You are on page 1of 258

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫‪1‬‬
‫ُرفُــــوف‬
‫اسات‬ ‫مجّلـة دوليـة دورية َ ِ‬
‫الدر َ‬
‫طوط و ّ‬
‫مح ّكمة ُتعَنى َبق َضايا المخ ُ‬
‫يمية َ‬
‫أكاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫انية‬
‫اإلنس ّ‬
‫َ‬
‫يصدرها مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا‬
‫جامعة أحمد دراية أدرار‪ -‬الجزائر‬

‫المجلد السادس العدد األول‬


‫اإليداع القانوني‪2013-6352 :‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬

‫العنوان البريدي‪ :‬مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا‬


‫جامعة أحمد دراية أدرار ‪ -‬الجزائر‬
‫الطريق الوطني رقم ‪ 06‬أدرار ‪01000‬‬
‫الهاتف ‪ /‬الفاكس‪0021349361832 :‬‬
‫البريد اإللكتروني‪rofouf@yahoo.fr :‬‬
‫مالحظة ‪ :‬يمكن تصفح جميع موضوعات أعداد مجلة رفوف عبر صفحة‬
‫البوابة الجزائرية للمجالت العلمية ‪ ASJP‬على الرابط اآلتي‬
‫‪https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/132 :‬‬
‫وعبر رابط المخبر اآلتي‪http://univ-adrar.dz/lamaf :‬‬
‫•وعبر بوابة منصة " المنهل ‪ " almanhal‬المنصة اإللكترونية‬
‫وقاعدة البيانات الرائدة في عالم المحتويات العربية على الرابط‬
‫اآلتي‪www.almanhal.com :‬‬

‫‪2‬‬
‫هيئــة المجلـــة‬

‫مدير جامعة احمد دراية أدرار‬ ‫األستاذ الدكتور نور الدين أدجرفور‬ ‫الرئيس الشـرفي‪:‬‬
‫مدير المخبر‬ ‫مديـر المجـلـــة و رئيس التحرير‪ :‬األستاذ الدكتور أحمد جعفري‬
‫األستاذ الدكتور إدريس بن خويا‬ ‫مساعد رئيس التحرير‪:‬‬
‫التدقيق اللغوي باللغة العربية‪ :‬الدكتور عبد الرحمان العربي‬
‫التدقيق اللغوي باللغات األجنبية‪ :‬الدكتور الطاهر عبو‬

‫الهيئة العلمية االستشارية للعدد ‪ 13‬من المجلة‬ ‫هيئة تحكيم العدد‪:‬‬


‫جامعة أدرار‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬فوزي بورصالي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد جعفري‬
‫جامعة أدرار‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد دباغ‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬قصاصي عبد القادر‬
‫جامعة أدرار‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬رابح دفرور‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬إدريس بن خويا‬
‫جامعة الجزائر‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬الشريف مريبعي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬الحاج أحمد الصديق‬
‫جامعة تيزي وزو‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بلعيد‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬قوراري سليمان‬
‫جامعة تلمسان‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد زمري‬ ‫د‪ .‬العربي عبد الرحمان‬
‫جامعة تلمسان‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبد القادر سالمي‬ ‫د‪ .‬باللي مبارك‬
‫جامعة وهران‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صفية مطهري‬ ‫د‪ .‬قصباوي عبد القادر‬
‫جامعة مستغانم‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جياللي بن يشو‬ ‫د‪ .‬سامي الماضي‬
‫جامعة سيدي بلعباس‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬حبيب مونسي‬ ‫د‪ .‬بكير حمودين‬
‫جامعة وهران‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الحليم بن عيسى‬ ‫د‪ .‬مصطفى أحمد قنبر‬
‫جامعة آزاد اإلسالمية‪ ،‬همدان‪ ،‬ايران‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬على طاهرى‬ ‫د‪ .‬محمد السعيد بن سعد‬
‫جامعة الشلف‬ ‫د‪ .‬مختار درقاوي‬ ‫د‪ .‬خليفي عبد الحق‬
‫السعودية‬ ‫د‪ .‬إبراهيم باجس‬ ‫د‪ .‬قاسم جاخاتي‬
‫نيجريا‬ ‫د‪ .‬الخضر عبد الباقي‬ ‫د‪ .‬بكوش حورية‬
‫جامعة قطر‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عيسى بوقا نون‬

‫جامعة‪ .‬كيراال الهند‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد الندوي‬


‫جامعة‪ .‬نواقشط موريتانيا‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الودود ولد عبد هللا‬
‫جامعة السودان‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد خالد عبد الرحمان‬
‫جامعة حائل السعودية‬ ‫د‪.‬محمد األمين بريك أن‬

‫‪3‬‬
‫ٌٌ‬ ‫ُُ‬
‫فـــــــــــــوف‬‫ر‬
‫دولية دورية أكاديمية محكمة تعنى بقضايا المخطوط والدراسات اإلنسانية‬
‫أ ‪/‬شروط النشر في المجلة‪:‬‬
‫‪ /01‬يشترط فيما يقدم للمجلة أن يكون أصيالا ولم يسبق تقديمه لمجلة أو أية جهة ناشرة‬
‫أو أكاديمية‪ ،‬وأن ال يكون جزءا من رسالة علمية‪ .‬ويتعهد الباحث بذلك خطيا عند تقديم‬
‫البحث للنشر‪.‬‬
‫‪ /02‬أن يكون البحث المقدم خاضعا ألسس البحث العلمي وشروطه‪.‬‬
‫يتولى تحكيم البحث محكمان أو أكثر حسب تقدير هيئة التحرير‪.‬‬‫‪ّ /03‬‬
‫‪ /04‬ترسل األعمال المرشحة للنشر إلى عنوان المجلة ‪:‬‬
‫‪https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/132‬‬
‫وتكون مطبوعة على الحاسوب باستعمال ‪ Word‬وفقا لوثيقة اإلرشادات والتوصيات‬
‫والتوجيهات الالزمة إلعداد المقال والمدرجة في صفحة المجلة بعنوان تعليمات المؤلف‪.‬‬
‫‪ /05‬توضع الهوامش بصفة آلية في أسفل كل صفحة (جديد لكل صفحة)‪ .‬على أن‬
‫توضع قائمة المصادر والمراجع في نهاية البحث‪.‬‬
‫‪ /06‬يرفق المقال بملخص بما ال يزيد على ‪ 150‬كلمة (باللغة العربية أو الفرنسية أو‬
‫اإلنجليزية) غير اللغة التي كتب بها‪.‬‬
‫‪ /07‬يجب أن ال يتجاوز المقال خمسة عشر صفحة وال يقل عن ثمان صفحات‪.‬‬
‫بالمقاييس العادية للورقة‪.‬‬
‫‪ /08‬تحتفظ المجلة بحقها في عدم نشر أي بحث وتُعد ق ارراتها نهائية وال ترد األبحاث‬
‫التي لم تقبل ألصحابها‪.‬‬
‫‪ /09‬يخضع ترتيب األبحاث في المجلة لمعايير فنية‪.‬‬
‫‪ /10‬اآلراء الواردة في المجلة تخص أصحابها وال تعبر بالضرورة عن رأي المجلة ‪.‬‬
‫‪/11‬إدارة المجلة تتب أر من أي سرقة علمية تكون قد فاتت المحكمين للمقال‪ ،‬ويتم‬
‫اكتشافها الحقا‪ ،‬وتحتفظ بكامل حقوقها في المتابعة القانونية لصاحب المقال‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كلمة العدد‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم على أشرف خلق هللا أجمعين نبينا محمد عليه‬
‫أفضل الصالة وأزكى التسليم وبعد‪.‬‬

‫تطل علينا مجلة "رفوف" في عددها الثالث عشر ‪-‬حسب التسلسل القديم‪ -‬في ترقيم‬
‫جديد ونافذة جديدة فتحتها الو ازرة الوصية وجمعت بموجبها شتات المجالت العلمية في‬
‫الجزائر في بوابة جامعة وموحدة هي البوابة الجزائرية للمجالت العلمية ‪."ASJP‬‬

‫وفي هذا العدد الجديد من" رفوف " الذي جاء حامال للرقم األول من المجلد السادس‬
‫سيالحظ القارء تغي ار في التسلسل والترقيم ليتماشى مع القالب الجديد للبوابة حيث يرمز‬
‫المجلد لسنوات النشر(‪ )2018/2017/2016/2015/2014/2013‬بينما الترقيم هو‬
‫لرقم العدد المنشور في نفس السنة ‪.‬‬

‫وفي عددها األول من مجلدها السادس لم تحد مجلة رفوف عن خطها وتصنيفها في‬
‫النشر فاستقبلت لذلك موضوعات مختلفة في قضايا المخطوط والدراسات اإلنسانية عامة‬
‫أبدع في كتابتها نخبة من األساتذة من داخل الوطن ومن خارجه مناقشين ومستفسرين‬
‫عن قضايا بحثية مختلفة فاهلل نسأل أن يعم النفع ويسدد الخطى وهللا من وراء القصد‬
‫وهو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬

‫األستاذ الدكتور أحمد جعفري‬

‫رئيس تحرير مجلة رفوف‬

‫‪5‬‬
‫محتويات العدد‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫رسالة على تحقيق البسملة للشيخ محمد األمير الكبير المالكي (ت‪1233‬هـ) دراسة‬

‫‪37-7‬‬ ‫وتحقيق‬

‫البابلي باسم عبد الرحمن البابلي‪ ,‬الجامعة اإلسالمية بغزة فلسطين‬


‫المجالت التراثية ودورها في خدمة المخطوط العربي‬
‫‪59-38‬‬
‫عزوزي بشير‪ ,‬جامعة محمد البشير اإلبراهيمي‪ ،‬برج بوعريريج‬
‫البيوتات العلمية بـﭬورارة إبان القرن الحادي عشر الهجري تدقيق الروايات الشفهية‬
‫‪85-60‬‬ ‫بحقائق المصادر المدونة‬
‫الفاطمي محمد‪ ,‬جامعة تلمسان‬
‫داللة مفهوم الموافقة عند الشريف التلمساني (ت ‪771‬ه ) من خالل كتابه مفتاح‬
‫‪105-86‬‬ ‫االصول الى بناء الفروع على االصول‬
‫عالتي حفصة‪ ,‬جامعة احمد دراية أدرار‬
‫تجليات الداللة السياقية في تفسير كتاب هللا العزيز لهود بن محكم الهواري األوراسي‬
‫‪123-106‬‬
‫بحيدة عبد العزيز‪ ،‬جامعة احمد دراية أدرار‬
‫صور من آراء ابن حزم األندلسي واجتهاداته الفكرية (‪384‬ه‪456 -‬ه‪994/‬م‪-‬‬
‫‪148-124‬‬ ‫‪ 1063‬م)(دراسة لمنهجه في األديان والخالفة واإلمامة والتقليد واإلجتهاد)‬
‫باريك محمد األمين‪ ,‬كلية اآلداب والفنون – جامعة حائل المملكة العربية السعودية‬
‫إسهامات العلماء الجزائريين في البالغة العربية‬
‫‪168-149‬‬
‫فاطمة صغير‪ ,‬المركز الجامعي مغنية والية تلمسان‬
‫ّ‬
‫المعلقات النحوية في الجزائر – ألفية ابن معطي أنموذجا‬
‫‪193-169‬‬
‫أعبلله لحبيب جامعة احمد دراية أدرار‬
‫المولديات النبوية في المديح النبوي الجزائري القديم وسماتها الفنية‬
‫‪226-194‬‬
‫جميلة معتوق‪ ،‬جامعة احمد دراية أدرار‬
‫المكان ودالالته التراثية في رواية مملكة الزيوان لحاج أحمد الصديق‬
‫‪243-227‬‬
‫زهراء رابح‪ ،‬جامعة احمد دراية أدرار‬
‫ديناميكية النص األدبي في ضوء ميكانيزمات القراءة المنهجية السليمة‬
‫‪258-244‬‬ ‫صباح مجاهدي‪ ,‬المركز الجامعي أحمد زبانة‪ -‬بغليزان‬

‫‪6‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫رسالة على تحقيق البسملة للشيخ محمد األمير الكبير المالكي‬


‫(ت‪1233‬هـ) دراسة وتحقيق‬
‫د‪ .‬باسم عبد الرحمن البابلي‪ ،‬كلية اآلداب‪ -‬قسم اللغة العربية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية –‬
‫فلسطين – غزة‬

‫البريد اإللكتروني‪bbabli@iugaza.edu.ps :‬‬ ‫•‬

‫الملخص‪:‬‬

‫تقدم هذه المخطوطة نموذجاً ألحد علماء العصر العثماني الكبار‪،‬‬


‫حيث يعرض فيها بعض موضوعات البالغة العربية‪ ،‬والنحو‪ ،‬من خالل‬
‫وقوفه على البسملة‪ ،‬في ثالثة مباحث‪ ،‬وتنبيه‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬

‫وقد تناول في المبحث األول كلمة (أبتر) وتداولها بين التشبيه‬


‫البليغ‪ ،‬أو االستعارة التبعية‪ ،‬ووقف في الثاني على حرف الجر (الباء) في‬
‫(بسم) ليعرض تناوب الحروف والخالف في وجوده‪ ،‬والثالث في معنى‬
‫البسملة‪ ،‬حيث فرق بين المعنى المصدري‪ ،‬والحاصل بالمصدر‪ ،‬وعرض‬
‫خالف العلماء في تلك المباحث‪ ،‬وأضاف عليها تعليقات في التنبيه‪،‬‬
‫والخاتمة‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬األمير الكبير؛ البسملة؛ أبتر؛ المجاز؛ حروف الجر‪.‬‬

‫‪7‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:
This manuscript presents a sample for one of the great
Ottoman scholars. Where the author presents in the manuscript
some topics of Arabic rhetoric syntax, through his study of
(Basmalah), means (by the name of God) in three parts, alert, and a
conclusion,
He studied in the first section the word (Abtar) ranged
between eloquent simile, and dependency metaphor, and studied in
the second section preposition (B) from (Besm) means (by the
name) to introduce the rotation of the letters and the difference in
its existence, In the third he studied the meaning of (Basmalah),
and distinguished between the Infinitive, and the significance
emergent meaning of Infinitive.
He presented of the scholars' disagreement in those
sections, then he added comments in the alert, and the end.
Keywords: Amir Al – Kabeer, Basmalah; Abtar, allegory,
Prepositions.

8
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫إن كنوز الحضارات تحتاج من علماء العصور إلى اهتمام وتكاتف‪ ،‬للكشف‬
‫عن تلك الكنوز الثمينة‪ ،‬لتستفيد منها األجيال‪ ،‬بوقوفها على الماضي األصيل‪ ،‬فتنير‬
‫حاضرها‪ ،‬وتصنع مستقبلها‪.‬‬

‫وتحقيق مخطوطات التراث بوابة هذا النهوض الحضاري‪ ،‬ومن هذه الكنوز‬
‫وقفت على هذه المخطوطة‪ ،‬لعالم من علماء العصر العثماني‪ ،‬الذين تركوا بصمتهم‬
‫في األجيال الالحقة لهم‪.‬‬

‫ويعد العصر العثماني من العصور التي غمطت حقوقها؛ لقلة الكشف عن‬
‫معادنها الثمينة‪ ،‬وكنوزها الدفينة‪ ،‬ورأيت في هذه المخطوطة نسمة من نسمات‬
‫العصر‪ ،‬ولمحة من ملحه اللطيفة‪ ،‬التي تشي بعلو شأن علمائها‪ ،‬وسمو مقاصدهم‪.‬‬

‫وقد تضمنت المخطوطة وقفات من األمير الكبير على البسملة‪ ،‬بالغياً‬


‫ونحوياً‪ ،‬في ثالثة مباحث‪ ،‬وتنبيه وخاتمة‪ ،‬وكان المبحث األول في تحديد نوع‬
‫ال َال يبدأُ ِف ِ‬
‫يه ِبَب ْسمِ‬ ‫(ك ُّل أ ِ‬
‫َم ٍر ذي َب ٍ ُ ْ َ‬
‫االستعارة في (أبتر) من قوله صلى هللا عليه وسلم ُ ْ‬
‫الر ِحيمِ َف ُه َو أَْب َتُر) أهي تبعية أم تشبيه بليغ‪.‬‬
‫الر ْح َم ِن ه‬ ‫هِ‬
‫َّللا ه‬

‫وكان المبحث الثاني في الباء من (بسم هللا) ومعانيها‪.‬‬

‫أما المبحث الثالث فقد تحدث فيه في معنى البسملة من حيث المعنى‬
‫المصدري والحاصل بالمصدر‪.‬‬

‫ثم نبه على أمور في المعنى المصدري والحاصل بالمصدر‪ ،‬ووجه التسمية‬
‫فيما سبق‪ ،‬ومتى يقال معنى مصدري أو حاصل بالمصدر‪.‬‬

‫ولقد كانت خاتمته بأن التكليف بالفعل الحاصل بالمصدر ال بالمعنى‬


‫المصدري‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وقد قسم الباحث عمله إلى قسمين‪:‬‬

‫األول تضمن الدراسة النظرية للمخطوط‪ ،‬مقدماً بترجمة للمؤلف‪ ،‬ومبيناً‬


‫موضوعها‪ ،‬ونسبتها‪ ،‬ووصفها‪..‬‬

‫والثاني تعلق بتحقيق المخطوطة‪ ،‬وتوثيق ما استعجم منها وتخريجه من‬


‫مظانه‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬الدراسة‬

‫ترجمة المؤلف‬
‫(‪)1‬‬

‫اسمه ونسبه وكنيته‪ :‬أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر‬
‫بن عبد العزيز السنباوى‪ ،‬المالكي‪ ،‬المغربي األصل‪ ،‬المصري الدار‪ ،‬األزهري‪ .‬المعروف‬
‫باألمير الكبير‪ ،‬اشتهر باألمير ألن جده أحمد كانت له إمرة في الصعيد‪ ،‬وأصله من‬
‫المغرب‪.‬‬

‫مولده ونشأته‪ :‬ولد في ناحية سنبو (بمصر) سنة ‪1154‬هـ‪.‬‬

‫مكانته العلمية‪ :‬شيخ الشيوخ‪ ،‬عالمة الديار المصرية‪ ،‬األستاذ العالم‬


‫الفهامة‪ ،‬المتفنن في العلوم كلها نقليها وعقليها وأدبيها‪ ،‬إليه‬
‫العالمة العمدة الفاضل ّ‬
‫انتهت الرياسة في العلوم بالديار المصرية‪ ،‬عالم بالعربية‪ ،‬ومن فقهاء المالكية‪ ،‬تعلم‬
‫في األزهر‪ ،‬كان وهو ابن تسع سنين حافظاً للقرآن مجوده على الشيخ المنير‪ ،‬وتصدر‬
‫إللقاء الدروس في حياة شيوخه‪ ،‬ونما أمره واشتهر فضله وذكره في اآلفاق خصوصاً‬
‫بالد المغرب‪ ،‬وتأتيه الصالت من سلطان المغرب وتلك النواحي في كل عام‪ ،‬توجه في‬
‫مهم لدار السلطنة وألقى هناك دروساً حضره فيها علماؤهم وشهدوا بفضله واستجازوه‬
‫وأجازهم بما هو مجاز به من أشياخه‪ .‬وكان رقيق القلب لطيف المزاج وكان لسانه‬
‫فصيحاً وذوقاً صحيحاً ونظمه مليحاً‪.‬‬

‫‪ -1‬فهرس الفهارس ‪ 139 -133/1‬وشجرة النور الزكية ‪ 363-363/1‬واألعالم ‪.71/7‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫شيوخه‪ :‬حضر دروس أعيان عصره واجتهد في تحصيله‪ ،‬وأخذ عن أعالم‬


‫منهم‪ :‬الصعيدي الزمه أكثر من عشرين سنة وانتفع به‪ ،‬والنور السقاط‪ ،‬والتاودي‪،‬‬
‫وأخذ عن أعالم غيرهم من أئمة المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية وأجازوه إجازة‬
‫عامة منهم حسن الجبرتي ويوسف الحفني وأخوه محمد وعطية البصير ومحمد بن‬
‫عبد السالم الناصري‬

‫تالميذه‪ :‬أخذ عنه وعن رفيقه الشرقاوي النور حسن العطار غالب األشياخ‬
‫المصريين‪ ،‬ووفد عليه الطالبون وأخذ عنه من ال يعد كثرة منهم ابنه محمد وأجازه‬
‫إجازة عامة بما في فهرسته المذكورة والشيخ الدسوقي وعلي الزوالي المهدوي وأجازه‬
‫بما ذكر وصالح بن عبد الجبار الفرشيشي والشيخ مصطفى العقباوي وأحمد الصاوي‬
‫والشيخ حسن األبطحي والشيخ حجازي والشيخ علي بن عبد الحق القوسي وأجازه‬
‫والشيخ أحمد منة هللا‪.‬‬

‫مصنفاته‪ :‬أّلف فهرسة حافلة أتى فيها على تفصيل روايته عن هؤالء‬
‫األعالم والكتب المؤلفة في السنة والفقه والكالم والتفسير والنحو واللغة والتصوف‬
‫والقراءات وغير ذلك من الفنون والعلوم الشرعية وطرق سندها إلى مؤلفيها وأسمائهم‬
‫ووفياتهم‪ ،‬وأكثر كتبه حواش وشروح أشهرها (حاشية على مغني اللبيب البن هشام‪-‬‬
‫ط) في العربية مجلدان‪ ،‬ومنها (اإلكليل شرح مختصر خليل‪-‬خ) في فقه المالكية‪،‬‬
‫وحاشية على شرح الزرقاني على العزية‪-‬خ) فقه‪ ،‬و(حاشية على شرح ابن تركي على‬
‫العشماوية‪-‬ط) فقه‪ ،‬و(المجموع‪-‬ط) فقه‪ ،‬وشرحه‪ ،‬و(ضوء الشموع على شرح‬
‫المجموع‪-‬ط) و(حاشية على شرح الشيخ خالد على االزهرية‪-‬ط) نحو‪ ،‬و(حاشية على‬
‫شرح الشذور‪-‬ط) نحو‪ ،‬و(تفسير المعوذتين‪-‬خ) و(تفسير سورة القدر‪-‬خ) و(انشراح‬
‫الصدر في بيان ليلة القدر‪-‬ط) و(حاشية على شرح عبد السالم لجوهرة التوحيد‪-‬ط)‪.‬‬
‫وله (ثبت‪-‬ط) في أسماء شيوخه ونبذ من تراجمهم وتراجم من أخذوا عنهم‬

‫‪11‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وفاته‪ :‬توفي عاشر ذي القعدة سنة ‪1232‬هـ بالقاهرة‪ .‬عن مائة وثالثين‬
‫سنة‪ ،‬وكانت جنازته في مشهد حافل جداً‪ ،‬ودفن بجوار مدفن الشيخ عبد الوهاب‬
‫العفيفي‪.‬‬

‫دراسة الكتاب‬

‫مقدمة المحقق‬

‫الحمد هلل المنعم المتفضل‪ ،‬والصالة والسالم على من عليه القرآن أنزل‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين وبعد‪..‬‬

‫هذه مخطوطة لطيفة‪ ،‬تمثل جزءاً من مرحلة زمنية غمطت حقها في الدراسة‬
‫العلمية الموضوعية‪ ،‬وإبراز علمائها ومؤلفاتها‪ ،‬وبيان مصادر قوتها وضعفها‪ ،‬ولقد‬
‫وقفت على هذه الرسالة المختصرة‪ ،‬ألجد نفسي واقفاً أمام عالم شمولي‪ ،‬لديه من‬
‫بحور العلم‪ ،‬ما يأنس طلبته به‪ ،‬ويشبع بعض حاجتهم‪ ،‬وشغفهم‪ ،‬فمحمد األمير‬
‫المالكي الكبير‪ ،‬وقف على البسملة بفيض من أنوار متنوعة‪ ،‬نحواً وصرفاً‪ ،‬وبالغة‪،‬‬
‫وفقهاً‪ ،‬وحديثاً‪ ،‬وفلسفة‪ ،‬وجدالً‪ ،‬وجعل من البسملة وحدها بوابة لهذه الفنون‬
‫المتنوعة‪..‬‬

‫سبب تأليف الرسالة‬

‫بين األمير الكبير أن سبب وقوفه على البسملة ما كان في بدايات حياته‬
‫العلمية‪ ،‬وهو في العشرين من عمره‪ ،‬حيث جلس لمطالعة شرح اآلجرومية للشيخ خالد‬
‫األزهري‪ ،‬فرغب أن يخرج في االفتتاح عن الكالم التقليدي المبتذل على البسملة في ظل‬
‫حضور نخبة من ذوي األفهام‪ ،‬ثم طلب منه بعد ذلك جمعها‪ ،‬فاستجاب وزاد عليها‪.‬‬

‫ولقد اجتمع في الرسالة على صغرها علوم عدة‪ ،‬منها اللغة واأللفاظ‪،‬‬
‫والبالغة والبيان‪ ،‬والنحو والصرف‪ ،‬والتفسير والحديث والفقه‪ ،‬حيث أظهرت وقفاته نتفاً‬
‫من هذه العلوم بما يدل على سعة العلم واالطالع‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫منهجه‬

‫لقد ميز األمير شخصيته العلمية المنظمة‪ ،‬حيث قسم رسالته إلى ثالثة‬
‫مباحث‪ ،‬وتنبيه‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬

‫وكان عرضه يعتمد االستفهام بالسؤال ليقدم عليه الرد والجواب‪ ،‬مغلقاً أبواب‬
‫الشك‪ ،‬أو التردد‪ ،‬ومثاله " إن قلت‪ :‬كيف‪ ..‬قلت‪ :‬على مذهب‪ ."..‬ومثله أيضاً‪" :‬فيرد‬
‫سؤال‪ :‬هل هي من األلفاظ المشتركة كاشتراك عين بين معانيها؟ وتحقيق جوابه أن‬
‫الباء‪"..‬‬

‫تنوعت شواهده بين القرآن والحديث والشعر‪ ،‬على الرغم من قلتها في‬
‫الرسالة على البسملة‪.‬‬

‫وقد وقف على مسائل خالف بين مذهبي البصريين والكوفيين في حرف الجر‬
‫الباء‪.‬‬

‫وقد كان في منهجه العزو إلى من يأخذ عنهم‪ ،‬بالتصريح والتفصيل في‬
‫أغلب األحيان‪ ،‬وأخص مشايخه والعلماء‪ ،‬ومثاله ما كان ينقله عن الفهامة عصام‬
‫الدين‪ ،‬والعالمة السمرقندي‪.‬‬

‫وكان يغلف قناعاته وترجيحاته بين العلماء بثوب التواضع‪ ،‬نحو قوله "والذي‬
‫أفهمه‪ ،‬أن الحق ما قاله العالمة السمرقندي"‪.‬‬

‫وكان ملفتاً تأدبه مع من ينقل عنهم باستعماله ألفاظ التقدير والتبجيل‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫العالّمة‪ ،‬الفهامة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أهمية الرسالة‬

‫يميل الباحث إلى أن أهمية المخطوط نابعة من أهمية مؤلفها‪ ،‬فصاحب‬


‫المخطوط من العلماء المعدودين في تلك المرحلة‪ ،‬والذين كثر التتلمذ على أيديهم‪،‬‬
‫فضالً عما ورد من كثرة مؤلفاته‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬والتي ظهرت في ترجمته بجالء ووضوح‪.‬‬

‫وقد لفت انتباه المحقق أن الوقوف على البسملة وعلى شرح سورة الفاتحة‬
‫ظاهرة بارزة في تلك المرحلة‪ ،‬حيث وردت شروح وحواش ووقوفات عليها تشرحها‬
‫شرحاً بالغياً وفلسفياً ولغوياً ونحويا‪..‬إلخ‪ ،‬ومنهم على سبيل الذكر ال الحصر رسالة‬
‫القيصري على البسملة (ت‪1253‬هـ) ‪ ،‬وابن سودة (ت‪1321‬هـ)‪ ،‬وإدريس العراقي‬
‫(ت‪1183‬هـ) له (شرح إحياء الميت في أحاديث البسملة والحمدلة)‪ ،‬وإسماعيل‬
‫الجوهري (ت‪1165‬هـ) له (رفع االستار المسبلة عن مباحث البسملة)‪ ،‬والشنواني‬
‫(ت‪1019‬هـ) له (قرة عيون ذوي االفهام بشرح مقدمة شيخ اإلسالم) على البسملة‪،‬‬
‫والنيفر (ت‪1277‬هـ) له رسالة في البسملة‪ ،‬والصبان (‪1206‬هـ) له (الرسالة الكبرى)‬
‫في البسملة(‪ ،)1‬وغيرهم الكثير‪.‬‬

‫ويظن المحقق أن هذه المالحظة تتوافق مع النزعة الصوفية المنتشرة في‬


‫بقاع دولة الخالفة العثمانية‪ ،‬ولذا فإن عقد دراسات موازنة بين تلك الشروحات يعد من‬
‫الدراسات التي تكشف صفحات العلم في ذلك العصر‪.‬‬

‫ويرى المحقق أن هذه الدراسات ستكون أكثر دقة وموضوعية في الحكم على‬
‫الم َؤهلف عن غيره‪ ،‬ويبرز تفاوت العلماء‪ ،‬ومقدار التأثير والتأثر بينهم وبين‬
‫تميز هذا ُ‬
‫من سبقهم‪ ،‬ولذا فإن مساحة هذه المقالة تركز على إظهار النص المحقق ألحد‬
‫العلماء األعيان لذلك العصر‪.‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬األعالم ‪.297/6 .19/6 ،63/2 ،321/1 ،280/1 ،139/1 ،70/1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مصادره‬

‫تنوعت مصادره التي صرح بها من علماء ومؤلفات‪ ،‬ومنهم الفهامة عصام‬
‫الدين‪ ،‬والعالمة السمرقندي في حواشي رسالته‪ ،‬وكتاب المغني البن هشام‪ ،‬األستاذ‬
‫بدر الدين أبو عبد هللا موالنا محمد الحنفي في حاشيته على السمرقندية على رسالة‬
‫الوضع"‪ ،‬والعالمة عبد الرحمن عضد الملة والدين‪ ،‬شيخنا أبو الحسن العالمة المحقق‬
‫الشيخ علي العدوي‪.‬‬

‫منهج التحقيق‬

‫اعتمد المحقق ضبط النص ضبطاً سليماً‪ ،‬وتعقب السقطات والتصحيف‪،‬‬


‫والمقارنة بين النسختين للوقوف على اللفظ الصحيح‪ ،‬وتقويم فكر النص‪ ،‬وتفسير ما‬
‫استعجم فهمه من األلفاظ‪.‬‬

‫وقد قمت بتخريج نصوص الرسالة من آيات و أحاديث وأشعار‪ ،‬وتخريج‬


‫النصوص األخرى‪ ،‬باإلضافة إلى ترجمة أعالم الرسالة‪.‬‬

‫وصف المخطوطة ومصدرها‬

‫المخطوطة األولى (أ)‬

‫تعود ملكيتها لقسم المخطوطات‪ ،‬بجامعة الرياض‪ ،‬برقم ‪ ،1957‬وتتكون من‬


‫ست أوراق‪ ،‬بقياس (‪17×24‬سم)‪ ،‬وكل ورقة تضمنت صفحتين‪ ،‬وعدد سطور كل‬
‫صفحة ثالثة وعشرون سط اًر‪ ،‬وهي بخط النسخ‪ ،‬وناسخها على قاسم المجدلي‬
‫الشامي‪ ،‬وقد اعتمدتها كنسخة أولى‪ ،‬لوضوح خطها‪ ،‬وقلة الطمس فيها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وتبدأ بـ‪1/" :‬ب‪ /‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬وصلى هللا على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم(‪ ،)1‬أما بعد حمد هللا على أفضاله‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد‪،‬‬
‫وآله‪ ،‬فأقول بعون إلهي ومالكي‪ ،‬وأنا ذو العيوب‪ ،‬محمد األمير المالكي‪."..‬‬

‫وفي الورقة األخيرة‪ " :‬ولنقف إلى هنا‪ ،‬ضارعين لسيدنا محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم أن يلطف بنا إلهنا والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫تمت بحمد هللا وعونه على يد كاتبه لنفسه قاسم المجدلي الشافعي مذهباً‪،‬‬
‫الشامي إقليماً‬

‫غفر له ولجميع المسلمين‬

‫والمرجو ممن اطلع على غلطته أن يصلحها‪ ،‬والتوب‪.‬‬

‫وكان الفراغ من كتابة هذه الرسالة شهر رمضان‪ ،‬خال ‪ ،27‬سنة ‪1255‬هـ‬
‫من الهجرة النبوية‪ ،‬على صاحبها أفضل الصالة والسالم"‪.‬‬

‫المخطوطة الثانية (ب)‬

‫تعود ملكيتها لجامعة الملك سعود‪ ،‬ومصنفة في النحو‪/‬لغة عربية‪ ،‬برقم‬


‫‪ ،2298‬تتكون من أربعة أوراق‪ ،‬وهي مختلفة المسطرة‪ ،‬بقياس (‪16×22‬سم)‪ ،‬وهي‬
‫بخط النسخ‪ ،‬وناسخها أحمد حسن‪ ،‬وقد تضمنت صفحة الغالف وقوفاً على عبارة‬
‫للعالمة العدوي رحمه هللا تعالى في الحمد‪ ،‬ال عالقة لها برسالة محمد األمير‪.‬‬

‫نسبة المخطوط للمؤلف‬

‫كانت نسبة المخطوط لألمير واضحة في كلتا المخطوطتين‪ ،‬حيث ذكر في‬
‫صفحة غالف النسخة األولى (أ) أن "هذه رسالة على تحقيق البسملة للشيخ محمد‬

‫‪ - 1‬الجملة موجودة في (ب)‪ ،‬وغير موجودة في (أ)‬

‫‪16‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫األمير المالكي" وذكر أيضاً تاريخ وفاته سنة ‪1232‬هــ‪ ،‬اعتماداً على ترجمته في‬
‫تاريخ الجبرتي‪.‬‬

‫وفي النسخة الثانية (ب) ذكر في غالفها "هذا تعليق لطيف على البسملة‬
‫لألستاذ الكبير والعلم الشهير سيدي الشيخ محمد األمير‪ ،"..‬وفي مقدمة الرسالة على‬
‫البسملة "وأنا ذو العيوب محمد األمير المالكي"‪.‬‬

‫ولم يعثر الباحث في كشف الظنون وإيضاح المكنون عن نسبة المخطوط‬


‫لألمير‪ ،‬حيث لم يذكر فيها من مؤلفاته كلها سوى عشرة‪ ،‬ولكن ورد في األعالم‬
‫(‪)1‬‬
‫للزركلي أن المنياوي له حاشية على شرح األمير للبسملة سماها (سمير األمير‪)..‬‬
‫وقيل (السمير على شرح األمير)‪.‬‬

‫‪ - 1‬األعالم ‪.283/3‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صورة لبداية المخطوطة (الغالف والصفحتين األولى واألخيرة)‪،‬‬


‫نسخة (أ)‬

‫‪18‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صورة الصفحة األولى‪ ،‬نسخة (أ)‬

‫‪19‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صورة الصفحة األخيرة‪ ،‬نسخة (أ)‬

‫‪20‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صورة الغالف‪ ،‬نسخة (ب)‬

‫‪21‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صورة الصفحة األولى‪ ،‬نسخة (ب)‬

‫‪22‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صورة الصفحة األخيرة‪ ،‬نسخة (ب)‬

‫‪23‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬التحقيق‬

‫ورقة الغالف ‪1/‬أ‪ /‬هذه رسالة على تحقيق البسملة‬

‫للشيخ محمد األمير المالكي‬

‫غفر له‪ ،‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬المتوفى سنة ‪1233‬‬

‫كاتبه الفقير علي قاسم‪ ،‬لنفسه ولمن ينتفع به‬


‫(‪) 1‬‬

‫‪1/‬ب‪ /‬بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم(‪،)2‬‬

‫أما بعد حمد هللا على أفضاله‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد‪ ،‬وآله‪،‬‬
‫فأقول بعون إلهي ومالكي‪ ،‬وأنا ذو العيوب‪ ،‬محمد األمير المالكي‪ ،‬لما كان منتصف‬
‫شهر ذي الحجة‪ ،‬من سنة ثالث وسبعين ومائ ٍة وألف‪ ،‬وهي تمام عشرين سنة من‬
‫سني‪ ،‬وسبع سنين من اشتغالي بالعلم‪ ،‬ساقني مدبر المقاصد إلى مطالعة شرح‬
‫اآلجرومهية للشيخ خالد(‪ ،)3‬فلما أردت االفتتاح أراد حضور المجلس جماعة من ذوي‬
‫ُّ‬
‫األفهام الصحاح‪ ،‬لما أنه أول قراءتي‪ ،‬فتأملت فإذا الكالم في البسملة مبتذل مملول‪،‬‬
‫وذكر الشائع الذائع من شيم الجهول‪ ،‬فركبت جواد فكري متوجهاً لخالقي وولي أمري‪،‬‬
‫علي بأمور ما سمعتها بهذا المقام من بيان‪ ،‬وما رأيتها فيه مسطورة لبنان‪ ،‬فبعد‬
‫فمن ه‬
‫ه‬
‫جمعها‪ ،‬فأجبتهم ضاماً إليها فوائد أخرى‪،‬‬
‫َ‬ ‫ذلك التمس مني غير واحد من اإلخوان‬
‫مبتهالً إلى هللا تعالى بحبيبه المقبول عنده ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أن يجعلني ممن‬
‫ال يشرك غيره معه‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (أ) ‪ :‬بها‪.‬‬


‫‪ -‬الجملة موجودة في (ب)‪ ،‬وغير موجودة في (أ)‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الشيخ خالد بن عبد هللا بن أبي بكر بن محمد الجرجاوي األزهري‪ ،‬نشأ وعاش في القاهرة‪ ،‬له شرح اآلجرومية‬ ‫‪3‬‬

‫والتصريح بمضمون التوضيح في شرح أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪( ،‬ت‪905‬هـ)‪ .‬انظر‪ :‬األعالم ‪.297/2‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وانحصر الكالم في ثالثة مباحث وتنبيه وخاتمة‪ ،‬ونسأل هللا حسن البادئة‬
‫والخاتمة‪.‬‬

‫المبحث األول في (أبتر)‬

‫الر ْح َم ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫يه ِببس ِم ه ِ‬ ‫َم ٍر ِذي َب ٍ‬
‫َّللا ه‬ ‫ال َال ُيْبَدأُ ف َ ْ‬ ‫(ك ُّل أ ْ‬
‫من قوله صلى هللا عليه وسلم ُ‬
‫الر ِحيمِ َف ُه َو أَْب َتُر)(‪.)1‬‬
‫ه‬

‫معلوم أن أصل األبتر الحيوان الذي ال ذنب له‪ ،‬والمراد من هذا التركيب‬
‫الشريف أنه ناقص شرعاً‪ ،‬فهو إما تشبيه بليغ بحذف األداة‪ ،‬أي (كأبتر)‪ ،‬أو استعارة‬
‫شبه النقصان الشرعي بنقصان الذنب‪ ،‬بجامع القبح‪ ،‬واستعار اسم المشبه‬
‫تبعية‪ّ ،‬‬
‫‪2/‬ب‪ /‬به وهو لفظ (أبتر) للمشبه‪ ،‬ثم اشتق منه أبتر بمعنى ناقص شرعاً؛ ألن أبتر‬
‫اسم فاعل (بتر)‪ ،‬كـ(حمد) فهو (أحمد)‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬كيف االستعارة مع الجمع بين الطرفين على وجه ينبئ عن التشبيه‪،‬‬
‫إذ المشبه موضوع‪ ،‬والمشبه به محمول‪ ،‬قلت‪ :‬على مذهب السعد(‪ )2‬في تجويز نحو‪:‬‬
‫شجاع‪ ،‬وقياسه هنا مفهوم أمر‬
‫ٍ‬ ‫(زيد أسد) من أن المشبه كلي الموضوع‪ ،‬أي مفهوم‬ ‫ٌ‬
‫ّ‬
‫ناقص شرعاً‪ ،‬والمذكور جزء المشبه ال نفسه‪ ،‬فما هنا بمنزلة كل فرد من أفراد الشجاع‬
‫أسد‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫[الذي هو]‬

‫أو مجاز مرسل عالقته اإلطالق؛ وذلك أن أصل البتر نقصان الذنب؛ فأريد به‬
‫مطلق النقص‪ ،‬ثم استعمل في النقص الشرعي‪.‬‬

‫"ك ُّل َك َال ٍم‬


‫‪ -‬انظر‪ :‬كنز العمال ‪ /555/1‬ح‪ ،2491‬وقد ورد في غير مصدر بروايات فيها بعض االختالف‪ ،‬منها‪ُ :‬‬
‫‪1‬‬

‫َّللاِ‪َ ،‬ف ُهَو أ َْبتَ ُر"‪ .‬أو بزيادة (كل كالم ذي بال)‪ ،‬أو (بالحمد هلل) انظر‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬النسائي‬
‫َال ُي ْب َدأُ ِفي أََّولِ ِه ِب ِذ ْك ِر َّ‬
‫‪ 185/9‬ومصنف عبد الرزاق ‪.189/6‬‬
‫‪ -2‬السعد التفتازاني ‪ 793‬هـ‪ ،‬مسعود بن عمر بن عبد هللا التفتازانى‪ ،‬سعد الدين‪ :‬من أئمة العربية والبيان والمنطق‪.‬‬
‫ولد بتفتازان (من بالد خراسان) وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند‪ ،‬فتوفى فيها‪ ،‬ودفن في سرخس‪ .‬من كتبه المطول في‬
‫البالغة‪ ،‬والمختصر اختصر به شرح تلخيص المفتاح‪ .‬انظر‪ :‬األعالم ‪.219/7‬‬
‫‪ -3‬ليست موجودة في (ب) وموجودة في (أ)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أما من حيث إنه جزء من جزئيات المطلق فهو مجاز مرسل بمرتبةٍ‪ ،‬أو بعد‬
‫نقله له بخصوصه لعالقة التقييد؛ فهو مجاز مرسل بمرتبتين‪ ،‬أي أنه مجاز على‬
‫مجاز‪.‬‬

‫والظاهر أنه يجري فيه ما جرى في االستعارة من المستعار‪ ،‬ه‬


‫وعرج على منعه‬
‫الفهامة عصام الدين(‪ )1‬قائالً‪ :‬هو أخذ الشيء من غير مالكه‪ ،‬أي أن الحق في اللفظ‬
‫إنما هو للمعنى الحقيقي‪ ،‬والمجازي أخذه تطفالً‪ ،‬فكيف يعيره للغير‪ ،‬ولكن الظاهر‬
‫جوازه؛ ألن المعنى المجازي حصل له استحقاق في اللفظ‪ ،‬حيث نقل له بالعالقة‬
‫وضعاً ثانوياً‪ ،‬فيستعار منه بناء‬ ‫(‪)2‬‬
‫خصوصاً‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن المجاز موضوع وإن [كان]‬
‫على هذا االستحقاق وعلى الجواز‪ ،‬فعالقة المجاز الثاني تعتبر بينه وبين المجاز األول‬
‫كما قررنا ال بينه وبين المعنى الحقيقي‪ ،‬فقولهم في تعريف المجاز لعالقة ال يقال بين‬
‫‪2/‬ب‪ /‬المعنى الحقيقي والتجوزي‪ ،‬بل يقال بين المتجوز عنه أعم من أن يكون حقيقة‬
‫أو مجا اًز والمتجوز إليه‪ ،‬أو مجاز مرسل عالقته اللزوم؛ ألنه يلزم من نقصان الذنب‬
‫نقص قدر الدابة وقبحها‪ ،‬وعلى كل من تقرير المجاز المرسل في (أبتر) فاشتق منه‬
‫أبتر بمعنى ناقص‪ ،‬فهو مجاز مرسل تبعي‪.‬‬

‫ولم يقع من القوم تصريح بتقسيم المجاز المرسل إلى تبعي وأصلي كما في‬
‫االستعارة‪ ،‬قال العالمة السمرقندي(‪ )3‬في حواشي رسالته‪ :‬لكن ربما يشعر بذلك‬
‫اس َت ِع ْذ‬ ‫كالمهم‪ ،‬قال في المفتاح ‪ :‬ومن أمثلة المجاز قوله تعالى‪َ ﴿ :‬فِإ َذا َقَ ْأر َت اْلُقْر َ‬
‫آن َف ْ‬
‫(‪)4‬‬

‫اَّلل ﴾(‪ ،)5‬استعمل (قرأت) مكان أردت القراءة‪ ،‬أي ليصبح طلب االستعاذة حينئذ‬ ‫ِب ه ِ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬العصام اإلسفراييني ‪ 945‬هـ أو ‪944‬هـ‪ ،‬إبراهيم بن محمد بن عرب شاه اإلسفراييني عصام الدين‪ ،‬ولد في‬
‫أسفرايين (من قرى خراسان)‪ ،‬صاحب (األطول) في شرح تلخيص المفتاح للقزويني‪ ،‬في علوم البالغة‪ ،‬وزار في أواخر‬
‫عمره سمرقند فتوفي بها‪ .‬انظر‪ :‬األعالم ‪.66/1‬‬
‫‪ - 2‬غير موجودة في (أ)‪ ،‬وموجودة في (ب)‪.‬‬
‫‪ -3‬لسمرقندي (بعد ‪ 888‬هـ)‪ ،‬أبو القاسم بن أبي بكر الليثي السمرقندي‪ :‬عالم بفقه الحنفية‪ ،‬أديب‪ .‬له كتب‪ ،‬منها‬
‫"الرسالة السمرقندية" في االستعارات و"حاشية على المطول" في البالغة‪ .‬انظر‪ :‬األعالم ‪.173/5‬‬
‫‪ -‬مفتاح العلوم‪ ،‬للسكاكي (ت‪626‬هـ)‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬النحل‪98 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫استعماالً مجازياً؛ لكون القراءة مسهبَب ًة عن إرادتها‪ ،‬فاستعمل المشتق بتبعية المصدر‪،‬‬
‫وجوز في شرح التلخيص(‪ )1‬أن يكون نطقت في نطقت الحال مجا اًز مرسالً عن دلت‪،‬‬
‫باعتبار أن الداللة ال زمة للنطق‪ ،‬فافهم‪ .‬أ‪.‬هـ كالم السمرقندي(‪.)2‬‬

‫وبحث فيه المولى عصام الدين بأنا ال نسلم أن قصد المفتاح وشرح‬
‫التلخيص أن المجاز في الفعل تبع له في المصدر‪ ،‬وإنما القصد أن التجوز في الفعل‬
‫نفسه ابتداء‪ ،‬لكن العالقة فيه باعتبار بعض األجزاء‪ ،‬وهو المصدر دون كل جزء من‬
‫مدلوله‪ ،‬وقوى بحثه بعض من حشاه بأنا في غني ٍة عن كون المرسل تبعياً؛ وذلك ألنه‬
‫ال يقتضي التشبيه الذي يستدعيه استغالل الطرفين ليصح وضعهما بوجه الشبه وحينه‬
‫فال مانع من جريانه في غير المستقل ابتداء بال تبع‪ ،‬والذي أفهمه أن الحق ما قاله‬
‫العالمة السمرقندي؛ وذلك ‪3/‬أ‪ /‬أن المجاز المرسل ال بد له من عالقة يتصف بها‬
‫الطرفان وحينه ال بد أن يكون طرفاه مستقلين لقولهم إنه ال يوصف إال ما كان مستقالً‬
‫قار الذات‪ ،‬وال يظهر فرق بين الوصف بوجه الشبه والوصف بعالقة المجاز المرسل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أال ترى أن الشيء الواحد كالسببية يكون وجه شبه وعالقة المجاز(‪ ،)3‬فاستعمال‬
‫النطق في الداللة يحتمل أنه مجاز مرسل عالقته السببية؛ ألن النطق سبب الداللة‪،‬‬

‫وأنه استعارة بأن شبهت الداللة بالنطق بجامع السببية‪ ،‬أي كون كل منهما ٌ‬
‫سبب‬
‫(‪)4‬‬

‫لفهم المراد‪ ،‬على أن تعليلهم للتبعية في االستعارة معترض بأنا نجد غير ِّ‬
‫قار الذات‬
‫قار الذات‬
‫يوصف‪ ،‬قالوا‪ :‬حركة بطيئة وسريعة‪ ،‬وزمن طويل وقصير‪ ،‬وكالهما غير ّ‬
‫ضرورة أن أجزاءهما ال تجتمع في الوجود‪ ،‬وبأن من المشتقات ما معناه مستقل قار‬
‫الذات‪ ،‬كأسماء المكان واآللة‪ ،‬فمقتضاه أن تجري فيه االستعارة فيهما أصلية‪ ،‬وعموم‬
‫يعول عليه‪ ،‬فلو سلم أنه تخالف‬
‫كالمهم يخالفه‪ ،‬وحيث كان التعليل المذكور منتقداً فال ه‬

‫‪ - 1‬السعد التفتازاني‪.‬‬
‫‪ - 2‬توجد الفقرة في شرح رسالة االستعارات السمرقندية‪ ،‬لإلمام عصام الدين اإلسفراييني ‪.198‬‬
‫‪ - 3‬في (ب) ‪ :‬يكون وجهاً وعالقة للمجاز المرسل‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪ :‬سبباً‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫في المجاز المرسل فتخالفه ال يوجب تخالف الحكم‪ ،‬فتقوية بعض المحشين لبحث‬
‫ليست على ما ينبغي‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العصام‬

‫المبحث الثاني في الباء‬

‫مختلفة مفصلة في كتب‬ ‫اعلم أن الباء كبقية حروف الجر‪ ،‬تأتي لمعان‬
‫(‪)2‬‬

‫النحو‪ ،‬فيرد سؤال‪ :‬هل هي من األلفاظ المشتركة كاشتراك (عين) بين معانيها؟‬

‫وتحقيق جوابه أن الباء –مثالً‪ -‬لها اعتباران‪ ،‬األول‪ :‬اعتبارها بالنسبة‬


‫لمعانيها الكلية‪ ،‬كاالستعانة والمعية إلخ‪ ،‬الثاني‪ :‬بالنسبة إلى أفراد كل معنى كل‪،‬‬
‫الذبح وهكذا‪ ،‬وفي كل اعتبار قول‬ ‫(‪)3‬‬
‫كاالستعانة بالقلم على [الكتابة‪ ،‬وبالسكين على]‬
‫يخصه القول‪.‬‬

‫في االعتبار ‪3/‬ب‪ /‬األول اعلم أن المعاني الوارد فيها حرف الجر ينظر‪:‬‬

‫أما إن لم تكن متبادرة من حرف أخذ غيره فيحكم بأن هذا الحرف مشترك‬
‫المعية بالنظر للبا‪ ،‬فالباء مشتركة‬
‫فيها وضعاً‪ ،‬كاالستعانة والسببية والتعدية الخاصة‪ ،‬و ّ‬
‫بين هذه األمور قطعاً؛ ألنها ال تتبادر من غيرها مع كونها وردت لها في العربية‬
‫واألصل الحقيقة‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪ :‬عصام‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (أ) ‪ :‬معاني‪.‬‬
‫‪ -‬موجودة في (ب) وغير موجودة في (أ)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وأما إن كانت متبادرة من حرف آخر غيره كاالبتداء واالنتهاء بالنظر للباء‪،‬‬
‫فإن األ ول متبادر من لفظ من‪ ،‬والثاني من لفظ إلى‪ ،‬فهذا وقع فيه خالف‪ ،‬مذهب‬
‫جار فهو له‪،‬‬
‫البصريين رده من أصله ؛ ألن مذهبهم أن المعنى إذا تبادر من حرف ٍ‬
‫(‪)1‬‬

‫وال ينوب عنه غيره فيه بقياس‪ ،‬كما أن أحرف النصب والجزم كذلك‪ ،‬فإن ورد ما يوهم‬
‫ذلك أولوه إما بتضمين كما في قوله‪:‬‬

‫نئيج‬ ‫البحر ث هم َتَرهف ْ‬


‫ِ‬ ‫شربن ِ‬
‫َم َتى ُل َج ٍج ُخ ْض ٍر َل ُه هن ُ‬ ‫عت‬ ‫بماء‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬

‫فال يسلمون أن الباء هنا بمعنى من‪ ،‬بل يقولون شربن مضمن معنى روين‪،‬‬
‫َحس َن ِبي ِإ ْذ أ ْ ِ ِ ِ‬
‫الس ْج ِن﴾(‪،)4‬‬
‫َخَر َجني م َن ّ‬ ‫﴿و[ َق ْد ] أ ْ َ‬
‫والباء باقية على معناها‪ ،‬وكما في َ‬
‫(‪)3‬‬

‫فال يسلمون أن الباء بمعنى إلى‪ ،‬بل هي على معناها‪ ،‬و(أحسن) مضمن معنى لطف‪.‬‬

‫ُصّلَِبهن ُك ْم ِفي ُج ُذوِع الهن ْخ ِل﴾(‪ ،)5‬فاالستعارة‬


‫﴿وَأل َ‬
‫وإما بتجوز كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫المشهورة على مذهبهم ومذهب جمهور الكوفيين وبعض المتأخرين جواز نيابة حروف‬
‫في المغني وهو أقل تعسفاً‪ ،‬فعليه حرف‬ ‫(‪)6‬‬
‫الجر بعضها عن بعض بال شذوذ‪ ،‬قاله‬
‫الجر مشترك وضعاً بين جميع ما ورد له‪ ،‬وال ينافيه ذكر النيابة؛ ألنهم لما أروا هذا‬
‫المعنى متباد اًر من هذا الحرف أكثر من تبادره من اآلخر ‪4/‬أ‪ /‬حكموا بأن اآلخر نائب‬
‫وإن كان كل منهما يستعمل فيه حقيقة‪ ،‬فمن هذا يقال إن في اآلية المتقدمة على‬

‫‪ -1‬رد كثير من المحققين سائر معاني الباء إلى معنى اإللصاق‪ ،‬كما ذكر سيبوبه‪ .‬وجعلوه معنى ال يفارقها‪ ،‬وقد‬
‫ينجر معه معان أخر‪ .‬واستبعد بعضهم ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬الصحيح التنويع‪ .‬وما تقدم من نيابة الباء عن غيرها من حروف‬
‫الجر هو جار على مذهب الكوفيين‪ ،‬ومن وافقهم‪ ،‬في أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض‪ .‬ومذهب البصريين‬
‫إبقاء الحرف على موضوعه األول‪ ،‬إما بتأويل يقبله اللفظ‪ ،‬أو تضمين الفعل معنى فعل آخر‪ ،‬يتعدى بذلك الحرف‪.‬‬
‫وما ال يمكن فيه ذلك فهو من وضع أحد الحرفين موضع اآلخر على سبيل الشذوذ‪ .‬انظر‪ :‬الجنى الداني ‪.46‬‬
‫‪ -‬من الطويل ‪ .‬للهذلي‪ ،‬ديوان الهذليين‪ ،‬شعر أبي ذئيب‪/‬ق‪/7/1‬ج‪/1‬ص‪ .52‬ورد البيت بهذا النص في الديوان‬ ‫‪2‬‬

‫برواية العين‪.‬‬
‫‪ - 3‬لم ترد في النسختين‪.‬‬
‫‪ - 4‬يوسف‪.100 :‬‬
‫‪ - 5‬طـه‪.71 :‬‬
‫‪ - 6‬في (أ)‪ :‬قال‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مذهبهم بمعنى على‪ ،‬وال تجوز وال شيء‪ ،‬فحقق هذا المقام‪ ،‬فكثي اًر ما تقع فيه‬
‫األوهام‪.‬‬

‫القول في االعتبار الثاني حيث تحقق أن الباء مشتركة بين االستعانة‬


‫وغيرها‪ ،‬فهي موضوعة لكل واحد‪ ،‬فنقول اختلف في معنى وضعها لالستعانة مثالً‪،‬‬
‫فقيل إن معناها أنها وضعت لمفهومها الكلي لكن ال يستعمل إال في جزئي‪ ،‬كاالستعانة‬
‫بخصوص القلم على الكتابة في (كتبت بالقلم) وهو مذهب شيخ المحققين السعد ومن‬
‫تبعه‪ ،‬ورد بأنه يلزم عليه أنها مجاز ال حقيقة له‪ ،‬إذ هي مستعملة دائماً في غير ما‬
‫وضعت له‪ ،‬والجواب إنا نمنع كونها مجا اًز‪ ،‬إذ استعمال ما وضع للعام في إفراده حقيقة‬
‫من حيث احتواء الفرد على العام‪ ،‬أو أنه من جزئياته وإن كان مجا اًز إن استعمل فيه‬
‫من حيث خفوضه ونحن نبني على األول‪ ،‬على أن مذهب المتقدمين كما نقله األستاذ‬
‫على رسالة‬ ‫(‪)2‬‬
‫في حاشية السمرقندية‬ ‫(‪)1‬‬
‫بدر الدين أبو عبد هللا موالنا محمد الحنفي‬
‫الوضع‪ ،‬إن استعمال العام في الخاص حقيقة مطلقاً‪ ،‬ويقولون الالم في قولهم الحقيقة‬
‫فيما وضعت له ليست أصله للوضع‪ ،‬بل هي الم العلة‪ ،‬وال شك أن‬ ‫(‪)3‬‬
‫كلمة مستعملة‬
‫بالمعنى‪ ،‬قلت‪ :‬وليس المراد أنه ما‬ ‫(‪)4‬‬
‫العام وضع ألجل أن يستعمل في خاص معين‬
‫وضع إال ألجل االستعمال في خاص‪ ،‬وإال لزم أن الكلي الطبيعي مجاز‪ ،‬نحو‪ :‬اإلنسان‬
‫حيوان ناطق‪ ،‬وهو أبعد من أن يلتفت إليه(‪ ،)5‬بل المراد أنه وضع [ألجل](‪ )6‬أن‬
‫يستعمل في خاص‪ ،‬كما أنه وضع ألجل االستعمال في العام(‪ ،)7‬ثم لو سلمنا أن‬
‫استعمال العام في الخاص مجاز‪ ،‬فال ضرر في مجاز ال حقيقة له في االستعمال‪ ،‬إذ‬
‫وجود المعنى ‪4/‬ب‪ /‬الحقيقي كاف في صحة التجوز بالعالقة وإن لم يستعمل فيه‬
‫اللفظ‪ ،‬أال ترى (الرحمن) فإن حقيقته رقيق القلب‪ ،‬ولم يستعمل في جانب الحق بمعنى‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪ :‬الحفني‪ ،‬وهو‪ :‬موالنا محمد الحنفي التبريزي (ت ‪900‬هـ)‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪ :‬في حاشية السمرقندي‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب) ‪ :‬استعملت‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪ :‬خاص انتهى بالمعنى‪.‬‬
‫‪ - 5‬في (ب)‪ :‬له‪.‬‬
‫‪ - 6‬موجودة في (ب)‪.‬‬
‫‪ - 7‬في (ب)‪ :‬في عام‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مريد اإلنعام‪ ،‬أو فاعله‪ ،‬وقيل معناه أنها موضوعة لكل جزء من جزئيات هذا المفهوم‬
‫الكلي‪ ،‬لكن مستحضره باألمر الكلي‪ ،‬وهو مذهب العالمة عبد الرحمن عضد الملة‬
‫ومن تبعه‪ ،‬وقوله مستحضرة بأمر كلي أي لتعذر استحضار األفراد كلها إنما‬ ‫(‪)1‬‬
‫والدين‬
‫يأتي على أن الواضع غير هللا كما هو ظاهر‪ ،‬والصحيح خالفه‪ ،‬وزيادة تحقيق‬
‫المذهبين‪ ،‬وما يرد علي بما ليس هذا محله‪ ،‬والذي يخصنا هنا‪ :‬هل الباء بالنظر ألفراد‬
‫االستعانة مثالً مشترك لفظي كفي بالنظر لمعانيها؟‬

‫فنقول‪ :‬قال العالمة العصام في شرح رسالة الوضع‪ :‬إن الموجود في كتاب‬
‫الميزان واألصول أن المشترك ما تعدد معناه بال واسطة نقل‪ ،‬وكان حقيقة في الجميع‪،‬‬
‫قال ولم نظفر بزيادة تعدد الوضع صريحاً إال للسيد(‪ )2‬قدس [هللا](‪ )3‬سره مخرجاً بها‬
‫العام من المشترك‪ ،‬لكن هذه الزيادة تحتاج لسند‪ ،‬والظن بسيد المحققين أنه ظفر بسند‬
‫كالم العصام‪.‬أ‪.‬هـ(‪)4‬‬

‫بالمعنى‪ ،‬فعلى ما ذكره‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تكون الباء بالنظر األفراد‪ ،‬االستعانة مثالً مشترك على كال القولين‬
‫السابقين‪ ،‬وعلى ما نقله‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬عن السيد فهي على القولين‪ ،‬قول السعد ليست من المشترك اللفظي‪،‬‬
‫بل من العام المتحد الوضع‪ ،‬كاإلنسان في أفراده‪ ،‬وأما على كالم العضد فالظن أنها‬

‫ضد الدين‬ ‫ضد الدين ِ‬


‫اإليجي (ت‪ 756‬هـ)‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار‪ ،‬أبو الفضل‪َ ،‬ع ُ‬ ‫‪ -‬ترجح لدي أنه َع ُ‬
‫‪1‬‬

‫اإليجي‪ :‬عالم باألصول والمعاني والعربية‪ .‬من تصانيفه الرسالة العضدية في علم الوضع‪ ،‬وجواهر الكالم وهو‬
‫مختصر المواقف والفوائد الغياثية في المعاني والبيان‪ ،‬والمدخل في علم المعاني والبيان والبديع‪ .‬انظر األعالم‬
‫‪.295/3‬‬
‫‪ - 2‬السيد الشريف علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت‪ 814‬أو ‪816‬هـ)‪ .‬عالمة دهره‪ ،‬فيلسوف‪ .‬ومن كبار العلماء‬
‫لمطول‬
‫فر الجرجاني إلى سمرقند ثم عاد إلى شيراز بعد موت تيمور‪ ،‬فأقام إلى أن توفي‪ ،‬له حاشية على ا ّ‬
‫بالعربية‪َّ .‬‬
‫وشرح مواقف اإليجي‪ .‬انظر‪ :‬بغية الوعاة ‪ .197 -196/2‬واألعالم ‪.7/5‬‬
‫‪ - 3‬موجودة في (ب)‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب) ‪ :‬انتهى كالم العصام‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫كاف في تعدد الوضع‪ ،‬واالستحضار بآلة‬


‫مشترك؛ لما أنها موضوعة لكل فرد‪ ،‬وهذا ٍ‬
‫كلية ال ينافيه‪ ،‬اللهم إال أن يراد تعدد الوضع للمعنى ‪5/‬أ‪ /‬مستحض اًر بذاته ال بش اًر‬
‫آخر‪ ،‬فحينه ال تكون مشتركة‪.‬‬

‫المبحث الثالث في معنى البسملة‬

‫وقد تضمن هذا المبحث تحرير مسألة المعنى المصدري‪ ،‬والحاصل بالمصدر‪،‬‬
‫وهي من مضامين األفهام ومناالت اإلقدام‪.‬‬

‫اعلم أن البسملة في األصل مصدر كدحرجة‪ ،‬والمصدر يستعمل بمعنيين‪،‬‬


‫األول المعنى المصدر‪ ،‬وهو تأثير الفاعل‪ ،‬أعني تعلق قدرته بالمفعول‪ ،‬فهو آمر‬
‫"اعتبار نسبي" وهو بهذا المعنى ال ينسب ال للفاعل‪.‬‬

‫الثاني الحاصل بالمصدر وهو أثر التأثير‪ ،‬أعني الفعل الذي تقارنه القدرة‬
‫كالحركات والسكنات‪ ،‬ويقال له بهذا المعنى حدث؛ لحدوثه عن فاعل‪ ،‬ومفعول مطلق؛‬
‫ألنه مفعول الفاعل‪ ،‬وقد يعبر عنه بالفعل‪ ،‬ويسلط عليه الفعل بالمعنى األول‪ ،‬فيقال‬
‫فعل الفعل‪ ،‬أي أثر األثر‪ ،‬وهو بهذا المعنى ينسب للفاعل من حيث وقوعه منه(‪،)1‬‬
‫وللمفعول من حيث وقوعه عليه‪ ،‬ثم قد يوجد أمور أخرى غير هذين المعنيين‪ ،‬كالكون‬
‫ضارباً‪ ،‬أو مضروباً‪ ،‬وكاأللفاظ المسموعة في فصل القول‪ ،‬وكلها خارجة عن المعنى‬
‫المصدري والحاصل به ويستعمل فيها المصدر مجا اًز كاستعماله في الفاعل كـ(عدل)‬
‫بمعنى (عادل)‪.‬‬

‫وأما المعنى المصدري والحاصل به مذهب بعض الفضالء الروم إلى أن صيغ‬
‫على المطول‬ ‫(‪)2‬‬
‫المصدر حقيقة فيهما‪ ،‬زاعماً أنه مذهب السيد‪ ،‬ونقل عن حسن حلبي‬

‫‪ - 1‬في (ب) ‪ :‬عليه‪.‬‬


‫‪ -‬المولى حسن حلبي بن محمد شاه بن محمد شمس الدين بن حمزة الفناري (ت‪886‬هـ)‪ .‬من علماء الدولة‬ ‫‪2‬‬

‫العثمانية‪ ،‬يقال له‪ :‬مال حسن شلبي ولد ونشأ وتوفي ببالد الروم توفي في مدينة بروسة‪ ،‬وكان عالما فاضال‪ ،.‬من‬
‫المطول للتفتازاني وحواش على شرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني ‪ ،‬انظر‪ :‬أسماء‬
‫ّ‬ ‫مصنفاته حاشية على شرح‬
‫ّ‬
‫الكتب المتمم لكشف الظنون ‪ .297‬وشذرات الذهب في أخبار من ذهب ‪ 8/10‬واألعالم ‪.216/2‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أنه حقيقة في المعنى المصدري‪ ،‬مجاز في الحاصل به‪ ،‬والذي أفهمه أنا عكس هذا‪،‬‬
‫وهو أنه حقيقة في الحاصل بالمصدر‪ ،‬مجاز في المعنى المصدري‪ ،‬مرسل عالقته‬
‫اللزوم بين األثر والتأثير‪ ،‬وذلك أن العرب كانت تستعمل المصادر مزيدة بها الحركات‬
‫والسكنات ‪5/‬ب‪ /‬التي يعقلها الفاعل‪ ،‬وأما تعلق القدرة فال يعرف أنه معنى المصدر إال‬
‫من دقق النظر في العلوم‪ ،‬وما كان متباد اًر في استعمال العرب بدون قرينة يحكم عليه‬
‫بالحقيقة‪ ،‬وليس هذا مما يقال العوام كالهوام ال عبرة بهم؛ إذا تقرر هذا فالبسملة‬
‫حقيقتها أنها تعلق القدرة بحركة اللسان والشفتين عند قول بسم هللا‪ ،‬أو نفس الحركة‬
‫(‪)1‬‬
‫المذكورة على ما سبق‪ ،‬فأطلقت على لفظ بسم هللا المسموع باألذن مجاز [فتجوزوا]‬
‫من إطالق الشيء على الزمه المسبب عنه‪ ،‬ثم تجوزوا مجا اًز على مجاز‪ ،‬وأطلقوها‬
‫على بسم هللا الرحمن الرحيم كلها من باب تسمية الكل باسم الجزء‪ ،‬وصارت(‪ )2‬حقيقة‬
‫عرفية فيها‪ ،‬بحيث ال يفهم عرفاً من البسملة عند اإلطالق إال بسم هللا الرحمن الرحيم‪.‬‬

‫التنبيه على أمور‬

‫منها‪ :‬ما سبق في المعنى المصدري والحاصل بالمصدر‪ ،‬وهو ما أفاده لنا‬
‫ي(‪)3‬‬
‫حفظه هللا تعالى‪ ،‬وبه صرح‬ ‫شيخنا أبو الحسن العالمة المحقق الشيخ علي العدو‬
‫المحققون كالسيد‪ ،‬وكثي ار ما يتوهم أن المعنى المصدري نفس الحركات والسكنات‪،‬‬
‫يومئ لهذا كالم حسن‬ ‫(‪)4‬‬
‫والحاصل بالمصدر هو الهيئة الناشئة عن ذلك‪ ،‬بل دائماً‬
‫حلبي على المطول عند الكالم على التعقيد‪ ،‬وشافهني به غير واحد‪.‬‬

‫ومنها أن وجه التسمية بمعنى مصدري وحاصل بالمصدر ظاهر على ما سبق‬
‫عند حسن حلبي من أن لفظ المصدر حقيقة في المعنى المصدري‪ ،‬فقولهم حاصل‬
‫بالمصدر‪ ،‬أي حاصل بمعنى المصدر الحقيقي‪ ،‬وهو ظاهر‪ ،‬إذ األثر حاصل بالمصدر‬

‫‪ - 1‬مذكورة في (ب)‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب) ‪ :‬ثم‪.‬‬
‫‪ -‬علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي (ت‪ 1189‬هـ)‪ ،‬فقيه مالكي مصري‪ ،‬كان شيخ الشيوخ في عصره‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر األعالم ‪.260/4‬‬


‫‪ - 4‬في (ب) ‪ :‬ربما‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫بالتأثير‪ ،‬وأما على ما قلناه لك وما سبق عن بعض الروم فهي تسمية اصطالحية ال‬
‫نكتة لها‪ ،‬ونقول المصدر المنسوب إليه محل الصدور ‪6/‬أ‪ /‬في الظاهر‪ ،‬وهو القدرة‬
‫الحادثة‪ ،‬وظاهر أن التأثير أمره منسوب لها؛ ألنه وصف لها‪ ،‬فسمي معنى مصدرياً‪،‬‬
‫والحركات مثالً حاصلة بالقدرة فقيل لها حاصل‪.‬‬

‫ومنها ما سبق في شرح المعنى المصدري ال يظهر في نحو‪ :‬الحسن والموت‪،‬‬


‫مصدر حسن زيد‪ ،‬ومات عمرو‪ ،‬إذ ال تأثير لفاعلها فيهما‪ ،‬بل هناك مصادر ال يوصف‬
‫فاعلها بالتأثير أصالً كـ(احمر الثوب احم ار اًر)‪ ،‬فلعل قولهم معنى(‪ )1‬المصدري وهو‬
‫تعليق القدرة نظ اًر للغالب‪ ،‬والمعنى المصدري في نحو‪ :‬أبيض الثوب انتقاله من لونه‬
‫األصلي للبياض‪ ،‬والحاصل بالمصدر هو البياض المشاهد‪ ،‬وقس‪ ،‬أو يقول مورد‬
‫الصفة إلى المعنى المصدري‪ ،‬والحاصل بالمصدر وهو الفعل الذي يقال في اللغة أن‬
‫الفاعل حصله‪ ،‬كاألمانة واإلحياء والكسر والضرب‪ ،‬فخرجت األفعال المطاوعة كالموت‬
‫واالنكسار واالبيضاض؛ ألنه ليست محصلة لفاعلها‪ ،‬بل هي قبوله أثر فعل فاعل آخر‪،‬‬
‫كـ(أماته هللا) فمات‪ ،‬و(بيضت الثوب) فابيض‪ ،‬و(كسرت الحجر) فانكسر‪ ،‬وخرج أيضاً‬
‫ما ليس مطاوعاً بالنظر إلى فاعله المجازي الذي ال يقال أنه حصله‪ ،‬نحو‪ :‬كسر‬
‫الحجر الزجاج‪ ،‬إذ ليس المحصل للتكسر الحجر بل الشخص والحجر مكسور به‪ ،‬فال‬
‫يقال في جميع هذه معنى مصدري‪ ،‬وال حاصل بالمصدر بالنظر لفاعلها؛ ألنها بالنظر‬
‫له ليست أفعاالً حقيقة‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب) ‪ :‬المعنى‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫(‪)1‬‬
‫خاتمة‬

‫أن التحقيق أن التكليف بالفعل الحاصل بالمصدر ال بالمعنى‬ ‫المشهور‬


‫(‪)2‬‬

‫المصدري‪ ،‬فالواجب علينا الصالة بمعنى الحركات المخصوصة‪ ،‬ال بمعنى تعلق القدرة‪،‬‬
‫ولكن الذي يطمئن له فهمي أن التحقيق أن التكليف إنما هو بالمعنى المصدري؛ وذلك‬
‫ال معنى لكون هذه الحركات واجبة عليك من حيث ذاتها‪ ،‬إنما ‪6/‬ب‪ /‬الواجب‬ ‫(‪)3‬‬
‫ألنه‬
‫عليك تحصيل هذه الحركات‪ ،‬وال معنى لتحصيلها إال تأثيرك فيها‪ ،‬وكسبك لها بقدرتك‬
‫الذي هو المعنى المصدري‪ ،‬فالظاهر أن التكليف إنما هو بالفعل بالمعنى المصدري‪،‬‬
‫وإن كان خالف ما قالوه‪ ،‬وأظن هذا ال يخفى عليك‪.‬‬

‫وإذ توقف بعض المشايخ ممن حضر مجلسنا في صحة التكليف بالمعنى‬
‫المصدري‪ ،‬فأجابه بعض آخر بأن التكليف به من حيث ما يترتب عليه‪ ،‬لكن أنت خبير‬
‫بأن ما يترتب عليه هو نفس الحاصل بالمصدر‪ ،‬فعلى هذا الجواب يكون مرجع القولين‬
‫بأن التكليف بالمعنى الحاصل بالمصدر‪ ،‬والخالف لفظي‪ ،‬ويبعده قولهم التحقيق أن‬
‫التكل يف بالحاصل بالمصدر‪ ،‬إذ التحقيق إنما يعبر به في الخالف الحقيقي‪ ،‬لكن قد‬
‫ي(‪)5‬‬
‫باالعتماد والترجيح‪.‬‬ ‫أنه في ذاته حسن صحيح‪ ،‬بل هو الجر‬ ‫(‪)4‬‬
‫علمت‬

‫محمد صلى هللا عليه وسلم أن يلطف بنا إلهنا‬ ‫ولنقف إلى هنا‪ ،‬ضارعين لسيدنا‬
‫(‪)6‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫تمت بحمد هللا وعونه على يد كاتبه لنفسه قاسم المجدلي الشافعي مذهباً‪،‬‬
‫الشامي إقليماً‬

‫‪ - 1‬في (ب) ‪ :‬الخاتمة‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب) ‪ :‬اشتهر‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب) ‪ :‬أنه‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (أ) ‪ :‬عملت‪.‬‬
‫‪ - 5‬في (ب) ‪ :‬ما جرى‪.‬‬
‫‪ - 6‬في (ب) ‪ :‬بسيدنا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫غفر له ولجميع المسلمين‬

‫والمرجو ممن اطلع على غلطته أن يصلحها‪ ،‬والتوب‬

‫َفج هل من الَ عيب ِف ِ‬


‫يه َو َع َال‬ ‫ِن َت ِج ْد َعيباً َف ُسهد اْل َخَل َال‬
‫َوإ ْ‬
‫(‪) 1‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َْ‬

‫وكان الفراغ من كتابة هذه الرسالة شهر رمضان‪ ،‬خال ‪ ،27‬سنة ‪1255‬هـ‬
‫من الهجرة النبوية‪ ،‬على صاحبها أفضل الصالة والسالم‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون‪ ،‬عبد اللطيف محمد رياضي زاده‪ -‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الدكتور محمد التونجي‪ -‬مكتبة الخانجي‪ -‬القاهرة ‪1395‬هـ‪1975 -‬م‪.‬‬
‫األعالم قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين‬ ‫‪.3‬‬
‫والمستشرقين‪ ،‬خير الدين الزركلي‪ -‬الطبعة الخامسة عشرة‪ -‬دار العلم‬
‫للماليين‪ -‬بيروت ‪2002‬م‪.‬‬
‫بغية الوعاة الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة‪ ،‬الحافظ جالل الدين عبد‬ ‫‪.4‬‬
‫الرحمن السيوطي (ت‪911‬هـ)‪ -‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ -‬الطبعة‬
‫الثانية‪ -‬دار الفكر ‪1399‬هـ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫الجنى الداني في حروف المعاني‪ ،‬الحسن بن قاسم المرادي (‪749‬هـ)‪-‬‬ ‫‪.5‬‬
‫تحقيق‪ :‬فخر الدين قباوة‪ ،‬ومحمد نديم فاضل‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬الطبعة‬
‫األولى‪ -‬بيروت ‪1413‬هـ‪1992-‬م‪.‬‬
‫ديوان الهذليين‪ -‬نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية‪ -‬الدار القومية‬ ‫‪.6‬‬
‫للطباعة والنشر‪ -‬الطبعة األولى والثانية‪ -‬القاهرة ‪1405‬هـ‪1995 -‬م‪.‬‬

‫‪ - 1‬يوجد بعض الطمس في اآلخر‪ ،‬والبيت للحريري‪ ،‬في الملحة وشرحها‪ ،‬البيت الثاني والسبعون وثالثمائة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫شرح ملحة اإلعراب ‪.259‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫السنن الكبرى‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت‪303‬هـ)‪ -‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪.7‬‬
‫حسن شلبي‪ -‬مؤسسة الرسالة‪ -‬الطبعة األولى‪ -‬بيروت ‪1421‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫شجرة النور الزكية في طبقات المالكية‪ ،‬محمد بن محمد مخلوف‪ -‬المطبعة‬ ‫‪.8‬‬
‫السلفية‪ -‬القاهرة ‪1349‬هـ‪.‬‬
‫شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬ابن العماد اإلمام شهاب الدين أبو الفالح‬ ‫‪.9‬‬
‫عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي الدمشقي (ت‪1089‬هـ)‪ -‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد القادر ومحمود األرناءوط‪ -‬الطبعة األولى‪ -‬دار ابن كثير‪ -‬دمشق وبيروت‬
‫‪1406‬هـ‪1986 -‬م‬
‫‪ .10‬شرح رسالة االستعارات السمرقندية‪ ،‬اإلمام عصام الدين إبراهيم بن محمد بن‬
‫عربشاه اإلسفراييني (ت‪945‬هـ)‪ -‬تحقيق‪ :‬السيد يوسف أحمد‪ -‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .11‬شرح ملحة اإلعراب‪ ،‬اإلمام أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري‬
‫(ت‪516‬هـ)‪ -‬تحقيق‪ :‬الدكتور فائز فارس‪ -‬الطبعة األولى‪ -‬دار األمل للنشر‬
‫والتوزيع‪ -‬األردن ‪1412‬هـ‪1991 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .12‬فهرس الفهارس واألثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسالت‪ ،‬عبد الحي‬
‫بن عبد الكبير الكتاني‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪ -‬الطبعة الثانية‪ -‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ -‬بيروت ‪1402‬هـ‪.1982 -‬‬
‫‪ .13‬كنز العمال في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬العالمة عالء الدين على المتقي بن‬
‫حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت‪975‬هـ)‪ -‬تحقيق‪ :‬الشيخ بكري حياني‬
‫والشيخ صفوة السقا‪ -‬مؤسسة الرسالة‪ -‬الطبعة الثانية‪ -‬بيروت ‪1407‬هـ‪-‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬المصنف‪ ،‬الحافظ الكبير أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت‪211‬هـ)‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬حبيب األعظمي‪ -‬المكتب اإلسالمي‪ -‬الطبعة الثانية‪ -‬بيروت‬
‫‪1403‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬

‫‪37‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

‫العربي‬
ّ ‫ا‬
‫المجَّلت التّراثيّة ودورها في خدمة المخطوط‬

‫ي‬
ّ ‫ جامعة مح ّمد البشير اإلبراهيم‬،‫ي‬
ّ ‫البشير عزوز‬ .‫أ‬
bachir_azzouzi@hotmail.fr :‫البريد اإللكتروني‬ •

:‫الملخص‬

‫أهمية كبيرة تتجّلى في خدمته الجليلة‬


ّ ‫المجالت له‬
ّ ‫نتناول في هذا البحث نوعا من‬
‫المتخصصة‬
ّ ‫المجالت‬
ّ ‫بكل‬
ّ ‫ولمـّا كان اإللمام‬.‫خاصة المخطوط منه‬
ّ ،‫للتّراث‬
‫ جعلنا البحث يقتصر على نموذجين اثنين‬،‫خاصا‬ ّ ‫وجهودها أم ار يتطّلب مشروعا‬
‫ ومجّلة (رفوف) الجزائرّية‬،‫ مجّلة (ال ّذخائر) التي جعلناها مثاال عن المشرق‬:‫هما‬
‫الضوء على‬ّ ‫ حيث نسّلط‬.‫اإلسالمي‬ ‫التي جعلت أكبر اهتمامها مخطوطات الغرب‬
ّ
‫جهود المجّلتين التين فتحت الباب للمحّققين من مختلف أقطار العالم العربي‬
ّ
‫المجلتان لعلم‬
ّ ‫ ونتقصى ما ّقدمته‬،‫للمساهمة في إخراج فرائد التّراث تحقيقا وتوثيقا‬
.‫التحقيق في العالم اإلسالمي‬
ّ
ّ
‫ مجّلة‬،(‫ مجّلة )ال ّذخائر‬،‫ المخطوط‬،‫ التّحقيق‬،‫ التّراث‬:‫الكلمات المفتاحية‬
.(‫)رفوف‬

Abstract:
In this research we sort of magazines is of great importance is reflected in
the solemn service of heritage, especially the manuscript from him.
Literacy was not all journals and their efforts requires special project, we
find only two models: Magazine (ELTHAKHAERE) which made it an
example of the Orient, and magazine (RUFUF) that made the largest
Algerian interest Islamic West scrolls.So highlight the efforts of the
magazines teen opened the door for investigators from different countries
of the Arab world to contribute towards heritage and pioneer, output
documentation, tracing the actions in both magazines for investigation in
the Muslim world.
Key words: Heritage ‫؛‬Investigation ‫ ؛‬Manuscript‫ ؛‬magazine
(ELTHAKHAER) ‫؛‬Magazine (RUFUF.)

38
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مجّلت عديدة في العالم العربي أخذت على عاتقها الّنهوض بالّتراث العربي‬
‫ظهرت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المهمة التي بقي أكثرها رهين‬
‫ّ‬ ‫مما جعلها تحوي كثي ار من ّ‬
‫الدراسات‬ ‫دراسة وتحقيقا‪ّ ،‬‬
‫الدراسات يجد الكثير منها قد اعتنى‬
‫المجّلت‪ ،‬والّناظر في هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫الرفوف ومصائر تلك‬
‫ّ‬
‫ق‬
‫وكل ما يتعّلق به من طر الّتحقيق وقوانينه إلى تحقيق الكنوز‬
‫بتحقيق المخطوط ّ‬
‫المخبآت وإخراجها على الوجه الذي يرتضيه علم الّتحقيق‪ ،‬وانتهاء بإعداد الفهارس‬
‫و ّ‬
‫يركزون على الكتب‬‫المهتمين بعلم الّتحقيق ّ‬
‫ّ‬ ‫ولعل كثي ار من الباحثين‬
‫ّ‬ ‫ورقمنتها‪.‬‬
‫أن عيون الّتراث‬
‫طول في كثير من األحيان‪ ،‬وال يخفى ّ‬ ‫المخطوطة التي تميل إلى ال ّ‬
‫الرسائل والوثائق التي‬
‫ودرره ال تقتصر على الكتب والمجّلدات بل منها المختصرات و ّ‬
‫تحمل في مجملها مفاتيح بعض العلوم وأسسها‪ ،‬ومنها ما يكون شاهدا على مرحلة‬
‫المتخصصة‬
‫ّ‬ ‫المجّلت‬
‫ّ‬ ‫اهتمت به‬
‫مما ّ‬‫تاريخية ودليّل على عّلقات سياسية‪ ،‬وهذا كّله ّ‬
‫ّ‬
‫بأهمية تلك الومضات المخطوطة‪.‬‬
‫عامة وعياً منها ّ‬
‫العربي بصفة ّ‬ ‫في الّتراث‬
‫ّ‬
‫ال ّتراث العربي وطرق ال ّتعامل معه‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬
‫نّلحظ في كثير من الكتب الحديثة تردادا ُملفتا لكلمة الّتراث في الّلغة واألدب والفكر‬
‫مما أفضى إلى عسر في تحديد مفهوم شامل لهذه الكلمة؛‬ ‫الدين‪ّ ،‬‬
‫والفلسفة والّتاريخ و ّ‬
‫كما من المفاهيم التي في‬ ‫فاختّلف مجاالت استعمالها وطرق الّتعامل معها وّلد لنا ّ‬
‫إما تقديسا وتبجيّل‬
‫غالب أحيانها تنبئ بشكل واضح عن عاطفة المتعامل مع الّتراث ّ‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫بمكوناته‬
‫يتحدد ّ‬‫إما انتقاصا وتحامّل‪ ،‬وعلى هذا صار مفهوم الّتراث مفهوماً « ّ‬
‫وّ‬
‫وتصوراتهم عنه» ‪ .‬وسنرى كيف ّ‬
‫تعددت زوايا الّنظر إلى الّتراث‬ ‫وبموقف الّناس منه‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫وطرق الّتعامل معه‪.‬‬

‫محمد عابد الجابري‪ ،‬الّتراث والحداثة‪ ،‬دراسات ومناقشات‪ ،‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1991 ،1‬ص ‪21‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫‪39‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أ‪ -‬مفهوم الّتراث‪:‬‬


‫إن الّنظر في التاريخ المعجمي للفظ الّتراث يجده يدور حول معنى االنتقال من‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الحقيقية هي أن يحصل لإلنسان شيء ال يكون عليه فيه‬
‫ّ‬ ‫شخص إلى آخر‪ ،‬فالوراثة‬
‫تبعة وال عليه محاسبة(‪ ،)1‬وأكثر معاني الكلمة في القرآن الكريم تدور في هذا المجال‪،‬‬
‫أقل‬
‫ومما يّلحظ حول هذه المعاني أّنها تدور في فلك واحد «المال وبدرجة ّ‬ ‫ّ‬
‫السلف‬
‫بي صّلى هللا عليه وسّلم نجدها تشمل انتقال العلم من ّ‬‫الحسب» وفي حديث الن‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ ّ‬
‫يهمنا في معنى الكلمة إشارة العروي‬
‫إلى الخلف كما في الحديث المعروف ‪ ،‬والذي ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫أن الّتراث هو زخم من المنجزات التي تنحدر من األجيال‬ ‫المهمة‪ ،‬والتي يرى فيها ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫يتجزأ‪.‬‬
‫محدداً ال ينفصل وال ّ‬
‫السابقة مش ّكلة تاريخاً ّ‬
‫ّ‬
‫ب‪ -‬طرق الّتعامل مع الّتراث‪:‬‬
‫مقدس حامل‬
‫الحاد في الّتعامل مع الّتراث‪ ،‬بين ّ‬
‫ّ‬ ‫ال يمكن إنكار الفوضى العارمة والجدل‬
‫األمة‪ ،‬وبين منخدع مخطوف ملهوف‪ ،‬لمع‬ ‫الهوّية واالنتماء والحنين إلى مجد ّ‬
‫لمشاعر ّ‬
‫برق الغرب فأذهله وأعماه‪ ،‬وبين معتدل في الّتعامل مع ال ّظاهرة الّتر ّ‬
‫اثية‪ ،‬وفق ما‬
‫يقتضيه العصر فالّتعامل مع الّتراث في نظر هؤالء «ال يعني االندراج في ثقافية ماضية‬
‫أمة من األمم؛‬
‫بقدر ما يعني استحضار تمام ّ‬

‫عقيد ًة وشريعةً‪ ،‬لغ ًة وأدباً‪ ،‬عاطف ًة وعقّلً‪ ،‬حنيناً وتطّلعاً»(‪ ،)5‬وعلى األساس اختلف‬
‫طرق الّتعامل مع الّتراث وزوايا الّنظر إليه‪ ،‬لتصل مقاربة الّتراث إلى خمسة مداخل‬
‫(‪)1‬‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ -1‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د ت‪ ،‬كتاب الواو‪ ،‬ص ‪ .519‬و ابن‬
‫العلمية‪ ،1992 ،‬ج‪ ،2‬باب الواو‪ ،‬ص ص ‪.201-199‬‬ ‫ّ‬ ‫منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الكتب‬
‫محمد عابد الجابري‪ ،‬الّتراث والحداثة‪ ،‬دراسات ومناقشات‪ ،‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1991 ،1‬ص‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫ظ وافر»‬
‫ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بح ّ‬
‫يورثوا درهما وال دينا اًر وإّنما ّ‬
‫إن األنبياء لم ّ‬
‫‪ -‬الحديث الطويل « ‪ ...‬و ّ‬
‫‪3‬‬

‫الحديث‬
‫ّللا العروي‪ ،‬ثقافتنا في ضوء الّتاريخ‪ ،‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪،1988 ،2‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫ص ‪.192‬‬
‫‪ -5‬الجابري‪ ،‬الّتراث والحداثة‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ -‬الّنظر إلى الّتراث من ناحية المفهوم؛‬


‫أسبقية الّتراث وانتمائه؛‬
‫ّ‬ ‫إشكالية‬
‫منية و ّ‬ ‫الز ّ‬
‫‪ -‬العمق الّتاريخي والمراحل ّ‬
‫‪ -‬نمط المعالجة (الّتصنيف والّتحقيق والّنقد وغيرها)؛‬
‫‪ -‬الموقف منه‪.‬‬
‫السقوط في منزلقين خطيرين يحوالن دون‬
‫إن وعي طرق الّتعامل مع الّتراث يقي من ّ‬
‫ّ‬
‫استنطاقه واستخراج درره وهما‪:‬‬
‫األول‪ :‬وهم الّتمجيد وانصهار العقل المعاصر في قرون مضت وأزمنة وّلت‪ ،‬فّل يمكن‬
‫ّ‬
‫يميز بين صحيح الّتراث وسقيمه؛‬
‫لهذا العقل أن ّ‬
‫والمنزلق ال ّثاني‪ :‬هو االنسياق وراء تيار االستشراق الذي يهدف من وراء قراءة الّتراث‬
‫استعمارية في غالب األحيان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تبشيرية أو‬
‫ّ‬ ‫إلى الوصول إلى فكرة معينة قد تكون‬ ‫العربي‬
‫ّ‬
‫األمة على أنفسهم‬
‫حساساً أخد بعض أبناء ّ‬ ‫كان الّتراث عصبا دقيقاً ووت اًر ّ‬ ‫ولما‬
‫ّ‬
‫ومؤسسات وجمعيات‪ ،‬ومن أبرز الوسائل التي‬
‫ّ‬ ‫مسؤولية الحفاظ عليه وإخراجه فرادى‬
‫ّ‬
‫قيقية بين‬
‫تعد همزة وصل ح ّ‬ ‫العلمية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫المجّل ُت‬
‫ّ‬ ‫هاماً في خدمة الّتراث‬
‫أدت دو ار ّ‬
‫الباحثين الذي يتقاسمون ّ‬
‫هم الّتراث في العالم اإلسّلمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬مجّلة ال ّذخائر وخدمتها لل ّتراث وال ّتحقيق‪:‬‬
‫األلقية ال ّثالثة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اثية ظهرت في مطلع‬
‫بالدراسات الّتر ّ‬
‫اقية تعنى ّ‬
‫مجّلة ال ّذخائر مجّلة عر ّ‬
‫دورية‬
‫ّ‬ ‫ثم تتابعت أعدادها بصفة‬
‫حيث أخرجت عددها األول سنة ألفين (‪ّ )2000‬‬
‫مؤسسوها على لسان مديرها‬
‫(‪)2‬‬
‫طرها ّ‬‫ساعية إلى تحقيق األهداف التي س ّ‬
‫اإلسّلمية‪ ،‬وإخراجه‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الحفاظ على الّتراث يبدي صفحة مشرقة من تاريخ الحضارة‬
‫األمة على الخلق واإلبداع؛‬
‫يعين أبناء ّ‬
‫يدعي الغرب نسبتها إليه زو اًر وظلماً؛‬‫‪ -‬غنى الّتراث بشتى العلوم التي ّ‬
‫اإلسّلمية التي أوشكت‬
‫ّ‬ ‫العربية و‬
‫ّ‬ ‫يعد حفاظاً على المثل‬
‫‪ -‬البحث في الّتراث وتحقيقه ّ‬
‫اإليديولوجية؛‬
‫ّ‬ ‫ياسية و‬
‫الس ّ‬‫الصراعات ّ‬
‫خضم ّ‬
‫ّ‬ ‫الزوال في‬
‫على ّ‬

‫الشبعان‪ ،‬الحجاج والحقيقة وآفاق الّتأويل‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتّحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.46‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬علي ّ‬
‫‪1‬‬

‫األول من مجّلة ال ّذخائر‪ ،‬عام‪ ،2000‬ص ص ‪.8-4‬‬ ‫مقدمة العدد ّ‬


‫‪ -‬ينظر‪ :‬كمال الجبوري‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ -‬االنفتاح بالّتراث على الوافد من العلوم لخلق الّتفاعل وإظهار نقاط الّتقاطع‪،‬‬
‫تميز الّتراث ونبوغ أصحابه‪.‬‬
‫ليتضح ّ‬
‫أ‪ -‬محاور المجّلة ومكانة المخطوط فيها‪:‬‬
‫أما‬
‫متنوعة وثابتة وقسمين غير ثابتين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ُق ّسمت أعداد المجّلة إلى خمسة أقسام‬
‫األقسام ال ّثابتة فهي‪:‬‬
‫أهم القضايا‬
‫العربي القديم و ّ‬ ‫الدراسات واألبحاث‪ :‬ويتناول اإلنتاج الفكرّي‬
‫قسم ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬
‫التي شغلته في سائر الميادين؛‬

‫المحققة‪ :‬وفيه تنشر المجّلة ّ‬


‫كل ما يتعّلق بالّتحقيق‬ ‫ّ‬ ‫قسم الّنصوص‬ ‫‪-2‬‬
‫والمخطوط‪ ،‬وسنعود إلى هذا المحور بالّتفصيل؛‬
‫حساس من جوانب عالم‬
‫‪ -3‬قسم فهارس المخطوطات والببليوغرافيات‪ :‬وهو جانب ّ‬
‫يعرف بالمكتبات‬
‫خاصاً‪ ،‬كونه ّ‬
‫ّ‬ ‫المخطوط ْأواله القائمون على المجّلة اهتماماً‬
‫ونساخه‪ ،‬وهو الجانب الذي سنبسط القول‬‫الخاصة في حفظ المخطوط ونسخه ّ‬ ‫ّ‬
‫فيه في هذه المداخلة؛‬
‫تهتم‬
‫ّ‬ ‫‪ -4‬قسم العرض والّنقد‪ :‬وفيه نجد بعض القراءات المتعّلقة بالّتراث والتي‬
‫المحقق من المخطوط ونسخه والمحّققين وغيرها‪ ،‬وقد نرى فيه عرضا‬ ‫َّ‬ ‫ببعض‬
‫الرأي فيها؛‬
‫لبعض الكتب المحّققة مع إبداء ّ‬
‫يهتم بذكر بعض‬
‫ّ‬ ‫أما القسم الخامس فهو قسم أنباء الّتراث وهو قسم صغير‬ ‫‪ّ -5‬‬
‫يعد بمثابة الجانب‬
‫الكتب والّنصوص المحّققة حديثاً في العالم العربي‪ ،‬فهو ّ‬
‫اإلشهاري من المجّلة‪.‬‬
‫القسمان غير ال ّثابتين في المجّلة هما‪ :‬قسم اآلثار وقسم األعّلم‪ ،‬حيث نرى القسمين‬
‫خاصة‬
‫األهمية ّ‬
‫ّ‬ ‫معاً وتارة يحضران بالّتناوب وتارة يغيبان معاً‪ ،‬وهما قسمان في غاية‬
‫بحق شاهدا على‬
‫المادية كالمسكوكات التي تعتبر ّ‬
‫قسم اآلثار الذي يعنى ببعض اآلثار ّ‬
‫فسية في بعض‬
‫السياسية‪ ،‬بل والّن ّ‬
‫ينية و ّ‬
‫الد ّ‬
‫تعاقب أنظمة الحكم وعلى توجهاتهم ّ‬
‫األحيان‪.‬‬
‫إما عالماً‬
‫اإلسّلمي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫شخصية تركت بصماتها في العالم‬
‫ّ‬ ‫أما قسم األعّلم فيعرض لسيرة‬ ‫ّ‬
‫العربية في عصر من العصور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفكرية‬
‫ّ‬ ‫أو ناقداً أو شاع اًر أو مساهماً في دفع الحركة‬
‫‪42‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫اء‬
‫العامة التي تدور في أغلبها حول الّتراث بأنواعه سو ً‬
‫ّ‬ ‫هذه أقسام المجّلة ومحاورها‬
‫ولعل هذا العرض المعتصر ال يفي ما فيها من كنوز ودرر‬ ‫ّ‬ ‫مادياً أو معنوياً‪،‬‬
‫أكان ّ‬
‫سنركز على جانب‬
‫ّ‬ ‫خاصاً يبدي مكنونها ويظهر مخزونها‪ ،‬وفي مداخلتنا‬
‫تستحق محفّلً ّ‬
‫ّ‬
‫المخطوط‪ ،‬والذي يظهر اهتمام المجّلة به في قسم الّنصوص المحّققة وقسم الفهارس‪،‬‬
‫وفي بعض األحيان في قسم العرض والّنقد‪.‬‬
‫المحققة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قسم الّنصوص‬ ‫‪-1‬‬
‫المهتمين بتحقيق المخطوط في العالم اإلسّلمي في‬
‫ّ‬ ‫يفتح هذا القسم الباب واسعاً أمام‬
‫ّ‬
‫قدية‬
‫األدبية والّن ّ‬
‫غوية و ّ‬
‫اريخية والّل ّ‬
‫الفقهية والّت ّ‬
‫ّ‬ ‫خصصات حيث نجد المخطوطات‬ ‫سائر الّت ّ‬
‫يسر على المحّققين الّتواصل مع المجّلة لنشر ما حّققوه‪ ،‬كما جعل القارئ‬‫مما ّ‬
‫وغيرها‪ّ ،‬‬
‫يتعرف على كثير من المحّققين الذي لم يسعفهم القدر في ال ّظهور إالّ في هذه المجّلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومتمي اًز في إخراج كثير من‬
‫ّ‬ ‫هاما‬
‫أن المجّلة ّأدت دو اًر ّ‬
‫الشعر نجد ّ‬‫ففي جانب ّ‬
‫عرية التي تحوي شع اًر بقي رهين المخطوط‪ ،‬وكذا بعض الفنون‬
‫الش ّ‬
‫المخطوطات ّ‬
‫الخاصة بشعر بعض‬
‫ّ‬ ‫المهمة نجد سلسلة التحقيق‬
‫ّ‬ ‫عرية المتروكة‪ .‬فمن األعمال‬
‫الش ّ‬
‫ّ‬
‫أعدها حسين عبد العالي‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬شعر المأمون العباسي‪،‬‬
‫الخلفاء واألمراء والتي ّ‬
‫مهماً من حياة‬
‫باّلل‪ .‬حيث يظهر هذا الجهد جانباً ّ‬ ‫شعر هارون ّ‬
‫الرشيد‪ ،‬وشعر الواثق ّ‬
‫الساسة‪.‬‬
‫هؤالء ّ‬
‫ومحمد‬
‫ّ‬ ‫الجراح‬
‫المهمة نجد ما قام به المحّقَقان عباس ّ‬
‫ّ‬ ‫عرية‬
‫الش ّ‬
‫ومن الّتحقيقات ّ‬
‫علي داغي‪ ،‬فقد أظه ار فّنا شعرياًّ ُمحي أثره وُنسي ذكره وجهله كثير من الّناس‪ ،‬وهو‬
‫الشعراء على‬
‫مهماً من قدرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذان الفّنان اللذان يبرزان جانباً‬ ‫الّتربيع والّتخميس‪،‬‬
‫الدوبيت كما هو‬
‫الجراح الذي اعتنى بالّتربيع أو ّ‬‫ففي تحقيق ّ‬ ‫الّتجديد والّتنويع‪.‬‬
‫المشد من أعّلمه المغمورين(‪ ،)1‬يزيح الغبار عن هذا‬
‫ّ‬ ‫الدين‬
‫سيف ّ‬
‫يعد‬
‫مشهور‪ ،‬والذي ّ‬
‫يبين أّنه اعتمد على أربع نسخ‬
‫فإن المحّقق ّ‬
‫أما عن منهج الّتحقيق ّ‬
‫الرجل وإبداعه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الديوان‪ ،‬وهي‪ :‬مخطوطة اإلسكوريال تحت رقم (‪-1619‬‬‫كل ما وصل من نسخ ّ‬‫وهي ّ‬
‫أدب)‪ ،‬ومخطوطة اليبزك األلمانية تحت رقم (‪/545‬د‪.‬س‪ ،)260‬ومخطوطة دار الكتب‬

‫الدين المشد‪ ،‬ال ّذخائر‪ ،‬العددين ‪18‬و‪ ،19‬عام‪ ،2004‬ص ص ‪.135-126‬‬


‫الجراح‪ ،‬دوبيتات سيف ّ‬
‫‪ -‬عباس هاني ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تيمورية تحت رقم (‪ /623‬شعر‪ -‬تيمور)‪ ،‬ومخطوطة المتحف البريطاني‬


‫ّ‬ ‫المصرية – ال‬
‫ّ‬
‫يبين الفضل الكبير‬
‫تحت رقم (‪ ،)O.r .316‬وفي ثنايا الحديث عن عمله ومنهجه ّ‬
‫للمحقق‪ ،‬ويورد إشارات‬
‫ّ‬ ‫لألستاذ هّلل ناجي المحّقق العراقي المشهور في توفير الّنسخ‬
‫ّ‬
‫المشد ونسبة بعضها‬
‫ّ‬ ‫تحقيقية واستدراكات على األستاذ الشيبي في تحقيق دوبيتات‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫مهماً في معادلة‬
‫ناجي باعتباره رقماً ّ‬ ‫يعضد استدراكاته برأي هّلل‬
‫ثم ّ‬ ‫خطأ إلى الّناظم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الّتحقيق في العالم العربي‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشعر‬
‫شخصية فريدة في عالم ّ‬‫ّ‬ ‫محمد علي داغي فنجده يميط الّلثام عن‬ ‫ّ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫النبوية‪ ،‬ويبدي عالماً من علماء المسلمين المشاركين في أغلب‬‫ّ‬ ‫واالبتهال والمدائح‬
‫العربية (‪)1‬التي‬
‫ّ‬ ‫الكردي في خماسياته‬
‫ّ‬ ‫محمد بن آدمالباكلي‬
‫الشاعر ّ‬
‫العلوم‪ ،‬ونقصد بذلك ّ‬
‫يؤكد‬
‫تدين للمحّقق بفضل إخراجها واالعتناء بها من خّلل مجّلة ال ّذخائر‪ ،‬حيث ّ‬
‫شخصية هذا الموسوعة الذي ألف في سائر الفنون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتأسف على تغييب‬
‫ّ‬ ‫المحّقق‬
‫وبقيت أعماله رهينة المخطوط تنتظر بادرة من محّقق حازم؛ فالخماسيتان اللتان‬
‫ط يده‪ ،‬وهي‬‫محمد علي داغي قد استّلهما من مخطوطات الباكلي المكتوبة بخ ّ‬
‫حّققهما ّ‬
‫لفت األنظار إلى‬
‫يؤديها المحّقق‪ ،‬وهو ُ‬
‫مهما من األدوار التي ّ‬
‫جداً‪ ،‬لنستنتج دو اًر ّ‬
‫كثيرة ّ‬
‫الركب عن االعتناء به بمفرده‪.‬‬
‫اثي اكتشف هو قصر به ّ‬‫مخزون تر‬
‫ّ‬
‫كما نجد بعض القصائد التي تناقلها الناس وحفظوها وأولعوا بها‪ ،‬فاشتغل بها‬
‫وتتبعوا ُنسخها واعتنوا بها وأخرجوها للقارئ موّثقة مضبوطة‪ ،‬ومن‬
‫بعض المحّققين ّ‬
‫جم غفير من‬
‫وتيمناً‪ ،‬وشرحها ّ‬
‫ّ‬ ‫تلك القصائد (المنفرجة) التي حفظها الكثير تبركاً‬
‫العلماء والفضّلء لما تحويه من أسرار‪ ،‬وتنشر المجّلة في هذا الموضع تحقيقاً‬
‫وصحة نسبتها إلى‬
‫ّ‬ ‫للمحّقق زهير غازي الذي ابتدأ عمله باإلشارة إلى فضل القصيدة‬
‫ي (‪)2‬‬
‫يبين جهده في تحقيقها والّنسخ التي اعتمد عليها‪ ،‬حيث‬
‫ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ابن الّنحوي الّتوزرّ ‪،‬‬
‫الوطنية بتونس تحت رقم (‪)18547‬‬
‫ّ‬ ‫أساسية من دار الكتب‬
‫ّ‬ ‫يظهر أّنه اعتمد نسخة‬
‫الشروح كشرح زكريا األنصاري – وهو‬
‫ثم قارنها بما في ّ‬‫المغربي ّ‬ ‫والتي كتبت بالخط‬
‫ّ‬

‫الكردي‪ ،‬ال ّذخائر‪ ،‬العددين ‪ ،19-18‬عام ‪ ،2004‬ص ص ‪.201-183‬‬ ‫ّ‬ ‫محمد علي داغي‪ ،‬خماسياتالباكلي‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪1‬‬

‫الشاعر نفسه‪.‬‬
‫فارسية‪ ،‬والخماسيات األربع بخط ّ‬ ‫ويشير المحّقق إلى وجود خماسيتين بالّلغة ال ّ‬
‫‪ -2‬زهير غازي‪ ،‬تحقيق القصيدة المنفرجة البن الّنحوي‪ ،‬مجّلة ال ّذخائر‪ ،‬العدد‪ ،8‬عام ‪ ،2001‬ص ‪.122‬‬

‫‪44‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الدين البصروي وهو أيضا من أشهر شروح المنفرجة‪ ،‬كما‬


‫أشهرها‪ ،-‬وشرح عّلء ّ‬
‫ّللا القرطبي وهو مخطوط محفوظ في دار‬ ‫بالمخمسات كتخميس عبد ّ‬
‫ّ‬ ‫استأنس المحّقق‬
‫الشباط الّتوزري ‪ ،‬لينتهي إلى بعض االختّلفات‬
‫الوطنية بتونس‪ ،‬وتخميس ابن ّ‬
‫ّ‬ ‫الكتب‬
‫في عدد األبيات‪ ،‬ما بين خمس وثّلثين إلى أربع وأربعين بيتاً ليثبتها في األخير‬
‫أربعين بيتاً استناداً إلى الّنسخة المخطوطة وكذا ما أثبته حاجي خليفة في كشف‬
‫طبقات وتخميس القرطبي وشرح البصرو ِّّي‪ ،‬واألبيات األربعون‬
‫بكي في ال ّ‬ ‫ظنون و ّ‬
‫الس ُّ‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫مثبتتة في آخر الّتحقيق‪.‬‬
‫لمحمد بن‬
‫ّ‬ ‫مسية‬
‫الش ّ‬ ‫تفردت ال ّذخائر بنشرها القصيدة ّ‬
‫ومن الّنوادر المحّققة التي ّ‬
‫ّللا عليه وسّلم‪،‬‬
‫الرسول صّلى ّ‬ ‫ائية طويلة في مدح ّ‬ ‫وهي قصيدة ر ّ‬ ‫سعيد األنصاري‪،‬‬
‫ّ‬
‫الملقب بشمس‬
‫ّ‬ ‫مسية نسبة إلى ناظمها‬
‫بالش ّ‬
‫سماها ّ‬ ‫ويشير المحّقق إلى أّنه هو من ّ‬
‫الدين(‪ ،)1‬وهي ثمرة مغامرة طويلة في تحقيق كتاب (قّلئد الجمان في فرائد شعراء هذه‬‫ّ‬
‫ثم‬
‫تفرد بإيرادها على اإلطّلق ‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الشعار الموصلي‪ ،‬وهو المصدر الذي ّ‬
‫الزمان) البن ّ‬
‫ّ‬
‫مسية على البردة وإمكانية تأثيرها‬
‫الش ّ‬
‫أسبقية ّ‬
‫ّ‬ ‫مهمة وهي‬
‫قضية ّ‬
‫يعرض المحّقق إلى ّ‬
‫تشابه بعض األبيات والمعاني واأللفاظ(‪ ،)3‬ولعّله يبتعد عن الفصل في‬
‫َ‬ ‫فيها ويورد‬
‫كيفية تحقيقها مرجحين أن‬
‫يفصل في ّ‬ ‫المتخصص‪،‬ولم ّ‬‫ّ‬ ‫القضية ليترك المجال للّناقد‬
‫ّ‬
‫يكون قد وّفاها ّ‬
‫حقها من الّتحقيق ضمن اشتغاله بكتاب قّلئد الجمان‪.‬‬
‫اثية في إبراز بعض‬
‫المجّلت الّتر ّ‬
‫ّ‬ ‫أهمّية‬
‫إن هذين المثالين البارزين يبينان ّ‬ ‫ّ‬
‫حقيقية التي تكشف عن مثل هاته القصائد التي يغفل عنها كثير من‬
‫الومضات الّت ّ‬
‫الشمائل‪ .‬وإن‬
‫سيد الفضائل وعنوان ّ‬
‫المطوالت األوائل في مدح ّ‬
‫ّ‬ ‫خاصة وأنها من‬
‫الّناس‪ّ ،‬‬
‫أن ضبطها وثبتها َيبقى خاتمة فضلها‬
‫الشهرة ّإال ّ‬
‫كانت األولى على قدر عظيم من ّ‬
‫ومنتهى حسنها‪.‬‬

‫مسية نادرة من الّتراث‪ ،‬ال ّذخائر‪ ،‬العدد ‪ ،14-13‬عام ‪ ،2003‬ص ‪.115‬‬


‫الش ّ‬
‫‪ -‬خورشيد رضوي‪ ،‬القصيدة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.120-119‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تفردت ال ّذخائر بتحقيقها ونشرها نذكر ما يلي‬


‫عرية الّنادرة التي ّ‬
‫الش ّ‬
‫ومن المخطوطات ّ‬
‫المجّلت يجب أن تفرد‬
‫ّ‬ ‫أن كنوز هذه‬‫قدمنا ّ‬ ‫دون تفصيل ّ‬
‫ألن المقال ال يّتسع لذلك‪ ،‬فقد ّ‬
‫خاصة تفيها حّقها وتظهر منزلتها‪:‬‬
‫لها ندوات ّ‬
‫السوداني‪ ،‬العدد‬
‫محمد جبار ومزهر ّ‬
‫الرّياشي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ّ :‬‬
‫محمد بن سير ّ‬‫‪ -‬شعر ّ‬
‫‪ ،2000 ،2‬ص ص ‪.138-55‬‬
‫‪ -‬شعر زهير بن جناب الكلبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬قيس كاظم‪ ،‬العدد ‪ ،2000 ،3‬ص ص‬
‫‪.98-49‬‬
‫الجبوري‪ ،‬العددان‬
‫ّ‬ ‫الدين اإلربيلي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬كامل‬
‫الصاحب بهاء ّ‬
‫‪ -‬ديوان ّ‬
‫‪6‬و‪ ،2001 ،7‬ص ص‪.136-35‬‬
‫محمد بن يزيد الحصني‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬إبراهيم بن سعد الحقيل‪ ،‬العددان‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬شعر‬
‫‪ 13‬و‪ ،2003 ،14‬ص ص ‪.174-143‬‬
‫السلوك إلى مالك الملوك)‪،‬‬
‫(السير و ّ‬
‫العربي‪ ،‬في كتاب ّ‬ ‫‪ -‬قريض عبد الكريم بن‬
‫ّ‬
‫الرامي‪ ،‬العددان ‪15‬و‪ ،2003 ،16‬ص ص ‪.114-109‬‬ ‫تحقيق‪ :‬جواد ّ‬
‫تفردت مجّلة‬
‫قدمنا‪ّ -‬‬
‫عرية المحّققة والتي –كما ّ‬
‫الش ّ‬
‫يخص بعض الّنصوص ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا فيما‬
‫أن المحّققين دائما يفتحون البصائر ويلهبون العزائم للكشف‬
‫ال ّذخائر بنشرها‪ ،‬ونّلحظ ّ‬
‫الشعر الذي مأل‬
‫عرية المغمورة التي ُتنافس كثي ًرا من ّ‬
‫الش ّ‬
‫عن كثير من الّنصوص ّ‬
‫الركبان‪.‬‬
‫األزمان وسار به ّ‬
‫عرية وإّنما فتحت المجال‬
‫الش ّ‬
‫لم تقتصر مجّلة ال ّذخائر على تحقيق الّنصوص ّ‬
‫خصصات‪ ،‬ففي جانب الّتاريخ والّترجمات واألنساب نجد مخطوطات‬ ‫كل الّت ّ‬
‫للمحققين في ّ‬
‫ّ‬
‫تحت المجّل ُة بتحقيق في علم األنساب من خّلل مخطوطة ألبي جعفر‬ ‫افت ِّ‬
‫مهمة‪ ،‬حيث ُ‬‫ّ‬
‫أحمد بن عبد الولي البتي البلنسي األندلسي تدعى‪( :‬تذكرة األلباب بأصول األنساب)‬
‫ّ‬
‫محمد المهدي الموسوي الذي افتتح تحقيقه بذكر منهجه‬‫ّ‬ ‫يد‬‫الس‬
‫ّ‬ ‫تحقيقها‬ ‫والتي توّلى‬
‫وخاصة فيما يتعّلق بضبط اسم صاحب المخطوط‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬ ‫كل المحّققين‪،‬‬
‫كما هي عادة ّ‬
‫حد تعبيره‪ ،‬من‬
‫أن اسم المؤّلف قد وقع عليه ظلم كبير على ّ‬
‫يظهر من كّلم المحّقق ّ‬
‫المهمة التي‬
‫ّ‬ ‫شد انتباهنا في هذا الّتحقيق اإلشارة‬
‫لدن الّن ّساخ والمحّققين‪ ،‬والذي ّ‬
‫المخطوطة‪،‬خاصة مع‬
‫ّ‬ ‫حساسية الموضوع الذي تناولته هذه‬
‫ّ‬ ‫أوردها المحّقق وهي‬

‫‪46‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫اشتداد الّتخاصم حول الخّلفة مع االحتكام إلى الّنسب(‪ ،)1‬فعواقب تأصيل األنساب‬
‫ابتداء من العنوان إلى المضمون‪.‬‬
‫ً‬ ‫مما أ ّثر تأثي اًر بالغاً على المخطوط‬
‫دينية‪ّ ،‬‬
‫سياسية ّ‬
‫ّ‬
‫الصدع بالحق‪.‬‬
‫ولعل الّنهاية المأساوية للمؤّلف دليل على صعوبة المرحلة وخطر ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ‬
‫الحيدرية)‬
‫ّ‬ ‫السلسلة‬
‫ومن مخطوطات الّترجمات نجد كذلك نماذج فريدة كـــــ(ترجمة ّ‬
‫السادس‬
‫علي‪ ،‬ونشر الّتحقيق في العددين ّ‬ ‫الكردي والتي حّققها معم حمدان‬
‫ّ‬ ‫إلبراهيم‬
‫ّ‬
‫يبين المحّقق صفاء ّنيته وسّلمة قصده في االعتناء بهذا المخطوط‬ ‫السابع‪ ،‬حيث ّ‬‫و ّ‬
‫ولعل باع المؤّلف في شتى‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫علمية فاضلة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحيدرية أسرة‬
‫ّ‬ ‫بأن األسرة‬
‫ويعّلل ذلك ّ‬
‫بكل علومه‪ ،‬إلى المنطق إلى الّلغة والبّلغة‪ ،‬يشهد على ما قاله‬
‫العلوم من الدين ّ‬
‫المحّقق‪ ،‬ويعتمد معن حمدان علي على نسختين يكاد يجزم أن ال ثالثة لهما‪ ،‬وكّل‬
‫ّ‬
‫الّنسختين في وكالة األوقاف في بغداد‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫كل واحدة‬
‫‪ -‬األولى برقم (‪ - ،)3797/19‬مجاميع ‪ -‬وتقع في سبع ورقات في ّ‬
‫سبعة عشر سط اًر‪.‬‬
‫ط الذي‬
‫انية برقم (‪– )13856/1‬مجاميع – وهي مطابقة لألولى ّإال في الخ ّ‬ ‫‪ -‬ال ّث ّ‬
‫ست‪.‬‬
‫مما قّلص عدد األوراق إلى ّ‬ ‫قّلص جعل الورقة تحوي واحداً وعشرين سط اًر‪ّ ،‬‬
‫وال نطيل في ذكر منهج المحّقق‪ ،‬وإّنما هي إشارات إلى قيمة المخطوطات المنشورة في‬
‫مجّلة ال ّذخائر‪.‬‬
‫أما في مجال الّلغة فنجد العمل الذي قام به األستاذ هّلل ناجي‪ ،‬وذلك من خّلل‬
‫ّ‬
‫الصفدي ضمن جزأين منشورين في العددين‬‫ّ‬ ‫أيبك‬ ‫لخليل‬ ‫الجناس)‬ ‫(جنان‬ ‫كتاب‬ ‫تحقيق‬
‫األول للتعريف بهذا الفاضل‪ ،‬وذكر مؤّلفاته التي‬
‫خصص الجزء ّ‬ ‫الرابع‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ال ّثالث و ّ‬
‫أهمّية ذكر المخطوطات‬
‫نجد اإلشارة إلى ّ‬
‫بقي أكثرها مخطوطاً وُفقد الكثير منها‪ ،‬ولعّلنا ّ‬
‫مسؤولية مشتركة‬
‫ّ‬ ‫التي لم تصلها يد المحّققين‪ ،‬تعريفاً بها وإظها اًر لها‪ ،‬فتحقيق الّتراث‬

‫محمد مهمدي الموسوي‪ ،‬تحقيق لتذكرة األلباب بأصول األنساب‪ ،‬ألبي جعفر البتّي البلنسي األندلسي‪،‬‬
‫ينظر‪:‬السّيد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ال ّذخائر‪ ،‬العدد ‪ ،2000 ،1‬ص ‪.109‬‬
‫الناس من بعيد ورمي‬
‫يلنسية بإضرام نار عظيمة تلفح ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪ .80-79‬حيث أمر حاكم‬
‫فيها المؤّلف وعائلته‪.‬‬
‫الكردي‪ ،‬مجّلة ال ّذخائر‪ ،‬العددان ‪ 6‬و‬
‫ّ‬ ‫الحيدرية)‪ ،‬تأليف‪ :‬إبراهيم‬
‫ّ‬ ‫(السلسة‬
‫علي‪ ،‬تحقيق كتاب ّ‬ ‫‪ -3‬ينظر‪ :‬معن حمدان‬
‫ّ‬
‫‪ ،2001 ،7‬ص ‪.136‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وعمل جماعي يقتضي تظافر الجهود وتبادل العون‪ ،‬أل ّنه ال يخفى على مشتغل‬
‫ّ‬
‫وتضحية‬
‫ّ‬ ‫بالّتحقيق ما لحق المخطوط من عوامل كانت كفيلة بجعل الّتحقيق مغامرة‬
‫الصبر والعون ّ‬
‫وشد اليد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ونفسية تستوجب‬
‫ّ‬ ‫مالية‬
‫ّ‬
‫الشرع‬
‫مهمة تتعّلق بجانب دقيق من جوانب ّ‬ ‫الشرع نجد مخطوطة ّ‬ ‫وفي مجال ّ‬
‫محمد عبد الواحد‬
‫ّ‬ ‫واالقتصاد االسّلمي أال وهو جانب الميزان‪ ،‬ونقصد مخطوطة أبي‬
‫ّ‬
‫الموحدين‬
‫ّ‬ ‫عية من س ّكة‬
‫الشر ّ‬
‫المسماة (مقادير األوزان والّنصب ّ‬
‫ّ‬ ‫السداد المالقي‬
‫ابن أبي ّ‬
‫أهمية هذا‬
‫حققها رشيد العفاقي في العدد ال ّثالث من المجّلة‪ ،‬وتكمن ّ‬
‫باألندلس) والتي ّ‬
‫خاصة مع تشديد‬ ‫ّ‬ ‫يقدم وصفاً دقيقاً آلالت الوزن باألندلس(‪،)1‬‬
‫المخطوط في كونه ّ‬
‫الشرعي العظيم الذي يقابله قّلة‬ ‫الشرع على تدقيق الكيل وضبط الميزان‪ ،‬هذا األمر‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الحجة عليهم‪.‬‬
‫فادحة في الّتأليف في المقادير واألوزان لتعليم الّناس وإقامة ّ‬
‫نكتفي بهذا القدر من قسم الّنصوص المحّققة‪ ،‬ونخلص في خاتمة عرضه الموجز إلى‬
‫مهمة في‬
‫دوره في إخراج الّنصوص وإتاحة الفرصة للمحّققين‪ ،‬كما رأينا فيه إشارات ّ‬
‫لفت األنظار إلى المخطوطات الكثيرة التي لم تطلها يد الّتحقيق‪.‬‬
‫أما عن القسم اآلخر الذي اعتنى بالمخطوط فهو قسم الفهارس والببليوغرافيات‪،‬‬
‫ّ‬
‫أهمية بالغة في االهتداء إلى نسخ‬
‫وال يخفى على ك ّل مشتغل بالّتحقيق ما للفهرسة من ّ‬
‫المخطوطات وعدد الّنسخ والّن ّساخين والوقوف على أسماء المؤّلفين‪ ،‬وإذا نظرنا في‬
‫للمحقق‬
‫ّ‬ ‫أشد العناية بالفهرسة‪ ،‬حيث أتاحت الفرصة‬
‫هذا القسم وجدنا ال ّذخائر عنيت ّ‬
‫الحسينية في‬
‫ّ‬ ‫الروضة‬
‫سلمان هادي آل طعمة على مدى عشرة أعداد للّتعريف بمكتبة ّ‬
‫األول من الّتحقيق بضرورة الّتعريف بهذه‬
‫كربّلء بالعراق‪ ،‬حيث افتتح المحّقق القسم ّ‬
‫بكل كتاب ومخطوط‬ ‫ثم أتي لها ّ‬ ‫تأسست عام ‪ّ ،1979‬‬ ‫ّ‬ ‫العلمية البارزة‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬ ‫القلعة‬
‫ولعل الّناظر في‬
‫ّ‬ ‫مهما من مراكز المخطوط في العالم اإلسّلمي(‪،)2‬‬
‫بحق مرك اًز ّ‬
‫لتصير ّ‬
‫ّ‬
‫هذه الّتنظيم والّترتيب يدرك قيمة العمل الذي قام به المحّقق‪ ،‬فهو يعترف بمدى صعوبة‬

‫محمد عبد‬
‫الموحدين باألندلس) أبي ّ‬
‫ّ‬ ‫عية من س ّكة‬
‫الشر ّ‬
‫‪ -‬رشيد العفاقي‪ ،‬تحقيق كتاب (مقادير األوزان والّنصب ّ‬
‫‪1‬‬

‫السداد المالقي‪ ،‬مجّلة ال ّذخائر‪ ،‬العدد‪ ،2000 ،3‬ص ‪.89‬‬


‫الواحد ابن أبي ّ‬
‫الحسينية في كربّلء – العراق‪ ،‬ال ّذخائر‪ ،‬العدد ‪،2000 ،1‬‬
‫ّ‬ ‫الروضة‬
‫‪ -‬سلمان هادي آل طعمة‪ ،‬فهرس مخطوطات ّ‬
‫‪2‬‬

‫ص ‪.255‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ظروف التي قد والعوامل التي تجعل معرفة المخطوط وصاحبه‬ ‫خاصة مع ال ّ‬


‫ّ‬ ‫األمر‬
‫الصعوبة‪ ،‬تهدف إلى‬
‫عملية غاية في ّ‬
‫ّ‬ ‫وعنوانه‪ ،‬بل في بعض األحيان ّأوله من آخره‪،‬‬
‫المهتمين به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تقريب المخطوط من‬
‫وكيفية إعدادها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وسنلقي نظرة عاجلة على هذه الفهرسة‬
‫‪ -‬وضع رمو اًز لتسهيل البحث واالختصار كـــــ‪ :‬ج‪ /‬جزء‪ ،‬ص‪ /‬صفحة‪ ،‬ح‪ /‬حيازة‪ ،‬إلى‬
‫الرموز؛‬
‫غير ذلك من ّ‬
‫ألفبائياً؛‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬رّتب المحّقق المخطوطات الموجودة في المكتبة ترتيباً‬
‫‪ -‬سعى إلى الّتعريف بالمخطوط قدر المستطاع باختصار شديد‪ ،‬كنوع الورق والخ ّ‬
‫ط‪،‬‬
‫الصفحات‪ ،‬وإن كان به تعليقات أو حواش‪،‬‬ ‫ومساحة الورقة وعدد األسطر‪ ،‬وعدد ّ‬
‫الفن الذي ينتمي إليه‪ ،‬ويذكر كذلك شيئاً من‬
‫وتاريخ الفراغ من الّنسخ إن وجد‪ ،‬و ّ‬
‫فاتحة الكتاب وشيئاً من آخره‪ ،‬وانظر إلى صعوبة العمل ومشقته؛‬
‫يورد في كثير من األحيان صفحات من مخطوط ما‪ ،‬بال ّطريقة المعروفة وهي‬ ‫‪-‬‬
‫صفحة من ّأول المخطوط وأخرى من آخره؛‬
‫الحسينية يتجاوز األلف مخطوط (‪)1150‬‬
‫ّ‬ ‫الروضة‬
‫‪ -‬عدد المخطوطات في مكتبة ّ‬
‫مخطوطاً منها ما هو محّقق وأكثرها ينتظر التفاتة المحّققين‪.‬‬
‫المحقق سلمان هادي‬
‫ّ‬ ‫أشد اإليجاز للعمل العظيم الذي قام به‬
‫كان هذا عرضا موج اًز ّ‬
‫خاصة وقد أخد على نفسه منهجاً‬
‫ّ‬ ‫يستحق اإلجّلل واإلكبار‬
‫ّ‬ ‫آل طعمة‪ ،‬وهو عمل‬
‫المحقق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مما يجعله قريباً من الباحث سهّلً على‬
‫يقتضي الّتعريف الكامل بالمخطوط‪ّ ،‬‬

‫ومن الفهارس المنشورة في المجّلة نذكر بإيجاز‪:‬‬


‫ظاهري – دراسة ببليوغرافية‬
‫الرد على ابن حزم ال ّ‬
‫المغربية في ّ‬
‫ّ‬ ‫األندلسية و‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬المؤّلفات‬
‫القدوري‪.‬‬
‫تاريخية – سمير ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬مصادر علم الّتصريف متوناً وشروحاً وحواشي‪ ،‬هاشم طه شّلش‪.‬‬
‫محمد علي آل عصفور بإيران‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العربية في مكتبة الشيخ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬فهرس المخطوطات‬
‫حبيب آل جميع‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وفي القسم األخير من المجّلة وهو قسم أنباء الّتراث وهو – كما قلنا ‪ -‬بمثابة‬
‫الجانب اإلشهاري في المجّلة‪ ،‬حيث ُتذكر فيه األعمال المحّققة والمنشورة حديثاً‪،‬‬
‫فيتتبع جديد الّتحقيق‬
‫كل األعداد‪ّ ،‬‬
‫يشرف على هذه القسم حسن عريبي الخالدي‪ ،‬في ّ‬
‫ألن قانون الّتحقيق يقتضي‬
‫ويظهره ويشهره‪ ،‬حّتى يعلم المحّقق المخطوطات المحّققة‪ّ ،‬‬
‫أن هذا القسم يعتب اًر حاف اًز‬‫زمنية على الّتحقيق حتى يسمح بتحقيقه‪ ،‬كما ّ‬‫ضي فترة ّ‬ ‫م‬
‫ُ ّ‬
‫عملية الّتحقيق‬
‫ّ‬ ‫يتتبع جهود الّتحقيق في مشارق األرض ومغاربها ُليعلم ّ‬
‫أن‬ ‫مهماً‪ ،‬فهو ّ‬ ‫ّ‬
‫كل حين بإذن ّربها‪.‬‬ ‫مستمرٌة قائم ٌة تؤتي أ ُ‬
‫ُكلها ّ‬ ‫ّ‬
‫كانت هذه ومضة خاطفة ونظرة سريعة في أعداد من مجّلة ال ّذخائر التي اعتنت‬
‫بالّتراث العربي دراسة وتحقيقاً‪ ،‬لنخلص في األخير إلى فضل هذه المجّلة في إخراج‬
‫ّ‬
‫المتخصص‪ ،‬ويتأكد فضلها في‬
‫ّ‬ ‫وخاصة‬
‫ّ‬ ‫ئ‬ ‫ن‬
‫كثير من عيو الّتراث إلى القار العربي‬
‫ّ‬
‫ومما‬
‫الدين األدب والّتاريخ وغيرها‪ّ ،‬‬
‫مهمة في ّ‬
‫أسبقيتها في نشر مخطوطات ّ‬ ‫تفردها و ّ‬ ‫ّ‬
‫شدنا واثار انتباهنا ذلك العمل المهم الذي قام به سليمان آل طعمة وهو إعداد فهرس‬
‫ّ‬
‫كل مخطوطات المكتبة‬
‫الحسينية‪ ،‬حيث جعل ّ‬
‫ّ‬ ‫الروضة‬
‫مفصل وكامل لمخطوطات مكتبة ّ‬
‫ّ‬
‫المتخصصين باحثين وطلبة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في متناول‬
‫الرائد في عالم المخطوط‪:‬‬
‫‪ -2‬مجّلة رفوف ودورها ّ‬
‫ائرية في‬
‫دورية تصدر عن مخبر المخطوطات الجز ّ‬
‫ّ‬ ‫دولية‬
‫مجّلة رفوف مجّلة ّ‬
‫همها‬
‫غرب إفريقيا‪ ،‬بجامعة أدرار‪ ،‬ظهرت في شهر جوان عام ‪ ،2013‬جعلت أكبر ّ‬
‫أن هذه المجّلة قد أخذت على عاتقها‬‫وكل ما يتعّلق به‪ ،‬ومن المّلحظ ّ‬
‫المخطوط ّ‬
‫مهمة من زوايا العالم اإلسّلمي غفل عنها كثير من‬
‫الخاص بزاوية ّ‬
‫ّ‬ ‫تحقيق المخطوط‬
‫ّ‬
‫مهمة في عالم المخطوط اإلسّلمي لما‬
‫الرغم من أّنها تمّثل حلقة ّ‬
‫الباحثين‪ ،‬على ّ‬
‫ّ‬
‫ائرية ذكرنا المخطوط‪،‬‬
‫الصحراء الجز ّ‬
‫التعد ودرر ال تحصى‪ ،‬فإذا ذكرنا ّ‬
‫ّ‬ ‫تحويه من كنوز‬
‫أن‬
‫وإذا ذكرنا المغرب وموريطانيا تناهى إلى أذهاننا مكتبات ملئت بالمخطوط‪ ،‬كما ّ‬
‫طلع على المجّلة يدرك ما جهله كثير من الباحثين‪ ،‬وهو وجود عدد كبير من‬ ‫الم ّ‬
‫السينغال‪ ،‬مخطوطات لعبت‬
‫دول إفريقيةٍ كالنيجر ونيجيريا و ّ‬
‫اإلسّلمية في ٍ‬
‫ّ‬ ‫المخطوطات‬
‫الدول‪ ،‬وهذا ممن الفضل العظيم‬
‫مهما في نشر اإلسّلم والحفاظ عليه في تلك ّ‬‫دو اًر ّ‬
‫الذي يحسب لمجّلة رفوف‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أما إذا أردنا أن نعقد مقارنة بينها وبين مجّلة ال ّذخائر فإّننا نرى الفرق الصارخ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫ركزت على إخراج المخطوط المحقق‬ ‫خصص‪ ،‬فال ّذخائر ّ‬‫وجه ولمسة الّت ّ‬‫في وضوح الّت ّ‬
‫أما في مجّلة رفوف فإّننا سنرى‬
‫وكذا الفهارس المتعّلقة به‪ ،‬وجديد الّتحقيق المنشور‪ّ ،‬‬
‫الّتحقيق عمّلً متكامّلً من ّأول خطوة إلى آخرها بدءا بأصول الّتحقيق ومناهجه إلى‬
‫متطورة‪ ،‬ومجا ار ًة للواقع‬
‫ّ‬ ‫تقليدية أو‬
‫ّ‬ ‫ثم وسائل حفظ المخطوط المختلفة‬
‫أهميته وأعّلمه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫األكاديمية من‬
‫ّ‬ ‫الدراسات‬
‫األكاديمي سنجد بحوثاً تتعّلق بواقع المخطوط في ّ‬ ‫العلمي و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الّتحقيق أصبح شعبة مستقّلة‪ ،‬وال يخفى على مجّلة بمثل‬ ‫خاصة و ّ‬
‫رسائل وأطاريح‪ّ ،‬‬
‫تتبع مراكز حفظ المخطوط‪،‬‬ ‫جليا ّ‬
‫وجه أن تغفل جانب الفهارس حيث سيبدو ّ‬ ‫هذا الّت ّ‬
‫ثم بعض الّنصوص المحّققة في فنون مختلفة‪.‬‬ ‫بشتى أنواعها‪ّ ،‬‬
‫الدور البارز الذي ّأدته مجّلة رفوف في تحقيق المخطوط‪ ،‬ولعّلنا‬
‫تتبع ّ‬
‫وسنحاول ّ‬
‫المجّلت على ما بذل أصحابها من‬
‫ّ‬ ‫نجدد اإلشارة إلى وجوب االلتفات إلى مثل هذه‬
‫ّ‬
‫جهود جليلة خدم ًة للّتراث‪ ،‬وإذا كان القائمون على المجّلة قد تركوا تقسيمها إلى‬
‫كل المقاالت المتعّلقة بالمخطوط وخلصنا إلى‬
‫محاور سهواً أو عمداً‪ ،‬فإّننا تتبعنا ّ‬
‫تقسيمها إلى المحاور التي أشرنا إلى سابقاً‪ ،‬وسنعرض لها بالوصف والّتحليل‪.‬‬
‫أهمّيته‪:‬‬
‫‪ -1‬الّتحقيق أصوله ومناهجه و ّ‬
‫يتعرض هذا القسم إلى الجانب الّنظرّي من علم تحقيق المخطوط‪ ،‬وإظهار‬
‫جد ذاته من‬
‫أهمية المخطوط في ّ‬
‫أهمية الّتحقيق من جهة و ّ‬
‫الحاجة إليه‪ ،‬والكشف عن ّ‬
‫أهم‬
‫معين‪ ،‬ومن ّ‬‫جهة أخرى‪ ،‬والّتاريخ يشهد على األثر البالغ للمخطوطات في مجتمع ّ‬
‫محمد مسعود أبي سالم‪ ،‬المعنون بـــــــ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫تبين أصول الّتحقيق مقال‬
‫المقاالت التي ّ‬
‫الدفاتر وحفظها عند القدماء والمحدثين)‪،‬‬‫جّلت و ّ‬
‫الس ّ‬
‫(أصول تحقيق المخطوطات و ّ‬
‫الصدق األمانة في‬ ‫مشدداً على ّ‬
‫حيث افتتح كّلمه بتعريف المخطوط لغة واصطّلحاً ّ‬
‫وكل‬
‫بأي شكل من األشكـــــــــــــــــــــال‪ّ ،‬‬
‫صرف في المخطوط ّ‬ ‫الّتحقيق‪ ،‬واالبتعاد عن الّت ّ‬
‫إمّلئي أو تبيين غامض يكون في الهامش ‪ّ ،‬‬
‫ثم يتابع الكاتب‬ ‫(‪)1‬‬
‫تصويب لغو ّي أو‬
‫ّ‬
‫الفن كالّتصحيف‬
‫الخاصة بهذا ّ‬
‫ّ‬ ‫خطوات الّتحقيق المعروفة‪ ،‬مع ذكر بعض المصطلحات‬

‫الدفاتر وحفظها عند القدماء والمحدثين‪ ،‬مجّلة‬


‫جالت و ّ‬
‫الس ّ‬
‫محمد مسعود أبي سالم‪ ،‬أصول تحقيق المخطوطات و ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪1‬‬

‫رفوف‪ ،‬العدد ‪ ،5‬مارس ‪ ،2015‬ص ‪.9‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أسبقية العرب في‬


‫ّ‬ ‫األهمّية هي‬
‫ّ‬ ‫والّتحريف وغيرها‪ .‬ويشير الباحث إشارة غاية في‬
‫الّتحقيق منذ قرون بعيدة‪ ،‬داعماً رأيه بأمثلة من تحقيقات األقدمين ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫أهميته‬
‫الّل زمة في بيان ّ‬
‫اإلضاءات ّ‬
‫ُ‬ ‫ظرية في تحقيق المخطوط‬ ‫ومن الجوانب الّن ّ‬
‫والحاجة إليه وكذا دور المخطوط في الّتّلقح الفكرّي والّتبادل المعرفي‪ ،‬وفي هذا المجال‬
‫ّ‬
‫الدور‬
‫تحض على ّ‬ ‫ّ‬ ‫الملحة إلى الّتحقيق كما‬
‫ّ‬ ‫تبين مقدار الحاجة‬
‫نجد مقاالت كثيرة كّلها ّ‬
‫ال ّثقافي البارز للمخطوط‪.‬‬
‫ّ‬
‫أهمية ال ّتحقيق‪ :‬يبرز منير البصكري‪ ،‬وهو باحث من المغرب ّ‬
‫أهمي َة تحقيق‬ ‫ّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫(أهمّية الّتحقيق العلمي للّتراث المخطوط‬
‫ّ‬ ‫عامة من خّلل مقال بعنوان‬
‫الّتراث بصفة ّ‬
‫األمة على‬
‫إنسانية جليلة فهو دليل حرص ّ‬ ‫حضارية و ّ‬
‫ّ‬ ‫في غرب أفريقيا) فيجعله خدمة‬
‫الفكرية‬
‫العلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ومقومات وجودها باعتبار الّتراث شاهداً على إنجازاتها‬ ‫ّ‬ ‫هويتها‬
‫ّ‬
‫وخاصة في األزمان المتأ ّخرة التي شّنت الحرب على األصول وشّنعت‬
‫ّ‬ ‫الحضارية ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫جعية والّتخّلف‪ ،‬فصار‬
‫بالر ّ‬
‫اثي ّ‬ ‫كل تر‬
‫كل موروث‪ ،‬وتعالى صهيل الحداثة‪ ،‬واّتهم ّ‬ ‫على ّ‬
‫ّ‬
‫الدفاع عنه فضيلة‪.‬‬
‫إظهار الّتراث لزاماً و ّ‬
‫تشد على األثر العظيم‬ ‫أهمية المخطوط‪ :‬في أعداد المجّلة كّلها مقاالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ب‪-‬‬
‫للمخطوط في مجاالت شّتى‪ ،‬سنشير إليها وإلى أصحابها‪:‬‬
‫بالعربية ودورها في الّتعريف بالّتراث اإلسّلمي في‬
‫ّ‬ ‫اإلفريقية المكتوبة‬
‫ّ‬ ‫‪( -‬المخطوطات‬
‫ّ‬
‫غرب إفريقيا)‪ ،‬قاسم جاخاتي السينغالي‪ ،‬يظهر الباحث دور المخطوطات في‬
‫إيصال اإلسّلم إلى غرب إفريقيا وأّنها ساهمت بقسط وافر في الحفاظ عليه قرون ًا‬
‫ينبه الباحث على كثرة تلك المخطوطات‪ ،‬والتي يصعب حصرها على‬ ‫طويلة‪ ،‬كما ّ‬
‫حد تعبيره‪.‬‬
‫ّ‬
‫اريخية) البشير بوقاعدة؛‬
‫‪( -‬المخطوط الجزائي ودوره في الكتابة الّت ّ‬
‫محمد‬
‫قافية في الجزائر وموريتانيا)‪ّ ،‬‬
‫العربي في الّنهضة ال ّث ّ‬ ‫‪( -‬إسهامات المخطوطات‬
‫ّ‬
‫األمين ولد أحمد؛‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫أهمّية تحقيق المخطوط في غرب إفريقيا‪ ،‬رفوف‪ ،‬العدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ ،20013‬ص ص ‪-9‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬منير البصكري‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪.10‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وتنوع ثقافي)‪ ،‬دودان بوغفالة؛‬


‫معرفي ّ‬ ‫ائرية بتونس‪ ،‬تّلقح‬
‫‪( -‬المخطوطات الجز ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلفريقية)‪ ،‬أحمد بناني؛‬
‫ّ‬ ‫ائرية في الّنهضة‬
‫‪( -‬دور المخطوطات الجز ّ‬
‫طاهرّي؛‬
‫انية)‪ ،‬علي ال ّ‬
‫‪( -‬إسهامات مخطوطات إفريقيا في المكتبات اإلير ّ‬
‫‪ -2‬أعّلم المخطوطات والّتحقيق‪:‬‬
‫مهم في عالم الّتحقيق‪ ،‬حيث يعتبر التفات ًة إلى العلماء المغمورين كما‬
‫هذا قسم ّ‬
‫ُغمرت مخطوطاتهم‪ ،‬كما أّنه اعتراف بفضل الذين بذلوا حياتهم في سبيل الّنهوض‬
‫بالّتراث وتحقيقه‪ ،‬وال نكاد نجد عدداً ّإال وفيه مقال حول علم من األعّلم‪ ،‬ففي العدد‬
‫محمد‬
‫ّ‬ ‫مقاال حول أعّلم المخطوط الجزائرّي في ليبيا‪ ،‬للباحث‪ :‬الهادي‬‫ً‬ ‫األ ّول نجد‬
‫السلوقي‪ ،‬والذي بذل جهدا كبي اًر في استقصاء بعض علماء الجزائر الذي تمأل‬ ‫ّ‬
‫تتبع الباحث مخطوطاتهم‬
‫مخطوطاتهم خزائن الجامعات ومراكز المعرفة في ليبيا‪ ،‬حيث ّ‬
‫المقري‪ ،‬صاحب (نفح‬
‫عّلمة أبو العباس أحمد ّ‬ ‫بالوصف والّتحليل‪،‬وعلى رأس هؤالء ال ّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫طيب) وغيره من الّتصانيف العديدة التي بقي أكثرها مخطوطاً كــ‪:‬‬
‫ال ّ‬
‫السّنة‪ ،‬تحت رقم (‪)1734‬‬
‫الدجنة في اعتقاد أهل ّ‬
‫‪ -‬إضاءة ّ‬
‫الصغرى‪)305( ،‬‬
‫‪ -‬إفادة المغرم بتكملة شرح ّ‬
‫‪ -‬فوائد وفرائد في الّتوحيد‪ ،‬تحت رقم (‪)503‬‬
‫الرباني الذي‬
‫ومن األعّلم الذين ذكرهم الباحث أحمد بن حجلة الّتلمساني‪ ،‬هذا العالم ّ‬
‫الشريعة‪ ،‬وله في ذلك تصانيف عديدة‪ ،‬انتفع بها خلق كثير‬ ‫جمع بين علم الحقيقة و ّ‬
‫فإن له ديواناً مخطوطاً سماه‬
‫أما عن المخطوطات ّ‬
‫كل بلد ‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وشهد لها أهل العلم في ّ‬
‫الصبابة)‪ ،‬محفوظ تحت رقم (‪.)1158‬‬
‫(ديوان ّ‬
‫ومن األعّلم أيضاً أبو العباس أحمد الونشريسي‪ ،‬وله مخطوطتان في ليبيا‪:‬‬
‫الفشتالية‪ ،‬تحت رقم‪)551( :‬‬
‫ّ‬ ‫الونشريسية على الوثائق‬
‫ّ‬ ‫طرر‬
‫‪ -‬ال ّ‬
‫‪ -‬إبضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك‪ ،‬تحت رقم‪)480( :‬‬

‫ائرية في ليبيا‪ ،‬مجّلة رفوف‪ ،‬العدد‪ ،1‬جوان ‪ ،2013‬ص‬


‫محمد السلوقي‪ ،‬أعّلم المخطوطات الجز ّ‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الهادي ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص ‪.41-39‬‬
‫‪-2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫السلوقي من األعّلم أبو يزيد ال ّثعالبي‪ ،‬ومن مخطوطاته المحفوظة في‬ ‫ومن من ذكرهم‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ليبيا ثّلثة هي‪:‬‬
‫‪ -‬الجواهر الحسان في تفسير القرآن‪ ،‬تحت رقم‪.)85( :‬‬
‫‪ -‬األنوار المضيئة في الشريعة والحقيقة‪ ،‬تحت رقم‪.)288( :‬‬
‫‪ -‬رسالة عن الحقائق‪ ،‬تحت رقم‪.)288( :‬‬
‫كل‬
‫ثم يستطرد الباحث في ذكر كثير من علماء الجزائر الذين صّنفوا في ّ‬‫ّ‬
‫الفنون‪ ،‬وذاع صيتهم في بّلد ليبيا وانتفع خلق كثير بمؤّلفاتهم المخطوطة‪ّ ،‬‬
‫ومما‬
‫السلوقي في هذا البحث‬ ‫ينبغي الّتنبيه عليه واإلشارة إليه قيم ُة العمل الذي قام به‬
‫ّ ّ‬
‫لألمة بأعّلم خدموا العلم وانتفع بهم الخلق‪،‬‬
‫المفصل‪ ،‬وهو في الحقيقة تعريف ّ‬ ‫ّ‬
‫كما أّنه بمثابة الفهرس الذي يرشد الباحث‪.‬‬
‫امتد‬
‫وفي المجّلة من هذه الجهود ما يشهد لها بسبق الكشف عن تراث ّ‬
‫ُعمره وعظم أمره وطال َغمره‪ ،‬وهو في الحقيقة يش ّكل ركناً من أركان الّتراث‬
‫عامة‪ ،‬ولعّلنا ال نبالغ إن حكمنا برجوح كّفة المغرب اإلسّلمي في‬
‫اإلسّلمي بصفة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫أن ظروفاً كثيرًة حالت دو نشره‪.‬‬
‫عالم المخطوط‪ّ ،‬إال ّ‬
‫وسائل حفظ المخطوط‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أهم األولويات في عالم المخطوط‪ ،‬نظ اًر لطبيعة الّنسخ والّنسخ‬
‫حفظ المخطوطات من ّ‬‫ْ‬
‫يعمر ألف سنة ليس‬ ‫أهميته صعب للغاية‪ ،‬فالعناية بورق‪ ،‬منه ما ّ‬ ‫والحبر‪ ،‬فهو على ّ‬
‫مما يتاح ّإال لقّلة من ذوي الهمم الغيورين على هذا الّتراث‪ ،‬وبمكن إحصاء بعض‬
‫ّ‬
‫وكيفيات حفظه‪ ،‬من خّلل ما نشرته هذه المجّلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أماكن حفظ المخطوطات‬
‫الزوايا‬
‫ؤسسات والجمعيات و ّ‬‫الم ّ‬
‫اهتمت بعض ّ‬ ‫ّ‬ ‫أماكن حفظ المخطوط وطرقه‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫الخاصة بالمخطوط وأولته عناية بالغة‪ ،‬منعته من الّتبعثر وحفظته‬
‫العامة و ّ‬
‫ّ‬ ‫والمكتبات‬
‫األهمية‬
‫ّ‬ ‫من االندثار‪ ،‬ومن الملفت في المجّلة طغيان هذا الجانب‪ ،‬ولعّله من باب‬
‫وجه‪:‬‬
‫لقضية حفظ المخطوط‪ ،‬ومن أمثلة البحوث في هذا الّت ّ‬
‫ّ‬ ‫البالغة‬
‫ائرية عبر إفريقيا‪ ،‬سليمان‬
‫‪ -‬جهود دار المعرفة في إبراز على المخطوطات الجز ّ‬
‫قوراري‪.‬‬
‫البكرية أعّلم ومخطوطات‪ ،‬بكراوي عبد الحق وبكراوي المهدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الزاوية‬

‫‪54‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ّللا‪ ،‬أدرار‪ ،‬إدريس بن خويا وسعاد‬


‫ائرية بخزانة أبي عبد ّ‬
‫‪ -‬المخطوطات الجز ّ‬
‫شابي‪.‬‬
‫ائرية في حماية وترميم المخطوطات من خّلل‬
‫الوطنية الجز ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬جهود المكتبة‬
‫امحمد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تكوينية بمخبر الحفظ والّتجليد‪ ،‬يحيى لن بهون حاج‬
‫ّ‬ ‫دورة‬
‫حمد بن‬
‫الجمعوية في الحفاظ على الّتراث الوطني المخطوط‪ ،‬م ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬دور الحركة‬
‫سويسي‪.‬‬
‫العربية في إمارة إلورن – نيجيريا‪ ،‬والجهود ّ‬
‫الرامية إلى‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬المخطوطات‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫ومحمد عبد ّ‬
‫ّ‬ ‫محمد جنبا‬
‫حمايتها‪ ،‬مشهود ّ‬
‫مؤسسة الفرقان للتراث اإلسّلمي بلندن‪ ،‬ودورها في حفظ المخطوطات‪،‬‬
‫‪ -‬دور ّ‬
‫ّ‬
‫امحمد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫موالي‬
‫‪ -‬مراكز البحث في الوطن العربي وجهودها في المحافظة على المخطوطات‬
‫ّ‬
‫ي‬
‫ونشرها‪ ،‬بلدان المغرب العربي أنموذجاً‪ ،‬منير البصكر ‪.‬‬
‫ّ‬
‫سمية في الجزائر‪ ،‬الخزانة‬
‫الر ّ‬
‫المؤسسات غير ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬حفظ وصيانة المخطوط في‬
‫الحسينية بوالية ميلة نموذجاً‪ ،‬عتروز بديس‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن الباحثين المشاركين في هذه‬ ‫والذي نخلص إليه من سرد هذه العناوين هو ّ‬
‫الجّلة قد تق ّصوا أنباء المخطوط ووقفوا عليه في مظاّنه‪ ،‬إثباتاً الشتراك العالم اإلسّلمي‬
‫ّ‬
‫يثبت أواصر اإلسّلم في أقاصي إفريقيا‪ ،‬كما‬ ‫في هذا اإلرث العزيز الذي استطاع أن ّ‬
‫رّكزت البحوث على الجهود المبذولة من طرف القائمين على مراكز حفظ المخطوط في‬
‫الطرق الّت ّ‬
‫قليدية إلى الحديثة كالمسح‬ ‫الصون‪ ،‬من ّ‬ ‫هذه البّلد بشتى طرق الحفظ و ّ‬
‫وسن القوانين‪ ،‬وغيرها من‬
‫المتطورة‪ ،‬وإنشاء الفهارس‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الضوئي واستعمال مواد الحفظ‬
‫ّ‬
‫بأهميته ‪ّ ،‬إال ما نزر من القصور‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫ووعي‬ ‫المخطوط‬ ‫على‬ ‫ة‬
‫غير‬ ‫تبدي‬ ‫التي‬ ‫ات‬‫المبادر‬
‫الذي فرضته البيئة وغ ّذته قّلة اإلمكانيات‪.‬‬
‫األكاديمية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الدراسات‬
‫واقع المخطوط في ّ‬
‫مهمة نجد بعض المقاالت تسّلط الضوء على هذا الجانب‪ ،‬حيث‬
‫وفي التفاتة ّ‬
‫معين‪،‬‬
‫فن ّ‬‫تقدم على شكل تحقيق مخطوط في ّ‬ ‫الرسائل واألطروحات ّ‬
‫أصبحت كثير من ّ‬
‫المختصين‬
‫ّ‬ ‫تخصصا قائماً بذاته‪ ،‬لذلك كان لزاماً على‬
‫أن تحقيق المخطوط أصبح ّ‬
‫كما ّ‬

‫‪55‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫األول نجد مقاالً‬


‫المقيم لهذه الجهود ما لها وما عليها‪ ،‬ففي العدد ّ‬
‫ّ‬ ‫أن يقفوا وقفة‬
‫الجامعية) من إعداد رابح دفرور‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعنوان‪( :‬شروط اختيار المخطوط في الرسائل‬
‫ويتناول– كما هو موضح في العنوان – ضوابط تحقيق المخطوط وشروط صّلحه ألن‬
‫الشروط بـــــــ‬
‫(‪) 2‬‬
‫يحدد تلك ّ‬
‫ثم ّ‬‫اديمية ‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫علمية أك ّ‬
‫ّ‬ ‫يكون رسالة‬
‫حقيقية غير موجودة في غيره‬
‫ّ‬ ‫يقدم إضافة‬
‫علمية‪ :‬أي أن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أن يكون ذا قيمة‬
‫من الكتب؛‬
‫َّ‬
‫المؤلف الحيث مخطوطاً ولو كان بيد‬ ‫‪ -‬أن يكون مؤّلفا قديماً‪ :‬فّل يطلق على‬
‫المؤّلِّف؛‬
‫الشرع؛‬
‫خاصة في مجال ّ‬ ‫‪ -‬الوثوق من ثقة المؤّلف‪ّ :‬‬
‫‪ -‬توّفر نسخ المخطوط‪ :‬نسختان فأكثر وال يمكن اعتبار الّنسخة المستنسخة ّإال‬
‫نسخة واحدة؛‬
‫الدكتوراه‪:‬‬
‫‪ -‬مناسبة حجم المخطوط للمطلوب في رسالة الماجستير وأطروحة ّ‬
‫أن يمّثل ثلث الرسالة أونصفها‬
‫‪ -‬أن ال يكون محّققاً من قبل أو ُحّقق تحقيقاً غير علمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫الدقيق مع المخطوط‪ ،‬ويشير الباحث إلى ّ‬ ‫العلمي ّ‬ ‫كيفية الّتعامل‬
‫ثم يسرد ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ممن بادرت بهذا العمل وهو قبول الّتحقيق ليقوم مقام األطروحة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فقط‬ ‫الجامعات‬ ‫بعض‬
‫محمد دباغ المعنون بـــ‪( :‬آليات تفعيل الجانب ّ‬
‫الدراسي في‬ ‫ومن هنا جاء مقال الباحث ّ‬
‫أكاديمياً‪ ،‬ويقترح لذلك‬
‫ّ‬ ‫وملحة الحتواء الّتحقيق‬
‫ّ‬ ‫تحقيق المخطوط)‪ ،‬وفيه دعوة صريحة‬
‫طرح وإنجاحه‪ ،‬وأنجع السبل وأوفق اآلليات في‬ ‫سبّلً وآليات يراها كفيلة بتفعيل هذا ال ّ‬
‫أهمية بالغة في الّتعريف‬‫الدراسة أل ّنه يكتسي ّ‬ ‫نظره‪ ،‬تفعيل الجانب الّنظرّي من ّ‬
‫بالمخطوط وعصره وسياقة الّتاريخي‪ ،‬وموضوعه والّتحّقق من نسبته إلى المؤّلف(‪،)3‬‬
‫ّ‬
‫لمحمد‬
‫ّ‬ ‫)‬ ‫عليه‬ ‫وما‬ ‫ماله‬ ‫ة‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫األطاريح‬
‫و‬ ‫سائل‬‫الر‬
‫ويأتي مقال (تحقيق الّنصوص في ّ‬

‫الجامعية‪ ،‬مجّلة رفوف‪ ،‬العدد‪ ،‬جوان ‪ ،2013‬ص ‪.89‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -1‬رابح دفرور‪ ،‬شروط اختيار المخطوط في الرسائل‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.97-94‬‬
‫الدراسي في تحقيق المخطوط‪ ،‬مجّلة رفوف‪ ،‬العدد‪ ،2‬ديسمبر‪،2013 ،‬‬
‫محمد دباغ‪ ،‬آليات تفعيل الجانب ّ‬
‫‪ -‬ينظر‪ّ :‬‬
‫‪3‬‬

‫ص ص ‪.140-137‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المختصين والجامعات‬
‫ّ‬ ‫وجه الذي يدعوا إلى تكاتف الجهود بين‬
‫جرادي كتقييم لهذا الّت ّ‬
‫السّلم هارون ولقي صدى واسعا في الجامعات‬ ‫العربية وهو ما نادى به عبد ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية التحقيق من زاويتين‬
‫)‪( 2‬‬
‫ّ‬ ‫مما انعكس إيجاباً على‬
‫العربية ‪ّ ،‬‬
‫)‪( 1‬‬
‫ّ‬
‫كمّية‪ :‬وذلك بتسريع وتيرة الّتحقيق وزيادة مخرجاتها؛‬
‫‪ -‬زاوية ّ‬
‫الجدية على العمل‪ ،‬وذلك بوجود مشرف‬
‫المصداقية و ّ‬
‫ّ‬ ‫نوعية‪ :‬بإضافة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬زاوية‬
‫ويصحح الهفوات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫متخصص يرافق العمل خطوة خطوة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وجه قد خّلص الّتحقيق من الّتوجه المنفعي والّتجاري‪.‬‬
‫أن هذا الّت ّ‬
‫ومن أبرز الفوائد ّ‬
‫ّ‬
‫أن هذه المحاسن الواضحة ال تخفي بعض الهنات التي يكون المشروع عرضة‬ ‫غير ّ‬
‫الجادة‬
‫ّ‬ ‫لها‪ ،‬وهو ما أشار إليه الباحث)‪ ،(3‬ولكّنها حاالت قليلة بالمقارنة مع المشاريع‬
‫التي تقترب من الكمال‪.‬‬
‫األهمّية‪ ،‬نذكرها سرداً‬
‫ّ‬ ‫اهتمت بها المجّلة وهي في غاية‬
‫بقيت بعض األقسام التي ّ‬
‫خاص بجهود‬ ‫ّ‬ ‫المختصين إلقامة محفل‬
‫ّ‬ ‫ألن المقام يضيق ولعّلنا من هذا المقام ننشد‬
‫ّ‬
‫بحق محو اًر هاماً يرتكز‬
‫اثية التي تعبر ّ‬
‫المجّلت الّتر ّ‬
‫ّ‬ ‫هذه المجّلة وسابقتها وغيرهما من‬
‫عليه عمل الّتحقيق في العالم العربي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ن‬
‫تتبع فيه المشاركو في أعداد هذه‬ ‫من هذه األقسام‪ :‬قسم الفهرسة الذي ّ‬
‫المهمة‬
‫ّ‬ ‫وكيفية ترتيبه وحفظه والّتعريف به‪ ،‬ومن األقسام‬
‫ّ‬ ‫المجّلة مواطن المخطوط‬
‫يتم نشر بعض الّنصوص أو أجزاء الكتب في‬ ‫أيضاً قسم الّنصوص المحّققة‪ ،‬وفيه ّ‬
‫فنون مختلفة‪ ،‬ومن األقسام أيضاً قسم مشاكل الّتحقيق‪ ،‬ليّتضح شمول المجّلة ألغلب‬
‫جوانب الّتحقيق‪.‬‬

‫العلمية ماله وما عليه‪ ،‬مجّلة رفوف‪ ،‬العدد‪،11‬‬


‫ّ‬ ‫الرسائل واألطاريح‬
‫محمد جرادي‪ ،‬تحقيق الّنصوص في ّ‬
‫‪ -‬ينظر‪ّ :‬‬
‫‪1‬‬

‫مارس ‪ ،2017‬ص ‪.90‬‬


‫‪-2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫عملية التّحقيق األكاديمي‪ ،‬مثل‪ ،‬اإلقبال على التّحقيق استجابة‬
‫ّ‬ ‫محمد جرادي بعض المزالق التي قد تشين‬‫‪-‬يذكر ّ‬
‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫علمية كافية القتحام هذه المغامرة‪ ،‬ومن ذلك أيضا ضعف اللّغة لدى كثير‬
‫ّ‬ ‫لدافع الغيرة على التّراث دونامتالك قاعدة‬
‫الهوة كبيرة بين لغة المحّقق ولغة المؤّلف‪.‬‬
‫مما يجعل ّ‬
‫طلبة ّ‬
‫من ال ّ‬

‫‪57‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫خّلصة‪:‬‬
‫وفي نهاية هذا العرض الموجز لدور المجّلتين في تحقيق المخطوط نخلص إلى نتائج‬
‫أهمها‪:‬‬
‫ّ‬
‫يغيب وال ينبغي أن ينسى‪.‬‬
‫للمجّلت الّتراثية دور ال يجب أن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬نشر رسالة الّتراث وإبراز قيمته وقيمة أصحابه‪.‬‬
‫اإلسّلمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تيسير الّنشر على المحّققين من مختلف البّلد‬
‫مهمة في علوم مختلفة‪.‬‬
‫اثية ّ‬
‫فرد بنشر نصوص تر ّ‬ ‫‪ -‬الّت ّ‬
‫كل مظاّنه‪.‬‬
‫تقصي أحوال المخطوط في ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬اإلشادة بأعمال المحّققين الجبارة من الّتحقيق إلى الفهارس‪.‬‬
‫منسية رغم أّنها َح َوت كثي اًر من‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إبراز حواضر من العالم اإلسّلمي كانت‬
‫ّ‬
‫المهمة في شّتى الفنون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المخطوطات‬

‫‪58‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫العلمية‪ ،1992 ،‬ج‪.2‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الكتب‬
‫الراغب األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫د ت‪.‬‬
‫ّللا العروي‪ ،‬ثقافتنا في ضوء الّتاريخ‪ ،‬المركز ال ّثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫‪ -‬عبد ّ‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪.1988 ،2‬‬
‫الشبعان‪ ،‬الحجاج والحقيقة وآفاق الّتأويل‪ ،‬دار الكتاب الجديد المّتحدة‪،‬‬
‫‪ -‬علي ّ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬
‫محمد عابد الجابري‪ ،‬الّتراث والحداثة‪ ،‬دراسات ومناقشات‪ ،‬المركز ال ّثقافي‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫العربي‪ ،‬ط‪.1991 ،1‬‬
‫ّ‬
‫المجّلت‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬مجّلة ال ّذخائر‪ ،‬العراق‪ ،‬األعداد من ‪ 01‬إلى ‪.19‬‬
‫‪ -‬مجّلة رفوف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬األعداد من ‪ 01‬إلى ‪.11‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫البيوتات العلمية بـﭬورارة إبان القرن الحادي عشر الهجري‬


‫تدقيق الروايات الشفهية بحقائق المصادر المدونة‬

‫محمد الفاطمي‪ ،‬طالب دكتوراه بجامعة تلمسان‬


‫• البريد اإللكتروني‪elfatmimed@gmail.com :‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫شهدت منطقة ﭬو اررة بالجنوب الجزائري‪ ،‬حراكا علميا مزده ار خالل القرن‬
‫الحادي عشر الهجري بفعل ظهور أسر علمية عديدة كان لها دور فاعل في بعث‬
‫روح جديدة للمنطقة التي كانت غارقة في الصراعات والفرقة‪ ،‬وقد كان لموقعها‬
‫على ممر القوافل التجارية والحجية العابرة للصحراء دور مباشر في ظهور هذا‬
‫الحراك العلمي‪ ،‬ومن خاللها استقر الكثير من العلماء بالمنطقة‪ ،‬ليسهموا في خلق‬
‫جو معرفي علمي غير واقعها‪ ،‬باإلضافة لدور المجتمع الذي احتضن العلماء‬
‫وأكرمهم خير إكرام‪،‬م ما زاد من عددهم وأصبح الرقي المعرفي رم از للوجاهة‬
‫والرفعة‪ ،‬وتأسست أسر علمية كثيرة عرفناها باسم البيوتات تشريفا لها‪ ،‬منها بيت‬
‫الشيخ أبو القاسم بن لحسين الجراري‪ ،‬وبيت أبو أمحمد الجزولي‪ ،‬وبيت موسى‬
‫والمسعود التسفاوتي‪ ،‬وبيت عمر بن صالح األوقروتي‪ ،‬وبيت التزاللغتي وغيرها‪،‬‬
‫ولمدة زمنية ليست القصيرة ظل هذا التراث دفينا نطل عليه من خالل بعض‬
‫المرويات الشفهية التي تعرضت للتشويه والتحريف عن قصد أو دون قصد‪ ،‬ومن‬
‫خالل ما بقي من المصادر سنحاول التدقيق في هذه المرويات وإظهار حقيقتها‬
‫وإزالة التحريف والتزييف الذي علق بها والمهمة ليست يسيرة تحتاج لخطوات لعلها‬
‫البداية من هنا‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬قو اررة‪ ،‬توات‪ ،‬الحركة العلمية‪ ،‬تيميمون‪ ،‬البيوتات العلمية‪،‬‬
‫التراث الالمادي‪ ،‬المخطوطات‪ ،‬فقه النوازل‬

‫‪60‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Astract:
Gourara region in the south of Algeria in Touat; by the ninth
century AH, the movement of urbanization and stability in the
region, which was the locus of the invaders, began to flourish in the
desert road linking the north and the south; to and from Sudan. The
controler of the region controls the desert trade and the axis of
exchange.
As the trading movement, it was a sign of the emergence of the
scientific movement in the region, that the children inherit the
inheritance of the fathers and that science becomes a tradition in
some scientific families of Gourara as the example of Oulad-
elquadi in Awlad Said, SidiHadjiBelkacem, SidiMoussa El-
Tasfawati and Abdelkabir Al-Matarafi.
Key words: Gourara; Touat; Scientific Movement; Timimoun; the
house library; manuscript; fikhoannawazil.

61
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تبني األمم تاريخها وتعظم مفاخرها بأمجاد التفوق في المعارف‪ ،‬والصنائع‪ ،‬والعادات‬
‫الحميدة‪ ،‬وهي أفضل ما يخلد ذكرها ويبقي مجدها‪ ،‬وألن العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وصفوة‬
‫الخلق بعدهم‪ ،‬فهم خير من يتولى قيادة الركب في أممهم‪ ،‬ببناء قواعد العلم والمعرفة‬
‫التي تشد أسس التحضر وتقودها نحو التماسك والتطور واالزدهار‪ ،‬وفي بيئة‬
‫الصحراء‪ ،‬حيث قلة الموارد‪ ،‬وشح المياه‪ ،‬وقلة الساكنة‪ ،‬حال ﭬورارة من الجنوب‬
‫الجزائري‪ ،‬هذه المنطقة التي أصبحت محور التبادل التجاري لقوافل الصحراء مع بداية‬
‫القرن العاشر الهجري‪ ،‬لوقوعها على الطريق الرابط بين الشمال وبالد السودان‪،‬‬
‫فتقاطعت بها سبل التجارة التي جذبت التجار والسكان‪ ،‬وكذلك طلبة العلم والمعلمين‪،‬‬
‫حيث نزل بها كثير من العلماء الذين وفدوا إليها‪ ،‬وأسهموا بعلمهم في تغيير واقعها‪،‬‬
‫وحدث بفضلهم تالقح فكري‪ ،‬كان بادرة لظهور حركة علمية بها‪ ،‬توارث األبناء فيها‬
‫ميراث اآلباء‪ ،‬وأصبح العلم تقليداً لدى بعض أسرها‪ ،‬كأمثال آل القاضي بأوالد سعيد‪،‬‬
‫وآل الحاج أبو القاسم الجراري‪ ،‬وآل موسى والمسعود التاسفاوتي‪ ،‬وآل عبد الكبير‬
‫عرف بهذه البيوتات ونظهر بعضا من‬ ‫المطارفي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وفي موضوعنا هذا سُن ّ‬
‫حقيقتها في النقاط التالية من خالل تناول العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد المجال الجغرافي للمنطقة و ومظاهر سطحها وبيئتها‪.‬‬
‫‪ -‬التعريف بمصطلح البيوتات وإظهار داللته اللغوية والتاريخية‪.‬‬
‫‪ -‬التعريف ببعض البيوتات العلمية بالمنطقة من خالل تقسيمها إلى ناحيتين‪،‬‬
‫بيوتات تيميمون وضواحيها‪ ،‬ثم بيوتات أوﭬروت والدغامشة‪.‬‬
‫أما الهدف من هذه الدراسة الوجيزة هو إبراز الحقيقة التاريخية لمنطقة لطالما‬
‫كانت على هامش البحث لظروف عديدة‪ ،‬منها ما تعلق بموقعها الجغرافي وطبيعتها‬
‫القاسية‪ ،‬باإلضافة إلى انتشار المغالطات االستعمارية التي طمست الكثير من معالمها‬
‫التاريخية والثقافية‪ ،‬وهدفنا السعي إلبرازها وتعريف الناس بها لتصحيح المفاهيم‬
‫المغلوطة‪ ،‬ولبلوغ الهدف المنشود نطرح إشكاال بحثيا مفاده‪ :‬ما حقيقة الحراك العلمي‬
‫لمنطقة قورارة‪ ،‬وما هي أهم بيوتاتها ومن هم أشهر علمائها؟‬

‫‪62‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المجال الجغرافي للمنطقة‪ :‬يطلق المصطلح على المنطقة الواقعة في‬ ‫‪)1‬‬
‫كأقصى نقطة من الشمال الشرقي‪ ،‬إلى أقصى نقطة‬ ‫(‪)1‬‬
‫المجال الجغرافي بين تبلكوزة‬
‫ونحو أوفران جنوبا‪ ،‬على الحدود من واحات‬ ‫(‪)2‬‬
‫غربا بقصر باحمو من منطقة طلمين‪،‬‬
‫وتضم المنطقة كل من زاوية الدباغ‪ ،‬تيميمون‪،‬‬ ‫تسابيت‪ ،‬التي تشكل بداية توات‪،‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وفاصل‬ ‫(‪)4‬‬
‫أوالد سعيد‪ ،‬وشروين‪ ،‬وطلمين‪ ،‬وأوالد عيسى‪ ،‬وأوﭬروت‪ ،‬والمطارفة‪،‬‬
‫قاس‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫المسافة بين منطقة وأخرى في نحو ‪ 70‬كم‪ ،‬تتمتع المنطقة بمناخ صحراوي‬
‫يتميز بشدة البرودة في الشتاء)؛ حيث تصل في بعض مناطقها درجة الصفر‪ ،‬وترتفع‬
‫(ففي تيميمون ما بين سنتي ‪ 1926‬إلى‬ ‫(‪)5‬‬
‫الحرارة صيفاً بمتوسط يصل ‪ 48‬درجة‪،‬‬
‫‪ 1950‬متوسط درجة الحرارة في شهر جويلية ‪ ،50.6‬ويفوق ‪ 40‬درجة خالل ثالثة‬
‫شهور ما بين جوان إلى أوت‪ ،‬بينما في فصل الشتاء‪ ،‬أقل معدل سجل هو ‪ 6‬درجات‬
‫(‪)6‬‬
‫وأعاله ‪ 24‬درجة مابين ديسمبر و فيفري)‪.‬‬
‫تسود المنطقة تضاريس متمايزة‪ ،‬ويستحوذ العرق على نصيب وافر منها‪ ،‬والعرق‬
‫الغربي الكبير يشرف بشكل طولي على نطاقها الجغرافي‪ ،‬يفصلها عن األطلس‬

‫‪-‬تبلكوزة من قصور منطقة زاوية الدباغ‪ ،‬حسب (‪)A.G.P Martin‬تسميتها مشتقة من أعشاب تنمو بالمنطقة‬ ‫‪1‬‬

‫تسمى تبلكوست‪ ،‬وقال أنها نفسها نبتة الزيته‪( .‬لكن تبلكوست هي ما يعرف محليا بالعـﭬاية‪ ،‬بينما الزيته هي نبات ﭬرن‬
‫الرتم‪).‬‬
‫‪A.G.P. Martin, Les Oasis Sahariennes (Gourara - Touat - Tidikelt), Edition de‬‬
‫‪l'imprimerie Algérienne, 1908, p245.‬‬
‫تسمية مشتقة من الكلمة الزناتية (تلمين)‪ ،‬وتعني جمع أنثى الجمل (نوق)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Jean Bisson : Le Gourara Etude De Géographie Humaine , université d’Alger, institut‬‬
‫‪de recherches sahariennes, mémoire n° 3, 1955, p8.‬‬
‫‪- 4‬في مجمل الرحالت والمصادر التاريخية تتخذ من تسابيت حداً فاصالً بين توات وﭬو اررة‪ ،‬ينظر‪ :‬الحسن الوزان‬
‫(ليون اإلفريقي)‪ ،‬وصف إفريقيا‪ ،‬ج‪ ، 2‬تر‪ :‬محمد حجي ومحمد األخضر‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ ،1983‬ص‪ /.5‬يذكر إبن خلدون في تاريخه‪ ،‬المناطق األربعة منفصلة توات‪ ،‬وتمنطيط وتسابيت‪ ،‬ثم ذكر ﭬو اررة‪،‬‬
‫تاريخ ابن خلدون " ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر"‪ ،‬مر‪ :‬سهيل‬
‫ذكار وخليل شحاذة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬ج‪ ،2000 ،7‬ص‪.77‬‬
‫‪5‬‬
‫)‪- Partenaires (l’APC, l’office du tourisme de Timimoun, les amis de Timimoun‬‬
‫‪Timimoun la mystique, édition 2013, p5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Jean Bisson, op.cit, p35.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الصحراوي(‪)1‬بامتداد يصل إلى أكثر من‪ 100‬كلم طوالً‪ ،‬يغطي زاوية الدباغ و طلمين‬
‫وأجزاء من أوالد عيسى‪ ،‬أما الوجه التضاريسي البارز في تيميمون هو المنخفض‬
‫المعروف بسبخة تيميمون‪ ،‬الذي كان في السابق مصباً لواد أمـﭬيدن الممتد من حدود‬
‫منطقة المنيعة‪ ،‬وتسود المنطقة سبخات متقطعة على مسافة ‪ 80‬كم‪ ،‬منها سبخة‬
‫دلدول‪ ،‬وسبخة الدغامشة‪ ،‬وأوالد محمود وسبخة شروين(‪،)2‬وأما على حدود المنطقة‬
‫الشرقية نجد هضبة تدمايت(‪)3‬التي تشكل مرتفعا ذو سطح قاحل يصعب عبوره‪ ،‬ويشاع‬
‫عند أهل المنطقة عن الهضبة أن الجمل إذا أخطأ وصعد فوقها حكم على نفسه‬
‫بالموت ألنه ال يستطيع العودة والنزول منها لثقل حجمه‪ ،‬وفوقها ال يجد ما يقتات به‪،‬‬
‫وتمتد إلى منطقة تيديكلت نحو أولف على مسافة تقارب ‪ 150‬كلم‪ ،‬وبذلك نجد ﭬورارة‬
‫محصورة بين سدين‪ ،‬األول هو العرق الغربي الكبير‪ ،‬والثاني هو هضبة تادميت‪ ،‬لذلك‬
‫كان من الصعب الوصول إليها قديما‪ ،‬فطرقها كانت شائكة تتخللها الكثبان الرملية‪،‬‬
‫الموحشة‪ ،‬تحتاج إلى دليل لعبورها له دراية كافية‬ ‫(‪)4‬‬
‫والصحاري القاحلة‪ ،‬والوديان‬
‫بمواضع وجود أبار المياه والواحات‪)5(،‬أما تسميتها التاريخية مرتبطة باستقرار السكان‬
‫بالمنطقة‪ ،‬حيث مارسوا الزراعة في مناطق العرق بين كثبان الرمال‪ ،‬لسهولة الحصول‬
‫على الماء لقربه من السطح‪ ،‬ووجود الينابيع‪ ،‬فغرسوا النخيل‪ ،‬وزرعوا المحاصيل في‬
‫مناطق ضيقة متفرقة خاصة‪ ،‬أطلق عليها أسم أﭬروا(‪ ،)6‬ومنها ظهر أصل التسمية من‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ibid, p9. / A.G.P. Martin, op.cit, p4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Jean Bisson, op.cit, p9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- G. Mercadier et autre, L’oasis rouge, Impressions Sahariennes, Alger, 1946,P13.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid, p14‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- A.G.P. Martin, Les Oasis Sahariennes, op.cit, p4.‬‬
‫‪-‬الزالت التسمية مستعملة في مناطق طلمين وأجدير‪ ،‬وهي مناطق واقعة وسط العرق الغربي الكبير‪ ،‬يسمون‬ ‫‪6‬‬

‫بساتينهم المحصورة بين الرمال بتسمية أﭬروا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫والكلمة تعني التجمع‪ ،‬جمعها تـﭬوراوين أي التجمعات‪ ،‬ومع مرور‬ ‫(‪)1‬‬


‫المنطوق الزناتي‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الوقت تم تداول الكلمة وحورت إلى تيـﭬورارين‪.‬‬
‫مصطلح البيوتات العلمية (الداللة اللغوية والتاريخية )‪ :‬في اللغة مصطلح‬ ‫‪)2‬‬
‫فقوله‬ ‫(‪)3‬‬
‫بيوت وأبيات‪ ،‬وفي جمع الجموع يقال بيوتات و أبياوات‪،‬‬ ‫البيت جمعه‬
‫البيوتات والمراد بالجمع التعظيم والمجد‪ ،‬يضع النسابة عبد الكبير بن هشام الكتاني‬
‫تصو ار لبيت المجد والتعظيم‪ ،‬بأنه المشهور بالعلم والثروة والجود والشجاعة ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬وقد ذكرت البيوت عند عبد الملك بن مروان فقال‪ :‬هو ما كانت له سابقة والحقة‪،‬‬
‫وعند العرب البيت يحمل معنى‬ ‫(‪)4‬‬
‫وعماد حال‪ ،‬ومساك دهر‪ ،‬فإن كان كذلك‪ ،‬فهو بيت"‪،‬‬
‫وعلى ضوء هذا القول فالبيت هو‬ ‫الشرف فتقول فالن بيت قومه بمعنى شرف قومه‪،‬‬
‫(‪)5‬‬

‫إرث من الصفات الفضلى تتجلى في خصال كثيرة منها‪ :‬الجود‪ ،‬والعلم‪ ،‬والشهامة‪،‬‬
‫والتقدم في الناس إلصالح شأنهم‪ ،‬وتيسير أمرهم‪ ،‬ويكون ذلك متواصال في الحاضر‪،‬‬
‫فمتى تخلف عن هذه الصفات فقد صفة البيت حتى يعود‪ ،‬ولفظ البيوتات في العصر‬
‫الوسيط يرمز إلى ميزات تكسبها أسرة معينة تستمر في ذلك على مدار ثالثة أو أربعة‬
‫أباء في العلم والتصوف‪ ،‬والثروة والجاه‪ ،‬والفروسية والمناصب‪)6(،‬ترتيبهم يأتي األول‬
‫بان‪ ،‬والثاني مباشر ألبيه يحفظ إرثه ويسير على نهجه‪ ،‬و الثالث مقلد في األفعال‬
‫ٍ‬
‫غير مجدد‪ ،‬وأما الرابع يحقر ما كان من أمر البيت بحجة التجديد فيهدمه‪ ،‬وبناء البيت‬
‫بشخص واحد أما هدمه فيشترك فيه الثاني بالحفاظ عليه دون تجديد والثالث بالتقليد‪،‬‬

‫‪-‬يتحدث اغلب المنطقة الزناتية وهو لسان أمزيغي يتشارك في الكثير من كلمته مع المنطوق البربري في مختلف‬ ‫‪1‬‬

‫جهات الوطن‪.‬‬
‫‪-‬وهذا التصور نفسه حدثني به األستاذ محمد السالم بن زايد‪ ،‬أستاذ تاريخ صاحب كتاب " ايزلواننتـﭬو اررين" وله‬ ‫‪2‬‬

‫قاموس لمفردات الزناتية" إصدار المحافظة السامية لألمازيغية‪.‬‬


‫‪-‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬ط‪ ،4‬مكتبة الشروق العربية‪ ،‬مصر‪ ،2004 ،‬ص‪.78‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬عبد الكبير بن هشام الكتاني‪ ،‬زهر اآلس في بيوتات أهل فاس‪ ،‬تح علي بن المنتصر الكتاني‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬منشورات‬ ‫‪4‬‬

‫النجاح‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.2002 ،45‬‬


‫‪-‬مال الدين محمد بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ :‬عبد هللا الكبير وآخرون‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ج‪ ،1‬مادة بيت‪ ،‬ص‪.393‬‬


‫‪-‬الطاهر بونابي‪ ،‬بيت بن باديس في العصر الوسيط ‪ ،‬مقال‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫فالشرف والحسب ضروريان لتصنيف أي بيت‪ ،‬ولم يتصل مجد‬ ‫(‪)1‬‬


‫وأما الرابع بالتحقير‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بيت على األرض من بداية الخلق إال بيت النبي صلى هللا عليه وسلم لحكمة‪.‬‬
‫البيوتات العلمية بمنطقة قورارة‪ :‬تعتبر تيميمون مركز المنطقة وحولها‬ ‫‪)3‬‬
‫مجموعة من التجمعات السكانية‪ ،‬وكانت المدينة تمثل القوة االقتصادية األكبر في‬
‫المنطقة من خالل قوة بعض األسر التي كان لها دور بارز في مجمل األحداث‬
‫المحورية كآل حمو الزين بالقصر القديم نواة المدينة‪ ،‬هذه األسرة القوية اقتصاديا‬
‫والتي ال يمكن إغفال ذكرها في مختلف المراحل‪ ،‬ناهيك عن ظهور شخصيات محورية‬
‫كان لها فضل تغيير نسق التفكير‪ ،‬وتنظيم المجتمع‪ ،‬وخلق نشاط علمي ظهرت على‬
‫أثره بيوتات عديدة على اختالف مكانتها وقوتها‪ ،‬سنورد بعضها من خالل تقسيمها إلى‬
‫ناحيتين‪ ،‬تشمل األولى تيميمون ونواحيها‪ ،‬وأما الثانية فتشمل أوقروت والمطارفة‪.‬‬
‫أوال) بيوتات تيميمون وضواحيها‪ :‬تشكل الجزء الشمالي من المنطقة وتشمل‬
‫تيميمون وقصورها وطلمين وزاوية الدباغ‪ ،‬وقد ظهرت بها بيوت فاعلة كان لها دور‬
‫بارز في قيادة الحراك العلمي سنورد تفصيال لكل بيت منها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬بيت أبو القاسم بن لحسن األوسيفي الجوراري ‪ :‬مؤسس البيت هو الشيخ‬
‫الذي نزل‬ ‫(‪)3‬‬
‫الصوفي الحاج بلقاسم بن الحسين الجراري يتصل نسبه بباملوك‬
‫سيدنا‬
‫ﭬورارة في منطقة تحمل أسمه إلى يومنا هذا‪ ،‬وهو من نسل الخليفة الثالث ّ‬
‫عام‪925 :‬هـ‪1518/‬م ببلدة‬ ‫عثمان بن عفان رضي هللا عنه‪ ،‬ولد‬
‫"أوسيف"‪)4(،‬تلقى دراسته األولى بمسقط رأسه على يد والده الحسين وبعدها بدأ‬

‫‪-‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،1993 ،‬ص‪.166‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فوزية لزغم‪ ،‬البيوتات واألسر العلمية بالجزائر خالل العهد العثماني ودورها الثقافي والسياسي‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشراف الدكتور محمد بن معمر‪ ،‬جامعة وهران‪ ،2014/2013 ،‬ص‪.27‬‬


‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬الفتح الميمون في تاريخ جو اررة وعلماء تيميمون‪ ،‬د ط‪ ،‬العالمية للطباعة‪ ،‬الجزائر‪،2013 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.384‬‬
‫‪-‬رشيد بليل‪ ،‬قصور قو اررة وأولياؤها الصالحون‪ ،‬تر عبد الحميد بورايو‪ ،‬المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل‬ ‫‪4‬‬

‫التاريخ‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص‪.411‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ثم إلى نواحي بالد فاس التي اشتهرت وذاع صيتها‬ ‫(‪)1‬‬
‫رحلة طويلة مرو ار بالبيض‪،‬‬
‫الذي لقنه‬ ‫(‪)2‬‬
‫كمنارة علمية‪ ،‬ونزل بلدة تادلة عند الشيخ علي بن إبراهيم التادلي‬
‫مبادئ التصوف في الطريقة الشاذلية على منهج موالي عبد السالم بن‬
‫ثم عاد لمسقط رأسه لقيادة حركة علمية أحدثت ثورة بالمنطقة أسس‬ ‫(‪)3‬‬
‫مشيش‪،‬‬
‫خاللها أهم بيوت ﭬورارة العلمية المشهورة‪ ،‬وبيته العلمي كان لبنة للكثير من‬
‫البيوتات التي انتشرت في أصقاع المنطقة‪ ،‬خّلف الشيخ آثا اًر كثيرة منها مؤلفات‬
‫وأدعية وقصائد وابتهاالت وأذكار أهمها‪:‬‬
‫كتابه "منهاج السالكين " يقول في تقديمه " استعرضت في هذا الكتاب استدراجا‬
‫للمريدين‪ ،‬السالكين إلى أعلى عليين‪ ،‬إلى حضرة رب العالمين‪ ،‬وبذلك سميته بمنهاج‬
‫يتحدث فيه عن التصوف وآداب المريد‪ ،‬ومما جاء فيه‪ ":‬أيها المريد‬ ‫(‪)4‬‬
‫السالكين"‬
‫أقبل على موالك بجود إحسانك بهما يقبل منك الكريم إتيانك‪ ،‬فارحل من سجن غفلتك‬
‫إلى بهجة اليقظان وكن ساعيا فيها إلى وجود الرحمان فارفض وراءك وجود العاجلة‬
‫و ّأيِّس طمعك من وجود اآلخرة‪ ،‬فطهر ثياب عبوديتك بوحدانية الرحمان‪ ،‬واغسل جميع‬
‫أعضائك من جنابة الشبهة في األعمال‪ ،‬وأسبغ وضوئك في نهر الملكوت وتهجد ليلك‬
‫(‪) 5‬‬
‫في بحر العبادات‪"...‬‬
‫وله كذلك "قصيدة في التوحيد " يقول في مطلعها‪:‬‬

‫‪-‬بن الشيخ محمد المسعود‪ ،‬مقابلة شفوية‪ ،‬بيت الشيخ الحاج بلقاسم الجوراري‪ ،‬خزانة زاوية سيد الحاج بلقاسم‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫تيميمون‪ ،‬ادرار‪ ،‬الجزائر‪ ،‬يوم ‪ 16‬ديسمبر ‪ ،2014‬على الساعة العاشرة ليالً‪.‬‬


‫ن‬
‫‪- 2‬على بن إبراهيم التادلي‪ ،‬هو أبو الحسن علي بن إبراهيم البوزيدي التادلي عاش خالل القر التاسع الهجري‪،‬‬
‫بموقع يسمى ''أجرض'' في قبيلة بني عياط‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الموقع االلكتروني‪ ،https://www.maghress.com/azilal/6664 ،‬يوم السبت ‪ 12‬جانفي ‪،2016‬‬
‫الساعة السادسة صباحا‪.‬‬
‫‪-‬عبد السالم بن مشيش‪622-559(،‬ه‪1225 -1164 /‬م)‪ :‬و عبد السالم بن مشيش بن أبي بكر بن علي‬ ‫‪3‬‬

‫اإلدريسي الحسني‪ ،‬صوفي مغربي‪ ،‬اشتهر برسالته المسماة الصالة المشيشية‪ ،‬ولد ب جبل العلم بمنطقة تطوان‪ ،‬مات‬
‫شهيدا على يد رجال ابن أبي الطواجين مدعي النبوة ودفن بأعلى الجبل‪ .‬ينظر‪ :‬خير الدين الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬ط‪،15‬‬
‫دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬ج‪ ،2002 ،4‬ص‪ /.9‬محمد أعبيدو‪ ،‬موالي عبد السالم بن مشيش‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار أبي‬
‫الرقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب األقصى‪ ،2013 ،‬ص‪.3‬‬
‫‪-‬بلقاسم بن الحسين الجوراري‪ ،‬منهاج السالكين‪ ،‬مخ‪ ،‬خزانة زاوية سيدي الحاج بلقاسم‪ ،‬ص‪.2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬نفسه‪ ،‬ص‪.2‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫َّللا‪ ،‬الَق ِّديــــمِّ األ ََزلِّــــــــــــــي‬ ‫الَ ِّإَل َ‬


‫ــه إاله ه‬ ‫َّللا‪َ ،‬وبِّـالهنِّبي األ ََو ِّاه‬
‫أَس َت ْفِّتح ِّبسمِّ ه ِّ‬
‫ْ ُ ْ‬
‫ِّ (‪)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العالـي‬
‫اه َ‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫الو ْس َواس ُيْلَقي في ُقُلوب الناس َما الَ َيْر َض ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َعوُذ ِّبهرِّب الناس‪ ،‬م ْن َن َاز َغات َ‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫أُ‬
‫وهي األشهر من بين قصائده ويتم تداولها بشكل واسع ويحفظها الكثيرون عن ظهر‬
‫قلب‪ ،‬وتتناول موضوع التوحيد‪ ،‬واإليمان باهلل تعالى‪ ،‬ومجمل قصائده المتبقية جاءت‬
‫في مدح النبي صل هللا عليه وسلم‪ ،‬والحج‪.‬‬
‫محمد بلقاسم خليفة المؤسس‪ :‬توفى الشيخ عام‪997 :‬هـ‪1588/‬م‪ ،‬ودفن‬ ‫•‬
‫بزاويته‪ ،‬خلفه ابنه محمد بلقاسم لكن لم نجد له الكثير من اآلثار عدا رسالة موجهة‬
‫إليه من تلميذ والده الشيخ الحاج أبو أمحمد الجزولي يذكره فيها بخصال والده‬
‫العلمية‪ ،‬منوها بكتاب منهاج السالكين وأهميته‪ ،‬وفي الرسالة نصح ومواعظ‬
‫وتحسيس‪ ،‬وسبب كتابتها ردا على سؤال ورد من محمد بن الحاج بلقاسم األوسيفي‪،‬‬
‫ومما جاء فيها‪ ":‬أما سؤاله عن كالم أبيه الولي المذكور‪ ...‬وكالم الشيخ وأقرانه في‬
‫منزلة الجوهر والزبرجد إلى آخره‪ ،‬فإن ادعيت تفسير كالم الشيخ وأقرانه فقد دخلت في‬
‫خطر عظيم‪ ،‬يؤل بنا إلى الغضب والعياذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ألن كالم الشيخ‬
‫وأقرانه منطو على أسرار مكنونة ال يعرفها إال هو وال يفهم حقيقتها إال بالتلقي من‬
‫عنده‪ ،‬رضي هللا عنه وأرضاه‪ ،‬وفهمي في قوله فغيب عنك شهود الكون تجد ارحة من‬
‫بأس اللصوص واألخساس‪ ،‬إذا قلبك ونيتك قصدت هللا تبارك وتعالى لم يكن حب الدنيا‬
‫من كالم الشيخ أبو أمحمد الجزولي يفهم قدر التقدير والتبجيل‬ ‫(‪)2‬‬
‫في قلبك قطعا‪"....‬‬
‫الذي يكنه لشيخه‪ ،‬وردا على سؤال ابنه محمد بلقاسم يظهر تواضعا له تكريما لوالده‬
‫ثم يجيبه‪ ،‬والسؤال في حد ذاته تقدير من السائل لتلميذ أبيه وفي ذلك تأكيد لما يرويه‬
‫البعض أن اإلشعاع العلمي للبيت فقد بريقه ببروز البيت الجزولي بقيادة أبو أمحمد‬
‫في تمصلوحت قرب زاوية الدباغ‪ ،‬خاصة بعدما غادر الشيخ محمد بن بلقاسم الزاوية‬
‫إلى حين وفاته حيث يروى أنه توفي بعيدا ونقل جثمانه ليدفن بجوار والده في الزاوية‪.‬‬

‫‪-‬ينظر‪ :‬ولد الصافي يحي‪ ،‬حقيقة السبوع بمنطقة قو اررة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬د‪.‬ن‪ ،2008 ،‬ملحق القصائد‪ ،‬ص‪/ 13.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مبروك ماينو‪ ،‬قصائد الشيخ سيدي الحاج بقاسم‪ ،‬مرقونة‪ ،‬د‪.‬ط ‪،‬د‪.‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-‬جواب الرسالة موجود في الصفحة األخيرة من مخطوط منهاج السالكين والنص ألحق بالمخطوط وليس أصال‬ ‫‪2‬‬

‫فيه‪ ،‬ينظر‪ :‬بلقاسم بن لحسين الجوراري‪ ،‬منهاج السالكين‪ ،‬مخ‪ ،‬خزانة الحاج عبد المالك الصوفي‪ ،‬بدريان‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أمحمد عبد العزيز وتجديد البيت ‪ :‬استعاد البيت بريقه ونشاطه مع الحفيد‬ ‫•‬
‫الشيخ أمحمد عبد العزيز بن محمد بن بلقاسم بن لحسين المولود بزاوية جده الحاج‬
‫بلقاسم‪ ،‬وهو تلميذ الشيخ أبو محمد بن أحمد بن أبي بكر الجزولي بتنركوك(‪،)1‬‬
‫ثم عاد إلى مدرسة جده‬ ‫(‪)3‬‬
‫أسس مدارس عديدة منها مدرسة بأغالد(‪ ،)2‬وأخرى بماينو‬
‫بمسقط رأسه أعاد مجد الزاوية إلى سالف عهدها‪ ،‬وأسس مرفق" دار الزاوية" الخاصة‬
‫به‬
‫خارج بيت جده المعروف باسم "الدار الكبيرة"‪ ،‬كما بنى المسجد ووسعه في مكانه‬
‫وبذلك عاد للبيت نشاطه‪ ،‬أخذ عنه الشيخ إبراهيم بن أحمد‬ ‫(‪)4‬‬
‫الجديد ليسع المصلين‪،‬‬
‫بن موسى بن المسعود التسفاوتي مؤسس زاوية الواجدة المعروفة قرب تيميمون‪ ،‬توفى‬
‫الشيخ وقت الضحى من يوم السبت السابع من شهر ذي القعدة عام ‪1064‬هـ‬
‫‪1653‬م‪)5(،‬استمر عطاء البيت من خالل نسل الشيخ‪ ،‬فقد تولى شأن البيت االبن‬
‫محمود المشهور بسيدي باحمود‪ ،‬ثم أبنه محمد بن محمود‪ ،‬وهذا األخير تولى البيت‬
‫في زمن اإلزهار ‪.‬‬
‫* محمد بن محمود ونهضة البيت‪ :‬شيخ البيت حينها بلغ مبلغا عظيما‪ ،‬استرد‬
‫للبيت مكانته واشتهر شأنه‪ ،‬خاصة وأنه تزامن مع عصر النهضة العلمية‪ ،‬زمن‬

‫‪-‬إبراهيم بن أحمد الواجدي‪" ،‬مناقب الشيخ أمحمد بن العزيز الزاوي"‪ ،‬مخ‪ ،‬خزانة عبد المالك الصوفي‪ ،‬قصر‬ ‫‪1‬‬

‫بدريان‪ ،‬تيميمون‪ ،‬ادرار‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪-‬أغالد قصر عتيق يتضمن عدة قصبات قديمة تدل على أهميته التاريخية‪ ،‬يقع قرب أوالد سعيد ويبعد عن‬ ‫‪2‬‬

‫تيميمون بنحو ‪ 20‬كم‪.‬‬


‫‪-‬ماينو قصر صغير قرب بدريان أسسه الشيخ أمحمد عبد العزيز حفيد الحاج بلقاسم بن لحسن‪ ،‬بتوصية من‬ ‫‪3‬‬

‫شيخه الحاج أبو أمحمد الجزولي وكانت من أمالك زاوية بادريان‪ ،‬التي أوكل أمرها البنه الحاج الصوفي‪ .‬ينظر‪ :‬عبد‬
‫المالك الصوفي‪ ،‬وريقات من تاريخ قو اررة‪ ،...‬المخطوط السابق‪ ،‬دون ترقيم‪.‬‬
‫‪-‬في الموروث الشعبي هناك قصص عديدة محورها تحكم الشيخ في الجان ومنها منع الناس من الخروج ليال حتى‬ ‫‪4‬‬

‫يتيح لعماله من الجان التحرك بحرية‪ ،‬وفي ليلة من الليالي حذر الجميع من الخروج وأمر الجان إلحضار الخشب‬
‫لتسقيف المسجد وتوسعته في ليلة واحدة‪ ،‬وخرج الناس صباحاً ليجدوا األزقة سدت من كثرة الخشب المجلوب‪ ،‬ولم‬
‫تقطع نخلة واحدة في بساتين القصر‪ ،‬وال القصور المجاورة‪ ،‬وقد ورد في مناقبه عن تلميذه إبراهيم بن أحمد الواجدي‪،‬‬
‫أنه صاحب كرامات عديدة بلغ مرحلة الكشف‪ ،‬كان يقوم على خدمة أمه يوما بماينو ويعود لدرسه في تبلكوزة والمسافة‬
‫بينهما ‪ 60‬كم‪ .‬ينظر‪ :‬إبراهيم بن أحمد الواجدي‪ ،‬المخطوط السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪-‬نفسه‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الم َزِّمرِّي‪ ،‬ومن الصدف الغريبة أن توفي بتاريخ ‪ 16‬جمادي‬


‫ُب ُ‬‫الجنتوري‪ ،‬ومحمد أبن أ ه‬
‫الثانية سنة ‪1160‬ه‪ ،‬وهي نفس السنة التي توفي فيها الجنتوري في يوم االثنين ‪5‬‬
‫جمادى األولى ـ و توفي فيها محمد بن الصوفي شيخ البيت البادرياني في ‪ 25‬جمادى‬
‫ُب المزمري يوم االثنين ‪ 10‬جمادى الثانية‪)1(،‬وقد‬
‫األولى وكذلك العالم محمد بن أ ه‬
‫وصفت هذه السنة بنكسة الحاضرة العلمية الـﭬورارية لفقدها علماء كثر في فترة وجيزة‪،‬‬
‫خاصة إن كانوا بوزن الجنتوري‪ ،‬والمزمري‪ ،‬ومحمد بن محمود‪ ،‬ومحمد بن الصوفي‪،‬‬
‫وكأن القدر أراد لكل بيت أن يساهم بنصيبه في مصاب هذا العام الحزين‪ ،‬الذي كان‬
‫انتكاسة فعلية للحركة العلمية بالمنطقة‪.‬‬
‫‪ )2‬البيت الجزولي‪ :‬ينسب للشيخ أحمد بن أبي بكر الجزولي الذي نزل بأوالد‬
‫سعيد في القرن التاسع الهجري وقد وصل إلى المنطقة رفقة الشيخين سيدي موسى‬
‫والمسعود وسيدي شريف الماسيني‪ ،‬وهو من تالميذ سيدي منصور بكركور المدفون‬
‫في قصر تجطويت‪ ،‬لكن البيت البوبكري الجزولي لم يجد صيتا كبيرا‪ ،‬إال بعد مقدم‬
‫شيخه الجديد ابن المؤسس األول وهو أبو أمحمد بن أحمد بن أبي بكر‪.‬‬
‫* أبو أمحمد بن أحمد بن أبي بكر المؤسس الفعلي‪ :‬ولد بـقصر اجوزولن في‬
‫أوالد سعيد‪ ،‬وأخذ العلم عن والده الشيخ أحمد بن أبي بكر الجزولي‪ ،‬ثم الشيخ أبو‬
‫القاسم بن الحسين األوسيفي‪ ،‬وأخذ الطريقة عن الشيخ موسى بن المسعود‬
‫التسفاوتي‪ ،‬أسس الشيخ زاويته بـتمصلوحت من بالد تينركوك في قصر تزليزة من‬
‫تالميذه نجله الشيخ محمد عبد هللا المعروف بالصوفي دفين بادريان ومؤسس زاويتها‪،‬‬
‫وابنه الحاج بولغيت المقبور بجانبه وهو الوحيد الذي بقي إلى جواره من األبناء‪ ،‬ومن‬
‫تالميذه أيضا الشيخ أمحمد عبد العزيز بن محمد بن الحاج بلقاسم بن الحسين‬
‫األوسيفي الذي بعث المجد العملي لبيت جده من جديد‪ ،‬بعد الفراغ والفتور الذي شهده‬
‫بعد وفاة الجد ومغادرة الوريث الوحيد الشيخ محمد بلقاسم الزاوية‪ ،‬ومن تالميذ الشيخ‬
‫أبو أمحمد الشيخ الحاج بحوص بن عبد القادر بن محمد السماحي‪ ،‬ومنهم أيضا‬
‫الشريف الحاج لحسن الجنتوري‪ ،‬توفى الشيخ أبو أمحمد عام ‪1036‬هـ‪1626/‬م‬

‫الم َزمري ‪ ،‬الرحلة إلى قبر الوالد‪ ،‬تح‪ :‬أحمد أبا الصافي جعفري‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫‪-‬ضيف هللا بن أب ُ‬
‫‪1‬‬

‫الجزائر‪ ،‬ج‪ ،2015 ،1‬ص ‪.358‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫بزاويته في قصر "تبلكوزة" الالفت فيه أن معظم أمالكه تركها حبسا في سبيل هللا‬
‫للمنفعة العامة‪ ،‬وحدد لورثته قدر االنتفاع منها بما يخدم الزوايا التي أسسها‬
‫(‪)1‬‬
‫والدارسين بها‪.‬‬
‫محمد عبد هللا (الصوفي) وتأسيس زاوية بدريان‪ :‬ومن نفس الشجرة تفرع‬ ‫•‬
‫البيت البادرياني لمؤسسه الشيخ محمد عبد هللا (الصوفي) بن أبي َمحمد بن أحمد بن‬
‫أبي بكر الجزولي‪ :‬المشهور بسيدي الحاج الصوفي مؤسس زاوية بادريان‪ ،‬المولود‬
‫بأوالد سعيد عام ‪982‬هـ‪1574/‬م وأخذ عن والده أبي أمحمد الجزولي(‪ ،)2‬ذكره‬
‫صاحب الدرة الفاخرة بالعالم الصالح األديب‪ ،‬وذكر أّنه تتلمذ على يد الشيخ الحاج‬
‫محمد بن أحمد المطارفي‪)3(،‬قام الشيخ أبو أمحمد بتأسيس زاوية بدريان سنة‬
‫‪1004‬هجري وسلم زمام تسييرها البنه محمد عبد هللا الصوفي الملقب بسيد الصوفي‬
‫جاء في نصها بأن القائم‬ ‫(‪)4‬‬
‫صاحب الوصية الشهيرة التي تعتبر بمثابة دستور للزاوية‪،‬‬
‫على شأن الزاوية يتولى رعاية أهلها ويتولى شؤون طلبة العلم وينتفع الجميع بمواردها‬
‫من البساتين المزروعة دون نزاع‪ ،‬بالمقابل يلتزم السكان والطلبة وأهل الزاوية أمر‬
‫الطاعة لمن يتولى شأنها ممن يرون فيه البركة والصالح‪ ،‬وعليه اإلحسان إليهم‬
‫مستشهدا بقول للشيخ سيدي الحاج بلقاسم‪ ":‬الناس يخدمون النهار‪ ،‬وأهل الزاوية‬
‫يخدمونها ليال ونهارا‪ ،‬والخدمة شرف للمرء على قدر اجتهاده فيها وهللا ولي‬
‫(‪)5‬‬
‫التوفيق"‪.‬‬
‫‪ )3‬بيت موسى والمسعود التسفاوتي ‪ :‬ينسب لمؤسسه موسى بن المسعود بن عبد‬
‫هللا بن عيسى بن عبد هللا بن عبد القادر الجيالني‪َ ،‬ق ِّدم والده إلى المنطقة من الشاللة‬
‫الشرقية عبر واد الساورة حيث أقام بمازر وهي من قرى بشار اليوم‪ ،‬ثم قصر َتُّبو‬

‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬الفتح الميمون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.314-313‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬عبد المالك الصوفي‪ ،‬وريقات من تاريخ قو اررة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ /.34‬التهامي غيتاوي‪ ،‬المرجع‬ ‫‪2‬‬

‫السابق‪ ،‬ص‪.326‬‬
‫‪-‬عمر بن عبد القادر المهداوي التنالني‪ ،‬الدرة الفاخرة في ذكر المشايخ التواتية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الوليد بن الوليد‬ ‫‪3‬‬

‫بقصر باعبدهللا‪ ،‬ادرار‪،‬ص‪.8‬‬


‫‪-‬عبد المالك الصوفي ‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪.34‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬الفتح الميمون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.324‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫فأوالد عيسى حيث التقى بالحاج منصور الملقب الحاج أنوما‪ ،‬والتقى والد الشيخ‬
‫سيدي عباد‪ ،‬بعدها انتقل إلى حيحا ومنها نزل أخي اًر منطقة اسقيفن قرب الالزورة‬
‫ترعرع االبن في كنف والده الذي تولى بداية تعليمه وتحفيظه القرآن‬ ‫(‪)1‬‬
‫بأوالد سعيد‪،‬‬
‫الكريم‪ ،‬واألب تلميذ للشيخ منصور بكركور رفقه الشريف الماسيني موالي عبد الحي‪،‬‬

‫شب الطفل ولم يسع مقام والده شغفه العلمي فجاء موعد السعي لتوسيع أفاقه‪ ،‬سافر‬
‫رفقة شيخ‬ ‫(‪)3‬‬
‫بعيدا وحط الرحال بمدينة مليانة(‪)2‬عند شيخها أحمد بن يوسف الملياني‬
‫الزاوية الكرزازية أحمد بن موسى‪ ،‬ثم عاد إلى ﭬورارة وقد رسم لنفسه منهجا جديدا‬
‫الستقالل من خالل تأسيس زاوية تاسفاوت‪ ،‬تخرج على يديه أعالم منهم الشيخ‬
‫الهواري األغالدي‪ ،‬والشيخ أمحمد أكرادو‪ ،‬والشيخ أحمد بن عبد هللا البوبكري دفين‬
‫ه‬
‫سموطة‪ ،‬يعود له فضل توحيد قبائل تيميمون المتفرقة ليجعلهم يدا واحدة ضد الغزاة‬
‫الطامعين‪ ،‬فانتقلت إليها قبائل أوالد داود‪ ،‬وأوالد حمو الزين‪ ،‬وأوالد الذهبي‪ ،‬وتم بناء‬
‫المسجد قبالة السوق وال زال قائما إلى يومنا هذا بشكله األصلي ويعتبر أقدم مساجد‬
‫المنطقة القائم بشكله الذي بني عليه‪ ،‬وفيه منارة عالية ليس لها مثيل بالمنطقة من‬
‫حيث التصميم‪ ،‬ويقال أن المسجد بني بأموال امرأة ثرية من قبيلة أوالد داود‪،‬‬
‫وخصصت له ماال كوقف يرمم به كلما أحتاج ذلك وربما كان ذلك سر بقاء المسجد‬
‫محافظا على أصله إلى يومنا هذا‪ ،‬ومن أهم أسباب تقريبهم وتوحيدهم تأسيس السوق‬
‫الجديدة بتيميمون التي حملت اسمه سوق سيدي موسى‪ ،‬ولها دور هام في إشراك‬
‫السكان في فعاليات النشاط التجاري الذي كان تحت سيطرة اليهود فقط‪ ،‬إذ كان للشيخ‬

‫‪ -‬محمد مرابط وعبد هللا مقران‪ ،‬الكنز المفقود في حياة ومآثر سيدي موسى بن المسعود‪ ،‬مخطوط مرقون‪ ،‬غير‬ ‫‪1‬‬

‫مطبوع‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫‪ -‬مدينة تقع على تل جبلي مرتفع تتوجه إليها من مدينة خميس مليانة في النطاق اإلداري لوالية عين الدفلى فيها‬ ‫‪2‬‬

‫منظر بديع تنشرح له نفس الزائر والمدينة أي مليانة حصن طبيعيي منيع يحيط بها جبل زكار الشاهق‪ ،‬وذكر لي‬
‫السيد محمد كعوان الساكن بمدينة خميس مليانة‪ ،‬أثناء زيارتي لمسجدها بجوار ضريح احمد بن يوسف الملياني‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫معنى كلمة خميس هو سور‪ ،‬فخميس مليانة معناها سور مليانة‪.‬‬
‫‪-‬عبد هللا بن محمد العياشي ‪ ،‬الرحلة العياشية‪ ،‬ط‪ ، 1‬تح‪ :‬سعد الفاضلي و سليمان القرشي‪ ،‬دار السويدي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫اإلمارات العربية‪ ،2006 ،‬ص‪.84‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫رأي يخالف رأي المغيلي في اليهود‪ ،‬وكان يرى إمكانية معايشتهم ما لم يبتدروا إلى‬
‫منكر ظاهر أو عداء معلن‪ ،‬وبالسوق الجديدة بقي اليهود إلى جنب المسلمين يتبادلون‬
‫معهم المنافع والعروض حتى كان إسالم الكثير منهم‪ ،‬يذكر أن الشيخ تولى تدبير‬
‫شؤون المدينة بمشاركة الشيخ أحمد بن عثمان الجوراري بالتناوب لضمان االستقرار‬
‫واألمن والتآلف بين أهلها خاصة وأنه كان كثير التنقل والخلوة بغرض التعبد وله‬
‫قصص كثيرة منها قصة الرؤية في الخلوة بمسجد كموس حين قال برؤية الذات‬
‫اإللهية وكانت هذه القضية مثار نقاش وجدل واسع بين العلماء ال زالت أثاره قائمة بين‬
‫من كذب الرؤية ومن قال بها‪ ،‬توفي الشيخ ما بين سنتي ‪920‬ـ و ‪ 930‬هجرية وقيل‬
‫خلف الشيخ مجموعة من األوراد‬ ‫(‪)1‬‬
‫أنه عاش ‪ 147‬سنة‪ ،‬ودفن بزاوية تاسفاوت‪،‬‬
‫واألذكار لمريديه على الطريقة الشاذلية‪ ،‬وله منظومات شعرية في التوحيد والتصوف‬
‫والمديح وأخرى في الطب منها قوله‪:‬‬
‫ورَتلِّي‬ ‫ال ِّ‬
‫به ُث هم ُّ‬ ‫َعَلى المَق ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اعَلم ِّبأ ه‬
‫الد ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ود هللا ُم َت َف ٌ‬ ‫َن ُو ُج َ‬ ‫َو ْ‬
‫َعَر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يل َعَلى َذلِّ َك َع َوالِّ ُم ُه‬ ‫ُث هم َ ِّ‬
‫اض الَ ُت ْمَلى‬ ‫الج َواه ِّر َواأل ْ‬
‫م َن َ‬ ‫الدل ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫استمر عطاء البيت من خالل أبنه الوحيد أحمد الذي خلف حفدة تفرقوا في المنطقة‬
‫وظل بفضلهم ميراث البيت قائما‪ ،‬ومن أشهرهم إبراهيم بن أحمد الواجدي‪.‬‬
‫* إبراهيم بن أحمد بن موسى الواجدي‪ :‬انتقل إلى قصر الواجدة وأسس بها‬
‫وله في األثر قصيدة‬ ‫(‪)3‬‬
‫مدرسة‪ ،‬توفى في وسط شهر ذي الحجة عام ‪1107‬ه‪،‬‬
‫مخطوطة بعث بها إلى الشيخ سيد عباد بن الثاني بتسفاوت جاء في مطلعها‪:‬‬
‫هللا وهللا َش ِّ‬ ‫وأَحبابَنا ِّفي ِّ‬ ‫الم َو ِّارِّد‬ ‫ِّإَلى س َادِّتي األ ْ ِّ‬
‫اه ُد‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َخَي ِّار ن ْع َم َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫َعهب ُاد َن ْجل الثاني َل َك اْلَف ْض ُل َو ِّارُد‬ ‫ِّي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫السرِّّ‬
‫بن ْال َف ْضل األ َْم َجد ه‬ ‫أَُبو ْالَقاس ُم ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫يج ِّم ْس ٍك َي َتَزَايُد‬ ‫َسالَ ٌم َل ُه أ َِّر َ‬ ‫ِّم َن اْل ُم ْذِّن ِّب اْل َعْب ِّد اْل َف ِّقير َعَلْي ُك ُم‬

‫‪-‬الحاج علي أحمد‪ ،‬حياة سيدي موسى والمسعود وتأسيس السوق وبناء المسجد العتيق بالقصر القديم بتيميمون‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الساعة الخامسة مساء‪.‬‬ ‫مقابلة شفوية‪ ،‬بيته الكائن في سوق سيدي موسى‪ ،‬يوم األربعاء ‪ 27‬سبتمبر ‪2017‬‬
‫‪-‬محمد مرابط وعبد هللا مقران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مناقب سيدي محمد بن عبد العزيز‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬مبروك ماينو ‪ ،‬قصيدة رسالة سيدي إبراهيم بن أحمد الواجديإلى سيدي عباد بن الثاني‪ ،‬مرقونة‪ ،‬غ‪.‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وللشيخ موسى بن المسعود حفدة آخرون مشهورين منهم موسى بن الحاج بقصر‬
‫تورسيت وأحمد بن الحاج بالساقية‪ ،‬وهي من قصور طلمين و أمحمد بن الحاج‬
‫بتيميمون ومحمد بن عبد الكريم المشهور باسم أوصات بتيميمون والشيخ يوسف بن‬
‫أحمد بطلمين والشيخ عبد الرحمان بن إبراهيم بطارواية وأبو القاسم بن أحمد‬
‫بتمسقلوت وهي من قصور طلمين‪.‬‬
‫‪ )4‬بيت آل القاضي بأوالد سعيد ‪ :‬يعتبر البيت أنموذجا‪ ،‬إذ ال زالت اآلثار قائمة في‬
‫خزائن أحفاد األسرة التي فتحت أبوابها لرواد العلم والمعرفة للبحث بين طيات الموروث‬
‫المتبقي بين أيديهم‪ ،‬ثم أن الشيخ عبد الرحمان الجوزي قدم عن األسرة عمالً ضخما‬
‫سهل للباحثين الطريق في اإللمام بالبيت وحتى أنني ُكفيت عناء البحث أمام عمله‬
‫الذي سماه " ذاكرة الماضي في تاريخ أوالد القاضي " في نحو ‪ 600‬صفحة ولم يجد‬
‫سبيله إلى الطبع والنشر‪ ،‬والبيت له نصيب وافر في النهضة العلمية للمنطقة‪ ،‬تأسس‬
‫البيت على يدي محمد المسعود بن إبراهيم بن محمد بن يدار الجوراري‪ ،‬وهو عالم‬
‫وجيه صاحب مال وولد وجاه ‪ ،‬وضع نواة البيت توفى بعد عام‪799 :‬هـ‪1396/‬م‪،‬‬
‫خلفه ابنه أحمد بن محمد المسعود بدوره كان عالماً ‪ ،‬أسس بـبلدة تازولت غرب أوالد‬
‫سعيد مدرسة اشتغل فيها بالتدريس وتعليم القرآن‪ ،‬وكان قاضي الجماعة في ﭬورارة‬
‫توفى سنة‬ ‫إلى المنطقة ونزوله بأوالد سعيد‪،‬‬ ‫تزامن عهده مع وصول المغيلي‬
‫‪895‬هـ‪1489/‬م‪ ،‬خلفه ابنه أبي المكارم‪.‬‬
‫* أبي المكارم وانطالق المجد العلمي للبيت الجوزي‪ :‬هو عبد الكريم أحمد بن‬
‫محمد المسعود الملقب بأبي المكارم ولد سنة ‪871‬ه ويلقب بالتزدايتي نسبة إلى قصر‬
‫تزداية القائم بين قصر قدور وبني عيسي‪ ،‬أخذ عن والده أحمد بن محمد المسعود‬
‫تخرج من فاس ومن أبرز شيوخه‪ ،‬محمد بن عبد هللا الدقاق الفاسي(‪،)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫التزدايتي‪،‬‬
‫تولى التدريس بمدرسة تازولت‪ ،‬ثم القضاء عام ‪952‬هـ‪1545/‬م حتى توفي يوم‬
‫الجمعة ‪ 16‬صفر سنة ‪966‬هـ‪1558/‬م دفن جوار والده‪ ،‬خلفه شقيقه عبد الرحيم بن‬

‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬الفتح الميمون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬هو محمد بن عبد هللا الدقاق (ت ‪968‬هـ‪1561/‬م) من مشاهير شيوخ فاس في القرن العاشر العجري ينظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمد حجي ‪،‬الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين ص‪.351‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أحمد المسعودي الجوراري المتوفى بعد عام‪967 :‬هــ‪1559/‬م‪ ،‬تاله شقيقه عبد‬
‫الحميد بن أحمد المسعودي الجوراري‪ ،‬المتوفى بعد عام‪981 :‬هـ‪ 1573/‬و منهم كذلك‬
‫الشيخ أحمد بن عبد الرحيم المسعودي الجوراري‪ ،‬المتوفى بعد عام‪991 :‬هـ‪1583/‬م‪،‬‬
‫ثم الفقيه عبد الصمد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد المسعود الجوراري‪ ،‬المتوفى‬
‫عام‪1013 :‬هـ‪1604/‬م‪ ،‬الذي درس رفقة القاضي أمحمد عبد هللا بن عبد الكريم‪.‬‬
‫* الفقيه أمحمد عبد هللا بن عبد الكريم بن أحمد تلميذ السماحي‪ :‬اشتهر بعلمه‬
‫تتلمذ على يد الشيخ عبد القادر بن محمد السماحي المشهور باسم سيدي الشيخ ‪،‬‬
‫شهدت فترته غزو المنصور لبالد ﭬورارة وتوات‪ ،‬وكان ممن وفدوا السلطان السعدي‬
‫أحمد المنصور الذهبي وبقية العالقة قائمة مع ابنه زيدان‪ ،‬كما عاصر الشخصيات‬
‫الفاعلة بالمنطقة أبرزها الشيخ أبو القاسم بن الحسين و الحاج الصوفي‪ ،‬والعالمة‬
‫أمحمد بن أبي محمد بن أحمد بن ميمون بن عمر التمنطيطي و الفقيه الحسن بن‬
‫أحمد بن أبي يحيى الشريف الودغاغي‪ ،‬والفقيه محمد الشريف الودغاغي‪ ،‬توفى في‬
‫‪ 25‬من ذي الحجة ‪1035‬هـ‪1625/‬م‪ ،‬دفن إلى جوار والده أبي المكارم ببالد‬
‫(‪)1‬‬
‫القاضي‪.‬‬
‫وللبيت مكتبة أو خزانة ثرية من المخطوط الذي خلفه األسالف بعمل دام قرابة خمسة‬
‫قرون من البذل والعطاء‪ ،‬ونجد البيت اليوم يتجدد عزمه من خالل الشيخ عبد الرحمان‬
‫الجوزي إمام خطيب بمسجد أغزر أمقران ببجاية‪ ،‬وهو فقيه متمرس وأديب لغوي‪،‬‬
‫وشاعر متحكم‪.‬‬
‫بيت الشريف الحاج لحسن الجنتوري‪ :‬مؤسسه لحسن الشريف تلميذ‬ ‫‪)5‬‬
‫الشيخ أبو القاسم الجوراري في القرن العاشر الهجري‪ ،‬وذكر في عده مصادر تاريخية‬
‫رفقة علماء كثر منهم رفيقه الشيخ عباد والشيخ سعيد قدورة الجزائري وابن أبي محلي‬
‫السجلماسي وذكره هذا األخير في غير موضع منها قوله‪... ":‬سيدي الحسن بن أحمد‬
‫واصل أسرته من منطقة عين الحوت‬ ‫(‪)2‬‬
‫الشريف التلمساني األصل الجراري الدار"‬

‫‪-‬نفسه ص‪.183‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن أبي محلي السجلماسي‪ ،‬مجموع مخطوطات‪ ،‬تحت رقم ‪ 338‬ق‪ ،‬المكتبة الوطنية الرباط‪ ،‬المغرب األقصى‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.221‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫بتلمسان‪ ،‬ينتسبون إلى جدهم سليمان شقيق إدريس األكبر مؤسس الدولة اإلدريسية‪،‬‬
‫أول من قدم المنطقة من أجداده هو الشريف موالي عبد الحي التادلستي المشهور‬
‫بسيدي شريف‪ ،‬وابنه موالي أحمد الزقوري ثم الشريف المذكور الحاج لحسن‬
‫الجنتوري(‪ ،)1‬صاحب القصيدة الشهيرة في التوحيد التي يقول في مطلعها‪:‬‬
‫ان *** َفِّإهن ُه َعُدٌّو لِّ ِّ‬
‫إل ْن َس ِّ‬
‫ان‬ ‫ط ِّ‬ ‫الشي َ‬ ‫أَعوُذ ِّب ِّ‬
‫اهلل ِّم َن َ‬ ‫ُ‬
‫ِّ (‪)2‬‬
‫الماجُد‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يف َ‬‫الع ْد ُل اللط ُ‬ ‫الح َك ُم َ‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫الواج ُد‬
‫العلي َ‬‫اْل َح ْم ُد هلل َ‬
‫* ازدهار البيت باحتضان الشيخ الجنتوري‪ :‬يعتبر الجنتوري من أشهر علماء عصره‪،‬‬
‫صاحب األثر البالغ في ازدهار الحركة العلمية بالمنطقة‪ ،‬الفقيه المشهور الذي يصف‬
‫نفسه" بخادم الحاج لحسن الشريف" وهو الشيخ عبد الرحمان الجنتوري‪ ،‬وفي هذه‬
‫النسبة إظهار لالحترام الذي يكنه أهل المنطقة للنسب الشريف من آل البيت‪ ،‬حتى‬
‫يسمى عالما جليال على قدر الجنتوري نفسه خادم الشريف‪ ،‬إكراما لفضل النبي صلوات‬
‫هللا وسالمه عليه‪ ،‬وبهذا االحتضان قدم هذا البيت دفعة قوية للحركة العلمية بالمنطقة‬
‫وهو أبو زيد عبد الرحمن بن أبي‬ ‫(‪)3‬‬
‫من خالل الشيخ الجنتوري نسبة إلى جنتور‪،‬‬
‫إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن علي االنصالحي(‪)4‬الجنتوري الجوراري‪ ،‬ولد مابين‬
‫‪ 1107‬هـ و‪1109‬ه الن المسعدي ذكر وفاته في تاريخ يوم االثنين ‪ 5‬جمادى‬
‫وصف بالعلم‪ ،‬والعمل‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫األولى عام ‪1160‬هـ وعمره نحو نيف وخمسين سنة‪،‬‬
‫والتواضع‪ ،‬والزهد‪ ،‬والتقشف‪ ،‬ال يجاريه أحد من علماء عصره إال أفحمه بقوة‬

‫‪-‬الجنتوري موالي أحمد (مسؤول زاوية جنتور)‪ ،‬البيت العلمي الجنتوري للشيخ الحاج لحسن وأحفاده وقصة مقدم‬ ‫‪1‬‬

‫الشرفاء السليمانيين إلى المنطقة‪ ،‬مقابلة شفوية‪ ،‬زاوية شرفاء جنتور‪ ،‬بلدية أوالد عيسى‪ ،‬تيميمون والية ادرار‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫يوم ‪ 24‬فيفري ‪2016‬م‪ ،‬على الساعة التاسعة ليال‪.‬‬
‫‪-‬منظومة طويلة تتكون من ‪ 48‬بيتاً‪ ،‬موضوعها في التوحيد واإليمان باهلل عز وجل‪ .‬ينظر‪ :‬عبد المالك الصوفي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.53-51‬‬


‫‪-‬أو كما تعرف محليا ب " أﭬنتو" قرية صغيرة تقع في المجال اإلداري لبلدية أوالد عيسى من دائرة تيميمون لكن‬ ‫‪3‬‬

‫ذكرها أكبر بكثير‪ ،‬نظ ار لدورها الثقافي العلمي بـﭬو اررة إبان القرنين الحادي عشر والثاني الهجريين‪.‬‬
‫‪-‬أنصالح أو كما تعرف بعين صالح تقع على بعد ‪ 600‬كلم عن تمنراست‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬عمر بن أحمد المسعدي‪ ،‬النسرين الفائح في بعض فتاوى أبي زيد عبد الرحمن بن إبراهيم‪ ،‬مخ‪ ،‬خزانة موالي‬ ‫‪5‬‬

‫الم َزمري ‪ ،‬المصدر‬


‫ُب ُ‬‫أحمد حكيمي‪ ،‬زاوية شرفاء كالي ‪ ،‬تيميمون‪ ،‬ادرار‪ ،‬ص‪ / .1‬ينظر أيضا‪ :‬ضيف هللا بن أ َّ‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫استحضار الدليل من مصادره الشرعية‪ ،‬تلقى مبادئ العلوم على يد والده الشيخ أبي‬
‫إسحاق إبراهيم بن أحمد االنصالحي‪ ،‬حيث حفظ القرءان الكريم في سن مبكرة ثم تفرغ‬
‫لدراسة مذهب اإلمام مالك من المصادر المعتمدة فدرس مختصر خليل ورسالة بن أبي‬
‫زيد القيرواني في الفقه‪ ،‬والتلمسانية في الفرائض‪ ،‬ودرس ألفية بن مالك في اللغة‪،‬‬
‫سافر إلى الشيخ عمر بن عبد القادر التنالني بتوات ليقيم في حضرة مجلسه سنة‬
‫السهلم في المنطق‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ونصف أخذ عنه مختصر خليل‪ ،‬و ُ‬
‫‪ )6‬بيوتات أخرى بمنطقة تيميمون‪ :‬إطالق تسمية البيوتات األخرى جاء لتجنب‬
‫تسمية البيوتات الصغرى‪ ،‬فهي لم تستوف شروط البيت‪ ،‬لكن قد يكون ذلك بسبب‬
‫التقصير في البحث‪ ،‬وسيأتي ذكرها بما توصلت له ورغم ذلك فقد كان لها شأن عظيم‬
‫ومن أبرزها‪:‬‬
‫*بيت الشيخ الشريف سيدي عثمان التيميموني ‪ :‬هو عثمان بن عمر بن محمد‬
‫بن إبراهيم بن عثمان ينتهي نسبه الشريف إلى جده إدريس بن إدريس بن عبد هللا‬
‫الكامل‪ ،‬من ذرية الحسن بن على كرم هللا وجهه‪ ،‬ولد بمكة المكرمة وجال بعدها بلدانا‬
‫عديدة انتهى به المطاف في أرض ﭬورارة في القرن الثامن الهجري‪ ،‬أسس القصر‬
‫بعد وفاته برز ابنه‬ ‫(‪)2‬‬
‫العتيق‪ ،‬وبنى المسجد‪ ،‬واستخرج الماء من خالل فقارة أمغيير‪،‬‬
‫الفقيه سيدي أحمد بن عثمان الذي أشرف على ميراث أبيه ووطد أركان البيت أما‬
‫االبن الثاني محمد بن عثمان ذهب إلى بلدة إڤلي من بالد بشار اليوم في الجنوب‬
‫(‪)3‬‬
‫الغربي الجزائري‪ ،‬وأسس بيتا هناك وله شهرة واسعة‪.‬‬
‫*بيت الشيخ عباد بن أحمد الجوراري‪ :‬هو عباد بن أحمد الجراري صاحب الخطبة‬
‫الشهيرة المعروفة بخطبة تروكامت‪ ،‬تتلمذ على يد الشيخ موسى والمسعود التسفاوتي‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬عمر بن أحمد المسعدي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬الفتح الميمون ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.303‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ينظر‪ :‬عبد الرحمان الجوزي‪ ،‬ذاكرة الماضي في تاريخ أوالد القاضي‪ ،‬مخطوط مرقون‪ ،‬غ‪.‬م‪ ،‬ص‪ / .454‬ينظر‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا‪ :‬أحمد لمرابط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫كما ذكر لي ذلك من خالل مقابلة شفوية مع السيد الحاج علي أحمد وهو من مواليد ‪ 1947‬يسكن بمنطقة سوق‬
‫سيدي موسى التاريخي قرب المسجد العتيق‪ ،‬تمت المقابلة معه بتاريخ يوم السبت ‪ 16‬سبتمبر ‪ 2017‬بحضرة في‬
‫بيته‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ثم الشيخ الحاج بلقاسم الجوراري‪ ،‬وكالهما من شيوخ الصوفية على الطريقة الشاذلية‬
‫بالمنطقة‪ ،‬مر الشيخ عباد بمراحل مختلفة بحكم حضوره متغيرات هامة حدثت بالمنطقة‬
‫عاين فيها انتقال المشيخة من سيدي موسى والمسعود إلى سيدي الحاج بلقاسم‬
‫(‪)1‬‬
‫الجوراري‪ ،‬ناهيك عن فترة غزو المنصور السعدي للمنطقة‪ ،‬وله خطبة شهيرة‬
‫يتحدث عن واقع المنطقة وما آل إليه من خروج عن أصول الدين وقساوة القلوب‪،‬‬
‫َع ِّق ُب ذريته من ولده سيدي بلقاسم الذي دخل أوالد عيسى في القرن الحادي عشر‬
‫هجري ‪/‬السابع عشر ميالدي وله أوالد في شروين )سيدي سعيد( وفي لحمر وياكو‬
‫(‪) 2‬‬
‫وتاسفاوت‪.‬‬
‫ثانيا) بيوتات منطقتي أوقروت والدغامشة‪ :‬منطقتي أوقروت والدغامشة من مناطق‬
‫ﭬ ورارة التي كان لها دور بارز في تفعيل الحراك العلمي بالمنطقة من خالل بيوتات‬
‫علمية متعددة‪ ،‬نسجت عالقات علمية داخل المنطقة وخارجها بحكم موقعها الجغرافي‪،‬‬
‫فأصل تسمية أوقروت مكان اللقاء حول بئر ماء تجتمع فيه القوافل التجارية للتزود‬
‫ومن أشهر‬ ‫(‪)3‬‬
‫بالماء‪ ،‬وكانت بها سوق عامرة؛ تقصدها القوافل التجارية للبيع والشراء‪،‬‬
‫األعالم الذين ورد ذكرهم في كتب التاريخ عن المنطقة الشيخ عمر بن صالح‬
‫األوقروتي وغيره من الشيوخ الذين أسسوا بيوتات علمية ال زال ذكرها قائم إلى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬أوﭬروت نطاق جغرافي يحمل االسم ويتكون من اثني عشر قصر منها بوﭬمة‪،‬‬
‫الشارف‪ ،‬زاوية سيدي عمر‪ ،‬أقبور‪ ،‬بن عايد‪ ،‬تبرغمين‪ ،‬وتالة‪ ،‬زاوية سيدي عبدهللا‪،‬‬
‫كانت في القديم موضع استراحة تجتمع فيه أفواج القوافل المرتحلة طلبا للراحة والزاد‬
‫لوجود الماء‪ ،‬يقال أن بئ ار كانت بها يحدث التجمع حولها‪ ،‬ومنها جاءت التسمية‬
‫أوﭬروت‪ ،‬أما دلدول فهو المجال الجغرافي المتضمن قصور أوالد راشد واقسطن والبركة‬
‫وتوكي وبنغازي‪ ،‬بينما الدغامشة فهي النطاق الذي تشرف عليه بلدية أوالد محمود‬
‫وتضم قصور أوالد محمود وأوالد راشد والمطارفة‪.‬‬

‫‪ -‬الزالت الخطبة تلقى من منبر زاوية سيدي الحاج بلقاسم في الجمعة التي تلي االحتفال بأسبوع المولد النبوي في‬ ‫‪1‬‬

‫كل سنة على مر خمسة قرون كاملة‪ ،‬يعتلى المنبر حفدة الشيخ بالتوارث بين علماء البيت‪.‬‬
‫‪-‬رشيد بليل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.359-358‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬عبد المالك الصوفي شيخ زاوية بدريان‪ ،‬المقابلة الشفوية السابقة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ولد ببلدة أوالد سعيد‪ ،‬بها تربى‬ ‫بيت الشيخ سيدي عمر بن صالح‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وترعرع‪ ،‬وقبر أبيه ال يزال م از اًر في قصرهم العتيق المعروف بـقصر صالح وأعمر‪،‬‬
‫أخذ العلم عن الشيخ محمد بن أبي بكر الودغاغي تلميذ الشيخ موسى بن المسعود‬
‫مر بها أبو سالم العياشي خالل‬ ‫التسفاوتي‪ ،‬أسس زاوية أوﭬروت التي حملت اسمه‪،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫من‬ ‫(‪)3‬‬
‫رحلته‪ ،‬وقال عنه‪ :‬أهنه يوصف بالقطبانية‪ ،‬وأهنه توفى عام‪1008 :‬هـ‪1599 /‬م‪،‬‬
‫الشيخ عبد القادر بن عومر بفنوغيل(‪،)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أشهر تالميذه محمد بن عمر البوداوي‪،‬‬
‫وأخيه أمحمد بوجالن‬
‫(‪)8‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫والشيخ بوتدارة بإكيس(‪)6‬والشيخين عبد الرحمان بكبرتن‬
‫والشيخ زايد بتبرغامين في أوﭬروت‪)9(،‬مر ابن أبي محلي بزاويته هو اآلخر وأقام بها‬
‫خرجت من بني عباس يوم عشرين من شهر المحرم‬
‫ُ‬ ‫فترة من الزمن وقال عنها‪ »":‬قد‬
‫من سنة حجتنا الثانية‪ ... ،‬ولعهله عام‪ :‬ثالثة عشر بعد األلف ‪1013‬هـ‪1604/‬م أو‬
‫صعدت من توات‬
‫ُ‬ ‫افياً منه بالصواب‪ ،‬ثم‬
‫قريباً منه‪ ،‬فأنظره في اإلصليت تجده و ّ‬
‫سيدي‪ :‬محمد بن عمر الدلدولي في دار‬ ‫لت بزاوية الشيخ الصالح ِّّ‬ ‫ِّلت ُجورارين فنز ُ‬
‫أقمت بتجرارين‬
‫ُ‬ ‫ارتحلت إلى أوڤروت ألتهيأ للحج‪ ،‬بعدما‬
‫ُ‬ ‫بعض أحفاده‪ ،‬أضافني حتى‬
‫أشهر‪ ،‬أُقدم ِّرجالً وأ ِّّخر أُخرى في اإلقدام على الحج …«(‪)10‬توفي‬
‫ٍ‬ ‫نحواً من أربعة‬
‫(‪)11‬‬
‫الشيخ عمر سنة ‪1008‬ه‪.‬‬

‫‪-‬عبد الرحمان الجوزي ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.198‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬الفتح الميمون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.381‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬أبو سالم العياشي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪98‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬نسبة إلى بودة وهي سلسلة قصور تبعد عن ادرار بنحو ‪ 20‬كم‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬فنوغيل تبعد عن ادرار إلى الجنوب بنحو ‪ 28‬كم‪ ،‬ومركزها زاوية سيدي عبد القادر ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-‬من قصور بلدية زاوية كنته جنوب ادرار بنحو ‪ 70‬كم‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬مجموعة قصور كانت عامرة ولها ذكر واسع في تاريخ المنطقة اشتهرت بكونها حصن منيعا‪ ،‬انهزم فيها جيش‬ ‫‪7‬‬

‫السلطان زيدان بن المنصور الذهبي السعدي أثناء محاولته احتالل المنطقة سنة ‪ 1552‬كان القصر يشكل الحد‬
‫الفاصل بين قو اررة وتوات وهو اليوم إداريا تابع لبلدية تسابيت‪.‬‬
‫‪-‬وجالن قصر من قصور تسابيت قرب لمعيز والهبلة تبعد ‪ 60‬كم عن ادرار‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪-‬غيتاوي التهامي‪ ،‬الفتح الميمون في تاريخ جو اررة وعلماء تيميمون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.382‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪-‬ابن أبي محليالسلجماسي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪-‬غيتاوي التهامي‪ ،‬سلسلة النواة في إبراز شخصيات من علماء وصالحي توات‪ ،‬د ط‪ ،‬العلمية للطباعة والخدمات‪,‬‬ ‫‪11‬‬

‫الجزائر‪ ،2013 ،‬ص ‪.169‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪)2‬ـ بيت الشيخ عمر بن علي بن إبراهيم التنكرامي‪ :‬مؤسس البيت فقيه ينتهي‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه نزل بمنطقة شروين‪،‬‬ ‫نسبه إلى الخليفة الثاني ِّّ‬
‫ابن الشيخ على بن إبراهيم التادلي(‪ )1‬شيخ الحاج بلقاسم األوسيفي الجوراري‪ ،‬أرسل‬
‫ابنيه إلى مدرسة تاسفاوت عند الشيخ موسى بن المسعود‪ ،‬وسيكون لكل منهما دور‬
‫في تفعيل الحركة العلمية للبيت‪ ،‬جاء بعده‪ ،‬محمد بن عمر بن علي القسطني مؤسس‬
‫زاويتة ببلدة "إڤسطن" بدلدول من إقليم تيﭬورارين ‪ ،‬وهو نجل الشيخ عمر بن علي بن‬
‫إبراهيم التادلي دفين تينكرام من بلدة شروين(‪ ،)2‬كما ينتمي للبيت الفقيه محمد عبد‬
‫الرحمان بن عمر بن خالد الدلدولي هو من كبار فقهاء اإلقليم‪ ،‬من ذرية الشيخ‬
‫وذريته معروفة إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫سيدي عمر الغريب ‪ّ ،‬‬
‫‪(3‬بيت محمد بن علي النحوي‪ :‬ينسب إلى أوالد سيدي الحاج أبي سعدان تتلمذ‬
‫على يد شيخه عبد الكريم بن محمد الذي ح همَل ُه وصية ألوالده بعد موته‪ ،‬وهو ما فعله‬
‫مع الشيخ سيدي البكري الذي ق أر عليه وصية أبيه بحضرة جملة من تالميذه وهم‪،‬‬
‫وعلي بن أحمد بن عيسى‬ ‫(‪)3‬‬
‫علي بن حنيني الزجالوي‪ ،‬ومحمد بن عبد السلطان‪،‬‬
‫الوقروتي صاحب الشرح على المختصر‪ ،‬وعبد الرحمان التزاللغتي‪ ،‬والحاج أحمد‬
‫األغياتي‪ ،‬درس في تمنطيط عن شيخه عبد الكريم بن أبي عبد هللا محمد بن ميمون‬
‫التمنطيطي تلميذ الفقيه سعيد الجزائري المشهور بقدورة(‪ ،)4‬أخذ عنه الفقه والنحو‬
‫والحديث والتفسير وغيرها‪ ،‬كما ورد في سند إجازة كتبها النحوي بخطه عام ‪1091‬‬
‫هجري(‪ ،)5‬لكن التلميذ أظهر براعة ال تضاهى في النحو لذا لقب بالنحوي‪ ،‬ولما أتم‬

‫‪-‬رشيد بليل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.93‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬التهامي غيتاوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.302‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ذكر في فهرسة التنالني بذكر الجنتوري لشيوخه قائال" أخذت الفقه عن جماعة منهم والدي سيدي إبراهيم بن عبد‬ ‫‪3‬‬

‫الرحمان عن الشيخ الفقيه العارف باهلل سيدي محمد بن أحمد بن عبد السلطان"‪ ،‬ويذكر أن من تالميذه أبو عبد هللا‬
‫محمد عبد العالي بن الحاج لحسن الشريف" وقد تتلمذ الشيخ محمد بن أحمد بن عبد السلطان علي يد جماعة من‬
‫علماء التكرور وهي من بالد السودان‪ ،‬وأخذ عن محمد بن علي النحوي‪ .‬ينظر‪ :‬عبد الرحمان بن عمر التواتي‪،‬‬
‫فهرسة التنالني‪ ،‬مخطوط‪ ،‬نسخة خزانة الوليد بن الوليد‪ ،‬قصر باعبد هللا‪ ،‬أدرار‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬عبد الحميد بكري‪ ،‬النبذة في تاريخ توات وأعالمها من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر‪ ،‬دار الغرب للنشر‬ ‫‪5‬‬

‫والتوزيع وهران‪،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2007 ،2‬ص‪.276‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫دراسة العلوم سأل شيخه أن يدخل الخلوة‪ ،‬وهو أسلوب صوفي موجود خاصة في‬
‫الطريقة الشاذلية‪ ،‬يتمكن خاللها المريد من تلقي السر(‪ ،)1‬لكن الشيخ لم يأذن لتلميذه‬
‫بحكم أنه لم يبلغ بعد مرحلة منح السر ويلزمه المزيد من الوقت‪ ،‬لكن النحوي أصر‬
‫على شيخه فدخل الخلوة ولقنه شيخه وتحامل على نفسه ولم يستطع تحمل ما لقيه‬
‫حتى أصيب في عقله‪ ،‬وصار يضرب الناس بالحجارة‪ ،‬بلغ الخبر والده فأرسل أخاه في‬
‫طلبه وأعطاه جمال يحمله عليه‪ ،‬دخل األخ تمنطيط ووجد أخاه قرب مقبرة أبي عثمان‪،‬‬
‫وأقترب منه لكن النحوي أذاه بالحجارة ورفض الذهاب معه‪ ،‬ولم يوافق إال بتدخل‬
‫شيخه وحملوه على الجمل مقيدا‪ ،‬ولما بلغوا بالد أوﭬروت وقف األب على حاله‬
‫فحبسه في سقيفة‪ ،‬إلى أن شفي من مرضه‪ ،‬وكان ذلك مبعثا لسرور عظيم غمر‬
‫والده‪ ،‬كما كان ذلك أيضا مبعثا لعالم تصدر مجالس العلم بالبلدة في زاوية سيدي‬
‫توجه ألداء مناسك‬ ‫(‪)2‬‬
‫عمر‪ ،‬وتخرج على يديه الكثير من الطلبة الذين سبق ذكرهم‪،‬‬
‫الحج ومر بتـﭬرت ونزل بها عند تلميذه محمد البكري‪ ،‬ولما هم بالمغادرة جهز له‬
‫البكري زادا يكفيه وأمده بالمال وبعض الحلي الذهبية‪ ،‬وعند الفراق سأل هللا أن يلتقيا‪،‬‬
‫رد عليه الشيخ ال أظن أن بعد هذا لقاء وكأنه أحس دنو أجله‪ ،‬وبعد حجه عاد عبر‬
‫وهي أرض يسكنها الطوارق‪ ،‬مات الشيخ محمد‬ ‫(‪)3‬‬
‫طريق فزان وفي موضع اسمه أزجر‬
‫بن علي النحوي وقبره هناك(‪ ،)4‬للشيخ تأثير علمي بالغ من خالل عدد تالميذه‬
‫المتواجدين في مختلف أنحاء توات الكبرى‪.‬‬

‫‪-‬السر كلمة تستعمل عند الصوفية للداللة على سلسلة المشيخة‪ ،‬وتكون بدخول الخلوة مع الشيخ وتلقي األوراد‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وهي أولى درجات االرتقاء يصبح المريد بموجبه مؤهال في الطريقة تابعا لشيخه ملتزما معه‪.‬‬
‫‪-‬محمد بن عبد الكريم التمنطيطي ‪ ،‬درة األقالم في أخبار المغرب بعد اإلسالم‪ ،‬مخطوط‪ ،‬نسخة خزانة سيدي عبد‬ ‫‪2‬‬

‫هللا البلبالي‪ ،‬قصر كوسام‪ ،‬والية ادرار‪ ،‬ص‪.26-24‬‬


‫‪-‬صحراء ازكر أو أزجر هي صحراء غبراء تعبرها القوافل في خمسين يوم‪ .‬ينظر‪ :‬أبي عبد هللا محمد بن أحمد‬ ‫‪3‬‬

‫القيسي السراج‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.32 -30‬‬


‫‪-‬البكري بن عبد الكريم بن سيد البكري التمنطيطي‪ ،‬إعالم األخوان بأخبار بعض السادات األخيار‪ ،‬نسخة خزانة‬ ‫‪4‬‬

‫سليماني علي ‪ ،‬قصر أدغا‪ ،‬ادرار‪ ،‬ورقة ‪ 18‬وجه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫محمد بن أحمد الراشدي المطارفي‪ :‬ولد قبل تاريخ ‪1165‬ه ‪/‬‬ ‫بيت‬ ‫‪)4‬‬
‫اسم جده عبد الرزاق بن العربي بن أحمد العالم المذكور في شجرة‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪1751‬م‬
‫األصول في ذكر أبناء الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قدم الجد إلى المنطقة من زاوية‬
‫الهامل الواقعة ببوسعادة‪ ،‬واستقر في بداية مشواره بمنطقة دلدول قرب الساهلة وفوق‬
‫أوالد عبو‬
‫ودرس هناك ثم انتقل إلى أوالد راشد(‪ ،)2‬حفيده الذي نحن بصدد التعريف به هو تلميذ‬
‫بقصر أدغا من ادرار‪ ،‬وصف من كبار تالميذه‪ ،‬ومن القصص‬ ‫(‪)3‬‬
‫الشيخ الونقالي‬
‫المعروفة عنه أنه كان قائما على خدمة شيخه يوما أرسل إلى أبيه يطلب المال‪ ،‬لكن‬
‫األب لم يلبي طلبه لعلمه أنه ترك الدراسة وتفرغ لخدمة الشيخ‪ ،‬فأضطر لبيع أشيائه‬
‫الخاصة بداية ببرنسه ثم كتبه ولوحته‪ ،‬جاء أبوه ليرده إليه‪ ،‬فجمع شيخه التالميذ وقال‬
‫لهم البسوه لباس العريس ثم كتب له إجازة وأرسله إلى الشيخ أبو زيد بن عمر‬
‫التنال ني ليمضي فيها‪ ،‬وقال له أطلب منه أن يسألك في مختلف العلوم فسأله مائة‬
‫سؤال وأجاب عنها‪ ،‬ثم أمضى له اإلجازة ورجع إلى شيخه‪ ،‬وعاد بعدها إلى بلدة‬
‫المطارفة حيث زاول التدريس والتفسير واجتمعت عليه حشود التالميذ من الجهات‪،‬‬
‫ترك أثار جمة من المخطوطات ومنها ما نسخ بخط يده تشهد عليها الخزانة القائمة‬
‫إلى يومنا‪ ،‬من أهمها الزرقاني على مختصر خليل في أربعة مجلدات‪ ،‬ومنظومة‬
‫العالمة ابن سينا في الطب وتحتوي على ألف بيت‪ ،‬وغيرها من المخطوطات الكثيرة‬
‫التي كانت ملكا له وهي اآلن في خزانة البيت‪ ،‬سجلت له فتاوى في اعقد المسائل‬

‫‪-‬محفوظ بن ساعد بوكراع‪ ،‬تراجم علماء أدرار‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2016 ،‬ص‪.424‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أثناء مرور العياشي بالمنطقة في رحلته الحجية سنة ‪1071‬ه الموافق لسنة ‪1661‬م‪ ،‬ذكر شيخا عالما هو عبد‬ ‫‪2‬‬

‫هللا بن طمطم الراشدي دفين أوالد راشد قرب المطارفة على حدود المنطقة نحو تسابيت ذكره العياشي وأثنى عليه كثي ار‬
‫منوها بعلمه وكرمه‪ ،‬ووصفه بالمصلح‪ ،‬كان يدافع عن كيان المنطقة ضد الظلمة والمفسدين ينظر‪ :‬أبو سالم العياشي‬
‫‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.79‬‬
‫‪ -‬أمحمد بن عبد هللا بن أمحمد بن الصالح بن الطيب بن موسى‪.‬األدغاغي سكن قصر أوالد أونقال بأدرار‪ .‬ولد‬ ‫‪3‬‬

‫حوالي سنة (‪1140‬هـ) ‪ ،‬توفي عن عمر ناهز ‪ 35‬سنة‪ ،‬في فجر يوم الجمعة ‪ 21‬من رمضان سنة (‪1175‬هـ)‪.‬ينظر‪:‬‬
‫أحمد جعفري‪ ،‬الحركة األدبية في إقليم توات من القرن السابع حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجريين‪ ،‬ج‪ ،1‬ط ‪،1‬‬
‫منشورات الحضارة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.37‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫النازلة في المواريث فأجاب‪ ،‬وكانت أجوبته مقرونة بأجوبة كبار علماء المنطقة‬
‫كسيدي عبد الرحمان بن عمر التنالني فكانت التركات وتقسيمها تصحح بأجوبته‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫توفي في سنة ‪1212‬ه‪1797/‬م ودفن ببلدة أوالد راشد قرب المطارفة‪.‬‬
‫ختاما فبعدما أحصينا بعضا من البيوت العلمية من مختلف مناطق ﭬورارة‪ ،‬وبواسطتها‬
‫تم االستدالل على طبيعة الحراك العلمي بالمنطقة إبان القرن الحادي عشر الهجري‪،‬‬
‫وواقع الحال يوحي بتراث دفين ثري‪ ،‬يحتاج إلى جوالت بحثية عديدة ومتجددة‪ ،‬كلما‬
‫تعمقنا فيها استكشفنا المزيد من الحقائق الدفينة والمنسية‪ ،‬ومتعة هذا العمل في‬
‫إنقاذ تراث لفه النسيان واتت عليه عوامل الدهر‪ ،‬وخلصت في الختام إلى جملة من‬
‫النتائج والتوصيات‪.‬‬

‫‪-‬عبد الكبير المطارفي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12-11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫النتائج والتوصيات‪:‬‬
‫‪ -‬صعوبة التمييز بين البيت الصوفي والعلمي‪ ،‬فبينها تداخل على اعتبار أن‬
‫أغلب العلماء متصوفة‪ ،‬وكان التصوف حينها سمة الورع‪ ،‬فبعض البيوت تجمع‬
‫الميزتين‪ ،‬كبيت آل الجوزي الذي كان علميا بامتياز رغم انتهاج بعض علمائه‬
‫النهج الصوفي الذي انعكس على إنتاجهم العلمي‪ ،‬لكن بيت الحاج أبو القاسم‬
‫الجوراري كان صوفي بامتياز لعبت فيه الكرامة دورها‪ ،‬والعالقة بين الشيخ‬
‫ومريديه بنيت على أساس تحصيل الطريقة‪ ،‬ويظهر ذلك في إنتاج البيت من‬
‫خالل كتاب "منهاج السالكين" الذي هو عبارة عن توجيهات للمريدين‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة إصدار األحكام النهائية لقلة المدون واعتماد الرواية الشفوية المعرضة‬
‫آلفات النسيان والبتر‪ ،‬وربما التشويه‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ منطقة ﭬورارة ثري غني من خالل شواهده التي تدل على وجود عشرات‬
‫البيوتات العلمية خالل القرنين ‪ 11‬و ‪ 12‬الهجريين‪ ،‬وهذا اإلرث الثقافي يتعرض‬
‫للتداعي واالنهيار جراء قلة االهتمام‪.‬‬
‫‪ -‬المجتمع الـﭬوراري تشكيلة من أقوام‪ ،‬وأجناس‪ ،‬وأعراق‪ ،‬جمعت بينهم الرقعة‬
‫الجغرافية‪ ،‬والمصالح المشتركة بينها وفرت أجواء األمن والتعايش‪ ،‬فحصل‬
‫االزدهار والتطور‪.‬‬
‫الموقع االستراتيجي للمنطقة انعكس عليها سلبا‪ ،‬وإيجابا‪ ،‬فالسلبي منها جعلها‬ ‫‪-‬‬
‫محل أطماع القوى المحيطة بها‪ ،‬وعرضها لنكبات الغزو واالحتالل‪ ،‬أما الجانب‬
‫اإليجابي يتمثل في كونها نقطة عبور للقوافل التجارية‪ ،‬مما أسهم في توفر‬
‫السلع وازدهار التجارة ونشأة التمدن‪.‬‬
‫الحركة العلمية بالمنطقة انعكاس للواقع السياسي‪ ،‬والثقافي‪ ،‬للمغرب اإلسالمي‬ ‫‪-‬‬
‫خالل الفترة المدروسة‪ ،‬فاضطراب البالد حول طرق تجارة القوافل نحو ﭬورارة؛‬
‫التي أصبحت محط رحال العلماء‪ ،‬والتجار‪ ،‬الذين كان لهم األثر البالغ في تفعيل‬
‫الحراك العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور جيل متعلم محلي أدى إلى ظهور األسر العلمية‪ ،‬وهي التي كانت لبنة‬
‫البيوتات التي ازدهرت وذاع صيتها‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ -‬وفود علماء بارزين كالجنتوري والمزمري سرعا من ازدهار الحركة العلمية‪،‬‬


‫ورسخا تقاليد المنهج العلمي المضبوط فكالهما كان منهجا علميا مستقال‪ ،‬في‬
‫قواعد التعلم والكتابة العلمية‪ ،‬وكان لهما فضل إنعاش المردود العلمي كما‬
‫ونوعا‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ المنطقة ضاع منه الكثير وما بقي حبيس الخزائن‪ ،‬إذ يجب إيجاد سبيل‬
‫مقنع لييسر أصحاب هذه الخزائن للباحثين الوصول إلى هذه المادة‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة االهتمام البحثي بالمناطق الصحراوية‪ ،‬وخلق فرق موسعة تغطي أكبر‬
‫حيز من المجال الشاسع‪ ،‬وخلق الحوافز التي تشجع على مجابهة العوائق‬
‫الكثيرة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫داللة مفهوم الموافقة عند الشريف التلمساني(ت‪771‬ه) من‬


‫خالل كتابه مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على األصول‬

‫حفصة عالتي ‪ ،‬إشراف أ‪.‬د‪ /‬المغيلي خدير‬


‫• جامعة أدرار‪allati88a@gmail.com ،‬‬
‫• جامعة أدرار‪elmaghilikhjadir@yahoo.fr ،‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫هذا البحث يسلط الضوء عن أحد أقطاب أصول الفقه في الجزائر ؛ أال وهو‬
‫الشريف التلمساني والذي اهتم كغيره من األصوليين بالداللة‪ ،‬فبحث في‬
‫مفهوم الموافقة‬ ‫كما بحث في داللة المفهوم بنوعيه‬ ‫داللة المنطوق‪،‬‬
‫والمخالفة‪ ،‬وسنقتصر في هذا البحث على مفهوم الموافقة إذن ما هو المفهوم‬
‫؟ وما هو مفهوم الموافقة ؟ وما هي أقسام مفهوم الموافقة عند الشريف‬
‫التلمساني؟ ولإلجابة على هذه اإلشكاالت اتبعنا العناصر التالية‬

‫تعريف المفهوم‬ ‫‪-1‬‬


‫أقسام المفهوم‬ ‫‪-2‬‬
‫ماهية مفهوم الموافقة‬ ‫‪-3‬‬
‫أقسام مفهوم الموافقة‬ ‫‪-4‬‬

‫‪86‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:
The present study concerns with sherif telemsani the leader of (
esoul elfikah) in Algeria. This later tackles semantics of
pronunciation and signified semantics .He highlights the two parts
of signified semantics ;agreement and opposite .This research paper
deals with signified agreement, so what is the definition of
signified and agreement? and what are the different parts of the
definition of agreement according to Sherif Telemsani ? , in order
to answer these questions we go through several steps , they are as
follow :
1- Definition of signified
2- Parts of signified
3- Definition of signified agreement
4- Parts of signified agreemen

87
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫بحث األصوليون في داللة المنطوق بغية الوصول إلى األحكام الشرعية المستقاة من‬
‫اللفظ في محل النطق‪ ،‬كما بحثوا في داللة المفهوم والتي ال تقتصر على اللفظ في‬
‫محل نطقه ‪،‬كما هو الحال بالنسبة للمنطوق بل تبحث عن الداللة المفهومة منه ‪،‬‬
‫فانبروا يكشفون الغطاء عن داللة غائبة مستقاة من داللة حاضرة ؛ إما موافقة أو‬
‫مخالفة ومن بين األصوليين الذين سلكوا هذا السبيل نذكر الشريف التلمساني‪ 1‬والذي‬
‫ساهم كغيره في إثراء البحث الداللي لخوضه في هذا الّنوع من الداللة‬

‫‪ -1‬تعريف المفهوم‪:‬‬

‫المفهوم هو من األصل اللغوي "فهم "وتعني العلم بالشيء ومعرفته‪ ،‬وهذا حسب ما ورد‬
‫لمه‬
‫ام ًة ‪َ :‬ع َ‬
‫فهماً َوَف َهماً وَف َه َ‬
‫هم ُه ْ‬
‫في لسان العرب ‪ « :‬الفهم معرفتك الشيء بالقلب ‪َ ،‬ف َ‬
‫وفهمت الشيء عقلته وعرفته» ‪2‬‬

‫واستعملت كلمة فهم في القرآن الكريم ودلت على اإلدراك الواعي والصحيح‬
‫وكالًّ َ‬
‫آتْيَنا ُح ْكماً‬ ‫ان ُ‬
‫اها ُسَلْي َم َ‬
‫المنبعث من إلهام أو اجتهاد وذلك في قوله تعالى﴿ َفَف َّه ْمَن َ‬
‫َو ِعْلماً ﴾‪3‬يقول البغوي في تفسيره لهذه اآلية ‪«:‬أي علمناه القضية وألهمناها سليمان‬
‫‪[......‬و ] هللا حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده »‪4‬‬

‫‪-‬هو محمد بن أحمد بن علي بن يحي اإلدريسي الحسني المعروف بالشريف التلمساني من أعيان المالكية وكبار‬ ‫‪1‬‬

‫مشايخهم ولد سنة ‪1310‬م توفي سنة ‪1370‬م‪ .‬انظر ترجمته في معجم أعالم الجزائر ‪ ،‬عادل نويهض ‪ ،‬مؤسسة‬
‫نويهض الثقافية ‪،‬ط‪1980/2،1400‬م ‪،‬ص‪.187‬‬
‫‪-‬لسان العرب ‪ ،‬ابن منظور ‪ ،‬علق عليه علي شبري ‪ ،‬باب فهم‪ ،‬دار أحياء التراث العربي ‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬مج ‪/12‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪459‬‬
‫‪-‬سورة األنبياء‪ :‬اآلية ‪.79‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬تفسير البغوي ‪ ،‬معالم التنزيل ‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي ‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه محمد عبد هللا النمر‬ ‫‪4‬‬

‫وآخرون ‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع ‪ ،1411‬م‪.333 /5‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أما اصطالحا فيطلق المفهوم ويراد به عدة معان يوضحها الخوئي بقوله ‪«:‬قد يطلق‬
‫المفهوم ويراد به كل معنى يفهم من اللفظ فحسب ‪ ،‬سواء أكان من المفاهيم اإلفرادية‬
‫أو التركيبية ‪ ،‬وقد يطلق على مطلق ما يفهم من الشيء؛ سواء أكان ذلك الشيء لفظا‬
‫أم كان غيره كاإلشارة أو الكتابة أو نحو ذلك ‪ ،‬وغير خفي أن هذين اإلطالقين خارجان‬
‫عن محل الكالم ؛ إذ أنه في المفهوم الخارج عن المنطوق ‪ ،‬دون ما فهم من الشيء‬
‫مطلقا »‪ 1‬من خالل هذا القول فالمفهوم يطلق على ‪:‬‬

‫_المعنى الذي يفهم من اللفظ‬

‫‪-‬المعنى المفهوم من اللفظ أو اإلشارة أو الكتابة‪.‬‬

‫_ المفهوم المقابل للمنطوق وهذا المصطلح هو المراد هنا ‪.‬‬

‫أما المفهوم في اصطالح المتكلمين فهو كما يرى الجويني (ت‪487‬ه) أنه ما‬
‫يومئ إليه المنطوق ؛ إذ يقول في ذلك ‪«:‬وأما ما ليس منطوقا به ‪ ،‬ولكن المنطوق‬
‫مشعر به فهو الذي سماه األصوليون المفهوم»‪2‬وقريب من هذا التعريف ما جاد به‬
‫اآلمدي في حده له بقوله ‪« :‬ما فهم من الّلفظ في غير محل النطق»‪ 3‬ويرى ابن‬
‫)أن المفهوم ما يدل عليه اللفظ في محل السكوت بقوله‪«:‬الداللة‬
‫الحاجب (ت‪ّ 646‬‬
‫قسمان‪ :‬منطوق؛ وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم بخالفه ال في محل‬
‫النطق »‪ 4‬أما التلمساني فال نجد له تعريفا بخصوص المفهوم لكن من خالل تعريفه‬
‫لمفهوم الموافقة والمخالفة يمكننا أن نستشف رؤيته بخصوص المفهوم ‪ ،‬يحد مفهوم‬

‫‪ -‬محاضرات في أصول الفقه ‪ ،‬تقرير لبحث أبي القاسم الموسوى الخوئي ‪ ،‬محمد إسحاق الفياض ‪ ،‬مؤسسة أنصار‬ ‫‪1‬‬

‫النشر ط‪1217 4‬ه‪.54/5،‬‬ ‫يان للطباعة و ّ‬


‫‪ - 2‬البرهان في أصول الفقه ‪ ،‬أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا الجويني (ت‪ ،)487‬علق عليه وأخرج حواشيه صالح‬
‫بن محمد عويضة‪ ،‬ط‪.165/1 ،1997_1418 ،1‬‬
‫‪-‬اإلحكام في أصول األحكام ‪ ،‬علي بن محمد اآلمدي ‪ ،‬علق عليه الشيخ عبد الرزاق عفيفي ‪ ،‬دار الصميعي للنشر‬ ‫‪3‬‬

‫والتوزيع ‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه ‪2003 /‬م ‪.84/3،‬‬


‫‪-‬رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب ‪ ،‬أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (ت‪ )771‬تحقيق‬ ‫‪4‬‬

‫وتعليق ودراسة الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل عبد الموجود ‪ ،‬عالم الكتب للطباعة والنشر‪.484،485/3 ،‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الموافقة بقوله ‪ « :‬هو أن يعلم أن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به » ّ‬


‫أما‬ ‫‪1‬‬

‫تعريفه لمفهوم المخالفة فجاء على النحو التالي ‪« :‬هو أن يشعر المنطوق ّ‬
‫بأن حكم‬
‫المسكوت عنه مخالف لحكمه»‪ 2‬ومن خالل التعريفين نستنتج أن المفهوم عنده هو‬
‫أن يشعر المنطوق بحكم المسكوت عنه‬

‫فهذه الداللة تختلف عن داللة المنطوق في كونها داللة غير وضعية؛ كونها‬
‫مفهومة ال في محل النطق‪ ،‬فهي إذن عقلية انتقالية‪ ،‬فإن الذهن ينتقل من فهم القليل‬
‫‪3‬‬
‫إلى فهم الكثير بطريق التنبيه بأحدهما إلى اآلخر‬

‫ومن خالل التعريفات الواردة يتبدى لنا وجود وشائج بينها‪ ،‬وهي أن المفهوم‬
‫يتصور مفهوم من دون منطوق ‪،‬إذ ّ‬
‫أن داللة المفهوم‬ ‫ُيستمد داللته من المنطوق فال ُ‬
‫داللة غائبة غير مصرح بها ‪ ،‬وإنما يتوصل إليها بتلويح المنطوق‪ ،‬فالمنطوق يحيل‬
‫إلى معنى غير مصرح به سواء كان موافقا أو مخالفا ؛ لذا نجد القرافي يؤكد على هذا‬
‫بقوله ‪ «:‬مفهوم المخالفة والموافقة يتقاضاهما الّلفظ بمفهومه »‪4‬‬

‫كما يبدو وجود مفارقات في الحدود التي أوردها األصوليون للمفهوم ‪ ،‬فالجويني‬
‫واآلمدي والتلمساني ربطوا داللة المفهوم باإلشعار والعلم والفهم‪ ،‬بينما نجد ابن‬
‫الحاجب يربطها بالداللة ‪ «،‬وهناك فرق بين ما يفهم من اللفظ وما يدل عليه ‪ ،‬من‬
‫حيث أن الفهم أعم من الداللة ‪ ،‬ولهذا كان ما يفهم من اللفظ يشمل كذلك الحكم‬
‫والمحل‪ ،‬وما يدل عليه اللفظ هو الحكم فقط ‪ 5» .‬وترتب عن هذا تباين فيما يشمله‬

‫‪ -1‬مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على األصول ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد الحسني التلمساني ‪ ،‬دراسة وتحقيق‬
‫محمد علي فركوس ‪ ،‬مؤسسة الريان ط‪1424 ،1‬ه‪2003 /‬م ‪ ،‬ص‪.552‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪.555‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬البدر الطالع شرح جمع الجوامع ‪،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد المحلي الشافعي ‪،‬شرح وتحقيق أبي الفداء مرتضى‬ ‫‪3‬‬

‫علي بن محمد المحمدي الداغستاني‪،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪،‬ط‪1،1426‬ه_‪2005‬م‪.187/1 ،‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في األصول‪،‬أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي‪،‬شركة الطباعة الفنية‬ ‫‪4‬‬

‫المتحدة‪،‬ط‪1،1393‬ه_‪1973‬م‪.‬ص‪.55‬‬
‫‪ -‬ينظر مناهج األصوليين نقال عن البحث الداللي عند األصوليين ‪،‬قراءة في مقصدية الخطاب عند الشوكاني ‪ ،‬د‬ ‫‪5‬‬

‫إدريس بن خويا ‪،‬مطبعة بن سالم األغواط ‪ ،‬ط‪،1‬ص‪.92‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ضيقه ليطلق إما على الحكم ‪ ،‬وإما على محل الحكم وإطالقه على‬
‫المفهوم فبعضهم ّ‬
‫الحكم هو األكثر‪ ،‬واّتسع عند بعضهم ليشمل الحكم ومحله يقول الشنقيطي موضحا‬
‫هذا ‪« :‬اعلم أنهم يطلقون المفهوم على مجموع الحكم ومحله ؛ كتحريم ضرب الوالدين‬
‫فالتحريم مثال للحكم وضرب الوالدين مثال لمحله ‪ ،‬ويطلق المفهوم على أحدهما دون‬
‫اآلخر وهو الشائع ‪ ،‬وإطالقه وحده هو األكثر‪ .1» .‬من خالل هذا يتضح لنا أن‬
‫المفهوم عند األصوليين هو المعنى الذي يدل عليه اللفظ في غير محل النطق‬

‫‪_2‬أقسام المفهوم‬

‫قسم المتكلمون المفهوم إلى قسمين‪ :‬مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة وعلى‬
‫هديهم سار الشريف التلمساني بقوله ‪« :‬اعلم أن المفهوم على قسمين‪ :‬مفهوم‬
‫والمعيار الذي تمخضت عليه هذه القسمة هو الموافقة‬ ‫‪2‬‬
‫الموافقة ومفهوم المخالفة »‬
‫أو المخالفة بين المنطوق و المسكوت عنه إثباتا ونفيا يقول اإليجي ‪« :‬وأما المفهوم‬
‫فينقسم إلى مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة؛ ألن حكم غير المذكور أما موافق لحكم‬
‫المذكور نفيا أو إثباتا أم ال »‪ 3‬؛فإن كان حكم المسكوت عنه موافقا لحكم المنطوق في‬
‫النفي أو اإلثبات يسمى مفهوم الموافقة‪،‬وإن كان يخالفه سمي بمفهوم المخالفة‪.‬‬

‫‪ _3‬مفهوم الموافقة‬

‫‪1_3‬ماهية مفهوم الموافقة ‪:‬‬

‫لقد تقاربت تعريفات األصوليين بالنسبة لمفهوم الموافقة مع وجود اختالف مرده‬
‫اشتراط األولوية أو المساواة في حكم المسكوت عنه‬

‫‪-‬نشر البنود على مراقي السعود ‪ ،‬عبد هللا بن إبراهيم العلوي الشنقيطي ‪ ،‬و ازرة الشؤون الدينية واألوقاف‪.94/1 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ‪ ،‬ص‪.512‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬شرح العضد ‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد اإليجي ‪ ،‬ضبطه ووضع حواشيه فادي نصيف ‪ ،‬طارق يحي ‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪3‬‬

‫العلمية بيروت ‪ ،‬ط‪1420 ،1‬ه‪2000/‬م ‪ ،‬ص‪.255‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مفهوم الموافقة بقوله ‪ «:‬هو ما كان حكم‬ ‫وقد عرف اآلمدي (ت‪)631‬‬
‫المســــكوت عنه موافقا لحكــــم المنـــــــطوق »‪ 1‬أما الجويني فيعرفه بقوله‪ « :‬أما مفهوم‬
‫الموافقة فهو ما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه موافقا للحكم في المنطوق به‬
‫من جهة األولى» ‪ 2‬ويعرفه الغزالي بقوله ‪«: :‬فهم غير المنطوق به من المنطوق‬
‫بداللة سياق الكالم ومقصوده»‪.3‬‬

‫وقريب من تعريف الجويني نجده عند التلمساني بقوله‪ «:‬فمفهوم الموافقة هو أن يعلم‬
‫أن حكم المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق »‪4‬‬

‫وهذه التعريفات تتفق في أن حكم المسكوت عنه داللة غائبة ‪ ،‬مستفادة من داللة‬
‫مذكورة‪.‬والمعنى المتوصل إليه عن طريق هذه الداللة مقصود للمتكلم‪ ،‬وسياق الكالم‬
‫ساعد على إدراكه‪ ،‬وهذا ما يؤكد عليه الغزالي من خالل تعريفه ‪.‬‬

‫إن المسكوت عنه موافق للحكم في المنطوق ؛ لذلك سمي بمفهوم الموافقة‬
‫‪.‬والمعنى المتوصل إليه مدرك عن طريق اللفظ دون الحاجة إلى بحث واجتهاد‪5‬‬

‫وتختلف في عدم اشتراط اآلمدي والغزالي لألولوية في حكم المسكوت عنه ‪،‬أي أن‬
‫حكم المسكوت عنه قد يكون أيضا مساويا للمنطوق في الحكم ‪ ،‬وحجة اآلمدي ومن‬
‫سلك هذا المسلك « بأن من المعلوم قطعا أنه قد يفهم ثبوت حكم المنطوق به‬
‫للمسكوت عنه‪ ،‬مع عدم أولويته بالحكم لفهم المناط دون حاجة لبحث أو اجتهاد »‪6‬‬

‫‪-‬اإلحكام في أصول األحكام ‪ ،‬علي بن محمد اآلمدي ‪.315/2 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬البرهان في أصول الفقه ‪،‬الجويني ‪.166/1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المستصفى من علم األصول ‪،‬أبو حامد الغزالي‪،‬اعتناء د ناجي السويد ‪ ،‬المكتبة العصرية بيروت‪.153/2 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬التلمساني ص ‪.552‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬أثر االختالف في القواعد األصولية في اختالف الفقهاء‪،‬د مصطفى سعيد الخن ‪،‬مؤسسة الرسالة ‪،‬ط‪،3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1402‬ه_‪1982‬م‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪.624/1‬‬ ‫‪-‬تفسير النصوص في الفقه اإلسالمي د محمد أديب صالح ‪ ،‬المكتب اإلسالمي ط‪، 1993_1413 ،1‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أما الجويني و التلمساني فقد اشترطا أولوية المسكوت بالحكم من المنطوق ؛حتى‬
‫يرقى إلى مستواه فتكون األولوية زيادة في المعنى تعوض النقص الموجود في اللفظ‪1‬‬

‫أطلق األصوليون من المتكلمين اصطالحات عدة على مفهوم الموافقة فأطلقوا على‬
‫مفهوم الموافقة األولي تنبيه الخطاب ‪ ،‬وفحوى الخطاب ومفهوم الخطاب‪2‬‬

‫_ويعنون بتنبيه الخطاب أنه يوقف المخاطب على أمر غير مذكور ‪3‬‬

‫_فحوى الخطاب ويراد به ما يفهم من اللفظ على وجه البتة والقطع ‪ 4‬وهذا االسم‬
‫ارتضاه الشريف التلمساني‪5‬‬

‫_ومفهوم الخطاب ويريدون به ما يفهم منه مما لم يتناوله النطق وفهم منه‪6‬‬

‫ويضيف الفتوحي للمصطلحات اآلنفة الذكر لحن الخطاب أي ما الح في أثناء اللفظ‪7‬‬

‫أما إذا كان المسكوت عنه مساويا للمنطوق في الحكم فبعضهم يطلق عليه لحن‬
‫الخطاب ال على المفهوم األولي‪8‬‬

‫بيد أن اآلمدي يطلق على مفهوم الموافقة فحوى الخطاب ومفهوم الخطاب من غير‬
‫وكذلك ابن الحاجب‪ 1‬أما ابن السبكي(ت‪771‬ه) فيطلق فحوى‬ ‫‪9‬‬
‫تمييز بين نوعيه‬

‫‪ -‬األلفاظ والدالالت الوضعية ‪،‬د نذير بوصبع ‪ ،‬دار الوعي للنشر والتوزيع ‪ ،‬ص ‪.373‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬نشر البنود على مراقي السعود‪ ،‬الشنقيطي ‪.95/1،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ ،‬األلفاظ والدالالت الوضعية ‪ ،‬د بشير الكبيسي ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت ‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م_‪1428‬ه ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.50‬‬
‫‪-‬معجم أصول الفقه ‪ ،‬خالد رمضان حسن ‪ ،‬دار الروضة ط‪ ، 1998 ،1‬ص‪.282‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬ينظر مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ‪،‬ص‪.552‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-‬شرح اللمع‪،‬أبو إسحاق الشيرازي‪ ،‬حققه عبد المجيد تركي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪،‬ط‪1404 ،1‬ه_‪1988‬م‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ص‪.424‬‬
‫الزحيلي ‪،‬ود تريد حماد ‪ ،‬مكتبة العبيكان‬ ‫‪ -‬شرح الكوكب المنير ‪ ،‬عبد العزيز الفتوحي ‪،‬تحقيق د محمد‬ ‫‪7‬‬

‫‪1413،‬ه_‪1993‬م‪.481/3،‬‬
‫‪-‬ينظر نشر البنود ‪ ،‬الشنقيطي ‪.96/1‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪-‬ينظر اإلحكام ‪ ،‬اآلمدي ‪.83/3‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الخطاب على األولى ‪،‬بينما يطلق لحن الخطاب على المساوي يقول ‪«:‬فحوى الخطاب‬
‫إن كان أولى ولحنه إن كان مساويا»‪ .2‬أما الغزالي فيسمي األولي بدليل الخطاب وال‬
‫‪3‬‬
‫يصطلح عليه مصطلحا آخ ار ؛ ألن العبرة عنده بالمعني ال باألسماء‬

‫‪4‬‬
‫ويميز الماوردي بين فحوى الخطاب ولحنه من وجهين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ ‪ ،‬واللحن ما الح في أثناء اللفظ‬

‫دل على ما هو أقوى منه واللحن ما دل على مثله‬


‫ثانيهما‪ :‬أن الفحوى ما ّ‬

‫وتعتبر هذه التسميات هي من قبيل « التسميات االصطالحية التي بنى االختالف فيها‬
‫على مقدار ما يرى صاحب االصطالح من انطباق مصطلحه على العربية التي هي لغة‬
‫التشريع »‪. 5‬‬

‫‪ 2-3‬أقسام مفهوم الموافقة‪:‬‬

‫يقسم الشريف التلمساني مفهوم الموافقة إلى قسمين وهما ‪ :‬مفهوم الموافقة‬
‫‪6‬‬
‫الجلي والخفي يوضح ذلك بقوله ‪«:‬واعلم أن مفهوم الموافقة ينقسم إلى جلي وخفي»‬
‫من خالل ما سبق نجد أن تقسيمه هذا يستند إلى معيار الوضوح أو الخفاء في الداللة‬
‫‪ ،‬فإذا كانت داللة الداللة واضحة سمي إذ ذاك بمفهوم الموافقة الجلي ‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫غير واضحة سمي إذ ذاك بالخفي‬

‫‪-‬شرح مختصر المنتهى‪ ،‬عبد الرحمن اإليجي حققه محمد حسن محمد حسن إسماعيل منشورات محمد علي بيضون‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪،‬ط‪1،1424‬ه_‪2004‬م‪.163/3،‬‬


‫‪ -‬الغيث الهامع ‪،‬أبو زرعة أحمد بن عبد الرحمان العراقي ‪،‬تحقيق محمد تامر حجازي ‪ ،‬منشورات محمد علي‬ ‫‪2‬‬

‫بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان‪،‬ط‪1،1425‬ه_‪2004‬م‪ ،‬ص‪.120‬‬


‫‪-‬ينظر المستصفى ‪ ،‬الغزالي ‪.155/2،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬إرشاد الفحول في تحقيق الحق من علم األصول ‪،‬محمد بن علي الشوكاني ‪،‬تحقيق محمد حسن محمد حسن‬ ‫‪4‬‬

‫الشافعي‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪56/1،‬‬
‫إسماعيل ّ‬
‫‪- 5‬تفسير النصوص ‪،‬د محمد أديب صالح ‪.609/1‬‬
‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ص ‪.553‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أ‪-‬مفهوم الموافقة الجلي ‪ :‬ويسميه بعض األصوليين كاآلمدي بالقطعي‪1‬وهو ‪ « :‬إذا‬


‫كان الّتعليل بالمعنى وكونه أشد مناسبة للفرع قطعيين»‪2‬فداللته جلية واضحة سواء‬
‫في المنطوق أو المسكوت عنه فهي ال تحتاج إلى تأويل ولعل التلمساني قد تبع‬
‫أو بالقياس الجلي‬ ‫‪3‬‬
‫اإلمام الشافعي في هذا التقسيم ألنه سمى فحوى الخطاب بالجلي‬
‫ومرد ذلك إلحاق المسكوت بالمنطوق في الحكم الجتماعهما في المقتضى وهذا هو‬
‫القياس ‪4‬؛ أي أن الداللة المنطوق بها هي األصل ‪،‬ويلحق بها داللة مسكوت عنها‬
‫وهي الفرع؛ لوجود جامع بينهما فيتوصل إلى حكم المسكوت عنه ‪ ،‬ومرد جالئه سرعة‬
‫إلى الذهن بمجرد التلفظ بالمنطوق لوجود الجامع‬ ‫تبادر الداللة المسكوت عنها‬
‫‪،‬وألولويتها بالحكم ‪ ،‬أما القطعية في الداللة فاستمدها من حكم المنطوق القطعي‬
‫والذي ألحق به مفهوم موافق يجمع بينهما جامع ال يتخلله االحتمال فبذلك صارت‬
‫الداللة المسكوت عنها أيضا قطعية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ُف َوالَ َتْن َهْرُه َما َوُقل َّل ُه َما َق ْوالً َك ِريما ﴾‬
‫ومثاله قوله تعالى‪َ ﴿ :‬فالَ َتُقل َّل ُه َما أ ٍّّ‬
‫فهذه اآلية يفهم منها معنى قطعي« هو منع األذى وهذا أمر مقطوع به يدركه الجميع‪،‬‬
‫فلما كان المعنى المقصود من تحريم "أف" هو‬
‫والضرب والشتم هما من األذى قطعا ‪ّ ،‬‬
‫‪ :‬األذى حاصل بطريق اليقين والقطع ‪ ،‬ولما كان الضرب متحقق فيه هذا المعنى ؛‬
‫"األذى"كانت داللة المفهوم هنا قطعية »‪ 6‬ال يتخللها احتمال ؛ألن سياق اآلية يبين أن‬
‫تحريم التأفيف مرده دفع األذى عن الوالدين ‪ ،‬وإن األذى متحقق في الشتم والضرب‬

‫‪-‬ينظر ‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام ‪ ،‬اآلمدي‪.87 /3 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-2‬شرح العضد‪ ،‬عبد الرحمن اإليجي ‪ ،‬ضبطه ووضع حواشيه فادي نصيف‪،‬طارق يحي ‪ ،‬منشورات محمد علي‬
‫بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط‪1،1421‬ه_‪2000‬م‪،‬ص‪.256‬‬
‫‪ -‬ينظر اإلبهاج في شرح المنهاج ‪ ،‬علي بن عبد الكافي السبكي‪،‬وولده عبد الوهاب بن علي السبكي‪،‬كتب هوامشه‬ ‫‪3‬‬

‫مجموعة من العلماء‪،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪،‬ط‪14041‬ه_‪1984‬م‪.367 /1 ،‬‬


‫‪-‬روضة الناظر وجنة المناظر ‪ ،‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة ‪ ،‬حققه د شعبان محمد إبراهيم ‪،‬مؤسسة الريان ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫المكتبة التدمرية‪ ،‬المكتبة المكية ط‪.112/2 ،1998/1419 ،1‬‬


‫‪-‬سورة اإلسراء‪ :‬اآلية ‪.23‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬مفاهيم األلفاظ وداللتها عند األصوليين ‪،‬د بشير مهدي الكبيسي‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪، 2007 ،1‬‬ ‫‪6‬‬

‫ص ‪.85‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أكثر من التأفيف‪ 1.‬لذا فالداللة المسكوت عنه المستقاة من الداللة المنطوق بها‬
‫قطعية‪.‬‬

‫وقد يفهم من المنطوق داللة أدنى منه أو أعلى منه ؛وعليه فإن مفهوم الموافقة‬
‫الجلي ينقسم إلى قسمين وهما ‪:‬‬

‫التنبيه باألدنى على األعلى‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫ُف َوالَ َتْن َهْرُه َما َوُقل َّل ُه َما َق ْوالً َك ِريما ﴾‬
‫ومثاله قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬فالَ َتُقل َّل ُه َما أ ٍّّ‬
‫فالنهي عن التأفيف في اآلية يحيل إلى داللة أخرى مسكوت عنها وموافقة لألولى‬
‫وهي«المنع من سائر أنواع اإليذاء» ‪3‬؛ ومن بين أنواع األذى الضرب وهو محرم أيضا‬
‫؛ألن « الشرع إذا حرم التأفيف كان تحريم الضرب أولى »‪ 4‬فاألذى الموجود في‬
‫التأفيف موجود أيضا في الضرب وزيادة‪ ،5‬وهي من قبيل التنبيه باألدنى على األعلى؛‬
‫ألن التلفظ بأف يحمل في طياته معنى األذى أقل من الضرب‪،‬فذكر اللفظ األدنى وهو‬
‫أف لينبه به على أعلى وهو الضرب ‪.‬‬

‫ال َذَّرٍّة َخْي اًر َيَرُه ﴾‪6‬فمثقال َذَّرٍّة في اآلية‬ ‫ِ‬


‫ومنه أيضا قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬ف َمن َي ْع َم ْل م ْثَق َ‬
‫الكريمة تحيل إلى داللة أخرى مسكوت عنها وأعلى من األولى ؛ وهي مثقال فيل ؛أي‬
‫«أنه من يعمل مثقال فيل فأولى أن يراه»‪7‬ويجازى بالثواب عليه ؛ ألنه أكثر بكثير‬
‫ممن عمل مثقال ذرة من خير؛ فنص على األدنى لينبه به على األعلى‪.‬‬

‫‪-‬ينظر اإلحكام ‪ ،‬اآلمدي ‪.87،88/3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬سورة اإلسراء‪:‬اآلية ‪.23‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود األلوسي‪،‬ضبطه‬ ‫‪3‬‬

‫وصححه علي عبد الباري عطية‪،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪،‬ط‪1،1415‬ه_‪1994‬م‪.55/8 ،‬‬
‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ‪ ،‬ص ‪.553‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ ،‬أصول السرخسي ‪ ،‬أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي ‪،‬تحقيق أبو الوفاء األفغاني ‪ ،‬لجنة إحياء المعارف‬ ‫‪5‬‬

‫النعمانية ‪.242/1 ،‬‬


‫‪-‬سورة الزلزلة‪ :‬اآلية ‪.07‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ص ‪.553‬‬
‫‪96‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ينار الَّ ُي َؤِّد ِه ِإَلْي َك ﴾‪1‬فالداللة األولى‬


‫امْنهُ ِب ِد ٍّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ومثاله قوله تعالى ‪ِ َ :‬‬
‫﴿ومْن ُهم َّمن ان َت َ‬
‫المنطوق أن فريقا من أهل الكتاب يتصف بالخيانة حتى أنه لو اؤتمن على دينار ال‬
‫يؤده إلى من ائتمنه ‪2‬ويفهم من هذا داللة أخرى موافقة لألولى ‪،‬أي«من كان ال يؤدي‬
‫الدينار فأحرى أن ال يؤدي القنطار»‪ 3‬من باب أولى ألنه أكثر منه بكثير‪ ،‬فعدم أمانته‬
‫في الدينار تحيل إلى عدم أمانته في القنطار‪ ،‬وهذا من باب التنبيه باألدنى على‬
‫األعلى ؛ ففي اآلية نص على الدينار الذي هو أدنى وتنبيه على القنطار الذي هو‬
‫أعلى‪.‬‬

‫من خالل النصوص القرآنية السابقة يحيل اللفظ أو البنية إلى معنيين معنى ملفوظ‬
‫‪،‬واآلخر مسكوت عنه ويستطيع الذهن االنصراف من الداللة المنطوقة إلى المسكوتة‬
‫؛لوجود اتصال عالئقي بين هذه الداللتين ‪ ،‬وهي تبين بذلك قدرة النظام اللغوي على‬
‫اختزال معاني كثيرة في عناصر لغوية محدودة‪4‬كما أن النصوص السابقة نصت على‬
‫األدنى ونبهت على األعلى‪،‬وهذا الحكم اقتضاه األعلى من باب أولى‪ ،‬وانتقل الذهن من‬
‫الداللة المنطوقة إلى الداللة المسكوت عنها عن طريق الموافقة بين المعنيين‪.‬‬

‫‪ -‬التنبيه باألعلى على األدنى ‪:‬‬

‫نطار ُي َؤِّد ِه ِإَلْي َك‬


‫امْن ُه ِب ِق ٍّ‬ ‫ومنه أيضا قوله تعالى ‪ ﴿ :‬و ِمن أ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َهل الك َتاب َمن ان َت َ‬
‫َ ْ ْ‬
‫﴾‪5‬فالمعنى المنطوق في اآلية‬

‫الكريمة اتصاف فريق من أهل الكتاب باألمانة إلى حد لو اؤتمن على قنطار فإنه‬
‫يؤديه‪ 1‬وهذا المعنى يفهم منه معنى آخر ؛ وهو تأديتهم لما هو أقل من القنطار «‬

‫‪-‬سورة آل عمران‪ :‬اآلية ‪.75‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مفهوم النص عند األصوليين مع التطبيقات الفقهية‪ ،‬عقيل رزاق نعمان السلطاني‪( ،‬رسالة دكتوراه مخطوط )‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫جامعة الكوفة ‪1431 ،‬ه‪،‬ص‪.76‬‬


‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ص‪.573‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬ينظر ‪ ،‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ ،‬منقور عبد الجليل ‪ ،‬منشورات اتحاد الكتب دمشق‪2001 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪-‬سورة آل عمران ‪ :‬اآلية‪.75‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫فمن كان يؤدي القنطار إذا اؤتمن عليه فأداؤه للدينار من باب أولى »‪ 2‬ألن أمانته في‬
‫القنطار تحيل إلى أمانته في الدينار‪ ،‬وهذا من قبيل التنبيه باألعلى على األدنى‬
‫؛فالمعنى الثاني المسكوت عنه هو أقل درجة من المصرح به وفهم المعنى الثاني عن‬
‫طريق مفهوم الموافقة‪ ،‬فالنص القرآني نص على القنطار ونبه على الدينار ‪.‬‬

‫ب‪-‬مفهوم الموافقة الخفي‪:‬‬


‫‪3‬‬
‫وهذا النوع من مفهوم الموافقة يتخلله الظن «وهو ما فيه احتمال مع الظهور »‬
‫فهو إذن يقابل مفهوم الموافقة الجلي فداللته بذلك ليس قطعية ‪ ،‬ومثاله قوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪« :‬من نام عن صالة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»‪4‬فالحديث يحمل‬
‫داللة قضاء الصالة من طرف اإلنسان الساهي أو النائم ويحيل إلى داللة أخرى موافقة‬
‫أال وهي ؛ أولوية قضاء الصالة من طرف تاركها عمدا يوضح التلمساني هذا بقوله‬
‫‪«:‬فإذا كان النائم والساهي يقضيان الصالة وهما غير مخاطبين فألن يقضيها العامد‬
‫وهذه الداللة خفية ؛ألن الحديث وإن دل عن طريق الموافقة على وجوب‬ ‫‪5‬‬
‫أولى»‬
‫قضاء صالة العامد ألنه أولى بأن يأثم على تفريطه‪ ،‬إال أنها ليست قطعية ؛ ألن‬
‫قضاء الصالة بالنسبة للساهي أو النائم مرده جبر هذه الصالة ‪ ،‬وحينئذ ال يلزم‬
‫وجوب قضاء الصالة على تاركها عمدا ؛ ألن العمد فوق النسيان والنوم‪ ،‬إذن ال يترتب‬
‫عن ذلك من كون القضاء يجبر صالة الساهي والنائم ‪،‬كذلك يجبر صالة تاركها متعمدا‬
‫يقول التلمساني ‪ «:‬وإن كان خفيا ألن لمانع أن يمنع األولوية بان يقول ال يلزم من‬

‫‪-‬مفهوم النص عند األصوليين ‪ ،‬عقيل رزاق ‪،‬ص‪.573‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ص‪.553‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ينظر‪ ،‬البحر المحيط ‪ ،‬الزركشي‪ ،‬راحعه د عبد الستار أبو غدة ‪ ،‬د محمد سليمان األشقر ‪،‬و ازرة الشؤون‬ ‫‪3‬‬

‫اإلسالمية واألوقاف ‪.9/4 ،‬‬


‫‪-‬ورد في صحيح مسلم بالصيغة اآلتية عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪«:‬من نسي‬ ‫‪4‬‬

‫صالة أو نام عنها فكفارتها أن يصلها إذا ذكرها »صحيح مسلم ‪ ،‬أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪،‬‬
‫تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬دار أحياء الكتب العلمية ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1412 ،‬ه‪1991 /‬م‪.477/1 ،‬‬
‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ‪ ،‬ص‪.554‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قضاء صالة النائم والساهي قضاء صالة العامد ألن القضاء جبر ‪ ،‬ولعل صالة العامد‬
‫‪1‬‬
‫أعظم من أن تجبر»‬

‫ان لِمؤ ِم ٍّن أَن َي ْقُت َل م ْؤ ِمناً ِإالَّ‬


‫ُ‬ ‫وبين مفهوم الموافقة الخفي في قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬و َما َك َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن‬ ‫َهله إِالَّ أ ْ‬ ‫طأً َو َمن َقَت َل ُم ْؤ ِمناً َخ َطأً َف َت ْح ِر ُير َرَقَب ٍّة ُم ْؤ ِمَن ٍّة َوِدَّي ٌة ُّم َسَّل َم ٌة ِإَلى أ ْ‬
‫َخ َ‬
‫‪3‬‬
‫َّي َّصَّد ُقوا﴾‪2‬فالداللة المنطوق بها في هذه اآلية هي وجوب الكفارة على القاتل المخطئ‬
‫وتستل منها داللة أخرى موافقة وخفية وهي وجوب الكفارة على القاتل المتعمد وذلك‬
‫من باب أولى؛ ألن المتعمد يتبؤ مكانة أعلى من المخطئ يقول التلمساني ‪«:‬وكذلك‬
‫قول الشافعية في قاتل النفس عمدا أنه تجب عليه الكفارة؛ ألنها لما وجبت على‬
‫القاتل خطأ كان وجوبها على القاتل عمدا أولى »‪4‬ووجه الخفاء في هذه الداللة نابع‬
‫من وجوب الكفارة على المخطئ مفاده تكفير ذنبه؛ لذلك سميت بالكفارة‪ ،‬بينما جناية‬
‫المتعمد فوق جناية المخطئ ‪،‬وعند ذلك فال يلزم من كون الكفارة رافعة لإلثم الجنايتين‬
‫لذا فإثبات الحكم للمسكوت عن طريق مفهوم الموافقة في‬ ‫‪5‬‬
‫أن تكون رافعة إلثم أعلى‬
‫هذه الحالة يتخلله الظن واالحتمال‪.‬‬

‫هذا النوع من الداللة صورة واحدة؛ أال وهي التنبيه باألدنى على‬ ‫ويتصور التزام‬
‫من األمثلة يتضح ذلك ومثاله أيضا قوله تعالى ‪﴿ :‬وَل ِكن ُّي َؤ ِ‬
‫اخ ُذ ُكم‬ ‫األعلى ومما سبق‬
‫َ‬
‫﴾‪6‬فالداللة المنطوق بها في هذه اآلية هي أن الحالف مؤاخذ إذا‬ ‫ان‬
‫يم َ‬ ‫ِب َما َعَّق ُ‬
‫دت ُم االَ َ‬
‫مما يعني وجوب الكفارة عليه ليكفر عن يمينه‬ ‫‪7‬‬
‫أتى باليمين‪ ،‬ولم يلغه بالكفارة‬
‫واستقى الشافعية من هذه الداللة داللة غائبة موافقة لألولى ؛أال وهي وجوبها على‬

‫‪-‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.555‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪.92‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ينظر أحكام القرآن الصغرى ‪ ،‬أبو بكر محمد بن عبد هللا ابن العربي المالكي ‪،‬تحقيق أحمد فريدي المزيدي ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫منشورات محمد علي بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه_‪2006‬م ‪،‬ص‪.155‬‬
‫‪-‬مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ‪ ،‬ص‪.554،555‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬اإلحكام ‪ ،‬اآلمدي‪.88/3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-‬اآلية ‪ 89‬سورة المائدة‬ ‫‪6‬‬

‫‪-‬ينظر الجامع ألحكام القرآن ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي تحقيق د عبد هللا بن عبد المحسن‬ ‫‪7‬‬

‫التركي ‪،‬بمشاركة محمد رضوان عرقسوسي‪ ،‬ماهر حبوش‪،‬مؤسسة الرسالة ط‪، 1‬ه‪2006_1428‬م ‪.222/8،‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫من حلف باليمين الغموس‪،‬ألن الكفارة إذا شرعت حيث ال يأثم الحالف فألن تشرع‬
‫‪1‬‬
‫حيث يأثم أولى‪.‬‬

‫ووجه الخفاء في هذه الداللة إلمكان أن تكون الكفارة الواجبة على الحالف يمينا‬
‫منعقدة مردها تدارك التهاون والتفريط الذي بدر منه ‪،‬ال للزجر ورفع المؤاخذة‪ 2‬لهذا‬
‫وجوبها على الحالف يمينا منعقدة ال يستوجب وجوبها على الحالف يمينا غموسا‪.‬‬

‫‪-‬ينظر مفتاح الوصول ‪ ،‬الشريف التلمساني ص‪.554‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬تفسير النصوص ‪ ،‬محمد أديب صالح ‪.629/1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫_ينظر التلمساني إلى المفهوم على أنه ما يشعر به المنطوق‪ ،‬لذا فهو يعتبره مدلوال ال‬
‫داللة ‪ .‬متبعا في ذلك الجويني و اآلمدي‪ ،‬ومخالفا البن الحاجب ‪.‬‬

‫_يعتبر التلمساني مفهوم الموافقة هو داللة اللفظ المنطوق به على ثبوت حكمه‬
‫للمسكوت ‪،‬شرط أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق‪.‬‬

‫_اشترط الشريف التلمساني في مفهوم الموافقة األولوية في حكم المسكوت عنه‬


‫متبعا في ذلك الجويني ‪ ،‬لذا انحصر مفهوم الموافقة عنده من هذا المنطلق في نوع‬
‫واحد وهو مفهوم الموافقة األولي‪.‬‬

‫_قسم مفهوم الموافقة حسب الداللة المثبتة للمسكوت إلى مفهوم موافقة جلي وخفي‬
‫‪ ،‬فالجلي يثبت داللة قطعية للمسكوت‪ ،‬بينما الخفي يثبت له داللة ظنية يتخللها‬
‫االحتمال ‪.‬‬

‫_ يندرج ضمن مفهوم الموافقة الجلي التنبيه باألدنى على األعلى‪ ،‬والتنبيه باألعلى‬
‫على األدنى بينما الخفي يندرج ضمنه التنبيه باألدنى على األعلى فقط‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫القران الكريم برواية ورش‬

‫‪ )1‬اإلبهاج في شرح المنهاج ‪ ،‬علي بن عبد الكافي السبكي‪،‬وولده عبد الوهاب‬


‫بن علي السبكي‪،‬كتب هوامشه مجموعة من العلماء‪،‬دار الكتب العلمية بيروت‬
‫لبنان ‪،‬ط‪14041‬ه_‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ )2‬أحكام القرآن الصغرى ‪ ،‬أبو بكر محمد بن عبد هللا ابن العربي المالكي‬
‫‪،‬تحقيق أحمد فريدي المزيدي ‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه_‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ )3‬اإلحكام في أصول األحكام ‪ ،‬علي بن محمد اآلمدي ‪ ،‬علق عليه الشيخ عبد‬
‫الرزاق عفيفي ‪ ،‬دار الصميعي للنشر والتوزيع ‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه ‪2003 /‬م‪.‬‬
‫‪ )4‬األلفاظ والدالالت الوضعية ‪،‬د نذير بوصبع ‪ ، ،‬دار الوعي للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ )5‬أصول السرخسي ‪ ،‬أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي‪ ،‬تحقيق أبو الوفاء‬
‫األفغاني ‪ ،‬لجنة إحياء المعارف النعمانية‪.‬‬
‫‪ )6‬إرشاد الفحول في تحقيق الحق من علم األصول ‪،‬محمد بن علي الشوكاني‬
‫الشافعي‪ ،‬منشورات محمد علي‬
‫‪،‬تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل ّ‬
‫بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ )7‬أثر االختالف في القواعد األصولية في اختالف الفقهاء‪،‬د مصطفى سعيد‬
‫الخن ‪،‬مؤسسة الرسالة ‪،‬ط‪1402 ،3‬ه_‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ )8‬البدر الطالع شرح جمع الجوامع ‪،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد المحلي‬
‫الشافعي ‪،‬شرح وتحقيق أبي الفداء مرتضى علي بن محمد المحمدي‬
‫الداغستاني‪،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪،‬ط‪1،1426‬ه_‪2005‬م‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ )9‬البحر المحيط ‪ ،‬الزركشي‪ ،‬راحعه د عبد الستار أبو غدة ‪ ،‬د محمد سليمان‬
‫األشقر ‪،‬وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف‪.‬‬
‫‪ )10‬البحث الداللي عند األصوليين قراءة في مقصدية الخطاب عند الشوكاني ‪ ،‬د‬
‫إدريس بن خويا ‪ ،‬مطبعة بن سالم األغواط ‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ )11‬البرهان في أصول الفقه ‪ ،‬أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا الجويني‬
‫(ت‪ ،)487‬علق عليه وأخرج حواشيه صالح بن محمد عويضة ‪ ،،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1997_1418‬‬
‫‪ )12‬الجامع ألحكام القرآن ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ‪،‬‬
‫تحقيق د عبد هللا بن عبد المحسن التركي ‪،‬بمشاركة محمد رضوان عرقسوسي‪،‬‬
‫ماهر حبوش‪،‬مؤسسة الرسالة ط‪، 1‬ه‪2006_1428‬م‪.‬‬
‫‪ )13‬الدالالت اللفظية وأثرها في استنباط األحكام من القرآن الكريم ‪ ،‬د علي حسن‬
‫الطويل ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية ‪ ،‬ط‪.2006/1427 ،1‬‬
‫‪ )14‬لسان العرب ‪ ،‬ابن منظور ‪ ،‬علق عليه علي شبري ‪ ،‬دار أحياء التراث‬
‫العربي ‪ ،‬ط‪.1988 ،1‬‬
‫‪ )15‬محاضرات في أصول الفقه ‪ ،‬تقرير لبحث أبي القاسم الموسوى الخوئي ‪،‬‬
‫محمد إسحاق الفياض ‪ ،‬مؤسسة أنصار يان للطباعة والّنشر ط‪1217 4‬ه‪.‬‬
‫‪ )16‬المستصفى من علم األصول ‪،‬أبو حامد الغزالي‪،‬اعتناء د ناجي السويد ‪،‬‬
‫المكتبة العصرية بيروت‪.‬‬
‫‪ )17‬معجم أعالم الجزائر‪ ،‬عادل نويهض ‪ ،‬مؤسسة نويهض‬
‫الثقافي‪،‬ط‪1980/2،1400‬م‬
‫‪ )18‬معجم أصول الفقه ‪ ،‬خالد رمضان حسن ‪ ،‬دار الروضة ط‪.1998. ،1‬‬
‫‪ )19‬مفاهيم األلفاظ وداللتها عند األصوليين ‪ ،‬د بشير مهدي الكبيسي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪.2007 ،1‬‬
‫‪103‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ )20‬مفهوم النص عند األصوليين مع التطبيقات الفقهية‪ ،‬عقيل رزاق نعمان‬


‫السلطاني‪( ،‬رسالة دكتوراه مخطوط )‪ ،‬جامعة الكوفة ‪1431 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ )21‬مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على األصول ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد‬
‫الحسني التلمساني ‪ ،‬دراسة وتحقيق محمد علي فركوس ‪ ، ،‬مؤسسة الريان ط‪،1‬‬
‫‪1424‬ه‪2003 /‬م ‪.‬‬
‫‪ )22‬نشر البنود على مراقي السعود ‪ ،‬عبد هللا بن إبراهيم العلوي الشنقيطي ‪،‬‬
‫وزارة الشؤون الدينية واألوقاف‪.‬‬
‫‪ )23‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ ،‬منقور عبد الجليل ‪ ،‬منشورات‬
‫اتحاد الكتب دمشق‪.2001 ،‬‬
‫‪ )24‬صحيح مسلم ‪ ،‬أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬دار أحياء الكتب العلمية ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1412 ،‬ه‪/‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ )25‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬أبو الفضل شهاب‬
‫الدين السيد محمود األلوسي‪،‬ضبطه وصححه علي عبد الباري عطية‪،‬دار الكتب‬
‫العلمية بيروت لبنان ‪،‬ط‪1415، 1‬ه_‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ )26‬روضة الناظر وجنة المناظر ‪ ،‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة ‪ ،‬حققه د شعبان‬
‫محمد إبراهيم ‪،‬مؤسسة الريان ‪ ،‬المكتبة التدمرية‪ ،‬المكتبة المكية ط‪،1‬‬
‫‪.1998/1419‬‬
‫‪ )27‬رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب ‪ ،‬أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن‬
‫عبد الكافي السبكي (ت‪ )771‬تحقيق وتعليق ودراسة الشيخ علي محمد معوض‬
‫والشيخ عادل عبد الموجود ‪ ،‬عالم الكتب للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ )28‬شرح الكوكب المنير ‪ ،‬عبد العزيز الفتوحي ‪،‬تحقيق د محمد الزحيلي ‪،‬ود‬
‫تريد حماد ‪ ،‬مكتبة العبيكان ‪1413،‬ه_‪1993‬م‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ )29‬شرح اللمع‪،‬أبو إسحاق الشيرازي‪ ،‬حققه عبد المجيد تركي‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي ‪،‬ط‪1404 ،1‬ه_‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ )30‬شرح العضد‪ ،‬عبد الرحمن اإليجي ‪ ،‬ضبطه ووضع حواشيه فادي‬
‫نصيف‪،‬طارق يحي ‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون ‪،‬دار الكتب العلمية بيروت‬
‫لبنان ط‪1،1421‬ه_‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ )31‬شرح مختصر المنتهى‪ ،‬عبد الرحمن اإليجي حققه محمد حسن محمد حسن‬
‫إسماعيل منشورات محمد علي بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان‬
‫‪،‬ط‪1،1424‬ه_‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ )32‬شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في األصول‪،‬أبو العباس أحمد بن‬
‫إدريس القرافي‪،‬شركة الطباعة الفنية المتحدة‪،‬ط‪1،1393‬ه_‪1973‬م‪.‬‬
‫‪ )33‬تفسير البغوي ‪ ،‬معالم التنزيل ‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي‪ ،‬حققه‬
‫وخرج أحاديثه محمد عبد هللا النمر وآخرون ‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع ‪.1411‬‬
‫‪ )34‬تفسير النصوص في الفقه اإلسالمي د محمد أديب صالح ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‬
‫ط‪.1993_1413 ،1‬‬
‫‪ )35‬الغيث الهامع ‪،‬أبو زرعة أحمد بن عبد الرحمان العراقي ‪،‬تحقيق محمد تامر‬
‫حجازي ‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‬
‫لبنان‪،‬ط‪1،1425‬ه_‪2004‬م‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تجليات الداللة السياقية في تفسير كتاب هللا العزيز لهود بن محكم‬


‫الهواري األوراسي‬

‫بحيدة عبد العزيز‪ ،‬طالب دكتوراه لغة وأدب عربي‪ ،‬جامعة أدرار‬
‫• البريد اإللكتروني‪azizbh1990@gmail.com :‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫تهتم هذه الدراسة بأساس معرفة عالقة السياق و داللته ‪ ،‬ومحاولة إبراز‬
‫عالقة الداللة بذلك ‪ ،‬جاعال من تفسير كتاب هللا العزيز للشيخ هود بن‬
‫محكم الهواري األوراسي الجزائري أنموذجا تطبيقيا لمعرفة تجليات ذلك‪ ،‬و‬
‫إسقاطات نظرية الداللة السياقية عنده من خالل تقسيمات علماء اللغة‬
‫المحدثون السياق إلى ‪ :‬سياق لغوي ‪ ،‬وعاطفي ‪ ،‬وثقافي ‪ ،‬وسياق الموقف ‪،‬‬
‫ممثال لهذه األقسام السياقية مما اعتمده المفسر في تفسيره من إبراز للمعاني‬
‫و الدالالت المختلفة للنص القرآني ‪ ،‬مشي ار إلى أصالة وباكورة قضية‬
‫السياق ونظريته في الدرس اللغوي قديما وحديثا‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الداللة ; السياق ; تفسير كتاب هللا ;هود بن محكم‬


‫الهواري األوراسي‪.‬‬

‫‪106‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:
This study is concerned with the basis of knowledge of the
relationship of the context and its significance, and try to highlight
the relationship of significance, making the interpretation of the
book of God Almighty Sheikh HUD BIN MOHKAM HOUARI
EURASIAN The Algerian model applied to know the
manifestations of it, and projections of the theory of contextual
significance to him through the division of modern linguists
context to: Linguistic, emotional, cultural, and context context,
representing these contextual sections, which the interpreter
adopted in his interpretation of highlighting the different meanings
and meanings of the Qur'anic text, referring to the originality and
the origin of the context and its theory in the linguistic lesson.
Mots clés: Significance; Context ; Interpretation of the Book of
God; HUD BIN MOHKAM HOUARI EURASIAN.

107
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تشكل المفردة القرآنية المرجع المعرفي الذي يتوخى منها الوصول إلى المعنى المراد‬
‫منها ضمن سياقاتها الواردة فيها ‪ ،‬و يتأكد األمر في كالم رب العالمين‪ ،‬لدى نجد أن‬
‫أولى ما عني به أهل اللغة و التفسير فقه مسالة السياق‪ ،‬و أثرها في فهم داللة‬
‫و تتبع داللتها في اإلطار الكلي‬ ‫النص القرآني‪ ،‬والوقوق عند تحقيق المفردات‪،‬‬
‫المتكامل لبنية المعنى‪ ،‬ومن ثمة كان للمفردة في القرآن دورها المحوري في بنيته بتلك‬
‫السياقات المتعددة‪ ،‬وبالرغم من ما تتمتع به من حيوية داللية‪ ،‬إال أن هذه الداللة‬
‫ليست مانعا أن ترد بسياقات مختلفة عن باقي السياقات‪ ،‬وهذا عامل مساهم في‬
‫استجالء المعنى و توضيحه‪ ،‬باعتبار أن المفردة القرآنية ذات مدلول واضح بحيث‬
‫تعتبر معه مصطلحا له شكله و مضمونه ‪ ،‬وفي الوقت نفسه يؤدي تكرارها إلى احتمال‬
‫معاني جديدة بالنسبة للسياق الواردة فيه‪ ،‬وعليه فان لها دو ار أساسيا بتعدد مواضعها‬
‫‪ ،‬واعتمادا على هذا فان المفردة بسياقتها المتنوعة تنبثق عنها معاني‬ ‫‪1‬‬
‫وتكرارها‬
‫خادمة للمعنى ويمنحها ذلك توجيها دالليا للمعاني القرآنية ‪ ،‬ولن يتأتى هذا إال بضبط‬
‫السياق وحده‪ ،‬ومن هذا تتجلى أهمية المفردة القرآنية وسياقاتها المتعددة في فهم‬
‫داللة نص كالم هللا ‪.‬‬

‫باعتبار ان أي فهم على غير الصواب من حيث المفردة و معانيها‪ ،‬يؤدي حتما‬
‫إلى القصور في فهم مقصدية وداللة النص القرآني المنزه‪ ،‬أو الميل والعدول عن‬
‫توجه الشارع الحكيم في تبيان األحكام‪ ،‬ولربما شكل لك خط ار على مستويات عدة ‪.‬‬

‫ولقد شغلت مسالة الداللة و السياق بال أئمة اللغة‪ ،‬و أرباب البالغة ‪،‬‬
‫وسيطرت على ساحة فكر المفسرين‪ ،‬فأخذت حي از واسعا من التنظير و التضييق منذ‬
‫القدم‪ ،‬وال غرابة في ذلك إذا وجدنا أن العرب قد اعتنوا بإصالح ألفاظهم و تهذيبها‬
‫لما له من رفعة‬ ‫‪2‬‬
‫‪ ،‬فالمعنى أقوى عندهم و أكرم عليها و أفخم قد ار في نفوسها‬
‫ومكانة في بيان القصد من الخطاب عموما ‪.‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ :‬وجوه من اإلعجاز القرآني ‪ ،‬مصطفى الدباغ ‪ ،‬مكتبة المنار الزرقاء ‪ ،‬ط ‪ . 1985 ، 2‬ص ‪. 28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ :‬الخصائص ‪ ،‬ابن جني ‪،‬تح محمد علي النجاردار الكتاب العربي بيرو لبنان ج‪،1‬ص‪280:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وفي صدد بيان معاني مفردات القرآن وسياقاتها ‪ ،‬وتحقيق المفردات و االلفاظ‬
‫كان الراغب االصفهاني أول الداعين إلى نظرية المفردة القرآنية و سياقها‪ ،‬حين قال ‪:‬‬
‫" ا ن اول ما يحتاج ان يتشغل به من علوم القرآن ‪ ،‬العلوم اللفظية ‪ ،‬ومن العلوم‬
‫اللفظية ‪ ،‬تحقيق األلفاظ المفردة ‪ ،‬فتحصل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه‬
‫من أوائل المعاون لمن يرد ان يدرك معانيه ‪ ،‬كتحصيل اللبن في كونه من اول‬
‫المعاون في بناء ما يريد ان يبنيه ‪ ،‬وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط " ‪ ،1‬ومما‬
‫يدرك من كالم الراغب ان فهم دالالت مفردات القرآن و سياقها يتعدى في األثر‬
‫النص القرآني إلى ما سواه من العلوم ‪ ،‬وان مسالة تحقيق المفردات ومعرفة سياقاتها‬
‫هي الضابط العام في معرفة إبهام كل قصد وخطاب ‪ ،‬ولهذا ارتأيت ان أقف عند هذه‬
‫المسالة في مقالي المتواضع ‪ ،‬محاوال ان ابين بعض تجليات السياق و دالالته عند‬
‫المفسرين ‪ ،‬مخي ار تفسير كتاب هللا العزيز للشيخ هود بن محكم نموذجا لذلك ‪.‬‬

‫وفي البداية أعرب عن منهجي في هذا المقال حيث خصصت جزء منه للتعريف و‬
‫الترجمة المختصرة لهود بن محكم الهواري االوراسي‪ ،‬ثم التعريف بتفسيره‪ ،‬ثم فصلت‬
‫الكالم على مباحث داللة السياق و تجليات ذلك عنده ‪.‬‬

‫‪ )1‬ترجمة المفسر الشيخ هود بن محكم الهواري االوراسي ‪:‬‬


‫أحاول من خالل هذه الترجمة المختصرة ان أبين من يكون الشيخ هود بن محكم‬
‫‪ ،‬وان كان األصل في ذلك أن كتب التاريخ التي بين أيدينا لم تزودنا بقدر كاف عنه‬
‫‪ ،‬وعن حياته‪ ،‬و سيرته عموما‪ ،‬إال بعض اإلشارات المتناثرة في كتب السير و‬
‫التراجم و الطبقات ‪ ،‬األمر الذي جعل اللبس و الغموض قائما عن معالم حياة‬
‫الشيخ هود بن محكم ‪.‬‬
‫وعليه أقول انه الشيخ المفسر هودبن محكم الهواري األوراسي الجزائري‪،‬‬
‫يصل امتداده لقبيلة هوارة‪،‬يذكر في علماء ومفسري القرن الثالث هجري ‪ ،‬إننا ال‬
‫نعلم بالضبط و التحديد متى ولد الشيخ هود بن محكم ‪ ،‬ومن غير الجزم بذلك‬

‫‪ -‬المفردات في غريب القران‪ :،‬الراغب االصفهاني‪،‬تح‪:‬محمد خليل عيتاني‪،‬دار المعرفة‪،‬بيرو لبنان‪ ،‬ط‪ ،3‬ج ‪ 1‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 06‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ ،‬واختلف‬ ‫‪1‬‬ ‫يقدر ان والدته كانت في العقد األول أو الثاني من القرن الثالث الهجري‬
‫أيضا في سنة وفاته ‪ ،‬فلم تشر المصادر إلى ذلك ‪ ،‬شانها شان والدته ‪ ،‬و الذي‬
‫يظهر أنها كانت في العقد الثامن أو التاسع من القرن الثالث الهجري ‪ ،‬أي حوالي‬
‫سنة ثمانين ومائتين استنادا لما ذكره المؤرخون و أهل السير مجمعين بذلك على‬
‫انه مصنف ضمن علماء الطبقة السادسة ( ‪ 300-250‬هـ) ‪ ،‬وتزامن ذلك تاريخيا‬
‫‪ ،‬أي في تلك الحقبة المزامنة لذلك‪ ،‬و بداية القرن‬ ‫‪2‬‬
‫مع نهاية الدولة الرستمية‬
‫الرابع تقدي ار ال تحديدا‪.‬‬
‫نشأ الشيخ هود بن محكم في قبيلة هوارة البربرية المنتسبة إلى هوار بت‬
‫اوريغ بن برنس ‪.3‬‬
‫أما عن مكانته العلمية فيقول محقق تفسيره األستاذ بالحاج بن سعيد شريفي ‪ " :‬إن‬
‫المصادر التي بين أيدينا لم تمدنا بكثير من األخبار عن مكانته العلمية ‪ ،‬سواء في‬
‫فترة صباه ‪ ،‬أو شبابه ‪ ،‬أو شيخوخته ‪ ،‬ولكن الذي يبدو انه قد أخد العلم في‬
‫طفولته عن والده بعد حفظه لكتاب هللا تعالى ‪ ،‬وانه قد تفقه في مجالس العلم و‬
‫حلقات الدرس التي كانت تعقد بالمساجد في القرى الجبلية ‪ ،‬أما عن فترة شبابه‬
‫فمن المؤكد أن الشيخ هود بن محكم قد ترك قبيلته هوارة منشغال بطلبه للعلم من‬
‫المراكز العلمية المنتشرة آنداك ‪،‬و المشعة بأنواع المعرفة و بالعلوم الدينية ‪،‬‬
‫ومما ال شك فيه أن هذه المراكز كانت دافعا وحاف از للشيخ هود بن محكم في شده‬
‫للرحال وطلبه للعلم ‪ ،‬األمر الذي يرجح من وراءه زيارته لهذه المراكز العلمية‪،‬‬
‫ومهما يكن ا ألمر فانه استقر أخي ار بموطنه األول بعد تضلعه في العلم‪ ،‬واتساع‬
‫معرفته‪،‬وعلمه‪ ،‬جاعال من منطقة أوراس محط أنظار المتعلمين قاصدين إياه‬
‫لالقتباس من علمه وأخالقه وتجاربه ‪.‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ :‬تفسيركاب هللا العزيز‪،‬الشيخ هود بن محكم ‪ ،‬مقدمة المحقق دار البصاءرللنشروالوزيع‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪. 13‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ :‬الفهرس الشامل للتراث العربي اإلسالمي ا لمخطوط ‪ ،‬المجمع الملكي للبحوث الحضارة اإلسالمية ‪ :‬ج ‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ -‬هو هوار بن اوريغ بن برنس بن بر بن قيس بن عيالن‪ ،‬ينظر‪ :‬جمهرة انساب العرب ‪ ،‬ابن حزم االندلسي‪ ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪. 495‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫يقول اإلمام أحمد بن سعيد الشماخي فيمن قصدهم الناس للتعلم ‪ " :‬ومنهم هود‬
‫بن محكم الهواري ‪،‬و هو عالم متفنن غائص ‪ ،‬وهو صاحب التفسير المعروف ‪،‬‬
‫وهو كتاب جليل في تفسير كالم هللا ‪،‬لم يتعرض فيه للنحو و اإلعراب ‪ ،‬بل على‬
‫طريقة المتقدمين"‪ ، 1‬ومما سبق ذكره يتضح إن لهود بن محكم مكانة عالية رفيعة‬
‫بين قومه وبين أهل زمانه و قبيلته و القبائل المجاورة لقبيلته في عصره ‪.‬‬
‫‪ )2‬التعريف بتفسير كتاب هللا العزيز للشيخ هود بن محكم ‪:‬‬

‫إن أهم مؤلف اشتهر به الشيخ هود بن محكم هو تفسيره الموسوم ب ‪ :‬تفسير‬
‫كتاب هللا العزيز ‪ ،‬وهو مؤلف جامع لتراث اإلباضية باعتبار إن عقيدة الشيخ هود‬
‫بن محكم متصلة بذلك ‪ ،‬جمعه وصنفه في القرن الثالث هجري ‪ ،‬فسر فيه كالم‬
‫رب العالمين ‪ ،‬واقدم إشارة إلى تفسيره باسمه‪ ،‬وردت في كتاب السيرة و أخبار‬
‫األئمة ألبي زكرياء بقول مفاده ان ثمة تفسير لهود بن محكم ‪ ،‬مر عليه وقتا من‬
‫الزمن لم يعرف إال بفضل هذه اإلشارة من أبي زكرياء‪ ،‬ولقد أشار محقق التفسير‬
‫األستاذ بالحاج بن سيعد شريفي إلى ذلك في مقدمة تحقيقه حيث قال ‪ " :‬لقد‬
‫بحثت في اغلب المصادر اإلباضية التي وصلتنا حتى اآلن ‪ ،‬وقارنت بينها ‪،‬‬
‫فوجدت أن أقدم مصدر أشار إلى تفسير الشيخ هود الهواري هو كتاب السيرة و‬
‫أخبار األئمة ألبي زكرياء ‪ ،‬هذا ما جاء فيه ‪ :‬وذكر ان رجلين اختصما على‬
‫تفسير هود بن محكم الهواري حتى بلغ تشاجرهما قبيلتهما‪ ،‬وكادت الحرب تقوم‬
‫بينهما ‪ ،‬وتصاف الفريقان وكاد الشر يقع بينهم ‪ ،‬فلما رأى ذلك ابو محمد جمال‬
‫‪2‬نزع المصحف من بينهم أي ‪ :‬الفريقين المتنازعين عليه‪ ،‬فقسمه نصفين ‪،‬‬
‫فوافق قرطاسا بين النصفين لم يكتب ‪،‬و أعطى لكل نصفا و زال الشر ‪ ، 3‬ومن‬
‫هذا السرد تتجلى مكانة و قيمة التفسير في ذلك العصر و ال زال إلى يومنا هذا‬
‫يحظى بمكانة لدى أهله ‪.‬‬

‫‪-‬كتاب السير ‪ ،‬أحمد بن سعيد الشماخي ‪،.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬هو ابو محمد جمال الدين المديوني من علماء النصف االول من القرن الرابع الهجري‪،‬ينظر‪:‬كتاب‬ ‫‪2‬‬

‫السير‪،‬الشماخي‪،‬ج‪،1‬ص‪.245:‬‬
‫‪-‬ينظر ‪ :‬مقدمة تحقيق تفسير كتاب هللا العزيز ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪19‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫يعد تفسير كتاب هللا العزيز للشيخ هود بن محكم من التفاسير األولى ‪،‬‬
‫والتي برزت في أوائل عهد التدوين ‪ ،‬ويعتبر كذلك أقدم تفسير جزائري وصل‬
‫إلينا كامال ‪ ، 1‬وصلت إلينا مخطوطاته في القرون األربعة األخيرة متفرقة أجزاؤها‬
‫متعددة نسخها ‪،‬وهذا عامل ربما يفضي بنا إلى طرح تساؤل مفاده هل ينتسب‬
‫التفسير فعال لهود بن محكم طالما أن النسخ متعددة أم ال ؟‪ ،‬ولقد أجاب األستاذ‬
‫المحقق إجابة شافية كافية عن ذلك في مقدمة تحقيقه‪،‬حيث تحدث من خالل ذلك‬
‫عن صحة نسبة المؤلف اليه ‪،‬ولست هنا بصدد بيان ذلك ‪،‬هذا وقد طبع التفسير‬
‫بتحقيق و‬ ‫في أربع مجلدات صادرة عن دار البصائر بالجزائر سنة ‪1990‬‬
‫تعليق بالحاج بن سعيد شريفي و أخرج للنور ‪.‬‬

‫‪ )3‬تعريف الدال لة السياقية‪:‬‬


‫اختلف أهل الداللة في ضبط معالم تعريف علمي لمفهوم الداللة السياقية‪ ،‬بيد‬
‫أنهم يكادون يجمعون على أنها تلك الداللة التي يقصدها المتكلم‪ ،‬و يفهمها السامع‬
‫من خالل الحدث الكالمي‪ ،‬تبعا للظروف المحيطة به‪ ،‬عبر ما يتحدد لأللفاظ من‬
‫دالالت أثناء االستعمال مراعاة للمقام المتواجدة فيه ‪.‬‬
‫يقول محمد أديب صالح في إشارة إلى ذلك المفهوم للداللة السياقية ‪ ":‬و النص‬
‫هو الذي يكون معناه األصلي مقصودا من السياق "‪ ،2‬وظاهر الفهم لهذا إن السياق‬
‫حامل للمعنى األصلي‪ ،‬وموضح لقصده‪ ،‬ثم إن مسالة السياق وداللته مسالة قديمة‪،‬‬
‫شغلت األصوليين أكثر من غيرهم ‪ ،‬باعتبار حرصهم على استقراء أوجه الداللة ‪ ،‬و‬
‫ببعض ‪ ،‬يضاف إلى هذا إرادة المتكلمين‪ ،‬و‬ ‫تتبع عالقة داللة األلفاظ بعضها‬
‫قصدهم‪ ،‬وسياق األلفاظ‪ ،3‬ومن هذا فان إرادة المتكلم‪ ،‬و قصده‪ ،‬وسياقه‪ ،‬عوامل‬
‫دالة على تحديد المراد ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬المرجع نفسه مقدمة المحقق ‪،‬ط‪،‬االولى‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪12‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬محمد أديب صالح ‪.‬مكتبة زهراء‬ ‫اإلسالمي‬ ‫‪ -‬ينظر تفسير النصوص في الفقه‬
‫الشرق‪،‬لبنان‪،‬ج‪،1‬ص‪142:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬بين اللغة و التشريع ‪ ،‬خليل السيد‪،‬دارالمعارف للطباعة والنشر‪،‬بيروت‪،‬ص‪. 46:‬‬
‫‪112‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫واهتم البالغيون بالسياق و حيثياته أيما اهتمام ‪ ،‬وحددوا ما تقوم عليه أبحاثهم‬
‫من قضايا المجاز و االستعارة‪ ،‬و إدراك القرينة الدالة على السياق‪ ،‬و في هذا الصدد‬
‫يعبر تمام حسان بقوله ‪ ":‬لقد كان البالغيون عند اعترافهم بفكرة المقام متقدمين ألف‬
‫سنة تقريبا على زمانهم " ‪ ،1‬األمر الذي يؤكد ذلك االهتمام المبكر بقضية السياق ‪،‬‬
‫و عالقته بتحديد داللة المعنى لأللفاظ أو المفردات‪ ،‬و ما يتشكل منها من‬
‫نصوص‪ ،‬و يتعلق األمر اكثر بالنص المقدس المتجسد في كالم رب العالمين‪ ،‬حيث‬
‫يتاكد هذا االهتمام‪ ،‬ومن هذا المنطلق المفاهيمي‪ ،‬فان داللة أي كلمة‪ ،‬و اي مفردة‪،‬‬
‫بأي لغة كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بمنحى سياقها المحدد لمعناها ضمن كل متكامل ‪،‬‬
‫فال يمكن تحديد تلك التلوينات الداللية إال في قالب نمط السياق العام للمقصود من أي‬
‫خطاب ‪.‬‬

‫‪ )4‬تجليات إشارات الداللة السياقية في تفسير الشيخ هود بن محكم‬


‫الهواري‬

‫إن من يتصفح تفسير كتاب هللا العزيز للشيخ هود بن محكم الهواري ‪ ،‬يدرك‬
‫تمام اإلدراك أن المفسر قد سلك ذلك النهج المبين لمعالم معتمدة من طرف النظرية‬
‫السياقية الحديثة ‪ ،‬قصد إبراز و كشف داللة المفرداة القرآنية خصوصا‪ ،‬وتبيان داللة‬
‫المفردة اللغوية عموما ‪ ،‬و يتجلى ذلك عندالشيخ هود بن محكم الهواري من خالل‬
‫حصر السياقات الواردة فيها تلك األلفاظ و المفردات‪ ،‬مما يمكنه من إدراك قيمة و أثر‬
‫المفردة ضمن سياقها ‪ ،‬ولهذا أجد الشيخ هود بن محكم الهواري في غالب تفسيره قد‬
‫أولى العناية البالغة لهذا المفهوم‪ ،‬من خالل تلك الترابطات السياقية التي ذكرها‪ ،‬و‬
‫أوردها في مناسبة كل آية ‪،‬أو مفردة قرآنية ‪ ،‬وهذا المنهج ليس غريبا عنه‪ ،‬وال عن‬
‫من سبقه من المفسرين في مسالة نهجهم ذلك المنهج ‪.‬‬

‫و المتتبع للدرس الداللي العربي منذ بواكير بوادره‪ ،‬يدرك ان مسالة اللفظ‬
‫و المعنى و صلتهما بالسياق‪ ،‬كانت نقطة إرتكازية للدرس الداللي من حيث التنظير ‪،‬‬

‫‪-‬اللغة العربية معناها ومنباها ‪ ،‬تمام حسان‪،‬مكبة زهراء الشرق للطباعة والنشر‪،‬القاهرة‪،‬ط‪،2000‬ص‪. 377:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وهذه نقطة أسالت حبر ومداد كثير من العلماء بداية من الراغب في تحقيقه لمفردات‬
‫و ألفاظ القرآن ‪ ،‬يضاف لذلك بصمة الجرجاني في تنظيره و تقعيده لنظرية السياق ‪.‬‬
‫مستلهما بتأثيره في فكره معالم العلم‬ ‫وهي بصمة علمية لوالها ما كان الراغب‪:‬‬
‫اللغوي المستنبط من القرآن و ألفاظه‪ ،‬و المؤسس على نظرية السياق ‪ ،‬إذ يتجلى‬
‫ذلك التأثير عنده في محاولته حصر استعماالت المفردة ضمن سياقاتها المتعددة‬
‫‪،‬محددا بذلك معانيها‪ ،‬و دالالتها الممكنة ‪ ،‬معتمدا على تلك العالقة الجوهرية القائمة‬
‫بين اللفظ و معناه ‪ ،‬وهذا ما تبلور فعال في ثنايا الدرس الداللي الغربي خصوصا ‪،‬‬
‫وذلك حينما عبر فيتنجشتاين (‪ ) wittgnstain‬على أن الكلمة ليس لها معنى إال‬
‫ضمن تركيبها السياقي‪ ،‬فقال‪ ":‬ال تفتش عن معنى الكلمة ‪ ،‬وإنما عن الطريقة الني‬
‫تستعمل فيها "‪ ، 1‬وهذا الذي يدرك من خالله إن معنى الكلمة متعدد بتعدد السياقات‬
‫الواقعة فيها ‪ ،‬أو بعبارة أخرى تبعا لتوزيعها اللغوي ‪ ، 2‬ومهما يكن األمر فقضية‬
‫السياق و تجلياته‪ ،‬قضية ذات بال في الدرس اللساني و الداللي قديما وحديثا‪،‬‬
‫اعتراها التطور من حيث المفهوم و التأثير بعد ما كان األمر فيه حك ار على الجانب‬
‫اللغوي على مستوى المعجم فحسب ‪ ،‬وتلك مسالة قد يعاب بها كون بهذا الطرح‬
‫عاج از عن تحديد وضم جميع استعماالت المفردة ‪ ،‬ولكون هذا المعجم عبارة عن‬
‫قاىمة واسعة جدا من المفردات‪ ،‬فانه يتعذر حصر كل السياقات فيه ألي مفردة ‪ ،3‬اي‬
‫يجب توسعة القضية لتمس مجاالت ومستويات أخرى قادرة على التفرقة بين معاني‬
‫الكلمات و األلفاظ ‪ ،‬ولرفع اللبس الداللي عن المفردات ‪ ،‬ولن يتم هذا إال بإشراك‬
‫عوامل كفيلة بتقديم الداللة التامة للمفردة او اللفظ ‪.‬‬
‫يقول عبد القادر الفاسي ‪ " :‬اختيار المفهوم المالئم من بين ال ئحة المفاهيم‬
‫التي يعبر عنها اللفظ المشترك يتطلب مجهودا معرفيا خاصا‪ ،‬و يتسبب أحيانا في‬
‫‪ ،‬أو السياق‬ ‫أخطاء ‪ ،‬ويقع رفع االلتباس عن طريق السياق اللغوي المباشر‬

‫‪-‬مدخل إلى علم الداللة األلسني ‪ ،‬موريس أبو ناصر ‪ ،‬مجلة الفكر العربي المعاصر ‪ ،‬العدد (ج) ‪ 1992‬رقم‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،19/18‬ص ‪. 33‬‬
‫‪-‬ينظر‪ :‬علم الداللة ‪ ،‬مختار عمر‪،‬عالم الكتب ‪،‬ط‪1998 5‬ص‪. 69:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ينظر ‪ :‬مدخل إلى علم الداللة ( مرجع سابق) ص ‪. 31‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الخطابي أو الوضع الذي يحدث فيه التواصل ‪ ،‬اي كل مصادر المعلومات المتوافرة‬
‫لرفع اللبس " ‪،1‬ثم ان إ ازلة اإلبهام ههنا ال يمكن رفعها إال بتداعي حظور السياق‬
‫اللغوي و تجلياته‪ ،‬قصد إظهار المعنى المفرد للفظة مثال‪ ،‬و استظهار معانيها‬
‫المتعددة‪ ،‬إستناذا لما ذكر في المعاجم ‪.‬‬

‫و لهذا السبب كان تقسيم علماء اللغة المحدثون مسالة السياق إلى أربعة أنواع منه‬
‫متمثلة في ‪2:‬‬

‫‪1-‬‬ ‫‪Linguistic- contexte‬‬ ‫‪ -1‬السياق اللغوي ‪.‬‬


‫‪2-‬‬ ‫‪Emotional – contexte‬‬ ‫‪ -2‬السياق العاطفي ‪.‬‬
‫‪3-‬‬ ‫‪Situationnal – contexte‬‬ ‫‪ -3‬سياق الموقف ‪.‬‬
‫‪4-‬‬ ‫‪Cultural – contexte‬‬ ‫‪ -4‬السياق الثقافي ‪.‬‬

‫يمكن القول إذا كانت الداللة ممثلة صميم‬ ‫وبعد ما تقدم من تفريش للموضوع‪،‬‬
‫الدراسات اللغوية‪ ،‬فان السياق يعد روح الداللة ‪ ،‬ومن هذا المنطلق أحاول ابراز‬
‫معطيات مباحث داللة السياق من خالل المجلدات االربع لتفسير الشيخ هود بن‬
‫محكم الهواري في صنعته‪ ،‬قصد الوقوف على جانب من جوانب معالجة المفسرين‬
‫لمسالة السياق‪ ،‬وأثرها عندهم في استظهار المعنى و القصد ‪،‬واصالة جهودهم في‬
‫التاسيس لنظرية السياق ‪ ،‬والعمل على بلورتها وتجسيدها‪ ،‬ولتكن البداية بعرض‬
‫مبحث السياق اللغوي و تجلياته عند الشيخ هود بن محكم الهواري ‪.‬‬

‫إذ يعرف السياق اللغوي على انه تلك البيئة اللغوية المحيطة بصوت ‪،‬أو فونيم‪ ،‬أو‬
‫مورفيم ‪،‬أو كلمة‪ ،‬أو عبارة ‪،‬أو جملة ‪ ،3‬شريطة ارتباطه بالمداخل المعجمية‪ ،‬و‬
‫الحامل لمدلوله من سياق ألخر ‪ ،‬ويتجلى هذا المفهوم بكثرة في الخطاب القرآني‪ ،‬و‬

‫‪ -‬السيانيات و اللغة العربية ‪ ،‬عبد القادر الفارسي ‪ ،‬منشورات عويدات ‪ ،‬بيروت ط ‪ 1986 ، 1‬ص ‪. 372‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬ينظر ‪ :‬علم الداللة ‪ ،‬مختار عمر ‪،‬مرجع سابق ص ‪. 71-69‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ينظر علم الداللة ‪ ،‬عوض حيدر ‪،‬ص‪. 158 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫في تفسير المفسرين له ‪ ،‬ولي ههنا بالتمثيل مما أشار إليه الشيخ هود بن محكم في‬
‫مواطن عدة من تفسيره‪ ،‬مبر از بتلك اإلشارات اختالف المداليل من سياق ألخر ‪.‬‬

‫يقول الشيخ هود بن محكم في بيان تفسير داللة لفظة‪ " :‬ضرب " الواردة في‬
‫وه َّن‬
‫ظ ُ‬ ‫كثير من المواطن ‪،‬من ذلك قوله تعالى ﴿ َوالالَّ ِتي َت َخا ُفو َن ُن ُش َ‬
‫وزُه َّن َف ِع ُ‬
‫وه َّن ﴾ ‪ 1‬قال بعضهم ‪ :‬يبدأ فيعضها بالقول ‪ ،‬فإن أ‬ ‫اض ِرُب ُ‬ ‫وه َّن ِفي اْلم َض ِ‬
‫اج ِع َو ْ‬ ‫اه ُجُر ُ‬
‫َو ْ‬
‫َ‬
‫بت هجرها‪ ،‬فان أبت‪ ،‬ضربها ضربا غير مبرح‪ ،‬أي غير شائن "‪ 2‬ولنا أن نقف ههنا‬
‫عند قوله ‪ " :‬غير مبرح أي غير شائن " بغية إدراك معنى المفردة من خالل السياق‬
‫الواردة فيه ‪ ،‬فدل بها ههنا على مدلول المعاقبة من خالل سياق اآلية‪ ،‬والذي يدعم‬
‫ذلك عنده‪ ،‬ما تقدم قبلها من معنى ‪ ( :‬واهجروهن) حيث وردت على صيغة فعل األمر‬
‫‪ ،‬ومن ثمة فهم الشيخ هود بن محكم أن في ذلك تكليف‪ ،‬و أمر شرعي من خالل‬
‫السياق ‪ ،‬ومعلوم أن التشريع يحتمل الثواب و العقاب‪ ،‬فالحظ الشيخ هود بن محكم‬
‫أن المولى عز وجل لما بدا اآلية بالهجران ‪ ،‬وما يؤول إليه من تأديب ‪ ،‬فتوصل بذلك‬
‫إلى داللة اللفظة"ضرب" على العقاب ‪ ،‬وأشار ثانية إلى معنى آخر لها في سياق غير‬
‫ان ِمن ُك ِل َمَث ٍل َّل َعَّل ُه ْم‬
‫اس ِفي َه َذا اْلُقْرَء ِ‬
‫األول عند تفسيره لقوله تعالى ﴿ َوَلَقد َّضَرْبَنا لِ َّلن ِ‬
‫َي َت َذ َّكُرو َن ﴾‪ 3‬فقال ‪ " :‬أي لكي يتذكروا ‪ ،‬فيحذروا أن ينزل بهم ما نزل بالذين من‬
‫قبلهم " ‪ ، 4‬فظاهر قول الشيخ هود بن محكم يؤكد انه ينحى بمدلول " ضرب" ههنا‬
‫على أنها بمعنى ( ذكر) ‪ ،‬وما يؤكد هذا المعنى هو لفظة ( مثال) الواردة بعدها ضمن‬
‫سياقها الموالي لها‪ ،‬ذلك أن المثل انما يورد بغية الوعظ والذكير واالرشاد‪،‬فلما راى ان‬
‫داللة المثل متضمنة لنص لغوي اختزلت فيه حادثة ما‪ .‬دل على معنى ( ضرب) في‬
‫اآلية على أنها مفيدة لـــ‪ ( :‬ذكر ) لعلة أن المثل يذكر بنصه في قول قائله‪.‬‬

‫‪-‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪. 34‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬تفسير كتاب هللا العزيز‪ ،‬هود بن محكم الهواري ‪ ،‬تحقيق بالحاج بن سعيد شريفي ‪ ،‬دار البصائر للنشر و التوزيع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط ‪ 2005، 1‬ج‪ 1‬ص ‪. 342‬‬


‫‪-‬سورة الزمر اآلية ‪. 27‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬تفسير كتاب هللا العزيز ‪ ،‬هود بن محكم ‪ ،‬مرجع سباق ج‪ 4‬ص ‪. 34‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ثم أضيف مثاال ثالثا في تفسيره لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ُض ِرَب ْت َعَلْي ِه ُم اْل َم ْس َكَن ُة َذالِ َك‬
‫آء ِب َغْي ِر َح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ‬
‫ِبأََّنهم َكاُنوْا ي ْك ُفرو َن ِبَئاي ِ‬
‫ق ﴾‪ ، 1‬فقال الشيخ هود بن‬ ‫َّللا َوَي ْقُتُلو َن االَ نبَئ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُْ‬
‫فأجده بهذا الموطن يدل بمعنى الضرب‬ ‫‪2‬‬
‫محكم ‪ " :‬يعني ما يؤخذ منهم من الجزية "‬
‫ههنا على انه بمثابة ‪ (:‬أقيمت ) ‪،‬باعتبار أن المولى عز وجل في سياق اآلية هو‬
‫بصدد الحديث عن الكافرين وذلتهم ‪،‬و المؤمنين وعزتهم ‪ ،‬والذي يعزز ذلك قوله تعالى‬
‫‪ " :‬وباؤ بغضب من هللا " بعدها مباشرة فاستعمل ذلك مناسبة لشدة غضبه منهم‬
‫وعقوبته لهم ومما يضاف ههنا أيضاً بعض الكلمات كلفظة ( الدين‪ ،‬األمة‪ ،‬كتب)‬
‫وغيرها‪ ،‬غير إني إقتصرت على هذا من باب التمثيل فحسب‪.‬‬

‫ومن خالل هذا أقول أن تلك المواطن التي تجلت فيها إسقاطات معالم السياق‬
‫اللغوي بمداخله المعجمية في تفسير الشيخ هود بن محكم كثيرة متعددة ‪ ،‬وإال فهذا‬
‫تمثيل ال حصر ‪ ،‬وصح القول بان ما يحدد داللة ‪ (:‬الضرب ) في اآليات القرآنية هو‬
‫سياقها الواردة فيه باعتباره قرينة محددة لذلك ‪.‬‬

‫وأما السياق العاطفي ( النفسي) ‪ ،‬فهو ذلك السياق الذي يمكن من خالله‬
‫الكشف عن المعاني النفسية‪ ،‬و الوجدانية المكنونة عند اإلنسان‪ ،‬و المختلفة في‬
‫طبيعتها من شخص إلى آخر ‪ ،3‬ومفاد هذا انه ال يمكن تحديد ذلك القصد الدقيق‬
‫لخطاب المتكلم إال باستدعاء حضور السياق العاطفي المقتضي التأكيد ‪ ،‬أو المبالغة ‪،‬‬
‫أو االنفعال‪ ،‬أو بإظهار القوة و الضعف ‪ ،4‬و هذا من شانه أن يؤثر في ارتباط‬
‫المتكلم و قصده ‪ ،‬ومن ثمة فان هذا المضمون و االرتباط العاطفي النفسي مختلف‬
‫من متكلم ألخر ‪ ،5‬وهذا مرده ذلك التباين الحاصل لدى األفراد في درجة تقبلهم النفسي‬
‫لبعض األلفاظ دون سواها ‪ ،‬وهذا المبحث من مباحث السياق ناذر من حيث االشارات‬

‫‪-‬سورة آل عمران ‪،‬اآلية‪. 112 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تفسير كتاب هللا العزيز ‪ ،‬هود بن محكم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪. 280‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬ينظر معجم علم اللغة النظري ‪ ،‬محمد على الخولي ‪ ،‬مكتبة لبنان ‪ ،‬ط ‪ 1982‬ص ‪. 84‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬ينظر ‪ :‬علم الداللة ‪ ،‬مختار عمر‪،‬مرجع سابق ص ‪. 70‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬ينظر‪ :‬علم اللغة مقدمة للقارئ الغربي ‪ ،‬د‪ /‬محمود السعران ‪،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص ‪. 302‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫في تفسير الشيخ هود بن محكم‪،‬اال ما امكنني الوقوف عنده من إسقاطات متواضعة‬
‫لذلك ‪.‬‬

‫فلنتأمل تفسير وفهم الشيخ هود بن محكم لآليتين التاليتين حتى تتجلى معالم‬
‫السياق العاطفي تطبيقا من خالل ما عتمده في تفسيره‪.‬‬

‫َن َّي ْخُر ُجوْا ِمْن َها‬


‫يقول الشيخ هود بن محكم في تفسيره لقوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬كَّل َمآ أََرُادوْا أ ْ‬
‫يق ﴾ ‪ :،"1‬ترفعهم بلهبها فإذا كانوا في أعالها‬ ‫يها َوُذوُقوْا َع َذا َب اْل َح ِر ِ‬ ‫ِم ْن َغمٍ اُ ِع ُ ِ‬
‫يدوْا ف َ‬
‫قمعتهم المالئكة بمقامع من حديد من نار فيهمون فيها سبعين خريفا ‪ ،‬قال هللا و‬
‫ذوقوا عذاب الحريق "‪ 2‬هذا من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى أجده يدلي بنفس التفسير عند‬
‫ُع ُ ِ‬ ‫َن َّي ْخرجوا ِمْنهآ أ ِ‬ ‫قوله تعالى " وأ َّ ِ‬
‫يها‬
‫يدوا ف َ‬ ‫َ‬ ‫الن ُار ُكَّل َمآ أََرُادوا أ ْ ُ ُ‬
‫اه ُم َّ‬‫ين َف َسُقوا َف َمأ َْو ُ‬ ‫َما الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ن ‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نتم به ُت َكذُبو َ " ‪ ،‬فقال ثانية " أي ‪ :‬انه اذا كانوا‬ ‫اب النار الذي ُك ُ‬‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َوِق َ‬
‫يل َل ُه ْم ُذوُقوا َع َذ َ‬
‫في أسفلها رفعتهم بلهبها حتى إذا كانوا في أعالها و أروادو أن يخرجوا منها ضربوا‬
‫بمقامع من حديد فهووا إلى أسفلها‪ ،‬وقيل لهم ذوقوا عذاب النار " ‪ ،4‬ومن ثمة فإننا‬
‫نالحظ إضافة الشيخ هود بن محكم لفظة الحريق في تفسيره األول آلية السجدة ‪،‬‬
‫وفي ذلك إشارة منه إلى أن هللا عز وجل اختار لفظة‪( :‬الحريق) بعد العذاب ‪ ،‬واختار‬
‫لفظة ( النار) بعد العذاب كذلك في الموطن الثاني ‪ ،‬ومن هنا فان المتلقي يدرك ذلك‬
‫الشعور و اإلحساس القاسي النفسي اتجاه ما تتضمنه لفظة الحريق من حيث الداللة‬
‫‪ ،‬ذلك أنها اشد وقعا على السامع من لفظة النار‪ ،‬وههنا تتجلى حيثيات السياق‬
‫العاطفي و داللته‪ ،‬ولو عدنا إلى تفسير الشيخ قبل ذكر لفظة الحريق في سياقها‬
‫األول‪ ،‬لوجدنا انه يوحي بان السياق لها فية تفصيل وإيضاح ‪ ،‬وذلك يمتد من قوله ‪" :‬‬
‫ان ِا ْخ َت َص ُموْا ِفي َرب ِِه ْم " ‪ ،5‬حيث فصل جزاء كل صنف ‪ ،‬وأما في سورة‬
‫ان َخ ْصم ِ‬
‫َ‬
‫َه َذ ِ‬

‫‪-‬سورة الحج اآلية ‪. 22‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬تفسير كتاب هللا العزيز ‪ ،‬هود بن محكم ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪. 93‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬سورة السجدة اآلية ‪. 20‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬تفسير كتاب هللا العزيز ‪ ،‬مرجع سابق ج ‪ 3‬ص ‪.306‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬سورة الحج اآلية ‪. 19‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫السجدة فلقد وقع الجزاء موج از بالنسبة إلى الطرفين‪ ،1‬ولذلك أضاف الشيخ هود بن‬
‫محكم لفظة النار موصولة بتفسيره للداللة النفسية في ذلك ‪ ،‬فلفظة ( النار) قد ال‬
‫تهز المتلقي بذلك القدر الذي تهزه بها لفظة الحريق ‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فان الشيخ هود بن محكم قد راعى ذلك السياق العاطفي في تفسيره‬
‫لآليتين‪ ،‬من خالل استعمال اللفظة ذات المدلول النفسي في سياقها المحقق لمعناها ‪.‬‬

‫و أما سياق الموقف أو الحال‪ ،‬فلعل أدق إشارة له‪ ،‬ما ذكره الراغب في كتابه ‪" :‬‬
‫مقدمة في التفسير " على انه من الوجوه التي يعبر بها عن المعاني و يبين بها ‪ ،‬إذ‬
‫‪ ،‬لذا تنبا الراغب بأهمية هذا النوع من السياق و‬ ‫‪2‬‬
‫يفهم الشيء بحاله الذي وصف به‬
‫أثره في إبانة المعنى ‪ ،‬وهو األمر الذي أقرته الدراسات الداللية الحديثة ‪،‬و هو ما‬
‫يعرف بالتحليل الداللي‪ ،‬و لست بصدد التوسع في ذلك إال بقدر ما يحقق لي الغرض‬
‫منه‪ ،‬و قديما قيل ‪ " :‬لكل مقام مقال"‪ ،‬وإذا بحثنا عن تجليات هذا المقتضى في تفسير‬
‫الشيخ هود بن محكم‪ ،‬فانه سيتجلى واضحا من خالل تفسيره لقوله تعالى مثال‪﴿ :‬‬
‫آء و َّ ِ‬ ‫الصاِب ِرين ِفي اْلبأ ِ‬
‫ْس ﴾ ‪ ،3‬إذ قال عندها ‪ " :‬قال بعض‬ ‫الضَّرآء َو ِح َ‬
‫ين اْلَبأ ِ‬ ‫ْس َ‬‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َّ‬
‫المفسرين ‪ :‬البأساء ‪ :‬البؤس ‪،‬و الفقر ‪،‬و الضراء ‪ :‬السقم و الوجع ‪ ،‬قال أيوب‪" :‬‬
‫اني مسني الضر "‪ ،‬وحين البأس أي عند مواطن الجهاد و القتال‪ ،4‬و يكاد األمر أن‬
‫الضَّر ِ‬
‫آء ﴾ ‪،5‬‬ ‫السَّر ِ‬
‫آء َو َّ‬ ‫نفُقو َن ِفي َّ‬ ‫يتقارب في تفسيره أيضا لقوله تعالى‪ِ ﴿ :‬‬
‫الذين ي ِ‬
‫َ ُ‬
‫حيث قال ‪ " :‬أي في الرخاء و الشدة ‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬في اليسر و العسر و الجهد و‬
‫الرخاء " ‪ ،6‬وبناء على كال التفسرين له في هذا المقام‪ ،‬يتجلى لنا انه يقصد بذلك حال‬

‫‪ -‬ينظر ‪ :‬التعبير القرآني ‪ ،‬د‪ /‬فاضل صالح السامرائي ‪ ،‬دار عمار للطباعة و النشر ط‪ ،2006 ، 1427 ، 4‬ص‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 241‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬الخوالد من آراء الراغب األصفهاني ‪ ،‬في فلسفة األخالق و التشريع و التصرف ‪ ،‬صالح الدين بن عبد‬ ‫‪2‬‬

‫اللطيف الناهي ‪ ،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت ط ‪ 1987‬ص ‪. 95‬‬


‫‪-‬سورة البقرة اآلية ‪. 177‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬تفسير كتاب هللا العزيز ‪ ،‬هود بن محكم ‪ ،‬ج‪، 1‬ص‪.160 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬سورة آل عمران‪.134 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬تفسير كتاب هللا العزيز هود بن محكم ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 287‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫كون المنفق أو الصابر متمثال لذلك ‪ ،‬وهذا باعتبار مدلول الصبر مثال في اآلية األولى‬
‫عنده‪ ،‬متغي ار بتغير السياق الموقفي الحالي ‪ ،‬حيث ان استعمال الصبر في موقف‬
‫محاربة يعني الشجاعة ‪ ،‬و الصبر في موقف النوائب يعني رحب الصدر ‪ ،‬و الصبر‬
‫في موقف الصمت يعني الكتمان و لقد ورد في القرآن من خالل اآلية السابقة ما‬
‫يجمع كل تلك المعاني " ‪ ،1‬و هي إشارة ضمنية من الشيخ هود بن محكم لذلك على‬
‫سياق الموقف و الحال‪ ،‬بناء على ضوء علمي المناسبة وأسباب النزول ‪.‬‬

‫وبهذا يبقى سياق الموقف و الحال من األمور المكتنفة بالواقعات المحتاجة للداللة‬
‫عليه أحوال المخاطبين ‪،‬أو الفاعلين ‪ ،‬وما يقتضيه حال الفعل و هو محتاج إلى‬
‫الداللة عليه ‪.‬‬

‫و أما السياق الثقافي فيهتم باللفظة ضمن بيئتها االجتماعية أو الثقافية‬


‫المستعملة فيها ‪ ،‬حيث انه يقتضي تحديد المحيط الثقافي أو االجتماعي الذي يمكن‬
‫أن يستخدم فيه الكلمة ‪ ،2‬إذ يفهم من هذا إن أي صورة ذهنية ألي لفظ تختلف‬
‫باختالف السياق الثقافي االجتماعي الوارد فيه ‪،‬و أجد إسقاطات هذا في تفسير كتاب‬
‫هللا العزيز نادرة جدا ‪ ،‬غير أني أمثل بالمفهوم المعجمي لمادة‪ ( :‬كفر ) ‪ ،‬و الذي يرى‬
‫الشيخ هود بن محكم من خالل تفسيره لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ك َم َث ِل َغْي ٍث اَ ْع َج َب اْل ُكَّف َار َنَب ُات ُه‬
‫﴾ ‪ ،3‬ان المقصود بها الزراع‪ ،‬أي ‪:‬الفالحون‪ ،‬باعتبار أنهم يغطون البذور في التراب‪،‬‬
‫وهذا المعنى هو الذي توحي به الكلمة داخل التركيب و المرتبطة بثقافة مجتمع معين‬
‫‪.‬‬

‫يقول الشيخ هود بن محكم في تفسير اآلية المتقدمة‪ ( :‬ليغيض بهم الكفار‪ ،‬أي‬
‫يخرجون فيكونون قليال كالزرع حين يخرج ضعيفا‪ ،‬فيكثرون و يقوون فشبههم بالزرع‬
‫‪ ،4)...‬ومن هنا يفهم بأنه يدل بالمفردة على غير مدلولها المعجمي‪ ،‬بل قصد به داللة‬

‫‪-‬ينظر المفردات ‪ ،‬الراغب األصفهاني ‪ ( ،‬تحقق ‪ :‬عيتاني ) مادة صبر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬ينظر علم الداللة ‪ ،‬أحمد مختار عمر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬سورة الحديد اآلية ‪.20‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪. 167‬‬ ‫‪-‬تفسير كتاب هللا العزيز هود بن محكم ‪ ،‬ج ‪4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫سياقه الدالة على الفالحين‪ ،‬و أشار إلى معان أخرى في سياقات مغايرة لها ضمن‬
‫مواطن كثيرة من اآليات الواردة فيها مفردة ( كفر) ‪.‬‬

‫ومما أخلص إليه في األخير إنني سعيت لمحاولة إبراز بعض النماذج التطبيقية‬
‫من خالل تلك اإلشارات للداللة السياقية و تجلياتها في تفسير كتاب هللا العزيز‪،‬للشيخ‬
‫هود بن محكم‪ ،‬وما ذلك إال دليال على أهمية تسييق األلفاظ عند جملة المفسرين‬
‫لكتاب هللا تعالى‪ ،‬واخترت الشيخ هود بن محكم أنموذجاً من جملتهم‪ ،‬كمحاولة منه‬
‫لتحديد داللتها في إطار سياقاتها المتعددة ‪ ،‬فحاولت أن أتوصل إلى إبراز رأي الشيخ‬
‫هود في نظرية السياق و مباحثها‪ ،‬كيف ال و هو الذي جعل من السياق ركيزة رئيسة‬
‫في تحديد القصد من مراد هللا تعالى من خالل تفسيره ‪ ،‬واستنتجت حرصه البالغ على‬
‫تفعيل ما تدعو إليه نظريات السياق الحديثة من إجراءات كفيلة بضمان المعنى السليم‬
‫والقصد البين من كل خطاب وهو كغيره من المفسرين منذ وقت مبكر مؤكداً على‬
‫مسألة السياق القرآني وداللة مفرداته‬

‫كما أمكنني الوقوف عن تجليات كل تلك األقسام السياقية في تفسيره ممثالً‬


‫لكل صنف منها‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫القران الكريم ‪،‬رواية ورش عن نافع‬

‫‪ -1‬الخصائص ‪ ،‬ابن جني ‪،‬تح محمد علي النجاردار الكتاب العربي بيرو لبنان‬
‫ج‪،1‬‬
‫‪ -2‬الخوالد من آراء الراغب األصفهاني ‪ ،‬في فلسفة األخالق و التشريع و التصرف‬
‫‪ ،‬صالح الدين بن عبد اللطيف الناهي ‪ ،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت ط ‪. 1987‬‬
‫‪ -3‬السيانيات و اللغة العربية ‪ ،‬عبد القادر الفارسي ‪ ،‬منشورات عويدات ‪ ،‬بيروت‬
‫ط ‪1986 ، 1‬‬
‫‪ -4‬الفهرس الشامل للتراث العربي اإلسالمي المخطوط ‪ ،‬المجمع الملكي للبحوث‬
‫الحضارة اإلسالمية ‪ :‬ج ‪، 1‬‬
‫‪ -5‬اللغة العربية معناها ومنباها ‪ ،‬تمام حسان‪،‬مكبة زهراء الشرق للطباعة‬
‫والنشر‪،‬القاهرة‪،‬ط‪،2000‬ص‪:‬‬
‫‪ -6‬المفردات في غريب القران‪ :،‬الراغب االصفهاني‪،‬تح‪:‬محمد خليل عيتاني‪،‬دار‬
‫المعرفة‪،‬بيرو لبنان‪ ،‬ط‪ ،3‬ج ‪1‬‬
‫‪ -7‬بين اللغة و التشريع ‪ ،‬خليل السيد‪،‬دارالمعارف للطباعة والنشر‪،‬بيروت‬
‫‪ -8‬تفسير النصوص في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬محمد أديب صالح ‪.‬مكتبة زهراء‬
‫الشرق‪،‬لبنان‪،‬ج‪،1‬‬
‫‪ -9‬تفسير كتاب هللا العزيز‪ ،‬هود بن محكم الهواري ‪ ،‬تحقيق بالحاج بن سعيد‬
‫شريفي ‪ ،‬دار البصائر للنشر و التوزيع‪ ،‬ط ‪ 2005، 1‬ج‪ 1‬ص ‪. 342‬‬
‫‪ -10‬علم الداللة ‪ ،‬عوض حيدر‬
‫‪ -11‬علم الداللة ‪ ،‬مختار عمر‪،‬عالم الكتب ‪،‬ط‪1998 5‬‬
‫‪ -12‬علم اللغة مقدمة للقارئ الغربي ‪ ،‬د‪ /‬محمود السعران ‪،‬دار النهضة العربية ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬لبنان‬
‫كتاب السير‪،‬الشماخي‪،‬ج‪،1‬‬ ‫‪-13‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫لتعبير القرآني ‪ ،‬د‪ /‬فاضل صالح السامرائي ‪ ،‬دار عمار للطباعة و النشر‬ ‫‪-14‬‬
‫ط‪،2006 ، 1427 ، 4‬‬
‫مدخل إلى علم الداللة األلسني ‪ ،‬موريس أبو ناصر ‪ ،‬مجلة الفكر العربي‬ ‫‪-15‬‬
‫المعاصر ‪ ،‬العدد (ج) ‪ 1992‬رقم ‪ ،19/18‬ص‬
‫‪ -16‬معجم علم اللغة النظري ‪ ،‬محمد على الخولي ‪ ،‬مكتبة لبنان ‪ ،‬ط ‪.1982‬‬
‫‪ -17‬وجوه من اإلعجاز القرآني ‪ ،‬مصطفى الدباغ ‪ ،‬مكتبة المنار الزرقاء ‪ ،‬ط ‪2‬‬
‫‪. 1985 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صور من آراء ابن حزم األندلسي واجتهاداته الفكرية‬


‫(‪ 384‬هـ ‪456 -‬هـ ‪994 /‬م – ‪1063‬م)‬
‫(دراسة لمنهجه في األديان والخالفة واإلمامة والتقليد واالجتهاد)‬
‫د‪ .‬محمد األمين ولد أن‪ ،‬قسم العلوم االجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب والفنون‪ ،‬جامعة حائل –‬
‫المملكة العربية السعودية‬
‫• البريد اإللكتروني‪mohamedlemin2018@gmail.com :‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫يتطرق البحث إلى عرض مسائل مهمة في الفكر األندلسي تتعلق بآراء ابن حزم‬
‫ومنهجه في األديان والخالفة واإلمامة والتقليد واالجتهاد‪ ،‬وهو ما أثار جدال كبي ار‬
‫بين معاصريه‪ ،‬الذين أروا في أقواله الفقهية والعقدية وغيرها خروجا على المعهود‪.‬‬
‫ولم يسلم النصارى واليهود من انتقادات ابن حزم واستخدامه ألساليب مختلفة في‬
‫إقناعهم بطرق؛ كان طابعها سلميا على الرغم من ما وجه إليهم من الشتم والنقد‬
‫الالذع الذي ال يخلو من القسوة والبذاءة‪ .‬وقد تتبع البحث آراء ابن حزم واجتهاداته‬
‫في مسائل مختلفة؛ وخرج بخالصة مفادها أن الرجل خط لنفسه خطا جديدا‪،‬‬
‫مخالفا لعلماء عصره أنذاك‪ ،‬وهو ما كان له األثر الكبير في إغناء السجال‬
‫الفكري‪ ،‬ليس مع المسلمين وحدهم؛ بل مع النصارى واليهود‪ .‬عاش ابن حزم ما‬
‫بين ‪ 384‬هـ و ‪456‬هـ ( ‪994‬م – ‪1063‬م )‪ ،‬وهذا يعني أنه عاصر أحداثا‪،‬‬
‫كان لها تأثير بالغ على األندلس من جهة‪ ،‬وعلى نفسيته وتكوينه من جهة أخرى‪.‬‬
‫إن أحداث العصر طبعت بقوة مواقف ابن احزم العلمية والنظرية كما أن تجربته‬
‫العلمية والشخصية بمختلف أبعادها السياسية واالجتماعية والفكرية‪ ،‬أسقطت على‬
‫نظريته لألشياء وتصوره لألمور وعليه ال يمكن عزل النسق العلمي البن حزم عن‬
‫تجربة العصر‪ .‬نشأ اب ن حزم في بيت قريب من الحكم‪ ،‬مما أتاح له تكوينا علميا‬

‫‪124‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

‫ واتجه إلى‬،‫خاصا؛ وقد تعلم كأقرانه في زمانه؛ فحفظ القرآن وقد ار من الشعر‬
‫ ألف ابن‬.‫أفاضل الشيوخ يغترف من مناهلهم العذبة ويقتدي بأخالقهم الفاضلة‬
‫ وكان له منهاج علمي سلكه في‬،‫حزم الكثير من الكتب في شتى العلوم والمعارف‬
‫ ليرسم لنفسه منهجه‬،‫نقد ما يثار حوله من مشاكل وقضايا في مختلف المجاالت‬
‫ وإن هذا المنهج يتشعب إلى شعبتين إحداهما منهاجه في العقليات‬،‫الخاص‬
.‫والثانية منهاجه في النقليات‬

‫األديان؛ العقائد؛ الخالفة؛ اإلمامة؛ التقليد؛ االجتهاد؛‬ :‫الكلمات المفتاحية‬


.‫النصارى؛ اليهود‬
Abstract :
This study has highlighted some special areas in the intellectual
discourse of Andalus especially the works of Ibn Hazm and his
methodology in exploring issues regarding religious beliefs,
Khilafah, religious-political leadership, discipleship and Ijtihad.
His methodologies and opinions were a topic that invoked
controversies within the intellectual communities of his time. Most
of Ibn Ham peers saw his opinions as an odd divergence of the
dominating juristic and doctrinal norms of the time. Christians and
Jews were not excluded from Ibn Hazm's critical works. In his
works he attempted to persuade them although peacefully but with
rather bitter, harsh and at times, vulgar criticism. This study has
highlighted some special areas in the intellectual discourse of
Andalus especially the works of Ibn Hazm and his methodology in
exploring issues regarding religious beliefs, Khilafah, religious-
political leadership, discipleship and Ijtihad. His methodologies
and opinions were a topic that invoked controversies within the
intellectual communities of his time. Most of Ibn Ham peers saw
his opinions as an odd divergence of the dominating juristic and
doctrinal norms of the time. Christians and Jews were not excluded
from Ibn Hazm's critical works. In his works he attempted to
persuade them although peacefully but with rather bitter, harsh and
at times, vulgar criticism. Ibn Hazm lived between the years 384H-
456H (994AD-1063AD) which means he lived in a time

125
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

distinguished by many events that had its special implications on


Andalus on one hand and on his upbringing and psychology on the
other. This study has highlighted some special areas in the
intellectual discourse of Andalus especially the works of Ibn Hazm
and his methodology in exploring issues regarding religious beliefs,
Khilafah, religious-political leadership, discipleship and Ijtihad.
His methodologies and opinions were a topic that invoked
controversies within the intellectual communities of his time. Most
of Ibn Hzam peers saw his opinions as an odd divergence of the
dominating juristic and doctrinal norms of the time. Christians and
Jews were not absent in Ibn Hazm's critical works. In his works he
attempted to persuade them, although peacefully, but with rather
bitter, harsh and at times, vulgar criticism. The study has traced Ibn
Hazm's opinions and juristic thinking in diversity of issues. With
that, the study has concluded that Ibn Hazm's has choose for his
thinking an unprecedented and unique methodology. This
methodology was at odds with the prevailing jurists' intellectual
ecosystem. Ibn Hazm's works has definitely enriched the
intellectual discourse not only within Muslim society but also with
Christians and Jews.
:‫التمهيد‬
‫ كان له منهاج‬،‫لكثرة ما ألف ابن حزم من كتب وما دخله من أبواب العلوم المختلفة‬
‫ ليرسم‬،‫علمي سلكه في نقد ما يثار حوله من مشاكل وقضايا في مختلف المجاالت‬
‫ وإن هذا المنهج يتشعب إلى شعبتين إحداهما منهاجه في‬،‫لنفسه منهجه الخاص‬
.‫العقليات والثانية منهاجه في النقليات‬

‫ أما المنهج الثاني فيسير به‬،‫ويسير ابن حزم على منهاجه العقلي في دراسة العقائد‬
‫ وعلى العموم فمنهاجه يستمد أصوله من مظاهر الكتاب‬،‫في مسائل الفقه وغيرها‬
.1‫والسنة دون أن يحاول تأويلهما أو تعليلهما‬

‫ ص‬،‫ جمعية الدراسات اإلسالمية‬،‫ مطبعة المدني‬،‫ محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‬،‫ أبو زهرة محمد‬- 1
.412

126
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وسنتعرض في هذا البحث لمنهاجه في بعض أشد المسائل تعقيدا حينها وهي‪:‬‬

‫منهاجه في األديان والخالفة واإلمامة والتقليد واالجتهاد‪.‬‬

‫‪ -1‬منهاجه في األديان والعقائد‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫لقد حاول ابن حزم دراسة األديان تاريخيا وعقليا‪ ،‬فكتابه (الفصل في الملل واألهواء‬
‫والنحل) يتحدث فيه عن أغلبية األديان منذ عهد آدم عليه السالم حتى عصره‪.‬‬

‫يعد كتاب (الفصل) موسوعة شاملة أرخت لألديان واألهواء والملل والنحل ناقش فيها‬
‫ابن حزم التوراة مبينا ما أضيف إليها من أباطيل وأكاذيب بسبب التحريف والتبديل‪،‬‬
‫وقد وصف جاك ريسلر كتاب الفصل بقوله‪" :‬يعد كتابه حول األديان والمذاهب أول‬
‫بحث بين البحوث الدينية المقارنة ويكشف عن تناقضات في الحكايات التوراتية‪ ،‬لم‬
‫تظهر في أوروبا إال بعد خمسمائة سنة"‪.1‬‬

‫وقد أشار ابن بسام إلى انفتاح ابن حزم على أصحاب الملل المختلفة وبخاصة اليهود‬
‫بقوله‪" :‬ولهذا الشيخ أبي محمد مع يهود لعنهم هللا ومع غيرهم من أولي المذاهب‬
‫المرفوضة من أهل اإلسالم مجالس محفوظة وأخبار مكتوبة"‪.2‬‬

‫تمكن ابن حزم من قراءة النصوص والكتب الدينية القديمة‪ ،‬مما سمح له بنقد األباطيل‬
‫والتحريفات التي شابت التوراة واإلنجيل‪.‬‬

‫وينتقد ابن حزم كل فئة أو طائفة بما يمليه عليه دينه واعتقاده‪ ،‬وقد بين الفرقة‬
‫الناجية من جميع ما ذكر‪ ،‬ويسير على منهاج عقلي في دراسة العقائد ويبين سنة هللا‬
‫في الكائنات وخوارق العادات‪ ،‬وكان في دراسته لهذه السنن يعتمد على االستقراء‬

‫‪ -1‬جاك ريسلر‪ ،‬الحضارة العربية‪ ،‬تعريب خليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ -‬باريس‪ ،‬ط‪،1993 ،1‬‬
‫ص‪.171‬‬
‫‪ -2‬ابن بسام أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني‪ ،‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة‪ ،‬تحقيق سالم مصطفى البدري‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪1998/‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.105‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫والتتبع ويبين أصل اإليمان بالرسل ويبني ذلك على وجود خوارق لألسباب يتحدى بها‬
‫الرسول من يدعوهم‪.1‬‬

‫وقد اتجه ابن حزم في دراسته للعقائد إلى ناحيتين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إثبات األلوهية وإثبات الرسائل النبوية‬

‫ثانيا‪ :‬ما تدل عليه ألفاظ القرآن والسنة من عقائد‬

‫فإثبات األلوهية عنده يعتمد على البديهيات األولى‪ ،‬وعلى االستقراء والتتبع حيث يقول‬
‫في ذلك‪" :‬وقد بينا أيضا أنه بالمقدمات الصحاح الضرورية المذكورة علمنا صحة‬
‫التوحيد وصحة نبوة محمد صلى هللا عليه وسلم وصدقه في كل ما قال"‪.2‬‬

‫فهو يعتمد على العقل في إثبات التوحيد وصدق النبوة‪ ،‬حتى إذا ثبتت الرسالة أصبحت‬
‫الحجة فقط هي النصوص التي جاء بها الرسول صلى هللا عليه سلم يأخذ بظواهرها‪.‬‬

‫وقد تصدى ابن حزم لألديان المخالفة لإلسالم وناظرهم بالحجة ورد على افتراءاتهم‬
‫وخاصة اليهود الذين استفحل أمرهم مع ملوك الطوائف حتى أصبح بعضهم وزراء‬
‫لهؤالء الملوك وكان من أشدهم الوزير إسماعيل بن النغريلة ( ‪383‬هـ ‪448 -‬هـ ‪/‬‬
‫‪993‬م ‪1056 -‬م) الذي كان وزي ار لباديس بن حبوس الصنهاجي أمير غرناطة‪،‬‬
‫والذي ألف كتابا في تناقض كتاب هللا تعالى‪ ،‬وقد عرفه ابن حزم أيام سكناه المرية‪،‬‬
‫حيث تعارفا في دكان إسماعيل بن يوسف اليهودي‪ ،‬وقد أجريا عدة مناظرات في‬
‫العقيدتين اإلسالمية واليهودية‪ ،‬ولكن يرى إحسان عباس أن الذي ألف الكتاب هو ابن‬
‫إسماعيل يوسف الذي خلفه بعد موته خصوصا وأن ابن حزم لم يصرح باسم الذي يرد‬

‫‪ - 1‬أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.407‬‬
‫‪ - 2‬ابن حزم علي بن أحمد‪ :‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مطبعة العاصمة القاهرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.59‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫عليه في الرسالة‪ ،‬وقد يكون تأليفه هو الذي شجع الناس على الثورة عليه ورد ابن‬
‫حزم عليه كذلك‪.1‬‬

‫لقد رد ابن حزم في هذه الرسالة ردا قويا وشديدا على ابن النغريلة وقد وصفه واليهود‬
‫معه بأوصاف منها‪" :‬وبعد فإن بعض من تقلى قلبه للعداوة لإلسالم وأهله وذوبت كبده‬
‫ببغضه الرسول صلى هللا عليه وسلم من متدهرة الزنادقة المستسرين بأذل الملل وأرذل‬
‫النحل من اليهود التي استمرت لعنة هللا على المرتسمين بها‪ ،‬واستقر غضبه عز وجل‬
‫على المنتمين إليها‪ ،‬أطلق األشر لسانه‪ ،‬وأرخى البطر عنانه‪ ،‬واستشمخت لكثرة‬
‫األموال لديه نفسه المهينة‪ ،‬وأطغى توافر الذهب والفضة عنده همته الحقيرة‪ ،‬فألف‬
‫كتابا قصد فيه‪ ،‬بزعمه‪ ،‬إلى إبانة تناقض كالم هللا عز وجل في القرآن"‪.2‬‬

‫وقد قسم ابن حزم الرسالة إلى شقين األول في الرد على ابن النغريلة والثاني في طوام‬
‫اليهود وكذبهم وافترائهم على هللا سبحانه وتعالى‪" :‬اعملوا أيها الناس‪ ،‬علمنا هللا وإياكم‬
‫ما يقربنا منه ويزلف حظوتنا لديه أن اليهود أبهت األمم وأشدهم استسهاال للكذب‪ ،‬فما‬
‫لقيت منهم أحدا قط مجانبا للكذب القبيح على كثرة ما لقينا منهم‪ ،‬إال رجال واحدا في‬
‫طول أعمارنا‪ ،‬فطال تعجبي من ذلك إلى أن ظفرت بسرهم من ذلك في هذا الباب‪ ،‬وهم‬
‫أنهم يعتقدون بسخفهم وضعف عقولهم أن المالئكة الذين يحصون أعمال العباد ال‬
‫يفقهون العربية وال يحسنون من اللغات شيئا إال العبرانية‪ ،‬فال يكتب عليهم كل ما‬
‫كذبوا فيه بغير العبرانية‪ ،‬فحسبكم من هذا المقدار من الجهل العظيم والحمق التام"‪.3‬‬

‫وهكذا فإن ابن حزم في الشق الثاني من هذه الرسالة يأتي بما عرفه عن اليهود من‬
‫خالل مخالطته لهم ومن خالل كتبهم ويرد على أقوالهم وكذبهم‪ ،‬ويظهر فضائحهم وأن‬
‫أمرهم واه ال أساس له؛ فال يحاولوا أن يرموا غيرهم فحجتهم داحضة وأمرهم إلى بوار‪،‬‬
‫ويأتي بتاريخهم ويستشهد بكتبهم ويرد أخبارهم وقد قال في نهايتها ما نصه‪ " :‬قد‬

‫‪ - 1‬ابن حزم‪ ،‬رسائل ابن حزم األندلسي‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1987‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪57‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أوردنا في هذا الكتاب من شنعهم أشياء تقشعر منها الجلود‪ ،‬لوال أن هللا تعالى نص‬
‫علينا من كفرهم ما نص كقوله تعالى عنهم‪ :‬إنهم قالوا عزي ار ابن هللا‪ ،‬ويد هللا مغلولة‪،‬‬
‫وأن هللا فقير ونحن أغنياء‪ ،‬لما استجزنا ذكر ما يقولون لشنعته وفظاعته‪ ،‬ولكننا‬
‫اقتدينا بكتاب هللا عز وجل في بيان كفرهم‪ ،‬والتحذير منهم"‪.1‬‬

‫هكذا كان رأي ابن حزم في اليهود وأحوالهم‪ ،‬وما رأى هو وشاهده وما قرأه عنهم‬
‫خاصة وأنهم حينها قد استبدوا باألمر وملكوا المسلمين نتيجة لضعف ملوك الطوائف‬
‫الذين ال هم لهم سوى كراسيهم وحمايتها بأي ثمن وإن كان على حساب الدين‬
‫والشرف‪.‬‬

‫ولم يسلم النصارى من انتقادات ابن حزم؛ فقد تحدث ابن حزم في أكثر من موضع في‬
‫كتابه (الفصل في الملل واألهواء والنحل) عن تناقض اإلنجيل بسبب ما تعرض له من‬
‫تحريف‪ ،‬ومن ذلك أن اإلنجيل الواحد تتناقض نصوص إصحاحاته مع بعضها بعضا؛‬
‫فعلى سبيل المثال جاء في أحد إصحاحات إنجيل يوحنا أن المسيح عليه السالم تسلم‬
‫مقاليد الكون حسب ادعاءات النصارى‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد يقول ابن حزم‪ » :‬وفي الباب الثالث من إنجيل يوحنا أن يحيى عليه‬
‫السالم قال عن المسيح‪ :‬قد رضي األب عن الوالد وبرئ إليه بجميع األشياء‪ ،‬وفي‬
‫الباب الخامس من إنجيل يوحنا أيضا‪ :‬ولهذا كانت اليهود تريد قتله؛ ألنه كان ليس‬
‫يفسح عليهم ُسنة السبت فقط‪ ،‬لكنه كان يدعي هللا أبا ويسوي نفسه به‪ ،‬وبعد بيسير‬
‫أن المسيح قال‪ :‬كما ُيحيي األب الموتى ويقيمهم كذلك ُيحيي اإلبن من وافقه‪ ،‬وما‬
‫يحكم األب على أحد؛ ألنه برئ بالحكم إلى سليله «‪.2‬‬

‫‪ - 1‬ابن حزم‪ ،‬رسائل ابن حزم األندلسي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ -2‬ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬دار الندوة الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1320 ، 1‬هـ ‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.176-175‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ويضيف ابن حزم‪ » :‬هذا كفر ما قدرنا أحدا ينطق به لسانه حتى سمعناه من قبل هذا‬
‫الكافر يوحنا ‪ -‬لعنه هللا‪ -‬والحمد هلل رب العالمين «‪.1‬‬

‫ومن أهم االنتقادات التي وجهها ابن حزم للنصارى قوله‪ » :‬فوجدنا شريعة النصارى‬
‫في غاية الفساد لوجوه‪ :‬أحدها قولهم بخالف التوحيد في اإلبن واألب وروح القدس‪،‬‬
‫والثاني لفساد نقلهم لرجوعه إلى ثالثة فقط‪ ،‬وهم مرقس ولوقا ويوحنا الناقل عن متى؛‬
‫فوضح عليهم الكذب وأن أناجيلهم متضادة‪ ،‬ظاهرة الكذب في أخبارها؛ فبطلت الثقة‬
‫بنقلهم‪ ،‬مع أنها شريعة معمولة من أساقفتهم وملوكهم بإقرارهم‪ ،‬وما كان هكذا؛ فاألخذ‬
‫صح أنه جاء به المرسل عن هللا تعالى‬
‫به ال يجوز؛ إذ ال يجوز في هذا المكان إال ما ّ‬
‫« ‪.2‬‬

‫أثبت ابن حزم فساد عقيدة التثليث عند النصارى‪ ،‬وبين في مساجالته أنها تتناقض مع‬
‫التوحيد الصحيح بأدلة كثيرة‪ ،‬كمحاولته معرفة األقانيم‪ 3‬ببعضها حيث سألهم عن‬
‫عالقة الكلمة باألب واالبن والروح القدس » ويقال لهم‪ :‬الكلمة هي األب أو اإلبن أو‬
‫روح القدس؟ أم شيء رابع؟ فإن قالوا شيء رابع؛ فقد خرجوا عن التثليث إلى التربيع‪،‬‬
‫وإن قالوا إنها أحد الثالثة سئلوا عن الدليل على ذلك؛ إذ العوى ال يعجز عنها أحد «‪.4‬‬

‫‪ )2 2‬الخالفة واإلمامة‪:‬‬
‫تعد مسألة الخالفة واإلمامة في الدين اإلسالمي مسألة عظيمة ألنها تعتبر قوام الدين‬
‫وخالفة هللا تعالى في أرضه ولذلك انقسمت األمة اإلسالمية حول هذه المسألة إلى‬
‫عدة فرق كالخوارج والشيعة والسنة‪ ،‬وقد ظهر هذ الخالف بعد مقتل عثمان بن عفان‬
‫رضي هللا عنه ولذلك عدت الخالفة من العقيدة حيث إن كل فرقة من الفرق انشقت‬
‫على أساس الخالفة فكونت لنفسها عقيدتها الخاصة التي من ضمنها قضية الخالفة‬

‫‪ -1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.176‬‬


‫‪ -2‬ابن حزم‪ ،‬رسائل ابن حزم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.137‬‬
‫‪ -3‬األقانيم‪ :‬األصول واحدها أقنوم‪ ،‬قال الجوهري وأحسبها رومية‪ ،‬ابن منظور محمد بن مكرم (ت‪711‬هـ‪1311/‬م)‪،‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،12‬ص‪.496‬‬
‫‪ -4‬ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.119‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وعلى هذا األساس فقد ألف العلماء في مسألة الخالفة قديما وحديثا عدة مؤلفات وقد‬
‫كان من ضمن هؤالء ابن حزم الذي ألف كتابا سماه ــ كتاب اإلمامة ــ تناول فيه‬
‫بالدرس مختلف القضايا والمسائل التي لها عالقة بمشكل الخالفة في اإلسالم لكن‬
‫التاريخ لم يحفظ لنا منه سوى شذرات هي في األصل ُنُقول منه وردت في كتاب ــ‬
‫الشهب الالمعة في السياسة النافعة ــ البن رضوان؛ مما جعل معرفتنا بموقف ابن حزم‬
‫من مسائل اإلمامة والسياسة تبقى ناقصة‪ ،‬غير أن النصوص العديدة حول اإلمامة‬
‫التي يزخر بها الجزء الرابع من كتاب ــ الفصل ــ عوضت على الباحثين النقص الذي‬
‫سببه افتقارهم إلى كتاب ــ اإلمامة ــ األصلي خصوصا وأنها كتبت بعد اختمار ونضج‬
‫سياسيين‪ ,‬وبعد اعتزال ابن حزم السياسة وانكبابه على الدرس والتحصيل عقب قتل‬
‫المستظهر باهلل عام ‪ 414‬هـ ـــ ‪ 1023‬م وخروج ابن حزم من السجن بعد ثورة أهل‬
‫قرطبة على المستكفي عام ‪ 416‬هـ ‪ 1025‬م وبعد أن استشرى الفساد في األندلس‬
‫وانقسمت على نفسها إلى دويالت ومماليك وإمارات؛ إبان سقوط الخالفة‪ ،‬وبذلك تكون‬
‫نظرية ابن حزم السياسية؛ قد جاءت لتخدم موقفه السياسي شأنه في ذلك شأن جميع‬
‫الفقهاء‪.1‬‬

‫ولقد فصل ابن حزم القول في الخالفة وناقش فيها الفرق المختلفة ما بين الشيعة‬
‫والخوارج بطوائفهم المختلفة‪ ،‬وكان كشأنه في كل ما يكتب يؤثر اإلطناب على اإليجاز؛‬
‫ويناقش أدلة مخالفيه دليال دليال بلغته الصارمة العنيفة‪.2‬‬

‫وقد قال في بداية حديثه عن اإلمامة ‪" :‬اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع‬
‫الشيعة وجميع الخوارج على وجوب اإلمامة وإن األمة واجب عليها االنقياد إلمام عادل‬
‫يقيم فيهم أحكام هللا ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا ال يلزم الناس فرض اإلمامة وإنما عليهم‬
‫َّللا‬ ‫ِ‬
‫يعوا ه َ‬
‫أن يتعاطوا الحق بينهم‪ ...‬وقد ورد بإيجاب اإلمام من ذلك قوله تعالى‪( :‬أَط ُ‬

‫‪ 1‬ـ سالم يفوت‪ ،‬ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب واألندلس‪ ،‬المركز الثقافي المغربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪ ،1‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪ ،1986‬ص‪ ،‬ص‪. 63‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 240‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ول َوأُولِي أاأل أَم ِر ِم ُ‬


‫نك أم)‪ ،1‬مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة األئمة‬ ‫ِ‬
‫الر ُس َ‬
‫يعوا ه‬
‫َوأَط ُ‬
‫وإيجاب اإلمامة"‪.2‬‬

‫فابن حزم يقرر أن اإلمامة فرض الزم‪ ،‬وال يمكن قيام األحكام إال بإمام؛ وإال عمت‬
‫الفوضى "وهذا مشاهد في البالد التي ال رئيس لها فإنه ال يقام هناك حكم حق وال حد‬
‫حتى ذهب الدين في أكثرها "‪.3‬‬

‫ويرى أن اإلمامة لرجل واحد مهما كان إذ الظلم في عهده أقل " فلم يبق وجه تتم به‬
‫األمور إال اإلسناد إلى واحد فاضل عالم حسن السياسية قوي على اإلنفاذ إال أنه وإن‬
‫كان بخالف ما ذكرنا فالظلم واإلهمال معه أقل منه مع االثنين فصاعدا"‪.4‬‬

‫وقد رد في هذا المجال على النجدات من الخوارج وحاججهم باألدلة وبدأ بعد ذلك في‬
‫الشروع في شروط اإلمامة وذكر الخالف الحاصل حول المسألة لكنه يقر بمذهب أهل‬
‫السنة من كون اإلمامة والخالفة في قريش عمال بظاهر النص على عادته حيث يقول‬
‫في ذلك‪:‬‬

‫"وبوجوب اإلمامة في ولد فهر بن مالك خاصة نقول بنص رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم على أن األئمة من قريش وعلى أن اإلمامة في قريش وهذه رواية جاءت مجيء‬
‫التواتر"‪ .5‬واألمر ال يشمل سوى القرشيين وال يتعلق بمواليهم وحلفائهم كما يرى ذلك‬
‫وأن اإلجماع منعقد على ذلك‪ ،‬وذكر الخالف الحاصل حول قريش نفسها؛ بين الفرق‬
‫اإلسالمية حيث يقول في ذلك‪" :‬واختلف القائلون بإن اإلمامة ال تجوز إال في صلب‬
‫قريش"‪ ،6‬وذكر أقوال كل طائفة ورد عليها وخاصة الشيعة الذين يرون أن األمر في‬

‫‪ 1‬ـ سورة النساء اآلية ‪.59‬‬


‫‪ 2‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪.87‬‬
‫‪ 3‬ـ نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 57‬‬
‫‪ 4‬ـ نفسه‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪.87‬‬

‫‪ 5‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 89‬‬
‫‪ 6‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.90‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫آل علي وأن الخالفة وراثية؛ حيث رد حججهم وأقاويلهم ودحضها وخاصة ما يزعمون‬
‫من كون الرسول صلى هللا عليه وسلم ترك له وصية بذلك وأنه ترك ذكرها خوفا من‬
‫الموت‪ ،‬ويرد ابن حزم بقوله ‪" :‬وال يجوز أن يظن بعلي رضي هللا عنه أنه أمسك عن‬
‫ذكر النص عليه خوف الموت وهو األسد شجاعة "‪. 1‬‬

‫ويذكر بعد هذا الشروط الالزمة الختيار اإلمام وما تصح به اإلمامة‪" :‬فكل قرشي بالغ‬
‫عاقل بادر إثر موت اإلمام الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعدا فهو اإلمام‬
‫الواجب طاعت ه ما قادنا بكتاب هللا تعالى وبسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم التي أمر‬
‫الكتاب بإتباعها؛ فإن زاغ عن شيء منهما منع من ذلك وأقيم عليه الحد والحق فإن لم‬
‫يؤمن أذاه إال بخلعه خلع وولي غيره منهم"‪ .2‬وكان رأي ابن حزم هذا تأييدا ضمنيا‬
‫لما قام به خلفاء بني أمية بعد اندالع الفتنة حيث يقوم واحد منهم بدعوة الناس‬
‫لمبايعته كما حدث مع المستظهر عام ‪414‬هـ ـ ‪1023‬م الذي سانده ابن حزم ووقف‬
‫إلى جانبه عندما رأى ما حل باألندلس حينها وتشتتها إلى عدة واليات متناحرة فيما‬
‫بينها ومحاولة منه إلعادة الخالفة األموية الضائعة والتي ارتبط بقيامها ازدهار‬
‫اإلسالم باألندلس‪ ،‬وباستمرارها كسلطة وحدة األندلس؛ فموقفه هذا هو موقف بديل‬
‫أورد فعل فقيه حز في نفسه التشتت واالنقسام اللذين أصبحت عليهما الحال في‬
‫األندلس‪ .3‬ويسترسل ابن حزم في ذكر الشروط الالزمة للخليفة‪" :‬وجميع فرق القبلة‬
‫ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة وال صبي إال الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير‬
‫الذي لم يبلغ والحمل في بطن أمه وهذا خطأ ألن من لم يبلغ فهو غير مخاطب واإلمام‬
‫مخاطب بإقامة الدين‪ ،" 4‬وبهذا ال يرى صحة اإلمامة وال الصغير وهذا هو المذهب‬
‫الصواب وال يعتد بخالف الروافض حيث ناقشهم باألدلة؛ فهم يرون أن اإلمامة وراثية‬
‫وهذا ما ال يقره ابن حزم وأهل السنة عامة‪ ،‬كما ناقش قول الباقالني من أنه واجب أن‬

‫‪ 1‬ـ نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 97‬‬


‫‪ 2‬ـ نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 107‬‬
‫‪ 3‬ـ سالم يفوت‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 64‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 110‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫يكون اإلمام أفضل األمة ورد قوله واحتج بكون الصحابة أجمعوا على إلى إمامة‬
‫الحسن ومعاوية رضي هللا عنهما وقد كان في الناس من هو أفضل منهم بال شك‬
‫كسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد رضي هللا عنهما‪ .1‬وفي كالمه هذا ميل إلى بني‬
‫أمية حيث إن أمرائهم تولوا الخالفة وفي األمة من هو أفضل منهم وقد قال في حق‬
‫اإلمام‪" :‬وإنما يجب أن يكون اإلمام قرشيا بالغا ذك ار ممي از بريئا من المعاصي الظاهرة‬
‫حاكما بالقرآن والسنة فقط وال يجوز خلعه مادام يمكن منعه من الظلم فإن لم يمكن إال‬
‫(وَت َع َاوُنوا‬
‫بإزالته ففرض أن يقام بكل ما يوصل به إلى دفع الظلم لقول هللا تعالى ‪َ :‬‬
‫ِ ِ ‪3 2‬‬ ‫َّللا ِإ هن ه ِ‬ ‫َعَلى األِبِّر َوالهت أق َوى َوال َت َع َاوُنوا َعَلى أِ‬
‫اإل أثمِ َواأل ُع أد َو ِ‬
‫يد األعَقاب) ‪.‬‬ ‫َّللا َشد ُ‬
‫َ‬ ‫ان َواهتُقوا ه َ‬

‫هذه هي الشروط التي يراها ابن حزم من أجل استحقاق اإلمامة ومذهبه في هذا مذهب‬
‫أهل السنة‪ ،‬وقد كان التأثر بنزعته األموية واضحا في كالمه خاصة في نقده للطوائف‬
‫المخالفة كالشيعة والخوارج وقد أدرج فصال ضمن اإلمامة يتعلق بالمفاضلة بين‬
‫الصحابة حيث يرى رحمه هللا أن أفضل الناس بعد النبي صلى هللا عليه وسلم واألنبياء‬
‫بصفة عامة هم نساؤه صلى هللا عليه وسلم حيث يقول ‪" :‬والذي نقول به وندين هللا‬
‫تعالى عليه ونقطع على أنه الحق عند هللا عز وجل أن أفضل الناس بعد األنبياء‬
‫عليهم الصالة والسالم نساء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثم أبو بكر وال خالف بين‬
‫أحد من المسلمين في أن أمة محمد صلى هللا عليه وسلم أفضل األمم"‪ .4‬وقد وضع‬
‫شروطا للمفاضلة من وجدت فيه استحق األفضلية وهي بحسب قدم المرء في اإلسالم‬
‫وأسبقيته وعمله في أوقات الشدة وجهاده ضد المشركين بلسانه وسيفه وعلى هذا كان‬
‫تفضيله للصحابة على هذا األساس ويعتمد على األدلة من الكتاب والسنة لتقوية‬
‫موقفه ودحض حجج مخالفيه ‪ ,‬وفي تفضيل نساء النبي صلى هللا عليه وسلم على‬
‫الشيعة من األساس ‪ ,‬إذ يعتبرون أفضلية أئمتهم‬ ‫فاطمة ابنته نسف لمعتقدات‬
‫مستمدة من فاطمة رضي هللا عنها فإذا كان غيرها من النساء أفضل منها حسب رأيه‬

‫‪ 1‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 110‬‬


‫‪ 2‬ـ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 112‬‬

‫‪135‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫بطلت حجتهم ‪ ,‬وقد قدم دليال على فضلية نساء النبي صلى هللا عليه وسلم على‬
‫بناته؛ بقوله ‪" :‬وأما فضلهن على بنات النبي صلى هللا عليه وسلم فبين بنص القرآن‬
‫الشك فيه قال هللا عز وجل‪( :‬يا ِنساء الهنِب ِي َلس ُت هن َكأَح ٍد ِمن الِّنس ِ‬
‫اء ِإ ِن اهتَقأي ُت هن )‪1‬؛‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ّ أ‬ ‫َ َ َ‬
‫فهذا بيان قاطع ال يسع أحدا جهله"‪.2‬‬

‫وعلى العموم فإن كالم ابن حزم حول المفاضلة بين الصحابة كان كرد على الطوائف‬
‫األخرى من شيعة وخوارج حيث هناك الغلو الزائد لدى الشيعة في آل البيت وجفاء لدى‬
‫الخوارج حيث كفروا عليا ومعاوية‪ ،‬ويهاجم ابن حزم كلتي الطائفتين ويصفهم بأنهم‬
‫شر الخلق‪ ،‬وكان الهدف من وراء ذكر المفاضلة هو بيان ضعف حجج كلتي‬
‫الطائفتين وبيان الحكم الشرعي في مسألة الخالفة حيث ذكر فصال في صحة إمامة‬
‫المفضول كما تقدم وهذا هو مذهب أهل السنة‪.‬‬

‫أما بالنسبة لكيفية تولية الخالفة عند ابن حزم فهو يذكر في ذلك عدة أوجه استمدها‬
‫من عمل الصحابة حيث يقول‪" :‬ذهب قوم إلى أن اإلمامة ال تصح إال بإجماع فضالء‬
‫األمة في أقطار البالد وذهب آخرون إلى أن اإلمامة إنما تصح بعقد أهل حضرة اإلمام‬
‫والموقع الذي فيه قرار األئمة ‪ .....‬ولم يختلفوا في أن عقد اإلمامة تصح بعهد من‬
‫اإلمام الميت إذا قصد فيه حسن االختيار لألمة عند موته ولم يقصد بذلك هوى"‪.3‬‬
‫وهذا المذهب األخير هو الذي يرى ابن حزم أنه هو األصلح واألفضل إذ يقول‪" :‬فوجدنا‬
‫عقد اإلمامة يصح بوجوه أولها وأفضلها وأصحها أن يعهد اإلمام الميت إلى إنسان‬
‫يختاره إماما بعد موته وسواء فعل ذلك في صحته أو في مرضه وعند موته إذ ال نص‬
‫وال إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه كما فعل الرسول صلى هللا عليه وسلم بأبي‬
‫بكر وكما فعل أبو بكر بعمر وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره لما في هذا الوجه من اتصال اإلمامة وانتظام‬

‫‪ 1‬ـ سورة األحزاب اآلية ‪.32‬‬


‫‪ 2‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 121‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 167‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أمر اإلسالم وأهله ورفع ما يتخوف من االختالف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء‬
‫األمة فوضى ومن انتشار األمر وارتفاع النفوس وحدوث األطماع"‪.1‬‬

‫وفي هذا الوجه نظر بل إن العقد هو البيعة نفسها‪ ،‬وال تنعقد الخالفة إال بالمبايعة كما‬
‫حدث مع الصديق في سقيفة بني ساعدة حيث بايعه عمر‪ ،‬وعقد اإلمامة يكون‬
‫بالمبايعة ال االستخالف نفسه؛ فليس مجرد االستخالف تنعقد به اإلمامة إنما تنعقد‬
‫بالمبايعة؛ فعمر لم يعد خليفة حتى بايعه الناس في خالفة الصديق وبعد وفاته حيث‬
‫ختم عليه وأمر عثمان أن يعلن في الناس أنه قد اختار لهم فهل يبايعون فبايعوا؛‬
‫فبذلك انعقدت خالفته‪ ،‬وهذا الوجه قد أدى إلى أن زل األمر إلى وراثة؛ فالملك األموي‬
‫في الشرق والغرب كان أساسه الوراثة ولم يكن غيرها أساسا‪ ،‬وكان هذا كافيا ألن‬
‫يجعله يتردد‪ ،‬وال يعتبر العهد من الخليفة السابق إلى الذي يليه أصلح الختيار‬
‫الخليفة؛ فإنه لم يؤد إلى الوراثة فقط بل أدى إلى أمرين خطيرين هما‪:‬‬

‫‪ 1‬ـــ أنه كان يعهد بالخالفة إلى من ال يصلح لها إما لصغره أو لضعف قواه أو‬
‫إلعالنه الفسق والفساد‪ ،‬وإن العيش الطري الذي كان يعيشه أولئك الملوك الذين كانوا‬
‫يتسمون بأسماء الخلفاء أو أمراء المؤمنين ظلما وعدوانا لم يجعل منهم رجال قويا ذا‬
‫إرادة نافذة بل كانت تضعف طبقاتهم جيال بعد جيل حتى ينحل األمر‪ ،‬وينتشر الفساد‬
‫ويستبد بهم العبيد والخدم‪ ،‬ويكون أمر المسلمين للجواري الحسان والعبيد والغلمان‪،‬‬
‫وقد رأى ذلك ابن حزم وعاينه‪ ،‬واستقراه في التاريخ ودونه وفوق ذلك فإن العهد على‬
‫ذلك الوضع ليس له أساس من الشرع‪ ،‬وال من عمل الصحابة األولين‪ ،‬إنما هي بدعة‬
‫ابتدعها معاوية في اإلسالم‪.2‬‬

‫‪ 1‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 169‬‬


‫‪ 2‬ـ أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 251‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ 2‬ــ أنه أدى إلى أن صار الحكم استبداديا غاشما ‪,‬فذهبت الشورى وتعطل لب الحكم‬
‫ور ٰى َبأيَن ُه أم) ‪ ،1‬وال أدرى كيف سوغ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وهو الشورى كما قال تعالى‪َ ( :‬وأ أ‬
‫َمُرُه أم ُش َ‬
‫ابن حزم لنفسه تعطيل ذلك النص‪.2‬‬

‫ويقر ابن حزم وجها آخر الختيار الخليفة وتنعقد به اإلمامة‪ " :‬الثاني إذا مات اإلمام‬
‫ولم يعهد إلى أحد أن يبادر رجل مستحق لإلمامة فيدعو لنفسه وال منازع له ففرض‬
‫إتباعه واالنقياد لبيعته والتزام إمامته"‪ ،3‬ويحتج بفعل علي بن أبي طالب عند مقتل‬
‫عثمان بن عفان رضي هللا عنهما وإمرة خالد بن الوليد رضي هللا عنه لجيش مؤتة‬
‫عند مقتل األمراء الثالثة‪ ،‬وال حجة قطعية في هذه المسألة؛ فعلي رضي هللا عنه لم‬
‫يدع لنفسه إال بعد إلحاح الناس عليه للخروج للبيعة‪ ،‬وخالد يريد إنقاذ جيش في أحلك‬
‫المواقف‪ ،‬وهذا الوجه يشبه الوجه الرابع في انعقاد البيعة‪ " :‬فإن مات اإلمام ولم يعهد‬
‫إلى إنسان بعينه فوثب رجل يصلح لإلمامة فبايعه واحد فأكثر ثم قام آخر ينازعه ولو‬
‫بطرفة عين بعده فالحق حق األول وسواء كان الثاني أفصل منه أو مثله أو دونه‬
‫فاضربوا‬ ‫لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬فوا بيعة األول فاألول فمن جاء ينازعه‬
‫عنقه"‪.4‬‬

‫وفي هذين الوجهين يقرر ابن حزم صحة إمامة من يدعو إلى نفسه وهذا ما حصل‬
‫بالذات في عهده باألندلس حيث يقيم بين الفينة واألخرى أحد بني أمية يدعي الناس‬
‫لبيعته‪،‬وكأنه بهذا القول يؤيد فعلهم بل ويحاول تأصيله شرعيا‪ ،‬وال يخلو هذين‬
‫الوجهين من بعض الشوائب ‪ ,‬فهو يشكل خط ار على الجماعة اإلسالمية ‪ ،‬بل إنه‬
‫الفوضى في ذاته ‪ ,‬كيف يقال إن كل من يدعو لنفسه ممن يستوفي شروط الخالفة‪،‬‬
‫وكل مدع يزعم في نفسه أنه استوفاها قد عقدت له اإلمامة بهذا االدعاء ما دام قد‬

‫‪ 1‬ـ سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬


‫‪ 2‬ـ أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص ‪252‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.170‬‬
‫‪ 4‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 170‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫سبق غيره باالدعاء ولو بطرفة عين‪ ،‬وهل يكون أمر المسلمين على رجل بمجرد‬
‫الدعوة لنفسه إن ذلك غريب في بابه‪.1‬‬

‫وله وجه آخر الختيار الخليفة حيث يقول‪" :‬والوجه الثالث أن يصير اإلمام عند وفاته‬
‫اختيار خليفة المسلمين إلى رجل ثقة أو إلى أكثر من واحد كما فعل عمر رضي هللا‬
‫عنه عند موته وليس عندنا في هذا الوجه إال التسليم لما أجمع عليه المسلمون حينئذ‬
‫وال يجوز التردد في االختيار أكثر من ثالث ليال"‪.2‬‬

‫ويختم أوجه انعقاد اإلمامة بقوله‪ " :‬فبأحد هذه الوجوه تصح اإلمامة وال تصح بغير‬
‫هذه الوجوه البتة "‪.3‬‬

‫ويالحظ على ابن حزم في اختيار اإلمام أنه كان ظاهريا في حكمه في عقد اإلمامة؛‬
‫ُ‬
‫كشأنه في كل األحكام الشرعية فهو ينظر إلى األمر الذي أقره الصحابة مجتمعين‬
‫عليه؛ فوجده ال يخرج عن هذه الوجوه إذا ما استثنينا الوجه الرابع والذي ال يعتبره هو‬
‫وجها مستقال بقدر ما هو فتوى أو إقرار منه لبعض الخلفاء أو األمراء الذين فعلوا ذلك‬
‫وخاصة معاصريه الذين ساندهم‪.‬‬

‫وترى ابن حزم يقرر ذلك المبدأ اإلسالمي العادل من أنه ال توارث في الخالفة‬
‫اإلسالمية بقوله‪" :‬وال خالف بين أهل اإلسالم في أنه ال يجوز التوارث فيها وال في أنها‬
‫ال تجوز لمن لم يبلغ حاشا الروافض فإنهم أجازوا األمرين وال خالف بين أحد في أنها‬
‫ال تجوز المرأة"‪.4‬‬

‫وهذا هو الحق فما عرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه قال ذلك؛ فأمر‬
‫المسلمين شورى بينهم وال شورى إال إذا كان المسلمون لهم الحق في اختيار الخليفة‬

‫‪ 1‬ـ أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 252‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 170‬‬
‫‪ 3‬ـ المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 167‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 243‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫من‬ ‫وليس مفروضا عليهم بوراثة جبرية‪ ،1‬ويذكر ابن حزم بعض الصفات التي‬
‫المفترض أن تكون في الخليفة إذ يقول‪" :‬والغاية المأمولة فيه أن يكون رفيقا بالناس‬
‫في غير ضعف‪ ،‬شديدا في إنكار المنكر من غير عنف وال تجاوز للواجب مستيقظا‬
‫غير غافل شجاع النفس غير مانع للمال في حقه وال مبذر له في غير حقه‪ ،‬ويجمع‬
‫هذا كله أن يكون اإلمام قائما بأحكام القرآن وسنن رسول هللا صلى هللا عليه وسل‬
‫فهذا يجمع كل فضيلة "‪.‬‬

‫وبعد الشروط التي قدمها ومنها أن يكون قرشيا بالغا عاقال ممي از رجال مسلما متقيا هلل‬
‫عز وجل عالما بما يلزمه من فرائض الدين ‪ ,‬غير معلن للفساد في األرض؛ قال‪:‬‬
‫"فصح أن والية من لم يستكمل هذه الشروط الثمانية باطل ال يجوز وال ينعقد أصال"‪.2‬‬

‫ويتضح مما سبق أن نظرية الخالفة لدى ابن حزم تلجأ إلى التاريخ لتجعل منه شاهدا‬
‫على شرعيتها كنظرية حاضرة تستند إلى مشروع سياسي ظرفي‪ ،‬إنها تقرأه بإرادة ثابتة‬
‫وثاوية في نفس الوقت إنها إرادة تمثله على نحو يحيله إلى سند للتبرير والتأويل‪،‬‬
‫بغية تحويله إلى مصدر للمشروعية مما يجعله مصد ار للتشريع والعمل‪ ،‬أحداثه‬
‫وتعاقبها في الزمان تخضع الستمرارية تحقق الشرعية في الجماعة اإلسالمية‬
‫واإلجماع‪.3‬‬

‫ويلمح الدارس لمواقف ابن حزم من الخالفة واإلمامة صدوره في ذلك عن تجاربه‬
‫المتأثرة باألوضاع السياسية باألندلس إبان الفتنة ثم سقوط الخالفة‪ 4‬وهكذا قدم لنا ابن‬
‫حزم نظرته لإلمامة وكيفية انعقادها وشروطها وعلى العموم فهو يسير على الخط‬
‫السني غير أن فيه ميوال واضحا لتبرير ما قام به األمراء األمويون منذ عهد معاوية‬
‫حتى عصره؛ في األندلس والشام ‪,‬وخاصة في االستخالف قبل الموت وهذا الوجه الذي‬
‫صرح بأنه يرضاه وإن استند إلى رأي أبي بكر؛ إال أن أبا بكر لم يعين أحدا من قبيلة‬

‫‪ 1‬ـ أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 243‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 167‬‬
‫‪ - 3‬سالم يفوت‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.79 -78‬‬
‫‪ - 4‬ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.79‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫بني تيم أحرى أن يعين أحد أوالده بخالف بني أمية الذين ورثوا األمر ألبنائهم حتى‬
‫قال بعض الصحابة حينها سنة قيصر وكسرى إذ لم تعهد في اإلسالم قبل ذلك حاشا‬
‫سليمان بن عبد الملك فقد خلف ابن عمه حفاظا على البيت األموي ولم يعطيها لغيره‬
‫من مستحقيها القرشيين وإن كان قد وفق في االختيار‪ ،‬وكما كان قوله بجواز دعوة‬
‫الشخص لنفسه أيضا حيث كان في زمانه أمراء بني أمية يدعون ألنفسهم السترداد‬
‫خالفتهم الضائعة والتي ساندها ابن حزم بقوة ووقف إلى جانبها وهكذا كانت نظرية‬
‫ابن حزم السياسية للخالفة واإلمامة ولنعرج اآلن على رأيه في التقليد واالجتهاد‪.‬‬

‫‪ -3 3‬التقليد واالجتهاد‪:‬‬
‫آ‪ -‬التقليد‪ :‬لقد عرف ابن حزم كما تقدم بظاهريته في أخذ األحكام من الكتاب والسنة‬
‫واإلجماع‪ ،‬وال يرى رأي الرجال حجة أو تأويل النصوص‪ ،‬ولذلك فقد أبطل التقليد ألي‬
‫شخص مهما كان حاشا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حيث يقول‪" :‬والتقليد حرام وال‬
‫يحل ألحد أن يأخذ بقول أحد بال برهان"‪ .1‬ويستدل لهذه القضية وهي تحريم التقليد في‬
‫دين هللا سواء أكان متعلقا بأمر متصل بالعقيدة أم كان متعلقا بأمر يتصل بالعمل‪،‬‬
‫يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب ودليل من اإلجماع ومن أقوال أهل العلم‪ .2‬أما‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب فيستدل بقوله تعالى‪( :‬اَهتب ُعوا َما أُأن ِز َل إَلأي ُك أم م أن َرّبِ ُك أم َوالَ َتهتب ُعوا م أن ُدونه أ أَولَِي َ‬
‫اء‬
‫َقلِيالٌ َما َت هذ َكُرو أن) ‪.3‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫هللا َقاُلوا َب أل َنهتب ُع َما أَألَفأيَنا َعَلأيه آََب َ‬
‫اءَنا)‬ ‫يل َل ُه أم اهتب ُعوا َما أَأنَز َل ُ‬
‫(وِإ َذا ق َ‬
‫وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪4‬‬

‫ين َي أس َت ِم ُعو َن األَق أو َل َفَيهتِب ُعو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫وبقوله تعالى مادحا لقوم لم يقلدوا‪َ ( :‬فَب ِشأر عَبادي اهلذ َ‬

‫‪ - 1‬ابن حزم‪ ،‬علي بن أحمد بن سعيد‪ ،‬النبذ في أصول الفقه الظاهري‪ ،‬مكتبة دار الهداية‪ ،‬مدينة نصر‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 2‬أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪269‬‬
‫‪ - 3‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪. 3‬‬
‫‪ - 4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.170‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫اب)‪ 1‬؛ وبقوله تعالى‪َ ( :‬فِإ أن َتَن َاز أع ُت أم ِفي‬ ‫ِ ِ‬


‫ُولئك ُه ُم أاألَ ألَب أ‬
‫هللا َوأ َ‬
‫اه ُم ُ‬ ‫َح َسَنه أُولئ َك اهلذ َ‬
‫ين َه َد ُ‬ ‫أأ‬
‫الرسول ِإن ُكأن ُتم ُتؤ ِمُنو َن ِب ِ‬
‫اهلل َواألَي أومِ أاآل ِخ ِر)‪.3 2‬‬ ‫ِ‬
‫أ‬ ‫وه إَلى هللا َو ه ُ ُ أ‬ ‫َش أي ٍء َفُرُد ُ‬

‫وفي هذه اآليات يأمرنا هللا سبحانه وتعالى أن ال نتبع إال ما أنز له علينا فال نتبع‬
‫األولياء ومن قلد فقد اتبع األولياء‪ ،‬ويمدح الذين يزنون األقوال وال يقلدون فيها بل‬
‫يتبعون بعد الموازنة أحسنها وفي آخر هذه اآليات أمرنا بأن نرد عند االختالف األمر‬
‫إلى كتاب هللا سبحانه وتعالى وسنة رسوله فنتبع أقربها إليه حيث يقول في ذلك‪" :‬فلم‬
‫يبح هللا تعالى الرد على أحد عند التنازع دون القرآن أو السنة"‪ .4‬وبعد ذلك يسوق‬
‫دليل اإلجماع‪ ،‬إذ يقرر أنه قد صح عن الصحابة إجماعهم رضي هللا عنهم على منع‬
‫التقليد فيقول‪" :‬وقد صح إجماع جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وإجماع جميع‬
‫التابعين أولهم عن آخرهم على االمتناع والمنع من أن يقصد منهم أحد إلى قول‬
‫إنسان منهم أو من قبلهم فيأخذه كله"‪ .5‬أي أن الصحابة والتابعين قد أجمعوا على أنه‬
‫ال يجوز إلنسان أن يجيء إلى عالم فيأخذ كل أقواله ويقلدها ويتبعه فيما وصل إليه‬
‫ال يفرق بين قول وال قول أي يتمذهب بمذهب ذلك العالم ويتبعه فيه ولذلك يشنع‬
‫على المتبعين للمذاهب بقوله‪" :‬فليعلم من أخذ بجميع قول أبي حنيفة أو جميع قول‬
‫مالك أو جميع قول الشافعي أو جميع قول أحمد بن حنبل رضي هللا عنهم ممن يتمكن‬
‫من النظر‪ ،‬ولم يترك من اتبعه منهم إلى غيره أنه قد خالف إجماع األمة كلها عن‬
‫آخرها واتبع غير سبيل المؤمنين"‪ .6‬فهو بهذا يقرر‪ ،‬وقوله الحق‪ ،‬أن أهل النظر‬
‫واإلد ارك ومن توافرت عندهم أدوات االجتهاد ال يسوغ لهم أن يقلدوا إماما في كل ما‬
‫يقوله‪ ،‬أو كل ما قال وقرر من غير ترجيح بدليل على دليل وأن ذلك حق سائغ ال‬
‫مجال للريب فيه‪ . 7‬وقد قرر أن من يقلد ذلك التقليد فقد خالف األئمة األربعة ألنهم‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر اآلية ‪.18‬‬


‫‪ - 2‬سورة النساء اآلية ‪.59‬‬
‫‪ - 3‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪54‬‬
‫‪ - 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 5‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪54‬‬
‫‪ - 6‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪54‬‬
‫‪ - 7‬أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪270‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫دعوا إلى عدم أخذ أقوالهم من غير معرفة أدلتهم" وأيضا فإن هؤالء األفاضل نهوا عن‬
‫تقليدهم وتقليد غيرهم؛ فقد خالفهم من قلدهم"‪.1‬‬

‫ويعجب ابن حزم من أن يختص األئمة األربعة بالتقليد كما اختص الشيعة بتقليد‬
‫أئمتهم دون غيرهم من الصحابة المأثورة عنهم الفتوى وهم من علية الصحابة ويرى‬
‫أن األولى تقليد الصحابة من هؤالء األئمة وخاصة عمر وعلي وأنه ال مرجح بأن يقلد‬
‫أبو حنيفة أو الشافعي أو مالك أو أحمد دون غيرهم من علية الصحابة كأبي بكر‬
‫وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أثرت عنهم‬
‫فتيا في فروع كثيرة وقعت حيث يقول‪" :‬فما الذي جعل رجال من هؤالء أو من غيرهم‬
‫أولى بأن يقلد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أو علي أو ابن عباس أو أم‬
‫المؤمنين عائشة رضي هللا عنهم فلو صاغ التقليد لكان هؤالء أولى بأن يتبعوا من‬
‫األئمة األربعة " ‪ .2‬كما أنه يرد على من يزعم أنه ليس بمقلد‪" :‬ومن أدعى من‬
‫المنتسبين إلى هؤالء أنه ليس مقلد هو نفسه‪ ،‬أو العالم بأنه كاذب ثم سائر من سمعه‬
‫ألنا نراه ينصر كل قولة بلغته لذلك الذي انتمى إليه وإن لم يعرفها قبل ذلك وهذا هو‬
‫التقليد بعينه"‪.3‬‬

‫وعلى هذا األساس فال يرى ابن حزم التقليد ألحد مهما كان بقوله "والعامي والعالم في‬
‫ذلك سواء وعلى كل أحد حظه الذي يقدر عليه من االجتهاد"‪ .4‬وعلى هذا فهو ينتقد‬
‫من يرى أن العامي يقلد دائما فيقول‪" :‬نقول لمن أجاز التقليد للعامي أخبرنا عمن‬
‫يقلد‪ ،‬فإن قال عالم مصره قلنا فإذا كان في مصره عالمان مختلفان كيف يصنع أيأخذ‬
‫أيهما شاء؟ فهذا دين جديد وحشى هللا أن يكون حكمان مختلفان في مسألة واحدة‪،‬‬
‫حرام وحالل معا من عند هللا‪ ،‬ثم العجب أن يكون فرض العامي الذي مقامه باألندلس‬
‫تقليد مالك وفي اليمن تقليد الشافعي وفي خرسان أبي حنيفة وفتاويهم متضادة أهذا‬

‫‪ - 1‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫‪ - 2‬ـ نفسه ص‪. 55‬‬
‫‪ - 3‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪55‬‬
‫‪ - 4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫دين هللا؟ فو هللا ما أمرنا هللا تعالى بهذا قط بل الدين واحد وحكم هللا واحد وحكم هللا‬
‫اخِتالَفٌا‬ ‫هللا َلوجدوا ِف ِ‬
‫يه أ‬ ‫تعالى قد بين لنا بقوله جل من قائل‪( :‬وَلو َكان ِمن ِعأن ِد َغي ِر ِ‬
‫ََ ُ‬ ‫أ‬ ‫َ أ َ أ‬
‫َكِث َيرا)" ‪ .2 1‬هكذا يرى ابن حزم التقليد وال يقره‪ ،‬غير أنه ينتقد التقليد من ناحية أخذ‬
‫قول العالم الفالني من دون األدلة فهو يرى أن العامي فرض عليه أن يسأل العالم عن‬
‫أدلة فتاويه وإال سأل غيره "فرض هللا عليه (أي على العامي) أن يقول للمفتي إذا أفتاه‬
‫أهكذا أمر هللا تعالى أو رسوله فإن قال له المفتي نعم لزمه القبول وإن قال له ال أو‬
‫سكت أو انتهره أو ذكر له قول إنسان غير النبي صلى هللا عليه وسلم سأل غيره"‪.3‬‬

‫وعلي هذا فإن ابن حزم ال يري التقليد ويعتبره حرام ‪،‬وقد تشدد في ذلك حتى إن المقلد‬
‫عنده لو صادف فتاوى مقلده قول الرسول صلى هللا عليه وسلم اعتبره عاصيا آثما‬
‫بتقليده‪" :‬وأما من قلد دون النبي صلى هللا عليه وسلم فإن صادف أمر النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم به فهو عاص هلل تعالى‪ ،‬آثم بتقليده‪ ،‬وال سالمة وال أجر له على موافقته‬
‫للحق وما يدرى كيف هذا؟؛ فإنه لم يقصد إلى الحق وإن أخطأ فيه أثم إثمان إثم تقليده‬
‫وإثم خالفه للحق‪ ،‬وال أجر له البتة"‪.4‬‬

‫ولقد انتقد على منهجه هذا انتقادا شديدا من طرف العلماء وخاصة المقلدين منهم‬
‫حينها حيث شتموه وأغروا به الحكام وطردوه وأبعدوه ألنهم يرون أنه يهدد زعامتهم‬
‫ويحاول القضاء عليها‪ ،‬لتحريم التقليد‪ ،‬وعلى ما تقدم فإن منهج ابن حزم في التقليد‬
‫هو حرمته وعدم األخذ به نهائيا وهذا ما جعل الباب مفتوحا أمامه من أجل االجتهاد‬
‫وإن كان ليس على إطالقه بل مقيدا بالكتاب والسنة‪ ،‬ولنقف اآلن على رأيه في‬
‫االجتهاد وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫ب‪ -‬االجتهاد‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء اآلية ‪.82‬‬


‫‪ - 2‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪56‬‬
‫‪ - 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 4‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪57‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫اختار ابن حزم المذهب الظاهري‪ ،‬ألنه ليس في هذا المذهب مقلد ال في المذهب وال‬
‫في غيره‪ ،‬إنه مذهب الكتاب والسنة وإجماع الصحابة‪ ،‬وليس ألحد فيه أن يقلد أحدا‪،‬‬
‫وهذا يتفق مع نزعة ابن حزم الحر الذي يريد دائما أن يحلق في سماء الكتاب والسنة‬
‫من غير أي حواجز من الفكر تقف دون ذلك‪.1‬‬

‫هكذا إذن كان ابن حزم يدعو إلى االجتهاد في أخذ األحكام من الكتاب والسنة وإجماع‬
‫الصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬والناس عنده في ذلك سواء وكل له حظه من االجتهاد كما‬
‫قال‪ " :‬وعلى كل حظه الذي يقدر عليه من االجتهاد"‪.2‬‬

‫ويرى أنه على المرء أن يجتهد ولو أخطأ فهو مأجور على الخطأ كما يجار على‬
‫الصواب مستدال بقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬فمن روي له حديث لم يصح عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم وهو ال يدري أنه غير صحيح فهو مأجور أج ار واحدا لقوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر‪ ،‬وإن اجتهد فأصاب فله أجران‪،‬‬
‫أو كما صلى هللا عليه وسلم"‪ .3‬ويعرف ابن حزم االجتهاد بقوله‪ " :‬االجتهاد إنما هو‬
‫إنفاد الجهد في طلب الحكم في الدين في القرآن والسنة واإلجماع حيث أمر هللا تعالى‬
‫بأخذ أحكام" وال يرى أن االجتهاد في غير هذه الوجوه " واإلجماع حيث أمر هللا تعالى‬
‫‪ ...‬ال من غير هذه الوجوه"‪.4‬‬

‫وعلى هذا األساس فقد أبطل االجتهاد في الرأي واستخراج األحكام الفقهية منه ويستدل‬
‫اب ِم أن َشي ٍء) ‪،5‬‬
‫على ذلك بظواهر النصوص ومنها قوله تعالى ‪( :‬ما َفهر أطَنا ِفي األ ِك َت ِ‬
‫َ‬
‫أ‬
‫ولو كان ثمة موضوع للرأي لكان الكتاب قد فرط في شيء‪ ،‬ويستدل كذلك بقوله تعالى‪:‬‬

‫‪ - 1‬أبو زهرة محمد‪ :‬ابن حزم حياته وعصره آراؤه وفقهه‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪268‬‬
‫‪ - 2‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪55‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 4‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪57‬‬
‫‪ - 5‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬

‫‪145‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫َمر ِمأن ُك أم َفِإ أن َتَن َاز أع ُت أم ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َوأُولِى أاأل ِ‬ ‫ول‬
‫الر ُس َ‬‫يعوا ه‬ ‫َّللا َوأَط ُ‬ ‫يعوا ه َ‬ ‫(يا أَُي َها اهلذ َ‬
‫ين ءاَ َمُنوا أَط ُ‬ ‫َ‬
‫َواألَيومِ أاآل ِخ ِر)‪.2 1‬‬ ‫ول ِإن ُكأن ُتم ُت أؤ ِمُنو َن ِباهللِ‬
‫ِ‬ ‫الر ُس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه إَلى هللا َو ه‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫يء َفُرُد ُ‬
‫َش ٍ‬

‫فالقرآن أمرنا بالرجوع عند االختالف إلى هللا والرسول ال إلى رأينا نحن ‪ ،‬وعلى ظاهر‬
‫اآليات بني مذهبه كما أنه يعتبر أن من أخذ بمسألة فقد قبلها ويصف ذلك باالجتهاد‪:‬‬
‫"وكل من أخذ بمسألة فقد حكم بقبولها واجتهد في ذلك‪ ،‬وهذا هو المجتهد ال غيره"‪.3‬‬

‫وعلى أخذه باالجتهاد فقد أجاز الفتيا لمن عرف مسألة واحدة أن يفتي فيها مخالفا ما‬
‫كان عليه علماء عصره بكون الفتيا ال تكون إال لمن أحاط بالدين‪" :‬ومن عرف مسألة‬
‫واحدة فصاعدا على حقها من القرآن والسنة جاز له أن يفتي بها‪ ،‬ومن علم جمهور‬
‫الدين كذلك‪ ،‬ومن خفي عليه ولو مسألة حل له الفتيا فيما علم‪ ،‬وال يحل الفتيا فيما لم‬
‫يعلم ولو لم يفت إال من أحاط بالدين كله علما لما حل ألحد أن يفتي بعد رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفوق كل ذي علم عليم"‪.4‬‬

‫هكذا كان رأي ابن حزم في االجتهاد وهو الذي جعله يختار المذهب الظاهري ذلك‬
‫المذهب الذي فتح باب االجتهاد على مصراعيه‪ ،‬وألنه ال يتكلف وال يتأول‪ ،‬بل يأخذ‬
‫األلفاظ بظواهرها اللغوية‪ ،‬وال يحاول تعليل األحكام ‪،‬وعلى ما مضى فيعتبر ابن حزم‬
‫مجتهد مطلق ‪،‬فما هو منتم لمذهب حتى يقال إنه مجتهد منتسب أو مجتهد في‬
‫المذهب ألن أهل الظاهر ال يعتبرون أنفسهم أصحاب مذهب‪ ،‬بل قد اتفق منهجهم في‬
‫جملته ال في تفصيله وال يتبع أحد منهم أحدا ‪ ،‬بل الجميع يقتبسون من النور‬
‫المحمدي‪ ،‬وال فرق بين داوود وابن حزم في هذا‪ ،5‬إال أن ابن حزم قد شدد في األخذ‬
‫بالظاهر‪ ،‬وخالف في هذا التشدد داوود‪.6‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬


‫‪ - 2‬أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.419‬‬
‫‪ - 3‬ابن حزم‪ ،‬النبذ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ - 5‬أبو زهرة محمد‪ ،‬ابن حزم حياته وعصره آراؤه وفقهه‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.275 -274‬‬
‫‪ - 6‬نفسه‪ ،‬ص ‪.433‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫هكذا كان منهج ابن حزم في هذه المسائل وهو على العموم يلتزم فيها بظواهر‬
‫النصوص الثابتة عنده من كتاب وسنة وإجماع‪ ،‬وال يتعدى ذلك‪ ،‬ويعتبر بمنهجه هذا‬
‫قد أحدث ثورة في المجتمع الذي كان يعيش فيه حينها وخاصة ما يتعلق بالتقليد‬
‫واالجتهاد الذي فتح عليه باب المحنة نتيجة لمعارضة علماء التقليد له وتأليب الحكام‬
‫عليه حيث نفي إلى قريته ومات فيها بعيدا عن المراكز الحضرية المهمة إذ كان يتردد‬
‫عليه طالبه فيها‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫عاش ابن حزم ما بين ‪ 384‬هـ و ‪456‬هـ ( ‪994‬م – ‪1063‬م )‪ ،‬وكانت حياته في‬
‫البداية حياة تنعم ورفاهية‪ ،‬حياة ابن وزير ووزير فيما بعد‪ ،‬غير أن األمر قد تغير بعد‬
‫ذلك وتبدلت حياته وأصبح منبوذا مطاردا‪ ،‬ينتقل من مدينة إلى أخرى حتى استقر األمر‬
‫به في باديته والتي بقي فيها حتى توفي‪ ،‬وقد كانت حياته حافلة ببعض الحوادث التي‬
‫طبعت شخصيته‪ ،‬حولته من وزير سياسي‪ ،‬إلى عالم من أجل علماء بلده وعصره‪،‬‬
‫ومن خالل دراسة حياته ومواقفه‪ ،‬تبين أن الرجل خط لنفسه خطا جديدا‪ ،‬مخالفا لما‬
‫عليه عصره آنذاك وأحدث ثورة داخل الحقل العلمي‪ ،‬لم تر النور في حياته‪ ،‬إال أنه‬
‫ومع مجيء الموحدين وحكمهم لألندلس والمغرب‪ ،‬أصبح مذهبه الظاهري هو المذهب‬
‫األول‪ ،‬وأحرقت كتب الفروعيين المقلدين على غرار ما وقع له هو تماما على يد‬
‫المعتضد بن عباد‪ ،‬وتلك األيام نداولها بين الناس‪ ،‬وهذه هي حقيقة أي مشروع بذل‬
‫فيه صاحبه الجهد‪ ،‬أنه سيري النور ولو بعد حين وسيأتي بعده من يدافع ويرفع لواء‬
‫مشروعه ويطبقه على أرض الواقع كما حدث له هو‪ ،‬وإن لم يدم ذلك‪ ،‬والدوام هلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‬

‫ثانيا‪ :‬المصادر‪:‬‬

‫‪ -‬ابن بسام أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني(ت ‪542‬هـ‪1148/‬م)‪ ،‬الذخيرة في محاسن‬
‫أهل الجزيرة‪ ،‬تحقيق سالم مصطفى البدري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1419‬هـ‪1998/‬م‪ ،‬ج‪.1‬‬

‫‪ -2‬ابن حزم علي بن أحمد (ت ‪ 456‬هـ)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مطبعة العاصمة‬
‫القاهرة‪ ،‬ج‪.1‬‬

‫‪ -3‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬دار الندوة الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1320 ، 1‬هـ ‪،‬‬
‫ج‪.1‬‬

‫‪ -4‬رسائل ابن حزم األندلسي‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1987 ،2‬م‪.‬‬

‫‪ -5‬النبذ في أصول الفقه الظاهري‪ ،‬مكتبة دار الهداية‪ ،‬مدينة نصر‪.‬‬

‫‪ -6‬ابن منظور محمد بن مكرم (ت‪711‬هـ‪1311/‬م)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ج‪.12‬‬

‫ثالثا‪ :‬المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو زهرة محمد‪ ،‬محاضرات في تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬مطبعة المدني‪ ،‬جمعية الدراسات‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -2‬سالم يفوت‪ ،‬ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب واألندلس‪ ،‬المركز الثقافي المغربي‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬ط ‪ ،1‬الدار البيضاء‪.‬‬

‫‪ -3‬جاك ريسلر‪ ،‬الحضارة العربية‪ ،‬تعريب خليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫باريس‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬

‫‪148‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫إسهامات العلماء الجزائريّين في البالغة العربيّة‬


‫ي مغنية‬
‫د‪ .‬فاطمة صغير‪ ،‬المركز الجامع ّ‬
‫• البريد اإللكتروني‪diden.bb@hotmail.fr :‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫األدبية للجزائر عبر مختلف الحقب‬


‫العلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫إن الباحث في الحياة‬
‫ّ‬
‫علمية وفكرّية‬
‫ّ‬ ‫منية من العهد القديم إلى العصر الحديث‪ ،‬يجد حركة‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫مؤصلين وأدباء مبدعين‪ ،‬األمر‬
‫ومفكرين ّ‬
‫أدبية نشيطة‪ ،‬بفضل علماء أجالّء ّ‬
‫و ّ‬
‫المؤّلفات في مختلف‬ ‫الفُنون بشتّى َ‬
‫المعارف و ُ‬ ‫العُلوم و ُ‬
‫الذي ساعد على إثراء ُ‬
‫الحقول والميادين‪.‬‬

‫العلوم الجليلة التي َشهدت عناية العلماء الجزائريين علم‬ ‫ومن ُ‬


‫البالغية‬
‫ّ‬ ‫البالغة؛ إذ أثروه بمختلف أنماط التّأليف المتمّثلة في‪ :‬المنظومات‬
‫البالغية إضافة إلى‬
‫ّ‬ ‫البالغية والكتب‬
‫ّ‬ ‫الشروح‬
‫البالغية و ّ‬
‫ّ‬ ‫والمختصرات‬
‫القضايا المتّصلة بالبالغة‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬البالغة العر ّبية – العلماء الجزائريون – التّأليف البالغي‬


‫األدبية في الجزائر‪.‬‬
‫العلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫– الحياة‬

‫‪149‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:
The researcher in the scientific and literary life in Algeria
through the various eras of the old ones -eras- to the modern age,
finds an active scientific, intellectual and literary movement, thanks
to the scientists sand intellectuals and creative writers and authors,
which helped him to enrich the science and the arts with various
knowledge and literature in various fields.
One of the great sciences that has witnessed the attention of
Algerian scientists is the science of rhetoric; they have influenced it
by various types of authorship: rhetorical systems, rhetorical
acronyms, rhetorical annotations, rhetorical books, as well as issues
relating to rhetoric.
Keywords: Arabic Rhetoric – Algerian scientists – Rhetorical
synthesis – Scientific and literary life in Algeria.

150
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫األجنبية منذ فجر الّتاريخ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للدول‬
‫شكلت مطمعاً كبي اًر ّ‬
‫أن أرض الجزائر‪ّ ،‬‬ ‫معلوم ّ‬
‫بيعية الهائلة‪ ،‬ولذلك لم تنقطع عنها هجمات الغزاة‬
‫ط ّ‬
‫بسبب الموقع الجغرافي وال ّثروات ال ّ‬
‫يتصدى أبناء هذه األرض لالعتداءات‬
‫ّ‬ ‫طيلة المراحل الّتاريخية‪ ،‬وكان من البديهي أن‬
‫أن فترات االستقرار ببالد المغرب األوسط كانت دائماً‬
‫مما يعني ّ‬
‫المتكررة‪ّ ،‬‬
‫المتوالية و ّ‬
‫قصيرة رغم تعاقب الحضارات‪.‬‬

‫يشجع أهل البالد على االهتمام بالفكر والعناية‬


‫أن واقعاً كهذا‪ ،‬ال ّ‬
‫ومن المؤّكد ّ‬
‫الدفاع عن األرض‪ ،‬ومع ذلك ال نعدم جهوداً‬ ‫باألدب واإلبداع أل ّنهم منشغلون بالحرب و ّ‬
‫ائريين قديماً وحديثاً‪.‬‬
‫أدبية للجز ّ‬
‫وعلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫فكرية‬
‫ّ‬

‫األدبية‪:‬‬
‫العلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ائريين للحياة‬
‫‪ )1‬إثراء العلماء الجز ّ‬
‫ياسية‬
‫الس ّ‬‫المؤرخة لتاريخ الجزائر في مناحيه ّ‬ ‫ّ‬ ‫طلع على المؤلفات‬ ‫إن الم ّ‬‫ّ‬
‫قافية‪ ،‬نجد صو اًر مشرقة عن إبداع الفرد الجزائرّي وإنتاجه في ميدان‬‫الفكرية وال ّث ّ‬
‫و ّ‬
‫المؤرخين أبو القاسم سعد هللا في كتابه‬
‫ّ‬ ‫العلوم والفنون واآلداب‪ ،‬مثلما يعرضه لنا شيخ‬
‫األدبية خالل‬
‫العلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ائريين‬
‫الّنفيس "تاريخ الجزائر ال ّثقافي" حيث كشف لنا جهود الجز ّ‬
‫تاريخية مختلفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حقب‬

‫ائريين بالحياة‬
‫فالمتصّفح لهذا المصّنف الجليل يلفي حقائق بشأن صلة الجز ّ‬
‫طب وعلم الحساب والفلك‪ ،‬ومن العلماء‬
‫العلمية وإثرائهم لمختلف المعارف فيها كال ّ‬
‫ّ‬
‫محمد القلعي" (ت‪665‬هـ) الذي فاق األوائل‬
‫"محمد بن ّ‬
‫ّ‬ ‫الذين عالجوا مثل هذه العلوم‬
‫محمد األخضري" (ت‪953‬ه) الذي له ّ‬
‫الدرة‬ ‫الرحمن بن ّ‬ ‫في علم الحساب وكذلك "عبد ّ‬
‫‪1‬‬
‫السراج في علم الفلك‪.‬‬
‫البيضاء في علمي الفرائض والحساب وأيضاً شرح ّ‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬معجم أعالم الجزائر من صدر اإلسالم حتى العصر الحاضر‪ ،‬عادل نويهض ‪ -‬مؤسسة نويهض الثّقافية‬
‫للتأليف والترجمة ‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ .1983 ،3‬ص‪.267 ،15 :‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أن قدم‬‫تؤكد ّ‬
‫األدبية‪ ،‬فالمصادر ّ‬
‫الفكرية و ّ‬
‫ّ‬ ‫وكذلك هو األمر بالّنسبة للحياة‬
‫سجلوا حضورهم بثبات في المنطق والفلسفة وعلم الكالم‬
‫ائريين راسخة فيها إذ ّ‬‫الجز ّ‬
‫"محمد بن إبراهيم األصولي" (ت‪612‬ه)‬
‫ّ‬ ‫الشريعة واألخالق على نحو‬‫والّتاريخ وعلوم ّ‬
‫الذي برز في علم الكالم و"منصور بن علي بن عبد هللا الزواوي" (ت‪770‬هـ) الذي‬
‫اشتهر في المنطق والهندسة فحظي بال ّثناء واإلشادة‪ ،‬ومن الذين أشادوا به "لسان‬
‫الصدور‪ ،‬له مشاركة حسنة في كثير‬
‫الدين بن الخطيب" حيث قال عنه‪" :‬هو صدر من ّ‬ ‫ّ‬
‫طالع وتقييد ونظر في األصول والمنطق والكالم ودعوى‬
‫قلية‪ ،‬وإ ّ‬
‫العقلية والّن ّ‬
‫ّ‬ ‫من العلوم‬
‫في الحساب والهندسة" كما نجد "ضياء الدين ال ّثميني" (ت‪1808‬م) في الفلسفة‬
‫‪1‬‬
‫الديسي" (ت‪1922‬م) في علوم العقيدة والّتوحيد‪.‬‬
‫الرحمن ّ‬
‫و"محمد بن عبد ّ‬
‫ّ‬

‫الفكرية ال حصر لها‪ ،‬ولذلك اكتفينا‬


‫ّ‬ ‫نشطت الحياة‬
‫أن األسماء الّتي ّ‬
‫والحقيقة ّ‬
‫ببعض األمثلة‪ ،‬تأكيداً على مساهمة أسالفنا في إثراء هذه المعارف‪ ،‬تماماً كما هي‬
‫الشعر والّنثر عدد كبير من األدباء‬
‫األدبية التي رفع فيها لواء ّ‬
‫ّ‬ ‫الحال بالّنسبة للحياة‬
‫الرستمية التي‬
‫كالدولة ّ‬ ‫ائريين ينتمون إلى مختلف ّ‬
‫الدويالت التي قامت بالجزائر‪ّ ،‬‬ ‫الجز ّ‬
‫دعيت ّإبانها مدينة تاهرت بعراق المغرب لدورها الهام في األدب حيث أنجبت العديد‬
‫‪2‬‬
‫الرحمن بكر بن حماد التاهرتي"‪.‬‬
‫من األسماء الالّمعة "كأبي عبد ّ‬

‫القصة الّتي يسوقها لنا‬


‫األدبية في بالدنا قديماً تلك ّ‬
‫ّ‬ ‫ومما يثبت ازدهار الحياة‬
‫ّ‬
‫الشاعر "األندلسي ابن هانئ" إلى‬
‫ّ‬ ‫مقدم‬ ‫بشأن‬ ‫المغرب"‬ ‫حلى‬ ‫في‬ ‫"المغرب‬ ‫كتاب‬ ‫صاحب‬
‫ّ‬
‫المسيلة ليّتصل بأميرها "جعفر بن علي بن حمدون" إذ وجد بابه معمو اًر ّ‬
‫بالشعراء‪،‬‬
‫وبسبب ذلك لم يتم ّكن من المثول بين يديه إالّ بعد لجوئه إلى الحيلة‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وال ننسى في هذا المقام اإلشارة إلى مدينة بجاية التي غدت في عهد بني‬
‫ثقافياً كبي اًر‪ ،‬أنجب رجاالً كث اًر ضربوا بسهم وافر في مجال اإلنتاج‬
‫ّ‬ ‫علمياً‬
‫ّ‬ ‫حماد مرك اًز‬
‫ّ‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.166 ،143 ،18 :‬‬


‫‪ -2‬ينظر إرشاد الحائر إلى آثار أدباء الجزائر من الفتح العربي إلى عصرنا‪ ،‬محمد بن رمضان شاوش والغوتي بن‬
‫حمدان‪ ،‬م ‪ ،1‬ط ‪ ،2001 ،1‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬المغرب في حلى المغرب‪ ،‬ابن سعيد ج ‪ ،2‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.97 :‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الدمار الذي أتى على آثار أسالفنا من‬‫يتقدمهم "ابن حمديس الصقلي"‪ ،‬ولوال ّ‬
‫األدبي ّ‬
‫ّ‬
‫األدباء‪ ،‬نتيجة الفتن والحروب لوصلنا إبداع كثير‪ ،‬ومع ذلك ال نزال نظفر بنماذج راقية‬
‫الخراز‬
‫حبرها العديد من الفحول "كاإلمام أفلح وابن ّ‬
‫الشعرية والّنثرية‪ّ ،‬‬
‫من الّنصوص ّ‬
‫ومحمد بن المنيب وعبد هللا بن قاضي ميلة ويعلى بن إبراهيم األريسي وأبي حبيب‬
‫الدين الّتلمساني وابن‬
‫الرجال وعبد الكريم الّنهشلي وعفيف ّ‬
‫المسيلي وعلي بن أبي ّ‬
‫أرضية األدب الجزائري‬
‫ّ‬ ‫خميس وابن مرزوق الخطيب" وغيرهم كثير ّ‬
‫ممن أرسوا‬
‫ألحفادهم الذين رفعوا قواعد البناء خالل العصر الحديث "كأحمد رضا حوحو وواسيني‬
‫لعرج ورشيد بوجدرة وأحالم مستغانمي وربيعة جلطي"‪....‬‬

‫ائريين بعلوم الّلغة‪:‬‬


‫‪ )2‬اشتغال العلماء الجز ّ‬
‫األدبي فإّنهم أيضاً‬
‫ّ‬
‫سجل علماء الجزائر ومف ّكروها حضورهم في اإلبداع‬
‫ومثلما ّ‬
‫مما يدل على أّنه من‬‫طيباً ّ‬
‫اهتموا بعلوم الّلغة خاصة الّنحو حيث تركوا لنا فيه إنتاجاً ّ‬
‫ّ‬
‫أبرز العلوم التي اعتنى بها علماء الجزائر وبذلك حظي بتصانيف كثيرة منها الكتب‬
‫الشاوي صاحب‬‫أعدها لفيف من الّنحاة كيحيى ّ‬ ‫الشروح والمختصرات‪ّ ،‬‬ ‫والمنظومات و ّ‬
‫الالّمية في إعراب اسم الجاللة‪ ،‬وعبد الكريم الف ّكون واضع فتح المولى بشواهد ابن‬
‫الدراسات الّنحوية عالياً كيحيى بن معطي‬‫يعلى إضافة إلى أعالم آخرين رفعوا لواء ّ‬
‫العربية‬
‫ّ‬ ‫ا ّلزواوي (ت‪638‬هـ) الذي أثراها بالكثير من المؤّلفات أشهرها األلفية في علم‬
‫بالموضح‬
‫ّ‬ ‫والفصول في الّنحو وكذلك محمد بن الحسن القلعي (ت‪673‬هـ) المعروف‬
‫المقري (ت‪847‬هـ) الذي شرح ألفية ابن مالك‬
‫ّ‬ ‫الدين‬
‫في علم الّنحو‪ ،‬وأيضاً شهاب ّ‬
‫‪1‬‬
‫تحت اسم الّتحفة الم ّكية‪.‬‬

‫ائريون قديماً علم ّ‬


‫الصرف‪ ،‬وإّنما نال هو اآلخر عنايتهم‬ ‫ولم يهمل الجز ّ‬
‫فيه‬ ‫ولهم‬ ‫واهتمامهم‪،‬‬
‫الرحمن الخّلوف‬
‫‪-‬على سبيل المثال‪ -‬جامع األقوال في صيغ األفعال ألحمد بن عبد ّ‬
‫(ت‪899‬هـ) كما طرقوا بعض المسائل العروضية على نحو ما ذهب إليه ابن مرزوق‬

‫‪ -1‬ينظر البستان في ذكر األولياء والعلماء بتلمسان‪ ،‬ابن مريم التلمساني‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪،‬‬
‫دت‪ ،‬ص‪.211‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫لحل األقفال واستخراج خبايا‬


‫ّ‬ ‫الخطيب (ت‪743‬هـ) في مؤّلفه المفاتيح المرزوقية‬
‫‪1‬‬
‫الخزرجية‪.‬‬

‫أن اهتمام علماء الجزائر بالبحث الّلغوي تضاعف خالل العصر الحديث‬
‫واألكيد ّ‬
‫الصرف والبالغة واألصوات كما اشتغلوا في‬
‫فتناولوا علوم الّلغة المعهودة كالّنحو و ّ‬
‫مما‬
‫األسلوبية وعلم الّتراكيب ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللة و‬
‫الحقول الّلغوية التي ظهرت حديثاً كالّلسانيات و ّ‬
‫الدرس الّلغوي عن طريق بحث قضايا‬ ‫ائريين في تنشيط ّ‬ ‫يثبت مساهمة الباحثين الجز ّ‬
‫توضحه دراسات العالّمة المصلح البشير اإلبراهيمي (ت‪1965‬م)‬ ‫العربية مثلما ّ‬
‫ّ‬ ‫الّلغة‬
‫والمتمّثلة أساساً في‪:‬‬
‫الشذوذ في الّلغة‪.‬‬
‫االطراد و ّ‬ ‫‪-‬‬
‫العربية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الضمائر في‬
‫أسرار ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الّتسمية بالمصدر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫العربية في ميزان كلماتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نظام‬ ‫‪-‬‬
‫الضب‪.‬‬
‫رسالة ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الصفات التي جاءت على وزن َف َع َل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ائرية‪.‬‬
‫العامية الجز ّ‬
‫العربية من ّ‬
‫ّ‬ ‫فصيح‬ ‫‪-‬‬
‫بأن اإلبراهيمي من أكبر‬
‫مهمة تشي ّ‬‫لغوية ّ‬ ‫الرسائل في قضايا ّ‬‫إن مثل هذه الكتب و ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫العربية وفهم أسرارها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫علمائنا الذين كشفوا عن باعهم الطويل في فقه‬

‫ائريين بعلم البالغة‪:‬‬


‫البالغيين الجز ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ )3‬اهتمام‬
‫ولعل‬
‫ّ‬ ‫أن جهود علماء الجزائر الّلغوية ثابتة قديم ًا وحديثاً‪،‬‬
‫وهكذا يّتضح لنا ّ‬
‫العربية من العلوم التي استقطبت أقالمهم واستحوذت على اهتمامهم‬ ‫ّ‬ ‫البالغة‬
‫وانشغالهم‪ ،‬وال غرابة في ذلك طالما أّنها علم شريف‪ ،‬حظي بالقداسة والّتبجيل عند‬
‫بأهميتها‬
‫منوها ّ‬ ‫العربية األوائل‪ ،‬فهذا أبو هالل العسكري يقول ّ‬
‫ّ‬ ‫الصالح من شيوخ‬
‫سلفنا ّ‬

‫‪ -1‬ينظر معجم أعالم الجزائر من صدر اإلسالم حتى العصر الحاضر‪ ،‬عادل نويهض‪ ،‬ص‪.267‬‬
‫السياحة بالجزائر‪ ،‬ع‪ ،87‬شعبان رمضان‬
‫‪ -‬ينظر "أنا" محمد البشير اإلبراهيمي‪ ،‬الثقافة‪ ،‬إصدار و ازرة الثقافة و ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪1405‬هـ‪/‬مايو‪-‬يونيو‪ ،1985‬ص‪.33-32‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وقيضه لك وجعلك‬‫وداعيا إلى تعّلمها وإتقانها‪" :‬اعلم ‪ -‬عّلمك هللا الخير ودّلك عليه ّ‬
‫جل ثناؤه‪ -‬علم‬
‫أحق العلوم بالّتعّلم وأوالها بالّتحّفظ ‪ -‬بعد المعرفة باهلل ّ‬
‫أن ّ‬‫من أهله‪ّ -‬‬
‫‪1‬‬
‫البالغة ومعرفة الفصاحة التي بها يعرف إعجاز كتاب هللا تعالى‪.‬‬

‫فعلماء الجزائر أدركوا منذ القديم هذه الحقيقة‪ ،‬وانتبهوا إلى مكانة علم البالغة‬
‫نصه الجليل‪ ،‬وهذا‬ ‫الذي اقترن بقضية إعجاز القرآن‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫تم تأصيله انطالقاً من ّ‬
‫يعني أّنها وضعت من أجله كما يشير إلى ذلك ابن خلدون (‪808‬ه) في قوله‪" :‬واعلم‬
‫‪2‬‬
‫أن ثمرة هذا الفن إّنما هي فهم اإلعجاز من القرآن الكريم‪".‬‬
‫ّ‬

‫أن البالغة نظم من‬


‫وليس هذا فحسب‪ ،‬وإّنما تيّقن علماء الجزائر قديماً وحديثا ّ‬
‫‪3‬‬
‫القواعد يساهم في إنتاج الّنص األدبي ويحرص على الّتأثير في القارئ بهدف إقناعه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ن‬
‫ثم أقبلوا على مجالها الواسع‪ ،‬وفروعها الّرحبة‪ ،‬يريدو تسجيل حضورهم‪ ،‬ووضع‬ ‫ومن ّ‬
‫الشريف الذي نما ودرج في رحاب كتاب هللا تعالى‪ ،‬فكان لهم‬ ‫بصمتهم في هذا الحقل ّ‬
‫ذلك من خالل ما كتبوه في مسائلها وقضاياها‪.‬‬

‫ائريين البالغية يجد لديهم تنوعا في أنماط‬


‫أن المّتصل بأبحاث الجز ّ‬
‫والحقيقة ّ‬
‫أن إنتاجهم في هذا المجال منذ القديم إلى غاية العصر الحديث‪،‬‬
‫التأليف البالغي‪ ،‬ذلك ّ‬
‫يمكن تصنيفه إلى‪:‬‬
‫المنظومات البالغية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المختصرات البالغية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشروحات البالغية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الكتب البالغية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫القضايا المّتصلة بالبالغة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبو هالل العسكري‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬صيدا‪ ،‬دط‪ ،2002 ،‬ص‪.08‬‬‫‪ -‬كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫المقدمة‪ ،‬عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬باب البيان‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،3،1983‬ص‪.521‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪2‬‬

‫النص‪ ،‬المفاهيم واالتّجاهات‪ ،‬سعيد حسن بحيري‪ ،‬مؤسسة المختار للنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪،2004 ،‬‬
‫‪ -‬ينظر علم لغة ّ‬
‫‪3‬‬

‫ص‪.22‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أوال‪ :‬المنظومات البالغية‪:‬‬


‫نظم من لؤلؤ‪ ،‬والّنظم الكالم الموزون المقّفى‬
‫المنظومات من الّنظم المنظوم‪ ،‬يقال ٌ‬
‫‪1‬‬
‫شيء ما تناسقت أجزاؤه على نسق واحد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫وهو خالف الّنثر والّنظيم المنظوم من ّ‬

‫عرية التي أّلفت بهدف‬


‫الش ّ‬
‫وتعني الّتأليف والجمع والّنظم‪ ،‬وتطلق على القصائد ّ‬
‫جمع قضايا العلوم وقواعدها تسهيال للحفظ‪ ،‬يقال منظومة فكرية أي أطروحة تتضمن‬
‫فكرية‪.‬‬
‫قضية ّ‬
‫مفاهيم حول ّ‬

‫لقد اعتنى علماء الجزائر بوضع المنظومات في مختلف العلوم كالّتوحيد‬


‫ولعل أشهرها‬
‫ّ‬ ‫صوف وعلم الكالم والّنحو والبالغة التي حظيت بالعديد من المتون‪،‬‬
‫والّت ّ‬
‫الرحمن بن محمد األخضري‪ ‬المتوّفى‬‫"الجوهر المكنون في صدف ال ّثالثة فنون" لعبد ّ‬
‫فإن هذا المتن‪ ،‬يشمل علوم البالغة‬
‫سنة ‪982‬هـ ومثلما هو واضح من العنوان‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫ال ّثالثة‪ :‬المعاني والبيان والبديع‪ ،‬ويقع في نحو مائتين وواحد وتسعين بيتا‪ ،‬و ّ‬
‫فإن منظومته‬
‫ناظمه صاحب إرث علمي وأدبي‪ ،‬امتألت به أيدي الّناس مشرقاً ومغرباً ّ‬
‫هي األخرى شهدت إقبال الّناس عليها ّ‬
‫خاصة طلبة العلم‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫ومحمد علي‬
‫ّ‬ ‫الزيات‬
‫‪ -‬ينظر المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع الّلغة العر ّبية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬قام بإخراجه أحمد حسن ّ‬
‫النجار وآخرون‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.992‬‬ ‫ّ‬
‫الشراح‪ .‬ينظر‬
‫أديب وعالم من أهل بسكرة‪ ،‬له كتب في البيان والمنطق والفرائض والحساب والفلك‪ ،‬لقيت عناية ّ‬
‫‪-‬‬

‫معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.15 ،14‬‬


‫‪ -2‬ينظر تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬ج‪ ،1‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،1981 ،‬‬
‫ص‪.510-507‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أن كتاب الّتلخيص للخطيب القزويني‪ ،‬لقي القبول فراحوا يضعون فيه‬
‫ويبدو ّ‬
‫األراجيز كدأب ابن مرزوق الحفيد‪( ‬المتوفى سنة ‪844‬هـ) الذي له أرجوزة نظم فيها‬
‫تلخيص المفتاح‪.‬‬

‫الخلوف‪‬‬ ‫الرحمن بن محمد المشهور بابن‬


‫ّ‬ ‫وكذلك فعل أحمد بن عبد ّ‬
‫(ت‪899‬هـ) والمشهود له بالبراعة في ميدان البالغة ومتعّلقات األدب‪ ،‬فهو اآلخر نظم‬
‫كتاب الّتلخيص كما طرق ّ‬
‫فن البديعيات إذ نجد له ميمية في علم البديع‪ ،‬تشير إليها‬

‫الزواوي (ت‪628‬هـ) ّ‬
‫تظل‬ ‫أن بديعية ابن معطي ّ‬‫المصادر باسم مواهب البديع‪ ،‬إالّ ّ‬
‫‪‬‬ ‫‪1‬‬

‫ائريين‪ ،‬عنوانها البديع في علم البديع‪ ،‬نظم فيها‬


‫الفن عند الجز ّ‬
‫المنجز الالّمع في هذا ّ‬
‫المعتز‪ ،‬وكتاب العمدة البن رشيق القيرواني‪ ،‬وكتاب‬
‫ّ‬ ‫ما جاء منه في كتاب البديع البن‬
‫الصناعتين ألبي هالل العسكري‪ ،‬كما استعمل مصطلحات جديدة‪ ،‬لم ترد في مؤّلفات‬
‫ّ‬
‫طباق‬
‫محسنا‪ ،‬بداية بال ّ‬
‫ّ‬ ‫ضمن بديعيته واحدا وخمسين‬
‫أن ابن معطي ّ‬
‫السابقين‪ ،‬علما ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ووصوال إلى المواربة‪.‬‬

‫محمد بن أبي بكر بن مرزوق المعروف بالحفيد‪ ،‬فقيه ونحوي من علماء تلمسان‪ ،‬أخذ عن‬
‫محمد بن أحمد بن ّ‬
‫هو ّ‬
‫‪-‬‬

‫ابن خلدون والفيروز أبادي‪ ،‬له تصانيف كثيرة أهمها أرجوزة نظم فيها كتاب تلخيص المفتاح‪ ،‬ينظر معجم أعالم‬
‫الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫شاعر وأديب وناثر ولد بقسنطينة‪ ،‬زار الحجاز وبيت المقد س والقاهرة والمغرب‪ ،‬ترك العديد من المؤلفات أشهرها‬ ‫‪-‬‬

‫مواهب البدلع‪ ،‬وهي ميمية شرحها بنفسه‪ .‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.135 ،134‬‬
‫‪ -1‬ينظر معجم أعالم الجزائر من صدر اإلسالم حتّى العصر الحاضر‪ ،‬عادل نويهض‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫الشعر‪ ،‬عكف على التّأليف فخّلف‬ ‫الزواوي إمام عصره في ّ‬
‫النحو واألدب و ّ‬ ‫هو يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور ّ‬
‫‪-‬‬

‫الشعر‪ ،‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص‬ ‫لنا الدرة األلفية في علم العربية‪ ،‬والبديع في صناعة ّ‬
‫‪.168-134167‬‬
‫الرحمن خربوش‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ -‬ينظر قراءة في مخطوطة البديع في علم البديع البن معطي‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫سيد الخلق فإّننا نجد‬


‫أن البديعيات ّأول ما ظهرت‪ ،‬اقتصرت على مدح ّ‬
‫ومع ّ‬
‫الديسي‪(‬ت‪1922‬م) يضع بديعية يمدح فيها محمد بن‬
‫الرحمن ّ‬
‫حديثاً محمد بن عبد ّ‬
‫‪1‬‬
‫أبي القاسم الهاملي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المختصرات البالغية‪:‬‬


‫المختصرات من االختصار‪ ،‬نقول اختصر الكالم‪ :‬أوجزه‪ ،‬وهو أن تدع الفضول‬
‫‪2‬‬
‫وتستوجز الذي يأتي على المعنى‪.‬‬
‫والمختصرات في ميدان الّتصنيف‪ ،‬نمط من الّتأليف‪ ،‬يعمد فيه أصحابها إلى‬
‫المطوالت من الكتب الّلغوية‪ ،‬بهدف تيسيرها لطلبة العلم‪ ،‬وقد تّتخذ في عمومها‬
‫ّ‬ ‫إيجاز‬
‫شكلين أحدهما نثري واآلخر شعري (نظم)‪.‬‬
‫أن المصادر‬
‫خاصة في القديم‪ ،‬غير ّ‬
‫لقد عني علماء الجزائر بإعداد المختصرات ّ‬
‫ال تعطي المعلومات الوفيرة بشأنها‪ ،‬مكتفية باإلشارة والّتلميح‪ ،‬ومن ذلك "مختصر‬
‫حاشية الّتفتازاني على الكشاف" لمحمد بن يوسف بن عمر بن شعيب‬
‫السنوسي‪(‬ت‪895‬هـ) الذي أشار إليه عادل نويهض في معجمه وأيضاً محمد بن عبد‬
‫ّ‬

‫هو مقرئ نحوي ومتكّلم أصولي‪ ،‬ولد بقرية الديس‪ ،‬أكثر من وضع المنظومات مثل بديعيته في مدح أبي القاسم‬ ‫‪-‬‬

‫سماه تحفة اإلخوان‪ ،‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.143-142‬‬
‫الهاملي والتي أتبعها بشرح ّ‬
‫‪ -1‬ينظر معجم أعالم الجزائر‪ ،‬ص‪ ،8‬عادل نويهض ص‪.142‬‬
‫‪ -2‬ينظر لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة اختصر‪ ،‬م‪2‬ن دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1،2005‬ص‪.228‬‬
‫الشروح‬
‫كبير علماء تلمسان وزّهادها‪ ،‬برز في التّوحيد والتّفسير والحديث‪ ،‬وله في هذه العلوم الكثير من ّ‬
‫‪-‬‬

‫الكشاف‪ ،‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫والمختصرات مثل مختصر حاشية التفتازاني على ّ‬
‫‪158‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مرة أخرى‬‫يؤكد ّ‬
‫مما ّ‬
‫الكريم المغيلي (ت‪909‬هـ) الذي ل ّخص كتاب تلخيص المفتاح ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪‬‬

‫وكأن كتاب‬
‫ّ‬ ‫ائريين بهذا المصّنف نظما واختصارا‪ ،‬مثلما فعل أهل المشرق‬
‫اهتمام الجز ّ‬
‫يعتد بغيره‪.‬‬
‫العربية‪ ،‬فلم يعد ّ‬
‫ّ‬ ‫الّتلخيص صار المرجع العمدة في البالغة‬

‫الشروح البالغية‪:‬‬
‫ثالثا‪ّ :‬‬
‫الشرح يراد به الحفظ والبيان والفهم‬
‫أن ّ‬‫ورد في لسان العرب البن منظور ّ‬
‫الشيء‬
‫والكشف‪ ،‬فيقال شرح فالن أمره‪ :‬أوضحه‪ ،‬وشرح مسألة مشكلة‪ّ :‬بينها‪ ،‬وشرح ّ‬
‫‪2‬‬
‫وبينه وكشفه‪.‬‬
‫يشرحه شرحا ّ‬

‫الشروح‪ ،‬طريقة قديمة‪ ،‬اعتمدها علماء العرب والمسلمين لبيان‬


‫الشروحات أو ّ‬
‫و ّ‬
‫الشارح انطالقا‬
‫ثم كان الشرح جهدا فكريا يقوم به ّ‬‫المسائل العلمية وتوضيحها‪ ،‬ومن ّ‬
‫من جهود فكرية سابقة‪.‬‬

‫وعلماء الجزائر الّلغويون‪ ،‬أقبلوا على بعض المؤّلفات البالغية لجزائريين‬


‫ممحصين وكاشفين‪ ،‬ومن ذلك ما قام به إبراهيم بن فائد‬
‫ّ‬ ‫ولغيرهم‪ ،‬واقفين عندها‬

‫ومفسر ومتكّلم من قبلية مغيلة البربرّية‪ ،‬نشأ بتلمسان‪ ،‬له مختصر تلخيص المفتاح وشرح المختصر‪ ،‬ينظر‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬فقيه‬
‫معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.308‬‬
‫‪ -1‬ينظر معجم أعالم الجزائر‪ ،‬عادل نويهض‪ ،‬ص‪.308-181‬‬
‫‪ -2‬ينظر لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬م‪ ،2‬مادة شرح‪ ،‬ص‪.276‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الشرح‬
‫مسميا ّ‬
‫ّ‬ ‫الزواوي‪( ‬ت‪857‬هـ) الذي شرح كتاب الّتلخيص للخطيب القزويني‪،‬‬‫ّ‬
‫أعده‬
‫تلخيص الّتلخيص‪ .‬كما عاد محمد بن عبد الكريم المغيلي إلى المختصر الذي ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫لكتاب الّتلخيص‪ ،‬فقام بشرحه تحت عنوان "شرح المختصر"‪.‬‬

‫ائريين حرصوا أيضاً على شرح أعمال جزائرية‪ ،‬على‬


‫أن البالغيين الجز ّ‬
‫ظاهر ّ‬
‫وال ّ‬
‫نحو ما صنع محمد بن محمد ال ّثغيري‪( ‬ت‪1703‬م) إذ شرح منظومة األخضري‬
‫السّر المكنون على‬ ‫"موضح ّ‬
‫ّ‬ ‫"الجوهر المكنون في صدف ال ّثالثة فنون‪" .‬وأعطاه اسم‬
‫الجوهر المكنون في صدف ال ّثالثة فنون‪ 3،‬كما أنجز عبد هللا بن أبي القاسم ال ّثعلبي‬
‫‪4‬‬
‫سماه "أنوار الّتجّلي على ما تضمنته قصيدة الحّلي"‪.‬‬
‫شرحا بالغيا لقصيدة الحّلي ّ‬

‫بينما نجد آخرين أثروا شرح مصّنفاتهم بأنفسهم مثلما ذهب إليه أحمد بن عبد‬
‫الرحمن بن محمد الخّلوف إذ عاد إلى ميميته البديعية "مواهب البديع" وقام بشرحها‬
‫ّ‬
‫الديسي حيث‬
‫الرحمن ّ‬‫تحت اسم شرح مواهب البديع‪ ،‬والّنهج ذاته سلكه محمد بن عبد ّ‬
‫‪5‬‬
‫شرح هو اآلخر بديعيته‪ ،‬فكان له تحفة اإلخوان‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الكتب البالغية‪:‬‬


‫ائريين بالمنظومات والشروح والمختصرات لم يمنعهم من وضع‬‫إن اهتمام الجز ّ‬
‫ّ‬
‫الكتب البالغية‪ ،‬وإن كان تأليف الكتب قديماً قليال‪ ،‬ومن النماذج القليلة في هذه‬
‫الشعر وما‬
‫بفن ّ‬
‫المرحلة كتاب العمدة البن رشيق القيرواني (ت‪463‬هـ) اعتنى فيه ّ‬

‫الزهاد‪ ،‬له في البالغة تلخيص‬


‫مفسر من علماء المالكية‪ ،‬تعّلم في بجاية وتونس وقسنطين‪ ،‬عرف بسمت ّ‬
‫ّ‬
‫‪-‬‬

‫التلخيص‪ ،‬وهو شرح على تلخيص المفتاح‪ ،‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬ينظر تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫‪ -2‬ينظر معجم أعالم الجزائر‪ ،‬عادل نويهض‪ ،‬ص‪.308‬‬
‫السر المكنون على الجوهر المكنون في‬
‫بموضح ّ‬ ‫محمد الثّغيري‪ ،‬فقيه وناظم طرق ّ‬
‫عدة فنون واشتهر‬ ‫محمد بن ّ‬
‫هو ّ‬
‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫الثالثة فنون‪ ،‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫حبار‪ ،‬منشورات مختبر الخطاب األدبي في‬
‫‪ -‬ينظر الخطاب األدبي القديم في الجزائر‪ ،‬دراسة بيبليوغرافيا‪ ،‬مختار ّ‬
‫‪3‬‬

‫الجزائر‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬دار األدب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫‪ -4‬ينظر تاريخ الجزائر الثّقافي‪ ،‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.169‬‬
‫‪ -5‬ينظر معجم أعالم الجزائر‪ ،‬عادل نويهض‪ ،‬ص‪.142‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫يّتصل به وبنقده‪ .‬لقد اّتخذ ابن رشيق ‪-‬كباقي مصّنفي الكتب الّنقدية في هذه الفترة‪-‬‬
‫الشعر وقائله‪ ،‬وبذلك امتزج الّنقد بالبالغة‬
‫مسائل البالغة معايير نقدية للحكم على ّ‬
‫‪1‬‬
‫في هذا الكتاب فجاءت العديد من األبواب البالغية مبثوثة في تضاعيفه‪.‬‬
‫أن وضع الكتب البالغية‪ ،‬صنعة تكثر في العصر الحديث عند‬
‫والالّفت لالنتباه ّ‬
‫اللغويين الجزائريين‪ ،‬ومن أهلها نجد العالمة القطب محمد بن يوسف أطفيش‪‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خص علم البالغة بثالثة مؤّلفات هي‪ :‬بيان البيان في علم البيان‬
‫(ت‪1914‬هـ) الذي ّ‬
‫وفك العاني من ربقة المعاني وربيع البديع في علم البديع‪ ،‬وهي كتب تّتصل بعلوم‬
‫ّ‬
‫البالغة ال ّثالثة‪.‬‬

‫تم تحقيقيه ككتاب‬‫هذه المصّنفات ال ّثالثة‪ ،‬تمّثل مخطوطات بالغية منها ما ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫الدكتور محمد زمري‪ 2،‬بينما ال يزال‬
‫حققه األستاذ ّ‬
‫من ربقة المعاني الذي ّ‬ ‫فك العاني‬
‫ّ‬
‫البيان وربيع البديع دون تحقيق‪.‬‬ ‫كتاب بيان‬
‫أكب الجزائريون إذن على الّتأليف البالغي في العصر الحديث فوضعوا كتبا‬
‫لقد ّ‬
‫تمّثل أبحاثا ودراسات علمية وأخرى مدرسية تعليمية‪.‬‬

‫الدراسات العلمية‪ ،‬وجدنا بعضها يّتصل بعلوم البالغة‬


‫نتأمل األبحاث و ّ‬
‫وإذا جئنا ّ‬
‫قضية من قضاياها‪ ،‬بينما انصرفت المؤّلفات الموضوعة‬‫يمس ّ‬
‫ال ّثالثة‪ ،‬والبعض اآلخر ّ‬
‫لهدف تعليمي إلى الحديث عن أساليب البالغة قصد تلقينها لطلبة العلم في أطوار‬
‫معينة‪ ،‬كالمرحلة الثانوية والجامعية‪.‬‬
‫تعليمية ّ‬

‫خامسا‪ :‬القضايا الم ّتصلة بالبالغة‪:‬‬

‫‪ -1‬ينظر الموجز في تاريخ البالغة‪ ،‬مازن المبارك‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح أطفيش‪ ،‬من العلماء األجراء في الفقه واألدب واللّغة والتفسير‪ ،‬صاحب‬
‫هو ّ‬
‫‪-‬‬

‫النحو والعروض‪ ،‬ينظر معجم أعالم الجزائر عادل نويهض‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫المؤلفات واألراجيز في ّ‬
‫‪ -2‬ينظر تخليص العاني من ربقة المعاني محمد بن يوسف أطفيش‪ ،‬تح‪:‬محمد زمري‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬سلطنة عمان‪،‬‬
‫مسقط‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ائريين في ميدان علم البالغة‪ ،‬نالحظ غلبة تناول‬


‫وبالعودة إلى إنتاج الجز ّ‬
‫القضايا والمسائل البالغية كقضيتي اإلعجاز والّنظم ناهيك عن بعض األساليب‬
‫المّتصلة بفرع من فروع هذا العلم‪.‬‬

‫الصديق‪ ‬بكتابه‬
‫ّ‬ ‫الصالح‬
‫فمن الذين عالجوا مسألة اإلعجاز نجد األستاذ محمد ّ‬
‫تطرق فيه إلى وجوه إعجاز القرآن‬
‫"من روائع اإلعجاز" وقد وضعه عام ‪ّ ،2009‬‬
‫السبك وبراعة‬
‫تحدث عن فصاحته وخصائص أسلوبه كجودة ّ‬ ‫الكريم المعروفة‪ ،‬كما ّ‬
‫‪1‬‬
‫الّتصوير وائتالف ألفاظه مع معانيه‪.‬‬

‫أن صاحبه قام بإحصاء معظم المشاهير الذين كتبوا‬ ‫والجميل في هذا المصّنف ّ‬
‫السكاكي‬
‫في اإلعجاز قديمهم وحديثهم كإبراهيم الّنظام والجاحظ والجرجاني وأبي يعقوب ّ‬
‫السيد قطب والكواكبي إضافة إلى اإلمام عبد الحميد بن باديس والعالّمة‬‫ورشيد رضا و ّ‬
‫محمد البشير اإلبراهيمي‪ ،‬فكالهما أوقفاه على الوجه البالغي والعلمي‪.‬‬

‫تطرق فيها أصحابها‬


‫الدراسات‪ّ ،‬‬
‫وليس هذا فحسب وإّنما أيضاً عرض جملة من ّ‬
‫لذات المسألة‪ ،‬من وجوه مختلفة كمحمد الغزالي وشكري فيصل ومصطفى أحمد ّ‬
‫الزرقاء‬
‫‪2‬‬
‫الرافعي‪.‬‬
‫ومصطفى صادق ّ‬

‫السياق نشير كذلك إلى كتاب "اإلعجاز البياني في القرآن الكريم"‬‫وفي هذا ّ‬
‫قل في‬
‫ألن الكالم عن اإلعجاز البياني ّ‬
‫عمار ساسي الذي رّكز فيه على البيان ّ‬
‫لألستاذ ّ‬
‫العصر الحديث‪ ،‬بسبب البعد عن الفصاحة والبالغة‪.‬‬

‫ومفكر وأديب وفقيه‪ ،‬ولد سنة ‪ 1925‬بقرية أبيزار الفباءلية‪ ،‬له الكثير من‬
‫الصديق عالم ومجاهد ّ‬ ‫الصالح ّ‬
‫محمد ّ‬
‫هو ّ‬
‫‪-‬‬

‫الصديق‪ ،‬ضمن‬ ‫محمد الصالح ّ‬ ‫المؤّلفات كأدباء التحصيل ومقاصد القرآن والتّبيان في علوم القرآن‪ ،‬ينظر ترجمة الشيخ ّ‬
‫الخاصة بجمعسة الجاحظية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصفة‬
‫الصديق‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الصالح‬ ‫محمد‬ ‫اإلعجاز‪،‬‬ ‫ائع‬
‫و‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫ينظر‬ ‫‪-1‬‬
‫ص‪.136-34-30‬‬
‫‪ -2‬ينظر المصدر السابق‪ ،‬ص‪.211-143‬‬

‫‪162‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الدكتوراه‪،‬‬
‫تقدم بها صاحبها لنيل شهادة ّ‬ ‫إن هذا الكتاب‪ ،‬في األصل أطروحة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫معرفا اإلعجاز البياني‪ ،‬ذاك ار نوعين له‪،‬‬
‫أشار فيه إلى مصطلح اإلعجاز والبيان‪ّ ،‬‬
‫الخاص باآليات المحكمات‬
‫ّ‬ ‫يتم ّثالن في‪ :‬اإلعجاز البياني الفّني واإلعجاز البياني‬
‫(الّتشريع)‪.‬‬

‫أن اإلعجاز البياني‬


‫أهمها ّ‬
‫توصل صاحب الكتاب إلى جملة من الّنتائج ّ‬ ‫لقد ّ‬
‫ظهور من اإلعجاز العلمي ولذلك اعتبر البيان مفتاح العلوم‪ ،‬كما كشف‬ ‫أسبق في ال ّ‬
‫أن الّلغة هي الوسيلة الكبرى للبيان‪ ،‬وهو‬
‫مقاصد هذا الّلون من اإلعجاز‪ ،‬منتهيا إلى ّ‬
‫وخفيها وفق سنن‬
‫ّ‬ ‫لكل ما أبان لك عن األشياء والمعاني دقيقها‬
‫سمة جامعة وشاملة ّ‬
‫العرب‪ ،‬وبهذا يكون البيان أوسع من البالغة وشامال لعلومها‪ ،‬وأنسب في الّتعامل مع‬
‫‪1‬‬
‫وضحه في القسم الّتطبيقي‪.‬‬
‫اآليات المحكمات وهو األمر الذي ّ‬

‫لقضية الّنظم‪ ،‬فإّننا نذكر ها هنا كتاب "نظرية الّنظم" لصالح بلعيد‬
‫ّ‬ ‫وبالّنسبة‬
‫ثم ربطها بحقول لغوية أخرى كالّنحو‬ ‫تطرق للمسألة عند أقطابها األوائل ّ‬ ‫الذي ّ‬
‫‪2‬‬
‫والّلسانيات واألسلوبية كاشفا في األخير عالقة الّنظم بالّنص‪.‬‬

‫ائريين ال يقتصر فقط على وضع الكتب‬‫أن الّتأليف البالغي عند الجز ّ‬
‫والحقيقة ّ‬
‫المّتصلة بقضايا البالغة‪ ،‬وإّنما شمل أيضاً المصّنفات الّتعليمية التي تستهدف طلبة‬
‫العلم‪ ،‬بهدف تعريفهم بعلم البالغة‪ ،‬ولهذا صّنف العديد من األساتذة مثل هذا الّنوع من‬
‫سماه فنون البالغة‬
‫الدكتور بوفاتح عبد العليم الذي أنشأ كتابا ّ‬
‫المؤّلفات مثل األستاذ ّ‬
‫العربية حيث تناول فيه مفاهيم ومصطلحات بالغية في البالغة والفصاحة ومقتضى‬ ‫ّ‬
‫الحال والّنظم فقد عرض في الباب األول فنون المعاني من إسناد وقضاياه إضافة إلى‬

‫األسلوب الخبري واألسلوب اإلنشائي‪ّ ،‬‬


‫أما الباب ال ّثاني فعالج فنون البيان من تشبيه‬

‫عمار ساسي‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ط‪ ،2007 ،1‬ص‪.243-74‬‬ ‫‪ -‬ينظر اإلعجاز البياني في القرآن الكريم‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫للنشر والتّوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪ ،2002‬ص‪.156-61-59‬‬


‫النظم‪ ،‬صالح بلعيد‪ ،‬دار هومة ّ‬ ‫‪ -‬ينظر نظرية ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪163‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المحسنات‬
‫ّ‬ ‫تطرق من خالله إلى‬
‫ثم الباب ال ّثالث واألخير ّ‬
‫ومجاز واستعارة وكناية ّ‬
‫‪1‬‬
‫البديعية الّلفظية والمعنوية‪.‬‬

‫ومثل هذا الكتاب نجد كذلك مصّنفا آخر عنوانه اإلحاطة في علم البالغة‪،‬‬
‫صنعة األستاذين عبد الّلطيف شريفي وزبير دراقي‪ ،‬عالجا فيه مباحث علوم البالغة‬
‫الموضحة لعلوم البيان‬
‫ّ‬ ‫ال ّثالثة معالجة شاملة‪ ،‬مشفوعة بالشواهد القرآنية والشعرية‬
‫تحدثا فيها عن مفهومي الفصاحة والبالغة والفرق‬
‫والمعاني والبديع‪ ،‬وهذا بعد توطئة ّ‬
‫‪2‬‬
‫بينهما‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ما تقدم نجد الّتأليف البالغي الجزائري الحديث‪ ،‬يظفر بالكثير‬
‫تطرقوا إلى بعض المباحث‬
‫الدراسات األكاديمية من قبل باحثين لغويين‪ّ ،‬‬‫من األبحاث و ّ‬
‫البالغية المّتصلة بعلم من علوم البالغة كأسلوب االستفهام الذي تناوله األستاذ قطبي‬
‫تطرق إلى المعاني البالغية التي أشار إليها‬
‫الطاهر في كتابه "بحوث في الّلغة" حيث ّ‬
‫البالغيون‪ ،‬كاشفا ال ّظواهر التي يبنى عليها نظام الجملة االستفهامية‪ ،‬وموضحا‬
‫‪3‬‬
‫جماليات األسلوب االستفهامي‪.‬‬

‫ويتابع األستاذ قطبي الطاهر دراسته لألسلوب نفسه‪ ،‬مّتخذا ّإياه نموذجا‬
‫أن علم المعاني هو العلم‬
‫الصلة الوثيقة بين الّنحو والبالغة‪ ،‬ومشي ار إلى ّ‬
‫لتوضيح ّ‬
‫الدرس البالغي كاإلمام عبد القاهر‬
‫الصلة مثلما أ ّكده فحول ّ‬
‫الذي يكشف بجالء تلك ّ‬
‫‪4‬‬
‫السكاكي وأيضاً مازن المبارك‪.‬‬
‫الجرجاني وأبي يعقوب ّ‬

‫‪ -1‬ينظر فنون البالغة العربية‪ ،‬عبد العليم بوفاتح‪ ،‬مطبعة بن سالم‪ ،‬دط‪.2009 ،‬‬
‫‪ -2‬ينظر اإلحاطة في علوم البالغة‪ ،‬عبد اللطيف شريفي وزبير دراقي‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -3‬ينظر بحوث في اللّغة –االستفهام البالغي‪ -‬قطبي الطاهر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،1994 ،2‬‬
‫ص‪.31-03‬‬
‫النحو والبالغة‪ -‬قطبي الطاهر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪ -‬ينظر بحوث في الّلغة –االستفهام بين ّ‬
‫‪4‬‬

‫دت‪ ،‬ص‪.05-04‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وإلى جانب ذلك ذكر الباحث عددا من المصطلحات البالغية التي استقاها‬

‫البالغيون من الّنحاة‪ّ ،‬‬


‫ثم أعطوها دالالت مغايرة‪ ،‬كشبه كمال اال ّتصال وكمال االنقطاع‬
‫والفصل والوصل إضافة إلى مصطلحات أخرى مّتصلة باالستفهام‪ ،‬أوجدها البالغيون‬
‫‪1‬‬
‫كأسلوب الحكيم وتجاهل العارف‪.‬‬

‫اهتموا بالبحث البالغي محمد الصغير‬


‫ّ‬ ‫األكادميين كذلك الذين‬
‫ّ‬ ‫ومن الباحثين‬
‫مؤسس علم‬ ‫بناني إذ نجد له كتاب البالغة والعمران عند ابن خلدون‪ّ ،‬‬
‫فبين نظرة ّ‬
‫االجتماع إلى البالغة‪ ،‬فهي صناعة لسانية‪ ،‬تمثل آخر مرحلة‪ ،‬يتجّلى فيها العمران‬
‫الخاص عند العالّمة ابن خلدون‪.‬‬ ‫تطرق إلى مفهومها ّ‬
‫العام و ّ‬ ‫البشري كما ّ‬
‫المقدمة بشأن الفرق بين البالغة والّنحو‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لقد عرض لنا الباحث أراء صاحب‬
‫فالبالغة هي مطابقة الكالم لمقتضى الحال‪ ،‬بينما الّنحو هو مطابقة الكالم لمقتضى‬
‫الخاصة‪ ،‬وبذلك فإّنه‬
‫ّ‬ ‫المثال‪ ،‬إضافة إلى كالمه عن علم المعاني الذي يمّثل الّتراكيب‬
‫‪2‬‬
‫يمّثل علم البالغة‪.‬‬

‫كما كشف محمد الصغير بناني‪ ،‬العالقة بين البالغة والعمران عند ابن خلدون‬
‫‪3‬‬
‫الذي اّتخذ مفهوم البالغة وسيلة الكتشاف علم جديد هو علم العمران‪.‬‬

‫الدرس البالغي الحديث‪ ،‬فقد اّتخذ‬


‫إن جهود هذا الباحث معتبرة في ميدان ّ‬ ‫ّ‬
‫العديد من المصّنفات البالغية أرضية لدرسه الّلساني‪ ،‬ولذلك رجع إلى كبار أعالم‬
‫متحدثا عن المدرسة البيانية مع‬
‫ّ‬ ‫السكاكي والجاحظ‬
‫العربية من مثل الجرجاني و ّ‬
‫ّ‬ ‫البالغة‬
‫‪4‬‬
‫السكاكي‪.‬‬
‫الشمولية مع ّ‬
‫الجاحظ ومدرسة النظم مع عبد القاهر الجرجاني والمدرسة ّ‬

‫‪ -1‬ينظر المرجع السابق‪ ،‬ص‪.51-50‬‬


‫‪ -2‬ينظر في البالغة والعمران عند ابن خلدون‪،‬محمد الصغير بناني‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪،‬‬
‫الجزائر‪،‬دط‪ 1996،‬ص‪.137،1465‬‬
‫‪ -3‬ينظر المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫‪ -4‬ينظر المدارس الّلسانية في التّراث العربي وفي الدراسات الحديثة‪ ،‬محمد الصغير بناني‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫دط‪ ،2001‬ص‪.17،24،25،41‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫اهتم بمسألة المصطلح نحو األستاذ عبد الجليل‬


‫ومن الباحثين األكادميين من ّ‬
‫تطرق فيه إلى عدد من‬ ‫مصطفاوي الذي وضع كتابا عنوانه "المصطلح البالغي" ّ‬
‫المصطلحات البالغية كالتشبيه والمجاز وغيرها فتتبع ظهورها واستخدام البالغيين لها‬
‫‪1‬‬
‫الدرس البالغي‪.‬‬
‫خالل المراحل المتعاقبة من نشأة ّ‬

‫وبعد هذه الجولة في ميدان الّتأليف البالغي الجزائري‪ ،‬اّتضح لنا غلبة‬
‫ائريين قديما‪ ،‬بينما اّتسم‬
‫الملخصات على إنتاج البالغيين الجز ّ‬
‫الشروحات و ّ‬
‫المنظومات و ّ‬
‫تؤصل قضايا البالغة إضافة إلى‬‫اإلنتاج البالغي الجزائري الحديث بوضع الكتب التي ّ‬
‫الدراسات األكاديمية بشأن مباحثها ومصطلحاتها فضال عن المصّنفات‬ ‫إعداد ّ‬
‫الّتعليمية‪ ،‬الهادفة إلى تلقين الّناشئة هذا العلم الجليل والشريف‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر المصطلح البالغي(قراءة سياقية في مصادر اللغة العربية حتى القرن الثالث الهجري)‪ ،‬عبد الجليل‬
‫مصطفاوي‪ ،‬دار الغرب للنشرو التوزيع‪ ،‬دط‪.2010 ،‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ )1‬ألفية ابن معطي‪ ،‬ابن معطي الزواوي‪ ،‬تح‪ :‬علي موسى الشوملي‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫السياحة بالجزائر‪،‬‬
‫‪« )2‬أنا»‪ ،‬محمد البشير اإلبراهيمي‪ ،‬الثقافة‪ ،‬إصدار وزارة الثقافة و ّ‬
‫عدد ‪ ،87‬شعبان رمضان ‪/1405‬مايو‪ ،‬يونيو ‪.1985‬‬
‫‪ )3‬اإلحاطة في علوم البالغة‪ ،‬عبد الّلطيف شريفي وزبير دراقي‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ )4‬إرشاد الحائر إلى آثار أدباء الجزائر من الفتح العربي إلى عصرنا‪ ،‬محمد رمضان‬
‫شاوش والغوتي بن حمدان‪ ،‬م‪1‬ن ط‪.2001 ،1‬‬
‫‪ )5‬اإلعجاز البياني في القرآن الكريم‪ ،‬عمار ساسي عالم الكتب الحديث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2007‬‬
‫طاهر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫‪ )6‬بحوث في الّلغة‪ :‬االستفهام البالغي‪ ،‬قطبي ال ّ‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫طاهر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫‪ )7‬بحوث في الّلغة‪ :‬بين الّنحو والبالغة‪ ،‬قطبي ال ّ‬
‫الجزائر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ )8‬البستان في ذكر األولياء والعلماء بتلمسان‪ :‬ابن مريم التلمساني‪ ،‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط دت‪.‬‬
‫‪ )9‬البالغة والعمران عند ابن خلدون‪ ،‬محمد الصغير بناني‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪.1996 ،‬‬
‫‪ )10‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬ج‪ ،1‬الشركة الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.1981 ،‬‬
‫‪ )11‬تخليص العاني من ربقة المعاني‪ ،‬محمد بن يوسف أصغيش‪ ،‬تح‪ :‬محمد زمري‪،‬‬
‫ط‪ ،2009 ،1‬سلطنة عمان‪ ،‬مسقط‪.‬‬
‫حبار‪ ،‬منشورات‬
‫األدبي القديم في الجزائر‪ ،‬دراسة بيبليوغرافيا‪ ،‬مختار ّ‬ ‫‪ )12‬الخطاب‬
‫ّ‬
‫مختبر الخطاب األدبي في الجزائر‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬دار األديب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪167‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ )13‬علم لغة الّنص‪ ،‬المفاهيم واال ّتجاهات‪ ،‬سعيد حسن بحيري‪ّ ،‬‬
‫مؤسسة المختار‬
‫للّنشر والّتوزيع‪ ،‬دط‪.2004 ،‬‬
‫العربية‪ ،‬عبد العليم بوفاتح‪ ،‬مطبعة بن سالم‪ ،‬دط‪.2009 ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )14‬فنون البالغة‬
‫‪ )15‬قراءة في مخطوطة البديع في علم البديع‪ ،‬ابن المعطي الزواوي‪ ،‬عبد الرحمن‬
‫خربوش‪.‬‬
‫الصناعتين‪ ،‬أبو الهالل العسكري‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬صيدا‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪ )16‬كتاب ّ‬
‫‪.2002‬‬
‫‪ )17‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2005 ،1‬‬
‫الدراسات الحديثة‪ ،‬محمد الصغير‬
‫‪ )18‬المدارس الّلسانية في األدب العربي وفي ّ‬
‫بناني‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪.2001 ،‬‬
‫‪ )19‬معجم أعالم الجزائر من صدر اإلسالم حّتى العصر الحاضر‪ ،‬عادل نويهض‪،‬‬
‫مؤسسة نويهض ال ّثقافية للّتأليف والّترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1983 ،3‬‬
‫ّ‬
‫‪ )20‬المغرب في حلي المغرب‪ ،‬ابن سعيد‪ ،‬ج‪ ،2‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫الرحمن بن خلدون‪ ،‬دار الكتاب الّلبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1983 ،3‬‬
‫المقدمة‪ ،‬عبد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪)21‬‬
‫‪ )22‬الموجز في تاريخ البالغة‪ ،‬مازن المبارك‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫الصديق‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن‬
‫الصالح ّ‬
‫‪ )23‬من روائع اإلعجاز‪ ،‬محمد ّ‬
‫عكنون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ )24‬نظرية الّنظم‪ ،‬صالح بلعيد‪ ،‬دار هومة للّنشر والّتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪.2002 ،‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ال ُمعَلَّقَـاتُ النَّحْ ِويَّةُ فِــي ال َج َ‬


‫ـزاِئـِر‬
‫أ َ ْل ِفيَّةُ ا ْب ِن ُم ْع ِطي أ ُ ْن ُموذ ًجا‬

‫أعبلله لحبيب‪ ،‬عضو في مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا‪ ،‬جامعة أدرار‬


‫• البريد اإللكتروني‪lahbibabellah@gmail.com :‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫َعصرددص ب َعاد ِ َ لو د بدأَ‬‫ِ‬ ‫دتَُِند َ‬


‫لوأدد َضُود َ‬ ‫دوأَ َ‬ ‫َسَخد َدنَاد طدََّ لدلاش َاد َ بر‬
‫لَد ب‬ ‫َلَقد ر َ‬
‫لولت خ د وَضل د ر َ اد بدََّ ل بمد ِدأَبى َع را دلَشَ َ د بدََّ لعَددأ بنوَاق د َِي د َ د ِدََّ للا ر د بدص َ َ‬
‫يلَخ لع ه َ« ليصخفية»‪َ .‬‬ ‫لةَع رَّ َ ب ل ب‬ ‫‪َ513‬هد)وَق ي ةَِ بصلي ًةَسبمي ب‬
‫َى ر أَ لشص َ‬ ‫َر َ‬

‫ي د بَ‬ ‫َ‪628‬ه دد)ََارق د َ د َبَ ل د ردت َنَبظَلد َ‬


‫دنَِ ر‬ ‫لعو بش د‬ ‫ب‬
‫َُ لع د َ‬
‫َح ر َيددنَ ر د ِدََّ َ رت د َ ر‬
‫َد لسب ب ‪َ .‬‬ ‫ب ب‬ ‫ب‬
‫َايه ع َِثأهَِخيت َصي َع رََّ رل بَ لخلبيلَا ِ‬
‫ٍ ب ب‬ ‫ب‬
‫ُ لَضلَُلفيةَا َ رل بَ للا ر بصوَ َج َع َع َ‬

‫َجد به َليبه به ر َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫قد علُقوا معلقاتهم الشععية َ–َاد َ‬
‫ن ْ َّ‬ ‫َُهلَ لعَدأ بَ‬ ‫ضبإ ربَ َب ِ‬
‫َع َوللَقد د ب ه َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫يعبه َهد د َوَا د ل‬ ‫‪َ-‬ىلخ دده بسَ لاوت د بَدة؛َظ د ب ب‬
‫دأبَُه د َدلَ لعْ ددأََُقد د ر َ لِق ددص ِ‬ ‫دلَِلق َ‬ ‫ً‬
‫ب‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ب‬
‫يه وَضَل ِأِجددصطَبلتددةَ لورل د بَظليه د وَ‬ ‫ضس؛َ َ رأبخد ً‬
‫ديخ َلد د ر ف َ‬ ‫لا ل صي د َةَ ْرلفي د َةَا د َ ل ط دِ بَ‬
‫ي بع َه ‪َ َ.‬‬ ‫َخ بسَج َ‬
‫ََِ ر‬ ‫َع ر لل ٌةَِل َْ بصًّي ٌة َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬
‫ِكلع َ َ ِ َأ ر َ َ َل ريه ر َ‬

‫ََّع ٍَ‬
‫وطَ‪.‬‬ ‫لعَ ََولَلق ََِوَ للَا صيةَوَ ل بمأَوَُلفيةَوَ َِ‬
‫الكلمات المفتاحي ‪ِ :‬‬

‫‪169‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:
The art of writing poems in rhymes has been established and has
become one of the main topics in the Arabic poem writing since the
Abbasides, Algeria wasn't different from the Mashreq in doing
so.IbnEnnahwi(513 of Hidjrah) elaborated a grammatical poem of
''ra'' rhythm in ElbahrEtawil, a kind of arabic poem writing with
long verses.He called it ELYUSUFIAH.
YahiaBenAbdElmouti (628 of H) was the first one to elaborate a
thousand-line poem dealing with Arabic grammatical rules.
Had the theMasheqs hung their poems on the Kaaba so that it is
valuable, the Maghrebs had learnt them by heart so that they refer
to it when there was difficulty in understanding grammar question.

170
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ابن ُم ْعط) ‪:)1‬‬ ‫‪ 1‬ع تعيجمع َّ‬


‫الناظم ُ‬
‫الزواوي‬ ‫َّ‬
‫الملقب زةن الدين‪َّ ،‬‬ ‫عبدالمعطي بن عبد النور أبو الحسن‪،‬‬ ‫يحيى بن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بظاهي بجاي َ من أعمال أفيةقي ‪ ،‬ذات‬ ‫زواوة‪ ،‬وهي قبيل كبيية تسكن‬
‫نسب إلى قبيل َ‬
‫بطون وأفخاذ‪.‬‬

‫العَيبَِّي ِ ‪،‬‬ ‫ِ‬


‫إماما ُمبي از في َ‬
‫كان ً‬ ‫ُولد سن أربع وستين وخمس مائ ( ‪ 564‬هع )‪َ ،‬‬
‫الذ َهِبي(‪،)2‬‬‫الم َذِته كما يقول َّ‬
‫أجل َت ِ‬
‫الج ُزوِلي ببجاي وكان ِم ْن ِ‬
‫شاعي محسنا‪ ،‬تتلمذعلى ُ‬
‫ًا‬

‫حصله في بالد المغيب‪ ،‬فيحل إلى المشيق العيبي‬‫يكتف‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬بما َّ‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫عن ِ‬
‫ابن عساكي‪ ،‬وق أي‬ ‫فس ِم َع الحديث ورواه ِ‬ ‫ِ‬
‫طلبا لالستزادة م َن العلوم التي لم ُي َج ْزفيها‪َ ،‬‬
‫التا ِج الكندي القياءات‪ ،‬وعلوم ُّ‬
‫اللغ (‪.)3‬‬ ‫على َّ‬

‫عنه‪.‬‬
‫اس ُ‬ ‫وحمل َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫العتيق‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وتصدر بالجام ِع‬ ‫بمصي‪،‬‬
‫َ‬ ‫بدمشق ُمَّد ًة‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫وأق أي َّ‬
‫النحو‬

‫‪)1‬انظي تيجم حياته في ُكل ِم ْنَ‪َ:‬ىِْيةَ لص ةَا َبتق َ طللْصييََّض لطا ةوَجللَ ل يََّ ل يصب وََ قيقََ‪َ:‬ع ع َ‬
‫ت َ لأني وَد سَ لفاأوَ يأض ‪َ-‬لتا بوََط‪1َ:‬وَ‪1425‬هدَ‪1426َ/‬هدَ‪2005َ-‬م‪.َ760َ–َ759ََ.‬‬
‫‪َ-‬ضعو َ ْدى ِوَح قص َ ل عص وَد سَظني َِ لهأثَ لوأد وَ يأض وَلتا بوَد سَو دسوَدَطوَ‪1979‬موَجَ‪َ35/20‬‬
‫‪َ.‬ض‪ َ-‬ضضاي َ ْ ي بَضُِت َُِ ا َِ لبع بوَ ََّخلا بَُ صَ لوت سَشعسَ ل يََُّنع َ ََّع ع وَد سَو دسوَ يأض وَ‬
‫لتا بوَدَطوَ‪1978‬موَ‪َ ََ.َ197/6‬‬
‫‪ َ -‬ضإِت ِ َ لأض ةَ لن َُِت ِ َ لا ةو َ لقفش َ ل َ َّ َيصخفو َ قيق‪َ :‬ع ع َُ ص َ لفضل َظ أهي و َد س َ لفاأ َ لوأد وَ‬
‫لق هأةوضعؤخ ةَ لاهبَ لثق ايةوَ يأض وَلتا بوَط‪01َ:‬وَ‪1986‬موَ‪َ44/4‬ض‪َ .45‬‬
‫‪َ-‬ض لت حةَض لاه حةوَ ََّ ثيأَظخع يلَ ََّ عأوَد سَ لاهبَ لولعيةوَط‪01َ:‬وَ‪1985‬موَج‪َ َ.َ78َ/13‬‬
‫‪ َ-‬ضش س َ ل هبَا َُخت سَعََّذهبوَ ََّ لوع دَ ل اتل وَ قيقَ‪َ:‬ل اةَظني َِ لهأثَ لوأد وَد سَ ْا نَ ل ي ةوَ‬
‫يأض وَلتا بوَ دَطَ)وَ دَ َ)وَج‪َ .ََ129/َ5‬‬
‫مأوَ‬ ‫‪ َ -‬ضشأح َُلفية َ َّ َعوش وَلوت َ لوبيب َ َّ َجعوة َ لعصول و َ قيق َضدسخة‪ َ :‬ل َعصخن َ لَصعل و َد سَ لت‬
‫ن يََّد ‪ َ-‬ل بمأوط‪َ1:‬و‪2007‬موَج‪َ:1‬ص‪.11‬‬
‫َ ل لت َو لق هأةَوَطَ‪1972‬و‪َ1‬‬ ‫‪ َ)2‬لف صلَ لخع صبَوَال ََّعوطَوَ َِ‪َ:‬ع عصدَع ع َ لشا ن وَد سَ ي نَ لت‬
‫وَصَ‪.َ19:‬‬
‫‪)3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَلوت َ لوبيبَ ََّجعوةَ لعصول وَج‪َ:1‬صََ‪َ18‬ض‪.َ19‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ُت ُوِف َي بالقاهية سن َ ثمان وعشيةن وستمائ (‪628‬هع) ُ‬


‫ودفن ِب َها على شفيي الخندق قيب‬
‫ظاهي‪.‬‬
‫تيب اإلمام الشافعي‪ ،‬وقبيه هناك ٌ‬

‫من مصنفاته‪:‬‬

‫وتعيف بألفي ِ ِ‬
‫ابن ُم ْعط‪ ،‬وقد ُشيحت شيوحا‬ ‫‪ُّ «-‬‬
‫الدرة األلفي في العيبي »‪ُ ،‬‬
‫ِعَّدة‪ ،‬بل َغ ْت سبع عشي(‪ )17‬شيحا (‪ ،)1‬منها‪:‬‬

‫« ال ُغَّية المخفي في شيح ُّ‬


‫الدرة األلفي في علم العيبي »‪ ،‬ألحمد بن الحسين‬
‫المعيوف بابن الخباز(ت‪637‬هع)‪،‬‬

‫و« التعليقات الوفي بشيح الدرة األلفي »‪ ،‬لجمال الدين أبي بكي محمد بن أحمد‬
‫بن محمد الوائلي البكيي األندلسي الشيةشي المالكي ( ت‪ 685‬هع) ‪،‬‬

‫و« شيح عبد العزةز بن جمع بن زةد الموصلي‪ ،‬المعيوف بع(ابن القواس)‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪723‬هع) »‪...‬‬

‫ومن مصنفاته األخيى ‪:‬‬

‫العقود والقوانين في النحو‪ ،‬وكتاب شيح أبيات سيبوةه(وهو نظم)‪ ،‬و ديوان‬
‫شعي‪،‬‬

‫السَّياج في‬
‫وكتاب شيح الجمل في النحوللزجاجي‪ ،‬وكتاب حواش على أصول ابن َّ‬
‫المثل ُث في ُّ‬
‫اللغ ‪ ،‬وكتاب ديوان‬ ‫الجمهية في اللغ البن ُدرةد‪ ،‬و َّ‬
‫ونظم كتاب َ‬ ‫َّ‬
‫النحو‪،‬‬
‫ُ‬
‫خطب‪.‬‬

‫‪ََُ) 1‬لفيةَ ََّعوش َا َعيببَشأنه َوَشأحَ ت َ لوبيبَ ََّجعوةَ لعصول َُِعصذج وَزيََّ ل يََّ ََّعصخنَوَ‬
‫ع لةَ لولصمَ إلِ ِيةَوَ دَ‪َ39‬وَجص بَ‪َ2013‬وَصَ‪.َ258‬‬
‫‪َ)2‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَلوت َ لوبيبدََّجعوةوَج‪َ:1‬صَ‪.62‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫للجوهيي في اللغ ‪ ،‬ولم ُيكمله بسبب وفاته‪ ،‬كتاب البديع في‬


‫ونظم كتاب الصحاح َ‬
‫العُيوض‪ ،‬وله‬ ‫ِ‬
‫صناع الشعي‪ ،‬وهو منظوم في البالغ وصناع الشعي‪ ،‬قصيدة في َ‬
‫في القياءات السبع(‪.)1‬‬ ‫قصيدة‬

‫‪ 2‬ع ألعفيتعه‪:‬‬

‫الشعي َّال ِذي‬‫بارَزة ِفي ِ‬‫أن اإلنشاد ِس َم ٌ ِ‬


‫أهل َس َماع وإنشاد‪َ ،‬وبِ َخاص َّ‬ ‫العَي ُب َ‬ ‫كان َ‬‫َ‬
‫حتى َّأن ُه ْم عدوه َسا ِبًقا‬‫صور األدب‪َّ ،‬‬ ‫وجود ُه على عصي ُدو َن آخي من ُع ُ‬ ‫ُ‬ ‫َل ْم َي ْق َت ِصي‬
‫قيةح ُ‬ ‫جادت ِ‬ ‫القلب (‪ ،)2‬ولذا فقد‬ ‫ِ‬ ‫أقيب إلى‬ ‫ُ ِ َّ ِ ِ‬ ‫الو ُجود‪ ،‬و َّأن ُه‬ ‫َّ ِ‬
‫للن ْث ِي في ُ‬
‫ْ‬ ‫أعلق في الذاكَية و ُ‬
‫ِ‬
‫ق‬
‫السْب ُ‬‫حو‪،‬فكان َل ُه َّ‬
‫َ‬ ‫اب َّ‬
‫الن‬ ‫الزَواوِي الِب َجاوِي بنظم ألفي جامع أبو َ‬ ‫ابن معط َّ‬ ‫العالِمِ الفذ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِفي‬
‫ف باأللفي ‪.‬‬‫ابتكار هذا ال َف ِن الجديد َّالذي ُع ِي َ‬ ‫ِ‬

‫اء بعده كابن مالك) ‪ 672‬ه(‪،‬‬ ‫فابن معط ص ِ‬


‫اح ُب الفضل؛ َّ‬
‫لم ْن َج َ‬
‫فتح الباب َ‬
‫ألن ُه َ‬ ‫ُ ُْ َ‬
‫اء‪ ،‬الذين نظموا‬‫واآلثاري )‪ 828‬ه( ‪ ،‬والسيوطي)‪ 911‬ه( ‪ ،‬وغييهم ِمن العَلم ِ‬
‫(‬ ‫‪3‬‬ ‫)‬
‫َ ُ َ‬
‫النحو والعلوم األخيى (‪ )4‬كالفيائض‪ ،‬وعلوم الحديث‪ ،‬والمعاني والبيان‬ ‫ألفيات في َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪...‬‬

‫‪ََ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَج‪َ:1‬صَ‪َ25‬وَ‪.َ26‬‬


‫‪ َ )2‬لعايصعة َ لا صية َ دسخة َ ليلية)و َعع ضح َ ت َ لأنعَّو َد س َ لعوأاة َ ل عويةو َ إلخكا سيةو َد‪َ .‬طو َ‪2000‬موَ‬
‫ص‪.13َ:‬‬
‫‪َُ) 3‬لفيةَ ََّعوش َا َ لا صَض لخطَض لاه ىةوَرتشه َضق مَله وَخليع بَظ أهي َ لتلايع وَد سَ لفضيلةَ–َ لق هأةَوَ‬
‫ط‪َ1‬وَ‪2010‬مَوَصَ‪َ .َ13‬‬
‫‪ََ)4‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَلوت َ لوبيبَ ََّجعوةوََج‪01‬وَوَص‪61َ:‬و‪َ .60‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪ ََ)5‬لف صلَ لخع صبَوَال ََّعوطَوَ َِ‪َ:‬عق عةَ لع ققوَصَ‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ِ ِ (‪)1‬‬ ‫العالِمِ َّ‬ ‫ابن َمالِك َّ‬


‫الص َت ُه‬
‫حين رأى ُخ َ‬ ‫ِي وألفيته‬
‫الن ْحو ِ‬ ‫اس إلى ذلك َ‬
‫الن َ‬ ‫وقد َنَّب َه ُ‬
‫َف ِائَق ً أَْل ِفي َ‬

‫ابن ُم ْع ِطي‪ ،‬قائال(‪:)2‬‬


‫ِ‬

‫َم ْح ِوَّة ْه‬ ‫ِب َها‬ ‫الن ْح ِو‬


‫َّ‬ ‫مَق ِ‬
‫اص ُد‬ ‫أَْل ِفَّي ْه‬ ‫ِفي‬ ‫هللا‬ ‫ين‬ ‫وأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َس َتع ُ‬
‫َ ْ‬

‫ُمْن َج ِز‬ ‫ِب َو ْعد‬ ‫الب ْذ َل‬


‫َ‬ ‫ط‬
‫َوَتْب ُس ُ‬ ‫ُتَق ِي ُب األ ْق َصى ِبَل ْفظ ُم َ‬
‫وج ِز‬

‫ُم ْع ِط‬ ‫ْاب ِن‬ ‫أَْل ِفَي َ‬ ‫َف ِائَق ً‬ ‫َوَت ْق َت ِضي ِر ًضا ِب َغْي ِي ُس ْخ ِط‬

‫َ‬

‫ِ‬ ‫بل الم ِ‬ ‫ِ‬


‫األستاذ‪ِ ،‬‬ ‫الشَّياح َق ْد َقَّدموا ِ‬
‫المبتك ِي‬ ‫قلَد على‬ ‫ُ‬ ‫التلمي َذ على‬ ‫ُ‬ ‫الدارسين و ُّ َ‬ ‫َن َّ‬‫إال أ َّ‬
‫ابن مالك‬ ‫اف ِ‬‫اعِتي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أشهي م ْن َنار َعَلى َعَلم‪ ،‬رغم ْ َ‬ ‫َ‬ ‫المتأخيُة‬ ‫فأصبحت ألفي ُ ابن مالك‬
‫ْ‬
‫ودون َتلميح َما البن ُم ْع ِطي ِم َن‬ ‫ِ‬
‫؛ألنه سبقه إلى نظمِ َّأو ِل‬ ‫ِ‬
‫الفضل َّ‬ ‫صياح ً ِفي أُلفيته‪ُ ،‬‬
‫اإلبداع ‪ ،‬وبياء ُة‬
‫ِ‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫وهو‬ ‫فضل الُقدوِة واألسوِة‪َ ،‬‬
‫كيف ال‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ألفي في النحو‪ ،‬فكان له‬
‫االخت اي ِع ‪ ،‬قائال(‪:)3‬‬

‫عععععععععن مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوَت ْق َت ِضعععععي ِر ًضعععععا ِب َغُيع ِ‬


‫عععععععععععط‬ ‫َفائَقعععععععععع ً أَْلفعععععععععععي َ ابع ِ ُ ْ‬ ‫ععععخط‬
‫ععععي ُسع ْ‬

‫الج ِمععععععععععيال‬ ‫ِ‬ ‫وهعععععو بسعععععبق ح ِ‬


‫عععععائٌز َت ِ‬
‫عععععععععت ْو ِج ٌب َ َثَنععععععععععائ َي َ‬
‫ُم ْسع َ‬ ‫فضععععععيال‬ ‫َ ْ َ‬
‫النحو َّالِتي‬ ‫س ِإَلى ن ْظم أبواب َّ‬ ‫باق ِفي الم ْغ ِيِب و َ‬
‫األندُل ِ‬ ‫الس َ‬‫أن َعالِمَنا كان َّ‬ ‫َف َك َفاَنا َف ْخًاي َّ‬
‫لكن الباحثين في‬ ‫النحا ُة بعده ِفي المشي ِق‪ -‬في ألف بيت ‪-‬؛ َّ‬ ‫جمعها سيبوةه‪ ،‬و ُّ‬

‫‪ َ ) 1‬لَصه َ لقأآِية َا َُلفيةَ َّ َعوش َوَدسخة َِ صية َ ليلية َو َ ل َِ س َع عصدَن َّ َو َع لة َج عوة َبيتةَ‬
‫لآلد َُض لولصمَ إلِ ِيةَوَ ل اةَ لخ ع ةَوَ لو دَ‪َ09‬وَ‪َ1437‬هَوَصَ‪.َ915‬‬

‫َ ل يََّ ت َ ل عي وَ د‪.‬ط)َ‪ َ-‬د‪) .‬و َ‬ ‫‪ َ)2‬شأحَ ََّ قيلَ لنَُلفيةَ ََّع لكوَ قيق‪َ:‬ع ع َع‬
‫ج‪َ/َ1‬صََ‪.11‬‬
‫‪ََ)3‬شأحَ ََّ قيلَ لنَُلفيةَ ََّع لكوَج‪َ/َ1‬صَ‪11‬وَ‪.َ12‬‬
‫‪174‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ِ‬
‫األندلس والمشيق والمغيب‬ ‫أهل‬ ‫يهت ُّموا ب ُغَّيِة األلفيات‪ ،‬كما َّ‬
‫اهتم ُ‬ ‫الجامعات الجزائية لم َ‬
‫وتحقيقا ودراس ً‪.‬‬‫ً‬ ‫شيحا‬
‫بألفي ابن مالك ً‬

‫األسباب التي دفعت ابن معط إلى ابتكار هذا ِ‬


‫الفن الجديد ؟‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬فما هي‬

‫‪ -‬وما هي الطيةق التي اتبعها في نظمه ؟‬

‫أ ‪ -‬سبب نظمه األلفي ‪:‬‬

‫أطلق‬
‫َ‬ ‫اليِائ َد بال ُمَنازع في استعمال لفظ األلفي في أشعاره‪ ،‬فقد‬
‫إن ابن معط ُي َعُّد َّ‬
‫َّ‬
‫التسمي َ ‪،‬حيث قال(‪:)1‬‬ ‫على ألفيته ِ‬
‫هذه َّ‬

‫األ ْل ِفَّي ْه‬ ‫الدَّرِة‬


‫ُّ‬ ‫ام‬
‫َت َم ُ‬ ‫َه َذا‬ ‫المْي ِوَّة ْه‬
‫َ‬ ‫َش َع ُارُه ُم‬
‫أْ‬ ‫َن ْح ِوَّة ٌ‬

‫من البيت العاشي)‪(10‬إلى‬ ‫ِ ِ‬ ‫وتحد َث ابن معط عن سبب َن ْظ ِمه ِ‬


‫يته في ُمَقد َمت َها َ‬
‫ألف َ‬ ‫ُ ُْ‬
‫البيت العشيةن )‪ ،(20‬حيث قال(‪:)2‬‬

‫َج َعال‬
‫َن أ ْ‬
‫لهم أ ْ‬
‫ني ْ‬ ‫َن ا ْق َت َضوا ِم ِ‬
‫أِ‬ ‫ان ِص ْدق لِي َعَلى‬
‫َوَذا َح َدا إخو ُ‬
‫ألف خَل ْت ِم ْن َح ْش ِو‬‫ِعَّد ُت َها ٌ‬ ‫الن ْح ِو‬
‫َّ‬ ‫أُْر ُجوزًة وجيزًة ِفي‬

‫الف ْه ِم‬ ‫والب ِع ِ‬


‫يد‬ ‫الذ ِك ِي‬
‫َّ‬ ‫ْق‬ ‫َّ‬ ‫ِح ْف َ‬ ‫لِ ِعْل ِم ِه ْم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوف ُ‬ ‫النظ ِم‬ ‫ظ‬ ‫َن‬
‫بأ َّ‬

‫إذا ُبِني عَلى ازدواج ُم ْو َج ِز‬ ‫الي َج ِز‬


‫ور َب ْح ِي َّ‬ ‫ال ِسَي َما َم ْش ُ‬
‫ط ُ‬
‫َ‬

‫كالت ْص ِي ِ‬
‫ةع‬ ‫َّ‬ ‫ط ِ‬
‫ور‬ ‫ُّ‬
‫الش ُ‬ ‫ُم ْزَد ِو ِج‬ ‫الس ِية ِع‬ ‫اه ِ‬
‫يه ِم َن َّ‬ ‫أَو ما ي َض ِ‬
‫ْ َ ُ‬

‫يجمع‬
‫َ‬ ‫أصحابه طلبوا منه أن‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫والمتمعن في هذه األبيات ُي ِ‬
‫درك مقدرَة الناظم؛ َّ‬
‫العَّل َ في ذلك ِهي َّ‬
‫أن‬ ‫النحو؛ و ِ‬
‫طلب َّ‬ ‫ِ‬
‫النحو في أُرجوزة َوجيزة ُت َس ِه ُّل على المتعلمِ َ‬
‫أبواب َّ‬
‫َ‬

‫‪ُ)1‬لفيةَ ََّعوش َا َ لا صَض لخطَض لاه ىةَوَصَ‪َ .َ73‬‬


‫‪َ)2‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَلوت َ لوبيبدََّجعوةوَج‪َ:1‬ص‪.62‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الذاكية أطول منه‪ُ ،‬ث َّم ِإَّن ُه يَن ِ‬


‫اس ُب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الن ْث ِي‪ ،‬وبقاءه في َّ‬
‫َ‬ ‫أيسي ِم ْن ِح ْف ِظ َّ‬
‫ُ‬ ‫الن ْظمِ‬ ‫ِح ْف َ‬
‫ظ َّ‬
‫ط ُه‪ ،‬وقليَل ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومتوس َ‬ ‫الحاد َّ‬
‫الذكاء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المستوةات الثالث َ‪:‬‬

‫اختصارها فيما يلي‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وةمكن‬
‫أسباب دفعته إلى نظم ألفيته تلك‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫إذا فهناك‬

‫حق َق ِ‬
‫درَها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫إنسان َوُدود ُيَق ِدُر َّ‬
‫الصداق‬ ‫ٌ‬ ‫‪ِ -1‬إَّن ُه‬

‫وتقد ِمه على َغْي ِيِه ِفي ِعْلمِ َّ‬


‫النحو‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫لمي‬ ‫‪ -2‬علم إخو ِانعه ِبم ْق ِدرِت ِه ِ‬
‫الع َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬

‫عميا‪.‬‬ ‫ظا ِم َن َّ‬


‫الن ْث ِي‪ ،‬و ُ‬
‫أطول ً‬ ‫أيسي ِح ْف ً‬ ‫أن َّ‬
‫الن ْظ َم ُ‬ ‫يعلمو َن كما ُ‬
‫يعلم َّ‬ ‫ِ‬
‫‪ – 3‬إَّن ُه ْم ُ‬

‫السباق إلى نظم ألفي ِفي هذا العلم‬ ‫النحو؛ َّ‬


‫ألن ُه كان َّ‬ ‫‪- 4‬كان ِم ْن َّ‬
‫رواد تيسيي َّ‬
‫‪.‬‬

‫‪ِ ُّ - 5‬‬
‫ظ َم أَْل َ‬
‫ف‬ ‫العيوض ُّ‬
‫وتقدمه على غييه؛ ألنه كان أ ََّو َل َم ْن َن َ‬ ‫تمكنه م ْن ِزمام َ‬
‫أصعب العلوم و ِ‬ ‫الشعي في علم هو ِم ْن‬‫بيت ِم َن ِ‬
‫أدقها‪.‬‬ ‫ِ ُ‬

‫من الحشو‪ ،‬و َّأو ُل َم ْن َس َّمى‬ ‫ِ‬ ‫ظ َم َّ‬


‫النحو بشكل ُمتكامل خال َ‬ ‫‪ - 6‬إنه َّأو ُل َم ْن َن َ‬
‫نظم ُه األلفي َ (‪.)1‬‬
‫َ‬

‫ب) ع أقسام ألفيتعه‪:‬‬

‫تنقسم ألفي ابن ُمعط إلى ثالث أقسام ‪ ،‬كما يلي‪:‬‬

‫حتى َّ‬
‫الشطي‬ ‫بيتا؛ (من البيت األول َّ‬ ‫عشي(‪ً )15‬‬ ‫َ‬ ‫أوال‪ :‬المقدم ‪ :‬وقد جاءت في َخمس َ‬
‫س عشي(‪ ،)16‬وقد بدأها ُمْل َت ِف ًتا ِم َن المتكلِمِ إلى ال َغ ِائ ِب حيث‬ ‫الس ِاد ِ‬ ‫ِ‬
‫البيت َّ‬ ‫األو ِل ِم َن‬
‫َّ‬
‫قال‪:‬‬

‫‪ َ )1‬لا ص َ لعايصم َ يَّ َ َّ َعوط َض َّ َع لك َض ل يصب و َسخ لة َد هصسه‪َُ :‬نع َ ت َ للشيف َ لليث و َج عوةَ لق هأةوَ‬
‫‪1982‬مَ‪1402َ/‬هدوَص‪َ57َ:‬ض‪َ.58‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ور (‪)1‬‬ ‫َي ْحَيى ْب ُن ُم ْعط ْب ِن َعْب ِد ُّ‬


‫الن ِ‬ ‫ال َغ ُف ِ‬
‫ور‬ ‫رب ِ‬
‫ِه‬ ‫َر ِ‬
‫اجي‬ ‫ول‬
‫َ‬ ‫َيُق ُ‬
‫َن ِ‬
‫نبي َن‬ ‫وقد اتبع المؤلفون القدماء طيةق االلتفات ‪ ،‬وقبل إيياد األمثل ؛ ُ‬
‫يجدُر بنا أ ْ‬
‫مفهوم االلتفات عَند علماء البالغ ‪:‬‬

‫أجل علوم‬‫االلتفات ِم ْن ِ‬
‫َ‬ ‫الطياز(‪ )2‬بقوله‪ِ « :‬ا ْعَل ْم أ َّ‬
‫َن‬ ‫فقدعيَفه صاحب كتاب ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫–‬
‫وس ِمي بذلك أخ ًذا له ِم ِنَ‬ ‫البالغ ‪ ،‬وهوأميي جنودها‪ ،‬والواسط في قالئدها وعقودها‪،‬‬
‫ُ َ‬
‫وشماالً‪ ،‬فتارة يقبل بوجهه وتارة كذا‪ ،‬وتارة كذا‪ ،‬فهكذا حال هذا‬ ‫اْلِت َف ِ‬
‫ات اإلنسان َيميناً ِ‬
‫فإن ُه في الكالم َيْن َت ِق ُل من ِصي َغ إلى ِصيغ ‪ ،‬ومن ِخطاب إلى‬ ‫النوع من علم المعاني‪َّ ،‬‬
‫َغْيَب ‪ ،‬ومن غيب إلى خطاب إلى غيي ذلك من أنواع االلتفات‪. » ...‬‬

‫العدول من‬
‫ُ‬ ‫اء البالغ ِ ‪ ،‬هو‬
‫طَل ِح عَلم ِ‬ ‫ِ‬
‫ومعناه في ُم ْص َ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫أضاف ُم َو ِض ًحا ‪« :‬‬
‫َ‬ ‫ُث َّم‬
‫آخي ُم َخالِف لأل ََّو ِل ‪. )3( » ...‬‬ ‫ِ‬
‫أسلوب في الكالمِ إلى أسلوب َ‬

‫فصاحب كتاب َّ‬


‫الطَي ِاز َق ْد َبَّي َن‪:‬‬ ‫ُ‬

‫االلتفات ِم ْن ِ‬
‫أجل علوم‬ ‫َ‬ ‫مكان االلتفات َبْي َن علوم البالغ ‪ِ « :‬ا ْعَل ْم أ َّ‬
‫َن‬ ‫•‬
‫البالغ ‪ ،‬وهوأميي جنودها‪ ،‬والواسط في قالئدها وعقودها» ‪.‬‬
‫فبي َن أنه مأخوٌذ من التفات اإلنسان يمينا‬ ‫ثم بين سبب تسميتهبااللتفات‪َّ :‬‬ ‫•‬
‫وشماال قائال «وس ِمي بذلك أخ ًذا له ِم ِن اْلِتَف ِ‬
‫ات اإلنسان َيميناً ِ‬
‫وشماالً‪،‬‬
‫ُ َ‬
‫بوج ِه ِه وتارًة ك َذا‪ ،‬وتارًة ك َذا»‪.‬‬
‫فتارة ُي ْقِب ُل ْ‬

‫‪ ََ)1‬للاَ صَ لعايصمَ يََّ ََّعوطَض ََّع لكَض ل يصب َوَص‪.62َ:‬‬


‫َ َّ َنعبة َ َّ َ ل َ َّ َظ أهي َ لولص َ‬ ‫‪ َ َ )2‬ل برَ‬
‫ش أز َ لعهضعَّ َْخأس َ لتلغة َض لصم َنق مق َ إل زو َلإلع م َح‬
‫ليعا وَ قيق‪ َ:‬ت َ ل عي َها ض وَ لعكهتةَ لو أيةوَ يأض َ‪ََ-‬لتا بوَطَ‪1‬وَ‪َ1324‬هدَ‪َ2002َ-‬موَجَ‪َ71َ/ََ1‬‬
‫‪.‬‬

‫زوَوَجَ‪.َ71َ/ََ1‬‬ ‫‪ َََ)3‬ل برَ‬


‫شأزَ لعهضعََّْخأسَ لتلغةَض لصمَنق مقَ إل‬

‫‪177‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وفي األخيي َّبي َن معَنى االلتفات ِفي الكالم عند أهل اللغ « َّ‬
‫فإن ُه في الكالم‬ ‫•‬
‫َيْن َت ِق ُل من ِصي َغ إلى ِصيغ ‪ ،‬ومن ِخطاب إلى َغْيَب ‪ ،‬ومن غيب إلى خطاب‬
‫إلى غيي ذلك ِم ْن أَْن َوا ِع االلتفات‪. » ...‬‬
‫بمعناه االصطالحي زةادة في َّ‬
‫التوضيح ‪ ،‬قائال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وختم حديثه‬ ‫•‬

‫العدول من أسلوب ِفي الكالمِ إلى‬


‫ُ‬ ‫اء البالغ ِ ‪ ،‬هو‬
‫طَل ِح عَلم ِ‬
‫ومعناه في ُم ْص َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫«‬
‫وةقصدبه الخيوج من أُسلوب في الكالم‪ ،‬إلى‬
‫ُ‬ ‫آخي ُم َخالِف لأل ََّو ِل ‪.» ...‬‬
‫أسلوب َ‬
‫لألو ِل ألغياض فني ‪.‬‬
‫آخي جديد مخالف َّ‬
‫أسلوب َ‬

‫يعيض‬‫ُ‬ ‫ابن رشيق بقوله‪« :‬هو أن يكون الشاعي آخذا في معنى‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫وعيفه ُ‬
‫‪َّ -‬‬
‫َن ُي ِخ َّل‬ ‫الث ِاني ِ‬‫األول إلى َّ‬
‫يعود إلى األ ََّو ِل من غيي أ ُ‬
‫فيأتي به‪ ،‬ثم ُ‬ ‫عن َّ‬ ‫غييه‪ ،‬فيعدل ِ‬ ‫له ُ‬
‫ِ‬
‫كقول ُك َثيي ‪ [:‬الوافي ] ‪:‬‬ ‫ِفي شيء ِم َّما ُ‬
‫يشُّد َّ‬
‫األو َل‪،‬‬

‫تعلموا ِمْن َك ِ‬ ‫أنت ِمْن ُه ْم‪-‬‬


‫طعاال‬
‫العم َ‬ ‫َّ‬
‫َرأوك ُ‬ ‫اخلِ َ‬
‫ين‪ -‬و َ‬ ‫َن الب ِ‬
‫َل َو أ َّ َ‬

‫َفَق ْوُل ُه ‪ « :‬وأنت منهم » اعتياض كالم في كالم (‪»)1‬‬

‫اخال ِفي َم ْف ُهو ِم ِه ‪ ،‬وهو‬


‫ود ِ‬ ‫ِ‬
‫االلتفات‪َ ،‬‬ ‫من‬
‫اض َ‬‫جعل االعتي َ‬ ‫َ‬
‫فصاحب الع ِ‬
‫مدة قد‬ ‫ُ ُ‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫ابن المعتز (‪( )2‬ت‪296‬ه (‪ ،‬و أبي هالل العسكي (‪)3‬‬ ‫ُم ْج َت َأزٌ م ْن مفهوم ُ‬
‫كالم ِه كالما آخي قبل ْ ِ‬ ‫ض الم َتح ِد ُث ِب ِ‬
‫المعَنى‪ُ ،‬ث َّم‬
‫أن ُي َتم َم ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫َن َي ْع َت ِي َ ُ َ‬
‫(ت‪395‬ه (« َو ُه َو أ ْ‬
‫ام ِه »‪.‬‬ ‫ود إلى إتم ِ‬
‫َ‬ ‫َي ُع ُ‬

‫ََّ ََّسشيقَ لقيأض ِ وََق مَل َضشأن َضاهأخ وَ‬ ‫‪ ََ) 1‬لوع ةَا َع خََّ لَوأَضآد ى َضِق هوَ لليفَُ َ ل َ ل‬
‫ولحَ ل يََّ لهص س َ–ه شَ صدةوَعاَصس َد سَضعكهتةَ لهللوَ يأض َ–َلتا بوَبتوةَ‪َ2002‬موَجَ‪َ.71/َ2‬‬
‫‪ َ )2‬ه َُ لت حعَوَُ صَ لوت سَ ت َهللاَ ََّ لعوهبوَ َِ‪ َ:‬أا بَعشأج َوَعؤخ ةَ لاهبَ لثق ايةَوَ يأض َ–َلتا بوَ‬
‫طَ‪َ1‬وَ‪َ2012/ 1433‬مَوَصَ‪.َ108‬‬
‫‪ َ )3‬ه َُ ل ربَا هيَّوَ ايفَُ َهللَ لو كأ َوَ قيقَ ل َع ع َ لت ض َ– َع ع َُ صَ لضلَظ أهي َوَد سَ‬
‫ظني َِ لاهبَ لوأديةَوَ لق هأةَ–َع أَوََطَ‪1‬وَ‪1371‬هَ‪َ1952َ/‬موَصَ‪.َ394‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫يب َس ِائال َسأََل ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫كأن ُه وقف لُي َوض َح‪ ،‬أو لُي ِج َ‬ ‫(وأَْن َت ِمْن ُه ْم( اعتي ُ‬
‫اض ؛ َّ‬ ‫فقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫توكيد المعنى (البخل ( (‪.)1‬‬ ‫كالم ِه‪ ،‬زةادة في‬ ‫فاعتيض ِفي ِ‬
‫َ‬

‫الد ِاف َع ِ‬
‫ين ‪:‬‬ ‫احد من هذين َّ‬
‫افع إلى طيةق االلتفات و ٌ‬ ‫ولعل َّ‬
‫الد َ‬ ‫َّ‬

‫المتكلِمِ إلى الغائب ‪-‬‬


‫َ‬ ‫الصورة ‪ -‬من‬ ‫االلتفات على هذه ُّ‬ ‫ِ‬ ‫‪ - 01‬تعطي طيةق ُ‬
‫الكتاب ِ‬ ‫تضم ُن ِن ْسَب‬ ‫ف ِا ْس َم ُه كوثيق‬
‫طول‬ ‫إليه على ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫المؤلِ ُ‬
‫ذكَي َ‬ ‫ُفيص ً َلي ُ‬
‫المدى‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين يعبُي‬ ‫ِ‬
‫أن اإلنسان ح َ‬‫العلماء‪...‬إذ َّ‬ ‫اض ِع الجمِ الذي تخلق به‬ ‫َّ‬
‫ع من التو ُ‬ ‫‪ - 02‬نو ٌ‬
‫ُ‬
‫الزْه ِو‬
‫من َّ‬‫عن نفسه بصيغ المتكلِمِ في مجال عظيم كهذا المجال يشعي بنوع َ‬
‫ابن معط‪ ،‬من قوله ‪:‬‬ ‫الديني عند ِ‬ ‫النزع ِ‬ ‫غيي ميغوب فيه‪ ،‬وال أ ََد َّل على هذه َّ‬ ‫ِ‬
‫اس ِم ِه واسمِ أبيه وجده (‪.)2‬‬‫«راجي رحم الغفور» قبل ْ‬

‫الم من البيت(‪2‬إلى ‪)6‬‬


‫الس ُ‬
‫الصال ُة و َّ‬ ‫ُث َّم يحمد هللا وةصلِي على َّ‬
‫النِب ِي عليه َّ‬
‫الثاني إلى السادس(‪: )3‬‬

‫ارتضاَنا‬
‫َ‬ ‫َل ُه‬ ‫ديًنا‬ ‫بأحمد‬ ‫َه َداَنا‬ ‫ِ‬
‫الذي‬ ‫ِ‬
‫هلل‬ ‫الح ْم ُد‬
‫َ‬

‫الم‬
‫َع ُ‬‫للهَدى أ ْ‬
‫استَب َان ْت ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫حتى‬ ‫الم‬
‫اإلس ُ‬
‫ْ‬ ‫يزل َيْن َمى ِب ِه‬
‫ْ‬ ‫فَل ْم‬

‫َعَيبِي‬ ‫ِبلِ َسان‬ ‫ِ‬


‫إليه‬ ‫َو ْحًيا‬ ‫الكت ِب‬ ‫ِب َخْي ِي‬ ‫ِمْن ُه‬ ‫ُم َؤَّةًدا‬
‫ُ‬

‫خيي َم ْخُلوق ُخلِ ْق‬


‫ول ُ‬
‫الي ُس ُ‬
‫كما َّ‬ ‫ف َما ِب ِه ُن ِطق‬
‫أشي َ‬
‫َ‬ ‫لِ َك ْوِن ِه‬

‫وكَّيَما‬
‫َ‬ ‫َو َص ْحِب ِه‬ ‫ِ‬
‫وآله‬ ‫صَّلى عَل ِ‬
‫يه هللا ُث َّم سلما‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫َا َ ه َُ لوع ةَال ََّسشيقَ لقيأض ِ وَع ع َع عصدَ ل ع ِ َوَد سَ لاهبَ لولعيةَوَ يأض َ‬ ‫‪ َ )1‬لع شلَِ لاق‬
‫–َلتا بَوَ‪2014‬مَوَصَ‪.َ45‬‬
‫‪ ََ)2‬لا صَ لعايصمَ يََّ ََّعوطَض ََّع لكَض ل يصب َوَص‪.62:‬‬
‫‪ََُ)3‬لفيةَ ََّعوش َا َ لا صَض لخطَض لاه ىةوَصَ‪.َ17‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫منه من البيت(‪-7‬‬ ‫ِ‬ ‫ُث َّم َّبي َن جالل العلم وإشعاعه َّ‬
‫العمي مع أخذ األهمِ ُ‬
‫حتى نفاد ُ‬
‫‪)9‬السابع إلى البيت التاسع (‪:)1‬‬

‫الع ْم ِي‬
‫ُ‬ ‫َنَف ُاد‬ ‫َقلِيلِ ِه‬
‫َوِفي‬ ‫الَق ْد ِر‬ ‫يل‬‫ِ‬
‫َجل ُ‬
‫َف ِ‬
‫العْل ُم‬ ‫َوَب ْع ُد‬
‫ِِ‬
‫الب ِادئ فيما ُي ْس َت َت ْم‬
‫فالح ِازُم َ‬
‫َ‬ ‫فاأله ْم‬
‫َ‬ ‫األه ُّم‬
‫َ‬ ‫فاب َدأ ِب َما ُهو‬
‫ْ‬

‫اقي وال َي ْس َت ْغِني‬


‫طُّي للب ِ‬
‫َ‬ ‫َي ْض َ‬ ‫ال َف ِن‬ ‫بعض‬
‫َ‬ ‫ُي ْت ِق ُن‬ ‫َم ْن‬ ‫َفِإ َّن‬

‫اشي ِإَلى‬
‫)الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تأليفه َه ِذ ِه‬
‫األرجوزَة في أَْلف بيت‪ ،‬م َن البيت (‪َ 12 -10‬‬
‫ُ‬ ‫ُث َّم َّبي َن َسَب َب‬
‫الث ِاني عشي(‪:)2‬‬ ‫َّ‬

‫َج َعال‬
‫َن أ ْ‬
‫لهم أ ْ‬
‫ني ْ‬‫َن ا ْق َت َضوا ِم ِ‬
‫أِ‬ ‫ان ِص ْدق لِي َعَلى‬
‫َوَذا َح َدا إخو ُ‬
‫ألف خَل ْت ِم ْن َح ْش ِو‬
‫ٌ‬ ‫ِعَّد ُت َها‬ ‫الن ْح ِو‬
‫َّ‬ ‫ِفي‬ ‫وجيزًة‬ ‫أُْر ُجوزًة‬

‫الف ْهمِ‬ ‫والب ِع ِ‬


‫يد‬ ‫الذ ِك ِي‬
‫َّ‬ ‫ْق‬ ‫َّ‬ ‫ِح ْف َ‬ ‫لِ ِعْل ِم ِه ْم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوف ُ‬ ‫النظمِ‬ ‫ظ‬ ‫َن‬
‫بأ َّ‬

‫السيةع من البيت (‪ )14 -13‬الثالث عشي إلى‬ ‫يصي ُح ِبَب ْحَي ْي ألفيته(‪َّ )3‬‬
‫اليجزو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُث َّم‬
‫البيت اليابع عشي‬

‫ِإ َذا ُبني َعَلى ْازِد َواج ُم ْو َج ِز‬ ‫الي َج ِز‬


‫َّ‬ ‫َب ْح ِي‬ ‫ط ْو ِر‬
‫َم ْش ُ‬ ‫ِ‬
‫السَّي َما‬
‫َ‬
‫الت ْص ِي ِ‬
‫ةع‬ ‫َك َّ‬ ‫ط ِ‬
‫ور‬ ‫ُّ‬
‫الش ُ‬ ‫ُم ْزَد ِو َج‬ ‫الس ِية ِع‬
‫َّ‬ ‫ِم َن‬ ‫اه ِ‬
‫يه‬ ‫ماي َض ِ‬ ‫أ َْو‬
‫َُ‬

‫َوَص‪َ .62:‬‬ ‫‪ ََ)1‬لا صَ لعايصعتيََّ ََّعوطَض ََّع لكَض ل يصب‬


‫‪َُ)2‬لفيةَ ََّعوش َا َ لا صَض لخطَض لاه ىةوَصَ‪َ .َ17‬‬
‫‪ َ)3‬لا صَ لعايصموَص‪.63:‬‬

‫‪180‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ثانيا‪ :‬الموضوع‪ِ :‬إَّن ُه يتناول ُك َّل األبواب َّ‬


‫النحوة ‪ ،‬والقواعد الصيفي ‪ ،‬وبعض القواعد‬
‫عجز البيت)‪(16‬السادس عشي‪،‬إلى البيت )‪ (998‬الثامن والتسعين‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُ‬ ‫العيوضي‬
‫وتسعمائ ‪.‬‬

‫ف منه‪ ،‬حيث قال (‪:)1‬‬ ‫وقد بدأ بالكالم وما َّ‬


‫يتأل ُ‬

‫القول ِفي َح ِد الكالمِ و َ‬


‫الكِل ْم‬ ‫ُ‬ ‫َع َت ِص ْم‬ ‫األم ِ‬
‫ور أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫باهلل ربِي ِفي‬

‫ام‬ ‫ِ‬ ‫ُي ِف ْد‬ ‫ِإ ْن‬ ‫َّ‬


‫الق ْوُم َو ُه ْم كَي ُ‬
‫َن ْح َو َم َضى َ‬ ‫الم‬
‫الك ُ‬
‫َ‬ ‫هو‬
‫َ‬ ‫ظ‬
‫الل ْف ُ‬
‫من‬
‫انتقال الفكي َ‬
‫ُ‬ ‫ابن ُم ْعط َق ِدانتهج َطيةق َ االستنتا ِج ‪ ،‬وهي‬
‫َن َ‬
‫ظ أ َّ‬ ‫الدارس للبيتين ي ِ‬
‫الح ُ‬ ‫ُ‬ ‫و َّ‬
‫َ‬
‫الك ِل ِإَلى ْ‬
‫الجزِء (‪.)2‬‬ ‫الجزِئَّي ِ ‪َ ،‬‬
‫أومن ُ‬ ‫ْ‬ ‫العام ِ إلى الحقيق‬
‫الحقائق َّ‬

‫المثال ‪:‬‬ ‫من األحكام‪ُ ،‬م ْس َت ْع ِمالً‬ ‫أو َّ‬ ‫الق ِ‬


‫اع َد َة‪ِ ،‬‬ ‫َفَق ْد أَ ْتَب َع َ‬
‫َ‬ ‫بح ْكم َ‬
‫عيةف ُ‬
‫الت َ‬

‫ام‬ ‫ِ‬ ‫ُي ِف ْد‬ ‫ِإ ْن‬ ‫َّ‬


‫الق ْوُم َو ُه ْم كَي ُ‬
‫َن ْح َو َم َضى َ‬ ‫الم‬
‫الك ُ‬
‫َ‬ ‫هو‬
‫َ‬ ‫ظ‬
‫الل ْف ُ‬

‫ام‬ ‫ِ‬ ‫فعيف الكالم‪ « :‬بأنه َّ‬


‫القوم َو ُه ْم كَي ُ‬
‫ُ‬ ‫اللفظ إن كان مفيدا» ومثل لذلك بقوله‪َ «:‬م َضى‬ ‫َّ‬
‫ام‪:‬‬ ‫ِ‬
‫القوم)‪ ،‬وَف ْضَل ‪ ،‬وهي‪َ :‬و ُه ْم كَي ُ‬
‫ُ‬ ‫(مضى‬
‫مكون من (فعل وفاعل َ‬ ‫»جمل تام المعنى َّ‬
‫للشك والتأوةل‪،‬‬ ‫يدع مجاال َّ‬‫الم ْعَنى‪ ،‬حتى ال َ‬
‫التام َ‬‫بالج ْمَل ِ َّ‬
‫(جمل حالي )‪ِ ،‬إَّن َما مثل ُ‬
‫ليسهل‬
‫َ‬ ‫المثال في بيت واحد‪ ،‬وهذا‬ ‫اللغوة َ على الجم ِع بين القاعدة و ِ‬‫رته ُّ‬‫وليبي َن َم ْق ِد َ‬
‫ِ‬
‫القاعدة مع المثال في بيت من ِ‬
‫الش ْع ِي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬
‫على طالب العلم حف ُ‬

‫ضوع اإلدغامِ على عادة العلماء كموضوع من موضوعات‬‫وختم أبواب ألفيته ِب َم ْو ُ‬


‫حيث قال (‪:)3‬‬
‫ائي األشعار‪ُ ،‬‬ ‫الصيف ِ‬
‫التي عادة ُي َؤ ِخُيَها ُّ‬
‫الن َحا ُة ‪ ،‬وبعده ضي ُ‬ ‫َّ‬

‫‪َ)1‬شأحَُلفيةََ ََّعوش َولوت َ لوبيبداتََّجعوةوََ‪َ180/1‬ض‪َ .181‬‬


‫‪ََ) 2‬دسخ َا َ لعا هجَض ْخ ليبَ لو عةَوَو لَِذح َُها وَضهَ مَ عأَ لي بََوَد سَ لفاأَللشت ةَض لاَأَ‬
‫ض لهصزيعَوََ َ لع بَ–ََ ْسدبَوَطَ‪َ6‬وَ‪َ1995‬مَوَصََ‪.َ190‬‬
‫‪َ)3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَجَ‪.679َ-َ690/2‬‬

‫‪181‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫األش َع ِار‬
‫ْ‬ ‫َضَيِائُي‬ ‫وبعد ُه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باختصار‬ ‫اإلد َغامِ‬
‫ْ‬ ‫الَق ْو ُل ِفي‬

‫ِ‬
‫خعات َم ُ المنظوم ‪:‬‬

‫من الشطي الثاني من البيت)‪ (1025‬الخامس والعشيةن وألف إلى)‪ (1028‬الثامن‬


‫ناسبا نفسه إلى بلده‬
‫ً‬ ‫والعشيةن وأَْلف‪ ،‬وقد ذكي فيها اسم منظومته‪ ،‬عيف بناظمها‬
‫ذكي تارةخ تأليفها‪ ،‬وفي آخي بيت يحمد هللا تعالى وةعتصم به‪،‬‬ ‫(المغيبي) ‪،‬كما َ‬
‫(*)‬

‫(‪:)1‬‬
‫نبيه عليه الصال ُة والسالم‬ ‫ِ‬
‫وةسلم على ِ‬
‫ُ‬

‫ععععععععععععه‬
‫ْ‬ ‫ععععععععععععدَّرِة األ ْل ِفَّيع‬
‫ععععععععععععام الع ُّ‬
‫ُ‬ ‫َهععععععععععععع َذا َت َمع‬ ‫ععععععععععععععه‬
‫ْ‬ ‫الميوةع‬
‫َّ‬ ‫نحوةععععععععععععععع ٌ أشع‬
‫عععععععععععععععارُهم‬
‫ُ‬

‫ععععععععععععععععععيِب‬
‫ِ‬ ‫للم ْعع‬ ‫َتععععععععععععععععععع ْذ ِكَيًة وجيع‬ ‫الم ْغ ِيبِععععي‬ ‫ِ‬
‫ععععععععععععععععععزًة ُ‬
‫َ‬ ‫عععن ُم ْعطععععي َ‬
‫ظ َم َهععععا َي ْحَيععععى ْبع ُ‬
‫َن َ‬

‫ععععالمائ ِ‬ ‫الن ْشعععععععععأ َِة‬ ‫وْفعععععععععق مع ِ‬


‫الخ ْم ِسع ِ َ‬
‫ين و َ‬ ‫ِ‬ ‫ِفععععي ال َخ ْم ِ‬
‫ععععس والتسععععع َ‬ ‫المْن َت َهعععععععععى َو َّ‬
‫ععععععععياد ُ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬

‫ُسععععععععععععععععلِ ُم‬ ‫ِ‬ ‫َع َت ِصع‬ ‫ِ‬


‫عععععععععععععععم َعَلععععععععععععععععى َنِبِيععععععععععععععععه أ َ‬
‫َّ‬ ‫ُثع‬ ‫عععععععععععععععععععععععععم‬
‫ُ‬ ‫عععععععععععععععععععععععععد هلل ِب ِهأ ْ‬
‫ُ‬ ‫الح ْمع‬
‫َو َ‬

‫‪ -3‬مكان ابن معطي ودوره في تيسيي النحو‪:‬‬

‫أ – مكانته العلمي ‪:‬‬

‫*)َض لعق صدَىكلعةَ لعْأَُها َليسَ لعْأَُ ْق نوَ لَ لدَ لعْأَُ له َ ِتَعق لَعةَظلنَعا بقَثلثةَوضه ‪َ:‬‬
‫ىوضَ‬
‫لعْأُ َ ْدِن َ صِس)و َض لعْأُ َ ْضخط َ ل بمأ)و َض لعْأُ َ ْق ن َ لععلاة َ لعْأدية َن لي )و َظال َُبلَ َ َ َ‬
‫لعْ سدة َ– َخ ََع ََ َِهَِ َهللا َ‪َ -‬ق َ خهْلص َه ه َ برَلا تة َل ل ه و َضل َيهأَِص َ بلَ ًَع َعَّ َ َِلع ِ َ ل بمأ َِ ب َ رَ‬
‫خ ََع َِ َظلنَ‬
‫إبَضلبََََضََِِصبَا َى ل ََََببَم بَأ‪.‬‬
‫لع رَْبَأدبَ وَض َِ‬
‫لعْأُ؛َظالَضق لص َ ََ‬
‫‪ََ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَلوت َ لوبيبَ ََّجعوةوََ‪.699/2‬‬

‫‪182‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫النظم و َّ‬
‫الشيح؛ فقد كان‬ ‫يعد ابن معطي من أئم عصيه‪ ،‬ومن المبدعين في ِ‬
‫الشعي و َّ‬
‫من[ الكامل ]‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ومنه هذه األبيات‬
‫ُ‬ ‫ان شعي‬ ‫شاع اي من فطاحل ُّ‬
‫الشعياء‪ ،‬حيث تيك ديو َ‬

‫ِ‬
‫تحم ُل‬ ‫أي ِع ْبء‬
‫لتنظي َّ‬
‫َ‬ ‫ِع ْب ٌء‬ ‫اعَل ْم َّأن ُه‬
‫العلم َف ْ‬
‫َ‬ ‫طلبت‬
‫َ‬ ‫وإذا‬

‫أفضل‬ ‫هو‬ ‫فاش َغل ُف َؤادك َّ ِ‬ ‫م َت َف ِ‬ ‫َّ‬ ‫َعلِ ْم َت‬


‫ُ‬ ‫بالذي َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ْ‬ ‫اض ٌل‬ ‫ُ‬ ‫بأن ُه‬ ‫وإذا‬

‫ابن الوردي أََّن ُه لما َّ‬


‫حج وعاين الكعب ‪ ،‬قال (‪ )2‬من [الطوةل ]‪:‬‬ ‫وقد ذكي ُ‬

‫عععععععععن َوَر ِاء ِنَقاِب َهععععععععععا‬


‫َو ُمْقَلعععععععععع ُ َلْيَلععععععععععى ِمع ْ‬ ‫ف َج ِانًبععععا‬ ‫عععج ِ‬
‫عععن السع ْ‬ ‫ِ‬
‫ولمععععا تبععععدى لِععععي مع َ‬
‫ْذن ِفععععععععي ُقْيبِععععععععي َوَت ْقِبْيع ِ‬
‫عععععععل َباِب َهععععععععا‬ ‫لِ َتععععععععأ َ‬ ‫وبينهععععععا‬
‫َ‬ ‫عععععد ْم ِع َبْيِنععععععي‬
‫عععععول الع َّ‬
‫عععععت َر ُسع َ‬
‫َب َع ْث ُ‬
‫عععععععععععععععم َح ْت إال ِبَلععععععععععععععع ْثمِ ُت ايِب َهععععععععععععععععا‬‫َوال َس‬ ‫ععععععععاض َبْيِق َهعععععععععا‬
‫ِ‬ ‫يمع‬ ‫َفمعععععععععا أ َِذَنع ْ ِ ِِ‬
‫َ‬ ‫ععععععععت إال بإ َ‬ ‫َ‬
‫شاعي(‪ )3‬ولديه قدرٌة على أن‬
‫ٌ‬ ‫أن قائَل َها‬
‫ودراس هذه األبيات تعطينا صورًة َّ‬
‫القول‪ ،‬وكيف ال؛ وهو من نظم أرجوزة ِم ْن ِ‬
‫ألف بيت في علم هو‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫يقول‪ ،‬وأ ْ ِ‬
‫َن ُي ْكثَي َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العلوم وأدق َها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َعب ُ‬ ‫م ْن أ ْ‬

‫األوزان‪ ،‬تبحث في علم البديع‪ ،‬ومن أمثل ذلك في‬ ‫وله قصيدة مختلف‬
‫الجناس(‪:)4‬‬

‫معَنعععععععععى َكَقعععععععععو ِل حِبيعععععععععب الم َتَنع ِ‬ ‫ععق َّ‬ ‫ععن ِ‬


‫ععععععععاهي‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ظع ْععي ِن ال العععع‬
‫الل ْف َ‬ ‫الجَنع ِ‬
‫ععاس َت َوا ُفع ُ‬ ‫َو ِمع َ‬
‫ععععععد ِ‬
‫ععععععن عبع ِ‬
‫هللا‬ ‫ععععععدى َي ْحَيعععععععى ْبع ِ َ ْ‬
‫َي ْحَيعععععععى َلع َ‬ ‫ععععان َفِإَّنع ُ‬
‫ععععه‬ ‫الزمع ِ‬
‫ععععيم َّ َ‬
‫ععععن َكع َ‬‫ععععات ِمع ْ‬
‫َمعععععا َمع َ‬

‫‪ََ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َولوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوَج‪َ .86/1‬‬


‫‪ََ)2‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَج‪َ86/1‬و‪.87‬‬
‫‪ََ)3‬ىْيةَ لص ة َطَ‪)2005‬وَصَ‪760‬و‪.َ759‬‬
‫‪ََ)4‬شأحَُلفيةَ ََّعوش وَج‪َ26َ/1‬وَ‪.َ27‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وةقول في المساواة (‪:)1‬‬

‫ععععل ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُزَهْيع ٌ ِ‬ ‫عععي المسععععاو ِ‬ ‫وهع ِ ِ‬


‫المعععععَنظمِ‬
‫الج َمعععععان ُ‬ ‫ععععي ب َهعععععا م ْثع َ‬ ‫عععد أ ََتععععى‬
‫اة َقع ْ‬ ‫عععاك فععععي ذ ْكع ِ ُ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫النع ِ‬
‫ععاس ُت ْعَلعععمِ‬ ‫ِن َخاَل َهعععا َت ْخَفعععى َعَلعععى َّ‬
‫َوإ ْ‬ ‫ععن َخِليَقععع‬ ‫امعععيِئ ِمع ْ‬ ‫ومهمعععا ي ُكع ْ ِ‬
‫ععن عْنع َععد ْ‬ ‫َََْ َ‬

‫اح على أنه كان إماما مبي از في علوم العيبي‬ ‫المتيجمو َن له ‪ ،‬و َّ‬
‫الش ِي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد أجمع‬
‫فاضل‪ ،‬معاصي‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫له ‪« :‬‬‫‪ ،‬فيقول عنه ياقوت الحموي وهو أقيب معاصيةه ِم َّم ْن تيجم ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫إمام في العيبي ‪ ،‬أديب شاعي»‪.‬‬
‫ٌ‬

‫النحو و ُّ‬
‫اللغ ‪...‬واشتغل‬ ‫وةقول ابن خلكان (‪ « :)3‬كان أحد أئم عصيه في َّ‬
‫عليه خلق كتيي ‪ ،‬وانتفعوا به ‪ ،‬وصنف تصانيف كثيية »‪.‬‬

‫وقال عنه السيوطي ‪ «:‬كان إماما مبي از في العيبَِّي ِ شاع اي محسنا»(‪. )4‬‬

‫وقال ‪ «:‬وكان يحفظ شيئا كثي اي فمن جمل محفوظاته كتاب صحاح الجوهيي‬
‫»(‪.)5‬‬

‫حاز ِفي هذه األرجوزة‬


‫الخب ِاز في ِختام شيح ألفي ابن ُمعط‪َ « :‬‬ ‫ابن َّ‬
‫وةقول ُ‬
‫الكثيي ‪ ،‬وكيف ال يكون كذلك ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القليل والمعنى‬ ‫َقصب السبق ‪ ،‬حيث جمع بين َّ‬
‫اللفظ‬ ‫َ َ ً‬
‫ِ‬
‫نسيج َو ْحده‪» ...‬‬
‫(‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫وقد كان في العيبَِّي‬
‫َ‬

‫‪ََ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوج‪.َ27َ/َ1‬‬


‫‪َ)2‬عو َ ْدى َِوَ‪.َ2831/6‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوج‪32َ/َ1‬و‪. 33 ،31‬‬
‫‪َ)3‬ضاي َ ْ ي بَ‪. 197/6‬‬
‫‪َََِ)4‬ىْيةَ لص ةَ َطَ‪)2005‬وَصَ‪.َ759‬‬
‫‪َََِ)5‬ىْيةَ لص ةَ َطَ‪)2005‬وَصَ‪.َ760‬‬
‫(‪ )6‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َولوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوََج‪.َ34َ/َ1‬‬

‫‪184‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫اظ ِمها بإصاب ِ‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الوْرِدي في ديباج شيح األلفي ‪ « :‬وهي شاهد ٌة لَن َ‬ ‫وقال ابن َ‬
‫َن سيبوةه َذا اإلعياب قال َل ُه ‪ :‬يايحي ُخ ِذ‬ ‫اب ‪َّ ،‬‬
‫حتى َكأ َّ‬ ‫الت َفُّن ِن ِفي َ‬
‫اآلد ِ‬ ‫اب ‪ ،‬و َّ‬ ‫الص َو ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الك َتاب »(‪.)1‬‬

‫العَّالم أحمد بن يوسف بن مالك اليعيني ال َغيناطي ُ‬


‫أحد ُشَّياح‬ ‫وقال اإلمام َ‬
‫ُّ‬
‫الدرة األلفي من[ البسيط] ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫عععععورى َوَت ْحَيععععععا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ععععععععععو َذا اجتهع ِ‬


‫الن ْحع ِ‬
‫ععععععععععب َّ‬ ‫يا َ ِ‬
‫عععععمو بععععععه فععععععي الع َ‬
‫َت ْسع ُ‬ ‫ععععععععععاد‬ ‫طالع َ‬ ‫َ‬
‫َي ْحي‬ ‫ِل ْ ِ‬
‫ْل َمامِ‬ ‫وزًة‬
‫أُْر ُج َ‬ ‫المَيِاد فا ْق ِص ْد‬
‫ُ‬ ‫نيل‬
‫َ‬ ‫شئت‬
‫َ‬ ‫ِإ ْن‬
‫َ‬
‫ِْ ب ‪ -‬دوره في تيسيي النحو‪:‬‬

‫ثم بالجامع‬
‫بدمشق زمانا طوةال‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ابن معط يقييء الناس النحو واألدب‬
‫لقد كان ُ‬
‫العلم ‪ ،‬ومنهم‪ :‬ابن العطار)ت ‪،( 649‬‬
‫َ‬ ‫الناس عنه هذا‬
‫ُ‬ ‫العتيق بمصي‪ ،‬وقد حمل‬
‫السوةدي الحكيم )ت ‪ ،( 690‬رضي َّ‬
‫الدين القسنطيني‬ ‫إبياهيم بن محمد بن طيخان ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫النحوي )ت ‪...( 695‬‬

‫دور في تيسيي علم َّالنحو َّللناشئ ‪ ،‬حيث قام‪:‬‬


‫وكان له ٌ‬

‫ِ‬
‫النحو؛‬ ‫النحو في أرجوزة َوجيزة ُت َس ِه ُّل على المتعلمِ َ‬
‫طلب َّ‬ ‫‪ - 01‬بجمع أبواب َّ‬
‫أطول منه‪،‬‬ ‫الن ْث ِي‪ ،‬وبقاءه في َّ‬
‫الذاكية‬ ‫أيسي من حفظ َّ‬ ‫ظ َّ‬‫أن ِح ْف َ‬
‫العَّل َ في ذلك هي َّ‬ ‫وِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الن ْظمِ ُ‬
‫َّ‬
‫الحادالذكاء‪ ،‬ومتوسطه‪ ،‬وقليله‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المستوةات الثالث َ‪:‬‬ ‫ُث َّم ِإَّن ُه يَن ِ‬
‫اس ُب‬ ‫ُ‬

‫‪َ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوج‪.َ33َ/َ1‬‬


‫‪ َ)2‬لا صمَ لبهأةَا َعلصكَع أَض لق هأةو َيصخفَ ََّ ْأ َ أد وَضزسةَ لثق اةَ– َع أوَ‪1383‬هَ– َ‪َ 1963‬م ‪،‬‬
‫ج‪.َ189َ/11‬‬
‫‪ََ)3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَلوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوَج‪َ31/1‬وَ‪.32‬‬

‫‪185‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫السباقين إلى وضع كتاب لتعليم َّ‬


‫النحو َسماه«الفصول‬ ‫من َّ‬ ‫‪ -‬وكان َ‬ ‫‪02‬‬
‫الياغب في علم اإلعياب‬ ‫مقد َمِت ِه‪" :‬أما بعد‪َّ :‬‬
‫فإن غيض المبتديء َّ‬ ‫وقال ِفي ِ‬ ‫الخمسون»‬
‫خمسين فصال‪ ،‬يشمل على خمس أبواب» (‪.)1‬‬ ‫حصيته في‬
‫ُ‬

‫األول في بيان الكالم والكلِم‬


‫ألول من الباب َّ‬
‫وهذا أُنموذج مما أورده في الفصل ا َّ‬
‫الميك ُب المفيد بالوضع‪ ،‬كقولك‪ :‬زةد أخوك‪ ،‬وقام‬ ‫َّ‬ ‫ظ‬ ‫والكلِم والقول‪ «:‬فالكالم هو َّ‬
‫الل ْف ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫غيي ُمفيد‪.‬والكلم ‪:‬‬‫كان أو َ‬
‫مفيدا َ‬
‫ق على الميكب‪ً ،‬‬ ‫زةد ‪ .‬والكلم جنس‪ ،‬واحده‪ :‬كلم ٌ ُي ْطَل ُ‬
‫األصل استعماُل ُه ِفي‬
‫ُ‬ ‫ال على معنى مفيد‪ ،‬والقول َي ُع ُّم الجميع ‪ ،‬و‬ ‫ظ المفيد َّ‬
‫الد ُّ‬ ‫هي َّ‬
‫الل ْف ُ‬
‫المفيد (‪.» )2‬‬

‫يسهل عليهم َف ْه ُم‬


‫َ‬ ‫‪ - 03‬وقد قام بشيح أبيات سيبوةه) نطم (‪ ،‬لطلب العلم‪َّ ،‬‬
‫حتى‬
‫ماع ُسَي عليهم َف ْه ُم ُه‪.‬‬
‫َ‬
‫مقدم في النحو‪،‬‬ ‫لشيخ ِه الجُزولِي‪ ،‬وهي ِ‬
‫ِ‬ ‫الجزولي‬ ‫ِ‬
‫المقدم‬ ‫شيح‬ ‫‪ ، 04‬كما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الشيح السيوطي‪ِ ،‬في‬ ‫وأصُلها حواش على جمل الزجاجي‪ ،‬وقد نقل عن هذا َّ‬
‫كتابه ‪ :‬األشباه والنظائي(‪،)3‬كما نقل أيضا من « الفصول الخمسون»‪،‬‬
‫الشيخ ياسين ِفي حاشيته على التصيةح(‪.)4‬‬
‫وكذلك َّ‬

‫تيجمون له ‪،‬‬
‫الم ُ‬‫ماقاله ُ‬
‫ُ‬ ‫وةكفينا‬
‫َ‬ ‫وفي ُه َحَّق ُه ‪،‬‬
‫فلن ُن َ‬
‫الورةق ‪ْ ،‬‬
‫ومهما حاولنا في هذه ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫صوله ‪.‬‬ ‫اح ألفيته ‪ ،‬وُف ُ‬
‫وشَّي ُ‬
‫ُ‬

‫‪ 04‬ع أثي ألفي ابن معطي في ألفي ابن مالك‪:‬‬

‫‪)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َووَج‪.28/1‬‬


‫‪ْ َ)2‬شت هَض لاي مأوَج‪.29/1‬‬
‫‪ْ َ َ)3‬شت هَض لاي مأَا َ لا صوَجللََ ل يََّ ل يصب وَد سَ لاه َُ لوأد وَ يأض َ– َلتا بوط‪َ 3‬وََ‪َ 1417‬هدَ ‪-‬‬
‫‪َ1996‬موَجَ‪َ34َ/1‬وَ‪53‬وََ‪َ55‬‬
‫‪)4‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَج‪.َ26/1‬‬
‫(‪ )5‬يايأ‪:‬عو َ ْدى َِوَ‪.َ2831/6‬ضاي َ ْ ي بَ‪َِ. 197/6‬ىْيةَ لص ةَ َطَ‪)2005‬وَصَ‪َ759‬وَ‪.760‬‬
‫شأح َُلفية َ َّ َعوش َو َلوت َ لوبيب َ َّ َجعوة َو َج‪َ 25/1‬ص‪َ 26َ :‬و‪َ 27‬و‪34‬و‪33‬و‪َ 28‬و‪َ 35‬ضع ىو ه ‪ .‬لف صلَ‬
‫لخع صبَوَال ََّعوطَوص‪21َ:‬وَ‪22‬وَ‪َ26‬وَ‪َ27‬وَ‪َ28‬وَ‪َ87‬وَ‪َ88‬و‪َ149‬و‪...150‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫إن القارئ لبيت ابن مالك في ألفيته‪:‬‬

‫عععععععععععن معع ِ‬ ‫عععععخ ِط‬


‫عععععععععععط‬ ‫فائقعععععععععععع ً ألفيعععععععععععع َ ْابع ِ ُ ْ‬ ‫وتقتضععععععي ِر ًضععععععا بغيع ِ‬
‫عععععي ُسع ْ‬

‫ِ‬
‫المتمع َن البصيي‬ ‫لكن القاري َء‬
‫أن فيقا واسعاً بين األولى والثاني ‪َّ ،‬‬
‫يتصور َّ‬
‫األول‪.‬‬
‫آخي غيي االنطباع َّ‬
‫يخيج بانطباع َ‬
‫ُ‬ ‫ين‬ ‫لألَْل ِف َ‬
‫يت ِ‬

‫فابن معط قد نظم ألفيته على نسق وَن َمط لم ُيسبق إليه‪ ،‬فهو رائد في هذا‬ ‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫قلد‬ ‫النحو‪ ،‬وجاء ابن مالك مقلًِدا له‪،‬وفي ٌ‬
‫ق بين الم ِ‬ ‫المجال بشكله ونمطه المتكامل في َّ‬
‫ُ‬
‫المقلد‪ ،‬وكفاه فخ اي أنه صاحب الفكية ‪ ،‬ثم جاء َم ْن ُيَقِلُد ُه بعد ذلك (‪.)1‬‬
‫و َّ‬

‫يتجاوز الحادي َ و َّ‬


‫الثالثين من‬ ‫ِ‬ ‫ابن ُم ْعط ألفيته وهو ِفي ِرْة َعان شبابه‪ ،‬وَل ْم‬
‫‪ -2‬ألف ُ‬
‫عم ِيها ‪.‬‬ ‫فخبيته قليل ‪ ،‬ومعيكته مع َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫التأليف في بداي ْ‬ ‫ُ‬ ‫عميه‪،‬‬

‫وده‪ ،‬وطال باعه في تدرةس النحو‪،‬‬ ‫التأِْليف بعدما َ‬


‫اشتَّد ُع ُ‬ ‫ابن مالك فمارس َّ‬
‫َما ُ‬ ‫أ َّ‬
‫الضع ِ‬
‫ف فيها(‪.)2‬‬ ‫اطن الُق َّوِة و َّ ْ‬
‫ف على مو ِ‬ ‫َن َدرس ألفي ابن معط‪َ ،‬وَوَق َ‬
‫َوَب ْع َد أ ْ‬

‫‪ِ -3‬قَّل ُ خبية ابن ُم ْعط جعلته ُي ْد ِم ُج المسائل الكثيية تحت الباب الواحد؛ َّ‬
‫لكن ابن مالك‬
‫المسماة الكافي على شكل ألفي َ‬
‫َّ‬ ‫بالنحو وقيامه بتلخيص موسوعته‬ ‫طول اشتغاله َّ‬ ‫ول ُ‬
‫توفيقا في تبوةبَ‬ ‫أكثي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫وة َفصَل َها في أبواب منفصل ؛ فكان َ‬ ‫المسائل ُ‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫استطاع أن ُي َشق َ‬
‫الفصول الخمسون» الذي‬ ‫ِ‬
‫ستفيدا أيضا من « ُ‬ ‫الموضوعات من ابن معط‪ُ ،‬م ً‬ ‫ُ‬ ‫وتصنيف‬
‫وشارحا لبعض أبواِب َها (‪.)3‬‬ ‫مكمال أللفي ابن معط‬ ‫جاء ِ‬
‫ً‬

‫‪َ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَلوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوَ‪َ .69/1‬‬


‫(‪ََ)2‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَلوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوَ‪.70/1‬‬
‫‪َ)3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َلوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوَ‪.70/1‬‬

‫‪187‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫كلمات ِه وأبياته‪ .‬فكثي اي ما كان يأخ ُذ‬


‫ِ‬ ‫‪ِ -4‬إ َّن ابن مالك كان مقلًِدا البن معط؛ َّ‬
‫حتى في‬
‫ِ‬
‫الخاص‪،‬‬ ‫يد صياغتها بأسلوبه‬ ‫الشطي‪ ،‬وفي أحايين أخيى يأخذ الفكية‪ ،‬ثم ُي ِع ُ‬ ‫البيت‪ِ ،‬‬
‫أو َّ‬
‫واألمثل على ذلك كثيية‪ :‬يقول ابن معط في َّ‬
‫التوابع(‪:)1‬‬

‫عععدل‬
‫ف وبع ْ‬
‫وع ْطعععع ٌ‬
‫عععد َ‬
‫عععت وتوكيع ٌ‬
‫َن ْعع ٌ‬ ‫ععععول ِفعععععي َت َوابععععع ِع َ‬
‫الكْلععععع ِم األ َُو ْل‬ ‫القع ُ‬

‫وةقول ابن مالك (‪:)2‬‬

‫ف َوَت ْوِك ٌ‬
‫يد َوبععََد ْل‬ ‫َن ْع ٌت َو َع ْط ٌ‬ ‫اء األ َُو ْل‬
‫األس َم َ‬
‫اب ْ‬ ‫يتبع ِفي ِ‬
‫اإل ْعَي ِ‬ ‫ُ‬

‫وفي باب العطف ‪ :‬يقول ابن معط(‪:)3‬‬

‫عععععععق‬ ‫عععععان ِشْب ُ‬


‫ععععه َن ْعت َقد َسَب ْ‬ ‫البي ِ‬ ‫ف َ‬
‫ع ْط ُ‬ ‫ععععق‬
‫ععععان َوَن َسع ْ‬ ‫ععععف َع ْط َفع ِ‬
‫ععععان بيع ٌ‬ ‫والعطع ُ‬

‫وةقول ابن مالك (‪:)4‬‬

‫ععععب ْق‬
‫ععععان َمعععععا َسع َ‬
‫اآلن َبَيع ُ‬
‫ععععيض َ‬
‫وال َغع ُ‬ ‫عععععف ِإ َّمععععععا ُذو بيععععععان أ َْو َن َسع ْ‬
‫عععععق‬ ‫والعطع ُ‬

‫‪:‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫األس َماء لشبهها بالحيوف‪ ،‬فيقول‬
‫إن ابن معط يعيد بناء ْ‬

‫ععم ِف ْععععل َو ِاقععععا‬ ‫االسععع ِم وهعععو أن ُي َضع ِ‬ ‫أ ِْ ِ‬


‫اسع َ‬
‫ععان ْ‬
‫ععيف أ َْو َكع َ‬
‫الحع َ‬ ‫ععارعا‬ ‫َعنعععي فعععي ْ‬

‫(‪َ)1‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَ‪.70/1‬‬


‫‪ََ)2‬شأحَُلفيةَ ََّعوش و‪.70/1‬‬
‫(‪َ)3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش ولوت َ لوبيبَ ََّجعوةَوََ‪.71/1‬‬
‫‪ََ)4‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَ‪.71/1‬‬
‫‪ََ)5‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَ‪.71/1‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وةقول ابن مالك (‪:)1‬‬

‫لشبه من الحي ِ‬
‫وف ُمدنى‬ ‫ومبني‬ ‫ُم ْعَي ٌب‬ ‫منه‬ ‫االسم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و ُ‬

‫وةقول ابن معطي في بيان أوزان اليباعي المجيد (‪:)2‬‬

‫ععععععد ٌب‬
‫وج ْخ ُ‬ ‫ععععععم ُ‬ ‫وزْبع ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عععععي ٌج ودْرَه ٌ‬ ‫ععععععععععي َسعععععععععععْل َه ٌب‬
‫طع ٌ‬ ‫ولليبعععععععععععاعي َق ْم َ‬

‫ثم يأت ابن مالك‪ِ ،‬‬


‫فيقل ُد ُه بذكي أوزان هذه األفعال بدال منها ‪ ،‬فيقول(‪:)3‬‬

‫ِ‬
‫ععععل‬ ‫ععععل وِف ْعَلع ٌ‬
‫ععععل وُف ْعُلع ٌ‬ ‫وِف ْعلع ٌ‬ ‫ععععععععععل‬
‫ععععععععععيد ُرَبعععععععععععاع َف ْعَلع ٌ‬
‫السعععععععععععم مجع َّ‬

‫الزَل ِل‬ ‫ِ‬


‫الخلل‪ ،‬و َّ‬ ‫األلفي َتْي ِن للوُقوف حقيق ً على َمواطن‬ ‫َّ‬ ‫ام موازن بين‬
‫إن المقام ليس مَق َ‬ ‫ِو َّ‬
‫اء على بحي واحد‪ ،‬وفي استدر ِ‬
‫اك‬ ‫السبق في الِبَن ِ‬
‫بن مالك التي كان لها َّ ْ ُ‬ ‫ِفي ألفي ِ ِا ِ‬
‫األلفَّي َ‪ُ ،‬مختصيُة الكافي ِ كما َتَقَّد َم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َن‬ ‫ابن معط وقد قال المقيي‪ « :‬و ْ‬
‫اعَل ْم أ َّ‬ ‫ِ‬
‫نقائص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونظم‬
‫ُ‬ ‫أوع ُب‪،‬‬
‫أجمع و َ‬
‫ُ‬ ‫وكثيي من أبياتها فيها بلفظ َها‪ ،‬ومتبوع ٌ فيها ابن معطي ‪َ .‬وَن ْظ ُمهُ‬ ‫ٌ‬
‫أعذب »(‪.)4‬‬
‫أسلس و ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ابن ُم ْعط‬

‫صودرت ِم ْن أَْر ِض َها ‪ِ -‬في المغيب واألندلس ‪-‬‬ ‫قد ُ‬ ‫فإن األلفي‬
‫وخالص القول‪َّ :‬‬
‫ظُّنون َّ‬
‫أن‬ ‫حو َي ُ‬ ‫أن ُج َّل طلب ِ ِعْلمِ َّ‬
‫الن ِ‬ ‫أهل المشي ِق‪َّ ،‬‬
‫حتى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المثل إلبدا ِع‬ ‫وأضحت َم ْض ِي َب‬
‫الفن الجديد‪ ،‬وةَناال ِ‬
‫هذه ُّ‬
‫الشهيَة ‪ ،‬لو‬ ‫َن ُيْب ِد َعا هذا َّ‬ ‫ابن مالِك‬
‫َ ََ‬ ‫َل ُه َما أ ْ‬ ‫ماكان‬
‫َ‬ ‫ابن ُم ْععط ‪ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األندلس؟ََََ َ‬ ‫ِ‬
‫المغيب و‬ ‫َب ِقَيا في أرض‬

‫‪ )3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَ‪.72/1‬‬


‫‪ )2‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَ‪.72/1‬‬
‫‪ )3‬شأحَُلفيةَ ََّعوش َوَ‪.72/1‬‬
‫‪َِ )4‬فَِ لشيبَعََّغ َََّ ِْ لسَ لأبيبوَللعقأ َ‪ َ.‬قيقَ‪َ:‬د‪َ.‬ظن بَ ت سوَ يأض ََ‪َ -‬لتا بوَ‪َ 1968‬مَ‪َ.‬‬
‫ج‪َ.َ232َ/َ2‬ضشأحَُلفيةَ ََّعوطوَجَ‪.73/1‬‬

‫‪189‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫َح ْزم (‪)1‬‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫اختيت هذه األبيات ِ‬ ‫ِ‬


‫االستْئَن ِ‬
‫الشعية التي ُيْبدي فيها ُ‬ ‫ُ‬ ‫اس‬ ‫وعلى سبيل‬
‫وهو ُي َعلِ ُل‬ ‫بعلم ِه الغزةي‪.‬‬
‫ألن مواطنيه منصيُفو َن عنه‪َ ،‬قلِيُلو االهتمامِ ِ‬
‫ُ‬ ‫الشديد ؛ َّ ُ َ‬
‫تألمه َّ ِ‬
‫ُّ َ ُ‬
‫في بعض‬ ‫يقول‬
‫ُ‬ ‫الوحيد ُه َو َّأنهُ ليس ِم َن اْل َمشيق؛ ُ‬
‫حيث‬ ‫َ‬ ‫بأن َع َيبهُ‬ ‫ذلك ِفي َق ِص َ‬
‫يدة َل ُه؛ َّ‬
‫أبياتها‪:‬من [ الطوةل ]‬‫ِ‬

‫الغيب‬
‫ُ‬ ‫َم ْطَل ِعععي‬ ‫َن‬
‫أ َّ‬ ‫َعْيِبي‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫العُلو ِم ُمِنيعيٌة‬ ‫ِ‬
‫مس في َج ِو ُ‬ ‫أََنا َّ‬
‫الش ُ‬
‫َ‬
‫ِي َّ‬
‫الن ْه ُب‬ ‫ِ ِ‬ ‫َلعَ َّ‬ ‫الشي ِق َ‬ ‫ِ‬
‫جانب َّ‬ ‫َوَل ْو َّأنِني ِم ْن‬
‫اع م ْن ذ ْكيَ‬
‫اض َ‬
‫جد َعَلى َم َ‬ ‫الع‬
‫ط ٌ‬
‫اف ِ‬‫ولِي َن ْحو أَ ْكَن ِ‬
‫الص ُّب‬
‫ف َّ‬‫الكلِ ُ‬
‫ش َ‬ ‫َي ْس َت ْو ِح َ‬ ‫َن‬
‫وال َغْيَو أ ْ‬ ‫العَي ِ‬
‫اق َصبابع ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫الكْي ُب‬
‫و َ‬ ‫ف‬
‫َس ُ‬ ‫َّ‬
‫العتأ ُّ‬ ‫َف ِحيَنِئذ َيْب ُعدو‬ ‫حمن َر ْحلِي َبْيَن ُهعْم‬ ‫َفِإن ُيْن ِز ِل َّ‬
‫الي ُ‬
‫َ‬

‫َوأَ ْطُل ُب َما َعْن ُه َت ِج ْي ُء ِب ِه ُ‬


‫الك ْت ُب‬ ‫ح ِ‬
‫اضٌي‬ ‫َ‬ ‫َو ْه َو‬ ‫أَ ْغَفْل ُت ُه‬ ‫َق ِائل‬ ‫َف َك ْم‬

‫الُقْي ُب‬ ‫آ َف ُت ُه‬ ‫ِ‬


‫العْلمِ‬ ‫َك َس َاد‬ ‫ِن‬
‫َوإ َّ‬ ‫ِق َّص ً‬ ‫ِلْلُب ْع ِد‬ ‫َن‬
‫أْ‬ ‫ُي ْدَرى‬ ‫ُهَنالِ َك‬

‫َذْن ُب‬ ‫َد ِارِه ْم‬ ‫ِم ْن‬ ‫المْيِء‬


‫َوُدُن ُّو َ‬ ‫َل ُه‬ ‫اب َعْن ُه ْم َت َش َّوُقوا‬
‫َفَيا َع َجباً َم ْن َغ َ‬
‫ِ‬ ‫َعِني‬
‫ُس ْه ُب‬ ‫َم َذاهُبهُ‬ ‫َفْي ٌح‬ ‫أََّن ُه‬ ‫َعَلى‬ ‫َل َضِي ٌ‬
‫ق‬ ‫اق‬
‫َض َ‬ ‫َم َكاناً‬ ‫إن‬
‫و َّ‬

‫ِن َزَماناً َل ْم أََن ْل ِخ ْصَب ُه َج ْد ُب(‪)2‬‬


‫َوإ َّ‬ ‫ضَّي ٌع‬
‫َل ُ‬ ‫َضَّي ُعوِني‬ ‫ِر َجاالً‬ ‫ِن‬
‫َوإ َّ‬

‫‪َ)1‬هصَ لفقي َُ صَع ع َ ل َ ََّنبمَ ََ‪384‬ه‪َ 456/‬هد)َعََُّمعةَ لع هبَ لي هأ َا َ ِْ لسَُلفَ ثيأ َعََّ‬
‫ف َا َ لعوهبل‪ْ :‬خلنَض ل يأَا َ‬ ‫وَضََُلَل ََ‬
‫ََ‬ ‫لاهبَا َذلكَضُنأقه َ لعوهع َ ََّ ت دوَا هبلَ ل ِي َض ِشصشَ لنَِف‬
‫ع ض ةَ لافصس)‪َ.‬يايأ‪ََّ َ:‬ى مَض ه َُ ل خيأةَوَ ل َ ََّع ع َوَ لعؤخ ةَ لصبايةَللاه َُ– َ ل بمأَوَ َد‪.‬طَ)َ‬
‫‪َ1989‬وَصََ‪.َ137‬‬
‫َض ه َُ ل خيأةَوََصََ‪َ .َ137‬‬ ‫‪ََّ ََ)2‬ى مَ ِْ ل‬
‫ضِبهة َ لفضلِ َو َ ه يب َخيأَُ لم َ لاتلِ َلل هت َو َ ِ َ‪َ :‬ع ع َن َّ َ َّ َ قيل َعصخن َ لَأيف َو َد س َ ِْ لسَ‬
‫لخضأَِ–َج ةَوَجَ‪ َ ََ3‬لشتقةَ‪َ)َ24‬وَط‪َ2‬وََصَ‪.َ1281‬‬

‫‪190‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المصادر والمياجع‪:‬‬

‫‪ .1‬ألفي ابن معطي في ميزان ُشَّياحها ‪ ،‬شيح عبد العزةز بن جمع الموصلي‬
‫أنموذجا‪ ،‬زةن الدين بن موسى ‪ ،‬مجل العلوم اإلنساني ‪ ،‬عدد ‪ ، 39‬جوان‬
‫‪. 2013‬‬
‫‪ِ .2‬إنباء اليواة على أَْن ِ‬
‫باء ُّ‬
‫النحاة‪ ،‬القفطي علي بن يوسف‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل‬ ‫ُ‬
‫إبياهيم‪ ،‬دار الفكي العيبي‪ ،‬القاهية‪،‬ومؤسس الكتب الثقافي ‪ ،‬بييوت‪ ،‬لبنان‪،‬ط‪:‬‬
‫‪1986 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬األشباه و َّ‬
‫النظائي في النحو‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار الكتاب العيبي‪ ،‬بييوت –‬
‫لبنان‪،‬‬
‫ط ‪ 1417، 3:‬هع ‪ 1996/‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬البداي والنهاي ‪ ،‬ابن كثيي إسماعيل بن عمي‪ ،‬دار الكتب العلمي ‪ ،‬ط‪،01 :‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬ابن بسام وكتاب الذخيية‪ ،‬علي بن محمد‪ ،‬المؤسس الوطني للكتاب– الجزائي ‪( ،‬‬
‫د‪.‬ط ) ‪ 1989‬م‪.‬‬
‫‪ُ .6‬بغي الوعاة في طبقات ُّ‬
‫اللغوةين و ُّ‬
‫النحاة‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد‬
‫ط‪1425 ،1 :‬هع ‪1426 /‬هع ‪-‬‬ ‫عبد اليحيم‪ ،‬دار الفكي‪ ،‬بييوت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬دراسات في المناهج واألساليب العام ‪ ،‬صالح ذياب هندي‪ ،‬وهشام عامي عليان‬
‫‪ ،‬دار الفكي للطباع والنشي والتوزةع‪َ ،‬ع َّمان – األردن ‪ ،‬ط ‪ 1995 ، 6‬م ‪.‬‬
‫‪ .8‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬ابن العماد الحنبلي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬لجن إحياء‬
‫التياث العيبي‪ ،‬دار األفاق الجديدة‪ ،‬بييوت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ .9‬شيح ألفي ابن معطي‪ ،‬لعبد العزةز جمعه الموصلي‪ ،‬تحقيق ودراس ‪ :‬علي موسى‬
‫الشوملي‪ ،‬دار البصائي‪ ،‬حسين داي‪ ،‬الجزائي‪ ،‬ط‪ 2007 ،01 :‬م‪.‬‬
‫شيح ابن عقيل على ألفي ابن مالك‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫(د‪.‬ط) ‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫َّ‬
‫الشواهد القيآني في ألفي ابن معطي ‪ ،‬دراس نحوة تحليلي ‪ ،‬علي نجار‬ ‫‪.11‬‬
‫محمود حسن ‪ ،‬مجل جامع طيب لآلداب والعلوم اإلنساني ‪ ،‬السن الخامس ‪ ،‬العدد‬
‫‪ 1437 ،09‬ه ‪.‬‬
‫لعمدة في محاسن الشعي وآدابه ونقده‪ ،‬تأليف أبي علي الحسن بن رشيق‬ ‫‪ .12‬ا ُ‬
‫القييواني‪ ،‬قدم له وشيحه وفهيسه‪ ،‬د‪ .‬صالح الدين الهواري – أ‪ .‬هدى عودة‪،‬‬
‫منشورات دار ومكتب الهالل‪ ،‬بييوت – لبنان‪ ،‬طبع ‪ 2002‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬ال ُفصول الخمسون ‪ ،‬البن معط ‪ ،‬تح ‪ :‬محمود محمد الطناحي‪ ،‬دار عيسى البابي‬
‫الحلبي ‪،‬القاهية – مصي‪ ،‬ط‪1972 :‬م ‪.‬‬
‫‪ .14‬كتاب البديع ‪ ،‬أبو العباس عبد هللا بن المعتز‪ ،‬تح ‪ :‬عيفان مطيجي ‪ ،‬مؤسس‬
‫الكتب الثقافي ‪ ،‬بييوت – لبنان‪ ،‬ط ‪ 2012/ 1433 ، 1‬م ‪.‬‬
‫‪ .15‬كتاب ِ‬
‫الصناعتين‪ ،‬تصنيف أبي هالل العسكيي ‪ ،‬تحقيق علي محمد البجاوي –‬
‫محمد أبو الفضل إبياهيم ‪ ،‬دار إحياء الكتب العيبي ‪ ،‬القاهية – مصي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1371‬ه ‪ 1952 /‬م ‪.‬‬
‫‪ .16‬المصطلح النقدي في كتاب العمدة البن رشيق القييواني‪ ،‬محمد محمود الحمداني‬
‫‪ ،‬دار الكتب العلمي ‪ ،‬بييوت – لبنان ‪2014 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ .17‬معجم األدباء‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬دارإحياء التياث العيبي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بييوت‪ -‬لبنان‬
‫( د‪.‬ط )‪ 1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬المنظوم النحوة (دراس تحليلي )‪ ،‬ممدوح عبد اليحمن‪ ،‬دار المعيف الجامعي ‪،‬‬
‫اإلسكندرة ‪ ( ،‬د‪.‬ط )‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ .19‬النحو المنظوم بين ابن معط وابن مالك والسيوطي‪ ،‬رسال دكتوراه‪ :‬أحمد عبد‬
‫اللطيف الليثي‪ ،‬جامع القاهية‪1982 ،‬م ‪1402 /‬هع‪.‬‬
‫‪ .20‬النجوم الزاهية في ملوك مصي والقاهية‪ ،‬يوسف بن تغيي بيدي‪ ،‬وزارة الثقاف –‬
‫مصي‪1383 ،‬ه – ‪ 1963‬م ‪،‬‬
‫‪ُ .21‬نزه الفضالء‪ :‬تهذيب سيي أعالم النبالء للذهبي ‪ ،‬تح ‪ :‬محمد حسن بن عقيل‬
‫موسى الشيةف‪ ،‬دار األندلس الخضياء – جدة ‪ ،‬ط‪ 1431 ،2 :‬ه ‪.‬‬
‫نفح الطيب من غصن األندلس اليطيب‪ ،‬للمقيي ‪ .‬تحقيق ‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار‬
‫‪ُ .22‬‬
‫صادر‪،‬بييوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1968 ، 1 :‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬وفيات األعيان وأَْنباء أَبَن ِ‬
‫اء َّ‬
‫الزمان‪ ،‬ابن خلكان أبو العباس شمس الدين أحمد بن‬ ‫َ ُ ْ‬
‫محمد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بييوت‪ -‬لبنان‪ ( ،‬د‪.‬ط )‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫َ‬

‫َ‬

‫‪193‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المولديات النبوية في المديح النبوي الجزائري القديم وسماتها‬


‫الفنية‬

‫جميلة معتوق ‪ ،‬دكتوراه لغة وأدب عربي ‪ ،‬جامعة أدرار‬


‫البريد اإللكتروني ‪maatdja@yahoo.com :‬‬ ‫•‬

‫الملخص‪:‬‬

‫لقد شكلت المولديات النبوية حاف از قويا إلثراء شعر المديح النبوي‬
‫الجزائري في القديم السيما في عصر الزيانيين حيث كان زمن تألقها والعناية‬
‫بها؛ وقد اقتضت الحاجة الدينية والظروف السياسية آنذاك أن ُيهتم بها‬
‫الرسول (ﷺ)؛ ألنها نص شعري ُيعنى بذكرى مولده ّ‬
‫النبي‪،‬‬ ‫لالقتداء بشخص ّ‬
‫النبوية عن‬
‫وكل ما يتعلق بأخالقه وصفاته (ﷺ)‪ ،‬وما يميز المولديات ّ‬
‫ّ‬
‫النبوي بناؤها الفني شكال ومضمونا‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫النص المدحي ّ‬‫ّ‬
‫ومكوناتها األساسية التي تنفرد بها وسمة‬
‫ّ‬ ‫المواضيع التي تتطرق إليها‬
‫معجمها الشعري وكذا الصورة الشعرية‪.‬‬

‫الشكل ‪ -‬المضمون‪-‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬المولدية النبوية ‪ -‬البناء الفني‪ّ -‬‬
‫المعجم الشعري ‪ -‬الصورة الشعرية‪.‬‬

‫‪194‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:
The Prophet's birthdays (Mawlid al-Nabawi) were a strong
incentive to enrich the Algerian prophet's praise poetry in the old
era, especially in the era of the Zayani, where it was a time of
brilliance and care; the religious need and political circumstances
required it to be followed by the person of the Prophet (PBUH),
because it is a poetic text that refers to the birth of the Prophet
(PBUH) and all what concerns his morals and qualities .What
distinguishes Mawlid al-Nabawi from the prophetic texts is its
artistic structure in form and content, through the subjects that are
discussed and its basic components that are unique to it and the
character of its poetic dictionary as well as poetic image.
Key words: Mawlid Nabawi – artistic structure – form – content –
poetry dictionary – poetic image

195
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫حين نذكر المولديات في المدائح الّنبوية الجزائرية قديما‪ ،‬فإنها مسألة متعلقة‬
‫الزياني الذي‬
‫الزياني ومدى االهتمام الذي وجدته من قبل أبي حمو موسى ّ‬ ‫بالعصر ّ‬
‫لما نقلها من المغرب إلى الجزائر‪ ،‬وقد ارتبط شعر المولديات‬
‫كان سببا في انتشارها ّ‬
‫ظمها ملوك‬ ‫الّنبوية عموما ارتباطا وثيقا بتلك االحتفاالت الرسمية التي كان ُيَن ّ‬
‫المشرق والمغرب اإلسالميين في كل عام بمناسبة ليلة المولد الّنبوي الشريف‪ ،‬وهذا‬
‫جسدت تلك المظاهر األولى لالحتفال‬‫ما عرفت به البالد اإلسالمية ‪ ،‬وهي سلوكيات ّ‬
‫‪1‬‬

‫بالمولد الّنبوي الشريف‪ ،‬وهذا ما يؤكد جذور االحتفال بهذا اليوم العظيم عند العرب‪.‬‬

‫ومع توالي األيام‪ ،‬نالت مكانة الرسول (ﷺ) الحظوة الكبرى في الشعر العربي‬
‫والمغربي بالخصوص؛ وهذا لدواعي سياسية اقتضتها األحداث التي كانت تمر بها‬
‫األمة اإلسالمية مع الغزو الصليبي والهجوم التتاري‪ ،‬فكان البد من تعبئة الشعور‬
‫الدفاع عن القيم الدينية والّتمسك بها‪ ،‬وكان الرسول (ﷺ)‬
‫الدعوة إلى الجهاد و ّ‬
‫العام و ّ‬
‫في مثل هاته الظروف هو النموذج الذي يحتذى به‪ ،‬وهذا ما يؤكد أن طبيعة المدائح‬
‫النبوية قد تغيرت عما كانت عليه مقارنة بالعصور السالفة‪ ،‬وحتى األهداف كان لها‬
‫وجهات أخراة مع األحوال االجتماعية والسياسية‪.‬‬

‫‪ -1‬رحلة ابن جبير‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪( ،‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وكان أبو حمو موسى الزياني(‪791‬ه)‪ ‬من المدافعين عن الدين اإلسالمي‪،‬‬


‫وقد حرص على عدم ضياع المبادئ الدينية وسط تلك األفكار النصرانية‪ ،‬من خالل‬
‫العباس العزفي (‪633‬ه)‬ ‫اهتمامه الكبير بيوم المولد الشريف؛ حيث نقله من أبي ّ‬
‫في سبتة‪ ،1‬ما يدل على عزمه في تغيير األوضاع‪ ،‬من خالل عنايته بالمولد النبوي‬
‫الشريف‪ ،‬وهو يعمل على تهيئة األجواء المالئمة للمولديات النبوية الجزائرية‪،‬‬
‫جو روحاني مهيب من طرفه والشعراء‪.‬‬
‫وإلقائها في ّ‬

‫لقد كان له الفضل الكبير في ترسيخ دعائم هذا النوع من الشعر الذي يعنى‬
‫بمولد الرسول(ﷺ) في العصر الزياني‪ ،‬وهذا بعد ما تقلد حكم البالد‪ ،‬وحرص على‬
‫نوهت المصادر التاريخية بهاته الجهود‬
‫توطيد مبادئ الدين اإلسالمي بمملكته‪ ،‬وقد ّ‬
‫لما‬
‫في إحيائه للدولة الزيانية وإقامته على أحسن األحوال‪ ،‬وذلك سنة ‪760‬ه ّ‬
‫اس أهل مملكته بالسيرة الحسنى‪ ،‬وغمر‬ ‫غصابها َس َ‬
‫استقر بها و«وانتزع دولته ّ‬
‫وقسم أوقاته بين حكم يقضيه وحق يمضيه‪ »...‬؛‬
‫‪2‬‬
‫الرعية قسطاس عدله األسنى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فتميزت فترة حكمه بازدهار الحياة السياسية واالقتصادية والفكرية بها‪ ،‬وعمل على‬
‫ّ‬
‫الدين وإرساء قواعده‪ ،‬وكان يدرك قيمة العلم وضرورة التركيز على االهتمام‬
‫حماية ّ‬
‫الجو‬
‫ينور آفاق دولته؛ حيث نقل ّ‬
‫بكل ما ّ‬
‫بالعلماء والفقهاء واألدباء‪ ،‬واالستعانة ّ‬

‫أبو حمو موسى الزياني الثاني‪ ،‬ولد سنة ‪723‬ه بغرناطة عاصمة بني األحمر‪ ،‬وهو ابن يوسف بن عبد الرحمان بن‬ ‫‪‬‬

‫يحيي يغمراسن بن زيان مؤسس الدولة العبد الوادية‪ ،‬نشأ بتلمسان وعاش حياة البالط والقصور‪ ،‬درس على أشهر‬
‫الزيانية هناك‬
‫الدولة ّ‬
‫جدد ّ‬
‫حصل من العلوم العربية والمبادئ الدينية‪ ،‬وهو من ّ‬
‫ظا كبيرا‪ ،‬وقد ّ‬
‫العلماء ونال من العلم ح ّ‬
‫في القرن‪8‬هـ‪ ،‬وأقامها على مبادئ الدين اإلسالمي(ينظر عادل نويهض‪ ،‬معجم أعالم الجزائر‪ ،‬من صدر اإلسالم حتى‬
‫العصر الحاضر‪ ،‬مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة والنشر‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1400(2‬هـ‪1980 -‬م‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 125‬وينظر عبد الحميد حاجيات‪ ،‬أبو حمو موسى الزياني(حياته وآثاره)‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫ط(‪ ،1982 ،)3‬ص‪.)155-69‬‬
‫‪ -1‬لسان الدين بن الخطيب‪ ،‬اإلحاطة في أخبار غرناطة‪ ،‬ج(‪ ،)3‬تح‪ :‬محمد عبد هللا عنان‪ ،‬مكتبة الخانجي بالقاهرة‪،‬‬
‫ط(‪1395 ،)1‬ه‪1975 -‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -2‬محمد بن عبد هللا التنسي‪ ،‬تاريخ بني زيان ملوك تلمسان‪ ،‬تح‪ :‬محمود بوعياد‪ ،‬و ازرة الثقافة‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،2007 ،‬ص‬
‫‪.160‬‬

‫‪197‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ليعزز من شأن الحركة الفكرية واالنفتاح‬


‫الثقافي من األندلس فاس إلى تلمسان ّ‬
‫الثقافي بالمغرب األوسط لمعالم حضارية كثيرات‪.‬‬

‫ولذلك شهدت الفترة الزيانية ازدها ار كبيرا‪ ،‬وكانت «عبارة عن تواصل حضاري‬
‫وحركية اقتصادسة وتجارية واسعة‪ ،‬وكانت دائمة االستقبال واالحتفاء بالتاجر‬
‫وبطالب العلم معا‪ ،‬موفرة جميع سبل العيش محققة لهم األمن والطمأنينة»‪ ،1‬فكان‬
‫ظها من االنفتاح الحضاري‪ ،‬وحين نبحث عن حياة السلطان العلمية‪ ،‬فلم يقف‬
‫لها ح ّ‬
‫عند كونه سياسيا محّنكا فحسب‪ ،‬بل كان له حضوره األدبي و«له من النثر والشعر‬
‫الفائق ما ارتفعت صنعته من بالغة الملوك‪ ،2»...‬ولذلك كان من بين األولويات في‬
‫احتفائه بالمولد النبوي الشريف‪ ،‬نظمه للمولديات النبوية وإلقاؤها‪ ،‬وال يخفى علينا‬
‫مقوماته من‬
‫سر اهتمامه بها ومدى إدراكه ألهميتها في توطيد الدين والحفاظ على ّ‬‫ّ‬
‫خالل أخالق النبي(ﷺ)؛ حيث كان ينظم المولديات النبوية مع شعراء دولته‪ ،‬والعمل‬
‫الجو االحتفالي بالمولد النبوي‪.‬‬
‫على إلقائها على الجمهور الذي يشهد ذلك ّ‬

‫وهذا ما فتح للمولديات النبوية باب االزدهار‪ُ ،‬مشكَلة دافعا قويا في انتشار‬
‫المديح النبوي الجزائري القديم في الفترة الزيانية‪ ،‬مضيفة خصائص ومميزات فنية‬
‫السمات الفنية التي عرفت‬
‫انفردت بها عنه‪ ،‬وهنا تتوضح إشكاالت الدراسة عن تلك ّ‬
‫الشكل والمضمون‪ ،‬وسنقف عند ذاك‬
‫بها‪ ،‬وعن البناء الذي طبع مالمحها من حيث ّ‬
‫الدراسة المتمثلة في العناصر التالية‪:‬‬
‫محاولين البحث وفق خطة ّ‬
‫أوال‪ :‬مفهوم مصطلح المولدية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بناء مضمون المولدية النبوية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بناء شكل المولدية النبوية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬خاتمة‬

‫‪ -1‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪ ،‬موفم للنشر والتوزيع‪( ،‬د‪،‬ط)‪،2008 ،‬‬
‫ص ‪.31‬‬
‫‪ -2‬محمد بن عبد هللا التنسي‪ ،‬تاريخ بني زيان ملوك تلمسان‪ ،‬ص ‪.161‬‬

‫‪198‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم مصطلح المولدية‬

‫يرتبط مصطلح المولديات بكلمة المولد؛ «فمولد الرجل‪ :‬وقت والده‪ ،‬ومولده‪:‬‬
‫الموضع الذي ولد فيه‪ ،...‬وميالد الرجل‪ :‬اسم الوقت الذي ولد فيه»‪ ،1‬ولذلك أطلق‬
‫على هذا النوع من المديح النبوي "المولديات"؛ ألنها ُتعنى بيوم مولد الّنبي(ﷺ)‪،‬‬
‫ولذلك فإن المولدية تستمد تسميتها من ذكرى مولد الّنبي‪ ،‬والتي من أجلها نظمت‬
‫أبياتها‪.‬‬

‫الدين الخطيب(‪776‬ه) في كتابه "نفاضة الجراب في عاللة‬ ‫عرفها لسان ّ‬‫وقد ّ‬


‫االغتراب" على أنها «المنظومة في مدح رسول هللا واإلشادة بميالده وذكر معجزاته‬
‫ثم التخلص إلى مدح السلطان وذكر خالله وإطراء تحّفيه بهذه الدعوى»‪ ،2‬وهذا ما‬
‫يميزها عن المديح النبوي ألنها تعتبر مديحا يلقى ليلة المولد النبوي الشريف‬
‫وتتضمن مدح النبي ومدح السلطان والشوق والحنين إلى األراضي المقدسة‪.‬‬

‫وهذا ما توضحه األستاذة فاطمة عمراني عن المولديات في أنها تستهل‬


‫«بالحنين إلى الحجاز ثم يتغنى بفضائل الرسول ومعجزاته الباهرة وينهي المولدية‬
‫غالبا بمديح السلطان الذي أقيم االحتفال النبوي في عهده»‪ ،3‬وقد اعتبر ذلك تقديما‬
‫بالحب المحمدي والبكاء على الديار المحمدية ال وقوفا على األطالل وذكر الغزل‪.‬‬

‫مكونة لها ويغلب حضورها؛ حيث يستهل‬‫وهي تتضمن مواضيع أساسية تعتبر ّ‬
‫الشاعر فيها بالشوق والحنين والبكاء على الديار المحمدية ثم ينتقل إلى المدحين‬
‫النبوي والسلطاني مع الخاتمة في األخير‪ ،‬ويعتمد الشاعر لتشكيل مواضيع مولدياته‬
‫النصوص المقدسة وعالم التصوف وحتى النص الشعري القديم‪ ،‬والدكتور جميل‬
‫على ّ‬

‫‪ -1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج(‪ ،)15‬مادة (ولد)‪ ،‬المكتبة التوفيقية للطباعة‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪( ،‬د ‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.444‬‬
‫‪ -2‬لسان الدين الخطيب‪ ،‬نفاضة الجراب في عاللة اإلغتراب‪ ،‬ج(‪ ،)3‬تق‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬السعدية فاعية‪( ،‬د‪،‬ت)‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫ص‪.279‬‬
‫‪ -3‬فاطمة عمراني‪ ،‬المدائح النبوية في الشعر األندلسي‪ ،‬مؤسسة المختار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط(‪1432 ،)1‬ه ‪2011-‬م‪،‬‬
‫ص‪.140‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫حمداوي في معرض حديثه عن المدائح النبوية‪ ،‬يرى أنها تتداخل مع قصائد المولد‬
‫النبوي الشريف‪ ،‬وتركز على يوم مولده في الثاني عشر من ربيع األول حيث يعتبر‬
‫يوم فرح وسرور تقام له الوالئم والمجالس وتنشد فيه هاته القصائد معب ار الشاعر‬
‫فيها عن شوقه للبقاع المقدسة‪.1‬‬

‫ولهذا قد كانت المولديات مديحا نبويا «يذكر فيها الشعراء أخالق النبي‬
‫وغزواته وكل ما يتعلق بسيرته ويخلصون في النهاية إلى مديح السلطان‬
‫فيعبر الشاعر فيها بصدق المشاعر عن أحاسيس العظمة واالنبهار‬ ‫الحاضر» ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫لصفات النبي ال ُخلقية و ِ‬


‫الخلقية ومعجزاته‪ ،‬والشوق لرؤياه وزيارة قبره واألماكن‬
‫المقدسة المرتبطة بحضرته‪ ،‬وأخذ المواعظ والعبر والصالة عليه‪ ،‬وطلب الشفاعة‬
‫تخص سيد المرسلين يعمل فيها الشاعر على‬ ‫منه والتوسل ليغفر هللا‪ ،‬هي أحاسيس ّ‬
‫كل ما لديه من طاقات فنية إبداعية يسخرها إلبراز تلك المكانة والعظمة التي‬
‫توفير ّ‬
‫حباه هللا بها‪ ،3‬ثم يأتي بمدح السلطان وما كان له من إنجازات خاصة بتحضيره‬
‫لالحتفال بالمولد النبوي الشريف‪.‬‬

‫فتقام المجالس الدينية‪ ،‬وتنشد فيها القصائد في مدح المصطفى ومدح‬


‫السلطان‪ ،‬ويظهر فيها الشاعر مدى شوقه للبقاع المقدسة‪ ،‬وهكذا حتى أصبحت‬
‫ظاهرة منتشرة في المشرق والمغرب على السواء لظروف طبعا دينية واألخرى‬
‫اجتماعية السيما في المغرب األوسط مع الزيانيين‪ ،‬الذي ُّ‬
‫يعد بالنسبة للمولديات‬
‫النبوية العصر الذهبي؛ ألنه «حدث فريد من نوعه قد عرف ترعرعا وعناية في كفاية‬
‫السلطان الشاعر أبي حمو الزياني الذي أضفى على هذه المناسبة طقسا خاصا لم‬
‫ورقيها بشكل يستدعي‬
‫ّ‬ ‫تعرفه بقية الممالك المجاورة»‪ ،4‬وهذا لدوره في تطورها‬

‫‪ -1‬جميل حمداوي‪ ،‬شعر النبوي المديح في األدب العربي‪ ،‬مقال بالشبكة المعلوماتية‪ ،‬ديوان العرب‪ ،‬سنة ‪،2007‬‬
‫الموقع‪.http://www.diwanalarab.com:‬‬
‫‪ -2‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ -3‬زكي مبارك‪ ،‬المدائح النبوية في األدب العربي‪ ،‬مصر الجديدة ‪1354‬ه‪1935 -‬م‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ -4‬د‪.‬عبد هللا حمادي‪ ،‬دراسات في األدب المغربي القديم‪( ،‬ط)‪ ،1‬دار البعث للنش والتوزيع‪1406 ،‬هـ‪1986 -‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.262‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الوقوف عليها بالدراسة والتحليل لنستشف الميزات والخصائص التي تميزت بها‬
‫خاصة‪.‬‬

‫فكان أن عمل على تطور هذا النوع من الشعر تحت مسمى المولديات بمميزات‬
‫حد قول عبد هللا حمادي كون‬ ‫في البناء وفي الشكل‪ ،‬ومما زاد األمر أهمية على ّ‬
‫الملك أبو حمو موسى الزياني من فحول الشعراء للدولة الزيانية ‪ ،‬وعليه فقد كان‬
‫‪1‬‬

‫على دراية كيف يستقطب العامة في مثل هاته المناسبة‪ ،‬وهذا ما جعله ينفرد‬
‫بخصوصيات اعتبرت محفزات لعملية الّتلقي مفتتحا االحتفال بإلقائه لمولديته على‬
‫المستمعين ثم يليه الشعراء ملقين مولدياتهم من بداية الليل إلى بزوغ الفجر‪.‬‬

‫السمات الفنية التي تنماز بها من‬


‫وهذا بعدما نوضح صورة المولديات وما ّ‬
‫فأما من جهة بنائها الفني المتعلق بالمضمون فقد تميزت‬
‫الشكل والمضمون‪ّ ،‬‬
‫حيث ّ‬
‫عبرت عنها في ثالث‬
‫المولديات ببناء خاص بها‪ ،‬وهو يبرز طبيعة مواضيعها التي ّ‬
‫محطات‪ ،‬وهي (المقدمة في الشوق والحنين والمدح النبوي ومدح السلطان)‪ ،‬وعليه‬
‫فإن لها ثالثة محاور تدور عليها المولدية النبوية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ّ‬

‫أوال‪ :‬النسيب والطلل(المقدمات الطللية والغزلية) وتتضمن الشوق والحنين‬


‫المقدسة(الحب المحمدي)‬
‫ّ‬ ‫لأل راضي‬

‫ثانيا‪:‬المديح النبوي‬

‫السلطان‬
‫ثالثا‪ :‬مدح ّ‬

‫‪ -1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.250‬‬

‫‪201‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مضمون‬
‫المولدية‬

‫مقدمة المولدية‪ -‬الطلل‬


‫خاتمة‬ ‫الموضوع‬ ‫الموضوع‬
‫والغزل‬
‫المولدية‬ ‫الثانوي‬ ‫الرئيس‬
‫‪ -‬الشوق (األراضي‬
‫مديح‬ ‫المديح‬
‫المقدسة)‬
‫ّ‬
‫السلطان‬ ‫النبوي‬

‫ثانيا‪ :‬بناء مضمون المولديات الّنبوية‬

‫أ‪ .‬مقدمة المولدية‬

‫فعلى طريقة القدامى كان شعراء المولدية النبوية يقدمون وقد كانوا أوفياء‬
‫كل المقدمات التي سّنها‬
‫للقصيدة العربية؛ حيث حرصوا على أن تتصدر مولدياتهم ّ‬
‫العرف النقدي على الشعراء في تقديمهم‪ ،‬وقد ساروا على نهجهم مضمنين الطلل‬
‫والنسيب في وصفهم للرحلة إلى البقاع المقدسة والتطلع إلى زيارتها‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫المقدمات التي تضمنت الحمد والتسبيح والتضرع إلى هللا‪.‬‬

‫الديار واألهل والخال ن غير تلك التي عرفناها مع امرئ القيس وعنترة‬
‫وإن كانت ّ‬
‫وغيرهما في مقدمات شعراء المولدية إال أنهم لم يجدوا مشكال في الوقوف على‬
‫ألن المقدمة‬
‫الطلل حتى وإن لم يروا طلال ولكنه تقليد البد من السير على نهجه؛ ّ‬
‫تعد ظاهرة فنية «كثي ار ما استهوت قلوب الشعراء قديما‪ ،‬وكانت بالنسبة لهم‬
‫الطللية ّ‬

‫‪202‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قالبا فنيا استوعب كثي ار من ذواتهم ومواقفهم»‪ 1‬للتعبير عن الديار المحمدية‬


‫ومشاعر الشوق والحنين التي استوعبتها كذلك المقدمة الغزلية نظ ار لما«تحدثه من‬
‫تعبر عن ذاتية المبدع وما تتيح له من فرص البوح‬ ‫أثر في المتلقي أو بما ّ‬
‫بمكنوناته وفيض مشاعره»‪ ،2‬وهذا ألنها تنبع من نفس مشتاقة لروحانيات البقاع‬
‫المقدسة التي تشده نفسه إليها‪.‬‬

‫فالديار عنده هي مكة والبقيع وطيبة وسلع ورامة ونجد واألهل والخالن‬
‫الرسول وآله وصحابته‪...‬وحتى دالالت الرموز التي عرفت في قاموس الشعر القديم‬
‫بات لها داللة مدحية نبوية تطال عالم التصوف كرمز للكعبة والحرم والقبة الخضراء‬
‫والمقام وغيرها « فهذه األطالل المزعومة عند الشعراء ال وجود لها في الواقع بل هي‬
‫تقليد أسهم الخيال من خاللها في إذكاء شوق الشاعر وحنينه إلى الحجاز واألماكن‬
‫المقدسة‪ ،‬فأوصلته الراحلة إلى تلك المرابع ومنها إلى مدح الرسول»‪ ،3‬وذلك في‬
‫إطار ما يسمى بالحب المحمدي والتقديم بالنسيب المحمدي‪ ،‬ولذلك فهي تتوافق‬
‫ومشاعر الشاعر اتجاه النبي في مدحه‪.‬‬

‫وهذا ما وجدنا عليه شعراء المولديات النبوية الزيانيين‪ ،‬وهم يستعينون بطريقة‬
‫التقديم القديمة في كل عام من ذكرى المولد النبوي الشريف وفي كل المولديات التي‬
‫اطلعنا عليها في كل المصادر التي ذكرت أصداء احتفاالت الزيانيين بالمولد‬
‫والنصوص المولدية على مدار ثالثين سنة وأكثر‪ ،‬وهذا دليل على التمسك بهذا‬
‫العرف النقدي الذي عرفت به القصيدة العربية المعروفة ولكن طبعا حسب تجربتهما‬
‫الشعرية والموقف الذي يمرون به في االحتفاالت وسنأتي بمولديات تؤكد ذلك‪.‬‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬دار بهاء الدين للنشر والتوزيع‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،2013 ،‬ص‬
‫‪.53‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ -3‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪ ،‬ص‪.102‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ولنبدأ مع السلطان أبي حمو موسى الزياني‪ ،‬وما افتتح به مولدياته طيلة‬
‫المواسم االحتفالية‪ ،‬ويائيته (قفا بين أرجاء القباب) (‪761‬ه) من المولديات في‬
‫مدح الرسول(ﷺ) التي افتتح بها االحتفال‪ ،‬وهي من أربعين بيتا يستهل فيها حديثه‬
‫بمقدمة طللية يقول فيها‪:‬‬

‫وحـــــــــــــي ديـــــــــــــا ار للحبيب بهـا حــــــــي‬ ‫**‬ ‫قفــــا بيــن أرجــــــــــاء القبـــــــــاب وبالحـــــي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وسائل فدتك الّنفس في الحي عن مي‬ ‫**‬ ‫وعـــــــــــرج علــــــى نجـــــد وسلـــــــع ورامــــــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحــــــــي‬ ‫يموت ويحــــــي فــــــــارث للميت‬ ‫**‬ ‫وقــــل ذلك المضني المعــــ ّذب بالهـوى‬
‫ِّ‬
‫ورو حديثــــــي فهــــو أغــــــرب مـــــــــــــروي‪1‬‬ ‫ِّ‬ ‫**‬ ‫وبث لهـــــــم وجـــــدي وفــــرط صبابتـــــــي‬

‫تمسك الشاعر واهتمامه بالتقاليد الشعرية‬


‫فالمتأمل في هذه المقدمة ليتبين ّ‬
‫التي نادى بها ابن قتيبة وابن سالم الجمحي وغيرهم من النقاد القدامى والمحدثين‬
‫الذين تواضعوا على سمات القصيدة العربية وشروط بنائها التي عرفت بها‪ ،‬والذين‬
‫أشاروا إلى «أن العرب استمدت قواعد وحدود القصيدة العربية من الشعر الجاهلي‬
‫وخاصة في المدائح»‪ ،2‬وكما هو معروف منذ زمن حسان بن ثابت أن الشاعر وهو‬
‫يمدح النبي كان يقدم بتقديم شعراء العصر الجاهلي؛ فكانت القواعد واضحة حيث‬
‫كل بطريقته ولكن الهدف واحد وهو استمالة القلوب‪.‬‬
‫تفنن فيها الشعراء ّ‬

‫أن ما يلفت االنتباه في قصيدة‬


‫وقد أ ّكد ابن قتيبة هذه الحقيقة وهو يبرز ّ‬
‫المديح هو ابتداء الشاعر بذكر األطالل والدمن واآلثار« وسمعت بعض أهل األدب‬
‫الدمن واآلثار‪ ،‬فبكى وشكا‪،‬‬
‫الديار و ّ‬
‫يذكر أن مقصد القصيدة إنما ابتدأ فيها بذكر ّ‬
‫شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة‬
‫وخاطب الربع‪ ،‬واستوقف الرفيق ‪ ...‬فشكا ّ‬
‫والشوق ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه وليستدعي إصغاء األسماع إليه‬

‫‪ -1‬محمد بن عبد هللا التنسي‪ ،‬تاريخ بني زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدرر والعقيان في شرف بني زيان ‪،‬‬
‫ص‪.164‬‬
‫‪ -2‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪ ،‬ص‪.97‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الزياني بما‬
‫ألن التشبيب قريب من النفوس الئط بالقلوب‪1»...‬؛ وأبو حمو موسى ّ‬
‫البد عليه أن‬
‫المفوض األول في اإللقاء كتقليد مّتبع في االحتفال بالمولد كان ّ‬
‫َّ‬ ‫أنه‬
‫يفتتح بما يجعل الحضور مستمعا منتبها لهاته األجواء ويعمل على التأثير فيه‪.‬‬

‫فكانت البداية معه ملفتة للنظر ألنه ابتدأ بطلب يحاكي فيه القدامى «ولعل‬
‫مقدمة أبي حمو قد جاءت لتكشف عن مقدرته اإلبداعية عن طريق التزامه بالتقاليد‬
‫األصلية في المجتمع العربي ومحافظته عليها»‪2‬؛ فهو يوجه كالمه ويخاطب ويطلب‬
‫حادي الركب أن يتفقد له المكان ويسأل عن األهل وكيف الحال‪ ،‬وهو يستعين بأفعال‬
‫تعينه على ذلك‪ ،‬وهي أفعال تمثل القاموس اللغوي الذي طالما ّ‬
‫قدم به الشاعر‬
‫عرج‪ -‬ارث‪ -‬سائل‪.)...‬‬
‫العربي (قفا‪ّ -‬‬

‫وفي موضع آخر يقدم كذلك مقدمته الطللية على طريقة امرئ القيس‪ ،‬وهذا‬
‫خبراني) سنة(‪769‬ه)‪ ،‬وترد أبياتها في كتابه "واسطة السلوك"‪،‬‬ ‫في مولديته (قفا ّ‬
‫ولكن تنقصها األبيات األولى بما فيها المقدمة‪ ،‬حيث يقول فيها‪:‬‬

‫وعــــن معلمــــــــــــات طيبات األرائــــــــج‬ ‫**‬ ‫خبـــــــــراني عــــــــــن رســـوم نواهـــــج‬


‫قفــــا ّ‬
‫تخبـــــــــراني عــــــن ذوات الـــــــــدمالج‬
‫وال ّ‬ ‫**‬ ‫وعن أرض نجـــــد والعذيب وبـــــــــارق‬
‫على قطـــــع أسباب النوى باللواعج‪3‬‬ ‫**‬ ‫وجوبا الفيــــافي والمهــــــــامه واستعــــــــن‬

‫وله ما يدل على التقديم بالغزل وهو ممزوج بالشوق والحنين المحمدي في‬
‫تزيا‬
‫ّ‬ ‫نموذج آخر من مقدمات مولدياته‪ ،‬نحو مقدمة مولدية (مشوق‬
‫بالغرام)(‪763‬ه) ‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن قتيبة‪ ،‬الشعر والشعراء‪ ،‬تح‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬ج(‪ ،)1‬دار الحديث القاهرة‪ ،‬سنة ‪1427‬ه‪2006 -‬م‪،‬‬
‫ص‪.85 ،75‬‬
‫‪ -2‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫‪ -3‬عبد الحميد حاجيات‪ ،‬أبو حمو موسى الزياني‪ ،‬حياته وآثاره‪ ،‬الشركة الوطني للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫‪ ،1982‬ص‪.375‬‬

‫‪205‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫متـــــــى ذكــــــــــــــرى األحبـــــــــــــــــة بــــــــــــاحــــــــا‬ ‫**‬ ‫مشــــــوق ّ‬


‫تزيا بالغـــــــــــــــــرام وشـــــــــــــــــــاحا‬ ‫ّ‬
‫ويبدي اشتياقـــــــه زفـــــــــــــــــرة ونــــــــــــــــــــــواحا‪1‬‬ ‫**‬ ‫تعذبــــه أشجــــــــــــــــانه وهــــــــــــــــو صابــــــــــــر‬

‫ولما كانت تلك الليلة لعظمة المصطفى وجماله وإسوته ‪ ،‬فحري به أن يحضر‬
‫المديح النبوي في هذا المقام يفرض وجوده الجمالي والفني‪ ،‬واألولى بهم أولئك‬
‫الشعراء أن يستشعروا ذاك الجمال وتلك العظمة في النفوس بما أ ُُتوا من قوة في‬
‫األداء الفني‪ ،‬واألولى بهم أول الّناس في متعة الحدث وأناقته‪ ،‬أولى بهم أن يتأهبوا‬
‫ويستعدوا بنصوصهم المولدية إلحياء ذكرى مولده النبوي‪ ،‬وهذا هو الطابع العام‬
‫الذي عرفت به وهي تلقى في حضرة السلطان في الدولة الزيانية‪.‬‬

‫والواقف على هذا النوع من المديح النبوي ليجد ّ‬


‫أن له ميزات إضافة إلى ما‬
‫يحضر له بالقصائد إللقائها على‬
‫ّ‬ ‫رأيناه أنه ُيخصص لذكرى مولد الرسول ‪ ،‬وأنه‬
‫إن أول من يلقي في هذا الحفل‬ ‫الحضور للموعظة والتأسي بقدوته وأخالقه‪ ،‬و ّ‬
‫السلطان أبو حمو موسى الزياني يفتتح به ثم تليه المدائح األخرى للشعراء‪ ،‬وهذا‬
‫يميز احتفالهم‪2‬‬
‫هو األسلوب المتبع طيلة شهر المولد والذي ّ‬

‫‪ -1‬أبو زكريا يحيي بن خلدون‪ ،‬بغية الرواد في ذكر الملوك بني عبد الواد‪ ،‬تح‪ :‬بوزياني الدراجي‪ ،‬ج(‪ ،)2‬دار األمل‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪(،2007 ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬ص‪.217‬‬
‫‪ -2‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪ ،‬ص‪.85‬‬

‫‪206‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ومما يليه من الشعراء الثغري وهو يقدم في أحد نبوياته ّ‬


‫(سر المحبة بالدموع‬ ‫‪‬‬

‫يترجم)‪ ،‬ولم ترد إال عند التنسي في كتابه تاريخ ملوك بني زيان‪ ،‬وقد فاقت أبياتها‬
‫الثمانين بيتا‪ ،‬وهو فيها كالباكي على الطلل‪ ،‬يشتكي ألم الفراق والبعد عن األهل‬
‫والخالن‪ ،‬ولكن ليس كمثل أهل امرئ القيس أو خالن زهير بن أبي سلمى وغيرهم‪،‬‬
‫إنما هم أهل البقيع موطن الرسول ؛ فيذكر أنه يتعذب ألنه؛ في شوق إليهم‪ ،‬وذاك‬
‫ما تضمنته مقدمة القصيدة من البيت األول إلى البيت الخامس عشر‪:‬‬

‫فالدمع إن تسأل فصيح أعجم‬ ‫**‬ ‫ســــــــــــر المحبــــة بالدموع يترجــــــــم‬


‫ّ‬
‫الصب يصمت والهوى يتكلم‬ ‫و ّ‬ ‫**‬ ‫والحال تنطق عـن لسان صامت‬
‫ســر يكتم‪1‬‬
‫جفــــــــن ينــــــــم بكـــــــــل ّ‬ ‫**‬ ‫كم رمت كتمان الهوى فوشى به‬

‫وفي مولدية له أيضا سنة (‪760‬ه) يقدم بالمقدمة الطللية‪ ،‬وهذا في قوله‪:‬‬
‫شــــــــــــوقــــا وضـــــاق بسره كتمانـــــه‬ ‫**‬ ‫ذكر الحمـــــــــــى فتضاعفت أشجانه‬
‫ما لم يكن من شأنه نسيــــــانـــــــــه‪2‬‬ ‫**‬ ‫دنف تــــــــذكر من عهــــــــــــــــــود وداده‬

‫حب‪ ،‬فإن الشاعر قد أعلن في مولدياته صراحة‬ ‫حب النبي ال يفوقه ّ‬ ‫وألن ّ‬
‫حبه والوالء له‬
‫عزوفه عن المقدمات الطللية والغزلية متفرغا للمديح المحمدي في ّ‬
‫إن هذا إعالنا‬
‫الحب المحمدي‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫كل الرموز والدالالت المرتبطة بمشاعر‬
‫وهو يضمن ّ‬
‫على اإلكثار من مقدمات الرحلة إلى البقاع المقدسة وإظهار الشوق إليها‪ ،‬وهي‬

‫‪ ‬محمد بن يوسف القيسي التلمساني المعروف بالثغري أبو عبد هللا‪ ،‬من أهل تلمسان‪ ،‬ومن أشهر شعرائها وبلغائها‬
‫المقدمين لدى سالطينها‪ ،‬له قصائد كثيرة‪ ،‬عاش في أواخر القرن الثامن الهجري‪ ،‬اتخده السلطان أبو حمو موسى‬
‫الزياني كاتبا للدولة وشاعرها‪( ،‬ينظر شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني‪ ،‬نفح الطيب من غصن األندلس‬
‫الرطيب‪ ،‬ج(‪ ،)7‬تح‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫= ‪1408‬هـ ‪1988 -‬م‪ ،‬ص‪ 121‬و أبو العباس سيدي أحمد بن عمار‪ ،‬نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب‪،‬‬
‫مطبعة فونتانة‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬سنة ‪1320‬ه‪1902-‬م‪ ،‬وينظر لمولدياته عند أبو العباس سيدي أحمد بن عمار‪،‬‬
‫نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب‪ ،‬مطبعة فونتانة‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬سنة ‪1320‬ه‪1902-‬م‪ ،‬ص ‪ 132‬وما‬
‫يليها)‪.‬‬
‫‪ - 1‬محمد بن عبد هللا التنسي‪ ،‬تاريخ بني زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدرر والعقيان في شرف بني زيان ‪،‬‬
‫ص‪.169‬‬
‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ص‪.217‬‬
‫‪ -2‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪207‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫التي ظهرت بانتشار المدائح النبوية مع القرن السادس الهجري‪ ،‬وفيها يذكر الشاعر‬
‫معب ار عن لهفة اللقاء والشوق إلى زيارتها وأداء المناسك والشعائر‬
‫األماكن المقدسة ّ‬
‫الدينية‪.‬‬

‫ويعد البعد عن المقام المحمدي واألراضي المقدسة عموما الدافع الرئيس في‬
‫تواجد هذا النوع من المقدمات في المولديات النبوية‪ ،‬وهذا ما يحيلنا مباشرة إلى بالد‬
‫األندلس والمغرب‪ ،‬ومدى تأثر الشعراء بمسألة البعد هاته السيما حين تأتي ساعة‬
‫معبرة عن آالم‬
‫الرحيل إلى األراضي المقدسة فإن المشاعر تتأجج أكثر وتروح ّ‬
‫االشتياق والحنين محملة الحجيج تلك الرسائل والمراسيل‪ ،‬بل وقد أفردت له القصائد‬
‫الطوال للتعبير عن مدى قداسية المكان والزمان هناك‪.‬‬

‫وقد ارتبطت مقدمات الشوق إلى البقاع المقدسة بشعر المولديات‪ ،‬وقد‬
‫احتضنته وكانت من اللبنات األساسية في تشكيل بنائها الفني‪ ،‬متضمنة موعد‬
‫اطالقة الركب نحو البقاع ومناجاته وتحميله رسائل الشوق والتحية‪ ،‬مظه ار الحسرة‬
‫لتخلفه وعدم مسيره و ّإياهم ويعبر عن لهفته ومدى ألمه «ومن هنا يجد الشاعر‬
‫فرصته المتداحها والتغزل بها سعيا إلى إضفاء طابع القدسية والتعظيم عليها»‪،1‬‬
‫ومن ذلك يتفرغ غلى المديح النبوي‪ ،‬وهذا ما ظهر في معظم قصائد المولديات بما‬
‫فيهم المولديات في العصر الزياني‪.‬‬

‫وقد أسهمت مقدمة الرحلة إلى البقاع المقدسة في إظهار الشوق والحنين‬
‫وآالم البعد وحسرة البقاء دون الرحيل والسعي مع الركب نحو البقاع‪ ،‬وتعتبر من‬
‫المقدمات التي هملت على بناء المولديات النبوية‪ ،‬وهذا لما لها من صالة واضحة‬
‫في تشكل الموضوع األساسي وهو مدح الرسول واإلشادة بمولده الشريف‪ ،‬وغالبا‬
‫ما تجده يبرر عدم رحيله وما العوائق التي حملته على البقاء مكتفيا بإرسال الرسائل‬
‫التي تنوب عنه وهو يطلب الشفاعة من خاللها منه‪.‬‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬ص‪.77‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫وأبو حمو موسى الزياني يفصح عن ذلك في كذا مولدية نبوية له مبينا تلك‬
‫معب ار عن األسباب التي جعلته ال يسير مع الركب ملخصا‬
‫األشواق والحسرة والندم ّ‬
‫ّإياها في مسؤوليات الحكم وثقلها‪ ،‬وهذا بعد ما يذكر انهمار دموعه ساعة الرحيل‪،‬‬
‫يعبر عن العائق بالذنوب وكثرتها‪ ،‬فيقول في ميميته(‪760‬ه)‪:‬‬
‫وربما ّ‬
‫بين العلمــــــين وبالحــــــــــــــــــــرم‬ ‫**‬ ‫العشـــــــــــــــــــــــــــــاق ركائبــــــــــــهم‬
‫ط ّ‬ ‫حّ‬
‫فما أبغيـــه من القســـــــــــــــــــــــــم‬ ‫**‬ ‫الـــــــــــــدهر تعارضني‬
‫ّ‬ ‫وصــــــــــــروف‬
‫الركب سرى نحو الخيـــــــم‬
‫وّ‬ ‫**‬ ‫الــــدمع جـــــــــــــرى‬
‫قلبي انفطـــــــــــر و ّ‬
‫من أمر حكيم ذي حكــــــم‪1‬‬ ‫**‬ ‫قـــــــــــد قيــــــــــدني مــــــــــــا قلـــــــــــــــــــدني‬

‫وهذا نموذج عن المقدمة في الشوق إلى األراضي المقدسة لمولديات كثيرات‬


‫عبر فيها أصحابها عن مشاعرهم الصادقة التي تفيض شوقا وحنينا متلهفة إلى‬‫ّ‬
‫الربوع هناك والديار والتبرك بقبر الرسول ‪ ،‬وهو األمر الذي يساعدهم مباشرة‬
‫للدخول في المديح النبوي‬

‫ومن خالل ما تبين سابقا من مقدمات فإن الشاعر يحاول االستفادة من كل‬
‫السمات الفنية التي عرفت بها القصيدة العربية ويمزج تجاربه الخاصة بمدح‬ ‫ّ‬
‫النبي(ﷺ)‪ ،‬ولذلك تجد التنوع في تقديمهم لمولدياتهم مابين الطلل والغزل‪ ،‬أو ما هو‬
‫كذلك ويدل على الرمز الديني المتعلق بالنبي‪‬من أماكن مقدسة لها دالالت دينية‪،‬‬
‫أو بالتقديم المحمدي مباشرة وذكر الرحلة إلى البقاع المقدسة وإظهار الشوق فيها‪،‬‬
‫ولذلك تجلت العناصر التي اشتغل عليها الشاعر في مقدمته كالتالي‪:‬‬

‫‪ .1‬التقديم بالطلل والغزل‬


‫بالحب المحمدي والشوق(الرحلة إلى البقاع المقدسة‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬التقديم‬

‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ص‪.109 ،107‬‬


‫‪ -1‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪209‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مقدمة المولدية‬

‫الحب المحمدي(البقاع المقدسة)‬


‫ّ‬ ‫الطلل‪/‬الغزل‬

‫ب‪ .‬المديح النبوي في المولديات النبوية (الموضوع الرئيس)‬

‫نستطيع أن نقول بأن المنطلق األول والموضوع األساسي في المولديات‬


‫النبوية وبغض الّنظر عن مشاعر الشوق والحنين‪ ،‬هو حضرة المصطفى ووقوف‬
‫الشاعر مادحا منبه ار بما حباه هللا به من صفات ِخلقية و ُخلقية والمعجزات وكذا‬
‫الغزوات والسيرة وطلب الشفاعة والعفو والمغفرة من هللا والتوسل‪ ،‬وهو يمتثل لقول‬
‫ّربه في رسوله الكريم(ﷺ)‪﴿ :‬وإّنك لعلى خلق عظيم﴾‪1‬؛ فالشاعر وهو يلقي مولديته‬
‫يهتم بهذا الجانب المهم في بناء القصيدة‪.‬‬

‫يعتبر موضوع القصيدة الغرض الشعري الرئيس الذي من أجله انشئت‪ ،‬ولذلك‬
‫تجد الشاعر يعمد إلى التمهيد ثم االنتقال إلى التحدث عن موضوعه ويختتم‪ ،‬وقد‬
‫تضمن شعر المولديات عدة مواضيع تداولها شعراء المولديات في إطار مدحهم‬
‫للرسول (ﷺ) وتعداد مناقبه والخصال والمعجزات مشيدين بليلة مولده وهو موضوع‬
‫مكمل بالنسبة للموضوع الرئيس ألنه يشكل مرحلة من حياة النبي‪ ،‬وال ينهي هذا‬
‫الجزء إال بعد ذكر ذنوبه وطلبه للشفاعة ثم يعمد إلى الصالة على النبي‪.‬‬

‫إذن فمدح النبي (ﷺ) «من أهم العناصر التي تشارك في بناء موضوع‬
‫المولدية‪ ،‬ويتناول أساسا صفات الرسول (ﷺ) وأخالقه ومآثره حيث يسعى الشعراء‬
‫إلى تتبع تلك الصفات التي تدخل في تشكيل مالمح الشخصية المحمدية»‪ ،2‬وهذا ما‬
‫يتفق عليه شعراء المولدية ويشتركون فيه ولكن هذا ال يعني أننا نق أر صورة واحدة‬

‫‪ -1‬سورة القلم اآلية‪.4 :‬‬


‫‪ -2‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬ص‪.142‬‬

‫‪210‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫للمولديات‪ ،‬وإنما المقام وما يقتضيه الحال لكل تجربة شعرية لشعراء المولدية‬
‫تجعلها تتفرد بخصوصياتها األسلوبية التي يعمل كل شاعر على التفنن فيها حسب‬
‫طريقته‪.‬‬

‫فالثغري في يائيته(‪768‬ه) يرى أن الحبيب هو أفضل الرسل‪ ،‬وقد أرسله هللا‬


‫هاديا للبشرية مبش ار برساالت ربه‪ ،‬وقد شرفه هللا سبحانه وتعالى بالنبوة مكلفا ّإياه‬
‫بالتبليغ للعالمين أجمع‪ ،‬وهو يشيد بمولده المعظم يقول‪:‬‬

‫فــــــأرسلـــــــــه بالحـــــق للخلق هاديــــــــا‬ ‫**‬ ‫نبـــــــــــــــي رآه هللا أفضـــــــــل خلقــــــــــــه‬
‫كل ما كان خافيـــــــا‬
‫فشــــــــــاهد فيها ّ‬ ‫**‬ ‫وأسرى به ليال إلى حضرة العلى‬
‫الدراريا‬
‫كما فضلت شمس النهار ّ‬ ‫**‬ ‫نبي له فضل على كل مرســـــــــــــــل‬
‫ويــــا ليلـــــــة االثنين فقت الليـــــــــاليا‬ ‫**‬ ‫أشهر ربيع حزت كل فضيـــــــــلة‬
‫فللـــــــه مــــا أسنى الحبيب المــــوافيا‪1‬‬ ‫**‬ ‫ويا مولد المختار وافيت زائــــــــــــ ار‬

‫والشاعر إلثراء مولديته البد عليه أن يستمد كل المعلومات المتعلقة بسيرته‬


‫من الموروث اإلسالمي واستلهام تلك األحداث المتعلقة بأيام والدته والمعجزات و‬
‫حتى الكرامات من النصوص المقدسة أو أحداث التاريخ‪ ،‬وهذا ليثبتوا مكانته وفضله‬
‫على الخلق‪ ،‬كما أنهم استفادوا من المفاهيم الصوفية التي تثبت له حقيقة تلك‬
‫الكرمات الربانية‪ ،‬وما يالحظ أن المحاور التي يعتمد عليها الشاعر هنا في هذا‬
‫الجزء ويكثر تداولها في المديح النبوي هي محاور متعلقة حضرة النبي (ﷺ)‪ ،‬وتتمثل‬
‫في‪:‬‬

‫‪ .1‬مدح الرسول(ﷺ) وتعداد مناقبه وخصاله‪.‬‬


‫‪ .2‬تعداد المعجزات‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلشادة بليلة ميالد النبي (ﷺ)‪..‬‬

‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ص‪.373 -371‬‬


‫‪ -‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪211‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ .4‬االعتراف بالعجز عن اإلحاطة بمدح الرسول(ﷺ)‪.‬‬


‫‪ .5‬االعتراف بالذنوب والتقصير وطلب الشفاعة والعفو‪.‬‬

‫وما جمع بين هاته العناصر في محور الموضوع الرئيس وهو مدح الرسول‬
‫وقد‬ ‫(ﷺ) خاصية السرد الحتوائه على «مادة تاريخية غنية باألخبار واألحداث‬
‫استدعاها الشعراء ألجل التسامي بالشخصية المحمدية ومحاولة رسم صورة متعالية‬
‫لهذه الشخصية بحيث تجعل منها نموذجا رفيعا يعلو على كل الخلق»‪ 1‬استقاها‬
‫الشاعر من المصادر التي اعتمد عليها في رصد سيرة الرسول (ﷺ) في مدحه وذكره‬
‫لصفاته ومعجزاته واإلشادة بيوم مولده وهو العنصر األساسي في كل ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫معظم ما ظهر في القصائد المولدية‪ ،‬ومثال على سبيل التمثيل ال الحصر قول‬
‫الثغري في الميته(‪761‬ه)‪:‬‬

‫** وما جال فوق العرش إاله جائل‬ ‫خص باإلســــــــــراء إال محمــــــــــــــد‬
‫وما ّ‬
‫** فأواله إسعـــــافا بمـــا هو سائــــــــــــل‬ ‫هو اخترق ّ‬
‫السبع الطبـــــــــاق لربـــــــــــــه‬
‫** ظواهر ال تبغــــــــــي عليها دالئــــــــــل‬ ‫وكم معجـــــــــــــــــــــــــزات للنبي محمــــــــــــــد‬
‫** نفاخـــــــر من شئنـــــــــا به ونطـــــــاول‪2‬‬ ‫لنا الفخر إذ كّنــــــــــــا به خير أمـــــــــــــة‬

‫وفي ميمية له أيضا يشيد الثغري بالمولد النبوي الشريف سنة(‪770‬ه)‪ ،‬وهو‬
‫الموضوع الذي من أجله نظم شعراء الدولة الزيانية مولدياتهم إحياء لليلة مولد‬
‫الرسول صلى هللا عليه‪:‬‬

‫ختمت به األرسال خير ختــــــــــــــام‬ ‫**‬ ‫سر الوجود وصفـــــــــوة هللا الــــــــــــــذي‬ ‫ّ‬
‫بأجــل شهــــــــــــر أو بأسعـــــــــــد عـــــام‬ ‫**‬ ‫في ليـــــــــلة االثنيــــــــــن أشرق نـــــــــــــــوره‬
‫نورين شمس ضحى وبـــــــدر تمـــــــام‪3‬‬ ‫**‬ ‫أبــــــــدى لنا مـــــن هــــــــدية وجبينـــــــه‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪.347 ،‬‬


‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ج(‪ ،)2‬ص‪.161‬‬
‫‪ -2‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.403 ،402‬‬

‫‪212‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫يقر بذنوبه في مولديته الالمية(‪765‬ه) وهو يلوذ مستشفعا‬


‫وها هو التاللسي ّ‬
‫بالنبي حتى تحط ذنوبه وخطاياه‪ ،‬وهذا في قوله‪:‬‬

‫عزى الّناس سكر من عذاب وأهوال‬ ‫**‬ ‫وهل من شفيــــــــــــــــع غيره يرتجى إذا‬
‫شفــــــــــائي من وعك الذنوب وإباللي‪1‬‬ ‫**‬ ‫بأمداحــــه يـــــا نفس لــــــــــوذي فإنها‬

‫الموضوع الرئيس المديح‬


‫النبوي‬

‫االعتراف بالذنب‬ ‫التقصير في‬ ‫اإلشادة بليلة‬ ‫المناقب‬


‫والشفاعة‬ ‫المدح‬ ‫المولد‬ ‫والمعجزات‬

‫ج‪ .‬المديح السلطاني في المولديات النبوية (الموضوع الثانوي)‬

‫عما يميز المولدية عن باقي المدائح النبوية الموضوع الذي يلي‬


‫وإذا ما بحثنا ّ‬
‫مدح المصطفى(ﷺ) وهو مدح السلطان؛ بحيث يخصص الشاعر المقطع األخير من‬
‫المولدية لمدح الملك الذي يشيد بصنيعه في استعداده وإقامته لالحتفال وتعظيمه‬
‫لليلة المولد النبوي الشريف بما يستحقه النبي(ﷺ) ‪ ،‬وذلك باالعتماد على محاور‬
‫تمثلت فيما يتعلق بــــ‪:‬‬

‫‪ .1‬األخالق والمآثر التي عرف بها السلطان‬


‫‪ .2‬السيرة الحربية واإلشادة بشجاعته وإقدامه‬
‫‪ .3‬اهتمامه وإقامته للمولد النبوي الشريف‬
‫‪ .4‬الختام بالدعاء له وتهنئته بصنيعه في االستعداد بالمولد الشريف‪.‬‬

‫ومن خالل هاته الصفات يشيد الشاعر بالسلطان‪ ،‬وهذا ما عرف به شعراء‬
‫المولدية الزيانيين ومدحهم للسلطان أبي حمو موسى الزياني‪ ،‬وهو مدح صادق‬

‫‪ -1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.291‬‬

‫‪213‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ساروا فيه على نهج القدامى في غرض المدح واإلشادة بما يتعلق بالفضائل‬
‫اإلنسانية والخالل المشهورة التي عرفت عند العرب«ومنها الجمال والبسطة ومنها‬
‫البر واألمانة‬ ‫ِ‬
‫السخاء والشجاعة والحلم والحزم والعزم والوفاء والعفاف و ّ‬
‫في ال ُخُلق و ّ‬
‫والقناعة والغيرة والصدق والصبر والورع‪ ، »...‬وهي تتضمن المثل األعلى التي‬
‫‪1‬‬

‫انطلق منها الشاعر في مدحه لممدوحه وااللتزام بها‪ ،‬وهذا ما يعبر باإلصابة في‬
‫المدح‪.‬‬

‫وقد اختصر قدامة بن جعفر هاته المثل في أربع صفات وهي «العقل‬
‫والشجاعة والعدل والعفة»‪ ،2‬ومن أعملهم في مدحه يعتبر مصيبا‪ ،‬والمتأمل في‬
‫مولديات شعراء بني زيان أن مدحهم للسلطان كان من هاته المنطلقات وجملة‬
‫الصفات إلي تداولونها‪ ،‬وقد جاءت في محورين هما‪ :‬القيم األخالقية والسيرة‬
‫الحربية‪ ،‬وهذا ما ظهر عند معظم شعراء المولدية‪.‬‬

‫جاء المحور األول وهو القيم األخالقية يمثل كل الصفات التي مدح بها شعراء‬
‫المولدية الحاكم السلطان‪ ،‬وهي صفات تمثل المستوى االجتماعي وتعامالته مع‬
‫الرعية وما االنجازات التي قام بها أجل البالد والعباد والدين‪ ،‬والمستوى الديني‬
‫المتمثل ورعه وعدله وفي حماية الدين والبحث عن كل السبل التي يدافع بها كل من‬
‫يهدد استقرار البالد واألفكار‪ ،‬وهو األمر الذي جعله يقيم االحتفاالت الدينية إحياء‬
‫لذكرى المولد النبوي الشريف‪.‬‬

‫أما عن المحور الثاني فتمثل في السيرة الحربية التي عرف به في بالد المغرب‬
‫والدور الذي قام به في استقرار الصراعات التي عمت بالد المغرب ولنصرة الدين‬
‫وحماية اإلسالم‪«،‬من هنا راح الشعراء يستشرفون في ممدوحيهم قيم الحياة‬
‫السياسية فأشادوا بقوتهم وشجاعتهم وبأسهم وبغيرتهم على الدين والوطن‪ ،‬وما‬

‫‪ -1‬محمد أحمد بن طباطبا العلوي‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عباس عبد الستار‪ ،‬دار المتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط(‪،)2‬‬
‫‪2005‬م‪1426-‬ه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -2‬أبو الفرج قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬عبد المنعم خفاجي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫‪214‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫امتازوا به من حنكة سياسية ودهاء حربي»‪ ،1‬لمواجهة الدين النصراني‪ ،‬وهذا من‬
‫العناصر الهامة التي تدخل ضمن المديح السلطاني وتتضمن بصفات الملك القائد‬
‫والبطل ووصف جيشه وعتاده‪.‬‬

‫وهذا ما كان مع السلطان أبي حمو موسى الزياني بحيث أشاد الشعراء في‬
‫مولدياتهم بالمشهد االحتفالي بصنيعه في حماية الدين‪ ،‬وأفردوا له مقطعا في‬
‫المولدية النبوية لمدحه واإلشادة بأخالقه وشجاعته وإقدامه وقوة جيشه فضال عن‬
‫كل هذا مدى األهمية التي أوالها للمولدية النبوية في الجزائر بتلمسان‪ ،‬وقد فاق ذلك‬
‫كل باقي االحتفاالت األخرى‪ ،‬وال يخفى على الباحث في شأن المولديات الزيانية مدى‬
‫التنافس الذي كان بين الشعراء في مدح السلطان ووصفه بما يستحقه من صفات‬
‫أخالقية وأملهم في وصولهم بنظمهم إلى ما يستحقه من مديح وإشادة‪ ،‬وهذا مظهر‬
‫في معظم قصائدهم‪.‬‬

‫ومما يدل على ما ذكرناه قول الثغري في الميته(‪760‬ه)‪ ،‬يصف أفعاله كيف‬
‫وعم في دولته الخير‪ ،‬وقد وصفه باإلمام‪:‬‬
‫أنه حارب الباطل ّ‬
‫محــــــا عن رعيتــــــــــه كـــــــــل باطـــــــــــــل‬ ‫**‬ ‫فذلك موســـــــى اإلمــــــــــام الــــــــــذي‬

‫ومــــــا زال مذ كــــان للخير فاعل‪2‬‬ ‫**‬ ‫در نفيســــــــــــــــــا‬


‫تحلــــــــــــى بـــــــــــــه الملك ّا‬

‫وأما الشاعر الحاج أبو عبدهللا محمد بن أبي جمعة التاللسي‪ ،‬وهو طبيب‬
‫الدولة الزيانية يشيد بمكانة الساطان في موشحته (‪763‬ه)‪ ،‬فيقول في مدحه‪:‬‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.208‬‬


‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ج(‪،)2‬ص‪.121‬‬ ‫‪ -2‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪ ‬محمد بن أبي جمعة بن علي التّاللسي أبو عبد هللا‪ ،‬ال يُعلم تاريخ ميالده‪ ،‬وتوفي بعد(‪767‬ه‪1362-‬م)‪ ،‬هو من‬
‫الزياني الثاني طبيبا له‪ ،‬وهو شاعر وأديب عرف بالمولديات النبوية‬
‫أهل تلمسان‪ ،‬اتخده السلطان أبو حمو موسى ّ‬
‫وإلقائها في االحتفاالت بالمولد النبوي الشريف في الدول ة الزيانية‪( ،‬ينظر عادل نويهض‪ ،‬معحم أعالم الجزائر‪ ،‬ص‬
‫‪.)63‬‬

‫‪215‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الصبــــــــــــــــا عافـــــــــــــــــرات َّ‬


‫الذيــــــــل‬ ‫ريح َّ‬ ‫**‬ ‫الخــــــــــــــــــــل‬ ‫أج َز ْت لنــــــا من ديــــــــــــار‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫يـــــــــــــا أيهــــــــــــــــــا الملك المنصــــــــــــــــــــور‬
‫يا مــــــن لـــــــــــــــه األمــــــــــــــر والتأميـــــــــــــر‬
‫بنصــــركم قد جـــــــــــــرى المقــــــــــــــدور‬
‫ط وقلــــــــــــبي يملـــــــــي‪1‬‬
‫يـــــــــــــدي تخــــــــــــ ّ‬ ‫**‬ ‫في مدحكــــــــم يا زكي األصـــــــــــــــــــــل‬
‫أما عن كاتب الدولة الزيانية أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬فله من القصائد ما‬
‫الرواد في‬
‫يثبت والءه للملك‪ ،‬وهذا ما تجده من أبيات عنده في كتابه بغية ّ‬
‫نونيته(‪ 770‬ه)‪ ،‬إذ يقول مشيدا ومادحا‪:‬‬
‫بــــــــــه ُقضيت للمعلـــــــــوات ديــــــــــــــو ُن‬ ‫**‬ ‫هو الملك المنصور والواحـــــد الذي‬

‫ديـــــن‬
‫ُ‬ ‫فعـــــم الـــــورى عـــــــــــــدل و ِّأيـــــــد‬
‫ّ‬ ‫**‬ ‫بـــــــه هللا أعطى للخــــــــالفة حّقــــــــــــها‬
‫ضــــــــــــــرام وللراجــــــــــــــي الّنــــــــوال معين‬ ‫**‬ ‫فيمنـــــاه يوم الحـــرب والســـلم للعدا‬
‫الرجيـــــــــــــــح فنــــــــون‪2‬‬
‫من العلم والرأي ّ‬ ‫**‬ ‫وشيمتــــــــه الفخــــــــــــر العظيم وعنده‬

‫والوقوف إلى حضرة السلطان يجعل الشعراء يجودون بكل ما لديهم في قرائحم‬
‫الفنية‪ ،‬وهذا ما أشار إليه الدكتور عبد هللا الحمادي إلى جو التنافس في المدح بين‬
‫شعراء المولدية‪ ،‬وهذا ما كان يخلق جوا من التنافس بينهم‪ ،‬ونلمح ذلك مع زكريا‬
‫يحيى ابن خلدون‪ ،*3‬وهو يثبت شاعريته منافسا ال ّثغري شاعر الدولة والبارع في نظم‬
‫المولديات النبوية؛ حيث يقول في بائيته (‪771‬ه)‪:‬‬

‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ‪ ،‬ص‪.222‬‬


‫‪ -1‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.412‬‬
‫عدة منها‬
‫حيا في(‪778‬ه‪1376-‬م)‪ ،‬اشتهر بالفقه والنظم وله ديوان يضم قصائد ّ‬ ‫* أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬وكان ّ‬
‫المديح النبوي‪ ،‬اتّخده السلطان أبو حمو مؤرخ الدولة الزيانية‪( ،‬د‪ .‬محمد أحمد درنيقة‪ ،‬معجم أعالم شعراء المدح‬
‫النبوي‪ ،‬تقديم‪ :‬د‪.‬ياسين األيوبي‪ ،‬منشورات مكتبة الهالل للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،2003 ،‬ص ‪.).439‬‬

‫‪216‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تــــــــــــزف بمغنــــــاك العلــــــــي عن الشهب‬


‫ّ‬ ‫**‬ ‫ودونك من نسل القريض كريمــــــــــــــة‬
‫بديعة نظم من عروض ومن ضــــرب‬ ‫**‬ ‫أتتك كمـــــا شــــــــــاء الكمــــال كريمــة‬
‫الدنيـا ففقت بها صحبــــــــــــي‬ ‫لدى ملك ّ‬ ‫**‬ ‫الســـــماطين منشـــــدا‬
‫وقفت بهـا بين ّ‬
‫ِ‬
‫ـــــــــــرب‪1‬‬‫فليس لها فيما يقولــــــــــــون من ِت‬ ‫كل شاعــــر **‬‫وبــــــــان بهــا فضلي على ّ‬

‫الموضوع الثانوي مدح‬


‫السلطان‬

‫التهنئة والختام‬ ‫استعداده للمولد‬ ‫السيرة الحربية‬ ‫األخالق والمآثر‬


‫بالدعاء‬
‫د‪ .‬خاتمة المولدية‪:‬‬

‫إن آخر ما ينهي به الشاعر مولديته تهنئة السلطان لكل اإلنجازات التي قام‬
‫وّ‬
‫بها‪ ،‬وفي العرف النقدي البد أن للشاعر أن يأتي بكلمات يستقطب بها المتلقي‪،‬‬
‫ولذلك كان لها من األهمية ما يجعل الشاعر يهتم اهتماما كبي ار بها ويعمل على‬
‫حسن التخلص من الموضوع إليها‪ ،‬مدرك أن االنتهاء هو أساس القصيدة وآخر ما‬
‫يبقى في خلد المستمع‪ ،‬ولذلك تجد الشاعر ينتقي لصياغتها الصياغة المحكمة‬
‫والّلفظ الرقيق والعذب في الدعاء للسلطان وتهنئته بصنيعه وافتخار الشاعر بنظمه‬
‫أو التصلية على النبي(ﷺ) والتضرع إلى هللا ‪.‬‬

‫وللمولدية النبوية صورتان من الخاتمة حسب ما تحتويه من عناصر؛ فهناك‬


‫الخاتمة (المفردة)؛ تتحدث عن عنصر واحد‪ ،‬وهناك المركبة وتحتوي على عدة‬
‫عناصر؛ والتاللسي في مولديته الالمية (‪760‬ه) يمثل الصورة األولى(الخاتمة‬

‫الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ج(‪ ،)2‬ص‪.439‬‬


‫‪ -1‬أبو زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية ّ‬
‫‪217‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المفردة)‪ ،‬ويشيد بالملك أبي حمو موسى الزياني وثباته في أمر الحكم‪ ،‬وهو يدعو‬
‫له مفتخ ار بشجاعته‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫بطــــــائل‬
‫ْ‬ ‫يـــــــــــداهم بمـــــــــــــــا قد حوتـــــه‬ ‫**‬ ‫دع المعتــــديـــــــــــن فما ظفــــــــــــرت‬
‫ائــــــــــــــل‪1‬‬
‫ْ‬ ‫وملككـــــــــــم ثابتا غيـــــــــــــر ز‬ ‫**‬ ‫فـــــــــــال زال أمركـــــــــــــــم نافــــــــــــــــــذا‬

‫أما عن الصورة الثانية‪ ،‬فتبدو في مولدية الثغري الميمية (‪770‬ه)‪ ،‬وهو يجمع‬
‫بين عنصرين هما اّلدعاء للسلطان والفخر بالشاعرية والّتصلية على النبي(ﷺ) داعيا‬
‫بالسعادة ودوام العلو والمكانة الرفيعة التي ليس لها مثيل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫له ّ‬
‫في غبطــــة موصــــــــــــــــــولة بــــــــــــــــــدوام‬ ‫**‬ ‫فاسلـــــــم أميــــــر المؤمنين مؤيــــــــدا‬

‫‪2‬‬
‫مسام‬
‫سام وال لك في الملــــــــــــــوك َ‬ ‫**‬ ‫دامت عالك فليس مثلك في العال‬

‫يشبهه‬
‫ثم تجده يفتخر بنظمه ألجل السلطان أبي حمو موسى الزياني‪ ،‬وهو ّ‬
‫بالروضة الغناء التي تستمد خضرتها منه‪ ،‬وفي األخير يصلي على النبي(ﷺ)‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫الفياض صوب غمــــام‬ ‫من جودك ّ‬ ‫**‬ ‫جاده‬


‫واقطف من األشعار روض َ‬
‫قصــــــر الخطا عنــــــــــــها أبو تمــــــــــــام‬ ‫**‬ ‫وإليك من سحــــــــــر البيان بدائعا‬
‫فض ختــــــــام‪3‬‬
‫نفحـات مســـــــك عند ّ‬ ‫**‬ ‫تمت بذكــــــــر المصطفى فكأنها‬
‫ُخ ْ‬

‫ثالثا‪ :‬بناء شكل المولديات النبوية‬

‫ومنذ القدم قد أقامت القصيدة العربية ذلك التعاضد الذي يقيم لها بناء كيانها‬
‫ونوهت بضرورة التالحم بين الشكل والمضمون‪ ،‬وبعدما رأينا‬ ‫من البداية إلى النهاية‪ّ ،‬‬
‫البناء المضموني الذي يميز المولدية النبوية وهيكلها العام بالنسبة لما احتواه من‬

‫‪ -1‬زكريا يحيى بن خلدون‪ ،‬بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬ج(‪ ،)2‬ص‪.122‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.406‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.407‬‬

‫‪218‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ومعان‪ ،‬فإنه البد من ربطه بالبناء الشكلي المتمثل في تلك‬


‫ٍ‬ ‫مضامين وموضوعات‬
‫المحاور الكبرى التي تضم اللغة واألسلوب والصورة والموسيقى‪.‬‬

‫فقيمة الّنص وجودته الفنية تتشكل من تلك األدوات الفنية التي يستلها الشاعر‬
‫ألجل بناء موضوعاته التي يريد التعبير عنها وتقديمها في أحسن الحلل وأجمل‬
‫األثواب‪ ،‬فيثباحث بهذا في عناصر التشكيل الشعري ويستقصي الكيفية التي بها‬
‫يضمن بها لنصه الشعري الجودة والتفاعل مع المتلقي‪ ،‬وبالتالي يضمن الجودة‬
‫الفنية إلبداعه توصله إلى عالم القارئ و مدى تعامله معه‪ ،‬السيما حين يرتبط األمر‬
‫بالمولدية النبوية ألن موضوعها عظيم له قداسته الدينية التي تحمل الشاعر على‬
‫التسخير الفني المحكم والدقيق لتوصيل مقاصده به للمتلقي‪.‬‬

‫فإذا ما تعلق األمر بالبناء الفني الخاص بالمولديات النبوية‪ ،‬فإنه البد من‬
‫االنتقاء المناسب لألدوات الفنية التي «يلبسها الشاعر من روحه ومواقفه ورؤاه ما‬
‫يجعلها كفيلة بأداء المعنى وتوصيل الفكرة بطريقة آسرة متميزة تبتعد عن النثرية‬
‫وتخترق األداء المعجمي إلى آفاق أرحب»‪ ،1‬ومن هنا فإن أول ما نالحظه في‬
‫انتقاء الشاعر للمعجم الشعري الخاص بمولديته حضور التجربة الشعرية الخاصة‬
‫بشعراء المولدية اللغة تعبر عن الحالة النفسية والوجدانية في مدح النبي (ﷺ)‬
‫ساعة الإلبداع والموقف الذي يعيشونه من جراء مشاعر الشوق والحنين إلى‬
‫يعبر من مفردات عن تلك‬
‫حضرته وحالة البعد التي تحمله على استحضار كل ما ّ‬
‫الحب والتبجيل بعظمة النبي(ﷺ) وذكر‬
‫ّ‬ ‫المشاعر واألحاسيس‪ ،‬باإلضافة إلى عاطفة‬
‫تعبر عن تفرده الرباني في معجزاته وسيرته النبوية وكذلك عاطفة‬ ‫المفردات التي ّ‬
‫اإلشادة بالسلطان الذي أقام االحتفال بالمولد النبوي والتحضير له واالهتمام به‪.‬‬

‫ولذلك فإن هاته المواقف والتجربة الروحانية والوجدانية التي يمر بها الشاعر‬
‫في مولدياته تثبت دورها األساسي في صياغة اللغة الشعرية وانتقاء المفردات‬
‫والمعجم من خالل تحكم الشاعر في التوظيف انطالقا من طبيعة الكلمات ومناسبتها‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.231‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ألفكاره وما يختلج في نفسه‪ ،‬والمتأمل في اللغة الشعرية للمولديات يجدها إلى‬
‫المعجم الديني والمعجم القديم أميل بحكم المرجعية التي البد عليه أن تتشكل عنده‬
‫ألن األمر متعلق بحضرة الرسول (ﷺ) وبما سّنته القصيدة العربية في اللغة‬
‫والكلمات‪.‬‬

‫فالجانب الديني الذي يجمع ما بين النص القرآني الكريم والنص النبوي‬
‫نبيه‬
‫واألحاديث وكل ما يتعلق بالسنة والسيرة النبوية والصفات التي وصف بها هللا ّ‬
‫في النص القرآني‪ ،‬وهذا يعتبر مادة مدحية غنية بالنسبة للمولديات متعلقة بالمديح‬
‫النبوي‪ ،‬فيستلهم منها الشاعر اللغة القرآنية للتعبير عن مناقب الرسول‪ ‬ومآثره‬
‫واألشادة برسالته للعالمين‪ ،‬وهذا مثل الكلمات[محمد‪ ،‬أحمد‪ ،‬النور‪ ،‬الهدى‪ ،‬الحبيب‪،‬‬
‫الشفيع‪ ،‬الرؤوف‪ ،‬رحمة للعالمين‪ ،‬خاتم النبيين]‪ ،‬أما ما يتعلق بالمعجزات فنجد‬
‫الشعراء يتداولون المفردات الخاصة بتلك اآليات والعالمات النبوية [شق الصدر‪ ،‬حن‬
‫الجذع‪ ،‬إيوان كسرى‪ ،‬نار فارس‪ ،‬اإلسراء والمعراج]‪ ،‬وهنا تحضر مفردات عالم‬
‫التصوف في التعبير عن العناية اإللهية للنبي(ﷺ)‪ ،‬وما يتعلق بالعبد من المناجاة‬
‫واالستشفاع وإقرار التقصير وكثرة الذنوب واالستجارة للعفو المغفرة‪.‬‬

‫أما ما يتعلق بالمعجم القديم للمفردات فهذا يرجع إلى النهج الذي سارت عليه‬
‫المولدية النبوية في التقديم وتجربة البعد عن الديار والنأي ومشاعر الشوق‬
‫والحنين‪ ،‬وهنا تجد شاعر المولديات يستقي مفرداته من مصادر قاموس اللغوي‬
‫الخاص بالقصيدة القديمة؛ حيث تجد نفس القدامى في التقديم ودالالت الطلل والغزل‬
‫والرحلة حاضرة على مستوى مقدمات المولديات‪ ،‬ومدى إسهامها في تشكيل المعجم‬
‫الشعري للمولديات إلى جانب القاموس الديني‪ ،‬فيكثر حضور اللغة القديمة وما له‬
‫عالقة بالبيئة العربية القديمة أنذاك[الصحراء‪ ،‬الفيافي‪ ،‬المرابع‪ ،‬الربع‪ ،‬الحمى‪،‬‬
‫األطالل‪ ،‬الرسوم‪ ،‬الوصل‪ ،‬الهجر‪ ،‬النحيب‪ ،‬السهاد‪ ،‬الصبابة‪ ،‬النوى‪ ،‬الهيام‪ ،‬الوشاة‪،‬‬
‫الركب‪ ،‬الحادي‪ ،‬العيس‪ ،‬النوق‪.]...‬‬

‫‪220‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أما ما يتعلق بمدح السلطان في المقطع األخير بالمولدية‪ ،‬فنجد لغة المدح‬
‫للقصيدة العربية أكثر حضو ار في هذا الجزء؛ حيث نجد المفردات الخاصة بالسيرة‬
‫الخلقية[العدل‪ ،‬الدين‪ ،‬العطاء‪ ،]... ،‬ومفردات متعلقة بمجال الحرب [الوغى‪،‬‬
‫وكل ما يتعلق‬
‫الرماح‪ ،‬الحسام]‪ّ ،‬‬
‫الشجاعة‪ ،‬اإلقدام‪ ،‬الطعان‪ ،‬الذوابل‪ ،‬النصول‪ّ ،‬‬
‫بالمديح السلطاني من مفردات التهنئة واإلشادة بشخصه وصنيعه إلى اخاتمة‪ ،‬وهاته‬
‫المفردات كلها تعمل على توضع اللغة الشعرية الخاصة بالمولديات وما انمازت به‬
‫السياق في الجزئية‬
‫من رقة وجزالة وليونة وقوة حسب الموقف النفسي ومقتضى ّ‬
‫التي يعالجها سواء أكان مدحا للنبي(ﷺ) أم مدحا للسلطان الحاكم‪.‬‬

‫وفي هذا داللة على العناية الكبرى عند شعراء المولدية النبوية في تشكل‬
‫توزعت في النص ما بين القاموس القديم‬‫الثروة الغنية بالمفردات والكلمات التي ّ‬
‫والقاموس الديني مما يؤكد على الطرح التقليدي الذي عرفت به القصيدة العربية‪،‬‬
‫وهذا ما ظهر على مستوى المحاور الثالث‪ ،‬وما يتطلبه كل محور وانتقاء ما يناسبه‬
‫تعبر عن مضامينه متناغما مع الموقف النفسي والفكرة‬
‫من المعاني والدالالت التي ّ‬
‫المرادة‪.‬‬

‫يخص الصورة الشعرية‪ ،‬فإن شاعر المولديات ال بد من أن يحرص‬


‫ّ‬ ‫أما في ما‬
‫ّ‬
‫عبر عناه المعجم الشعري ولكن بطريقة‬
‫ّ‬ ‫التي‬ ‫األحاسيس‬ ‫و‬ ‫األفكار‬ ‫تقريب‬ ‫على‬
‫يعمل ما يثير انتباه القارئ ويتجسم له ويتشخص المعاني حتى تتمكن‬
‫الشاعر وهو ُ‬
‫في األذهان‪ ،‬وهذا أمر «هام داخل البناء الشعري بحيث يتم من خاللها تجسيد‬
‫المعنى وتوضيحة وتقديمه بالكيفية التي تضفي عليه جانبا من الخصوصية‬
‫حسيا مشبعا بالعاطفة والشعور‪ ،‬وهذا‬
‫والتأثير» فتقدم هاته المادة اللغوية تقديما ّ‬
‫‪1‬‬

‫من اختصاص الصورة الشعرية التي تجد الشاعر يتوسل بها ألجل هذا التقديم عن‬
‫المواقف واالنفعاالت ألنها من أهم أدوات التشكيل الشعري في القصيدة العربية‪.‬‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.371‬‬

‫‪221‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ولذلك فإن الصورة الشعرية تنقل التجربة التي يعيشها الشاعر اتجاه‬
‫الموضوع بشكل يجعلهما أكثر تفاعال في فضاء الصورة والذات المبدعة وهو مفعم‬
‫بالمشاعر والعاطفة والمواقف النفسية ليحمل معه ذلك األثر الفني لفعل االستجابة‬
‫لدى المتلقي إثارة مشاعره‪ ،‬وللمولديات ما لها في هذا الشأن على اعتبار الطبيعة‬
‫الدينية التي على أساسها يتم التقديم‪ ،‬بحيث تستمد مالمحها ومصدر قوتها من‬
‫المعين الديني‬

‫فال ننسى أن أمر المولديات متعلق بذكرى المولد النبوي الشريف‪ ،‬وفيه ما‬
‫يفتحه الشاعر من مجال الشوق والحنين والحب المحمدي وكذا تعظيم مكانة‬
‫الرسول(ﷺ) ومدحه وذكر مناقبه وخصاله‪ ،‬واإلشادة بصنيع السلطان الحاكم وخدمته‬
‫للدين والدولة‪ ،‬وهذا ما يثبت المصادر التي جعلت الصورة الشعرية لدى شعراء‬
‫المولدية مفعمة وحيوية بمصادر ثالت تعتبر المسؤولة على تشكيل الصورة الشعرية‬
‫البيانية منها والبديعية عند شعراء المولدية النبوية وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬المصدر القرآني‬
‫‪ .2‬المصدر الصوفي‬
‫‪ .3‬المصدر الشعري العربي القديم‬

‫وهنا تتشكل الصورة من معين يتخذ من أنواعها التي تحضر حسب مهمتها‬
‫وما يتطلبه الموقف ومقتضيات الحال من خالل محوريين هما محور الصور البيانية‬
‫المتمثلة في الصورة التشبيهية والصورة االستعارية والصورة المجازية والصورة‬
‫الكنائية‪ ،‬وأما المحور الثاني فيتمثل في الصور البديعية التي تظهر في الصورة‬
‫البديعية الجناسية أو الطباقية أو في المقابلة وغيرها من الصور المشكلة لطبيعة‬
‫الصورة الشعرية في المولدية النبوية‪.‬‬

‫وكل ما تحدثنا عنه من لغة شعرية ومعجم وصور شعرية ال يمكن تقديمه‬ ‫ّ‬
‫بحضور النص الشعر الشعري إال فيما يناسبه من لغة اإليقاع والنغم الموسيقين‬
‫السماع‪ ،‬فيحضر العالم‬
‫والتي تضفي لتلك الداللة متعة الطرب والصوت ورقة ّ‬
‫‪222‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الخاص بالقافية والوزن وما لهما باإلضافة إلى العناصر الموسيقى الداخلية من‬
‫تشكيل الصرح المعماري للنص الشعري تشكيال يبعث باالنسجام واالتساق الصوتي‪،‬‬
‫وتقديم الرؤية الموسيقية بما يناسب مواضيع المولدية النبوية بشقيها الموسيقى‬
‫الداخلية والموسيقى الخارجية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬خاتمة‬

‫السمات التي تنماز‬


‫للدراسة من خالل البحث عن المميزات الفنية و ّ‬ ‫وما يتراءى ّ‬
‫بها المولديات النبوية أثناء إلقائها في أجواء االحتفال بالمولد النبوي الشريف‪ ،‬هذه‬
‫النتائج المتمثلة في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬كان للمولدية النبوية األثر األكبر في انتشار المديح النبوي في األدب‬


‫الجزائري القديم‪ ،‬وحيوية النص المدحي النبوي وتنوعه في صور متعددة غير التي‬
‫ُعرف بها؛ بحيث ال يحضر شخص النبي (ﷺ) فيها إنما مشاعر الشوق والحنين‬
‫يعبر عن‬
‫المشرف‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫ّ‬ ‫وبعده عن المقام المحمدي‬
‫المعبرة عن حال الشاعر ُ‬
‫ّ‬
‫خصوصية المولديات النبوية المغاربية عموما‪ ،‬وكذا حضور المدح السلطاني الذي‬
‫كان له اهتماماته الكبيرة بمثل هذا اليوم الكبير احتفاء وتبجيال‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫تمر بها‬
‫المقصد الديني الذي تداعته الظروف السياسية واالجتماعية التي كانت ّ‬
‫الفترة ذلك الوقت‪.‬‬

‫أن للمولديات تشكيال فنيا متنوعا يجعلها تماما كما القصيدة العربية القديمة‬
‫‪ّ -‬‬
‫تزهى بحلتها الجمالية التي تجسد رؤيتها الفنية ومخططها األسلوبي الذي يضعها‬
‫في سياقها المناسب ومقامها المطلوب حتى تنجح معها مسألة االستيعاب الجمالي‬
‫للمتلقي ومدى تأثره وتفاعلها مع هاته الرؤية‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كان المنطلق ذكرى المولد النبوي الشريف وحضور المقام المحمدي في‬
‫المولديات الّنبوية‪ ،‬فإن هذا يستحق جهدا فنيا على مستوياته األسلوبية المختلفة‪،‬‬
‫وجهدا أدائيا أثناء إلقائها ألن المشهد االحتفالي الذي ألقيت فيه يبعث على ظاهرة‬

‫‪223‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أدبية تتعلق حيثياتها بموقع العملية األدبية واإلبداعية في نفس المتلقي‪ ،‬وهي‬
‫مسألة تنتظر حظها من البحث والنقدي الجاد‪.‬‬

‫‪ -‬لقد تمتعت المولديات النبوية بتأثيرها الّنفسي الكبير في نفس المتلقي‪ ،‬نظ ار‬
‫للعطاء الفني واألدائي الذي عرفت به‪ ،‬وإذا ما تحدثنا عن الوضعية العامة للمدائح‬
‫النبوية في األدب العربي الحديث‪ ،‬فهل تراها قد حافظت على ذلك الصدى كما كانت‬
‫تشهده في ليالي االحتفال بالمولد النبوي في السابق؟ وهل تقام لها مثل هاته‬
‫األجواء من حيث االهتمام واإلبداع وحتى الّتلقي؟ هذا ما يحتاج مّنا إلى البحث عن‬
‫حال المولديات النبوية في األدب العربي الحديث والمعاصر‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬


‫• القرآن الكريم برواية اإلمام ورش عن اإلمام نافع‪.‬‬
‫‪ .1‬أحمد موساوي‪ ،‬المولديات في األدب الجزائري القديم عهد تلمسان الزيانية‪،‬‬
‫موفم للنشر والتوزيع‪( ،‬د‪،‬ط)‪.2008 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن جبير‪ ،‬رحلة ابن جبير‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪( ،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .3‬أبو زكريا يحيي بن خلدون‪ ،‬بغية الرواد في ذكر الملوك بني عبد الواد‪ ،‬تح‪:‬‬
‫بوزياني الدراجي‪ ،‬ج(‪ ،)2‬دار األمل للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪(،2007‬د‪،‬ط)‪.‬‬
‫‪ .4‬زكي مبارك‪ ،‬المدائح النبوية في األدب العربي‪ ،‬مصر الجديدة ‪1354‬ه‪-‬‬
‫‪1935‬م‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ .5‬شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني‪ ،‬نفح الطيب من غصن‬


‫األندلس الرطيب‪ ،‬تح‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪(،‬د‪،‬ط)‪1408 ،‬هـ‬
‫‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬عادل نويهض‪ ،‬معجم أعالم الجزائر‪ ،‬من صدر اإلسالم حتى العصر الحاضر‪،‬‬
‫مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة والنشر‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط(‪،)2‬‬
‫‪1400‬هـ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬أبو العباس سيدي أحمد بن عمار‪ ،‬نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب‪،‬‬
‫مطبعة فونتانة‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬سنة ‪1320‬ه‪1902-‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬عبد الحميد حاجيات‪ ،‬أبو حمو موسى الزياني‪ ،‬حياته وآثاره‪ ،‬الشركة الوطني‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د‪،‬ط)‪.1982 ،‬‬
‫‪ .9‬د‪.‬عبد هللا حمادي‪ ،‬دراسات في األدب المغربي القديم‪( ،‬ط)‪ ،1‬دار البعث للنش‬
‫والتوزيع‪1406 ،‬هـ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬فاطمة عمراني‪ ،‬المدائح النبوية في الشعر األندلسي‪ ،‬مؤسسة المختار للنشر‬
‫والتوزيع‪،‬ط(‪1432 ،)1‬ه ‪2011-‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬أبو الفرج قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬عبد المنعم خفاجي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ .12‬ابن قتيبة‪ ،‬الشعر والشعراء‪ ،‬تح‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬ج(‪ ،)1‬دار الحديث‬
‫القاهرة‪ ،‬سنة ‪1427‬ه‪2006 -‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬لسان الدين بن الخطيب‪ ،‬اإلحاطة في أخبار غرناطة‪ ،‬ج(‪ ،)3‬تح‪ :‬محمد عبد‬
‫هللا غنان‪ ،‬مكتبة الخانجي بالقاهرة‪ ،‬ط(‪1395 ،)1‬ه‪1975 -‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬لسان الدين الخطيب‪ ،‬نفاضة الجراب في عاللة اإلغتراب‪ ،‬ج(‪ ،)3‬تق‪ ،‬تح‪:‬د‪.‬‬
‫السعدية فاعية‪( ،‬د‪،‬ت)‪( ،‬د‪،‬ط)‪.‬‬
‫‪ .15‬د‪.‬محمد أحمد درنيقة‪ ،‬معجم أعالم شعراء المدح النبوي‪ ،‬تقديم‪ :‬د‪.‬ياسين‬
‫األيوبي‪ ،‬منشورات مكتبة الهالل للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪.2003 ،‬‬
‫‪ .16‬محمد أحمد بن طباطبا العلوي‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عباس عبد الستار‪ ،‬دار‬
‫المتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط(‪2005 ،)2‬م‪1426-‬ه‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ .17‬د‪ .‬محمد زالقي‪ ،‬بناء القصيدة المولدية في المغرب اإلسالمي‪ ،‬دار بهاء‬
‫الدين للنشر والتوزيع‪( ،‬د‪،‬ط)‪.2013 ،‬‬
‫‪ .18‬محمد بن عبد هللا التنسي‪ ،‬تاريخ بني زيان ملوك تلمسان‪ ،‬تح‪ :‬محمود‬
‫بوعياد‪ ،‬وزارة الثقافة‪( ،‬د‪،‬ط)‪.2007 ،‬‬
‫‪ .19‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المكتبة التوفيقية للطباعة‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪( ،‬د ‪،‬ت)‪.‬‬
‫المواقع االلكترونية‪:‬‬
‫‪ .1‬جميل حمداوي‪ ،‬شعر النبوي المديح في األدب العربي‪ ،‬مقال بالشبكة‬
‫الموقع‪:‬‬ ‫‪،2007‬‬ ‫سنة‬ ‫العرب‪،‬‬ ‫ديوان‬ ‫المعلوماتية‪،‬‬
‫‪.http://www.diwanalarab.com‬‬

‫‪226‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المكان ودالالته التراثية في رواية مملكة الزيوان لحاج أحمد‬


‫الصديق‬

‫رابح زهراء ‪ ،‬طالبة دكتوراه بجامعة أدرار‬


‫البريد اإللكتروني‪zizozozou@gmail.com :‬‬ ‫•‬

‫الملخص‪:‬‬
‫يتناول الموضوع الذي بين أيدينا الحديث عن المكان ودالالته على المستوى‬
‫النظري والتطبيقي من خالل رواية مملكة الزيوان لحاج احمد الصديق ‪،‬‬
‫حيث تم االنطالق من مفهوم المكان الذي يعتبر أهم عنصر من العناصر‬
‫الفنية للرواية ‪ ،‬فهو الذي تجري فيه الحوادث وتتحرك فيه الشخصيات ‪،‬وكذا‬
‫دالالته وأبعاده ‪ .‬فعلى هذا األساس تم توظيف هذه المفاهيم النظرية‬
‫والكشف عنها في رواية مملكة الزيوان والتي نجدها قد تنوعت وتعددت فمنها‬
‫ما دل على تجسيد األصالة والتمسك بالهوية والعادات والتقاليد‬
‫كالبيت_والزقاق ومنها ما دل على المعاصرة والتطور كالوالية والعاصمة ‪،‬‬
‫أما البعض اآلخر فقد دل على الجانب المقدس في المنطقة كالمسجد‬
‫وأضرحة األولياء‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬المكان‪ ،‬التراث‪ ،‬مملكة الزيوان‪.‬‬

‫‪227‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Abstract:

The topic speaks about the setting and its concepts theoretically and
practically speaking according to Hadj Ahmed Essaddik novel «
Mamlakat Ezziouan » In which he starts from the concept of « the
setting » which is considered one of the most important elements of
a novel. The setting is concerned with the place where the events
happen and the characters moved. Thus the selection of this
theoretical concepts is based
on this rules and used in « Mamlakat Ezziouan » novel. The
concepts are vorious some of them reffer to customs , habits and
preserving identity and traditions for example « House , Zekak »
and others reffer to modernity and progress for example capital,
wilaya… More over some others refer to holy places in the region
as the mosque and the tombs of sacred people « Awliaa ».

228
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تقديم‪:‬‬

‫لقد اهتم الفكر اإلنساني على مر العصور بالمكان‪ ،‬وتعددت الدراسات‬


‫المعرفية والفلسفية والفيزيائية ‪،‬والدينية واألدبية التي تناولته في سياقها ‪ ،‬وفي‬
‫العقود الثالثة األخيرة من القرن الماضي عني علم السرد بالمكان وطوره بوصفه‬
‫تقنية سردية أساسية لها أهمية كبيرة في الرواية ‪ ،‬ليس ألنه عنصر من عناصرها‬
‫الفنية أو ألنه المكان الذي تجري فيه الحوادث وتتحرك فيه الشخصيات ؛ بل ألنه‬
‫يتحول في بعض األعمال المتميزة إلى فضاء يحتوي كل العناصر الروائية بما فيها‬
‫من حوادث وشخصيات وما بينها من عالقات‪ ،‬ويرى الناقد حسن بحراوي بأنه ليس‬
‫عنص اًر زائداً في الرواية؛ فهو يتخذ أشكاال ويتضمن معاني عديدة ‪ ،‬وقد يكون في‬
‫بعض األحيان هو الهدف من وجود العمل الروائي كله؛ اذ ال بد منه لفهم اإلطار‬
‫العام سواء أكان ذلك حقيقة أم خياالً‪ .‬ولما ارتبط المكان باألديب راح بطبعه بطابعه‬
‫ويصقله بقالبه ألنه جزء ال يتج أز من الرواية فهو سبيل السارد إليصال الملتقي إلى‬
‫فضاء األحداث وفهم مجرياتها ؛ لذا اتخذه عدد من الروائيين محو ار رئيسيا في‬
‫قصصهم لتتبع أبعاده ودالالته ؛ ومن هنا جاء اختيار عنوانا لهذا البحث ( المكان‬
‫ودالالته التراثية في رواية مملكة الزيوان لحاج احمد الصديق ) ‪ .‬ومن خالل هذه‬
‫الصفحات التي بين أيدينا سنحاول اإلجابة عن إشكالية مفادها‪ :‬كيف وظفت رواية‬
‫مملكة الزيوان المكان ؟ و ما هي دالالته وأبعاده في الرواية ؟ وذلك وفق العناصر‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -I‬مفهوم المكان وأهميته‪ -II ،‬أبعاد المكان‪ -III ،‬المكان ودالالته التراثية في‬
‫رواية مملكة الزيوان‪.‬‬

‫مفهوم المكان‪:‬‬ ‫‪I‬‬

‫لغة‪ :‬ال تختلف المعاجم العربية في مجملها على ما أسند للفظة مكان من معنى‪،‬‬
‫فنجدها في لسان العرب البن منظور تحت الجذر (كون) فقال‪ :‬والمكان الموضع‬

‫‪229‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫والجمع أمكنة كقذال وأقذلة‪ ،‬وأماكن جمع الجمع ‪.‬فقال ثعلب‪ :‬يبطل أن يكون مكان‬
‫فعاال ألن العرب تقول كن مكانك وقم مكانك واقعد مقعدك فقد َد َّل هذا على أنه مصدر‬
‫من كان أو موضع منه‪.1‬‬

‫ويذهب "الزبيدي" إلى أن «المكان اشتقاقه من كان يكون ولكنه لما كثر في الكالم‬
‫َصارت الميم كأنها أصلية»‪.2‬وعليه فاألرجح أن يكون ''المكان'' مشتق من (كون)‬
‫على وزن مفعل من الكون كموضع ومقعد وليس فعال من التمكن ألن كون جذر‬
‫ينطوي على داللة اإلخبار عن حدوث وجود شيء وكونه تكويناً أحدثه هللا تعالى‬
‫مكون األشياء أي مخرجها من العدم إلى الوجود والتكوين إخراج المعدوم من العدم‬
‫إلى الوجود ومنه فالمكان جمع أمكنة وأمكن وجمع الجمع أماكن وهو مفعل من‬
‫الكون‪.‬‬

‫ووردت اللفظة في التنزيل الحكيم في قوله تعالى «وأذكر في الكتاب مريم إذا‬
‫انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً»‪ ،3‬بمعنى المستقر‪ ،‬ووردت بمعنى المنزلة الرفيعة في‬
‫آيات عديدة منها قوله تعالى «ورفعناه مكاناً علياً »‪ ،4‬ويقال الناس على مكانتهم‬
‫أي على استقامتهم‪5.‬وفي قوله تعالى « ان ربكم هللا الذي خلق السماوات واألرض‬
‫في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل والنهار يطلبه حثيثا والشمس‬
‫‪6‬‬
‫والقمر والنجوم مسخرات بأمره أال له الخلق واألمر تبارك هللا رب العالمين »‬

‫‪-‬ينظر ابن منظور‪ :‬لسان العرب مج ‪ ، 06‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪.83‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬الزبيدي‪ :‬تاج العروس مج ‪ ،18‬باب النون‪ ،‬تحقيق على بشري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1994‬ص ‪.488‬‬
‫‪-‬سورة مريم‪ :‬اآلية ‪.16‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬سورة مريم‪ ،‬اآلية ‪.57‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬الرازي‪ :‬مختار الصالح‪ ،‬تحقيق مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار الهدى للطباعة والنشر عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،1990‬ص ‪.399‬‬
‫‪-‬سورة مريم االية ‪54‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪230‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ومن هنا نلحظ عالقة المكان بالزمان فقد بدا الخلق بإيجاد مكان متشكل في‬
‫زمان وهللا سبحانه ( يمكن )‬

‫الكائنات في األرض أي يجعل لها أماكن تستقر فيها وتتحرك ‪ .‬وهكذا نجد‬
‫داللة المكان على التموضع ووجود المخلوقات في مكان دائم سواء كان هذا الوجود‬
‫ثابت المكان ام متغيره وعليه فان األحداث ال تقع إال ضمن مكان ‪.‬‬

‫مفهوم المكان اصطالحا‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫لقد تعددت المجاالت العلمية واألدبية التي درست المكان ؛ منها الجغرافية‬
‫والفلسفية والنقد األدبي ‪ ،‬كما حظي المكان باهتمام الفالسفة والنقاد قديما ‪ ،‬وقدموا‬
‫له تعريفات عديدة ؛ فقد عرفه افالطون بأنه « الحاوي للموجودات المتكاثرة ‪ ،‬ومحل‬
‫التغير والحركة في العالم المحسوس »‪ ، 1‬ويتابع ارسطو ما ذهب اليه افالطون‬
‫فيعرفه بقوله « الحاوي األول ‪ ،‬وهو ليس جزءا من الشئ ألنه مساو للشئ المحوي‬
‫(‪ )...‬وهناك المكان الخاص (‪ )...‬والمكان المشترك »‪ .2‬إذن فالمكان عندهما مدرك‬
‫حسي ويحتوي األشياء ‪ ،‬وال انفصال بينه وبين الشئ الذي يحتويه‪.‬‬

‫أما المكان في األدب فانه ال يفهم من خالل وصفه المادي المجرد فحسب ألن‬

‫األديب‪ ،‬وخاصة الروائي يتعامل معه بخياله الواسع وأحاسيسه ورؤيته المكانية‬
‫الخاصة فهو يمثل «مكوناً محورياً في بنية السرد‪ ،‬بحيث ال يمكن تصور حكاية دون‬
‫مكان‪ ،‬وال وجود ألحداث خارج المكان‪ ،‬ذلك أن كل حدث يأخذ وجوده في مكان محدد‬
‫وزمان معين»‪.3‬والمكان الروائي هو «العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية‬

‫‪ -‬نقال عن محمد علي عبد المعطي‪ :‬قضايا الفلسفة العامة ومباحثها دار المعرفة الجامعية االسككندرية ط‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1984‬ص‪124‬‬
‫‪-‬نقال عن بدوي عبد الرحمان ‪ :‬موسوعة الفلسفة الجزء ‪ 2‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1984‬ص‪491‬‬
‫‪-‬محمد بوعزة‪ :‬تحليل النص السردي (تقنيات ومفاهيم)‪ ،‬منشورات االختالف الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص ‪.99‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪231‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ببعضها البعض وهو الذي يسم األشخاص واألحداث في العمق والمكان يلد السرد‬
‫قبل أن تلده األحداث الروائية وبشكل أعمق وأكثر أث اًر»‪ 1‬فيتأسس المكان الروائي في‬
‫خيال القارئ وليس في العالم الموضوعي فقراءة الرواية رحلة في عالم مختلف عن‬
‫العالم الذي يعيش فيه القارئ فمن اللحظة األولى يتنقل القارئ إلى عالم خيالي من‬
‫صنع كلمات الروائي ويقع هذا العالم في مناطق مغايرة للواقع المكاني المباشر الذي‬
‫‪2‬‬
‫يتواجد فيه القارئ‪.‬‬

‫وتذهب الناقدة سي از قاسم إلى أن الرواية تشبه الفنون التشكيلية في تشكيلها‬


‫للمكان كما تتعدد الرؤيات وتكثر المفردات إضافة إلى كثرة االستعارات المجازية في‬
‫رسم المكان وتصويره والمكان باعتباره عنص اًر من عناصر الرواية له دور فعال في‬
‫النص الروائي‪ ،‬إذ قد يتحول من مجرد خلفية تقع عليها أحداث الرواية إلى عنصر‬
‫تشكيلي من عناصر العمل الروائي فالمكان له دور مكمل لدور الزمان في تحديد‬
‫داللة الرواية كما أن له أهمية كبرى في تأطير المادة الحكائية وتنظيم األحداث إذ‬
‫يرتبط بخطية األحداث السردية‪ ،‬بحيث يمكن القول بأنه يشكل المسار الذي يسلكه‬
‫تجاه السرد‪ ،‬وهذا التالزم في العالقة بين المكان والحدث هو الذي يعطي للرواية‬
‫تماسكها وانسجامها ويقرر االتجاه الذي يأخذه السرد لتشيد خطابه‪ ،‬ومن ثم يصبح‬
‫التنظيم الدرامي للحدث هو إحدى المهام الرئيسية للمكان‪.3‬‬

‫أبعاد المكان‪:‬‬ ‫‪II‬‬

‫وتتجلي تلك األبعاد فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬يسين النصير‪ ،‬إشكالية المكان في النص األدبي‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ص ‪.05‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬ينظر‪ :‬سزا قاسم بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثالثية نجيب محفوظ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1986 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.74‬‬
‫‪-‬حسين بحراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار البيضاء المركز الثقافي الغربي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1990‬ص ‪.29-20‬‬

‫‪232‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫البعد الجغرافي‪ :‬ويمكن تلمس هذا ُ‬


‫البعد الواضح عبر مستوين األول‪ :‬يعمد إليه‬ ‫‪ُ 1‬‬
‫الروائيون في وصف تضاريس األمكنة وتقرير طبيعتها وأشكالها وفق التسمية‬
‫الجغرافية والجيولوجية (سهل‪ ،‬جبل‪ ،‬نهر‪ ،‬بحر) ‪ ،‬والثاني‪ :‬ما نجده لدى الروائيين من‬
‫ذكر األماكن والمناطق بأسمائها المطابقة لألسماء على خارطة الواقع قاصدين بذلك‬
‫جملة من الغايات الفنية والفكرية‪.‬‬

‫‪ 2‬البعد الزمني التاريخي‪ :‬وفي حديثه عن تجليات التاريخ في األمكنة الروائية يذهب‬
‫صالح صالح إلى أن‪ :‬المهم في تجليات التاريخ وتموضعه في األمكنة الروائية تلك‬
‫األشياء التي وضعها اإلنسان على األمكنة األرضية من عناصر ساهمت في وسمها‬
‫بكل ما ينظم إلى ما اصطلح على تسميته بالتاريخ اإلنساني‪ ،‬وقلما أغفل ناقد أو‬
‫باحث روائي اإلشارة إلى البعد الزمني التاريخي أثناء تعرضه للمكان الروائي‪.1‬‬

‫البعد الواقعي الموضوعي‪ :‬يقل اهتمام الروائيين والنقاد على حد سواء باألمكنة‬ ‫‪ُ 3‬‬
‫الواقعية فالمهم بالنسبة للروائي والناقد هو كيفية تموضع األمكنة على الورق وبالتالي‬
‫كينونتها الفنية وليس الواقعية‪ ،‬والبعد الموضوعي للمكان الروائي إذن يتجلى فقط في‬
‫اإلحالة المستمرة من الخيالي المصنوع من الكلمات إلى الواقعي المصنوع من الطبيعية‬
‫وعناصرها المادية في العملية الذهنية الرامية دائماً إلى إخراج اللغة من تجريدها‬
‫وإلصاقها بما يمكن أن تتموضع فيه‪.2‬‬

‫‪ 4‬البعد التقني الجمالي‪ :‬ويتعلق هذا البعد بمختلف التقنيات التي يلجأ إليها‬
‫الروائيون في بناء أمكنتهم فهي كثيرة ومستعصية على الحصر وتشهد تنامياً متزايداً‬
‫ومن هذه التقنيات يشير صالح صالح لـ‪ :‬الوصف‪ -‬القص‪ -‬مالمح الشخصية ‪-‬نزع‬
‫األلفة‪ -‬دمج األساليب اللغوية الجميلة والتراكيب الشعرية الخالصة في تصوير‬
‫المكان‪.3‬‬

‫‪-‬ينظر‪ :‬سي از قاسم‪ ،‬بناء الروائه‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪233‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫والرواية العربية كغيرها من الروايات بعد أن تجذرت في الثقافة العربية وأوجدت‬


‫لنفسها موطأ قدم‪ ،‬ألتفتت للمكان وأهميته‪ ،‬وتبلور الوعي المكاني في الرواية العربية‬
‫الحديثة و « تعمقت داللتها باألشياء المكانية وبدقائق التفاصيل واألسماء بما أسهم‬
‫عبر المتراكم في إنشاء ذاكرة سردية عربية جديدة تستفيد من التراث الحكائي القديم‬
‫وتضيف إليه جديداً من المكانية الحادثة إليها »‪.1‬‬

‫ومن تلك الروايات المحلية الحديثة التي استفادت من التراث القديم وجعلت من‬
‫األمكنة مستودع الذاكرة الجماعية؛ كما أعادت تاريخها ''رواية مملكة الزيوان''‬
‫حكاية توات قبل أن تغتسل من طينتها‪ .‬فكيف وظفت هاته الرواية المكان – وما هي‬
‫أبعاده ودالالته التراثية ؟‬

‫‪ III‬المكان ودالالته التراثية في رواية مملكة الزيوان‪:‬‬

‫قبل الغوص في أعماق الرواية والحديث عن األمكنة التراثية التي‬


‫تناولتها ؛ نقف عند عنوان الرواية مملكة الزيوان " فنجد بان الروائي اختار لنصه‬
‫لفظتين "مملكة" و "الزيوان" ‪ .‬فالمملكة لفظ غريب عن الصحراء لم ييستتب فيها ابداً‬
‫الن نظامها يرفض أن تكون به مملكة على عرف الممالك التي عرفها التاريخ ‪،‬‬
‫وإنما البؤر التي تسمح بها الصحراء لكي تقوم فيها الحياة ال تعدو أن تكون بعض‬
‫الواحات التي يحوطها الرمل من كل جانب ويجتهد أهلها في تحويطها بسور من‬
‫الطين أنها القصور التي تختلف في شكلها وهندستها عن القصور المعروفة في‬
‫‪2‬‬
‫الشمال‪.‬‬

‫وهاته المملكة تخضع للعرف الذي يسود القصر وينظم سير الحياة في‬
‫أطرافه ؛ والمقصود بها الوسط الذي يعيش فيه مختلف األصناف البشرية تحكمهم‬

‫‪ -‬مصطفى الكيالني‪ :‬الرواية والتأويل (سردية المعنى في الرواية العربية)‪ ،‬أزمنة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪.177‬‬


‫‪-‬ينظر حييب مونسي ‪.‬نص الصحراء في مملكة الزيوان لروائي الصديق حاج احمد ‪ .‬الملتقى الوطني الثالث للكتابة‬ ‫‪2‬‬

‫السردية بادرار ص ‪183‬‬

‫‪234‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مجموعة من األعراف والعادات والتقاليد والمفارقات‪ .‬اما لفظة الزيوان فهي كلمة‬
‫محلية في مجتمعنا التواتي وهي مرتبطة بالعرجون اليابس من التمر ‪ ،‬والمقصود‬
‫بها ايضا اإلنسان التواتي األصيل الذي يسكن هذه المملكة ‪ .‬فمجتمع الزيوان الذي‬
‫يمثل العراقة والعمق واألصالة ‪،‬هو يعبر عن ارض هي قالدة ثقيلة « ‪..‬أن ارض‬
‫الزيوان هي قالدة ثقيلة في أعناقكم ‪ ،‬لها من الحمولة التاريخية والزخم الثقافي‬
‫_المادي والشفوي _ ما يجعلكم تفتخرون بطينها و قصباتها ‪ ،‬ورملها ‪ ،‬ونخيلها ‪،‬‬
‫و فقاقيرها ‪ ،‬فان آباءكم وأجدادكم قد عاشوا فيها بحسب ما أتيح لهم من الزمان‬
‫ورضي كل واحد منهم بحسب ما قدر له من الحاجة لألخر ‪ ،‬فعيشوا فيها بحسب ما‬
‫‪1‬‬
‫يتاح لكم ‪ ،‬وإياكم وااللتفات كثي ار للوراء ‪ ،‬فانه قد فات ومات »‬

‫أما عن األمكنة التراثية التي عمد إليها الروائي في مملكته فنجدها‬


‫متعددة ‪ ،‬ألن الروائي اشتعل على المكان بدقة حيث أن مجمل األحداث كانت تدور‬
‫في جغرافيا محددة ومعروفة ؛ هي منطقة ادرار عموما وتوات خصوصا‪ .‬فقد نقل لنا‬
‫من خاللها األمكنة نقال دقيقا بلمسات فنية تحمل زخما هائال من المحموالت‬
‫العاطفية والتاريخية والعرفية ‪ ،‬ونبدأها بمسقط رأس الروائي ‪:‬‬

‫البيت‪ :‬كمكون جغرافي حميم ‪ .‬فاإلنسان أول ما يفكر يفكر في استقراره في‬
‫بيت يأوي إليه كأي فرد في المجتمع ‪ ،‬فالبيوت التي نسكنها « تشكل عالمنا‬
‫وجوهر وجودنا اذ فيها نمارس أحالم يقظتنا ‪ ،‬ونستشعر الهدوء الوريف الذي‬
‫نستعيد من خالله ذكرياتنا المواضي ونخطط لمشاعرنا »‪ ،2‬فالبيت ذو وظيفة‬
‫اجتماعية اقامية أسرية ؛ والروائي في روايته تعرض لبيته الذي يسكنه ووقف على‬
‫تفاصيله وكل دقائقه كونه قد دارت فيه اغلب األحداث فيقول عنه « مستطيالً طيني ًا‬
‫سقيفاته بخشب جذع النخل الذي تتخلله الكرانيف المرصوفة والمتخالفة من تلك‬
‫الجذوع النخيلية بابه خشبي‪ ،‬صنع من جذع النخل المملسة بإبراء القادوم وضع‬

‫‪-‬الصديق حاج أحمد‪ ،‬مملكة الزيوان فيس ار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪30‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬احمد طالب ‪ :‬االلتزام في القصة الجزائرية المعاصرة (في الفترة مابين ‪ )1976-1931‬ديوان المطبوعات الجامعية‬ ‫‪2‬‬

‫الجزائرية ‪1989‬ص‪217‬‬

‫‪235‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫صنع باقتدار محكم من حرفي ماهر قد يكون تعلم جده‬


‫في أعاله قفل ُيسمى آفكر ُ‬
‫الصنعة_وهو اغلب الظن _ على آخر يهودي كان يسكن تمنطيط‪ ،‬قبل أن يطرد من‬
‫لدن شيخ توات المغيلي‪ ،‬وضعت فيه فتحة حائطية تصل الخارج بالداخل‪ ،‬تسمح‬
‫بدخول الذراع إليه من ذلك الحائط وتحت هذا القفل من خلف الباب صنع قفل آخر‬
‫عند وسط الباب ال يفتح إال من الداخل ُيسمى تقالب »‪.1‬‬

‫وفي صفحات أخرى من الرواية يتحدث الروائي عن أماكن داخل البيت‬


‫كالسقيفة الدخالنية‪ -‬سقيفة الباب –سقيفة لقعود –رحبة الشياه –وكر الحمام –‬
‫المصرية وسطح البيت‪ .2‬إضافة إلى بيته نجد الروائي تعرض أيضا لبيت الطالب‬
‫ايقش الذي يدل على الوحشة والرهبة والخوف فيقول عنه « ‪..‬وقد سمحت لنا‬
‫سياحة وفرجة العرفة الن نعرف كل بيوت القصر ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬حتى تلك‬
‫التي كانت معزولة ومتطرفة ‪ ،‬او كان الناس يتهيبونها وتحوم حولها الشكوك وتنسج‬
‫حولها األساطير ‪ ،‬كبيت الطالب ايقش هذا البيت الذي كثيرا ما حدثنا ميني عنه‬
‫وعن صاحبه من انه بيت تسكنه العفاريت مع الجان رفقة الطالب ايقش »‪ .3‬كما‬
‫يصف هندسته قائال « ‪..‬بلغت بابه وقد كان الوقت ساعتها عص ار ‪ ،‬باب خشبي‬
‫عهدي به كبابنا ‪ ،‬وقد كان الباب ساعتها مفتوحا ثلثه فركبتني رعشة شديدة فطرقت‬
‫‪4‬‬
‫الباب شبه المفتوح ‪ ،‬فسمعت صوتا يأتني من آخر السقيفة »‬

‫القصر‪ :‬من األماكن التي ركز عليها الروائي واحتفى بها كثي ار في روايته ‪،‬‬
‫ووصف أمكنتها كالسرداير‪-‬سور القصبة –احفير –الساحة –المشور وباب القصر‬
‫الذي يقول عنه في الرواية « صنع هذا الباب من أخشاب جذع النخيل المتراصة‬
‫المتينة ثبت فيه من الخلف ثالثة أحزمة حديدية مشدودة بمسامير حديدية تقليدية‬
‫) ‪ )...‬وقد كان الحزام الحديدي األول في أعاله والثاني في منتصفه والثالث في‬

‫‪-‬الرواية ص‪67‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬ينظر الرواية ‪ ،‬ص ‪176-123-122‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬الرواية ص ‪227‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬الرواية ص‪213‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪236‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫أسفله تخلد إلى جانبه حجرة كبيرة ملساء على ظهرها ضخمة في شكلها ‪ ،‬وكانت‬
‫بعتبة ذلك الباب حجرة مستطيلة الشكل رمادية ملساء‪ .‬كان سكان القصبة يتخذونها‬
‫‪1‬‬
‫مشحذة لسكاكينهم لذبح األضاحي والدجاج في األعياد والمناسبات »‬

‫المدرسة ‪ :‬فمثل ما وصف البطل مكان والدته ‪ ،‬والقصر الذي قضى فيه أيامه‬
‫األولى ‪ ،‬وصف أيضا المدرسة وصفا هندسيا وقارنها بالبيت من حيث الشكل والحجم‬
‫والمكونات « ‪..‬أمام تلك الساحة المقابلة للقصبة وبحذاء الساقية التي وجدت‬
‫لألطفال يلعبون بجانبها يوما يقابلك قسمنا الطوبي الفرق بينه وبين بيوتنا انه مربع‬
‫يكاد يكون طول ضلعه تسع خطوات بخطوة رجل العراف له باب خشبي أملس لكنه‬
‫‪2‬‬
‫ليس كباب قصبتنا او بيتنا »‬

‫القنطرة ‪ :‬يقول الروائي عنها « وأنت تخرج من الداخل من ذلك الباب الوحيد‬
‫للقصبة البد لك أن تمر على قنطرة يظهر على جانبيها احفير تتوعد نهايته من‬
‫الجانبين برحبتان عاليتان مشرفتان ترشم أشعة الشمس الصباحية المشرقة وبنفس‬
‫‪3‬‬
‫القدر والحجم على الحائط المقابل له من تلك الساحة الفسيحة الفاصلة بينهما »‬
‫‪،‬كما تعتبر من األماكن المحببة للجلوس عند أهالي المملكة « ‪...‬وقد كانت القنطرة‬
‫مجلسا محببا ألعيان القصبة والسيما آخر الضحوة في الشتاء وأولها في الصيف‬
‫بعد عودتهم من سباخهم »‪.4‬‬

‫الزقاق‪ :‬فقد وصفه وصف ًا دقيقاً في ثنايا الرواية حيث يقول «قابلني زقاق واسع‬
‫مسقف يدور بالقصبة من الداخل على جهاتها األربع مشكالً ما يشبه الحزام ُيدعى‬
‫في اللهجة القلقالية أسرداير»‪ ،5‬ويواصل الروائي حديثه عن هذه األزقة والقصبات‬
‫دل على شيء إنما يدل على‬
‫وكيفية الدخول والخروج منها إلى منزلهم‪ ،‬وهذا إن ّ‬

‫‪-‬الرواية ص‪93_92‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬الرواية ص ‪122‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬الرواية ص ‪39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬الرواية ص‪93‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-‬الرواية ص ‪.91‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪237‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫معرفة صاحب الرواية بالمكان المحفور في ذاكرته منذ الصغر فيقول في هذا الشأن‬
‫لت القنطرة المائلة نحو األسفل حتى بلغت الساحة وأنا متمسك بسابة أمي‪ ،‬التي‬
‫«نز ُ‬
‫كانت تذهب كل صباح لبستاننا المحاذي للقصبة المسمى أجدل‪ ،‬فما إن عبرت‬
‫القنطرة حتى وجدت عدداً غير قليل من الصبيان كان من بينهم الداعلي يلعبون لعبة‬
‫الغميضة ‪.1»..........‬‬

‫حفرة الرابطة‪ :‬فبمجرد قراءة الرواية يرهبك هذا المكان‪ ،‬ويخيفك نظ ار لما يمتاز‬
‫به من عوالم مفتوحة على الجن والعفاريت والتمائم‪ ،‬حاله حال بيت الطالب إيقش‬
‫يقول عنه ‪ « :‬هناك خارج القصر الزيواني توجد حفرة الرابطة التي تخرج إليها‬
‫عدتها هي حفرة شبه عميقة من عمقها‬ ‫المرأة المتوفي عنها‪ ،‬زوجها بعدا انقضاء ّ‬
‫األفقي تشبه تماما مدخل كهف او مغارة مخيفة ‪ .‬المكان يفرض على المار كيفما‬
‫كان‪ ،‬أن يلبس عباءة لألماكن التي يعتقد أنها مسكونة من الجان والعفاريت وال‬
‫‪2‬‬
‫سيما وقت القيلولة صيفا أو آخر أيام الشهر ليالً »‬

‫بعض األمكنة المقدسة ‪:‬‬

‫والتي تمثل عمق األصالة والتمسك بالتراث والهوية كالمسجد –الكتاب‪-‬‬


‫أضرحة األولياء والتي تعتبر مكان مهم عند أهل توات وهي ذات داللة تراثية و من‬
‫بينها ضريح سيدي شاي هللا وحفيده مول النوبة؛ فقد زاره الروائي بكثير من اإلجالل‬
‫والتقدير « ‪..‬ففي عشية ذلك اليوم المهول وبعد ان عملوا لنا حالقة ‪..‬التقوريرة‬
‫أخرجونا لزيارة ضريح ولي قصرنا سيدي شاي هللا على ايقاع فرقة تدندن الدندون‬
‫وتقرقب الحديد تسمى قرقابو لعبيد لونهم ال يختلف عن لون الداعلي ووالده ووالدته‬
‫(و) زغاريد النساء المولولة »‪ ، 3‬وضريح الولي الصالح موالي عبد هللا الرقاني‬

‫‪-‬الرواية‪ ،‬ص ‪.95-94‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬الرواية‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬الرواية ص‪96‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪238‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫بمنطقة رقان الذي تقام له كل سنة وعدة (زيارة) في الفاتح من شهر ماي والتي‬
‫كان يحرص والده كل عام عند عودته من تجارته ببالد السودان لحضورها‪.‬‬

‫ومن خالل االنفتاح على مثل هذه الفضاءات المقدسة بطقوسها ومراسيمها‬
‫ومعتقداتها وما يقدم فيها أيضا لألولياء وأضرحتهم من ألبسة وطعام وأبخرة؛ تصور‬
‫ذلك البعد الديني واالجتماعي الراسخ في األذهان إلى اليوم‪.‬‬

‫فضاء السباخ‪ :‬يقول عنه «كان هديل اليمام على النخيل ونهيق الحمير‬
‫المتقطع في فضاء السباخ غالباً في تلك العشية ويقطع أطباقها المخيف وكنا كلما‬
‫حططنا رحالنا بسبخة من سباخنا الكثيرة والمتعددة يسميها لي أمبارك باسمها فهذه‬
‫سبخة الفوقانية وهذه السبخة التحتانية وهذه السبخة الكبيرة» ‪.1‬‬

‫وانطالقاً من هاته النماذج نستثف أن الروائي قد بنا فضاء روايته من بيئة‬


‫محلية تواتية تعبر عن ُعمق الذاكرة المحلية الريفية وألنه «‪ ....‬قد أصبح الريف ال‬
‫يتجسد في أغلب الروايات إال من خالل قبو الذاكرة وبفعل تحوالت الزمن وتراكمات‬
‫الخيال وكيمياء التخمر المعقدة»‪.2‬‬

‫لقد برزت القرية في (مملكة الزيوان) كمكان مركزي تدور في رحابه األحداث‬
‫لكن بما أن التحوالت في قصر الروائي مست جميع الجوانب االقتصادية والثقافية‬
‫والجتماعية فإنه مما ال ريب فيه أيضاً أن يتم التحول على مستوى األمكنة‬
‫والفضاءات التي يتنقل عبرها شخوص الرواية فنجد التحول من البيئة الطبيعية إلى‬
‫البيئة اإلسمنتية‪ ،‬وبعدها التحول إلى فضاء المدينة ألن ظروف الدراسة والعمل وكذا‬
‫الزواج دفعت لالنتقال إلى المدينة‪ ،‬فتغير الواقع المعاش ‪ ،‬واألمكنة ومن تلك‬
‫الفضاءات نجد‪:‬‬

‫‪-‬الرواية‪ ،‬ص ‪.123‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬شياكر النابلسي‪ :‬جماليات المكان في الرواية العربية‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1994‬ص ‪.91‬‬

‫‪239‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫فضاء البلدية‪ :‬لقد كان هذا الفضاء بالنسبة للروائي جديداً ومغاي اًر لما قد‬
‫عرفه بالقصر‪ ،‬فقد اكتشف من خالله البناء الطيني المحسن باألسمنت‪ ،‬وقد كانت‬
‫الداخلية التي أقام بها الروائي خالل الفترة الدراسية أيضاً كذلك ألنها كانت مرك اًز‬
‫عسكرياً للفرنسيين –حسب دراستة بالمتوسطة ومن بعدها الثانوية‪.‬‬

‫الوالية‪ :‬يقطن الروائي بعيدا عن مدينة ادرار لذلك عندما زارها ألول مرة كان‬
‫منظرها رائعاً بالنسبة له فوصفها وصفا دقيقا «‪...‬وما إن بلغنا وسط المدينة‪ ،‬حتى‬
‫استقبلنا أدرار بأبوابها األربعة المقوسة وذاك عهدها اثنان من جهة الشرق‪ ،‬هما‬
‫باب رقان لجهة الجنوب‪ ،‬وهو الباب ذاته الذي دخلنا منه وباب تيميون لجهة‬
‫الشمال‪ ،‬يركن بينهما سوق دينار‪ ،‬واثنان يتسمران في جهتها الغربية‪ ،‬باب بوبرنوس‬
‫لجهة الجنوب‪ ،‬وباب بشار لجهة الشمال‪ُ ،‬حصرت بين تلك األبواب األربعة المقوسة‪،‬‬
‫ساحة ماسينيسا الفسيحة الخضراء‪.‬كانت أقرب إلى التوسيع منها لالستطالة‪ ،‬يخلد‬
‫في شرقها الشمالي فندق جملية األحمر الطيني الجميل‪ ،‬تدور بها أقواس طينية من‬
‫جهاتها الثالث‪ ،‬فال الجهة الجنوبية التي بنيت على طولها ثكنه عسكرية‪ ،‬أو لعلها‬
‫مركز فرنسي قديم له سور عال وأبراج‪ ،‬وقد قال لي والدي ذات مرات عند ما‬
‫تصادفت معه فيها‪ ،‬أن نمط عمارتها يشيه كثي اًر عمارة تمبكتو وغاو من بالد‬
‫السودان المالية والنجيرية»‪.1‬‬

‫العاصمة‪ :‬انتقل إليها الروائي من أجل مزاولة الدراسة بالجامعة يقول «في‬
‫الخريف الموالي لذلك الصيف انتقلنا متفرقين صديقي القديم‪ ...‬للعاصمة‪ ،‬لمزاولة‬
‫دراستنا الجامعية هناك‪ ،‬فاخترت أنا التاريخ‪ ،‬لكوني فتنت به مذ درسني التاريخ ذلك‬
‫األستاذ العراقي المدعو جاسم‪ 2»...‬و خالل فترة الدراسة نجد بأن الروائي قد تجول‬
‫بالعاصمة ووقف على عدة أمكنة أهمها (معهد التاريخ –قاعدة السنما‪ -‬ساحة أول‬
‫ماي‪.)...‬‬

‫‪-‬الرواية‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬الرواية‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪240‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫كما نجد بأن الروائي في الرواية قد وصف أمكنة فضفاضة فالشخصيات في‬
‫الرواية تقطع أمكنة وفضاءات مختلفة فقد ذكرها ؛ ليس لمجرد الوصف فقط وإنما‬
‫لتالعب باألمكنة‪ ،‬وذلك من أجل تجسيد حاالت معينة ربما تكون (علمية – فكرية‪-‬‬
‫نفسية أو اجتماعية) على محيط ترتبط به الشخصيات فتصبح ذا دالالت مختلفة‬
‫ومن بين تلك الفضاءات التي اختزلتها الرواية نجد (قصور تواب ‪ -‬منطقة حموديا‬
‫برقان – منطقة تمنطيط‪ -‬الحواضر العلمية كملوكة وتيليالن‪ -‬زواية سيد البكري‪-‬‬
‫كوسام منطقة بشار‪ -‬واد الساورة‪ -‬أوالد خضير‪ -‬كرزاز‪ -‬كما نجد إشارة إلى باريس‬
‫(فرنسا)‪ -‬وتونس كون الغيواني كان يقيم بها)‪.‬‬

‫لقد كان للمكان خاصة القديم أهمية كبيرة في الرواية كونه يشير إلى دالالت‬
‫تراثية هامة في حياة الروائي‪ ،‬ولكون العالقة بين الفضاءات المكانية والشخصيات‬
‫في الرواية وطيدة ألنه ال يتحقق وجود للحدث الروائي إال بارتباطه بمكان «فالمكان‬
‫هو قدر الروائي حتى ولو بلغ به التخيل حداً يحلق به بعيداً عن مكان موصوف أو‬
‫حقيقي‪ .....‬وال يمكن ألي حدث تفصيلي أو ألية بنية لشخصية في الرواية أن‬
‫تتجلى في حضورها إال بالتقاء النقطة التي يحددها الزمان والمكان»‪.1‬‬

‫‪-‬ينظر ميشل بوتور نقالً عن سي از قاسم‪ ،‬بناء الرواية (دراسة مقارنة لثالثية نجيب محفوظ)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.74‬‬

‫‪241‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن أهم ما توصلنا إليه من خالل تجوالنا في صفحات رواية مملكة الزيوان يتجلى‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫لقد استخدمت رواية مملكة الزيوان ''المكان التراثي'' مسرحاً ألحداثها فأغلب‬
‫أحداث الرواية جرت في فضاءات تراثية كالقصر –البيت الزقاق المدرسة‪.‬‬

‫لقد أدى الموروث المحلي بأشكاله المتنوعة دو اًر هاماً في رسم تقاسيم األمكنة‬
‫ودالالتها في الرواية كالمعتقدات الشعبية واألساطير حفرة الرابطة‪ -‬أضرحة‬
‫األولياء)‪.‬‬

‫ومما يظهر جلياً أيضاً أن الروائي قد استعان بتقنية الوصف في تقديم أغلب‬
‫األمكنة في الرواية‪.‬‬

‫لقد دلت األمكنة التراثية في مملكة الزيوان على أبعاد ودالالت مختلفة منها ما‬
‫َد ّل على تجسيد األصالة والتمسك بالهوية والعادات والتقاليد ومنها ما دلت على‬
‫الجانب المقدس عند أهل المنطقة كالمسجد والكتاب وأضرحة األولياء الصالحين‪.‬‬

‫وعموماً فإن هذا النص الروائي قد تميز بالثراء والخصوبة كونه قدم للقارئ‬
‫رؤية فنية جمالية تساعد على اكتشاف الجوانب الخفية داخل بنيتة الغنية بعدة‬
‫دالالت وإيحاءات تراثية‪ ،‬كما استطاع صياغة األمكنة خاصة القديمة منها وفق‬
‫رؤية تجاوز بها المساحة الجغرافية المجردة؛ إلى الغوض والوقوف على دقائق‬
‫األمكنة التراثية وتوضيح العالقة التي تربط هذه األمكنة بشخوصها‪ ،‬التي تتحرك‬
‫عبرها‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم برواية ورش‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن منظر‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مج‪ ،6‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1997 ،1‬‬
‫‪ -3‬الرازي مختار الصحاص‪ ،‬تحقيق مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار الهدى للطباعة‬
‫والنشر عين مليلة الجزائر‪ ،‬ط‪.1990 ،1‬‬
‫‪ -4‬الزبيدي‪ :‬تاج العروس‪ ،‬مج‪ ،18‬تحقيق على بشرى‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬ط‪.1994 ،‬‬
‫‪ -5‬الصديق حاج أحمد‪ ،‬مملكة الزيوان‪ ،‬فسي ار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬
‫‪ -6‬حسين بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المركز الثقافي الغربي‪.1990 ،‬‬
‫‪ -7‬سي از قاسم‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثالثية نجيب محفوظ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪.1986 ،‬‬
‫‪ -8‬شاكر النابلسي‪ ،‬جماليات المكان في الرواية الغربية‪ ،‬المؤسسة الغربية‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1994 ،1‬‬
‫‪ -9‬محمد يوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي (تقنيات ومفاهيم)‪ ،‬منشورات االختالف‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬
‫‪ -10‬يسين النصير ‪ :‬اشكالية المكان في النص االدبي‪ .‬دار الشؤون الثقافية بغداد‬
‫ط‪1986، 1‬‬
‫‪ -11‬مصطفى الكيالني ‪ :‬الرواية والتاويل ( سردية المعنى في الرواية العربية‬
‫)ازمنة للنشر‬
‫‪ -12‬احمد طالب ‪:‬االلتزام في القصة الجزائرية المعاصرة في الفترة مابين‬
‫(‪ )19766-1931‬ديوان المطبوعات الجامعية الجزائرية ‪1989‬‬
‫‪ -13‬الملتقيات‪ :‬الملتقى الوطني الثالث للكتابة السردية (السرد والصحراء) من‬
‫‪1‬الى‪ 3‬ديسمبر ‪2013‬‬

‫‪243‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫ديناميكية النص األدبي في ضوء ميكانيزمات القراءة المنهجية‬


‫السليمة‬

‫د‪ .‬صباح مجاهدي ‪ ،‬المركز الجامعي أحمد زبانة‪ -‬بغليزان (الجزائر)‬


‫البريد اإللكتروني‪medjahdisabah@yahoo.fr :‬‬ ‫•‬

‫الملخص‪:‬‬

‫ال جدال وال نقاش حول مكانة النص األدبي‪ ،‬ودوره الديناميكي في‬
‫حقل تعليمية اللغات‪ ،‬غير أن ما ينبغي التأكيد عليه ولفت االنتباه إليه‪ ،‬هو‬
‫أن النص األدبي يجسد ببنائه المكتمل‪ ،‬حركة تفاعلية نشيطة بين أقطاب‬
‫العملية التعليمية‪ ،‬التي تسعى من خالل أدوارها المنوطة بها ‪،‬إلى بلورة‬
‫مساعي وأهداف المنظومة التربوية التعليمية‪ ،‬في خلق قارئ متميز‬
‫ومتفاعل‪ ،‬متشبع بحموالت النص العلمية‪ ،‬والفنية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والتربوية‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك‪ ،‬يراهن النص األدبي على مجموعة من اآلليات‪ ،‬والمنهجيات التي‬
‫أن القراءة‬
‫تسمح له باستكمال صورته األدبية والجمالية ‪ ،‬ومما ال شك فيه ّ‬
‫هي السبيل الوحيد‪ ،‬الذي يضمن للنص األدبي تحقيق وجوده الفعلي في‬
‫الواقع الملموس‪ ،‬ذلك ألن الفعل اإلبداعي هو لحظة إبداعية غير مكتملة‪،‬‬
‫ألن عملية الكتابة تستدعي عملية القراءة‪ ،‬كتالزم جدلي بينهما‪ ،‬يساهم فيه‬‫ّ‬
‫تمم إنجاز النص ويعطيه شهادة الوجود بالفعل‪.‬‬‫بشكل مباشر القارئ‪ ،‬الذي ُي ّ‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬النص األدبي؛ التربية؛ القراء؛ المنهجية؛ الفاعلية؛‬
‫اآلفاق‬

‫‪244‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجلة رفوف‬
2018 ‫ سبتمبر‬:‫ األول السنة‬:‫ السادس عدد‬:‫مجلد‬

Summary
There is no debate about the status of the literary text, and its
dynamic role in the field of language education, but what should be
emphasized and drawn attention is that the literary text embodies
its complete construction, an active interactive movement among
the poles of the educational process, which seeks through its roles,
To develop the efforts and objectives of the educational educational
system, to create a distinctive reader and interactive, saturated with
loads of scientific text, artistic, cultural, educational, and for that,
betting on the literary text on a set of mechanisms and
methodologies that allow him to complete his image and literary
aesthetic, Reading is the way The creative process is an incomplete
creative moment, because the process of writing calls for the
process of reading, as a dialectical link between them, contributes
directly to the reader, which completes the completion of the text
and gives him the certificate of existence.

Keywords: Literary text; Education; Readers; Methodology;


Effectiveness; Prospects

245
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تسعى المنظومة التربوية في مسيرة تأصيل وتجسيد أدوارها المنوطة بها‪ ،‬إلى‬
‫تحقيق جملة من المقاصد واألهداف التي تتجلى أبعادها وتجّلياتها على مستوى بناء‬
‫وإعداد الفرد‪ ،‬إعدادا متكامال في جانبيه المادي والمعنوي‪ ،‬وهي في ذلك ال تحيد في‬
‫منهاجها عن مقتضيات وضروريات التعليم والتعّلم‪ ،‬اللذين يمكن أن تحقق من‬
‫خاللهما أهدافا عديدة؛ يرتبط بعضها بالقيم الثقافية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والدينية وأخرى‬
‫تتعلق بالمكتسبات المعرفية المراد تحصيلها من قبل المتعّلم‪ ،‬انطالقا مما تصوغه في‬
‫مناهجها ومقرراتها الدراسية من مواد ونصوص ومضامين مختلفة‪.‬‬

‫ومن أهم الوسائل التي يعتمدها النظام التربوي في إقراره لكل منطلقاته‪ ،‬وتفعيله‬
‫لكل غاياته ومقاصده هو الكتاب المدرسي‪ ،‬الذي تتجلى فيه وبكل وضوح مسيرة‬
‫قررة ضمن هذا‬
‫تنفيذ وتحقيق الغايات المنشودة‪ ،‬وفق كيفيات وطرائق بيداغوجية م ّ‬
‫الكتاب‪ ،‬الذي يّتخذ من النص األدبي واسطة ناجعة في تأسيسه لكل المساعي‬
‫تنص عليها أدبيات المنظومة التربوية‪ ،‬كتنمية الذوق الفني السليم‪،‬‬
‫الطموحة‪ ،‬التي ّ‬
‫من خالل ما يقرأه التالميذ وما يطالعونه‪ ،‬تهذيب اإلحساس األدبي وتنميته‪ ،‬توثيق‬
‫الصلة بالمبادئ والقيم المثلى‪ ،‬وبمعالم الهوية والثوابت‪.‬‬

‫المقررة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المرجو تحقيقها من خالل النصوص األدبية‬
‫ّ‬ ‫كل هذه المطامح واآلمال‬
‫ضمن برامج المنظومة التربوية‪ ،‬لن يكتب لها الوجود الفعلي‪ ،‬إالّ إذا خضعت ألصول‬
‫وآليات القراءة (المنهجية) الفاعلة والناجحة‪ ،‬التي تدعو في إجرّائّيتها‪ ،‬أثناء‬
‫التواصل مع النصوص األدبية‪ ،‬إلى االنسالخ من الطبيعة البيداغوجية التي تنصهر‬
‫معها جماليات النص األدبي‪ ،‬والسعي إلى صناعة المتعة في قراءة النصوص ‪ ،‬من‬
‫أجل تقريب القيم الجمالية والمعرفية التي تنطوي عليها النصوص األدبية من ذهن‬
‫المتعلم‪ ،‬وتحفيزه للكشف عن مقاييس الجمال‪ ،‬وتعّلم اللغة من خاللها "ليّتضح لنا‬
‫جليا مدى أهمية اختيار النصوص األدبية‪ ،‬ذات القيم الفنية البارزة في بناء مواضيع‬
‫المنهاج الدراسي‪ ،‬وبخاصة في الشعب األدبية‪ ،‬والتي ال ينتظر منها ترجمة مختلف‬

‫‪246‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫األهداف التربوية(معرفية‪ ،‬سلوكية‪ ،‬مهارية‪ )...‬فقط‪ ،‬بل أهداف أخرى تتصل بكيفيات‬
‫‪1‬‬
‫البناء السليم للحس الذوقي لدى المتعلم"‬

‫النص األدبي وتحديات العصر ‪:‬‬ ‫‪I‬‬

‫تم تثبيته بواسطة الكتابة‪،2‬‬


‫يختصر معظم الباحثين مفهوم النص في كل كالم ّ‬
‫ويستعرض آخرون مفاهيم وتعاريف عديدة للنص‪ ،‬تعددت بتعدد اآلراء والتوجهات‬
‫الفكرية‪ ،‬واختالف المرجعيات والخلفيات‪ ،‬التي تبّنى أصحابها على إثرها رؤى‬
‫وتصورات متباينة حول مفهوم النص‪ ،‬وألن المقام سيّتسع أكثر مما يحتمله‬
‫لجل هذه التصورات واألفكار حول النص‪ ،‬سنكتفي بالحديث‬
‫الموضوع في استعراضنا ّ‬
‫ونقدم تعريفا جامعا مانعا لمفهوم النص األدبي الذي يطرحه‬
‫عن النص األدبي‪ّ ،‬‬
‫"بشير إبريــر" حيث يقول‪":‬أما النص األدبي في رأيي‪ ،‬فهو نص معرفي تتالقى فيه‬
‫جملة من المعارف اإلنسانية‪ ،‬أهمها على اإلطالق المعرفة األدبية‪ ،‬لكنها ليست‬
‫فإن قارئ األدب الذي يكتفي بمعرفة األدب فقط تكون قراءته‬
‫كافية وحدها‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫غير كافية‪ ،‬ومعرفته بالنص هي أيضا غير كافية وحدها‪ ،‬فعليه أن ينزع إلى معارف‬
‫أخرى ألننا قد نجد في النص األدبي المعرفة التاريخية والنفسية واالجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،‬وحتى المعرفة االقتصادية والعلمية وغير ذلك من المعارف اإلنسانية‪،‬‬
‫لتزود‬
‫وهو ما يلقي مسؤولية إضافية على كاهل المشتغل باألدب كتابة وقراءة في ا ّ‬
‫من المعارف قدر اإلمكان لالستعانة بها في قراءة النصوص األدبية وكتابتها "‪.3‬‬

‫وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العصر‪ ،‬يواجه النص األدبي بما‬
‫يحمله من تلكم االعتبارات الفنية والجمالية والحسية المعنوية‪ ،‬وبما يتحّلى به من‬

‫‪ -‬محمد األمين شيخة‪ ،‬فعالية المهيمنات المعرفية واللغوية في النصوص األدبية‪ ،‬نحو بديل إجرائي في بناء الحس‬ ‫‪1‬‬

‫الذوقي لدى المتعلم‪ .‬دراسة أكاديمية في تعليمية النصوص األدبية‪ ،‬المدونة األكاديمية لألدب والنقد‪ ،‬أكتوبر ‪2011‬م‪،‬‬
‫ص‪14‬‬
‫‪ -‬عز الدين المناصرة‪ ،‬نص الوطن‪ -‬وطن النص‪ ،‬شهادة في شعرية األمكنة‪ .‬مجلة التبيين‪ ،‬ع‪ 01 /1:‬يناير‬ ‫‪2‬‬

‫‪1990‬م‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪40‬‬


‫‪ -‬بشير إبرير‪ ،‬السيميائية وتبليغ النص األدبي‪ .‬مجلة المنهل‪ ،‬ع‪ /524:‬السنة ‪ ،1995‬ص ‪29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪247‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫تغيرت معه التوجهات واختلفت‬


‫تحد‪ ،‬أمام واقع ّ‬
‫مختلف األساليب البيانية المؤثرة أكبر ّ‬
‫معه األذواق‪ ،‬وتباينت فيه حتى االهتمامات‪ ،‬وتدّنت أيضا معه مستويات األذواق‬
‫واألحاسيس‪ ،‬ضاعت على إثرها هوية النصوص األدبية‪ ،‬واختفت أيضا معها الوظيفة‬
‫الحقيقية التي ينهض بها النص األدبي‪ ،‬وسط سيطرة واضحة للوسائل التكنولوجية‪،‬‬
‫واالنترنيت‪ ،‬والهواتف النقالة‪..‬التي ساهمت بشكل مباشر في االبتعاد التدريجي عن‬
‫األدب‪ ،‬فلم يعد المعّلم وال حتى المتعلم في مهمة تدارسهما للنصوص األدبية‪،‬‬
‫يستطعمان وال يستمتعان بجماليات التعبير وفنيات التصوير في النصوص الشعرية و‬
‫النثرية‪ ،‬مما استساغ ظهور تداعيات جائرة اتجاه دراسة النص األدبي‪ ،‬تمثلت في‬
‫يفسر بها المعلم والمتعلم على‬
‫البحث عن المبررات الفعلية والعقلية التي يمكن أن ّ‬
‫حد سواء‪ ،‬دواعي دراسة أو تدريس النصوص األدبية‪ ،‬خاصة وأن العالم الذي نعيش‬‫ّ‬
‫فيه هو عالم يعيش على وقع التقنية والعولمة‪ ،‬والتكنولوجيا! فهل أصبحت دراسة‬
‫مجرد عادة شاعت في جميع األنظمة التعليمية؟! أم مجرد مادة‬
‫النصوص األدبية ّ‬
‫تتمم مع باقي المواد األخرى البرنامج الدراسي؟! هذه هي المعضلة ّ‬
‫الحقة التي‬ ‫ّ‬
‫يواجهها المهتمون بحقل التربية والتعليم بصفة عامة‪ ،‬وأساتذة اللغات بصفة خاصة‪،‬‬
‫الذين توكل إليهم مهمة تدريس النصوص األدبية‪ ،‬فوقف األدب عموما والنص‬
‫األدبي باعتباره أحد أشكال التعبير الفنية‪ ،‬موقفا حرجا أمام سيادة تصور ال يرى‬
‫تم كانت الدعوة إلى تشييع‬ ‫لألدب فائدة‪ ،‬وال وظيفة في حياتنا المعاصرة‪"،‬ومن ّ‬
‫جثمان األدب ما دامت وظيفته في أحسن األحوال هي التسلية والمتعة وخلق عوالم‬
‫خيالية تفصل القارئ عن واقعه‪ .1‬من هنا كان لزاما أن نؤسس لتلقي النص األدب‪،‬‬
‫تأسيسا جادا‪ ،‬يليق به وبمكانته الفنية الجمالية والداللية‪ ،‬ونساير به أيضا موكب‬
‫الحضارة و العصرنة‪ ،‬ليتحقق التالؤم بين األدب والحياة‪.‬‬

‫الحوار المتمدن‪ ،‬العدد ‪ 2012/08/21 ،3826‬م‪،‬‬ ‫‪ -‬مصطفى الغرافي‪ ،‬في جدوى تدريس النص األدبي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.ahewar.org‬‬

‫‪248‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫طبيعة النصوص األدبية في المقررات الدراسية‬ ‫‪II‬‬

‫صح‬
‫ّ‬ ‫يحتل النص األدبي في الواقع التعليمي مركز الريادة والسيادة –إن‬
‫التعبير‪ -‬وذلك عندما اعتبره أهل التربية والتعليم في مختلف األطوار التعليمية‪ ،‬من‬
‫طرته من تلكم األهداف"فللنصوص‬
‫الوسائل الناجحة والهامة في إرساء جملة ما س ّ‬
‫التي توسم باألدبية مكانة رفيعة في المؤسسة التربوية‪ ،‬يندر أن نجد لها مثيال في‬
‫المؤسسات‪ ،‬ففي المؤسسة تنعقد العالقة المتينة بين أركان ثالثة هي‪ :‬األدب‬
‫‪1‬‬
‫والمدرسة والقراءة"‬

‫والنص هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تعبر عبرها رسائل تربوية وسلوكية‪،‬‬
‫بصورة ناجحة ومثمرة"فالنص األدبي لما يتضمنه من عمق في األفكار وجماليات في‬
‫األسلوب التعبيري وتعدد الصور الفنية به‪ ،‬هو بكل تأكيد مصدر لإلثراء الفكري‬
‫واللغوي‪ ،‬والتذوق الجمالي والفني‪ ،‬ولما يحوزه من أبعاد إنسانية‪ ،‬وقيم واتجاهات‬
‫توجه سلوك المتعلمين ‪ ."2‬فالغاية التي ترتجى من دراسة النصوص األدبية تتمثل‬
‫في تحقيق المتعة والمنفعة معا‪ ،‬وهذا ما تنشده المنظومة التربوية في جملة ما‬
‫تقترحه من نصوص أدبية مقصودة‪ ،‬تتحرى من ورائها ترسيخ القيم المعرفية‪،‬‬
‫والجمالية‪ ،‬واألخالقية من جهة‪ِ ،‬‬
‫وتعد التلميذ في المقابل بتذوق اآلثار األدبية‪،‬‬
‫والشعور باللذة والمتعة في قراءتها من جهة أخرى"فتكون غايات النص األدبي‪ ،‬أو‬
‫تكاد تكون وقفا عليه دون سواه من صنوف الفن‪،‬اإلمتاع واإلبهاج وتوفير المتعة‬
‫األدبية والجمالية من خالل ما يعرضه هذا النص‪ ،‬قبل أن تكون شيء آخر"‪. 3‬‬
‫وإلقاء نظرة عاجلة على مستوى حضور النص األدبي في المقررات الدراسية السيما‬
‫أن المدرسة لم تستثن هي بدورها هاتين‬
‫في المرحلة الثانوية‪،‬يظهر لنا جليا‪ّ ،‬‬

‫‪ -‬شكري مبخوت‪ ،‬األدب والمدرسة‪ .‬مجلة عيون المقاالت‪ ،‬ع‪ 1/ 11 :‬فبراير ‪1988‬م‪ ،‬المغرب‪ ،‬ص‪87‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬بشير خلف‪ ،‬النص األدبي الجزائري‪ ،‬مقصى من الكتاب المدرسي الى أجل غير مسمى؟!‪ .‬مجلة الحوار المتمدن‬ ‫‪2‬‬

‫العدد ‪ ،2012/03/04 ،3657‬ص‪1‬‬


‫‪ -‬عبد القادر زروقي‪ ،‬معالم فرادة النص األدبي في النقد العربي القديم‪ .‬مجلة القلم‪ ،‬قسم اللغة العربية جامعة السانيا‬ ‫‪3‬‬

‫وهران‪ .‬ع‪ ،2 :‬سنة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪125‬‬

‫‪249‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الوظيفتين لألدب‪ ،‬ولم تفصل بينهما‪ ،‬وهو ما يتجّلى في جملة النصوص األدبية‪،‬‬
‫التي تم إدراجها ضمن المقررات الدراسية‪ ،‬والتي تدعو دعوة صريحة وهادفة إلى‬
‫ترسيخ القيم الفنية والجمالية والمعرفية‪ ،‬من أجل إعداد تلميذ متذوق للقراءة برغبة‬
‫مطعمة بحب وتذوق"ألجل ذلك فإن إقراء النص األدبي‪ ،‬ال ينبغي أن يقصي أبعاده‬
‫ّ‬
‫الجمالية‪ ،‬وال أن يضحي بجوانبه المعرفية والداللية‪ ،‬ولكن ينبغي أن يزاوج بين‬
‫المتعة والفائدة‪ ،‬مما يم ّكن من إعداد تلميذ‪ ،‬قادر على التفاعل جماليا مع النص‬
‫األدبي‪ ،‬واالستفادة من إحاالته المعرفية والثقافية"‪ .1‬لذا لم تكن مهمة إدراج‬
‫النصوص األدبية‪ ،‬ضمن مكونات مادة اللغة العربية‪ ،‬فعال اعتباطيا وال خاضعا‬
‫لمحض الصدفة‪ ،‬وإنما هو عمل يخضع ألصول علمية‪ ،‬وسياسة منهجية هادفة‪،‬‬
‫ترمي إلى تحقيق جملة من الوظائف الضرورية‪ ،‬فمن خالل احتكاك التلميذ‪،‬‬
‫بالنصوص المختلفة األجناس يتمكن من التعرف والتمييز بين خصائص كل جنس‬
‫على حده‪ ،‬وتمكنه من امتالك القدرة‪ ،‬على نسج نصوص أدبية على نحو النصوص‬
‫ومبدع لها‪ .‬وعلى‬
‫ٍ‬ ‫منتج‬
‫ٍ‬ ‫المدروسة‪ ،‬فينتقل التلميذ من مجرد مستهلك للنصوص‪ ،‬إلى‬
‫ضوء احتكاك التلميذ بالنصوص األدبية يتأصل لديه الحس النقدي‪ ،‬الذي يمنحه‬
‫القدرة من خالل تفحص النصوص‪ ،‬وموازنتها بمقاييس وقواعد الجنس األدبي‪ ،‬الذي‬
‫ينتمي إليه أن يحكم عليها بالجودة أو بالرداءة‪ ،‬ليخلص إلى إصدار الحكم النقدي‪.‬‬
‫تقدمه النصوص التي يدرسها التلميذ من قدرة على اإلبداع والنقد‪ ،‬فهي‬ ‫وفوق ما ّ‬
‫تمثل له مصد ار لإلثراء المعرفي والثقافي‪ ،‬الذي يساعده في توسيع مداركه وتقوية‬
‫زاده المعرف واألدبي‪.‬‬

‫‪ III‬القراءة المنهجية للنصوص األدبية‪:‬‬

‫يراهن النص األدبي في تحقيق إنجازيته الفعلية على مجموعة من اآلليات‬


‫أن القراءة‬
‫والمنهجيات‪ ،‬التي تسمح له باستكمال صورته األدبية‪ ،‬ومما ال شك فيه ّ‬
‫هي السبيل الوحيد الذي يضمن للنص األدبي تحقيق وجوده الفعلي في الواقع‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‬ ‫‪1‬‬

‫‪250‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫الملموس‪ ،‬ذلك ألن الفعل اإلبداعي كما يقول جون بول سارتر "لحظة غير مكتملة‬
‫‪،‬ألن عملية الكتابة تفترض عملية القراءة كتالزم جدلي يساهم فيه‬
‫في العمل األدبي" ّ‬
‫‪1‬‬

‫بشكل مباشر القارئ‪ ،‬الذي ّ‬


‫يتمم إنجاز النص ويعطيه شهادة الوجود بالفعل‪.‬‬

‫وعلى اعتبار أن النص األدبي المقرر في البرنامج الدراسي ‪ ،‬هو نص تعليم‬


‫القراء‪ ،‬وهي فئة المتمدرسين‬
‫موجه بشكل مقصود ومخصوص إلى فئة معينة من ّ‬
‫يتم إخضاع تلك النصوص إلى مجموعة من الخطوات‬ ‫والطالب كان لزاما أن ّ‬
‫واإلجراءات المنهجية‪ ،‬التي تؤسس الطريق لعملية التلقي عند التالميذ تأسيسا‬
‫سليما‪ ،‬وتيسر السبيل أمامهم للتأويل والتفسير‪،‬فكانت منهجية تدريس النصوص‬
‫األدبية قائمة على خطة ديداكتيكية لتحليل النصوص في مادة اللغة العربية‪ ،‬تعتمد‬
‫كل االعتماد على مفهوم القراءة المنهجية"كنشاط ديداكتيكي يهدف إلى تمكين‬
‫المتعّلمين من الكليات المنهجية لقراءة النصوص المختلفة‪ ،‬استنادا إلى مجموعة‬
‫من اإلجراءات العملية‪،‬وهي إجراءات حاولت الكتب المدرسية اعتمادها في مجملها‬
‫‪2‬‬
‫مع بعض االختالف الذي ال يمس جوهر المقاربة"‬

‫تتبنى القراءة المنهجية في مجمل خطواتها ومرتكزاتها المنهجية‪ ،‬مجموعة من‬


‫مسوغاتها وسبل تنفيذها‪ ،‬إذ تنطلق القراءة‬
‫ّ‬ ‫المفاهيم والمبادئ األساسية لفهم‬
‫المنهجية من مبدأ الكفاية المعرفية الذي ينبغي أن يتحقق في القارئ‪ ،‬حتى يستطيع‬
‫مزود بشبكة معرفية‪ ،‬تؤول به إلى وضع فرضياته الخاصة‪،‬‬ ‫استقبال النص وهو ّ‬
‫التي هي من نتائج خبراته وتجاربه"ولقد دّلت التجارب على أن التالميذ الذين تتوافر‬
‫لديهم معرفة مفهومية متنوعة(أدبية وعلمية وتاريخية وجغرافية وفنية‪)..‬أقدر من‬

‫‪ sartre jean paul ..Qu est ce que la littérature..cite par. W.Iser. lacte de lecture.‬نقال‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫عن خرماش محمد‪ ،‬مفهوم القارئ أو فعل القراءة في النقد األدبي المعاصر‪ ،‬مجلة أقالم‪ ،‬ع‪1999 /5 :‬م‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪ -‬محمد حمود‪ ،‬مكونات القراءة المنهجية للنصوص(المرجعيات‪،‬المقاطع‪ ،‬اآلليات)‪ .‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار‬ ‫‪2‬‬

‫البيضاء‪ ،1988‬ص‪.15‬‬

‫‪251‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫غيرهم على فهم المقروء‪ ،‬وأقدر على تنشيط خطاطاتهم الذهنية"‪ ،1‬وأقدر على‬
‫توظيف المعارف والضوابط اللغوية وتقنيات التعبير‪.‬‬

‫كما تركن القراءة المنهجية أيضا إلى مجموعة من العمليات اإلجرائية‪ ،‬التي‬
‫تتوافق وتتناسب مع خصوصيات أنماط النصوص المختلفة‪ ،‬بهدف تحقيق الفهم‬
‫واالستيعاب‪ ،‬فباالطالع على خصيصة النص كنسيج متناغم ومتكامل بين الشكل‬
‫والمعنى‪ ،‬تعتمد القراءة المنهجية على أدوات تحليلية مالئمة لكل صنف من أصناف‬
‫النصوص‪ ،‬وبدل أن تقترح شبكة واحدة ووحيدة لقراءة جميع النصوص‪ ،‬فهي تأخذ‬
‫بعين االعتبار خصوصية كل نوع"وهو ما يوحي بأن القراءة المنهجية‪ ،‬ليست وصفة‬
‫توجهه الخصوصيات الخطابية‬
‫قارة وجاهزة‪ ،‬بل هي اجتهاد تأويلي‪ ،‬وتحليلي‪ّ ،‬‬
‫واإلشكالية للنصوص"‪، 2‬فعدم االمتثال لنموذج قراءة واحدة على النصوص المختلفة‬
‫أجناسها‪ ،‬هو ما يسمح للتلميذ من إدراك الفروق بين أشكال النصوص المتعددة‬
‫ويخلق فيه روح النقد والتقويم‪ ،‬بناء على تمكينه من قدرات على البرهنة واالستدالل‬
‫والحكم‪ ،‬لذلك فهي تقترح في نهاية كل دراسة للنص‪ ،‬وضعيات مفتوحة للحوار‬
‫والنقاش وإبداء الرأي في جملة ما استخلصه التالميذ من نتائج‪.3‬‬

‫طر مفهوم القراءة المنهجية‪ ،‬نخلص إلى‬


‫األولي الذي يؤ ّ‬
‫ووفقا لهذا المنظور ّ‬
‫القول بأنها نشاط تعليمي ديداكتيكي‪ ،‬يقوم على مجموعة من اإلجراءات والمهارات‬
‫بهدف بناء معنى النص تدريجيا‪،‬فهي تقوم على أساس تصورات ذهنية لصياغة‬
‫المزود‬
‫ّ‬ ‫فرضيات حول النص‪ ،‬على اعتبار أن المعنى هو نتيجة تفاعل المتلقي‬
‫بكفايات لغوية‪ ،‬وفنية‪ ،‬واجتماعية‪.‬‬

‫‪ -1‬القراءة المدرسية للنصوص وطبيعة نشاط القارئ‪-‬المتعلم‪ ،‬محمد البرهمي‪ ،‬مجلة رؤى الثقافية‪ ،‬ع‪ /42:‬أكتوبر‬
‫‪2001‬م‪58 ،‬‬
‫‪ -‬و ازرة التربية الوطنية‪ ،‬منهاج اللغة العربية‪ ، .‬الكتابة العامة للشؤون التربوية‪ ،‬مديرية التعليم الثانوي‪،‬قسم البرامج‬ ‫‪2‬‬

‫والمناهج والوسائل التعليمية‪،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط ‪،1996‬ص‪22‬‬


‫‪-‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪22‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪252‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫قومات القراءة المنهجية‬


‫‪ IV‬م ّ‬

‫لقد رصد األستاذ "محمد حمود" في كتابه(مكونات القراءة المنهجية) مقومات‬


‫القراءة المنهجية من خالل مقابلة ما ترفضه بما تستدعيه؛فما ترفضه القراءة‬
‫المنهجية هو السلبية والفصل بين الشكل والمضمون‪ ،‬وإصدار األحكام القبلية‪ ،‬وأما‬
‫ما تستدعيه فهو المالحظة الدقيقة لألشكال‪ ،‬وأصناف األشكال وتحليلها وإدراك‬
‫ديناميتها داخل النص‪ ،‬فالقراءة المنهجية هي قراءة تتبنى الدقة العلمية فيما تقترحه‬
‫لمقاربة النصوص‪ ،‬حيث تقترح تحليل النص انطالقا من النص‪ ،‬ومن المعرفة القبلية‬
‫للقارئ‪ ،‬مع تغييب األحكام القبلية على النص أو الكاتب‪ ، 1‬فهي ترتكز على‬
‫المالحظة الموضوعية الدقيقة لألشكال أو لنظام األشكال(النحو‪ ،‬التركيب‪،‬الصرف ‪،‬‬
‫المعجم‪ ،‬الحقول الداللية و المعجمية‪ ،‬التلفظ المصور‪،‬االستعارات‪،‬المجازات‪،‬صيغ‬
‫التعبير‪،)...‬وتدعو إلى تحليل نظام هذه األشكال‪ ،‬وإدراك مظاهر ديناميتها وتفاعلها‬

‫داخل النص‪ ،‬ومحاولة االستكشاف الحذر للمسكوت عنه داخل النص دون ّ‬
‫أي‬
‫تقول‪،‬من أجل بناء تدريجي لداللة النص انطالقا من فرضيات قرائية يتم فحص‬
‫‪2‬‬
‫صدقيتها بدقة‪.‬‬

‫تناهض القراءة المنهجية في إجرائيتها قاعدة شرح النص وفهم مضمونه فقط‪،‬‬
‫كرسته مجموعة من الممارسات التعليمية الجافة الرامية إلى شرح‬ ‫وهو إجراء قد ّ‬
‫النص بناءا على إبراز معناه‪ ،‬وإماطة اللثام عنه فقط‪ ،‬مقصية بذلك القارئ وفعل‬
‫القراءة الفاعلة‪ ،‬في حين تؤكد القراءة المنهجية‪ ،‬وتشدد على صيرورة بناء المعنى‬
‫الذي يشرحه المدرس للتالميذ‪ ،‬وينتجه التالميذ بمساعدة المعلم‪ ،‬فهي بذلك تستدرج‬
‫القارئ لصناعة المعنى‪ ،‬انطالقا من استثماره لكفاياته المعرفية المختلفة‪ ،‬وفق‬
‫عمليات ذهنية أساسية ومفاهيم إجرائية تتدخل في كل فعل قرائي‪،‬يستدعي صياغة‬
‫يتجسد وبشكل‬
‫ّ‬ ‫فرضيات للمعنى واستخراج القرائن الكفيلة بفحص الفرضيات‪ ،‬وبالتالي‬

‫‪ -‬محمد حمود‪،‬مكونات القراءة المنهجية‪ ،‬ص‪16‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪،‬ص‪17-16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪253‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫واضح ذلك التفاعل الحي الذي"ينخرط فيه القارئ مع مكونات العمل‪،‬األمر الذي يؤكد‬
‫ّ‬
‫وجود نوع من التعاون التأويلي بين طرفي اإلرسال والتلقي" ‪ ،‬فيصير فعل القراءة‬
‫‪1‬‬

‫إجراء منظما خاضعا لضوابط المالحظة الدقيقة والعميقة للنص‪ ،‬باعتبارها إجراء‬
‫ويبرمج استجاباته لنداءات النص موضوع التحليل‪،‬‬ ‫عمليا يؤ ّطر تفاعل القارئ‬
‫وتحقيقا لهدف خلق تواصل أدبي مزدوج األبعاد‪ ،‬يولد معنى النص من ناحية‪،‬‬
‫ويضمن لذة القراءة من ناحية ثانية‪ ،2‬وبناء عليه " فالقراءة المنهجية هي نموذج‬
‫للقراءة العارفة التي تتجاوز العمل األدبي لتدرك الظروف المحيطة بإنتاجه‪ ،‬وتفهم‬
‫نواياه‪ ،‬وتحلل أدواته‪،‬وتعيد تشكيل نظام اإلحاالت الذي يعطيه العمل بعده الجمالي‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫إنها قراءة حكيمة ومحّفزة "‬

‫‪ V‬مراحل القراءة المنهجية‪:‬‬

‫تخضع القراءة المنهجية كغيرها من الطرائق التعليمية إلى مجموعة من‬


‫الخطوات والمراحل‪،‬التي يتم إتباعها للوصول إلى تحقيق األهداف المقصودة‪ ،‬فهي‬
‫فعل قرائي موحد تشكله مجموعة من المعطيات والعمليات التي يمكن تصنيفها ضمن‬
‫عدد من المراحل‪:‬‬

‫المرحلة األولى(مرحلة ما قبل القراءة)‬ ‫‪1‬‬

‫وهي مرحلة تمهيدية يخضع لها القارئ بهدف التقرب من النص‪ ،‬إذ يتم ذلك‬
‫من خالل استحضار معارف ومكتسبات المتعلم‪ ،‬بهدف استثمارها في وضع فرضيات‬
‫للقراءة‪،‬ليت مكن بعد ذلك المعلم من تشخيص تلك المكتسبات وتقويمها‪،‬منطلقا من‬
‫طرح مجموعة من األسئلة حول النص يثير بها فضول المتعلمين‪،‬ويدفعه إلى الربط‬
‫بين تلك المكتسبات وبين محتويات النص‪.‬‬

‫‪ -‬محمد حمود‪،‬مكونات القراءة المنهجية ‪،‬ص‪25‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬المرجع نفسه‪،‬ص‪26‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬رشيد بن حدو‪،‬العالقة بين القارئ والنص في التفكير األدبي المعاصر‪.‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‬ ‫‪3‬‬

‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.‬ع‪ /2-1 :‬يوليو ‪ ،1994‬ص‪477‬‬

‫‪254‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫المرحلة الثانية (مرحلة القراءة االستكشافية)‬ ‫‪2‬‬

‫وهي مرحلة يلقي فيها المتعلم نظرة مسحية مجلة على النص‪،‬معتمدا‬
‫البارزة فيه‬ ‫فيلتقط المؤشرات النصية‬ ‫‪1‬‬
‫إستراتيجية المالحظة االنتقائية‬
‫كالعناوين‪،‬شكل النص‪ ،‬وشكل الفقرات‪ ،‬المصدر الذي أُخذ منه‪ ،‬اسم الكاتب‬
‫والصور‪...‬ليشكل بذلك عنده مدخال تمهيديا لمحيط النص‪،‬ويسمح له من تحقيق نوع‬
‫من األلفة اتجاه النص "فالقراءة اإلستكشافية هي عملية بناء لألجزاء والشذرات‬
‫الثانوية خلف العناصر والمؤشرات النصية‪،‬ومن فإن استباق المتعلم لدالالت النص‬
‫يعتبر أبسط نشاط قرائي وأمتعه في اآلن نفسه‪،‬ألنه فعل قائم على االفتراض والتوقع‬
‫‪2‬‬
‫والتمحيص "‬

‫المعمقة)‬
‫ّ‬ ‫المرحلة الثالثة (مرحلة القراءة‬ ‫‪3‬‬

‫يتجسد التالقي بين المتعلم مع النص مباشرة‪،‬حيث تتم قراءة‬


‫ّ‬ ‫في هذه المرحلة‬
‫تم تأسيس قاعدة ينطلق منها القارئ في عملية بناء‬‫النص ومحاولة فهمه‪،‬بعد ما ّ‬
‫معنى النص‪،‬حيث تبدأ هذه المرحلة باسترجاع المعطيات والفرضيات التي استقاها‬
‫من القراءة االستكشافية‪،‬ومقابلة بعضها ببعض‪ ،‬ليتم طرح مجموعة من األسئلة‬
‫على عملية انتقاء الفرضيات وعلى فهم المعنى اإلجمالي‪.‬‬

‫‪ -‬مكونات القراءة المنهجية‪43 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬لطيفة هباشي‪ ،‬استثمار النصوص األصيلة في تنمية القراءة الناقدة‪ ،‬عالم الكتب الحديث األردن‪ .‬ط‪2008 :1‬م‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪161‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ VI‬الخاتمة‬

‫إن ما يمكن أن نختم به هذه الورقة هو التأكيد على هذا النوع من القراءة‬
‫ّ‬
‫المنهجية‪ ،‬التي تتالءم وفق ميكانيزماتها وأدواتها اإلجرائية‪،‬و وفق تصوراتها‬
‫الناضجة عن النص‪-،‬مع طبيعة النصوص األدبية التي تصب في قالب البيداغوجة‬
‫والتعليم‪ ،‬حيث تسعى من خالل منطلقاتها النقدية والبيداغوجية إلى مقاربة النص‬
‫األدبي بطريقة علمية دقيقة بعيدة عن األحكام المسبقة على النص‪،‬وظروف إنتاجه‬
‫تتبع‬
‫وحياة صاحبه‪،‬منطلقة من صياغة الفرضيات ثم تمحيصها وتدقيقها عند ّ‬
‫التحليل والتدرج إلى أعماق النص‪،‬الستكشاف معناه‪،‬معتمدة أشد االعتماد على‬
‫تذيل القراءة بأسئلة دقيقة تقيس‬
‫مقاربة التقويم‪،‬التي تتجلى مع نهاية كل قراءة حيث ّ‬
‫مدى تطور كفايات المتعلم وقدراته المنهجية‪،‬ومدى تحسن أدائه المنهجي والتواصلي‬
‫بالمواصفات المطلوبة كـالتحليل والتركيب والتقويم والمقارنة‪...‬‬

‫لكن تظل القراءة المنهجية رغم آفاقها التحليلية‪ ،‬في عداد النظريات ما لم تتم‬
‫أجرأتها الميدانية بإخضاع المدرسين والمهتمين للتكوين في إطار تصورها‬
‫البيداغوجي‪ ،‬الذي يسمح بتمثلها تمثال فعليا يزيح عن األذهان األساليب التقليدية‬
‫كالشرح والتفسير والعرض التاريخي‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫فهرس مصادر ومراجع البحث‬

‫‪ .1‬بشير إبرير‪ ،‬السيميائية وتبليغ النص األدبي‪ .‬مجلة المنهل‪ ،‬العدد‪524:‬‬


‫السنة ‪.1995‬‬
‫‪ .2‬بشير خلف‪ ،‬النص األدبي الجزائري‪ ،‬مقصى من الكتاب المدرسي الى أجل‬
‫غير مسمى‪ .‬مجلة ‪.‬‬
‫‪ .3‬رشيد بن حدو‪،‬العالقة بين القارئ والنص في التفكير األدبي المعاصر‪.‬مجلة‬
‫الفكر‬
‫‪ .4‬شكري مبخوت‪ ،‬األدب والمدرسة‪ .‬مجلة عيون المقاالت‪ ،‬العدد‪11 :‬‬
‫سنة‪1988‬‬
‫‪ .5‬عبد القادر زروقي‪ ،‬معالم فرادة النص األدبي في النقد العربي القديم‪ .‬مجلة‬
‫القلم‪ ،‬قسم اللغة العربية جامعة السانيا وهران‪ .‬ع‪ ،2 :‬سنة ‪2005‬م‪.،‬‬
‫‪ .6‬عز الدين المناصرة‪ ،‬نص الوطن وطن النص شهادة في شعرية األمكنة‪.‬‬
‫مجلة التبيين‪ ،‬ع‪.1:‬‬
‫‪ .7‬لطيفة هباشي‪ ،‬استثمار النصوص األصيلة في تنمية القراءة الناقدة‪ ،‬عالم‬
‫الكتب الحديث األردن‪ .‬ط‪2008 :1‬م ص‪161‬‬
‫‪ .8‬محمد األمين شيخة‪ ،‬فعالية المهيمنات المعرفية واللغوية في النصوص‬
‫األدبية‪ ،‬نحو بديل إجرائي في بناء الحس الذوقي لدى المتعلم‪ .‬دراسة‬
‫أكاديمية في تعليمية النصوص األدبية‪.‬‬
‫‪ .9‬محمد حمود‪ ،‬مكونات القراءة المنهجية للنصوص(المرجعيات‪،‬المقاطع‪،‬‬
‫اآلليات)‪ .‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪.،1988‬‬
‫محمد مفتاح‪ ،‬دينامية النص‪ ،‬تنظير وإنجاز‪ .‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫الدار البيضاء ‪1987‬‬

‫‪257‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجلة رفوف‬
‫مجلد‪ :‬السادس عدد‪ :‬األول السنة‪ :‬سبتمبر ‪2018‬‬

‫‪ .11‬وزارة التربية الوطنية‪ ،‬منهاج اللغة العربية‪ .‬الكتابة العامة للشؤون التربوية‪،‬‬
‫والمناهج والوسائل التعليمية‪ ،‬مطبعة‬ ‫البرامج‬ ‫مديرية التعليم الثانوي‪ ،‬قسم‬
‫المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط ‪.1996‬‬
‫‪ .12‬مصطفى الغرافي‪ ،‬في جدوى تدريس النص األدبي‪ .‬الحوار المتمدن‪ ،‬العدد‬
‫‪ 2012/08/21 ،3826‬م‪www.ahewar.org ،‬‬

‫‪258‬‬

You might also like