال�سالم‬
‫املعدات‪ ،‬ولكن تعترب هذه املعدات مل�صلحة مر�ضى القلب‪ ،‬وال يتقا�ضى امل�ست�شفى‬
‫أرباحا‪ ،‬ولكن يتقا�ضى �سعر التكاليف‪ ،‬فال مانع من ذلك»‪.‬‬
‫� ً‬

‫املطلب الثالث‬
‫�صرف الأموال املُجنّبة يف م�ساعدة العاطلني عن العمل ب�سبب كورونا‬

‫ت�سبب فريو�س كورونا يف فقدان كثري من النا�س لوظائفهم و�أعمالهم‪ ،‬ف�أ�صبح‬


‫عمل‪ ،‬وقد يرجع �سبب ذلك خل�سارة كثري من التجار‬ ‫ه�ؤالء الأ�شخا�ص ال يجدون اً‬
‫((( انظر‪ :‬قرار رقم ‪ ،)3/1( 13‬قرارات جممع الفقه الإ�سالمي الدويل (‪.)28/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية (‪.)289/5‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪478‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫ب�سبب التباعد االجتماعي‪ ،‬وحظر التجول‪ ،‬وقد ب ّينا يف املباحث ال�سابقة �أن القول‬
‫الراجح �صرف الأموال املُج ّنبة جميع وجوه الرب‪ ،‬و�إعانة العاطلني عن العمل ب�سبب‬
‫كورونا من وجوه الرب واخلري‪ ،‬كما ميكن �أن ُي�صرف لأ�صحاب امل�شاريع ال�صغرية‬
‫املت�ضررة ب�سبب كورونا ما يعاجلون به �آثار هذه الأزمة‪ ،‬وبذلك �صدر قرار ندوة‬
‫الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي الأربعني؛ حيث جاء فيه(((‪“ :‬يجوز ال�صرف من‬
‫احل�سابات املُج ّنبة على ال�شرائح املت�ضررة يف املجتمع؛ مثل‪� :‬أ�صحاب امل�شاريع‬
‫ال�صغرية‪� ،‬أو ال�صرف على �أغرا�ض النفع العام التي تعود فائدتها للمجتمع‪،‬‬
‫خ�صو صً� ا من ت�أثروا بالأزمة”‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫�صرف الأموال املُجنّبة يف مواجهة �أثر اجلائحة على البنك الإ�سالمي‬

‫وفيه ثالث م�سائل‪:‬‬


‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬اقرتا�ض البنك الإ�سالمي من الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫�صورة امل�س�ألة‪:‬‬
‫�أ�صابت البنوك الإ�سالمية �أ�ضرا ٌر بالغة �إثر جائحة كورونا‪ ،‬وقد ا�ضطرت البنوك‬
‫الإ�سالمية يف بع�ض الدول �إلى ت�أجيل الأق�ساط ال�شهرية لكافة عمالئها ملدد ترتاوح‬
‫من ثالثة �أ�شهر �إلى �ستة �أ�شهر؛ مما ا�ضطر بع�ض البنوك الإ�سالمية �إلى اقرتا�ض‬
‫قر�ض ح�سن من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬وردِّه بعد فرتة معينة‪ ،‬فما حكم ذلك؟‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم اقرتا�ض البنك الإ�سالمي من الأموال املُج ّنبة‬
‫ملواجهة �أثر جائحة كورونا‪ ،‬على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬حرمة اقرتا�ض البنك من الأموال املُج ّنبة‪ .‬وبه قال بع�ض الباحثني(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ ‪2020/5/27‬م‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪� ،)19‬أ�سئلة الندوة‬

‫‪479‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫القول الثاين‪ :‬جواز اقرتا�ض البنك من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬ب�شرط احلاجة املا�سة‪،‬‬
‫وب�إ�شراف الهيئة ال�شرعية‪ .‬وبه قال بع�ض الباحثني(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫دليل القول الأول‪� :‬أن اقرتا�ض البنك من الأموال املُج ّنبة ُيع ّد متل ًكا لهذه الأموال‪،‬‬
‫وا�ستفادة منها‪ ،‬وقد �سبق بيان عدم جواز ا�ستفادة البنك من هذه الأموال‬
‫ب�أي وجه من الوجوه(((‪.‬‬
‫دليل القول الثاين‪� :‬أن الأ�صل عدم اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة‪ � ،‬اَّإل �أن احلاجة‬
‫ما�س ٌة يف ظل مواجهة جائحة كورونا‪ ،‬ول�ضرورة ا�ستمرار عمل البنوك‬
‫الإ�سالمية(((‪.‬‬
‫ميكن �أن يناق�ش‪� :‬أن الواجب على البنك التخل�ص من الأموال املُج ّنبة ب�أ�سرع‬
‫وقت ممكن‪ ،‬ويف االقرتا�ض منها ت�أخري يف �صرفها‪ ،‬و�إ�ضرار مب�صالح َمن ي�ستحقون‬
‫هذه الأموال‪ ،‬وال�ضرر ال ُيزال ب�ضرر مثله‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬القول الأول؛ لأن البنك ممنوع من اال�ستفادة من الأموال‬
‫املُج ّنبة‪.‬‬
‫و�إجابات العلماء عليها‪ ،‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ‬
‫‪2020/5/27‬م‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬د‪ .‬العيا�شي فداد (�ص ‪� ،)10‬أ�سئلة الندوة و�إجابات العلماء‬
‫عليها‪ ،‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ ‪2020/5/27‬م‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪� ،)19‬أ�سئلة الندوة‬
‫و�إجابات العلماء عليها‪ ،‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ‬
‫‪2020/5/27‬م‪.‬‬
‫ُ‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستفادة من الأموال املج ّنبة‪ ،‬د‪ .‬العيا�شي فداد (�ص ‪� ،)10‬أ�سئلة الندوة و�إجابات العلماء‬
‫عليها‪ ،‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ ‪2020/5/27‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪480‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬م�ساعدة موظفي البنك يف مواجهة جائحة كورونا‪.‬‬


‫�صورة امل�س�ألة‪:‬‬
‫ا�ضطرت بع�ض البنوك �إلى تخفي�ض رواتب العاملني لديها‪� ،‬أو منح بع�ض موظفيها‬
‫�إجازة جربية؛ ب�سبب التباعد االجتماعي �أو احلظر ال�شامل‪ ،‬ف�أخذت من الأموال‬
‫املُج ّنبة مل�ساعدة موظفيها‪ ،‬فما حكم ذلك؟‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم م�ساعدة موظفي البنك يف مواجهة جائحة‬
‫كورونا‪ ،‬على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬حرمة م�ساعدة موظفي البنك من الأموال املُج ّنبة‪ .‬وبه قال بع�ض‬
‫الباحثني(((‪ ،‬وبه �صدر قرار ندوة الربكة الأربعني(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز م�ساعدة موظفي البنك من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬ب�شرط �أن‬
‫يكونوا م�ستحقني للزكاة‪ ،‬و�أال تعترب من قبيل احلوافز للموظفني‪� ،‬أو لقاء‬
‫عمل للم�ؤ�س�سة‪ .‬وبه قال بع�ض الباحثني(((‪ ،‬وبه �صدر قرار الهيئة ال�شرعية‬
‫للربكة(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫دليل القول الأول‪� :‬أن م�ساعدة موظفي البنك من الأموال املُج ّنبة يعود بالفائدة‬
‫على البنك‪ ،‬وقد �سبق بيان عدم جواز ا�ستفادة البنك من هذه الأموال ب�أي‬
‫وجه من الوجوه(((‪.‬‬
‫انظر‪� :‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪� ،)19‬أ�سئلة الندوة‬ ‫(((‬
‫و�إجابات العلماء عليها‪ ،‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ‬
‫‪2020/5/27‬م‪.‬‬
‫انظر‪ :‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي ‪ .https://albaraka.org/‬روجعت بتاريخ ‪2020/5/27‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬د‪ .‬العيا�شي فداد (�ص ‪.)10‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬فتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪.)303‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)19‬‬ ‫(((‬

‫‪481‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫دليل القول الثاين‪� :‬أن العامل ُيعطى من الأموال املُج ّنبة ب�صفته فق ًريا‪ ،‬ال �أنه‬
‫موظف يف البنك‪ ،‬والفقراء من م�صارف الأموال املُج ّنبة(((‪.‬‬
‫ميكن �أن يناق�ش‪� :‬أن من ال�صعب حتقق ال�شروط املذكورة يف اجلواز‪ ،‬خا�صة �أن‬
‫البنك �سي�ستفيد من هذه الأموال بوجه من الوجوه و�إن َب ُعد‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬القول الأول؛ لأن البنك ممنوع من اال�ستفادة من الأموال‬
‫املُج ّنبة‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين‪.‬‬
‫�صورة امل�س�ألة‪:‬‬
‫قد يتعرث بع�ض عمالء البنك الإ�سالمي عن �سداد ما يرتتب عليهم من التزامات‬
‫نحوه ب�سبب فريو�س كورونا‪ ،‬فهل يجوز للبنك م�ساعدة ه�ؤالء العمالء من الأموال‬
‫املُج ّنبة؟‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم �صرف الأموال املُج ّنبة على م�ساعدة العمالء‬
‫املتعرثين ب�سبب فريو�س كورونا‪ ،‬على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬حرمة �صرف الأموال املُج ّنبة على م�ساعدة العمالء املتعرثين‪ .‬وبه‬
‫�صدر قرار الهيئة ال�شرعية للربكة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز �صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين‪ .‬وبه‬
‫قال بع�ض الباحثني(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫دليل القول الأول‪� :‬أن �صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين يعود‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬د‪ .‬العيا�شي فداد (�ص ‪.)10‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪.)298‬‬
‫((( انظر‪� :‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)20‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪482‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫بالفائدة على البنك(((‪ ،‬وقد �سبق بيان عدم جواز ا�ستفادة البنك من هذه‬
‫الأموال ب�أي وجه من الوجوه‪.‬‬
‫دليل القول الثاين‪ :‬لأنه «لو تعار�ضت م�صلحة موا�ساة املدين الغارم مع مف�سدة‬
‫ا�ستفادة امل�ؤ�س�سة منها‪ ،‬ف�إن الذي يظهر يل تغليب امل�صلحة يف هذه احلال؛‬
‫لأن منع امل�ؤ�س�سة من اال�ستفادة من ح�ساب اخلريات ا�ستفادة ال تتملك بها‬
‫امل�ؤ�س�سة احل�ساب‪ ،‬هي اجتهاد م�صلحي من ال�سيا�سة ال�شرعية ملنع امل�ؤ�س�سة‬
‫من التو�سع يف احلرام‪ ،‬وهذا ميكن �إعادة النظر فيه يف مثل هذه الأحوال‪،‬‬
‫خا�صة التي ت�ضعف فيها املف�سدة التي لأجلها ُمنعت اال�ستفادة بالطرق غري‬
‫ال�شرعية»(((‪.‬‬
‫ميكن �أن يناق�ش من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪�1.1‬أنه من املقرر �أنه �إذا تعار�ض درء مف�سدة وجلب م�صلحة؛ ف�إن درء املفا�سد‬
‫مقدم على جلب امل�صالح(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن هذه امل�صلحة ممكنة �إذا كان املتعرث من غري عمالء البنك؛ لأن البنك مل‬
‫ي�ستفد من الأموال املُج ّنبة‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬القول الأول؛ لأن البنك ي�ستفيد من الأموال املُج ّنبة يف‬
‫م�ساعدة العمالء املتعرثين عن ال�سداد‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬فتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة (�ص ‪.)298‬‬


‫((( �آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪ ،‬د‪ .‬خالد ال�سياري (�ص ‪.)20‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬ال�سبكي (‪ ،)105/1‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬ال�سيوطي (�ص ‪ ،)8‬الأ�شباه والنظائر‪،‬‬
‫ابن جنيم (�ص ‪.)78‬‬

‫‪483‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫اخلامتة‬

‫يف ختام هذا البحث‪� ،‬أحمد اهلل ‪ ‬الذي بنعمته تتم ال�صاحلات‪ ،‬وما كان فيه‬
‫من �صواب‪ ،‬فمن اهلل ‪ ‬وما كان فيه من خط�أ‪ ،‬فمني ومن ال�شيطان‪ ،‬و�أ�ستغفر اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وهذه �أهم النتائج والتو�صيات التي تو�صل �إليها البحث‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫•الأموال املُج ّنبة هي‪ :‬ح�ساب م�صريف م�ستقل لدى امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫تودع فيه الأموال التي ن�ش�أت من تعامل حمرم‪� ،‬أو باطل‪� ،‬أو جهل �صاحبه‪،‬‬
‫ويتولى الإ�شراف عليه وال�صرف منه الهيئة ال�شرعية وفق معايري حمددة‪.‬‬
‫•تنوعت م�صادر الأموال املُج ّنبة يف البنوك الإ�سالمية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1.1‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب حتول البنك من بنك ربوي �إلى بنك �إ�سالمي‪.‬‬
‫‪2.2‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنك املركزي التقليدي‪.‬‬
‫‪3.3‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب التعامل مع البنوك الربوية‪.‬‬
‫‪4.4‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب عقود التمويل التي جرى تنفيذها مبا يخالف‬
‫ال�ضوابط ال�شرعية لها‪ ،‬و�أ�صدرت الهيئة ال�شرعية قرا ًرا ب�ش�أن جتنب‬
‫الأرباح باعتبارها مكا�سب حمرمة‪.‬‬
‫‪5.5‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب �إعمال �شرط االلتزام بالت�صدق لأوجه اخلري عند‬
‫املماطلة يف ال�سداد‪.‬‬
‫‪6.6‬الأموال املُج ّنبة ب�سبب جهالة �أ�صحابها‪.‬‬
‫•ال يجوز للبنك اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة ب�أي وجه من الوجوه‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪484‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫•الراجح �أن م�صارف الأموال املُج ّنبة جميع وجوه الرب‪.‬‬


‫•يجوز �صرف الأموال املُج ّنبة يف خزينة الدولة ل�سد العجز الناجت عن جائحة‬
‫كورونا‪.‬‬
‫•يجوز �صرف الأموال املُج ّنبة يف معاجلة مر�ضى كورونا‪.‬‬
‫•يجوز �صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العاطلني عن العمل ب�سبب كورونا‪.‬‬
‫•ال يجوز اقرتا�ض البنك الإ�سالمي من الأموال املُج ّنبة؛ لأنه �سيعود بالنفع‬
‫على البنك الإ�سالمي‪.‬‬
‫•ال يجوز م�ساعدة موظفي البنك يف مواجهة جائحة كورونا؛ لأنه �سيعود بالنفع‬
‫على البنك الإ�سالمي‪.‬‬
‫•ال يجوز �صرف الأموال املُج ّنبة يف م�ساعدة العمالء املتعرثين؛ لأنه �سيعود‬
‫بالنفع على البنك الإ�سالمي‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬التو�صيات‪:‬‬
‫•�أو�صي البنوك الإ�سالمية ب�سرعة �صرف الأموال املُج ّنبة لال�ستفادة منها يف‬
‫مواجهة جائحة كورونا‪ ،‬وامل�ساهمة يف خدمة الدولة واملجتمع‪.‬‬
‫• ُبعد البنوك الإ�سالمية عن املعامالت امل�شبوهة واملحرمة‪ ،‬واالقت�صار على‬
‫الإيداع يف البنوك الإ�سالمية دون البنوك الربوية‪.‬‬

‫‪485‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬


‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪�2.2‬آثار الوباء على تعامالت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية يف �ضوء �أحكام الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬د‪ .‬خالد حممد ال�سياري‪ ،‬ندوة الربكة الأربعون لالقت�صاد‬
‫الإ�سالمي‪2020 ،‬م‪.‬‬
‫‪�3.3‬أحكام اجلوائح يف الفقه الإ�سالمي و�صلتها بنظريتي ال�ضرورة والظروف‬
‫الطارئة‪ ،‬د‪ .‬عادل مبارك املطريات‪ ،‬ر�سالة دكتوراه‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية دار‬
‫العلوم‪ ،‬ق�سم ال�شريعة الإ�سالمية‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪�4.4‬إحياء علوم الدين‪� ،‬أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطو�سي‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ب ط‪ ،‬ب ت‪.‬‬
‫‪5.5‬االختيار لتعليل املختار‪ ،‬له بن حممود بن مودود املو�صلي البلدحي‪ ،‬جمد الدين‬
‫�أبو الف�ضل احلنفي‪ ،‬مكتبة احللبي‪ ،‬القاهرة‪1937 ،‬م‪.‬‬
‫‪6.6‬اال�ستفادة من الأموال املُج ّنبة‪ ،‬د‪ .‬العيا�شي فداد‪ ،‬ندوة الربكة الأربعون‬
‫لالقت�صاد الإ�سالمي‪2020 ،‬م‪.‬‬
‫‪7.7‬الأ�شباه والنظائر على مذهب �أبي حنيفة النعمان‪ ،‬زين الدين بن �إبراهيم بن‬
‫حممد‪ ،‬املعروف بابن جنيم امل�صري ت‪970 :‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪8.8‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬عبدالرحمن بن �أبي بكر‪ ،‬جالل الدين ال�سيوطي ت‪911 :‬هـ‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪9.9‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬تاج الدين وهاب بن تقي الدين ال�سبكي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬بريوت‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪1010‬الأموال الربوية وم�صارفها يف العمل اخلريي‪ ،‬د‪� .‬إبراهيم علي ال�شال ود‪.‬‬
‫حممود �أبو الليل‪ ،‬م�ؤمتر العمل اخلريي اخلليجي الثالث‪ ،‬دبي‪2008 ،‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪486‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫‪1111‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬عالء الدين �أبو احل�سن علي بن‬
‫�سليمان بن �أحمد املرداوي ت‪ 885 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور عبداهلل بن عبداملح�سن‬
‫الرتكي‪ ،‬الدكتور عبدالفتاح حممد احللو‪ ،‬هجر للطباعة والن�شر والتوزيع‬
‫والإعالن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م�صر‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪1212‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬زين الدين �إبراهيم بن جنيم احلنفي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‍‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪1313‬بلغة ال�سالك لأقرب امل�سالك املعروف بحا�شية ال�صاوي على ال�شرح ال�صغري‪،‬‬
‫�أبو العبا�س �أحمد بن حممد اخللوتي‪ ،‬ال�شهري بال�صاوي املالكي‪ ،‬دار املعارف‪،‬‬
‫ب‪.‬ط‪ ،‬ب‪.‬ت‬
‫‪1414‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬حم ّمد بن حم ّمد بن عبدالر ّزاق احل�سيني‪،‬‬
‫�أبو الفي�ض‪ ،‬املل ّقب مبرت�ضى‪ ،‬الزَّبيدي ت‪1205 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من‬
‫املحققني‪ ،‬دار الهداية‪.‬‬
‫‪1515‬التبادل املايل بني امل�صارف الإ�سالمية وامل�صارف الأخرى‪ ،‬د‪.‬فهد بن �صالح‬
‫احلمود‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪1616‬حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج‪� ،‬أحمد بن حممد بن علي بن حجر الهيتمي‪،‬‬
‫املكتبة التجارية الكربى مب�صر ل�صاحبها م�صطفى حممد‪1357 ،‬هـ‪1983/‬م‪.‬‬
‫‪1717‬حتول البنك التقليدي �إلى م�صرف �إ�سالمي‪ ،‬د‪ .‬عبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬درا�سات‬
‫املعايري ال�شرعية‪ ،‬هيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪ ،‬دار امليمان‪،‬‬
‫الريا�ض ‪1437‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬حتول امل�صارف التقليدية للعمل وفق ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬يزن خلف �سامل‬
‫العطيات‪ ،‬ر�سالة دكتوراه‪ ،‬الأكادميية العربية للعلوم املالية وامل�صرفية‪ ،‬كلية‬
‫العلوم املالية وامل�صرفية‪ ،‬تخ�ص�ص امل�صارف الإ�سالمية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪1919‬تف�سري القرطبي (اجلامع لأحكام القر�آن)‪� ،‬أبو عبداهلل حممد بن �أحمد بن‬
‫�أبي بكر بن فرح الأن�صاري اخلزرجي �شم�س الدين القرطبي ت‪671 :‬هـ‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أحمد الربدوين و�إبراهيم �أطفي�ش‪ ،‬دار الكتب امل�صرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،2‬‬

‫‪487‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫‪1384‬هـ‪ 1964/‬م‪.‬‬
‫‪2020‬التمويل ووظائفه يف البنوك الإ�سالمية والتجارية‪ ،‬د‪.‬قتيبة عبدالرحمن العاين‪،‬‬
‫دار النفائ�س للن�شر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬
‫‪2121‬توظيف الأموال املُج ّنبة (الك�سب غري امل�شروع) يف التمويل امل�صغر ر�ؤية فقهية‪،‬‬
‫د‪ .‬فهد بن �صالح احلمود‪ ،‬م�ؤمتر التمويل الأ�صغر الإ�سالمي‪ ،‬املغرب‪� ،‬أغادير‪،‬‬
‫‪2014‬م‪.‬‬
‫‪2222‬اجلوائح والقوة القاهرة نظرة من خالل القواعد الكلية واملقا�صد العامة‪ ،‬د‪.‬‬
‫م�سلم بن حممد الدو�سري‪ ،‬ندوة الربكة الأربعون لالقت�صاد الإ�سالمي‪2020 ،‬م‪.‬‬
‫‪2323‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪ ،‬حممد بن �أحمد بن عرفة الد�سوقي‬
‫املالكي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،‬ب‪.‬ت‪.‬‬
‫‪2424‬دقائق �أويل النهى ل�شرح املنتهى(�شرح منتهى الإرادات)‪ ،‬من�صور بن يون�س بن‬
‫�صالح الدين ابن ح�سن بن �إدري�س البهوتي احلنبلي ت‪1051 :‬هـ‪ ،‬عامل الكتب‪،‬‬
‫ط‪1414 ،1‬هـ‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪2525‬رد املحتار على الدر املختار (حا�شية ابن عابدين)‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬حممد �أمني‬
‫بن عمر بن عبدالعزيز عابدين الدم�شقي احلنفي ت‪1252 :‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1412 ،2‬هـ‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪2626‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪� ،‬أبو زكريا حميي الدين يحيى بن �شرف النووي‬
‫ت‪676 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دم�شق‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫ط‪1412 ،3‬هـ‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪2727‬زاد املعاد‪ ،‬حممد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1994 ،27‬م‪.‬‬
‫‪�2828‬سنن �أبي داود‪� ،‬أبو داود �سليمان بن الأ�شعث بن �إ�سحاق بن ب�شري بن �شداد بن‬
‫ال�س ِج ْ�ستاين ت‪275 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبداحلميد‪،‬‬ ‫عمرو الأزدي ِّ‬
‫املكتبة الع�صرية‪� ،‬صيدا‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪488‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫‪�2929‬صحيح البخاري (اجلامع امل�سند ال�صحيح املخت�صر من �أمور ر�سول اهلل ﷺ‬


‫و�سننه و�أيامه)‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل �أبو عبداهلل البخاري اجلعفي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد زهري بن نا�صر النا�صر‪ ،‬دار طوق النجاة م�صورة عن ال�سلطانية ب�إ�ضافة‬
‫ترقيم حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪�3030‬صحيح م�سلم (امل�سند ال�صحيح املخت�صر بنقل العدل عن العدل �إلى ر�سول‬
‫ﷺ)‪ ،‬م�سلم بن احلجاج �أبو احل�سن الق�شريي الني�سابوري ت‪261 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪3131‬عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬د‪.‬حامد بن ح�سن بن حممد‬
‫علي مرية‪ ،‬دار امليمان للن�شر والتوزيع‪ ،‬ط‪1432 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪3232‬الفتاوى ال�شرعية يف امل�سائل االقت�صادية‪ ،‬ال�صادرة عن هيئة الفتوى يف بيت‬
‫التمويل الكويتي‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪3333‬فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء‪ ،‬جمع وترتيب‪� :‬أحمد بن عبدالرزاق الدوي�ش‪،‬‬
‫رئا�سة �إدارة البحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬الإدارة العامة للطبع‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪3434‬الفتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة‪ ،‬د‪.‬عبدال�ستار �أبو غدة ود‪.‬عز الدين خوجة‪،‬‬
‫ط‪2003 ،2‬م‪.‬‬
‫‪3535‬فتاوى وقرارات هيئة الرقابة ال�شرعية بنك بوبيان‪ ،‬الطبعة الأولى‪2019 ،‬م‬
‫‪3636‬الفروع‪ ،‬حممد بن مفلح بن حممد بن مفرج‪� ،‬أبو عبداهلل‪� ،‬شم�س الدين املقد�سي‬
‫الراميني ثم ال�صاحلي احلنبلي ت‪763 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل بن عبداملح�سن‬
‫الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪3737‬قرارات الهيئة ال�شرعية للبنك الأهلي ال�سعودي‪� ،‬إعداد �أمانة الهيئة ال�شرعية‪.‬‬
‫‪3838‬قرارات الهيئة ال�شرعية مل�صرف الراجحي‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬ط‪2010 ،1‬م‪.‬‬
‫‪3939‬قرارات وتو�صيات ندوات الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬جمموعة دلة الربكة‪،‬‬
‫الأمانة العامة للهيئة ال�شرعية‪ ،‬د‪ .‬عبدال�ستار �أبو غدة و د‪ .‬عز الدين خوجه‪،‬‬
‫ط‪ ،6‬جدة‪2001 ،‬م‬

‫‪489‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫‪4040‬قرارات وتو�صيات جممع الفقه الإ�سالمي املنبثق من منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪،‬‬


‫جدة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار القلم‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪4141‬املال احلرام متلكه و�إنفاقه والتحلل منه‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز بن عمر اخلطيب‪،‬‬
‫جملة جامعة امللك �سعود‪ ،‬العلوم الرتبوية والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬م ‪ ،20‬من‬
‫�صفحة ‪� 173‬إلى ‪2008 ،224‬م‪.‬‬
‫‪ 4242‬املجموع �شرح املهذب مع تكملة ال�سبكي واملطيعي‪� ،‬أبو زكريا حميي الدين يحيى‬
‫بن �شرف النووي ت‪676 :‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪4343‬جمموع الفتاوى‪ ،‬تقي الدين �أبو العبا�س �أحمد بن عبداحلليم بن تيمية احلراين‬
‫املتوفى‪728 :‬هـ‪ ،‬عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة‬
‫امل�صحف ال�شريف‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪1416 ،‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪4444‬جمموع م�ؤلفات ور�سائل وبحوث �أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل الطيار‪ ،‬دار التدمرية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪4545‬خمت�صر خليل‪ ،‬خليل بن �إ�سحاق بن مو�سى‪� ،‬ضياء الدين اجلندي املالكي‬
‫امل�صري‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪.‬‬
‫‪4646‬املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬د‪.‬حممد عثمان �شبري‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬ط‪1427 ،6‬هـ‪،‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬
‫‪4747‬املعايري ال�شرعية ال�صادرة عن هيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬دار امليمان‪ ،‬ط‪1437 ،1‬هـ‪2015/‬م‪.‬‬
‫‪4848‬معجم مقايي�س اللغة‪� ،‬أحمد بن فار�س بن زكريا القزويني الرازي‪� ،‬أبو احل�سني‬
‫ت‪395 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدال�سالم حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪4949‬املعجم الو�سيط‪� ،‬إبراهيم م�صطفى و�آخرون‪ ،‬مكتبة ال�شروق الدولية‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلام�سة‪1432 ،‬هـ‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪5050‬املغني‪� ،‬أبو حممد موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة اجلماعيلي‬
‫املقد�سي ثم الدم�شقي احلنبلي‪ ،‬ال�شهري بابن قدامة املقد�سي ت‪620 :‬هـ‪ ،‬مكتبة‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪490‬‬


‫األموال املُجنّبة يف البنوك اإلسالمية حقيقتها وأحكامها‬

‫وسبل االستفادة منها يف مواجهة جائحة كورونا‬

‫القاهرة‪1388 ،‬هـ‪1968 ،‬م‪.‬‬


‫‪5151‬م�سائل الإمام �أحمد رواية ابنه عبداهلل‪� ،‬أبو له �أحمد بن حممد بن حنبل بن‬
‫هالل بن �أ�سد ال�شيباين‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1981 ،1‬م‪.‬‬
‫‪5252‬املماطلة يف الديون‪ ،‬د‪�.‬سلمان بن �صالح بن حممد الدخيل‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪،‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪5353‬املكا�سب غري ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حممد �سعيد عبدالرزاق‪،‬‬
‫ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬جامعة القد�س‪ ،‬كلية الدرا�سات العليا‪ ،‬الفقه والت�شريع‬
‫و�أ�صوله‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪5454‬املوافقات‪� ،‬إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي‬
‫ت‪790 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبو عبيدة م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1417‬هـ‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪5555‬منح اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬حممد بن �أحمد بن حممد علي�ش‪� ،‬أبو عبداهلل‬
‫املالكي ت‪1299 :‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1409 ،‬هـ‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪5656‬ل�سان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن على‪� ،‬أبو الف�ضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور‬
‫الأن�صاري الرويفعي الإفريقي ت‪711 :‬هـ‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪5757‬ورقة عمل وقف الأموال امل�شبوهة واملكت�سبة بطرق غري م�شروعة‪ ،‬د‪ .‬عي�سى‬
‫زكي‪ ،‬منتدى ق�ضايا الوقف الفقهية التا�سعة‪ ،‬الأردن‪ ،‬عمان‪2019 ،‬م‪.‬‬
‫•املواقع الإلكرتونية‪:‬‬
‫‪1.1‬موقع ندوة الربكة لالقت�صاد الإ�سالمي‪.https://albaraka.org/ ،‬‬
‫‪2.2‬موقع جممع الفقه الإ�سالمي ‪.http://www.iifa -aifi.org/5254.html‬‬
‫‪3.3‬موقع منظمة ال�صحة العاملية ‪http://www.emro.who.int/ar/health‬‬
‫‪.-topics/corona -virus/about -covid -19.html‬‬

‫‪491‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل عويد حممد الرشيدي‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث‪455 .................................................................‬‬


‫املقدمة‪456 .........................................................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬التعريف مبفردات العنوان‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪462 ................. :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الأموال املُجنّبة ‪462 ......................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف البنوك الإ�سالمية ‪464 ...................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف جائحة كورونا‪465 .......................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬م�صادر الأموال املُجنّبة يف البنوك الإ�سالمية ‪468 ..................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حكم ا�ستفادة البنوك الإ�سالمية من الأموال املُجنّبة فيها ‪471 .....‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬م�صارف الأموال املُجنّبة ‪473 .......................................‬‬
‫املبحث اخلام�س‪� :‬أثر الأموال املُج ّنبة يف مواجهة فريو�س كورونا‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪477 .:‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬صرف الأموال املُجنّبة يف اخلزينة العامة للدولة‪477 .............‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬صرف الأموال املُجنّبة يف معاجلة مر�ضى كورونا ‪478 ...........‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬صرف الأموال املُجنّبة يف م�ساعدة العاطلني عن العمل‬
‫ب�سبب كورونا ‪478 ............................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬صرف الأموال املُج ّنبة يف مواجهة �أثر اجلائحة على البنك‬
‫الإ�سالمي ‪479 .....................................................................‬‬
‫اخلامتة ‪484 ........................................................................‬‬
‫فهر�س امل�صادر واملراجع ‪486 ......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪492‬‬


‫أثر اإلجراءات االحترازية في عقد‬
‫اإلجارة بسبب انتشار وباء كورونا‬
‫دراسة فقهية‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬عبدالله بن عبدالعزيز بن �سعود التميمي‬
‫الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة بالريا�ض‬
‫ال�سالمية‬
‫المام حممد بن �سعود إ‬ ‫جامعة إ‬
‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪494‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫ملخص البحث‬

‫يف ظل ظروف انت�شار وباء وكورنا‪ ،‬ونظ ًرا النت�شار عقود الإجارة بنوعيها‪ ،‬وما قد‬
‫يرتتب على الإجراءات االحرتازية املتخذة ب�سبب انت�شار الوباء من ح�صول النزاع‬
‫بني �أطراف عقد الإجارة ب�سبب تعذر ا�ستيفاء املنافع‪ ،‬فقد جاء هذا البحث لإي�ضاح‬
‫احلكم ال�شرعي لتلك العقود ومدى لزومها‪ ،‬وبيان كمال ال�شريعة ب�إظهار حكمها يف‬
‫مثل هذه الظروف اال�ستثنائية‪.‬‬
‫وقد ف ّرق البحث بني ما �إذا كان عقد الإجارة قد ت�أثر ‪-‬ب�سبب الإجراءات‬
‫أ�صل بذلك‪ ،‬وذكر حكم العقد ما‬ ‫االحرتازية‪ -‬ت�أث ًرا كب ًريا‪� ،‬أو ي�س ًريا‪� ،‬أو مل يت�أثر � اً‬
‫�إذا كانت مدة العقد قد انتهت �أو بقي فيها بقية‪ ،‬و�إذا تعذر �إ�سقاط جزء من الأجرة‬
‫مقابل ما فات من املنفعة �أو مل يتعذر‪ ،‬و�ضابط املنفعة التي يتعذر ا�ستيفا�ؤها‪ ،‬واحلكم‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الإجراءات‪ ،‬االحرتازية‪ ،‬انت�شار‪ ،‬وباء كورونا‪ ،‬الإجارة‪.‬‬

‫‪495‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه‬
‫�أجمعني‪.‬‬
‫�أما بعد‪:‬‬
‫فال �شك �أن الظروف التي مير بها العامل اليوم من جراء انت�شار وباء فريو�س‬
‫كورونا (‪ )covid-19‬ظروف ا�ستثنائية قلبت موازين كثري من الدول‪ ،‬وغيرّ ت‬
‫جمريات كثري من العقود والتعامالت احلكومية والفردية‪ ،‬وكان للإجراءات‬
‫االحرتازية املتخذة للحد من انت�شار الوباء �أثرها يف تلك العقود‪ ،‬وخا�صة ما كان‬
‫مقت�ضاه اللزوم ومنع الف�سخ ب�شكل اختياري‪.‬‬
‫ومن �أكرث العقود التي ت�أثرت ب�سبب هذه الإجراءات‪ :‬عقود الإجارة؛ نظ ًرا‬
‫النت�شارها‪ ،‬والختالفها عن عقود بيع الأعيان‪ ،‬ف�إن بيوع الأعيان تنق�ضي بت�سلم‬
‫العو�ضني‪ ،‬و�أما عقود الإجارة ف�إمنا ت�ستوفى منافعها �شي ًئا ف�شيئا‪.‬‬
‫وقد جاء هذا البحث لبيان ما قرره الفقهاء يف مثل هذه ال�صورة �أو ما قاربها‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫‪1.1‬انت�شار عقود الإجارة بنوعيها‪.‬‬
‫‪2.2‬توقع ح�صول النزاع بني �أطراف عقد الإجارة على �إثر تعذر ا�ستيفاء املنافع‬
‫ب�سبب الإجراءات االحرتازية للحد من انت�شار وباء كورونا‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪496‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬الو�صول �إلى احلكم ال�شرعي يف مدى لزوم عقود الإجارة يف ظل الإجراءات‬
‫االحرتازية املتخذة ب�سبب انت�شار الوباء‪.‬‬
‫‪2.2‬بيان كمال ال�شريعة ب�إظهار حكمها يف عقود الإجارة حتى مع الظروف‬
‫اال�ستثنائية النت�شار وباء كورونا‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫مل �أقف على درا�سة مرتبطة ب�شكل وثيق بهذا املو�ضوع‪ ،‬ومما وقفت عليه مما له‬
‫ارتباط مبو�ضوع هذا البحث درا�ستان متعلقتان باجلوائح‪:‬‬
‫‪�1.1‬أحكام اجلوائح يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لعادل املطريات (ر�سالة دكتوراه مقدمة‬
‫�إلى ق�سم ال�شريعة الإ�سالمية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة ‪.)1422 -‬‬
‫‪�2.2‬أثر العذر واجلائحة يف عقدي البيع والإجارة وما يقابلهما يف القانون املدين‪،‬‬
‫لنزار عوي�ضات (بحث تكميلي للح�صول على درجة املاج�ستري يف الفقه‬
‫والت�شريع بكلية الدرا�سات العليا بجامعة النجاح الوطنية يف نابل�س)‪.‬‬
‫وهاتان الدرا�ستان ونحوهما مما يت�صل باجلوائح متثل م�س�ألة واحدة هي التي‬
‫تع ّد يف البحث جائحة‪ ،‬كما �سي�أتي‪.‬‬
‫ثم �إن تناول الدرا�ستني للم�س�ألة حمل البحث هو تناول خمت�صر دون ذكر‬
‫للأحوال وال�ضوابط‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫املنهج املتبع يف البحث هو املنهج التحليلي اال�ستقرائي ملا قرره الفقهاء‪ ،‬واملقارنة‬
‫بني �أقوالهم بالنظر يف �أدلة كل فريق ومناق�شتها‪ ،‬ثم بيان الراجح‪ ،‬والآثار املرتتبة‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫‪497‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫تق�سيمات البحث‪:‬‬
‫انتظم البحث يف مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتة‪ .‬وبيانها كما يلي‪:‬‬
‫املقدمة‪ ،‬وفيها‪� :‬أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪ ،‬و�أهداف البحث‪ ،‬ومنهجه‪،‬‬
‫وتق�سيماته‪.‬‬
‫متهيد يف حقيقة الإجارة ولزومها‪ .‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حقيقة الإجارة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬لزوم عقد الإجارة‪.‬‬
‫املبحث الأول‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد �إجارة‬
‫العني‪ .‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية يف لزوم العقد وا�ستحقاق الأجرة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬ضابط تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الأعيان امل�ؤجرة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد الأجري‪.‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬أنواع الأجراء‪ .‬وفيه ثالث م�سائل‪:‬‬
‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬الأجري اخلا�ص‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬الأجري امل�شرتك‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪ :‬الفرق بني الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد‬
‫الأجري اخلا�ص‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد‬
‫الأجري امل�شرتك‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪498‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫اخلامتة‪ ،‬وفيها �أبرز النتائج والتو�صيات‪.‬‬


‫و�أ�س�أل اهلل �أن يجعل هذا البحث خال�صً ا لوجهه‪ ،‬و�أن ينفع به‪ ،‬و�أ�س�أله جلت قدرته‬
‫�أن يرفع الوباء عنا وعن امل�سلمني‪ ،‬اً‬
‫عاجل غري �آجل‪.‬‬
‫و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫‪499‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫متهيد يف حقيقة الإجارة ولزومها‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‬
‫حقيقة الإجارة‬

‫الإجارة لغة‪:‬‬
‫م�أخوذة من الأجر‪ ،‬وهو الثواب واجلزاء على العمل‪ ،‬والأجرة الكراء‪ ،‬واملهر �أجر‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الن�ساء‪:‬‬
‫‪ ،]24‬والأجري‪ :‬امل�ست�أجر بفتح اجليم(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫الإجارة‬
‫تنوعت عبارات الفقهاء يف بيان حقيقة الإجارة‪:‬‬
‫فقد ع ّرفها احلنفية ب�أنها‪“ :‬بيع منفعة معلومة ب�أجر معلوم”(((‪.‬‬
‫وع ّرفها املالكية ب�أنها‪“ :‬عقد معاو�ضة على متليك منفعة بعو�ض مبا يدل”(((‪.‬‬
‫و�أحيا ًنا يعربون عن الإجارة بالكراء‪“ ،‬وهي والكراء �شيء واحد يف املعنى‪ ،‬غري‬
‫�أنهم �أطلقوا على العقد على منافع الآدمي‪ ،‬وما ُينقل من غري ال�سفن واحليوان‪:‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬اجلوهري (‪)576/2‬؛ مقايي�س اللغة‪ ،‬ابن فار�س (‪)62/1‬؛ ل�سان العرب‪ ،‬ابن منظور‬
‫(‪)10/4‬؛ القامو�س املحيط‪ ،‬الفريوز�آبادي (�ص‪ ..)342‬كلها مادة (�أ ج ر)‪.‬‬
‫((( كنز الدقائق‪ ،‬الزيلعي (�ص‪.)543‬‬
‫((( �أقرب امل�سالك‪ ،‬الدردير (�ص‪.)120‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪500‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫�إجارة‪ ،‬وعلى العقد على منافع ما ال ُينقل كالأر�ض والدور‪ ،‬وما ُينقل من �سفينة‬
‫وحيوان‪ :‬كراء‪ ،‬غال ًبا فيهما”(((‪.‬‬
‫وع ّرف ال�شافعية الإجارة ب�أنها‪“ :‬عقد على منفعة مق�صودة معلومة قابلة للبذل‬
‫والإباحة بعو�ض معلوم”(((‪.‬‬
‫وع ّرفها احلنابلة ب�أنها‪“ :‬عقد على منفعة مباحة معلومة مدة معلومة من عني‬
‫عمل معلوم‪ ،‬بعو�ض معلوم”(((‪.‬‬
‫معينة �أو مو�صوفة يف الذمة‪� ،‬أو ٍ‬
‫ومع هذا التنوع يف العبارة‪ ،‬ف�إن املذاهب الفقهية كلها متفقة على �أن الإجارة هي‬
‫بيع املنافع(((‪ ،‬وعلى �أنها ت�شمل منافع الأعيان وعمل الآدمي(((‪.‬‬
‫قال الكا�ساين‪“ :‬وذكر بع�ض امل�شايخ �أن الإجارة نوعان‪� :‬إجارة على املنافع‪ ،‬و�إجارة‬
‫وف�سر النوعني مبا ذكرنا‪ ،‬وجعل املعقود عليه يف �أحد النوعني املنفعة ويف‬
‫على العمل‪ّ ،‬‬
‫الآخر العمل‪ ،‬وهي يف احلقيقة نوع واحد؛ لأنها بيع املنفعة‪ ،‬فكان املعقود عليه املنفعة‬
‫يف النوعني جمي ًعا‪� ،‬إال �أن املنفعة تختلف باختالف حمل املنفعة‪ ،‬فيختلف ا�ستيفا�ؤها‬
‫با�ستيفاء منافع املنازل بال�سكنى‪ ،‬والأرا�ضي بالزراعة‪ ،‬والثياب واحللل وعبيد اخلدمة‬
‫باخلدمة‪ ،‬والدواب بالركوب واحلمل‪ ،‬والأواين والظروف باال�ستعمال‪ ،‬وال�صناع بالعمل‬
‫من اخلياطة والق�صارة ونحوهما‪ ،‬وقد يقام فيه ت�سليم النف�س مقام اال�ستيفاء‪ ،‬كما يف‬
‫�أجري الواحد‪ ،‬حتى لو �سلم نف�سه يف املدة ومل يعمل‪ ،‬ي�ستحق الأجر”(((‪.‬‬
‫ال�شرح ال�صغري‪ ،‬الدردير (‪.)6-5/4‬‬ ‫(((‬
‫مغني املحتاج‪ ،‬ال�شربيني (‪.)427 /2‬‬ ‫(((‬
‫منتهى الإرادات‪ ،‬الفتوحي (‪.)64/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬الكا�ساين (‪)517/5‬؛ الهداية‪ ،‬املرغيناين (‪)269/6‬؛ اجلامع‪ ،‬ابن يون�س‬ ‫(((‬
‫(‪)358 /15‬؛ مواهب اجلليل‪ ،‬احلطاب (‪)141/6‬؛ البيان‪ ،‬العمراين (‪)296/7‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي‬
‫(‪)420/4‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪)7/8‬؛ معونة �أويل النهى‪ ،‬الفتوحي (‪.)102/6‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬الكا�ساين (‪)517/5‬؛ نتائج الأفكار‪ ،‬قا�ضي زاده �أفندي (‪)58/9‬؛ مواهب‬ ‫(((‬
‫اجلليل‪ ،‬احلطاب (‪)141/6‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي (‪)428/4‬؛ مغني املحتاج‪ ،‬ال�شربيني (‪)21/2‬؛ �شرح‬
‫الزرك�شي على اخلرقي‪ ،‬الزرك�شي (‪)219/4‬؛ ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪.)32-31 /9‬‬
‫بدائع ال�صنائع (‪.)518-517/5‬‬ ‫(((‬

‫‪501‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫وملا كانت الإجارة نوعني‪ :‬عقدً ا على منفعة عني‪ ،‬وعقدً ا على عمل �آدمي‪ ،‬وكان‬
‫عمل الآدمي نوعني‪ :‬خا�صً ا وم�شرت ًكا(((‪ ،‬فقد اقت�ضى البحث النظر يف �أثر الإجراءات‬
‫االحرتازية املتخذة للحد من انت�شار الوباء يف عقد الإجارة يف كل نوع‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫لزوم عقد الإجارة‬

‫الإجارة ال�صحيحة عقد الزم للطرفني(((‪ ،‬وقد نقل ابن تيمية الإجماع على‬
‫هذا(((‪ ،‬ومن �أدلة ذلك ‪�-‬سوى الإجماع‪ :-‬الن�صو�ص الآمرة بالوفاء بالعقود والعهود‪،‬‬
‫مثل قوله تعالى‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [املائدة‪ ،]1 :‬وقوله ‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإ�سراء‪.]34 :‬‬

‫((( �سي�أتي احلديث عن الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)3/9‬؛ الذخرية‪ ،‬القرايف (‪)434/5‬؛ البيان‪ ،‬العمراين‬
‫(‪)338/7‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)51/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)185/30‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪502‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫املبحث الأول‬
‫�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا‬
‫(((‬
‫يف عقد �إجارة العني‬

‫اتخذت احلكومات ‪-‬مع انت�شار وباء كورونا‪ -‬جمل ًة من الإجراءات االحرتازية‬


‫وقاية للنا�س من العدوى وانت�شار املر�ض‪ ،‬ومن تلك الإجراءات‪� :‬إيقاف بع�ض‬
‫الن�شاطات التجارية غري ال�ضرورية �أو تقلي�ص �ساعات عملها‪ ،‬مع حظر التجول مبنع‬
‫النا�س من احلركة خارج منازلهم‪ ،‬حظ ًرا اً‬
‫كامل طيلة اليوم �أو جزئ ًيا بع�ض �ساعاته‪.‬‬
‫وال �شك �أن مثل هذه الإجراءات ت�ؤثر �سل ًبا على تلك الن�شاطات‪ ،‬فيت�ضرر‬
‫�أ�صحابها بنق�ص الأرباح ب�شكل م�ؤثر‪ ،‬ورمبا ي�صل الأمر �إلى اخل�سارة‪ ،‬اً‬
‫ف�ضل عن‬
‫التزام �أولئك بعقود ت�أجري ملواقع عملهم‪� ،‬سواء �أكانت مكاتب �أم حمالت جتارية‪،‬‬
‫وهذا ‪�-‬أي‪� :‬إيقاف الن�شاط‪ -‬يقع غال ًبا �ضرورة من غري اختيار‪.‬‬
‫وال تخلو عقود الت�أجري تلك((( من �إحدى حالني‪:‬‬
‫الأولى‪� :‬أن ال يكون للإجراءات االحرتازية ت�أثري �سلبي على املنفعة املق�صودة‬
‫بالعقد‪� ،‬أو تنق�ص املنفعة نق صً� ا غري م�ؤثر(((‪.‬‬
‫((( البحث يدر�س العقد الواقع على عني معينة‪ ،‬و�أما �إذا كانت مو�صوفة يف الذمة فاجلمهور على �أن الإجارة‬
‫ال تبطل‪ ،‬و�أن امل�ؤجر مطا َلب ب�أن يوفر بدلها؛ لأن العقد على مو�صوف يف الذمة‪ ،‬وامل� ِؤجر مل يعجز‬
‫بع ُد عن الوفاء عما لزمه بالعقد‪ ،‬ف�إن عجز فللم�ست�أجر الف�سخ‪ .‬انظر‪ :‬املعونة؛ القا�ضي عبدالوهاب‬
‫(‪)1093/2‬؛ ال�شرح ال�صغري‪ ،‬الدردير (‪)49/4‬؛ البيان‪ ،‬العمراين (‪)364/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي‬
‫(‪)171/6‬؛ ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪)123/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)60-59/4‬‬
‫((( ويلحق بها غريها‪ ،‬مثل‪ :‬عقود ت�أجري امل�ساكن‪.‬‬
‫((( ي�صعب حتديد النق�ص امل�ؤثر �أو و�ضع �ضابط له؛ ب�سبب اختالف املنافع وم�ستوياتها املعقود عليها‪،‬‬
‫و�إمنا يحدده �أهل اخلربة‪ ،‬وقد يحتاج الأمر للف�صل الق�ضائي؛ �إذ قد يدعي امل�ست�أجر النق�ص امل�ؤثر‪،‬‬
‫ويدعي امل�ؤجر النق�ص غري امل�ؤثر‪.‬‬

‫‪503‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫باق(((؛ �إذ ال يوجد ما مينع من ا�ستمراره‬


‫واحلكم �أن العقد ‪-‬يف هذا احلال‪ٍ -‬‬
‫ولزومه‪ ،‬وح�صول النق�ص غري امل�ؤثر يقع يف كل العقود‪.‬‬
‫ومن �أمثلة هذا‪:‬‬
‫‪1.1‬امل�ساكن امل�ؤجرة‪ ،‬للعوائل �أو العمال ونحوهم التي يقيمون بها خالل فرتة‬
‫منع التجول‪.‬‬
‫‪2.2‬املحالت �أو املكاتب امل�ؤجرة على �أفراد �أو �شركات التي مل يت�ضرر ن�شاطها‬
‫�أبدً ا‪� ،‬أو ت�ضرر ب�شكل م�ؤثر‪ ،‬كبع�ض حمالت التموين‪ ،‬وبع�ض املواقع‬
‫امل�ؤجرة على قطاعات خدمية مكلفة يف عالج الأزمة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫الثانية‪� :‬أن يكون لتلك الإجراءات االحرتازية ت�أثري �سلبي على املنفعة املق�صودة‬
‫بالعقد‪ ،‬بحيث تتعذر بالكلية‪� ،‬أو يفوت �أكرثها‪� ،‬سوا ًء اتخذت تلك الإجراءات‬
‫قبل التمكن من االنتفاع بها ‪�-‬سوا ًء قب�ضت �أو ال‪� -‬أو بعد التمكن من االنتفاع‪.‬‬
‫ومن �أمثلته‪:‬‬
‫�أر�ض م�ؤجرة للزراعة‪� ،‬أو عمارة �أو م�ستودع �أو م�صنع خارج البلد‪ ،‬وقد �أمرت‬
‫ال�سلطات بعدم اخلروج من املدينة؛ ب�سبب ف�شو الوباء‪ ،‬يف مدة تطول ن�سب ًيا‬
‫وتعود ب�ضرر م�ؤثر على املنفعة املق�صودة بالعقد‪ ،‬فيت�أثر امل�ست�أجر بذلك وال‬
‫يتمكن من اخلروج �إلى املوقع امل�ؤجر ال�ستيفاء املنفعة‪.‬‬
‫وهذه احلال فيها م�س�ألتان‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬لزوم العقد وا�ستحقاق الأجرة‪.‬‬
‫الثانية‪� :‬ضابط ا�ستيفاء املنفعة من الأعيان امل�ؤجرة‪.‬‬
‫اً‬
‫ا�ستقالل فيما يلي ‪-‬ب�إذن اهلل‪.-‬‬ ‫و�سنتناول كل واحدة منهما‬
‫((( انظر‪ :‬البناية‪ ،‬العيني (‪)343/10‬؛ حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)59/9‬؛ ال�شرح الكبري‪ ،‬ابن �أبي‬
‫عمر (‪.)454/14‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪504‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫املطلب الأول‬
‫�أثر الإجراءات االحرتازية يف لزوم العقد وا�ستحقاق الأجرة‬

‫�إذا ا ُتخذت الإجراءات االحرتازية على نحو ما ذكر‪ ،‬ففي لزوم العقد هنا قوالن‪:‬‬
‫القول الأول‪:‬‬
‫الزما‪ ،‬وللم�ست�أجر الف�سخ(((‪ ،‬وهذا هو قول جمهور الفقهاء‪:‬‬
‫�أن العقد ال يكون ً‬
‫احلنفية(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪ ،‬وهو امل�شهور يف مذهب املالكية(((‪ ،‬وحكي‬
‫إجماعا(((‪.‬‬
‫� ً‬
‫ف�سطاط �أو ثوب �أو متاع �أو حيوان �أو عقار‬
‫ٍ‬ ‫أجر‬
‫قال حممد بن احل�سن‪“ :‬وكل م�ست� ِ‬
‫بذهب �أو ف�ضة‪ ،‬فف�سد حتى ال ينتفع به‪� ،‬أو غ�صبه �سلطان �أو غريه‪ ،‬فال �أجر على‬
‫امل�ست�أجر منذ يوم كان ذلك”(((‪.‬‬
‫وقال ابن يون�س ال�صقلي التميمي يف جامعه‪“ :‬كل ما منع املكرتي ال�سكنى من‬
‫�أمر غالب ال ي�ستطيع دفعه من �سلطان �أو غا�صب فهو مبنزلة ما لو منعه �أمر من اهلل‬
‫�سي�أتي احلديث عن الأجرة ‪-‬وفق هذا القول‪.-‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الأ�صل‪ ،‬حممد بن احل�سن ال�شيباين (‪)10/4‬؛ العناية‪ ،‬البابرتي (‪ ،)70/9‬اجلوهرة النرية على‬ ‫(((‬
‫القدوري‪ ،‬احلداد اليمني (‪.)321/1‬‬
‫انظر‪ :‬البيان‪ ،‬العمراين (‪)364/7‬؛ العزيز �شرح الوجيز‪ ،‬الرافعي (‪)171/6‬؛ النجم الوهاج‪ ،‬الدمريي‬ ‫(((‬
‫(‪)392-391/5‬؛ مغني املحتاج‪ ،‬ال�شربيني (‪ .)458/2‬ومل �أجد لهم ن�صً ا على م�س�ألة منع ال�سلطان‪،‬‬
‫و�إمنا قرروا هذا يف م�س�ألة غ�صب العني‪ ،‬وهي �أقرب ال�صور ملحل البحث‪ ،‬ولهما احلكم نف�سه عند بقية‬
‫املذاهب‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪)31/8‬؛ ال�شرح الكبري‪ ،‬ابن �أبي عمر (‪)459/14‬؛ الإن�صاف‪ ،‬املرداوي‬ ‫(((‬
‫(‪)460/14‬؛ ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪)125/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)60/4‬‬
‫انظر‪ :‬املدونة‪� ،‬سحنون (‪)516/3‬؛ الكايف‪ ،‬ابن عبدالرب (�ص‪)370‬؛ اجلامع‪ ،‬ابن يون�س (‪-198 /16‬‬ ‫(((‬
‫‪)199‬؛ منح اجلليل‪ ،‬علي�ش (‪)521/7‬؛ ال�شرح الكبري‪ ،‬الدردير (‪.)31/4‬‬
‫قال ابن تيمية‪“ :‬وال خالف بني الأمة �أن تعطل املنفعة ب�أمر �سماوي يوجب �سقوط الأجرة �أو نق�صها �أو‬ ‫(((‬
‫الف�سخ‪ ،‬و�إن مل يكن للم�ست�أجر فيه �صنع”‪ .‬جمموع الفتاوى (‪.)293/30‬‬
‫الأ�صل‪ ،‬حممد بن احل�سن (‪.)10/4‬‬ ‫(((‬

‫‪505‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫تعالى‪ ،‬كانهدام الدار‪ ،‬وامتناع ماء ال�سماء حتى منعه حرث الأر�ض‪ ،‬فال كراء عليه‬
‫يف ذلك كله؛ لأنه مل يتو�صل �إلى ما اكرتى”(((‪.‬‬
‫وقال ابن �أبي عمر‪�“ :‬إن حدث خوف عام مينع من �سكنى امل�سكن الذي فيه العني‬
‫امل�ست�أجرة‪� ،‬أو يح�صر البلد‪ ،‬فيمتنع خروج امل�ست�أجر �إلى الأر�ض امل�ست�أجرة للزرع‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬ثبت للم�ست�أجر خيار الف�سخ‪ ....‬كغ�صب العني”(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫�أن العقد الزم‪ ،‬والأجرة الزمة‪ ،‬ولي�س للم�ست�أجر الف�سخ ما دام قد قب�ض العني‪،‬‬
‫وهذا قول �سحنون من املالكية(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن جابر بن عبداهلل ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬لو بعت من‬
‫�أخيك ثم ًرا‪ ،‬ف�أ�صابته جائحة(((‪ ،‬فال يحل لك �أن ت�أخذ منه �شي ًئا‪ ،‬مب ت�أخذ‬
‫مال �أخيك بغري حق؟»(((‪.‬‬
‫اجلامع‪ ،‬ابن يون�س (‪.)199-198 /16‬‬ ‫(((‬
‫ال�شرح الكبري‪ ،‬ابن �أبي عمر (‪.)460 -459 /14‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اجلامع‪ ،‬ابن يون�س (‪)198/16‬؛ الذخرية‪ ،‬القرايف (‪)538/5‬؛ التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪)541/5‬؛‬ ‫(((‬
‫ال�شامل يف فقه مالك‪ ،‬بهرام الدمريي (‪.)791/2‬‬
‫ويف م�س�ألة الغ�صب قوالن �آخران يف مذهب مالك‪ :‬قول بالتف�صيل‪� :‬إن كان الغ�صب للعني �سقطت‬
‫الأجرة‪ ،‬و�إن كان الغ�صب للمنفعة مل ت�سقط الأجرة‪ ،‬وقول بالنظر يف حال الغا�صب‪ ،‬ف�إن كان �سلطا ًنا‬
‫لي�س فوقه غريه �سقطت الأجرة‪ ،‬و�إال لزمت‪ .‬انظر‪ :‬املراجع ال�سابقة‪.‬‬
‫قال ابن يون�س عن هذه الأقوال ب�أنها لي�ست ب�شيء‪ .‬انظر‪ :‬اجلامع (‪.)198/16‬‬
‫وقال خليل‪“ :‬وينبغي �أن يكون هذا اخلالف مق�صو ًرا على ما �إذا غ�صبت املنفعة �أو الرقبة بعد قب�ض‬
‫املكرتي �إياها‪ ،‬و�أما لو كان ذلك قبل القب�ض‪ ،‬فتكون امل�صيبة من املكري؛ لأن املكرتي مل يتمكن من‬
‫القب�ض” التو�ضيح (‪.)541/5‬‬
‫اجلائحة‪ :‬الآفة التي تهلك الثمار والأموال وت�ست�أ�صلها‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الأثري (‪.)745/2‬‬ ‫(((‬
‫رواه م�سلم يف �صحيحه (‪-22‬كتاب امل�ساقاة ‪-3 /‬باب و�ضع اجلوائح‪ /‬حديث ‪.)1554‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪506‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫ويف رواية عنه ‪� :‬أن النبي ﷺ �أمر بو�ضع اجلوائح(((‪.‬‬


‫وجه الداللة‪� :‬أن اخلوف العام الذي مينع من االنتفاع هو من الآفات‬
‫ال�سماوية(((‪ ،‬وقد جاءت ال�شريعة بو�ضع اجلوائح(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬أن الأجرة ال ُت�ستحق �إال بت�سليم املنفعة‪ ،‬واملنفعة مل ُت�س ّلم‪ ،‬فال‬
‫�أجرة(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬ميكن �أن يناق�ش ب�أن املنفعة ُ�س ّلمت؛ �إذ �إن العني قد ُ�س ّلمت للم�ست�أجر‬
‫ليح�صل منفعتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫اجلواب‪ :‬يجاب ب�أن املعقود عليه هو املنفعة‪ ،‬وقد يح�صل ت�سليم العني دون‬
‫مت ّكن امل�ست�أجر من ا�ستيفاء املنفعة‪ ،‬فال قيمة حينئذ لت�سليم العني‪ ،‬كما لو‬
‫و�س ّلم للم�ست�أجر‪ ،‬لكن من دون‬ ‫كان عقد الإجارة على منزل �أو حمل جتاري‪ُ ،‬‬
‫�إي�صال اخلدمات املعروفة كاملة‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬ا�ستدلوا بالقيا�س على النكاح‪ ،‬ف�إن امل�ست�أجر ُمنع من ا�ستيفاء‬
‫املنفعة‪ ،‬فثبت له حق الف�سخ‪ ،‬كالزوج(((‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪� :‬أن املنافع ت�ستوفى على ملك امل�ؤجر‪ ،‬وقد تعذر ا�ستيفاء املنافع‪،‬‬
‫ف�صار كتلف العني‪ ،‬وثبت الف�سخ(((‪.‬‬
‫رواه م�سلم يف �صحيحه يف املو�ضع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)244/30‬‬ ‫(((‬
‫عموما‪ ،‬وابن تيمية يقرر �أن هذه ال�صورة تعد جائحة‪ ،‬وي�ستدل‬
‫هذا على مذهب القائلني بو�ضع اجلوائح ً‬ ‫(((‬
‫للف�سخ فيها ب�أدلة و�ضع اجلوائح‪ .‬انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)263/30‬‬
‫ُ‬
‫و�أما املذاهب فال َت ُع ّد هذه ال�صورة من اجلوائح التي تو�ضع‪ ،‬ويفرقون ب�أن البيع قد قب�ض فيه املعقود‬
‫عليه‪ ،‬و�أما الإجارة ف�إمنا تُقب�ض املنفعة �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬ولذا يقررون حق الف�سخ يف الإجارة‪ ،‬مع �أن بع�ضهم‬
‫ال يقول بو�ضع اجلوائح يف البيع‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املعونة‪ ،‬القا�ضي عبدالوهاب (‪.)1093/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪.)541/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اجلامع‪ ،‬ابن يون�س (‪)199 /16‬؛ الذخرية‪ ،‬القرايف (‪)538/5‬؛ التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪)541/5‬؛‬ ‫(((‬
‫منح اجلليل‪ ،‬علي�ش (‪.)521/7‬‬

‫‪507‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫دليل القول الثاين‪:‬‬


‫�أن قب�ض الأوائل كقب�ض الأواخر(((‪ ،‬ف�إذا كان قب�ض �أول املنفعة بقب�ض العني ف�إنه‬
‫كاف ويع ّد قب�ضً ا للمنفعة كاملة �إلى �آخرها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫املناق�شة‪ :‬نوق�ش ب�أن هذا منقو�ض بالإجماع على الف�سخ بتلف العني(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪ :‬الذي يظهر هو رجحان القول الأول؛ لقوة �أدلته‪ ،‬وورود املناق�شة على‬
‫دليل املخالف‪ ،‬وكونه املوافق لقواعد ال�شريعة و�أ�صولها‪ ،‬ولكن هذا م�شروط بتعذر‬
‫�إم�ضائه‪ ،‬كما �سي�أتي‪.‬‬
‫هذا وقد نظر املجمع الفقهي الإ�سالمي التابع لرابطة العامل الإ�سالمي يف دورته‬
‫اخلام�سة املنعقدة يف عام ‪1402‬هـ يف م�س�ألة الظروف الطارئة وت�أثريها يف احلقوق‬
‫وااللتزامات العقدية‪ ،‬وقرر ا�ستنادًا �إلى جملة من التقريرات الفقهية التي يجمعها‬
‫تخفيف التزامات العقود وو�ضع اجلوائح ورفع ال�ضرر عن املت�ضرر‪ :‬جوا َز التدخل يف‬
‫العقود املرتاخية التنفيذ ‪-‬كعقود التوريد والتعهدات واملقاوالت‪ -‬و�إجراء تعديل عادل‬
‫على احلقوق فيها وااللتزامات‪ ،‬وف�سخ العقد �إذا كان �أ�صلح و�أ�سهل‪ ،‬على �أن يكون هذا‬
‫التدخل من ِق َبل الق�ضاء‪.‬‬
‫وجاء يف ختام القرار‪“ :‬و�إن جمل�س املجمع الفقهي يرى يف هذا احلل امل�ستمد من‬
‫�أ�صول ال�شريعة حتقي ًقا للعدل الواجب بني طريف العقد‪ ،‬ومن ًعا لل�ضرر املرهق لأحد‬
‫العاقدين ب�سبب ال يد له فيه‪ ،‬و�أن هذا احلل �أ�شبه بالفقه ال�شرعي احلكيم‪ ،‬و�أقرب‬
‫�إلى قواعد ال�شريعة ومقا�صدها العامة وعدلها”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪ .)541/5‬وهذه قاعدة يذكرها املالكية ويختلفون يف القول بها ويف بع�ض‬
‫�صورها‪ .‬انظر‪ :‬القواعد‪ ،‬املقري (�ص‪ )323‬القاعدة ال�ساد�سة بعد ال�ستمئة؛ �إي�ضاح امل�سالك‪ ،‬الون�شري�سي‬
‫(�ص‪ )360‬القاعدة ال�ساد�سة والت�سعون؛ معلمة زايد للقواعد (‪.)436 -429 /16‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومعنى القاعدة‪� :‬إذا كان املعقود عليه مما ال ُيقب�ض دفعة واحدة‪ ،‬و�إمنا ُيقب�ض �شيئا ف�شيئا‪ ،‬فهل يعترب‬
‫قب�ض �أوائل �أجزائه قب�ضً ا لآخرها؟‬
‫((( انظر‪ :‬التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪ ،)541/5‬وانظر ‪-‬يف دعوى الإجماع‪ :-‬املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪ ،)28/8‬جمموع‬
‫الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)155/30‬‬
‫((( القرار ال�سابع‪ ،‬الدورة اخلام�سة‪1402 ،‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬قرارات املجمع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة‬
‫(�ص ‪.)110-104‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪508‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫ثم يت�صل برتجيح القول بعدم لزوم العقد م�سائل‪:‬‬


‫الأولى‪ :‬هل ينف�سخ العقد تلقائ ًيا �أو يكون موقو ًفا على اختيار امل�ست�أجر؟‬
‫ين�ص املالكية يف �أمر ال�سلطان بغلق احلوانيت على �أن الإجارة ُتف�سخ(((‪،‬‬
‫وكذا يقرر احلنابلة عند احلديث عن اخلوف العام(((‪.‬‬
‫قال الدردير‪“ :‬وف�سخت بغ�صب الدار امل�ست�أجرة وغ�صب منفعتها �إذا كان‬
‫الغا�صب ال تناله الأحكام‪ ،‬وف�سخت ب�أمر ال�سلطان‪� ،‬أي‪ :‬من له �سلطنة وقهر‪،‬‬
‫ب�إغالق احلوانيت بحيث ال يتمكن م�ست�أجرها من االنتفاع بها”(((‪.‬‬
‫قال الد�سوقي يف حا�شيته مع ِّل ًقا‪“ :‬ثم اعلم �أن حمل ف�سخ الإجارة بغ�صب‬
‫العني امل�ست�أجرة �أو غ�صب منفعتها �إذا �شاء امل�ست�أجر‪ ،‬و�إن �شاء بقي على‬
‫�إجارته‪...‬فمعنى الف�سخ يف هذه امل�سائل‪� :‬أنها معر�ضة للف�سخ‪ ،‬ال �أنها تف�سخ‬
‫بالفعل”(((‪.‬‬
‫وقال البهوتي يف �شرح املنتهى‪“ :‬وحدوث خوف عام مينع االنتفاع مب�ؤجرة‬
‫كغ�صب‪ ،‬فللم�ست�أجر اخليار”(((‪.‬‬
‫ومل �أقف على ن�ص للحنفية وال�شافعية يف هذه امل�س�ألة‪ ،‬وتخريج احلكم يف‬
‫امل�س�ألة على م�س�ألة الغ�صب حمتمل(((‪:‬‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري‪ ،‬الدردير (‪.)31/4‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ال�شرح الكبري‪ ،‬ابن �أبي عمر (‪)459/14‬؛ الإن�صاف‪ ،‬املرداوي (‪)460/14‬؛ ك�شاف القناع‬ ‫(((‬
‫(‪)125/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)60/4‬‬
‫ال�شرح الكبري‪ ،‬الدردير (‪.)31/4‬‬ ‫(((‬
‫حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪ ،‬الد�سوقي (‪.)31/4‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)60/4‬‬ ‫(((‬
‫ولذا يقرن �أكرث العلماء بني ال�صورتني يف كالمهم‪ ،‬كما ترى يف بع�ض الن�صو�ص التي �سيقت يف هذا البحث‪.‬‬ ‫(((‬
‫قال ابن قدامة يف املقنع‪“ :‬قال اخلرقي‪ :‬ف�إن جاء �أمر غالب يحجز امل�ست�أجر عن منفعة ما وقع عليه‬
‫العقد‪ ،‬فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه”‪ .‬املقنع (‪.)460/14‬‬
‫وقد علق املرداوي على �إيراد املوفق لكالم اخلرقي اً‬
‫قائل‪“ :‬كالمه �أعم من كالم امل�صنف هنا؛ لأنه‬
‫�شمل الغ�صب وغريه‪ ،‬فذلك ا�ست�شهد به امل�صنف”‪ .‬الإن�صاف (‪.)460/14‬‬

‫‪509‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫فاملذهب عند احلنفية �أن العقد ينف�سخ بالغ�صب‪ ،‬ويف املذهب قو ٌل �أنه ال‬
‫ينف�سخ �إال بالف�سخ(((‪.‬‬
‫وعند ال�شافعية ال ينف�سخ �إال باختيار امل�ست�أجر(((‪.‬‬
‫ويحتمل عدم تخريج امل�س�ألة على م�س�ألة الغ�صب؛ لأنه ميكن مطالبة الغا�صب‬
‫بالأجرة؛ ولذا ين�ص الفقهاء على �أن للم�ست�أجر الإبقاء على العقد مع مطالبة‬
‫الغا�صب ب�أجرة املثل(((‪.‬‬
‫قال البهوتي‪“ :‬وال ينف�سخ العقد مبجرد غ�صب؛ لأن املعقود عليه مل يفت مطل ًقا‪،‬‬
‫بل �إلى بدل‪ ،‬وهو القيمة‪ ،‬ف�أ�شبه ما لو �أتلف �آدمي املبيع بكيل ونحوه”(((‪.‬‬
‫و�أما يف م�س�ألة منع ال�سلطان‪ ،‬فلي�س َث ّم من يطا َلب ب�أجرة فرتة تعذر االنتفاع‪.‬‬
‫وثمرة اخلالف يف امل�س�ألة‪� :‬أن العني لو عادت قبل انق�ضاء املدة‪ ،‬فهل يعود‬
‫امل�ست�أجر �إليها بعقده الأول‪� ،‬أو ال بد من ر�ضا امل�ؤجر؟‬
‫فمن قال بانف�ساخ العقد مينع من عود امل�ست�أجر �إال بر�ضا امل�ؤجر‪ ،‬ومن قال‬
‫بثبوت حق الف�سخ للم�ست�أجر يقرر ب�أن للم�ست�أجر االنتفاع بالعني بعد عودها‪،‬‬
‫ما دام مل يف�سخ‪ ،‬ولي�س للم�ؤجر منعه(((‪.‬‬
‫والذي يظهر �أن العقد �إذا بقي من مدته �شيء ذو قيمة‪ ،‬ف�إن الف�سخ ال يثبت‬
‫فيه ابتدا ًء؛ لأمور‪:‬‬
‫‪�1.1‬أنه ال يوجد دليل �شرعي على الف�سخ‪ ،‬ومل يتطرق �إلى العقد ما يف�سده‪،‬‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق‪ ،‬ابن جنيم (‪ ،)512/7‬تكملة البحر الرائق‪ ،‬الطوري (‪ ،)10/8‬الدر املختار‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)16/9‬حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪.)16/9‬‬
‫انظر‪ :‬البيان‪ ،‬العمراين (‪)364/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي (‪)171/6‬؛ رو�ضة الطالبني‪ ،‬النووي (‪.)242/5‬‬ ‫(((‬
‫‪-‬مثل‪ :-‬حا�شية الد�سوقي‪ ،‬الد�سوقي (‪)31/4‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي (‪)171/6‬؛ �شرح املنتهى‪،‬‬‫انظر اً‬ ‫(((‬
‫البهوتي (‪.)59/4‬‬
‫�شرح املنتهى (‪ .)59/4‬وانظر‪ :‬املراجع ال�سابقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تكملة البحر الرائق‪ ،‬الطوري (‪ ،)10/8‬حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)16/9‬؛ العزيز‪،‬‬ ‫(((‬
‫الرافعي (‪)171/6‬؛ رو�ضة الطالبني‪ ،‬النووي (‪.)243/5‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪510‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫وغاية ما طر�أ عليه‪ :‬تع ّذر املنفعة يف بع�ض مدته‪ ،‬في�سقط من الأجرة‬
‫مبقدارها‪ ،‬ويبقى العقد كما هو‪ ،‬ويحفظ بهذا حق العاقدين كليهما‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن الأ�صل هو بقاء العقد‪ ،‬وال�شريعة تت�ش ّوف �إلى �إم�ضاء العقود وت�صحيحها‬
‫وا�ستقرارها ما �أمكن‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن هذا هو مقت�ضى العدل‪ ،‬وال�شريعة قد جاءت بالعدل ورعاية املتعاقدين‬
‫ودفع ال�ضرر عنهما ورفعه بعد وقوعه؛ و“امل�ؤاجرة مبناها على املعادلة‬
‫وامل�ساواة بني اجلانبني‪ ،‬مل يبذل �أحدهما ما بذله �إال ليح�صل له ما طلبه‪،‬‬
‫طالب مطلوب”(((‪.‬‬
‫فك ٌل منهما �آخ ٌذ ُم ْع ٍط‪ٌ ،‬‬
‫‪�4.4‬أن الإجراءات االحرتازية لو انق�ضت �سري ًعا‪ ،‬ف�إن العقد مل يت�أثر‪ ،‬بخالف‬
‫ما لو اختار امل�ست�أجر الف�سخ‪� ،‬أو قيل بانف�ساخ العقد‪.‬‬
‫ف�إذا مل ير�ض الطرفان‪� ،‬أو تعذر �إ�سقاط الأجرة عن مدة تعذر االنتفاع‪،‬‬
‫فيمكن �أن ي�صار �إلى الف�سخ‪.‬‬
‫و�أما �إذا كانت مدة العقد قد انتهت‪ ،‬فال خيار �إال �إ�سقاط ح�صة من الأجرة‬
‫تقابل املنفعة املتعذرة‪.‬‬
‫الثانية‪� :‬أن الأجرة ‪-‬يف م�س�ألة منع ال�سلطان وم�س�ألة الغ�صب‪ -‬ت�سقط كاملة �إذا‬
‫كان الف�سخ �أول العقد‪ ،‬و�إذا كان قد م�ضت مدة من العقد ميكن االنتفاع بها‪،‬‬
‫ف�إن الف�سخ يكون ملا بقي‪ ،‬وتثبت �أجرة ما م�ضى بق�سطه(((‪.‬‬
‫قال الدردير‪“ :‬و ُف�سخت الإجارة بتعذر ما ي�ستوفى منه املنفعة‪ ...‬والتعذر‬
‫�أعم من التلف‪ ،‬في�شمل ال�ضياع واملر�ض والغ�صب وغلق احلوانيت قه ًرا وغري‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)266/30‬‬
‫((( انظر‪ :‬االختيار‪ ،‬املو�صلي (‪)143/2‬؛ البحر الرائق‪ ،‬ابن جنيم (‪)512/7‬؛ الذخرية (‪)538/5‬؛ منح‬
‫اجلليل‪ ،‬علي�ش (‪)521/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي (‪)171/6‬؛ رو�ضة الطالبني‪ ،‬النووي (‪)242/5‬؛ خمت�صر‬
‫اخلرقي‪ ،‬اخلرقي (‪)27/8‬؛ الإن�صاف‪ ،‬املرداوي (‪.)460/14‬‬

‫‪511‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫ذلك مما ي�أتي‪ ،‬و�إذا ف�سخت رجع للمحا�سبة باعتبار ما ح�صل من املنفعة‬
‫وما مل يح�صل”(((‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية‪�“ :‬إذا ا�ست�أجر ما تكون منفعة �إيجاره للنا�س‪ ،‬مثل‪ :‬احلمام‬
‫والفندق والقي�سارية ونحو ذلك‪ ،‬فنق�صت املنفعة املعروفة‪ ،‬مثل‪� :‬أن ينتقل جريان‬
‫املكان ويق ّل الزبون خلوف �أو خراب �أو حتويل ذي �سلطان لهم ونحو ذلك‪ ،‬ف�إنه‬
‫يحط عن امل�ست�أجر من الأجرة بقدر ما نق�ص من املنفعة املعروفة”(((‪.‬‬
‫ويكون ح�ساب الأجرة بق�سمتها على الزمن �إن كانت قيمة املنفعة ال تختلف‬
‫باختالف زمن العقد‪ ،‬و�إن كانت تتفاوت باختالف زمن العقد‪ ،‬كحال بع�ض‬
‫املواقع التي ترتفع �أجرتها يف املوا�سم‪ ،‬ف�إن القيمة تق�سم على مدة العقد‪،‬‬
‫بحيث حتدد ن�سبة كل فرتة من فرتاته‪ ،‬ثم حت�سب الأجرة بالن�سبة كح�ساب‬
‫الن�سبة يف القيمة(((‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪� :‬إذا كانت قيمة منفعة املوقع يف ال�صيف �ضعفي قيمتها يف‬
‫ال�شتاء‪ ،‬فهذا يعني �أن �أجرته تق�سم �أثال ًثا‪ :‬ثلثان لل�صيف‪ ،‬وثلث لل�شتاء‪ ،‬فلو‬
‫كان تعذر االنتفاع خالل فرتة ال�صيف‪ ،‬ف�إنه ُي�س ِقط من الأجرة ثلثيها‪ ،‬كما‬
‫هو احلال يف بع�ض املواقع التجارية يف امل�صايف‪ ،‬التي يكون ج ّل ن�شاطها‬
‫التجاري خالل �أ�شهر ال�صيف‪.‬‬
‫الثالثة‪� :‬إذا انتهت الإجراءات االحرتازية قبل الف�سخ‪ ،‬فال يحق للم�ست�أجر الف�سخ‬
‫املوجب للف�سخ قد زال‪ ،‬وال يزال العقد قائ ًما‪ ،‬فال‬
‫‪-‬على القول به‪-‬؛ لأن العذر ِ‬
‫موجب للف�سخ(((‪.‬‬
‫يوجد ِ‬
‫ال�شرح ال�صغري‪ ،‬الدردير (‪.)49/4‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى (‪.)311/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التهذيب‪ ،‬الرباذعي (‪)487/3‬؛ جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪)298 ،257 ،187/30‬؛ ك�شاف‬ ‫(((‬
‫القناع‪ ،‬البهوتي (‪)120/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)55-54/4‬‬
‫انظر‪ :‬البناية‪ ،‬العيني (‪)342/10‬؛ حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)108 ،60/9‬؛ الذخرية‪ ،‬القرايف‬ ‫(((‬
‫(‪)535 ،533/5‬؛ التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪)532/5‬؛ رو�ضة الطالبني‪ ،‬النووي (‪)243/5‬؛ مغني املحتاج‪=،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪512‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫وهذا ال مينع حقه يف �إ�سقاط ق�سط من الأجرة مقابل ما تعذر االنتفاع به‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫(((‬
‫�ضابط تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الأعيان امل�ؤجرة‬

‫تقدم احلديث يف املطلب ال�سابق عن تعذر ا�ستيفاء املنفعة ب�سبب الإجراءات‬


‫االحرتازية املفرو�ضة ملنع انت�شار الوباء‪.‬‬
‫معنى ي�شمل �صو ًرا‬
‫وقبل احلديث عن �ضابط التعذر‪ ،‬يح�سن البيان ب�أن التعذر ً‬
‫نف�سها‪ ،‬كما �أن فوات املنفعة دون ا�ستيفاء يعد تل ًفا؛ لأن‬
‫متعددة‪ ،‬منها‪ :‬تلف املنفعة ِ‬
‫املنفعة معنى من املعاين‪ ،‬ف�إذا مر جزء من الوقت دون ا�ستيفا ِء ما يقابله من املنفعة‪،‬‬
‫ف�إن هذا اجلزء من املنفعة قد تلف‪ ،‬وال ميكن ا�ستيفا�ؤه �أو �إعادته(((‪.‬‬
‫و�أ�ش ّد من تلف املنفعة وفواتها‪ :‬تلف العني‪ ،‬وكل ذلك يعترب تعذ ًرا يف ا�ستيفاء‬
‫املنفعة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد ن�ص الفقهاء على م�س�ألة تلف املنفعة‪ ،‬ونقل ابن تيمية الإجماع‬
‫فيها على �سقوط الأجرة يف غري مو�ضع‪.‬‬
‫قال ‪“ :‬لو تلفت املنافع قبل اال�ستيفاء �سقطت الأجرة باالتفاق”(((‪.‬‬
‫وقال ‪“ :‬اتفق الأئمة على �أن املنفعة �إمنا تقب�ض القب�ض امل�ضمون على‬
‫امل�ست�أجر �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬ولهذا اتفقوا على �أنه �إذا تلفت العني �أو تعطلت املنفعة �أو‬
‫بع�ضها يف �أثناء املدة �سقطت الأجرة �أو بع�ضها �أو ملك الف�سخ”(((‪.‬‬
‫= ال�شربيني (‪)458/2‬؛ ال�شرح الكبري‪ ،‬ابن �أبي عمر (‪)458/14‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)60/4‬‬
‫البحث هنا مق�صور على ما �إذا كان التعذر ب�سبب الإجراءات االحرتازية ونحوها من اجلوائح والأ�سباب‬ ‫(((‬
‫ال�سماوية القاهرة‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا‪ :‬ميكن نقل الإجماع هنا �إلى امل�س�ألة ال�سابقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى (‪.)155/30‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى (‪.)296/30‬‬ ‫(((‬

‫‪513‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫وقال ‪�“ :‬إذا تعطلت منفعتها بغرق �أو غريه‪ ،‬مل يجب عليه �أجرة ما تعطل‬
‫من املنفعة‪ ،‬باتفاق امل�سلمني”(((‪.‬‬
‫وذكر ‪� ‬أن زوال نفع العني اً‬
‫كامل كتلفها(((‪ ،‬ال فرق بني احلالني عند �أحد‬
‫من العلماء(((‪ ،‬ولذا م ّثل لتلف املنفعة بتلف العني يف مو�ضع �آخر‪ ،‬فقال‪“ :‬وقد اتفق‬
‫العلماء على �أن املنفعة يف الإجارة �إذا تلفت قبل التمكن من ا�ستيفائها‪ ،‬ف�إنه ال جتب‬
‫�أجرة ذلك‪ ،‬مثل‪� :‬أن ي�ست�أجر حيوا ًنا فيموت قبل التمكن من االنتفاع”(((‪.‬‬
‫ومن �أمثلة تلف املنفعة‪� :‬أن يت�سبب حظر التجول يف عدم خروج م�ست�أجر الأر�ض‬
‫�إليها لإعدادها وتقليبها وحرثها و�إي�صال املاء �إليها‪ ،‬فيت�سبب هذا يف ف�ساد الرتبة �أو‬
‫فوات وقت البذر �أو نحو ذلك‪ ،‬وي�ستغرق ذلك مدة العقد �أو �أكرثها‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬م�ست�أجر امل�صنع ينقطع عنه م�ضط ًرا باملنع من التجول‪ ،‬فيت�سبب االنقطاع‬
‫يف تعطل بع�ض الآالت واحتياجها �إلى �صيانة وتبديل لأجزاء منها‪ ،‬وي�ضيع من ذلك‬
‫مدة العقد �أو �أكرثها‪.‬‬
‫�إذا تبني هذا‪ ،‬ف�إن �ضابط التعذر يختلف باختالف املنفعة املعقود عليها‪ ،‬وميكن‬
‫‪-‬بالنظر �إلى كالم الفقهاء والأمثلة التي ي�ضربونها‪ -‬جعل املنفعة ق�سمني‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬منفعة ميكن �أن تتجز�أ �إلى �أجزاء �صغرية منف�صلة ال يبنى بع�ضها‬
‫على بع�ض‪ .‬وميكن �ضبط هذا الق�سم ب�أمرين‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن ُيت�صور �إيقاع العقود مددًا ق�صرية وطويلة على بع�ض تلك الأجزاء‪،‬‬
‫فيمكن اً‬
‫‪-‬مثل‪ -‬العقد عليها بال�ساعات �أو بالأيام �أو بالأ�سابيع ونحو ذلك‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن ميكن تق�سيط الأجرة وتق�سيمها على �أجزاء املنفعة‪ ،‬وال يلزم كون‬
‫جمموع الفتاوى (‪ ،)307/30‬وانظر ‪�-‬أي�ضً ا‪)312 ،308 ،304 ،293 ،288 ،261 ،257 ،238/30( :-‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪ .)289/30‬وانظر ‪�-‬أي ضً� ا‪ :-‬املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)29/8‬‬ ‫(((‬
‫ُنقل الإجماع على انف�ساخ الإجارة بتلف العني يف‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬املاوردي (‪)398/7‬؛ اال�ستذكار‪ ،‬ابن‬ ‫(((‬
‫عبدالرب (‪)172/19‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)28-27/8‬‬
‫جمموع الفتاوى (‪.)238/30‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪514‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫الأجرة تنق�سم بالت�ساوي على �أجزاء املنفعة‪ ،‬بل ميكن �أن تكون منفعة‬
‫ال�صيف �أعلى �أجرة من منفعة ال�شتاء‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ومن �أمثلة هذا الق�سم‪ :‬منفعة ال�سكنى‪ ،‬ومنفعة الركوب‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذا الق�سم �إذا تعذر فيه ا�ستيفاء املنفعة‪ ،‬ف�إنه ميكن �إ�سقاط �أجرة ما‬
‫تعذر ا�ستيفا�ؤه بق�سطه‪ ،‬كما تقدم يف املطلب ال�سابق‪� :‬إن كان قبل التمكن‬
‫من اال�ستيفاء ف�إن الأجرة ال جتب كلها‪ ،‬و�إن �أمكن االنتفاع بع�ض املدة‪،‬‬
‫ُح ّط من الأجرة بق�سطها(((‪.‬‬
‫الق�سم الثاين‪ :‬منفعة ترتكب من �أجزاء مت�صلة‪ ،‬يك ّمل بع�ضها بع ضً� ا للو�صول �إلى‬
‫كمال املنفعة املعقود عليها‪ .‬و�ضبط هذا الق�سم ب�أن ال ينطبق عليه �ضابط‬
‫الق�سم الأول‪.‬‬
‫ومن �أمثلة هذا الق�سم‪ :‬منفعة زرع الأر�ض‪ ،‬وهو �أو�ضح �أمثلته و�أكرثه يف كالم‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫وميكن التمثيل له ‪�-‬أي�ضً ا‪ :-‬مبنفعة الإنتاج بوا�سطة �آالت امل�صنع‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وقبل بيان احلكم هنا‪ ،‬ال بد من التنبه �إلى حتديد املنفعة املعقود عليها‬
‫بالن�ص يف العقد �أو بالعرف‪ ،‬ف�إن ا�ستئجار الأر�ض للزراعة يختلف عن‬
‫م�ستودعا �أو موق ًفا لل�سيارات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ا�ستئجارها‬
‫وال بد ‪�-‬أي ضً� ا‪ -‬من معرفة الوقت الذي تعذرت فيه‪ ،‬ولتعذر املنفعة يف هذا‬
‫الق�سم ‪-‬يف �ضوء كالم الفقهاء‪ -‬ثالثة �أوقات(((‪:‬‬
‫الوقت الأول‪� :‬أن يكون ّ‬
‫تعذرها قبل التمكن من ا�ستيفاء جزءٍ ذي قيم ٍة‬
‫((( انظر‪ :‬االختيار‪ ،‬املو�صلي (‪)143/2‬؛ البحر الرائق‪ ،‬ابن جنيم (‪)512/7‬؛ الذخرية (‪)538/5‬؛ منح‬
‫اجلليل‪ ،‬علي�ش (‪)521/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي (‪)171/6‬؛ رو�ضة الطالبني‪ ،‬النووي (‪)242/5‬؛ خمت�صر‬
‫اخلرقي‪ ،‬اخلرقي (‪)27/8‬؛ الإن�صاف (‪.)460/14‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)262-261 /30‬‬

‫‪515‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫منها‪ ،‬فاحلكم فيه كاحلكم يف الق�سم الأول �إذا تعذر االنتفاع من �أول‬
‫العقد(((‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪� :‬أن يت�سبب حظر التجول يف عدم خروج م�ست�أجر الأر�ض‬
‫�إليها لإعدادها وتقليبها وحرثها و�إي�صال املاء �إليها‪ ،‬فيت�سبب هذا يف‬
‫ف�ساد الرتبة �أو فوات وقت البذر �أو غرق الأر�ض �أو نحو ذلك‪ ،‬وي�ستغرق‬
‫ذلك مدة العقد �أو �أكرثها‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬م�ست�أجر امل�صنع ينقطع عنه م�ضط ًرا باملنع خالل فرتة حظر‬
‫التجول‪ ،‬فيت�سبب االنقطاع يف تعطل بع�ض الآالت واحتياجها �إلى �صيانة‬
‫وتبديل لأجزاء منها‪ ،‬وي�ضيع من ذلك مدة العقد �أو �أكرثها‪.‬‬
‫الوقت الثاين‪� :‬أن يكون تع ّذرها بعد ا�ستيفائها كاملة وفق من�صو�ص العقد �أو‬
‫العرف‪ ،‬فاحلكم فيه �أن الأجرة تثبت كاملة‪ ،‬وما تع ّذر ال قيمة له؛ لأنه‬
‫خارج من�صو�ص العقد �أو لأن العرف ال يعتربه‪.‬‬
‫ومثاله‪� :‬أن يح�صد م�ست�أجر الأر�ض ما زرعه فيها‪ ،‬ويجمع املح�صول‬
‫وين�شره يف ال�شم�س ليجف‪ ،‬ثم يمُ َنع من املجيء �إلى الأر�ض ب�سبب‬
‫الإجراءات االحرتازية مد ًة يتلف ب�سببها احلب �أو ي�أكله الطري �أو‬
‫نحو ذلك‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬م�ست�أجر امل�صنع الذي �أكمل مراحل الإنتاج‪ ،‬وجعل املنتج‬
‫متهيدا لتوزيعه �أو ت�صديره‪ ،‬فجاءت الإجراءات‬ ‫ً‬ ‫النهائي جان ًبا‬
‫االحرتازية التي منعته من القدوم مل�صنعه‪ .‬وملا عاد ‪-‬بعد رفع احلظر‪-‬‬
‫وجد الإنتاج تال ًفا ب�سبب القوار�ض �أو طول املكث دون حتريك �أو تربيد‬
‫�أو نحو ذلك‪.‬‬
‫الوقت الثالث‪� :‬أن يكون تع ّذرها بني الوقتني‪ ،‬ك�أن يتلف الزرع �أو ت�صيبه �آفة‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)16/9‬؛ التهذيب‪ ،‬الرباذعي (‪.)488 ،487/4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪516‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫يف مرحلة من املراحل التي ت�سبق ح�صده‪� ،‬أو يتعطل �إنتاج امل�صنع يف‬
‫مرحلة من املراحل التي ت�سبق اكتمال املنتج(((‪.‬‬
‫ويف هذا الوقت وقع اختالف الفقهاء يف �سقوط الأجرة �أو ثبوتها‪ ،‬وتناق�ض كالم‬
‫بع�ضهم‪ ،‬ويزداد االختالف كلما �أو�شكت املنفعة على االكتمال‪.‬‬
‫و�سبب اخلالف يعود �إلى ما يح�صل به ا�ستيفاء املنفعة‪� ،‬أهو بالبدء يف حت�صيلها‬
‫�أم باكتمالها؟ فمن قرر الأول �أثبت الأجرة‪ ،‬ومن قرر الثاين �أ�سقطها‪ ،‬ومنهم من‬
‫ف ّرق بني �صور و�صور‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف هذه امل�س�ألة على �أقوال �أربعة‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن الأجرة تثبت كاملة‪ ،‬وهذا مروي عن حممد بن احل�سن(((‪ ،‬وبه‬
‫قالت ال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬
‫مثل ما تعذر‪،‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أنه يلزمه �أجرة ما م�ضى‪� ،‬إن مل يتمكن من ا�ستيفاء ِ‬
‫مثل ما �أتلفته ال�سماء من‬ ‫فلو مل يتمكن يف الأر�ض امل�ؤجرة اً‬
‫‪-‬مثل‪ -‬من زرع ِ‬
‫قال ابن تيمية‪“ :‬و�أما �إذا جاء جي�ش عام ف�أف�سد الزرع‪ ،‬فهذه �آفة �سماوية‪ ،‬ف�إن هذا ال ميكن ت�ضمينه‪،‬‬ ‫(((‬
‫وال االحرتاز منه‪ .‬ونظريه‪� :‬أن يجيء جي�ش عام فيخرج النا�س من م�ساكنهم التي ي�سكنونها”‪ .‬جمموع‬
‫الفتاوى (‪.)263/30‬‬
‫انظر‪ :‬املحيط الربهاين‪ ،‬ابن مازه (‪)508/7‬؛ حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪.)16/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬املاوردي (‪)463-462/7‬؛ البيان‪ ،‬العمراين (‪)361/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي‬ ‫(((‬
‫(‪)163/6‬؛ رو�ضة الطالبني (‪ .)240/5‬وا�ستثنوا ما �إذا تلفت الأر�ض نف�سها باجلائحة فبطلت قوة‬
‫الإنبات فيها‪ ،‬ف�إن الإجارة تنف�سخ فيما بقي من العقد‪ .‬و�أما الأجرة‪ :‬ف�إن كان تلف الأر�ض �ساب ًقا لتلف‬
‫الزرع ا�سرتد الأجرة كاملة‪ ،‬و�إن كان تلف الزرع �ساب ًقا لتلف الأر�ض وتعذر �إبداله قبل االنف�ساخ بتلفها‪،‬‬
‫مل ي�سرتد عما قبل التلف �شي ًئا؛ لأن �صالحية الأر�ض لو بقيت مل يكن للم�ست�أجر فيها نفع بعد فوات‬
‫الزرع‪ ،‬وي�سرتد ما يقابل ما بعد التلف؛ لبطالن العقد فيه‪ .‬انظر‪ :‬رو�ضة الطالبني (‪)240/5‬؛ مغني‬
‫املحتاج‪ ،‬ال�شربيني (‪)456/2‬؛ حا�شية ال�شرواين على حتفة املحتاج‪ ،‬ال�شرواين (‪.)187/6‬‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪)64-63/8‬؛ الفروع‪ ،‬ابن مفلح (‪)172/7‬؛ ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي‬ ‫(((‬
‫(‪)122/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪ .)58/4‬وقالوا‪ :‬ثم �إن �أمكنه االنتفاع بالأر�ض بقية املدة فله ذلك‪،‬‬
‫و�إن تعذر االنتفاع ب�سبب فوات وقت الزراعة فالأجرة ثابتة؛ لأن ال�سبب غري م�ضمون على امل�ؤجر‪ ،‬و�أما‬
‫�إن كان تعذر االنتفاع ب�سبب غرق الأر�ض �أو انقطاع مائها‪ ،‬فله اخليار فيما بقي؛ لأنه ملعنى يف العني‪.‬‬

‫‪517‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫الزرع �أو دونه يف ال�ضرر‪ ،‬فال يلزمه �إال �أجرة ما م�ضى‪ ،‬و�إن متكن فعليه‬
‫الأجرة كاملة‪ .‬وعلى هذا الفتوى عند احلنفية(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أن الأجرة تلزم امل�ست�أجر ولو �أ�صابت املعقود عليه جائحة �أو �آفة‬
‫�إال يف حالني‪:‬‬
‫‪�1.1‬إن كانت الآفة ن�ش�أت من املعقود عليه نف�سه‪ ،‬كما لو ن�ش�أ يف الأر�ض ف أ� ٌر‬
‫عط�ش ف�أف�سدها‪ ،‬فال �أجرة‪� ،‬سواء �أكانت �آفة الأر�ض حدثت‬ ‫�أو دو ٌد �أو ٌ‬
‫وحدها �أم بعد جائحة �سماوية كربد �أو جليد‪.‬‬
‫عطلت املعقود عليه وف ّوتت منفعته فلم يعد ممك ًنا‬ ‫‪�2.2‬إن كانت اجلائحة قد ّ‬
‫أر�ض �آفة قبل موعد احلرث ومل تنك�شف �إال‬ ‫االنتفاع به‪ ،‬كما لو �ضربت ال َ‬
‫بعد انق�ضاء موعده بحيث �صارت ال ميكن االنتفاع بها‪.‬‬
‫أر�ض بعد موعد احلرث‪� ،‬أو قبله وانك�شفت قبل‬ ‫ف�أما �إذا �أ�صابت ال َ‬
‫انق�ضاء موعده بحيث ميكنه حرثها مرة �أخرى‪ ،‬ف�إن الأجرة الزمة‪ .‬وهو‬
‫قول املالكية(((‪.‬‬
‫القول الرابع‪� :‬أن هذه جائحة توجب عدم لزوم الأجرة كامل ًة‪ ،‬و�إمنا ي�سقط كلها‬
‫�أو بع�ضها بح�سب ما فات من املنفعة‪ ،‬وهذا ر�أي ابن تيمية‪ ،‬وقال‪ :‬هو الأ�شبه‬
‫باملن�صو�ص والأ�صول(((‪ ،‬وذكر ‪-‬يف مو�ضع �آخر‪ -‬ب�أنه الأ�شبه بالكتاب وال�سنة‬
‫والعدل(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬الكا�ساين (‪)537/5‬؛ البناية‪ ،‬العيني (‪)341/10‬؛ حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن‬ ‫(((‬
‫عابدين (‪ .)104 ،16/9‬قال ابن عابدين‪“ :‬والظاهر �أن التقييد ب�إعادة مثل الأول �أو دونه مفرو�ض‬
‫نوعا خا صً� ا‪� ،‬أما لو قال‪ :‬على �أن �أزرع فيها ما �أ�شاء‪ ،‬فال يتقيد”‪.‬‬
‫فيما �إذا ا�ست�أجرها على �أن يزرع ً‬
‫انظر‪ :‬التهذيب‪ ،‬الرباذعي (‪)489/3‬؛ التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪)532/5‬؛ �شرح اخلر�شي على خليل‪ ،‬اخلر�شي‬ ‫(((‬
‫(‪)50/7‬؛ حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪ ،‬الد�سوقي (‪.)50/4‬‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)244/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪ ،)255/30‬وانظر ‪�-‬أي�ضً ا‪ .)300 ،262 ،257/30( :-‬قال ‪‬‬ ‫(((‬
‫يف (‪- )271-270/30‬عن و�ضع اجلوائح‪�“ :‬إنها ثابتة بالن�ص وبالعمل القدمي الذي مل ُيعلم فيها =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪518‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫الدليل الأول‪� :‬أن املنفعة مل تتلف‪ ،‬ف�إن املعقود عليه �سليم ميكن ا�ستيفاء منافعه‪،‬‬
‫و�إمنا حدثت اجلائحة يف مال امل�ست�أجر(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش ب�أدلة القول الرابع‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬أن هذا كما لو ا�ست�أجر دكا ًنا لبيع ب�ضاعته‪ ،‬فاحرتقت ب�ضاعته‪،‬‬
‫ف�إن الإجارة يف الدكان ال تنف�سخ‪ ،‬فكذا هنا(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬نوق�ش ب�أن املنفعة املق�صودة يف الدكان مل تتغري‪ ،‬ف�إنه ميكن �أن‬
‫ينتفع بها امل�ست�أجر �أو غريه‪ ،‬بخالف الآفة التي متنعه ومتنع غريه(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن �سبب التلف هنا غري م�ضمون على امل�ؤجر(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش ب�أن هذا ا�ستدالل مبحل النزاع‪.‬‬
‫= خمالف من ال�صحابة والتابعني‪ ،‬وبالقيا�س اجللي والقواعد املقررة‪ ،‬بل عند الت�أمل ال�صحيح لي�س‬
‫يف العلماء من يخالف هذا احلديث على التحقيق‪ .‬وذلك �أن القول به هو مذهب �أهل املدينة قد ًميا‬
‫وحدي ًثا‪ ،‬وعليه العمل عندهم من لدن ر�سول اهلل ﷺ �إلى زمن مالك وغريه‪ ،‬وهو م�شهور عن علمائهم‪:‬‬
‫كالقا�سم بن حممد‪ ،‬ويحيى بن �سعيد القا�ضي‪ ،‬ومالك و�أ�صحابه‪ ،‬وهو مذهب فقهاء احلديث‪ :‬كالإمام‬
‫�أحمد و�أ�صحابه و�أبي عبيد‪ ،‬وال�شافعي يف قوله القدمي‪ .‬و�أما يف القول اجلديد ف�إنه علق القول به على‬
‫ثبوته؛ لأنه مل يعلم �صحته‪ ،‬فقال ‪ :‬مل يثبت عندي �أن ر�سول اهلل ﷺ �أمر بو�ضع اجلوائح‪ ،‬ولو ثبت‬
‫مل �أَ ْعدُه‪ ،‬ولو كنت اً‬
‫قائل بو�ضعها‪ ،‬لو�ضعتها يف القليل والكثري‪ .‬فقد �أخرب �أنه �إمنا مل يجزم به؛ لأنه مل‬
‫يعلم �صحته‪ ،‬وعلق القول على ثبوته‪ ،‬فقال‪ :‬لو ثبت مل �أعده‪ .‬واحلديث ثابت عند �أهل احلديث مل يقدح‬
‫فيه �أحد من علماء احلديث‪ ،‬بل �صححوه ورووه يف ال�صحاح وال�سنن‪ ،‬رواه م�سلم و�أبو داود وابن ماجه‬
‫والإمام �أحمد‪ ،‬فظهر وجوب القول به على �أ�صل ال�شافعي”‪.‬‬
‫انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬املاوردي (‪)463-462/7‬؛ البيان‪ ،‬العمراين (‪)361/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي‬ ‫(((‬
‫(‪)163/6‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)64/8‬‬
‫انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬املاوردي (‪)463-462/7‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي (‪)163/6‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة‬ ‫(((‬
‫(‪.)64/8‬‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)262/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪)64-63/8‬؛ ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪)122/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي‬ ‫(((‬
‫(‪.)58/4‬‬

‫‪519‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫دليل القول الثاين‪:‬‬


‫ي�ستدل لهم ب�أن املنفعة ُتقب�ض �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬ف�إذا تعذر ا�ستيفاء ِ‬
‫مثل ما تلف‬
‫تبي ّنا �أن املنفعة مل تقب�ض‪ ،‬ف�سقطت �أجرة ما مل تقب�ض منفعته‪ ،‬وثبتت �أجرة‬
‫ما ُقب�ض‪.‬‬
‫و�أما �إذا �أمكنه ا�ستيفاء مثل التالف تبينّ �أنه �أمكن ا�ستيفاء املنفعة كاملة‪،‬‬
‫فثبتت الأجرة‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش ب�أنه ال ي�س ّلم ب�أن املنفعة ُقب�ضت‪� ،‬سوا ًء تعذر ا�ستيفاء ِ‬
‫مثل‬
‫ما تلف �أو مل يتعذر‪ ،‬ف�إن ا�ستوفى ثاني ًة فتلك منفعة �سوى التالفة‪ ،‬و�إن تعذر‬
‫اال�ستيفاء فهو عالمة على تلف املنفعة التي مل تقب�ض‪.‬‬
‫دليل القول الثالث‪:‬‬
‫�أنه قد ت�سلم جميع املنفعة ومتكن من الت�صرف �إال فيما ا�ستثني(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش ب�أنه ا�ستدالل مبحل النزاع‪.‬‬
‫�أدلة القول الرابع‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن جابر بن عبداهلل ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬لو بعت من‬
‫�أخيك ثم ًرا‪ ،‬ف�أ�صابته جائحة‪ ،‬فال يحل لك �أن ت�أخذ منه �شي ًئا‪ ،‬مب ت�أخذ مال‬
‫�أخيك بغري حق؟»(((‪.‬‬
‫ويف حديث جابر بن عبداهلل ‪� :‬أن النبي ﷺ �أمر بو�ضع اجلوائح(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن امل�ست�أجر مل يتمكن من القب�ض ب�سبب اجلائحة‪ ،‬وقد جاءت‬
‫ال�سنة بو�ضع اجلوائح‪ ،‬وجعلت �أخذ �شيءٍ من مال امل�سلم مقابل ما �أتلفته‬
‫اجلائحة � ً‬
‫أخذا ملاله بغري حق(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪)532/5‬؛ حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪ ،‬الد�سوقي (‪.)50/4‬‬ ‫(((‬
‫تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)268/30‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪520‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫الدليل الثاين‪� :‬أن املعقود عليه املق�صود بالعقد التمكن من االنتفاع بالعني �إلى‬
‫حني اكتمال املنفعة‪ ،‬كاحل�صاد يف الأر�ض‪ ،‬ف�إذا ح�صل للعني ما مينع هذه‬
‫املنفعة مطل ًقا‪ ،‬بطل املق�صود بالعقد قبل التمكن من ا�ستيفائه(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬نوق�ش ب�أن التمكن من االنتفاع قد ح�صل بقب�ض العني �أو التخلية‬
‫بينها وبني امل�ست� ِأجر‪ ،‬كما يح�صل يف الأر�ض بالتخلية وحرث الأر�ض وتقليبها‬
‫و�إلقاء البذر(((‪.‬‬
‫اجلواب‪� :‬أجيب ب�أنه لو كان ذلك القب�ض فقط هو املعقود عليه‪ ،‬لوجب �إذا‬
‫مثل‪� -‬أو ح�صل الغرق بعد ذلك �أن ال ميلك امل�ست�أجر‬‫انقطع املاء ‪-‬يف الأر�ض اً‬
‫الف�سخ‪ ،‬وال ي�سقط �شيء من الأجرة‪ ،‬ومل تقولوا به‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن هذه �آفة متنعه ومتنع غريه من االنتفاع‪ ،‬فهي مبنزلة تلف‬
‫العني(((‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪� :‬أن املق�صود املعقو َد عليه هو منفعة العني نف�سها وانتفاع امل�ست�أجر‬
‫بها‪ ،‬ولي�س جمرد فعل امل�ست�أجر ب�شق الأر�ض اً‬
‫‪-‬مثل‪ -‬و�إلقاء البذر‪ ،‬حتى يقال‬
‫ب�أنه �إذا فعل ذلك فقد ا�ستوفى املنفعة جميعها ولو ح�صل بعده ما يف�سد‬
‫الزرع ومينع االنتفاع به؛ لأن ذلك منقو�ض بانقطاع املاء بعد ذلك(((‪.‬‬
‫الدليل اخلام�س‪� :‬أن عمل امل�ست�أجر يف املعقود عليه مبنزلة �إ�سراج الدابة‬
‫امل�ست�أجرة و�إجلامها واقتيادها‪ ،‬ف�إن ذلك كله من عمل امل�ست�أجر ولي�س هو‬
‫املنفعة املق�صودة بالعقد‪ ،‬بل هو طريق �إلى االنتفاع بزرع الأر�ض وركوب‬
‫الدابة(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)293 ،262/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)293/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)262/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)296 ،294 ،293/30‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪.)297 -296/30‬‬ ‫(((‬

‫‪521‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫الرتجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر رجحانه هو القول الرابع‪ ،‬لقوة �أدلته وموافقته �أ�صول ال�شريعة وكونه‬
‫�أقرب للعدل‪.‬‬
‫وهذا عند النزاع‪ ،‬والأولى يف العقود بني امل�سلمني �أن يحمل القوي ال�ضعيف‬
‫ويتحمل الأغنى عمن هو �أقل منه اجلانب الأثقل يف اخل�سارة‪ ،‬وهو من �إح�سان امل�سلم‬
‫�إلى �أخيه‪.‬‬
‫كما ينبغي للجهات املعنية �أن تنظم العالقات التعاقدية وحتدد ما يلزم كل طرف‬
‫يف مثل هذه النوازل‪.‬‬
‫ثم �إنه ينبغي التفريق بني �ضمان ما تلف من املنفعة‪ ،‬و�ضمان ما تلف من الب�ضاعة‬
‫وترجح �أن �ضمان املنفعة التالفة من مال‬ ‫‪-‬مثل‪ ،-‬فالأول هو حمل البحث‪ّ ،‬‬ ‫�أو الزرع اً‬
‫امل�ؤجر‪ ،‬و�أما الثاين فال نزاع يف �أن امل�ؤجر ال ي�ضمن منه �شي ًئا‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪“ :‬و�أما ما تلف من الزرع فهو من �ضمان مالكه‪ ،‬ال ي�ضمنه له‬
‫رب الأر�ض باتفاق العلماء‪ .‬وملا ر�أى بع�ض العلماء اتفاق العلماء على هذا‪ ،‬ظن �أنهم‬
‫متفقون على �أنه ال ينق�ص من الأجرة امل�سماة بقدر ما نق�ص من املنفعة‪ ،‬ومل مييز‬
‫بني كون املنفعة م�ضمونة على امل�ؤجر حتى تنق�ضي املدة‪ ،‬بخالف الزرع نف�سه‪ ،‬ف�إنه‬
‫لي�س م�ضمو ًنا عليه”(((‪.‬‬
‫وقال يف مو�ضع �آخر‪“ :‬و�أما ما قد يتوهمه بع�ض النا�س �أن جائحة الزرع يف الأر�ض‬
‫قيا�سا على‬
‫امل�ست�أجرة تو�ضع من رب الأر�ض �أو يو�ضع من رب الأر�ض بع�ض الزرع ً‬
‫جائحة املبيع يف الثمر والزرع‪ ،‬فهذا غلط‪ ،‬ف�إن امل�شرتي للثمر والزرع ملك بالعقد‬
‫نف�س الثمر والزرع‪ ،‬ف�إذا تلفت قبل التمكن من القب�ض تلفت من ملك البائع‪ .‬و�أما‬
‫امل�ست�أجر ف�إمنا ا�ستحق بالعقد االنتفاع بالأر�ض‪ .‬و�أما الزرع نف�سه فهو ملكه احلادث‬
‫على ملكه‪ ،‬مل ميلكه بعقد الإجارة‪ ،‬و�إمنا َم َلك بعقد الإجارة املنفع َة التي تنبته �إلى‬
‫حني كمال �صالحه‪.‬‬
‫((( جمموع الفتاوى (‪.)258-257/30‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪522‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫فيجب الفرق بني جائحة الزرع والثمر امل�شرتى وبني اجلائحة يف منفعة الأر�ض‬
‫امل�ست�أجرة املزروعة‪ ،‬ف�إن هذا مزلة �أقدام وم�ضلة �أفهام‪ ،‬غلط فيها خالئق من‬
‫احلكام واملقومني واملجيحني واملالك وامل�ست�أجرين‪ ،‬حتى �إن بع�ضهم يظنون �أن‬
‫جائحة الإجارة للأر�ض املزروعة مبنزلة جائحة الزرع امل�شرتى‪ ،‬وبع�ض املتفقهة يظن‬
‫�أن الأر�ض املزروعة �إذا ح�صل بها �آفة منعت من كمال الزرع مل تنق�ص املنفعة ومل‬
‫يتلف �شيء منها‪ ،‬وكال الأمرين غلط ملن تدبر‪.‬‬
‫ونظري الأر�ض امل�ست�أجرة لالزدراع الأر�ض امل�ست�أجرة للغرا�س والبناء‪ ،‬ف�إن امل�ؤجر‬
‫ال ي�ضمن قيمة الغرا�س والبناء �إذا تلف‪ ،‬ولكن لو ح�صلت �آفة منعت كمال املنفعة‬
‫امل�ستحقة بالعقد‪ ،‬مثل �أن ي�ستويل عدو مينع االنتفاع بالغر�س والبناء �أو حت�صل �آفة‬
‫من جراد �أو �آفة تف�سد ال�شجر املغرو�س �أو ح�صل ريح يهدم الأبنية ونحو ذلك فهنا‬
‫نق�صت املنفعة امل�ستحقة بالعقد‪ ،‬نظري نق�ص املنفعة يف الأر�ض املزروعة‪.‬‬
‫وملا كان كثري من النا�س يتوهم �أن امل�ست�أجر تو�ضع عنه اجلائحة يف نف�س الزرع‬
‫والبناء والغرا�س كامل�شرتي‪ ،‬نفى ذلك العلماء‪ ،‬وي�شبه �أن يكون هذا معنى ما ن�ص‬
‫عليه �أحمد‪ ،‬ونقله �أ�صحابنا كالقا�ضي و�أبي حممد‪ ،‬فقد قالوا ‪-‬واللفظ لأبي حممد‪:-‬‬
‫(�إذا ا�ست�أجر �أر ضً� ا فزرعها فتلف الزرع فال �شيء على امل�ؤجر‪ .‬ن�ص عليه �أحمد وال‬
‫نعلم فيه خال ًفا‪ ،‬لأن املعقود عليه منافع الأر�ض ومل تتلف‪� ،‬إمنا تلف مال امل�ست�أجر‬
‫ليق�صر فيها ثيا ًبا فتلفت الثياب فيها)(((‪.‬‬
‫فيها‪ ،‬ف�صار كدار ا�ست�أجرها ّ‬
‫فهذا الكالم يقت�ضي �أن امل�ؤجر ال ي�ضمن �شي ًئا من زرع امل�ست�أجر‪ ،‬كما ي�ضمن‬
‫البائع بزرع امل�شرتي‪ ،‬ولذلك ذكر ذلك يف باب جوائح الأعيان‪ ،‬وعلل ذلك ب�أن التالف‬
‫�إمنا هو عني ملك امل�ست�أجر‪ ،‬ال املنفعة‪ .‬وهذا ح�سن يف نفي �ضمان نف�س الزرع‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك فيما �إذا تلف الزرع بعد كماله‪ .‬وقد ب ّينا فيما تقدم �أن نف�س املنفعة املعقود عليها‬
‫تنق�ص وتتعطل مبا ي�صيب الزرع من الآفة‪ ،‬فيحط من الأجرة بقدر ما نق�ص من‬
‫املنفعة‪.‬‬
‫((( املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)181/6‬‬

‫‪523‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫فما نفى فيه ال�شيخ اخلالف �ضمان نق�ص العني‪ ،‬ومل يذكر �ضمان نق�ص املنفعة‪،‬‬
‫لكن ذكره يف كتاب الإجارة‪ ،‬واملو�ضع مو�ضع ا�شتباه‪ ،‬ويف كالم �أكرث العلماء فيها‬
‫�إجمال‪ ،‬ومبا حققناه يت�ضح ال�صواب‪ ،‬واهلل ‪� ‬أعلم”(((‪.‬‬

‫((( جمموع الفتاوى (‪.)302-300 /30‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪524‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫املبحث الثاين‬
‫�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا‬
‫يف عقد الأجري‬

‫وحتته ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫�أنواع الأجراء‬

‫وحتته ثالث م�سائل‪:‬‬


‫امل�س�ألة الأولى‪ :‬الأجري اخلا�ص‪.‬‬
‫تنوعت عبارات الفقهاء يف التعريف بالأجري اخلا�ص‪ ،‬ولكنها متفقة يف املعنى‪،‬‬
‫فهي تفيد ب�أن الأجري اخلا�ص هو‪“ :‬الذي يقع العقد عليه يف مدة معلومة ي�ستحق‬
‫امل�ست�أجر نفعه يف جميعها”(((‪.‬‬
‫الوحد(((‪ ،‬وعند ال�شافعية‪:‬‬
‫وي�سمى عند احلنفية ‪�-‬أي ضً� ا‪� :-‬أجري الواحد‪ ،‬و�أجري ْ‬
‫الأجري املنفرد(((‪.‬‬
‫ويجعل بع�ضهم الأجري اخلا�ص �أعم من �أجري الواحد‪ ،‬ويذكر فر ًقا دقي ًقا بينهما‪:‬‬
‫�أن الأجري اخلا�ص ميكن �أن يكون �أج ًريا لأكرث من �شخ�ص ي�ستحقون نفعه يف جميع‬
‫((( املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)103/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬الكا�ساين (‪)54/6‬؛ الهداية‪ ،‬املرغيناين (‪ .)315/6‬و�أجري الوحد هكذا‬
‫بالإ�ضافة �إلى امل�صدر‪ ،‬من التوحيد‪ ،‬وهو الذي يتفرد بالعمل الواحد‪ .‬انظر‪ :‬طلبة الطلبة‪ ،‬الن�سفي‬
‫(�ص‪.)262‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬املاوردي (‪.)425/7‬‬

‫‪525‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫املدة‪ ،‬كما لو ا�ست�أجر رجالن �أو ثالثة راع ًيا لرعي �أغنامهم خا�ص ًة‪ ،‬فهذا ي�سمى‬
‫واحد فهو �أجري خا�ص و�أجري واحد(((‪.‬‬
‫�أج ًريا خا�صً ا‪ ،‬و�أما �إذا كان �أج ًريا ل�شخ�ص ٍ‬
‫و�سمي الأجري اخلا�ص خا صً� ا؛ الخت�صا�ص امل�ست�أجر بنفعه مدة العقد(((‪.‬‬
‫ومن �أمثلة الأجري اخلا�ص‪ :‬ال�سائق ال�شخ�صي‪ ،‬خادمة العائلة‪ ،‬العامل يف‬
‫ال�شركة‪�...‬إلخ‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬الأجري امل�شرتك‪.‬‬
‫عمل يف مدة ال ي�ستحق امل�ست�أجر‬
‫هو‪ :‬الذي ُيعقد العقد معه على عمل معني‪� ،‬أو على ٍ‬
‫جميع نفعه فيها(((‪.‬‬
‫يخ�صون به من عمله ال�صناعة فقط‪،‬‬ ‫ويعرب عنه بع�ضهم بال�صانع‪ ،‬و�إن كانوا ال ّ‬
‫بل ُيلحقون به كل �أجري م�شرتك ولو مل يكن يف عمله �صناعة‪ ،‬كالراعي(((‪.‬‬
‫أعمال لأكرث من �شخ�ص يف وقت واحد ويعمل لهم‪،‬‬ ‫و�سمي م�شرت ًكا؛ لأنه يتقبل � اً‬
‫في�شرتكون يف منفعته وا�ستحقاقها(((‪.‬‬
‫ومن �أمثلة الأجري امل�شرتك‪ :‬اخلياط‪ ،‬والطبيب‪ ،‬وال�سباك‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وقد يكون الأجري خا�صً ا من وجه‪ ،‬وم�شرت ًكا من وجه‪ ،‬مثل‪ :‬العامل يف حمل‬
‫اخلياطة �أو ال�سباكة �أو �صيانة الأجهزة ونحو ذلك‪ ،‬فهو من جهة عالقته مع رب‬
‫العمل‪� :‬أجري خا�ص‪ ،‬ومن جهة عالقته مع العمالء‪� :‬أجري م�شرتك‪ ،‬وي�أخذ حكم كل‬
‫�أجري بح�سب عالقته‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪ :‬الفرق بني الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك‪.‬‬
‫يختلف الأجري اخلا�ص والأجري امل�شرتك يف بع�ض ال�صفات والأحكام‪ ،‬منها ما‬
‫انظر‪ :‬البناية‪ ،‬العيني (‪)230/10‬؛ حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪.)95/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البناية‪ ،‬العيني؛ (‪)239/10‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)103/8‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬املرغيناين (‪)311/6‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)103/8‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اجلامع‪ ،‬ابن يون�س (‪)468/15‬؛ التو�ضيح‪ ،‬خليل (‪.)553/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البناية‪ ،‬العيني؛ (‪)239/10‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي (‪)466/4‬؛ املغني‪ ،‬ابن قدامة (‪.)103/8‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪526‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫هو حمل اتفاق‪ ،‬ومنها ما وقع فيه اخلالف‪ ،‬وحمل درا�ستها يف موا�ضعها من كتب‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫فمما اختلف فيه نوعا الأجري‪:‬‬
‫‪1.1‬الأجري اخلا�ص منفعته م�ستحقة مل�ست�أجره خالل مدة العقد‪ ،‬والأجري‬
‫امل�شرتك ال تكون منفعته م�ستحقة مل�ست�أجر واحد(((‪.‬‬
‫‪2.2‬الأجري اخلا�ص ال ي�صح �أن يعمل لغري م�ست�أجره خالل مدة العقد �إال ب�إذنه‪،‬‬
‫والأجري امل�شرتك ي�ستقبل العمل لأكرث من م�ست�أجر يف وقت واحد(((‪.‬‬
‫‪3.3‬الأجري اخلا�ص ي�ستحق الأجرة بت�سليم نف�سه ولو مل يعمل‪ ،‬والأجري امل�شرتك‬
‫ال ي�ستحق الأجرة حتى يعمل(((‪.‬‬
‫‪4.4‬العقد مع الأجري اخلا�ص قد يكون على منفعته مد ًة �أو على عمله‪ ،‬ومع الأجري‬
‫امل�شرتك ال يكون �إال على عمله(((‪.‬‬
‫بتعد �أو تفريط عند‬
‫‪5.5‬الأجري اخلا�ص ال ي�ضمن ما تلف من عمله �أو يف يده �إال ٍّ‬
‫جماهري العلماء(((‪ ،‬والأجري امل�شرتك وقع فيه اخلالف‪ :‬هل هو كالأجري‬
‫اخلا�ص؟ �أو ي�ضمن ما تلف بفعله؟ �أو ي�ضمن ما تلف بفعله �أو غري فعله؟ وهل‬
‫ي�ضمن ما تلف من حرزه؟(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬املرغيناين (‪)315 ،311/6‬؛ حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)88/9‬؛ البيان‪،‬‬ ‫(((‬
‫العمراين (‪)385/7‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي (‪.)467/4‬‬
‫انظر‪ :‬اللباب‪ ،‬الغنيمي (‪)95/2‬؛ اجلوهرة النرية‪ ،‬احلداد اليمني (‪)323-322/1‬؛ احلاوي الكبري‪،‬‬ ‫(((‬
‫املاوردي (‪)425/7‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي (‪.)467-466/4‬‬
‫انظر‪ :‬االختيار‪ ،‬املو�صلي (‪)131 ،129/2‬؛ البناية‪ ،‬العيني (‪)239/10‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي (‪)467/4‬؛‬ ‫(((‬
‫العزيز‪ ،‬الرافعي (‪.)100/6‬‬
‫انظر‪ :‬االختيار‪ ،‬املو�صلي (‪.)130/2‬‬ ‫(((‬
‫إجماعا‪ ،‬حكاه‪ :‬ال�سرخ�سي (‪)103/15‬؛ بدائع ال�صنائع‪ ،‬الكا�ساين (‪)56/6‬؛ حا�شية ابن‬ ‫وحكي � ً‬ ‫(((‬
‫عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)97/9‬؛ بداية املجتهد‪ ،‬ابن ر�شد احلفيد (‪.)440/3‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬الكا�ساين (‪)54/6‬؛ االختيار‪ ،‬املو�صلي (‪)131 - 129/2‬؛ التو�ضيح‪= ،‬‬ ‫(((‬

‫‪527‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫املطلب الثاين‬
‫�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا‬
‫يف عقد الأجري اخلا�ص‬

‫تقدم �أن الفقهاء يقررون �أن الأجري اخلا�ص ي�ستحق �أجرته بت�سليم نف�سه يف مدة‬
‫العقد‪ ،‬و�إن مل يعمل(((‪ ،‬وهذا يف حال ما �إذا مل يوجد مانع من العمل‪.‬‬
‫ولكن ما احلكم �إذا منع مانع �سماوي ‪-‬كحال انت�شار الوباء‪ -‬من ا�ستيفاء منفعة‬
‫الأجري اخلا�ص؟ مثل‪ :‬ال�سائق اخلا�ص يف فرتة حظر التجول‪.‬‬
‫‪-‬قيا�سا على ما تقدم يف م�س�ألة النق�ص الي�سري‬
‫ً‬ ‫الذي يظهر من كالم الفقهاء‬
‫يف املنفعة‪� -‬أنه �إذا مل يكن �أثر املانع كب ًريا بحيث كان النق�ص الداخل على ا�ستيفاء‬
‫منفعة الأجري ي�س ًريا‪ ،‬ف�إنه ال ي�ضر‪ ،‬ووجوده كعدمه؛ لأن العقود ال تخلو من نق�ص‬
‫ي�سري �أو زيادة ي�سرية‪.‬‬
‫و�أما �إذا كان �أثر املانع كب ًريا بحيث ت�ضرر امل�ست�أجر ب�سببه �ضر ًرا م�ؤث ًرا‪ ،‬فقد‬
‫وقفت على قولني يف هذه امل�س�ألة‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن الأجري ال ي�ستحق �أجرة عن فرتة منعه من العمل‪ ،‬وهو قول‬
‫= خليل (‪)555-554/5‬؛ ال�شامل‪ ،‬بهرام (‪)794/2‬؛ البيان‪ ،‬العمراين (‪)385/7‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي‬
‫(‪)466/4‬؛ الإن�صاف‪ ،‬املرداوي (‪)480-471/14‬؛ ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪.)133/9‬‬
‫قال ابن عابدين‪�“ :‬ضمان ما تلف مقيد بثالث �شرائط‪� :‬أن يكون يف قدرته رفع ذلك‪ ،‬فلو غرقت مبوج‬
‫�أو ريح �أو �صدمة جبل ال ي�ضمن‪ ،‬و�أن يكون حمل العمل م�سل ًما �إليه بالتخلية‪ ،‬فلو رب املتاع �أو وكيله يف‬
‫ال�سفينة ال ي�ضمن‪ ،‬و�أن يكون امل�ضمون مما يجوز �أن ي�ضمن بالعقد فال ي�ضمن الآدمي”‪ .‬حا�شية ابن‬
‫عابدين (‪.)92/9‬‬
‫وقال خليل بن �إ�سحاق املالكي‪�“ :‬شرط يف ال�ضمان ثالثة �شروط‪ :....‬الأول‪� :‬أن ين�صب نف�سه لل�صنعة‪...‬‬
‫ال�شرط الثاين‪� :‬أن ال يكون يف بيت رب ال�سلعة‪ ...‬ال�شرط الثالث‪� :‬أن ال يكون رب ال�سلعة يالزمه”‪.‬‬
‫التو�ضيح (‪.)555-554/5‬‬
‫((( تقدمت الإ�شارة �إلى هذا يف املطلب ال�سابق‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪528‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬واملذهب عند ال�شافعية(((‪ ،‬وهو مقت�ضى مذهب‬


‫احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن الأجري ي�ستحق �أجرته عن فرتة منعه من العمل‪ ،‬وهو قول عند‬
‫ال�شافعية(((‪.‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫الدليل الأول‪� :‬أنه مل يوجد ت�سليم النف�س ومل يح�صل العمل(((‪.‬‬
‫املناق�شة‪ :‬نوق�ش ب�أن ت�سليم النف�س حا�صل‪ ،‬والأجري قد حب�س منافعه ل�صالح‬
‫امل�ست� ِأجر‪ ،‬فثبتت �أجرته(((‪.‬‬
‫اجلواب‪ :‬ميكن �أن ُيجاب ب�أن ت�سليم النف�س مع تعذر ا�ستيفاء املنفعة ال ثمرة‬
‫له‪ ،‬كما لو َم ِر�ض الأجري‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ميكن �أن ُي�ستدل بالقيا�س على تعذر ا�ستيفاء املنفعة يف عقد �إجارة‬
‫العني‪ ،‬فكما �أن الأجرة ال تثبت عند تعذر ا�ستيفاء منفعة العني‪ ،‬فكذا ال تثبت‬
‫�أجرة الأجري اخلا�ص عند تعذر ا�ستيفاء منفعته‪.‬‬
‫دليل القول الثاين‪:‬‬
‫�أن منافع الأجري حمبو�سة ل�صالح امل�ست� ِأجر‪ ،‬فثبتت �أجرته و�إن مل يعمل(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ابن عابدين (‪)95/9‬؛ اللباب‪ ،‬الغنيمي (‪)94/2‬؛ حا�شية اللكنوي على‬ ‫(((‬
‫الهداية‪ ،‬اللكنوي (‪.)316/6‬‬
‫انظر‪ :‬النوادر والزيادات‪ ،‬ابن �أبي زيد القريواين (‪.)49/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬كفاية النبيه‪ ،‬ابن الرفعة (‪.)222/11‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪ ،)126/9‬فقد قال‪“ :‬و�إن تع ّذر عمل الأجري‪ ،‬فله ‪�-‬أي‪ :‬امل�ست�أجر‪-‬‬ ‫(((‬
‫الف�سخ؛ لتعذر و�صوله �إلى حقه”‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كفاية النبيه‪ ،‬ابن الرفعة (‪.)222/11‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حا�شية اللكنوي على الهداية‪ ،‬اللكنوي (‪)316/6‬؛ النوادر والزيادات‪ ،‬ابن �أبي زيد القريواين‬ ‫(((‬
‫(‪)49/7‬؛ كفاية النبيه‪ ،‬ابن الرفعة (‪.)222/11‬‬
‫انظر‪ :‬كفاية النبيه‪ ،‬ابن الرفعة (‪.)222/11‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪529‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش ب�أن منافعه يتعذر ا�ستيفا�ؤها‪ ،‬فال فائدة من حب�سها‪.‬‬


‫الرتجيح‪ :‬الذي يظهر رجحانه هو القول الأول؛ لقوة ما ا�ستدل به‪ ،‬ولكونه الأقرب‬
‫�إلى �أ�صول ال�شريعة يف هذا الباب؛ ف�إن املانع لي�س من ِق َبل امل�ست�أجر‪ ،‬بل هو حا�صل‬
‫معه �أو مع غريه‪ ،‬ثم �إن منفعة الأجري اخلا�ص كمنفعة �سائر الأعيان(((‪ ،‬ف�إذا كان‬
‫امل�ؤجر ال ي�ستحق �أجرة العني �إذا تعذر ا�ستيفاء منفعتها‪ ،‬فكذا الأجري ال ي�ستحق �أجرة‬
‫منفعته �إذا تعذر ا�ستيفا�ؤها‪.‬‬
‫توجد تنظيمات تزيد العالقة بني الطرفني‬‫ويت�أكد هنا ‪-‬ما �سبق التنويه عنه‪� -‬أن َ‬
‫و�ضوحا وحتدد ما يلزم كل طرف يف مثل هذه الظروف‪ ،‬كما ينبغي �أن يتكافل امل�سلمون‬
‫ً‬
‫و�أن يحت�سب الطرف الأقوى الثواب بتحمل اجلزء الأكرب من �آثار هذه الطوارئ التي‬
‫ت�ض ّر بالعقد‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫�أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا‬
‫يف عقد الأجري امل�شرتك‬

‫مل �أقف يف هذه امل�س�ألة على ن�ص بخ�صو�ص تعذر ا�ستيفاء منفعة الأجري امل�شرتك‪،‬‬
‫ولكن ميكن �أن يقال‪ :‬مبا �أن الأجري امل�شرتك ال ي�ستحق الأجرة حتى يعمل(((‪ ،‬ف�إن‬
‫النظر يف حال الظروف الطارئة ‪-‬كحال انت�شار الوباء‪ -‬يكون كغريه‪ ،‬والعربة بالعمل‪،‬‬
‫ف�إذا �أجنز ما جرى العقد عليه ا�ستحق �أجرته‪ ،‬و�إن مل ينجزه فال �أجرة له‪.‬‬

‫((( تقدم كالم الكا�ساين حول هذا‪ ،‬انظر �ص‪.5‬‬


‫((( انظر‪ :‬االختيار‪ ،‬املو�صلي (‪)131 ،129/2‬؛ البناية‪ ،‬العيني (‪)239/10‬؛ الذخرية‪ ،‬القرايف (‪)440/5‬؛‬
‫حا�شية الد�سوقي‪ ،‬الد�سوقي (‪)13/4‬؛ التهذيب‪ ،‬البغوي (‪)467/4‬؛ العزيز‪ ،‬الرافعي (‪)100/6‬؛‬
‫ك�شاف القناع‪ ،‬البهوتي (‪)131/9‬؛ �شرح املنتهى‪ ،‬البهوتي (‪.)68/4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪530‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫خامتة‬

‫يح�سن يف ختام البحث الإ�شارة �إلى �أبرز النتائج‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫‪1.1‬الإجارة هي بيع املنافع‪ ،‬وت�شمل منافع الأعيان وعمل الآدميني‪.‬‬
‫‪�2.2‬إذا مل يت�أثر عقد الإجارة ‪-‬بنوعيه‪ -‬بظرف انت�شار الوباء �أو كان ت�أثره ي�س ًريا‪،‬‬
‫باق على لزومه وما ت�ضمنه من احلقوق وااللتزامات‪.‬‬ ‫فهو ٍ‬
‫‪�3.3‬إذا ت�أثر عقد �إجارة العني ب�شكل �سلبي فتع ّذر ا�ستيفاء منفعة العني �أو �أكرثها‪،‬‬
‫باق ما دام يف مدته ما ميكن ا�ستيفاء املنفعة فيه‪ ،‬ولكن ي�سقط من‬ ‫ف�إن العقد ٍ‬
‫الأجرة بقدر ما فات من املنفعة‪.‬‬
‫‪�4.4‬إذا انتهت مدة العقد �أو تعذر �إ�سقاط جزء من الأجرة مقابل ما فات من‬
‫املنفعة ف�إن العقد ُيف�سخ‪.‬‬
‫‪5.5‬يكون ح�ساب الأجرة بق�سمتها على الزمن �إن كانت قيمة املنفعة ال تختلف‬
‫باختالف زمن العقد‪ ،‬و�إن كانت تتفاوت باختالف زمن العقد‪ ،‬ف�إن القيمة‬
‫ُتق�سم على مدة العقد‪ ،‬بحيث حتدد ن�سبة كل فرتة من فرتاته‪ ،‬ثم حت�سب‬
‫الأجرة بالن�سبة كح�ساب الن�سبة يف القيمة‪.‬‬
‫‪�6.6‬إذا انتهت الإجراءات االحرتازية قبل الف�سخ‪ ،‬فال يحق للم�ست�أجر الف�سخ‪.‬‬
‫‪7.7‬تعذر ا�ستيفاء املنفعة ي�شمل �صو ًرا عديدة‪ ،‬منها‪ :‬تلف املنفعة‪ ،‬وتلف العني‪.‬‬
‫‪8.8‬املنفعة ق�سمان‪ :‬ق�سم ميكن جتزئته �إلى �أجزاء �صغرية منف�صلة ال يبنى‬
‫بع�ضها على بع�ض‪ ،‬و�آخر يرتكب من �أجزاء مت�صلة يك ّمل بع�ضها بع�ضً ا‬
‫للو�صول �إلى كمال املنفعة املعقود عليها‪.‬‬
‫ف�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الأول‪ ،‬ف�إنه ي�سقط من الأجرة بقدر ما‬
‫تعذر ا�ستيفا�ؤه من املنفعة‪.‬‬

‫‪531‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫و�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الثاين وكان تع ّذرها قبل التمكن من‬
‫ا�ستيفاء جزءٍ ذي قيم ٍة منها‪ ،‬فاحلكم يف هذه ال�صورة كاحلكم يف الق�سم‬
‫الأول �إذا تعذر االنتفاع من �أول العقد‪.‬‬
‫و�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الثاين وكان تع ّذرها بعد ا�ستيفائها‬
‫كاملة وفق من�صو�ص العقد �أو العرف‪ ،‬فاحلكم فيه �أن الأجرة تثبت كاملة‪،‬‬
‫وما تع ّذر ال قيمة له‪.‬‬
‫و�إذا تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الق�سم الثاين وكان تعذرها بني الوقتني‬
‫ال�سابقني‪ ،‬ف�إن هذه جائحة توجب عدم لزوم الأجرة كامل ًة‪ ،‬و�إمنا ي�سقط‬
‫كلها �أو بع�ضها بح�سب ما فات من املنفعة‪.‬‬
‫‪�9.9‬إذا تعذر عمل الأجري اخلا�ص ب�سبب مانع �سماوي ف�إنه ي�سقط من �أجرته‬
‫بقدر ما تعذر ا�ستيفا�ؤه من منفعته‪.‬‬
‫‪1010‬ال ي�ستحق الأجري امل�شرتك �أجرته حتى يعمل‪ ،‬حتى يف حال املانع ال�سماوي‬
‫الذي قد ي�ؤثر على عمله‬
‫ويو�صى يف اخلتام مبا ي�أتي‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن حتر�ص اجلهات املعنية على و�ضع �ضوابط ولوائح حتدد احلقوق‬
‫وااللتزامات عند اجلوائح والظروف القاهرة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن تتحمل الدولة ‪-‬ما �أمكن‪ -‬الآثار الناجتة عن مثل هذه اجلوائح �أو املوانع‬
‫ال�سماوية‪ ،‬مما يلحق فيه ال�ضرر باملتعاقدين �أو ب�أحدهما‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن يرتاحم امل�سلمون فيما بينهم فيتحمل الطرف الأقوى �أو الأغنى اجلزء‬
‫الأكرب من ال�ضرر احلا�صل ب�سبب هذه اجلوائح واملوانع ال�سماوية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪532‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬االختيار لتعليل املختار‪ ،‬لعبداهلل بن حممود املو�صلي (ت‪ ،)683 :‬حتقيق‪:‬‬


‫�شعيب الأرن�ؤوط و�أحمد برهوم وعبداللطيف حرز اهلل‪ ،‬دار الر�سالة العاملية‪:‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪.2009 - 1430 ،1‬‬
‫‪2.2‬اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار‪ ،‬يو�سف بن عبداهلل ابن عبدالرب‬
‫(ت‪ ،)463‬حتقيق‪ :‬عبداملعطي قلعجي‪ ،‬دار الوعي‪ :‬القاهرة‪.1993 - 1414 ،‬‬
‫‪3.3‬الأ�صل‪ ،‬ملحمد بن احل�سن ال�شيباين (ت‪ ،)189 :‬حتقيق‪ :‬حممد بوينوكالن‪ ،‬دار‬
‫ابن حزم‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2012 - 1433 ،1‬‬
‫‪�4.4‬أقرب امل�سالك ملذهب الإمام مالك‪ ،‬لأحمد بن حممد الدردير (ت‪،)1201 :‬‬
‫مكتبة كانو‪ :‬نيجرييا‪.2000- 1420 ،‬‬
‫‪5.5‬الإن�صاف (مطبوع مع املقنع وال�شرح الكبري)‪ ،‬علي بن �سليمان املرداوي (ت‪:‬‬
‫‪ ،)885‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪ ،‬مركز هجر‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1995 - 1415 ،1‬‬
‫‪�6.6‬إي�ضاح امل�سالك �إلى قواعد الإمام مالك‪ ،‬لأبي العبا�س �أحمد بن يحيى‬
‫الون�شري�سي (ت‪ ،)914 :‬حتقيق‪� :‬أحمد بو طاهر اخلطابي‪� ،‬صندوق �إحياء‬
‫الرتاث الإ�سالمي‪ :‬الرباط‪.1980 - 1400 ،‬‬
‫‪7.7‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬زين الدين بن �إبراهيم ابن جنيم (ت‪،)970 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.1997 - 1418 ،1‬‬
‫‪8.8‬بداية املجتهد‪� ،‬أبو الوليد حممد بن �أحمد ابن ر�شد (ت‪ ،)595 :‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫�صبحي حالق‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1415 ،1‬‬
‫‪9.9‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬لعالء الدين �أبي بكر بن م�سعود الكا�ساين‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬علي معو�ض وعادل عبداملوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪1424 ،2‬‬
‫‪.2003 -‬‬

‫‪533‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫‪1010‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬بدر الدين حممود بن �أحمد العيني (ت‪ ،)855 :‬حتقيق‪:‬‬
‫�أمين �شعبان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2000 - 1420 ،1‬‬
‫‪1111‬البيان يف مذهب ال�شافعي‪ ،‬لأبي احل�سني يحيى بن �أبي اخلري العمراين (ت‪:‬‬
‫‪ ،)558‬حتقيق‪ :‬قا�سم النوري‪ ،‬دار املنهاج‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2000- 1421 ،1‬‬
‫‪1212‬تكملة البحر الرائق‪ ،‬ملحمد بن ح�سني بن علي الطوري القادري (ت‪ :‬بعد‬
‫‪ ،)1138‬حتقيق‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪- 1418 ،1‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪1313‬التهذيب يف فقه ال�شافعي‪ ،‬لأبي حممد احل�سني بن م�سعود البغوي (ت‪،)516 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬عادل عبداملوجود وعلي معو�ض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬‬
‫‪.1997 -‬‬
‫‪1414‬التهذيب يف اخت�صار املدونة‪ ،‬لأبي �سعيد خلف بن �أبي القا�سم الرباذعي الأزدي‬
‫القريواين (ت‪ :‬يف القرن الرابع)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الأمني ولد حممد �سامل بن‬
‫ال�شيخ‪ ،‬دار البحوث‪ :‬دبي‪ ،‬ط‪.2002 - 1423 ،1‬‬
‫‪1515‬التو�ضيح �شرح خمت�صر ابن احلاجب‪ ،‬خلليل بن �إ�سحاق اجلندي املالكي (ت‪:‬‬
‫‪ ،)776‬حتقيق‪� :‬أبي الف�ضل الدمياطي‪ ،‬دار ابن حزم‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪- 1433 ،1‬‬
‫‪.2012‬‬
‫‪1616‬اجلامع مل�سائل املدونة‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل ابن يون�س ال�صقلي (ت‪،)451 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬جمموعة حمققني يف ر�سائل علمية‪ ،‬دار الفكر‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪- 1434 ،1‬‬
‫‪.2013‬‬
‫‪1717‬اجلوهرة النرية على القدوري‪ ،‬لأبي بكر بن علي بن حممد احلداد اليمني (ت‪:‬‬
‫‪ ،)800‬مطبعة حممود بك‪.1301 ،‬‬
‫‪1818‬حا�شية ابن عابدين‪ ،‬ملحمد �أمني ابن عابدين (ت‪ ،)1252 :‬حتقيق‪ :‬عادل‬
‫عبداملوجود وعلي معو�ض‪ ،‬دار عامل الكتب‪ :‬الريا�ض‪ ،‬طبعة خا�صة‪- 1423 ،‬‬
‫‪.2003‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪534‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫‪1919‬حا�شية الد�سوقي‪ ،‬حممد بن عرفة الد�سوقي (ت‪ ،)1230 :‬دار �إحياء الكتب‬
‫العربية‪ :‬م�صر‪.‬‬
‫‪2020‬حا�شية ال�شرواين على حتفة املحتاج (مطبوع معه)‪ ،‬عبداحلميد ال�شرواين‬
‫(ت‪ ،)1301 :‬املكتبة التجارية الكربى‪ :‬م�صر‪.1938 -1357 ،‬‬
‫‪2121‬حا�شية اللكنوي على الهداية‪ ،‬لعبداحلي اللكنوي (ت‪ ،)1303 :‬حتقيق‪ :‬نعيم‬
‫�أ�شرف نور �أحمد‪� ،‬إدارة القر�آن والعلوم الإ�سالمية‪ :‬كرات�شي‪ ،‬ط‪.1417 ،1‬‬
‫‪2222‬احلاوي الكبري‪ ،‬لأبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب املاوردي (ت‪،)450 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬علي معو�ض وعادل عبداملوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،1‬‬
‫‪.1994 -‬‬
‫‪2323‬الدر املختار‪ ،‬ملحمد بن علي احل�صني الدم�شقي احل�صكفي (ت‪،)1088 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬عادل عبداملوجود وعلي معو�ض‪ ،‬دار عامل الكتب‪ :‬الريا�ض‪ ،‬طبعة‬
‫خا�صة‪.2003 - 1423 ،‬‬
‫‪2424‬الذخرية‪� ،‬أحمد بن �إدري�س القرايف (ت‪ ،)684 :‬حتقيق‪ :‬حممد بوخبزة‪ ،‬دار‬
‫الغرب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1994 ،1‬‬
‫‪2525‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬يحيى بن زكريا النووي (ت‪� ،)676 :‬إ�شراف‪ :‬زهري ال�شاوي�ش‪،‬‬
‫املكتب الإ�سالمي‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.1991 - 1412 ،3‬‬
‫‪2626‬ال�شامل يف فقه الإمام مالك‪ ،‬لبهرام بن عبداهلل الدمريي (ت‪ ،)805 :‬حتقيق‪:‬‬
‫�أحمد جنيب‪ ،‬مركز جنيبويه‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2008- 1429 ،1‬‬
‫‪�2727‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬حممد بن عبداهلل بن علي اخلر�شي (ت‪ ،)1101 :‬مطبعة‬
‫بوالق‪ :‬م�صر‪ ،‬ط‪.1317 ،2‬‬
‫‪�2828‬شرح الزرك�شي على اخلرقي‪ ،‬ل�شم�س الدين حممد بن عبداهلل الزرك�شي (ت‪:‬‬
‫‪ ،)772‬حتقيق‪ :‬عبداهلل بن عبدالرحمن اجلربين‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ :‬الريا�ض‪،‬‬
‫ط‪.1993 - 1413 ،1‬‬

‫‪535‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫‪2929‬ال�شرح ال�صغري على �أقرب امل�سالك‪ ،‬لأحمد بن حممد الدردير (ت‪،)1201 :‬‬
‫دار املعارف‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪3030‬ال�شرح الكبري على املقنع (مطبوع مع املقنع والإن�صاف)‪ ،‬عبدالرحمن ابن‬
‫�أبي عمر املقد�سي (ت‪ ،)682 :‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪ ،‬مركز هجر‪ :‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪.1995 - 1415 ،1‬‬
‫‪3131‬ال�شرح الكبري‪� ،‬أبو الربكات �أحمد الدردير (ت‪ ،)1201 :‬م�صر‪ :‬دار �إحياء‬
‫الكتب العربية‪ :‬م�صر‪.‬‬
‫‪�3232‬شرح املنتهى‪ ،‬من�صور بن يون�س البهوتي (ت‪ ،)1051 :‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2000 - 1421 ،1‬‬
‫‪3333‬ال�صحاح‪ ،‬لإ�سماعيل بن حماد اجلوهري (ت‪ ،)393 :‬حتقيق‪� :‬أحمد عبدالغفور‬
‫عطار‪ ،‬دار العلم للماليني‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.1990 ،4‬‬
‫‪�3434‬صحيح م�سلم‪ ،‬م�سلم بن احلجاج الق�شريي (ت‪ )261 :‬حتقيق‪� :‬أبو �صهيب‬
‫الكرمي‪ ،‬بيت الأفكار الدولية‪ :‬الريا�ض‪.1998 - 1419 ،‬‬
‫‪3535‬العزيز �شرح الوجيز‪� ،‬أبو القا�سم عبدالكرمي الرافعي القزويني (ت‪،)623 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬علي معو�ض وعادل عبداملوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪1417 ،1‬‬
‫‪.1997 -‬‬
‫‪3636‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬ملحمد بن حممد بن حممود البابرتي (ت‪ ،)786 :‬تعليق‪:‬‬
‫عبدالرزاق املهدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2003 - 1424 ،1‬‬
‫‪3737‬الفروع‪� ،‬شم�س الدين حممد بن مفلح املقد�سي (ت‪ ،)763 :‬حتقيق‪ :‬عبداهلل‬
‫الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2003 - 1424 ،1‬‬
‫‪3838‬القامو�س املحيط‪ ،‬ملجد الدين حممد بن يعقوب الفريوز�آبادي (ت‪،)817 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬مكتب حتقيق الرتاث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ :‬بريوت‪.‬‬
‫‪3939‬قرارات املجمع الفقهي الإ�سالمية مبكة املكرمة‪ ،‬الدورات من الأولى �إلى‬
‫ال�سابعة ع�شرة‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪536‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫‪4040‬القواعد‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد املقري (ت‪ ،)759 :‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫الدردابي‪ ،‬دار الأمان‪ :‬الرباط‪.2012 ،‬‬
‫‪4141‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬لأبي عمر يو�سف بن عبداهلل ابن عبدالرب النمري‬
‫القرطبي (ت‪ ،)463 :‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.1992 - 1413 ،2‬‬
‫‪4242‬ك�شاف القناع عن الإقناع‪ ،‬ملن�صور بن يون�س البهوتي (ت‪ ،)1051 :‬حتقيق‪:‬‬
‫جلنة متخ�ص�صة بوزارة العدل‪ ،‬وزارة العدل‪ :‬ال�سعودية‪ ،‬ط‪.2006- 1427 ،1‬‬
‫‪4343‬كفاية النبيه �شرح التنبيه‪� ،‬أبو العبا�س جنم الدين �أحمد ابن الرفعة (ت‪:‬‬
‫‪ ،)710‬حتقيق‪ :‬جمدي با�سلوم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬
‫‪4444‬كنز الدقائق‪ ،‬لأبي الربكات عبداهلل بن �أحمد الن�سفي (ت‪ ،)710 :‬حتقيق‪:‬‬
‫�سائد بكدا�ش‪ ،‬دار الب�شائر الإ�سالمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2011 - 1432 ،1‬‬
‫‪4545‬اللباب يف �شرح الكتاب‪ ،‬لعبدالغني الغنيمي (ت‪ :‬القرن الثالث ع�شر)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد حميي الدين عبداحلميد‪ ،‬املكتبة العلمية‪ :‬بريوت‪.‬‬
‫‪4646‬ل�سان العرب‪ ،‬لأبي الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم ابن منظور الأفريقي‬
‫(ت‪ ،)711 :‬دار �صادر‪ :‬بريوت‪.‬‬
‫‪4747‬املب�سوط‪� ،‬شم�س الأئمة �أبو بكر حممد بن �سهل ال�سرخ�سي (ت‪ ،)490 :‬دار‬
‫املعرفة‪ :‬بريوت‪.1989 - 1409 ،‬‬
‫‪4848‬جمموع الفتاوى‪� ،‬أحمد بن عبداحلليم ابن تيمية (ت‪ ،)728 :‬جمع‪ :‬عبدالرحمن‬
‫بن حممد بن قا�سم‪ ،‬جممع امللك فهد‪ :‬املدينة‪.2004 - 1425 ،‬‬
‫‪4949‬املحيط الربهاين‪ ،‬لربهان الدين حممود ابن مازه البخاري (ت‪،)616 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬نعيم �أ�شرف نور �أحمد‪ ،‬املجل�س العلمي‪ :‬كرات�شي‪ ،‬ط‪.2004 - 1424 ،1‬‬
‫‪5050‬خمت�صر اخلرقي‪ ،‬لأبي القا�سم عمر بن احل�سني اخلرقي (ت‪( )334 :‬مطبوع‬
‫مع املغني)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي وعبدالفتاح احللو‪ ،‬دار عامل الكتاب‪:‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬ط‪.1997 - 1417 ،3‬‬

‫‪537‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫‪5151‬املدونة عن مالك بن �أن�س‪� ،‬سحنون بن �سعيد التنوخي (ت‪ ،)240 :‬حتقيق‪ :‬علي‬
‫الها�شم‪ ،‬دار الن�صر‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪5252‬معلمة زايد للقواعد الفقهية والأ�صولية‪ ،‬جمموعة من العلماء والباحثني‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة زايد‪� :‬أبو ظبي‪ ،‬ط‪.2013 - 1434 ،1‬‬
‫‪5353‬املعونة على مذهب عامل املدينة‪ ،‬للقا�ضي عبدالوهاب بن ن�صر البغدادي (ت‪:‬‬
‫‪ ،)422‬حتقيق‪ :‬حمي�ش عبداحلق‪ ،‬املكتبة التجارية‪ :‬مكة‪.‬‬
‫‪5454‬معونة �أويل النهى �شرح املنتهى‪ ،‬لتقي الدين حممد بن �أحمد الفتوحي ال�شهري‬
‫بابن النجار (ت‪ ،)972 :‬حتقيق‪ :‬عبدامللك بن دهي�ش‪ ،‬ط‪.2008 - 1429 ،5‬‬
‫‪5555‬مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج‪ ،‬ل�شم�س الدين حممد بن اخلطيب‬
‫ال�شربيني (ت‪ ،)977 :‬حتقيق‪ :‬حممد خليل عيتاين‪ ،‬دار املعرفة‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1997 - 1418‬‬
‫‪5656‬املغني‪ ،‬لأبي حممد عبداهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي (ت‪ ،)620 :‬حتقيق‪:‬‬
‫عبداهلل الرتكي وعبدالفتاح احللو‪ ،‬دار عامل الكتاب‪ :‬الريا�ض‪ ،‬ط‪- 1417 ،3‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪5757‬مقايي�س اللغة‪ ،‬لأبي احل�سني �أحمد بن فار�س بن زكريا (ت‪ ،)395 :‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدال�سالم هارون‪ ،‬دار الفكر‪ :‬م�صر‪.1979 - 1399 ،‬‬
‫‪5858‬منتهى الإرادات يف جمع املقنع مع التنقيح وزيادات‪ ،‬لتقي الدين حممد بن‬
‫�أحمد الفتوحي ال�شهري بابن النجار (ت‪ ،)972 :‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.1999 - 1419 ،1‬‬
‫‪5959‬منح اجلليل على خمت�صر خليل‪ ،‬ملحمد علي�ش (ت‪ ،)1299 :‬دار الفكر‪ :‬بريوت‪:‬‬
‫ط‪.1984 - 1404 ،1‬‬
‫‪6060‬مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن حممد‬
‫بن عبدالرحمن املالكي املغربي ال�شهري باحلطاب‪ ،‬حتقيق‪ :‬دار الر�ضوان‪ ،‬دار‬
‫الر�ضوان‪ :‬موريتانيا‪ ،‬ط‪.2010 - 1431 ،1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪538‬‬


‫أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة‬

‫بسبب انتشار وباء كورونا ‪ -‬دراسة فقهية‬

‫‪6161‬نتائج الأفكار يف ك�شف الرموز والأ�سرار (تكملة فتح القدير البن الهمام)‪،‬‬
‫ل�شم�س الدين �أحمد بن قودر املعروف بقا�ضي زاده �أفندي (ت‪ ،)998 :‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدالرزاق املهدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2003- 1424 ،1‬‬
‫‪6262‬النجم الوهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لأبي البقاء حممد بن مو�سى بن عي�سى الدمريي‬
‫(ت‪ ،)808 :‬حتقيق‪ :‬جمموعة حمققني ب�إ�شراف‪ :‬حممد غ�سان عزقول‪ ،‬دار‬
‫املنهاج‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.2004 - 1425 ،1‬‬
‫‪6363‬النوادر والزيادات‪� ،‬أبو حممد عبداهلل بن �أبي زيد القريواين (ت‪،)386 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبدالفتاح احللو‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ :‬بريوت‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬
‫‪6464‬الهداية �شرح بداية املبتدي‪ ،‬لربهان الدين �أبي احل�سن علي بن �أبي بكر‬
‫املرغيناين (ت‪ ،)593 :‬حتقيق‪ :‬نعيم �أ�شرف نور �أحمد‪� ،‬إدارة القر�آن والعلوم‬
‫الإ�سالمية‪ :‬كرات�شي‪ ،‬ط‪.1417 ،1‬‬

‫‪539‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز بن سعود التميمي‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث‪495 .................................................................‬‬


‫املقدمة‪496 .........................................................................‬‬
‫متهيد يف حقيقة الإجارة ولزومها‪ .‬وفيه مطلبان‪500 .............................. :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حقيقة الإجارة ‪500 ...............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬لزوم عقد الإجارة‪502 ...........................................‬‬
‫املبحث الأول‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد �إجارة‬
‫العني‪ .‬وفيه مطلبان‪503 ....................................................... :‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية يف لزوم العقد وا�ستحقاق الأجرة ‪505 .‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬ضابط تعذر ا�ستيفاء املنفعة من الأعيان امل�ؤجرة ‪513 ...........‬‬
‫املبحث الثاين‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد‬
‫الأجري‪ .‬وفيه ثالثة مطالب‪525 ................................................ :‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬أنواع الأجراء‪525 .................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد‬
‫الأجري اخلا�ص ‪528 .........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬أثر الإجراءات االحرتازية ب�سبب انت�شار وباء كورونا يف عقد‬
‫الأجري امل�شرتك ‪530 ........................................................‬‬
‫اخلامتة ‪531 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪533 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪540‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عبر االتصال المرئي‬
‫المباشر في ظل جائحة كورونا‬
‫دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬تركي ح�سن القحطاين‬
‫باحث يف العلوم ال�رشعية و�ش�ؤون الأ�رسة‬
‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪542‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫ملخص البحث‬

‫يف ظل الإجراءات االحرتازية للوقاية التي اتبعتها كافة الدول للحد من انت�شار‬
‫وباء كورونا‪ ،‬تعطلت �أغلب الو�سائل التقليدية لإمتام املعامالت الق�ضائية‪ ،‬ومن ذلك‬
‫بال�سماح ب�إجراء عقد ال ّنكاح عرب‬
‫عقد ال ّنكاح؛ مما دفع وزارة العدل الإماراتية ّ‬
‫و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪ ،‬فجاء هذا البحث ال�ستعرا�ض تلك التجربة‪ ،‬وتكييفها‬
‫الفقهي‪ ،‬ونظر العلماء املعا�صرين لإجراء عقد النكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث‬
‫من حيث الأ�صل‪ ،‬واملوازنة بني الأدلة ومناق�شتها‪ ،‬وذكر �أ�سباب اخلالف بينهم‪،‬‬
‫و�صول للراجح مع ذكر جملة من ال�ضوابط الإدارية التي ت�سيرّ العمل الق�ضائي‪،‬‬ ‫اً‬
‫وحتقق �أهدافه‪.‬‬
‫وتو�صل الباحث يف ختام بحثه �إلى جواز �إجراء العقد عرب و�سائل االت�صال املرئي‬
‫املبا�شر مطل ًقا‪ ،‬ومع احلاجة من باب �أولى‪ ،‬وفق �ضوابط �إجرائية حمددة‪ ،‬ت�ضمن‬
‫حتقيق مقا�صد عقد ال ّنكاح‪.‬‬
‫الكلمات الدالة‪:‬‬
‫العقد‪ ،‬ال ّنكاح‪ ،‬الإيجاب والقبول‪ ،‬و�سائل االت�صال احلديثة‪ ،‬االت�صال املرئي‪،‬‬
‫جائحة كورونا‪.‬‬

‫‪543‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫املقدمة‬

‫�إنّ احلمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ون�ستعينه‪ ،‬ون�ستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا‪ ،‬ومن‬
‫�سيئات �أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال م�ض ّل له‪ ،‬ومن ي�ضلل فال هادي له‪ ،‬و�أ�شهد �أال �إله‬
‫�إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬و�أ�شهد �أن حممدً ا عبده ور�سوله ‪�-‬صلوات اهلل و�سالمه‬
‫عليه‪� -‬أما بعد‪:‬‬
‫يف ظل ما تعي�شه الب�شرية من �إجراءات احرتازية للحد من �آثار انت�شار جائحة‬
‫كورونا(كوفيد ‪ ،)19‬وتعطل مناحي احلياة االعتيادية وال�سعي من اجلهات احلكومية‬
‫للتقليل من الأ�ضرار الناجتة عن هذا االختالل‪ ،‬بذلت اجلهات الق�ضائية جهدً ا‬
‫م�شكو ًرا ال�ستمرار تقدمي اخلدمات العدلية للمتعاملني‪ ،‬جعلها تبتكر بع�ض الطرق‬
‫غري االعتيادية لتقدمي تلك اخلدمات‪.‬‬
‫ومن الإجراءات التي اتبعتها وزارة العدل الإماراتية يف املحاكم ال�شرعية ال�سماح‬
‫ب�إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪ ،‬وذلك تطبي ًقا للتباعد‬
‫الفيزيائي االحرتازي بني النا�س قدر الإمكان‪ ،‬و�ضما ًنا ال�ستمرار تقدمي اخلدمات‬
‫العدلية بو�سائل مبتكرة‪.‬‬
‫وكان حكم ا�ستخدام الو�سائل احلديثة ب�أنواعها يف العقود حمل اهتمام العلماء‬
‫املعا�صرين من �أهل الف�ضل‪ ،‬فت�صدوا لبيان حكمها؛ وذلك �إميا ًنا منهم مبا قاله‬
‫الإمام ال�شافعي ‪“ :‬فلي�ست تنزل ب�أحد من �أهل دين اهلل نازلة �إال ويف كتاب‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪544‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫اهلل الدليل على �سبيل الهدى فيها”((( فخل�صت �أغلب البحوث التي ناق�شها جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي يف دورته ال�ساد�سة((( �إلى عدم �صحة �إمتام عقد ال ّنكاح عرب و�سائل‬
‫عموما‪.‬‬
‫االت�صال احلديث ً‬
‫�إال �أنّ هذه الو�سائل قد تطورت كث ًريا‪ ،‬ودخلت فيها �أ�صناف متعددة‪ ،‬منها‪ :‬و�سائل‬
‫االت�صال املرئي‪ ،‬الذي ال يقل انت�شا ًرا عن االت�صال ال�صوتي‪ ،‬والتوا�صل الكتابي‪،‬‬
‫وهناك يف �أنظمة ت�شغيل الهواتف الذك ّية برامج متعددة تدعم االت�صال املرئي‬
‫املبا�شر؛ فاختار الباحث مو�ضوع‪�( :‬إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي‬
‫امللحة‬
‫املبا�شر يف ظل جائحة كورونا درا�سة فقهية ت�أ�صيلية تطبيقية)؛ لربوز احلاجة ّ‬
‫ال�ستخدامه يف ظل هذه الظروف اال�ستثنائية‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع‪:‬‬
‫تكمن �أهمية البحث يف النقاط الآتية‪:‬‬
‫‪ 1.1‬تعلق مو�ضوع البحث ب�أخطر العقود �أث ًرا؛ وهو عقد ال ّنكاح الذي ت�ستباح به‬
‫الأب�ضاع بكلمة اهلل‪.‬‬
‫‪ 2.2‬التطور واالنت�شار الوا�سع لو�سيلة االت�صال املرئي املبا�شر‪ ،‬وا�ستخدامها يف‬
‫حياة النا�س ب�شكل كبري‪ ،‬وا�ستخدامها من قبل اجلهات الق�ضائية يف عقد‬
‫ال ّنكاح‪.‬‬
‫‪3.3‬احلاجة �إلى �إيجاد بدائل �صحيحة و�آمنة للطرق التقليدية لعقد ال ّنكاح يف‬
‫ظل الظروف اال�ستثنائية ملكافحة انت�شار وباء كورونا‪.‬‬
‫فهذه الأمور ت�ستدعي توجيه اجلهد البحثي للنظر يف �صحة �إجراء عقد ال ّنكاح‬
‫عرب و�سائل االت�صال املبا�شر‪ ،‬وما هي ال�ضوابط التي ال ب ّد من مراعاتها يف ذلك‪.‬‬
‫((( الر�سالة‪�( ،‬ص ‪ ،)20‬وقال �أي�ضً ا‪“ :‬فلي�س تنزل ب�أحد نازلة �إال والكتاب يدل عليها ن صً� ا �أو جملة”‪.‬‬
‫�إبطال اال�ستح�سان (�ضمن مو�سوعة الأم للإمام ال�شافعي)‪.)69/9( ،‬‬
‫((( ي�أتي ذكر جملة من هذه البحوث عند ا�ستعرا�ض الدرا�سات ال�سابقة‪.‬‬

‫‪545‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫تتمثل م�شكلة البحث يف ال�س�ؤال الآتي‪:‬‬
‫ي�صح �إجراء عقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر؟‬
‫هل ّ‬
‫وميكن �أن ت�صاغ منه جملة من امل�شكالت يف النقاط الآتية‪:‬‬
‫‪1.1‬ما مفهوم االت�صال املرئي املبا�شر امل�ستخدم يف عقد ال ّنكاح؟‬
‫‪2.2‬هل حتقق هذه الو�سيلة ال�شروط املعتربة ل�صحة عقد ال ّنكاح؟‬
‫‪3.3‬ما التكييف الفقهي ال�ستخدام هذه الو�سيلة؟‬
‫‪4.4‬ما موقف العلماء املعا�صرين من �إجراء عقد ال ّنكاح بهذه الو�سيلة؟ وما �سبب‬
‫اخلالف بينهم؟‬
‫‪5.5‬هل هناك �ضوابط �إجرائية ال ب ّد من اتباعها ل�ضبط عقد ال ّنكاح عرب هذه‬
‫الو�سيلة؟‬
‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫يهدف هذا البحث �إلى الإجابة عن الت�سا�ؤالت ال�سابقة وفق الآتي‪:‬‬
‫‪1.1‬بيان مفهوم االت�صال املرئي املبا�شر امل�ستخدم يف �إجراء عقد ال ّنكاح‪.‬‬
‫‪2.2‬بيان حتقق �شروط ال�صحة يف عقد ال ّنكاح وا�ستيفاء الإجراءات الإدارية‪.‬‬
‫‪3.3‬بيان التكييف الفقهي لإجراء عقد ال ّنكاح بو�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫‪4.4‬بيان موقف العلماء من �إجراء عقد ال ّنكاح بو�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪،‬‬
‫و�سبب اخلالف يف امل�س�ألة‪.‬‬
‫‪5.5‬بيان جملة من ال�ضوابط الإدارية التي حتقق مقا�صد عقد ال ّنكاح‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪546‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫منهج البحث‪:‬‬
‫الو�صفي؛ الذي يهتم بتحليل عنا�صر املو�ضوع‪،‬‬‫ُّ‬ ‫�سلك الباحث يف البحث املنهج‬
‫اً‬
‫و�صول �إلى موقف‬ ‫وذلك بتحديد مفهومه‪ ،‬وبيان �أهم براجمه‪ ،‬وتكييفه الفقهي‪،‬‬
‫اال�ستنباطي‪ ،‬الذي يقوم على ا�ستنباط‬
‫ِّ‬ ‫العلماء منه‪ .‬كما ا�ستفاد � ً‬
‫أي�ضا من املنهج‬
‫الأحكام والأفكار من الن�صو�ص‪ ،‬وهذان املنهجان يكتمالن يف البحث مع املنهج‬
‫اال�ستقرائي الذي ينطلق من احلقائق اجلزئية املتف ِّرقة لي�صل �إلى احلقائق العامة‬
‫والكلية‪ ،‬من خالل تتبع مو�ضوع و�سائل االت�صال احلديث و�إجراء العقود بوا�سطتها‬
‫من مظا ّنه لدى الفقهاء املعا�صرين وجمعها م ًعا‪ ،‬م�ضي ًفا لها املنهج املقارن والذي‬
‫يقارن بني الأقوال والأدلة‪ ،‬اً‬
‫و�صول �إلى ال ّراجح منها‪.‬‬
‫ويف �سبيل حتقيق الأهداف املرجوة من البحث فقد اتبع الباحث يف �إجراءات‬
‫البحث ما هو متبع يف درا�سة النوازل الفقهية من ت�صوير النازلة‪ ،‬ثم تكييفها الفقهي‪،‬‬
‫ثم بيان حكمها‪ ،‬منطل ًقا مما �سطره العلماء حول هذه امل�س�ألة قد ًميا وحدي ًثا‪ ،‬مع‬
‫توثيق �أقوال العلماء من املراجع املعتمدة لكل مذهب‪ ،‬والعزو �إليها بذكر ا�سم الكتاب‬
‫واجلزء وال�صفحة‪ ،‬و�إن كان املرجع معا�ص ًرا ي�ضاف له ا�سم امل�ؤلف‪ ،‬مع تخريج‬
‫الأحاديث من كتب احلديث امل�سندة‪ ،‬ف�إن كان احلديث يف ال�صحيحني اكتفى بهما‬
‫الباحث‪ ،‬مع ذكر الكتاب‪ ،‬والباب‪ ،‬و�إن كان يف غريهما ي�ضاف ملا �سبق �أقوال نقاد‬
‫احلديث دون تو�سع‪ ،‬وما نقله الباحث بن�صه جعله بني �إ�شارة التن�صي�ص‪ ،‬وما نقله‬
‫مبعناه يتقدم قبله (انظر)‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة يف املو�ضوع‪:‬‬
‫مل يقف الباحث ‪-‬بح�سب اطالعه القا�صر‪ -‬على أ� ّية درا�سة م�ستقلة بهذا العنوان‪،‬‬
‫ولكن هناك درا�سات تناولت املو�ضوع حتت عناوين �أخرى‪� ،‬سيبد�أ الباحث ب�أكرثها‬
‫عالقة باملو�ضوع من حيث الت�سمية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪1.1‬حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪ ،‬الدكتور‪/‬‬

‫‪547‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫مفيدة عبدالوهاب حممد �إبراهيم‪ ،‬وقد تناولت املو�ضوع يف جميع الو�سائل‬


‫الإلكرتونية‪ ،‬مثل‪ :‬الفاك�س‪ ،‬والهاتف‪ ،‬والإنرتنت‪ ،‬وهذا الأخري هو الذي ينطبق‬
‫على االت�صال املرئي‪ ،‬وقد ا�ستغرق ن�صف البحث يف ذكر تعريف عقد ال ّنكاح‪،‬‬
‫وبيان �أركانه‪ ،‬و�شروطه‪ ،‬ثم تناولت انعقاد عقد ال ّنكاح مبا �أطلقت عليه (عرب‬
‫الأنرتنت) يف �ست �صفحات‪ ،‬منها‪� :‬صفحتان تكلمت فيها عن �أ�سباب انت�شار‬
‫هذه الو�سيلة‪ ،‬ويف الباقي ا�ستعر�ضت قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‪،‬‬
‫و�آراء العلماء القائلني باجلواز دون ذكر جميع الأدلة واملناق�شة‪ ،‬وقد ا�ستفاد‬
‫الباحث من هذا اجلهد املقدم‪ ،‬مع �شيء من التو�سع يف ذكر الأدلة‪ ،‬ومنزعها‬
‫عند كل فريق‪.‬‬
‫‪2.2‬حكم �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة يف �ضوء ال�شريعة والقانون‪،‬‬
‫الدكتور‪ /‬حممد عقلة الإبراهيم‪ ،‬والبحث كما هو ظاهر من عنوانه وا�سع‬
‫يتناول جميع �أنواع العقود‪ ،‬وذهب يف �أغلبه �إلى بحث وتقرير امل�سائل يف‬
‫الفقه الإ�سالمي من تعريف العقد‪ ،‬وجمل�سه‪ ،‬وزمان العقد ومكانه‪ ،‬ثم يف‬
‫�آخر خم�سة ع�شر �صفحة من �أ�صل مائة وخم�سة ع�شر تناول املو�ضوع من‬
‫حيث العموم‪ ،‬وكان لعقد ال ّنكاح ال�صفحة الأخرية منه‪ ،‬ومل يذكر خال ًفا يف‬
‫امل�س�ألة؛ ورمبا يعود �سبب ذلك لأنّ �أغلب البحوث كانت بعد بحثه‪ ،‬كما �أنّ‬
‫امل�ؤلف جعل القانون هو املنطلق لبحثه‪ ،‬كما هو ظاهر يف ال ّنقول التي ذكرها‬
‫عن فقهاء القانون‪ ،‬وقد ا�ستفاد الباحث من هذا اجلهد‪ ،‬والفرق وا�ضح بني‬
‫البحثني‪ ،‬فالبحث املق ّدم خا�ص بعقد ال ّنكاح خا�صة عرب و�سيلة حمددة وهي‬
‫االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫‪3.3‬البحوث املقدمة يف م�ؤمتر جممع الفقه الإ�سالمي الدويل يف دورته ال�ساد�سة‪،‬‬
‫�سنة ‪1410‬هـ‪1990 ،‬م‪ ،‬وهي ت�سعة بحوث‪ ،‬خل�صت بالقرار املعتمد بعد ذلك‪،‬‬
‫بجواز �إجراء العقود املالية عدا التي ي�شرتط فيها التقاب�ض‪ ،‬وكذلك منع عقد‬
‫ال ّنكاح؛ ال�شرتاط الإ�شهاد‪ ،‬وهي �أبحاث عامة‪ ،‬ا�ستغرقت يف ذكر ما لدى‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪548‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫الفقهاء فيما يتعلق بالإيجاب والقبول‪ ،‬وجمل�س العقد‪ ،‬وقد ا�ستفاد الباحث‬
‫منها‪ ،‬وجعل ال ّنتيجة التي تو�صلوا �إليها يف قرارهم‪ ،‬هي منطلق هذا البحث‪.‬‬
‫‪4.4‬التكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته ال�شرعية وفق ا�ستخدام و�سائل وتقنيات‬
‫االت�صال احلديث‪ ،‬با�سل حممود عبداهلل احلايف‪ ،‬ولقد تناول م�س�ألة التكييف‬
‫الفقهي ملجل�س العقد‪ ،‬وقد �أجاد يف ذلك‪ ،‬وذهب �إلى عدم �صحة انعقاد عقد‬
‫النكاح عن طريق املرا�سلة‪ ،‬وال عن طريق و�سائل االت�صال املعا�صر‪ ،‬وكان‬
‫اجلهد من�ص ًبا من امل�ؤلف يف التكييف الفقهي ملجل�س العقد‪ ،‬وقد ا�ستفاد‬
‫الباحث منه يف التكييف الفقهي‪.‬‬
‫ومن حيث العموم ف�إن هناك مالحظة منهجية على جميع البحوث املذكورة �أعاله‬
‫�أ ّنها تو�سعت يف ا�ستجالب ما لدى الفقهاء‪ ،‬ومقارنة ذلك مبا لدى فقهاء القانون‪،‬‬
‫فهي تنطلق من املا�ضي‪ ،‬ثم �إلى احلا�ضر‪ ،‬ولك ّنها ال ت�صل �إلى غايتها �إال وقد �أجهدتها‬
‫امل�سافة‪ ،‬لذلك نرى �أنّ �أقل ن�صيب من الكالم يف تلك البحوث هو الكالم عن عنوان‬
‫البحث املو�سوم به‪.‬‬
‫ورغبة من الباحث يف عدم اال�ستغراق يف ذكر ما هو معلوم لدى املخت�صني يف‬
‫عموما‪ ،‬و�شروح‬
‫�أركان العقد‪ ،‬و�شروطه‪ ،‬وغري ذلك مما هو مبثوث يف كتب الفقه ً‬
‫احلديث‪ ،‬وامل�ؤلفات اخلا�صة يف عقد ال ّنكاح‪ ،‬وحتى ال تكون امل�س�ألة جمرد افرتا�ض‬
‫ذهني‪ ،‬فقد تناول الباحث تطبيق هذه الو�سيلة على �أر�ض الواقع لدى املحاكم‬
‫أمنوذجا يتم من خالله الت�صور التام لهذه النازلة‬
‫ال�شرعية بوزارة العدل الإماراتية � ً‬
‫يف ظل هذه اجلائحة‪ ،‬مع مراعاة مراحل ال ّنظر الفقهي للنوازل املعا�صرة‪ ،‬وذلك‬
‫انطال ًقا من الت�صوير الفقهي للم�س�ألة من واقعها احلقيقي بعد التعريف ب�أهم‬
‫مفردات البحث‪ ،‬مرو ًرا بتكييفها الفقهي‪ ،‬اً‬
‫و�صول لذكر الأقوال يف امل�س�ألة و�أدلتها‪،‬‬
‫مع بيان الراجح منها‪ ،‬وذكر جملة من ال�ضوابط الإدارية التي ت�ضمن حتقيق املق�صد‬
‫من هذه املعاملة‪.‬‬
‫والباحث وهو ينظر للم�س�ألة ال ينطلق من �إطار احلاجة العامة التي تنزل منزلة‬

‫‪549‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫ال�ضرورة‪ ،‬بل يتناول �أ�صل �صحة �إجراء عقد ال ّنكاح باالت�صال املرئي‪ ،‬ومن ثم �سريى‬
‫�إن كان هناك من داعي لتطبيق القواعد املتعلقة باملق�صد احلاجي‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫التزاما من الباحث يف مراعاة من ذكر �آن ًفا من اعتبار مراحل ال ّنظر يف النوازل‪،‬‬
‫ً‬
‫فقد جاء البحث يف مقدمة‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬ت�ضمنت العنا�صر العلمية املعتمدة يف مناهج البحث العلمي‪ ،‬وهي‪� :‬أهمية‬
‫املو�ضوع‪ ،‬وم�شكلة البحث‪ ،‬و�أهدافه‪ ،‬ومنهجه‪ ،‬والدار�سات ال�سابقة‪ ،‬واخلطة‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ت�صوير �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر يف ظل‬
‫جائحة كورنا‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف عقد ال ّنكاح‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف جائحة كورونا‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر يف املحاكم‬
‫ال�شرعية يف دولة الإمارات العربية املتحدة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التكييف الفقهي وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي‬
‫املبا�شر‪ ،‬و�ضوابط ذلك‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التكييف الفقهي لعقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬ضوابط �إجرائية لإمتام عقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي‪.‬‬
‫و�أخريا اخلامتة‪ ،‬وت�ضمنت �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬
‫ويف ختام هذه املقدمة يتقدم الباحث بال�شكر � اًأول و�آخ ًرا للمولى ‪ -‬جل وعال ‪-‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪550‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫على توفيقه ونعمه الظاهرة والباطنة‪ ،‬فله احلمد‪ ،‬والف�ضل‪ ،‬وامل ّنة‪ ،‬ون�س�أل اهلل تعالى‬
‫�أن يجعل هذا العمل خال صً� ا لوجهه الكرمي‪ ،‬و�أن يعلمنا ما ينفعنا و�أن ينفعنا مبا‬
‫علمنا �إ ّنه العليم احلكيم‪.‬‬
‫والباحث �إذ يقدم هذا البحث ال ي ّدعي الكمال؛ و�إنمّ ا هو جهد املقل‪ ،‬ف�إن �أ�صاب‬
‫فهذا ف�ضل من اهلل وحده‪ ،‬و�إن كان هناك خط�أ فمن نف�سه‪ ،‬ومن ال�شيطان‪ ،‬واهلل‬
‫ور�سوله منه بريئان‪ ،‬واهلل من وراء الق�صد‪.‬‬

‫‪551‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫املبحث الأول‬
‫ت�صوير �إجراء عقد النّكاح‬
‫عن طريق االت�صال املرئي املبا�شر‬

‫وفيه �أربعة مطالب على النحو الآتي‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫تعريف عقد النّكاح‬

‫النكاح لغة‪:‬‬
‫نكاحا‪ ،‬مثل‪� :‬ضرب ي�ضرب �ضر ًبا‪ ،‬وهو ال�ضم‪ ،‬ومنه قولهم‪:‬‬
‫م�صدر نكح ينكح ً‬
‫تناكحت الأ�شجار‪� ،‬أي‪ :‬ان�ضم بع�ضها �إلى بع�ض‪.‬‬
‫عمرك اهلل كيف يجتمعان‪.‬‬ ‫وقوله‪� :‬أيها املُنكح الرثيا اً‬
‫�سهيل‬
‫ويطلق يف الأ�صل على الوطء‪ ،‬وقيل‪ :‬هو العقد له‪ ،‬وهو التزويج؛ لأنه �سبب للوطء‬
‫املباح(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫النكاح‬
‫ع ّرف العلماء عقد النكاح بتعريفات خمتلفة‪ ،‬وهي بح�سب املذاهب الفقهية على‬
‫النحو الآتي‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬تعريف احلنفية‪ :‬هو “عقد و�ضع لتملك املتعة بالأنثى ق�صدً ا”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬كتاب النون‪ ،‬باب النون والكاف وما يثلثهما‪ ،‬مادة‪( :‬نكح)‪،)475/5( ،‬‬
‫وتاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬حرف الكاف‪ ،‬مادة‪( :‬نكح)‪.)360/10( ،‬‬
‫((( فتح القدير �شرح الهداية‪.)186/3( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪552‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫ثان ًيا‪ :‬تعريف املالكية‪ :‬هو “عقد حلل متتع ب�أنثى غري حمرم‪ ،‬وغري جمو�سية‪،‬‬
‫وغري �أمة كتابية”(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬تعريف ال�شافعية‪ :‬هو “عقد يت�ضمن �إباحة وطء بلفظ �إنكاح �أو تزويج �أو‬
‫ترجمته”(((‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬تعريف احلنابلة‪ :‬هو “عقد يعترب فيه لفظ نكاح �أو تزويج �أو ترجمته”(((‪.‬‬
‫وبالنظر �إلى التعريفات املذكورة‪ ،‬ف�إنّ تعريف احلنفية‪ ،‬واملالكية‪ ،‬وال�شافعية‬
‫تعريف بالثمرة‪ ،‬وتعريف احلنابلة تعريف باملرادف‪ ،‬ومل يقف الباحث على من ع ّرف‬
‫عقد ال ّنكاح تعري ًفا ذات ًيا(((‪ ،‬لذلك ميكن �أن ُيع ّرف عقد ال ّنكاح تعري ًفا ذات ًيا من‬
‫وجهة نظر الباحث ب�أ ّنه‪“ :‬عقد بني ال ّرجل واملر�أة بوا�سطة وليها‪ ،‬يعترب بلفظ �إنكاح‪،‬‬
‫�أو تزويج يف اجلملة”‪.‬‬
‫�شرح التعريف‪:‬‬
‫قوله‪( :‬عقد)‪ :‬وهو ارتباط �إيجاب بقبول على وجه م�شروع يثبت �أثره يف حمله‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬بني الرجل واملر�أة)‪ :‬وفيه ق�صر ال ّنكاح ال�شرعي على ما يكون بني الرجل‬
‫واملر�أة‪ ،‬وعليه ال ي�صح بني الرجل والرجل‪ ،‬وال املر�أة واملر�أة‪ ،‬ومت تعريف الرجل‬
‫واملر�أة للمعهود الذهني للإ�شارة �إلى �شرط احلل بينهما‪.‬‬
‫ال�شرح ال�صغري مع حا�شية ال�صاوي‪ ،)551/2( ،‬وعرفه ابن عرفه ب�أنه‪“ :‬عقد على جمرد متعة التلذذ‬ ‫(((‬
‫ب�آدمية‪ ،‬غري موجب قيمتها ببينة قبله‪ ،‬غري عامل عاقدها حرمتها �إن حرمها الكتاب على امل�شهور‪،‬‬
‫�أو الإجماع على الآخر”‪ ،‬الر�صاع‪ ،‬الهداية الكافية ال�شافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية‪،‬‬
‫(‪.)235/1‬‬
‫مغني املحتاج‪ ،)200/4( ،‬ومن تعاريفهم �أي�ضً ا‪“ :‬عقد و�ضعه ال�شارع ليفيد حل ا�ستمتاع كل من الزوج‬ ‫(((‬
‫والزوجة بالآخر على الوجه امل�شروع”‪ ،‬حتفة املحتاج ب�شرح املنهاج‪.)183/7( ،‬‬
‫ك�شاف القناع‪ ،)137/11( ،‬وعرفه موفق الدين ابن قدامة ب�أنه‪“ :‬عقد التزويج”‪ ،‬املغني‪،)339/9( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الو�سيط املي�سر يف فقه الأحوال ال�شخ�صية املقارن‪ ،‬حممود الكبي�سي‪�( ،‬ص ‪ ،)10‬حا�شية‪،)1( :‬‬ ‫(((‬
‫وانظر‪ :‬مناق�شة تعاريف الفقهاء يف الأنكحة املنهي عنها يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬حت�سني بريقدار‪،‬‬
‫(�ص‪..)22 :‬‬

‫‪553‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫وقوله‪( :‬بوا�سطة وليها)‪ :‬بيان �أنّ الذي يتولى العقد عن املر�أة هو الويل‪ ،‬وال ي�صح‬
‫�أن تتولى املر�أة عقد ال ّنكاح ال لنف�سها وال عن غريها كما هو الواجب عند اجلمهور‪،‬‬
‫وامل�ستحب عند احلنفية(((‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬بلفظ �إنكاح �أو تزويج)‪ :‬فيه بيان ال�صيغة التي يتم بها العقد‪ ،‬وهي لفظ‬
‫الإنكاح والتزويج‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬يف اجلملة)‪ :‬بيان �أ ّنه قد يتم ب�ألفاظ �أخرى تدل على ذات املعنى‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ملكتك‪� ،‬أو ترجمة الأقوال‪� ،‬أو بالإ�شارة للأخر�س‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫وعقد ال ّنكاح كغريه من العقود له �أركانه وهي عند اجلمهور عدا احلنفية(((‪:‬‬
‫الزوج‪ ،‬والزوجة والويل‪ ،‬وال�صيغة‪ ،‬ويف كل ركن من هذه الأركان �شروط �صحة منها‬
‫إجمال‪ :‬تعيني الزوجني‪ ،‬ور�ضا البالغ الرا�شد منهما‪ ،‬وعدم الإحرام بحج �أو عمرة‪،‬‬ ‫� اً‬
‫و�أن تكون الزوجة اً‬
‫حمل لل ّنكاح‪ ،‬و�أن تكون بعبارة ال ّرجال‪ ،‬فيزوج املر�أة وليها‪ ،‬و�أن‬
‫تكون ال�صيغة بلفظ الإنكاح �أو التزويج‪ ،‬و�أن تكون بلفظ الت�أبيد والدوام‪ ،‬وموافقة‬
‫الإيجاب للقبول يف جمل�س واحد‪ ،‬و�أن ال ي�صدر من املوجب رجوع قبل القبول‪ ،‬و�أن‬
‫يح�ضر ال ّنكاح �شاهدان ف�أكرث‪ ،‬والركن عند احلنفية هو ال�صيغة فقط‪ ،‬ويرون ما ع ّده‬
‫اجلمهور �أركا ًنا من لوازم العقد(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح القدير‪ ،)256-255/3( ،‬واملراجع الآتية‪.‬‬
‫((( ذهب احلنفية �إلى �أنّ ركن عقد ال ّنكاح هو ال�صيغة فقط‪ ،‬وذهب املالكية �إلى �أنّ �أركان عقد ال ّنكاح‬
‫خم�سة وهي‪ :‬الويل‪ ،‬وال�صداق‪ ،‬واملحل وهو الزوج والزوجة‪ ،‬وال�صيغة‪ ،‬وذهب ال�شافعية �أنها �أربعة‬
‫�أركان‪ :‬ال�صيغة‪ ،‬واملر�أة‪ ،‬والعاقدان‪ ،‬والزوج‪ ،‬والويل‪ ،‬وال�شهادة‪ ،‬ويرى احلنابلة �أنهما ركنان‪ :‬الزوجان‪،‬‬
‫وال�صيغة‪ ،‬انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،)228/2( ،‬ومواهب اجلليل‪ ،)228/4( ،‬ورو�ضة الطالبني وعمدة‬
‫املفتني‪ ،)397-382/5( ،‬والإقناع‪.)315 /3( ،‬‬
‫((( هناك تف�صيل يف كل مذهب وال يت�سع املقام لذكرها‪ ،‬انظر‪ :‬املراجع ال�سابقة‪ ،‬والإن�صاف يف معرفة‬
‫الراجح من اخلالف مع ال�شرح الكبري‪.)155 /20( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪554‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫املطلب الثاين‬
‫تعريف و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‬

‫عموما ب أ� ّنها‪�“ :‬أي نقل �أو بث‬


‫ع ّرف الباحثون املخت�صون و�سائل((( االت�صال ً‬
‫�أو ا�ستقبال للإ�شارة �أو الكتابة‪� ،‬أو ال�صور‪� ،‬أو ال�صوت‪� ،‬أو املعلومات‪ ،‬ب أ� ّية طبيعة‬
‫كانت‪ ،‬عن طريق النظم ال�سلكية‪ ،‬والراديوية‪ ،‬واملرئية‪� ،‬أو �أي نظام كهرومغناطي�سي‬
‫�آخر”(((‪.‬‬
‫وعلى �ضوء ذلك ميكن �أن ُتع ّرف و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر ب�أ ّنها‪( :‬تطبيقات‬
‫تقنية ت�ستخدم ال�صوت وال�صورة يف نقل حمتوى الر�سالة مبا�شرة بني طرفني ف�أكرث‬
‫يف واقع افرتا�ضي)‪.‬‬
‫�شرح التعريف‪:‬‬
‫قوله‪( :‬تطبيقات تقنية)‪ :‬وهي الربامج الإلكرتونية التي تقوم مبعاجلة عملية‬
‫االت�صال‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ت�ستخدم ال�صوت وال�صورة)‪ :‬قيد �أخرج الربامج الكتابية‪ ،‬واملعادالت‬
‫احل�سابية البحتة‪ ،‬وما يكون فيه ال�صوت فقط‪� ،‬أو ال�صورة فقط‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬يف نقل حمتوى الر�سالة)‪ :‬هو بيان للغاية من عملية االت�صال‪ ،‬هو نقل‬
‫الر�سالة عرب قناة من قنوات االت�صال‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬مبا�شرة)‪ :‬قيد �أخرج الو�سائل التي ت�ستخدم عملية الت�سجيل لنقل‬
‫املحتوى املرئي‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬بني طرفني ف�أكرث)‪ :‬قيد يبني عنا�صر االت�صال‪ ،‬وهما‪ :‬املر�سل الذي‬
‫((( مل يتناول الباحث التعريف اللغوي للو�سائل وذلك ل�شهرته‪.‬‬
‫ّ‬
‫((( �صيغ العقود يف الفقه الإ�سالمي‪� ،‬صالح الغليقة‪�( ،‬ص‪ ،)501 :‬وذكر أ�نه نقله عن الأنرتنت‪ ،‬وترجمه‬
‫للعربية املهند�س‪ /‬خالد عبداهلل العجاجي‪.‬‬

‫‪555‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫يقوم ب�إر�سال الر�سالة‪ ،‬وامل�ستقبل‪ :‬الذي يتلقى الر�سالة‪ ،‬و�إمكانية �أن يرتبط بعملية‬
‫االت�صال �أكرث من �شخ�ص‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬يف واقع افرتا�ضي)‪ :‬وهذا نتيجة لعملية االت�صال التقني‪ ،‬هو خلق واقع‬
‫افرتا�ضي حكمي‪ ،‬يفرت�ض فيه التقاء الأطراف و�إجراء عملية التوا�صل‪.‬‬
‫وذلك �أنّ عملية االت�صال ب�أنواعها تقوم يف اجلملة على عنا�صر �أربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫املر�سل‪ ،‬وامل�ستقبل‪ ،‬والر�سالة‪ ،‬وقناة االت�صال‪.‬‬
‫وبنا ًء عليه يكون عقد ال ّنكاح بوا�سطة االت�صال املرئي املبا�شر هو‪( :‬العقد الذي‬
‫يتم بوا�سطة برامج االت�صال املرئي املبا�شر لإمتام �إجراءات العقد‪ ،‬بح�ضور �أطراف‬
‫العقد‪ ،‬وال�شهود يف مع ّية اجلهة املخت�صة)‪.‬‬
‫ومن �أهم الربامج املرئية التي ُت�ستخدم يف اجلهات الر�سمية ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪1.1‬برنامج‪ :((()Microsoft Teams( :‬وهو �أ�شهرها والذي �أطلقته �شركة‬
‫مايكرو�سوف يف تاريخ ‪ 12‬يوليو ‪2018‬م‪ ،‬وهو من �أهم التطبيقات التي ظهرت‬
‫بقوة يف الفرتة الأخرية(((‪.‬‬
‫‪2.2‬برنامج‪ :((()Zoom Cloud Meeting( :‬وهو من �أكرث الربامج التي‬
‫ا�شتهرت يف الفرتة الأخرية ب�سبب الإقبال الكبري عليها‪ ،‬ويرجع �سبب ذلك‬
‫لل�سهولة الن�سبية يف اال�ستخدام‪ ،‬وكانت بداية انطالقه يف يناير ‪2013‬م(((‪.‬‬
‫‪ :((()Webex‬وهو يتبع ل�شركة �سي�سكو �سي�ستمز‪،‬‬ ‫(‪Meeting‬‬ ‫‪3.3‬برنامج‪:‬‬
‫راجع موقع مايكرو�سوفت‪ :‬نظر بتاريخ ‪2020/06/29‬م‪https://www.microsoft.com/ar-gulf/ :‬‬ ‫(((‬
‫((( راجع موقعة املعرفة‪ :‬نظر بتاريخ‪2020/06/29 :‬م‪:‬‬
‫‪https://www.knowledgewave.com/blog/4-advantages-of-microsoft-teams-with-office-365‬‬
‫راجع موقع الربنامج زووم‪ :‬نظر بتاريخ‪2020/06/29 :‬م‪https://zoom.us/livedemo :‬‬ ‫(((‬
‫((( راجع لال�ستزادة موقع بوابة الأهرام‪ :‬نظر بتاريخ‪2020/06/29 :‬م‪:‬‬
‫‪http://gate.ahram.org.eg/News/2393943.aspx‬‬
‫((( راجع موقع الربنامج ويبك�س‪ :‬نظر بتاريخ‪2020/06/29 :‬م‪:‬‬
‫‪https://www.webex.com/content/webex/c/en_US/index/downloads.html/‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪556‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫جدا‪ ،‬وميكن‬
‫وبد أ� التطبيق يف �سنة ‪2015‬م‪ ،‬ويتمتع ب�إجراءات حماية عالية ً‬
‫التوا�صل مع الأطراف عن طريق االت�صال الهاتفي‪ ،‬واالت�صال املرئي‬
‫بوا�سطة �إر�سال الرابط عن طريق الربيد الإلكرتوين‪ ،‬كما يتيح كذلك‬
‫م�شاركة �سطح املكتب(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫جائحة كورونا‬

‫�ص ّنفت منظمة ال�صحة العاملية تف�شي فريو�س كوفيد ‪ 19‬باجلائحة (‪)Pandemic‬‬
‫بو�صفه وبا ًء عامل ًيا؛ وذلك ب�سبب االنت�شار الوا�سع وال�سريع لهذا املر�ض يف �أرجاء‬
‫العامل(((‪ ،‬فقد بلغ عدد امل�صابني حتى تاريخ ‪2020/07/11‬م اثنى ع�شر مليون حالة‬
‫م�ؤكدة حول العامل‪ ،‬و�أكرث من ن�صف مليون حالة وفاة وف ًقا لإح�صائية جامعة جونز‬
‫هوبكنز الأمريكية(((‪.‬‬
‫ويعترب فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد ‪ )19‬امل�سبب لهذه اجلائحة من �أحدث‬
‫الفريو�سات التاجية املكت�شفة التي ت�سبب جمموعة من االعتالالت املـُعدية يف الب�شر‪،‬‬
‫ترتاوح ح ّدتها ما بني نزلة الربد العادية �إلى املتالزمة التنف�سية احلادة الوخيمة‪.‬‬
‫وبح�سب منظمة ال�صحة العاملية ف�إنّ فريو�س كورونا (كوفيد ‪ )19‬هو امل�سبب‬
‫الرئي�س لهذا املر�ض‪ ،‬والذي ظهر يف دي�سمرب ‪ 2019‬يف مدينة ووهان ال�صينية‪،‬‬
‫وحتول �إلى جائحة عاملية �أثرت على العديد من بلدان العامل‪.‬‬
‫((( راجع موقع �شركة �سي�سكو‪ :‬نظر بتاريخ‪2020/06/29 :‬م‪:‬‬
‫‪https://www.cisco.com/c/ar_ae/products/collaboration-endpoints/webex-share/index.html‬‬
‫((( راجع املقابلة امل�صورة مع مدير منظمة ال�صحة العاملية‪ ،‬موقع �سي �إن �إن العربية‪ ،‬نظر بتاريخ‬
‫‪2020/08/04‬م‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://arabic.cnn.com/health/article/2020/03/11/whp-announces-coronavirus-spread-pandemic‬‬
‫((( راجع موقع العني الإخبارية‪ ،‬نظر بتاريخ ‪2020/08/04‬م‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://al-ain.com/article/speed-spread-corona‬‬

‫‪557‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫وال يعرف �إلى الآن ب�شكل قاطع ما هو م�صدر هذا الفريو�س‪ ،‬و�إن كانت �أغلب‬
‫الدرا�سات ت�شري �إلى �أنّ م�صدره حيواين‪� ،‬إال �أ ّنه من امل�ؤكد �أنّ طريقة انت�شار هذا‬
‫املر�ض هو �سوائل ج�سم امل�صاب من خالل ال�سعال‪� ،‬أو العط�س‪� ،‬أو عن طريق الأيدي‬
‫امللوثة‪� ،‬أو مل�س الأ�سطح امللوثة ثم مل�س العني �أو الأنف‪� ،‬أو الفم‪.‬‬
‫وت�ستمر فرتة ح�ضانة الفريو�س‪ ،‬وهي الفرتة بني التقاط العدوى وبدء ظهور‬
‫يوما‪ ،‬وغال ًبا ما تبد�أ بالظهور بعد حوايل خم�سة‬
‫الأعرا�ض من يوم �إلى �أربعة ع�شر ً‬
‫�أيام من الإ�صابة‪ ،‬ولذلك جل�أت ال�سلطات ال�صحية يف خمتلف دول العامل �إلى تطبيق‬
‫يوما‪ ،‬حتى تت�أكد‬
‫العزل �أو احلجر ال�صحي لكل م�صاب �أو م�شتبه به ملدة �أربعة ع�شر ً‬
‫من �سالمة ال�شخ�ص �أو زوال الأعرا�ض عنه‪.‬‬
‫وتظهر الإ�صابة بالعدوى من هذا الوباء من خالل ارتفاع يف درجة حرارة اجل�سم‪،‬‬
‫وال�سعال‪ ،‬و�ضيق يف التنف�س‪ ،‬واجلفاف‪ ،‬والإرهاق‪ ،‬وقد يحدث معه التهاب رئوي‪ ،‬كما‬
‫مت الإبالغ عن بع�ض الأعرا�ض املعوية املعدية‪ ،‬ت�شمل الإ�سهال‪.‬‬
‫ورغم ذلك تختلف ح ّدة الأعرا�ض من �شخ�ص لآخر‪ ،‬فالبع�ض رغم �إ�صابته‬
‫بالعدوى قد ال تظهر عليه �أ ّية �أعرا�ض‪ ،‬والبع�ض الآخر قد تكون العدوى التنف�سية‬
‫لديه معتدلة‪ ،‬والبع�ض الآخر تتفاقم حالته ال�صحية‪ ،‬وقد ت�صل يف بع�ض احلاالت �إلى‬
‫ف�شل يف التنف�س‪ ،‬والذي يتطلب تنف�س ا�صطناعي‪ ،‬والدعم يف وحدة العناية املركزة‪،‬‬
‫وقد ت�صل يف بع�ض احلاالت �إلى الوفاة‪.‬‬
‫وت�شتد الأعرا�ض لدى �شخ�ص واحد تقري ًبا من بني كل خم�سة �أ�شخا�ص م�صابني‬
‫بهذا املر�ض‪ ،‬ويتعافى معظم امل�صابني بهذا الداء دون احلاجة �إلى عالج خا�ص‪ ،‬فقد‬
‫بلغت ن�سبة ال�شفاء الذاتي �إلى ما يقارب(‪.)%80‬‬
‫و�أكرث النا�س ت�أث ًرا بهذا الوباء هم كبار ال�سنّ ‪ ،‬والأ�شخا�ص ذوي اجلهاز املناعي‬
‫ال�ضعيف‪ ،‬وامل�صابون ب�أمرا�ض مزمنة‪ ،‬مثل‪ :‬ال�سرطان‪ ،‬و�أمرا�ض الرئة‪ ،‬وداء ال�سكري‪.‬‬
‫وال يوجد عالج مقبول �أو لقاح حتى الآن؛ لذلك جل�أت جميع الدول واملنظمات‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪558‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫العاملية املعنية بتطبيق جملة من الإجراءات االحرتازية‪ ،‬ومن �أهمها التباعد الفيزيائي‬
‫�أو االجتماعي‪ ،‬مما �أدى �إلى تغري منط احلياة الطبيعي الذي يعرفه ال ّنا�س(((‪.‬‬
‫ويكمن التحدي الكبري يف مواجهة هذه اجلائحة يف �سرعة االنت�شار الوا�سع‬
‫للعدوى بني ال ّنا�س يف حال املخالطة بامل�صابني‪ ،‬مما ي�ؤدي �إلى �إرهاق الطواقم‬
‫الطبية‪ ،‬وف�شل احتواء انت�شار املر�ض؛ مما دفع الدول التخاذ جملة من الإجراءات‬
‫االحرتازية ملواجهة هذا التحدي‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫�إجراء عقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر يف املحاكم ال�شرعية‬
‫يف دولة الإمارات العربية املتحدة‬

‫لقد �سعت اجلهات احلكومية يف دولة الإمارات العربية املتحدة �إلى �سلوك م�سلك‬
‫التطوير يف اخلدمات املقدمة للمتعاملني وحت�سينها‪ ،‬ومنها اجلهات الق�ضائية‬
‫التي طوعت التقنيات احلديثة لالرتقاء باخلدمات العدلية املقدمة؛ والتي تهدف‬
‫لت�سهيل و�صول اخلدمات للنا�س وفق معايري جودة العمل الإداري املعا�صر‪ ،‬والذي‬
‫كان للعن�صر التقني ح�ضوره امل�شاهد يف تقدمي �أغلب اخلدمات من خالل برامج‬
‫متخ�ص�صة تدعم هذا التوجه‪ ،‬مع احلفاظ على خ�صو�صية امل�ستخدمني‪ ،‬وال�سهولة‬
‫يف التطبيق‪.‬‬
‫ومن اخلدمات املقدمة من قبل وزارة العدل يف دولة الإمارات العربية املتحدة‬
‫�إجراء عقد ال ّنكاح عن بعد عرب االت�صال املرئي املبا�شر‪ ،‬والذي �أثبتت الإجراءات‬
‫االحرتازية يف ظل جائحة كورونا ب�أنّ هذا االجتاه يعترب �ضرورة ملحة يف بع�ض‬
‫((( راجع موقع ال�صحة العاملية‪ ،‬نظر بتاريخ‪2020/08/03 :‬م‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-‬‬
‫‪coronaviruses‬‬
‫وراجع موقع هيئة ال�صحة بدبي‪ ،‬نظر بتاريخ‪2020/08/03 :‬م‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://www.dha.gov.ae/ar/covid19/pages/coronavirus.aspx‬‬

‫‪559‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫الظروف‪ ،‬فقد تعذر التوا�صل املبا�شر مع املتعاملني ك�إجراء احرتازي للمحافظة على‬
‫�سالمة املجتمع‪.‬‬
‫و ُيعترب نظام عقد ال ّنكاح عن بعد من مك ّمالت نظام عقود الزّواج الإلكرتوين‪،‬‬
‫الذي يمُ ّكن املتعامل من تقدمي الطلب عرب نظام اخلدمات املوحد للجهات احلكومية‪:‬‬
‫(‪ ،)SmartPass‬وحجز موعد مع امل�أذون ال�شرعي‪ ،‬وتقدمي جميع الأوراق املطلوبة‪،‬‬
‫و�سداد الر�سم املقرر �إلكرتون ًيا عرب �أجهزة احلا�سب الآيل‪ ،‬والأجهزة اللوحية‪،‬‬
‫والأجهزة الإلكرتونية‪ ،‬دون احلاجة �إلى املعامالت الورقية‪� ،‬أو االلتقاء ال�شخ�صي بني‬
‫جميع �أطراف العقد(((‪.‬‬
‫وبعد التحقق من ا�ستيفاء جميع اال�شرتاطات ال�شرعية والقانونية املن�صو�ص‬
‫عليها يف قانون الأحوال ال�شخ�صية الإماراتي‪ ،‬رقم‪ )28( :‬ل�سنة ‪2005‬م من‬
‫قبل امل�أذون‪ ،‬يتم حتديد املوعد لعقد النكاح عرب تقنية الفيديو عرب برنامج‪:‬‬
‫(‪ ،)Zoom‬ويف املوعد املحدد يجتمع جميع �أطراف العقد‪ ،‬وال�شهود مع امل�أذون‬
‫ال�شرعي‪ ،‬ويتم ت�سجيل اللقاء‪ ،‬ويتم خالله الرتحيب بالأطراف وال�شهود‪ ،‬وبيان‬
‫طبيعة الإجراءات املتبعة‪ ،‬والتحقق من �صفتهم ال�شخ�صية‪ ،‬والقانونية‪ ،‬ور�ضا‬
‫املر�أة‪ ،‬ومن ثم التّلفظ بالإيجاب والقبول بني الويل واخلاطب‪ ،‬وبعد اعتماد امل�أذون‬
‫ير�سل رابط للأطراف للتوقيع الإلكرتوين على املعاملة‪ ،‬وكذلك ال�شهود‪ ،‬ثم يعتمد‬
‫امل�أذون ال�شرعي املعاملة كاملة‪.‬‬
‫وبعد ذلك يقوم امل�أذون ال�شرعي ب�إر�سال ن�سخة من املعاملة عرب القناة الإلكرتونية‬
‫�إلى املحكمة املخت�صة لتقوم بدورها بالتدقيق ال�شرعي والقانوين املعتاد‪ ،‬وبعد‬
‫اعتماده‪ ،‬يتم �إ�صدار وثيقة عقد ال ّنكاح‪ ،‬و�إر�سالها للزوجني عرب الهواتف امل�سجلة‬
‫عند تقدمي الطلب(((‪.‬‬
‫((( ينظر موقع وزارة العدل بدولة الإمارات العربية املتحدة‪ُ ،‬نظر بتاريخ‪2020/06/06 :‬م‪:‬‬
‫‪https://www.moj.gov.ae/ar/services/esystems/defaultaspx.aspx‬‬
‫((( �أفاد البحث بجميع هذه التفا�صيل م�شافهة الدكتور‪ /‬علي �صالح مراد امل�أذون ال�شرعي يف حماكم =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪560‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫ولو ت�أملنا هذه ال�صورة جند ب�أنّ جميع �أركان العقد‪ ،‬و�شروطه ال�شرعية‪،‬‬
‫والإجرائية قد توفرت‪ ،‬فال يتم العقد �إال بح�ضور الرجل‪ ،‬واملر�أة‪ ،‬ووليها‪ ،‬وال�شهود‪،‬‬
‫ويتم ذلك عرب اجلهة الر�سمية التي �أناط بها ويل الأمر توثيق العقود‪ ،‬ويتم الت�أكد‬
‫من خلو العقد من �أية موانع �شرعية‪ ،‬وال جمال للتقدم بطلب �إجراء عقد ال ّنكاح مع‬
‫تخلف �شيء من ذلك‪.‬‬
‫وجمل�س العقد الذي اجتمع فيه الأطراف كافة هو جمل�س افرتا�ضي عرب و�سائل‬
‫االت�صال الإلكرتونية‪ ،‬يتحدث اجلميع ب�صوت م�سموع‪ ،‬ويرى بع�ضهم البع�ض‪،‬‬
‫ويتبادلون �أطراف احلديث بدون وجود فا�صل زمني‪ ،‬و�إن كان اجلميع ال يجتمعون يف‬
‫مكان حقيقي واحد‪.‬‬

‫= عجمان ال�شرعية‪ ،‬وذلك خالل مكاملة هاتفية بتاريخ ‪2020/06/27‬م‪ ،‬وينظر‪ :‬موقع وزارة العدل‬
‫الإماراتية خرب بعنوان‪ :‬العدل توفر خدمات عقد الزواج عن بعد‪ ،‬نظر بتاريخ‪2020/06/06 :‬م‪:‬‬
‫‪https://www.moj.gov.ae/ar/media-center/news.aspx#page=1‬‬

‫‪561‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫املبحث الثاين‬
‫التكييف الفقهي وحكم �إجراء عقد النّكاح عرب و�سائل االت�صال‬
‫املرئي املبا�شر و�ضوابط ذلك‬
‫وفيه ثالثة مطالب على النحو الآتي‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫التكييف الفقهي لعقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر‬

‫رغم �أهمية التكييف الفقهي �إال �أنه لفت نظر الباحث �أنّ �أغلب الكتابات يف هذا‬
‫املو�ضوع مل تظهر هذه اجلزئية بال�ش ّكل املطلوب‪ ،‬ولذلك �أ�سبابه املو�ضوعية(((؛‬
‫ولذلك جاء بحث با�سل احلايف بعنوان‪( :‬التكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته‬
‫ال�شرعية وفق و�سائل وتقنيات االت�صال املعا�صر) لي�سد هذا الأمر‪ ،‬و�إن كان م�ضمون‬
‫البحث جتاوز م�س�ألة التكييف الفقهي مبعناه الدقيق‪ ،‬والذي يعني ذكر الو�صف‬
‫الفقهي املنا�سب‪ ،‬وتعدى ذلك �إلى �أمور �أخرى(((‪� ،‬إال �أنه �أجاد عندما ربط التكييف‬
‫الفقهي مبجل�س العقد؛ لأنّ و�سائل االت�صال احلديث لي�ست من و�سائل التعبري عن‬
‫ال ّر�ضا‪ ،‬و�إنمّ ا هي و�سيلة من و�سائل �إي�صال �صيغه(((‪ ،‬وجمل�س العقد هو احلالة التي‬
‫يكون عليها املتعاقدون يف زمن حمدد(((‪ ،‬يف واقع افرتا�ضي بديل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ال�سعي للو�صول �إلى احلكم ال�شرعي‪ ،‬وان�شغال كثري من الباحثني يف ا�ستق�صاء ما ذكره الفقهاء‬ ‫(((‬
‫من �أحكام تتعلق ب�صيغة العقد‪ ،‬كما �أنّ جملة من الباحثني املعا�صرين ال يف ّرق بني معنى التكييف‬
‫الفقهي‪ ،‬والتخريج الفقهي‪ ،‬وال يت�سع املقام ملناق�شة جميع ذلك‪.‬‬
‫انظر‪ :‬التكييف الفقهي ملجل�س العقد‪�( ،‬ص‪ ،)54 :‬وقد تط ّرق �إلى الت�صوير الفقهي وذلك للتالزم‬ ‫(((‬
‫بينهما‪ ،‬ثم تعدى ذلك �إلى احلكم الفقهي والتخريج الفقهي للم�س�ألة‪ ،‬اً‬
‫و�صول لل�شروط العامة واخلا�صة‬
‫للتعاقد الإلكرتوين‪ ،‬ورغم ذلك مال �إلى منع �إجراء عقد النكاح عن طريق الو�سائل احلديثة مطل ًقا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مبد�أ الر�ضا يف العقود درا�سة مقارنة يف الفقه الإ�سالمي والقانون املدين‪ ،‬القره داغي‪�( ،‬ص‪.)904 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬وهبة الزحيلي‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪= ،‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪562‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫فا�ستخدام هذه الو�سائل يف العقود لي�ست من قبيل ا�ستحداث �صيغة جديدة‬


‫للتعبري عن ال ّر�ضا بالعقد‪ ،‬و�إنمّ ا هي و�سيلة لإي�صال ال�صيغة القولية ب�ألفاظها‬
‫�شرعا‪ ،‬و�إن كان “اللفظ لي�س مق�صودًا لذاته على �سبيل ال�شكلية يف العقود‪،‬‬
‫املعتربة ً‬
‫بل لأ ّنه �أف�ضل ترجمان عن الإرادة ب�صورة وا�ضحة”(((‪.‬‬
‫وبهذا يتبني ب�أنّ التكييف الفقهي لإجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي‬
‫املبا�شر هو ا�ستخدام و�سيلة لإي�صال ال�صيغة اللفظية للعقد يف واقع افرتا�ضي‪ ،‬ولي�س‬
‫ا�ستحداث �صيغة جديدة لإن�شاء العقد‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم عقد النّكاح باالت�صال املرئي املبا�شر‬

‫عموما حمل اهتمام العلماء‬ ‫لقد كانت م�س�ألة ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث ً‬
‫املعا�صرين‪ ،‬و�أقدم من تناول حكم �إجراء العقود بهذه الو�سائل ال�شيخ �أحمد �إبراهيم‬
‫بك(((‪ ،‬ثم ُبحثت هذه امل�س�ألة ب�شيء من التو�سع يف جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‬
‫بجدة يف دورته ال�ساد�سة يف اململكة العربية ال�سعودية من ‪� 23-17‬شعبان ‪1410‬هـ‬
‫املوافق‪ 20-14 :‬مار�س ‪1990‬م‪ ،‬والذي انتهى يف قراره رقم‪ )54/3/6( :‬ب�ش�أن حكم‬
‫�إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة �إلى جواز التعاقد يف املعامالت املالية بو�سائل‬
‫االت�صال احلديث ويكون االنعقاد عند و�صول الإيجاب �إلى املوجه �إليه وقبوله‪ ،‬يعترب‬
‫التعاقد يف هذه احلالة تعاقدًا بني حا�ضرين وتطبق على هذه احلالة الأحكام الأ�صلية‬
‫املقررة لدى الفقهاء‪ ،‬وال ي�صح �إجراء عقد ال ّنكاح ال�شرتاط الإ�شهاد‪ ،‬وال عقد‬
‫ال�صرف ال�شرتاط التقاب�ض‪ ،‬وال ال�سلم ال�شرتاط تعجيل ر�أ�س املال(((‪.‬‬
‫= العدد‪ ،)887/2( ،6 :‬والتكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته‪ ،‬احلايف‪�( ،‬ص‪.)50 :‬‬
‫((( املدخل الفقهي العام‪ ،‬م�صطفى الزرقا‪.)419/1( ، ،‬‬
‫((( وذلك يف بحثه‪ :‬العقود‪ ،‬وال�شروط واخليارات‪�( ،‬ص‪.)656‬‬
‫((( انظر‪ :‬القرار يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‪ ،‬العدد‪.)1267/2( ،6 :‬‬

‫‪563‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫ومن نافلة القول بيان �أنّ ا�ستخدام و�سيلة االت�صال املرئي املبا�شر �أخ�ص من‬
‫م�س�ألة ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديثة‪ ،‬فالو�سائل متعددة‪ ،‬ولأهمية عقد ال ّنكاح‬
‫فقد تناوله الباحثون بني مو�سع وم�ضيق‪� ،‬إال �أنّ �أغلب من تناول حكمه كان على �سبيل‬
‫التبع ّية للعقود املالية‪ ،‬وملخ�ص هذه الآراء يف ثالثة �أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الأول‪ :‬يمُ نع �إجراء عقد ال ّنكاح ب�أية و�سيلة من و�سائل االت�صال احلديث‬
‫مطلقًا‪ ،‬وهو ما جاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل(((‪ ،‬وعليه‬
‫فتوى ال ّلجنة الدائمة للإفتاء يف اململكة العربية ال�سعودية(((‪ ،‬ون�سبه‬
‫البع�ض �إلى جممع الفقه الهندي(((‪ ،‬وقال به جمموعة من املفتني على‬
‫املواقع الإلكرتونية(((‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬جواز �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث مطل ًقا‪ ،‬وهو قول‬
‫ال�شيخ �أحمد �إبراهيم بك(((‪ ،‬وم�صطفى الزرقا(((‪ ،‬وبدران �أبو العينني(((‪،‬‬
‫ووهبة الزحيلي(((‪ ،‬وحممد عقلة الإبراهيم(((‪ ،‬ومفيدة �إبراهيم(‪،((1‬‬
‫((( انظر‪ :‬القرار ال�سابق‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬الفتوى رقم‪.)91-90/12( ،)1216( :‬‬
‫((( انظر‪ :‬حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪ ،‬مفيدة �إبراهيم‪�( ،‬ص‪ ،1249( :‬وبعد‬
‫حماولة االطالع على ر�أيهم تعذر ذلك؛ لوجود خلل رمبا يف املوقع الإلكرتوين‪ ،‬راجع موقع جممع الفقه‬
‫الهندي‪.http://www.ifa-india.org/arabic.php?do=home&pageid=library :‬‬
‫((( انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪ ،‬ويف حمرك البحث جوجل بع�ض منها‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬العقود وال�شروط واخليارات‪� ،‬أحمد بك‪�( ،‬ص‪.)656‬‬
‫((( ن�سب له الفتوى م�شافهة حممد عقلة يف �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة‪�( ،‬ص‪.)113 :‬‬
‫((( انظر‪� :‬أحكام الزواج والطالق يف الإ�سالم‪� ،‬أبو العينني بدران‪� ،‬ص‪ ،41 :‬نقال عن �إجراء العقود بو�سائل‬
‫االت�صال احلديثة‪ ،‬حممد عقلة الإبراهيم‪�( ،‬ص‪ ،)113 :‬ومت الرجوع �إلى الطبعة الثانية من الكتاب لأبو‬
‫العينني‪ ،‬وال يوجد �أي تطرق لو�سائل االت�صال احلديث‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬وهبة الزحيلي‪ ،‬العدد‪.)888-887/2( ،6 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة‪ ،‬حممد عقلة الإبراهيم‪�( ،‬ص‪.)113 :‬‬
‫(‪((1‬انظر‪ :‬حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪ ،‬مفيدة �إبراهيم‪�( ،‬ص‪.)1248 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪564‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫و�أ�سامة عمر الأ�شقر(((‪ ،‬وهو احتمال لدار الإفتاء امل�صرية(((‪ ،‬وهو ر�أي‬
‫�صالح الغليقة عند احلاجة وتعذر اجتماع العاقدين (((‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التف�صيل(((‪ ،‬فيجوز �إجراء العقود بالو�سائل احلديثة التي ت�شبه الكتابة‬
‫مثل‪ :‬التلغراف‪ ،‬والربقية‪ ،‬والتلك�س‪ ،‬والتوقف يف الهاتف على ح�ضور ال�شهود‬
‫للعقد‪ ،‬وهو ر�أي �إبراهيم الفا�ضل الدبو(((‪.‬‬
‫وعند التدقيق يتبني ب�أنّ القول الثالث ي�أخذ من كل قول بن�صيب‪ ،‬ولذلك �سيتم‬
‫بحث امل�س�ألة باعتبار القولني‪ ،‬و�أدلتهما‪.‬‬
‫� اًأول‪� :‬أدلة القائلني باملنع‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون باملنع ب�أدلة منها‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن ابن عبا�س ‪« :‬ال نكاح �إال بويل و�شاهدي عدل»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬يدل الأثر على وجوب �شهادة ال�شهود على عقد ال ّنكاح(((‪ ،‬والتعاقد‬
‫((( م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والطالق‪� ،‬أ�سامة الأ�شقر‪�( ،‬ص‪.)111 :‬‬
‫((( وقد جاء فيها‪�“ :‬أما الكالم يف امل�سرة (التليفون) فالتحقق فيه من �صوت الزوج فيه ع�سر‪ ...‬وميكن‬
‫�أن يقال‪� :‬إنه بتطور �آالت االت�صال التي تنقل بها ال�صورة مع ال�صوت قد يح�صل الت�أكد من �شخ�صية‬
‫الطرفني وكالمهما بالإيجاب والقبول‪ ،‬وجترى هذه الر�ؤية عن بعد جمرى احل�ضور يف املجل�س الواحد‬
‫الذي ا�شرتطه الفقهاء‪ .‬وهنا يكون العقد �صحيحا”‪ ،‬ا‪.‬هـ‪ ،‬عقد الزواج بامل�سرة‪ ،‬املفتي‪ :‬عطية �صقر‪،‬‬
‫مايو ‪1997‬م‪ ،‬فتاوى دار الإفتاء امل�صرية‪ ،‬املكتبة ال�شاملة‪.)500/9( ،‬‬
‫((( انظر‪� :‬صيغ العقود يف الفقه الإ�سالمي‪� ،‬صالح الغليقة‪�( ،‬ص‪.)519 :‬‬
‫((( نقل موقع الإ�سالم �س�ؤال وجواب‪ :‬يف حكم �إجراء عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنرتنت‪ ،‬املكتبة‬
‫ال�شاملة‪ ،)218/6( ،‬عن ال�شيخ ابن باز اجلواز �إذا كان العقد عرب الهاتف و�سمعه ال�شهود‪ ،‬وعلقه‬
‫‪ ‬على �أمن التالعب‪ ،‬ومل يجده الباحث بجهده املتوا�ضع يف فتاوى ابن باز املطبوعة‪ ،‬و�إن �صحت‬
‫ف�صل يف اجلواز‪ ،‬فيدخل قوله يف القولني‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫الن�سبة‪ ،‬فيكون ال�شيخ ُي ّ‬
‫((( انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪� ،‬إبراهيم الدبو‪ ،‬العدد‪.)867-866/2( ،6 :‬‬
‫((( �أخرجه الدارقطني‪ ،‬ال�سنن‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬حديث رقم‪ ،)3521( :‬والبيهقي‪ ،‬ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب‬
‫مرفوعا‪ ،‬وال ي�صح‪ ،‬ورجح الدارقطني‪،‬‬
‫ً‬ ‫النكاح‪ ،‬باب ال نكاح �إال بويل‪ ،‬حديث رقم‪ ،)13650( :‬وروي‬
‫والبيهقي‪ ،‬وابن عبدالهادي وقفه‪ ،‬انظر‪ :‬ابن عبدالهادي‪ ،‬تنقيح التحقيق‪.)202/4( ،‬‬
‫((( اتفق العلماء على عدم م�شروعية كتمان عقد ال ّنكاح‪ ،‬نقله غري واحد من �أهل العلم (انظر‪ :‬مو�سوعة =‬

‫‪565‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫عن طريق و�سائل االت�صال احلديث ال يتحقق فيه هذا ال�شرط(((‪ ،‬فال ميكن �أن‬
‫يح�ضر ال�شهود لفظ الإيجاب والقبول من الطرفني‪ ،‬وعلى ذلك يكون العقد فاقدً ا‬
‫ل�شرط من �شروط ال�صحة(((‪.‬‬
‫ميكن مناق�شة اال�ستدالل ب�أنه‪ :‬لي�س حمل البحث ت�صحيح ال ّنكاح مع فقد �شرط‬
‫من �شروط ال�صحة املعتربة‪ ،‬بل حم ّل البحث �إذا وجدت هذه ال�شروط‪ ،‬ومت االت�صال‬
‫املرئي املبا�شر‪ ،‬هل يعترب هذا االت�صال يف حكم االت�صال احلقيقي وي�صح �إجراء‬
‫العقد؟ �أم ال يعترب؟‬
‫وال جمال للبحث يف حال فقد �شرط من �شروط ال�صحة؛ لأنّ ذلك ال يختلف فيه‬
‫احلكم �سوا ًء �أكان العقد بني حا�ضرين �أم من خالل و�سيلة من و�سائل االت�صال‪.‬‬
‫كما �أنّ ال�صورة حمل البحث يح�ضر فيها ال�شهود‪ ،‬ويتم التحقق من ذلك‪ ،‬وال يتم‬
‫�إجراء املعاملة �إال بعد ا�ستيفاء جميع ال�شروط ال�شرعية‪ ،‬ويكون ح�ضورهم بال�صوت‬
‫وال�صورة‪ ،‬ويتم تثبيت ح�ضورهم يف وثيقة ال ّنكاح‪ ،‬ويتم التوقيع كذلك عليها من‬
‫قبلهم‪ ،‬وعلى ذلك ال بقاء لهذا االعرتا�ض‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬إنّ عقد ال ّنكاح مبناه على االحتياط(((‪ ،‬ومن ذلك ا�ستنبط العلماء‬
‫�أنّ الأ�صل يف الأب�ضاع التحرمي(((؛ ولذلك منع جمهور العلماء عقد ال ّنكاح بوا�سطة‬
‫= الإجماع يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ظافر العمري‪ )184/3( ،‬ولكن اختلفوا يف و�سيلة حتقق ذلك‪ ،‬فذهب‬
‫اجلمهور من احلنفية‪ ،‬وال�شافعية‪ ،‬واحلنابلة يف امل�شهور �إلى وجوب الإ�شهاد على العقد‪ ،‬وذهب املالكية‬
‫�إلى �أنّ الإ�شهاد �شرط �صحة‪ ،‬ولكن يجوز ت�أخريه عن جمل�س العقد‪ ،‬ولكن ال ي�صح �أن يتم الدخول‬
‫بدون �إ�شهاد �أو �إعالن‪ ،‬وعن الإمام �أحمد رواية بعدم ا�شرتاط ال�شهادة‪ .‬انظر‪ :‬الهداية يف �شرح بداية‬
‫املبتدي‪ ،)185/1( ،‬ال�شرح ال�صغري مع حا�شية ال�صاوي‪ ،)555/2( ،‬والإقناع يف حل �ألفاظ �أبي‬
‫�شجاع‪ ،)241/2( ،‬واملغني‪.)374/9( ،‬‬
‫انظر‪ :‬وذلك ما جاء يف القرار رقم‪ )54/3/6( :‬ب�ش�أن حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪� ،‬إبراهيم الدبو‪.)867/2( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة‪ ،)91/18( ،‬وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪،‬‬ ‫(((‬
‫مفيدة‪�( ،‬ص ‪.)1249‬‬
‫انظر‪ :‬اجلمع والفرق‪ ،)539/3( ،‬وميزان الأ�صول يف نتائج العقول‪�( ،‬ص ‪.)282‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪566‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫الكتابة(((‪ ،‬رغم �أ ّنها من و�سائل التعبري عن ال ّر�ضا يف غري ال ّنكاح(((‪ ،‬فيكون املنع من‬
‫إعمال لالحتياط‪.‬‬‫و�سائل االت�صال احلديث من باب �أولى(((‪ � ،‬اً‬
‫ميكن �أن يناق�ش ب�أنّ ‪ :‬ما ُذكر من االحتياط يف عقد ال ّنكاح‪ ،‬لهو �أمر معترب بو�ضع‬
‫ال�شارع وال خالف فيه‪ ،‬ف�إنّ ال�شارع بينّ �أحكام ال ّنكاح‪ّ ،‬‬
‫وف�صل فيها مبا ي�ضمن حت ّقق‬
‫مق�صد حفظ الن�سل‪ ،‬مبراعاته من جانب الوجود والعدم(((‪ ،‬و�إعمال االحتياط عند‬
‫الفقهاء �إنمّ ا يكون عندما ال يت�ضح لهم �صالحية الطريق وم�شروعيتها‪ ،‬وقد قال ابن‬
‫القيم‪ ”:‬االحتياط �إنمّ ا ي�شرع‪� ،‬إذا مل تتبني ال�س ّنة‪ ،‬ف�إذا تبينت فاالحتياط هو اتباعها‬
‫وترك ما خالفها”(((‪.‬‬
‫وقاعدة الأ�صل يف الأب�ضاع التحرمي‪ ،‬ال جدال فيها‪ ،‬ولكن كذلك الأ�صل يف �أموال‬
‫الغري احلرمة‪ ،‬فقد �أ ّكد النبي ﷺ على الأمرين يف خطبة الوداع‪ ،‬حني قال‪َ « :‬ف�إِنَّ‬
‫ِد َما َء ُك ْم َو�أَ ْم َوا َل ُك ْم َو َ�أ ْع َر َ‬
‫ا�ض ُك ْم َع َل ْي ُك ْم َح َرا ٌم‪َ ،‬ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َه َذا‪ ،‬فيِ َب َل ِد ُك ْم َه َذا‪،‬‬
‫�صحح العلماء املعا�صرون �إجراء العقود بو�سائل‬ ‫فيِ َ�ش ْه ِر ُك ْم َه َذا»(((‪ ،‬ورغم ذلك ّ‬
‫كاف‬ ‫االت�صال احلديث التي قد تنقل ال�صيغة كتاب ًيا فقط‪ ،‬وذلك العتبارهم �أنّ ذلك ٍ‬
‫للتعبري عن الر�ضا‪ ،‬ومت�س احلاجة �إليه‪ ،‬وتطمئن النف�س له(((‪.‬‬
‫وال قائل با�ستباحة الأب�ضاع بدون وجه �شرعي‪ ،‬بل �إنّ عقد ال ّنكاح يتم بجميع‬
‫وهو مذهب املالكية‪ ،‬وال�شافعية‪ ،‬واحلنابلة‪ ،‬وجوزه احلنفية ب�شرط ح�ضور ال�شهود‪ ،‬انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪،‬‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)231/2‬وال�شرح ال�صغري‪ ،)752/2( ،‬واملجموع‪ ،)167/9( ،‬ك�شاف القناع‪. )237/11( ،‬‬
‫ذهب اجلمهور‪ ،‬وهو اختيار حمققي مذهب ال�شافعية �صحة انعقاد البيع بالكتابة‪ ،‬انظر‪ :‬رد املحتار على‬ ‫(((‬
‫الدر املختار‪ ،)26/7( ،‬وال�شرح ال�صغري‪ ،)315/3( ،‬واملجموع‪ ،)167/9( ،‬والإقناع‪.)152/2( ،‬‬
‫انظر‪ :‬حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪ ،‬مفيدة‪�( ،‬ص ‪.)1249‬‬ ‫(((‬
‫مراعاة جانب الوجود يف �ضرورة حفظ الن�سل‪ :‬يكون بفعل ما به قيام �أركانه ويثبت قواعده‪ ،‬ومراعاته‬ ‫(((‬
‫من جانب العدم‪ :‬بالأمر مبا يدر أ� عنه االختالل الواقع �أو املتوقع فيه‪ ،‬انظر‪ :‬املوافقات‪.)18/2( ،‬‬
‫انظر‪ :‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪.)196/2( ،‬‬ ‫(((‬
‫متفق عليه‪ :‬رواه البخاري‪ ،‬ال�صحيح‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب اخلطبة يف منى‪ ،‬حديث رقم‪،)1739( :‬‬ ‫(((‬
‫وم�سلم‪ ،‬ال�صحيح‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب حجة النبي ﷺ‪ ،‬حديث رقم‪.)1218( :‬‬
‫�سبق الإ�شارة �إلى ذلك يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪567‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫�أركانه و�شروطه ال�شرعية‪ ،‬وحتت �إ�شراف جهة ق�ضائية‪ ،‬وفق �ضوابط �إدارية ال ب ّد‬
‫منها ل�ضمان حتقيق مقا�صد عقد ال ّنكاح‪ ،‬منها املجل�س الق�ضائي للعقد‪ ،‬وهذا �أمر ال‬
‫يتحقق يف العقود املالية‪.‬‬
‫وكل م�س�ألة قبل البحث والتحري حمل التبا�س لدى املك ّلف‪ ،‬ولذلك يجتهد العلماء‬
‫يف �إزالة هذا ال ّلب�س من خالل البحث والت�أمل‪ ،‬وتطبيق القواعد الكلية‪ ،‬للو�صول �إلى‬
‫حكم �شرعي مع ا�ست�شراف م�آالت تطبيق الأحكام‪.‬‬
‫وحم ّل ال ّنظر‪ :‬هل هذه الو�سيلة املرئية املبا�شرة التي جتمع الأطراف يف واقع‬
‫افرتا�ضي‪ ،‬ت�صلح لإمتام عقد ال ّنكاح ُم�ستويف �شروط ال�صحة؟ وميكن الوثوق فيها؛‬
‫بديل عن االجتماع احلقيقي‪ ،‬وتكون حمل اعتبار للجهات املخت�صة بتوثيق‬ ‫فتكون اً‬
‫العقود؟ �أم ال ت�صلح؟‬
‫وعلى ذلك فال �إهمال لأمر االحتياط عند �إجراء عقد ال ّنكاح بهذه الو�سيلة‪ ،‬وال‬
‫ا�ستباحة للأب�ضاع بغري الطريق امل�شروعة‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫عموما ال ي�أمن النا�س معها‬
‫الدليل الثالث‪ :‬يف ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث ً‬
‫دخول اخلداع والتغرير عن طريق حماكاة �أ�صوات الآخرين‪ ،‬وهذا يخالف مقا�صد‬
‫ال�شريعة يف حفظ الأعرا�ض(((‪.‬‬
‫ميكن �أن يناق�ش ب�أنّ ‪ :‬هذا �أمر قائم االحتمال حتى يف التعاقد املبا�شر يف ال ّنكاح‬
‫وغريه؛ كما يف انتحال �شخ�صية املالك �أو الويل‪� ،‬أو �أن يدعي �شخ�ص ملكية املبيع‪،‬‬
‫كما �أنّ هذا االحتمال موجود يف التعاقد يف جميع الو�سائل حتى يف الو�سائل الكتابية‬
‫وال�صوتية‪ ،‬قال ال�شيخ �أحمد �إبراهيم بك‪“ :‬غاية الأمر �أنه يحتمل الكذب وت�صنع �صوت‬
‫الغري‪ ،‬لكن هذا قد يح�صل يف الر�سالة والكتابة �أي ضً� ا”(((‪ ،‬وال ينكر الباحث �أنّ م�س�ألة‬
‫التغرير تزيد احتماليتها مع ا�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث‪ ،‬ورغم هذا االحتمال‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة‪ ،)91/18( ،‬وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪،‬‬
‫مفيدة‪�( ،‬ص ‪.)1249‬‬
‫((( العقود وال�شروط واخليارات‪� ،‬أحمد �إبراهيم بك‪�( ،‬ص‪.)656 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪568‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫�أجاز املخت�صون يف املعامالت املالية املعا�صرة التعاقد عن طريق و�سائل االت�صال‬


‫يحا لغلبة الظنّ ‪ ،‬وعدم ت�أثري هذا االحتمال‪ ،‬و�أرجعوا م�س�ألة الإثبات �إلى‬
‫ترج ً‬
‫احلديث ّ‬
‫القواعد العامة يف ال�شريعة الإ�سالمية(((؛ وكذلك يكون احلال مع عقد ال ّنكاح‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أدلة القائلني باجلواز‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون باجلواز ب�أدلة منها‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬الر�ضا هو الأ�سا�س يف �إبرام العقود(((‪ ،‬ويجوز ب�أي م�سلك يدل عليه‪،‬‬
‫ن�ص عليها الفقهاء يف عقد ال ّنكاح جواز �إجرائه باملرا�سلة والكتابة‬
‫ومن الو�سائل التي ّ‬
‫متى ما ح�ضر على ذلك ال�شهود(((‪ ،‬كما هو القول عند احلنفية‪ ،‬قال الكا�ساين‪:‬‬
‫“وكما ينعقد ال ّنكاح بالعبارة ينعقد بالإ�شارة من الأخر�س �إذا كانت �إ�شارته معلومة‪،‬‬
‫وينعقد بالكتابة؛ لأنّ الكتاب من الغائب خطابه ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪.(((”-‬‬
‫ميكن �أن يناق�ش هذا اال�ستدالل ب�أمرين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬عقد ال ّنكاح بالكتابة لي�س حم ّل اتفاق بني املذاهب الفقهية‪ ،‬فاجلمهور‬
‫على خالفه(((‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تفارق الكتابة و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أنّ التعاقد بالكتابة هو تعاقد بني غائبني قط ًعا‪ ،‬بينما التعاقد‬
‫عن طريق و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر فله �شبه من التعاقد بني‬
‫احلا�ضرين والغائبني يف وقت واحد‪ ،‬فهو مثل التعاقد بني احلا�ضرين‬
‫من ناحية �أنّ �أحدهما ي�سمع ويرى الآخر مبا�شرة‪ ،‬وال تنق�ضي فرتة زمنية‬
‫انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬حممد احلاج النا�صر‪ ،‬جملة جممع الفقه‬ ‫(((‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪ ،)1036/2( ،6 :‬وكذلك ورد ذلك يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي ال�سابق‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح القدير‪ ،)191/3( ،‬والذخرية‪ ،)196/7( ،‬ور�ضة الطالبني‪ ،)9/3( ،‬واملغني‪.)9/6( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪� ،‬إبراهيم الدبو‪.)867-863/2( ،‬‬ ‫(((‬
‫بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،)231/2( ،‬وانظر‪ :‬رد املحتار على الدر املختار‪.)513/4( ،‬‬ ‫(((‬
‫�سبقت الإ�شارة �إلى �أنّ اجلمهور على املنع من �إجراء عقد الكتابة يف عقد النكاح‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪569‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫بني �صدور التعبري عن الإرادة �إيجا ًبا اً‬


‫وقبول‪ ،‬وو�صوله �إلى علم الآخر‪ ،‬وال‬
‫يوجد فا�صل بني التعبريين‪ ،‬فتَعبري �أحدهما عن �إرادته ي�صل �إلى علم‬
‫الآخر فور �صدوره‪ ،‬كما لو كانا يف جمل�س واحد‪ ،‬ولذلك يعترب العقد بينهما‬
‫من حيث زمن انعقاده كما لو كان بني حا�ضرين‪ ،‬ولكنه يف جانب �آخر‬
‫ي�شبه العقد بني غائبني؛ ذلك �أنّ مكان كل واحد من املتعاقدين خمتلف‬
‫عن الآخر تف�صل بينهما م�سافة‪ ،‬و أ� ّنه ال يعلم كل منهما بتحركات الآخر‪،‬‬
‫ولذلك ال ينبغي �أن يعامل معاملة العقد بني احلا�ضرين يف كل اجلوانب‪،‬‬
‫بل يحكم ب�أنّ املجل�س ينتهي بانتهاء عملية التوا�صل(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أنّ الكتابة هي و�سيلة من و�سائل التعبري عن ال ّر�ضا‪ ،‬وترتاخى‬
‫عادة‪ ،‬بينما و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر لي�ست و�سيلة م�ستقلة‪ ،‬بل‬
‫تقوم بنقل ال�صيغة اللفظية كما �سبق بيان ذلك يف التكييف الفقهي؛ فهي‬
‫و�سيلة من و�سائل نقل وتبليغ ال ّر�ضا املعرب عنه باللفظ يف واقع افرتا�ضي‬
‫مبا�شرة‪ ،‬يتحد يف الزّمن‪ ،‬وقد يختلف يف املكان‪.‬‬
‫وعلى ذلك فال ينطبق التعاقد بالكتابة على و�سيلة االت�صال املرئي املبا�شر‪ ،‬و�إن‬
‫كان ينطبق على الو�سائل التي تعتمد الكتابة‪ ،‬مثل‪ :‬التلك�س‪ ،‬والتلغراف‪ ،‬والربيد‬
‫الإلكرتوين‪ ،‬وال ميكن �أن يعمم ذلك على اجلميع‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬املطلوب لإن�شاء العقود �سماع الإيجاب والقبول‪� ،‬أو االلتقاء �أو‬
‫الإدراك ب�أية و�سيلة كانت‪ ،‬فمتى ما حتقق �شيء من ذلك �صح العقد((( ورتب �أثره‪،‬‬
‫كما يف عقد املتباعدين الذي ذكره ال�شافعية‪ ،‬قال النووي‪“ :‬لو تناديا وهما متباعدان‬
‫وتبايعا �صح البيع بال خالف”(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬القره داغي‪ ،)938/2( ،‬بت�صرف ي�سري‪ ،‬وحكم‬
‫�إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪� ،‬إبراهيم الدبو‪.)872/2( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديث‪ ،‬القره داغي‪.)929/2( ،‬‬
‫((( املجموع �شرح املهذب‪ )181/9( ،‬وانظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر لل�سبكي‪.)338/1( ،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪570‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫ميكن �أن يناق�ش ب�أنّ ‪ :‬هذا الأمر �صحيح من حيث العموم‪ ،‬و�إن كانت و�سائل‬
‫االت�صال احلديث �أبلغ من هذه ال�صورة املذكورة‪ ،‬لكون املناداة طريقة بدائية(((‪،‬‬
‫وقد ال تكون يف الو�ضوح مثل التوا�صل املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬إنّ ع ّلة املنع من �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث‬
‫جاءت لعدم حتقق �شهادة ال�شهود على العقد‪ ،‬وهو �أمر متحقق يف االت�صال املرئي‪،‬‬
‫فتكون ال�شهادة مقبولة على وفق قواعد املذاهب الأربعة(((‪ ،‬فاحلكم يدور مع علته‬
‫وعدما‪.‬‬
‫وجودًا ً‬
‫الدليل الرابع‪ :‬و�سائل االت�صال احلديث �ألغت امل�سافات‪ ،‬وجعلت النا�س ك�أنمّ ا‬
‫يعي�شون يف قرية واحدة‪ ،‬واملتعاقدون و�إن كانوا متباعدين مكا ًنا‪ ،‬ولكنهم حا�ضرون‬
‫زما ًنا؛ يتوا�صلون وي�سمع كل منهما الآخر بح�ضور ال�شهود(((؛ فال وجه ملنع �إمتام عقد‬
‫ال ّنكاح مبا يحقق مقا�صده‪.‬‬
‫�أ�سباب االختالف بني العلماء املعا�صرين‪:‬‬
‫الذي يظهر للباحث �أنّ هناك جملة من الأ�سباب والظروف التي كانت �سب ًبا‬
‫لتباين وجهات نظر الباحثني حول هذه امل�س�ألة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1.1‬ا�ستبعاد حتقق �شروط ال�صحة يف عقد ال ّنكاح‪ ،‬فمن ر�أى بالإمكان توفر‬
‫�شروط ال�صحة قال باجلواز‪ ،‬ومن ر�أى تعذر حتققها منع ذلك‪ ،‬ومن ر�آها‬
‫تتحقق يف الو�سائل الكتابية فقط ق�صر اجلواز عليه‪ ،‬ومنعها يف الباقي‪.‬‬
‫‪2.2‬ا�ستح�ضار اخلالف الفقهي يف جواز عقد النكاح بغري ال�صيغة اللفظية‬
‫املبا�شرة(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والطالق‪ ،‬الأ�شقر‪�( ،‬ص‪.)109 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬صيغ العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الغليقة‪�( ،‬ص‪.)518 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والنكاح‪ ،‬الأ�شقر‪�( ،‬ص‪.)111 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التكييف الفقهي ملجل�س العقد‪ ،‬احلايف‪�( ،‬ص ‪.)52‬‬ ‫(((‬

‫‪571‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫‪3.3‬مقارنة البع�ض بني �أحكام جمل�س العقد بني ال�شريعة والقانون(((‪.‬‬


‫‪4.4‬الظرف الزماين والتّطور التّقني للبحوث التي تناولت امل�س�ألة‪� ،‬إذ مل تكن‬
‫الو�سائل التقنية امل�ستخدمة يف عام ‪1990‬م �أي قبل ثالثني �سنة مثل و�سائل‬
‫االت�صال احلديث بعد ذلك‪ ،‬ولذلك من الطبيعي �أن يختلف ال ّنظر الفقهي‬
‫خالل هذه الفرتة الزمنية‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬والأدلة‪ ،‬واملناق�شة‪ ،‬الذي يظهر للباحث جواز �إجراء عقد‬
‫ال ّنكاح لدى املحاكم املخت�صة عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر وفق �ضوابط‬
‫�إدارية حمددة يف كل الأحوال حتى بدون وجود احلاجة العا ّمة‪ ،‬ويكون جمل�س العقد‬
‫�صحح العقد بالكتابة للغائب جعل جمل�س العقد هو وقت‬ ‫افرتا�ض ًيا حكم ًيا؛ لأنّ من ّ‬
‫و�صول الر�سالة‪ ،‬ال وقت �إن�شائها‪ ،‬ومن اعترب و�سائل االت�صال احلديث يف العقود‬
‫املالية جعل املجل�س زمن االت�صال‪ ،‬ويطبق فيه ما يطبق على املجل�س احلقيقي كما‬
‫ن�ص على ذلك يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي �آنف الذكر‪.‬‬
‫على �أنّ الباحث يرى �أنّ املجل�س االفرتا�ضي �أبلغ يف الو�ضوح واملبا�شرة من الكتابة‬
‫التي لي�س فيها ح�ضور حقيقي‪ ،‬كما �أنه �أبلغ من التوا�صل عن طريق الهاتف الذي يكون‬
‫التوا�صل فقط عرب ال�صوت(((‪ ،‬دون ر�صد لأ ّية حركة �أو حتقق من �شخ�ص املتعاقدين‪.‬‬
‫كما ميتاز االت�صال املرئي املبا�شر ب�إمكانية ت�سجيل جميع وقائع جل�سة العقد‪،‬‬
‫والرجوع لها عند احلاجة‪ ،‬كما �أ ّنه �سي�سهم يف الق�ضاء على التباعد اجلغرايف يف‬
‫((( وقد كان هذا جل ًيا يف الأبحاث التي ُقدّمت ملجمع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ومت التطرق لآراء فقهاء القانون مثل‪:‬‬
‫ال�سنهوري‪ ،‬انظر على �سبيل املثال‪ :‬حكم �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة يف الفقه الإ�سالمي‬
‫مواز ًنا بالفقه الو�ضعي‪� ،‬إبراهيم دومنز‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪.)967/2( ،6 :‬‬
‫((( خرج ابن بدران يف كتابه العقود الياقوتية‪� ،)272-271( ،‬شهادة ال�شهود على عقد ال ّنكاح عرب الهاتف‬
‫على �شهادة الأعمى على ما �سمعه من �أ�صوات‪ ،‬و�صحح ذلك �صالح الغليقة يف كتابه �صيغ العقود يف‬
‫الفقه الإ�سالمي‪�( ،‬ص ‪.)514‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪572‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫بع�ض الأحيان بني �أطراف العقد‪ ،‬وي�س ّهل على الويل مبا�شرة عقد موليته حتى لو كان‬
‫خارج النطاق اجلغرايف للمحكمة‪ ،‬مما يرتجم على �أر�ض الواقع تي�سري عقود ال ّنكاح‬
‫على امل�سلمني‪ ،‬ويخفف من وط�أة الإجراءات ال�شكلية التي اتخذت من �أجل احلفاظ‬
‫على كرامة ال ّنا�س‪ ،‬و�أعرا�ضهم‪ ،‬ومن ًعا للتالعب ب�أعرا�ض امل�سلمني‪.‬‬
‫وبنا ًء على ذلك ف�إنّ �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر جائز‬
‫و�صحيح يف ظل الظروف الطبيعية‪ ،‬ومن باب �أولى يف ظل الظروف اال�ستثنائية‪،‬‬
‫لأنّ احلاجة العامة تنزل منزلة ال�ضرورة اخلا�صة(((‪ ،‬على �أن تتولى ذلك اجلهة‬
‫الق�ضائية يف كل الأحوال‪ ،‬ويتم اتباع ال�ضوابط الإجرائية حتت �إ�شرافها‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫�ضوابط �إجرائية لعقد النّكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر‬

‫ال ب ّد عند �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر من اعتبار‬
‫جملة من ال�ضوابط التي ت�ضمن حتقق الغاية واملق�صد من عقد النكاح‪ ،‬وحتقق �أعلى‬
‫درجات االن�ضباط يف العمل الق�ضائي(((‪ ،‬ومن تلك ال�ضوابط ما ي�أتي‪:‬‬
‫� اًأول‪� :‬أن يكون االت�صال املرئي بو�ساطة برنامج من الربامج ذات احلماية العالية‪،‬‬
‫والتي حتقق الأمان يف االت�صال‪ ،‬ومتنع عملية التج�س�س �أو التخريب التي‬
‫ت�ؤدي �إلى �ضياع �أو تلف الوثائق الر�سمية‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أن يكون للجهة الق�ضائية املخت�صة ح�ساب م�ستخدم خا�ص وبا�شرتاك‬
‫ح�صري‪ ،‬و�أن يكون العن�صر امل�ضيف هو ال�شخ�ص املخت�ص من قبل اجلهة‬
‫الق�ضائية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربهان يف �أ�صول الفقه‪.)82/2( ،‬‬
‫((( ذكر املعا�صرون جملة من ال�شروط وال�ضوابط ال ب ّد من توافرها يف التعاقد الإلكرتوين تنظر يف‪ :‬حكم‬
‫�إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬القره داغي‪ ،)942-941/2( ،‬التكييف الفقهي ملجل�س العقد‪،‬‬
‫احلايف‪�( ،‬ص‪ ،)59-56 :‬وما مت ذكره يف هذا املطلب يتنا�سب مع طبيعة عقد ال ّنكاح‪ ،‬واجتهاد من الباحث‪.‬‬

‫‪573‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫ثال ًثا‪ :‬يتم ربط تقدمي اخلدمة برقم الهوية الوطنية �أو بح�ساب خا�ص يجمع‬
‫اخلدمات الإلكرتونية للمتعاملني‪.‬‬
‫راب ًعا‪� :‬إعداد منوذج �إلكرتوين يت�ضمن جميع البيانات‪ ،‬واملتطلبات؛ لإمتام املعاملة‪،‬‬
‫ويتم تذييله بتعهد من مقدم الطلب �أنّ جميع البيانات املقدمة �صحيحة‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬يتم تقدمي طلب املعاملة �إلكرتون ًيا من اخلاطب عرب منفذ اخلدمة‬
‫ً‬
‫الإلكرتونية عرب النموذج الإلكرتوين‪ ،‬ويت�ضمن جميع بيانات الأطراف‪،‬‬
‫وال�شهود‪ ،‬وتفا�صيل العقد‪ ،‬واملهر‪.‬‬
‫�ساد�سا‪ :‬ترفق جميع امل�ستندات املطلوبة من �صور �إثبات هوية اخلاطب‪ ،‬والويل‪،‬‬ ‫ً‬
‫واملر�أة‪ ،‬والفح�ص الطبي‪ ،‬و�صور �إثبات ال�شهود‪ ،‬وال�صور ال�شخ�صية‪ ،‬و�أية‬
‫م�ستندات يتوقف �إمتام العقد عليها‪ ،‬كما يتم �إ�ضافة بيانات التوا�صل مع‬
‫الأطراف وال�شهود هاتف ًيا‪ ،‬و�إلكرتون ًيا‪.‬‬
‫�ساب ًعا‪ :‬تقوم اجلهة املخت�صة بالتدقيق على الطلب الإلكرتوين والت�أكد من‬
‫�صحة البيانات وامل�ستندات املرفقة‪ ،‬وا�ستيفاء جميع ال�شروط ال�شرعية‪،‬‬
‫والإجراءات القانونية‪ ،‬ثم تتوا�صل مع الأطراف للت�أكد من رغبتهم �إمتام‬
‫�إجراءات العقد‪ ،‬واملوعد املنا�سب لذلك‪.‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬يتم حتديد موعد لعقد ال ّنكاح عن طريق �إر�سال ر�سائل ّ‬
‫ن�صية لرقم جوال‬
‫الأطراف وال�شهود‪� ،‬أو عرب ر�سالة بالربيد الإلكرتوين‪.‬‬
‫تا�س ًعا‪ :‬يقوم ال�شخ�ص املخت�ص وهو عادة امل�أذون ال�شرعي يف اليوم املحدد بعقد‬
‫مكاملة مرئية جماعية مع اخلاطب‪ ،‬والويل‪ ،‬واملر�أة‪ ،‬وال�شهود‪ ،‬وذلك ب�إر�سال‬
‫رابط اجلل�سة االفرتا�ضية على العناوين املرفقة يف الطلب‪ ،‬ويتم ت�سجيل‬
‫املكاملة للرجوع �إليها عند احلاجة‪.‬‬
‫عا�ش ًرا‪ :‬يلتزم امل�أذون ال�شرعي بالت�أكد من �صفة احل�ضور‪ ،‬ويطلب من الأطراف‬
‫و�ضع �أ�صل �إثبات الهوية على عد�سة الت�صوير‪ ،‬ويت�أكد من تطابقها مع ال�صور‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪574‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫املرفقة‪� ،‬أو عن طريق ذكر بع�ض احلقائق املذكورة يف الإثبات ال�شخ�صي‬


‫مثل‪� :‬آخر خم�سة �أرقام من الإثبات‪ ،‬والتثبت من تطابق ال�شهود احلا�ضرين‬
‫واملرفقة بياناتهم‪.‬‬
‫احلادي ع�شر‪ :‬يت�أكد امل�أذون ال�شرعي من �صفة الويل‪ ،‬ومن موافقة املر�أة �صراحة‬
‫على عقد ال ّنكاح‪ ،‬و�إن كان هناك �أية �شروط لهما‪ ،‬ويتم توثيقها يف العقد بعد‬
‫عر�ضها على الرجل بح�ضور ال�شهود‪.‬‬
‫الثاين ع�شر‪ :‬يقوم امل�أذون ال�شرعي ببيان تفا�صيل العقد‪ ،‬ومقدار املهر‪ ،‬وبيان‬
‫�صيغة العقد بني الطرفني‪ ،‬ثم يجري بعد ذلك العقد بينهم‪.‬‬
‫الثالث ع�شر‪ :‬بعد �إمتام العقد ير�سل للزوج رابط لدفع ر�سم العقد �إلكرتون ًيا‪.‬‬
‫الرابع ع�شر‪ :‬يتم �أخذ التوقيع الإلكرتوين من �أطراف العقد‪ ،‬وال�شهود عن طريق‬
‫�إر�سال رابط ي�سمح بالتوقيع على املعاملة �إلكرتون ًيا‪.‬‬
‫اخلام�س ع�شر‪ :‬يتم �إر�سال العقد للتدقيق الداخلي �إلى املحكمة املخت�صة‪.‬‬
‫ال�ساد�س ع�شر‪ :‬يتم �إ�صدار �صك الزواج بثالث ن�سخ‪ ،‬واحدة لكل زوج‪ ،‬وثالثة‬
‫للحفظ يف الأر�شيف وذلك بعد التدقيق ال ّنهائي‪ ،‬ويذكر يف العقد ما يفيد‬
‫�إجراء العقد عن طريق االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫ال�سابع ع�شر‪ :‬يتم �إر�سال ن�سخة �إلكرتونية من العقد عرب الربيد الإلكرتوين‪،‬‬
‫ون�سخة ورقية عن طريق الربيد العادي‪� ،‬أو ال�سريع‪.‬‬
‫الثامن ع�شر‪ُ :‬يعطى الأطراف مهلة حمددة لتقدمي �أي طلب لت�صحيح �أي خط�أ‬
‫مادي قد يكون يف العقد‪ ،‬ويف حال وجود �أي نق�ص يف املعاملة �أو خط�أ يتم‬
‫ا�ستدراك ذلك مبا�شرة بدون ت�أخري‪.‬‬

‫‪575‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫اخلامتة‬

‫يف ختام هذا التطواف ال�سريع بني ما ّ‬


‫�سطره العلماء الأجالء‪ُ ،‬نذ ّيل البحث ب�أهم‬
‫النتائج‪ ،‬والتو�صيات وفق الآتي‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫‪1.1‬و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪( :‬هي تطبيقات تقنية ت�ستخدم ال�صوت‬
‫وال�صورة يف نقل حمتوى الر�سالة مبا�شرة من املر�سل �إلى امل�ستقبل يف واقع‬
‫افرتا�ضي)‪.‬‬
‫‪2.2‬ال�صورة التي ي�ستخدم فيها االت�صال املرئي املبا�شر يف وزارة العدل الإماراتية‬
‫تتحقق فيها جميع ال�شروط ال�شرعية ل�صحة ال ّنكاح‪ ،‬وجميع ال�ضوابط‬
‫الإدارية املعتربة‪.‬‬
‫‪3.3‬التكييف الفقهي ال�ستخدام و�سائل االت�صال احلديث يف العقود هو من باب‬
‫ا�ستخدام الو�سائل املو�صلة لل�صيغة اللفظية‪ ،‬ولي�س من باب ا�ستحداث‬
‫طريقة للتعبري عن الر�ضا‪.‬‬
‫‪4.4‬تناول العلماء م�س�ألة عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال احلديث ً‬
‫عموما تب ًعا‬
‫ورجح الأغلب منع ذلك‬
‫لبحثهم حكم التعاقد بو�سائل االت�صال احلديثة‪ّ ،‬‬
‫تغلي ًبا جلانب االحتياط؛ وعدم حتقق �شرط من �شروط ال�صحة وهو ح�ضور‬
‫ال�شهود‪ ،‬وخالف يف ذلك بع�ض العلماء املعا�صرين‪ ،‬ومل يفرقوا بني عقد‬
‫ال ّنكاح وغريه من العقود‪.‬‬
‫‪5.5‬يجوز مطل ًقا �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املبا�شر حتت �إ�شراف‬
‫جمل�سا افرتا�ض ًيا حكم ًيا؛ مبنزلة‬
‫ً‬ ‫اجلهات الق�ضائية و ُيع ّد جمل�س العقد‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪576‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫االجتماع احلقيقي‪ ،‬ويت�أكد هذا اال�ستخدام يف ظل الظروف اال�ستثنائية؛ لأنّ‬


‫احلاجة العامة تنزل منزلة ال�ضرورة اخلا�صة‪.‬‬
‫‪6.6‬ال ب ّد من مراعاة جملة من ال�ضوابط الإدارية لتاليف �أي خط�أ يف �إجراءات‬
‫عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬التو�صيات‪:‬‬
‫‪1.1‬القيام مبزيد من الدرا�سة فيما يخ�ص و�سائل االت�صال احلديث‪ ،‬و�إمكانية‬
‫انعقاد عقد ال ّنكاح من خاللها‪ ،‬مع النظر يف املحاذير القانونية التي تتعلق‬
‫باالخت�صا�ص املكاين‪.‬‬
‫‪�2.2‬إن�شاء تعاون تقني بني اجلهات الق�ضائية‪ ،‬و�شركات التطوير الربجمي‪،‬‬
‫البتكار برامج �إلكرتونية‪ ،‬حتقق �أعلى معايري الأمان‪ ،‬واخل�صو�صية‪ ،‬ميكن‬
‫االعتماد عليها يف حتقيق تطلعات اجلهات اخلدمية‪.‬‬
‫‪�3.3‬إ�صدار اجلهات الق�ضائية الئحة تنفيذية للخدمات الإلكرتونية‪ ،‬و�ضوابط‬
‫كل خدمة‪.‬‬
‫‪4.4‬رفع كفاءة الكادر الوظيفي يف ا�ستخدام الربامج التقنية‪ ،‬والتدريب على‬
‫جميع الربامج‪ ،‬و�إ�شراكهم يف تطوير الربامج امل�ستقبلية‪.‬‬
‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪577‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪�1.1‬إبطال اال�ستح�سان (�ضمن مو�سوعة الأم للإمام ال�شافعي)‪ ،‬حممد بن �إدري�س‬


‫ال�شافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬رفعت فوزي عبداملطلب‪ ،‬املن�صورة‪-‬م�صر‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1426‬هـ‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪�2.2‬إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة‪ ،‬حممد عقلة الإبراهيم‪ ،‬دار ال�ضياء‪،‬‬
‫عمان‪ -‬الأردن‪ ،‬ط‪1‬ـ ‪1406‬هـ‪1986 ،‬م‬
‫‪�3.3‬أحكام الزواج والطالق يف الإ�سالم‪� ،‬أبو العينني بدران‪ ،‬القاهرة‪ -‬م�صر‪،‬‬
‫مطبعة دار الت�أليف‪ ،‬ط‪1961 ،2‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬تاج الدين عبدالوهاب بن علي ال�سبكي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪5.5‬الإقناع يف حل �ألفاظ �أبي �شجاع‪ ،‬حممد بن �أحمد اخلطيب ال�شربيني‪ ،‬بريوت‪-‬‬
‫لبنات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1425 ،3‬هـ‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪6.6‬الإقناع لطالب االنتفاع‪ ،‬مو�سى بن �أحمد احلجاوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‬
‫بالتعاون مع مركز البحوث للدرا�سات العربية والإ�سالمية بدار هجر‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1433‬هـ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪7.7‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف مع ال�شرح الكبري‪ ،‬علي بن �سليمان‬
‫املرداوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪ ،‬القاهرة‪ -‬م�صر‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪،‬‬
‫‪1995‬م‬
‫‪8.8‬الأنكحة املنهي عنها يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬حت�سني وبريقدار‪ ،‬دم�شق‪� -‬سوريا‪،‬‬
‫دار ابن حجر‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪9.9‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬عالء الدين �أبو بكر بن م�سعود الكا�ساين‪،‬‬
‫بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪578‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫‪1010‬بدائع الفوائد‪ ،‬حممد بن �أبي بكر بن القيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي بن حممد العمران‪،‬‬
‫مكة‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬دار عامل الفوائد‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪1111‬الربهان يف �أ�صول الفقه‪� ،‬أبو املعايل عبدامللك بن عبداهلل اجلويني‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدالعظيم الديب‪ ،‬القاهرة ‪ -‬م�صر‪ ،‬دار الأن�صار‪( ،‬بدون ت�أريخ وال رقم طبعة)‪.‬‬
‫‪1212‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬الزبيدي‪ ،‬مرت�ضى حممد بن حممد‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫نواف اجلراح‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪1313‬حتفة املحتاج ب�شرح املنهاج‪� ،‬أحمد بن حممد بن حجر الهيتمي‪ ،‬بريوت ‪-‬لبنان‪،‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي‪( ،‬بدون رقم طبعة وت�أريخ)‪.‬‬
‫‪1414‬التكييف الفقهي ملجل�س العقد و�صيغته ال�شرعية وفق و�سائل ا�ستخدام و�سائل‬
‫وتقنيات االت�صال املعا�صر‪ ،‬با�سل حممود احلايف‪ ،‬الريا�ض‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬املجلة‬
‫العلمية جلامعة امللك في�صل‪( ،‬العلوم الإن�سانية والإدارية)‪ ،‬املجلد الثالث‪،‬‬
‫العدد‪1433 ،1 :‬هـ‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪1515‬تنقيح التحقيق يف �أحاديث التعليق‪ ،‬حممد بن �أحمد بن عبدالهادي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�سامي بن حممد بن جاد اهلل اخلباين‪ ،‬الريا�ض‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬دار �أ�ضواء ال�سلف‪،‬‬
‫ط‪1428 ،1‬هـ‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪1616‬اجلامع امل�سند ال�صحيح املخت�صر من �أمور ر�سول اهلل ﷺ و�سننه و�أيامه‪ ،‬حممد‬
‫بن �إ�سماعيل البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري بن نا�صر النا�صر‪ ،‬الريا�ض‪-‬‬
‫ال�سعودية‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪1717‬اجلمع والفرق‪� ،‬أبو حممد عبداهلل بن يو�سف اجلويني‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالرحمن‬
‫املزيني‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار اجليل للن�شر والتوزيع‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪1818‬حكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب الو�سائل الإلكرتونية احلديثة‪ ،‬مفيدة عبدالوهاب‬
‫�إبراهيم‪ ،‬جامعة الأزهر‪ ،‬القاهرة‪ -‬م�صر‪( ،‬بدون رقم طبعة �أو ت�أريخ)‪.‬‬
‫‪1919‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪� ،‬إبراهيم فا�ضل الدبو‪ ،‬جملة جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪1410 ،‬هـ‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫‪579‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫‪2020‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬حممد احلاج النا�صر‪ ،‬جملة‬
‫جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪1410 ،‬هـ‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪2121‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬حممد عبداللطيف الفرفور‪ ،‬جملة‬
‫جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪1410 ،‬ه‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪2222‬حكم �إجراء العقود ب�آالت االت�صال احلديثة‪ ،‬وهبة الزحيلي‪ ،‬جملة جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪1410 ،‬هـ‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪2323‬حكم �إجراء العقود بو�سائل االت�صال احلديثة يف الفقه الإ�سالمي مواز ًنا بالفقه‬
‫الو�ضعي‪� ،‬إبراهيم كايف دومنز‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪ -‬ال�سعودية‪،‬‬
‫العدد ال�ساد�س‪1410 ،‬هـ‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪2424‬الذخرية‪� ،‬أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن املالكي ال�شهري بالقرايف‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد حجي و�آخرون‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬
‫‪2525‬رد املحتار على الدر املختار‪ ،‬حممد �أمني ابن عابدين‪ ،‬بريوت‪ -‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1412‬هـ‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪2626‬الر�سالة‪ ،‬حممد بن �إدري�س ال�شافعي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حممد �شاكر‪ ،‬القاهرة ‪-‬‬
‫م�صر‪ ،‬دار الت�أ�صيل‪ ،‬ط ‪2008 ،1‬م‪.‬‬
‫‪2727‬الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع‪ ،‬من�صور بن يون�س البهوتي‪ ،‬حتقيق‪ :‬خالد‬
‫امل�شيقح و�آخرون‪ ،‬الكويت‪ ،‬دار الركائز‪ ،‬ط‪1438 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬حميي الدين يحيى بن �شرف النووي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عادل عبداملوجود‪ ،‬وعلي معو�ض‪ ،‬الريا�ض‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬دار عامل الكتب‪ ،‬ط‬
‫خا�صة‪1423 ،‬هـ‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪2929‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬حممد بن �أبي بكر بن القيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالقادر‬
‫الأرن�ؤوط‪ ،‬و�شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط ‪1415 ،27‬هـ‪،‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪580‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫‪�3030‬سنن الدارقطني‪ ،‬علي بن عمر الدارقطني‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط و�آخرون‪،‬‬


‫بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪3131‬ال�سنن الكربى‪� ،‬أحمد بن احل�سني البيقهي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبدالقادر عطا‪،‬‬
‫بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1424 ،3‬هـ‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪3232‬ال�شرح ال�صغري مع حا�شية ال�صاوي‪� ،‬أحمد بن حممد الدردير‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�سيد‬
‫علي الها�شمي‪ ،‬طبعة خا�صة على نفقة �صالح ال�سمو ال�شيخ خليفة رئي�س دولة‬
‫الإمارات العربية املتحدة‪.‬‬
‫‪�3333‬صيغ العقود يف الفقه الإ�سالمي‪� ،‬صالح بن عبدالعزيز الغليقة‪ ،‬الريا�ض ‪-‬‬
‫ال�سعودية‪ ،‬كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هـ‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪3434‬العقود وال�شروط‪ ،‬واخليارات‪� ،‬أحمد �إبراهيم بك‪ ،‬جملة القانون واالقت�صاد‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪ ،‬ال�سنة الرابعة‪ ،‬العدد ‪1934 ،1‬م‪.‬‬
‫‪3535‬العقود الياقوتية يف جيد الأ�سئلة الكويتية‪ ،‬عبدالقادر بن �أحمد بن بدران‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬الكويت‪ ،‬مكتبة ال�سداوي‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪3636‬فتاوى دار الإفتاء امل�صرية‪ ،‬املكتبة ال�شاملة‪.‬‬
‫‪3737‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ .‬جمع �أحمد الدوي�ش‪ ،‬دار امل�ؤيد‪،‬‬
‫الريا�ض‪ -‬ال�سعودية‪( ،‬بدون رقم طبعة �أو ت�أريخ)‪.‬‬
‫‪3838‬فتح القدير �شرح الهداية �شرحة بداية املبتدي‪ ،‬كمال الدين حممد بن‬
‫عبدالواحد بن الهمام‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط ‪2009 ،2‬م‪.‬‬
‫‪3939‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ ،‬من�صور بن يون�س البهوتي‪ ،‬الريا�ض ‪ -‬ال�سعودية‪،‬‬
‫وزارة العدل‪1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬حميي الدين يحيى بن �شرف النووي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫دار الفكر‪( ،‬بدون رقم طبعة �أو ت�أريخ)‪.‬‬
‫‪4141‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬م�صطفى �أحمد الزرقا‪ ،‬دم�شق‪� -‬سورية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1425‬هـ‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪581‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬تركي بن حسن القحطاني‬

‫‪4242‬م�ستجدات فقهية يف ق�ضايا الزواج والطالق‪� ،‬أ�سامة عمر �سليمان الأ�شقر‪ ،‬دار‬
‫النفائ�س‪ ،‬عمان‪ -‬الأردن‪ ،‬ط‪1431 ،3‬هـ‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪4343‬امل�سند ال�صحيح املخت�صر بنقل العدل عن العدل �إلى ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬م�سلم بن‬
‫احلجاج الق�شريي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار �إحياء‬
‫الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪4444‬معجم مقايي�س اللغة �أحمد بن زكريا بن فار�س‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدال�سالم هارون‪،‬‬
‫بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪4545‬املغني‪ ،‬موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن قدامة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪،‬‬
‫وعبدالفتاح احللو‪ ،‬الريا�ض‪ -‬ال�سعودية‪ ،‬دار عامل الكتب‪ ،‬ط‪1417 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪4646‬مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج‪ ،‬حممد بن �أحمد ال�شربيني‬
‫اخلطيب‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪( ،‬بدون ت�أريخ ورقم طبعة)‪.‬‬
‫‪4747‬املقدمات املمهدات‪ ،‬حممد بن �أحمد بن ر�شد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حجي‪ ،‬بريوت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪4848‬املوافقات‪� ،‬إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬م�شهور بن ح�سن �آل �سليمان‪ ،‬القاهرة‪ -‬م�صر‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1417‬هـ‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪4949‬مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل‪ ،‬حممد بن حممد احلطاب‪،‬‬
‫حتقيق دار الر�ضوان‪ ،‬نواك�شوط ‪ -‬موريتانيا‪ ،‬ط‪1434 ،2‬هـ‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪5050‬مو�سوعة الإجماع يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ظافر بن ح�سن العمري‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫م�صر‪ ،‬دار الف�ضيلة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬هـ‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪5151‬ميزان الأ�صول يف نتائج العقول‪ ،‬عالء الدين �شم�س النظر �أبو بكر حممد‬
‫بن �أحمد ال�سمرقندي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زكي عبدالرب‪ ،‬الدوحة‪ -‬قطر‪ ،‬مطابع‬
‫الدوحة احلديثة‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪582‬‬


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫‪5252‬الهداية يف �شرح بداية املبتدي‪ ،‬علي بن �أبي بكر املرغيناين‪ ،‬حتقيق‪ :‬طالل‬
‫يو�سف‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان دار �إحياء الرتاث‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪5353‬الهداية الكافية ال�شافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية‪ ،‬حممد‬
‫الأن�صاري الر�صاع‪ ،‬ت‪ :‬حممد �أبو الأجفان‪ ،‬والطاهر املعموري‪ ،‬تون�س‪-‬دار‬
‫الغرب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪� ،‬سحب جديد ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪5454‬الو�سيط املي�سر يف فقه الأحوال ال�شخ�صية املقارن‪ ،‬حممود بن جميد الكبي�سي‪،‬‬
‫�أبوظبي‪ -‬الإمارات‪ ،‬دار الإمام مالك‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫املواقع الإلكرتونية‪:‬‬
‫‪1.1‬موقع بوابة الأهرام‪http://gate.ahram.org.eg/News/2393943.aspx :‬‬
‫‪2.2‬موقع الربنامج زووم‪https://zoom.us/livedemo :‬‬
‫‪3.3‬موقع الربنامج ويبك�س‪:‬‬
‫‪https://www.webex.com/content/webex/c/en_US/index/‬‬
‫‪downloads.html/‬‬
‫‪ 4.4‬موقع �سي �إن �إن العربية‪:‬‬
‫‪https://arabic.cnn.com/health/article/2020/03/11/whp-announces-‬‬
‫‪coronavirus-spread-pandemic‬‬
‫‪5.5‬موقع �شركة �سي�سكو‪:‬‬
‫‪https://www.cisco.com/c/ar_ae/products/collaboration-endpoints/‬‬
‫‪webex-share/index.html‬‬
‫‪6.6‬موقع �شركة ميكرو�سوفت‪https://www.microsoft.com/ar-gulf/ :‬‬
‫‪7.7‬موقع العني الإخبارية‪https://al-ain.com/article/speed-spread-corona :‬‬
‫‪8.8‬موقع منظمة ال�صحة العاملية‪:‬‬
‫‪https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-‬‬
‫‪coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses‬‬

‫‪583‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫ تركي بن حسن القحطاني‬.‫د‬

:‫موقع جممع الفقه الهندي‬9.9


http://www.ifa-india.org/arabic.php?do=home&pageid=library
:‫موقع املعرفة‬1010
https://www.knowledgewave.com/blog/4-advantages-of-microsoft-
teams-with-office-365
:‫موقع هيئة ال�صحة بدبي‬1111
https://www.dha.gov.ae/ar/covid19/pages/coronavirus.aspx
:‫موقع وزارة العدل بدولة الإمارات العربية املتحدة‬1212
https://www.moj.gov.ae/ar/services/esystems/defaultaspx.aspx

‫العدد احلادي واخلمسون‬ 584


‫إجراء عقد النّكاح عرب االتصال املرئي املباشر يف‬

‫ظل جائحة كورونا ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث‪543 .................................................................‬‬


‫املقدمة‪544 .........................................................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ت�صوير �إجراء عقد ال ّنكاح عن طريق االت�صال املرئي املبا�شر ‪552 ..‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف عقد ال ّنكاح ‪552 ..........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف و�سائل االت�صال املرئي املبا�شر ‪555 ......................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬جائحة كورونا ‪557 ..............................................‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬إجراء عقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر يف املحاكم‬
‫ال�شرعية يف دولة الإمارات العربية املتحدة ‪559 .............................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التكييف الفقهي وحكم �إجراء عقد ال ّنكاح عرب و�سائل االت�صال‬
‫املرئي املبا�شر و�ضوابط ذلك ‪562 ...............................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التكييف الفقهي لعقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر ‪562 ...‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم عقد ال ّنكاح باالت�صال املرئي املبا�شر ‪563 .................‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬ضوابط �إجرائية لعقد ال ّنكاح عرب االت�صال املرئي املبا�شر ‪573 ...‬‬
‫اخلامتة ‪576 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪578 .......................................................‬‬

‫‪585‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫العقوبة المترتبة على ن�قل عدوى‬
‫المرض الوبائي‬
‫أنموذجا‬
‫ً‬ ‫فيروس كورونا‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪� .‬أمل بنت حممد بن فالح ال�صغي‬
‫الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الفقه يف كلية ال�رشيعة‬
‫ال�سالمية‬
‫المام حممد بن �سعود إ‬
‫بجامعة إ‬
‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪588‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه‬
‫ومن تبعهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪� ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ف�إنه مما اجتاح الب�شرية يف هذا الزمن انت�شار وباء ي�سمى بـ (فريو�س كورونا‪،‬‬
‫كوفيد ‪ 19 -‬امل�ستجد)‪ ،‬والذي يتط ّلب النظر والبحث فيما يتعلق به من �أحكام‬
‫وم�سائل عامة وخا�صة‪ ،‬وت�أ�صيلها ت� اً‬
‫أ�صيل �شرع ًيا؛ فلذلك وقع اختياري على بحث‬
‫�أحد هذه امل�سائل وهي‪( :‬العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املر�ض الوبائي ‪ -‬فريو�س‬
‫أمنوذجا)‪ ،‬والوقوف عند تفا�صيل و�أحكام اجلناية بالنقل‪.‬‬
‫كورونا � ً‬
‫�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫•احلاجة �إلى معرفة الأحكام الفقهية املتعلقة باملر�ض الوبائي يف هذا الوقت‬
‫خا�صة‪.‬‬
‫•ت�ساهل البع�ض يف م�س�ألة احلجر ال�صحي‪ ،‬وعزل امل�صاب‪ ،‬ونقل العدوى‪،‬‬
‫وعدم �إدراك ما يرتتب على ذلك من عقوبة �شرعية‪.‬‬
‫•امل�ساهمة يف الكتابة والبحث الفقهي فيما يتعلق مب�سائل املر�ض الوبائي‬
‫(فريو�س كورونا)‪.‬‬
‫•عدم وجود بحث م�ستقل يف العقوبة واجلزاء املرتتب على نقل عدوى املر�ض‬
‫الوبائي لي�سهل الرجوع �إليه‪.‬‬

‫‪589‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫الهدف من البحث‪:‬‬
‫معرفة املراد باملر�ض الوبائي وما �شابهه‪ ،‬وطرق انتقال العدوى فيه‪ ،‬وبيان‬
‫العقوبة ال�شرعية التي ترتتب على ناقل العدوى بالعمد وغريه‪.‬‬

‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫الكتابات والدرا�سات كثرية يف الأمرا�ض املعدية والوبائية بعامة‪ ،‬ولكني مل �أجد‬
‫‪-‬فيما اطلعت عليه من درا�سات‪ -‬من �أفرد هذه امل�س�ألة بالبحث‪ ،‬و�إمنا كانت �ضمن‬
‫ر�سائل علمية �أو يف ثنايا الكتب والفتاوى‪.‬‬

‫هذه الدرا�سات‪:‬‬
‫‪(1.1‬النوازل يف اجلنايات) ر�سالة دكتوراه‪ ،‬للباحث‪� :‬أحمد �آل طالب‪ ،‬جامعة‬
‫الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪�(2.2‬أحكام الأمرا�ض املعدية يف الفقه الإ�سالمي)‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬للباحث‪:‬‬
‫عبدالإله ال�سيف‪ ،‬جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪�(3.3‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية‪ :‬درا�سة فقهية)‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬للباحث‪:‬‬
‫ح�سن ح�سني �أبو حماد‪ ،‬جامعة القد�س‪ ،‬فل�سطني‪.‬‬
‫‪(4.4‬الأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا) �أ‪.‬د‪ .‬خالد امل�شيقح‪ ،‬كتاب من�شور يف‬
‫موقع الألوكة على �شبكة االنرتنت‪.‬‬
‫‪(5.5‬الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية‪ :‬جم ًعا ودرا�سة‬
‫مقارنة) د‪ .‬حممد ال�شاماين‪ ،‬بحث محُ ّكم من�شور يف جملة جامعة طيبة‬
‫للآداب والعلوم الإن�سانية‪ ،‬العدد ‪ ،18‬عام ‪1440‬هـ‪.‬‬
‫ف�أما الر�سائل العلمية ال�سابقة‪ ،‬فقد تناولت البحث يف هذا املو�ضوع �ضمن امل�سائل‬
‫لكنها عامة للأمرا�ض املعدية‪� ،‬أو قد تكون ملر�ض نق�ص املناعة املكت�سبة (الإيدز)‬
‫وفيها �شيء من االخت�صار‪ ،‬و�أما الكتب والأبحاث فذكرت امل�س�ألة ب�شكل خمت�صر‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪590‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫جدًا‪ ،‬و�أما هذا البحث فهو بحث مف�صل للمو�ضوع مع ت�أ�صيله ت� اً‬
‫أ�صيل �شرع ًيا وتنزيله‬
‫على وباء (كورونا) بالتحديد‪ ،‬مع تذييله بالتو�صيات والفتاوى ال�صادرة م�ؤخ ًرا‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫انتظمت خطة البحث يف‪ :‬مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وفهر�س للمراجع‬
‫وامل�صادر‪.‬‬
‫املقدمة وفيها‪� :‬أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪ ،‬والهدف من البحث‪ ،‬والدرا�سات‬
‫ال�سابقة‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬واملنهج املتبع فيه‪.‬‬
‫التمهيد يف‪ :‬املراد مب�صطلحات البحث‪ ،‬والألفاظ ذات ال�صلة‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف العقوبة يف اللغة واال�صطالح‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف العدوى يف اللغة واال�صطالح‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف املر�ض الوبائي يف اللغة واال�صطالح‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الألفاظ ذات ال�صلة باملر�ض الوبائي‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬نقل عدوى املر�ض الوبائي عمدً ا‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬طرق انتقال العدوى‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حاالت العمد يف نقل العدوى‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم تعمد نقل العدوى وعقوبته‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬نقل عدوى املر�ض الوبائي بغري العمد‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حاالت غري العمد يف نقل العدوى‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم نقل العدوى بغري العمد وعقوبته‪.‬‬
‫اخلامتة وفيها �أبرز النتائج والتو�صيات‪.‬‬

‫‪591‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫منهج البحث‪:‬‬
‫•االعتماد على امل�صادر املعتربة يف الفقه‪ ،‬مع االطالع واال�ستفادة من كتب‬
‫املعا�صرين والفتاوى‪.‬‬
‫•ال�سلوك يف النازلة م�سلك التخريج �إلى ما ي�شابه امل�س�ألة مما ذكره الفقهاء‪.‬‬
‫•ت�صوير امل�س�ألة �إذا احتاجت �إلى ت�صوير‪ ،‬و�ضرب الأمثلة يف ذلك‪.‬‬
‫•حترير حمل اخلالف‪ ،‬وذكر الأقوال يف امل�س�ألة �إذا كانت حمل خالف‪ ،‬مع‬
‫االقت�صار على املذاهب الفقهية الأربعة‪ ،‬وذكر الأدلة واملناق�شات والرتجيح‬
‫و�أ�سبابه‪.‬‬
‫•عزو الآيات ل�سورها من القر�آن الكرمي مع بيان رقم الآية‪.‬‬
‫•تخريج الأحاديث والآثار من م�صادرها الأ�صلية‪.‬‬
‫•عند التوثيق‪� ،‬أقت�صر على ذكر املرجع مع اجلزء وال�صفحة م�سبو ًقا بكلمة‬
‫( ُينظر) �إن كان النقل بت�صرف‪ ،‬وبدونها �إن مل يكن كذلك‪ ،‬مع �إ�ضافة ا�سم‬
‫امل�ؤلف �إذا كان املرجع من الكتب املعا�صرة �أو املتكررة‪ ،‬و�إذا ذكرت املرجع يف‬
‫املنت‪ ،‬فرقم التوثيق يكون قبل الن�ص املنقول ويف الهام�ش �أقت�صر على ا�سم‬
‫امل�ؤلف‪.‬‬
‫هذا و�أ�س�أل اهلل ‪ ‬التوفيق وال�سداد يف القول والعمل‪ ،‬و�أن يتجاوز عما‬
‫ح�صل يف البحث من جوانب التق�صري والزلل‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني و�صلى اهلل‬
‫و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪592‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫التمهيد‬
‫التعريف مب�صطلحات البحث‪ ،‬والألفاظ ذات ال�صلة‬

‫وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫تعريف العقوبة يف اللغة واال�صطالح‬

‫العقوبة يف اللغة‪:‬‬
‫(عقب)‪ ،‬والعني والقاف والباء �أ�صالن �صحيحان‪� :‬أحدهما يدل على‬ ‫الفعل َ‬
‫ت�أخري ال�شيء و�إتيانه بعد غريه‪ ،‬والأ�صل الآخر يدل على ارتفاع و�شدة و�صعوبة‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫وعقا ًبا‪ ،‬والعقاب‪ :‬العقوبة‪ ،‬وعا َق َبه‪ :‬بذنبه(((‪.‬‬
‫عاقبت الرجل معاقبة وعقوبة ِ‬
‫والعقوبة‪ :‬اجلزاء على الأمر �أو الذنب(((‪.‬‬
‫يف اال�صطالح‪:‬‬
‫ال يخرج معنى العقوبة يف ا�صطالح الفقهاء عن املعنى اللغوي‪ ،‬فقد ع ّرفها‬
‫ال�سرخ�سي ‪ ‬بقوله‪“ :‬جزاء على فعل حمظور حم�ض”(((‪.‬‬
‫وع ّرفت ب�أنها‪ :‬زواجر م�شروعة لدرء املفا�سد املتوقعة(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقيل‪ :‬اجلزاء املقرر مل�صلحة اجلماعة على ع�صيان �أمر ال�شارع(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقايي�س اللغة (‪ )78/4‬مادة (عقب)‪ ،‬وخمتار ال�صحاح (‪ )213/1‬مادة (عقب)‪.‬‬
‫(ع ِقب)‪ ،‬والقامو�س الفقهي (‪.)255/1‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬ل�سان العرب (‪ )613/1‬مادة َ‬
‫((( املب�سوط (‪.)94/26‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف (‪.)211/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الت�شريع اجلنائي‪ ،‬لعبدالقادر عودة (‪)609/1‬؛ واجلنايات يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�شاذيل (‪.)29/1‬‬

‫‪593‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫و ُيلحظ على هذه التعاريف‪� :‬أنها ت�شمل اجلنايات واملخالفات‪ ،‬و�أنها تختلف‬
‫باختالف اجلناية و�أحوال النا�س‪ ،‬والغر�ض منها الزجر للع�صاة‪ ،‬و�إ�صالح حال‬
‫الب�شر‪ ،‬وحمايتهم من الف�ساد فيدخل فيها احلد‪ ،‬والق�صا�ص‪ ،‬والتعزير‪.‬‬
‫واملراد بالعقوبة يف هذا البحث‪ :‬هي العقوبة ال�شرعية كما يف التعاريف ال�سابقة‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫تعريف العدوى يف اللغة واال�صطالح‬

‫العدوى يف اللغة‪:‬‬
‫معان‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ا�سم م�أخوذ من الفعل عدا‪ ،‬ويطلق على عدة ٍ‬
‫العدو �ضد الويل‪ ،‬واجلمع �أعداء‪ ،‬وال ِعدا بك�سر العني الأعداء‪ .‬والعداء بالفتح‪:‬‬
‫جتاوز احلد يف الظلم(((‪.‬‬
‫والتعدي‪ :‬جماوزة ال�شيء �إلى غريه‪ ،‬والعدوة‪ :‬ب�ضم العني وك�سرها‪ :‬جانب الوادي‬
‫وحافته‪.‬‬
‫والعدوى‪ :‬قيل هي املعونة‪ ،‬وقيل‪ :‬ما يعدي من جرب �أو غريه(((‪.‬‬
‫يف اال�صطالح‪:‬‬
‫عرفها الفقهاء ‪ ‬ب�أنها‪“ :‬تعدي املر�ض من �إن�سان �إلى �آخر‪ ،‬ومن بهيمة �إلى‬
‫�أخرى”(((‪.‬‬
‫وقيل هي‪�“ :‬أن يكون ببعري جرب �أو ب�إن�سان مر�ض �أو بر�ص �أو جذام‪ ،‬فتتقي‬
‫خمالطته خمافة �أن يعدو ما به �إليك ويتعلق بك من �أذى”(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬خمتار ال�صحاح (‪)203/1‬؛ ول�سان العرب (‪ )33/15‬مادة (عدا)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املراجع ال�سابقة؛ والقامو�س املحيط (‪ )1310/1‬مادة (عدا)‪.‬‬ ‫(((‬
‫القوانني الفقهية (‪.)296/1‬‬ ‫(((‬
‫تف�سري غريب ما يف ال�صحيحني‪ ،‬للميورقي (‪.)176/1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪594‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫ومن الناحية الطبية ُع ّرفت العدوى ب�أنها‪“ :‬دخول العوامل املُمر�ضة �إلى ج�سم‬
‫الإن�سان ومنوها وتكاثرها وتفاعل اجل�سم معها”(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫تعريف املر�ض الوبائي يف اللغة واال�صطالح‬

‫املر�ض يف اللغة‪:‬‬
‫امليم والراء وال�ضاد‪� :‬أ�صل �صحيح يدل على ما يخرج به الإن�سان عن حد ال�صحة‬
‫يف �أي �شيء كان‪ ،‬وجمع املري�ض‪ :‬مر�ضى(((‪.‬‬
‫واملر�ض‪ :‬ال�سقم نقي�ض ال�صحة(((‪.‬‬
‫يف اال�صطالح‪:‬‬
‫ال يخرج املعنى اال�صطالحي للمر�ض عن املعنى اللغوي‪ ،‬فقد ُع ّرف ب�أنه‪ :‬ف�ساد‬
‫املزاج و�سوء ال�صحة بعد اعتدالها(((‪.‬‬
‫وع ّرف من الناحية الطبية ب�أنه‪ :‬خروج اجل�سم عن حالة االعتدال التي تعني قيام‬
‫ُ‬
‫�أع�ضاء البدن بوظائفها املعتادة مما يعوق الإن�سان عن ممار�سة �أن�شطته اجل�سدية‬
‫والعقلية والنف�سية ب�صورة طبيعية(((‪.‬‬
‫الوباء يف اللغة‪:‬‬
‫م�أخوذ من الفعل وب�أ‪ ،‬والوب�أ‪ :‬كل مر�ض عام‪ ،‬واجلمع‪� :‬أوباء‪ ،‬وقد وبئت الأر�ض‬
‫توب�أ وب�أ‪ ،‬وب�ؤت وبا ًء ووباءة‪ ،‬كرث فيها الوباء فهي وبئة(((‪.‬‬
‫املو�سوعة الطبية الفقهية‪ ،‬لأحمد كنعان �ص‪.701‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مقايي�س اللغة (‪ )311/5‬مادة (مر�ض)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ل�سان العرب (‪ )231/7‬مادة (مر�ض)‪.‬‬ ‫(((‬
‫معجم لغة الفقهاء (‪.)422/1‬‬ ‫(((‬
‫املو�سوعة الطبية الفقهية‪� ،‬ص ‪.845‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬ل�سان العرب (‪)190/1‬؛ والقامو�س املحيط (‪)55/1‬؛ واملعجم الو�سيط (‪ )107/2‬مادة (وب�أ)‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪595‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫يف اال�صطالح‪:‬‬
‫ال يخرج معنى الوباء يف اال�صطالح عن معناه يف اللغة‪ ،‬فقيل يف تعريفه‪ :‬ف�ساد‬
‫يعر�ض جلوهر الهواء لأ�سباب �سماوية �أو �أر�ضية‪ ،‬كاملاء الآ�سن واجليف الكثرية(((‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو مر�ض الكثري من النا�س يف جهة من الأر�ض دون �سائر اجلهات‪ ،‬ويكون‬
‫خمال ًفا للمعتاد من الأمرا�ض يف الكرثة وغريها‪ ،‬ويكون ً‬
‫نوعا واحدً ا(((‪.‬‬
‫فاملر�ض الوبائي‪:‬‬
‫هو كل مر�ض ي�صيب عددًا كب ًريا من النا�س يف منطقة واحدة يف مدة ق�صرية من‬
‫الزمن‪ ،‬ف�إن �أ�صاب املر�ض عددًا عظي ًما من النا�س يف منطقة جغرافية �شا�سعة �سمى‬
‫وبا ًء عامل ًيا‪ ،‬خا�صة �إذا مل تكن �أ�سبابه معروفة(((‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫الألفاظ ذات ال�صلة باملر�ض الوبائي‬

‫� اًأول‪ :‬املر�ض املعدي‪:‬‬


‫�سبق تعريف املر�ض‪ ،‬والعدوى يف اللغة واال�صطالح‪.‬‬
‫و�أما املر�ض املعدي مرك ًبا فهو‪ :‬عبارة عن مر�ض ي�ضعف اجلهاز املناعي يف‬
‫اجل�سم‪ ،‬و�سمي باملعدي لأنه ينتقل من ج�سم لآخر ب�أحد طرق العدوى‪� ،‬إما عن طريق‬
‫التنف�س كالإنفلونزا وال�سل الرئوي‪� ،‬أو بوا�سطة احلقن كالتهاب الكبد الفريو�سي‪� ،‬أو‬
‫عن طريق العالقات اجلن�سية(((‪.‬‬
‫تاج العرو�س (‪.)478/1‬‬ ‫(((‬
‫�شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي (‪.)155/4‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مقال‪ :‬املق�صود مبر�ض معدٍ ومر�ض وبائي‪ ،‬لرباء الدويكات‪ ،‬موقع مو�ضوع‪https://maw� .‬‬ ‫(((‬
‫‪ .doo3.com/‬ما هو الوباء‪ ،‬ملحمد مهرو�سه‪ ،‬موقع جمتمع‪. https://www.arageek.com/ .‬‬
‫ينظر‪ :‬العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع‪ ،‬حممد الدقر‪ ،‬موقع الإعجاز الطبي ‪https://‬‬ ‫(((‬
‫‪ draldaker.wordpress.com/‬و�سي�أتي بيان طرق انتقال العدوى يف املبحث الأول من هذا البحث‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪596‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫وع ّرف املر�ض املعدي �أو الأمرا�ض املعدية ب�أنها‪ :‬ا�ضطرابات ت�سببها ع�ضويات‬ ‫ُ‬
‫مثل‪ :‬البكترييا �أو الفريو�سات �أو الفطريات �أو الطفيليات‪ ،‬نظ ًرا لأن الكثري من‬
‫الع�ضويات تعي�ش داخل ج�سم الإن�سان �أو على �سطحه‪ ،‬وميكن �أن تنتقل من �إن�سان‬
‫�إلى �آخر‪ ،‬عن طريق مبا�شر �أو غري مبا�شر(((‪.‬‬
‫وال�صلة بني املر�ض الوبائي واملر�ض املعدي تتبني مما �سبق يف التعريف‪ ،‬من‬
‫�أن الوباء �أ�صله مر�ض ُم ٍعد لكنه �أعم‪ ،‬و�إذا ارتفع عدد احلاالت عن املتوقع عادة يف‬
‫�سمي وبا ًء‪ ،‬فيق�صد به‪ :‬االنت�شار ال�سريع‪� ،‬أو‬
‫منطقة معينة �أو يف مناطق وانت�شر‪ّ ،‬‬
‫الزيادة غري الطبيعية‪ ،‬وال�سبب يف انت�شاره بكونه معد ًيا فينتقل من �شخ�ص �إلى �آخر‪،‬‬
‫لكن املر�ض املعدي ال يلزم �أن يكون وبا ًء‪ ،‬وال ُيقال عنه وبا ًء �إال �إذا انت�شر وكرثت‬
‫حاالته (كفريو�س كورونا) املنت�شر حال ًيا‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الطاعون‪:‬‬
‫معنى الطاعون يف اللغة واال�صطالح واحد‪.‬‬
‫و�أ�صله من الفعل‪ :‬طعن‪ ،‬ويراد به الطعن بالرمح وبالطعن بالقول(((‪.‬‬
‫والطاعون يف اللغة واال�صطالح‪ :‬دا ٌء معروف‪ ،‬وهو‪ :‬املر�ض العام والوباء الذي‬
‫يف�سد له الهواء فتف�سد به الأمزجة والأبدان(((‪.‬‬
‫وع ِّرف كذلك ب�أنه‪ :‬قروح تخرج من املغابن ق ّلما يلبث �صاحبها(((‪.‬‬‫ُ‬
‫وبني الطاعون والوباء عموم وخ�صو�ص و�إن كان ي�سمى الطاعون وبا ًء‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر ‪�“ :‬أطلق بع�ضهم على الطاعون �أنه وبا ًء لأنه من �أفراده‪ ،‬لكن لي�س كل‬
‫وباء طاعو ًنا”(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الأمرا�ض املعدية‪ ،‬موقع منظمة ال�صحة العاملية‪. https://www.who.int/ .‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬ل�سان العرب (‪ )267/13‬مادة (طعن)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث والأثر (‪)127/3‬؛ ل�سان العرب (‪)267/13‬؛ وتاج العرو�س‬ ‫(((‬
‫(‪ )354/35‬مادة (طعن)‪.‬‬
‫فتح الباري البن حجر (‪.)149/1‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق (‪.)133/10‬‬ ‫(((‬

‫‪597‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫فالطاعون نوع من �أنواع الوباء‪ ،‬ويفارقه بخ�صو�ص �سببه‪ ،‬الذي لي�س هو يف �شيء‬
‫من الأوباء وهو كونه من طعن اجلن‪.‬‬
‫فعلى هذا يقال‪� :‬إن الوباء �أعم من الطاعون‪ ،‬والطاعون نوع منه‪ ،‬فلي�س كل وباء‬
‫ي�سمى طاعو ًنا‪ ،‬بينما كل طاعون وباء‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪598‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫املبحث الأول‬
‫نقل عدوى املر�ض الوبائي عمدً ا‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫(((‬
‫طرق انتقال العدوى‬

‫تختلف طرق انتقال العدوى باختالف املر�ض وم�سبباته‪ ،‬لذا ف�إن كان امل�سبب‬
‫له الفريو�سات (كما يف فايرو�س كورونا‪ ،‬كوفيد ‪ 19 -‬امل�ستجد) �أو الطفيليات �أو‬
‫الفطريات فهي تنتقل بعدة طرق وهي‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬االت�صال املبا�شر‪:‬‬
‫معظم الأمرا�ض املعدية تنتقل عن طريق االت�صال املبا�شر بال�شخ�ص امل�صاب �أو‬
‫حيوان م�صاب باملر�ض‪ ،‬وميكن �أن يحدث هذا االت�صال ب�أحد طرق ثالثة‪:‬‬
‫‪1.1‬مالم�سة ال�شخ�ص ال�سليم لل�شخ�ص امل�صاب �أو و�صول �شيء من رذاذ‬
‫العطا�س �أو الكحة‪� ،‬أو اللعاب‪.‬‬
‫‪2.2‬عن طريق احلمل‪ ،‬فيما �إذا كانت املر�أة اً‬
‫حامل‪ ،‬ف�إن اجلنني معر�ض للإ�صابة‪.‬‬
‫‪3.3‬عن طريق التعر�ض خلد�ش احليوان �أو ع�ضه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقال‪ :‬طرق انتقال الفريو�س امل�سبب ملر�ض (كوفيد ‪ )19-‬موجز علمي‪ ،‬موقع‪ :‬منظمة ال�صحة‬
‫العاملية‪Who.int .‬؛ ومقال‪ :‬طرق انتقال العدوى‪ ،‬موقع وزارة ال�صحة ‪moh.gov.sa‬؛ ومقال‪ :‬ما هو‬
‫الوباء‪ ،‬ملحمد مهرو�سه‪ ،‬موقع جمتمع ‪argeek.com‬؛ ور�سالة‪� :‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة‬
‫فقهية؛ حل�سام �أبو حماد �ص‪15‬؛ ور�سالة‪� :‬أحكام مر�ض نق�ص املناعة املكت�سبة (الإيدز) يف الفقه‪،‬‬
‫حنان �إ�سماعيل‪� ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪599‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫ثان ًيا‪ :‬االت�صال غري املبا�شر‪:‬‬


‫ميكن �أن تنتقل اجلراثيم والفايرو�سات امل�سببة للأمرا�ض عن طريق االت�صال‬
‫غري املبا�شر‪ ،‬كمالم�سة الأ�سطح بعد مل�س امل�صاب لها‪� ،‬أو مالم�سة مقب�ض الباب‪� ،‬أو‬
‫الأدوات امللوثة بالفريو�س‪ ،‬ومن ثم مل�س الفم �أو الأنف �أو العني بعدها‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬عن طريق الدم‪:‬‬
‫تنتقل الأمرا�ض املعدية التي ت�صيب الدم عن طريق نقل الدم امللوث بالفريو�سات‬
‫�إلى املري�ض املنقول �إليه ب�إحدى و�سائل نقل الدم‪ ،‬كحاالت ثقب الأذن‪� ،‬أو الإبر امللوثة‪،‬‬
‫�أو �آالت عمل الو�شم‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬قد تنتقل الفايرو�سات عن طريق الطعام امللوث‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬لدغ احل�شرات‪ ،‬كالنمل والبعو�ض‪ ،‬فقد يحمل العدوى من �شخ�ص لآخر‬ ‫ً‬
‫وينقلها بلدغ ال�سليم‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حاالت العمد يف نقل العدوى‬
‫عموما ونقل العدوى خ�صو�صً ا‬
‫لقد جاء ال�شرع بتدابري وقائية للحد من الأمرا�ض ً‬
‫يف املر�ض الوبائي‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪1.1‬الأمر بالنظافة والغ�سل والتطهر‪ ،‬مب�شروعية الو�ضوء وال ُغ�سل‪ ،‬كما يف قوله‬
‫تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)‬
‫[املائدة‪ ،]6 :‬و�أمر النبي ﷺ بغ�سل اليدين عند اال�ستيقاظ من النوم بقوله‬
‫‪�« :‬إذا ا�ستيقظ �أحدكم من نومه‪ ،‬فال يغم�س يده يف الإناء حتى‬
‫يغ�سلها ثال ًثا ف�إنه اليدري �أين باتت يده»(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه الإمام م�سلم يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الطهارة‪ ،‬باب‪ :‬كراهة غم�س املتو�ضئ وغريه يده امل�شكوك يف‬
‫جنا�ستها يف الإناء قبل غ�سلها ثال ًثا (‪ )233/1‬رقم (‪.)278‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪600‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫‪2.2‬حترمي �أكل كل ما ي�ضر بالإن�سان �أو قد مير�ضه �أو ينقل �إليه املر�ض من‬
‫احليوانات �أو احل�شرات‪ ،‬ومن ذلك حترمي �أكل امليتة والدم وحلم اخلنزير‪،‬‬
‫كما يف قوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ) [املائدة‪.]3 :‬‬
‫‪3.3‬النهي عن قدوم الأر�ض التي فيها الوباء‪ ،‬كما ثبت يف �صحيح البخاري �أن‬
‫عمر بن اخلطاب ‪ ‬خرج �إلى ال�شام فلما كان ب�سرغ(((‪ ،‬بلغه �أن الوباء‬
‫وقع يف ال�شام‪ ،‬ف�أخربه عبدالرحمن بن عوف ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫«�إذا �سمعتم به ب�أر�ض فال تقدموا عليه و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا‬
‫فرا ًرا منه»(((‪.‬‬
‫وما رواه �إبراهيم بن �سعد ‪ ‬قال‪� :‬سمعت �أ�سامة بن زيد ُيح ّدث �سعدً ا‬
‫عن النبي ﷺ �أنه قال‪�« :‬إذا �سمعتم بالطاعون ب�أر�ض فال تدخلوها و�إذا وقع‬
‫ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا فرا ًرا منه»(((‪.‬‬
‫فهذه الأحاديث د ّلت على �إثبات العدوى‪ ،‬وعلى م�شروعية الوقاية من املر�ض‬
‫املعدي‪ ،‬وهذا �إثبات منه ﷺ على الأخذ بالتدابري للحد من انت�شار املر�ض‪،‬‬
‫وهو مما يتوافق مع حقائق الطب(((‪.‬‬
‫‪�4.4‬إثبات النبي ﷺ للحجر‪ ،‬وذلك بالنهي عن �أن يقدم املري�ض على ال�صحيح‬
‫لت�ضييق انت�شار املر�ض‪ ،‬بقوله ‪« :‬ال توردوا املمر�ض على امل�صح»(((‪.‬‬
‫((( َ�س ْرغ‪ :‬بفتح ال�سني و�سكون الراء‪ ،‬وهي قرية يف طرف ال�شام مما يلي احلجاز‪ .‬ينظر‪ :‬ل�سان العرب (‪)434/8‬‬
‫مادة (�سرغ)؛ و�شرح النووي على �صحيح م�سلم (‪ ،)208/14‬وفتح الباري البن حجر (‪.)131/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح‪ .‬كتاب‪ :‬الطب‪ ،‬باب‪ :‬ما يذكر يف الطاعون (‪ )130/7‬رقم (‪.)5729‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪� :‬أحاديث الأنبياء‪ ،‬باب‪ :‬حديث الغار (‪ )175/4‬رقم (‪)3473‬؛‬
‫وم�سلم يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الآداب‪ ،‬باب‪ :‬الطاعون والطرية (‪ )1737/4‬رقم (‪.)2218‬‬
‫((( ينظر‪ :‬العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع‪ ،‬ملحمد الدقر‪ ،‬موقع الإعجاز الطبي‪.‬‬
‫‪. https://draldaker.wordpress.com/‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الآداب‪ ،‬باب‪ :‬ال عدوى وال طرية (‪ .)1743/4‬رقم (‪.)2221‬‬

‫‪601‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫(((‬
‫وهذا فيه �إ�شارة �إلى �أن نفي العدوى يف قوله ‪« :‬ال عدوى وال طرية»‬
‫لي�س على �إطالقه؛ وذلك لقوله يف �آخر احلديث‪« :‬وف ّر من املجذوم فرارك من‬
‫الأ�سد»‪ ،‬فالفرار من املجذوم �سبب لإتقاء العدوى التي قد حت�صل من املخالطة(((‪.‬‬
‫ف�إنه �إذا ثبت ذلك‪ ،‬و�ألزمت الدولة وامل�س�ؤولون يف ال�صحة ب�أخذ التدابري الطبية‬
‫الوقائية بكافة �أنواعها ‪�-‬سواء للنا�س عامة �أو للممار�سني ال�صحيني يف املرافق‬
‫ال�صحية‪ -‬فيجب االمتثال لذلك والأخذ بها‪ ،‬و ُيع ّد من خالفها بال �ضرورة متعمدً ا‬
‫لنقل العدوى �إن كان م�صا ًبا �أو معر ضً� ا نف�سه للمر�ض‪ ،‬وحاالت التعمد يف نقل العدوى‬
‫ال تعدوا �إحدى احلاالت التالية‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن يقوم املري�ض امل�صاب بارتكاب �أحد طرق نقل العدوى ال�سابقة(((‪ :‬ك�أن‬
‫يخرج ملخالطة الآخرين‪� ،‬أو و�ضع �أثره على مقاب�ض الأبواب اً‬
‫مثل �أو ال�سلع‬
‫الغذائية‪� ،‬أو �أدواته ويمُ ّكن غريه منها‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يكون �أحد املمار�سني ال�صحيني‪ ،‬ويتعمد نقل �أثر مري�ض �إلى غريه‪،‬‬
‫وكالهما قد يتعمد ن�شر الوباء يف املجتمع �أو يتعمد ب�إ�صابة �شخ�ص معني؛ لذا‬
‫�إن كان الإن�سان يعرف �أنه م�صاب باملر�ض املعدي‪ ،‬فيجب عليه عدم خمالطة‬
‫النا�س و�أن يلتزم باالنعزال مدة املر�ض‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫حكم تع ّمد نقل العدوى وعقوبته‬
‫�إذا علم ال�شخ�ص �أنه م�صاب باملر�ض الوبائي كفريو�س (كوفيد ‪ ،19 -‬كورونا)‪،‬‬
‫وتعمد نقل العدوى ب�إحدى الطرق ال�سابقة‪ ،‬فال يخلو من حالتني‪:‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الطب‪ ،‬باب‪ :‬اجلذام (‪ )126/7‬رقم (‪)5707‬؛ وم�سلم يف‬
‫ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الآداب‪ ،‬باب‪ :‬ال عدوى وال طرية (‪ )1744/4‬رقم (‪.)2222‬‬
‫((( ينظر‪ :‬العدوى وم�شروعية الوقاية يف منظار العلم وال�شرع‪ ،‬ملحمد الدقر‪ ،‬موقع الإعجاز الطبي �‪https://dral‬‬
‫‪daker.wordpress.com/‬؛ ور�سالة‪� :‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية‪ ،‬حل�سام �أبو حماد‪� ،‬ص ‪.32‬‬
‫((( يف املطلب الأول من هذا البحث‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪602‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫احلالة الأولى‪� :‬أن يتعمد ن�شر الوباء يف املجتمع‪:‬‬


‫ممار�سا �صح ًيا وتع ّمد نقل‬
‫ً‬ ‫�إذا كان ال�شخ�ص يعلم �أنه حامل للفريو�س‪� ،‬أو كان‬
‫املر�ض بني النا�س ب�أن كان هدفه ن�شر الوباء يف املجتمع‪ ،‬وكان هذا املر�ض ميثل‬
‫خطورة وي�ؤدي �إلى املوت‪ ،‬ف�إن هذا الفعل حمرم وي�أثم �صاحبه‪ ،‬بل و ُيعد من �صور‬
‫الإف�ساد يف الأر�ض‪ ،‬وقد ن�ص جمهور الفقهاء((( ‪ ‬على �أن �إخافة ال�سبيل وال�سعي‬
‫بالإف�ساد بني النا�س من املحاربة والع�صيان هلل ور�سوله‪.‬‬
‫وا�ستدلوا‪:‬‬
‫قوله تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [املائدة‪.]34-33 :‬‬
‫قال ابن ر�شد ‪“ :‬فمحاربة اهلل ور�سوله ع�صيانهما ب�إخافة ال�سبيل‪ ،‬و�إخافة‬
‫ال�سبيل هو ال�سعي يف الأر�ض ف�سادًا‪ ،‬فمن �أخاف ال�سبيل فقد ا�ستحق ا�سم احلرابة‬
‫ب�إجماع”(((‪.‬‬
‫وقال ابن كثري ‪ ‬يف تف�سري الآية‪« :‬والإف�ساد يف الأر�ض يطلق على �أنواع ال�شر»(((‪.‬‬
‫وقال املاوردي ‪�“ :‬أنها نزلت �إخبا ًرا من اهلل تعالى بحكم من حارب اهلل‬
‫ور�سوله و�سعى يف الأر�ض ف�سادًا من امل�سلمني وغريهم‪ ،‬وهذا قول اجلمهور‪ ،‬وهو‬
‫ال�صحيح الذي عليه الفقهاء‪ ،‬و�أن هذا الف�ساد فعل املعا�صي التي يتعدى �ضررها �إلى‬
‫غريها”(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬بدائع ال�صنائع (‪)93/7‬؛ واملقدمات املمهدات (‪)228/3‬؛ والذخرية (‪)125/12‬؛ اجلامع‬ ‫(((‬
‫لأحكام القر�آن‪ ،‬للقرطبي (‪)149/6‬؛ واحلاوي الكبري (‪.)352/13‬‬
‫املقدمات املمهدات (‪.)228-227/3‬‬ ‫(((‬
‫تف�سري القر�آن العظيم (‪.)85/3‬‬ ‫(((‬
‫احلاوي الكبري (‪.)352/13‬‬ ‫(((‬

‫‪603‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫ونقل املر�ض الوبائي من �أ�شد الأ�ضرار باملجتمع؛ �إذ �أنه �سريع االنت�شار وقد ي�ؤدي‬
‫�إلى الهالك‪.‬‬
‫وعلى هذا ُيقال‪� :‬إن عقوبة من ق�صد ن�شر الوباء باملجتمع هي عقوبة من �أف�سد‬
‫يف الأر�ض‪ ،‬ف�إن من كان اً‬
‫قاتل فيجب قتله‪ ،‬و�إن مل يقتل فتُط ّبق عليه العقوبة بح�سب‬
‫دفاعا عن النفو�س التي يجب حفظها عن املر�ض‬ ‫خطورة املر�ض وت�أثريه‪ ،‬وذلك ً‬
‫املهلك(((‪.‬‬
‫وبهذا جاء قرار جممع الفقه الإ�سالمي((( ب�ش�أن مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب‬
‫(الإيدز) والأحكام الفقهية املتعلقة به‪ ،‬ما ن�صه‪« :‬ثان ًيا‪ :‬تعمد نقل العدوى مبر�ض‬
‫نق�ص املناعة املكت�سب (الإيدز) �إلى ال�سليم منه ب�أية �صورة من �صور التعمد عمل‬
‫محُ ّرم‪ ،‬و ُيعد من كبائر الذنوب والآثام‪ ،‬كما �أنه ي�ستوجب العقوبة الدنيوية‪ ،‬وتتفاوت‬
‫هذه العقوبة بقدر ج�سامة الفعل و�أثره على الأفراد وت�أثريه على املجتمع‪.‬‬
‫ف�إن كان مق�صد املتعمد �إ�شاعة هذا املر�ض اخلبيث يف املجتمع‪ ،‬فعمله هذا ُيع ّد‬
‫نوعا من احلرابة والف�ساد يف الأر�ض‪ ،‬وي�ستوجب �إحدى العقوبات املن�صو�ص عليها يف‬‫ً‬
‫�آية احلرابة‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [املائدة‪.]33 :‬‬
‫ف�إذا كان كذلك يف مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب (الإيدز) والذي ال ينتقل �إال عن‬
‫طريق الدم‪ ،‬فمر�ض (فريو�س كورونا) والذي ينتقل بطرق عدة وباملخالطة من باب‬
‫�أولى‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بحوث يف الفقه املعا�صر‪ ،‬حل�سن اجلواهري (‪)410/2‬؛ والفقه املي�سر‪ ،‬للطيار و�آخرين �ص‬
‫‪201‬؛ والنوازل يف اجلنايات‪ ،‬لآل طالب‪ ،‬ر�سالة دكتوراه؛ والأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا‪ ،‬خالد‬
‫امل�شيقح �ص‪.28‬‬
‫((( قرار رقم (‪/7/94‬د‪ )9‬ينظر‪ :‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الدورة التا�سعة (‪ ،)549/4‬وجامع‬
‫الفتاوى الطبية‪ ،‬الأحكام املتعلقة بها‪ ،‬جمع‪ :‬عبدالعزيز بن عبداملح�سن �ص ‪.52-51‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪604‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫ن�ص جمهور الفقهاء ‪ (((‬على �أن الإمام مخُيرّ بتطبيق �أحد هذه‬ ‫وقد ّ‬
‫العقوبات على املف�سد يف الأر�ض‪ ،‬واجلنايات تتفاوت على الأحوال‪ ،‬فكلما عظمت‬
‫اجلناية عظمت العقوبة‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬تع ّمد نقل عدوى املر�ض الوبائي ل�شخ�ص معني‪:‬‬
‫�صورة امل�س�ألة‪:‬‬
‫بعد ثبوت كون املر�ض الوبائي (فريو�س كورونا) قد يقتل وقد ال يقتل‪ ،‬ف�إذا تع ّمد‬
‫ال�شخ�ص امل�صاب �أو املمار�س ال�صحي نقل الفايرو�س �إلى �شخ�ص �سليم‪ ،‬فال يخلو‪:‬‬
‫�إما ان يكون ال�شخ�ص املنقول �إليه ميوت منه �أو ال ميوت‪.‬‬
‫داخل يف القتل العمد املوجب للق�صا�ص؟‬ ‫ف�إن مات منه فهل يكون �صاحبه اً‬
‫مل يذكر الفقهاء ‪ ‬فيما اطلعت عليه من م�صادر �أن نقل العدوى يف املر�ض‬
‫الوبائي من �صور قتل العمد؛ لكنهم ذكروا �شروط قتل العمد وهي كون �صاحبه قا�صدً ا‬
‫للقتل فيما يقتل غال ًبا‪ ،‬كما ذكروا �صو ًرا للعمد ومنها ما هو م�شابه للقتل بالفريو�س‪،‬‬
‫كالقتل بال�سم‪.‬‬
‫كل منهما‬ ‫وعلى هذا فيمكن تخريج امل�س�ألة على م�س�ألة القتل بال�سم بجامع �أن اً‬
‫يدخل يف بدن الإن�سان وقد ي�ؤدي �إلى موته‪ ،‬وم�س�ألة القتل بال�سم اختلف فيها الفقهاء‬
‫على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن القتل بال�سم قتل عمد يوجب الق�صا�ص‪ ،‬وبهذا القول قال �أبو يو�سف‬
‫وحممد من احلنفية(((‪ ،‬وقول املالكية(((‪ ،‬وقول عند ال�شافعية(((‪ ،‬واملذهب عند‬
‫احلنابلة(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬بدائع ال�صنائع (‪)93/7‬؛ والذخرية (‪)125/12‬؛ واحلاوي الكبري (‪)353/13‬؛ واملغني (‪.)475/12‬‬ ‫(((‬
‫فيما �إذا كان عاملًا بقتله ال حمالة‪ ،‬ينظر‪ :‬املب�سوط (‪)153/26‬؛ والبحر الرائق (‪.)236/8‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬البيان والتح�صيل (‪)62/16‬؛ والذخرية (‪.)284/12‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الأم (‪)45/6‬؛ واحلاوي الكبري (‪ ،)86/12‬واملهذب (‪)178/3‬؛ ونهاية املطلب (‪.)95/16‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني (‪)266/8‬؛ واملبدع يف �شرح املقنع (‪)196/7‬؛ وك�شاف القناع (‪.)508/5‬‬ ‫(((‬

‫‪605‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫القول الثاين‪� :‬أن القتل بال�سم �شبه عمد‪ ،‬وهذا القول هو الأظهر عند ال�شافعية(((‪،‬‬
‫ووجه عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أن القتل بال�سم ال يوجب ق�صا�ص‪ ،‬والدية فيه على العاقلة‪ ،‬واجلاين‬
‫ُيعزّر وي�ضرب‪ ،‬وهذا مذهب احلنفية(((‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الأول مبا ي�أتي‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬الأدلة من ال�سنة‪:‬‬
‫عن �أبي �سلمة ‪ ‬قال‪ :‬كان ر�سول اهلل ﷺ «يقبل الهدية وال ي�أكل ال�صدقة»‪،‬‬
‫وزاد‪ :‬ف�أهدت له يهودية بخيرب �شاة م�صل ّية �س ّمتها ف�أكل منها ر�سول اهلل‬
‫ﷺ و�أكل القوم‪ ،‬فقال‪« :‬ارفعوا �أيديكم ف�إنها �أخربتني �أنها م�سمومة» فمات‬
‫ب�شر بن الرباء بن معرور‪ ،‬ف�أر�سل �إلى اليهودية وقال‪« :‬ما حملك على الذي‬
‫�صنعت»‪ ،‬قالت‪� :‬إن كنت نب ًيا مل ي�ض ّرك‪ ،‬و�إن كنت مل ًكا �أرحت النا�س منك‪،‬‬
‫ِ‬
‫ف�أمر بها ر�سول اهلل ﷺ فقتلت(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫�أن النبي ﷺ �أمر بقتل اليهودية ملا مات ب�شر بن الرباء من ال�سم‪.‬‬
‫((( فيما �إذا كان الأغلب �أنه ال يقتل‪ ،‬ينظر‪ :‬احلاوي الكبري (‪)86/12‬؛ واملهذب (‪)178/3‬؛ ورو�ضة‬
‫الطالبني (‪.)129/9‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املغني (‪)266/8‬؛ والإن�صاف (‪.)440/9‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املب�سوط (‪)153/26‬؛ وبدائع ال�صنائع (‪)235/7‬؛ وتبيني احلقائق (‪ .)101/6‬وهو مذهبهم‬
‫فيما �إذا مل يعلم �أنه يقتل‪.‬‬
‫اً‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف ال�سنن‪ ،‬كتاب‪ :‬الديات‪ ،‬باب‪ :‬فيمن �سقى رجل �س ًما (‪ )174/4‬رقم (‪)4512‬؛‬
‫والدارمي يف ال�سنن (‪ )207/1‬رقم (‪ )68‬وقال املحقق الداراين‪�“ :‬إ�سناده ح�سن وهو مر�سل”؛ و�أخرجه‬
‫الطرباين يف املعجم الكبري (‪ )34/2‬رقم (‪)1202‬؛ قال الهيثمي يف جممع الزوائد (‪“ :)154/6‬رواه‬
‫مر�سل وفيه ابن لهيعة وفيه �ضعف وحديثه ح�سن”‪.‬‬‫اً‬ ‫الطرباين‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪606‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫نوق�ش من وجهني(((‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن احلديث مر�سل‪ ،‬كما يف تخريجه‪ ،‬وال حجة يف مر�سل‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن الروايات عن �أبي هريرة ‪ ‬لهذا احلديث م�ضطربة‪ ،‬فم ّرة‬
‫ورد �أن النبي ﷺ قتلها‪ ،‬وم ّرة مل يتعر�ض لها‪.‬‬
‫�أجيب عن املناق�شة‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن احلديث مو�صول؛ فقد ُروي كذلك من حديث �أبي �سلمة عن �أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رواه �أبو داود والبيهقي(((‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ثبوت قتل النبي ﷺ‪ ،‬فقد ثبت �أنه قتلها بب�شر بن الرباء ‪ ‬قال‬
‫حممد بن �سحنون‪�“ :‬أجمع �أهل احلديث �أن الر�سول ﷺ قتلها”(((‪ ،‬وقال‬
‫البيهقي ‪“ :‬فيحتمل �أنه مل يتعر�ض لها يف االبتداء‪ ،‬فلما مات ب�شر‬
‫بن الرباء �أمر بقتلها‪ ،‬وهذا هو الأظهر”(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الأدلة العقلية‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن ال�سم مما يقتل غال ًبا(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن العادة جرت �أن من ُق ّدم له طعام ف�إنه ي�أكل منه م�ضط ًرا‪ ،‬ك�أنه �أجل�أه �إلى‬
‫�أكله‪ ،‬فوجب عليه ال َق َود كما لو �أكرهه عليه(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬املحلى (‪ ،)232/11‬وذكر ابن حزم اجلمع بني الروايات يف احلديث‪ ،‬وثبوتها جمي ًعا‪.‬‬ ‫(((‬
‫رجل �س ًما (‪ )174/4‬رقم (‪)4512‬؛‬ ‫عند �أبي داود يف ال�سنن‪ ،‬كتاب‪ :‬الديات‪ ،‬باب‪ :‬فيمن �سقى اً‬ ‫(((‬
‫رجل �س ًما (‪ )83/8‬رقم (‪)16010‬؛ واحلاكم يف امل�ستدرك‬ ‫والبيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬باب‪ :‬من �سقى اً‬
‫(‪ )242/3‬وقال‪� :‬صحيح على �شرط م�سلم ومل يخرجاه‪.‬‬
‫معرفة ال�سنن والآثار (‪)51/12‬؛ وفتح الباري (‪.)497/7‬‬ ‫(((‬
‫نقله ابن حجر عن حممد بن �سحنون يف فتح الباري (‪.)245/10‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املهذب (‪)178/3‬؛ واملغني البن قدامة (‪.)266/8‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املجموع �شرح املهذب (‪.)389/18‬‬ ‫(((‬

‫‪607‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫‪3.3‬مبا�شرته الدفع و�إخفاء احلال(((‪.‬‬


‫وا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين بدليل عقلي وهو قولهم‪:‬‬
‫�أنه ال قود عليه؛ وذلك ل�شرب امل�سموم له باختياره‪ ،‬في�سقط القود‪ ،‬وعليه ن�صف‬
‫الدية مع الكفارة لأنه �سبب �أداه �إلى التلف(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪:‬‬
‫ب�أنه ال ُي�س ّلم �أنه �شرب باختياره؛ �إذ �أن من �أعطاه غ ّره حني مل يخربه‪ ،‬فلو كان‬
‫عاملًا ملا �شرب منه(((‪.‬‬
‫ا�ستدل �أ�صحاب القول الثالث مبا ي�أتي‪:‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬من ال�سنة‪:‬‬
‫حديث اليهودية برواية �أن�س بن مالك ‪� ‬أنها جاءت �إلى النبي ﷺ بال�شاة‬
‫امل�سمومة هدية �إلى ر�سول اهلل ف�أكل منها‪ ،‬فجيء بها �إلى ر�سول اهلل ﷺ ف�س�ألها عن‬
‫ذلك‪ ،‬فقالت‪� :‬أردت قتلك‪ ،‬فقال‪« :‬ما كان اهلل لي�سلطك علي»؛ فقالوا �أال تقتلها؟ قال‪:‬‬
‫«ال»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫�أن النبي ﷺ مل يقتلها ومل ي�ضمنها لأنه تناوله باختياره(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬احلاوي الكبري (‪.)86/12‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اجلوهرة النرية (‪)120/2‬؛ واحلاوي الكبري (‪.)49/12‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املب�سوط (‪.)153/26‬‬
‫رجل �س ًما (‪ )175/4‬رقم (‪،)4508‬‬ ‫((( �أخرجه �أبو داود يف ال�سنن‪ ،‬لكتاب‪ :‬الديات‪ ،‬باب فيمن �سقى اً‬
‫و�أخرجه البيهقي نحوها برواية جابر بن عبداهلل ‪ ‬يف ال�سنن الكربى‪ ،‬باب‪ :‬من �سقى اً‬
‫رجل‬
‫�س ًما (‪ )8/8‬رقم (‪ .)16008‬وقال البيهقي يف جممع الزوائد (‪« :)295/8‬رواه البزار‪ ،‬ورجاله رجال‬
‫ال�صحيح غري مبارك بن ف�ضالة وهو ثقة وهو �ضعيف»‪ ،‬و�صححه الألباين يف �سل�سلة الأحاديث ال�ضعيفة‬
‫(‪.)990/13‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق (‪.)101/6‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪608‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫نوق�ش‪:‬‬
‫�أن النبي ﷺ مل يقتلها؛ لأنه مل يذكر يف حديث �أن�س �أن �أحدً ا مات بهذا ال�سم‪،‬‬
‫و�إمنا وردت الروايات الأخرى ‪-‬كما �سبق يف دليل �أ�صحاب القول الأول‪ -‬عن �أبي‬
‫هريرة �أن ب�شر بن الرباء ‪� ‬أكل منها فمات‪ ،‬ف�أمر النبي ﷺ بقتلها(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الأدلة العقلية‪:‬‬
‫�أنه �أكله باختياره ف�أ�شبه ما لو قدم �إليه �سكي ًنا‪ ،‬فطعن بها نف�سه (((‪.‬‬
‫نوق�ش‪:‬‬
‫�أنه قيا�س مع الفارق‪ ،‬لأن ال�سكني ال ُتق ّدم �إلى الإن�سان ليقتل بها نف�سه‪� ،‬إمنا تقدم‬
‫لينتفع بها‪ ،‬وهو عامل مب�ضرتها ونفعها‪ ،‬ف�أ�شبه ما لو قدم �إليه ال�سم وهو عامل به(((‪.‬‬
‫الراجح‪:‬‬
‫الذي يرتجح ‪-‬واهلل تعالى �أعلم‪ -‬هو القول الأول‪ ،‬وهو القول ب�أن القتل بال�سم‬
‫قتل عمد يوجب الق�صا�ص‪ ،‬وهو قول اجلمهور؛ لقوة ما ا�ستدلوا به من �أدلة‪ ،‬ول�ضعف‬
‫�أدلة الأقوال الأخرى مبا ورد عليها من مناق�شة‪.‬‬
‫وبنا ًء على ذلك ُيقال‪� :‬أن من تع ّمد نقل عدوى الفريو�س �إلى �شخ�ص بعينه‪ ،‬ومات‬
‫ب�سببه‪ ،‬ف�إنه ُيقتل به �إذا توفرت �شروط وجوب الق�صا�ص الأخرى؛ �إذ القتل بالأ�سباب‬
‫اخلفية يوجب الق�صا�ص �إذا ا�ستند القتل �إليها كالأ�سباب الظاهرة بال فرق(((‪.‬‬
‫و�أما �إذا مل ميت ب�سببه مع كونه متعمدً ا لنقل العدوى ف�إنه يعاقب العقوبة‬
‫التعزيرية‪ ،‬وهذه ترجع �إلى القا�ضي بح�سب ال�ضرر الواقع‪ ،‬وهذا �أي�ضً ا ن�ص قرار‬
‫ينظر‪ :‬املب�سوط (‪)153/26‬؛ واملغني (‪.)265/8‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬اجلوهرة النرية (‪)120/2‬؛ الدر املختار (‪.)542/6‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني (‪.)266/8‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬بحوث يف الفقه املعا�صر‪ ،‬للجواهري (‪.)410/2‬‬ ‫(((‬

‫‪609‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫جممع الفقه الإ�سالمي((( يف مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب (الإيدز)‪ ،‬فقد جاء فيه‪:‬‬
‫“و�إن كان ق�صد من تع ّمد نقل العدوى �إعداء �شخ�ص بعينه ومتت العدوى ومل ميت‬
‫املنقول �إليه بعد‪ ،‬عوقب املتعمد بالعقوبة التعزيرية املنا�سبة‪ ،‬وعند حدوث الوفاة‬
‫ينظر يف تطبيق عقوبة القتل‪ ،‬و�أما �إذا كان ق�صد من تع ّمد نقل العدوى �إعداء �شخ�ص‬
‫بعينه ولكن تنتقل العدوى ف�إنه يعاقب عقوبة تعزيرية”‪.‬‬

‫((( قرار رقم (‪ /7/94‬د ‪ )9‬ينظر‪ :‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الدورة التا�سعة (‪ )549/4‬وجامع‬
‫الفتاوى الطبية والأحكام املتعلقة بها‪ ،‬جمع‪ :‬عبدالعزبز بن عبداملح�سن‪� ،‬ص ‪.52‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪610‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫املبحث الثاين‬
‫نقل عدوى املر�ض الوبائي بغري العمد‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫حاالت غري العمد يف نقل العدوى‬

‫ثبت عند الأطباء واملخت�صني �سرعة انت�شار املر�ض الوبائي (فريو�س كورونا)‪،‬‬
‫مما جعلهم يتفقون على �إلزام النا�س باحلجر ال�صحي‪ ،‬وعدم اخلروج من منازلهم‬
‫من ًعا النت�شار املر�ض(((‪.‬‬
‫فعلى هذا‪ :‬يجب على الإن�سان �أن ي�أخذ جميع التدابري التي يلزم اتخاذها‬
‫للحفاظ على نف�سه والآخرين(((‪.‬‬
‫ومع الأخذ بالتدابري واالحتياطات قد تنتقل العدوى بغري ق�صد من ال�شخ�ص‬
‫بحاالت عدة منها‪:‬‬
‫‪�1.1‬أال يعلم �أنه يحمل الفريو�س وال تظهر عليه الأعرا�ض �إال بعد فرتة من الوقت‪،‬‬
‫فانتقاله وخروجه وخمالطته للنا�س قد تنقل لهم العدوى بغري ق�صد منه‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يكون م�صا ًبا باملر�ض وعاملًا لكن ا�ضطر �إلى اخلروج ملا البد منه‪ ،‬ويفعل‬
‫ما له فعله من بيع �أو �شراء ونحو ذلك‪ ،‬فيخالط النا�س �أو يبقى �أثره خط�أ‬
‫منه فتنقل العدوى‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬نوازل الأوبئة‪ ،‬ملحمد بالعو‪� ،‬ص ‪73‬‬
‫((( �سبقت يف املطلب الثاين من املبحث الأول‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫‪�3.3‬أن يكون م�صا ًبا لكن يجهل كون هذا املر�ض معد ًيا‪ ،‬فيخالط غريه وينتقل‬
‫املر�ض �إما باالت�صال املبا�شر �أو غري املبا�شر‪.‬‬
‫ق�صر املمار�س‬
‫ق�صر امل�صاب ب�أخذ االحتياطات والتدابري الالزمة‪� ،‬أو ُي ّ‬
‫‪�4.4‬أن ُي ّ‬
‫ال�صحي من طبيب وغريه ويت�سبب يف نقل العدوى بال تعمد منه‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫حكم نقل العدوى بغري العمد وعقوبته‬

‫قبل انتقال العدوى ب�أحد احلاالت ال�سابقة‪ ،‬يجب على ال�شخ�ص امل�شتبه بحمله‬
‫للفريو�س �أو احلامل له‪� ،‬أ َال يخفي ذلك عن ال�سلطات ال�صحية واملخالطني له‪ ،‬كما‬
‫يجب عزل املري�ض امل�صاب‪ ،‬وبهذا �صدرت تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية(((‪.‬‬
‫وذلك ملا ي�أتي‪:‬‬
‫‪1.1‬عموم الأدلة التي تدل على �ضرورة حفظ النف�س وعدم ال�ضرر بها وبالآخرين‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫•قوله تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة‪.]195 :‬‬
‫•وقوله تعالى‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الن�ساء‪.]29 :‬‬
‫•قول النبي ﷺ‪« :‬ال �ضرر وال �ضرار»(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تو�صيات الندوة الفقهية الثانية بعنوان (فريو�س كورونا وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام‬
‫�شرعية) املنعقدة يف ‪1441/8/23‬هـ ‪ -‬جدة‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪� ،‬ص ‪ ،6‬و�سيذكر ن�صها يف �آخر‬
‫البحث‪ .‬وينظر‪ :‬بحث‪( :‬ر�ؤية �إ�سالمية للم�شاكل االجتماعية ملر�ض الإيدز)‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد (‪ .)1346/5‬و�أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية‪ ،‬ح�سام �أبو حماد‪� ،‬ص ‪.128-127‬‬
‫((( �أخرجه الإمام مالك يف املوط أ� (‪ )1078/4‬رقم (‪ )600‬وابن ماجة يف ال�سنن (‪ )784/2‬رقم (‪)2340‬‬
‫والإمام �أحمد يف امل�سند (‪ )55/5‬رقم (‪ ،)2865‬واحلاكم يف امل�ستدرك (‪ )66/2‬رقم (‪ )2345‬وقال‪:‬‬
‫�صحيح الإ�سناد على �شرط م�سلم‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪612‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫‪2.2‬حديث عمر بن اخلطاب ‪ ‬ال�سابق((( اخلا�ص بالطاعون �أن النبي ﷺ‬


‫قال‪�« :‬إذا �سمعتم بالطاعون ب�أر�ض فال تدخلوها‪ ،‬و�إذا وقع ب�أر�ض و�أنتم فيها‬
‫فال تخرجوا منها»‪.‬‬
‫‪3.3‬ما جاء يف احلديث ال�صحيح من قول النبي ﷺ‪« :‬فلي�س من رجل يقع‬
‫الطاعون فيمكث يف بيته �صاب ًرا حمت�س ًبا يعلم �أنه ال ي�صيبه �إال ما كتب اهلل‬
‫له �إال كان له مثل �أجر ال�شهيد»(((‪.‬‬
‫فهذه الأحاديث تدل على الأمر باحلجر عند وجود الوباء‪ ،‬ف�إذا انتقلت العدوى‬
‫بغري ق�صد من الناقل يف �أحد ال�صور ال�سابقة((( (اخلط�أ �أو اجلهل �أو التق�صري)‬
‫ومات املنقول �إليه فهل ُيعد اً‬
‫داخل يف القتل باخلط�أ �أو بالت�سبب؟‬
‫ال يخلو الأمر من حالتني‪:‬‬
‫احلالة الأولى‪:‬‬
‫�أن يكون الناقل � ً‬
‫آخذا بالتدابري واالحتياطات االحرتازية‪� ،‬سواء كان م�صا ًبا �أو‬
‫ممار�سا �صح ًيا‪ ،‬ومل يف ّرط فال �شيء عليه‪ ،‬فقد �أجمع العلماء ‪ (((‬على �أن‬ ‫ً‬
‫الطبيب ال �ضمان عليه �إن مل يفرط وكان من �أهل الطب �أي حاذ ًقا يف �صنعته‪.‬‬
‫قال ابن املنذر ‪“ :‬و�أجمعوا على �أن الطبيب �إذا مل يتع ّمد مل ي�ضمن”(((‪.‬‬
‫وا�ستدلوا ب�أدلة نقلية وعقلية وهي‪:‬‬
‫((( �سبق تخريجه‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪� :‬أحاديث الأنبياء‪ ،‬باب‪ :‬حديث الغار (‪ )175/4‬رقم (‪.)3474‬‬
‫((( �ص ‪23‬من البحث‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التلقني يف الفقه املالكي (‪)196/2‬؛ والبيان والتح�صيل (‪)253/4‬؛ وبداية املجتهد البن ر�شد‬
‫(‪)200/4‬؛ وحتفة املحتاج (‪)197/9‬؛ ونهاية املحتاج (‪ .)35/8‬وم�سائل الإمام �أحمد و�إ�سحاق‬
‫(‪)336/7‬؛ واملغني (‪ )398/5‬و�شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي (‪)249/4‬؛ واملبدع (‪.)447/4‬‬
‫((( نقله عن ابن املنذر‪ :‬الهيثمي يف حتفة املحتاج (‪)197/9‬؛ وال�شربيني يف مغني املحتاج (‪.)539/5‬‬

‫‪613‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬الأدلة النقلية‪:‬‬
‫‪1.1‬قول اهلل تعالى‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأحزاب‪.]5 :‬‬
‫‪ 2.2‬قول النبي ﷺ‪« :‬من تط ّبب‪ ،‬ومل ُيعلم منه قبل ذلك الطب‪ ،‬فهو �ضامن»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫�أن مفهوم احلديث �إذا كان يعلم بالطب فال �شيء عليه‪ ،‬فال ي�ؤاخذ فيما مل يف ّرط‬
‫فيه‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الأدلة العقلية‪:‬‬
‫‪1.1‬لأنه تو ّلد عن فعل مباح له وم�أذو ٌن له فيه(((‪.‬‬
‫‪2.2‬وميكن �أن ي�ستدل لذلك‪ :‬ب�أن املر�ض �سريع االنت�شار وي�صعب التثبت من‬
‫م�صدر العدوى‪ ،‬وامل�صاب �أو املمار�س مل يف ّرط و�أخذ بالتدابري واالحتياطات‬
‫الالزمة‪ ،‬لكن قد يكون املنقول �إليه مل ي�أخذ بها‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪:‬‬
‫�إذا مل ي�أخذ الناقل ‪-‬امل�صاب �أو املمار�س ال�صحي‪ -‬بالتدابري االحرتازية و�أخط�أ‬
‫�أو ف ّرط‪ ،‬وانتقلت العدوى وت�سببت يف موت املنقول �إليه‪ ،‬ف�إن عرف الناقل وثبت خط�أه‬
‫فجنايته جناية خط�أ‪ ،‬يجب فيها الدية والكفارة‪.‬‬
‫فقد �أجمع الفقهاء((( على �أن الطبيب �إذا �أخط�أ يلزمه الدية‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف ال�سنن‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب‪ :‬فيمن تط ّبب بغري علم (‪ )195/4‬رقم (‪،)4586‬‬
‫والن�سائي يف ال�سنن‪ ،‬كتاب‪ :‬الق�سامة‪ ،‬باب‪� :‬صفة �شبه العمد (‪ )52/8‬رقم (‪ ،)4830‬وابن ماجة‬
‫يف ال�سنن‪ ،‬كتاب‪ :‬الطب‪ ،‬باب‪ :‬من تط ّبب ومل يعلم بالطب (‪ )1148 /2‬رقم (‪ ،)3466‬واحلاكم يف‬
‫امل�ستدرك (‪ )236 /4‬رقم (‪ )7484‬وقال‪“ :‬هذا حديث �صحيح الإ�سناد ومل يخرجاه”‪ ،‬وح�سنه‬
‫الألباين يف �سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة (‪.)227/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الذخرية (‪ ،)257/12‬واملغني (‪.)398/5‬‬
‫((( نقل الإجماع‪ :‬ابن ر�شد يف بداية املجتهد (‪.)200/4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪614‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫كما اتفق الفقهاء ‪ (((‬على وجوب الكفارة يف القتل اخلط�أ‪ ،‬لقوله تعالى‪( :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الن�ساء‪.]92 :‬‬
‫واختلفوا يف‪ :‬على من جتب الدية؟‬
‫�أما �إن كان من غري �أهل الطب فال خالف((( ب�أن الدية من ماله‪ ،‬ويعزر ويعاقب‬
‫على خطئه‪ ,‬للحديث ال�سابق(((‪.‬‬
‫و�أما �إذا كان من �أهل الطب‪ :‬فجمهور �أهل العلم((( على �أن الدية على العاقلة‬
‫فيما �إذا بلغت الثلث ف�أكرث يف قتل اخلط�أ ومنه خط�أ الطبيب‪ ،‬ومن ماله فيما دون‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ا�ستدلوا ب�أدلة نقلية وعقلية وهي‪:‬‬
‫أول‪ :‬الأدلة النقلية‪:‬‬‫� اً‬
‫‪1.1‬قول اهلل تعالى‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [املائدة‪.]2 :‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫حتمل العاقلة من جملة الرب والتقوى‪ ،‬فدخل يف عموم الآية(((‪.‬‬
‫‪2.2‬حديث �أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬ق�ضى ر�سول اهلل ﷺ يف جنني امر�أة من بني‬
‫نقل االتفاق ابن ر�شد يف بداية املجتهد (‪ ،)201/4‬و�شرح الزرك�شي (‪)206/6‬‬ ‫(((‬
‫املراجع ال�سابقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫يف ال�صفحة ال�سابقة « من تط ّبب ومل يعلم منه قبل ذلك الطب فهو �ضامن»‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املب�سوط (‪ )127/27‬وبدائع ال�صنائع (‪ ،)256/7‬الذخرية (‪ )357 ،17/12‬والقوانني الفقهية‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)221/1‬و�شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي (‪ ،)16/8‬واحلاوي الكبري (‪ ،)341/12‬و�أ�سنى املطالب‬
‫(‪ )166/4‬وحتفة املحتاج (‪ ،)197/9‬وم�سائل الإمام �أحمد وا�سحاق (‪ )362/7‬واملبدع (‪،)447/4‬‬
‫وحا�شية الرو�ض املربع (‪،)339/5‬‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي الكبري (‪.)341/12‬‬ ‫(((‬

‫‪615‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫حليان �سقط ميتًا بغرة عبد �أو �أمة ثم �أن املر�أة التي ق�ضى عليها بالغرة توفيت‪،‬‬
‫فق�ضى ر�سول اهلل ﷺ �أن مرياثها لبنيها وزوجها و�أن العقل على ع�صبتها»(((‪.‬‬
‫‪3.3‬حديث �أبي هريرة ‪� ‬أنه قال‪ :‬اقتتلت امر�أتان من بني هذيل‪ ،‬فرفق‬
‫�إحداهما الأخرى بحجر فقتلها وما يف بطنها‪ ،‬فاخت�صموا �إلى ر�سول اهلل ﷺ‬
‫فق�ضى �أن دية جنينها غرة عبد �أو وليدة‪ ،‬وق�ضى بدية املر�أة على عاقلتها»(((‪.‬‬
‫‪4.4‬حديث �أبي �سعيد اخلدري ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬القود بال�سيف واخلط�أ‬
‫على العاقلة»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫�أن الأحاديث �صريحة يف �إيجاب النبي ﷺ الدية يف اخلط أ� على العاقلة‪.‬‬
‫‪�5.5‬إجماع ال�صحابة املنعقد يف ق�صة عمر بن اخلطاب ‪ ‬حني �أنفذ‬
‫قذف بلغه عنها‪ ،‬ف�أجه�ضت ما يف بطنها‪ ،‬ف�س�أل عثمان‬ ‫ر�سوله �إلى امر�أة يف ٍ‬
‫وعبدالرحمن فقاال‪ :‬ال �شيء عليك �إمنا �أنت معلم‪ ،‬و�س�أل عل ًيا فقال‪� :‬إن كانا‬
‫اجتهدا فقد �أخط�أ و�إن مل يجتهدا فقد غ�شيا‪ ،‬عليك الدية‪ ،‬فق�ضى يف الدية‬
‫على العاقلة(((‪ ،‬ومل يخالف منهم وال من جميع الأمة �أحد من انت�شار الق�ضية‬
‫فثبت �أنه �إجماع ال م�سوغ خالفه(((‪.‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الفرائ�ض‪ ،‬باب مرياث املر�أة والزوج مع الولد وغريه (‪)152/8‬‬
‫رقم (‪ ،)6740‬وم�سلم يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب الق�سامة‪ ،‬باب‪ :‬دية اجلنني (‪ )1309/3‬رقم (‪.)1681‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف ال�صحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬الديات‪ ،‬باب‪ :‬جنني املر�أة (‪ )11/9‬رقم (‪.)6910‬‬
‫((( �أخرجه الدارقطني يف ال�سنن (‪ )108/4‬رقم (‪ ،)3181‬والبزار يف امل�سند بلفظ « القود بال�سيف ولكل‬
‫خط�أ �أر�ش» (‪ )207/8‬رقم (‪ ،)3244‬وقال‪“ :‬هذا احلديث ال نعلمه يروى �إال عن النعمان بن ب�شري وال‬
‫نعلم من رواه عن النعمان �إال �أبو عازب ومن رواه عن �أبي عازب �إال جابر اجلعفي”‪ ،‬وقال الهيثمي يف‬
‫جممع الزوائد (‪“ :)291/6‬رواه البزار وفيه جابر اجلعفي وهو �ضعيف”‪.‬‬
‫((( �أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى (‪ )558/8‬رقم (‪ ،)17550‬قال ابن امللقن يف البدر املنري (‪:)493/8‬‬
‫“هذا الأثر علقه البيهقي فقال يف �سننه‪ :‬ويذكر عن احل�سن �أنه قال لعمر يف جناية جناها عمر‪ :‬عزمت ملا‬
‫ق�سمت الدية على بني انبك‪ ،‬قال‪ :‬فق�سمتها عل قري�ش”‪ ،‬وقال ابن حجر يف التلخي�ص احلبري (‪:)102/4‬‬
‫“وهذا منقطع بني احل�سن وعمر”‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬احلاوي الكبري (‪.)342/12‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪616‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫ثان ًيا‪ :‬الأدلة العقلية‪:‬‬


‫�أن النفو�س مغلظة على الأموال‪ ،‬وقتل اخلط�أ يكرث بني النا�س‪ ،‬ويف �إيجاب الدية‬
‫على القاتل يف ماله م�شقة عليه‪ ،‬ويف حتمل العاقلة موا�ساة ُتف�ضي �إلى حفظ الدماء(((‪.‬‬
‫من خالل ما �سبق يتبني‪� :‬أن الناقل للمر�ض بغري ق�صد �إذا كان قد �أخذ بالتدابري‬
‫ومات املنقول �إليه �أو مل ميت فال �شيء عليه‪ ،‬و�أما �إذا مل ي�أخذ بالتدابري ومات املنقول‬
‫�إليه ف�إذا ثبت من هو ال�شخ�ص الناقل فعليه ما على اجلاين باخلط�أ‪ ،‬و�أما �إذا مل ميت‬
‫املنقول �إليه فعلى ال�شخ�ص الناقل الذي فرط التعزير مبا يراه القا�ضي منا�س ًبا(((‪.‬‬
‫وقد �صدر بذلك فتوى املجل�س الأوروبي يف البيان اخلتامي للدورة الطارئة‬
‫الثالثني(((‪ ،‬والتي ن�صها‪“ :‬يجب على الإن�سان �أن ي�أخذ جميع التدابري التي يجب‬
‫اتخاذها للحفاظ على نف�سه والآخرين‪ ،‬ف�إذا كان الإن�سان يعرف �أنه م�صاب‬
‫بالفريو�س‪ ،‬فيجب عليه �أن يبتعد عن النا�س و�إال يكون �آث ًما حما�س ًبا �أمام اهلل‬
‫‪‬؛ لأن النبي ﷺ قال‪�« :‬إذا �سمعتم بالطاعون ب�أر�ض فال تدخلوها و�إذا‬
‫وقع ب�أر�ض و�أنتم بها فال تخرجوا منها»(((‪ ،‬وهذا �أمر والأمر املطلق يفيد الوجوب‪،‬‬
‫وقد �أفتى بع�ض فقهاء احلنفية يف �شخ�ص م�صاب بالطاعون وهو يعلم وقد خالف‬
‫احلجر يف �أيام الطاعون ف�سافر ونقل العدوى ل�شخ�ص �آخر فمات‪� ،‬أنه قتل بالت�سبب‬
‫وجتب الدية على العاقلة‪� ،‬أما �إذا �أخذ امل�صاب االحتياطات الطبية الالزمة لعدم‬
‫نقل العدوى لغريه‪ ،‬ورغم ذلك انتقلت و�أدت �إلى موت �شخ�ص فال �شيء عليه‪ ،‬لقوله‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫من العقوبات التعزيرية‪ :‬ما �صدر عن وزارة الداخلية بتاريخ ‪1441/9/12‬ه ب�ش�أن خمالفي الإجراءات‬ ‫(((‬
‫والتدابري الوقائية املتخذة ملواجهة فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬منها‪ :‬عقوبة تعمد نقل العدوى‪ :‬الغرامة‬
‫ال تزيد عن ‪ 500،000‬ريال �أو ال�سجن ملدة ال تزيد عن ‪� 5‬سنوات �أو ال�سجن والغرامة م ًعا‪ ،‬وخمالفي‬
‫تعليمات العزل �أو احلجر ال�صحي غرامة ال تزيد عن ‪ 200،000‬ريال �أو ال�سجن ملدة ال تزيد عن �سنتني‬
‫�أو الغرامة وال�سجن م ًعا‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫فتوى رقم (‪� )30/16‬ص‪ )21‬من فتاوى املجل�س الأوربي للإفتاء والبحوث‪ ،‬الدورة الطارئة الثالثني‬ ‫(((‬
‫املنعقدة (عن بعد) يف الفرتة من (‪� 1‬إلى ‪� )4‬شعبان ‪1441‬هـ‪.‬‬
‫�سبق تخريجه‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪617‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫ﯖ) [الأحزاب‪.”]5 :‬‬
‫وجاء يف تو�صيات الندوة الطبية الثانية ملجمع الفقه الإ�سالمي(((‪�“ :‬أن عزل‬
‫�شرعا كما هو معروف‪ ،‬و�أما بخ�صو�ص امل�شتبه بحمله‬ ‫املري�ض بالفريو�س واجب ً‬
‫للفريو�س �أو ظهرت عليه �أعرا�ض املر�ض �أثناء احلجر املنزيل‪ ،‬فيجب عليه التقيد‬
‫مبا ي�سمى التباعد االجتماعي عن �أ�سرته واملخالطني له من عامة النا�س‪ ،‬وكذلك ال‬
‫يجوز ملن ظهرت عليه �أعرا�ض املر�ض �أن يخفي ذلك عن ال�سلطات الطبية املخت�صة‬
‫وكذلك عن املخالطني له‪ ،‬كما ينبغي على من يعرف �أن م�صا ًبا غري �آبه باملر�ض‬
‫�أن ُيعلم اجلهات ال�صحية عنه‪ ،‬لأن ذلك ي�ؤدي �إلى انت�شار هذا املر�ض وا�ستفحال‬
‫خطره‪ ،‬وعليه تنفيذ كل ما ي�صدر عن ال�سلطات الطبية املخت�صة‪ ،‬وعليها �أن ُتعزّر‬
‫من �أ�صيب بهذا املر�ض و�أخفاه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ) [البقرة‪.”]195 :‬‬

‫((( تو�صيه رقم (‪ )6‬من تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية بعنوان (فريو�س كورونا امل�ستجد ‪ -‬كوفيد‬
‫‪ -19‬وما يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية)‪ ،‬املنعقد يف ‪� 23‬شعبان ‪1441‬هـ‪ ،‬جدة‪ -‬اململكة‬
‫العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪618‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫اخلامتة‬

‫احلمد هلل الذي بنعمته ال�صاحلات‪ ،‬ويف ختام هذا البحث خل�صت بنتائج �أهمها‬
‫ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪1.1‬خطورة نقل العدوى‪.‬‬
‫‪�2.2‬إثبات احلجر ال�صحي من ال�شرع ومن اجلهات ال�صحية للحد من انت�شار‬
‫املر�ض الوبائي‪.‬‬
‫‪3.3‬وجوب الأخذ بالتدابري الوقائية‪ ،‬ووجوب عزل امل�صاب‪.‬‬
‫‪4.4‬املراد بالعقوبة ال�شرعية‪ :‬اجلزاء املقرر لدرء املفا�سد ومل�صلحة اجلماعة‬
‫على ع�صيان �أمر ال�شارع‪ ،‬وت�شمل اجلنايات واملخالفات‪ ،‬فيدخل فيها‪ :‬احلد‬
‫والق�صا�ص والتعزير‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن املر�ض املعدي هو‪ :‬ا�ضطرابات ت�س ّببها ع�ضويات كالبكترييا �أو الفريو�سات‬
‫�أو الفطريات‪ ،‬وذلك �أنها تعي�ش داخل ج�سم الإن�سان وميكن �أن تنتقل من‬
‫�شخ�ص �إلى �آخر‪.‬‬
‫‪�6.6‬أن املر�ض الوبائي هو‪ :‬كل مر�ض ي�صيب عددًا كب ًريا من النا�س يف منطقة واحدة‬
‫ويف مدة ق�صرية من الزمن‪ ،‬ويدخل فيه الطاعون واملر�ض املعدي (كفريو�س‬
‫كورونا) �إذا �أ�صاب عددًا عظي ًما من النا�س يف منطقة جغرافية �شا�سعة‪.‬‬
‫‪7.7‬تختلف طرق انتقال العدوى بح�سب املر�ض وم�سبباته‪ ،‬ف�إن كان امل�سبب‬
‫الفايرو�س (كما يف فريو�س كورونا) فقد يكون انتقاله عن طريق االت�صال‬
‫املبا�شر للم�صاب به ‪�-‬أن�سان �أو حيوان‪ -‬باللم�س �أو بو�صول الرذاذ منه وغريها‪،‬‬
‫�أو االت�صال غري املبا�شر عن طريق بقاء الأثر على الأ�سطح ونحوها‪.‬‬

‫‪619‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫‪�8.8‬أمر ال�شارع بتدابري وقائية للحد من انت�شار الأمرا�ض عامة كالأمر بالنظافة‪،‬‬
‫وحترمي �أكل ما ي�ضر‪ ،‬والنهي عن اخلروج من �أر�ض الوباء �أو القدوم لها‪.‬‬
‫‪9.9‬من تع ّمد نقل عدوى املر�ض الوبائي وكان ق�صده الإف�ساد للمجتمع ون�شر‬
‫املر�ض‪ ،‬ف�إن فعله محُ ّرم ومن كبائر الذنوب‪ ،‬وعقوبته عقوبة املحارب املف�سد‬
‫يف الأر�ض‪.‬‬
‫‪1010‬من تع ّمد نقل عدوى املر�ض الوبائي ل�شخ�ص معني ف�إن مات منه فال�صحيح‬
‫من �أقوال الفقهاء �أن عقوبته عقوبة قتل العمد‪ ،‬بالقيا�س على القتل بال�سم‪،‬‬
‫و�إن مل ميت منه ف ُيعزّر على ح�سب جنايته‪.‬‬
‫‪�1111‬أن نقل العدوى بغري ق�صد ‪-‬كاخلط أ� �أو اجلهل �أو التق�صري‪ -‬ف�إن كان اتخذ‬
‫بالتدابري الوقائية واالحتياطات فال �شيء عليه على ال�صحيح‪ ،‬و�إن مل ي�أخذ‬
‫ممار�سا �صح ًيا �أو م�صا ًبا بالفريو�س‪-‬‬
‫ً‬ ‫بها �أو ق�صر يف ذلك ‪�-‬سواء كان‬
‫ف�إن مات املنقول �إليه فعليه دية وكفارة القتل باخلط�أ‪ ،‬و�إن مل ميت في�ؤدب‬
‫لتفريطه وتق�صريه بح�سب جنايته‪.‬‬
‫التو�صيات‪:‬‬
‫�أهم التو�صيات التي خرجت بها ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪1.1‬عقد الندوات وامل�ؤمترات امل�شرتكة بني اجلهات الطبية والهيئات ال�شرعية‬
‫لدرا�سة نوازل الأوبئة‪.‬‬
‫‪2.2‬العناية من الباحثني بدرا�سة النوازل درا�سة فقهية دقيقة‪.‬‬
‫‪3.3‬عدم الت�ساهل �أثناء انت�شار الوباء �أو اجلائحة من النا�س عامة وااللتزام‬
‫بالتدابري الوقائية‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه‬
‫�أجمعني‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪620‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬الأحكام الفقهية املتعلقة بالأوبئة التي ت�صيب الب�شرية‪ ،‬جم ًعا ودرا�سة مقارنة‪،‬‬
‫د‪ .‬حممد بن �سند ال�شاماين‪ ،‬بحث حمكم يف جملة اجلامعة الإ�سالمية يف‬
‫املدينة املنورة‪.‬‬
‫‪2.2‬الأحكام الفقهية املتعلقة بوباء كورونا‪� ،‬أ‪.‬د‪ .‬خالد بن علي امل�شيقح‪ ،‬كتاب من�شور‬
‫يف �شبكة الألوكة‪.‬‬
‫‪�3.3‬أحكام مر�ضى نق�ص املناعة املكت�سبة (الإيدز) يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬حنان بنت‬
‫حممد �إ�سماعيل‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬جامعة النجاح الوطنيةـ نابل�س‪.‬‬
‫‪�4.4‬أحكام نقل الأمرا�ض املعدية درا�سة فقهية‪ ،‬حل�سام بن ح�سن �أبو حماد‪ ،‬ر�سالة‬
‫ماج�ستري‪ ،‬جامعة القد�س فل�سطني‪1437 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�5.5‬أ�سنى املطالب يف �شرح رو�ض الطالب‪ ،‬لأبي زكريا الأن�صاري‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪6.6‬الأم‪ ،‬للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �إدري�س ال�شافعي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الن�شر ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪7.7‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫للإمام عالء الدين املرداوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن �إ�سماعيل ال�شافعي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪8.8‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬البن جنيم احلنفي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪9.9‬بحوث يف الفقه املعا�صر‪ ،‬حل�سن اجلواهري‪ ،‬دار الذخائرـ بريوت ط‪.1‬‬
‫‪1010‬البدر املنري يف تخريج الأحاديث والآثار الواردة يف ال�شرح الكبري‪ ،‬البن امللقن‬
‫�سراج الدين ال�شافعي‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪.‬‬

‫‪621‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫‪1111‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬للإمام عالء الدين الكا�ساين احلنفي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪1212‬بداية املجتهد ونهاية املقت�صد‪ ،‬للإمام حممد بن ر�شد القرطبي‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1409 ،9‬هـ‪.‬‬
‫‪1313‬البيان والتح�صيل وال�شرح والتوجيه والتعليل‪ ،‬البن ر�شد القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫حممد حجي و�آخرون‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1408 2‬هـ‪1988/‬م‪.‬‬
‫‪1414‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬ملحمد بن حممد احل�سيني الزبيدي‪ ،‬دار الهداية‪.‬‬
‫‪1515‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬لفخر الدين الزيلعي احلنفي‪ .‬املطبعة‬
‫الأمريية الكربى‪.‬‬
‫‪1616‬حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لأحمد بن حجر الهيتمي‪ ،‬املكتبة التجارية‬
‫مب�صر‪ ،‬بدون طبعة ‪1357‬هـ‪.‬‬
‫‪1717‬تف�سري غريب ما يف ال�صحيحني البخاري وم�سلم‪ ،‬ملحمد بن فتوح امليورقي‬
‫احلميدي‪ ،‬مكتبة ال�سنةـ القاهرة‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬تف�سري القر�آن العظيم‪ ،‬لأبي الفداء �إ�سماعيل بن كثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سني‬
‫�شم�س الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪1919‬التلقني يف الفقه املالكي‪ ،‬لأبي حممد عبدالوهاب البغدادي املالكي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري‪ ،‬البن حجر الع�سقالين‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2121‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �أحمد القرطبي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد‬
‫الربدوين و�إبراهيم �أطفي�ش‪ ،‬دار الكتب امل�صرية‪ ،‬ط‪1384 ،2‬هـ‪1964/‬م‪.‬‬
‫‪2222‬جامع الفتاوى الطبية والأحكام املتعلقة بها‪ ،‬جمع وترتيب‪ :‬د‪ .‬عبدالعزيز بن‬
‫عبداملح�سن‪ ،‬دار القا�سمـ الريا�ض‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪،‬‬
‫‪2323‬اجلنايات يف الفقه الإ�سالمي درا�سة مقارنة بني الفقه الإ�سالمي والقانون‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪622‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫حل�سن بن علي ال�شاذيل‪ ،‬دار الكتاب اجلامعي ط‪.2‬‬


‫‪2424‬اجلوهرة النرية‪ ،‬لأبي بكر بن علي العبادي الزبيدي احلنفي‪ ،‬املطبعة اخلريية‬
‫ط‪1322 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2525‬حا�شية الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع‪ ،‬لعبدالرحمن بن قا�سم النجدي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1397‬هـ‪.‬‬
‫‪2626‬حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين‪ ،‬لأبي احل�سن علي العدوي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬تاريخ الن�شر‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪2727‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب الإمام ال�شافعي وهو �شرح خمت�صر املزين‪ ،‬لأبي‬
‫احل�سن املاوردي‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي حممد معو�ض‪ ،‬وعادل �أحمد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬الذخرية‪ ،‬ل�شهاب الدين القرايف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بو خبزة‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‬
‫ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬
‫‪2929‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬للإمام �أبي زكريا حميي الدين النووي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫زهري ال�شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1412 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪3030‬رد املحتار على الدر املختار‪ ،‬ملحمد �أمني بن عمر عابدين الدم�شقي‪ ،‬دار الفكرـ‬
‫بريوت‪ ،‬ط ‪1412 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪�3131‬سنن �أبي داود‪ ،‬لأبي داود ال�سج�ستاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبداحلميد‪،‬‬
‫املكتب الع�صرية‪� ،‬صيدا‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون طبعة وتاريخ‪.‬‬
‫‪�3232‬سنن الرتمذي‪ ،‬لأبي عي�سى الرتمذي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حممد �شاكر وحممد ف�ؤاد‬
‫عبدالباقي و�إبراهيم عطوة‪� ،‬شركة مكتبة ومطبعة م�صطفى البابي احللبي‪،‬‬
‫م�صر‪ ،‬ط‪1395 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪3333‬ال�سنن الكربى‪ ،‬لأحمد بن احل�سني �أبو بكر البيهقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبدالقادر‬
‫عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪623‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫‪�3434‬سنن الن�سائي‪ ،‬لأبي عبدالرحمن بن �شعيب الن�سائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالفتاح �أبو‬


‫غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات الإ�سالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪�3535‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي‪ ،‬ل�شم�س الدين الزرك�شي احلنبلي‪ ،‬دار‬
‫العبيكان‪ ،‬ط‪1397 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪�3636‬شرح خمت�صر خليل للخر�شي‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل اخلر�شي املالكي‪ ،‬دار الفكرـ‬
‫بريوت‪ ،‬بدون طبعة وتاريخ‪.‬‬
‫‪�3737‬صحيح البخاري‪ ،‬للإمام حممد بن �إ�سماعيل البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري‬
‫بن نا�صر النا�صر‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪�3838‬صحيح م�سلم ب�شرح الإمام النووي‪ ،‬للإمام م�سلم بن احلجاج الني�سابوري‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون طبعة‪.‬‬
‫‪3939‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر الع�سقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد‬
‫عبدالباقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪4040‬فتح الغفار اجلامع لأحكام �سنة نبينا املختار‪ ،‬للح�سن بن �أحمد ال�صنعاين‪ ،‬دار‬
‫عامل الفوائد‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4141‬الفروع‪ ،‬ملحمد بن مفلح املقد�سي‪ ،‬ومعه ت�صحيح الفروع‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل‬
‫الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ط ‪1424 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4242‬الفروق‪ ،‬لأبي العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س القرايف‪ ،‬عامل الكتب‪،‬‬
‫بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪4343‬الفقه املي�سر‪ ،‬لعبداهلل الطيار‪ ،‬وعبداهلل املطلق‪ ،‬وحممد املو�سى‪ ،‬مدار الوطن‬
‫للن�شر‪.‬‬
‫‪4444‬القوانني الفقهية‪ ،‬لأبي القا�سم حممد بن �أحمد ابن جزي املالكي الغرناطي‪،‬‬
‫بدون طبعة‪ ،‬وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪4545‬الكايف يف فقه الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬ملوفق الدين ابن قدامة املقد�سي‪ ،‬املكتب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة‪ ،‬بدون‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪624‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫‪4646‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ ،‬لل�شيخ من�صور البهوتي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبو عبداهلل‬
‫حممد ح�سن ال�شافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4747‬ل�سان العرب‪ ،‬للإمام العالمة ابن منظور‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫التاريخ العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ 4848‬املبدع �شرح املقنع‪ ،‬البن مفلح احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن ال�شافعي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4949‬املب�سوط‪ ،‬ملحمد بن �أحمد ال�سرخ�سي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪5050‬املحيط الربهاين يف الفقه النعماين‪ ،‬لأبي املعايل احلنفي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالكرمي‬
‫اجلندي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪5151‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬لزين الدين �أبو عبداهلل الرازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬يو�سف ال�شيخ حممد‪.‬‬
‫املكتبة الع�صرية بريوت ط ‪1420 5‬هـ ‪1999/‬م‪.‬‬
‫‪5252‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬لأبي احل�سن نور الدين على الهيثمي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫ح�سان الدين املقد�سي‪ ،‬مكتبة القد�س‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪5353‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬لأبي زكريا حميي الدين النووي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪5454‬املحلى بالآثار‪ ،‬لأبي حممد علي بن حزم الظاهري‪ ،‬دار الفكر بريوت‪ ،‬بدون‬
‫طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪5555‬م�سائل الإمام �أحمد و�إ�سحاق بن راهوية‪ ،‬لإ�سحاق بن من�صور �أبو يعقوب‬
‫املروزي‪ ،‬ط‪1425 1‬هـ‪.‬‬
‫‪5656‬امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬لأبي عبداهلل احلاكم الني�سابوري‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلميةـ بريوت ط‪1411 1‬هـ‪.‬‬
‫‪5757‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬لأبي عبداهلل �أحمد بن حنبل‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب‬
‫الأرن�ؤوط‪ ،‬وعادل مر�شد و�آخرون‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪5858‬م�سند البزار املن�شور با�سم البحر الزخار‪ ،‬لأبي بكر �أحمد املعروف بالبزار‪،‬‬
‫مكتبة العلوم واحلكمةـ املدينة‪ .‬ط‪1988 1‬م‪.‬‬

‫‪625‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫‪5959‬امل�صباح املنري يف غريب ال�شرح الكبري‪ ،‬لأحمد بن حممد الفيومي احلموي‪،‬‬


‫املكتبة العلمية ‪-‬بريوت‪.‬‬
‫‪6060‬مطالب �أويل النهي �شرح غاية املنتهى‪ ،‬مل�صطفى بن �سعد ال�سيوطي الرحيباين‪،‬‬
‫املكتب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪1415 2‬هـ‪.‬‬
‫‪6161‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬ملحمد روا�س قلعهجي‪ ،‬وحامد �صادق‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬ط‪2‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪6262‬املعجم الكبري‪ ،‬ل�سليمان بن �أحمد الطرباين‪ ،‬مكتبة ابن تيمية القاهرة‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪6363‬املعجم الو�سيط‪ ،‬ملجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬دار الدعوة‪.‬‬
‫‪6464‬معرفة ال�سنن والآثار‪ ،‬لأحمد بن احل�سني البيهقي‪ ،‬ط‪1412 1‬هـ‪.‬‬
‫‪6565‬املغني البن قدامة‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل الرتكي وحممد عبدالفتاح احللو‪ ،‬هجر‬
‫للطباعة والن�شر‪ ،‬ط‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪6666‬مغني املحتاج �إلى معرفة �ألفاظ املنهاج‪ ،‬لل�شيخ �شم�س الدين ال�شربيني‪،‬‬
‫�إ�شراف‪� :‬صدقي العطار‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪6767‬املقدمات املمهدات‪ ،‬لأبي الوليد بن ر�شد القرطبي‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪6868‬مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬ل�شم�س الدين احلطاب املالكي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪1412 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪6969‬املو�سوعة الطبية الفقهية‪ ،‬لأحمد بن حممد كنعان‪ ،‬تقدمي‪ :‬حممد هيثم‬
‫اخلياط‪ ،‬دار النفائ�س‪.‬‬
‫‪7070‬ن�صب الراية لأحاديث الهداية مع حا�شية بغية الأملعي‪ ،‬جلمال الدين الزيلعي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد عوامة‪ ،‬م�ؤ�س�سة الريان‪ ،‬بريوت‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7171‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج‪ ،‬ل�شم�س الدين حممد بن العبا�س الرملي‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪7272‬النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬ملجد الدين ابن الأثري‪ ،‬املكتبة العلمية‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪626‬‬


‫العقوبة املرتتبة على نقل عدوى املرض الوبائي‬

‫‪ -‬فريوس كورونا أمنوذجًا‬

‫بريوت‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7373‬نهاية املطلب يف دراية املذهب‪ ،‬لعبدامللك بن عبداهلل امللقب ب�إمام احلرمني‪،‬‬
‫دار املنهاج‪ ،‬ط‪1428 1‬هـ‪.‬‬
‫‪7474‬النوازل يف اجلنايات‪ ،‬د‪� .‬أحمد �آل طالب‪ ،‬ر�سالة دكتوراه‪ ،‬جامعة الإمام حممد‬
‫ابن �سعود الإ�سالمية‪.‬‬
‫•املجالت والندوات‪:‬‬
‫‪7575‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ‪ ،9‬جدة اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬
‫‪7676‬الندوة الطبية الفقهية الثانية بعنوان» فريو�س كورونا امل�ستجد وما يتعلق به من‬
‫معاجلات طبية و�أحكام �شرعية» املنعقدة عن بعد يف ‪1441/8/23‬هـ‪ .‬جدةـ‬
‫اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬
‫•املواقع االلكرتونية‪:‬‬
‫‪1.1‬الإعجاز الطبي ‪.www.draldaker.wordpress.com‬‬
‫‪2.2‬جمتمع ‪.www.arageek.com‬‬
‫‪3.3‬مو�ضوع ‪.mawdoo3.com‬‬
‫‪4.4‬منظمة ال�صحة العاملية ‪.www.emro.wha.int‬‬
‫‪5.5‬وزارة ال�صحة ‪.www.moh.gov.sa‬‬

‫‪627‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫د‪ .‬أمل بنت حممد بن فاحل الصغيّر‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة ‪589 .....................................................................‬‬


‫التمهيد‪ :‬املراد مب�صطلحات البحث‪ ،‬والألفاظ ذات ال�صلة‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪593 . :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف العقوبة يف اللغة واال�صطالح ‪593 .......................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف العدوى يف اللغة واال�صطالح ‪594 .......................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف املر�ض الوبائي يف اللغة واال�صطالح‪595 ................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الألفاظ ذات ال�صلة باملر�ض الوبائي ‪596 ......................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬نقل عدوى املر�ض الوبائي عمدً ا‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪599 .......... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬طرق انتقال العدوى ‪599 .......................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حاالت العمد يف نقل العدوى ‪600 ..............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم تعمد نقل العدوى وعقوبته ‪602 ..........................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬نقل عدوى املر�ض الوبائي بغري العمد‪ ،‬وفيه مطلبان‪611 ......... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حاالت غري العمد يف نقل العدوى ‪611 ..........................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم نقل العدوى بغري العمد وعقوبته ‪612 .....................‬‬
‫اخلامتة‪619 ....................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪621 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪628‬‬


‫سلطة ولي األمر في تقييد المباح‬
‫وأثرها في مواجهة فيروس كورونا‬
‫(كوفيد ‪)19-‬‬
‫دراسة تأصيلية تطبيقية‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬نوره بنت م�سلم املحمادي‬
‫ال�سالمية‬
‫�أ�ستاذ الفقه بكلية ال�رشيعة والدرا�سات إ‬
‫جامعة �أم القرى‬
‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪630‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫امللخص‬

‫جاء هذا البحث بعنوان‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح و�أثرها يف مواجهة‬
‫فريو�س كورونا (كوفيد ‪ )19-‬درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية‪.‬‬
‫تناول البحث فريو�س كورونا من الناحية الطبية‪ ،‬وت�أثريه على العامل ب�شكل عام‪،‬‬
‫ببيان �أنواعه‪ ،‬وحمل ظهور كل نوع‪ ،‬وما خ ّلفه من ت�أثري على الب�شرية‪.‬‬
‫كما ُعني البحث ببيان املق�صود ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬وحكم تقييد‬
‫املباح‪ ،‬و�ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬و�أثر ذلك على فريو�س كورونا‪ُ ،‬‬
‫وختم‬
‫البحث بدرا�سة الئحة احلد من التجمعات والعقوبات ملخالفي الإجراءات االحرتازية‬
‫والتدابري الوقائية املتخذة ملواجهة فريو�س كورونا؛ �إذ ُتعد ال�سلطة �ضابطة للت�صرفات‬
‫ال�ضارة باملجتمع ‪-‬و�إن كانت مباحة‪ -‬عندما ينحرف ال�ضابط الذاتي من الأفراد‪.‬‬
‫ومن �أهم ما انتهى �إليه البحث‪:‬‬
‫• ُتع ّد ال�شريعة الإ�سالمية ً‬
‫نظاما ً‬
‫�ضابطا للأفراد واملجتمع‪ ،‬يكفل لهم اال�ستقرار‬
‫واال�ستمرار (اال�ستخالف)؛ ل�شمولها و�صالحيتها لكل زمان ومكان ‪-‬و�أحداث‬
‫فريو�س كورونا خري �شاهد لكل من�صف‪.-‬‬
‫•ال يلزم �أن تكون القرارات‪ ،‬والأنظمة التي ي�صدرها ويل الأمر من�صو�صً ا‬
‫عليها يف ال�شرع‪ ،‬والذي يلزم �أمران هما‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن ال تخالف وتعار�ض ال�شرع‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن حتقق م�صلحة غري متوهمة‪ ،‬وتدر�أ مف�سدة متحققة‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪� :‬سلطة ‪ -‬مباح ‪ -‬الئحة ‪-‬عقوبة ‪ -‬كورونا ‪ -‬جتمع‪.‬‬
‫وباهلل التوفيق‪،،،‬‬

‫‪631‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫املقدمة‬

‫�إن احلمد هلل وحده وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني �سيدنا‬
‫حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ال يخفى ما �أ�صاب العامل اليوم‪ ،‬واليزال من فريو�س كورونا امل�ستجد(كوفيد‪،)19-‬‬
‫ومما يزيد الأمر تعقيدً ا �أنه ال يوجد حتى الآن لقاح‪� ،‬أو عالج معتمد من منظمة‬
‫ال�صحة العاملية‪ ،‬مما جعل التعويل على الوقاية من هذا الفريو�س‪-‬بعد اهلل تعالى‪-‬‬
‫على الرقابة الذاتية من الأفراد �أنف�سهم‪ ،‬وا�ست�شعارهم م�س�ؤولية ذلك؛ وذلك بعد‬
‫�أن خ�سرت الدول يف فرتة احلظر العاملي الكثري من االحتياطات املالية مما ال ميكن‬
‫تعوي�ضه ل�سنوات طويلة‪ ،‬ولقد ُملئ الف�ضاء املعلوماتي بزخم كبري من الأبحاث‪،‬‬
‫واملقاالت حول فريو�س كورونا (كوفيد‪ )19-‬يف �شتى الفنون العلمية مما مل تظفر به‬
‫نازلة من قبل‪ ،‬وقد لفتت نظري تلك العقوبات التي ُت�سنّ على الأفراد‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات‬
‫من ِقبل بع�ض الدول التي تنادي باحلريات‪ ،‬وهذا م�ؤ�شر قوي يف �شدة هذا الفريو�س‪.‬‬
‫طويل حتى جاء القرار امللكي الكرمي باملوافقة على الئحة احلد من‬ ‫ومل ننتظر اً‬
‫التج ّمعات التي ت�سهم يف نقل‪ ،‬وتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬وجدول ت�صنيف‬
‫العقوبات اخلا�صة مبخالفي الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة‬
‫ملواجهة هذا الفريو�س‪ ،‬و�أحببت الكتابة عنه وربطه ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪،‬‬
‫وهو من املو�ضوعات التي حتظى باهتمام كبري يف الع�صر احلديث‪� ،‬إذ �إن جماالت‬
‫وقولبت كل هذه مبيزان‬
‫ُ‬ ‫تدخل احلاكم يف املباح وا�سعة‪ ،‬تب ًعا لتغري �أحوال الأمة‪،‬‬
‫ال�شريعة حاكم ًة وم�ؤ�صلة‪ ،‬وو�سمت البحث بعنوان‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪632‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫و�أثرها يف مواجهة فريو�س كورونا (كوفيد ‪ )19-‬درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية‪ ،‬و�أ�س�أل اهلل‬
‫�أن ُيعني‪ ،‬ويوفق‪ ،‬وي�سدد القول والعمل‪ ،‬ونخرج بدرا�سة م�ؤ�صلة ب�إذنه تعالى‪.‬‬
‫الهدف من البحث‪:‬‬
‫‪1.1‬بيان �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬واحلكم‪ ،‬وال�ضوابط‪.‬‬
‫‪2.2‬منوذج تطبيقي ل�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح يتمثل يف‪ :‬الئحة احلد من‬
‫التجمعات والعقوبات املرتتبة على خمالفتها‪ ،‬والت�أ�صيل ال�شرعي لها‪.‬‬
‫‪3.3‬الت�أكيد على �أحقية احلاكم يف فر�ض عقوبات تعزيرية‪ ،‬ومنها‪ :‬العقوبات‬
‫املرتتبة على خمالفة الئحة التجمعات و�شرعيتها‪.‬‬
‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫تكمن م�شكلة البحث يف املتغريات التي ح�صلت يف هذا الع�صر‪ ،‬ومنها وباء كورونا‪،‬‬
‫وما خ ّلفه من �آثار على الأفراد واملجتمعات‪ ،‬والذي يطرح العديد من امل�شكالت‬
‫والت�سا�ؤالت‪ ،‬ومن �ضمن هذه الت�سا�ؤالت‪ :‬هل يحق لويل الأمر �أن ي�ستعمل �سلطته يف‬
‫تقييد تنقالت الأفراد‪ ،‬واحلد من جتمعاتهم مما هو مباح لهم �إذا ترتب عليه جلب‬
‫عموما؛ وذلك من خالل �سنِّ‬
‫منفعة‪� ،‬أو دفع مف�سدة مما تلحق املكلف‪ ،‬واملجتمع ً‬
‫التنظيمات واللوائح والقوانني �أم ال؟‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫فيما يتعلق بتقييد املباح‪ ،‬ففيه العديد من الدرا�سات التي تناولته ب�شكل خا�ص‬
‫من خالل تطبيقاته يف الأحوال ال�شخ�صية ونحوها‪� ،‬أو من خالل قواعده‪� ،‬إال �أين مل‬
‫�أجد على حد علمي درا�سة م�شابهة ملو�ضوع البحث؛ كونه يجمع بني الت�أ�صيل لنازلة ال‬
‫تزال حمل الدرا�سة والنظر‪ ،‬والتطبيق لالئحة حديثة الإ�صدار‪.‬‬
‫ومن بني الدرا�سات التي تناولت �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح على �سبيل املثال‬
‫ال احل�صر ما يلي‪:‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫•�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬للباحث‪ :‬الب�شري املكي عبدالالوي‪ .‬ر�سالة‬
‫دكتوراه‪ .‬املعهد الأعلى لل�شريعة‪ .‬جامعة الزيتونة بتون�س‪ ،‬عام ‪1994‬م‪ .‬من‬
‫�أوائل الدرا�سات التي تناولت هذا املو�ضوع‪ .‬و ُتعد من �أف�ضل الدرا�سات التي‬
‫وقفت عليها‪ ،‬خل�ص فيها الباحث �إلى �أن تقييد املباح‪ ،‬ي�شكل نظرية �شرعية‬
‫لها �أدلتها و�أ�س�سها و�شروطها‪.‬‬
‫•تقييد املباح‪ .‬للباحث‪ :‬م�صطفى بن م�ؤيد بن حميد ال�سامرائي‪ .‬ر�سالة‬
‫دكتوراه‪ .‬كلية الفقه و�أ�صوله‪ .‬اجلامعة الإ�سالمية ببغداد‪ ،‬عام ‪2006‬م‪.‬تناول‬
‫فيها الباحث تقييد املباح‪ ،‬وعالقته بامل�صلحة و�سد الذرائع‪ ،‬وذكر جمل ًة من‬
‫التطبيقات لتقييد املباح يف الفقه الإ�سالمي‪.‬‬
‫•�صالحية ويل الأمر يف تقييد املباح يف الأحوال ال�شخ�صية‪ ،‬وتطبيقاتها‬
‫املعا�صرة‪ .‬للباحثة‪� :‬إميان بنت مر�سي �أبو عبداهلل‪ .‬ر�سالة ماج�ستري‪ .‬كلية‬
‫ال�شريعة‪ .‬جامعة م�ؤتة بالأردن‪ ،‬عام ‪2009‬م‪ .‬وهذه الدرا�سة �أكرث تخ�ص�صية‪،‬‬
‫بينت الباحثة �ضوابط املباح يف الأحوال ال�شخ�صية‪ ،‬وما يتعلق بذلك من‬
‫امل�ستجدات املعا�صرة‪.‬‬
‫•تقييد املباح يف قانون الأحوال ال�شخ�صية وتطبيقاته الق�ضائية‪ .‬للباحث‪:‬‬
‫فتحي بن مفلح بن �صالح ال�صقر‪ .‬ر�سالة ماج�ستري‪ .‬كلية ال�شريعة‪ .‬جامعة‬
‫جر�ش بالأردن‪ ،‬عام ‪2013‬م‪.‬‬
‫تناولت هذه الدرا�سة �صور تقييد املباح يف قانون الأحوال ال�شخ�صية الأردين‪،‬‬
‫والتطبيقات الق�ضائية يف ذلك‪.‬‬
‫وهذه الدرا�سات وغريها‪ ،‬ا�ستفدت منها يف اجلانب النظري للبحث فيما يتعلق‬
‫ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪� ،‬أما اجلانب التطبيقي (الئحة احلد من التجمعات‬
‫يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬والعقوبات املرتتبة على املخالفني) ‪-‬فعلى ح�سب‬
‫علمي‪ -‬مل يتم بحثها وت�أ�صيلها من الناحية ال�شرعية‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪634‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫انتظمت يف مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬وفيها الهدف من البحث‪ ،‬وم�شكلته‪ ،‬والدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬واخلطة‪ ،‬ومنهج‬
‫البحث‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬ملحة طبية عن فريو�س كورونا‪ ،‬وت�أثريه على العامل‪.‬‬
‫املبحث الأول‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬املق�صود ب�سلطة ويل الأمر‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفرع الأول‪ :‬تعريف �سلطة ويل الأمر لغة‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف ويل الأمر لغة‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املق�صود ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفرع الأول‪ :‬تعريف املباح لغة‬
‫الفرع الثاين‪ :‬املق�صود ب�سلطة تقييد املباح‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم تقييد ويل الأمر للمباح‪ ،‬وفيه ثالثة فروع‪:‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حترير الأقوال وحمل النزاع‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الأدلة واملناق�شة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الرتجيح و�سببه‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪.‬‬
‫منوذجا‬
‫ً‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬الئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية ‪-‬‬
‫تطبيق ًيا ل�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التعريف بالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬
‫وجهة �إ�صدارها‪.‬‬

‫‪635‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الت�أ�صيل ال�شرعي لالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية‬


‫ال�سعودية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم طاعة ويل الأمر فيما لو �أ�صدر قرا ًرا ال يخالف ال�شرع‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬العقوبات املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من التجمعات يف‬
‫اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وجهة تنفيذها‪ ،‬والت�أ�صيل ال�شرعي لها‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬العقوبات املالية وغري املالية املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من‬
‫التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية املتعلقة بالأفراد واملن�ش�آت‪ ،‬وجهة تنفيذها‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد‬
‫من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وفيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬
‫فهر�س امل�صادر واملراجع‪.‬‬
‫منهج و�إجراءات البحث و�أدواته‪:‬‬
‫اتبعت املنهج الو�صفي بو�صف الفريو�س‪ ،‬واملنهج التحليلي اال�ستنباطي التطبيقي‬
‫فيما يتعلق ببيان �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬واحلكم‪ ،‬وال�ضوابط‪ ،‬وختمت‬
‫البحث بتطبيق ذلك يف �إقرار ويل الأمر الئحة احلد من التجمعات والعقوبات‬
‫ملخالفي الإجراءات واالحرتازات والتدابري الوقائية للحد من انت�شار فريو�س كورونا‬
‫امل�ستجد(كوفيد‪ )19-‬وت�أ�صيل كل من الالئحة والعقوبات‪.‬‬
‫كما واتبعت �إجراءات البحوث العلمية من التوثيق من امل�صادر‪ ،‬وعزو الآيات‪،‬‬
‫وتخريج الأحاديث من م�صادرها‪ ،‬واحلكم عليها‪ ،‬وفيما يخ�ص الآثار خ ّرجتُها قدر‬
‫اال�ستطاعة دون احلكم عليها‪ ،‬ومل �أترجم للأعالم؛ ملا تقت�ضيه طبيعة البحوث‬
‫العلمية‪ ،‬وما نقلته حرف ًيا و�ضعته بني قو�سني‪ ،‬وما مل يكن �أ�شرت له يف احلا�شية با�سم‬
‫املرجع‪ ،‬وما كان بت�صرف �أ�شرت �إليه بـ(انظر)‪.‬‬
‫و�أ�س�أل اهلل تعالى مبنه وكرمه �أن يجعله خال�صً ا لوجهه الكرمي‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪636‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫التمهيد‬
‫ملحة طبية عن فريو�س كورونا وت�أثريه على العامل‬

‫فريو�س كورونا‪ :‬جمموعة من الفريو�سات �أطلق عليها ا�سم كورونا ب�سبب �شكلها‬
‫الذي ي�شبه التاج ن�سبة �إلى الكلمة الإجنليزية ‪ crown‬والتي تعني تاج‪� ،‬أغلب الأنواع‬
‫من فريو�سات كورونا ت�صيب احليوان‪ ،‬ولكن هناك �أنواع منها ت�صيب الب�شر‪ ،‬منها‪:‬‬
‫•فريو�س �سار�س ‪ :SARS‬مر�ض تنف�سي فريو�سي ي�سببه فريو�س من فريو�سات‬
‫كورونا‪ ،‬اخلازن الطبيعي له (اخلفا�ش) واخلازن الو�سيط له القطط‪،‬‬
‫ومنطه‪ :‬التهاب تنف�سي رئوي حاد‪ ،‬مت الإبالغ عن الإ�صابة بال�سار�س لأول مرة‬
‫يف ال�صني يف فرباير ‪ ،2003‬ور�صد املر�ض يف ‪ 29‬دولة‪ ،‬وانتهى بعد ‪� 18‬شه ًرا‪،‬‬
‫�أ�صاب ‪� 8،089‬شخ صً� ا‪ ،‬وت�سبب يف وفاة ‪� 774‬شخ�صً ا‪ ،‬حيث كانت ن�سبة‬
‫الوفيات حوايل ‪ %10‬من �إجمايل احلاالت املكت�شفة‪.‬‬
‫•فريو�س مري�س ‪ :MERS‬مر�ض ي�سببه فريو�س من فريو�سات كورونا‪ ،‬اخلازن‬
‫الطبيعي له �أي�ضً ا (اخلفا�ش)‪ ،‬واخلازن الو�سيط له الإبل �أحادية ال�سنام‪،‬‬
‫ومنطه‪ :‬التهاب تنف�سي رئوي حاد �أي ضً� ا‪ .‬بد�أ ر�صده يف اجلزيرة العربية يف‬
‫اململكة العربية ال�سعودية يف �سبتمرب ‪ ،2012‬وحدث �أكرب تف�شي للإ�صابة‬
‫بفريو�س مري�س يف جمهورية كوريا يف عام ‪ ،2015‬ر�صد املر�ض يف ‪ 27‬دولة‬
‫حتى الآن‪ ،‬وبلغ �إجمايل امل�صابني به حتى الآن ‪�2،494‬شخ�صً ا‪ ،‬وت�سبب يف وفاة‬
‫‪� 858‬شخ صً� ا من ن�سبة الوفيات حوايل ‪ %35‬من �إجمايل احلاالت املكت�شفة‪.‬‬
‫لقاحاته الب�شرية‪ ،‬واحليوانية‪ ،‬والعالجات النوعية مازالت حتت التطوير(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع منظمة ال�صحة العاملية‪ ،‬ال�صفحة اخلا�صة بكوفيد‪ 19 -‬بعنوان (فريو�س كورونا‬
‫‪https://www.who.int‬؛ موقع وزارة ال�صحة‪� ،‬صفحة كورونا على املوقع بعنوان (مقارنة بني فريو�سات‬
‫كورونا امل�سببة للمر�ض ال�شديد) ‪https://www.moh.gov.sa‬‬

‫‪637‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫•فريو�س كورونا كوفيد‪ :nCoV-19 19-‬يف �أواخر دي�سمرب‪� 2019‬أعلنت‬


‫ال�صني عن فريو�س كورونا جديد ي�سبب �أمرا�ض اجلهاز التنف�سي‪ ،‬و كانت‬
‫ال�سلطات ال�صحية ال�صينية �أول من ن�شر الت�سل�سل اجليني لفريو�س كورونا‬
‫الذي �أطلق عليه ا�سم‪ :‬نوفا فريو�س ‪� nCo -2019‬أو ووهان فريو�س‪ ،‬بد�أ املر�ض‬
‫يف مدينة ووهان‪ ،‬مبقاطعة هوبي‪ ،‬ال�صني‪ .‬اخلازن الطبيعي له (اخلفا�ش)‬
‫�أي�ضً ا‪� ،‬أما اخلازن الو�سيط له فغري معروف‪ ،‬يقول رئي�س منظمة (‪Eco‬‬
‫‪ )Health Alliance‬ال�صحية والبيئية غري الربحية‪ ،‬بيرت دا�سزاك‪�“ :‬إنه‬
‫عندما تنظر �إلى الت�سل�سل اجليني للفريو�س‪ ،‬وتطابقه مع فريو�سات كورونا‬
‫�أخرى معروفة‪ ،‬ف�إن نوعيتها �أقرب �أن تكون من اخلفافي�ش”(((‪ .‬ومنطه‪:‬‬
‫التهاب تنف�سي رئوي حاد‪ .‬انت�شر هذا الفريو�س التاجي اجلديد ب�سرعة يف‬
‫جميع �أنحاء العامل‪ ،‬وت�سبب يف حدوث حالة طوارئ �صحية عاملية‪ ،‬ففي ‪11‬‬
‫مار�س ‪� 2020‬أعلنت منظمة ال�صحة العاملية تف�شي وباء الفريو�س التاجي‪،‬‬
‫ومت �إعالنه جائحة عاملية((( (انت�شار عاملي ملر�ض جديد) حيث ر�صد يف‬
‫موقع ويكبيديا املو�سوعة احلرة بعنوان (جائحة فريو�س كورونا ‪https://ar.wikipedia. )20-2019‬‬
‫‪org/wiki‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع �سي �إن �إن بالعربية بعنوان (اخلفافي�ش “خزان الفريو�سات” قد تكون م�صدر فريو�س‬
‫كورونا اجلديد) �‪https://arabic.cnn.com/health/article/2020/01/30/bats-viruses-corona‬‬
‫‪virus-scn‬‬
‫((( اجلائحة‪ :‬لغة‪ :‬ال�شدة والنازلة وامل�صيبة التي حتل بالرجل يف ماله فتجتاحه كله‪ ،‬وهي م�أخوذة من‬
‫اجلوح والإهالك واال�ستئ�صال‪ ،‬ويف ال�شرع الآفة التي تهلك الثمار وجتتاح الأموال وت�ست�أ�صلها وكل‬
‫م�صيبة عظيمة وفتنة كبرية‪ .‬وميكن �أن يطلق على فريو�س كورونا جائحة باعتبارها م�صيبة ونازلة‬
‫عظيمة تذهب بالأموال والنف�س وغريهما‪� ،‬أما من حيث تو�صيف هذا الفريو�س ف�إنه وباء معنى وحك ًما‪،‬‬
‫فا�ش عام‪ .‬وجند �أن منظمة ال�صحة و�صفت تف�شي املر�ض‬ ‫فالوباء يطلق يف اللغة على كل مر�ض ٍ‬
‫بالوباء؛ النتقاله بني العديد من النا�س واملجتمعات يف نف�س الوقت‪ ،‬وو�صفته باجلائحة‪ ،‬يف �إ�شارة‬
‫ر�سمية النت�شاره ال�سريع يف العامل‪ .‬انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (جوح)(‪( ،)431 :2‬وب�أ)(‪)190 :1‬؛‬
‫تاج العرو�س‪ ،‬مادة (جوح)(‪( ،)354 :6‬وب�أ)(‪)478 :1‬؛ التعريفات الفقهية (�ص‪)235 ،73 :‬؛ موقع‬
‫الأمم املتحدة‪ ،‬بعنوان‪ :‬خم�سة �أ�شياء يجب �أن تعرفها الآن عن جائحة كوفيد‪(COVID-19) 19-‬‬
‫‪https://news.un.org/ar/story/2020/03‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪638‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫�أكرث من ‪ 188‬دولة ومنطقة حتى تاريخ ‪ 10‬يونيو ‪ ،2020‬وبلغ �إجمايل حاالت‬


‫الإ�صابة ‪ 7.29‬مليون م�صاب‪ ،‬وبلغ �إجمايل عدد الوفيات ‪ 413.000‬وفاة‪،‬‬
‫وبلغ �إجمايل حاالت التعايف �أكرث من ‪ 3.41‬مليون م�صاب‪ ،‬ولقاحه الب�شري‬
‫حتت التطوير‪ ،‬والعالج النوعي حتت التجربة (((‪.‬‬
‫وقد �ألقى وباء فريو�س كورونا التاجي بثقله على امل�ؤ�س�سات‪ ،‬والدول‪ ،‬والأفراد‬
‫من الناحية االقت�صادية يف خ�سائر ج�سيمة‪ ،‬وخلف بطالة مل ي�شهد لها التاريخ‬
‫مثيل‪ ،‬اً‬
‫ف�ضل على ت�أثريه على القطاعات اخلدمية‪ ،‬والتعليمية‪ ،‬وال�سياحة‪ ،‬والرتفيه‪،‬‬ ‫اً‬
‫وجميع منا�شط احلياة‪ ،‬و�أ�صبح القلق والرعب خميمني على العامل‪ ،‬و�أثبت يف املقابل‬
‫خلل كب ًريا يف امل�ؤ�س�سات ال�صحية‪ ،‬ونق�صً ا يف املوارد ال�صحية والأجهزة وغريها‪،‬‬‫اً‬
‫وبعد �إعالن منظمة ال�صحة العاملية فريو�س كورونا (جائحة)‪ ،‬فر�ضت احلكومات‬
‫�إجراءات �صارمة‪ ،‬من حظر ال�سفر‪ ،‬والتنقل داخل ًيا وخارج ًيا للأفراد‪ ،‬وحظر‬
‫التجول ال�شامل‪ ،‬وحظرت اململكة العربية ال�سعودية دخول املعتمرين من‪ :‬مواطنني‪،‬‬
‫ومقيمني‪ ،‬وزوا ًرا على حد �سواء �إلى احلرمني؛ للحد من انت�شار الفريو�س‪ ،‬وبعد مرور‬
‫و�سنِّ‬
‫موجة الفريو�س الأ�شد‪ ،‬بد�أت كثري من الدول يف التخفيف من هذه الإجراءات‪َ ،‬‬
‫�إجراءات تتنا�سب مع عودة احلياة لطبيعتها‪.‬‬
‫فهل لويل الأمر �سلطة يف تقييد حرية الأفراد يف ال�سلوكيات املباحة من التجمعات‬
‫و�سنِّ الأنظمة التي حتد من انت�شار الأوبئة‪- ،‬ومنها فريو�س كورونا‪ -‬مبوجب‬
‫والتنقل‪َّ ،‬‬
‫ال�سلطة املمنوحة له من ال�شرع‪� ،‬سوف جنيب على هذا ال�س�ؤال يف املباحث التالية ‪�-‬إن‬
‫�شاء اهلل تعالى‪.-‬‬

‫((( انظر‪ :‬موقع وزارة ال�صحة‪� ،‬صفحة كورونا على املوقع بعنوان (مقارنة بني فريو�سات كورونا امل�سببة‬
‫للمر�ض ال�شديد) ‪ https://www.moh.gov.sa‬؛ موقع ويكبيديا املو�سوعة احلرة بعنوان (جائحة‬
‫فريو�س كورونا ‪https://ar.wikipedia.org/wiki )20-2019‬‬

‫‪639‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫املبحث الأول‬
‫�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح وحكمه و�ضوابطه‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫املق�صود ب�سلطة ويل الأمر‬

‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفرع الأول‪ :‬تعريف �سلطة ويل الأمر لغة‬
‫الط ًة‪.‬‬‫و�س َ‬ ‫ال�سلطة لغة‪ :‬بال� َّضم‪ ،‬من الفعل‪� :‬سَلَّطَ‪ ،‬يقال‪�َ :‬س َّل َط ُي َ�س ِّل ُط ت َْ�س ِل ْي ًَطا َ‬
‫ليب‪ُ ،‬ي َق ُال‪�َ :‬س َّل َطه‬ ‫ليط‪ :‬مبعنى ال َّت ْغ ُ‬ ‫وال�س ْي َط َرة‪ ،‬والت ََّح ُّك ُم‪ ،‬والت َّْ�س ُ‬‫وال�س ْل َط ُة‪ :‬الت ََّ�سلُّ ُط‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫الط ُة‪ :‬ال َّت َم ُّكنُ ‪ .‬وال�سلطة من‬ ‫وال�س َ‬ ‫اهلل َفت ََ�س َّل َط َع َل ْي ِهم‪� ،‬أَي َج َع َل له َع َل ْي ِهم ُق َّو ًة‪ ،‬و َق ْه ًرا‪َّ .‬‬
‫ال�س ْل َطان مبعنى‪ :‬الوايل‪ ،‬و�إطال ُقه َع َل ْي ِه هُ َو الأ ْكثرَ ‪ .‬و�سمي ُّ�س ْل َطا ًنا؛ لت�سليطه‪ ،‬و�إما‬ ‫ُّ‬
‫لمراء َ�سالطني؛ لأَنهم ا َّل ِذينَ ُت َق ُام ِب ِه ُم الحْ ُ َّج ُة‬ ‫كونه ُح َّجة من ُح َجج اهلل؛ ِل َذ ِل َك ِق َيل ل أُ‬
‫حلقوق(((‪.‬‬ ‫وا ُ‬
‫فاملعنى اللغوي ال يخرج عن املعاين التالية‪ :‬ال ُق َّوة‪ ،‬وال ُق ْد َر ُة‪ ،‬واملـــــُلك‪ ،‬وال َّت َم ُّكن‪،‬‬
‫ال�سلطة‪ ،‬فال ُّ�سلطة �إال باملكنة‪ ،‬والقدرة‬ ‫وال�س ْي َط َرة‪ ،‬وجميعها متحققة يف ُّ‬ ‫والت ََّح ُّكم‪َّ ،‬‬
‫التي ت�ستلزم القوة‪ ،‬وال�سيطرة‪ ،‬والتحكم‪ ،‬وامللك‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬ال يخرج املعنى اال�صطالحي عن املعنى اللغوي املتمثل يف‬ ‫ً‬ ‫ال�سلطة‬
‫ال�س ْي َط َر ِة َوال َّت َم ُّكن‪َ ،‬وا ْل َق ْه ِر‪َ ،‬والت ََّح ُّكمِ ‪.‬‬
‫َّ‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (�سلط) (‪)320 :7‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة (�س ل ط) (‪)378- 19 :371‬؛‬
‫املعجم الو�سيط‪ ،‬مادة (�سلط)(‪.)443 :1‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪640‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫وهذه ال�سلطة منوطة باحلاكم ومن يفو�ضه من الوزراء يف تدبري الأمور بر�أيه‬
‫و�إم�ضائها على اجتهاده(((‪.‬‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف ويل الأمر لغة‬
‫ل لغة‪ :‬م�شتق من ا ْل َوليْ ِ ‪ ،‬مبعنى‪ :‬ال ُق ْر ُب وال ُّد ُن ُّو‪ُ .‬ي َقال‪َ :‬و ِل َي ُه َو ْل ًيا‪ ،‬أَ� ْي َد َنا ِم ْنهُ‪.‬‬ ‫ا ْل َو يِ ُّ‬
‫يل َع َل ْي ِه ِوالي ًة و َوالي ًة َو َوليِ َ الأْ ْم َر‪ :‬إِ� َذا َق َام ِب ِه‪،‬‬ ‫يل ال�شي َء و َو َ‬ ‫َو أَ� ْو َل ْي ُت ُه إِ� َّيا ُه‪� :‬أَ ْد َن ْي َت ُه ِم ْنهُ‪َ .‬و َ‬
‫ال�س ْل َطانُ ‪ ،‬والإِمارة‪َ .‬و َواليِ‬ ‫َو َت َو َّلى الأْ ْم َر؛ أَ� ْي َت َق َّل َد ُه‪ .‬وي�أتي على عدة معان منها‪ :‬ال ِوالية‪ُّ :‬‬
‫ا ْل َب َل ِد‪َ :‬ن ِاظ ُر �أُ ُمو ِر أَ� ْه ِل ِه ا َّل ِذي َي ِلي ا ْل َق ْو َم ِبالت َّْد ِب ِري َوالأْ ْم ِر َوال َّن ْهي‪ .‬ال َوالية‪ :‬ال ُّن�صرة‪َ .‬و ُك ٌّل‬
‫َمنْ َوليِ َ �أَ ْم َر � َآخ َر َف ُه َو َو ِل ُّيهُ‪َ .‬و ِم ْن ُه َوليِ ُّ ا ْل َي ِت ِيم َو َوليِ ُّ ا ْل َق ِتيل‪َ ،‬و َوليِ ُّ المْ َ ْر�أَ ِة‪َ ،‬وهُ َو ا ْل َقا ِئ ُم‬
‫ِب ِه ْم‪َ ،‬والمْ ُت ََ�ص ِّر ُف فيِ �أَ ْم ِر ِه ْم (((‪.‬‬
‫ي�ض ال َّن ْه ِي‪ .‬أَ� َم َره ِب ِه و أَ� َم َر ُه‪ ،‬و�أَمره �إِياه‪َ ،‬ي�أْ ُم ُره �أَ ْم ًرا‬ ‫وف‪َ ،‬ن ِق ُ‬ ‫والأمر يف اللغة‪َ :‬م ْع ُر ٌ‬
‫و�إِما ًرا ف�أْتمَ َ َر‪� :‬أَي َق ِب َل َ�أ ْم َره‪ ،‬و أَ� َم َر الرج ُل ي�أْ ُم ُر �إِمار ًة �إِذا َ�صا َر َع َل ْي ِه ْم َ�أم ًريا‪ .‬والأَ ِم ُري‪:‬‬
‫فاذ �أَ ْم ِره َبينِّ ُ ا ِلإمارة‪ ،‬والأَمارة‪ .‬و�أُولوا الأَ ْم ِر‪ :‬ال ُّر ؤَ��سا ُء‪ ،‬و أَ�هل‬ ‫ُذو الأَ ْمر امل ِل ُك؛ ل َن ِ‬
‫ا ْل ِع ْل ِم(((‪.‬‬
‫فويل الأمر يف اللغة‪ :‬كل من تقلد �أم ًرا‪� ،‬أو قام به‪� ،‬سوا ًء ما كان متعل ًقا ب�آحاد‬
‫النا�س‪ :‬كاليتيم واملر�أة وغريهما‪ .‬وهو ما يعبرّ عنه عند الفقهاء بالوالية اخلا�صة‪� ،‬أو‬
‫ما تعلق بعموم النا�س من الرعية‪ ،‬وهو ما يعرب عنه عند الفقهاء بالوالية العامة(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪َ :‬منْ تقلد حرا�سة الدين‪ ،‬و�سيا�سة الدنيا(((‪ .‬أ� ًّيا كان امل�سمى‬
‫ً‬ ‫ويل الأمر‬
‫رئي�سا‪� ،‬أم ًريا)‪� ،‬أو من يقوم مقامهم وينوب عنهم‪.‬‬ ‫إماما‪ ،‬مل ًكا‪ ،‬حاك ًما‪ً ،‬‬
‫(�سلطا ًنا‪ً � ،‬‬
‫انظر‪ :‬الأحكام ال�سلطانية‪ ،‬للماوردي (�ص‪.)25 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (ويل) (‪)411- 15 :406‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة (و ل ي) (‪)245 -241 :40‬؛‬ ‫(((‬
‫املعجم الو�سيط‪ ،‬مادة (ويل)(‪.)58 :2‬‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (�أمر)(‪)30- 26 :4‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة(�أمر)(‪.)74-68 :10‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التعريفات الفقهية (�ص‪.)213 :‬‬ ‫(((‬
‫الأحكام ال�سلطانية (�ص‪.)5 :‬‬ ‫(((‬

‫‪641‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫وميكن �أن ُي َع َّرف �أي�ضً ا ب�أنه‪ :‬من له ُ�سلطة �شرعية عامة‪ ،‬يجوز له مبقت�ضاها‬
‫�إجراء ت�صرفات ترتتب عليها �آثار �شرعية‪ ،‬لها عن�صر الإلزام‪ ،‬وقوة التنفيذ(((‪.‬‬
‫واملق�صود ب�سلطة ويل الأمر‪ :‬ا�ستعمال �صاحب الوالية العامة نفوذه‪ ،‬وحقه يف‬
‫�إ�صدار الأحكام املنبثقة عن �أحكام ال�شريعة كافة‪ ،‬مبا يحقق م�صلحة �أفراد املجتمع‪،‬‬
‫فيدفع عنهم املفا�سد ويجلب لهم امل�صالح‪� ،‬أو يحافظ لهم على الكليات اخلم�س‪:‬‬
‫مق�صد حفظ الدين‪ ،‬وحفظ النف�س‪ ،‬وحفظ العر�ض‪� ،‬أو الن�سل‪ ،‬وحفظ العقل‪ ،‬وحفظ‬
‫املال‪ ،‬وتدبري �ش�ؤون حياتهم(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫املق�صود ب�سلطة تقييد املباح‬
‫وفيه فرعان‪.‬‬
‫وا�صطالحا‬
‫ً‬ ‫الفرع الأول‪ :‬تعريف املباح لغة‬
‫ال�ش ْي ِء ُ‬
‫وظ ُهو ُر وبروزه‪ .‬يقال‬ ‫املباح لغة‪ :‬ا�سم م�شتق من البوح‪ :‬و�أ�صل ال َب ْوح‪� :‬سعة َّ‬
‫باح ال�شي َء‪ :‬أَ�طلقه‪ .‬واملُ ُ‬
‫باح‪:‬‬ ‫ال�ش ْي َء‪ َ :‬أ�حللته َل َك‪َ .‬و�أ َ‬
‫باح ِب ِ�س ِّره‪� :‬إذا أَ�ظهره‪ ،‬و أَ� َب ْحتُك َّ‬
‫َ‬
‫ِخلاَ ُف المْ َ ْح ُظو ِر(((‪ .‬فاملباح باملعنى اللغوي يطلق على الوا�سع الظاهر املعلن امل�أذون‬
‫فيه مطل ًقا من غري حرج‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬املباح من الألفاظ امل�شرتكة بني علماء الأ�صول‪ ،‬والفقه؛ كونه‬
‫ً‬ ‫املباح‬
‫�أحد الأحكام التكليفية املتفق عليها‪ ،‬ولكل منهم حد ا�صطالحي يو�ضح حقيقته‪ ،‬ومن‬
‫�أجمع تعاريفه اال�صطالحية عند الأ�صوليني‪ ،‬ما عرفه به الآمدي بقوله‪ :‬ما دل الدليل‬
‫ال�سمعي على خطاب ال�شارع بالتخيري فيه بني الفعل والرتك من غري بدل(((‪.‬‬
‫النظام الق�ضائي الإ�سالمي (�ص‪.)98-97 :‬‬ ‫(((‬
‫�سلطة ويل الأمر يف �سن الأنظمة‪ ،‬العتيبي‪ ،‬بحث من�شور يف جملة الدرا�سات العربية العدد ‪.)237 :1( 36‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (بوح) (‪)416 :2‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة (بوح)(‪)323 :6‬؛ املعجم الو�سيط‪،‬‬ ‫(((‬
‫مادة (باح)(‪.)75 :1‬‬
‫الإحكام يف �أ�صول الأحكام (‪.)123 :1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪642‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫�أما تعريفه عند الفقهاء‪ :‬للمباح عند الفقهاء مدلوالن‪ :‬مدلول يوافق علماء‬
‫الأ�صول املباح ب�إذن ال�شرع وهو‪ :‬ما �أجيز للمكلفني فعله وتركه‪ ،‬بال ا�ستحقاق ثواب‪،‬‬
‫وال عقاب(((‪.‬‬
‫ومدلول اخت�صوا به‪ ،‬وهو املباح ب�إذن الأفراد بع�ضهم لبع�ض وهو‪ :‬الإذن يف الفعل‬
‫والرتك‪ .‬يقال‪� :‬أباح الرجل ماله‪� ،‬أذن يف �أخذه وتركه وجعله مطلق الطرفني(((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬املق�صود ب�سلطة تقييد املباح‪.‬‬
‫َاب‪�َ :‬ض َب َطه؛ َو َك َذ ِل َك‬ ‫التقييد لغة‪ :‬م�صدر ( َق ّي َد)‪ ،‬واجلمع‪ :‬قيود‪ ،‬و َق َّيد ال ِعلم ِبا ْل ِكت ِ‬
‫و�ش ْك ُله‪ .‬واملُ َق َّي ُد ِمنَ‬
‫يط ُه و�إِعجامه َ‬ ‫بال�ش ْكل‪�َ :‬ش َك َله‪ ،‬و َت ْقيي ُد الخْ َ ِّط‪َ :‬ت ْن ِق ُ‬ ‫َق َّي َد ا ْل ِكت َ‬
‫َاب َّ‬
‫خالف املُ ْط َلق‪ ،‬و َق َّي َد الإِميانُ ال َفتْك‪� :‬أَي �أَن الإِميان مينع عن الفتك َك َما يمَ ْ َن ُع‬ ‫ال�ش ْع ِر‪ُ :‬‬ ‫ِّ‬
‫ال َق ْي ُد َع ِن الت ََّ�ص ُّر ِف‪ ،‬فك أَ�نه َج َع َل ال َفت َْك ُم َق َّيدً ا(((‪ .‬فاملعنى اللغوي للتقييد‪ :‬ال�ضبط‪،‬‬
‫واملنع من الت�صرف‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬ال يخرج املعنى اال�صطالحي عن املعنى اللغوي من ال�ضبط‬
‫ً‬ ‫التقييد‬
‫واملنع من الت�صرف ال�ضار واملُ�ضر بوا�سطة ال�سلطة التي و�ضعها ال�شارع يف يد ويل‬
‫الأمر(((‪.‬‬
‫تقييد املباح‪ :‬ترجيح �أحد طرفيه (الفعل �أو الرتك) لأ�سباب معقولة‪ ،‬وم�ؤقتة على‬
‫�سبيل الأمر‪� ،‬أو املنع‪ ،‬مما يرى فيه ويل الأمر حتقيق م�صلحة‪� ،‬أو دفع مف�سدة‪ ،‬ما مل‬
‫يوجد مانع �شرعي من ن�ص خا�ص‪� ،‬أو قاعدة كلية �أو �ضابط(((‪.‬‬
‫واملق�صود ب�سلطة تقييد املباح‪ :‬هي �سلطة ويل الأمر يف املنع‪� ،‬أو الإلزام مبا فيه‬
‫انظر‪ :‬اللباب(‪)156 :4‬؛ املوافقات(‪)172 :1‬؛ كفاية الأخيار(‪)31 :1‬؛ رو�ضة الناظر(�ص‪.)128 :‬‬ ‫(((‬
‫التوقيف على مهمات التعاريف (�ص‪.)35 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (قيد)(‪)372 :3‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة(قيد)(‪)84 :9‬؛ املعجم الو�سيط‪ ،‬مادة‬ ‫(((‬
‫(قيد)(‪.)769 :2‬‬
‫انظر‪� :‬صالحية ويل الأمر يف تقييد املباح (�ص‪.)16 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬سلطة ويل الأمر يف �سن الأنظمة‪ ،‬العتيبي (�ص‪.)238 :‬‬ ‫(((‬

‫‪643‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫م�صلحة مباحة يف ال�شريعة الإ�سالمية على عامة النا�س‪� ،‬أو بع�ضهم مل�صلحة يراها‬
‫�سيا�سة منه(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫حكم تقييد ويل الأمر للمباح‬

‫وفيه ثالثة فروع‪:‬‬


‫الفرع الأول‪ :‬حترير الأقوال وحمل النزاع‪.‬‬
‫حترير حمل النزاع‪ :‬اتفق الفقهاء على عدم جواز خمالفة ويل الأمر فيما ثبت‬
‫قط ًعا من �أحكام ال�شرع من حترميه احلالل‪ ،‬وحتليله احلرام‪ ،‬واختلفوا فيما �سكت‬
‫عنه ال�شرع‪� ،‬أو خري فيه(املباح) هل يجوز لويل الأمر تقييده على قولني(((‪.‬‬
‫القول الأول‪ :‬يجوز لويل الأمر تقييد املباح مطل ًقا باملنع‪� ،‬أو بالإيجاب �إذا كان‬
‫يف ذلك م�صلحة‪ ،‬وهو قول جمهور الفقهاء من احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪،‬‬
‫وال�صحيح عند ال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز لويل الأمر تقييد ما �أباحه اهلل تعالى مطل ًقا‪ ،‬وهو قول‬
‫الظاهرية(((‪ ،‬وقول بع�ض ال�شافعية(((‪.‬‬
‫تقييد املباح يف الفقه والنظام (�ص‪.)24 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬روح املعاين (‪.)66 :5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين (‪)186 :5‬؛ غمز عيون الب�صائر (‪.)282 :2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬التمهيد (‪)279 :23‬؛ حا�شية الد�سوقي (‪.)406 :1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حتفة املحتاج (‪)71 :3‬؛ حا�شية اجلمل (‪.)117 :2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املقنع (‪)4 :2‬؛ قواعد ابن رجب (�ص‪.)140 :‬‬ ‫(((‬
‫املحلى (‪.)364 :9‬‬ ‫(((‬
‫مل �أقف عليهم‪ ،‬ذكر القول البجريمي يف حا�شيته (‪ )439 :1‬ومل ي�سمهم‪.‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪644‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬الأدلة واملناق�شة‪.‬‬


‫ا�ستدل القائلون بجواز تقييد ويل الأمر للمباح مطلقًا باملنع‪� ،‬أو بالإيجاب �إذا كان‬
‫يف ذلك م�صلحة‪ ،‬باملنقول‪ ،‬واملعقول‪.‬‬
‫أول‪ :‬من املنقول‪- :‬‬ ‫� اً‬
‫‪1.1‬عموم الآيات والأحاديث الدالة على وجوب طاعة والة الأمر ومنها‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الن�ساء‪ .]59 :‬وقوله‬
‫الط َاع ُة َع َلى ا َمل ْر ِء املُ ْ�س ِل ِم ِفي َما أَ� َح َّب َو َك ِر َه‪َ ،‬ما لمَ ْ ُي�ؤْ َم ْر بمِ َ ْع ِ�ص َي ٍة‪،‬‬
‫ال�س ْم ُع َو َّ‬
‫ﷺ‪َّ « :‬‬
‫َف ِإ� َذا �أُ ِم َر بمِ َ ْع ِ�ص َي ٍة َف َال َ�س ْم َع َو َال َط َاع َة»(((‪.‬‬
‫وجه اال�ستدالل‪ :‬االمتثال يف املباح �أم ًرا ونه ًيا ال يرتتب عليه مع�صية‪ ،‬فتجب‬
‫طاعة ويل الأمر بفعله �أو تركه(((‪.‬‬
‫ميكن �أن يناق�ش‪ :‬ب�أن اال�ستدالل بهذه الآيات والأحاديث لي�س يف حمل النزاع‪،‬‬
‫فهي �أدلة عامة تدل على وجوب طاعة ويل الأمر‪.‬‬
‫‪2.2‬منع النبي ﷺ علي بن �أبي طالب ‪ ‬التزوج ببنت �أبي جهل‪ ،‬فعن امل ِْ�س َو َر‬
‫ْبنَ مخَ ْ َر َم َة‪َ ،‬ق َال‪ِ� :‬إنَّ َع ِل ًّيا َخ َط َب ِب ْن َت �أَ ِبي َج ْه ٍل َف َ�س ِم َع ْت ِب َذ ِل َك‪َ ،‬ف ِاط َم ُة َف أَ�ت َْت‬
‫ول اهلل ﷺ َف َقا َل ْت‪َ :‬يزْ ُع ُم َق ْو ُم َك �أَ َّن َك َال َت ْغ َ�ض ُب ِل َب َنا ِت َك‪َ ،‬و َه َذا َع ِل ٌّي َن ِاك ٌح‬ ‫َر ُ�س َ‬
‫بِنْتَ أَ�بِي جَهْلٍ‪ ،‬فَقَامَ رَ�سُولُ اهلل ﷺ‪ ،‬فَ�سَمِعْتُهُ حِنيَ تَ�شَهَّدَ‪ ،‬يَقُولُ‪�« :‬أَ َّما َب ْع ُد‬
‫ا�ص ْبنَ ال َّر ِبي ِع‪َ ،‬ف َح َّد َث ِني َو َ�ص َد َق ِني‪َ ،‬و�إِنَّ َف ِاط َم َة َب ْ�ض َع ٌة ِم ِّني‬ ‫أَ� ْن َك ْح ُت �أَ َبا ال َع ِ‬
‫َو�إِنيِّ �أَ ْك َر ُه �أَنْ َي ُ�سو َء َها‪َ ،‬واهلل َال تجَ ْ ت َِم ُع ِب ْن ُت َر ُ�س ِول اهلل ﷺ َو ِب ْن ُت َع ُد ِّو اهلل‪،‬‬
‫ِع ْن َد َر ُج ٍل َو ِاح ٍد»(((‪ ،‬ويف رواية‪َ ...« :‬و ِ�إنيِّ َل ْ�س ُت أُ� َح ِّر ُم َحلاَ اًل َو اَل �أُ ِح ُّل َح َر ًاما‪،‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ -‬كتاب الأحكام‪ -‬باب ال�سمع والطاعة للإمام مامل تكن مع�صية‪،‬‬
‫ح(‪.)63 :9( )7144‬‬
‫((( نظرية الإباحة (�ص‪.)329 :‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ -‬كتاب ف�ضائل ال�صحابة‪-‬باب ذكر �أ�صهار النبي ﷺ‪ ،‬ح(‪)3729‬‬
‫(‪.)22 :5‬‬

‫‪645‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫َو َل ِكنْ َواهلل اَل تجَ ْ ت َِم ُع ِب ْن ُت َر ُ�س ِول اهلل ﷺ َو ِب ْن ُت َع ُد ِّو اهلل َم َكا ًنا َو ِاحدً ا �أَ َبدً ا»(((‪،‬‬
‫وجه اال�ستدالل‪ :‬منع النبي ﷺ علي بن �أبي طالب من التزوج ببنت �أبي جهل‬
‫دليل على �أنه يحق لويل الأمر تقييد املباح �إذا كان يف ذلك درء ملف�سدة(((‪.‬‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪:‬‬ ‫ال ْك َو ِع‪ ،‬أَ�نَّ َر ُ�س َ‬ ‫‪3.3‬منع ادخار حلوم الأ�ضاحي‪ ،‬فعن َ�س َل َم َة ْب ِن َْ أ‬
‫َ«منْ َ�ض َّحى ِم ْن ُك ْم َفلاَ ُي ْ�ص ِب َحنَّ فيِ َب ْي ِت ِه َب ْع َد َثا ِل َث ٍة َ�ش ْي ًئا»‪َ ،‬ف َل َّما َكانَ فيِ ا ْل َع ِام‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ن ْف َع ُل َك َما َف َع ْل َنا َع َام �أَ َّو َل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬اَ«ل‪�ِ ،‬إنَّ َذ َ‬
‫اك‬ ‫المْ ُ ْق ِب ِل‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬
‫ا�س ِفي ِه ِب َج ْه ٍد‪َ ،‬ف أَ� َردْتُ �أَنْ َي ْف ُ�ش َو ِف ِيه ْم»(((‪ .‬وجه اال�ستدالل‪� :‬أن‬ ‫َعا ٌم َكانَ ال َّن ُ‬
‫ما �صدر عنه ﷺ ُيع ّد تقييدً ا للمباح‪ - ،‬ادخار حلوم الأ�ضاحي‪ -‬واملنع منه‬
‫حتقي ًقا للم�صلحة العامة فدل نهيه ﷺ على جواز تقييد املباح لويل الأمر �إذا‬
‫تعر�ضت البالد لظروف ا�ستثنائية تتطلب التقييد(((‪.‬‬
‫ا�ض ٌر ِل َب ٍاد(((‪.‬‬ ‫‪4.4‬ما روي من �أَ َّن ُه ﷺ َن َهى �أَنْ َي ِبي َع َح ِ‬
‫وجه اال�ستدالل‪ :‬فنهى احلا�ضر العامل بال�سعر �أن يتوكل للبادي اجلالب‬
‫لل�سلعة‪ ،‬لأنه �إذا توكل له ‪-‬مع خربته بحاجة النا�س‪� -‬أغلى الثمن على‬
‫امل�شرتي فنهاه عن التوكل له‪ ،‬مع �أن جن�س الوكالة مباح؛ ملا يف ذلك من‬
‫زيادة ال�سعر على النا�س(((‪.‬‬
‫‪5.5‬ما ورد عن عمر بن اخلطاب ‪ ‬من منع الزواج من الكتابيات‪ ،‬فقد بلغه‬
‫تَزَ َّو َج ُح َذ ْي َف ُة ِمنْ َي ُهو ِد َّي ًة َف َكت ََب إِ� َل ْي ِه ُع َم ُر أَ�نْ َخ ِّل َ�س ِبي َل َها‪َ ،‬ف َكت ََب �إِ َل ْي ِه‪� :‬إِنْ َكا َن ْت‬
‫اف �أَنْ‬
‫َح َر ًاما َخ َّل ْي ُت َ�س ِبي َل َها َف َكت ََب إِ� َل ْي ِه‪�« :‬إِنيِّ اَل �أَ ْز ُع ُم أَ� َّن َها َح َرا ٌم‪َ ،‬و َل ِك ِّني أَ� َخ ُ‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪-‬كتاب ف�ضائل ال�صحابة‪-‬باب ف�ضائل فاطمة ‪ ،‬ح (‪.)903 :4()2449‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح النووي على �صحيح م�سلم (‪.)16 :3‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيه‪-‬كتاب الأ�ضاحي‪ -‬باب بيان ما كان من النهي عن أ�كـل حلوم الأ�ضاحي بعد‬
‫ثالث‪ ،‬ح (‪.)563 :3()1974‬‬
‫((( انظر‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬العتيبي (�ص‪.)115 :‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪-‬كتاب البيوع‪-‬باب حترمي بيع احلا�ضر للبادي‪ ،‬ح (‪.)157 :3()1520‬‬
‫((( الطرق احلكمية (�ص‪.)221 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪646‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫َت َع َ‬
‫اط ُوا المْ ُ ِوم َ�س ِ‬
‫ات ِم ْنهُنَّ »(((‪ ،‬وجه اال�ستدالل‪ :‬منع عمر الزواج من الكتابيات‬
‫من باب تقييد املباح؛ ملا ر�آه من مفا�سد‪ ،‬وقد �أمر ال�شارع احلكيم باالقتداء‬
‫حكاما وحمكومني‪.‬‬
‫بهدي اخللفاء الرا�شدين ً‬
‫‪‬‬ ‫ميكن �أن يناق�ش‪ :‬ب�أن حذيفة ‪ ‬احتج على عمر بن اخلطاب‬
‫بالإباحة ال�شرعية يف قوله‪ « :‬إِ�نْ َكا َن ْت َح َر ًاما َخ َّل ْي ُت َ�س ِبي َل َها»‪.‬‬
‫�أجيب‪ :‬ب�أن املباح الذي ثبت بالن�ص‪ ،‬ال يجوز للحاكم تقييده �إال يف الظروف‬
‫الطارئة ويكون ُمق ّيدًا بها‪ ،‬واملباح الذي ثبت بالرباءة الأ�صلية‪ ،‬فيجوز تقييده‬
‫ب�شرط مراعاة امل�صلحة‪� ،‬سوا ًء ُق ّيد بوقت معني �أم ال؟‪ .‬وهنا املباح ثابت بالن�ص‪،‬‬
‫ن�سخا للحكم(((‪.‬‬ ‫وتقييد اخلليفة الرا�شد من باب حفظ م�صالح الأمة ولي�س ً‬
‫‪�6.6‬إم�ضاء عمر بن اخلطاب ‪ ‬طالق الثالث بلفظة واحدة ثال ًثا‪ ،‬فعن‬
‫الطلاَ ُق َع َلى َع ْه ِد َر ُ�س ِول اهلل ﷺ‪َ ،‬و�أَ ِبي َب ْك ٍر‪،‬‬ ‫ا�س ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬كانَ َّ‬ ‫ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اب‪�ِ :‬إنَّ‬‫َو َ�س َن َتينْ ِ ِمنْ ِخلاَ َفة ُع َم َر‪َ ،‬طلاَ ُق ال َّثلاَ ِث َو ِاح َد ًة‪َ ،‬ف َق َال ُع َم ُر ْبنُ الخْ َ َّــط ِ‬
‫ا�س َت ْع َج ُلوا فيِ �أَ ْم ٍر َق ْد َكـا َن ْت َل ُه ْم ِفي ِه �أَ َنا ٌة‪َ ،‬ف َل ْو َ�أ ْم َـ�ض ْي َنا ُه َع َل ْي ِه ْم‪،‬‬
‫ا�س َق ِد ْ‬ ‫ال َّن َ‬
‫َف�أَ ْم َ‬
‫ــــ�ضا ُه َع َل ْي ِه ْم »(((‪.‬‬
‫وجه اال�ستدالل‪ :‬مل يكن يف فعل عمر خمالفة لل�شارع‪� ،‬إذ �أنه مل يغري �أم ًرا الز ًما‪،‬‬
‫وغاية ما فيه �أنه منعهم من الرجعة التي �أباحها اهلل تعالى يف الطلقتني الأوليني‪،‬‬
‫ومل تكن الرجعة الزمة لكل مطلق‪ ،‬وال جتديد العقد لكل مطلق كذلك‪ ،‬ولويل الأمر‬
‫�أن مينع النا�س من بع�ض املباحات زج ًرا لهم‪ ،‬وعقا ًبا على ارتكابهم املحظور(((‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪7.7‬تقييد عمر بن اخلطاب ‪ ‬لوقت �شراء اللحم‪ ،‬فعن ابن عمر‬
‫((( �أخرجه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه ‪-‬كتاب النكاح‪ -‬من كان يكره النكاح يف �أهل الكتاب‪ ،‬ح (‪)16163‬‬
‫(‪.)474 :3‬‬
‫((( انظر‪� :‬سلطة ويل الأمر �سن الأنظمة‪ ،‬العتيبي (�ص‪.)248 :‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪-‬كتاب الطالق ‪-‬باب طالق الثالث‪ ،‬ح (‪.)999 :2()1472‬‬
‫((( تعليل الأحكام (�ص‪.)59 -58 :‬‬

‫‪647‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫قال‪ :‬كان عمر ‪ ‬ي�أتي جمزرة الزبري بن العوام ‪ ‬بالبقيع ‪-‬ومل يكن‬
‫باملدينة جمزرة غريها‪ -‬في�أتي ومعه الدرة(((‪ ،‬ف�إذا ر�أى اً‬
‫رجل ا�شرتى حل ًما‬
‫يومني متتالني �ضربه بالدرة‪ ،‬وقال‪�( :‬أال طويت بطنك جلارك‪ ،‬وابن عمك)(((‪.‬‬
‫وجه اال�ستدالل‪ :‬ق ّيد ‪� ‬إباحة �شراء اللحم ب�أال يكون على يومني متتالني؛‬
‫مل�صلحة توفر اللحم لعامة النا�س(((‪.‬‬
‫‪8.8‬تقييد حرية التنقل لبع�ض الأفراد‪ ،‬فقد منع عمر بن اخلطاب ‪ ‬عددًا‬
‫من ال�صحابة من ال�سفر خارج املدينة �إال ب�إذنه‪ ،‬و�إلى �أجل؛ لالحتياج‬
‫�إليهم(((‪ .‬وجه اال�ستدالل‪ :‬التنقل واخلروج من البالد مباح للأفراد؛ ولكن‬
‫عمر ‪ ‬ب�صفته خليفة للم�سلمني ق ّيد هذا املباح لهم(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من املعقول‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن اهلل تعالى كلف ويل الأمر مبهمة تدبري �أمور الرعية وربطها مب�صاحلها‪،‬‬
‫وقد ت�ستلزم هذه املهمة الت�صرف يف بع�ض الأحكام بح�سب ما يرتبط‬
‫بالأفعال من امل�صالح الطارئة‪ ،‬واملفا�سد املتجددة(((‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن ن�صو�ص الفقهاء تفيد �أن ال�سلطان �إذا �أمر ب�أمر يف مو�ضوع اجتهادي‬
‫كان �أمره واجب االحرتام والتنفيذ‪ ،‬فلو منع العقود؛ مل�صلحة طارئة واجبة‬
‫الرعاية‪ ،‬وكانت جائزة نافذة‪ ،‬ف�إنها ت�صبح مبقت�ضى منعه باطلة‪� ،‬أو موقوفة‬
‫ح�سب الأمر(((‪.‬‬
‫الدِّ َّرة‪ ،‬بالك�سر‪ :‬ما ي�ضرب به‪ ،‬وتطلق على ِد َّرة ال�سلطان التي ي�ضرب بها‪ .‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (درر)‬ ‫(((‬
‫(‪.)282 :4‬‬
‫م�سند الفاروق (‪.)265 :1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬نظرية الإباحة (�ص‪.)345 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تاريخ الطربي(‪.)679 :2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬نظرية الإباحة (�ص‪.)347 :‬‬ ‫(((‬
‫املرجع ال�سابق (�ص‪.)335 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املدخل الفقهي العام (‪.)168 :1‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪648‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫‪3.3‬قرر اهلل تعالى يف �أ�صل �شريعته �أن للمكلف �أن ين�شئ الوجوب فيما لي�س‬
‫بواجب يف �أ�صل ال�شرع‪ ... ،‬و�إذا تقرر �أن اهلل تعالى جعل لكل مكلف ‪-‬و�إن كان‬
‫عام ًيا اً‬
‫جاهل‪ -‬الإن�شاء يف ال�شريعة لغري �ضرورة‪ ،‬ف�أولى �أن ُيجعل الإن�شاء‬
‫للحكام؛ لل�ضرورة‪ ،‬ودفع الف�ساد(((‪.‬‬
‫‪4.4‬املباحات و�إن كانت تقبل التوجيه نحو اخلري‪� ،‬أو ال�شر ح�سب �إرادة املتناول لها‪،‬‬
‫ف�إن اهلل تعالى مل يق�صد بها �إال اخلري؛ ولهذا ف�إن كل ت�صرف يف املباح مبا‬
‫يحقق املقا�صد ال�شرعية من جعلها مباحة يع ّد من مظاهر النهو�ض مب�س�ؤولية‬
‫خالفة الإن�سان يف الأر�ض‪ ،‬ومن باب �أولى خالفة ويل الأمر على رعيته(((‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن الأدلة والقواعد ال�شرعية تقت�ضي تقييد ويل الأمر للمباح يف ظل كرثة‬
‫امل�ستجدات التي �أحدثها النا�س؛ نتيجة �ضعف الوازع الديني لديهم‪ ،‬ولهذا‬
‫قال عمر بن عبدالعزيز‪ :‬حتدث للنا�س �أق�ضية بقدر ما �أحدثوا من الفجور(((‪.‬‬
‫وا�ستدل القائلون مبنع تقييد ويل الأمر للمباح مطل ًقا‪ ،‬باملنقول‪ ،‬واملعقول‪.‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬من املنقول‪:‬‬
‫‪1.1‬قوله تعالى‪( :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ) [املائدة‪.]87 :‬‬
‫وجه اال�ستدالل‪ :‬تقييد املباح من ويل الأمر ي�شمل حترمي ما �أحل اهلل فيكون‬
‫ممنوعا(((‪.‬‬
‫ً‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن طاعة ويل الأمر يف املباح ال ت�ستلزم حترمي ما �أباح اهلل‪ ،‬غاية ما‬
‫يف الأمر �أن ويل الأمر ر�أى يف فعل �أمر ما م�صلحة‪� ،‬أو �أنه يرتتب على تركه‬
‫انظر‪ :‬الإحكام يف متييز الفتاوى (�ص‪.)41-38 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬عبدالالوي (�ص‪.)136 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تب�صرة احلكام (‪ )126 :2‬وانظر مقولة عمر بن عبدالعزيز (‪ )209 :2‬يف نف�س املرجع‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬روح املعاين (‪.)66 :5‬‬ ‫(((‬

‫‪649‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫مف�سدة‪ ،‬فق ّيده و�أمر به ال على �أنه ت�شريع‪ ،‬بل على �أنه توجيه للم�صالح‪،‬‬
‫و�إلزام حتى ال تفوت م�صلحته(((‪.‬‬
‫ول اهلل‪َ ،‬غلاَ ِّ‬
‫ال�س ْع ُر َف َ�س ِّع ْر‬ ‫ا�س َيا َر ُ�س َ‬ ‫‪2.2‬ماورد عن �أَ َن ٍ�س ‪ ،‬قال‪َ :‬ق َال ال َّن ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪�« :‬إِنَّ اهلل هُ َو المْ ُ َ�س ِّع ُر ا ْل َقا ِب ُ�ض ا ْل َب ِا�س ُط ال َّراز ُِق‪َ ،‬و�إِنيِّ‬ ‫َل َنا‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫َ ألَ ْر ُجو �أَنْ أَ� ْل َقى َ‬
‫اهلل َو َل ْي َ�س �أَ َح ٌد ِم ْن ُك ْم ُي َطا ِل ُب ِني بمِ َ ْظ َل َم ٍة فيِ َد ٍم َو اَل َم ٍال»(((‪.‬‬
‫وجه اال�ستدالل‪� :‬إذا مل يق ّيد ﷺ ما �أباحه اهلل تعالى‪ ،‬فلي�س لغريه من والة‬
‫الأمور ذلك(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن النبي ﷺ امتنع عن تقييد املباح؛ لعدم وجود احلاجة‪ ،‬فغالء‬
‫ال�سعر كان ب�سبب قلة املعرو�ض وكرثة النا�س‪ ،‬و�إذا اندفعت حاجتهم وقامت‬
‫م�صلحتهم بدونه مل ُيفعل(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من املعقول‪:‬‬
‫تقييد ويل الأمر للمباح ي�ؤدي �إلى �إمكان �أن يت�صرف بح�سب هواه فيتع�سف الوالة‬
‫يف تقييد ما �أباحه اهلل تعالى؛ ف�سدً ا لذريعة ذلك يمُ نع ويل الأمر من التقييد(((‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن تقييد ويل الأمر للمباح البد �أن يكون وفق امل�صالح واملفا�سد‪ ،‬ودون �أن‬
‫يتعار�ض هذا التقييد مع قواعد ال�شريعة ون�صو�صها(((‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الرتجيح و�سببه‪.‬‬
‫يرتجح ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬القول بجواز تقييد ويل الأمر للمباح‪� ،‬إذا كان م�ستندً ا‬
‫((( انظر‪ :‬نظرية الإباحة (�ص‪.)338-330 :‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪-‬كتاب البيوع‪-‬باب يف الت�سعري‪ ،‬ح(‪ )272 :3()3451‬واللفظ له؛ و�أخرجه‬
‫الرتمذي يف �صحيحة ‪-‬كتاب البيوع‪-‬باب ماجاء يف الت�سعري‪ ،‬ح(‪)597 :3()1314‬وقال عنه‪ :‬هذا‬
‫حديث ح�سن �صحيح‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬امللكية يف ال�شريعة (‪.)304 :2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الطرق احلكمية (�ص‪.)441 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬املدخل الفقهي العام (‪.)221 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املرجع ال�سابق؛ نظرية الإباحة(�ص‪.)340 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪650‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫للم�صلحة ال�شرعية املعتربة‪ ،‬مواف ًقا لقواعد ال�شرع‪ً ،‬‬


‫ملتزما بال�ضوابط التي ت�ضمن‬
‫عدم تع�سف ويل الأمر يف ا�ستعمال حقه يف تقييد املباح؛ وذلك لقوة �أدلتهم و�سالمتها‬
‫من املعار�ض‪ ،‬وجملة ما ا�ستدل به من قال بعدم اجلواز ال تنه�ض على مقاومة الأدلة‬
‫املُ�ستدل بها على اجلواز‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫�ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‬

‫و�ضع العلماء جملة من ال�ضوابط‪ ،‬التي يجب �أن تراعى عند تقييد املباح؛ ليكون‬
‫م�شروعا وحمق ًقا لأهدافه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫ال�ضابط الأول‪� :‬أن يكون التقييد �صاد ًرا عن جهة ذات اخت�صا�ص‪ ،‬وهي اجلهة‬
‫التي حددها الن�ص يف قوله تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ) [الن�ساء‪ ،]59 :‬وهم احلكام والعلماء‪.‬‬
‫داخل �ضمن الوالية التي‬ ‫ال�ضابط الثاين‪� :‬أن يكون التقييد ال�صادر عن احلاكم‪ ،‬اً‬
‫يتوالها من م�صالح الأمة‪ ،‬ولي�ست من م�صاحله ال�شخ�صية‪ ،‬فلو �أ�صدر �أم ًرا‬
‫يوجب تقييد املباح �إيجا ًبا‪� ،‬أو نه ًيا؛ مل�صلحته ال يعد ذلك تقييدً ا؛ لأن الطاعة‬
‫املتوجهة لويل الأمر لي�ست متوجهة ل�شخ�صه‪.‬‬
‫ال�ضابط الثالث‪� :‬أن يكون التقييد حمق ًقا مل�صلحة عامة‪ ،‬م�ؤكدة غري متوهمة‪،‬‬
‫ً‬
‫�شروطا للعمل‬ ‫متفقة مع مبادئ ال�شريعة وكلياتها‪ ،‬وقد و�ضع بع�ض العلماء‬
‫بامل�صلحة منها‪� :‬أن تكون �ضرورية‪ ،‬داخلة �ضمن مق�صود ال�شرع؛ لي�شمل‬
‫حفظ ال�ضروريات اخلم�س‪ ،‬ومنها حفظ النف�س(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى (�ص‪)103 :‬؛ املوافقات (‪)116 :1‬؛ �إعالم املوقعني (‪)22-14 :3‬؛ الطرق احلكمية‬
‫(�ص‪)18 :‬؛ قواعد الأحكام (‪)75 :1‬؛ �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬العتيبي (�ص‪)248 :‬؛ تقييد املباح‬
‫ومدى الإلزام به‪� ،‬أبو مزيريق (�ص‪)42 :‬؛ �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬عبدا لالوي‪�( ،‬ص‪.)82 :‬‬

‫‪651‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫ً‬
‫ومرتبطا بالظروف التي دعت �إليه‪� ،‬إذ‬ ‫ال�ضابط الرابع‪� :‬أن يكون التقييد م�ؤقتًا‪،‬‬
‫�أن تقييد املباح �أمر عار�ض �أ�صل الإباحة‪ ،‬فيزول بزوال م�سبباته‪.‬‬
‫ال�ضابط اخلام�س‪� :‬أن يكون التقييد لفرد من �أفراد املباح ال جلن�سه‪ ،‬فلي�س لويل‬
‫الأمر �أن مينع جن�س املباح بل له �أن مينع �أحد �أفراده؛ �إذ �أن جن�س الإباحة‬
‫ثبت بالدليل ال�شرعي‪ ،‬فال ي�صح منع جن�سه ب�أي حال‪ ،‬و�إمنا منع فرد من‬
‫�إفراده يف حالة معينة‪ ،‬ولوقت معني‪.‬‬
‫ال�ضابط ال�ساد�س‪ :‬ال يكون التقييد بالهوى والت�شهي‪ ،‬بل بالنظر يف امل�آل املتوقع‬
‫من التطبيق؛ كي ال تكون النتائج خمالفة للم�صالح احلقيقية‪� ،‬أو تكون‬
‫املف�سدة م�ساوية للم�صلحة التي يحتاط لها‪� ،‬أو �أكرب منها‪� ،‬أو تفويت م�صلحة‬
‫�أف�ضل من التي يحتاط لها(((‪.‬‬
‫واخلال�صة‪:‬‬
‫ال�شارع ال ق�صد له يف فعل املباح �أو يف تركه‪ ،‬بل الأمر مرتوك خلرية املكلف مادام‬
‫الأمر ال يرتتب عليه �ضرر يعود على ال�شخ�ص نف�سه واجلماعة‪ ،‬ف�إذا وقع ال�ضرر ف�إن‬
‫هذا الأمر املباح يقيد‪ ،‬وبالتايل نقول‪� :‬إن �ضرر التجمعات يف زمن الأوبئة يوقع �ضر ًرا‬
‫على ال�شخ�ص واجلماعة من حتقق انت�شار الوباء ‪-‬ومنه فريو�س كورونا خا�صة‪ -‬يف ظل‬
‫عدم اتباع الإجراءات الوقائية‪ ،‬وكرثة عدد املخالطني والذين ال تظهر عليهم �أعرا�ض‬
‫املر�ض‪ ،‬فيحق لويل الأمر ا�ستعمال �سلطته يف تقييد املباح (التجمعات والتنقل ونحوها)‬
‫�إذ الأ�صل يف ت�صرف الإمام يف الرعية منوط بامل�صلحة‪ ،‬يراعى فيه حال من ُت َ�سنَّ لهم‬
‫الأنظمة بح�سب رفع احلرج عنهم‪ ،‬والتي�سري عليهم مبا يتفق مع عاداتهم‪ ،‬ومعامالتهم‬
‫وقت َ�سنَّ الأنظمة؛ لذا ف�إن �ضوابط امل�صلحة لها اعتبارها يف َ�سنَّ الأنظمة باعتباره من‬
‫�أهم ت�صرفات والة الأمر وفق امل�صلحة‪ ،‬ومن �أكرثها ت�شع ًبا‪ ،‬و�أ�صعبها تقدي ًرا(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املراجع ال�سابقة‪.‬‬


‫((( انظر‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬العتيبي (�ص‪)248 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪652‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫الئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وجهة‬
‫�إ�صدارها‪ ،‬والت�أ�صيل ال�شرعي لها‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫التعريف بالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬
‫وجهة �إ�صدارها‬

‫ت�شري بع�ض التقارير �إلى �أن فريو�س كورونا امل�ستجد ميكن �أن ينتقل حتى من‬
‫الأ�شخا�ص الذين ال تظهر عليهم �أي �أعرا�ض(((‪.‬‬
‫وقد حثت منظمة ال�صحة العاملية حكومات الدول �إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات‬
‫للوقاية من فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬ومن �أهمها‪ :‬التباعد االجتماعي‪ ،‬وفر�ض قيود على‬
‫التجمعات‪ ،‬وغرامات‪ ،‬وترك م�سافة كافية بني الأفراد يف �أماكن التجمعات‪ ،‬حيث بينّ‬
‫الباحثون واملخت�صون �أنّ تقليل التوا�صل بني ال�سكان واتباع و�سائل التباعد االجتماعي‬
‫املختلفة قد ي�ؤدي �إلى خف�ض عدد امل�صابني بفريو�س ما مبقدار الن�صف تقري ًبا‪.‬‬
‫من منطلق امل�س�ؤولية املنوطة بحكومة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ومن �أهمها‬
‫احلفاظ على �صحة و�سالمة املواطنني واملقيمني والزائرين‪� ،‬أ�صدرت وزارة الداخلية‬
‫قرارين وزاريني رقم (‪ )9240‬ورقم (‪ )9241‬بتاريخ ‪1441/9/7‬هـ املت�ضمن املوافقة‬
‫على الئحة احلد من التج ّمعات التي ت�سهم يف نقل وتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد‪،‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع منظمة ال�صحة العاملية بعنوان مر�ض فريو�س كورونا (كوفيد‪� :)19-‬س�ؤال وجوا ‏‬
‫ب‬
‫‪https://www.who.int‬؛ موقع ويكبيديا املو�سوعة احلرة بعنوان (جائحة فريو�س كورونا ‪)20-2019‬‬
‫‪https://ar.wikipedia.org‬‬

‫‪653‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫وجدول ت�صنيف العقوبات اخلا�صة مبخالفي الإجراءات االحرتازية والتدابري‬


‫الوقائية املتخذة؛ ملواجهة فريو�س كورونا امل�ستجد وجاء فيها‪:‬‬
‫نظاما‪ ،‬وبعد االطالع على‬
‫�أن وزير الداخلية وبناء على ال�صالحيات املخولة له ً‬
‫البند (ثان ًيا) من الأمر امللكي رقم (�أ‪ )584/‬وتاريخ ‪1441/9/6‬هـ �صدر القرار‬
‫الوزاري رقم (‪ )9240‬وتاريخ ‪1441/9/7‬هـ باملوافقة على الئحة احلد من التج ّمعات‬
‫التي ت�سهم يف نقل وتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬وجدول ت�صنيف العقوبات‬
‫اخلا�صة مبخالفي الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة؛ ملواجهة فريو�س‬
‫كورونا امل�ستجد‪ ،‬واعتمادها وفق الن�ص التايل‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬تهدف الالئحة �إلى فر�ض التباعد االجتماعي‪ ،‬وتنظيم التجمعات الب�شرية‬
‫التي تكون �سب ًبا مبا�ش ًرا لتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬واحلد منها مبا‬
‫ي�ضمن احليلولة دون تف�شي الفريو�س وفقد ال�سيطرة عليه واحتوائه‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬يق�صد بالتجمعات لأغرا�ض تطبيق هذه الالئحة‪� ،‬أي جتمع لأكرث من �أ�سرة‬
‫واحدة‪� ،‬أو �أي جتمع بح�سب ما �أ�شري �إليه يف البند (ثال ًثا) من هذه الالئحة‬
‫يتكون من (‪� )5‬أ�شخا�ص ف�أكرث يف حيز واحد �أو حمدد‪ ،‬وال يربطهم عالقة‬
‫�سكنية واحدة‪.‬‬
‫ثالثــًا‪ :‬تمُ نع التجمعات بكافة �صورها و�أ�شكالها و�أماكن حدوثها‪ ،‬وت�شمل ما يلي‪:‬‬
‫•التجمعات العائلية‪�( :‬أي جتمع داخل املنازل �أو اال�سرتاحات �أو املزارع‬
‫لأكرث من �أ�سرة)‪.‬‬
‫•التجمعات غري العائلية‪�( :‬أي جتمع داخل املنازل‪� ،‬أو اال�سرتاحات �أو‬
‫املزارع �أو املخيمات �أو ال�شاليهات �أو املناطق املفتوحة لأهل احلي الواحد‬
‫�أو غريه‪ ،‬ونحوها)‪.‬‬
‫•التجمعات يف املنا�سبات االجتماعية‪( :‬منا�سبات الأفراح‪ ،‬والعزاء‪،‬‬
‫واحلفالت‪ ،‬والندوات‪ ،‬وال�صالونات‪ ،‬ونحوها)‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪654‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫•التجمعات الع ّمالية‪�( :‬أي جتمع من فئة العمال داخل املنازل �أو املباين التي‬
‫حتت الإن�شاء‪� ،‬أو اال�سرتاحات �أو املزارع ونحوها‪ ،‬خالف م�ساكنهم)‪.‬‬
‫•التجمعات يف املحالت التجارية امل�صرح لها‪�( :‬أي جتمع للمت�سوقني �أو‬
‫العاملني داخل �أو خارج املحل التجاري مبا يتجاوز الأعداد املن�صو�ص‬
‫عليها يف الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية)‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬يت ّولى �ضبط التجمعات بجميع �صورها و�أ�شكالها و�أماكن حدوثها �سوا ًء‬
‫خ�ص�ص لهذا الغر�ض‪،‬‬ ‫داخل الأحياء �أو املدن �أو خارجها‪ ،‬وحدات �أمنية ُت ّ‬
‫�إ�ضافة �إلى اجلهات امل�شرفة على من�ش�آت القطاع اخلا�ص‪.‬‬
‫خام�سا‪ُ :‬يعد خمال ًفا لأحكام هذه الالئحة �أي�ضً ا كل من ح�ضر التجمع حمل املخالفة‪،‬‬
‫ً‬
‫�أو دعا �إليه �أو ت�سبب فيه‪.‬‬
‫�ساد�سا‪ :‬تن�شر الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية ‪-‬و�أي حتديث يجرى‬ ‫ً‬
‫عليها‪ -‬واملخالفات املتعلقة بها والعقوبات املرتتبة عليها‪ ،‬يف و�سائل الإعالم‬
‫الر�سمية‪.‬‬
‫�ساب ًعا‪ :‬على جميع الأفراد والكيانات من القطاعني العام واخلا�ص‪ ،‬التقيد التام‬
‫بالتعليمات املعتمدة املت�صلة با�شرتاطات ال�سالمة ال�صح ّية‪ ،‬وقواعد التباعد‬
‫االجتماعي‪ ،‬ومنع التجمعات بجميع �صورها و�أ�شكالها و�أماكن حدوثها‪.‬‬
‫ثامنـًا‪ :‬على كل من َيعلم عن �أي جتمع خمالف لأحكام هذه الالئحة‪� ،‬إبالغ اجلهة‬
‫املخت�صة عن مكان حدوثه(((‪.‬‬
‫كما �صرح م�صدر م�س�ؤول يف وزارة الداخلية‪ ،‬ب�صدور القرار الوزاري رقم‬
‫((( انظر‪ :‬موقع �صحيفة �أم القرى الإلكرتونية بعنوان (اعتماد الئحة احلد من التج ّمعات التي ت�سهم يف تف�شي‬
‫ونقل فريو�س كورونا وت�صنيف املخالفات والعقوبات املقررة بحقها‪ ،‬بتاريخ ‪1441/9/14‬هـ العدد ‪4831‬‬
‫�ص ‪https://www.uqn.gov.sa 35‬؛ موقع وزارة الداخلية‪ ،‬الئحة احلد من التجمعات‪ ،‬م�ستند الئحة‬
‫احلد من التجمعات التي ت�سهم يف تف�شي ونقل فريو�س كورونا امل�ستجد ‪https://www.moi.gov.sa‬‬

‫‪655‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫(‪ )9704‬وتاريخ ‪1441/10/6‬هـ املت�ضمن تعديل الئحة احلد من التجمعات التي‬


‫ت�سهم يف تف�شي ونقل فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬وفق الآتي‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬تعديل احلد الأق�صى امل�سموح به يف التجمعات العائلية وغري العائلية‬
‫داخل املنازل �أو اال�سرتاحات �أو املزارع �أو يف املنا�سبات االجتماعية كالعزاء‬
‫واحلفالت ونحوها لي�صبح خم�سني �شخ صً� ا(((‪.‬‬
‫جهة �إ�صدار هذه الالئحة‪ :‬وزارة الداخلية بنا ًء على الأمر امللكي رقم (�أ‪)584/‬‬
‫وتاريخ ‪1441/9/6‬هـ وهي الوزارة النائبة عن ويل الأمر واجلهة املنوطة بتنظيم‬
‫التجمعات‪ ،‬وحفظ و�سالمة املواطنني واملقيمني و�أمنهم‪ ،‬ومنع كل ما من �ش�أنه �أن‬
‫يقو�ض �أمنهم ويهدد �سالمتهم(((‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫الت�أ�صيل ال�شرعي لالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‬

‫‪1.1‬الالئحة م�ستمدة من ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬فقد دلت الن�صو�ص ال�شرعية على‬


‫وجوب حفظ النف�س‪ ،‬وعدم تعري�ضها للهالك وفيما يلي بع�ض منها‪:‬‬
‫الن�صو�ص العامة التي ن�صت على �ضرورة االبتعاد عن كل ما من �ش�أنه �أن‬
‫ي�سبب الأذى والهالك للنف�س قال تعالى‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ) [الن�ساء‪،]29 :‬‬
‫وقال‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة‪]195 :‬؛ فال يجوز للإن�سان �أن يخاطر‬
‫يف �أمر يخ�شى منه الهالك(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع وزارة الداخلية‪ ،‬بعنوان (تعديل الئحة احلد من التجمعات وحتديث جدول الت�صنيف لي�شمل‬
‫عددًا �آخر من املخالفات للإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية والعقوبات املقررة لها) ‪1441/10/08‬‬
‫‪https://www.moi.gov.sa‬؛ �صحيفة �أم القرى الإلكرتونية بعنوان‪( :‬وزارة الداخلية‪ :‬تعديل الئحة احلد‬
‫من التجمعات وحتديث جدول ت�صنيف خمالفات الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية والعقوبات‬
‫املقررة لها) بتاريخ ‪1441 / 10/7‬هـ العدد ‪� ،4834‬ص‪https://www.uqn.gov.sa .23 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬املراجع ال�سابقة‪.‬‬
‫((( �شرح ريا�ض ال�صاحلني (‪.)572 :6‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪656‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫واملخالطة بدون �أخذ االحرتازات والتدابري الوقائية ُيعد �إلقا ًء للنف�س يف‬
‫التهلكة احلا�صلة من التجمعات‪ ،‬فهي �إما حمققة �إذا كان املخالط تظهر‬
‫عليه الأعرا�ض‪� ،‬أو مظنونة �إن كانت ال تظهر على املخالط �أي �أعرا�ض‪،‬‬
‫وكالهما منهي عنه لكونه �إلقاء للنف�س يف التهلكة‪.‬‬
‫وقد حذر ﷺ �أمته من االختالط ب�أهل املر�ض املعدي يف التجمعات فقال‪:‬‬
‫«‪َ ..‬و ِف َّر ِمنَ ا َمل ْج ُذ ِوم((( َك َما َت ِف ُّر ِمنَ الأَ َ�س ِد»(((‪ ،‬وقال‪ :‬اَ«ل ُيو ِر ُد ممُ ْ ِر ٌ�ض َع َلى‬
‫ُم ِ�ص ٍّح»(((‪ ،‬وو�ضع تدابري وقائية من انت�شار هذه الأمرا�ض‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬عدم‬
‫م�صافحة الر�سول ﷺ للمجذوم عند مبايعته له فقد قال ﷺ له‪� « :‬إِ َّنا َق ْد‬
‫اك َفا ْر ِج ْع»(((‪ ،‬وهذا �أ�صل �شرعي ي�ؤ�صل لهذه الالئحة ن�صً ا مع الن�صو�ص‬ ‫َبا َي ْع َن َ‬
‫العامة الأخرى‪ ،‬ففريو�س كورونا ينتقل باللم�س وامل�صافحة واملخالطة‪.‬‬
‫‪2.2‬الالئحة من باب دفع ال�ضرر من حيث ال�سيطرة على تف�شي فريو�س كورونا‬
‫امل�ستجد بني �أفراد املجتمع من غري �أن ت�ضر مبعا�شهم وحياتهم‪ ،‬تطبي ًقا‬
‫لقاعدة (ال�ضرر وال �ضرار)(((‪ ،‬و�أ�صلها قوله ﷺ‪ :‬اَ«ل َ�ض َر َر‪َ ،‬و اَل ِ�ض َرا َر»(((؛‬
‫في�شمل دفع ال�ضرر قبل نزوله بطرق الوقاية املمكنة‪ ،‬كما ي�شمل رفعه بعد‬
‫وف‪ ،‬مر�ض مزمن التهابي مزمن ي�صيب اجللد‪،‬‬ ‫وم‪ :‬ا َّل ِذي �أَ َ�صا َب ُه ا ُ‬
‫جل َذام‪َ ،‬وهُ َو ال َّداء المْ َ ْع ُر ُ‬ ‫((( ا َمل ْج ُذ ُ‬
‫والأع�صاب‪ ،‬والأن�سجة املخاطية‪ ،‬ت�سبب اجلذام بكترييا من نوع الع�صبات �شديدة ال�شبه بع�صبات‬
‫التدرن‪ ،‬ت�سمى ع�صابات(هان�سن)‪ .‬انظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث والأثر (�ص‪)252 :‬؛ معجم‬
‫الأمرا�ض وعالجها (�ص‪ )277-274 :‬موقع منظمة ال�صحة العاملية ‪.https://www.who.int‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪-‬كتاب الطب ‪ -‬باب اجلذام (ح‪.)126 :7( )7507 :‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ‪-‬كتاب ال�سالم ‪ -‬باب العدوى وال طرية‪(..‬ح‪.)43 :4( )2221 :‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ‪-‬كتاب ال�سالم ‪-‬باب اجتناب املجذوم ونحوه (ح‪.)52 :4( )2231 :‬‬
‫((( وتندرج حتت هذه القاعدة العديد من القواعد « ال�ضرر يزال»‪« .‬ال�ضرر ال يزال بال�ضرر» �أو «ال�ضرر‬
‫اليزال مبثله»‪« .‬ما �أبيح لل�ضرورة يقدر بقدره»‪« .‬امل�شقة جتلب التي�سري»‪ُ « .‬يتحمل ال�ضرر اخلا�ص لدفع‬
‫ال�ضرر العام»‪« .‬ال�ضرر الأ�شد يزال بال�ضرر االخف» «يختار �أهون ال�شرين» وغريها‪ .‬انظر هذه القاعدة‬
‫وغريها يف الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم (�ص‪)78-73 :‬؛ اال�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي (�ص‪.)86 :‬‬
‫((( �أخرجه ابن ماجه يف �سننه‪ :‬كتاب الأحكام‪-‬باب من بنى يف ح ِّقه ما ي�ض ّر بجاره‪ ،‬ح (‪)784 :2()2340‬‬
‫�صححه احلاكم‪ ،‬ومل يتعقبه الذهبي (امل�ستدرك‪.)58/2 :‬‬

‫‪657‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫وقوعه مبا ميكن من التدابري التي تزيل وتخفف �آثاره‪ ،‬وهذا ما هدفت �إليه‬
‫الالئحة‪ ،‬التي ن�صت على تدابري وقائية ملنع ال�ضرر بالنف�س وبالآخرين‪.‬‬
‫‪3.3‬الالئحة حتقق مق�صدً ا من مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬فحفظ النف�س‬
‫و�صيانتها من مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية اخلم�سة‪ ،‬ومن جملة ال�ضروريات‬
‫التي �أمر ال�شارع ‪ ‬بحفظها وعدم تعر�ضها للهالك((( يقول طاهر عا�شور‪:‬‬
‫وعموما؛ لأن العامل مركب‬
‫ً‬ ‫“حفظ النف�س هو حفظ الأرواح من التلف �أفرادًا‬
‫من �أفراد الإن�سان‪ ،‬ويف كل نف�س خ�صائ�صها التي بها بع�ض قوام العامل‪،‬‬
‫ولي�س املراد حفظها بالق�صا�ص كما مثل بها الفقهاء‪ ،‬بل جند الق�صا�ص‬
‫هو �أ�ضعف �أنواع حفظ النفو�س؛ لأنه تدارك بعد الفوات بل احلفظ �أهمه‬
‫حفظها من الت َلف قبل وقوعه‪ ،‬مثل مقاومة الأمرا�ض ال�سارية‪ ،‬وقد منع عمر‬
‫بن اخلطاب ‪ ‬اجلي�ش من دخول ال�شام لأجل طاعون عامو�س‪ ،‬واملراد‬
‫النفو�س املحرتمة يف نظر ال�شريعة وهي املعرب عنها باملع�صومة الدم”(((‪.‬‬
‫‪4.4‬الالئحة تن�سجم مع قواعد ال�شريعة الإ�سالمية التي تقوم يف �أحد �أهم‬
‫مبادئها على حفظ م�صالح العباد‪ ،‬ومنع كل ما من �ش�أنه الإ�ضرار بهذه‬
‫امل�صالح‪ ،‬ف�إن كان يف التجمعات م�صالح �إال �أن املخالطة غري املقننة مف�سدة‬
‫تزيد من تف�شي الوباء (فريو�س كورونا امل�ستجد)‪ ،‬ودرء املفا�سد مقدم على‬
‫جلب امل�صالح(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات (‪.)299 :2‬‬
‫((( مقا�صد ال�شريعة (�ص‪.)221 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬اال�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم (�ص‪)78 :‬؛ اال�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي(‪ ،)86‬وقد �شرط �أهل‬
‫العلم للعمل بامل�صلحة جملة من ال�شروط التي يجب توافرها حتى ي�صح العمل بامل�صلحة منها‪� :‬أن‬
‫تكون امل�صلحة موافقة ملق�صود ال�شارع‪� ،‬أن ترجع �إلى حفظ �أمر �ضروري‪ ،‬ورفع حرج الزم يف الدين‪،‬‬
‫�أن تكون م�صلحة حقيقية ال م�صلحة وهمية؛ فالوهمية هي التي ُيتخيل فيها منفعة وهي عند الت�أمل‬
‫م�ضرة‪ ،‬وذلك خلفاء ال�ضرر فيها‪ .‬عدم تفويتها م�صلحة �أهم منها‪ ،‬وذلك بالنظر لها من حيث قوتها‪،‬‬
‫وبالنظر لها من حيث �شمولها‪ ،‬انظر‪ :‬االعت�صام (�ص‪)632 -626 :‬؛ �إعالم املوقعني (‪)217 :3‬؛‬
‫مقا�صد ال�شريعة (�ص‪.)315 :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪658‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪“ :‬الواجب حت�صيل امل�صالح وتكميلها‪ ،‬وتعطيل‬
‫املفا�سد وتقليلها‪ ،‬ف�إذا تعار�ضت كان حت�صيل �أعظم امل�صلحتني بتفويت‬
‫�أدناهما‪ ،‬ودفع �أعظم املف�سدتني مع احتمال �أدناها”(((‪ ،‬ويقول يف مو�ضع‬
‫“ال�شك �أنه من املعلوم �أن ال�شرع والعقل قد د َّال على وجوب حت�صيل‬ ‫َّ‬ ‫�آخر‪:‬‬
‫املفا�سد وتقليلها‪ ،‬فك َّلما يرى العاقل �أنه �إذا دخل‬
‫ِ‬ ‫إعدام‬
‫امل�صالح وتكميلها‪ ،‬و� ِ‬
‫وجب عليه عند ذلك‬ ‫وجه ومف�سد ًة من وج ٍه َ‬ ‫وج ُب له م�صلح ًة من ٍ‬ ‫أمر ما ُي ِ‬
‫يف � ٍ‬
‫الرتجيح‪ ،‬في�أخذ لنف�سه بال َأ�سدِّ والأكمل والأر�شد والأ�صلح”(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫وال �شك �أن هذا الأخذ مت�أكد يف حق ويل �أمر امل�سلمني من باب �أولى‪ ،‬فواليته والية‬
‫عدل وحماية ورعاية مل�صالح العباد والبالد ودفع املفا�سد عن العباد والبالد‬
‫يقول �إمام احلرمني‪“ :‬الإمامة ريا�سة تامة‪ ،‬وزعامة عامة‪ ،‬تتعلق باخلا�صة‬
‫والعامة‪ ،‬يف مهمات الدين والدنيا‪ .‬مهمتها‪ :‬حفظ احلوزة‪ ،‬ورعاية الرعية‪،‬‬
‫و�إقامة الدعوة باحلجة وال�سيف‪ ،‬وكف اخليف واحليف‪ ،‬واالنت�صاف للمظلومني‬
‫من الظاملني‪ ،‬وا�ستيفاء احلقوق من املمتنعني‪ ،‬و�إيفا�ؤها على امل�ستحقني”(((‪.‬‬
‫‪5.5‬ن�صبت ال�شريعة الإ�سالمية الوالة على الرعية تن�صيب رعاية وعناية وحفظ‬
‫وم�س�ؤولية‪ ،‬يحا�سب عليها عند تق�صريه فيها(((؛ لقوله ﷺ‪«َ :‬ما ِمنْ أَ� ِم ٍري‬
‫َي ِلي �أَ ْم َر المْ ُ ْ�س ِل ِمنيَ‪ُ ،‬ث َّم اَل َي ْج َه ُد َل ُه ْم َو َي ْن َ�ص ُح‪�ِ ،‬إ اَّل لمَ ْ َي ْد ُخ ْل َم َع ُه ُم الجْ َ َّن َة»(((‪،‬‬
‫وت�صرف الإمام على رعيته منوط بامل�صلحة كما هو مقرر عند الفقهاء(((‪،‬‬
‫يقول ابن القيم‪“ :‬اجتهاد الأئمة يف كل زمان ومكان بح�سب امل�صلحة”(((‪.‬‬
‫((( جامع امل�سائل‪ ،‬ابن تيمية (‪.)177 :1‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪)284 :28‬؛ وانظر‪ :‬اجلواب الكايف (�ص‪)121 :‬؛ مفتاح دار ال�سعادة (‪.)19 :2‬‬
‫((( غياث الأمم‪ ،‬اجلويني (�ص‪.)22 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري (‪)128 :13‬؛ �شرح النووي على �صحيح م�سلم (‪.)166 :2‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ -‬كتاب الأمارة‪ -‬باب ف�ضيلة الإمام العادل وعقوبة اجلائر (ح‪.)460 :3()142 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط (‪)40 :10‬؛ اال�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم (�ص‪)123 :‬؛ الفروق (‪)39 :4‬؛ الأم (‪:5‬‬
‫‪)351‬؛ اال�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي (�ص‪)158 :‬؛ �شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي (‪.)94 :2‬‬
‫((( �إعالم املوقعني (‪.)75 :2‬‬

‫‪659‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫فيتعني على ويل �أمر امل�سلمني ومن ينوبه �إ�صدار القرارات امللزمة للرعية‪،‬‬
‫�إذا كان ذلك يحقق م�صلحة متحققة ويدر�أ مف�سدة راجحة‪ ،‬ويتحقق هذا يف‬
‫هذه الالئحة التي ن�صت على اتخاذ التدابري االحرتازية الوقائية الالزمة‬
‫للحد من تف�شي الأمرا�ض الوبائية (فريو�س كورونا امل�ستجد)‪.‬‬
‫وجاء من �ضمن تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام‪�22‬شعبان‬
‫‪1441‬هـ ‪�16‬أبريل‪2020‬بعنوان‪( :‬فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ )19-‬وما‬
‫يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية) التي ينظمها جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة التعاون الإ�سالمي‪“ :‬يجب االلتزام‬
‫بقرارات الدول واحلكومات مبا ي�سمى بالتباعد االجتماعي ونحو ذلك‪ ،‬ما‬
‫من �ش�أنه امل�ساعدة على تطويق الفريو�س ومنع انت�شاره؛ لأن ت�ص ّرفات الإمام‬
‫عمل بالقاعدة ال�شرعية التي تن�ص على �أن (ت�صرف‬ ‫منوطة بامل�صلحة‪ ،‬اً‬
‫الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة”(((‪.‬‬
‫‪6.6‬الالئحة من باب الأخذ بالأ�سباب الذي حثت عليه ال�شريعة الإ�سالمية‬
‫و�أوجبته بعد التوكل على اهلل تعالى والت�سليم لق�ضائه‪ ،‬ومن الأخذ بالأ�سباب‬
‫لزاما‬
‫التباعد االجتماعي الذي حثت عليه املنظمات ال�صحية الدولية‪ ،‬فكان ً‬
‫تنظم ذلك وت�ضبطه‪.‬‬‫على ويل الأمر �إ�صدار لوائح ّ‬
‫‪7.7‬هذه الالئحة من باب تقييد املباح للم�صلحة وهي من �ضمن �سلطة ويل الأمر‪،‬‬
‫فقد ن�صت هذه الالئحة على تقييد التجمعات‪ ،‬وهي مباحة يف ذاتها‪ .‬و�سنت‬
‫�إجراءات وتعليمات للتجمعات للحد من انت�شار فريو�س كورونا امل�ستجد‪،‬‬
‫فكل تقييد ملباح يحقق م�صلحة عامة معتربة‪ ،‬اختاره الإمام والتزمه يف �سن‬
‫الأنظمة �أو �إ�صدار الأوامر والتعليمات‪ ،‬وغريها من الو�سائل الإدارية؛ وجب‬
‫على الأمة �أن تطيعه فيه(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع جممع الفقه الإ�سالمي الدويل ‪.http://www.iifa-aifi.org‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق (‪)53 :7‬؛ روح املعاين (‪)66 :5‬؛ الأحكام ال�سلطانية للماوردي (�ص‪)209 :‬؛ =‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪660‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫وبنا ًء على ما تقدم ف�إن �إ�صدار هذه الالئحة من �ضمن �صالحيات ويل الأمر‬
‫وم�س�ؤولياته والعمل بها يعد مطل ًبا وواج ًبا �شرع ًيا؛ وامتثال املكلف لهذه االحرتازات‬
‫هو ما ت�ؤيده الن�صو�ص والقواعد العامة يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬قال ﷺ‪ :‬اَ«ل َط َاع َة فيِ‬
‫وف»(((‪ ،‬فاملعروف ُيطلق على كل ما ُيق ّره ال�شرع‪،‬‬ ‫مَعْ�صِيَةِ اهلل‪� ،‬إِنمََّا ال َّطاعَةُ فيِ المَْ ْع ُر ِ‬
‫ف�ضل عن الن�صو�ص‬ ‫ويوافق العدل واحلق‪ ،‬ولو مل يكن يف ذلك ن�صو�ص خا�صة‪ ،‬هذا اً‬
‫التي ت�ؤكد على وجوب طاعة ويل الأمر وال�سمع والطاعة له‪ ،‬خ�صو�صا �أن �أمر تقييد‬
‫املباح يُعد بابا ًمن �أبواب ال�سيا�سة ال�شرعية املفو�ض �أمرها لإمام امل�سلمني(((‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫حكم طاعة ويل الأمر فيما لو �أ�صدر قرارا ال يخالف ال�شرع‬

‫تهدف الالئحة �إلى فر�ض التباعد االجتماعي‪ ،‬وتنظيم التجمعات الب�شرية التي‬
‫تكون �سب ًبا مبا�ش ًرا لتف�شي فريو�س كورونا امل�ستجد‪ ،‬واحلد منها مبا ي�ضمن احليلولة‪،‬‬
‫دون تف�شي الفريو�س وفقد ال�سيطرة عليه واحتوائه‪ ،‬وهذا الهدف ال يخالف ال�شرع‪،‬‬
‫بل فيه حتقق م�صالح ودرء مفا�سد‪ ،‬وحتقيق مق�صد حفظ النف�س‪ ،‬وال�س�ؤال الذي‬
‫�أود الإجابة عليه يف هذا املطلب هل يلزم طاعة ويل الأمر يف هذه الالئحة‪ ،‬وهل يعد‬
‫املخالف لها �آثما �أم ال؟‬
‫�أوال‪� :‬أحوال ما ي�صدر عن ويل الأمر من قرارات و�أنظمة‪:‬‬
‫مقت�ضى داللة الكتاب‪ ،‬وال�سنة‪ ،‬و�سرية ال�سلف ال�صالح‪� ،‬أن ما ي�صدر عن ويل‬
‫الأمر ال يخرج عن �أحوال ثالثة كما يلي‪:‬‬
‫مباحا‪،‬‬
‫احلالة الأولى‪� :‬أن تكون ما ي�صدر عن ويل الأمر واج ًبا‪� ،‬أو مندو ًبا‪� ،‬أو ً‬
‫= جامع العلوم واحلكم (�ص‪)270 :‬؛ �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬عبدالالوي(�ص‪.)82 :‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيه‪-‬كتاب الأمارة ‪-‬باب وجوب طاعة الأمراء يف غري مع�صية (ح‪:3()1840 :‬‬
‫‪.)469‬‬
‫((( انظر‪� :‬سلطة ويل الأمر يف التعزير على الفعل املباح (�ص‪.)49-48 :‬‬

‫‪661‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫فيجب له ال�سمع والطاعة فيه؛ طاعة هلل ولر�سوله‪ ،‬وكذلك لو نهى ويل الأمر‬
‫عن �شيء حمرم‪� ،‬أو مكروه‪� ،‬أو قيد املباح (((‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪� :‬أن يكون ما ي�صدر عن ويل الأمر من �أمر‪� ،‬أو نهى من م�سائل‬
‫اخلالف‪ ،‬فيعزم ويل الأمر على �أحد القولني‪ ،‬فيجب ال�سمع والطاعة؛ جم ًعا‬
‫للكلمة‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪� :‬أن يكون ما ي�صدر عن ويل الأمر مع�صية‪ ،‬فال يجب ال�سمع‬
‫والطاعة له؛ لأنه ال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق‪ ،‬ولهذه احلالة ثالثة‬
‫م�سالك‪ ،‬الأول‪ :‬االنكار يف القلب‪ ،‬الثاين‪ :‬عدم اتخاذ ما ي�صدر اً‬
‫جمال‬
‫للت�شهري والت�شنيع‪ ،‬ب�إظهار غلط ويل الأمر على امللأ؛ ملا فيه من الفرقة‬
‫واالختالف‪ ،‬الثالث‪ :‬الن�صيحة لويل الأمر �سرا(((؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬منْ �أَ َرا َد �أَنْ‬
‫َي ْن َ�ص َح ِل ُ�س ْل َط ٍان ِب�أَ ْم ٍر‪َ ،‬فلاَ ُي ْب ِد َل ُه َعلاَ ِن َي ًة‪َ ،‬و َل ِكنْ ِل َي ْ أ� ُخ ْذ ِب َي ِد ِه‪َ ،‬ف َي ْخ ُل َو ِب ِه‪َ ،‬ف ِ�إنْ‬
‫اك‪َ ،‬و ِ�إ اَّل َكانَ َق ْد أَ� َّدى ا َّل ِذي َع َل ْي ِه َلهُ»(((‪.‬‬ ‫َق ِب َل ِم ْن ُه َف َذ َ‬
‫ثانيا‪ :‬ت�أييد الهيئات ال�شرعية لهذه الإج����راءات االح�ترازي��ة الوقاية من‬
‫فريو�س كورونا(كوفيد‪:)19-‬‬
‫ومنها الئحة احلد من التجمعات والعقوبات املرتتبة على خمالفتها‪.‬‬
‫�أ�صدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (‪ )247‬يف ‪1441/7/22‬هـ فيما يلي‬
‫ن�صه‪ :‬اطلعت هيئة كبار العلماء يف دورتها اال�ستثنائية اخلام�سة والع�شرين املنعقدة‬
‫((( انظر‪� :‬شرح فتح القدير(‪)248 :6‬؛ �إكمال املعلم (‪)240 :6‬؛ فتح الباري (‪)7 :13‬؛ �شرح النووي على‬
‫�صحيح م�سلم(‪)223-222 :12‬؛ املغني(‪)9 :5‬؛ مفتاح دار ال�سعادة(‪)278-277 :1‬؛ �سلطة ويل الأمر‬
‫يف التعزير (�ص‪.)60-54 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية (‪)8- 5 :35‬؛ ال�سيل اجلرار (‪)556 :4‬؛ كتاب لقاء الباب املفتوح (‪:9‬‬
‫‪)6-5 :38()41‬؛ تنبيه ذوي العقول ال�سليمة (�ص‪.)30- 26 :‬‬
‫((( �أخرجه �أحمد يف م�سنده من رواية ه�شام بن حكيم (ح‪ )29 :24()15333 :‬وقال الهيثمي‪( :‬رواه �أحمد‪،‬‬
‫�سماعا و�إن كان تابع ًيا) جممع الزوائد(‪:5‬‬
‫ورجاله ثقات �إال �أين مل �أجد ل�شريح من عيا�ض‪ ،‬وه�شام ً‬
‫‪ ،)229‬وقد �صححه الألباين يف ظالل اجلنة يف تخريج كتاب ال�سنة (ح‪.)1096‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪662‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫مبدينة الريا�ض يوم الثالثاء بتاريخ ‪1441/7/22‬هـ على ما يتعلق بجائحة كورونا‪،‬‬
‫و�سرعة انت�شارها‪ ،‬وكرثة الوفيات بها‪ .‬واطلعت على التقارير الطبية املوثقة املتعلقة‬
‫بهذه اجلائحة‪ ،‬وبا�ستقراء ن�صو�ص ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ومقا�صدها‪ ،‬وقواعدها‪،‬‬
‫وكالم �أهل العلم يف هذه امل�س�ألة‪ ،‬ف�إن هيئة كبار العلماء تبني الآتي‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬يحرم على امل�صاب �شهود اجلمعة واجلماعة‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬من قررت عليه جهة االخت�صا�ص �إجراءات العزل‪ ،‬ف�إن الواجب عليه‬
‫االلتزام بذلك‪ ،‬وترك �شهود �صالة اجلماعة واجلمعة‪ ،‬وي�صلي ال�صلوات يف‬
‫بيته‪� ،‬أو موطن عزله‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬من خ�شي �أن يت�ضرر‪� ،‬أو ي�ضر غريه‪ ،‬فريخ�ص له يف عدم �شهود اجلمعة‬
‫واجلماعة‪ ،‬ويف كل ما ذكر �إذا مل ي�شهد اجلمعة ف�إنه ي�صليها ظه ًرا �أربع‬
‫ركعات‪.‬‬
‫هذا وتو�صي هيئة كبار العلماء اجلميع بالتقيد بالتعليمات والتوجيهات‬
‫والتنظيمات التي ت�صدرها جهة االخت�صا�ص‪ ،‬كما تو�صي اجلميع بتقوى اهلل ‪‬‬
‫واللجوء �إليه ‪ ‬بالدعاء والت�ضرع بني يديه يف �أن يرفع هذا البالء(((‪.‬‬
‫كما �أ�شار املفتي العام يف اململكة العربية ال�سعودية ال�شيخ عبدالعزيز �آل ال�شيخ‪،‬‬
‫�إلى �أن كل �شخ�ص خالف الأنظمة التي �أقرها ويل الأمر ومل يلتزم بتنفيذها فهو‬
‫�آثم‪ ،.‬فالواجب على جميع املواطنني‪ ،‬واملقيمني ال�سمع والطاعة لتوجيهات والة الأمر‪،‬‬
‫وعدم املخالفة‪.(((...‬‬
‫و�أ�صدر جممع الفقه الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة التعاون الإ�سالمي‬
‫تو�صيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام‪ ،‬والتي ُعقدت عرب تقنية م�ؤمترات‬
‫((( انظر‪ :‬موقع وكالة الأنباء ال�سعودية وا�س‪ ،‬بعنوان‪( :‬هيئة كبار العلماء ت�صدر قرارها رقم ‪ 246‬ب�ش�أن �شهود‬
‫�صالة اجلمعة واجلماعة يف حال انت�شار الوباء �أو اخلوف من انت�شاره) ‪https://www.spa.gov.sa/‬‬
‫((( انظر‪� :‬صحيفة عكاظ‪ ،‬بعنوان‪ :‬املفتي‪ :‬كل من خالف قرارات والة الأمر �آثم‪https://www.okaz.com.sa .‬‬

‫‪663‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫الفيديو يوم ‪� 16‬إبريل ‪ ،2020‬حتت عنوان «فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ ،)19-‬وما‬
‫يتعلق به من معاجلات طبية و�أحكام �شرعية»‪ ،‬وجاءت التو�صيات على النحو التايل‪:‬‬
‫يجوز للدول واحلكومات فر�ض التقييدات على احلرية الفردية مبا يحقق امل�صلحة‪،‬‬
‫�سواء من حيث منع الدخول �إلى املدن واخلروج منها‪ ،‬وحظر التج ّول‪� ،‬أو احلجر على‬
‫�أحياء حمددة‪� ،‬أو املنع من ال�سفر‪� ،‬أو املنع من التعامل بالنقود الورقية‪ ،‬واملعدنية‪،‬‬
‫وفر�ض الإجراءات الالزمة للتعامل بها‪ ،‬كما �إنه يجب االلتزام بقرارات الدول‬
‫واحلكومات مبا ي�سمى بالتباعد االجتماعي‪ ،‬ونحو ذلك مما من �ش�أنه امل�ساعدة على‬
‫تطويق الفريو�س ومنع انت�شاره؛ لأن ت�ص ّرفات الإمام منوطة بامل�صلحة‪ ،‬اً‬
‫عمل بالقاعدة‬
‫ال�شرعية التي تن�ص على �أن (ت�صرف الإمام على الرعية منوط بامل�صلحة)(((‪.‬‬
‫من جهة �أخرى حث وزير ال�ش�ؤون الإ�سالمية والدعوة والإر�شاد ال�شيخ الدكتور‬
‫عبداللطيف بن عبدالعزيز �آل ال�شيخ املواطنني واملقيمني بااللتزام بالتعليمات‪،‬‬
‫وتطبيق االجراءات االحرتازية بدقة متناهية‪ ،‬م�ش ًريا �إلى �أن العمل وفق االجراءات‬
‫التي ت�صدرها اجلهات الر�سمية م�سئولية جمتمعية‪ ،‬وواجب �شرعي‪ ،‬والتفريط‬
‫يعر�ض للمر�ض والهالك‪ ،‬والإثم للمفرط(((‪.‬‬
‫وقالت هيئة كبار العلماء بالأزهر‪�“ :‬إذا ما ق َّرر ويل الأمر‪ ،‬بنا ًء على ن�صائح‬
‫واحد‪� ،‬سوا ًء كان ذلك يف‬
‫مكان ٍ‬‫املخت�صني وتو�صياتهم‪ ،‬خطورة جت ُّمع النا�س يف ٍ‬
‫امل�ساجد �أو غريها‪ ،‬و�أن هذا التج ُّمع يزيد من انت�شار الفريو�س‪ ،‬ومنعهم من هذا‬
‫التجمع‪ ،‬ف�إنه يجب على اجلميع االلتزام بهذا احلظر‪ ،‬ووقف هذا التجمع حتى لو كان‬
‫ذلك ل�صالة اجلمعة واجلماعات‪ ،‬وذلك حتى زوال احلظر”(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬موقع جممع الفقه الإ�سالمي الدويل ‪http://www.iifa-aifi.org‬‬ ‫(((‬


‫((( انظر‪� :‬صحيفة اليوم ال�سابع‪ ،‬بعنوان‪ :‬وزير ال�شئون الإ�سالمية ال�سعودي‪ :‬خمالفة الإجراءات االحرتازية‬
‫�ضد كورونا حرام ‪https://www.youm7.com‬‬
‫((( انظر‪ :‬املرجع ال�سابق‪ ،‬بعنوان‪ :‬هيئة كبار العلماء ت�صدر بيانها الثاين حول كورونا‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪664‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫العقوبات املرتتبة على املخالفني الئحة احلد من‬
‫التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وجهة تنفيذها‪،‬‬
‫والت�أ�صيل ال�شرعي لها‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫العقوبات املالية وغري املالية املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من‬
‫التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية املتعلقة بالإفراد واملن�ش�آت‪،‬‬
‫وجهة تنفيذها‬

‫ن�صت الئحة احلد من التجمعات على جملة من العقوبات املالية‪ ،‬وغري املالية‬
‫لكل من املواطنني‪ ،‬واملقيمني‪ ،‬فقد �صرح م�صدر م�س�ؤول يف وزارة الداخلية‪ ،‬يوم‬
‫الثالثاء ‪ 12‬رم�ضان ‪1441‬هـ املوافق ‪ 5‬مايو ‪2020‬م‪ ،‬ب�أنه � ً‬
‫إنفاذا للأمر امللكي‬
‫الكرمي من الأمر امللكي رقم (�أ‪ )584/‬وتاريخ ‪1441/9/6‬هـ‪ ،‬الذي ي�أتي انطال ًقا‬
‫من احلر�ص على �صحة املواطنني واملقيمني و�سالمتهم‪ ،‬واحليلولة دون تف�شي‬
‫فريو�س كورونا امل�ستجد‪.‬‬
‫وحتقي ًقا اللتزام اجلميع بتنفيذ الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة‬
‫ملواجهة الفريو�س‪ ،‬ف�إن وزارة الداخلية تعلن لعموم املواطنني واملقيمني الأحكام‬
‫والعقوبات املقررة بحق املخالفني‪ ،‬وقد �صدر قراري وزاري رقم (‪ )9240‬وتاريخ‬
‫‪1441/9/7‬هـ وذلك على النحو الآتي‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬يعاقب كل من‪ :‬الأ�شخا�ص ذوي ال�صفة الطبيعية‪� ،‬أو من�ش�آت القطاع اخلا�ص‬

‫‪665‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫�أو العاملني فيها �أو املتعاملني معها‪ ،‬ممن يخالفون الإجراءات االحرتازية‪ ،‬والتدابري‬
‫الوقائية املتخذة من قبل اجلهات املعنية ملواجهة جائحة كورونا‪ ،‬وذلك بغرامة ال تقل‬
‫عن (‪� )1,000‬ألف ريال وال تزيد على (‪ )100,000‬مائة �ألف ريال‪� ،‬أو ال�سجن ملدة ال‬
‫تقل عن �شهر وال تزيد عن �سنة‪� ،‬أو بال�سجن والغرامة م ًعا‪ ،‬مع �إغالق املن�ش�أة ملدة ال‬
‫تتجاوز �ستة �أ�شهر عند االقت�ضاء‪.‬‬
‫ويف حال تكرار املخالفة‪ ،‬تتم م�ضاعفة العقوبة املوقعة يف املرة ال�سابقة‪ ،‬ويكون‬
‫حتديد مقدار عقوبة كل خمالفة وفق جدول ت�صنيف يت�ضمن كل خمالفة وما يقابلها‬
‫من عقوبة‪ ،‬ويتم �إقراره من وزير الداخلية باالتفاق مع وزير ال�صحة‪.‬‬
‫و�صدرت موافقة �صاحب ال�سمو امللكي وزير الداخلية على اعتماد ت�صنيف‬
‫املخالفات والعقوبات املقررة بحقها‪ ،‬بناء على البند (� اًأول) من الأحكام والعقوبات‬
‫اخلا�صة مبخالفي الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية املتخذة ملواجهة‬
‫جائحة فريو�س كورونا امل�ستجد ال�صادرة بالأمر امللكي‪ ،‬امل�شار �إليه �آن ًفا‪ ،‬وذلك‬
‫وفق التايل‪:‬‬
‫‪1.1‬التجمع العائلي داخل املنازل‪� ،‬أو اال�سرتاحات‪� ،‬أو املزارع لأكرث من �أ�سرة‪ ،‬وال‬
‫يربطهم عالقة �سكنية واحدة‪ ،‬العقوبة (‪ )10،000‬ريال‪.‬‬
‫‪2.2‬التجمع غري العائلي داخل املنازل‪� ،‬أو اال�سرتاحات‪� ،‬أو املزارع‪� ،‬أو املخيمات‪،‬‬
‫�أو ال�شاليهات‪� ،‬أو املناطق املفتوحة لأهل احلي الواحد �أو غريه‪ ،‬ونحوها‪،‬‬
‫العقوبة (‪ )15،000‬ريال‪.‬‬
‫‪3.3‬التجمع يف منا�سبات الأفراح‪ ،‬والعزاء‪ ،‬واحلفالت‪ ،‬والندوات‪ ،‬وال�صالونات‪،‬‬
‫ونحوها‪ ،‬العقوبة (‪ )40،000‬ريال‪.‬‬
‫‪�4.4‬أي جتمع من فئة العمال داخل املنازل‪� ،‬أو املباين التي حتت الإن�شاء‪� ،‬أو‬
‫اال�سرتاحات �أو املزارع ونحوها‪ ،‬خالف م�ساكنهم‪ ،‬العقوبة (‪ )50،000‬ريال‪.‬‬
‫‪�5.5‬أي جتمع للمت�سوقني‪� ،‬أو العاملني داخل �أو خارج املحل التجاري مبا يتجاوز‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪666‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫الأعداد املن�صو�ص عليها يف الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية‪،‬‬


‫العقوبة (‪ )5.000‬ريال عن كل �شخ�ص زاد عن الأعداد املن�صو�ص عليها‬
‫مبا ال يزيد عن (‪ )100،000‬ريال‪.‬‬
‫‪6.6‬تكرار �أي من املخالفات امل�شار �إليها يف الفقرات من (‪ )5-1‬للمرة الأولى‪،‬‬
‫م�ضاعفة العقوبة املوقعة يف املرة الأولى‪ ،‬مع �إغالق من�ش�آت القطاع اخلا�ص‬
‫ملدة (‪� )3‬أ�شهر‪.‬‬
‫‪7.7‬تكرار �أي من املخالفات امل�شار �إليها يف الفقرات من (‪ )5-1‬للمرة الثانية‪:‬‬
‫�أ‪ -‬م�ضاعفة العقوبة املوقعة يف املرة الثانية على من�ش�آت القطاع اخلا�ص مع‬
‫�إغالقها ملدة ‪� 6‬أ�شهر‪.‬‬
‫‌ب‪� -‬إحالة امل�س�ؤول للنيابة العامـة‪.‬‬
‫كما �أو�ضح امل�صدر �أن ح�ضور �أي من التجمعات حمل املخالفة‪ ،‬امل�شار �إليها يف‬
‫الفقرات من (‪� ،)5-1‬أو الدعوة لها‪� ،‬أو الت�سبب فيها‪� ،‬سيكون عقوبتها (‪)5.000‬‬
‫ريال‪ ،‬و�أن تكرارها (للمرة الأولى) �سي�ضاعف املبلغ �إلى (‪ )10.000‬ريال‪ ،‬ويف حال‬
‫تكرارها (للمرة الثانية) �سيتم �إحالة املخالف للنيابة العامة(((‪.‬‬
‫وقد مت تعديل جدول ت�صنيف املخالفات‪ ،‬وما يتعلق بها من عقوبات بالقرار‬
‫الوزاري رقم (‪ )9703‬وتاريخ ‪1441/10/6‬هـ والذي ن�ص على‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬تعديل احلد الأق�صى امل�سموح به يف التجمعات العائلية‪ ،‬وغري العائلية داخل‬
‫((( انظر‪ :‬موقع �صحيفة �أم القرى الإلكرتونية بعنوان (اعتماد الئحة احلد من التج ّمعات التي ت�سهم يف‬
‫تف�شي ونقل فريو�س كورونا وت�صنيف املخالفات والعقوبات املقررة بحقها‪ ،‬بتاريخ ‪1441/9/14‬هـ‬
‫العدد ‪� 4831‬ص ‪https://www.uqn.gov.sa 35‬؛ موقع وزارة الداخلية‪ ،‬الئحة احلد من التجمعات‪،‬‬
‫م�ستند الأحكام والعقوبات املقررة بحق خمالفي الإجراءات والتدابري الوقائية املتخذة ملواجهة جائحة‬
‫كورونا ‪ ،https://www.moi.gov.sa‬و ‪https://www.moi.gov.sa‬؛ م�ستند جدول ت�صنيف خمالفات‬
‫الإجراءات االحرتازية والتدابري (الربوتوكوالت) الوقائية املتخذة من اجلهات املعنية ملواجهة جائحة‬
‫كورونا امل�ستجد والعقوبات املقررة وقد مت ن�شرة بعدة لغات ‪https://www.moi.gov.sa‬‬

‫‪667‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫املنازل‪� ،‬أو اال�سرتاحات‪� ،‬أو املزارع‪� ،‬أو يف املنا�سبات االجتماعية‪ :‬كالعزاء‬


‫واحلفالت ونحوها لي�صبح خم�سني �شخ�صً ا‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حتديد عقوبة عدم التزام من�ش�آت القطاع اخلا�ص بالإجراءات االحرتازية‬
‫والتدابري (الربوتوكوالت) الوقائية املعلنة بتاريخ ‪� 6‬شوال ‪1441‬هـ مببلغ‬
‫(‪)10،000‬ريال‪ ،‬وي�شمل ذلك‪� :‬إدخال غري امللتزمني بالكمامة الطبية‪� ،‬أو‬
‫القما�شية‪� ،‬أو ما يغطي الأنف والفم‪ ،‬وت�أمني املطهرات واملعقمات يف الأماكن‬
‫املخ�ص�صة لها‪ ،‬وقيا�س درجة احلرارة للموظفني والعمالء عند مداخل‬
‫املوالت واملراكز التجارية‪ ،‬وتطهري العربات و�سالل الت�سوق بعد كل ا�ستخدام‪،‬‬
‫وتطهري املرافق والأ�سطح‪ ،‬و�إغالق �أماكن �ألعاب الأطفال و�أماكن قيا�س‬
‫املالب�س ونحوها‪ ،‬وذلك وفق احلاالت املن�صو�ص عليها يف تلك الإجراءات‬
‫والتدابري (الربوتوكوالت) الوقائية‪ ،‬وت�ضاعف العقوبة يف حال التكرار على‬
‫النحو املو�ضح يف جدول خمالفات الإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬حتديد عقوبة تعمد خمالفة الإجراءات االحرتازية والتدابري (الربوتوكوالت)‬
‫الوقائية املعلنة بتاريخ ‪� 6‬شوال ‪1441‬هـ بـ (‪ )1،000‬ريال‪ ،‬وي�شمل ذلك عدم‬
‫ا�ستخدام الكمامات الطبية‪� ،‬أو القما�شية‪� ،‬أو ما يغطي الأنف والفم‪� ،‬أو عدم‬
‫االلتزام مب�سافات التباعد االجتماعي‪ ،‬ورف�ض قيا�س درجة احلرارة عند دخول‬
‫القطاعني العام �أو اخلا�ص‪ ،‬وعدم االلتزام بالإجراءات املعتمدة عند ارتفاع‬
‫درجة احلرارة عن ‪ 38‬درجة مئوية‪ ،‬وذلك يف احلاالت املن�صو�ص عليها يف‬
‫تلك الإجراءات والتدابري (الربوتوكوالت)‪ ،‬وت�ضاعف العقوبة يف حال التكرار‪.‬‬
‫(وجاء يف تف�سريها‪� :‬إذا كان املخالف من املقيمني يف اململكة فيتم �إبعاده عن‬
‫اململكة ومنع دخوله نهائ ًيا �إليها بعد تنفيذ العقوبة املوقعة يف حقه)(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬موقع وكالة الأنباء ال�سعودية وا�س‪ ،‬بعنوان‪ :‬وزارة الداخلية‪ :‬تعديل الئحة احلد من التجمعات‬
‫وحتديث جدول الت�صنيف لي�شمل عددًا �آخر من املخالفات للإجراءات االحرتازية والتدابري الوقائية‬
‫والعقوبات املقررة لها‪https://www.spa.gov.sa .‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪668‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من‬
‫التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‬
‫وقبل بيان الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات �أود �أن �أقرر ما يلي‪:‬‬
‫•املبد�أ العام لنظام العقوبات يف الإ�سالم‪� ،‬أنها �شرعت على �أ�سا�سني هما‪:‬‬
‫العدل‪ ،‬والردع‪.‬‬
‫يقول ابن عابدين‪ُ :‬‬
‫“�شرعت العقوبة مل�صلحة تعود �إلى كافة النا�س من �صيانة‬
‫الأن�ساب‪ ،‬والأموال‪ ،‬والعقول‪ ،‬والأعرا�ض‪ ،‬وزج ًرا عما يت�ضرر به العباد من‬
‫�أنواع الف�ساد”(((‪.‬‬
‫ويقول القرايف‪“ :‬الزواجر م�شروعة؛ لدرء املفا�سد املتوقعة”(((‪.‬‬
‫•�سلطة ويل الأمر �سلطة �إ�صالح لأحوال من حتت واليته‪ ،‬فكل ت�صرف لويل‬
‫الأمر يف �ش�ؤون الأمة ينبغي �أن ال يخرج عن دائرة امل�صلحة‪ ،‬بل ويتوقف‬
‫النفاذ على مراعاتها‪.‬‬
‫معا�ص‬
‫�شرعا يف ٍ‬ ‫•العقوبات يف ال�شريعة الإ�سالمية على نوعني‪ :‬عقوبات مقدرة ً‬
‫لتمنع من الوقوع يف مثلها‪ ،‬ويدخل حتتها (احلدود ‪ -‬اجلنايات)‪ ،‬ولي�س لويل‬
‫�شرعا يف كل مع�صية ال حد فيها‪،‬‬‫الأمر االجتهاد فيها‪ ،‬وعقوبات غري مقدرة ً‬
‫نوعا ومقدا ًرا‪ ،‬و�شدة وت�ضيي ًقا‪،‬‬
‫وال كفارة (التعزير)‪ ،‬وحتديد العقوبة فيه ً‬
‫�شرعا‬
‫وتنفيذًا لويل الأمر‪� ،‬أو من يقوم مقامه‪ ،‬وال�سلطة التقديرية املمنوحة ً‬
‫له‪ ،‬مق َّيدة بامل�صلحة؛ لأن ت�ص ُّرف احلاكم منوط بامل�صلحة‪ ،‬وحيثما حت َّققت‬
‫�شرعا‪ ،‬فثم �شرع اهلل ودينه(((‪.‬‬
‫امل�صلحة املعتربة ً‬
‫((( حا�شية ابن عابدين (‪.)3 :4‬‬
‫((( الفروق (‪.)213 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين (‪)163 :4‬؛ تب�صرة احلكام (‪)292-291 :2‬؛ الأحكام ال�سلطانية (�ص‪:‬‬
‫‪)293‬؛ االن�صاف (‪)249 :10‬‬

‫‪669‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات املن�صو�ص عليها يف الالئحة‪.‬‬


‫�إذا نظرنا �إلى العقوبات التي وردت يف الئحة احلد من التجمعات‪ ،‬جند �أنه ميكن‬
‫ت�صنيفها �إلى‪:‬‬
‫•عقوبات مالية‪ :‬متثلت يف الغرامات املالية ‪-‬وم�ضاعفة الغرامة بتكرر املخالفة‪-‬‬
‫و�إغالق املن�ش�أة(((‪.‬‬
‫•عقوبات غري مالية‪ :‬متثلت يف ال�سجن ‪ -‬و�إبعاد املقيمني‪.‬‬
‫وهذه العقوبات تندرج حتت العقوبات التعزيرية؛ �إذ ال ن�ص حمدد فيها‪ ،‬و�إمنا‬
‫مرتوكة الجتهاد ويل الأمر ومن يقوم مقامه‪ ،‬فينفذها‪� ،‬أو يعفو عنها‪ ،‬ح�سب ما يالئم‬
‫الظروف املختلفة للمجتمع مبا يحقق امل�صلحة العامة‪ ،‬وا�ست�صالح الفرد‪.‬‬
‫التعزير لغة‪ :‬العزر‪ :‬اللوم‪ ،‬والعزر والتعزير‪� :‬ضرب دون احلد ملنع اجلاين من‬
‫املع�صية‪ ،‬وعزّره‪� :‬ضربه؛ والعزر‪ :‬املنع‪ ،‬و�أ�صل التعزير‪ :‬الت�أديب‪ ،‬وبهذا ي�سمى ال�ضرب‬
‫دون احلد تعزي ًرا؛ لأنه �إمنا هو �أدب(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬الت�أديب يف كل مع�صية ال حد فيها وال كفارة(((‪.‬‬
‫ً‬
‫اتفق الفقهاء على م�شروعية العقوبات التعزيرية يف اجلملة‪ ،‬وحددوا لها �ضوابط‬
‫لي�س هذا حمل بيانها‪ ،‬ودليل م�شروعيته الكتاب‪ ،‬وال�سنة‪ ،‬والإجماع(((‪.‬‬
‫من الكتاب‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫باعتبار ما يرتتب على الإغالق من خ�سارة مالية‪ ،‬فتكون غرامة بطريق غري مبا�شر‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة (عزر)(‪)563-561 :4‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة(ع ز ر)(‪)24-20 :13‬؛ املعجم‬ ‫(((‬
‫الو�سيط‪ ،‬مادة (عزر)(‪.)598 :2‬‬
‫التعريفات (�ص‪)55 :‬؛ �شرح حدود ابن عرفة (�ص‪)512 :‬؛ نهاية املحتاج (‪)17-16 :8‬؛ املغني (‪:10‬‬ ‫(((‬
‫‪)347‬؛ احلدود والتعزيرات عند ابن القيم (�ص‪.)462 :‬‬
‫انظر‪ :‬تبني احلقائق (‪)207 :3‬؛ تب�صرة احلكام (‪)217 :2‬؛ الإجماع (�ص‪)113 :‬؛ مغني املحتاج (‪:4‬‬ ‫(((‬
‫‪)191‬؛ ك�شاف القناع (‪)121 :6‬؛ جمموع فتاوى ابن تيمية (‪)402 :35‬؛ الطرق احلكمية (�ص‪-224 :‬‬
‫‪ ،)228‬ميكن الرجوع �إلى بحث بعنوان (�ضوابط تقدير العقوبة التعزيرية) عبداهلل �آل خنني‪ ،‬من�شور‬
‫يف املجلة الق�ضائية‪ ،‬العدد الأول‪1423 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪670‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [التوبة‪:‬‬
‫‪ .]118‬فهجر الر�سول ﷺمن باب التعزير‪ ،‬والهجر من �أنواع التعزير‪ ،‬فكان اً‬
‫دليل على‬
‫م�شروعية التعزير(((‪.‬‬
‫من ال�سنة‪ :‬ماورد عن �أبي بردة الأن�صاري ‪� ‬أنه �سمع ر�سول الل ﷺ يقول‪:‬‬
‫«لاَ ُي ْج َلدُ �أَ َحدٌ َف ْوقَ َع َ�ش َرةِ �أَ ْ�سوَاطٍ‪�ِ ،‬إلاَّ فيِ َحدٍّ ِمنْ حُدُو ِد اهلل»(((‪ ،‬دل احلديث على عدم‬
‫جواز اجللد فوق ع�شر جلدات يف غري احلدود‪ ،‬وهذا يدل مبفهومة على م�شروعية‬
‫اجللد مبا دون الع�شر جلدات يف غري احلدود‪ ،‬وهو التعزير(((‪.‬‬
‫من الإجماع‪� :‬أجمع الفقهاء ‪ ‬من ال�سلف واخللف على �أن التعزير م�شروع‬
‫يف كل مع�صية ال حد فيها وال كفارة‪ ،‬وقد �أخذ به ال�صحابة وطبقوه يف بع�ض الوقائع‪،‬‬
‫إجماعا(((‪.‬‬
‫ومل ينكر بع�ضهم على بع�ض فكان � ً‬
‫املق�صود بالعقوبات املالية التعزيرية‪:‬‬
‫املق�صود بالعقوبات املالية التعزيرية ب�شكل عام � اً‬
‫إجمال ما يلي‪:‬‬
‫•عقوبة التعزير ب�إتالف املال‪ ،‬ك�إتالف �أوعية اخلمر‪ ،‬وكل ما هو غري م�شروع‬
‫ي�ضر باملجتمع وال يزول �ضرره �إال بالإتالف‪.‬‬
‫•عقوبة التعزير ب�أخذ املال‪ ،‬وي�شمل امل�صادرة ‪-‬الغرامة (حمل الدرا�سة)‪-‬‬
‫التمليك‪.‬‬
‫•عقوبة تعزيرية بتغيري املال‪ ،‬كتغيري ال�صورة املج�سمة‪ ،‬وغري املج�سمة �إذا مل‬
‫تكن موطوءة(((‪.‬‬
‫جمموع فتاوى ابن تيمية (‪.)96 :28‬‬ ‫(((‬
‫�أخرجه م�سلم يف �صحيحه ‪ -‬كتاب احلدود ‪ -‬باب قدر �أ�سواط التعزير (ح‪.)332 :3()1708 :‬‬ ‫(((‬
‫ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (‪.)515-514 :1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تبني احلقائق(‪)207 :3‬؛ تب�صرة احلكام (‪)217 :2‬؛ الإجماع (�ص‪)113 :‬؛ مغني املحتاج (‪:4‬‬ ‫(((‬
‫‪)191‬؛ الرو�ض املربع (‪)492‬؛ الطرق حلكمية (�ص‪.)141 :‬‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق (‪)45 :5‬؛ تب�صرة احلكام (‪)298 :2‬؛ املجموع (‪)334 :5‬؛ املغني (‪)149 :9‬؛‬ ‫(((‬
‫جمموع فتاوى ابن تيمية (‪)118-113 :28‬؛ �إعالم املوقعني (‪.)117 :2‬‬

‫‪671‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات غ�ير املالية التعزيرية ال���واردة يف الالئحة‬


‫(ال�سجن)‪.‬‬
‫ال�سجن‪ :‬لغة‪ :‬احلب�س‪ :‬يعني املنع والإم�ساك يف اللغة‪ ،‬وهو �ضد التخلية‪ ،‬واملحب�س‪:‬‬
‫املو�ضع الذي يحب�س فيه‪ ،‬وي�سمى �سج ًنا(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬اجلزاء املقرر على ال�شخ�ص؛ لع�صيانه �أمر ال�شارع بتعويقه‪ ،‬ومنعه‬
‫ً‬
‫إ�صالحا‪،‬‬
‫ح�سا كان‪� ،‬أو معنى؛ مل�صلحة اجلماعة‪� ،‬أو الفرد � ً‬ ‫من الت�صرف بنف�سه‪ً ،‬‬
‫وت�أدي ًبا(((‪.‬‬
‫وال�سجن م�شروع بالكتاب‪ ،‬وال�سنة‪ ،‬والإجماع‪.‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫من الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)‬

‫[الن�ساء‪ ]15 :‬الإم�ساك الوارد يف الآية احلب�س‪ ،‬وهو ن�ص �صريح يف �أن عقوبة الإم�ساك‬
‫باحلب�س(((‪.‬‬
‫النبي ﷺ َح َب َ�س َر ُج اًل يف ُت ْه َم ٍة(((‪،‬‬
‫من ال�سنة‪ :‬ماورد عن بهز بن حكيم ‪� ‬أن َّ‬
‫وهذا احلديث ي�ؤكد م�شروعية احلب�س‪ ،‬و�أنه من العقوبات التعزيرية‪ ،‬و�إذا كان‬
‫واحتياطا‪ ،‬وتثبيتًا‪ ،‬ف�إنه من باب‬ ‫ً‬ ‫احلب�س وقع من البني ﷺ مبجرد التهمة؛ ا�ستظها ًرا‬
‫�أولى �أن يكون م�شروعا بعد الثبوت يف العقوبة(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة(حب�س)(‪)46-44 :6‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة (حب�س)(‪)526-520 :15‬؛‬
‫املعجم الو�سيط‪ ،‬مادة(حب�س)(‪.)443 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الطرق احلكمية (�ص‪)101 :‬؛ ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (‪.)37 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬تف�سري القرطبي (‪.)56 :5‬‬
‫((( �أخرجه الرتمذي يف �سننه‪-‬كتاب الديات ‪-‬باب ما جاء يف احلب�س يف التهمة‪ .‬وح�سنه(ح‪:4()1417 :‬‬
‫‪ ،)28‬ويف �سنده‪� :‬إبراهيم بن خثيم‪ ،‬قال الذهبي عنه‪ :‬مرتوك‪ .‬انظر‪ :‬امل�ستدرك (‪�.)102 :4‬إما ا�سم‬
‫الرجل املبهم يف احلديث‪ ،‬فلم �أقف عليه يف مظانه؛ ولعل عدم ذكر ا�سمه للتهمة؛ ً‬
‫حفظا لأعرا�ض‬
‫امل�سلمني‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬معامل ال�سنن (‪.)41 :4‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪672‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫ومن الإجماع‪ :‬انعقد الإجماع على �أن احلب�س ي�صلح عقوبة من العقوبات‬
‫التعزيرية (((‪.‬‬
‫وتقدير مدة احلب�س يف التعزير‪ ،‬راجع �إلى اجتهاد ويل الأمر بقدر ما يرى �أنه‬
‫ينزجر به(((‪.‬‬
‫وفيما يلي بع�ض من ن�صو�ص الفقهاء يف كتبهم‪:‬‬
‫•ففي البحر الرائق‪“ :‬وتقدير مدة احلب�س يف التعزير راجع �إلى احلاكم”(((‪.‬‬
‫•يف �شرح فتح القدير‪“ :‬و�إن ر�أى الإمام �أن ي�ضم �إلى ال�ضرب يف التعزير‬
‫احلب�س فعل؛ لأنه �صلح تعزي ًرا بانفراده‪ ،‬وقد ورد ال�شرع به يف اجلملة حتى‬
‫تاما”(((‪.‬‬
‫جاز �أن يكتفي به فجاز �أن ي�ضم �إليه‪ ،‬فاحلب�س مبفرده يقع تعزي ًرا ً‬
‫•جاء يف املنتقى �شرح املوط�أ‪“ :‬ال�سجن تعزير فيجب �أن يكون م�صرو ًفا �إلى‬
‫اجتهاد الإمام”(((‪.‬‬
‫•يف تب�صرة احلكام‪“ :‬و�أما قدر مدة احلب�س فيختلف باختالف �أ�سبابه‬
‫وموجباته؛ فحب�س التعزير راجع �إلى اجتهاد احلاكم بقدر ما يرى �أنه ينزجر‬
‫به”(((‪.‬‬
‫•ويف نهاية املحتاج‪“ :‬ويح�صل التعزير بحب�س‪� ،‬أو جلد‪� ،‬أو �صفع‪� ،‬أو توبيخ‪...‬‬
‫انظر‪ :‬الإجماع (�ص‪)113 :‬؛ تبني احلقائق (‪)207 :3‬؛ البحر الرائق (‪)46 :5‬؛ تب�صرة احلكام (‪:2‬‬ ‫(((‬
‫‪)240‬؛ الأحكام ال�سلطانية‪ ،‬املاوردي (�ص‪)293 :‬؛ مغني املحتاج (‪)192 :4‬؛ املغني (‪)110-109 :9‬؛‬
‫ك�شاف القناع (‪)124 :6‬؛ جمموع فتاوى ابن تيمية (‪.)398 :35‬‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق (‪)46 :5‬؛ تب�صرة احلكام (‪)240 :2‬؛ الأحكام ال�سلطانية‪ ،‬املاوردي (�ص‪)293 :‬؛‬ ‫(((‬
‫املغني (‪.)110-109 :9‬‬
‫(‪.)46 :5‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)342 :5‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)166 :7‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)240 :2‬‬ ‫(((‬

‫‪673‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫جن�سا وقد ًرا �إفرادًا �أو جم ًعا”(((‪،‬‬


‫وكل ذلك بح�سب ما يراه الإمام باجتهاده ً‬
‫وعقوبة ال�سجن عقوبة ثانوية ال يلج�أ �إليها �إال �إذا ر�أى ويل الأمر(((‪.‬‬
‫الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات املالية التعزيرية الواردة يف الالئحة (الغرامة)‪.‬‬
‫الغرامة لغة‪ :‬ما يلزم �أدا�ؤه ت�أدي ًبا‪� ،‬أو تعوي ضً� ا(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬مال يجب �أدا�ؤه ت�أدي ًبا �أو تعوي�ضً ا‪ ،‬يلزم �أدا�ؤه على وجه التعزير(((‪.‬‬
‫والغرامة �أحد �أهم �صور التعزير باملال يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬ويف ظل جائحة فريو�س‬
‫كورونا فر�ضت عدة دول غرامات مالية على كل من يخالف تعليمات الإجراءات‬
‫االحرتازية‪ ،‬ومن �أهمها‪ :‬التباعد االجتماعي‪ ،‬ولب�س الكمامات للوقاية من فريو�س‬
‫كورونا امل�ستجد كوفيد‪.((( 19-‬‬
‫�أنواع الغرامة‪:‬‬
‫الأول‪ :‬غرامة تعزيرية‪ :‬مال يجب �أدا�ؤه ت�أدي ًبا (حمل الدرا�سة)‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬غرامة تعوي�ضية‪ :‬مال يجب �أدا�ؤه ب�سبب ال�ضرر على الغري يف نف�س‪� ،‬أو‬
‫مال (باب ال�ضمان)(((‪.‬‬
‫(‪.)18 :8‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (‪.)308 :1‬‬ ‫(((‬
‫ل�سان العرب‪ ،‬مادة (غرم)(‪)651 :12‬؛ تاج العرو�س‪ ،‬مادة (غرم)(‪)171-169 :33‬؛ املعجم الو�سيط‪،‬‬ ‫(((‬
‫مادة (غرم)(‪.)651 :2‬‬
‫انظر‪ :‬الغرامة التعزيرية‪ ،‬بحث من�شور يف املجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب‪ ،‬جملد ‪� 25‬ص‪.10 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬فر�ضت الإمارات عقوبة خمالفة قرار �إغالق املرافق العامة وال�شواطئ احلب�س والغرامة‪ ،‬جريدة‬ ‫(((‬
‫االمارات‪� ،‬شبكة املحامني العرب ‪http://www.mohamoon-uae.com‬؛ ويف الكويت فر�ضت احلب�س‬
‫والغرامة عقوبة عدم لب�س الكمام يف الأماكن العامة‪� ،‬صحيفة اجلريدة ‪،https://www.aljarida.com‬‬
‫وفر�ضت مملكة البحرين عقوبات من الغرامات واحلب�س ملن ال يلتزم بالإجراءات االحرتازية ال�صارمة‬
‫والتدابري الوقائية ملكافحة فريو�س الكورونا (كوفيد‪� ،)19‬صحيفة الأيام‪ ،‬بعنوان احلب�س �أو الغرامة �ضد‬
‫كل من يعر�ض الآخرين العدوى ‪https://www.alayam.com‬‬
‫انظر‪ :‬الغرامة التعزيرية‪ ،‬بحث من�شور يف املجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب‪ ،‬جملد ‪�( 25‬ص‪.)11 :‬‬ ‫(((‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪674‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫م�شروعية الغرامة التعزيرية‪:‬‬


‫يقول ابن تيمية‪“ :‬التعزير بالعقوبات املالية م�شروع �أي ضً� ا يف موا�ضع خم�صو�صة‬
‫يف مذهب مالك يف امل�شهور عنه(((‪ ،‬ومذهب �أحمد((( يف موا�ضع بال نزاع عنه‪ ،‬ويف‬
‫موا�ضع فيها نزاع عنه‪ ،‬وال�شافعي يف قول(((‪ ،‬و�إن تنازعوا يف تف�صيل ذلك كما دلت‬
‫عليه �سنة ر�سول اهلل ﷺ”(((‪ ،‬وقال به �أبو يو�سف من احلنفية(((‪ ،‬وابن القيم(((‪،‬‬
‫وقال به من املعا�صرين‪ :‬ابن باز(((‪ ،‬وابن عثيمني(((‪ ،‬وقد جاءت ال�سنة عن الر�سول‬
‫ﷺ مب�شروعية �أخذ الغرامة و�إ�ضعافها((( يف موا�ضع نذكر منها‪:‬‬
‫ر�سول اهلل ﷺ قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫•ما رواه بهز بن حكيم ‪‬عن �أبيه عن ِّ‬
‫جده �إنَّ‬
‫بنت لبون‪ ،‬ال تُف َّرق �إب ٌل عن ح�سابها‪َ ،‬م ْن‬ ‫«يف ُك ِّل �سائم ِة � ٍإبل يف �أربعني ُ‬
‫وم ْن َم َنعها‪،‬‬ ‫� ْأعطاها م�ؤجت ًرا ‪-‬قال ابن العالء‪ُ :‬م�ؤجت ًرا بها‪ -‬فله �أج ُرها‪َ ،‬‬
‫ي�س ل ِآل محُ َّم ٍد‬ ‫و�ش ْط َر ما ِله‪َ ،‬عزْ م ًة من َعزَ َم ِ‬
‫ات ربنا عزَّ وجل‪َ ،‬ل َ‬ ‫ف�إنا � ِآخ ُذوها َ‬
‫منها �شي ٌء»(‪.((1‬‬
‫•عن عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده عبداهلل بن عمرو ‪ ،‬عن ر�سول‬
‫اهلل ﷺ �أنه �سئل عن الثمر املع َّلق‪ ،‬فقال‪« :‬من � َ‬
‫أ�صاب بفيه من ذي حاج ٍة‬
‫((( انظر‪ :‬االعت�صام (‪)124 :2‬؛ تب�صرة احلكام (‪.)220 :2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإقناع (‪)270 :4‬؛ ك�شاف القناع (‪.)126 :6‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع (‪)334 :5‬؛ نهاية املحتاج (‪.)19 :8‬‬
‫((( احل�سبة (�ص‪.)47 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬تبني احلقائق (‪)308 :3‬؛ حا�شية ابن عابدين (‪ .)61 :4‬واملعتمد عند احلنفية عدم جواز‬
‫التعزير ب�أخذ املال‪ .‬انظر‪ :‬املرجعني ال�سابقني؛ �شرح فتح القدير (‪.)345 :5‬‬
‫((( انظر‪ :‬الطرق احلكمية (�ص‪.)307 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (‪ )217 :22‬رقم الفتوى (‪.)6185‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شرح املمتع (‪.)317 :14‬‬
‫((( انظر‪ :‬نهاية املحتاج (‪)19 :8‬؛ معامل القربة يف احل�سبة (�ص‪.)83 :‬‬
‫(‪� ((1‬أخرجه �أبوداود يف �سننه‪-‬كتاب الزكاة ‪-‬باب يف زكاة ال�سائمة(ح‪ )26 :3()1575 :‬ح�سنه الألباين‪.‬‬
‫�صحيح �سنن �أبي داود(‪.)296 :5‬‬

‫‪675‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫خرج ب�شيءٍ من ُه فعليه غرام ُة ِمث َلي ِه‬ ‫َّخذ ُخ ْب َن ًة((( فال �شي َء عليه‪ ،‬ومن َ‬ ‫غ َري ُمت ٍ‬
‫والع ُقو َب ُة‪.(((» ..‬‬
‫رجل ي�صي ُد يف ح َر ِم املدين ِة ا َّلذي ح َّر َم‬ ‫أخذ اً‬ ‫ا�ص ‪َ � ‬‬ ‫�سعد بنَ �أبي و َّق ٍ‬ ‫•�أن َ‬
‫ر�سول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬ ‫ر�سول اهلل ﷺ ف�سل َب ُه ثيا َبهُ‪ ،‬فجا َء موالي ِه َفك َّلمو ُه في ِه‪َ ،‬‬
‫فقال‪� :‬إنَّ‬ ‫ُ‬
‫أخذ �أحدً ا ي�صي ُد في ِه فل َي�س ُل ْب ُه ثيا َبهُ»(((‪.‬‬ ‫احلرم َ‬
‫وقال‪« :‬من � َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّر َم هذا‬
‫رامتُها ِوم ْث ُلها‬
‫توم ُة َغ َ‬ ‫•عن �أبي هريرة ‪�‬أن النبي ﷺ قال‪�« :‬ضا َّل ُة ال ِإبل امل ْك َ‬
‫َم َعها»(((‪.‬‬
‫�إال �أن بع�ضً ا من الفقهاء يرى �أن العقوبات املالية كانت �أول الإ�سالم ثم ن�سخت‪،‬‬
‫و�أن العقوبة التعزيرية ال تكون يف الأموال(((‪.‬‬
‫وقد ُر َّد ْت دعوى الن�سخ من كثري من العلماء‪:‬‬
‫دليل‪ ،‬وال قدرة لهم عليه هنا”(((‪ ،‬ويقول‬
‫يقول النووي‪“ :‬الن�سخ يحتاج �إلى ٍ‬
‫ابن تيمية‪“ :‬ومن قال‪� :‬إن العقوبات املالية من�سوخة و�أطلق ذلك عن �أ�صحاب مالك‬
‫و�أحمد فقد غلط على مذهبهما‪ .‬ومن قاله مطل ًقا من �أي مذهب كان‪ :‬فقد قال اً‬
‫قول‬
‫بال دليل‪ .‬ومل يجئ عن النبي ﷺ �شيء قط يقت�ضي �أنه حرم جميع العقوبات املالية‪،‬‬
‫((( الخْ ُ ْب َن ُة‪َ :‬م ْع ِط ُف الإزا ِر وط َر ُف ال َّثوب‪� :‬أَ ْي اَل ي� ُأخذ ِم ْن ُه فيِ َثوبه‪ُ .‬ي َق ُال أ�َخْ بنَ َ ال َّر ُج ُل �إِ َذا َخب�أ َ�ش ْي ًئا فيِ ُخ ْبنه‬
‫َث ْو ِب ِه أَ� ْو َ�سراويله‪ .‬النهاية يف غريب احلديث والأثر(‪.)9 :2‬‬
‫((( �أخرجه �أبوداود يف �سننه‪-‬كتاب احلدود ‪-‬باب ما القطع فيه (ح‪)443 :6()4390 :‬؛ و�أخرجه الرتمذي‬
‫يف �سننه ‪-‬كتاب البيوع‪-‬باب ما جاء يف الرخ�صة يف �أكل الثمر للمار بها‪ ،‬ح (‪ )576 :3()1289‬وقال‪:‬‬
‫هذا حديث ح�سن‪ ،‬كما ح�سنه الألباين‪� .‬صحيح �سنن �أبي داود (‪.)395 :5‬‬
‫((( �أخرجه �أبوداود يف �سننه‪-‬كتاب املنا�سك‪-‬باب يف حترمي املدينة (ح‪ )381 :3()2037 :‬قال ابن امللقن‪:‬‬
‫رجاله كلهم ثقات �إال �سليمان بن �أبي عبداهلل‪ :‬فقال �أبو حامت‪ :‬لي�س هو بامل�شهور لكن يعترب بحديثه‪ ،‬ومل‬
‫ُي�ض ّعفه �أبو داود‪ ،‬وذكره �أبو حامت ابن حبان يف «ثقاته»‪ .‬البدر املنري (‪.)367-366 :6‬‬
‫((( �أخرجه �أبوداود يف �سننه‪-‬كتاب اللقطة ‪-‬بدون (ح‪� )141 :3()1718 :‬صححه الألباين‪� .‬صحيح �سنن‬
‫�أبي داود(‪.)395 :5‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق (‪)44 :5‬؛ حا�شية الد�سوقي (‪)355 :4‬؛ املجموع (‪)308 :5‬؛ املغني (‪)523 :12‬‬
‫((( رو�ضة الطالبني (‪.)209 :5‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪676‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫بل �أخذ اخللفاء الرا�شدون و�أكابر �أ�صحابه بذلك بعد موته‪ ،‬دليل على �أن ذلك حمكم‬
‫غري من�سوخ‪ ... ،‬واملدعون للن�سخ لي�س معهم حجة بالن�سخ ال من كتاب وال �سنة”(((‪،‬‬
‫العقوبات املالية من�سوخ ٌة‪ ،‬و�أطلق ذلك فقد غلط‬ ‫ِ‬ ‫ويقول ابن القيم‪“ :‬ومن قال �إن‬
‫اً‬
‫وا�ستدالل‪ ،‬ف�أكرث هذه امل�سائل �سائ ٌغ يف مذهب �أحمد وغريه‪،‬‬ ‫على مذاهب الأئمة اً‬
‫نقل‬
‫وفعل اخللفاء الرا�شدين و�أكابر ال�صحابة لها بعد‬ ‫ري منها �سائ ٌغ عند مالك‪ُ ،‬‬ ‫وكث ٌ‬
‫موتهﷺ مبط ٌل �أي�ضً ا لدعوى ن�سخها‪ ،‬وامل َّدعون للن�سخ لي�س معهم ٌ‬
‫كتاب وال �سن ٌة وال‬
‫�إجما ٌع ُي�صحح دعواهم‪ ،‬ومن ا َّدعى �أنها من�سوخ ٌة بالإجماع‪ ،‬فهذا خط�أٌ �أي�ضً ا‪ ،‬ف�إن‬
‫الأمة مل تجُ مع على ن�سخها‪ ،‬وحما ٌل �أن ين�سخ الإجما ُع ال�سنة”(((‪.‬‬
‫والغرامة التعزيرية حال ًيا تقرر مبقت�ضى نظام‪� ،‬أو قانون(((‪ ،‬والتعزير بالغرامة‬
‫مطبق يف معظم �أنظمة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وت�أتي عقوبة الغرامة منفردة‪� ،‬أو‬
‫جمتمعة مع غريها من العقوبات التعزيرية الأخرى‪ ،‬فالغرامة عقوبة �أ�صلية ميكن �أن‬
‫ي�ضاف �إليها عقوبات تبعية تكميلية كاجللد‪� ،‬أو ال�سجن(((‪.‬‬
‫وقد ن�ص يف الئحة احلد من التجمعات والعقوبات املرتتبة على خمالفتها على‬
‫الغرامة منفردة‪ ،‬وكذلك احلب�س‪ ،‬وجمتمعة مع احلب�س‪ ،‬وتغليظ العقوبة يف التعزير‬
‫�إمنا حت�صل �سيا�سة للم�صلحة‪ ،‬يقول ابن عابدين نقال عن احلموي‪“ :‬ال�سيا�سة‬
‫ال�شرعية عبارة عن �شرع مغلظ”(((‪ .‬ويقول ابن عقيل‪“ :‬لل�سلطان �سلوك ال�سيا�سة‪،‬‬
‫وهو احلزم عندنا‪ ،‬وال تقف ال�سيا�سة على ما نطق به ال�شرع”(((‪.‬‬
‫احل�سبة (�ص‪)48-47 :‬‬ ‫(((‬
‫الطرق احلكمية (�ص‪.)309 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الغرامة التعزيرية‪ ،‬بحث من�شور يف املجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب‪ ،‬جملد ‪�( 25‬ص‪.)14 :‬‬ ‫(((‬
‫ومن الأنظمة التي ن�صت على العقوبة منفردة‪� ،‬أو جمتمعة مع غريها نظم الهيئة ال�صحية كال�صيدليني‪،‬‬ ‫(((‬
‫واملحا�سبيني والقانونيني‪ ،‬ونظم املجال التجاري‪ ،‬ومن الأنظمة التي ن�صت على العقوبة بالغرامة‬
‫بالإ�ضافة �إلى عقوبات �أخرى‪ :‬نظامي الأ�سلحة والذخائر‪ ،‬ومكافحة املخدرات بالن�سبة للمهربني‪،‬‬
‫واملروجني‪ ،‬وامل�شاركني‪ ،‬فال بد من الغرامة مع ال�سجن‪ .‬انظر‪ :‬ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة (‪.)545 :1‬‬
‫حا�شية ابن عابدين (‪.)103 :4‬‬ ‫(((‬
‫الإن�صاف (‪.)250 :10‬‬ ‫(((‬

‫‪677‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫اخلامتة‬

‫وفيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬


‫�أحمد اهلل تعالى �أن ي�سر و�أعان �إمتام هذا البحث ون�س�أله القبول والتجاوز‪ ،‬وقد‬
‫تو�صلت يف نهاية البحث �إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫‪1.1‬فريو�س كورونا امل�ستجد (كوفيد‪ )19-‬من �ضمن �أحد الفريو�سات التي‬
‫ح�صدت الكثري من الأرواح‪� ،‬إال �أن هذا الفريو�س هو �أ�شدها على الإطالق‪.‬‬
‫‪�2.2‬إن �إعطاء ويل الأمر �سلطة تقييد املباح‪ ،‬يجعل من ال�شريعة �أكرث مرونة‬
‫حلول للم�ستجدات مبختلف‬
‫وقابلية ملواكبة ظروف الفرد واجلماعة؛ و�إيجاد ٍ‬
‫�أنواعها‪.‬‬
‫‪3.3‬تقييد املباح الثابت بالن�ص‪ ،‬ال ي�صار �إليه �إال ل�ضرورة ُملجئة‪ ،‬وال�ضرورة‬
‫تقدر بقدرها‪ ،‬بينما املباح الثابت بالرباءة الأ�صلية‪ ،‬يقيد ب�شرط جلب منفعة‬
‫ودفع مف�سدة‪.‬‬
‫‪4.4‬الئحة احلد من التجمعات والعقوبات م�ستمدة من ال�شريعة الإ�سالمية‬
‫وقواعدها ومقا�صدها‪.‬‬
‫‪�5.5‬شرعية العقوبات املرتتبة على خمالفة الئحة احلد من التجمعات والإجراءات‬
‫واالحرتازات والتدابري الوقاية‪ ،‬ومن يخالف ذلك يعر�ض نف�سه للإثم‬
‫والعقوبة‪.‬‬
‫�أهم التو�صيات‪:‬‬
‫‪1.1‬عقد لقاءات وندوات متخ�ص�صة لبيان اللوائح والأنظمة التي ت�صدرها الدولة‬
‫‪�-‬أيدها اهلل‪ -‬وبيان الت�أ�صيل ال�شرعي لها‪ ،‬حتى تكون �أدعى يف التطبيق‪،‬‬
‫و�إقامة احلجة‪ ،‬و�إزالة �أي لب�س لدى عامة النا�س اً‬
‫ف�ضل عن خا�صتهم‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪678‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫‪�2.2‬ضرورة �إن�شاء جهة معلوماتية تقنية بالتعاون مع املخت�صني من الهيئات‬


‫ال�شرعية والطبية‪ ،‬تقوم على �إبراز �صالحية ال�شريعة لكل زمان ومكان‪،‬‬
‫ومعاجلتها للم�ستجدات وفق املنهج الرباين احلكيم خارج ًيا‪ ،‬وتزويد الأفراد‬
‫وامل�ؤ�س�سات داخل ًيا بكل ما يتعلق بالنوازل وما يجب عليهم معرفته والتقيد‬
‫�شرعا‪.‬‬
‫به ً‬

‫‪679‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪2.2‬ابن الأثري‪ ،‬النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬جمد الدين �أبو ال�سعادات املبارك‬
‫بن حممد بن حممد بن حممد ابن عبدالكرمي ال�شيباين اجلزري ابن الأثري‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬طاهر �أحمد الزاوى ‪ -‬حممود حممد الطناحي‪( ،‬بريوت‪ :‬املكتبة‬
‫العلمية‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م)‬
‫‪3.3‬الألباين‪� ،‬صحيح �سنن �أبي داود‪� ،‬سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد نا�صر الدين الألباين(مكتبة املعارف ‪1419‬هـ‪1998 -‬م)‪.‬‬
‫‪4.4‬الألباين‪ ،‬ظالل اجلنة يف تخريج ال�سنة‪ ،‬حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مطبوع‬
‫مع كتاب ال�سنة‪ ،‬للحافظ �أبي بكر عمرو بن �أبي عا�صم ال�ضحاك بن خملد‬
‫ال�شيباين‪( ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1400( ،1 :‬هـ‪1980 -‬م)‪.‬‬
‫‪5.5‬الألو�سي‪ ،‬روح املعاين يف تف�سري القر�آن الكرمي وال�سبع املثاين‪ ،‬حممود �شكري‬
‫الألو�سي البغدادي �شهاب الدين‪( .‬ادارة الطباعة املنريية ‪ -‬ت�صوير دار �إحياء‬
‫الرتاث العربي)‪.‬‬
‫‪�6.6‬أني�س‪ ،‬و�آخرون‪ ،‬املعجم الو�سيط‪� ،‬إبراهيم �أني�س ‪ -‬عبداحلليم منت�صر ‪ -‬عطية‬
‫ال�صواحلي ‪ -‬حممد خلف اهلل �أحمد (جممع اللغة العربية ‪ -‬مكتبة ال�شروق‬
‫الدولية ‪2004‬م)‬
‫‪7.7‬الآمدي‪ ،‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪� ،‬أبو احل�سن �سيد الدين علي بن �أبي علي‬
‫بن حممد بن �سامل الثعلبي الآمدي‪ ،‬ت‪ :‬عبدالرزاق عفيفي‪( ،‬املكتب الإ�سالمي‪،‬‬
‫بريوت)‬
‫‪8.8‬الباجي‪ ،‬املنتقى �شرح موط�أ مالك‪� ،‬أبو الوليد‪� ،‬سليمان بن خلف بن �سعد بن‬
‫�أيوب الباجي‪ ،‬راجعه وخرج �أحاديثه‪ :‬الدكتور‪ :‬حممد حممد تامر‪( ،‬القاهرة‪:‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪680‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫مكتبة الثقافة الدينية)‪.‬‬


‫‪9.9‬الربكتي‪ .‬التعريفات الفقهية معجم ي�شرح الألفاظ امل�صطلح عليها بني الفقهاء‬
‫والأ�صوليني وغريهم من العلماء‪ ،‬حممد عميم الإح�سان املجددي الربكتي‪،‬‬
‫(دار الكتب العلمية ‪-‬بريوت ط‪1424 ،1 :‬هـ‪2003 -‬م)‪.‬‬
‫‪1010‬البهوتي‪ ،‬الرو�ض املربع �شرح زاد امل�ستقنع‪ ،‬لل�شيخ من�صور بن يون�س بن �إدري�س‬
‫البهوتي‪( ،‬بريوت‪ :‬دار امل�ؤيد)‪.‬‬
‫‪1111‬البهوتي‪ ،‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ ،‬لل�شيخ من�صور بن يون�س بن �إدري�س‬
‫البهوتي‪( ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب)‪.‬‬
‫‪1212‬الرتمذي‪ ،‬جامع الرتمذي‪� ،‬أبو عبداهلل احلكيم‪ ،‬حممد بن علي بن احل�سن بن‬
‫ب�شر‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية)‪.‬‬
‫‪1313‬ابن تيمية‪ ،‬جامع امل�سائل‪� ،‬أبو العبا�س‪� ،‬أحمد عبداحلليم ابن تيمية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عمر �شم�س(جدة‪ :‬جممع الفقه الإ�سالمي ‪1424-‬هـ)‪.‬‬
‫‪1414‬ابن تيمية‪ ،‬كتب ور�سائل وفتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪� ،‬أبو العبا�س‪� ،‬أحمد‬
‫عبداحلليم ابن تيمية احلراين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالرحمن بن حممد بن قا�سم‬
‫العا�صمي النجدي‪( ،‬الريا�ض‪ :‬مكتبة ابن تيمية) ط‪.2 :‬‬
‫‪1515‬احل�صني‪ ،‬كفاية الأخيار يف حل غاية االخت�صار‪� ،‬أبو بكر بن حممد بن عبدامل�ؤمن‬
‫بن حريز بن معلى احل�سيني احل�صني‪ ،‬تقي الدين ال�شافعي‪ ،‬ت‪ :‬علي عبداحلميد‬
‫بلطجي وحممد وهبي �سليمان (دار اخلري ‪ -‬دم�شق‪1994 ،‬م) ط‪.1 :‬‬
‫‪1616‬اجلابري‪ ،‬تنبيه ذوي العقول ال�سليمة �إلى فوائد م�ستنبطة من ال�ستة الأ�صول‬
‫العظيمة‪ ،‬عبيد بن عبداهلل اجلابري(املدينة‪-‬مكتبة الغرباء ‪1414‬هـ‪1994-‬م)‪.‬‬
‫‪1717‬اجلرجاين‪ ،‬التعريفات‪ .‬علي بن حممد بن علي اجلرجاين‪ ،‬حتقيق‪� :‬إبراهيم‬
‫الأبياري(بريوت‪ :‬دار الكتاب العربي ‪1405‬هـ) ط‪.1 :‬‬
‫‪1818‬اجلريوي‪ ،‬ال�سجن وموجباته يف ال�شريعة الإ�سالمية مقارنا بنظام ال�سجن‬

‫‪681‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫والتوقيف يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬حممد بن عبداهلل اجلريوي(طبع‬


‫جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية ‪1411‬هـ‪1991-‬م)‪.‬‬
‫‪1919‬اجلمل‪ ،‬فتوحات الوهاب بتو�ضيح �شرح منهج الطالب املعروف بحا�شية‬
‫اجلمل‪� ،‬سليمان بن عمر بن من�صور العجيلي الأزهري(دار الفكر)‪.‬‬
‫‪2020‬اجلويني‪ ،‬غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬مام احلرمني �أبو املعايل اجلويني‬
‫(دار الدعوة)‪.‬‬
‫‪2121‬حبيب‪ ،‬معجم الأمرا�ض وعالجها‪ ،‬زينب بنت من�صور حبيب(الأردن‪ ،‬دار‬
‫�أ�سامة ‪2020‬م) ط‪.1 :‬‬
‫‪2222‬احلموي‪ ،‬غمز عيون الب�صائر يف �شرح الأ�شباه والنظائر‪� ،‬أحمد بن حممد مكي‬
‫احلموي احلنفي‬
‫‪( 2323‬دار الكتب العلمية‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م) ط‪.1 :‬‬
‫‪2424‬اخلطابي‪ ،‬معامل ال�سنن‪� ،‬أبو �سليمان‪ ،‬حمد بن حممد بن �إبراهيم اخلطابي‬
‫الب�ستي‪ ،‬مطبوع مع �سنن �أبي داود‪� ،‬إعداد وتعليق‪ :‬عزت الدعا�س وعادل ال�سيد‪،‬‬
‫(بريوت‪ :‬ابن حزم ‪1428‬هـ‪1997-‬م)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪2525‬الد�سوقي‪ ،‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري‪� ،‬شم�س الدين ال�شيخ حممد‬
‫عرفة الد�سوقي(دار الفكر)‪.‬‬
‫‪2626‬ابن رجب‪ ،‬جامع العلوم واحلكم يف �شرح خم�سني حديثا من جوامع الكلم‪،‬‬
‫عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب ال�سالمي البغدادي ثم الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫الفحل(دار ابن كثري‪1429 :‬هـ‪2008 -‬م)‪.‬‬
‫‪2727‬ابن رجب‪ ،‬القواعد يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬عبدالرحمن احلنبلي‪( ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1413 ،‬هـ‪1992-‬م)ط‪.1 :‬‬
‫‪2828‬الر�صاع‪� ،‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬حممد الأن�صاري‪� ،‬أبو عبداهلل‪ ،‬ت‪� :‬أبو‬
‫الأجفان‪ ،‬املعموري(دار الغرب الإ�سالمي)‪.‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪682‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫‪2929‬الرملي‪ ،‬نهاية املحتاج �إلى �شرح املنهاج‪ ،‬ال�شافعي ال�صغري‪� ،‬شم�س الدين حممد‬
‫بن �أبي العبا�س �أحمد بن حمزة ابن �شهاب الدين الرملي املنويف امل�صري‬
‫الأن�صاري‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية)‪.‬‬
‫‪3030‬الزرقا‪ ،‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬م�صطفى الزرقا‪( ،‬دم�شق‪ -‬دار القلم‪1418 ،‬هـ‬
‫‪1998 -‬م) ط‪.1 :‬‬
‫‪3131‬الزرك�شي‪� ،‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي‪� ،‬أبو عبداهلل‪� ،‬شم�س الدين‬
‫حممد بن عبداهلل الزرك�شي امل�صري احلنبلي ط‪ ،1 :‬حتقيق‪ :‬قدم له وو�ضع‬
‫حوا�شيه‪ :‬عبداملنعم خليل �إبراهيم (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية ‪1423-‬هـ ‪-‬‬
‫‪2002‬م)‪.‬‬
‫‪�3232‬أبو زيد‪ ،‬احلدود والتعزيرات عند ابن القيم‪ ،‬بكر بن عبداهلل �أبو زيد (دار‬
‫العا�صمة)‪.‬‬
‫‪3333‬الزيلعي‪ ،‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي‪،‬‬
‫(دار الكتاب الإ�سالمي)‪ ،‬ط‪.2 :‬‬
‫‪3434‬ال�سج�ستاين‪� ،‬سنن �أبي داود مع عون املعبود‪( ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪1410 ،‬هـ‪1990-‬م)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪3535‬ال�سيوطي‪ :‬الأ�شباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه ال�شافعية‪ ،‬عبدالرحمن بن‬
‫�أبي بكر بن حممد بن �سابق الدين اخل�ضريي ال�سيوطي‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب‬
‫العلمية ‪1403‬هـ‪1983 -‬م)‪.‬‬
‫‪3636‬ال�شاطبي‪ ،‬االعت�صام‪� ،‬أبي �إ�سحاق �أبراهيم بن مو�سى اللخمي ال�شاطبي‪،‬‬
‫�ضبطه‪ :‬م�شهور �آل �سلمان(دار التوحيد)‪.‬‬
‫‪3737‬ال�شاطبي‪ ،‬املوافقات‪� ،‬أبي �إ�سحاق �أبراهيم بن مو�سى اللخمي ال�شاطبي‪،‬‬
‫�ضبطه‪ :‬م�شهور �آل �سلمان(دار ابن عثمان)‪.‬‬
‫‪3838‬ال�شربيني‪ ،‬مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج‪ ،‬لل�شيخ �شم�س الدين‬

‫‪683‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫حممد بن حممد بن اخلطيب ال�شربيني‪( ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬


‫‪1415‬هـ ‪1994 -‬م)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪�3939‬شلبي‪ ،‬تعليل الأحكام‪ ،‬حممد م�صطفى �شلبي (مطبعة الأزهر ‪1947‬م)‪.‬‬
‫‪4040‬ال�شيباين‪ ،‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪� .‬أبو عبداهلل‪� ،‬أحمد بن حنبل ال�شيباين‪،‬‬
‫الأحاديث مزيلة ب�أحكام �شعيب الأن�ؤوط عليها (م�صر‪ :‬م�ؤ�س�سة قرطبة)‪.‬‬
‫‪4141‬ال�شوكاين‪ ،‬ال�سيل اجلرار املتدفق على حدائق الأزهار‪ ،‬حممد بن علي بن‬
‫حممد ال�شوكاين حتقيق‪ :‬حممود �إبراهيم زايد (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫‪1405‬هـ)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪4242‬الطربي‪ ،‬تاريخ الطربي املعروف بتاريخ الأمم وامللوك‪ ،‬حممد بن جعفر‬
‫(بريوت‪ :‬دار الفكر)ط‪.1 :‬‬
‫‪4343‬الظاهري‪ ،‬املحلى بالآثار‪� ،‬أبو حممد علي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الأندل�سي‬
‫القرطبي الظاهري (دار الفكر ‪ -‬بريوت)‪.‬‬
‫‪4444‬العبادي‪ ،‬امللكية يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬عبدال�سالم بن داود العبادي‪،‬‬
‫(م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪2000-‬م)‬
‫‪4545‬ابن عابدين‪ ،‬حا�شية رد املختار على الدر املختار �شرح تنوير الأب�صار فقه �أبو‬
‫حنيفة‪ .‬ابن عابدين (بريوت‪ :‬دار الفكر للطباعة والن�شر‪1421-‬هـ ‪2000-‬م)‪.‬‬
‫‪4646‬ابن عا�شور‪ ،‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬حممد الطاهر بن عا�شور (دار‬
‫الكتاب امل�صري)‪.‬‬
‫‪�4747‬أبو عبداهلل‪� ،‬صالحية ويل الأمر يف تقييد املباح يف الأحوال ال�شخ�صية‪،‬‬
‫وتطبيقاته املعا�صرة‪� ،‬إميان بنت مو�سى عبداهلل‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬كلية‬
‫ال�شريعة‪ ،‬جامعة م�ؤتة ‪ -‬الأردن‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪4848‬العتيبي‪� ،‬سلطة ويل الأمر يف �سن الأنظمة الت�شريعية املقيدة للمباح درا�سة‬
‫�أ�صولية‪� ،‬أحمد عبداهلل راجح العتيبي‪ ،‬جملة الدرا�سات العربية‪ ،‬جامعة املنيا‪،‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪684‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫كلية دار العلوم (ع‪ 36 :‬مج ‪ / 1‬يونيو ‪2017‬م)‪.‬‬


‫‪4949‬ابن عثيمني‪� ،‬سل�سلة درو�س وفتاوى لقاءات الباب املفتوح‪ ،‬ملحمد بن �صالح‬
‫العثيمني(�إ�صدارات م�ؤ�س�سة ال�شيخ حممد بن عثيمني)‪.‬‬
‫‪5050‬ابن عثيمني‪� ،‬شرح ريا�ض ال�صاحلني‪ ،‬ملحمد بن �صالح العثيمني(مدار الوطن‪،‬‬
‫‪1426‬هـ)‪.‬‬
‫‪5151‬ابن عثيمني‪ ،‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ ،‬ملحمد بن �صالح العثيمني(دار‬
‫ابن اجلوزي‪1435 ،‬هـ)‪ ،‬ط‪.4 :‬‬
‫‪5252‬الع�سقالين‪� ،‬صحيح البخاري مع �شرح فتح الباري‪ ،‬للإمام احلافظ �أحمد‬
‫بن علي بن حجر الع�سقالين‪( ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1410 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1989‬م)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪5353‬ابن فرحون‪ ،‬تب�صرة احلكام يف �أ�صول الأق�ضية ومناهج الأحكام‪� .‬أبي الوفاء‬
‫حممد بن فرحون املالكي (الريا�ض‪ :‬دار عامل الكتب ‪1423‬هـ‪2003-‬م)‪.‬‬
‫‪5454‬القا�سم‪ .‬النظام الق�ضائي الإ�سالمي مقار ًنا بالنظم الق�ضائية والو�ضعية‬
‫وتطبيقه يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬عبدالرحمن بن عبدالعزيز القا�سم‪،‬‬
‫(الريا�ض‪ :‬مطابع اخلالد للأوف�ست ‪1393‬هـ‪1973-‬م)‬
‫‪5555‬القا�ضي عيا�ض‪� ،‬إكمال املعلم بفوائد م�سلم‪ ،‬عيا�ض بن مو�سى بن عبا�س‬
‫الب�ستي‪ ،‬ت‪ :‬يحيى �إ�سماعيل(م�صر‪ :‬دار الوفاء‪1412 ،‬هـ‪1998-‬م)ط‪.1 :‬‬
‫‪5656‬ابن قدامة‪ ،‬املغني وال�شرح الكبري‪ ،‬موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن‬
‫قدامة املقد�سي (بريوت ‪ -‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية)‪.‬‬
‫‪5757‬ابن قدامة‪ ،‬رو�ضة الناظر وجنة املناظر يف �أ�صول الفقه على مذهب الإمام‬
‫�أحمد بن حنبل‪ ،‬موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة املقد�سي‬
‫(الر ّيان‪1423 ،‬هـ‪2002-‬م) ط‪.2 :‬‬
‫‪5858‬ابن قدامة‪ ،‬املقنع‪ ،‬موفق الدين عبداهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة املقد�سي‬

‫‪685‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫(‪1393‬هـ‪1973-‬م)ط‪.1 :‬‬
‫‪5959‬القرايف‪ ،‬الإحكام يف متييز الفتاوى عن الأحكام وت�صرفات القا�ضي‪� ،‬أبو‬
‫العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن املالكي ال�شهري‬
‫بالقرايف‪ ،‬اعتنى به‪ :‬عبدالفتاح �أبو غدة (بريوت ‪-‬دار الب�شائر الإ�سالمية‪،‬‬
‫‪1416‬هـ ‪1995 -‬م)ط‪.2 :‬‬
‫‪6060‬القرايف‪ ،‬الفروق‪� ،‬أبو العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن �إدري�س بن عبدالرحمن‬
‫املالكي ال�شهري بالقرايف (عامل الكتب)‪.‬‬
‫‪6161‬القزويني‪� ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬الإمام املحدث �أبي عبداهلل حممد بن يزيد‬
‫القزويني‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪6262‬ابن القيم‪� ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪� ،‬أبو عبداهلل‪� ،‬شم�س الدين حممد‬
‫بن �أبي بكر بن �أيوب الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه عبدالر�ؤوف �سعد (بريوت‪ :‬دار‬
‫اجليل ‪1973‬هـ)‪.‬‬
‫‪6363‬ابن القيم‪ ،‬الطرق احلكمية‪� ،‬أبو عبداهلل‪� ،‬شم�س الدين حممد بن �أبي بكر بن‬
‫‪1428‬هـ)‪.‬‬ ‫�أيوب الدم�شقي‪ ،‬ت‬
‫‪6464‬ابن القيم‪ ،‬مفتاح دار ال�سعادة ومن�شور والية العلم والإرادة‪� ،‬أبو عبداهلل‪،‬‬
‫�شم�س الدين حممد بن �أبي بكر بن �أيوب الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالرحمن بن‬
‫قايد (جدة‪ :‬جممع الفقه الإ�سالمي ‪1432‬هـ)‪.‬‬
‫‪6565‬ابن كثري‪ ،‬م�سند الفاروق‪ ،‬عماد الدين �إ�سماعيل بن عمر بن كثري ال�شافعي‬
‫الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداملعطي قلعجي (املن�صورة‪ :‬دار الوفاء‪1441 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1991‬م‪ ،‬ط‪)1 :‬‬
‫‪6666‬الالوي‪� ،‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬الب�شري املكي عبد الالوي‪ ،‬ر�سالة‬
‫دكتوراه‪ .‬املعهد الأعلى لل�شريعة‪ .‬جامعة الزيتونة بتون�س‪ ،‬عام ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪6767‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬فتاوى اللجنة الدائمة‪ ،‬جمع وترتيب‪:‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪686‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫حمد بن عبدالرزاق الدوي�ش‪( ،‬الريا�ض‪ :‬رئا�سة �إدارة البحوث العلمية والإفتاء‬


‫‪ -‬الإدارة العامة للطبع)‪.‬‬
‫‪6868‬املاوردي‪ .‬الأحكام ال�سلطانية‪� ،‬أبو احل�سن علي بن حممد حبيب الب�صري‬
‫املاوردي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد جاد‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث ‪1427‬هـ‪2006-‬م)‪.‬‬
‫‪6969‬مدكور‪ ،‬نظرية الإباحة‪ ،‬حممد بن �سالم مدكور (دار النه�ضة ‪1965‬م‪ ،‬ط‪.)2 :‬‬
‫‪7070‬املرداوي‪ ،‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب الإمام �أحمد‪،‬‬
‫للعالمة عالء الدين �أبي احل�سن علي بن �سليمان املرداوي‪( ،‬بريوت‪ :‬لبنان‪،‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي)‪.‬‬
‫‪�7171‬أبو مزيريق‪ ،‬تقييد املباح ومدى الإلزام به يف فقه الأحوال ال�شخ�صية‪� ،‬أحمد‬
‫عبداهلل �أحمد‪ ،‬ريالة ماج�ستري‪ ،‬جامعة الريموك‪ ،‬كلية ال�شريعة‪.‬‬
‫‪7272‬املطري‪� ،‬سلطة ويل الأمر يف التعزير على فعل املباح درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية‪،‬‬
‫وليد بن حممد املطري‪ ،‬ر�سالة مقدمة ال�ستكمال متطلبات املاج�ستري‪ ،‬جامعة‬
‫نايف الأمنية‪ .‬الريا�ض‪1432 :‬هـ‪2011-‬م‪.‬‬
‫‪7373‬ابن امللقن‪ ،‬البدر املنري يف تخريج الأحاديث والأثار الواقعة يف ال�شرح الكبري‪.‬‬
‫�سراج الدين �أبو حف�ص عمر بن علي بن �أحمد ال�شافعي امل�صري‪ ،‬ت‪ :‬م�صطفى‬
‫�أبو الغيط وعبداهلل بن �سليمان ويا�سر بن كمال (الريا�ض‪ :‬دار الهجرة للن�شر‬
‫والتوزيع ‪1425‬هـ‪2004-‬م) ط‪.1 :‬‬
‫‪7474‬املناوي‪ ،‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬عبدالر�ؤوف املناوي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫احلمدان(‪1410‬هـ‪1990 -‬م)‪.‬‬
‫‪7575‬امليداين‪ ،‬اللباب يف �شرح الكتاب‪ ،‬عبدالغني بن طالب بن حمادة بن �إبراهيم‬
‫الغنيمي الدم�شقي امليداين احلنفي‪ ،‬ت‪ :‬حممد حميي الدين عبداحلميد‬
‫(املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫‪7676‬ابن منظور‪ ،‬ل�سان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن منظور الأفريقي امل�صري‪،‬‬

‫‪687‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫(بريوت‪ :‬دار �صادر) ط‪.1 :‬‬


‫‪7777‬ابن جنيم‪ ،‬الأ�شباه والنظائر على مذهب �أبي حنفية النعمان‪ ،‬زين الدين ابن‬
‫جنيم احلنفي(بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية ‪1419‬هـ‪1999-‬م)‪.‬‬
‫‪7878‬ابن جنيم‪ ،‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬زين الدين ابن جنيم احلنفي‪،‬‬
‫(بريوت‪ :‬دار املعرفة) ط‪.2 :‬‬
‫‪7979‬النووي‪ ،‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬لأبي زكريا يحيى بن �شرف النووي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪8080‬النووي‪ ،‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬لأبي زكريا يحيى بن �شرف النووي‪،‬‬
‫(بريوت‪ :‬املكتب الإ�سالمي ‪1405‬هـ) ط‪.2 :‬‬
‫‪8181‬النووي‪� ،‬شرح النووي على �صحيح م�سلم‪ ،‬الإمام يحيى بن �شرف النووي‬
‫الدم�شقي ال�شافعي‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪8282‬الني�سابوري‪ ،‬الإجماع‪� ،‬أبي بكر حممد بن ابراهيم بن املنذر‪( ،‬الريا�ض‪ :‬دار‬
‫عامل الكتب)‪ ،‬ط‪.2 :‬‬
‫‪8383‬الني�سابوري‪� ،‬صحيح م�سلم ب�شرح النووي‪ ،‬الإمام �أبو احل�سن م�سلم بن احلجاج‬
‫الق�شريي‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م)‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪8484‬ابن الهمام‪� ،‬شرح فتح القدير‪ ،‬للإمام كمال الدين بن عبدالواحد ال�سيوا�سي‪،‬‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫‪8585‬الهيتمي‪ .‬حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج‪� ،‬أحمد بن حممد بن علي بن حجر‬
‫الهيتمي‪( ،‬املكتبة التجارية الكربى مب�صر‪1357 ،‬هـ ‪1983 -‬م)‪.‬‬
‫‪8686‬الهيثمي‪ ،‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬علي بن �أبي بكر بن �سليمان الهيثمي‬
‫ت‪ :‬ح�سام الدين القد�سي (القاهرة‪ :‬مكتبة القد�سي‪1414 ،‬هـ‪1994 ،‬م)‪.‬‬
‫املواقع الإلكرتونية‪:‬‬
‫‪1.1‬موقع الأمم املتحدة‪www.news.un.org :‬‬
‫‪2.2‬موقع منظمة ال�صحة العاملية‪www.who.int :‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪688‬‬


‫سلطة ويل األمر يف تقييد املباح وأثرها يف‬

‫مواجهة فريوس كورونا (كوفيد ‪)19-‬‬

‫‪3.3‬موقع وزارة ال�صحة‪www.moh.gov.sa :‬‬


‫‪4.4‬موقع ويكبيديا املو�سوعة احلرة‪wikipedia.org/wiki :‬‬
‫‪5.5‬موقع �سي �إن �إن بالعربية‪www.arabic.cnn.com :‬‬
‫‪6.6‬موقع رابطة العامل الإ�سالمي‪� ،‬إدارة بحوث الإعجاز العلمي يف القر�آن وال�سنة‪:‬‬
‫‪www.ioqas.org.sa‬‬
‫‪7.7‬موقع �صحيفة �أم القرى الإلكرتونية‪www.uqn.gov.sa :‬‬
‫‪8.8‬موقع وزارة الداخلية‪www.moi.gov.sa :‬‬
‫‪9.9‬موقع جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‪www.iifa-aifi.org :‬‬
‫‪1010‬موقع وكالة الأنباء ال�سعودية وا�س‪www.spa.gov.sa :‬‬
‫‪1111‬موقع �شبكة املحامني العرب‪www.mohamoon-uae.com :‬‬
‫‪�1212‬صحيفة اجلريدة الكويتية‪www.aljarida.com :‬‬
‫‪�1313‬صحيفة الأيام البحرينية‪www.alayam.com :‬‬
‫‪�1414‬صحيفة عكاظ‪www.okaz.com.sa :‬‬
‫‪1515‬الدليل التوعوي عن الفريو�س‪ ،‬ت�صدره وزارة ال�صحة ال�سعودية‪ .‬من�شور على‬
‫االنرتنت بتاريخ ‪www.moh.gov.sa :2020/03/12‬‬

‫‪689‬‬ ‫العدد احلادي واخلمسون‬


‫أ‪.‬د‪ .‬نوره بنت مسلم احملمادي‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫ملخ�ص البحث‪631 .................................................................‬‬


‫املقدمة ‪632 ........................................................................‬‬
‫التمهيد‪ :‬ملحة طبية عن فريو�س كورونا‪ ،‬وت�أثريه على العامل ‪637 ....................‬‬
‫املبحث الأول‪� :‬سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪640 ........... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬املق�صود ب�سلطة ويل الأمر ‪640 ...................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املق�صود ب�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ‪642 ..................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم تقييد ويل الأمر للمباح‪644 ................................‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬ضوابط �سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح ‪651 ....................‬‬
‫‪-‬منوذجا‬
‫ً‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬الئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‬
‫تطبيق ًيا ل�سلطة ويل الأمر يف تقييد املباح‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪653 ..........:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التعريف بالئحة احلد من التجمعات يف اململكة العربية‬
‫ال�سعودية‪ ،‬وجهة �إ�صدارها ‪653 ..............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الت�أ�صيل ال�شرعي لالئحة احلد من التجمعات يف اململكة‬
‫العربية ال�سعودية‪656 ........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم طاعة ويل الأمر فيما لو �أ�صدر قرا ًرا ال يخالف ال�شرع ‪661 ..‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬العقوبات املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من التجمعات يف‬
‫اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وجهة تنفيذها‪ ،‬والت�أ�صيل ال�شرعي لها‪ ،‬وفيه مطلبان‪665 . :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬العقوبات املالية وغري املالية املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد من‬
‫التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية املتعلقة بالإفراد واملن�ش�آت‪ ،‬وجهة تنفيذها‪665 .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الت�أ�صيل ال�شرعي للعقوبات املرتتبة على املخالفني لالئحة احلد‬
‫من التجمعات يف اململكة العربية ال�سعودية‪669 ..............................‬‬
‫اخلامتة ‪678 ........................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪680 .......................................................‬‬

‫العدد احلادي واخلمسون‬ ‫‪690‬‬

You might also like