You are on page 1of 10

‫الركن المعـنوي للجريمة‬

‫ـ الركن المعنوي للجريمة هو الكيان المعنوي الذي ي ُمث ّل العﻼقة النفسية بين الجاني ومادّيات الجريمة‬
‫وأن الجريمة لها أصول نفسية‬ ‫أن الفعل المادّي للجريمة صاد ٌٌر عن إرادة إجرامية )آثمة( ّ‬‫ُين ّ‬
‫‪،‬والتي تب ﱡ‬
‫سيطر على مادّياتها‪ ،‬والمبدأ يقضي بأنهّ "ﻻ جريمة بدون خطأ"‪ .‬فالشخص الذي ارتكب الجريمة يكون قد‬ ‫ت ُ‬
‫أخطأ إ ّما قاصدا ُمتع ّمدا عن وعي وإدراك وبنية اقتراف السلوك اﻹجرامي‪ ،‬وإ ّما نتيجة إهمال منه أو‬
‫رعونة‪ ،‬وذلك بما له من إدراك وتمييز وحرية اﻻختيار‪ ،‬تؤ ّكد قدُرته على توجيه إرادته وسلوكه والتمييز‬
‫والشر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بين الخير‬
‫ـ وأهميةّ الركن المعنوي تكمن في‪:‬‬
‫ـ ّ‬
‫أن بهذه الرابطة المعنوية يسند القاضي السلوك الجنائي لفاعله تطبيقا لمبدأ شخصية العقوبة‪.‬‬
‫ـ أنهّ يكشف عن مدى خطورة شخصية الجاني وي ُ‬
‫ساهم في تحقيق أغراض العقوبة المناسبة‪.‬‬
‫ساهم في تحقيق ذاتية القانون الجنائي باعتباره القانون الوحيد الذي يهتم بالجانب النفسي للشخص‪.‬‬
‫ـي ُ‬
‫ـ صور الركن المعنوي‪ ،‬اﻷصل في الجرائم أن ّها تقوم على القصد الجنائي )الخطأ العمدي( بإرادة مو ّجهة‬
‫بوعي بنيةّ اقتراف السلوك اﻹجرامي‪ .‬واستثناء تكون الجرائم غير عمدية تقـوم علـى الخطـأ )الخطأ غير‬
‫طأْتُم ِب ِه َو ٰلَ ِكن‬
‫علَ ْي ُك ْم ُجنَا ٌح فِي َما أ َ ْخ َ‬ ‫العمدي(‪ ،‬تت ّجه فيه اﻹرادة لتحقيق الفعل دون النتيجة‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿.‬ولَي َ‬
‫ْس َ‬
‫ورا ﱠر ِحي ًما )‪) ﴾(5‬اﻷحزاب( ولذلك هناك فرق بين القتل العمد الذي يوجب‬ ‫ت قُلُوبُ ُك ْم ۚ َو َكانَ ﱠ ُ َ‬
‫غفُ ً‬ ‫ﱠما تَ َع ﱠم َد ْ‬
‫القصاص والقتل الخطأ الذي يوجب الدية‪.‬‬
‫ـ وكذلك ميز التشريع الجنائي الجزائري بين الصورتين القصد الجنائي في الجرائم العمدية من جهة‪،‬‬
‫نص على جريمة القتل العمد في المادّة ‪ 254‬ق ع‬
‫والخطأ في الجرائم غير العمدية من جهة أخرى‪ ،‬فمثﻼ ّ‬
‫"القتل هو إزهاق روح إنسان اعمدا"‪ .‬وعاقبت عليها المادّة ‪ 254‬ق ع باﻹعدام‪.‬‬

‫صت على القتل الخطأ المادة ‪" 288‬كُل من قتل خطأ أو تسببّ في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو‬
‫ون ّ‬
‫عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته اﻷنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثﻼث سنوات وبغرامة‬
‫من ‪ 1.000‬إلى ‪ 20.000‬دينار"‪.‬‬

‫وعليه يكون تقسيم المبحث إلى مطلبين‪:‬‬


‫اﻷول‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم العمدية )القصد الجنائي(‬
‫المطلب ّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية )الخطأ(‬
‫المطلب اﻷول‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم العمدية )القصد الجنائي(‬
‫يعُ ّرف القصد الجنائي بأنهّ "اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بعناصرها"‪ .‬أو بأنهّ "إرادة‬
‫الضارة"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ارتكاب الجريمة كما حدّدها القانون‪ ،‬بتوجيه الفعل إلى إحداث النتيجة‬
‫والمشرع الجزائري أحيانا يستعمل مصطلح "القصد" كما في المادة ‪..." 198‬كُل من أسهم عن قصد‪ ،‬بأيةّ‬
‫ّ‬
‫وسيلة كانت‪ ،‬في إصدار أو توزيع أو بيع أو إدخال النقود أو السندات‪ "...‬وأحيانا يستعمل مصطلح‬
‫"العمد" كما في جريمة كسر اﻷختام عمدا أو الشروع عمدا في كسرها في المادة ‪ ،155‬وجريمة الجرح‬
‫العمد في المادّة ‪...264‬إلخ‪.‬‬

‫صها من خﻼل ظروف ومﻼبسات‬ ‫والقصد الجنائي وإن كان مسألة نفسية‪ ،‬إﻻّ أنها تتج ّ‬
‫سد ويت ّم استخﻼ ُ‬
‫الجرائم‪ ،‬وكذا البواعث الدافعة ﻻرتكابها‪ ،‬والوسائل المستعملة وغيرها من العناصر السابقة‪ ،‬والمعاصرة‬
‫والﻼحقة للجريمة‪.‬‬
‫الفرع اﻷول‪ :‬عناصر القصد الجنائي‬
‫توفرت عناصره بأن يكون الجاني على علم بأركان الجريمة‪ ،‬وتتجه إرادته‬
‫ّ‬ ‫ﻻ يقوم القصد الجنائي إﻻّ إذا‬
‫إلى النشاط اﻹجرامي ونتيجته أو قبولها‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬عنصر العلم‪:‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وتميزها عن غيرها من الجرائم‪.‬‬ ‫لتحقق القصد الجنائي علم الجاني بالعناصر التي ت ُك ّون الجريمة‬
‫ّ‬ ‫يشُترط‬
‫والجهل بأحد هذه العناصر أو الغلط فيها ينفي وجود القصد‪ .‬لكن هناك عناصر ثانوية أخرى ترتبط‬
‫بالجريمة ﻻ يؤثر الجهل بها أو الغلط فيها على القصد الجنائي‪.‬‬
‫ويؤثر جهلها على قيام القصد الجنائي‬
‫ّ‬ ‫أ( العناصر التي يجب العلم بها‬
‫شرع من وراء تجريم فعل ُم ّ‬
‫عين إلى صيانة حق يكون‬ ‫‪ (1‬العلم بموضوع الحق المعتدى عليه‪ ،‬يهدف ال ُم ّ‬
‫يتوفر لديه القصد الجنائي‪ ،‬مثل العلم‬
‫ّ‬ ‫ى‬
‫جديرا بالحماية الجنائية‪ ،‬لذا ينبغي أن يكون معلوما لدى الجاني حت ّ‬
‫ي في جريمة القتل‪ ،‬والعلم ّ‬
‫بأن‬ ‫أن الشخص ح ﱡ‬ ‫بأن المال مملوك للغير في جريمة السرقة ‪ 350‬ق ع ‪،‬والعلم ّ‬ ‫ّ‬
‫مزورة عند طرحها للتداول المادة ‪ 201‬ق ع ج‪.‬‬ ‫النقود ّ‬
‫‪ (2‬العلم بخطورة الفعل لكي يكون الجاني قاصدا ُمتع ّمدا ارتكاب الجريمة ينبغي أن يكون عالما ّ‬
‫بأن فعله‬
‫شكل اعتداء على مصلحة محمية قانونا‪ ،‬فمثﻼ ينتفي القصد في القتل بالتسميم‬ ‫ينطوي على خطورة وأنهّ ي ُ‬
‫سما‪ ،‬ومن وضع على جسد إنسان مادّة حارقة ضنا منه‬ ‫أن في الطعام الذي قدّمه للضحية ُ‬‫إن جهل الفاعل ّ‬
‫أن ّها عطر‪.‬‬
‫‪ (3‬العلم بالنتيجة اﻹجرامية‪ :‬النتيجة اﻹجرامية هي واقعها ُمستقبلية‪ ،‬يكون العلم بها عن طريق التوق ﱡع‪،‬‬
‫فيجب أن يتوق ّع الجاني النتيجة اﻹجرامية كما يقُ ّررها القانون في الجرائم ذات النتيجة‪ ،‬مثل أن يتوق ّع‬
‫أن هذا‬ ‫بأن نتيجة فعله هي وفاة المجني عليه‪ ،‬فإذا كان الجاني يضرب الضحية مازحا وﻻ يعلم ّ‬ ‫الجاني ّ‬
‫الضرب تنجم عنه الوفاة ينتفي قصد القتل‪ ،‬وتنحصر مسؤوليته في قصد الضرب والجرح فقط‪.‬‬
‫‪ (4‬العلم بالزمان والمكان‪ :‬في بعض الجرائم يشترط القانون علم الجاني بطبيعة المكان أو الزمان‪ ،‬مثل‬
‫التجمهر في الطريق العمومي )المادّة ‪ 97‬ق ع(‪ ،‬والسكر العلني في اﻷماكن العمومية‪ ،‬وترك اﻷطفال‬
‫والعاجزين في مكان خا ٍل من الناّس )المادّة ‪ 314‬ق ع(‪ ،‬وبيت الخدمة بالنسبة للخادم السارق )المادّة ‪253‬‬
‫ق ع( أو السرقة الموصوفة بسبب توفر ظرف الليل مع ظرف آخر )المادّة ‪ 353‬ق ع(‪ .‬وزمن الحرب‬
‫في جريمة الخيانة )المادّة ‪ 97‬ق ع(‪.‬‬

‫شترط إحاطة‬‫‪ (5‬العلم بالركن الخاص‪ :‬مثل بعض الصفات المطلوبة في الجاني أو المجني عليه التي ي ُ‬
‫العلم بها‪ ،‬كصفة الموظف في جريمة إهانة موظف أثناء أداء مهامه )الم ‪ 144‬ق ع( أو جرائم الرشوة‬
‫واختﻼس المال العام في المواد ‪25‬و ‪ 29‬من قانون ُمكافحة الفساد‪.‬‬

‫غيرة لوصف الجريمة‪ .‬إذا كان وصف الجريمة ُمرتبطا ببعض الظروف‬ ‫‪ (6‬العلم بالظروف المشدّدة ال ُم ّ‬
‫سأل الشخص على أساسها‪ .‬مثل جناية السرقة الموصوفة المقترنة‬ ‫المشدّدة‪ ،‬فإنهّ ينبغي العلم بها كي ي ُ‬
‫سأل عن جنحة السرقة‬‫بظرف العنف وحمل سﻼح ظاهر عندما يكون الجاني على علم بهذه الظروف‪ ،‬وي ُ‬
‫بتوفرها )المادّة ‪ 353‬ق ع(‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البسيطة إذا انتفى عل ُمه‬

‫ب( العناصر التي ﻻ يؤثر الجهل بها في قيام القصد الجنائي‪:‬‬


‫هناك وقائع أخرى ﻻ يتطلبّ القانون العلم بها‪ ،‬قد تكون ُمرتبطة بالجريمة لكن ّها ليست أركانا أو عناصر‬
‫فيها‪ ،‬فالجهل بها ﻻ يؤثر على وجود القصد الجنائي‪ ،‬وي ُحاسب على جرائمه على أساس العمد‪:‬‬
‫‪ (1‬العلم باﻷهلية الجنائية‪ :‬إذا كان الجاني يجهل أنهّ أهل لتح ّمل المسؤولية ويظن مثﻼ أنهّ دون السن‬
‫وتبين ّ‬
‫أن الحقيقة غير ذلك‪ ،‬فهذا الجهل ﻻ يؤثر‬ ‫ّ‬ ‫أن له حصانة‪ ،‬أو أنهّ ُمصاب بمرض عقلي‪،‬‬ ‫القانونية‪ ،‬أو ّ‬
‫في قيام القصد ومن ث ّم المسؤولية‪.‬‬
‫‪ (2‬العلم بالظروف الشخصية المشدّدة المتعلقة بالجاني كظرف العود‪ ،‬حيث ﻻ يستطيع المتهم أن يتح ّجج‬
‫بنسيانه اﻹدانة السابقة‪.‬‬
‫تنص‬
‫ّ‬ ‫‪ (3‬العلم بالقانون ال ُمج ّرم‪ .‬العلم بالقانون ُمفترض لدى عا ّمة الناّس ﻻ يجوز الدفع بجهله‪ ،‬حيث‬
‫ُمعظم الدساتير ومنها الما ّد ة ‪ 74‬من الدستور الجزائري بأنهّ ﻻ يعُذر بجهل القانون‪ .‬خا ّ‬
‫صة إذا كانت‬
‫الجريمة من الجرائم المعلومة لدى الناس بالطبيعة وتتنافى مع مبادئ اﻷخﻼق‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عنصر اﻹرادة‪:‬‬
‫يتحقق القصد الجنائي إذا اتجهت اﻹرادة إلى السلوك اﻹجرامي ونتيجته بقرار حاسم قرار‪.‬‬
‫أ( تعريف اﻹرادة‪:‬‬
‫عين‪ ،‬فإذا كان هذا الغرض هو نتيجة‬ ‫اﻹرادة هي قوة نفسية تو ّجه أعضاء الجسم نحو تحقيق غرض ُم ّ‬
‫إجرامية تكون اﻹرادة إجرامية‪ .‬أو هي نشاط نفسي واع ومدرك يسُيطر على السلوك المادّي ويو ّجهه نحو‬
‫شترط في‬ ‫هدف تحقيق نتيجة إجرامية في الجرائم ذات النتيجة‪ ،‬وإلى اقتراف الفعل في الجرائم المادّية‪ .‬وي ُ‬
‫اﻹرادة إذن أن تكون خالية من العيوب التي قد تنفي التمييز أو حرية اﻻختيار‪.‬‬
‫ب( أثر اﻹرادة ال َمعيبة بعيب الغلط‪:‬‬
‫قد تكون اﻹرادة معيبة بعيب الغلط في أحد عناصر الجريمة أو في محل ّها‪:‬‬
‫كونة‬
‫ط جوهريا ينصبّ على واقعة تدخل في العناصر ال ُم ّ‬ ‫‪ (1‬الغلط في عناصر الجريمة‪ ،‬إذا كان الغل ُ‬
‫للجريمة أو ظرفا ُمشدّدا فإنهّ ينفي القصد الجنائي ‪،‬كالغلط في النتيجة إذا اختلفت النتيجتان )الحقيقية‬
‫والوهمية( في القيمة القانونية‪ ،‬كمن يغلط في حقيبته في المطار لوجود تشابه مع حقائب أخرى فيأخذُ‬
‫صيب شخصا كان يقف في شرفة منزله‪.‬‬ ‫طلق رصاصا في الهواء لتفريق التجمهر في ُ‬ ‫حقيبة غيره‪ ،‬أو من ي ُ‬
‫سأل عن جريمة عمدية‪.‬‬ ‫ﻻي ُ‬
‫‪ (2‬الغلط في المحل )موضوع النتيجة( ﻻ ينفي القصد الجنائي كمن ُ‬
‫يريد ارتكاب جريمة قتل على )ع ّمار(‬
‫فيقتل شبيهه )كمال( ضنا ّ منه أنهّ )ع ّمار(‪ .‬وإذا أطلق الجاني النار على )زيد( فأخطأ الهدف وقتل الشخص‬
‫سأل عن جريمتين هما قتل )عمرو( والشروع في قتل )زيد(‪.‬‬ ‫الذي كان أمامه )عمرو(‪ .‬فإنهّ ي ُ‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أنواع القصد الجنائي‬
‫يقُ ّ‬
‫سم الفقه الجنائي صور القصد الجنائي إلى عدّة تقسيمات منها القصد العام والقصد الخاص‪ ،‬والقصد‬
‫المباشر والقصد اﻻحتمالي‪ ،‬والقصد العادي والقصد مع سبق اﻹصرار‪ ،‬والقصد المحدود وغير المحدود‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬القصد العام والقصد الخاص‪:‬‬
‫ّ‬
‫من حيث الغاية والهدف الذي يسعى إليه الجاني يقُ ّ‬
‫سم القصد الجنائي إلى قصد عام وقصد خاص‪:‬‬
‫أ( القصد العام‪:‬‬
‫هو الغرض الفوري المباشر للجريمة‪ ،‬يتمثل في انصراف إرادة الجاني إلى تنفيذ السلوك وتحقيق النتيجة‬
‫مع علمه بعناصر الجريمة التي يرتكبها‪ .‬وهو مطلوب في كل الجرائم‪ ،‬فالقصد في القتل هو إزهاق روح‬
‫اﻹنسان‪ ،‬والقصد في السرقة هو اﻹستﻼء على المال المسروق‪.‬‬
‫وﻷن الجريمة ليس غاية‬ ‫ّ‬ ‫ـ الباعث إلى ارتكاب الجريمة ﻻ يعُت ﱡد به في قيام الجريمة ﻵنهّ ليس ُركنا فيها‪،‬‬
‫المجرم بل وسيلته في تحقيق غايته‪ ،‬والعبرة بالغرض المباشر الذي يكون واحدا في ال ُمساهمة الجنائية وﻻ‬
‫يتعدّد بتعدّد ال ُمساهمين فكل ّهم ينوي مثﻼ إزهاق الروح ولو تعدّد الباعث ﻻرتكاب الجريمة بتعدّد‬
‫ال ُمساهمين وهو السبب أو الغاية البعيدة أو الخلفية الكامنة وراء ارتكابها والتي تختلف من شخص ﻵخر‪.‬‬
‫فقد يكون القتل لﻺنتقام أو للشفقة أو للشرف أو لتصفية ال ُمنافس أو للحصول على مكافأة مالية‪ ،‬أو لدوافع‬
‫سياسية أو دينية‪.‬‬
‫ُ‬
‫الباعث دنيئا‪ :‬مثل خطف اﻷشخاص من أجل طلب فدية )الم‬ ‫ـ قد يعُت ﱡد بالباعث في التشديد القانوني إذا كان‬
‫كرر‪ (2/‬والقذف بسبب اﻻنتماء إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين )الم ‪.(2/298‬‬ ‫‪ُ 293‬م ّ‬
‫الباعث شريفا مثل مرتكب القتل والجرح والضرب من أحد‬ ‫ُ‬ ‫ـ وقد يعُت ﱡد به في تخفيف العقوبة إذا كان‬
‫الزوجين على الزوج اﻵخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا )الم‪ 279‬ق‬
‫ع(‪.‬‬
‫ب( القصد الخاص‪:‬‬
‫هو نيةّ ُمحدّدة يستلزمها القانون لقيام الجريمة‪ ،‬تنصرف إلى تحقيق غاية ُمعي ّنة أو غرض خاص باﻹضافة‬
‫ﻷن الخطورة تكمن‬‫شرع ويجب على القاضي أن يثُبته في حكمه ّ‬ ‫إلى الغرض العام للجريمة‪ .‬يشترطه ال ُم ّ‬
‫في سعي الجاني إلى تحقيق هذا الهدف‪ .‬فالعلم واﻹرادة ﻻ يقتصران على أركان وعناصر الجريمة بل‬
‫يمتدّان باﻹضافة إلى ذلك إلى وقائع أخرى ليست من أركان الجريمة‪.‬‬
‫فإن الفاعل ﻻ يعاقب من أجل الجريمة الخاصة التي يشترط القانون‬‫تخلف هذا القصد ال ُمحدّد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وفي حالة‬
‫ﻻرتكابها توافر القصد الخاص وإن كان من الممكن معاقبة الجريمة بقصدها العام‪.‬‬
‫زيف رخصا أو شهادات أو‬
‫ّ‬ ‫ـ مثل الغرض الخاص للتزوير في الم ‪ 222‬ق ع "كل من قل ّد أو ّ‬
‫زور أو‬
‫كتابات أو وثائق تصدرها اﻹدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن‪ "..‬ومثل‬
‫غاية الكسر العمدي لﻸختام في المادة ‪ 155‬ق ع "‪...‬وإذا كان كسر اﻷختام أو الشروع فيه قد وقع بغرض‬
‫سرقة أو إتﻼف أدلةّ أو أوراق إثبات في إجراءات جزائية فيكون ‪."...‬‬
‫ثانيا‪ :‬التقسيمات اﻷخرى للقصد الجنائي‪:‬‬
‫أ( القصد ال ُمحدّد والقصد غير ال ُمحدّد‪:‬‬
‫معيار التمييز هو موضوع النتيجة الجرمية‪ ،‬ففي القصد ال ُمحدّد تت ّجه إرادة الجاني إلى تحقيق نتيجة ُمحدّدة‬
‫فيتميز بضعف تحديد النتيجة‪ ،‬حيث يرتكب‬ ‫ّ‬ ‫ُمعي ّنة بذاتها كما كان يقُدّرها‪ ،‬أ ّما في القصد غير ال ُمحدّد‬
‫الشخص الجريمة قاصدا كل ما تحتمله من نتائج دون تحديد أو تقدير ُمسبق‪ ،‬مثل الشرطي الذي يطُلق‬
‫النار على المتظاهرين ﻻ يهمه من أصاب منهم شخصيا لكن يقصد قتل عدد من اﻷشخاص‪ .‬والتفرقة‬
‫ويريدها‪.‬‬
‫شكلية ﻻ قانونية وﻻ فائدة منها‪ .‬ففي كﻼ الحالتين يتوق ّع المجرم النتيجة ُ‬
‫ب( القصد المباشر والقصد غير ال ُمباشر )اﻻحتمالي(‪:‬‬
‫ـ معيارهما توقع النتيجة بين اللزوم واﻹمكان‪ ،‬فالقصد ال ُمباشر تت ّجه فيه اﻹرادة على نحو يقيني ُمسبق إلى‬
‫ويريدها ويتوقعّها كأثر حتمي‪،‬‬
‫اﻻعتداء على الحق المحمي قانونا‪ ،‬والفاعل يقصد حصول النتيجة بذاتها ُ‬
‫كما في إزهاق روح شخص من قبل آخر وتع ّمد إحداث هذه النتيجة عن طريق استعمال أداة قاتلة‬
‫كالمسدس الذي صوبه إلى الرأس أو القلب وكان الضحية قريبا منه‪.‬‬
‫ـ القصد اﻻحتمالي تكون فيه النتائج المترتبة عن الفعل احتمالية كأثر ُممكن ﻻرتكاب الفعل وليست كأثر‬
‫ﻻزم وحتمي‪ .‬أي ّ‬
‫أن حدوثها بالذات لم يكن مقصودا بشكل يقيني‪ ،‬ولكن ّها غير ُمستبعدة بالنسبة للجاني فهو‬
‫يتوقعها ويقبلها‪ ،‬مثل الشخص الذي يقوم بأعمال الضرب أو الجرح ض ّد الغير بصورة متع ّمدة‪ ،‬مستعمﻼ‬
‫عصا حديدية يتوقع مجموعة من النتائج تترتب عن فعله‪ ،‬كإصابة الشخص بكسور‪ ،‬أو موت الشخص‪ ،‬أو‬
‫إصابته بعاهة مستديمة أو فقدان أحد اﻷعضاء‪ .‬أو كمن يضع السم لشخص مع توقعه بأن يأكل معه‬
‫أشخاص آخرون‪ .‬فهو يسُأل عن جريمة القتل العمد لوجود القصد اﻻحتمالي‪.‬‬
‫ـ قانون العقوبات الجزائري يعُاقب الشخص على قصده اﻻحتمالي في المادة ‪" 271‬إذا نتج عن الضرب‬
‫أو الجرح أو العنف أو التعدي‪...‬فقد أو بتر أحد اﻷعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد البصر أو أية‬
‫عاهة مستديمة أخرى فتكون العقوبة السجن المؤقت من ‪ 10‬سنوات إلى ‪ 20‬سنة‪ .‬وإذا نتجت عنها الوفاة‬
‫بدون قصد إحداثها فتكون العقوبة هي الحد اﻷقصى للسجن المؤقت‪."..‬‬
‫جـ( القصد البسيط والقصد ال ُمشدّد بسبق اﻹصرار‪:‬‬
‫عرفت الم‪ 256‬ق ع ج سبق اﻹصرار بأنهّ "عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على اﻻعتداء على شخص‬ ‫ـ ّ‬
‫معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف أو‬
‫ّ‬
‫‪،‬يتميز بمرور زمن‬ ‫شرط كان "فالقصد بسبق اﻹصرار هو التفكير الهادئ في الجريمة قبل التصميم عليها‬
‫بين اتخاذ قرار ارتكاب الجريمة وتنفيذه‪ ،‬وذلك بالتفكير والعزم واﻹصرار في رويةّ‪ .‬مثل مرور ساعات‬
‫من التفكير في أمر الجريمة يعمل فيها الجاني على إعداد العدّة والسير بضعة كيلومترات للوصول إلى‬
‫الضحية واﻹعتداء عليه‪ .‬وهذه النيةّ ت ُد ّل على الخطورة اﻹجرامية للشخص‪.‬‬
‫ـ بينما القصد العادي البسيط )الفوري( يكون تنفيذه فور اتخاذ القرار دون فاصل زمني‪ ،‬مثل المشادّات‬
‫الكﻼمية التي تنتهي بجريمة من جرائم العنف‪ ،‬أو من يرى اعتداء على أخيه‪ ،‬فيأخذُ فأسا ويضرب بها‬
‫ال ُمعتدي فيقضي عليه‪ .‬وهنا تنشأ النية وقت الواقعة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية‬
‫اﻷصل في الجرائم أن ّها عمدية قائمة على القصد الجنائي‪ ،‬واستثناء يمكن أن تكون غير عمدية قائمة على‬
‫يطر اﻹرادة على مادّيات الجريمة‬
‫س ُ‬ ‫الخطأ‪ .‬والفرق بين القصد الجنائي والخطأ هو ّ‬
‫أن في القصد الجنائي ت ُ‬
‫وتت ّجه لتحقيق النتيجة‪ ،‬بينما في الخطأ ّ‬
‫فإن الجاني يريد الفعل لكن ﻻ يريد النتيجة‪ ،‬وإن ّما يرجع حدوث‬
‫النتيجة إلى إهمال الجاني وإخﻼله بواجب الحيطة والحذر‪.‬‬
‫الفرع اﻷول‪ :‬التعريف بالخطأ )غير العمدي(‬
‫ما مفهوم الخطأ غير العمدي؟ وما هو معياره؟ وماهي أنواع الجرائم القائمة على الخطأ غير العمدي؟‬
‫أوﻻ‪ :‬مفهوم الخطأ غير العمدي‪:‬‬
‫ّ‬
‫أ( تعريف الخطأ غير العمدي‪:‬‬
‫يردها الفاعل بطريق‬ ‫ضارة لم ُ‬
‫ّ‬ ‫يعرف الفقه الخطأ غير العمدي بأنهّ فعل أو ترك إرادي تترتب عليه نتائج‬
‫مباشر وﻻ غير مباشر‪ .‬أو هو تقصير في مسلك اﻹنسان ﻻ يقع من الرجل العادي الذي تقُاس عليه‬
‫يريد تحقيق النتيجة‪ ،‬ولكنهّ كان‬
‫تصرفات الفاعل في نفس الظروف‪ .‬فالجاني في الجريمة غير العمدية ﻻ ُ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وﻷن للجاني فيها إرادة جنائية‬ ‫في وسعه تجنبها‪ ،‬ولذلك ي ُعاقب القانون عليها ﻷن ّها تحدث ضررا اجتماعيا‪،‬‬
‫تتمثل في اﻹخﻼل بواجب الحيطة والحذر الذي تتطلبّه الحياة اﻻجتماعية‪ ،‬وعدم توقع ما كان من الﻼزم‬
‫توقعه‪.‬‬
‫ب( معيار الخطأ غير العمدي‪:‬‬
‫معيار اﻹخﻼل بواجبات الحيطة والحذر هو معيار شخصي وموضوعي‪:‬‬
‫ـ فبالمعيار الشخصي يجب النظر إلى الشخص وظروفه لتحديد إن كان بإمكانه تفادي النتيجة فيع ﱡد مخطئا‪،‬‬
‫أو عدم إمكانية تفاديه للنتيجة حسب ظروفه وصفاته فﻼ يعُ ّد مخطئا‪.‬‬
‫ـ وبالمعيار الموضوعي يقارن الشخص بشخص آخر متوسط الحذر واﻻحتياط‪ ،‬فإذا وقع هذا اﻷخير فيما‬
‫اﻷول ُمخطئا‪.‬‬
‫اﻷول فﻼ مجال للمساءلة‪ ،‬وإذا استطاع تفادي النتيجة اﻹجرامية فيعتبر ّ‬
‫وقع فيه ّ‬
‫ثانيا‪ :‬مجال الخطأ غير العمدي‪:‬‬
‫ُ‬
‫تحدث بالخطأ غير العمدي‪:‬‬ ‫أ( أنواع الجرائم التي‬
‫ـ اﻷصل أن يكون الخطأ غير العمدي في المخالفات مثل المخالفات المنصوص عليها في المواد ‪-460‬‬
‫صت المادة ‪.." 460‬ويجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة ثﻼثة أيام على اﻷكثر‪:‬‬
‫‪ 461‬ق ع‪ ،‬مثﻼ ن ّ‬
‫صت الما ّدة ‪ 462‬أنهّ‬‫‪1‬ـ كل من أهمل صيانة وإصﻼح أو تنظيف اﻷفران أو المداخن أو المصانع‪ ." ....‬ون ّ‬
‫"يجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة ثﻼثة أيام على اﻷكثر‪1 :‬ـ كل من كان ُملزما بإنارة جزء من طريق‬
‫عام وأهمل إنارته‪2 .‬ـ وكل من أهمل إنارة المواد التي يضعها أو الحفر التي يحدثها في الشوارع‪3...‬ـ كل‬
‫من أهمل تنفيذ اللوائح التنظيمية أو القرارات المتعلقة بالطرق العمومية‪5...‬ـ كل من ألقى أو وضع في‬
‫الطريق العمومي أقذار أو كناسات أو مياه قذرة أو أيةّ مواد أخرى يؤدي سقوطها إلى إحداث ضرر‪ "..‬ـ‬
‫اﻹستثناء قد يكون في الجنح مثل القتل الخطأ والجروح الخطأ )المواد‪ 288‬و‪ 289‬ق ع(‪.‬‬

‫ـ المادّة ‪ُ " 288‬كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو‬
‫عدم مراعاته اﻷنظمة‪ .‬ي ُعاقب بالحبس من ستة )‪ (6‬أشهر إلى ثﻼث )‪ (3‬سنوات وبغرامة من ‪ 1.000‬دج‬
‫صت الما ّد " ‪ 289‬بأنهّ إذا نتج عن الرعونة أو عن عدم اﻻحتياط إصابة أو جرح أو‬
‫إلى ‪ 20.000‬دج‪ .‬ون ّ‬
‫مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثﻼثة أشهر‪ ،.‬ي ُعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى‬
‫سنتين‪ ،‬و وبغرامة من ‪ 1.000‬دج إلى ‪ 20.000‬دج‪.‬‬

‫صت عليه المادة ‪ 66‬ق ع " يعاقب بالسجن المؤقت من ‪10‬‬ ‫ـ إستثناءا جدّا ونادرا في الجنايات مثلما ن ّ‬
‫سنوات إلى ‪ 20‬سنة كل حارس وكل أمين بحكم وظيفته أو بحكم صفته على معلومات‪ ....‬يمكن أن تؤدي‬
‫معرفتها إلى الكشف عن أسرار الدفاع الوطني يكون قد قام بغير قصد الخيانة أو التجسس بما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ إتﻼفها أو اختﻼسها ‪2...‬ـ إبﻼغها إلى علم شخص‪ ...‬وتكون العقوبة بالسجن المؤقت من ‪ 5‬سنوات إلى‬
‫‪ 10‬سنوات إذا كان الحارس أو اﻷمين قد ارتكب الجريمة برعونة أو بغير حيطة أو بعدم تبصر أو بإهمال‬
‫أو بعدم مراعاة اﻷنظمة"‪.‬‬
‫ب( عدم اشتراط الخطأ غير العمدي في بعض الجرائم‪:‬‬
‫ط فيها تواجد الركن المعنوي‪ ،‬وهي التي توجد من الناحية القانونية وتقع تحت‬ ‫‪ (1‬الجرائم المادّية ﻻ يشُتر ُ‬
‫لمجرد ارتكاب السلوك المادّي‪ ،‬بصرف النظر عن أي عنصر نفسي أو معنوي‪ ،‬ولو في‬ ‫ّ‬ ‫طائلة العقاب‬
‫صورة الخطأ باﻹهمال‪ ،‬مثل ُمخالفات المرور‪ .‬والتي تقُام فيها المسؤولية الجزائية بدون خطأ‪ ،‬حيث ﻻ في‬
‫صورة قصد جنائي وﻻ في صورة خطأ‪ .‬بل يكفي القاضي أن يثُبت الفعل ﻹدانة ال ُمخالف دون الحاجة‬
‫ﻹثبات اﻹهمال أو الرعونة أو عدم اﻻنتباه‪.‬‬
‫أن الشروع واﻻشتراك في الجريمة ﻻ يتُصوران في الجريمة‬ ‫‪ (2‬الشروع والمساهمة الجنائية يرى الفقه ّ‬
‫غير العمدية‪ .‬أي ﻻ يكون الشروع والمساهمة في الجريمة باﻹهمال أو الرعونة أو عدم اﻻحتياط واﻻنتباه‪،‬‬
‫بل يكون ُمتع ّمدا وعن قصد‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬صور الخطأ )غير العمدي(‬
‫هناك صور للخطأ يتفق عليها الفقه والتشريع ت ُم ّ‬
‫يزه عن العمد‪ ،‬وصور فيها الخﻼف‪ ،‬بين الخطء العمد‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬أنواع الخطأ في الجرائم غير العمدية‪:‬‬
‫ّ‬
‫شرع الجزائري صور الخطأ غير العمدي بعض نصوص قانون العقوبات مثل المادّة ‪ 288‬ق ع‬ ‫حصر ال ُم ّ‬
‫وألزم القاضي بإثباتها في حكمه بإدانة المتهم احتراما لمبدأ الشرعية الجنائية‪ .‬قد تكون في شكل سلوك‬
‫إيجابي أو في شكل سلوك سلبي‪ :‬الرعونة واﻹهمال وعدم الحيطة وعدم اﻻنتباه وعدم مراعاة اﻷنظمة‪.‬‬
‫الرعونة‬
‫أ( ّ‬
‫التصرف بطيش وﻻ ُمباﻻة عن نقص في المهارة وسوء تقدير‪ ،‬أوعن جهل بما يلزم العلم به‪ .‬أو هي‬ ‫ّ‬ ‫هي‬
‫القيام بسلوك دون إدراك لخطورته وتوقع نتائجه‪ ،‬مثل من يرمي بحجارة من نافذة منزله ﻻ يبُالي على من‬
‫س ّمى الرعونة‬
‫المارة‪ ،‬وهو ما ي ُ‬
‫ّ‬ ‫وقعت‪ ،‬أو من يقوم بتقليم شجرة في ساحة عمومية فيقع فرع منها على أحد‬
‫المادية‪ .‬أو كمن يقوم بتحريك آلة عن جهل بطريقة تشغيلها فيتسببّ في جريمة‪ ،‬أو كخطأ المهندس‬
‫س ّمى الرعونة‬ ‫المعماري في تصميم البناء فيتسببّ في تهدّم البناء وإصابة أشخاص أو وفاتهم‪ ،‬وهو ما ي ُ‬
‫الفنيّة‬
‫ب( عدم الحيطة‬
‫هو قيام الجاني بممارسة بعض اﻷعمال الخطرة مع نقص الحذر واﻻحتراز الﻼزم‪ ،‬رغم علمه وتوقعه‬
‫صر‬‫لنتائجها‪ ،‬أو هو اﻹقدام على فعل بطريق اﻻستخفاف واﻻستهتار مع إدراك مخاطر الفعل ودون الت ّب ّ‬
‫بعواقبه‪ ،‬فعدم الحيطة هو نقص الحذر الﻼزم للقيام بتصرفات خطرة‪ ،‬مثل قيادة السيارة بسرعة أمام‬
‫المدرسة‪ ،‬أو توقيفها في مكان ممنوع التوقف فيها‪ .‬ونوم المرضعة أمام رضيعها ومن ث ّم قتله خنقا‬
‫صيب‬
‫طلق البارود في عرس وي ُ‬ ‫بانقﻼبها عليه‪ ،‬أو من يهدم مباني دون اتخاذ اﻻحتياطات الﻼزمة‪ .‬أو من ي ُ‬
‫به شخصا‪ ،‬أو من يلقي سيجارة من نافذة السياّرة في أحد الحقول فيحترق‪.‬‬
‫جـ( اﻹهمال وعدم اﻻنتباه‪:‬‬

‫عدم اتخاذ الجاني تدابير الواجب العام لقواعد الخبرة اﻹنسانية تجنبُا ﻷيةّ نتيجة ُم ّ‬
‫ضرة‪ ،‬فهو موقف سلبي‬
‫من الجاني بإغفال واجب اتخاذ التدابير الﻼزمة والوسائل ال ُمناسبة لتفادي وقوع جريمة‪.‬‬
‫يلعب أمام موقد‬
‫ُ‬ ‫المارة من السقوط فيها‪ ،‬أو كاﻷم التي تترك طفلها‬
‫ّ‬ ‫كمن يحفر حفرة وﻻ يضع إشارة لوقاية‬
‫ُ‬
‫حيث تدُان اﻷم بجريمة القتل الخطأ‪ ،‬ﻷن ّها لم تتوقع موته رغم‬ ‫صاب بحروق‪،‬‬ ‫الغاز فيسقط على الموقد وي ُ‬
‫كونها بإمكانها توقع النتيجة‪ .‬ومثل مالك الشقة المؤ ّجرة الذي ي ُهمل واجب الصيانة وتفقد عيوب العين‬
‫بتسرب الغاز أو بتهدّم المبنى‪ .‬أو مثل عدم قيام حارس ممر الس ّكة‬
‫ّ‬ ‫المؤ ّجرة م ّما يؤدّي إلى وفاة ال ُمستأجر‬
‫المارة عن وصول القطار‪ ،‬فيتسببّ بذلك في حادث ُمميت يسُأل فيه عن جريمة القتل الخطأ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بتنبيه‬
‫د( عدم مراعاة اﻷنظمة والقوانين‬
‫هذا الخطأ الخاص مصدره في القوانين المتض ّمنة قواعد المهنة أو السلوك والنصوص التنظيمية‬
‫كالمراسيم والقرارات مثل عدم مراعاة قواعد المرور وظروف تطبيقها‪ ،‬كمن يخالف اﻹشارة الحمراء‬
‫فيقع حادث سير‪ ،‬ومخالفات النصوص التنظيمية‪ .‬أو مثل صدور قرار من رئيس البلدية بهدم مبنى لكونه‬
‫آيﻼ للسقوط‪ ،‬ويتراخى المعني بالقرار في تنفيذه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬طبيعة الخطأ في بعض الجرائم بين العمد وعدم العمد؟‪:‬‬
‫أ( طبيعة الخطأ في الجرائم المتجاوزة القصد أو المشدّدة النتيجة‪:‬‬
‫‪ (1‬ماهية الجريمة المتجاوزة القصد والمشدّدة النتيجة‪ :‬الجريمة المتعدّية القصد أو ال ُمشدّدة النتيجة‪ ،‬هي‬
‫ّ‬
‫تتحقق نتيجة أش ّد من التي كان‬ ‫جرم الذي يرتكبه الجاني عمدا بقصد تحقيق نتيجة ُمعي ّنة‪ ،‬لكن‬
‫السلوك ال ُم ّ‬
‫يقصدها‪ .‬ومن أمثلتها في التشريع الجزائري جريمة الضرب والجرح العمدي ال ُمفضي إلى الوفاة دون‬
‫قصد إحداثها الم ‪ ،2/264‬وجريمة الضرب والجرح العمدي ال ُمفضي إلى إحداث عاهة ُمستديمة دون‬
‫قصد إحداثها الم ‪ 3/264‬وجرائم العنف ال ُمفضية إلى بتر عضو أو عاهة ُمستديمة أو وفاة )المواد ‪-265‬‬
‫‪ 274‬ق ع(‪.‬‬
‫ّ‬
‫تتعلق بنفس المصلحة ال ُمعتدى عليها ومن نفس‬ ‫ـ وسواء كانت النتيجة اﻹجرامية ال ُمشدّدة الغير مقصودة‬
‫تهدر مصلحة ُمغايرة عن‬
‫ُ‬ ‫جنسها مثل اﻹنسان في الضرب والجرح العمدي ال ُمفضي إلى الوفاة‪ ،‬أو كانت‬
‫يراد إهدارها‪ ،‬مثل حرق الممتلكات ال ُمفضي إلى عاهة ُمستديمة أو وفاة )م‪ 399‬ق ع(‪.‬‬ ‫المصلحة التي كان ُ‬
‫‪ (2‬أساس المسؤولية الجزائية في الجريمة المتجاوز القصد والمشدّدة النتيجة‪:‬‬
‫ـ اعتبرها البعض خطأ غير عمدي‪ّ ،‬‬
‫ﻷن الجاني لم يكن يقصد تحقيق النتيجة ال ُمشدّدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪،‬ﻷن الجاني ﻻ يقصد النتائج ال ُمشدّدة لكن يتوقعها ويقبلها‪.‬‬ ‫ـ واعتبرها البعض قصدا احتماليا‬
‫ـ والبعض اﻵخر اعتبرها مسؤولية جزائية بدون خطأ وبدون ركن معنوي أصﻼ سواء في صورة قصد‬
‫جنائي أو خطأ غير عمدي‪ ،‬بل لمجرد الركن المادّي فقط‪.‬‬
‫سس العقوبة على أساس القصد اﻹحتمالي‪ ،‬ففي جريمة الضرب والجرح‬ ‫شرع الجزائري أ ّ‬
‫ـ بالنسبة لل ُم ّ‬
‫العمدي ال ُمفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها )المادّة ‪ ،(2/264‬لم يعُاقب عليها ﻻ بعقوبة القتل العمد وﻻ‬
‫القتل الخطأ‪ ،‬وﻻ بعقوبة الضرب والجرح العمدي وحدها‪ ،‬بل عاقب الفعل بعقوبة أش ّد من عقوبة الضرب‬
‫وأخف من عقوبة القتل‪ .‬وفي جريمة اﻹجهاض ال ُمفضي إلى الموت المنصوص عليها في المادّة ‪ 304‬ق‬
‫ع يفترض من حيث القصد أن ّها جنحة إجهاض عقوبتها الحبس والغرامة‪ .‬ومن حيث النتيجة أن ّها جناية‬
‫شرع عاقب عليها بجناية إجهاض أفضى إلى الموت بالسجن‬ ‫قتل عمد‪ ،‬وليست جنحة القتل الخطأ‪ .‬لكن ال ُم ّ‬
‫المؤقت من ‪ 10‬سنوات إلى ‪ 20‬سنة‪.‬‬

‫ب( خطأ الضحية في الجرائم غير العمدية‪:‬‬


‫سأل جنائيا‬ ‫الضار الذي يمكن تكييفه جنائيا بسبب خطأ المجني عليه وحده‪ّ ،‬‬
‫فإن الفاعل ﻻ ي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـ إذا وقع الفعل‬
‫ممر الراجلين وبعد‬
‫عن النتيجة الجرمية مثل إصابة الضحية بحادث مرور أثناء عبوره الطريق في غير ّ‬
‫فإن سائق السياّرة ﻻ ي ُ‬
‫سأل جنائيا عن الحادث‪.‬‬ ‫اﻹشارة الخضراء للسيارات‪ّ ،‬‬
‫قررته المحكمة العليا وهو عدم جواز دفع المسؤولية الجزائية على أساس خطأ المجني‬ ‫وهناك استثناء ّ‬
‫عليه في القتل الخطأ أو الجروح الخطأ ض ّد اﻷطفال في حادث مرور أمام المدرسة‪ّ ،‬‬
‫ﻷن الطفل غير قادر‬
‫ص ﱡرفاته‪ ،‬حيث يتح ّمل السائق ال ُمتسببّ في الحادث كامل المسؤولية وحده‪.‬‬
‫على التفكير والتنبؤ بعواقب ت ﱡ‬
‫ـ إذا وقعت الجريمة بخطأ كل من الجاني والمجني عليه ت ُخ ّ‬
‫فف العقوبة وفق السلطة التقديرية للقاضي‪.‬‬
‫المرجع‪:‬‬
‫د‪ .‬فريد روابح‪ ،‬محاضرات في القانون الجنائي العام‪ ،‬موجهة لسنة الثانية لسانس‪ ،‬جامعة محمد لمين‬
‫دباغين‪ -‬سطيف‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم الحقوق‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2019-2018‬‬
‫ص‪ 92‬إلى ص‪.103‬‬

You might also like