Professional Documents
Culture Documents
الجلسة المشورية مفهومها أهميتها مخاطرها
الجلسة المشورية مفهومها أهميتها مخاطرها
مقدمة
يلجأ الكثير من المسيحيين إلى حجرات المشورة طلبا ً للمساعدة فى تخطى مشكالتهم النفسية
والعالقاتية ويجنون من هذه الجلسات العالجية ثمارا ً كثيرة فى حياتهم النفسية والروحية والعالقاتية .وفى هذه
الورقة البحثية سنناقش موضوع الجلسة المشورية من حيث مفهومها وأهميتها وأخطارها .
الجلسة المشورية
إن الجلسة المشورية أو ما يطلق عليها الجلسة العالجية ،هى عملية إتصال كيانى عميق بين شخص
المشير وشخص المستشير ،هذه العالقة تؤدى إلى إثارة تساؤالت فى ذهن المستشير بخصوص األمور
المتعلقة بحياته الخاصة ،وذلك بناء على مناقشة يقودها المشير فى موضوع اإلستشارة التى يكون المستشير
بصدد التحدث عنها .يقول مشير سمير " :يجب أن يخرج المستشير بعد جلسة المشورة بشيئ جديد يدور فى
عقله ويفكر به ليغير من كيانه ،شيئ يمد المستشير بقدرة جديدة ليغير من إتجاهاته السابقة ويختار إختيارات
1
مختلفة "
وفى هذه الجلسة يبدى المشير تفهمه لموقف المستشير ،دون إدانة ألخطاءه ،ودون محاولة إلعطاء
نصائح أو عظات أو آيات من الكتاب المقدس .ولكنه يبدى تفهمه وتعاطفه التام والدافئ لشخص المستشير .
وبالطبع فإن هذه الطريقة تؤدى إلى إنفتاح المستشير أكثر فأكثر .فيستطيع أن يخرج من داخله كل المعاناة
والضيق والجروح ،ويكتشف الطرق التى يتعامل بها مع هذه الجروح ومع هذه المعاناة ،ومن هنا يبدأ
إدراكه لذاته .ويساعد المشير ،بواسطة الحوار ،فى توقف المستشير أمام أفعال كان يقوم بها ،سواء باطنيا ً
أو خارجيا ً ،ليبدأ فى إدراك نفسه بشكل أعمق .وبالطبع فإن شخصية المشير وثباته النفسى وشجاعته تؤثر
على المستشير .يصف رولو ماى العالقة التى تحدث بين المشير والمستشير فى الجلسة المشورية فيقول " :
1مشير سمير ،المشير المستشير المشورة ج ، 1القاهرة P.T.W ،للترجمة والنشر 31 . 2017 ،
2
يؤخذ المشير والمستشير من نفسيهما إلى كيان نفسى مشترك ،وتصير مشاعر وإرادة كل منهما جزء من هذه
الكينونة الجديدة .ومن ثم يلقى المستشير بمشاكله على عاتق هذا "الشخص الجديد " ومن ثم يحمل المستشير
نصفها الخاص به .ويصل الثبات النفسى للمشير ووضوحه وشجاعته وقوة إرادته إلى المستشير ومن ثم
2
يعينه هذا فى صراعه النفسى داخل الشخصية "
لذلك ففى الغالب يخرج المستشير من جلسة المشورة ،وهو فى صدمة بسبب إدراكه حقيقة وضعه .
وهذا األمر طبيعى ،بل ومفيد .يقول رولو ماى أن المستشير يجب أن يخرج من الجلسة المشورية " :أكثر
شجاعة ال أكثر سعادة " 3ويقول مشير سمير " :فى الغالب سوف يخرج المستشير بعد الكثير من جلسات
المشو رة العميقة وهو غير سعيد .فقد حدث له صدمة وإرتجاج ،نتيجة ألنه أدرك حقيقة وضعه وحاجته ألن
يغير من ذاته وأن يتحمل مشقة وتكلفة وتبعات هذا التغيير على كل جوانب حياته ومع كل من يتعامل معه فى
4
المنزل أو فى العمل "
إن الهدف األساسى للمشورة المسيحية هو أن يدرك اإلنسان نفسه إدراكا ً عميقا ً ،ويدرك دوافعه ،
وأفكاره التلقائية ،ومعتقداته المحورية ،ويدرك مشاعره التى كانت قبالً غير قابلة للفحص ،ويناقش
سلوكياته فى جو من الحب العميق الدافئ الذى يبديه المشير من نحوه .وباإلضافة إلى هذا الهدف األساسى
فهناك أهدافا ً أخرى فرعية منها مساعدة المستشير على التعامل مع آالمه النفسية ،ومساعدته على أن
يتصرف بطريقة ناضجة ومسئولة ،وأن يمارس القدرة على التحكم فى حياته ،وأن يكون متصالحا ً مع
الحياة .
ولما كان الهدف األ ساسى للمشورة المسيحية هو أن يكتشف اإلنسان ذاته ،فهى بذلك تصب فى
مصلحة اإلنسان الروحية وتؤثر تأثيرا ً عميقا ً فى عالقة اإلنسان مع هللا .فالمشورة المسيحية ،فى األساس ،
2رولو ماى ،فن المشورة ،القاهرة ،مكتبة دار الكلمة 75 . 2010 ،
3مشير سمير ،المشير المستشير المشورة ج33 . 1
4المرجع السابق 33 .
3
الرب ،ألن هذا هو الطريق الوحيد لتطهير ذاته من الداخل ،وهو إكتشاف ذاته الحقيقية ،ليستطيع أن يقترب
من هللا أكثر .يقول األب متى المسكين " :لذلك فإن الطريق إلى وعى اإلنسان لذاته وعيا ً حقيقيا ً صادقا ً
5
أصبح هو نفسه الطريق السهل والوحيد إلى إدراك هللا "
فهدف المشورة المسيحية الرئيسى روحى وهو أن يخضع اإلنسان نفسه ،أو أعماقه بكل ما فيها من
حجرات مظلمة ،لعمل الروح القدس لكى يطهرها وينقيها .وليست لها أهداف دنيوية بحتة .فجميع األهداف
السابقة التى ذكرناها هى مجرد أهداف فرعية للمشورة المسيحية أو لنقل أنها ثمار يجنيها المستشير من
المشورة المسيحية . ،يقول مشير سمير أن " القيمة األعلى والنهائية فى تلك الحياة هو خضوع الفرد هلل ال
6
النضج فى حد ذاته "
وا لمشورة فى حد ذاتها ال تعطى التنقية ،فالروح القدس وحده القادر أن يفعل ذلك .وقد قال الدكتور
الرى كراب فى كتابه " التغيير من الداخل – البداية " :دعوة الروح القدس ليستولى على حياتنا تترك جزءا ً
من كياننا دون أن يلمس " 7ويالها من عبارة صادمة ،قابلها مؤيدو " المشورة الكتابية " بالنقد الشديد. 8
فكيف أن روح هللا ال يستطيع أن يصل إلى جزء من كياننا على الرغم من أننا طلبناه .ولكن العبارة التى
ذكرها دكتور الرى كراب ،فى رأيى ،ال تعنى أن الروح القدس عاجز عن العمل ،ولكنها تعنى أن الروح
القدس لن يعمل فى منطقة لم أكتشفها ولم أسلمها له بعد .فهو سيساعدنى على إكتشافها ولكنه لن يبدأ عملية
التطهير إال بعد إكتشافها .فاهلل ال يريد أن يستلم حياتى ،بوجه عام ،ويقوم بتغيير كل شيئ بنفسه ،فهو يريد
أن يكون اإلنسان شريكا ً فى كل عمل حتى لو كان العمل ،عمل التطهير ،يقوم به الروح القدس نفسه .فعمل
5األب متى المسكين ،حياة الصالة األرثوذكسية ،دير األنبا مقار ،بدون 24 . 2015 ،
6مشير سمير ،المشير المستشير المشورة ج35 . 1
7دكتور الرى كراب ،التغيير من الداخل – البداية ج ، 1القاهرة ،مركز بيت الحياة 72 . 2009 ،
8راجع كتاب " لماذا ال ينبغى أن يثق المسيحيون فى علم النفس " ،القاهرة ،بدون ناشر 193 . 2014 ،
4
اإلنسان اإلستعانة بمشير ليساعده على إكتشاف ذاته ،ليكون مرآته التى يرى فيها ذاته الحقيقية .وهذا هو
مع كون الجلسة المشورية مفيدة للغاية للمستشير ،إن كان ،المشير والمستشير ،يمارسانها بأمانة ،
إال أنه توجد بعض المخاطر التى تحدق بهذا " العمل المقدس " قد أشار إليها أنصار " المشورة الكتابية " فى
كتاب " لماذا ال ينبغى أن يثق المسيحيون فى علم النفس " ويجدر بنا اإلشارة لها هنا حتى نتوخى الحذر
ولعل من أهم هذه اإلنذارات التى تم توجيهها للعالج النفسى هى عملية الخلط التى قد تحدث بين
الالهوت وعلم النفس المستخدم فى الجلسة العالجية ،أو المشورية ،فى عقل المستشير ،وهذا الخلط يتضح
فى قول األخصائى النفسى كيل باتريك " :فى كثير من الكنائس اإلنجيلية يبدو أن التفكير اإليجابى قد أخذ
مكانة اإليمان ،فى كل مكان تقريبا ً أصبح الخالص متساويا ً مع النمو الذاتى أو الشعور بأنك على ما يرام .
9
بإختصار لقد ترك المسيحيون إيمانهم يتشابك فى شبكة من األفكار العامة عن تقدير الذات وتحقيق الذات "
وبالطبع فإننا ال نقبل أبدا ً بهذا اإلنحراف .فعلى المستشير أن يعى تماما ً الهدف األساسى من الجلسة المشورية
،وهو أن يدرك ذاته لكى يستطيع أن يكشفها لعمل الروح القدس ليقوم بتقديسها ،فالجلسة المشورية تساعده
فقط على إدراك ذاته .إذا ً ال مساس باإليمان ،فتقدير الذات شيئ وحقائق اإليمان شيئ آخر مختلف تماما ً .
والخطر الثانى يكمن فى أنه يمكن أن يعتمد المستشير على علم النفس ،ويترك وسائط النعمة التى
تقدمها الكنيسة .ألنه يرى فى هذه الجلسة العالجية تالمس مع واقعه لم يختبره من قبل .ألن كل ما حصل
عليه من تعليم سابق كان تعليما ً منبريا ً .وحتى سر اإلعتراف نفسه كان مركزا ً على الخطايا التى يسقط فيها ،
وليس على مشاعره وإحتياجاته .ولهذا البد أن نحذر من أن نترك وسائط النعمة وننشغل بالتالمس مع
والخطر الثالث يقول عنه الصحفى مارتين جروس " :إن العالج النفسى يمثل طقسا ً أساسيا ً للديانة
السيكلوجية فى القرن الحادى والعشرين .فى هذا الطقس الدينى يمتزج أمل وإيمان المريض قليل الخبرة مع
إعتقاد مقدم الشفاء فى قدراته السحرية " 10وهذا التخوف يقول أنه يوجد إعتقاد خاطئ بأن مع المشير عصا
سحرية تتحول بواسطتها حياة اإلنسان من النقيض للنقيض ،وهذا األمر غير صحيح بالمرة فالجلسة ،أو
الجلسات المشورية ،هى رحلة طويلة مع المستشير ال يستطيع المشير أن يعد أو يتنبأ بنتائج مسبقة قبل أن
والخطر الرابع هو عكس ترتيب األولويات ،فقد يثق المستشير فيما يقدمه المشير دون فحص حتى
لو تعارض مع الحق الكتابى ،لذا هنا البد أن يعيد المستشير ترتيب أولوياته فالحق الكتابى المعلن فى الكتاب
والخطر الخامس هو خطورة إستبدال عمل الروح القدس بالعالج النفسى المقدم فى الجلسة المشورية
،فكما قلنا أن الهدف من الجلسة المشورية هو أن يدرك المستشير نفسه إدراكا ً جيدا ً حتى يستطيع أن يكشف
البقعة المظلمة فيه لعمل الروح القدس لكى يطهره ،وليس لكى يُستبدل عمل الروح القدس بالعالج النفسى فى
والخطر السادس هو الوقوع فى خطأ أن علم النفس الحديث هو الحل الضرورى واألسمى للمشكالت
الروحية ،وبالطبع هنا نحن نحذر بأن علم النفس وإستخدامه فى الجلسة العالجية هو مجرد أداة إلكتشاف
الذات ،ثم تأتى التوبة واإلعتراف والشركة مع أعضاء جسد المسيح الواحد من خالل اإلجتماعات الروحية
والخطر السابع هو التركيز على تغيير السلوك دون إعتبار للبعد الروحى ،فتغيير السلوك فى حد
ذاته ليس هدفا ً للجلسة المشورية ولكنه ثمرة هامة من ثمارها .ولكن الهدف األسمى بالتأكيد هو ثمرة العشرة
ومع كل اإلعتبارات السابقة تبقى الجلسة المشورية أداة جيدة لمساعدة اإلنسان المسيحى فى تعميق
شركته مع الرب ،مع جنى ثمارها األخرى التى تتمثل فى القدرة على التعامل مع اآلالم النفسية ،والتصرف
بطريقة ناضجة ،وممارسة القدرة على التحكم فى حياته الشخصية ومتغيراتها .
7
فهرس الحواشي
-1مشير سمير ،المشير المستشير المشورة ج ، 1القاهرة P.T.W ،للترجمة والنشر 31 . 2017 ،
-2رولو ماى ،فن المشورة ،القاهرة ،مكتبة دار الكلمة 75 . 2010 ،
-5األب متى المسكين ،حياة الصالة األرثوذكسية ،دير األنبا مقار ،بدون 24 . 2015 ،
-7دكتور الرى كراب ،التغيير من الداخل – البداية ج ، 1القاهرة ،مركز بيت الحياة . 2009 ،
72
-8راجع كتاب " لماذا ال ينبغى أن يثق المسيحيون فى علم النفس " ،القاهرة ،بدون ناشر ،
193 . 2014
المراجع
سمير مشير ،المشير المستشير المشورة ج ، 1القاهرة P.T.W،للترجمة والنشر 2017 ،
ماى رولو ،فن المشورة ،القاهرة ،مكتبة دار الكلمة 2010 ،
المسكين األب متى ،حياة الصالة األرثوذكسية ،دير األنبا مقار ،بدون 2015 ،
كراب دكتور الرى ،التغيير من الداخل – البداية ج ، 1القاهرة ،مركز بيت الحياة 2009 ،
بدون ،لماذا ال ينبغى أن يثق المسيحيون فى علم النفس ،القاهرة ،بدون ناشر 2014 ،