Professional Documents
Culture Documents
مديرَّالتَّحرير
َّ
د .منتهى أرتاليم زعيم
هيئة التَّحرير
أ .د .وليد فكري فارس حممد سعدو اجلرف
أ .دَّ . أ .د .أمحد إبراهيم أبو شوك
أ .د .مجال أمحد بشري بادي أ .د .نصر الدين إبراهيم حسني
د .عبد الرمحن حللي أ .م .د .صاحل حمجوب حممد التنقاري
ي
التَّصحيح اللَّغو َّ
د .أدهم حممد علي محوية
© 2019 IIUM Press, International Islamic University Malaysia. All rights reserved.
Published by:
IIUM Press, International Islamic University Malaysia
P.O. Box 10, 50728 Kuala Lumpur, Malaysia
Phone (+603) 6196-5014, Fax: (+603) 6196-6298
Website: http://iiumpress.iium.edu.my/bookshop
احملتويات
5ـ8 هيئة التَّحرير كلمة التَّحرير
بحوث ودراسات
علي أمحد عبد اهلل، العوامل املؤثرة يف نشأة الصحافة يف مملكة البحرين
9ـ 35 وشعيب عبد املنعم الغباشي وظروفها :دراسة تارخيية
حد النص ومقصود
القيود الواردة على الكفارات بني ِّ
37ـ 66 متام عودة عبد اهلل العساف الشارع
إميان سعد عبد الرمحن امللَّ املعجم اللفظي واحلقول الداللية يف رواية الروائي الكوييت
67ـ 97 وعاصم شحادة علي إمساعيل فهد إمساعيل "طيور التاجي"
املناظرة يف تعليم العربية للناطقني بغريها :دراسة توظي
99ـ 147 صاحل بن عياد احلجوري وصفية حتليلية
عديل بن يعقوب احلداثة وأثر الغرب يف األدب العريب
149ـ 178 ومجال عبد الغفار إبراهيم بدوي
احلدث وأمناطا يف الشعر السعودي املعاصر :مقاربة تطبيقية
179ـ 205 سلطانة حممد العتييب للشاعرين الروائيني القصييب والصاعدي
عبد احلليم بن صاحل جتليات الشعر احلر يف األدب العريب
207ـ 227 وحممد موسى كمارا
قواعد النشر وطريقة التوثيق في مجلة التجديد
جملة حمكمة يتم قرار النشر فيها بناء على توصية َّ
حمكمني اثنني على األقل من أصحاب االختصاص. ً
شروط النشر:
أن يكون البحث أصيلً مل يُسبق إرسالا للنشر يف جملة أو جزء من كتاب (وإذا حصل ذل يُغرم الكاتب قيمة .1
املكافأة املدفوعة للمحكمني).
أن يكون حجما بني 5000إىل 7000كلمة ،باإل افة إىل مستخلص للبحث يف حدود 250-200كلمة باللغتني .2
العربيَّة واإلجنليزية (ال يقل عن 15صفحة ،وال يزيد عن 30صفحة مبا يف ذل املراجع واهلوامش) .مراجعة كتاب:
ما بني 1500و 4000كلمة؛ تقارير الندوات واملؤمترات ما بني 1000و 2500كلمة.
أن يقدم البحث مكتوبًا على نظام wordوخبط Traditional Arabicوبنط .16 .3
أن يكون توثيق البحث حسب الطريقة املعتمدة يف ادلة. .4
طريقة التوثيق:
.1عند ذكر املرجع للمرة األوىل:
الكتب :اسم املؤل ،عنوان الكتاب بخط غليظ (مكان النشر :الناشر ،عدد الطبعة إن وجد ،تاريخ النشر)،
ج ،ص.
حممد بن عبد اهلل ،البرﻫان في علوم القرآن ،حتقيقَّ :
حممد أبو الفضل إبراهيم (بريوت :دار الزركشي ،بدر الدين َّ
املعرفة للطباعة والنشر ،ط ،2د .ت) ،ج ،2ص.214
المقاالت :اسم املؤل ،عنوان املقال "بني فاصلتني مزدوجتني" ،اسم ادلة بخط غليظ ،السنة ،العدد ،الصفحة.
لوشن ،نور اهلدى" ،إشكالية املصطلح بني النظرية والتطبيق" ،التجديد ،السنة الثامنة ،العدد السادس عشر،
ص.159
عند تكرار املرجع يف اهلامش التايل مباشرة تتبع الطريقة اآلتية :املرجع نفسا ،ج ،ص. .2
عند تكرار املرجع يف مو ع آخر من البحث ،اسم الشهرة للمؤل ،عنوان الكتاب (بخط غليظ)/أو املقال .3
خمتصراً ،ج ،ص.
طريقة ختريج اآليات :خترج اآليات يف منت البحث ،وليس يف اهلوامش ،ويكون التخريج كاآليت( :البقرة.)25 : .4
حممد بن إمساعيل ،الجامع الصحيح (بريوت :دار إحياء الياث العريب ،ط،3
طريقة ختريج احلديث :البخاريَّ ، .5
1404ه1988/م) ،كتاب الزكاة ،باب :هل يشيي صدقتا ،ج ،2ص .85أما رقم احلديث فذكره اختياري.
مو ع اهلوامش :تعتمد ادلة على و ع اهلوامش يف حاشية كل صفحة ،وليس يف هناية صفحات البحث. .6
ملدير التحرير ،وهيئة التحرير احلق يف إعادة املادة املقبولة للنشر إىل صاحبها إلجراء أي تعديلت يروهنا رورية؛ .7
للحفاظ على املستوى العلمي للمجلة
) ،Rich Text Format (RTFوإرسالا إىل هذا العنوان اآليتtajdidiium@iium.edu.my : يرجى حفظ املقال يف مل .8
المجلد ،23العدد 178-149 )2019/1441( 46
حقوق الطبع محفوظة لـ IIUM Press
الجامعة اإلسالمية العالمية ماليزيا
)ISSN: 1823-1926 (Print
)eISSN: 2600-9609 (Online
ملخص البحث
كانت قضية التأثري الغريب يف األدب العريب ،وما زالت؛ من أخطر القضايا اليت شغلت
احلياة األدبية والثقافية ،وكان هلا تأثريها الوا ح يف تشكيل صورة األدب العريب
احلديث ،وإذا كانت املناداة بالتحديث والتجديد قضية كل عصر؛ فإن عدم املغاالة،
واالستفادة من الياث ،ومعرفة اخلصائص املميزة لكل حضارة ،وخصوصية كل جمتمع،
تعد وابط مهمة لكل حتديث ،وعليا؛ حياول البحث رصد التأثري الغريب وغري ذل ؛ ُّ
يف األدب العريب يف سياقا التارخيي ،ومناقشة قضية احلداثة وانعكاسها يف األدب العريب
احدا من أهم جتليات تأثر األدب العريب بالغرب.
و ً
الكلمات األساسية :احلداثة ،الغرب ،التاريخ ،التأثري ،األدب العريب.
Abstract
The issue of Western influence on Arabic literature has been a serious issue of
study and debate that preoccupied literary and cultural circles. This debate has
had a clear effect on the image of modern Arabic literature and its formation.
Calls for renewal could be heard at every stage of literary history, yet one need
not go extremes in these calls. In fact, benefitting from tradition and knowing
the unique characteristics of each culture and society are important things to
* أستاذ مشارك يف قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية معارف الوحي والعلوم اإلنسانية ،اجلامعة اإلسلمية العاملية ماليزيا،
الربيد اإللكيوينadlihy@iium.edu.my :
** طالب دكتوراه يف قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية معارف الوحي والعلوم اإلنسانية ،اجلامعة اإلسلمية العاملية ماليزيا،
الربيد اإللكيوينgggmaal@gmail.com :
َّم2019 َّﻫ1441 التجديد ـ املجلد الثالث والعشرون ـ العدد السادس واألربعون 150
Abstrak
Isu pengaruh Barat terhadap kesusasteraan Arab adalah satu isu serius yang
menjadi perbincangan dan perdebatan di kalangan sastera dan budaya.
Perdebatan ini mempunyai kesan yang jelas terhadap imej pembentukan
kesusasteraan Arab Moden. Seruan untuk pembaharuan boleh didengari di
setiap peringkat sejarah sastera, namun seseorang itu tidak perlu melampau
dalam seruan ini kerana sebenarnya, perkara penting yang perlu
dipertimbangkan ketika membincangkan pembaharuan ialah memanfaatkan
tradisi dan mengetahui ciri-ciri unik setiap budaya dan masyarakat. Oleh itu,
artikel ini mengkaji pengaruh Barat terhadap kesusasteraan Arab dalam
konteks sejarah dan membincangkan kemodenan dan refleksi dalam
kesusasteraan Arab sebagai contoh utama pengaruh Barat.
Kata kunci: Kesusasteraan Arab, Kemodenan, Pengaruh Barat.
مقدمة
عظيما يراه بعضهم إجيابيًّا ساعد يف هنضة
ً أثراً ترك االتصال بني األدبني العريب والغريب
بينما يراه آخرون سلبيًّا اكتفى،وتنوع أساليبا وجتديدها
ُّ ، واتساع آفاقا،األدب العريب
أو االختلفات الطبيعية، ومل يراع خصوصية األدب العريب،مسوغ
ِّ بالتقليد والنقل من دون
واالجتماعية واأليديولوجية بني البيئة اليت ترعرع فيها األدب الغريب والبيئة اليت نُقل إليها
.أو طُبقت فيها مناهجا ومدارسا الفنية املختلفة
وللوقوف على مكانة األثر الذي تركا األدب الغريب يف األدب العريب ال بُ َّد من
. ومعرفة امللبسات اليت شكلت حدود العلقة بينهما،الرجوع إىل بدايات االتصال بينهما
احدا من أهم جتليات أثر الفكر الغريب يف الفكر العريب يف العصر
ً ومتثل احلداثة و
أمنوذجا لتأثري األدب الغريب ومشايعتا من جانب طائفة كبرية من أدباء
ً ُّ ،احلديث
وتعد
تقدما إال باالقتداء با واتباعا يف كل ما
ً العربية ونقَّادها من املوالني للفكر الغريب ال يرون
وإمنا امتد إىل غريها ممن يعدُّون التأثري، ومل يق التأثري على هذه الطائفة فقط،قال با
نفر منهم حياول إثبات السبق والريادة للياث ٌ انسلخا من ثقافتنا وحضارتنا؛ إذ رال
ً تغريبًا و
يعقوب َّو جمال عبد الغفار إبراهيم بدوي -الحداثة وأثر الغرب في األدب العربي 151
عدلي بن َّ
1إمربت ،إنري أندرسون ،مناﻫج النقد األدبي ،ترمجة الطاهر أمحد مكي( ،القاهرة :مكتبة اآلداب ،د.ط،)1991 ،
مقدمة امليجم.
التجديد ـ املجلد الثالث والعشرون ـ العدد السادس واألربعون َّ 1441ﻫ َّ 2019م 152
1يُنظر :الفاخوري ،حنا ،الجامع في اريخ األدب العربي؛ األدب الحديث( ،بريوت :دار اجليل ،ط ،)1986 ،1ص.10
2يُنظر :ي ،شوقي ،األدب العربي المعاصر في مصر( ،القاهرة :دار املعارف ،ط ،)1992 ،10ص.25
يعقوب َّو جمال عبد الغفار إبراهيم بدوي -الحداثة وأثر الغرب في األدب العربي 153
عدلي بن َّ
1
1734م بعد جتارب وحماوالت عدة منذ عام 1610م.
مث كانت الصدمة احلضارية املزلزلة بقدوم احلملة الفرنسية االستعمارية إىل مصر عام
1798م ،ومثلت املواجهة املباشرة بني الغرب الذي بدأ يتشبث بأسباب العلم واحلضارة،
والشرق الذي طال نوما ،ح فوجئ بالبون الشاسع الذي أ حى بينا وبني احملتل.
ومهما يكن؛ فقد كانت احلملة الفرنسية بداية النهضة ،أو احللم بالنهضة واخلروج
من الركود واجلمود ،إىل العلم والتقدم ،فقد تفتحت األعني على خميعات جديدة ونُظُم
ومناهج مل تعهدها من قبل ،وتاقت نفوس العلماء واملصلحني إىل سد الفجوة احلضارية،
ح وصل حممد علي إىل حكم مصر ،وبدأ مشروعا الذي ارتكز على نقل احلضارة
الغربية ،فأرسل البعثات ،وفتح املدارس ،وشجع اليمجة والنقل والصحافة ،وكان معظم من
استعان هبم من الفرنسيني الذين أسسوا جيشا ومدارسا.
وقد كثرت البعثات اليت أرسلها حممد علي إىل أوروبا وتنوعت بني هندسية وطبية
وصيدلية وقانونية وكيميائية ،وكذل للتخصص يف الطباعة واحلفر وامليكانيكا ...إخل ،وقد
عاد املبتعثون بعلم جديد ،وعقلية جديدة ،فاشتغلوا يف املدارس واملصاحل ،وترمجوا ،وألفوا،
وخططوا ،وهبذا و عوا أساس احلركة الثقافية واألدبية احلديثة ،كما بد وا تطوير اللغة مبا
ترمجوا إليها من علوم حديثة ،ومبا أمدوها من مصطلحات جديدة ،ومبا تناولوه من
2
مو وعات وأفكار منوعة تتصل باحلياة ،وترتبط مبوكب الثقافة اإلنسانية املتطورة.
وقد اشتدت حركة البعثات وإنشاء املدارس ،وبلغت أشدها يف عهد اخلديوي
إمساعيل ،وزادت املدارس ،وتقاطر األجانب على مصر ،ووافق ذل سوء األو اع يف
3
الشام ،فكثر املهاجرون إىل مصر ،وأنشؤوا الصح وادلت.
وقد كانت البعثات اليت أرسلها حممد علي ومن جاء بعده إىل بلد الغرب للتعلم؛
أول اتصال حقيقي ذي أثر منظم مطرد ،وكانت هذه البعثات هي املصدر الرئيس لتخريج
أجيال من األدباء واملثقفني العرب الذين تأثروا باحلضارة الغربية ،بل محل بعضهم لواء
الدعوة إىل اقتفاء أثر الغرب يف كل مناحي احلياة؛ لتنه بلدنا من ختلفها وعثرهتا
احلضارية من دون أدىن اعتبار للفوارق األيديولوجية أو االجتماعية بني الشعوب واألمم.
وكان أثر هذه البعثات كبري جدًّا يف األدب ،بداي ًة من رفاعة الطهطاوي وما قام با يف
التعليم وإنشاء "مدرسة األلسن" ،وما احلركة األدبية العنيفة اليت صاحبت أطروحات طا حسني
مباشرا باألدب الغريب ،أو باملستشرقني وآرائهم.
تأثريا ً
إال مثال وا ح ألولئ الذين تأثروا ً
وقد بدأت البعثات من الشام ،وشهدت ذروة نشاطها وحركتها يف عهد حممد علي
وأبنائا م ن بعده ،ومل يق أثر تل البعثات على املشرق العريب ،بل امتد أثرها اإلصلحي
إىل املغرب العريب ،كما يرى مجال حيمر؛ إذ يذهب إىل أن أصداء إصلحات حممد علي،
ومن أبرزها البعثات الطلبية؛ كانت قد وصلت املغرب قبل بلورة األفكار اإلصلحية ،وأن
مصدرا
ً بع األوساط الفكرية املغربية مل تكن جتهلها ،وعليا؛ فإن البعثات املشرقية كانت
1
مؤثرا يف بروز فكرة البعثات املغرب.
ً
ثالثًا :الترجمة ومكانتها في انتشار الفكر الغربي
أسهمت اليمجة يف تأثر األدب العريب باملدارس واملناهج الغربية يف األدب والنقد ،وقد
مبكرا ،وبرز ميمجون كبار من مثل حممد عثمان جلل ومصطفى املنفلوطي بدأت اليمجة ً
ناقدا مل يسهم يف اليمجة يف بدايات القرن املا ي ،وقد
وغريمها ،ح ندر أن جند أديبًا أو ً
اختلفت مناهج امليمجني وتباينت مدارسهم وأساليبهم ،وال سيما أهنم كانوا ُرَّو ًادا ،وملا
بعد.
تكن مثة قواعد وأسس قد قننت اليمجة أو حددت وابطها العلمية ُ
1يُنظر :حيمر ،مجال" ،البعثات التعليمية يف عهد السلطان موالي احلسن" ،سلسلة شرفات (الرباط :منشورات الزمن،
العدد ،)2015 ،62ص.65
يعقوب َّو جمال عبد الغفار إبراهيم بدوي -الحداثة وأثر الغرب في األدب العربي 155
عدلي بن َّ
ويؤرخ حنا الفاخوري للبدايات األوىل حلركة اليمجة من الغرب وإليا مبا قام با القس
جربائيل الصهيوين من نقل كتاب "نزهة املشتاق يف ذكر األمصار واآلفاق" للمسعودي إىل
درس العربية يف جامعة فرنسية ،ومساه الكاردينال ريشيلو
اللتينية ،وإبراهيم احلاقلين الذي َّ
أيضا يوس السمعاين الذي عددا من الكتب العربية ،و ً
"ترمجان البلط"؛ ألنا ترجم لا ً
أقيم ميمجًا للكتب العربية يف مكتبة الفاتيكان.
مبكرا يف لبنان ،وتسارعت وتريهتا مع قدوم احلملة
أما اليمجة إىل العربية فقد بدأت ً
الفرنسية ،فقد كان الفرنسيون يف أشد احلاجة إىل ميمجني ينقلون أوامرهم ،وييمجون
املنشورات ،ويسجلون حما ر الدواوين ،وقد استعانوا بداية مبجموعة من أسرى البحارة
املسلمني لدى فرسان القديس يوحنا يف جزيرة مالطة ،مث كانوا يصطحبون امليمجني معهم
عند تتبع املمالي الفارين لنقل احلديث بينهم وبني زوجاهتم وأوالدهم عند مهامجة بيوهتم
واالستيلء على أمواهلم ،وعندما قرر نابليون إنشاء الديوان ليساعده يف إقناع املصريني
احدا للرئاسة
حبكما واستتباب األمر لا؛ جعلا مكونًا من تسعة أعضاء ينتخبون من بينهم و ً
1
سر ،ويعينون اثنني من الكتبة واليامجة يعرفان العربية والفرنسية.
وأمني ٍّ
ويقسم مجال الدين الشيال اليمجة يف عهد احلملة الفرنسية إىل ترمجة رمسية؛ كاألمثلة
السابقة ،وترمجة علمية كان يقوم هبا ادمع العلمي الذي أنشأه نابليون ،وأطلق عليا
املستشرقون" :مدرسة العلماء يف بر مصر" ،وقد ا طلع باليمجة املستشرقون الذين جا وا
مع احلملة ونفر من أهل الشام واألقباط وغريهم ممن جيمعهم عدم إتقان العربية ،فجاءت
2
ترمجاهتم ركيكة أقرب ما تكون إىل اللغة العامية.
وعلى الرغم انقطاع اليمجة العلمية جبلء احلملة عن مصر؛ ازدهرت مع تويل أسرة
حممد علي مقاليد احلكم يف مصر ،وقد وجا الفرنسيون -ومنهم بقية من علماء احلملة
1يُنظر :الشيال ،مجال الدين ،اريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسيةو (بورسعيد :مكتبة الثقافة الدينية،
ط1420 ،1ه2000/م) ،ص.36
2يُنظر :املرجع نفسا ،ص.64
التجديد ـ املجلد الثالث والعشرون ـ العدد السادس واألربعون َّ 1441ﻫ َّ 2019م 156
-النهضة العلمية يف عهد حممد علي ،وزادت حركة اليمجة عندما أنشأ اخلديوي إمساعيل
دار األوبرا اخلديوية ،فنشط األدباء يف ترمجة الروايات العاملية إىل اللغة العربية ،فعرب أديب
إسحق رواية "أندروماك" لراسني ،و"الباريزية احلسناء" للكونتس داش ،ونقل طانيوس عبده
"الفرسان الثلثة" إلسكندر توماس ،وترجم أسعد داغر "بعد العاصفة" هلنري بوردو ،ونقل
جنيب احلداد عدة مسرحيات فرنسية إىل العربية 1،واشتهر حممد عثمان جلل بتمصريه
املسرحيات الفرنسية الشهرية من مثل مسرحية موليري "ترتوف" اليت مساها "الشيخ متلوف".
واشتدت حركة اليمجة بعد احلرب العاملية الثانية ،ح حفلت املكتبة العربية بأشهر
الكتب العاملية يف العلم والفلسفة والتاريخ واالقتصاد واألدب ...إخل.
وميكن ملحظة مسات مشيكة شائعة بني شعراء املهجر؛ هي :االهتمام بالتجارب
الذاتية ،والنزوع إىل الثورة على ادتمع ،ورف ُ أكثر ما توا ع عليا الناس ،ونشدان املثل
األعلى بعدِّه قمة السعادة للفرد ،ولكن الشاعر يصطدم بالواقع املر؛ فتغيم أماما الر ى،
ويصبح يف حالة من القنوط واليأس تدفعا إىل إظهار اللوعة واألمل ،وأحيانًا طلب املوت،
وهذه عناصر الرومانسية األوروبية األصيلة؛ 1ذل ألن نفس الرومانسي جمال خصب
للصراع بني القوى واألفكار املتعار ة بني اخلري والشر ،وبني العدل والظلم ،وبني الرول
واجلسد ،وبني العلم واجلهل ،وبني الش واليقني ،ومتثل قصيدة "الطلسم" إلليا أيب ما ي
صورة تعبريية وا حة عن حالة اليدد بني الش واليقني يف حماولة الوصول إىل احلقيقة،
عرب با عن رول القرون
ويرى حممد مصطفى هدارة أن كلم القديس أوغسطينس الذي َّ
2
الوسطى هو األصل الذي استقى منا أبو ما ي فكرة الطلسم.
ويتضح أثر االتصال املباشر بالغرب على أدباء املهجر يف التطور الفكري الذي حلق
جبربان خليل جربان الذي انطلق من لبنان حيمل ثقافة حمدودة ،وعقيدة مسيحية ورثها من
التعمق فيها بالدرس أو التحليل ،فواجا يف أمريكا الشمالية حرية فكرية واسعة،
دون ُّ
وتيارات إيديولوجية متباينة ،وما ذهبت فيا الشيع الربوتستانتية من مذاهب حتررية ش ،
منزعا فلسفيًّا تناولوه يف روابطهم القلمية
فكان من ذل كلا أن نزع املهجريون الشماليون ً
وغري القلمية ،وراحوا يعاجلون حقيقة احلياة ،وعامل الرول ،وصدعتهم آراء "نيتشا"،
3
ورومنطيقية "وليم بلي " ،وختيُّلت "رينان".
وقد أخذ ميخائيل نعيمة على عاتقا حماربة اجلمود والتعصب يف كتابا "الغربال"،
ناقدا ومنظًرا مع أنا شاعر مستقل
أسسا جديدة لتطوير الشعر وجتديده ،وقد كان ً وو ع ً
النظر عميق التفكري ،وقد واكبت جهوده جهود إبراهيم املازين وعباس العقاد وعبد الرمحن
شكري ،غري أهنا اختلفت عنهم يف طريقة اإلبداع ،فقد كان لشعراء املهجر بريادة جربان
ونعيمة وأيب ما ي موق خمتل ،فمع جربان ومجاعتا يبدأ الشعر العريب احلديث املتحرر
من أسر الكلمة والنرب والصياغة ،فشعرهم ثورة على املألوف من احلياة واألفكار وأسلوب
مجيعاُ 1،
وحيدِّد نظمي عبد البديع أهم مظاهر التأثري الغريب يف أدباء املهجر؛ التعبري وطرائقا ً
يف أهنا متثلت يف قضايا :الشعر احلر واملنثور ،والرمزية ،والواقعية ،والرومانسية ،فقد مشل
التأثري الغريب سائر العناصر املكونة لإلنتاج األديب من املو وعات ،وحسن التناول ،ولط
2
التأيت فيما تناولوه.
وهكذا تسربت إىل األدب العريب القضايا الفلسفية الغربية ،واملذاهب الفنية احلديثة ،وكان
من أهم روافدها أدباء املهجر الذين مل تنقطع صلهتم مبوطنهم األصلي ،وال باألدب العريب.
1يُنظر :العشماوي ،حممد زكي ،أع م األدب العربي الحديث وا جاﻫا هم الفنية( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية،
،)2000ص.119
2يُنظر :عبد البديع ،نظمي ،أدب المهجر بين أصالة الشرق وفكر الغرب؛ دراسة حليلية نقدية موازنة( ،بريوت:
دار الفكر العريب ،د.ط ،د.ت) ،ص.292
3يُنظر :مسايلوفيتش ،أمحد ،فلسفة االستشراق وأثرﻫا في األدب العربي المعاصر( ،القاهرة :دار املعارف ،د.ط،
،)1980ص.458
يعقوب َّو جمال عبد الغفار إبراهيم بدوي -الحداثة وأثر الغرب في األدب العربي 159
عدلي بن َّ
بطبعات أنيقة مصححة مزودة بتعليقات نفيسة ،وبفهارس االطلع وجتميع األماكن
واألشخاص واملو وعات ،واشتهروا بتحقيقاهتم اللغوية ،وحبوثهم يف أصول اللغات وفقا
كثريا
اللغة والساميات ،واكتشافاهتم األثرية يف بلد العرب ،وقد غريت هذه االكتشافات ً
1
من نظريات التاريخ اليت كانت متداولة.
وال يعنينا هنا الدوافع الغربية لنشأة االستشراق كما أفاض فيها الناقد الكبري حممود حممد
شاكر مثلً؛ إذ رأى أن حركة االستشراق كانت الرد احلانق احلاقد من أوروبا اليت جيللها العار
بعد اهلزائم املنكرة حلملهتا الصليبية ،مث فجيعتها الكربى بسقوط القسطنطينية ،وتوغل
املسلمني يف وسط أوروبا ،فلم يكن أمامهم من سبيل إال العكوف على أسباب العلم الذي
أخذ با املسلمون وحاذوه ،ومكنهم من السبق والنصر ،فكانت جهود املستشرقني الذين
حبسوا أنفسهم عاكفني على كتب املسلمني ينقلوهنا إىل قومهم ،وقد شكل االستشراق مع
2
التبشري واالستعمار سلل أوروبا اجلديد للتصدي لزح اإلسلم واستعمار بلدانا.
ولعل املوق املتوازن الذي ركن إليا الدكتور مصطفى السباعي هو األقرب إىل
الصواب والعلم ،وذل قولا" :ويف احلق أن كلًّ من الثناء املطلق ،والتحامل املطلق؛ يتناىف
مع احلقيقة التارخيية اليت سجلها هؤالء املستشرقون فيما قاموا با من أعمال ،وما تطرقوا
3
إليا من أحباث ،وحنن من قوم يأمرهم دينهم بالعدل ح مع أعدائهم".
ومع التسليم بأن املستشرقني كانوا يكتبون للمثق األورويب ،وأن كتاباهتم يف كثري
متت إىل الكتابة العلمية بصلة؛ إال أن هذه احلقائق ال تنفي أثر االستشراقمن األحيان ال ُّ
على األدب العريب ،واألثر والتأثري قد يكون إجيابيًّا ،وقد يكون سلبيًّا ،وحركة احلياة ال
ختلو منهما ،ولكن يقظة األمم وحمافظتها على تراثها وثقافتها وهويتها هي ما حتول بني
استشراء السلبيات وحماولة استثمار اإلجيابيات بأكرب قدر متال.
أنموذجا
ً الحداثة
أوالً :مفهوم الحداثة
احلداثة يف اللغة العربية حتمل معاين وظلالً تتعلق بالشباب واجلدة ،فهي تعن :أول األمر،
والشباب ،وأول العمر ،ونقي القدر ،ويرى بع النقاد أن البحث يف جذور احلداثة
العربية أقدم من البحث عنا عند الغرب؛ إذ يرجعها بعضهم إىل القرن السابع اهلجري،
فقد متثلت يف بوادر اجتاه شعري جديد عند :بشار بن برد ،والعتايب ،وأيب نواس ،ومسلم
1
بن الوليد ،وأيب متام ،وابن املعتز ،والشري الر ي.
أما معناها االصطلحي احلديث فجاء ترمجة لكلمتني أجنبيتني رافقتا الظاهرة األدبية
والفكرية يف انطلقتها احلديثة يف أوروبا ،مها يف اإلجنليزية modernismو ،modernity
وهو مصطلح انطلق يف آفاق فكرية وأدبية متثلها حركات ومذاهب امتدت يف إجنليا وفرنسا
وأملانيا وإيطاليا وروسيا.
وقد اختلفت وا طربت ترمجات املصطلح إىل العربية ،فهناك من ييمجها إىل
"العصرية" ،أو "العصرانية" ،أو "املعاصرة" ،أو "احلداثة" ،أو "احلداثية" 2،ويرى عدنان
أيضا،
النحوي أن اال طراب ليس يف املصطلح وحسب ،وإمنا ميتد إىل مفهوم املصطلح ً
وعا أدبيًّا فحسب ،وإمنا متتد إىل معظم ميادين احلياة املادية
ويؤكد أن احلداثة ليست مو ً
يف هذه الدنيا؛ حتمل معها الفكر والفلسفة واالجتماع واالقتصاد والسياسة واألدب ،وإذا
أخذنا امليدان األديب للحداثة جند أنا يتعذر فصلا عن التصور العام الذي حتملا احلداثة
يف الفكر والفلسفة وسائر امليادين 3،وبعد عر ا مقوالت احلداثيني يف الغرب ويف البلد
في الشعر الجزائر المعاصر من 1990إلى ،2010 1يُنظر :طراد ،الصديق ،شظي الداللة من العنوان إلى الن
(رسالة ماجستري يف اآلداب واللغة العربية ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة حممد خيضر ،بسكرة ،)2015 ،ص.14
2يُنظر :النحوي ،عدنان ،قويم نظرية الحداثة وموقف األدب اإلس مي منها( ،الرياض :دار النحوي ،ط،1
1414ه1994/م) ،ص.25
3يُنظر :املرجع نفسا ،ص.29
يعقوب َّو جمال عبد الغفار إبراهيم بدوي -الحداثة وأثر الغرب في األدب العربي 161
عدلي بن َّ
العربية خيرج عدنان النحوي بنتيجة يقول فيها" :إذن؛ هناك صفات جممع عليها بني
حداثيي الغرب وحداثيي بلدنا ،أو أن حداثيي العامل العريب كانوا ناقلني جيدين حلداثة
الغرب جبذورها وفروعها؛ انفصال عن املا ي ،حماربة للياث كلا ،ال دينية وا حة،
غموض ،قلق ،وش ،وحرية" 1،مث يلخص أهم خصائص احلداثة من تعريفات منظريها
ومفكريها ،وهي يف رأيا:
يف املصطلح وترمجتا ،ويف تعري "احلداثة" ذاهتا. -اال طراب والتناق
-الغموض يف األلفاظ واملعاين ،واستخدام األلفاظ الرنانة اليت ال حتمل معها شيئًا
حني نتدبرها ،والضبابية واحلرية والقلق واحلمى.
-االنقطاع عن املا ي والياث وحماربتا.
-حماربة التصور اإلمياين وقواعد التوحيد.
-صراع مع املعتقدات القدمية كلها ،واملعارف كلها.
2
-كسر الشرائع.
احدا من كبار دعاة األدبوال يغيب عن أذهاننا املنطلق األيديولوجي للكاتب و ً
اإلسلمي ومنظريا؛ يتخذ من اإلسلم وعقيدتا منطل ًقا للتصور الشامل للكون والنفس واحلياة،
وموقفا وا ح ِّبني من عنوان دراستا اليت مبتغاها "تقور" نظرية احلداثة ،وبيان موق األدب
بيد أن ما يعنينا هنا هو املعىن الفضفاض ملصطلح "احلداثة" ،فاحلداثة شعار
اإلسلمي منها؛ ض
من أراد التطوير والتجديد والنهوض باألدب من دون انقطاع الصلة بالياث ،بل البناء على
منجزاتا العلمية واحلضارية ،وهي دعوى من يهيل الياب فوق عطاء علمي امتد ألكثر من
يعن
أيضا مسوغ لنفر من اجلهال لينشروا ما ُّ
أل عام ارتوت منا البشرية وما زالت ،واحلداثة ً
هلم من دون ابط وال رابط من منهج أو قاعدة ...إخل.
رمبا يتبادر إىل الذهن أن املوق األيديولوجي هو احملرك ملقوالت عدنان النحوي،
غري أن احلداثة منذ بداياهتا قد رافقها اال طراب واإلهبام والغموض ..." ،فاحلداثة الغربية
جاءت نتاج ثقافة غربية ،واملصطلح النقدي احلداثي إفراز للفلسفة الغربية خلل ثلث
مئة عام من تطورها ،وعلى رغم ذل ؛ فإن احلداثة يف قلب اليبة الثقافية الغربية خلقت
أعداءها والرافضني هلا ،ومل يكن املصطلح النقدي اجلديد أوفر حظًّا ،فهو ميثل أزمة متجددة
ال تفقد قوة دفعها يف حلظة من اللحظات ،فما بالنا بالنسخة العربية اليت نقلت النتائج
مصطلحا نقديًا
ً األخرية للفكر الغريب دون أن تكون لا مقدماتا املنطقية ،واستخدمت
1
جيمع بني غرابة النحت ،وغربة النقل إىل لغة جديدة؟!".
وإذا كان عبد العزيز محودة قد أشار إىل أعداء احلداثة ورافضيها يف قلب تربتها الثقافية
الغربية من دون أن يضرب أمثلة هلم ،فإن دراسة حممد حممود سيد أمحد اهتمت بتفصيل
القول عنهم ،وعن أزمة احلداثة بعامة يف الفكر الغريب ،وال سيما الر ية النقدية الغربية
2
للحداثة يف الفكر واحلياة.
وللوقوف على هتوميات احلداثيني وا طراب مفهوم مصطلح "احلداثة" لديهم،
واستخدامهم لغة مراوغة ال تقول شيئًا يف احلقيقة؛ حيلل عبد العزيز محودة تعريفني لبع
كبار احلداثيني العرب هو جابر عصفور ،مث يعلق قائلً ..." :حماولتا األخرية تل لتعري
احلداثة تتوافر هلا كل مقومات اإلهبار ،فهناك مراوغة امليتالغة اليت تلفت النظر إىل نفسها
يف املقام األول ،وتتعمد الغموض وعدم االلتزام ،ومها الزمتان من لوازم لغة احلداثيني العرب
وغري العرب ،مث إهنا تتطلب االستعانة الدائمة مبعاجم حديثة يف الدراسات النفسية واللغوية
والنقدية لتحديد دالالت املفردات الباهرة -إن كان هذا ممكنًا -من النظرة األوىل ،مثل:
الوعي ،واإلدراك ،واألنا الفاعلة ،والقطيعة املعرفية ...احملاولة تبدأ بتعميم غريب يص فيا
1محودة ،عبد العزيز ،المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك( ،الكويت :سلسة عامل املعرفة ،)1998 ،ص.8
2يُنظر :أمحد ،حممد حممود سيد ،أعداء الحداثة؛ مراجعات العقل الغربي في لزم فكر الحداثة( ،الرياض :مركز
الفكر املعاصر ،د.ط ،)2013 ،ص.139
يعقوب َّو جمال عبد الغفار إبراهيم بدوي -الحداثة وأثر الغرب في األدب العربي 163
عدلي بن َّ
جابر عصفور احلداثة بأهنا اإلبداع يف حتققا على املستوى الثقايف العام؛ إذا كانت احلداثة
هي اإلبداع هبذه العمومية ،فل ضم إذن كل هذه الضجة اليت يثريها احلداثيون العرب؟! بل
إن القول املغل بلغة علم النفس يف مراوغة مقصودة بأن احلداثة حالة وعي تنبثق يف
اللحظة اليت تتمرد فيها األنا الفاعلة للوعي على طرائقها املضادة يف اإلدراك ،وبعد تبسيطا
بعيدا عن غموض احلداثة؛ ال يضي الكثري هو اآلخر ،فاإلبداع حالة وعي أكيدة ،وقد ً
ابتعدنا قرونًا طويلة عن املفهوم األفلطوين عن حماكاة املبدع لألشياء يف عامل املثل والقول
بأن املبدع لألشياء يف عامل املثل يعيش حالة ال وعي يف أثناء اللحظة املبدعة ،تنتقل إىل
كل من الراوي واملتلقي ،وهي بالقطع حلظة تتمرد فيها األنا الفاعلة -بصرف النظر عن
التعريفات النفسية لتل األنا الفاعلة عند احلداثيني -على كل القيود ،وعلى طرائقها
املضادة يف اإلدراك ،واملقصود بالطرائق املضادة هنا -كما يشرل الناقد نفسا يف الكلمات
التالية -هي قيود التقاليد املوروثة اليت جيب أن حيقق معها املبدع قطيعة معرفية؛ لكي يتم
اإلبداع ،فهذا شرط من شروط احلداثة ،وهذا الوعي الضدي علمة فارقة من العلمات
اليت تؤسس الشروط امللزمة لثقافة احلداثة ،وبالرغم من أن جابر عصفور يستدرك يف مجلتا
كدا أن احلداثة ال تعادي التقاليد مبعناها اإلجيايب ،بل تقيم معها علقة حوارية؛
التالية مؤ ً
إال أن ذل االستدراك ال يقلل من أمهية القطيعة املعرفية اليت تتطلب التصفية الكاملة -
وأنا هنا أعيد ترتيب كلماتا فقط -للعناصر الثابتة اليت تفرض نفسها على املكونات
اللواعية هلذا الوعي ،وال ش يف أن تأكيد القطيعة املعرفية هنا يضع الدعوة إىل األصالة
واملعاصرة اليت ينادي هبا احلداثيون العرب ،يف حماولة لتجميل التأثر الصريح بفكر احلداثة
الوافد ،يف مأزق حقيقي ،أما الربط بني احلداثة والتحديث الذي يشري إليا عصفور بقولا
بأن منظومة احلداثة تظل قرينة البحث الذي ال يتوق لتعرف أسرار الكون والسيطرة عليا
فكريًّا وعلميًّا؛ فإنا تعميم آخر ال يستحق املناقشة ،فهدف كل معرفة جديدة هو التعرف
على أسرار الكون والسيطرة عليا ،ومن مث -وحسب ذل التعري الفضفاض للحداثة
التجديد ـ املجلد الثالث والعشرون ـ العدد السادس واألربعون َّ 1441ﻫ َّ 2019م 164
1
-فكل معرفة جديدة حداثة".
وحول أزمة املصطلح النقدي عند احلداثيني العرب يقول عبد العزيز محودة ،وهو أحد
أبناء الثقافة الغربية وتلمذهتا ،وال ميكن اهتاما بالدافع األيديولوجي" :نعم هناك أزمة نقل
أبدا أزمة مصطلح نقدي عريب،
للمصطلح النقدي ،لكن أزمة املصطلح مل تكن ً
فاملصطلحات اليت أفرزهتا احلداثة الغربية يف جتلياهتا يف املدارس النقدية احلديثة من بنيوية
وتفكيكية؛ تثري أزمة عند قراء احلداثة الغربية ذاهتا ،وتواجههم نفس مشاكلنا مع الفارق،
وترتفع الدعوات بني احلني واآلخر لتوحيد املصطلح النقدي ح نصل إىل دالالت معرفية
2
نقدية شبا متفق عليها".
ولكن تفلُّت مصطلح "احلداثة" من أي حماولة لإلمساك با يراها بعضهم إحدى مميزاتا؛
دائما ،فمن الصعب أن منس املعىن فيا ألنا يتغري ويتبدل ،ويظهر كل ألنا ينشد التجديد ً
مرة بشكل جديد ،وهذا ما جيعلا مستقطبًا األنظار ،حمتلًّ الصدارة ،مستوليًا على العقول،
3
أخريا بعد رحلة حبث دامت قرونًا".
شعارا للفرد الغريب ،ومل ًذا وجده ً
وأصبح ً
النقاد إىل أن أصول احلداثة العربية أقدم من احلداثة الغربية؛ إذ يعودون ويذهب بع
هبا إىل أيب نواس ،وبشار بن برد ،وأيب متام ،ممن حاولوا التخلص من القيود القدمية يف
الشعر ،وقاموا مبحاوالت جتديدية يف اللغة ،والتعبري اجلمايل ،ومقدمات القصائد ،وغريها
يقاوم بشدة من أنصار القدر ،ولكن؛ على الرغم من ذل تبقى حداثة العرب مل
مما كان ض
تنشأ نتيجة فكر أو فلسفة ،وإمنا هي جمرد جتديد اقتضاه عدم جدوى الوسائل التقليدية،
فاحلداثة حداثة غربية تلقيناها من اآلخر (الغرب) ،وحاولنا تطويعها ملناخنا الفكري ،وهذا
من أهم أسباب غموض املصطلح ،وعدم و وحا ،وإن ادعى بعضهم أنا أصبح مل ًكا
لنا ،ولكن الواقع ال ميكن أن يتحرر مما حيملا من فكر وثقافة وحضارة وفلسفة كانت سببًا
معاصرا ،وبني أصوهلا
ً مفهوما
يف ظهوره ،وهذا هو السبب يف اتساع اهلوة بني احلداثة العربية ً
وجذورها يف الياث العريب القدر ،مما جعل الغرب يستمر يف ريادتا وهيمنتا ،ومل يعد
1
أيضا.
يفرض مستجدات ،بل أصبح يغري ثوابتنا ً
دافعا قويًّا لتطور العلوم
ويقر عدنان النحوي بأن احلداثة واألسلوب احلداثي كانا ً
التطبيقية ،والفكر ،والعلوم اإلنسانية ،وال سيما أن هلذه العلوم قواعد مستقرة يف البحث
2
والدراسة تقربيًا.
أما بالنسبة إىل الفنون واآلداب فقد كان فيها متنفس واسع للضغط اهلائل
واملتناقضات اليت تعرض هلا اإلنسان ادتمع ،فلم جيد اإلنسان أمام السيل اهلادر من احلرية
والش واإلفلس؛ غري اهلروب أيسر السبل ،اهلروب إىل الرمز الذي حتول بعد ذل إىل
3
الغموض والتهور.
1قطب ،سيد ،نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر( ،جدة :الدار السعودية ،ط ،)1969 ،1ص.6
التجديد ـ املجلد الثالث والعشرون ـ العدد السادس واألربعون َّ 1441ﻫ َّ 2019م 168
اجليل؛ ألهنا يف هذا الو ع تثري اعيا ات يتوقَّاها هو أشد التوقي ،بل يريد هلا أن تكون
اتباعا للما ي ،وهو هلذا يقرر يف سبعني صفحة من الكتاب هذه النظرية؛
امتدادا للقدر ،و ً
ً
أن مصر أمة غربية وليست أمة شرقية ،وأهنا كانت غربية منذ عهد الفراعنة ح اليوم ،ومل
1
يوما ما شرقية".
يوما ما شرقية ،ومل تطق أن تكون ً
تكن ً
مث رال قطب يفند هذه الدعوى الغريبة بداية من املصطلحات واملعاين اليت استخدمها
طا حسني ،فهو يقصد بالغرب أوروبا ،وبالشرق اهلند والصني واليابان ،ولعل أخطر النقاط
اليت عاهبا هي القفزات الذهنية العجيبة بني املقدمات والنتائج؛ ألن أهم ما يطنطن با
عميدا لكلية
تلمذتا هو العقلنية واملنهج العقلي ،يقول قطب ..." :ملا كان الدكتور ً
اآلداب ،ومن زعماء األدب والثقافة يف هذا اجليل ،فإنا ال يعنينا منا أن يذكر لنا حقائق
صحيحة يف مجلتها ،بل يعنينا أكثر أن تكون الطرق العقلية إىل هذه احلقائق صحيحة
2
أيضا".
منوذجا كاملً لتلميذه الكثريين ،وملريديا الكثريين ً
كذل ،ح يكون ً
ويتابع سيد قطب مبنهج علمي نقد أطروحات الكتاب ال رأى فيها شططًا وإصر ًارا
على االدعاء بأن مصر أوروبية وليست شرقية ،ويصل أحيانًا إىل التهكم املوحي بضع
األدلة اليت يسوقها طا حسني حبماس عجيب؛ يقول ..." :الدكتور تشتد با احلماسة،
الرول تأصل الرول األوروبية فينا ،و ع
فريتدي ثوب اخلطيب ،ويرول يربهن على ُّ
الشرقية ،بأن أشد احملافظني فينا اليوم لن ير وا بالتخلي عن احلضارة اجلديدة ،ولن يقبلوا
الرجوع إىل العصور الشرقية األوىل يف مأكل أو مشرب أو عدة حرب ،وهذا دليل أي دليل
يوما شرقيني! وأخشى ما أخشاه إن حنن ذهبنا مع استدالل
على أن املصريني مل يكونوا ً
الدكتور إىل هنايتا أن حنكم بأن األوروبيني اليوم ليسوا بأوروبيني! أليس أهل أوروبا اليوم
الير ون أن يعيشوا عيشة األوروبيني السالفني منذ قرن واحد من الزمان؟ أليس نفورهم
هذا القرن ،فلم يكن هدف الناقد هدم الشعر اجلاهلي أو قتلا ،وإمنا كان هدفا إنقاذ هذا
الشعر والتحقق مما فيا من صدق ،وهو مل يقصد إىل إحداث خلخلة يف نظام األشياء
بقدر ما قصد إىل تنبيا اجلهاز العصيب للدارسني والباحثني وإخراجهم من حتت رماد
وخرائبا ،إهنا مل تكن أكثر من هجمة مباغتة أريد هبا أن تشق حفرة كبرية يف الت خل
سكوننا ويف وجودنا ،فنحن نظلم الدكتور طا حسني حني نتصور أنا أراد بضربة ريشة
ذل وكلنا يعلم أن من أهم واحدة أن يقضي على تاريخ الشعر اجلاهلي كلا ...وكي
يوما عن
حسنات ناقدنا وأفضالا على احلياة األدبية يف مصر والعامل العريب أنا مل يسكت ً
الدعوة إىل االهتمام باألدب العريب القدر ،يف وقت كان املثقفون يفتنون باألدب األورويب
1
محاسا جعلهم ينبذون تراثنا القدر".
ويتحمسون لا ً
بار بأستاذه ،غري أننا ال ميكن أن نغفل عن اللهجة العاطفية،إنا دفاع تلميذ ٍّ
واألسلوب اإلنشائي الذي استخدما يف الدفاع ونفي التهمة عن أستاذه ،فليس األمر جمرد
تصور خاطئ أو سوء فهم أو ظلم لعميد األدب العريب وسقراطا ،وإمنا هي قضية أُلفت
فيها مقاالت وكتب ح وصلت إىل النيابة ،وا طر أن يغري اسم كتابا من "يف الشعر
اجلاهلي" إىل "يف األدب اجلاهلي"؛ ح يتسىن لا إعادة طبعا ،فنحن أمام حقائق بيديد
مقوالت املستشرقني املوغلة يف التطرف واملغاالة ،وأمام تشبث وا ح مبا دعا إليا وحورب
من أجلا ،فل جمال إذن للبحث يف النوايا اخلبيئة بعد ما جاهر ك ٌّل مبا عنده وقاتل يف
تطرق إليا عبد العزيز محودة
سبيلا ،أما دعوتا إىل التمس بالياث وتذوقا؛ فرمبا يفسره ما َّ
املوجا إىل
املوجا إىل العرب وخطاهبم َّ
من انشطار احلداثيني العرب وترددهم بني خطاهبم َّ
الغرب ،وهو ما سنعرج عليا الح ًقا ،فقد يضيء بع اجلوانب املهمة يف حبثنا هذا حول
تأثري الغرب يف األدب العريب.
كانت القضايا اليت أثارها طا حسني جديرة مبا أثارتا يف وقتها من جدل وحركة صاخبة
يف احلياة األدبية مل تكن لتهدأ ح تعود أشد قوة وصخبًا ،ولكن خطا احلداثيون فيما بعد
خطوات متسارعة؛ فريق ينهل مما وصل إليا الغرب من تقدم وعلم ،وجيتهد يف حتصيل ما
فاتا واللحاق بركب التقدم ،وفريق يدعو دعوات أقل ما يقال عنها إهنا مريبة الصطدامها
بثوابت األمة ،بل بالثوابت أيًّا كان؛ يقول كمال أبو ديب" :احلداثة انقطاع معريف" ،ويشرل
هذا التعبري الغام الذي صاغا من ظلما وتيها ،فيقول" :ذل أن مصادرها املعرفية ال
تكمن يف مصادر الياث ...والفكر الدين ،وكون اهلل مركز الوجود ...إذن؛ هي فتنة صرحية
1
دخلت العامل اإلسلمي من أبواب الفكر واألدب والسياسة واإلعلم".
هذا الطرل الصادم من كمال أيب ديب ،والنقد الصارخ من عدنان النحوي؛ يظهران إىل
أي مدى وصلت احلداثة أو يراد هبا أن تصل ،ولكن؛ هل ما يقدما احلداثيون حديث حقًّا؟
يص عبد العزيز محودة ما حيدث يف احلياة األدبية العربية باألمر املؤمل حني تدعو
منهجا نفسح لا ادال ليتغلغلحكمت اخلطيب يف محاسة منقطعة النظري الختاذ البنيوية ً
يف حياتنا الثقافية؛ يقول" :إن احلديث عن تغلغل املشروع البنيوي يف واقعنا الثقايف يف
منتص الثمانينيات أمر مؤمل حقًّا ،فقد كانت البنيوية يف بلد النشأة قد دفنت وووريت
الياب منذ عام 1966على وجا التحديد بعد حما رة جاك دريدا املشهورة يف مؤمتر جبامعة
جونز هوبكنز اليت تعترب مانفستو ما يعرف اآلن بالتفكي ،بل إن التفكي نفسا كان -
يف الوقت الذي كانت تنشر فيا حكمت اخلطيب دراستها -قد بدأ يتلقى الضربات من
الرافضني لا يف الواليات املتحدة؛ مقره الرئيسي ،ومن الداعني للمدرسة التأرخيية اجلديدة،
2
هذا باإل افة إىل أن البنيوية نفسها كانت قصرية العمر يف بلد املنشأ بشكل ملحوظ".
وقد بلغ االفتتان بالغرب لدي طائفة من املثقفني مبلغًا صارت فيا الرطانة بأي
مصطلح وافد هي العلم والتنوير وجواز املرور واالعتماد يف عامل الثقافة واألدب ،ولكن
تبقى اإلشكالية الكربى هي أن هذا املوروث الضارب يف أعماق البنية الفكرية والنفسية
عرب القرون لإلنسان العريب -إن جاز التعبري -ومنطلقاتا ومزاجا وتكوينا؛ ال يستسيغ
ما تلوكا ألسنة معظم هؤالء املتغربني ،وال جيد نفسا وروحا فيا من قريب أو بعيد.
وقد يتبادر إىل الذهن أن القلق الروحي يف مواجهة التغريب يعانيا املتلقي؛ غري أن
لعبد العزيز محودة رأيًا آخر معل ًقا على مقولة شكري عياد" :إن احلداثي العريب لا حضوران
حيرص عليهما قدر استطاعتا؛ حضور يف جمتمعا العريب ،حضور أمام مراكز الثقافة الغربية"؛
يقول محودة" :لقد و ع شكري عياد يده بذكاء على جوهر أزمة احلداثيني العرب ،وهي
ازدواجية الوالء ،تل االزدواجية اليت حاولوا إخفاءها لسنوات برفع شعار فرغ اآلن من
معناه وهو األصالة واملعاصرة؛ ازدواجية الوالء اليت نتحدث عنها هنا تفسر عملية االنشطار
قدما يف املشرق
الدائمة والتناقضات القائمة واملستمرة عند احلداثيني العرب الذين يضعون ً
وقدما يف الغرب األورويب واألمريكي ،وقد ظللنا لسنوات نفسر بع هذه العريب ً
التناقضات على أهنا يف داخلنا حن ن قراء احلداثة العربية ،وننحى باللئمة على ما أمسيناه
بأزمة املصطلح النقدي ،كنا نتصرف على أساس أن األزمة اليت تواجهنا ترجع إىل فشل
يف نقل املصطلح النقدي إىل العربية من ناحية ،أو فشل فهم دالالتا من جانب املتلقي
من ناحية أخرى ،دون أن نعيف يف شجاعة بأن األزمة ليست أزمة مصطلح ،بل أزمة
واقعني ثقافيني وحضارتني خمتلفتني ،وقبل مناقشة هذا املدخل احلقيقي لألزمة دعونا نؤكد
1
أن هذا ال يعن انتفاء أزمة املصطلح".
ال ش َّ يف أن هناك دراسات جادة كثرية استفادت من الفكر الغريب ،وطورت
مستطاعا بغري استعارة املناهج
ً الدراسات النقدية واللغوية العربية ،وأ افت إليها ما مل يكن
الغربية ،وتطبيق ما يستجد منها ،ولكننا بسبب حمدودية البحث؛ نعرض طريف القضية يف
أقصى درجات التباين؛ لندرك حجم التحديات اليت يواجهها األدب العريب يف طريق
وتابعا ومفعوالً با ،كأمر
احلفاظ على خصائصا وهويتا ،يف الوقت الذي أصبح فيا ناقلً ً
واقع و رورة حضارية!
ُّ
يعد مصطفى هدارة الشاعر صلل عبد الصبور صورة للتوازن بني االستفادة من
منجزات األدب الغريب واالعتزاز بالياث العريب من دون تقديس أو مبالغة؛ إذ يراه ثابت
بعيدا من محأة التغريب الذي وقع فيا رواد كبار قبلا؛ يقول" :وكان صلل مدرًكا
اجلأش ً
تاما مبوقفا ،وهلذا هاجم الدعوات (االستغرابية) الصادرة من سلمة موسى يف كتابا
إدرا ًكا ًّ
(اليوم والغد) ،والدكتور حسني فوزي يف كتابا (سندباد عصري) ،والدكتور طا حسني يف
كتابا (مستقبل الثقافة يف مصر) ،ويقول يف ذل :هذه الدعوات احلارة إىل االستغراب
هي لون من السخط على الواقع حني تستبد احلماسة هبذا السخط فتحرفا عن جمالا
أيضا نعرف أن مكاننا جغرافيًّا هو هذا املكان ،وأن وراثتنا البيئية هي
الصحيح ...ولكننا ً
يوما ،وأن كل ما نكسبا من
هذا املرياث العريب الذي كان زاهيًا وافيًا باحتياجات عصره ً
االس تغراب هو أن ننسى مشية الغراب ،وال نستطيع أن نقلد مشية الطاووس ،إن علينا
معا ،وأن حناول أن نوفق بني موقعنا من خارطة احلضارة
عندئذ أن نر ى مبا ينا وحبا رنا ً
1
العاملية واندفاع هذه احلضارة وتقدمها".
ولكن خيتل املوق النقدي لدى بع أهم شعراء احلداثة والنقاد املعاصرين؛
الشاعر السوري أدونيس؛ إذ ازداد غمو ً ا ،وخرج عن الياث ،بل يرى بعضهم ُّ
تنكره
للياث ،ومن هنا جاء شعره صعبًا عصيًّا على الفهم ،مما جعل النقاد حيجمون عن دراستا
خمافة التورط يف سوء الفهم ،أو اخلطأ يف التفسري ،ونتج عن ذل قلة الدراسات املفصلة
املتأنية اليت تعتمد حتليل النص ،وقد تعر ت طريقتا وأسلوبا للهجوم ،وتعرض للتشكي
يف الوالء والعقيدة بسبب نصوص قد خيتل النقاد يف تأويلها وتفسريها ،وجهوده النقدية
ال تقل بأي حال عن جهوده الشعرية متعة ،فقد جاءت موجزة مكثفة فيها طريقة الشاعر
2
يف اللمحة الذكية.
ولبيان مدى خطورة األمر وملبساتا يف مو وع التأثر والتأثري بني األدب الغريب واألدب
العريب؛ جند التحذير الدائم من مغبة السري من دون بصرية خل احلضارة الغربية ،ولكن من
الطري أن يأيت هذا التحذير ممن روجوا هلذا املسل ،ودعوا هلذا الطريق ،فكما رأينا من قبل
تقدما ،وأدهشنا
دعوة طا حسني لألخذ بكل ما يأيت من الغرب إن كنا نريد هنضة وحضارة و ً
بإصراره على نفي العلقة بني مصر والشرق؛ لريبطها بالغرب يف تعس وشطط وا ح ،ولكن
حتذيرا وا ًحا من اجلري وراء الغرب يورده حممود حممد شاكر ،ويعدُّه شهادة ووثيقة بالغة
لا ً
األمهية واخلطورة على واقعنا األديب والثقايف ،فطا حسني حيذر من أن "الذين يظنون أن احلضارة
شرا
خالصا خيطئون ،فقد محلت احلضارة احلديثة إىل عقولنا ًّخريا ًاحلديثة محلت إىل عقولنا ً
غري قليل ...فكانت احلضارة احلديثة مصدر مجود وجهل ،كما كان التعصب للقدر مصدر
أيضا ...هذا الشاب أو هذا الشيخ الذي أقبل من أوروبا حيمل الدرجات اجلامعية، مجود وجهل ً
منتفشا ،ومؤمنًا
منتفخا ً
وحيسن الرطانة بإحدى اللغات األجنبية ...جيلس إلي وإىل غريك ً
بنفسا وبدرجاتا وبعلما احلديث أو أدبا احلديث ،مث يتحدث إلي كأنا ينطق بوحي أبولون،
فيعلن إلي يف حزم وجزم أن أمر القدر قد انقضى ،وأن الناس قد أظلهم عصر التجديد...
وهذا الشاب حية من حايا احلضارة احلديثة" ،ويعلق حممود حممد شاكر على شهادة طا
حسني قائلً" :إن شهادة الدكتور على اختصارها؛ إمنا هي وجا آخر لشهاديت اليت كتبتها
هنا ،قاهلا هو من موقع األستاذية ،وقلتها أنا من موقعي بني أفراد جيلي الذي أنتمي إليا ،وهو
املفرغ من كل أصول ثقافة أمتا ،وهو اجليل الذي تلقَّى صدمة التدهور األوىل،
جيل املدارس َّ
1
دوامة من التحول االجتماعي والثقايف والسياسي".حيث نشأ يف َّ
خاتمة
يرى حممد مندور رورة االستنارة باملكاسب األدبية الفنية واإلنسانية العامة اليت أصبحت
مل ًكا لإلنسانية كلها ،وال يصح أن حيارهبا أحد بدعوى أهنا وافدة من اخلارج 2،ولكن؛
تبقى مسؤولية النقاد واألدباء احملافظة على تراث أمتهم ،فل جمال للتقدم والرقي إذا فقدت
األمم هويتها وطابعها الذي مييزها من غريها من األمم ،وال ميكن أن يباري أحد يف رورة
االستفادة من منجزات العلم أينما وجدت ،مع األخذ باحلسبان أن الغزو الثقايف والفكري
كان وما زال من أهم أدوات االستعمار للسيطرة على الشعوب ،و"ليس من ش يف أن
تأثري ثقافة أمة من األمم وآداهبا وفنوهنا يف األمم األخرى مرتبط ارتباطًا وثي ًقا بقوة تل
أيضا
ً األمة سياسيًّا واقتصاديًّا اجتماعيًّا وحضاريًّا ،ومركزها يف ادال الدويل ،وما من ش
يف أن السيطرة االستعمارية الغربية قد وفدت إىل بلدنا يف وقت مل نكن منل فيا من
املقومات الثقافية واألدبية ما نستطيع أن نؤثر يف الغزاة املستعمرين الذين قهرتنا
1
حضارهتم".
إن مو وع أثر األدب الغريب يف األدب العريب مو وع قدر جديد ،ما زال يف حاجة
إىل مزيد من الدراسات اليت تنري الطريق أمام األدباء والنقاد واجلمهور على سواء؛ خلطورتا
ومساسا هبوية األمة وما يها ومستقبلها.
References: المراجع:
Aḥmad, Muḥammad Maḥmūd Sayyid, AÑdā’ al-Ḥaḍāthah; MurājaÑāt al-ÑAql fī Taa‘zzum
Fikr al-Ḥadāthah, (Riyahd: Markaz al-Fikr al-MuÑāṣir, 2013).
Al-Fakhūrī, Ḥanā, al-JāmiÑ fī Tārīkh al-Adab al-ÑArabī; al-Adab ala-Ḥadīth, (Beirut: Dār al-
Jīl, 1st Edition, 1986).
Al-Naḥwī, ÑAdnān, Taqwīm Naẓariyyah al-Ḥadāthah wa Mawqif al-Adab al-Islāmī minhā,
(Riyadh: Dār al-Naḥwī, 1st Edition, 1414/1994).
Al-ÑAshmāwī, Muḥammad Zakī, AÑlām al-Adab al-ÑArabī al-Ḥadīth wa Ittijātuhum al-
Fanniyyah, (Alexandria: Dār al-MaÑrifah al-JāmiÑiyyah, 200).
Al-RāfiÑī, Muṣṭafā Ṣādiq, Taḥta Rāyat al-Qurān, (Cairo: Mua‘ssasah Hindāwī li al-TaÑlīm
wa al-Thaqāfah, 2014).
Al-Shayyāl, Jamāl al-Dīn, Tarīkh al-Tarjamah fī Miṣr fī ÑAhd al-Ḥamlah al-Faransiyyah,
(Port Said: Maktabah al-Thaqāfah al-Dīniyyah, 1st Edition, 1420/2000).
Al-SibāÑī, Muṣṭafā, al-Istishrāq wa al-Mustashriqūn Mā lahum wa Mā Ñalayhim, (Beirut: al-
maktab al-Islāmī, no date).
.
Guidelines to Contributors
At-Tajdid is a refereed journal published twice a year (June and December) by the
International Islamic University Malaysia (IIUM). Articles are published based on
recommendation by at least two specialized peer reviewers. Submissions must strictly
abide by the following rules and terms:
1. Be the author’s original work. Simultaneous submissions to other journals as well
as previous publication thereof in any format (as journal articles or book chapters)
are not accepted. (Should this happen, the author is duty bound to refund the
honorarium paid to the reviewers.)
2. Be between 5000 and 7000 words including the footnotes (articles); book reviews
between 1500 and 4000 words; conference reports between 1000 and 2500 words.
3. Include a 200-250 abstract both in Arabic and English.
4. Cite all biographical information in footnotes when the source is mentioned for the
first time (e.g., full name[s] of the author[s], complete title of the source, place of
publication, publisher, date of publication, and the specific page[s] being cited). For
subsequent citations of the source, list the author’s last name, abbreviate the title,
and give the relevant page number(s).
5. Provide a separate full bibliographical list of all sources cited at the end of the article.
6. Qur’anic references (e.g. name of surah and number of verse[s]) must be given in the
main text immediately after the verse[s] cited as follows: Al-Baqarah: 25).
7. Hadith citations must be according to the following format: Al-Bukhāri, MuÍammad
ibn Ismā‛Êl, al-Jāmi‛ al-ØaÍÊÍ (Beirut: Dār IÍyā’ al-Turāth al-‛ArabÊ, 1404/1988),
“Kitāb al-Zakāh”, ÍadÊth no. x, vol. y, p. z.
8. Titles of Arabic books and encyclopedias as well as names of Arabic journals cited
must be in bold characters. Counterparts of all these in English and other non-
Arabic languages using Latin script must be italicized. Titles of journal articles,
encyclopedia entries, and chapters in collective books in any language must be put
between inverted commas (“….”).
9. Traditional Arabic should be used for main text (16 points) and footnotes (12 points)
of articles/book reviews and conference reports. Simplified Arabic must be used for
main title (20 points) and subtitles (18 points).
10. Include a cover sheet with author’s full name, current university or professional
affiliation, mailing address, phone/fax number(s), and current e-mail address.
Provide a two-sentence biography.
11. The editor and editorial Board retain the right to return material accepted for
publication to the author for any changes, stylistic and otherwise, deemed necessary
to preserve the quality standard of the journal.
12. Submissions should be saved in Rich Text Format (RTF) and sent to
tajdidiium@iium.edu.my
A Refereed Arabic Biannual
Published by International Islamic University Malaysia
Editor-in-Chief
Prof. Dr. Majdi Haji Ibrahim
Editor
Dr. Muntaha Artalim Zaim
Editorial Board
Prof. Dr. Ahmed Ibrahim Abu Shouk
Prof. Dr. Muhammed Saadu al-Jarf
Prof. Dr. Waleed Fikry Faris
Prof. Dr. Nasr El Din Ibrahim Ahmed Hussein
Prof. Dr. Jamal Ahmed Bashier Badi
Assoc. Prof. Dr. Salih Mahgoub Mohamed Eltingari
Dr. Abdulrahman Helali
Language Reviser
Dr. Adham Muhammad Ali Hamawiya
Layout
Dr. Muntaha Artalim Zaim