You are on page 1of 33

‫المعلوماتية في االتصال البيداغوجي‬

‫بين ضرورات التعليم ومحاذير األنسنة‬


‫( ‪)17/05/2006‬‬
‫برز االهتمام بالمعلوماتية في التربية والتعليم ـ من حيث هي تكنولوجيا التربي))ة ـ بش))كل ملفت لالنتب))اه‬
‫في أواخر القرن العشرين‪ ،‬وازداد بوتيرة سريعة بوقع سرعتها في التغير في بدايات ه)ذا الق)رن بش)كل‬
‫مثير وهي مستمرة تدفع األنظم))ة التربوي))ة ـ بفع))ل عق))دة الس))بق ـ إلى التس))ابق في اس))تيعاب تط))ورات‬
‫التكنولوجي))ا وتوظي))ف المعلوماتي))ة في جمي))ع المج))االت التربوي))ة في المحتوي))ات واإلدارة واالتص))ال‬
‫البيداغوجي والتجهيزات والوسائل والتنظيمات والتقويم والتوجيه ‪...‬الخ ‪ .‬كل ذلك من أجل رفع‬
‫مستوى التعليم من مستوى تحقيق الحاجات إلى مستوى تحقيق المتع))ة في إش))باع الحاج))ات التعليمي))ة‬
‫وإلى مستوى تهيئة المؤسسات التربوية لما يعتقد أنها تحديات العولمة المحتومة الس))تيعاب مقتض))يات‬
‫مجتمعات المعرفة وهي المجتمعات التي يفترض أن البشرية على أبوابه))ا إن لم تكن مجتمع))ات م))ا بع))د‬
‫الصناعة قد بدأت منذ زمن في إنتاج المجتمعات والمؤسس))ات التربوي))ة االفتراض))ية ‪ .‬وعلى ال))رغم من‬
‫إجماع الكل بأن ذل)ك تعاطي))ا تربوي))ا إيجابي))ا ووعي بض))رورة مواكب))ة المؤسس))ات التعليمي))ة للتط))ورات‬
‫التكنولوجية وإكساب األجيال خبرة المستقبل وهي خبرة أساس)ية وال)تي ب)دونها يفق)د الجي)ل العيش في‬
‫حاضره ويتخلف عن عصره‪،‬إال أن بعض الدراسات رصدت بعض السلبيات في حال))ة إف))راط االس))تعمال‬
‫تمس اإلنسان من الناحي))ة التربوي))ة في إنس))انيته وذكائ))ه وأخالق))ه ومركزيت))ه في الوج))ود وتحكم))ه في‬
‫التقني))ة ذاته))ا‪ .‬كم))ا تمس المجتمع))ات ـ في حال))ة اإلف))راط في اإلدم))اج ال))دولي الس))وقي ـ في ثقافته))ا‬
‫وهويتها ومن ثمة تأتي هذه المداخلة لتبرز ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أهمية المعلوماتية في التربية وتحديدا في االتصال البيداغوجي ( التدريس )‬
‫‪ 2‬ـ التنبيه إلى المحاذير التي يطلقها الب))احثون من ف))رط االس))تعمال والترك))يز على المتع))ة الناتج))ة عن‬
‫الرغبة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تصور ألنسنة االتصال التكنول)وجي البي)داغوجي وتحقي)ق ال)وعي ‪ .‬وسنوض)ح تفاص)يل ذل)ك أثن)اء‬
‫انعقاد الملتقى ‪ .‬وشكرا ‪.‬‬

‫مدخل ‪:‬‬
‫بداي))ة أج))د أن))ه يتعين علين))ا منهجي))ا لدراس))ة موض))وع تس))ويق المعلوماتي))ة في كيانن))ا الحض))اري وفي‬
‫وجودنا المؤسساتي‪ ،‬أو استنباتها في واقعنا الحياتي‪ ،‬أن نضع المسألة ضمن النطاق الزمني في محور‬
‫آجل األعمال وعاجلها‪ ،‬ونتفحص ذلك عند الغرب المرسل وعندنا نحن المستقبلين‪ ،‬ذلك أن هذا النط))اق‬
‫بحسب المرزوقي هو المعيار ال)ذي ي))وفر لن))ا تقويم))ا فعلي))ا لممارس))اتنا النظري))ة والعملي))ة ويحمين))ا من‬
‫مساوئ الفصل بين النظر والعمل وسوء تق))دير العالق))ة بينهم))ا ‪(.‬الم))رزوقي‪34:‬ـ‪)37‬حيث أن تس))ويق‬
‫التكنولوجيا من حيث هو راهننا الحاضر ورهاننا المستقبلي الحضاري يط))رح كآلي))ة من آلي))ات أعمالن))ا‬
‫المتعلقة بنشدان التقدم والمواكبة العالمية في كل قطاعات التنمية‪ ،‬تقتض))ي دراس))تها في نط))اق العالق))ة‬
‫بين بعدي العمل آجله وعاجله‪ ،‬وهو نطاق منهجي ال يستقيم تحليل مس))ألة تمي))يز الض))روري من غ)يره‬
‫في األعمال الحضارية المجتمعية دونه؛ فاآلجل من األعمال في الوظيفة العقلية االدراكية شأن تصوري‬
‫ت))وقعي أو ت))ذكري ي))دخل في نط))اق البحث النظ))ري‪ ،‬حس))ب تعري))ف الم))رزوقي ل))ه‪ ،‬ومن وجه))ة نظ))ر‬
‫السيبرنيطيقية هو الذي يوفر لنا الخيارات الالزمة للتخطيط الناجع ومقتض))يات تأهي))ل الف))رد والمجتم))ع‬
‫على تمثل واع لجهاز التحكم ال)ذاتي ال)ذي يعم))ل في ه)ذا المج))ال كجه))از من))اعي يحف))ظ ال)ذات الفردي))ة‬
‫والهوية االجتماعية من أي مساوئ محتملة للتجربة الوافدة‪ ،‬والعاجل من األعمال ـ حسب الم))رزوقي ـ‬
‫شأن تطبيقي حسي يدخل في نطاق اإلنجاز عند(الميقات) وحلول األوان الحتمية للممارسة التي ال تقب))ل‬
‫التأجيل والتأخير‪ ،‬وفي منظور السيبرنيطيقا هو الجانب من العم)ل ال)ذي يهتم بتحس)ين التحكم وتوس)يع‬
‫لمجال السيطرة الخارجية على الذات والمجتمع‪ ،‬وعن)د زي)ادة نف)وذ س)لطة العم)ل واإلنج)از ب)دل س)لطة‬
‫المعرف))ة والتحكم ال))ذاتي في منظوم))ة العم))ل ب))العلم يخت))ل م))يزان العم))ل‪ ،‬كم))ا هي ثقاف))ة المجتمع))ات‬
‫الص))ناعية أو الحداثي))ة في العم))ل تتب))دى متمرك))زة أك))ثر ح))ول النم))و واإلنت))اج‪ .‬وفي فلس))فة م))وت‬
‫األي)ديولوجيات وح)تى م)وت اإلنس)ان وإقص)اء لل)ذات واإلرادة‪ ،‬واالعت)داد ب)الوقع ومفردات)ه‪ ،‬تمرك)زت‬
‫التقنية والتكنولوجيا كبديل عن الذات‪ ،‬تمارس وظيفتها في منظومة العم))ل كم))ا ل))و ك))انت ش))يء مض))اد‬
‫للعقل والفكر والذات تفرض نفسها على إنسانية اإلنسان وتس))لبه إرادت))ه‪ ،‬وهي ب))ذلك تس))اهم في إنت))اج‬
‫القن المأمور بدل من اإلنسان المنصت على األقل ‪.‬‬
‫والعالقة بين آجل األعمال وعاجلها مؤكدة االرتباط والعلي)ة في التجرب)ة الغربي)ة النهض)وية المعياري)ة‪،‬‬
‫ذلك أن ممارسة األعمال بوصفها عاجلة إنما تستند إلى مرجعية نظرية تتعلق بمعطيات األفعال اآلجل))ة‪،‬‬
‫وتتغذى من نتائجها كتجربة تصورية منطقية شكلت منظومة فكرية ومبادئ واس))تراتيجيات ومخطط))ات‬
‫يستهدي بها العمل طريقه للنجاح‪ ،‬محققة بذلك شرط الحرية اإلنسانية وتس))اميه‪ ،‬فالعق))ل اإلنس))اني ه))و‬
‫من يجعل للعالقة بين بعدي العمل ( اآلج))ل والعاج))ل ) فاعليته))ا الس))ببية الواعي))ة في الفع))ل الف))ردي أو‬
‫الجماعي التاريخي‪ ،‬حيث يجعل اآلجل في العمل عاجال في البحث النظري‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نضع له))ذه العالق))ة توص))يفا من منظ))ور بي))داغوجي تعلمي‪ ،‬فإنن))ا ن))درجها في س))ياق م))ا‬
‫يعرف في البيداغوجيا بـ "التمثالت التي تعمل وظيفيا على "اس))تباق ذه))ني للحاض))ر قب))ل أن يوج))د في‬
‫الواقع " أو ما يعرف بتح))يين م))ا ليس آني))ا‪ ( ،‬التمث))ل ‪ 23 :‬ـ ‪) 29‬وه))و م))ا نع))ده هن))ا التك))وين األولي‬
‫للمورد المعرفي النظري الالزم للعمل‪ ،‬وما يجعل العاجل في العمل آجال يستمد مشروعية ممارس))ته من‬
‫المعرف)ة النظري)ة االس)تباقية ( الم)ورد المع)رفي المك)ون) بش)كل يحق)ق توص)يل الفع)ل اآلج)ل بالعاج)ل‬
‫ويغذيه‪ ،‬وهو ما تقوم به التمثالت في إحدى وظائفه))ا البيداغوجي))ة‪ ،‬تتب))دى في))ه معرف))ة الطف))ل ب))الواقع‬
‫معرفة بنائية فريدة وليست مجرد انعكاس للواقع‪ ،‬وعندما يصبح األمر التعلمي يتعلق باإلنس))ان الراش))د‬
‫في طور العمليات الشكلية يكون أقدر على التجري))د وممارس))ة التفك))ير الفرض))ي االس))تنتاجي‪ ،‬ولألس))ف‬
‫ليس ك))ل الراش))دين كم))ا ه))و في ع))رف النظري))ة البنائي))ة التكويني))ة يبلغ))ون ه))ذه المرحل))ة ( التقني))ات‬
‫التربوية‪ 165 :‬ـ ‪ ) 170‬فالكثير كما هو مالح))ظ في مجتمعن))ا الراش))د (كمؤسس))ات) ـ لفق))دانهم ش))روط‬
‫ذلك ـ عجز عن بلوغ تلك المرحلة من التعلم ( النضج ) لممارسة التفكير الفرضي بخصائص))ه الذهني))ة‪،‬‬
‫وفي ضوء هذا العجز يفسر ـ بيداغوجيا ـ فشل المؤسس))ات الوطني))ة التحديثي))ة ـ من حيث هي جماع))ة‬
‫من الراشدين النظاميين المشرفين ـ في تنشيط البحوث االفتراضية االستباقية أو االستش))رافية قب))ل أي‬
‫مشروع عملي ضروري لإلنجاز اآلني‪ .‬وهو الشرط الالزم ال)ذي ب)ه يحق)ق العم)ل ش)رطه اإلنس)اني أي‬
‫القدرة على اإلدراك الس))ليم للعالق))ة الس))ببية‪ ،‬وإح))دى تجلي))ات العلم باألس))باب أو العلم بالعم))ل كص))ورة‬
‫مع))برة عن ممارس))ة اإلنس))ان إلنس))انيته وتحقي))ق س))يادته على الطبيع))ة من منظ))ور بن خل))دون ‪ .‬ومن‬
‫منظور السيبرنيطيقية هي الصورة ال)تي تتحق)ق به)ا المعرف)ة ذات التحكم ال)ذاتي أي المعرف)ة المنظم)ة‬
‫ذاتيا كمناعة ترفض حتمية التحكم الخارجي والخضوع القسري لها ‪.‬ولعل هذه الصورة هي م))ا تق))رب ـ‬
‫فلس)))فيا ـ بين ال)))ذات في ص)))ورتها الترندس)))تانتالية ( المتعالي)))ة عن الواق)))ع ) وال)))ذات في ص)))ورة‬
‫الدازاين( التاريخانية )‪.‬‬
‫وتتعاظم مسألة إدراك العالقة بين اآلجل من األفعال والعاجل منها في منظومة التحديث عن))دنا أك))ثر من‬
‫غيرنا من حيث أننا في موقع التلقي واالستهالك‪ ،‬أي في موقع المتعلم‪ ،‬فتكنولوجيا المعلوماتية تعد عند‬
‫غيرنا المبدع ( ماضي أو حاضر ) يجري تحيين))ه يم))ارس في ض))وء مرجعيت))ه النظري))ة ويس))تمد قوت))ه‬
‫منها‪ ،‬في حين أنه يعمل على تسويقها فينا للممارسة اآلنية مجردة من بعدها النظري اآلج))ل‪ ،‬أي تعم))ل‬
‫كما لو أنها علم ينفذ فينا بدور مقنن لمنظوماتنا وذواتنا الستجابة لمطالب تخص السوق العالمية‪ ،‬وهو‬
‫م))ا يجع))ل وض))عها موض))ع الفحص التجري))بي المنطقي واألم))بريقي في ض))وء الرب))ط الس))ببي بين آج))ل‬
‫األعم))ال وعاجلهاـ حين م))ا نك))ون بص))دد مالءم))ة أنفس))نا للت))أهب للمواكبةـ أك))ثر من ض))رورة حيث ال‬
‫يستقيم وال يجد الفعل المجتمعي في وضعية التلقي حريته عند فالسفة العمل ومنظري))ه إال إذا استحض))ر‬
‫الوعي بتلك العالقة وامتلك آليات التحكم الذاتي ‪ .‬وأن حصول الفص))ل بين بع))دي العم))ل ال يفس))ر إال في‬
‫ضوء سوء تقدير لتلك العالقة‪ ،‬فيصبح العمل النظري مجرد تأم))ل أو تحلي))ل تص))وري تجري))دي ال يع))بر‬
‫عن حقيقة الرشد في البحث وبناء الواقع‪ ،‬والممارسة مجرد ارتجال لعاج)ل األعم)ال ال مرجعي)ة نظري)ة‬
‫تس))نده وت))زوده‪ ،‬وه))و م))ا يفق))ده حريت))ه تحت ض))غط ال))زمن ويس))بب بعدئ))ذ العوائ))ق األمبيريقي))ة‬
‫واالبستمولوجية ويؤول إلى فش))ل التجرب))ة كم))ا ه))و الش))أن عن))دنا حيث يس))ود طغي))ان األعم))ال اآلجل))ة‬
‫مجردة عن أبعادها النظرية ( أي العمل بدون علم )‪ .‬وقد قال الغ))زالي ق))ديما ( العلم ب))دون عم))ل جن))ون‬
‫والعلم بدون عمل ‪ )....‬ومن ذلك ما نجده ماثال في حالة المؤسسات التربوي))ة ال))تي ترك))ز على اإلنج))از‬
‫في مشاريعها اإلصالحية ح)تى ب)دت وكأنه)ا فاق)دة لهويته)ا الفكري)ة والعلمي)ة أو على األق)ل لم تس)تطع‬
‫بلورتها أو هي تبحث عن ذاتها تحت وطأة ما يمكن تسميته بكوكتال ثقافي متنافر األلوان أفقدها مصدر‬
‫تمويلها معرفيا‪ ،‬فاكتفت بالحفاظ على البقاء بالزيادة والنقصان‪ ،‬وهكذا في كل جه))د تح))ديثي نأخ))ذ على‬
‫حين غرة‪ ،‬ويحين في غفلة منا وقت العمل الذي ال يبقي فس))حة للتأجي))ل والبحث النظ))ري إال في نط))اق‬
‫بحث سبل تكييف ومالءمة أوضاعنا نفسيا ومؤسس))اتيا لحتمي))ة التكنولوجي))ا اإللكتروني))ة وغيره))ا على‬
‫حساب الحتمية االجتماعية‪ ،‬فنقع في األسر لما يعرف بعقدة السبق ووهم التقدم والمواكبة حتى ولو أن‬
‫وجودنا لم يتعد مستوى البقاء‪.‬‬
‫وإذا كانت مسالة اقتناء التكنولوجيا وتس))ويقها في مؤسس))اتنا تج))د مس))وغا منطقي))ا وتجريبي))ا له))ا في‬
‫عقدة السبق تحت ضغط وتأثير وتنشيط عدادات الجوانب اإليجابية لإللكترونيات‪ ،‬فإنه يتعين علين))ا على‬
‫األق))ل وفي غي))اب مؤسس))ات الفحص العلمي لك))ل واف))د( فك))ري نظ))ري‪ ،‬تكنول))وجي ص))ناعي‪ ،‬ف))ني‬
‫جمالي‪...‬الخ) أن نستحضر على األقل ونخض))ع أعمالن))ا وممارس))اتنا لإليح))اءات والص))يحات التحذيري))ة‬
‫التي تطلق من مؤسسات الفحص عن)د المرس)ل ‪ .‬وق)د أطلقت تل)ك المؤسس)ات تح)ذيراتها بفع)ل ربطه)ا‬
‫للعالق)ة بين آج)ل األعم)ال وعاجله)ا من)ذ البداي)ة‪ ،‬ففي مج)ال كش)ف الخط)ورة الناتج)ة عن اإلف)راط في‬
‫التطبيقات التكنولوجية نجدها مبك)رة ومتزامن)ة م)ع الوض)ع الح)داثي‪ ،‬حيث كش)فت الدراس)ات أن)ه من)ذ‬
‫اإلعالن الفلسفي عن وحدة اإلنسان وواحديته في الوجود‪ ،‬انفصل اإلنسان المعاص))ر عن هللا وم))ا ف))وق‬
‫الوجود وأخذ وج))وده كإنس))ان في منظوم))ة المدني))ة المعاص))رة ي))درج تحت ت))أثير وط))أة مط))الب الحي))اة‬
‫وتحقي))ق ال))ذات وقم))ع الواق))ع واستعص))ائه عن االس))تجابة‪ ،‬ويتع))رض في ذل))ك لس))لب وج))وده الرم))زي‬
‫المعنوي ونفي معاييره وقيمه العليا الممتدة إلى مصدر إبداعات اإلنسان نفسه أو إلى مص))درها اإللهي‪،‬‬
‫وأدرج ذل))ك في المعرف))ة الوض))عية كم))ا ل))و ك))ان تجلي))ات لتحري))ر اإلنس))ان من األنس))اق الخارج))ة‬
‫الميتافيزيقية عن نطاق ذاتيته؛ ليعيش واقعيته بحرية‪ ،‬غير أن تجلياته األخرى بدت وك))أن اإلنس))ان في‬
‫الوض))عية البنيوي))ة ب))دأ يفق))د تس))اميه أو تعالي))ه عن التجرب))ة الحس))ية أو م))ا يس))ميه الفالس))فة بـ"‬
‫ترانسندانتليته( ‪ ) Transcendentalism‬ويتخلى عن مواقع))ه القيادي))ة في التج))اوز واإلب))داع لص))الح‬
‫الكائنات األخرى التي أوجدها وركبها ( التقني))ة )‪.‬كم))ا ب))دأ يفق))د ح))تى قدرت))ه على إدراك م))ا يجب فعل))ه‬
‫لتخطي الواق)ع‪ ،‬لص))الح ذاتيت))ه أي يفق))د براكسيس))يته ( ‪ ) Praxis‬إن ص))ح التعب))ير‪.‬فيفق))د العم))ل بعدئ))ذ‬
‫حريته بفقدانه لبعده النظري العرفي ويصير العم)ل خاض)ع للعجل)ة واآلني)ة وطغيانه)ا‪ ،‬فيس)قط في ح)يز‬
‫المغامرة والعشوائية‪ ،‬والقفز إلى التحديث والحداثة بجهل أو تجاهل كامل لشروطها مهم))ا ب))دت التقني))ة‬
‫إيجابي))ة تس))تجيب لك))ل تح))ديات العم))ل الزمني))ة والمكاني))ة‪ ،‬كم))ا هي اإلجاب))ات ال))تي توفره))ا التقني))ات‬
‫التكنولوجية التي يستعملها كالكمبيوتر والذكاء االصطناعي واألن)ترنت‪...‬الخ وأعتق))د أن أك))ثر التجلي))ات‬
‫لفقدان العم))ل لبع))ده النظ))ري هي م))ا ه)و علي))ه ح))ال منظومتن))ا الحداثي))ة من حيث نحن نع))د من معش))ر‬
‫المستهلكين‪ ،‬حيث تعمل التكنولوجيا كمعلم ضابط لسلوكنا وذواتنا وإيقاعات تفكيرنا‪ ،‬ف))القفز إلى اقتن))اء‬
‫أدوات الحداثة واستعمال تكنولوجياتها‪ ،‬هو المهيمن في كل سياساتنا التحديثي))ة ومنه))ا سياس))ة تح))ديث‬
‫التعليم باقتناء الكومبيوتر واستدخاله ضمن العناصر المكونة للعملية التعليمي))ة دون بحث ش))روط ذل))ك‪،‬‬
‫ودون إدراج بع))د اآلج))ال له))ذا العم))ل فنبحث منظوم))ة مبادئ))ه وغايات))ه‪ ،‬وفعاليت))ه التعليمي))ة أي نبحث‬
‫مشروعيته وشرعيته‪ ،‬ونقف بعدئذ على مستلزمات تفعيل المرجعي))ة الذاتي))ة والتحكم ال))ذاتي( الحص))انة‬
‫االجتماعية ) ونكشف لعبة العصر في خرق عذرية الهويات الثقافية المحلية المسكوت عنه))ا‪ .‬وإذا ك))ان‬
‫الغرب بطفراته العلمية قد أفقد الذات في وضعية الكوجيت))و ال))ديكارتي تعاليه))ا وتس))اميها‪ ،‬وأكس))بها في‬
‫الوقت نفسه تاريخانيتها وصيرورتها الوجودية في الزمان والمكان فص))ارت ك))ل األش))ياء تحت التفك))ير‬
‫والدراسة والتجريب في نموذج الدزاين‪ ،‬حيث انفتاح الذات على العالم ال من حيث هو موضوع فحس))ب‬
‫وإنما كانشغال‪ ،‬يؤرقه ويثير فيه قلق وتساؤالت مستمرة‪ ،‬ف))إن عق))دة الس))بق أفق))دتنا أزمن))ة الفع))ل في‬
‫المكان والزمان ووضعتنا موضع الكائن الممتن))ع عن البحث في األش))ياء ( ليس في اإلمك))ان أب))دع مم))ا‬
‫كان ) أو في قدرية الوجود وآيات))ه في الكائن))ات واألش))ياء المنزه)ة عن البحث والتكش))ف واالنكش))اف ‪.‬‬
‫( الماهي))ة علي ح))رب‪ ) 134 :‬فلم نع))د نهتم ب))البحث أو بض))رورة الدراس))ات االستش))رافية وال مراك))ز‬
‫بحثية مؤسسية ونكتفي بما يحققه الغرب من إبداع لنالئم أنفسنا الستهالك كحتمية تكنولوجي))ة ال خي))ار‬
‫لنا حيالها‪ .‬وكأننا نساق بقولة " خلقوا وسخروا لنا بمنتجاتهم من أجل سعادتنا "‪.‬‬
‫والبحث في العالق))ة بين آج))ال األفع))ال وعاجله))ا ال تخص))نا نحن المتلقين فحس))ب وال هي من مفاعي))ل‬
‫نظرية المؤامرة كما قد يترآى للبعض‪ ،‬بل هي مرحلة من مراحل ال))وعي بالعم))ل واإلنج))از في أزمنت))ه؛‬
‫فعند الغرب نجدها ماثلة في التحليل الفلسفي لـ "م))اركيوز" حيث نق))ل الع))الم بع))د تفاؤل))ه بمنجزات))ه في‬
‫عالم التقنية إلى التشاؤم والضبابية القاتمة لمستقبل البشرية في ظل التقدم التق))ني‪ ،‬مس))جال ب))ذلك رب))ط‬
‫آجل العمل بعاجله؛ حيث ظهرت اآلداتي))ة ( التقني))ة ) وتوغالته))ا في حي))اة الف))رد في مش))روع م))اركيوز‬
‫النقدي ومن تبعه أمثال "هبرماس " أداة لقولبة اإلنسان وعرقلة إلرادته الواعية الح))رة أك))ثر مم))ا هي‬
‫أداة للتقدم والرفاهية‪ .‬وما أظهرته تلك التحليالت الفلسفية المجتمعية في المشروع النقدي الم))ذكور من‬
‫صعوبة االنعتاق من ضغط األداتية ولد حالة من التوتر والقلق لدى المفك))رين والفالس))فة من الش))مولية‬
‫المعاصرة في تطبيقات التقنية اآلخذة في التزايد والمصاحبة باإلخفاقات المتكررة‪ ،‬ومنه انبث))ق الس))ؤال‬
‫فهل إلى خروج من سبيل عند الغرب المب))دع ذات))ه؟ ( إش))كالية التواص))ل ‪ 345 :‬ـ ‪ ) 346‬وه))و س))ؤال‬
‫يستفز باستمرار النخب العلمية للتحليل والفحص الحضاري لمنجزاته حتى يتف))ادى م))ا يمكن أن نس))ميه‬
‫بتب))ذير ال))ذات * الفردي))ة أو الجماعي))ة‪ ،‬فك))ان للدراس))ات االستش))رافية مكانته))ا العلمي))ة واالجتماعي))ة‬
‫والسياس))ية لتقري))ر مش))روعية العم))ل وش))رعيته في ك))ل مش))روع استش))رافي مس))تقبلي يتص))ورونه‬
‫ويرغبون في تحقيق))ه‪ .‬ومن هن))ا أرى من الض))روري م))ا دمن))ا ت))ابعين في الوض))ع ال))راهن أن نس))تبطن‬
‫محاسن الغرب في ذاكرتنا ونعمل على إنتاج السؤال الفلسفي ألي إنجاز حتى نس))قط على األق))ل االته))ام‬
‫بنظرية " المؤامرة" ‪.‬‬
‫حول المفهـوم‬
‫المعلوماتية ‪ :‬مفهوم يكتسب يوما بعد يوم ق)وة ومش)روعية الت)داول والحف)ر في مدلوالت)ه‪ ،‬ح)تى ص)ار‬
‫مثقال بحمولة كبيرة من الدالالت‪ ،‬فهو مكثف في وجوده وماهيته وال يقبل أن يختزل إلى مج))رد مفه))وم‬
‫يطل))ق على وس))ائل وأجه))زة إلكتروني))ة إتص))الية نفعي))ة‪ ،‬فه))و يتعل))ق بك))ل حيثي))ات التواص))ل اإلعالمي‬
‫والبيداغوجي واالجتماعي والوجداني‪ ،‬مما جعله موزعا بين عدة حق))ول معرفي))ة وجعل))ه بالت))الي مكثف))ا‬
‫في وجوده وماهيته ووظائفه وعلى قابلية قوي))ة للت))داول والتأوي))ل‪ ،‬ويتض))من ع))دة دالالت ويحي))ل على‬
‫وض))عيات متنوع))ة ومتع))ددة كالوض))عية البيداغوجي))ة واإلخباري))ة والتحكمي))ة والتنبئي))ة والعالئقي))ة‬
‫واالجتماعية والواقعية واالفتراضية ‪...‬الخ ‪.‬‬
‫فهو يحيل على مفهوم معجمي كما هو في الق))اموس اللغ))وي الفرنس))ي يتمرك))ز ح))ول المعالج))ة اآللي))ة‬
‫للمعلومات ( ‪ ) Informatique‬أو تعني علم الحاسوب باللغ))ة األنجليزي))ة( ‪) omputing Science‬‬
‫وتستعمل في الجزائر لتعني (إعالم آلي) وكل هذه المفاهيم والتسميات تتضمن داللة مشتركة تتعلق بما‬
‫تقوم بها اآللة وبالتحديد أجهزة الحاسوب من معالجة للمعلوم))ات من ت))دوين وتخ))زين وف))رز وتص))نيف‬
‫وع)))رض وتحلي)))ل وت)))ركيب وبحث وت)))رتيب‪ ،‬وتع)))ديل وإدم)))اج ونس)))خ‪ ،‬ولص)))ق وبرمج)))ة ونمذج)))ة‬
‫وحوار ‪...‬الخ أي ما تقوم به كل ما تعنيه كلمة المعالجة اإللكترونية للمعلومات ‪.‬‬
‫ويشير من جهة أخرى إلى نظم المعلومات وعلوم الحاس))وب التطبيقي))ة يهتم بدراس))ة عملي))ات االتص))ال‬
‫وتطوير أساليب تنظيم وتخزين ومعالج))ة ونش))ر المعلوم))ات العلمي))ة والص))ناعية والخدماتي))ة وغيره))ا‪،‬‬
‫وه))و ب))ذلك يحي))ل في دالالت))ه على ك))ل م))ا يتعل))ق ب))المنظور العلمي لتقني))ة المعلوم))ات أو تكنولوجي))ا‬
‫المعلوم))ات بم))ا تش))تمل علي))ه من المعرف))ة بالعت))اد والبرمج))ة واالتص))االت وتطوراته))ا في اإلنت))اج‬
‫واالستخدام والمعالج))ة واإلدارة ‪ (.‬رحوم))ة‪ 58 :‬ـ ‪. )59‬أي ان))ه مفه))وم يتعل))ق بك))ل م))ا اص))طلح علي))ه‬
‫باآلالت الذكية وتطبيقاتها كتقنية وتأثيراتها على حياة اإلنسان بعد أن أصبحت ج))زء من وج))وده ‪ .‬ومن‬
‫ثم))ة فه))و مفه))وم يتعل))ق بثقاف))ة جدي))دة تتس))م بالبع))د المه))اري في س))لوك اإلنس))ان وبرمجت))ه لوج))وده‬
‫المعرفي‪ ،‬وهي آخذة في االنتشار الواسع بين جمي))ع الطبق))ات والفئ))ات وك))ل الالع))بين وتتعل))ق بك))ل م))ا‬
‫تقتضيه المعرفة بماهية المعرف)ة اإللكتروني)ة بأدواته)ا كالحاس)وب بأنواع)ه وتطورات)ه‪ ،‬ونظم البرمج)ة‬
‫وتقنياته))ا‪،‬والمعالج))ة اإللكتروني))ة للمعلوم))ات وطرقه))ا‪ ،‬وأنظم))ة االتص))ال وكيفي))ات التواص))ل‪ ،‬وبحث‬
‫منافعها وآثارها النفسية والمجتمعية ‪.‬‬
‫ومن مقاربة التكون والنشوء فتكنولوجيا المعلومات ما هي إال تجليات متطورة لحاجة اإلنسان الفطري)ة‬
‫في التحكم المادي واألدواتي إلشباع حاجاته ورغباته المتجددة في تطويع محيطه منذ اس))تخدام األدوات‬
‫الحجرية إلى إنتاج الترمستات ثم إلى تطورات إنتاج اآلالت الذكية وما يعرف بالذكاء االص))طناعي وهي‬
‫حاج))ة م))ازالت مس))تمرة في تجلياته))ا اإلبداعي))ة لإلنس))ان وابتكارات))ه‪ ،‬وتع))د من المنظ))ور التط))وري‬
‫الحضاري بمثابة فعل التجدد الذاتي للحداثة تميزت ب))دمج المتن))اهي لتكنولوجي))ا المعلوم))ات بتكنولوجي))ا‬
‫االتصال آخذة في تحقق ما كان خياليا في الفردية والفردانية‪ ،‬فهي تكنولوجية جديدة بامتياز تفيد ث))ورة‬
‫ما فوق التصنيع والتراكم المعرفي الموجه نحو التحكم التقني الدقيق في البيئ))ة الفيزيقي))ة واالجتماعي))ة‬
‫أي ما يس)مى ب)الثورة الس)يبرنيطيقية تح)رر اإلنس)ان من قبض)ة الت)أثيرات البيئي)ة وحتمي)ة إكراهاته)ا‪،‬‬
‫بإلغاء كل المسافات االجتماعي))ة والنفس))ية والمكاني))ة والزماني))ة ( الس))يبرنيطيقا ‪ ) 51 :‬والح))ديث اآلن‬
‫يجري عندهم حول أنسنة الروبوت (اإلنسان اآللي ) حيث يجري ضخه بالذكاء االصطناعي‪ ،‬أما الس))ائد‬
‫عندنا هو روبتة اإلنسان‪.‬حيث يتم منذ مدة تفكيك قدرات اإلنسان وتجزئ))ة س))لوكه واختص))اره في ذرات‬
‫ال حصر لها ‪.‬‬
‫ومن حيث هي ( أي ‪ :‬المعلوماتية ) مفهوم وظيفي يرتب))ط بعل))ة االس))تخدام المكث))ف لآلالت اإللكتروني))ة‬
‫فهو يندرج ضمن مساعدة اإلنسان على توسيع مداركه وقدراته ومعالجته للمثيرات المعرفية‪ ،‬مثل))ه في‬
‫ذلك مثل استعمال اإلنسان للنظارة لتوسيع قدرات بصره‪ ،‬واستعماله اآللة لمض))اعفة جه))وده العض))لية‪،‬‬
‫واستعماله السماعة لمضاعفة قدرة السمع لديه‪ ،‬واس))تعماله الكت))اب والق))راءة لتوس))يع مفاهيم))ه ‪...‬الخ‬
‫فكذلك اآلن يستعمل الكومبيوتر لتوسيع قدرته في معالجته للمعلومات وذلك هو المفه))وم العلي الس))ببي‬
‫الذي يحيلنا عليه مفهوم " المعلوماتية " وقد برز إلى السطح ليعبر عن ما طوره اإلنس))ان من الم))وارد‬
‫اإللكترونية للمعرفة‪ ،‬وهي الموارد التي أنتجه))ا اإلنس))ان لتخف))ف من أعب))اء تفك))يره وعقل))ه في عص))ر‬
‫يتسم بتدفق كثيف للمعرفة‪ ،‬كما أنتج اآللة الميكانيكية والكهربائية عند دخوله عصر الص))ناعة لتخف))ف‬
‫من أعباء الجهد العضلي السائد في عصر الزراعة‪ .‬ومن ثمة فهو مص)طلح من الناحي)ة الوظيفي)ة يك)اد‬
‫يكون تاريخانيا يتطور ويكتسب دالالت مستمرة ويشير عموما في كل سيروراته إلى ما تهبه تكنولوجيا‬
‫المعلوم))ات لإلنس))ان من حري))ة وتح))رر‪ ،‬من خالل إكس))ابه آلي))ات التحكم التق))ني في مج))ال المعلوماتي))ة‬
‫وتمكينه من مواجهة التدفق في اإلنتاج الكثيف للمعارف المعلومات شبيهة بأجهزة التحكم ال))ذاتي ال))تي‬
‫وهبه))ا هللا لإلنس))ان تمكن))ه من توجي))ه واع وتحكم دقي))ق في س))لوكه من حيث اس))تقباله واس))تجاباته‬
‫لمثيرات المحيط بما ينفعه‪.‬‬
‫المفهوم التربوي للمعلوماتية‬
‫ومفهوم المعلوماتية في التربي)ة والبي)داغوجيا ليس مج)رد وس)ائط تكنولوجي)ة ت)درج من بين الوس)ائط‬
‫واألدوات التي يستعملها المعلم أثناء التدريس خاصة بتعلم مهارة أو توضيح فكرة أو عرض تجرب))ة أو‬
‫مجسم أو هي مجرد مفهوم يتعلق بآلة التعليم يس)مح للتلمي)ذ بتلقي دروس)ه المبرمج)ة من غ)ير المعلم‬
‫أي التعليم عن بعد‪.‬وال هي مجرد آلة مكثفة في وظائفه))ا البيداغوجي))ة ودمج آلي لع))دد من الوس))ائط في‬
‫جهاز واحد يعطي وظائف كلية وجزئي))ة تتعل))ق باالتص))ال البي))داغوجي‪ ،‬ك))الجمع بين الوس))ائل الس))معية‬
‫البصرية‪ ،‬لفظية وغير لفظية متحركة وس))اكنة رمزي))ة تجريدي))ة وواقعي))ة امبيريقي))ة‪ ،‬خيالي))ة وواقعي))ة‪،‬‬
‫أوهي مجرد تغيير شكلي للوضعيات التعلمية وإدماج صيغ التعلم الذاتي في العملية التعليمية‪ ،‬فهي قب))ل‬
‫ذلك صياغة أخرى لمفهوم التربية ذاتها وفلسفتها وأهدافها وسياساتها ‪.‬تتعلق بتغيير أساس))ي في نم))ط‬
‫الحياة وأولوياتها في زمن العولمة ‪.‬‬
‫فما هي هذه األنماط والمعاني الحياتية في زمن العولمة ؟‪.‬‬
‫يؤرخ للعولمة من الناحية السياسية اإلجرائية بنهاية الحرب الباردة وإن هي تمتد في التاريخ المعاص))ر‬
‫من الناحي))ة الفكري))ة إلى عص))ر الحداث))ة واألن))وار ‪...‬وتط))ور في س))ياق ثق))افي علم))اني ليص))بح خط))اب‬
‫االنفت))اح الكلي على االنتم))اء الع))المي يتخطى ك))ل الح))دود ن))اتج عن مفاعي))ل خط))اب المابع))د والعالق))ة‬
‫الحميمية المراد بناؤها بين األنا واآلخر‪ ،‬ويستهدف كما هو معلن تحقيق التقارب الك))وني والتمرك))ز أو‬
‫التوح))د ح))ول نم))ط واح))د أو أنم))اط مح))دودة من الثقاف)ة‪ ،‬ح))تى تتماث))ل ط))رق العم))ل والتفك))ير بين ب))ني‬
‫اإلنسان؛ بل تتماثل الحاجات والرغب)ات وط)رق اإلش)باع‪ ،‬ومن ثم)ة تتماث)ل ط)رق مواجه)ة المش)كالت‪،‬‬
‫والتخلص نتيج))ة ذل))ك من األن))ا والنحن التراثي))ة المجتمعي))ة ( الهوي))ة ) الناتج))ة عن األنس))اق الحداثي))ة‬
‫األسطورية‪ ،‬التي لم تنجز حس))ب منظ))ري المابع))د إال إع))ادة إنت))اج التعص))ب الثق))افي في ص))ور جدي))دة‪،‬‬
‫والتمركز حول الذات ومن ثمة ضرورة بناء األنا والنحن العص)رية العالمي)ة ( االنتم)اء الع)المي) ال)تي‬
‫تقتضيها التطورات التكنولوجية وتنمحي فيها الفوارق وأشكال التعصب‪.‬‬
‫وهي بهذا المفهوم يفترض أن تكون ذات مضمون تعددي وتن))وعي‪ ،‬يحت))ل ك))ل ف))رد أو مجتم))ع بهويت))ه‬
‫الخاصة موقع))ا م))ا في التع))ولم ح))تى يض))من مش))اركة الجمي))ع وتحقي))ق تك))افؤ الف))رص في ذل))ك‪ ،‬إال أن‬
‫صياغتها في ضوء حديث النهايات واالنتصار األب))دي للقيم الرأس))مالية اللبرالي))ة جعله))ا خط))اب أح))ادى‬
‫مهيمن شمولي يلغي وينفي اآلخر بصياغة بنية العالم المتعدد والمجتمعات المتباين))ة متماثل)ة في أنم))اط‬
‫المعيشة والسلوكات والثقافة وح)تى في الم)دركات الذاتي)ة‪ ،‬وال يت)أتى ذل)ك إال ب)التخلي كره)ا أو طوع)ا‬
‫للخصوصيات والتمايزات الفردية للمجتمعات واألفراد لتلتقي تدريجيا ح))ول قب))ول نم))ط واح))د للمعيش))ة‪.‬‬
‫إنه خطاب الحنين إلى الوحدة يبطن هيمنة وتسلط وسيطرة لثقافة المنتصر ‪.‬‬
‫وبم))ا ت))وفره تكنولوجي))ا المعلوم))ات ـ وهي ش))كل من أش))كال العولم))ة ووس))يلتها في اآلن نفس))ه ـ من‬
‫إمكانيات ض)خمة لتحقي)ق التوح)د الع)المي ذاك يج)ري تك)ييف المجتمع)ات ومالءم)ة أنظمته)ا القانوني)ة‬
‫وأنساقها الثقافية ومنظوماتها التربوية وأنماطها االقتصادية( مالءمة الهوية ) لتنسجم والنظام العالمي‬
‫ومطالبه وشروط االندماج فيه؛ وأخذ خطاب المالءم))ة والتك))ييف م))ع الص))يغ العالمي))ة ش))كله الت))دريجي‬
‫التراتيبي يتجلى عموما في البداية في صيغ الش))راكة والتب))ادل التج))اري واالقتص))ادي ثم يتص))اعد نح))و‬
‫الخصوصيات الثقافية الشديدة كالتربية وأنماط المعيشة واألس)رة في ش))كل عالق)ات تكافئي))ة‪ ،‬ثم يتط))ور‬
‫إلى تفكي))ك األنس))اق الك))برى الثقافي))ة والرس))مية كالش))ركات المحلي))ة‪ ،‬وش))كل الدول))ة‪...‬الخ ( الهوي))ة‬
‫الجماعية ) لتحرير الفرد والمجتمع من أنساقه الذاتية ومن هويته التراثية لتيسير اندماجه في األنس)اق‬
‫العالمية كالشركات المتعددة الجنسيات لتنتهي المالءمة بتحقيق الهيمنة والتبعي)ة للغ)الب المنتص)ر على‬
‫حد تعبير بن خلدون قديما ‪.‬‬
‫ومن ثمة فهي خطاب ضد كل ما يعتقد خصوص)ية فردي))ة أو اجتماعي))ة أو انغالق بك))ل ص))وره وأنس))اقه‬
‫بالمعايير الثقافة اللبرالية المنتصرة وهي ذات مفعول كلي وخطاب شمولي يط))ال جمي))ع ج))وانب الحي))اة‬
‫الفردية والجماعية مم)ا أعطى مع)نى آخ)ر للحي)اة والعالق)ات تتمرك)ز في أحس)ن حاالته)ا خض)وع غ)ير‬
‫الخبير للخبير دوما ‪....‬‬
‫ومن ثمة فالمعنى العام الذي يمكن أن نس))توحيه للحي))اة ه))و ال))نزوع نح))و األوحادي))ة وتم))دد المواطن))ة‬
‫القطرية أو االقليمية إلى المواطن))ة العالمي))ة المهيمن))ة وال))تي تتطلب تفكيك))ا م))ا لص))لب ثقاف))ة المواطن))ة‬
‫التقليدية بما فيها األفكار واألمزجة والتاريخ والجغرافيا واالنتماء ومن)ع الممانع)ة الذاتي)ة ليتش)كل الك)ل‬
‫في مربع العولمة بفرديته ‪.‬‬
‫وبهذا المعنى للعولمة تربويا تصبح التربية مفهوما ال ن)راه إال ض)من أه)داف العولم)ة المس)كوت عنه)ا‬
‫والمتعلق))ة بتك))وين الملع))وب بهم لص))الح الالع))بين الج))دد‪.‬من خالل ع))زل التلمي))ذ معرفي))ا عن محيط))ه‬
‫االجتماعي والثق))افي وح))تى اإليكول))وجي لص))الح دمج))ه في العالق))ة ب))العوالم االفتراض))ية ال))تي يوفره))ا‬
‫الحض))ور الكلي الش))مولي لتكنولوجي))ا المعلوم))ات في عملي))ة التعليم والتعلم‪ ،‬بغ))رض إكس))اب الجي))ل‬
‫المهارات التي تطلبها الشركات المتعددة الجنسيات وحصول المتعة واللذة الفردية‪(.‬أي تربي))ة الع))دميين‬
‫الجدد‪ ،‬أو بتعبير أخالقي قيمي تربية الخائنين ألوساطهم ومج))الهم الحي))وي) يتع))رف علي))ه ولكن))ه يقل))ل‬
‫دوما من التواصل به حتى يتنكره‪.‬‬
‫ولم يبق بعد هذا الحديث المعولم للتربية عن معنى للتربية يتعلق بتربية المواطن الص))الح من حيث هي‬
‫إدم))اج مؤسس))ي وانتم))اء اجتم))اعي وتش))كيل للهوي))ة‪ ،‬أو اإلنس))ان الص))الح من حيث هي إنم))اء للقيم‬
‫اإلنس))انية أو الفردي))ة من حيث هي تحقي))ق لل))ذات كم))ا تعلمن))اه من علم النفس؛ ب))ل هي مع))نى يرتب))ط‬
‫بتسويق الذات في السوق العالمية اآلنية ‪ ...‬أو تبدوا وكأنها في ظل المعلوماتية تعيد إنتاج ما يعت))بره"‬
‫لويس دومون" بالفردانية الخارجة عن العالم أو العق)ل خ)ارج الدنيوي)ة المع)روف في الص)يغة الهندي)ة‬
‫القديمة (النرفانا) أو الرجل األعلى عند كونفوشيوس بصيغة الفردية والعقلية االفتراضية الخارج))ة عن‬
‫الفيضية الكلية االجتماعية‪ ,‬ولكنه يجرى ذلك داخل العالم‪ ,‬وهي صيغة تعبر عن مفه))وم األم))ة من حيث‬
‫هي المجتمع الكلي المؤلف من بشر يعشون بأحاسيس فردية ( مقاالت في الفردانية ص ‪) 24 :‬‬
‫ولكن هذا المعنى للتربية المعولمة وما يسمى بتكوين الضمير العالمي عبر العوالم االفتراض))ية م))ا ف))تئ‬
‫يصطدم بما يعتبره " شونفلونج " بالعدة الوراثية التي نتجاهله))ا في إج))راءات المواكب))ة العالمي))ة حيث‬
‫يعتق))د أن اإلدراك الحس))ي لألف))راد وتش))كل الم))دركات البيئي))ة تتط))ور م))ع التفاع))ل بالمحي))ط البي))ئي‬
‫واالجتماعي مم)ا يكس)بها خصوص)ية أو م)ا يمكن أن نس)ميه بالهوي)ة الجغرافي)ة ال يمكن تجاهله)ا‪ ،‬وال‬
‫تسمح باالستجابة دائما خارج موطنها األصلي؛ وألجل ذلك ـ كما تدل عليها تجارب عدة حول استعصاء‬
‫الحصول على استجابة األفراد لمش)كالت م)ا يس)مى المجتم)ع الع)المي والمش)اركة في نش)أته ـ يجب أن‬
‫تهتم التربية بالتدريب على التجريد المعرفي وهو ما يتعارض مب))دئيا لع))دة اإلنس))ان الحس))ية والوراثي))ة‬
‫الخاض))عة بالض))رورة للبيئ))ة المحلي))ة اللص))يقة بمدركات))ه ( الثقاف))ة العالمي))ة ‪.) 126 :‬وه))ذا المعطى‬
‫المعرفي كاف لضرورة إدراج التفكير اآلجل ضمن العاجل من األعمال‪ ،‬من أجل استحداث تغيير أساسي‬
‫في نمط التربية ليس فقط بامتالك الكومبيوتر التعليمي‪ ،‬ووضعه في متناول التلميذ أو بتعلم الول))وج في‬
‫العوالم االفتراضية واألنترنت بل باستحداث نمط التعليم المتجاوز لنق))ائص اإلدراك الحس))ي‪ ،‬على تربي))ة‬
‫القدرة على التفكير التأملي والتدبري والتجريد المعرفي العقلي‪ ،‬أي تزويد الفرد بمعرفة خارج نطاق أو‬
‫أنساق وجوده ( الم))ادي واالجتم))اعي) ح))تى تتموض))ع ال))ذات في مس))افة واح))دة بين وص))لها بمحيطه))ا‬
‫وتواصلها بالمحيط العالمي وفق دوائ)ر المحي)ط المتدرج)ة نح)و إنت)اج الهوي)ة العالمي)ة االفتراض)ية في‬
‫الذات ‪ .‬وعندها فقط يمكن الحصول على قدرات تساير مشكالت التنمي))ة في المجتم))ع الع))المي المع))رفي‬
‫المنشود بغير ما زهد في الذات ‪ .‬وإال سنخسر حتما متعة الوصل واالتصال الالزم بمحيطنا االيكول))وجي‬
‫واالجتماعي بمعنى التخلي عن هويتنا الخاصة لصالح الهوية العالمية ونص)ير في دائ)رة الالمنتمي كم)ا‬
‫استهدفته فلسفة كولن والسون تتقاذفنا الشركات المتعددة الجنسيات والثقافات‪.‬‬
‫ونخلص إلى أن المعلوماتية في التربية تعني تمكين التلميذ والطالب الجامعي من عولمة ذات))ه في ش))كل‬
‫الهوي))ة االفتراض))ية‪ ،‬وم))ا يمكن))ه من الت))ذاوت واالنتق))ال في العض))وية من هوي))ة إلى أخ))رى في نط))اق‬
‫المجتمع االفتراض))ي اإلنس))اني‪ ،‬وذل))ك من خالل برمج))ة مدركات))ه تحت ت))أثير البرمج))ة اآللي))ة النمطي))ة‬
‫العالمية للمعلومات والمعارف تلقي))ا وإرس))اال ‪.‬أي (تعلم منظوم))ة التواص))ل ) ‪.‬وه))و المع))نى ال))ذي أراده‬
‫فالسفة المابعد كما يتراءى لنا‪ ،‬وبه تصبح المعلوماتية ذات أهمية خاصة ومخاطر جمة ‪.‬‬
‫ومن الناحية البيداغوجية االجرائي)ة تع)د المعلوماتي)ة في التربي)ة ت)دريب التلمي)ذ والط)الب كي)ف يعه)د‬
‫بجزء غير يسير من نشاطه الذهني الهادف للتعلم واالكتساب إلى اآللة‪ ،‬حيث أن كل ما يجب أن يتعلم))ه‬
‫التلميذ بشكل فيزيقي من معالجة المعلومات وحل المسائل وحفظ القواع))د وممارس))ة الح))وار والنمذج))ة‬
‫والرسم والكتابة وكل ما يتعلق بأعمال العمليات العقلية من أجل التعلم واستيعاب المعرفة يوكلها كأفعال‬
‫لآللة لتقوم بها بدقة متناهية وسرعة فائقة وبطريق)ة أوتوماتيكي)ة آلي)ة ( مس)تقبليات ‪ ) 632: 64‬وال‬
‫ش)ك أن في ذل)ك قيم)ة إيجابي)ة تتعل)ق بتم)دد ق)درات اإلنس)ان العقلي)ة‪ ،‬كم)ا أس)لفنا‪ ،‬وفي ال)وقت نفس)ه‬
‫تستبطن آثارا سلبية تتعلق بمضاعفة االسترخاء العقلي‪.‬‬
‫في عمومية أهمية المعلوماتية‬
‫ال أعتقد أن)ه بقي من يش)كك أو ح)تى ين)اقش أهمي)ة التكنولوجي)ا من الناحي)ة النفعي)ة الحياتي)ة الفردي)ة‬
‫الخالص))ة‪ ،‬بع))د أن تكش))فت نتائجه))ا على المس))توى االتص))ال واإلعالم والتربي))ة واإلدارة والص))ناعة‬
‫والتجارة وما إلى ذلك؛ إذ أص))بحت من مس))تلزمات التكي))ف واالن))دماج المه))ني واالجتم))اعي المؤسس))ي‬
‫للفرد‪ ،‬بل إن منافعه)ا ص)ارت من ض)من العالق)ات التالزمي)ة بالتنمي)ة بص)فة عام)ة‪ ،‬وف)وق ذل)ك فإنه)ا‬
‫أصبحت من أساسيات ما يسمى بتكوين وإنماء الضمير الكوني العولمي على حد تعب))ير ‪.....‬يعي))د إنت))اج‬
‫الذاتي))ة المتع))ددة المراك))ز كم))ا يس))ميها " غ))اتري " ( الجس))د ‪،‬األن))ا‪ ،‬العائل))ة‪ ،‬االثني))ات الش))ركة‪،‬‬
‫المؤسسة ‪.)....‬‬
‫وارتبطت المعلوماتية ارتباطا جوهريا بالبعد التقني في أداء اإلنسان‪ ،‬وهو البعد الذي برز إلى الس))طح‬
‫من حيث أهميته في تغيير الواقع وحتى الفكر في فلسفة الحداثة‪ ،‬حيث تموق))ع كمفه))وم ض))من مف))ردات‬
‫التق)))دم بش)))كل ال يفهم التق)))دم وح)))تى االزده)))ار الم)))وجب للس)))عادة‪ ،‬إال من خالل إس)))تدخال التقني)))ات‬
‫التكنولوجية الحديثة في أي أداء يمارسه اإلنسان فكل عمل توظف فيه التقنيات والتكنولوجيات الحديث)ة‬
‫يعتبر عمال تقدميا ومتطورا‪ ،‬وكلما استغنى اإلنسان عن اس))تخدام التكنولوجي))ات واس))تبعدها لس))بب من‬
‫األسباب في أدائه‪ ،‬كلم)ا وص)ف عمل)ه بالعم)ل التقلي)دي المغل)ق والمنغل)ق؛ فص)ارت التكنولوجي)ا رم)زا‬
‫للتقدم ومفهوم مرادف للحداثة والعصرنة‪ ،‬ومف))ردة من مف))ردات أي))ديولوجيا التق))دم ‪.‬وهي األي))ديولوجيا‬
‫التي دفعت بمنطق تقسيم العلوم إلى علوم بروليتاري)ة وعل)وم برجوازي)ة المزده)ر أي)ام ازده)ار بنيوي)ة‬
‫التحليل النفسي والطبقية الماركسية والقطيعة الباشالرية‪ (.‬انته))اء ف))ترة والي))ة األي))ديولوجيات الفكري))ة‬
‫لتحل محله))ا والي))ة األي))ديولوجيات الحياتي))ة )‪ .‬وف))وق ذل))ك وبحس))ب الب))احث "الش " وب))النظر إلى م))ا‬
‫توص))لت إلي))ه تكنولوجي))ا المعلوم))ات من تط))ور فإنن))ا نعيش الحتمي))ة المعلوماتي))ة‪ ،‬مظهره))ا يتجلى في‬
‫حص))ول االرتب))اط بين النظم العض))وية ( البش))رية) والنظم التقني))ة المادي))ة (اإلنس))الي) أي االرتب))اط بين‬
‫النموذج الفزيولوجي والنموذج السيبراني التحكمي‪ ,‬ومن ثمة فالتفاعل حاصل بين ( عض))وي ـ تق))ني )‬
‫فال يمكن العيش في هذا المجتمع المعلوماتي بدون أدواته التقنية واالتصالية ؛ وهو ما يؤكد ـ في نظره‬
‫ـ أن المجتمع ظاهراتي وكيان حي))وي وليس كم))ا ذهب إلي))ه التطوري))ون من أن المجتم))ع كائن))ا عض))ويا‬
‫( األن)ترنت ص ‪. ) 92 :‬ويخلص "الش" إلى أن نظري)ة المعلوماتي)ة أخ)ذت تبل)ور مجتم)ع المعلوم)ات‬
‫ال))ذي ينتق))ل من النظ))ام إلى الالنظ))ام ثم إلى النظ))ام م))رة أخ))رى‪ ،‬ومن العقالني))ة إلى الالعقالني))ة ثم إلى‬
‫العقالنية الفائقة ‪.‬وهو األمر الذي يحتم التكيف معه‪.‬‬
‫وبالنظر لبعض آراء الباحثين في مسألة الحتميات( التقنية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬المعلوماتية ) ومن وجهة نظ))ر‬
‫التوفيقية؛ فإنهم يعتقدون أن)ه إذا ك)انت نظري)ة الحتمي)ة التقني)ة هي اإليم)ان بق)درة اآلل)ة الفائق)ة على‬
‫استحداث تغيرات اجتماعية‪ ,‬وإذا كانت الحتمية االجتماعية تكرس اإلرادة اإلنسانية كس))بب للتغ))ير‪ ,‬وإذا‬
‫ك))انت جدلي))ة الثقاف))ة المادي))ة ( التقني))ة ) الالمادي))ة ( المجتم))ع) هي م))ا يح))دث التغ))ير بحس))ب هرب))رت‬
‫ماركيوز؛ فإن" سكوتالشي" وفق منظور ما يسميه الثقافة ضمن المسافة ي))رى أن ( الحتمي))ة التقني))ة ـ‬
‫المعلوماتية ) أصبحت هي األساس في التغير والتنمية‪(.‬األنترنت‪ 95:‬ـ‪) 96‬‬
‫أهميتها في تحرر الذات من الهويات المغلقة ‪.‬‬
‫ثبت لفالسفة المابعد أن المصالح الفردية والجماعية متعددة ومتنوع))ة ومتن))افرة أحيان))ا مم))ا جع))ل من‬
‫الواقع متعددا ومتنافرا أحيانا ومتكامال ومنسجما أحيانا تبعا الدراكات اإلنسان له وهو م))ا جع))ل الص))يغ‬
‫الكليانية تفشل في االحتواء بوسائلها العلمية والقانونية واأليديولوجية‪ ،‬وجعل من الض))روري الخ))روج‬
‫عن انغالق األنا الفردية والـ " نحن " الجماعية في الص))يغ الكلياني))ة إلى التع))الق الوج))داني بين ال))ذات‬
‫واآلخر في الصيغ الحياتية األكثر تحررا كصيغ التعليم المفردن ال))ذي ت))وفره اآلل))ة الذكي))ة من حيث هي‬
‫إضافة تسند وضعيات الفردية والجماعية وال تزيحها بمعنى أنها تح))رر اإلنس))ان من االنغالق في ال)ذات‬
‫أو النحن دون االستغناء عن تحقيق الذات عبر التواصل مع اآلخر من حيث أن اآلخر جزء من الحقيق))ة‬
‫ال يمكن االس))تغناء عن))ه ( م))وريس ‪ .) 31 :‬وب))ذلك يك))ون البحث عن الحقيق))ة والتعلم واالكتس))اب في‬
‫عصر المعلوماتية وانتشار اآلالت الذكية اكتسب وس))ائط أخ))رى ت))ثري البحث ومص))ادر المعرف))ة بش))كل‬
‫قوي غ))ير معه))ود وي))ثري العالق))ات ويغنيه))ا ويكثفه))ا‪ ،‬ب))ل حرره))ا وأطل))ق عنانه))ا بال ح))دود أو قي))ود‬
‫المج))ال؛ مم))ا يث))ير تس))اؤل ح))ول م))ا يس))مى المس))ؤولية األخالقي))ة كقض))ية ك))برى في عص))ر انتش))ار‬
‫المعلوماتية‪.‬‬
‫وبالجملة تتجلى أهميتها التحررية في تفعيل ال)ذات العارف)ة بم))ا تض))يفه المعلوماتي))ة من ق)وة الفعالي))ة‪،‬‬
‫حيث يعتقد أنه إذا كانت اآللة الصناعية والكهربائية هي بمنزلة المضاعفة األسية للجهد العض))لي‪ ،‬ف))إن‬
‫اآلالت الذكية هي المضاعفة األسية لمدركات اإلنسان وقدراته وجهوده الحس))ية في تنظيم ومعالج))ة م))ا‬
‫يرد إليه من معلومات ومعارف وأخبار ورسائل واالنفتاح على اآلخر‪...‬الخ‬
‫األهمية التربوية ‪:‬‬
‫بداية يجب التذكير بأن المقاربة الوظيفة للمعلوماتية في التربية والبيداغوجية ت))بين أنه))ا كيفي))ة أخ))رى‬
‫لص)))ناعة التعلم ال تختل)))ف كث)))يرا عن الوس)))ائل التقليدي)))ة األخ)))رى ( الكت)))اب ـ الص)))ورة ـ النم)))اذج ـ‬
‫النص ‪...‬الخ ) فليس هناك ما يؤكد قدرة الحاسوب على تعليم التالمي))ذ اإلب))داع واالبتك))ار‪ ،‬ب))ل أن بعض‬
‫الدراسات تشير نتائجها إلى أن التحصيل الدراسي يتحسن بالكومبيوتر لدى المتوسطين من التالميذ وال‬
‫يشير إلى ذلك بالنسبة للفئات األخرى ( الضعفاء ـ والمتفوقين ) فهو تعلم في نط))اق األنظم))ة الرمزي))ة‬
‫أو نظم التعلم بالمالحظة‪ ،‬وعلى أهمية هذه النظم في االكتس))اب المع))رفي‪ ،‬فهي ليس))ت بديل))ة عن التعلم‬
‫بنظم الخبرة كالتجربة الحسية‪ ،‬والتفاعل االجتماعي المباشر‪ ،‬ولكنه مع ذلك فهو يفترق عنه))ا في أن))ه‬
‫من أهم مضخمات العقل البشري في كونه وس))يلة تض))في على المعرف))ة قابلي))ة ال متناهي))ة من االنفت))اح‬
‫على المعاني وتطور النمذج))ة وقابلي))ة تش))كلها باس))تمرار‪ .‬ومن المتع))ارف علي))ه في أدبي))ات ال))تربويين‬
‫والبي))داغوجيين أن التعلم والتعليم مف))اهيم افتراض))ية؛ إذ يتعل))ق بواق))ع تجري))دي ونم))اذج ذهني))ة وح))تى‬
‫المجسد منها كالقاعة والمكتبة والمختبر إن هي إال واقع تجريدي أو الواقع الفوقي يدفع باإلنسان نح))و‬
‫التجري))د والنمذج))ة والعقلن))ة والنمطي))ة والتفك))ير والتص))ور والتخي))ل يح))اكي م))ا يع))رف اآلن ب))الواقع‬
‫االفتراضي‪ ...‬الخ وقد ت)بين لـ " ‪ " K Sheing‬أن التلمي)ذ عن)دما يتعلم الحاس)وب فه)و يوظ)ف رم)وزا‬
‫حيث يضع نفسه أمام عالم من الرموز يب)ني وي)ركب مجموع)ة أفك)ار ومعلوم)ات وغيره)ا ‪ .‬وإذا ك)انت‬
‫المدرسة هي ك)ذلك ف)إن أش)كال التعليم عن بع)د والتعليم اإللك)تروني واألن)ترنت وم)ا ينتجان)ه من واق)ع‬
‫تعليمي افتراضي { المدرسة االفتراضية‪ ,‬الفصل االفتراضي‪ ,‬المكتبة االفتراض))ية‪ ،‬اإلدارة االفتراض))ية }‬
‫هي امتداد للفصل التقليدي والمدرسة التقليدية بكل حيثياتهما‪ ( .‬األنترنت ‪.) 194 :‬‬
‫وبغض النظر عن محدودية النتائج للمعلوماتية في التحصيل‪ ،‬فأهميته))ا في التربي))ة ال أج))د له))ا مكان))ة‬
‫أقل من مكانة الضوء بالنس))بة لح))دوث عملي))ة اإلبص))ار‪ ،‬أو مكان))ة الس))كة بالنس))بة لتنق))ل القط))ار‪ ،‬فهي‬
‫عظيمة بهذا القدر وآخذة في التعاظم بقدر ما تحدثه اآلالت الذكية في نظر البيداغوجيين يوما بع))د يوم))ا‬
‫من ارتقاء بعملية التعليم نحو جودة مفرداته بما تستحدثه من ظروف التشويق والتعلق وصيغ التعزي))ز‬
‫ومتعة التعلم ورفع منسوب التحصيل وجودة األداء واصطفاء للمعلومة وانتقائها بأقل جهد وأق))ل تكلف))ة‬
‫وأقصر وقت؛ فالكومبيوتر بداية هو بمنزلة ذاك))رة إض))افية للتلمي))ذ تع))وض احتم))االت النس))يان لل))ذاكرة‬
‫الطبيعي))ة‪ ،‬كم))ا تع))وض محدودي))ة ال))ذاكرة الورقي))ة ومعان))اة القلم والورق))ة‪ ،‬فه))و ي))وفر إمكان))ات هائل))ة‬
‫للتخزين واالستحضار والتعديل واإلضافة والحذف والدمج‪ ،‬فهي ذاكرة مفتوحة ومكتبة مفتوحة وتحول‬
‫مفتوح ال يعرف الغلق أو االمتناع‪.‬‬
‫ويعم))ل منظ))ري البي))داغوجيا وراس))مي السياس))ات التربوي))ة في ك))ل البل))دان على تعميم اس))تخدام ب))ل‬
‫التوظيف الالمحدود لوسائل االتصال البيداغوجي اإللك)تروني والتعلم الش)بكي والتعليم عن بع)د وإنش)اء‬
‫العوالم االفتراضية ( اإلدارية ‪،‬التعليمية التعلمية‪ ،‬الخدماتية ‪...‬الخ ) لتصبح ثقافة مش))اعة يس))تفيد من))ه‬
‫التالمي))ذ في المدرس))ة وخارجه))ا بيس))ر وبش))كل متس))اوي بين ك))ل الفئ))ات الش))عبية‪ .‬وبه))ذا المفه))وم‬
‫فالمعلوماتية هي الضوء الذي به يحدث استبصار المعرفة وهي القطار ال))ذي يركب))ه الطف))ل نح))و ج))ودة‬
‫الذات ‪.‬‬
‫ومن ناحية السياسة التربوية‪ ،‬أنهت تجارب عالمية عديدة الجدل القائم حول مبدأ إدخال المعلوماتية في‬
‫التربية منذ الثمانينات ونحيل القارئ إلى ما أوردته مستقبليات من التج))ارب المبك))رة كتجرب))ة الوالي))ات‬
‫المتحدة ودول أوربا والهند وبعض البلدان األفريقي)ة والعربي)ة واألس)يوبة‪ ،‬إذ أك)دت ك)ل ه)ذه التج)ارب‬
‫حتمية إدماج التكنولوجيا الجديدة ضمن عناص))ر العملي))ة التعليمي))ة‪ ،‬وت))دعوا إلى إش))اعة ه))ذه التقني))ات‬
‫اإللكترونية في التعليم المدرسي من أجل أن يص))بح التعليم ح))ق وج))ودي يتحق))ق مي))دانيا لجمي))ع أطف))ال‬
‫العالم بصفة حتمية وليس مجرد مبدأ إيديولوجي تتب))اهى ب))ه ال))دول وتزاي))د على بعض))ها البعض‪ ،‬وبقي‬
‫الجدل فقط ـ في نظر تلك التجارب ـ حول فوائد ذل)ك والط)رق ال)تي يتعين على ك)ل دول)ة تطبيقه)ا وف)ق‬
‫نماذجها التنموية‪ (.‬مستقبليات العدد ‪ 593 : 64‬ـ ‪. ) 669‬‬
‫األهمية المعرفية وتجاوز إشكالياتها البيداغوجية‪ :‬ـ‬
‫تشكل مرجعيات العلوم والمعارف واالختصاص))ات في المنظوم))ات التربوي))ة لل))دول المتقدم))ة‪ ،‬ب))دأ من))ذ‬
‫التنوير وفجر البنيوية ينحاز تدريجيا ال سيما في عهد العصر الصناعي إلى الكفاءة في الس))لوك واألداء‬
‫والقدرة على اإلنت))اج واس))تحداث التط))ورات الالزم))ة في الواق)ع الص))ناعي تحدي))دا‪ ،‬بم))ا ي))وفر لإلنس))ان‬
‫رفاهيته واشباعاته من حاجاته الضاغطة اآلني))ة‪ .‬فك))ان أن ت))درج منط))ق العلم في االبتع))اد عن التجري))د‬
‫والممارسة النظرية‪ ،‬ليخلوا المكان والسبيل للتجربة والمالحظة المباشرة‪ .‬وتدرج في هذا االتجاه ح))تى‬
‫أن))ه أص))بح اآلن في عه))د المابع))د لم يع))د يس))تند إلى المرجعي))ات االبس))تمولوجية للعل))وم وال للفلس))فات‬
‫البيداغوجية وال لمواصفات المواطن الصالح بق))در م))ا يخض))ع لمرجعي))ات الس))وق ومتغيرات))ه ب))ل ح))تى‬
‫لتقلبات))ه‪ ،‬فخض))عت العل))وم لإلمع))ان الش))ديد في التخص))ص ح))تى ب))دت وكأنه))ا منفص))لة عن أنس))اقها‬
‫االبستمولوجية وآلياتها الميتودولوجي)ة‪ ،‬وس)ياقاتها التطوري)ة‪ ،‬وص)ارت المع)ارف ب)ذلك مح)ل التف)تيت‬
‫والتجزيئ واألجرأة‪ ،‬وهندسة‪ ،‬كما لو كانت سلسلة من المهارات س))لوكية متتالي))ة مص))نفة ومبوب))ة ب))ل‬
‫ومبرمج)))ة بحس)))ب متطلب)))ات س)))وق العم)))ل ومف)))ردات الوظيف)))ة‪ ،‬ومقتض)))يات اإلنت)))اج واالس)))تثمار‬
‫والتسويق‪...‬الخ كما هو في ثقافة المؤسسة ومن ثمة فالمعرفة سلعة تباع وتشترى وتخضع لمتغ))يرات‬
‫السوق وشروط الجودة ‪ .‬والسوق بعدئذ معيار لقياس بضائع المعرفة كما تقاس قيمة البضائع بالنقود‪.‬‬
‫ومن خالل تكنولوجيا المعلومات يتحقق حلم أولئك ال))ذين ناض))لوا من أج))ل تأس))يس التعليم والتعلم على‬
‫مبدأ اللعب كمبدأ سيكولوجي من حيث هو أروع سبل التعلم وأقرب إلى طبيعة الطفل التلقائية والعفوية‪،‬‬
‫بعيدا عن إكرهات المقرر والكتاب المدرسي المؤدلج السيما حين يك))ون بص))دد تعلم عل))وم الحي))اة‪ ،‬دون‬
‫م))ا تعب أو اإلحس))اس ب))اإلكراه والض))غط وقواع))د االنض))باط الملزم))ة؛ فيعتق))د أن الطف))ل أم))ام مث))يرات‬
‫الكومبيوتر وتشويقاته في األلع))اب يتمث))ل الق))وانين العالق))ات اإليجابي))ة والقواع))د االجتماعي))ة ويميزه))ا‬
‫وينسق حركات)ه وينمي ذك)اءه ولغت)ه‪ ،‬ويم)ارس خيال)ه وخي)ال اآلخ)رين واألق)ران‪ ،‬فهي ألع)اب تعلمي)ة‬
‫كمعرفة تعزز الحس التعاوني بغير إمالء وال إكراه‪.‬‬
‫ولذاك فالتعليم اإللكتروني يحقق الفردانية من حيث هو يتيح التعلم الذاتي الذي يقلص سلطة الراش))دين‬
‫على غير الناضجين من األطفال‪ .‬أو سلطة الضعيف على القوي‪ ،‬والعارف على الذي ال يعرف والخبير‬
‫على من ال خبرة له ‪ .‬فللحرية ال))تي تتيحه))ا التقني))ة اإللكتروني))ة في االتص))ال البي))داغوجي‪ ،‬واس))تقاللية‬
‫التلميذ الكاملة في االختي))ار‪ ،‬إجاب))ات ش))افية على كث))ير من التس))اؤالت التقليدي))ة ال))تي أثارته))ا وتثيره))ا‬
‫إيستمولوجيا ممارسات المدرسة كمؤسسة بيداغوجية اجتماعية‪ ،‬بع))د أن تكفلت بالبي))داغوجيا الدمجي))ة‬
‫واألهداف المتعلقة بالتوريث الثقافي والهوية وتنميط الشخصية واألدلجة‪ ،‬وإع))ادة اإلنت))اج ‪...‬الخ‪ .‬فهي‬
‫صيغة تستجيب أيضا ألمنية روسو والمنح)درين من أفك)اره في الحري)ة البيداغوجي)ة وتأس)يس التربي)ة‬
‫على السلبية من حيث هي استقاللية تامة للطف))ل عن الت))أثيرات االجتماعي))ة لص))الح األنس))نة واأله))داف‬
‫السامية العالمية‪ ،‬في كل مراحل طفولته‪ ،‬ذلك بعد أن يئس ديوي من ذل)ك عقب ض)خ القوم)يين األلم)ان‬
‫أه))دف قومي))ة ش))ديدة التنمي))ط واألدلج))ة في ك))ل ال))برامج التربوي))ة والممارس))ات البيداغوجي))ة‪ ،‬تص))وغ‬
‫التربية في محيط قومي كثيرا ما ك))ان معادي))ا لآلخ))ر ويح))د من النزع)ة اإلنس))انية الطبيعي))ة الروس))وية‪،‬‬
‫ويقلل من حرية الطفل في االختيار ( جون ديوي‪. ) :‬‬
‫وانتفت مع الكومبيوتر الضرورة التي يراها دوركايم لتدخل الراشدين في تربية غير الراشدين من اج))ل‬
‫الدمج في المؤسسات االجتماعية‪ .‬وتحققت نهاية للتعليم البنكي كما حلم بها "باولو فرايري"‪ ،‬وأج))ابت‬
‫التربية اإللكترونية عن تساؤالت بورديو وما أضفته من مخاوف بيداغوجية تتعلق ب))اإلكراه واالنض))باط‬
‫المفرط (أي كل ما يسميه بالعنف الرمزي) وح))االت التفس))ير التش))اؤمي لوظ))ائف المدرس))ة القابع))ة في‬
‫إعادة اإلنتاج والقول بحتمية التعسف الثقافي‪ ،‬بل أجابت عن مخاوف بودريلالر" ‪" Boudrillard‬التي‬
‫توصف بالحقيقية في توصيف وظيفة المدرسة كما لو كانت وظيفة إرهابي))ة أس))وأ من وظيف))ة التعس))ف‬
‫الثقافي مما حدا به األمر إلى الدعوة إلى تأس))يس مدرس))ة المقاوم))ة ال))تي تح))ول المعلمين ره))ائن ومن‬
‫ثمة تبرير عمل اإلرهابيين وتفهم أعم)الهم العنيف)ة ( قض)ايا ‪ 35 :‬ـ ‪ .) 37‬والتربي)ة اإللكتروني)ة ت)وفر‬
‫على "اليتش "عناء البحث عن البديل حينما نادى بموت المدرسة‪ ،‬فنحن على أبواب م))ا بع))د المدرس))ة‬
‫أو نهاية المدرس)ة كمؤسس)ة ض)من ح)ديث النهاي)ات‪ ،‬فكم)ا ي)رتقب أن يص)بح الم)دونون الب)ديل الفعلي‬
‫للمؤسسة اإلعالمية‪ ،‬بما تتيحه تكنولوجيا اإلعالم واالتصال اإللكتروني)ة‪ ،‬فإن)ه أيض)ا ي)رتقب أن يتط)ور‬
‫التعليم عن بعد ويصير بديال عن المدرسة من حيث هي مؤسسة ويتحرر كل من المعلم والتلميذ من كل‬
‫إكراهاته))ا( الس))لطة‪ ،‬ال))زمن المك))ان‪ ،‬الق))وانين‪ ،‬القواع))د االنض))باطية التش))ريعات االنتظ))ام والنظ))ام‪،‬‬
‫البرنامج األسبوعي‪ ،‬التعسف التربوي والبيداغوجي ‪...‬الخ )‪ .‬ذل))ك أن الوض))عية التعلمي))ة ال))تي يتيحه))ا‬
‫التعلم الفرداني اإللكتروني تتيح إمكانية تجاوز التلميذ إلكراهات المؤسسة كمكان ثابت بح))دود جغرافي))ة‬
‫ومهنية وبرمجة في زمان وبنظ)ام وض)من قواع)د وق)وانين ومع)ايير وض)بط الس)لوك والحرك)ة والتكلم‬
‫بمقدار ‪ .‬فالوضعية التفاعلية بين التلميذ والوسيط اإللكتروني تكون حتم))ا خالي))ة من ك))ل ص))يغ وأنم))اط‬
‫التفاعل المباشر بين المعلم والتالميذ السائدة في التعليم ب))دون وس))ائط إلكتروني))ة‪ ،‬وبمن))أى عن آثاره))ا‬
‫السلبية المحتملة‪ ،‬كما يرصدها فالندرز وكل البيداغوجيين الالتوجيهيين والقلقين من االتصال المباش))ر‬
‫القائم على الهيمنة والمحتوى التفاعلي الموجه ‪.‬أي أن التقنية اإللكترونية من منظور الس))لطة والق))وة‪،‬‬
‫فهي تلغي األبوية بكل تجلياتها وتعزز منطق الشراكة ‪.‬‬
‫األهمية التواصلية الفردية والجماعية في تكوين المعرفة والتعلم‬
‫والكمبيوتر يوفر تبادل الرسائل المعرفي)ة في اآلن بك)ل حري)ة بين التالمي)ذ فيمكنهم من تب)ادل الخ)برات‬
‫ونشر آرائهم ع)بر الع)الم فتلقي الرس)ائل المفتوح)ة والمعلوم)ات العلمي)ة بحري)ة ووعي‪ ،‬تمكن الطلب)ة‬
‫والتالميذ في مختلف المستويات التعليمي))ة من بن))اء معرف))ة متع))ددة المص))ادر ومتنوع))ة في مض))امينها‬
‫ومحتوياته))ا ( فه))و يس))تطيع بن))اء معرف))ة ترفيهي))ة وتعليمي))ة تعلمي))ة وتدريبي))ة وإخباري))ة وإعالمي))ة‬
‫ومدرسية سطحية ومعمق))ة‪...‬الخ في مختل))ف مج))االت المعرف))ة اإلنس))انية والطبيعي))ة والبيولوجي))ة مم))ا‬
‫يساعدهم على االستفادة القصوى وب))دون ح))دود من التغذي))ة الراجع))ة وتص))حيح مس))اراتهم الفكري))ة أو‬
‫المهنية وحتى االدراكية منها ‪.‬‬
‫كما تمكن التالميذ من تكوين عالقات إنسانية غير محدودة م)ع الطلب)ة والتالمي)ذ من جنس)يات مختلف)ة‪،‬‬
‫أي تمكنه من ما يسمى بعقد الصداقات الدولية أو األخوة العالمية حسبما يرغب‪ ،‬فيمكن))ه المش))اركة في‬
‫الحوارات العلمية والثقافية من أي موقع افتراضي ومن أي مكان بل أنه يس))تطيع أن يخت))ار معلم))ه من‬
‫أي جنسية كانت فال حدود لإلمكانات والمس))احات االفتراض))ية والواقعي))ة منه))ا ال))تي تتيحه))ا تكنولوجي))ا‬
‫المعلومات فهي قد حققت نهاية الجغرافيا والزمن ‪.‬‬
‫ـ تكنولوجيا المعلومات تتيح للطالب معرفة الوضعيات المختلف))ة لزمالئ)ه من حيث اهتمام))اتهم العلمي))ة‪،‬‬
‫ومستوياتهم وأوضاعهم‪ ،‬ويمكنه أن يحدد مستواه من بين أقرانه وزمالئ))ه مم))ا يس))اعده على االختي))ار‬
‫واالنض))مام لمجموع))ات وف))رق العم))ل البيداغوجي))ة ب))وعي ودون االعتم))اد على أي))ة س))لطة معرفي))ة أو‬
‫إدارية بيداغوجية‪ ،‬وكذا معرفة المواضيع والمحتويات الدراسية وتصنيفاتها كم)ا يمكن)ه معرف)ة نتائج)ه‬
‫واالستفادة من التغذية الراجعة عقب االنتهاء من االمتحانات ونشر النتائج ومعرفة العالمات‪.‬‬
‫أما المعلم فيمكنه الكومبيوتر بداية من نشر معلوماته وآرائه ويتصل بتالميذه عبر المواق))ع اإللكتروني))ة‬
‫أو البريد اإللكتروني والمشاركة في الحوارات مع تالميذه ويوجهها ويقودها عن بع))د‪ ،‬ويمكن))ه تس))جيل‬
‫دروسه وإبداء مالحظاته وإرس))الها في حينه))ا بحيث يتمكن ك))ل تلمي))ذ من االطالع عليه))ا من أي مك))ان‬
‫شاء‪ ،‬كما يمكنه إجراء االمتحان وتصحيحه ونشر العالمات بكل تفاصيلها عن طريق البريد اإللك))تروني‬
‫والمواقع االفتراضية المتاحة‪.‬‬
‫والمعلوماتية بما توفره من معرفة وبرامج تعليمية جاهزة تمكن المعلم من االختيار األفضل للمعلوم))ات‬
‫العلمية األكاديمية واالس))تفادة من أي خ))برة عالمي))ة بيداغوجي))ة مهم))ا بع))دت‪ ،‬وإن رغب في التع))ديالت‬
‫أجراها كما يري))د ثم يبلغه))ا لتالمي))ذه بحس))ب إيقاع)اتهم الخاص))ة في التعلم وب))أي طريق))ة وب))أي نم))وذج‬
‫تعليمي ي)راه مناس)با لتالمي)ذه‪ ،‬كم)ا تمكن)ه من إنت)اج المعرف)ة التربوي)ة في مج)ال اختصاص)ه ونش)رها‬
‫وعرضها للتقويم التربوي وتلقي التغذية الراجعة تمكنه من التعديل والتصحيح والتطوير المس))تمر فهي‬
‫وسائل مفتوحة ضد اإلغالق ‪ .‬وبذلك يستطيع التخلص من إكراهات المعرف)ة المغلق))ة والوس))ائل الثابت))ة‬
‫كالتقي))د بالكت))اب المدرس))ي وتعليم))ات المفتش والم))ذكرات الوزاري))ة كم))ا يتخلص من إكراه))ات المك))ان‬
‫والضبط الزمني والتخطيط الفوقي للدرس‪...‬الخ‪.‬‬
‫والتقنية اإللكترونية الحديثة توفر لإلنسان معلما أو تلميذا أو مهما كانت هويته المهنية حري))ة االختي))ار‬
‫من عدة بدائل فتمكنه من استقبال الرسائل المرغوب فيها كم))ا تمكن))ه من رفض غ))ير المرغ))وب منه))ا‪،‬‬
‫وتمكنه من الدخول إلى عوالم افتراضية واختيار منها ما يفيده وينتف))ع ب))ه‪ ،‬ويبع))د منه))ا م))ا يض))ره وال‬
‫يفيده‪ ،‬كما يستطيع من خالل تكنولوجيا المعلوماتية المساهمة في اإلنتاج وإبداء الرأي ونش))ر التج))ارب‬
‫البيداغوجية وطنيا وعالميا ‪.‬‬
‫األهمية في تحقيق الجودة التعليمية والبيداغوجية ‪:‬‬
‫ت))وفر المعلوماتي))ة في التربي))ة إمكاني))ة تط))وير وتحس))ين أداء المؤسس))ة التربوي))ة من حيث هي ناظم))ة‬
‫لألنس))اق وراعي))ة للقواع))د والق))وانين البيداغوجي))ة‪ ،‬والتلمي))ذ كمتفاع))ل م))ع المعرف))ة اإللكتروني))ة تلقي))ا‬
‫وإنتاجا وحوارا والمعلم كمنسق وموجه ون))اظم للعملي))ة التعليمي))ة‪ ،‬فالمعلوماتي))ة ت))وفر ب))رامج متنوع))ة‬
‫رصدها الب)احثون أمث)ال " روالنلوترن)اخ " ( مس)تقبليات ‪ 431 : 63‬ـ ‪ ) 438‬تق)وم كله)ا على مب)دأ‬
‫االستقاللية‪ ،‬تفيد وتساعد كل من المعلم والتلمي))ذ واإلدارة ك))برامج اإلدارة والبرن))امج المعلم والبرن))امج‬
‫التشخيصي الرائز‪ ،‬والبرنامج الممرن وبرامج القياس والتحكم والمحاكاة ‪...‬الخ وألن هذه البرامج كلها‬
‫بدأت رديئة إال أنها آخذة في التطور نحو مستويات عليا من الجودة‪ ،‬في مجال ج))ودة القيم))ة التربوي))ة‪،‬‬
‫والدعم والتفاعل الحواري ‪ .‬والشك أن المعلوماتية وال)برامج الج)اهزة وم)ا ت)وفره من آلي)ات التعلم ق)د‬
‫ارتفعت إلى مس))تويات من الج))ودة العالي))ة‪ ،‬حيث ش))ملت جمي))ع المع))ارف وتنطل))ق من معطي))ات عل))وم‬
‫التربي))ة وعلم النفس والبي))داغوجيا على الخص))وص‪ ،‬وعلى وج))ه أخص من ال))ذكاء االص))طناعي‪ ,‬ولم‬
‫تس))تثني في ذل))ك المس))تقبل للمعلوم))ات والمع))ارف أو المس))تهلك له))ا حيث أدرجت ك))ل منهم))ا (المنتج‬
‫والزبون ) في البرامج كأذواق وق)درات ومق))درات وإمكان))ات ونت))ائج على مس))توى األث))ر ال)ذي تترك))ه‪،‬‬
‫ولذلك أصبحت اآلالت الذكية والحاسوب واألنترنت من وجهة نظر تربوية‪ ،‬هي إمكانية إضافية لتحقي))ق‬
‫مواكبة العصر ومستجداته‪ ,‬وألفة عالية بمعالجة المعلومات‪ ،‬وتحس)ين لنوعي)ة التعلم‪ ,‬وتحس)ين ف)رص‬
‫العمل ‪.‬وهو األمر الذي يرشحها بأن تحتل موقع الصدارة في اهتمامات السياسات التربوية المستقبلية‪،‬‬
‫وبعد هذه األهمية إذا كنا نحن قد تأخرن))ا في االس))تفادة من المعرف))ة التقني))ة اإللكتروني))ة بفع))ل التف))اوت‬
‫الحضاري‪ ،‬فإن)ه يتعين علين)ا أن ن)واكب ونتكي)ف م)ع مس)تجداتها وال يس)مح لن)ا باالنتظ)ار ألن س)رعة‬
‫تغيرها جعلتها لحظية تح)ال بنفس س)رعة تغيره)ا إلى ثقاف)ة الماض)ي‪ ،‬مم)ا جع)ل فائ)دتها آني)ة ال تقب)ل‬
‫االنتظار‪.‬‬
‫ولكن ه)))ل به)))ذه األهمي)))ة ال)))تي عليه)))ا تكنولوجي)))ا المعلوم)))ات تفلت من الرقاب)))ة وش)))رط الش)))رعية‬
‫والمشروعية‪ ،‬ونكون بعدئ)ذ متلقين منفعلين ب)دون حص)انة ووقاي)ة ذاتي)ة أو ب)دون ح)تى آلي)ات التحكم‬
‫الذاتي السبرنيتي وال حاجة لن)ا في آج)ل أعماله)ا وال خ)وف علين)ا؟ ذل)ك ه)و الم)دخل لبحث مش)روعية‬
‫الرقابة أو الوقاية للمعلوماتية ‪.‬‬
‫محاذير األنسنة ‪:‬‬
‫بداية يجب استحضار للقارئ من أننا إذا انتقدنا التقنية المعلوماتية وما يس))وق في عقولن))ا لك))ل م))ا ه)و‬
‫غربي‪ ،‬فليس ذلك من باب العنتريات‪ ,‬وال من ب)اب رفض اآلخ)ر‪ ،‬وال من ب)اب فت)اوى الجهالء القاض)ي‬
‫بحرم))ة دخ))ول الم))رأة إلى األن))ترنت لحرم))ة الخل))وة‪ ،‬وإنم))ا من ب))اب المعرف))ة (من تعلم لغ))ة ق))وم أمن‬
‫مكرهم ) أي أنن))ا نري))د أن نعرف)ه أك))ثر ألن هن))اك مس))احات رمادي))ة شاس))عة في العالق)ة بينن))ا من حيث‬
‫تسويقه لمنتاجاته في واقعنا ‪.‬‬
‫فالتقني))ة واآلل))ة المس))توردة ال تك))ف عن اإلفص))اح عن قيم جدي))دة تج))ذب اإلنس))ان نح))و تمثله))ا كره))ا‬
‫وطواعية‪ ،‬فكما أن اآللة الصناعية أح)دثت أنماط)ا حياتي)ة مؤسس)ية اقتض)ت س)لوكات وتكيف)ات مهني)ة‬
‫وجمعنة اجتماعية مناسبة‪ ،‬واستتبع ذلك تغير أساسي في أنماط التربية والتعليم لين))درجا نح))و التك))ييف‬
‫والتكي))ف بالجمعن))ة والبرمج))ة والتمهين وتوزي))ع الكف))اءات وتجزئ))ة الخ))برة وتقنينه))ا وض))بط الس))لوك‬
‫القيادي واالنقيادي والمنتج والمستهلك‪ ...‬فكذلك اآللة اإللكترونية آخذة في إنتاج أنماط حياتي))ة تتم))ازج‬
‫فيها الفردية والجماعية واإلنسانية‪ ،‬وتسهم في تعميق مفهوم األنا المتعددة المراكز في س))ياق الض))مير‬
‫الك))وني‪ ،‬فم))ا ك))ان ينس))جم من قيم العم))ل التايلوري))ة والفوردي))ة في المجتمع))ات الص))ناعية م))ع ثقاف))ة‬
‫المؤسسة المثبتة في مكان محدد الواق))ع والوق))ائع‪ ،‬أص))بح ال ينس))جم م))ع ثقاف))ة المؤسس))ة االفتراض))ية‬
‫ومناطق العم))ل المتع))ددة المواق)ع‪ ،‬وهي المؤسس))ات والتع))دد في الواق)ع ال)ذي يف))رض ال محال)ة تغي))ير‬
‫أساس))ي في أنظم))ة المؤسس))ة وأنس))اقها ( كنظ))ام األج))ور والح))وافز والتقاع))د وأس))اليب العم))ل وقيم))ه‬
‫وعالقاته اإلنسانية ‪ ( .‬موريس ‪ 29:‬ـ ‪ ) 30‬وقد استتبع ذلك تغيير أساس))ي في أنم))اط التربي))ة والتعليم‬
‫فصار اإلنسان يبرمج في مربع األثر والمفع))ول ب))ه ب))دال عن موض))ع الط))بيعي ال))ذي يجب أن يك))ون في‬
‫مربع السبب والفاعل من حيث هو سيد ومتحكم ومؤثر وموجه للحياة داخل أناه وخارجها‪ ،‬كم))ا أرادت))ه‬
‫على األقل مسلمات تبشيرات فقهاء الفكر في القرن التاسع عشر والعشرين والكشف عن ما هو مستتر‬
‫في تفسير حياة الناس والتمكن من حقيقة جوهر الوجود وجعلت من اإلنسان سيدا وأم)ير عالم)ه‪ ،‬كم)ا‬
‫تكش))ف ل))ديهم إرادة العيش وإرادة الق))وة وص))راع الطبق))ات وق))وة الليبي))دو والعقالني))ة والجمعوي))ة‬
‫والفردانية الناضجة وهي تكشفات الحداثة كلها آلت إلى ذاتية مغلقة والنحن المنغلقة وانغلق الك))ل على‬
‫الكل فصار التمركز حول الذات هو السبيل إلى إثبات الوج))ود ب))ل إن اإلثب))ات ه))و المنط))ق األي))ديولوجي‬
‫المتعصب الذي أستدعى بالضرورة إلى تجديد الحداثة والبحث عن انفتاحها بـ "ما بعد الحداثة "‪ .‬وه))و‬
‫المابعد الذي أذن ـ في طفرة غير معه))ودة ـ بالنهاي))ات والقطيع))ة األبدي))ة م))ع الك))ل الماض))ي إال في م))ا‬
‫يتعلق بتأزيم الوضع الحضاري وترسيخ قيم الفرداية والفوارق الطبقية والفجوات الحضارية‪ ،‬أي إعادة‬
‫إنتاج الثنائيات السلبية (األقوياء والضعفاء‪ ،‬واألسياد والعبيد‪ ،‬والف))اعلين والمهمش))ين ‪...‬الخ ‪.‬وه))و م))ا‬
‫نعده أكبر المخاطر التي تهدد االنسانية في إنسانيتها ‪.‬‬
‫ومن المفيد أن نذكر بأن العلم التطبيقي التكنولوجي على األخص قد ال تعد منافعه المحققة لإلنس))ان وال‬
‫تحص))ى من حيث رفاهيت))ه ومتعت))ه وس))عادته وتج))اوزه لك))ل المص))اعب الحياتي))ة وكم))ا أن مش))كالت‬
‫تكنولوجيا سابقة تجد إجابات لها في تكنولوجيا ال حقة‪ ،‬فإن ذلك كله لم يمنع علماء األنسنة من التنبي))ه‬
‫لم))ا ال حض))وه بدراس))اتهم وبص))يرتهم من أض))رار تص))يب اإلنس))ان في الوض))ع التكنول))وجي ق))د تف))وق‬
‫منافعها وما نبه إلي))ه ه))ؤالء العلم))اء من مخ))اطر ق))د ح))دث في معظم))ه خاص))ة األض))رار ال))تي تلحقه))ا‬
‫التكنولوجيا بالبيئة المحضن المرك)زي لإلنس)ان‪ ،‬وال أدل على ذل)ك من م)ا نعيش)ه اآلن من آث)ار ض)ارة‬
‫ناتجة عن ثقب األوزون نتيجة تلوث البيئة‪ ،‬والسيارة مثال هي قيمة إيجابية لإلنسان نفعه))ا ال يحص))ى‪،‬‬
‫إال أن أضرارها قد تفوق منافعها وهكذا مع كل آلة‪.‬‬
‫‪ .‬والمحاذير التي نوليها اهتمام في هذا المقام تتعلق باالنهي)ارات ال)تي تص)يب كي)ان اإلنس)ان في عم)ق‬
‫إنس)انيته تس)توجب اس)تماع السياس)يين‪ ،‬وهي ال تق)ل ش)أنا عن المح)اذير ال)تي يطلقه)ا العلم)اء تتعل)ق‬
‫بت))دمير البيئ))ة ومخ))اطر ثقب األوزون تس))توجب االس))تماع من السياس))يين دائم))ا‪ .‬ومن ثم))ة فإن))ه من‬
‫الطبيعي جدا أن يصاحب كل اختراع ـ تقريبا ـ تخوف اإلنسان من آث))اره الس))لبية المحتمل))ة أو المتخيل))ة‬
‫على ذاتيته كإنسان وتغير محيطه وصعوبة التكي))ف بعدئ))ذ‪ ,‬فق))ديما وفي بداي))ة تط))وير أول ق))اطرة كآل))ة‬
‫انتبه اإلنسان إلى ضرورة تشريع يقضي بتوظيف رجل يسبق قط)ار " ستيفنس)ون " يح)ذر الن)اس من‬
‫قدوم القطار (أشهر المخترعين ‪:‬ص‪) 59‬‬
‫وقد ذهب جل الباحثين إلى أن التكنولوجيا تغير من أسلوب حياة اإلنسان تغييرا جذريا‪ ،‬فهم يعتقدون أن‬
‫الطباعة مثال هي تكنولوجيا عززت الفردية‪ ،‬فإن األن))ترنت من حيث هي تكنولوجي))ا أخ))ذت الي))وم تع))زز‬
‫الجماعية االفتراضية كبديل عن الجماعية الطبيعية وهو ما يستدعي الدراسة‪ (.‬األنترنت ‪ ) 221 :‬ومن‬
‫ثم))ة فهي أداة ق))ادرة على اس))تحداث تغ))ير م))ا‪ ،‬ال س))يما في الوض))ع البي))داغوجي؛ ف))إذا ك))ان ينظ))ر إلى‬
‫استعمال المعلوماتية في التربية من حيث هو إجراء يعزز أك))ثر فرداني))ة التعليم‪ ،‬فإن))ه أيض))ا ينظ))ر إلي))ه‬
‫تحقيق ألمنية القاتلون للمعلم من حيث ه))و في ع))رفهم "سمس))ار المعرف))ة" أو ب))األحرى قت))ل للمجتم))ع‬
‫واالتصال اإلنساني‪ ،‬فالحداثة ك)انت في إح)دى نتائجه)ا ق)د قلص)ت إلى ح)د م)ا اتص)ال اإلنس)ان المكث)ف‬
‫بالطبيعة والتعلم الفيزيقي المباش)ر لص)الح العالق)ات االجتماعي)ة وال)دمج المؤسس)ي‪ ،‬ف)إن المعلوماتي)ة‬
‫وعصر المابع))د أخ))ذ يقلص من االتص))ال اإلنس))اني المباش))ر لص))الح االتص))ال ع))بر الع))والم االفتراض))ية‬
‫الرمزية‪.‬وهو مدعاة للتساؤل والحذر ‪.‬‬
‫ومن المفيد أن نستحضر ما ذهب إليه "مكلوهان " في كتابه " مجرة كوتنب))ورغ " من أن أي اخ))تراع‬
‫تكنولوجي أداتي إنما هو يمدد بطريقة أو بأخرى نطاق الجسم والفعل فوس)ائل االتص)ال إنم)ا هي تمدي)د‬
‫للحواس‪ ,‬والشبكة اإللكترونية إنما هي امتداد للجملة العصبية المركزية‪ ,‬وهي بالنسبة لـ " مكلوهان "‬
‫ميزات‪ ،‬إال أنها تنطوي على عواقب حيث يعتق))د أن لك))ل امت))داد يحص))ل تقليص أو ب))تر لثقاف))ة الطبيع))ة‬
‫البشرية ( األنسنة ) أي م)ا يص)طلح علي)ه بـ "مبت)ورات أو مهج)ورات اإلن)ترنت" ت)ؤدي باإلنس)ان إلى‬
‫االنعزال أو االضطراب النفسي االجتماعي ( ‪ 219‬ـ ‪ ) 223‬والفصل الدراسي إن هو إال امت))داد للفص))ل‬
‫التقلي))دي بك))ل حيثيات))ه ينتج عن))ه بالض))رورة هج))رة وب))تر للثقاف))ة اإلنس))انية الطبيعي))ة ( األن))ترنت ‪:‬‬
‫‪. ) 194‬وكذلك فاآلالت الذكية هي هجر وبتر للثقاف))ة المدرس))ية المؤسس))ية دون))ه مخ))اطر على قواع))د‬
‫التفاعل والتجمع البشري ‪ ،‬وكل ذلك يستدعي ويشرع لطرح األسئلة ماذا يتمدد ‪ ,‬وماذا يهجر ويبرز ‪,‬‬
‫وماذا يسترجع ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫مشروعية الرقابة ( الوقاية ) ‪.‬‬
‫إن االنطباع اإليجابي المطل)ق الس)ائد ح)ول التقني)ة واس)تخدامها لص)الح اإلنس)ان وتقدم)ه‪ ،‬تك)اد تنش)ئ‬
‫عوائق إبستمولوجية نحو طرح أية تس))اؤالت تتعل))ق بج))دوى اس))تخدامها‪ ،‬وال ش))ك أن ط))رح مث))ل تل))ك‬
‫األسئلة تحتاج إلى شجاعة وجرأة كافية وحمولة من المبررات الوجيهة ال نجدها إال عن))د المتخصص))ين‬
‫الذين يقرؤون الواقع كانشغال يؤرقهم ويقلقهم‪ ،‬فلم يمنع هؤالء زخم اإليجابي))ات وازدحامه))ا من كش))ف‬
‫مخاطر اآلالت الذكية والتشكيك حول اإليجابية المطلقة السائدة لهذه التقنية‪ ،‬فقد سكنت تخوف))ات كث))يرة‬
‫علماء األنسنة حتى سمو العصر التكنولوجي‪ ،‬بعص))ر القل))ق ـ وإن ب))ددت التجرب))ة بعض منه))ا ـ و ب))رز‬
‫الحديث عندهم منذ مدة عن ما يطلقون عليه برعب اآللة‪ ( ،‬التكنوفوبيا ) إال أن كثير من ذلك الحديث "‬
‫االنشغال " ما زال يحتفظ بقيمته ومصداقيته العلمية في عص))ر المعلوماتي))ة وه)و ح))ديث وانطب))اع نش))أ‬
‫عن مساوئ ناتجة من اإلفراط في التفاؤل بمستقبل اإلنسان في ظل التقدم التكنولوجي يص))عب تبدي))دها‪،‬‬
‫حيث تبرز الدراسات أوجه أخرى للتقني)ة ض)ارة باإلنس)ان ال)ذي أنتجه)ا ذات)ه‪ ،‬أو تظه)ر على األق)ل م)ا‬
‫يقابل نفعها من األضرار‪ ،‬فالضوء في مثالنا السابق من حيث هو ض))رورة لح))دوث عملي))ة اإلبص))ار ق))د‬
‫يمنع حدوثها بسبب ما تبعثه االنعكاسات الضوئية من إش))عاعات ض))وئية ض))ارة ب))العين أو بس))بب ل))ون‬
‫الضوء غير المالئم أو شدته التي قد تكون فوق عتبة الحس ‪...‬وقد تكون س))كة القط))ار أو القط))ار ذات))ه‬
‫ليست من جنس واحد فيتضرر كل منهما وتعاق عملية التنق))ل‪ ،‬واله))واء من حيث ه))و ض))روري لحي))اة‬
‫االنسان وإنعاشه قد يحمل تلوث غير مرئي لالنسان العادي فيسبب ل)ه األض)رار‪ ،‬فك)ذلك الكوم)بيوتر أو‬
‫اآلالت الذكية قد ينبعث منها ما يعيق المعرفة وينحرف بها أو يعيق عملية التعلم ذاتها‪ ،‬فكما أنها عامل‬
‫أساسي لتمكين اإلنسان من المعرفة والتحكم‪ ،‬فهي قد توظف كعامل هدم تق))ود اإلنس))ان إلى سلس))لة من‬
‫االنهيارات يمكن اإلشارة على بعض من المخاطر ومظاهر االنهيارات في ما يلي ‪:‬‬
‫مخاطر التقنية على اإلنسان‬
‫المخاطر الصحية ‪:‬‬
‫إذا كانت تكنولوجيا الصناعة أسهمت في إفراز نماذج حياتية اقتضت من اإلنسان التكيف والمالءمة مع‬
‫اآللة وتداعياتها وحذرت من مخاطرها على الجسد والنفس فكانت األرغونوميا تبحث وض))عيات تطوي))ع‬
‫اآللة مع مقتضيات اإلنسان كعامل‪ ،‬فإن المعلوماتي)ة من حيث هي آخ)ذة في إف)راز أنم)اط حياتي)ة يطل)ق‬
‫عليها مجتمعات المعرفة أو المعلومات أو التعلم( بن علي ‪ 22 :‬ـ ) فإنها تقتضي من اإلنس))ان التكي))ف‬
‫والتالؤم والتهيؤ لمن))ع مخاطره))ا على النفس والجس))د كمواجه))ة م))ا تحدث))ه من ت))وترات على مس))توى‬
‫الجهاز العصبي وإتالف للجهاز البصري وتصعيد للقل))ق ‪ ...‬الخ وق))د نب))ه علم))اء الحض))ارة إلى مخ))اطر‬
‫ص)حية ق)د تواج)ه اإلنس)ان أثن)اء اس)تعماله للتقني)ة‪ ،‬ففي الوض)ع ال)ذي يك)ون في)ه جس)د الف)رد م)رمى‬
‫للموج))ات الكهرومغناطيس))ية وفي مج))ال اإلش))عاعات المنبثق))ة من الوس))ائل التقني))ة الحديث))ة ومنه))ا‬
‫الحاسوب وكل أجه))زة التحكم يتع))رض ال محال))ة لت))أثيرات س))لبية على الج))وانب البيولوجي))ة واإلص))ابة‬
‫باألمراض العصبية ومختلف األورام يتعذر شرحها هنا ( تقنيات ‪ 77 :‬ـ ‪ . )79‬ومن ثم))ة أوجب أيض))ا‬
‫التفكير في إنتاج أرغونوميا خاصة ليس فقط من أجل التكيف الجسدي والسلوكي لإلنس))ان ب))ل ب))التكيف‬
‫الوجداني والمعرفي أي تطويع ما أنتجه المرسل من معرفة وأدوات وف))ق المعطي))ات الوجداني))ة للمتلقي‬
‫في عدة مجاالت(اللغوي والميتالغوي والمعرفي والميتا معرفي أو ما يسمى بتفكير التفكير )‪.‬‬
‫مخاطر على ثوابت اإلنسان في التفرد‬
‫وبحسب تنبيهات هؤالء العلماء تكون المخاطر قد تجاوزت حدود المكننة ومساوئ تكييف اإلنسان وفق‬
‫مقتضيات اآللة والتي ظه))رت في المجمع))ات الص))ناعية‪ ،‬إلى التنبي))ه لمخ))اطر جدي))دة آخ))ذة في التح))دي‬
‫لإلنسان في زمن المعلوماتية وما بعد الحداثة تتعلق بما يعرف بـ "االنسالي " حيث يجري الح))ديث عن‬
‫دمج الدوائر الكهربائية والذات اإلنس))انية؛ أي دمج الحاس))وب في الجس))م البش))ري وزراعت))ه كقط))ع في‬
‫مختلف أنحاء الجسم بل حتى على مستوى الخاليا والدماغ لتؤدي وظ))ائف معلوماتي))ة‪ ،‬كزراع))ة رق))ائق‬
‫تحت الجلد‪ ،‬والنظ)ارات الذكي)ة‪ ،‬وس)ماعات في خالي)ا‪ ،‬وأجه)زة التنبي)ه والتق)اط والع)رض في الق)دمين‬
‫والركبتين والعينين‪...‬الخ ‪ .‬ومن الطبيعي إذا حصل ما تقدم فإن مالمح فردية اإلنسان وإنسانية اإلنسان‬
‫تتغير باتجاه القضاء على النوع البشري وإنتاج نوع (اإلنسان ‪ /‬اآللة) ‪ ( .‬تقنيات ‪ 114 :‬ـ ‪. ) 118‬‬
‫مخاطر فقدان التوازن ‪ :‬يتعرض اإلنسان في مسيرة تحقيق المزيد من السعادة في الحضارة المعاص))رة‬
‫إلى آثار سلبية عرضية تط))ال توازن))ه النفس))ي والجس))مي؛ فق))درة االس))تيعاب ل))دى اإلنس))ان لهرمون))ات‬
‫الطبيعة ( المث)يرات) مح)دودة تجعل)ه دوم)ا مت)وترا يبحث عن الت)وازن واإلش)باع‪ ،‬وكث)يرا م)ا تتع)رض‬
‫مبادراته لإلخفاق نتيجة مفعول عص))بونات ال))دماغ ال))تي تخ))زن ك))ل التج))ارب الحس))ية والنظري))ة‪ ،‬حيث‬
‫يؤدي ذلك إلى اختالالت وظيفي))ة بين العق))ل ال))واعي والالواعي‪ ،‬وينش))أ التص))ادم بين ال))وعي وال))ذاكرة‬
‫الخفية وتكثر نتيجة ذلك االخفاقات في التكي))ف ويح))دث التش))وه العقلي واأللم النفس))ي والجس))مي مع))ا ‪.‬‬
‫( التقني))ات ‪ . ) 120 :‬يض))اف إلى ذل))ك م))ا كش))فته الدراس))ات من أن االس))تعماالت المكثف))ة للوس))ائل‬
‫السمعية البصرية قد أدى إلى ما أسموه المفكرون إلى الفرد المفصوم‪ ،‬حيث قس))مت جس))د اإلنس))ان إلى‬
‫أجزاء وقطع‪ ،‬كل قطعة تعمل كما لو أنها وحدة‪ ،‬وهو ما نالحظه في ما تحدثه المث))يرات الحض))ارية من‬
‫إكراه))ات تش))غيل العين منفص))لة عن األذن‪ ،‬فكث))يرا م))ا ي))رغم اإلنس))ان على االش))تغال البص))ري على‬
‫الشاش))ة‪ ،‬واالس))تماع للرادي))و في نفس اآلن‪ ،‬كم))ا ي))رغم على فص))ل الق))دم عن األذن والبص))ر ‪...‬الخ‬
‫( تقنيات ‪ . ) 100 :‬وهو ما يؤدي إلى صعوبة تناغم الحواس مع العق))ل اإلجم))الي في تك))وين المعرف))ة‬
‫فيحدث التشويه الفكري وإنتاج العقل المبلبل ( المضطرب )‪.‬‬
‫وبتلك المخاطر نكون بني اإلنسان في وضعية التفاعل مع اآللة كما لو أننا كما يصفنا "أيمن عي))وش "‬
‫كائنات نسير نحو ترويض أنفسنا وفق معطيات شاشة الحاسوب‪ ،‬وأننا في تعاملن))ا م))ع الحواس))يب كم))ا‬
‫لو أننا نتداول أسالكا نحاسية ننصهر كأفراد في المكننة‪ ،‬ونعتقد بذلك أننا نكس))ب الحري))ة‪ ،‬إال أنن))ا نفق))د‬
‫الكثير من اإلرادة حتى صرنا لعبة في يد محركات وآالت ودميات نحن من صنعها ‪( .‬تقنيات ‪. ) 121 :‬‬
‫وتفصح هذه المخاطر عن نفسها خصوصا فيما يتعل)ق بس)لب اإلرادة والربون)ة‪ ،‬حيث اإلنس)ان الالمنتج‬
‫والالمبدع أو اإلنس)ان القل)ق كم)ا هي ص)ورته في ع)رف اإلنس)انيين‪ .‬فم)ا يالح)ظ من اس)تخدام للتقني)ة‬
‫اإللكترونية في ما يفيد ويغني معارف الفرد مما يجعلها مصدر لتبادل المنافع‪ ،‬ويدفع بعدئذ نحو تش))جيع‬
‫حرية االستخدام‪ ،‬يالحظ أيضا وبنفس الدرجة اس))تخدامها في م))ا ي))ؤذي اإلنس))ان المس))تخدم واآلخ))رون‬
‫برسائل معرفية ضارة‪ ،‬ومن ثمة فهي مصدر إليذاء اآلخر برسائل هدامة‪ ،‬وه))و م))ا يس))وغ لمش))روعية‬
‫الرقابة في استخدامها‪ ،‬حيث أن االستس))الم لمقول))ة الحتمي))ة التكنولوجي))ة والخض))وع له))ا ينتج عن))ه ال‬
‫محالة تعميق وإمعان تبعية اإلنسان لآللة واستمرار تحكمه))ا في وض))عياته الحياتي))ة‪ ،‬كم))ا نب))ه إلى ذل))ك‬
‫كثير من النخب العلمية في الوضع الحداثي‪ ،‬حيث سبق أن حذروا من اإلفراط في اس))تخدام التكنولوجي))ا‬
‫واالعتماد عليها بدون ضوابط باسم الحرية المطلقة من أض))رار تص))يب ك))ل من المس))تخدم للتكنولوجي))ا‬
‫واآلخر والبيئة على حد سواء؛ ومن ذلك ما نفهمه من قول دي))وي التح))ذيري الش))امل من أن الحض))ارة‬
‫التي تسمح للعلم بتحطيم القيم المتعارف عليها وال تثق بق)وة العلم في خل)ق قيم جدي)دة ‪...‬ت)دمر نفس)ها‬
‫بنفسها ‪ (.‬دوبو‪. ) 43 :‬‬
‫كذلك فإن أصوات النخب العلمية المنتجة لآلالت الذكية بدأت منذ مدة تعلوا وتن))ذر باألخط))ار ال))تي يمكن‬
‫أن يتأذى منها اإلنسان من مثل الرسائل اإللكترونية الهدامة المشاعة باس))م الحري))ة في عه))د الفرداني))ة‬
‫المفرطة في الوضع ما بعد الحداثي؛ وهو ما يؤكد من جديد خطر خضوع اإلنسان للحتمية التكنولوجي))ة‬
‫ويستدعي بعدئذ البحث عن اآلليات التي تمكن اإلنسان المخترع والمنتج والمس))تعمل لآلالت الذكي))ة من‬
‫السيادة والتحكم كالرقابة والتوجيه واإلرشاد‪ ،‬فقد تأكد للمراقبين بما ال يدع مجاال للشك أن التكنولوجي))ا‬
‫بكل أنواعها ومستوياتها ومجاالتها عندما تفلت من رقابة اإلنسان ويفقد السيطرة عليه))ا يص))بح أس))يرا‬
‫له))ا‪ ،‬ويمكن أن ت))نزلق ب))ه نح))و التهلك))ة‪ ،‬تمام))ا كم))ا يفق))د الس))ائق الس))يطرة على قي))ادة س))يارته‪ ،‬حين‬
‫االستعمال المفرط للسرعة‪ ،‬فتودي حتى بحياته ‪.‬‬
‫مخاطر عولمة المكان بيداغوجيا ‪:‬‬
‫إن ما يروج له كمزاي))ا بش))أن تفج))ير أط))ر الزم))ان والمك))ان من حيث هي إكراه)ات وتحقي))ق م))ا يس))مى‬
‫بالقرية الكونية وإن هي كذلك‪ ،‬إال أنها تنط))وي على مخ))اطرة ليس))ت هين))ة وال هي مستعص))ية اإلدراك‪،‬‬
‫ونرص))دها في تهدي))د س))المة المج))ال كانتم))اء نفس))ي ومحض))ن اجتم))اعي قب))ل أن يك))ون مج))رد بيئ))ة‬
‫إيكولوجية‪ ،‬ونعتقد أن خط))أ الح))داثيين ب))وعي أو بغ))ير وعي في تح))ديث المج))ال وإنت))اج ( أزم))ة هوي))ة‬
‫المدن والقرى والحي ‪...‬الخ) بالقضاء على خصوصياتها البنيوية والوظيفي))ة في التواص))ل االجتم))اعي‪،‬‬
‫فضال عن القضاء على ك))ل م))ا يولدان))ه من مش))اعر وجداني))ة تلص))ق الف))رد بالمك))ان حيث أن))ه ال ينم))وا‬
‫التعالق الف)ردي واالجتم)اعي إال في مج)ال يحتض)ن قيم هي في ع)رف االجتم)اعيين مح)ددات للس)لوك‪،‬‬
‫يتكرر اآلن بعولمة المجال إلنتاج األنفس المعولمة‪ ،‬فما أقبل عليه الح))داثيون من تفكي))ك هوي))ة المج))ال‬
‫( والحومة والحي والقرية ‪...‬الخ ) لصالح تقوية االنتماء للدولة الوطنية كرمز ومجال إيكول))وجي‪ ،‬ق))د‬
‫كان تفكيك لهوية المجال وسحره‪ ،‬في النفوس قبل كل ش)يء‪ ،‬يض)عف الرواب)ط االجتماعي)ة‪ ،‬والعالق)ات‬
‫المتبادلة وبالتالي قد ك))ان تفكي))ك لالنتم))اء الط))بيعي‪ ،‬وم))ا يج))ري اآلن من عولم))ة المج))ال يبطن تفكي))ك‬
‫للروابط االجتماعية والدولة وإضعافها لصالح العولمة‪ ،‬وكأن تفج))ير أط))ر المك))ان والزم))ان ه))و بمثاب))ة‬
‫تحسين شروط العولمة ‪ .‬ومن ثمة فتكوين الذات العلمية التكنولوجية بالوافد دونه مخ))اطر ته))دد ال))ذات‬
‫األيكيولوجية من حيث هي محضن اجتماعي ونفسي يصعب تجاوزه في تربي))ة االنتم))اء‪ .‬فتفج))ير األط))ر‬
‫االجتماعي))ة ه))دف اس))تراتيجي في منظوم))ة التربي))ة المعولم))ة من حيث أنه))ا (أي األط))ر االجتماعي))ة ‪:‬‬
‫المؤسسة ـ الدولة ـ األسرة ـ المسجد ـ المدرسة ـ الحي ـ القرية ـ النادي‪...‬الخ )عوائ)ق سوس)يولوجية‬
‫مؤسسية تنتج عوائ))ق ابس))تمولوجية بعولم))ة الفك))ر والوج))دان والحس الف))يزيقي‪ ،‬وتعم))ل في منظوم))ة‬
‫العالقات اإلنسانية على إضعاف االرتباط الوجداني وحتى العملي النفعي لدى الفرد في مجال))ه الحي))وي‪،‬‬
‫وبالتالي ضعف المواطنة والوطنية‪ .‬إذ أن المج))ال من حيث ه))و مك))ان للعيش وممارس))ة الحي))اة وراب))ط‬
‫فيزيائي‪ ,‬وفضاء انتمائي تراتي)بي وتواص)لي‪ ,‬وح)يز عالئقي ل)ه هويت)ه الخاص)ة‪ ,‬حيث يتم)يز بخاص)ية‬
‫االتصال واالنفصال ككل الوجود ويشكل رمزية خاصة لوجود الفرد من حيث هو مجال))ه الحي))وي تنم))وا‬
‫في ظله شخصيته وتتشكل هويته وفق االتصال واالنفصال عن الهويات األخرى‪ ،‬ومن ثم))ة فه))و ج))دير‬
‫باالحترام ألن احترامه من احترام إنسانية اإلنسان‪ ,‬فالجغرافي)ا حاض)رة بك)ل ثقله)ا في ش)حنة االنتم)اء‪,‬‬
‫والعالقات‪ ,‬والتواصل‪ ,‬والتمايز‪ ,‬والتفاعل‪ ,‬وبالتالي فهي من مفردات السلم القيمي االجتماعي والهوية‪,‬‬
‫ال يمكن القبول بالمساس به نضير مزايا العولمة االفتراضية‪.‬‬
‫والفعل اإلنساني ال يمكن تصوره إال في حيز إيكول))وجي وزم))اني معين‪ ،‬فه))و أح))د المكون))ات األساس))ية‬
‫للمعرفة ومجال التجربة بأوسع معانيها حيث أن التفريط في المجال يعني التفريط في الخ))برة المباش))رة‬
‫الطبيعية والتفريط في تعلم المسافة االجتماعية والمسافة النفسية والمسافات الزمنية ومفهوم التوطين؛‬
‫أي نفقد المعرفة بعالقة اإلنسان بالمجال وهي عالقة تتضمن ثالث))ة أزمن))ة ( ال))زمن الجغ))رافي ‪ ,‬ال))زمن‬
‫االجتماعي ‪ ,‬والزمن الفردي وتشكل هذه األبع))اد من))ابع الحي))اة ‪ (.‬قض))ايا ابس))تمولوجية ‪ 60 :‬ـ ‪) 61‬‬
‫وهو ما يقودنا إلى إشكالية نظرية المعرفة وإعادة صياغتها وفق معطيات المعرفة االفتراضية ‪.‬‬
‫مخاطر معرفية مباشرة‬
‫تحيل عملية إدماج تكنولوجيا في التعليم على العولمة وما تثيره من مشكالت تتعل))ق بمجتم))ع المعرف))ة‬
‫كالتنمية والحرية والعالقات اإلنسانية وما هو فردي وجماعي‪ ،‬وال))واقعي واالفتراض))ي‪ ،‬وتخص))يص م))ا‬
‫هو كوني وما هو محلي وخصوصي‪ ،‬والمرك))زي والالمرك))زي‪ ،‬والمنم))ط من غ))ير المنم))ط ‪...‬الخ‪ .‬فك))ل‬
‫هذه المفردات استدعت تغييرا جذريا لألنماط المعرفي)ة وأس)اليب الت)دريس وإع)ادة ص)ياغة التعلم وف)ق‬
‫مقتضيات اآللة الذكية‪ ،‬وما يستلزم ذلك من إدارة العملي))ات المعرفي))ة من أج))ل الحص))ول على الس))هولة‬
‫والسرعة الالزمة للتعلم والتحصيل‪ ،‬بغرض التكيف مع مقتضيات التنمية‪ ،‬وقد أثار ذلك مخاطر معرفي))ة‬
‫على نشاط اإلنسان العقلي بصفة إجمالية‪ ،‬فسهولة التعلم الذي توفره اآللة الذكية ال يع))د إيجابي))ا مطلق))ا‬
‫فهو ينطوي على مخاطر وسلبيات بحسب دراسات حول االنتباه والذاكرة؛ إذ أن الجهد العقلي المب))ذول‬
‫في حالة التعلم بالكتاب أو النص من غير آلة يكون أك))بر بكث))ير من الجه))د العقلي ال))ذي يب))ذل في حال))ة‬
‫التعلم باآللة الذكية‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى االسترخاء أو الكسل العقلي ال))ذي تحدث))ه اآلل))ة ‪ .‬ففي تج))ارب "‬
‫سالمون " أظهرت النتائج أن الرسالة السهلة تطلبت جهدا تعليميا أق))ل‪ ،‬وتحص))لت على تعليم))ا بس))يطا‪،‬‬
‫والرسالة الصعبة تطلبت جهدا اكثر وتحصلت على تعلم اكبر ( األسس ‪ .) 141 :‬ويستنتج من ذل))ك أن‬
‫اآللة تقلل من النشاط اإلنساني في وضعيات التعليم المبرمج بصفة عامة ‪.‬‬
‫مخاطر بيداغوجية مباشرة ‪:‬‬
‫يجب علين))ا تنبي))ه الق))ارئ من أنن))ا على وعي ت))ام ونعلم في ه))ذا المج))ال أن المح))اذير البيداغوجي))ة‬
‫والمتعلقة أساسا بفرط التفاؤل في نتائج تكنولوجيا التربية وإكراهات الواقع المدرسي من مث))ل الق))درة‬
‫االقتصادية والتمويل المالي‪ ،‬وتكوين المعلمين‪ ،‬وإنتاج األقراص المدمجة‪ ،‬ونقص الكف))اءة في ال))برامج‬
‫المدمجة‪ ،‬وفي االستعمال والصيانة وتحقي)ق م)ا يس)مى بالمرافق)ة التربوي)ة ( عب)د الن)بي ‪ ) 83 :‬كله)ا‬
‫محاذير يمكن أن تبدد بفعل التطوير والتحسين لوضع تكنولوجيا التربية كسياسة في المستقبل الق))ريب‪.‬‬
‫ومن الطبيعي بعد هذه المخ))اوف والمح))اذير أن نت))وجس خيف))ة من التكنلج))ة وننس))حب بعدئ))ذ لتأس))يس‬
‫إنسانيتنا وتركيزها في مواجه))ة س))لبيات الثقاف)ة اإللكتروني))ة بتح))ريض إنس))انية اإلنس))ان على مقاوم))ة‬
‫الربونة مهما بدت لنا منافعه مكثفة وشديدة‪ .‬ومن الطبيعي أن نح)ترس من اآلل)ة ألنه)ا ارتبطت وعلقت‬
‫بذاكرتنا التاريخية بقيم االستعمار والتبعية‪ ،‬فطبيعي أن تستيقظ فينا مقاومة وممانعة لك))ل آت‪ ،‬كم))ا ه))و‬
‫طبيعي أن تستيقظ فينا مقاومة فرنسا الحرية والحريات ألن في ذاكرتن))ا فرنس))ا التكنولوجي))ا هي فرنس))ا‬
‫االستعمار واالستعباد ‪.‬‬

‫ومشروعية الرقابة ت))أتي أيض))ا من جهلن))ا بكينون))ة تكنولوجي))ا اآلالت الذكي))ة رغم تحكمن))ا وتعلمن))ا له))ا‬
‫ورغم الفوائد التي نلمسها وتصيبنا منافعها بصفة مباشرة‪ ،‬فمن))ذ األزل ش))رعن لمراقب))ة ذك))اء اإلنس))ان‬
‫في كل ممارساته رغم قناعة اإلنسان العلمي بأنه قيمة إيجابية في ح))د ذات))ه وس))ر تم))يزه اإليج))ابي عن‬
‫سائر المخلوقات‪ ،‬فوضع في أنساق ديني))ة واجتماعي))ة تض))بطه وتح))د من حريت))ه المطلق))ة وتحمي))ه من‬
‫االنزالق نحو مخاطر تهدد كينونة اإلنسان ذاته؛ فبسبب استمرار بقاء الذكاء أو العقل في حيز المجهول‬
‫والوجود االفتراضي في المعرفة اإلنس))انية الوض))عية واستعص))ائه عن التكش))ف‪ ،‬ت))أتي عل))ة مش))روعية‬
‫وضع اإلنسان ذكائه وعقله موضع النقد والمراقبة‪ ،‬ومن ثمة كانت التش))ريعات الديني))ة وبن))اء األنس))اق‬
‫الرمزية المعيارية من الناحية الوظيفية تعمل كما لو أنها آليات رقابي))ة على ذك))اء اإلنس))ان يهت))دي به))ا‬
‫نحو سكة الحياة اآلمنة والنافعة‪ ،‬على الرغم من قناعة اإلنسان من حتمي))ة إيجابيت))ه في تط))وير حياتن))ا‬
‫وأوضاعنا وتمكننا به من درء كل مخاطر التي يمكن أن تصيبنا؛ ب))ل واعتمادن))ا علي))ه في إنت))اج ك))ل م))ا‬
‫يتعلق برفاهيتنا وتمتعنا بالحياة وتحكمنا في كل ما حولنا والغوص في أعم))اق األك))وان من حولن))ا رغم‬
‫تلك المنافع‪ ،‬وضع تحت الرقابة فكيف باآلالت الذكية إذن ؟‪.‬‬
‫وإذا كانت حياتنا في ظل العولمة أصبحت جزء ال يتجزأ عن العالم‪ ،‬وال يمكننا ـ وال نستطيع ح))تى ول))و‬
‫أردنا ـ أن نتجاوز هذا الواقع‪ ،‬فإننا نج)د أنفس)نا أم)ام الض)رورة والحتمي)ة التقنوي)ة ومن ثم)ة مواجه)ة‬
‫تحدياتها‪ ،‬ال بالتفكير فقط في ما يجب أن نعمله تجاه تلك التحديات؛ بل أصبح في وضعنا أولوية التفكير‬
‫في ما ال يجب أن نعمله أي أن نمتنع على فعله‪ ،‬وتلك عند "دوبو " هي الممارسة الفعلية للحرية ال))تي‬
‫يختص بها اإلنسان عن المالئكة كما ثبتتها األدي))ان فهم يفعل))ون م))ا ي))ؤمرون أم))ا اإلنس))ان فه))و م))زود‬
‫بالقدرة واالختيار على تجنب األفعال المذمومة والضارة ‪ (.‬دوبو ‪ .) 167 :‬فمن واجبنا أن نواج))ه مثال‬
‫ما نعده رعبا تربويا عولميا ونمتنع عن فعله‪ ،‬وهو م))ا يتعل))ق ب))إجراءات الص))ياغة القس))رية لم))دركاتنا‬
‫كأفراد وشعوب وفق نموذج إدراكي واحد‪ ،‬يتعلق بالقيم اللبرالية التي لم يحصل بعد حولها اإلجماع؛ بل‬
‫تعاني من مقاومة شديدة رغم عرض نفسها كقوة عالمية جاذبة ومس))احة تس))توعب اإلنس))انية‪ ،‬فهي ال‬
‫تنتج في مجتمعاتنا إال التصادم الفكري والجم))الي والقيمي م))ع خصوص))ياتنا ومجالن))ا الحي))وي أي تنتج‬
‫فقط الفوضى البناءة الالزمة لمغامرة الوحدة اإلنسانية في عرف العولم))يين ‪.‬وال ش))ك أن الفوض))ى تل))ك‬
‫تبدأ من التعليم وبث عنف المدنية على خصوصياتنا في منظوماتنا الثقافية والتربوية ‪.‬‬
‫فمش))روعية الرقاب))ة ت))أتي أيض))ا من مرجعي))ة حق))وق اإلنس))ان ال س))يما في الوض))عية االس))تهالكية‪،‬‬
‫فاالستهالك لإلنتاج ضرورة حياتية تستتبعه بالضرورة حقوق المستهلك على المستوى الف)ردي كزب)ون‬
‫له رغباته ومنافعه وأذواقه‪ ،‬وحقوق المجتمع في حماية ثقافته وهويت))ه في ع))الم تتح))رك في))ه الث))وابت‬
‫وتتشكل باستمرار‪ .‬فتمدد آثار التكنولوجيا الرقمية في حياتنا الخاصة والثقافية طالت حتى أبج))دياتنا في‬
‫العبادة حال دخولنا في الصالة الجماعية‪ ،‬فمما هو ق)د يك))ون مض))حكا فق))د وج))د اإلم))ام نفس))ه مض))طرا‬
‫الستدخال بعض التغييرات في العبارات حين التذكير برص الصفوف‪ ،‬فيقول ( رصوا الصفوف‪ ،‬وس))دوا‬
‫الفرج وأغلقوا هواتفكم النقالة‪ ) ...‬وال نستبعد أن يأتي يوم ونجد أنفس))نا في وض))ع تكنول)وجي يع))وض‬
‫اإلنسان جهده في االنتقال والممارسة الفعلية للعبادة بما يمكن تسميته بالعبادة االفتراضية ‪.‬‬
‫ونجد الرقابة أو الوقاية تفرض نفسها على تدفق المعلوم))ات وانس))يابها ع))بر الوس))ائط اإللكتروني))ة في‬
‫عصر المعلوماتية؛ فهي وإن تعد قيمة إيجابية في حد ذاتها‪ ،‬إال أنها تنطوي على مخ))اطر عن))دما تك))ون‬
‫غزيرة ويصعب على الفرد مواجهتها بقدراته المعرفي))ة الذاتي))ة‪ ،‬إذ تث))ير إش))كاليات تتعل))ق بالق))درة على‬
‫االس))تيعاب والتوجي))ه والتوظي))ف واالس))تثمار‪ ،‬كم))ا تث))ير غ))زارة األمط))ار رغم إيجابيته))ا مش))اكل على‬
‫األرض كثيرا ما كانت أكبر من ق)درة اإلنس)ان فتح)دث أض)رارا ‪ .‬فكم)ا س)وغ اإلنس)ان المعاص)ر لنفس)ه‬
‫تخطي))ط ال))والدات وبرمج))ة اإلنج))اب لمواجه))ة م))ا ي))دعى باالنفج))ار الس))كاني وتجنب آث))اره الس))لبية‬
‫االقتصادية واالجتماعية والتربوية‪ ،‬فإنه من المفترض أن يسوغ لنفسه أيضا مراقب))ة وتخطي))ط ت))دفقات‬
‫المعرفة اإللكترونية وتخطيط آدواتها واستعمالها منظما في الزمان والمكان كما تنظم المدرس))ة وجوب))ا‬
‫استعماالتها للكومبيوتر ‪.‬‬
‫وال يخفى على كل باحث جاد أن ما أحدثته اآللة الص))ناعية في المجتم))ع الص))ناعي الح))داثي من تغي))ير‬
‫أساسي في حياة الناس االجتماعية أي في عالقات االنتماء‪ ،‬وإعادة تشكل الـ "نحن" في نطاق الجمعنة‬
‫الصناعية والوطني))ة‪ ،‬ب))دل األس))رة والعش))يرة والقبيل))ة واالثني))ات‪ ،‬تحدث))ه اآلن ـ أو م))ا يش))بهه ـ اآلالت‬
‫الذكية أو ما يسميه بن علي ( االنس)الي ) في عص)ر مجتمع)ات المعرف)ة على مس)توى الت)دريب والتعلم‬
‫والتعليم‪ ،‬فالتجاوب الوجداني الذي يظهره الطفل مثال لحد التم))اهي والتوح))د حي))ال األلع))اب اإللكتروني))ة‬
‫والقصص التربوية وانجذاباتها‪ ،‬يجعل ذاتية الطفل ـ في بعدها الفرداني واالجتماعي ـ تنموا بمع))زل عن‬
‫وسطها العالئقي االجتماعي والطبيعي؛ حيث يظهر الطفل أكثر انتماءا وحبا لآلالت الذكية وأكثر تصديقا‬
‫وقابلية للت)أثر من أي مص)ادر أخ)رى للتعلم‪ ،‬فق)د لوح)ظ عن)د ت)وفر ه)ذه اآلالت الذكي)ة أن الطف)ل يتعلم‬
‫مناشط الحياة وينمو في خبراته ومكتسباته في العالقات االجتماعي))ة ع))بر الوس))ائل اإللكتروني))ة بمع))زل‬
‫عن الوسائط االجتماعية الطبيعي))ة كاألس))رة والمؤسس))ة ومجتم))ع الراش))دين‪ ،‬وك))ل ذل)ك يث))ير تس))اؤالت‬
‫وإشكاليات حول‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ انتشار وتلقي المعلومات الخاطئة علميا وقيميا في غياب النواظم االجتماعية يمكن أن تشوه معرفة‬
‫األجيال وتنبت التناقض))ات األخالقي))ة وت))ؤدي إلى تفك))ك األفك))ار في الوض))ع م))ا بع))د الح))داثي كم))ا تبعث‬
‫األف))راد من حيث ال ي))درون إلى اللهث وراء المعلوم))ات الغزي))رة وال يس))تطيعون اس))تيعابها والنتيج))ة‬
‫الحتمية لذلك أن يفقد األفراد توازنهم المعرفي‪ ،‬وتفقد الحكومات والدول قيادة شعوبها المفكك))ة معرفي))ا‬
‫( التقنيات ‪ 97 :‬ت ‪ ) 98‬مثل ذلك كفقدان الطبيب للسيطرة على الجسم المفكك بالفيروسات القاتلة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تساؤالت حول قدرة اآلالت الذكية كطرف تفاعلي تواصلي على تأمين سالمة نمو الطفل وذاتيت)ه‪.‬‬
‫فكما تش))ير دراس))ات ومالحظ))ات الب))احثين أن االنص))راف واالنج))ذاب الق))وي لألطف))ال وح))تى الراش))دين‬
‫يصيب الشخصية باالنطوائية واالنعزال عن المجال وحتى سوء التكيف االجتماعي والتصحر الشديد في‬
‫العالق))ات االجتماعي))ة التواص))لية والوجداني))ة‪ .‬ووج))د أن اإلدم))ان على االس))تعمال التكنول))وجي في تعلم‬
‫المعرفة واالستعانة بها يولد لدى األطفال حالة االسترخاء أو الكسل العقلي حيث ال يبذلون أي جه))د في‬
‫إنج))از ابس))ط العملي))ات الحس))ابية‪ ،‬واالعتم))اد الكلي على الحاس))وب جعلهم غ))ير ق))ادرين على إنج))از‬
‫أساسيات المعرفة الرياضية أو غيرها مما تتطلبها حي)اتهم اليومي)ة‪ ،‬فهم ارتبط)وا بالحاس)وب وب)اآلالت‬
‫الذكية ارتباط التبعية الشديدة فال يستطيعون مواجهة المشكالت المعرفية بدونها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ينبه الباحثون ومن بينهم " تيبور" إلى إن إيجابي))ات الحاس))وب يجب الال تحيلن))ا على وهم إمكاني))ة‬
‫تحوي))ل ك))ل ش))يء موج))ود إلى ص))يغ حاس))وبية وأن تعلم الحاس))وب نهاي))ة لك))ل المش))كالت االجتماعي))ة‬
‫المعاصرة ‪ ) 390 ( .‬فيجب الال تحجب عنا إيجابيات تكنولوجيا المعلوم))ات من أن الثقاف))ة اإللكتروني))ة‬
‫والمعلوماتية تنطوي على خطورة عظيمة وهي تكوين المجتمع التكنولوجي والتعليم التكنوقراطي‪ ,‬وهو‬
‫المجتم))ع والتعليم الل))ذان تتراجع))ا فيهم))ا القيم اإلنس))انية‪ ,‬نظ))را لم))ا ينميان))ه من نزع))ة توحي))د التعليم‪,‬‬
‫وحص))))ار االتص))))االت الشخص))))ية ( أي كم))))ا يس))))ميه " تيب))))ور" تأحي))))د الفك))))ر تبع))))ا لتوحي))))د‬
‫التكنولوجيا ‪.‬مستقبليات ‪ . ) 391 : 63‬وأن االعتماد على الكومبيوتر كمصدر للمعلوم))ات والتعلم من‬
‫شأنه أن يحول الفرد إلى غنيمة لألفك))ار التحيزي))ة الس))يئة ال س))يما في عص))ر التعليم المائ))ل للتخص))ص‬
‫الدقيق والمغيب عن الثقافة الموسوعية؛‪.‬فتجربة االختبارات والروائز المعمم))ة في تص))ميم االمتحان))ات‬
‫لم تؤدي من نتائج تذكر ماعدا أنها كشفت عن نفسها خليطا من األحكام التحيزبة الس))بقية وتكميم غ))ير‬
‫موثوق لمعارفنا ومدركاتنا‪ ,‬فغدت مكننة التعليم ـ كما يعتقد تيبور ـ تجربة مؤس)فة‪ .‬وبن)اء علي)ه ينص)ح‬
‫المربون بأنه يجب الالتؤدي إيجابيات تعليم المعلوماتية إلى تموقعه لمكانة الصدارة في البن))اء التعليمي‬
‫التعلمي ‪ ,‬فيجب أن يعطي ق)دره في أن))ه مس))اعد على التعلم ليس أك))ثر‪ ,‬وأن))ه ال يتج))اوز دوره مس))اعدة‬
‫الذاكرة وإدارة للمعلومات ومعالجتها‪ ،‬فال يمكن مثال لتعليم المعلوماتية أن تحل محل عالقة معلم‪ /‬تلميذ؛‬
‫فالعالقة سيرورة اجتماعية سيكولوجية ال يمكن تعويضها‪ ...‬الخ ‪ .‬ونسوق هذه التنبيهات حتى ال نك))رر‬
‫أخطاء الناتجة عن التعامل بإيجابية مطلق))ة في تعليم التفك))ير المنطقي ووهم الموض))وعية وال))تي تب))دوا‬
‫إيجابياته ال غبار عليها إال أنن))ا ونحن ننغمس في ذل))ك نق))زم التفك))ير ذات))ه ونخ))ل بحريت))ه في المواق))ف‬
‫التعليمية‪ ،‬ذلك أن التعليم ليس تدريبا على المنطقية إلنتاج جنود انقياديين أوحاديين في التفكير بقدر ما‬
‫يهدف إلى تأصيل إنسانية اإلنس))ان بتربي))ة اإلرادة في المجه))ود الكلي الجم))اعي ب))روح تعاوني))ة وليس‬
‫بكسل عقلي ‪ (.‬مستقبليات ‪. ) 392 : 63‬‬
‫اآللة الذكية والعالقات اإلنسانية في الوضع البيداغوجي‬
‫بحس فلسفي كشف هيدجر عبر مناقشة مفاهيمي)ة لمس)ألة التقني)ة وم)ا يفرقه)ا عن ماهيته)ا ويميزه)ا‪،‬‬
‫ليستنتج أن)ه ال يمكن بن)اء عالق)ة ح)رة بينن)ا وبين التقني)ة م)ا لم يح)دث إدراك عالق)ة اإلنس)ان بماهي)ة‬
‫التقنية فليس بمجرد تمثل اإلنس))ان لمف))ردات التقني))ة وممارس))تها والتكي))ف معه))ا أو رفض))ها واله))روب‬
‫عنها نبني تلك العالقة‪ ،‬ومهما رسمنا تلك العالقة فهي عالق))ة موهوم))ة ألنه))ا تق))ف عن))د ح))دود تص))ور‬
‫التقنية كما لو أنها وسيلة وأداة وفعالية إنسانية الرتباطها أو تضمينها الغاية والوس))يلة ض))من منط))وق‬
‫العل)ل األربع)ة األرس)طية‪ .‬وه)و مفه)وم أن)ثروبولوجي يعكس تص)ور أداتي للتقني)ة ويع)بر بص)دق على‬
‫الواقع وهو صحيح ال يرقى إلي)ه ش)ك وال يس)مح بالمجادل)ة بش)أنه ‪.‬فالتقني)ة وس)يلة لغاي)ة وفعالي)ة‬
‫إنسانية في الوقت ذاته ‪ .‬ولكنه مع ذلك فالتقنية بم))ا هي تجلي للدق))ة فليس))ت بالض))رورة تجلي للحقيق))ة‬
‫ومن خاللها يمكن أن نهتدي للحقيقة ‪ .‬فبحسب هيدجر أن األداتية تلحق اإلنسان كذات بتقني))ات ه))و من‬
‫أوجدها وحرم من حريته واستتبع نفسه بها والقول بأن التقني))ة ش))يء حي))ادي إنم))ا ه))و التص))ور ال))ذي‬
‫يعمينا عن إدراك ماهيتنا ويبقينا في مربع االستسالم والتبعية‪ .‬فكما توجد إمكانية تحويل ما ه))و خي))الي‬
‫على واق))ع نعيش))ه توج))د أيض))ا إمكاني))ة لتحوي))ل م))ا ه))و حقيقي ونعيش))ه إلى مج))رد وهم نعيش))ه ‪.‬‬
‫( هيدجر ‪. ) :‬‬
‫فاالعت))داد الكام))ل بالتكنولوجي))ا اإللكتروني))ة الحديث))ة في تحقي))ق منس))وب أعلى من الحري))ة الفردي))ة في‬
‫التعلم الذاتي كقيمة إيجابية في المنظور اللبرالي وإن هي تبدوا مفي))دة‪ ،‬إال أنه))ا تحق))ق م))ا ه))و وهم من‬
‫الفردية‪ ،‬وتنبني عليه‪ ،‬فالفردية كما تأك))د ل)دى الس))يكولوجيين ليس ه)و مج))رد حاص))ل مجم))وع الق))وى‬
‫والدوافع الفطرية وبناء عليه صار كعرف لدى التربويين أن النشاط الفردي البحت غير موج))ود وحال))ة‬
‫من حاالت الوهم؛ ذلك أن الفرد ما هو إال حصيلة التفاعل ( البيئة أو المجال الحيوي‪ ،‬الذات) مما يجعله‬
‫مدينا في نشاطه لمجاله الحيوي وأن خروج الذات كنشاط عن ذلك النطاق الحيوي ال يع))د حري))ة فردي))ة‬
‫بقدر ما يعد خيانة للمجال‪.‬‬
‫ومما أفادته الدراس))ات المتع))ددة أن اإلدم))ان على التكنولوجي))ا المعلوماتي))ة تبطن مخ))اطر جانبي))ة‪ ،‬حيث‬
‫تحجب إلى حد بعيد التفاع))ل اإلنس))اني المباش))ر في مج))ال االتص))ال البي))داغوجي ح))تى ول))و ن))رى بعض‬
‫الصيغ ال))تي تجم))ع ف))رق من التالمي))ذ ح))ول الكوم))بيوتر يعمل))ون مش))دودين إلى الكوم))بيوتر وليس إلى‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬وهي حالة أشبه بما يجمعه التلفزيون ألفراد األس))رة لرؤي))ة مش))هد مثال‪ ،‬فاالتص))ال في‬
‫مثل هذه الحالة يجري في نطاق العالقات الفردي))ة ومحتوياته))ا النفس))ية‪ ،‬ال))تي تس))تجيب ألنم))اط الحي))اة‬
‫الفردية كاالتصال الذي ت))وفره األن))ترنت فهي ص))ورة أخ))رى مبتدع))ة من الفردي))ة الفق))يرة في محتواه))ا‬
‫االجتماعي ‪.‬‬
‫فالكوممبيوتر يعزز وينمي عالقات جديدة تتعلق بالعفوي اآلني على الفكري المت))أني العقالني والف))ردي‬
‫على الجماعي وسيادة الحاضر على الماضي ‪ .‬وبالتالي فإن ما يعتقد أن التعامل مع الكومبيوتر والنه))ل‬
‫من المعلوماتية يؤدي إلى التحرر من ك))ل م))ذهب وص))لة ب))الرمزي وبالت))الي تحري))ر األن))ا والفردي))ة من‬
‫انساقها الطوباوية هو صحيح؛ إال أنه كث)يرا م)ا يص)بح مج)رد تع)ويض لألوام)ر النص والمعلم وتع)اليم‬
‫المنظومات الرمزية والعالق))ات‪ ،‬ب))أوامر وتع))اليم الكوم))بيوتر ومث))يرات الس))معي البص))ري ال))ذي يط))رح‬
‫الجماع))ة خل))ف الحجب وإلى المس))كوت عن))ه أو الالمفك))ر في))ه ‪ .‬وه))و م))ا يش))كل إزاح))ة ألهم عناص))ر‬
‫الشخصية الجماعية من حيث هي ليست مجرد حاصل مجموع األفراد واألنماط الشخصية المكون)ة له)ا‪،‬‬
‫فهي عالقات وتفاعالت ومواقف جماعية حيال المواضيع واألوضاع تفوق بكثير مجم))وع طاق))ة األف))راد‬
‫المكونين لها ‪.‬‬
‫اآللة الذكية ونظريات التعلم‪.‬‬
‫ما فتئت الحواسيب واآلالت الذكية تفصح عن إيجابياته))ا المتع))ددة والكثيف))ة في مج))ال اس))تخداماتها في‬
‫التعلم‪ ،‬حتى أصبح تعلمها في عصر مجتمع))ات المعرف))ة اآلخ))ذة في التك))ون ض))رورة لك))ل مدرس))ة ومن‬
‫مقتضيات تربية المواطنة من حيث هي محو لألمية المعلوماتية‪ ،‬إال أنه يجب تجزئة تلك الضرورة فهي‬
‫ضرورة لألمة من حيث إعداد المتخصصين في النخبة أي ضرورة اإلعداد المهني‪ ،‬وض))رورة لك))ل ف))رد‬
‫على مستوى التدريب األساسي وامتالك الخبرة األساسية في استعمال الحاسوب‪ ،‬وق))د تطرقن))ا إلى ه))ذه‬
‫الضرورات في مواقع أخرى مبثوثة في هذا المق))ال‪ ،‬ومن ثم))ة فال يجب االعتق))اد بض))رورتها المطلق))ة‬
‫حتى ال نقع في الخطط الوهمية‪ .‬ون))درج هن))ا ض))رورتها في التعلم من حيث هي ق))درة هائل))ة الس))تيعاب‬
‫نظريات التعلم ‪.‬فعلى الرغم مما يعتقد من ضآلة المنافع وتفاهة النتائج التي حققته))ا تكنولوجي))ا التربي))ة‬
‫من))ذ ب))داياتها أي))ام ثورن))دايك إلى تج))ارب س))كينر في التعليم الم))برمج ثم البرمج))ة التفريعي))ة بمقارنته))ا‬
‫ب))التعليم التقلي))دي (األس))س‪ 53:‬ـ ‪ ) 56‬إال أنن))ا ننطل))ق من م))ا ت))وفره اآلالت الذكي))ة من المعالج))ة‬
‫المعلوماتية بكل حيثياتها‪ ،‬ونقر بفوائدها المبدئي))ة في مج))ال التعليم‪ ،‬س))يما عن))دما أت))احت اآلل))ة الذكي))ة‬
‫ممارس))ة التعليم المف))ردن بإمكان))ات مفتوح))ة واس))عة مقارن))ة بالكت))اب أو اآلل))ة المبرمج))ة‪ ،‬وتل))ك هي‬
‫المالحظة األولية العامة في استيعاب المعلوماتية لنظريات التعلم نرصدها هنا على وج))ه العم))وم في أن‬
‫عملية تفريد التعلم القائمة في كل النظري))ات البيداغوجي))ة الحديث))ة ال غب))ار عليه))ا في نظم المعلوماتي))ة‬
‫الموجهة للتعليم؛ بل هي بحسب "ديف سويل " المحور الذي تدور عليه كل البرمجيات م))ا دامت تعطي‬
‫أولوية للتعلم حسب اإليق))اع والوت))يرة‪ ،‬واالس))تجابة للف))وارق الفردي))ة ال س))يما في ال))برامج الموص))وفة‬
‫بالذكية (مستقبليات ‪ 421 : 63‬ـ ‪. ) 429‬‬
‫وبعد ذلك نرصدها في ما هو أخص‪ ،‬فقد استوعبت اآلالت الذكية في االستعمال والتوظيف البيداغوجي‬
‫ك)))ل نظري)))ات التعلم أو أوج)))ه التعلم المختلف)))ة والمتباين)))ة؛ ب)))ل والمتناقض)))ة أحيان)))ا‪ ،‬في أبعاده)))ا‬
‫االبستمولوجية‪ ،‬ك))التعلم بالمحاول))ة والخط))أ‪ ،‬وم))ا توجت))ه النظري))ة الس))لوكية من تعليم م))برمج كص))يغة‬
‫مثالية للتعلم من وجهة نظر السلوكية‪ ،‬وك)ذا النم)اذج المعرفي)ة ‪ .‬فك)ل ص)يغ التعلم مت)وفرة في الس)وق‬
‫اإللكترونية وما على المعلم والمدرسة إال حسن االختيار‪:‬‬
‫فمنها من يركز في منتجاتها من البرامج التعليمية الجاهزة‪ ،‬على الناتج آخ))ذة ب))ذلك الم))دخل الس))لوكي‬
‫بكل معطياته في ضوء ( الخبير المعرض للخطر‪،‬والتقليل في نفس الوقت من ش)أن الق)درة الفردي)ة) إال‬
‫أنها لم تستطع أن تفلت من كل االنتقادات التي توجه ع))ادة للتعليم الم))برمج‪ ،‬والترك))يز على األداء ب))دل‬
‫الفرد والعمليات العقلية حتى في أرقى برامجها‪.‬‬
‫ومنها من يرك))ز على تص))ميم ال))برامج التعليمي))ة على معطي))ات اإلدراك وعمليات))ه آخ))ذة ب))ذلك الم))دخل‬
‫المعرفي البنائي ال)ذي يس)تهدف العملي)ات العقلي)ة‪ ،‬ك)الفهم والتحلي)ل وال)تركيب‪ ،‬وم)ا تقتض)يه عملي)تي‬
‫المالءمة والتمثل‪ ،‬فهم يهتمون بإدارة العمليات المعرفية بدل النتائج‪ ،‬وبالحوار التفاعلي التلق))ائي ب))دل‬
‫برمج))ة البيئ))ة في س))ياق المث))ير واالس))تجابة ‪ ,‬ولم يفلت المعرف))ون هم اآلخ))رون في ظ))ل البرمج))ة‬
‫المعلوماتي))ة من مآخ))ذ تتعل))ق بس))قف العفوب))ة والحري))ة ال))تي س))تمنح للتالمي))ذ كي يبن))وا مع))ارفهم‬
‫ويكتشفونها بأنفسهم‪ ,‬فال يمكن التسليم بأن األطفال بالوسائل التكنولوجية على مس))توى من الق))درة م))ا‬
‫يمكنهم من تنظيم ثقاف))ة الماض))ي‪ ،‬ومن األفض))ل أن ال ن))ترك التلمي))ذ أم))ام ص))عوبة البن))اء واالكتش))اف‬
‫العرضي الطارئ للبيئة‪ ,‬ونبادر بتقديم البيئ)ة مص)ممة ج)اهزة ول)ذلك يق)ترح ( ب)راون ‪ ) 1984‬تعليم)ا‬
‫متجاوزا يحتفظ بالحوار التفاعلي إال أنه موجه وسمي ذلك " بالتعلم باالكتشاف الموجه " واعت))بر ذل))ك‬
‫بمنزلة إعطاء التلميذ سلطات أخرى تزيد من حريته وال تنقصه‬
‫تساؤالت بيداغوجية في الوضع التكنولوجي المعلوماتي ‪:‬‬
‫بداي)ة يجب الت)ذكير ب)ان التعليم التقلي)دي يت)وفر على إيجابي)ات التق)اء المعلم والمتعلم والمعرف)ة وجه)ا‬
‫لوجه في وضع تفاعلي وفي فضاء محدد الزمان والمكان ال يمكن ألي بديل توفيره‪ ،‬وم))برر تكنولوجي))ا‬
‫المعلومات في التربية بعدئذ يأتي من ض))عف التعليم التقلي))دي على اس))تيعاب الت))دفق الهائ))ل للمعلوم))ات‬
‫وص))عوبة تحقي))ق إيجابي))ات التعلم ال))ذاتي والتعلم عن بع))د ‪...‬الخ في الص))يغ التقليدي))ة ‪ .‬وعلي))ه يص))بح‬
‫توظي)))ف المعلوماتي)))ة في التعلم ال من حيث ه)))و ب)))ديل عن المعلم‪ ،‬أو من حيث ه)))و مص)))در رئيس)))ي‬
‫للمعلومات؛ بل بوصفه مساعد يوفر التوجيه الذاتي للمتعلم ويستعان به عند الحاجة فقط ‪.‬‬
‫ومع هذا االستيعاب التكنولوجي المذكور لنظريات التعلم والمرونة في التعاطي مع كل نم))ط أو أس))لوب‬
‫تعليم‪ ،‬وأش))كال المس))اعدات ال))تي يتيحه))ا للمعلم‪ ،‬إال أن األس))ئلة المألوف))ة والدائم))ة ال))تي تث))ار عن))د‬
‫الممارسات الفعلي)ة ألنم)اط البيداغوجي)ة‪ ،‬من مث)ل ( م)ا ه)و التعلم‪ ،‬وكي)ف يح)دث‪ ،‬وكي)ف نعلم‪ ،‬وم)اذا‬
‫نعلم ‪...‬الخ ) بقيت في الوضع التكنولوجي بدون أجوبة شافية ‪.‬‬
‫والتعلم الفردي الذي تنبني عليه فلسفة تكنولوجيا التعلم دونه تساؤالت كالتدين الفردي والثراء الفردي‬
‫ال تتعدى منافعه إلى الشأن االجتماعي العام‪ ،‬إال يسيرا ما لم ينموا ضمن المعاني الرمزي))ة االجتماعي))ة؛‬
‫بل إنه إذا لم يستوي الشرط الثقافي االجتماعي القيمي يكون بالضرورة ليس إال نتيجة لنزوات وغرائ))ز‬
‫فردية تعمل كما لو أنها شئ معاد للمجتمع ‪ .‬وقبل ذلك وكما سبق أن أشرنا أن الفردية وهم ‪.‬‬
‫وقد أثارت تطبيقات تكنولوجيا المعلومات تس))اؤالت ع)دة تتعل)ق بنتائجه))ا البيداغوجي))ة‪ ،‬فكم))ا أن هن))اك‬
‫دراسات تؤكد على أهمية وإيجابية تقديم المعلوم))ات بم))دخل "الس))معي البص))ري " مثال وتفض))يله على‬
‫المدخل الصوتي الشفهي في التعلم عند تس))اوي ش))روط الكف))اءة الذاتي))ة للمتعلم والموض))وعية البيئي))ة؛‬
‫فإن هذه الدراسات أيضا تشير إلى محدودية الم))دخل الس))معي البص))ري وح))تى في حال))ة ال))دمج بينهم))ا‬
‫( الص))ورة‪ /‬الكلم))ة ) بس))بب م))ا تث))يره الص))ورة من تعقي))دات تعي))ق مب))دأ التكام))ل بين النص أو الكلم))ة‬
‫والصورة (ص‪ ) 160 :‬وأن تعدد الفترات وتقديم المعلومات في أن واحد ال ي))ؤدي إال إلى مج))رد فيض‬
‫في المعلومات وبالتالي إلى إعاقة عملية التعلم ذاتها ( ص ‪ ) 164 :‬وكشفت الدراسات من جهة أخرى‬
‫محدودية األجهزة الحسية في استقبال المثيرات ومعالجتها‪ ،‬ف))ذهن اإلنس))ان يتعام))ل م))ع مث))يرات البيئ))ة‬
‫باالختزال واالقتصاد ( مدخل ‪ ) :‬فال معنى بعدئذ لتكثيف المثيرات‪ ،‬كما يروج له في الوضع التعليمي‬
‫المعلوماتي؛ بل أنه قد يكون مضرا على أجهزة استقبال المعلومات وصعوبة تخزينه))ا‪ ،‬فليس هن))اك من‬
‫دليل على أن كمية المعلومات التي توفرها اآلالت الذكية هي بالضرورة مفيدة بل يمكن أن تكون عائقا‪.‬‬
‫وكما طرحت تساؤالت حول إمكانية الفرد في استيعاب المثيرات المتع))ددة والمتنوع))ة فإن))ه تث))ار أس))ئلة‬
‫ك))ذلك ح))ول كف))اءة الكوم))بيوتر من حيث ه))و المرس))ل الب))ديل وقدرت))ه الالزم))ة على االس))تجابة لكثاف))ة‬
‫االنبثاقات الوجدانية المتنوعة في الوضع البيداغوجي التف))اعلي للمتلقي وأن يالئم نفس))ه لحظ))ة بلحظ))ة‬
‫في تغيير وتعديل من سقف حاجاته لحظ)ة بلحظ)ة م)ع تط)ور اكتش)افاته إلمكان)ات المتلقي التلمي)ذ وه)ل‬
‫يتقبل الرسالة المنبثقة من المتلقي في لحظته بالرفض أو القبول كم))ا يح))دث عن))د اإلنس))ان‪ .‬لق))د تعلمن))ا‬
‫مثال من ثقافة الحداثة انه ال يمكن تعويض االتصال المباشر باالتصال غير المباشر في تحص))يل النت))ائج‬
‫وتسيير المؤسسة وإدارة أعمالها وعمالها عن بعد‪ ،‬وهو ما يجعلنا أم))ام ص))عوبة تقب))ل االس))تغناء عن‬
‫االتص))ال المباش))ر بين المعلم والتلمي))ذ وتعويض))ه ب))الكومبيوتر للحص))ول على افض))ل النت))ائج في التعلم‬
‫والتحصيل الدراسي ‪.‬فما يتعلمه التلميذ من إيماءات وحركاته قد تفوق ما يتعلمه بالرس))ائل اللفظي))ة عن‬
‫بعد أو عن طريق الصورة ‪.‬‬
‫وفي مجال محاكاة الكوم)بيوتر ل)ذكاء اإلنس)ان دون)ه تس)اؤالت عدي)دة إذ أن مجاهي)ل اإلنس)ان م)ا زالت‬
‫كثيرة ومعارفنا حول ذكائه ما زالت في مهدها مما يجعل تحفظنا ضروري على كل مشروع ي))برمج تعلم‬
‫اإلنسان برمجة نهائية؛ فالموقع الذي يراد تحريره للكومبيوتر كب)ديل عن ذك)اء اإلنس)ان يط)رح مس)ائل‬
‫تتعلق بما أخذ علم النفس المعرفي في استكشافه لطاقات ال حدود لها عن))د اإلنس))ان كم))ا ه)و االكتش))اف‬
‫المتعلق بالذكاء المتعدد ‪ (.‬عاطفي‪ ،‬اجتماعي‪ ،‬أدائي تواصلي تكيفي ‪....‬الخ ‪.‬‬
‫وتساؤالت أخ)رى تط)ال مس)ألة تحكم اإلنس)ان في المث)يرات وتع)ديلها وتغييره)ا في وض)عية‬
‫التعلم باآلالت الذكية‪ ،‬ففي الوقت الذي يسعى فيه منظرو التعلم أمثال " برون))ر " لص))ياغة كيفي))ة للتعلم‬
‫يتخلص في))ه الف))رد من تحكم المث))يرات البيئي))ة الش))كلية على اس))تجاباته بتعلم معالج))ة بيان))ات المث))ير‬
‫واختيار االستجابات المناسبة‪ ،‬تأتي استعماالت اآلالت الذكية كمثيرات ثابتة تبطئ تعلم الحض))ارة فض))ال‬
‫عن تخطي إكراهاتها؛ إذ تأكد لبرونر بهذا الصدد خالفا لما ك))ان يعتق))ده بياجي))ه من أن تط))ور العملي))ات‬
‫العقلية يرتبط بالبيئة الثقافية سلبا وإيجابا أكثر من ارتباطه بالعمر بفضل نظام التخزين وه)و م)ا يحق)ق‬
‫استقاللية الفرد عن إكراهات المثير ‪ ( .‬كين سبنسر‪ ) 197 :‬وفي فلسفة " ف)روم " تأك))د أن اإلنس))ان‬
‫مهما بدا وكأنه جزء من الطبيعة يخضع لحتمياتها الفيزيائية والبيولوجي))ة وإكراهاته))ا إال أن))ه م))ع ذل))ك‬
‫فهو يتسامى ف))وق الح))دود الطبيعي))ة الفيزيائي))ة بوعي))ه ال))ذاتي من حيث ه))و أح))د الش))روط ال))تي أهلت))ه‬
‫للتجاوز ‪ (.‬الفرويديون الجدد ‪38 :‬؟)‬
‫والمقاربة الفلسفية تقودنا إلى أن الوجود من حولنا ليس بالموجود المحايد واألص)م إنم)ا ه)و قب)ل ذل)ك‬
‫مع))اني وص))يغ متع))ددة في س))ياقات ومن الليون))ة والتس))خير الط))بيعي م))ا يمكن اإلنس))ان من احتوائ))ه‬
‫ومعرفت))ه كوج))ود متع))دد الوظ))ائف والمع))اني؛ وال يتطلب من اإلنس))ان بعدئ))ذ إال إدراك))ه في ماهيت))ه في‬
‫سياقاته وأنساقه ومن ثم تحديد عالقاته به وتطويعه وتشكيله من أجل استخدامه نح))و أه))داف وغاي))ات‬
‫هو من يحددها لصالحه ‪.‬غير انه يجب استحضار القول بأن التنوع الهائل واالختالف الذي يسود الع))الم‬
‫الخارجي من حيث هو في نطاق مدركات اإلنسان واستثارته يعمل حين غزارته على تظليل اإلنسان بدل‬
‫تحريره وعتقه‪ ،‬فكثافة الخيارات التي تتاح لإلنسان في عصرنا يمكن أن تؤول به إلى االنعزال وهو م))ا‬
‫يدل على محدودية قدراته على استيعاب الواقع وضبط رس))ائله المنبعث))ة من ك))ل االتجاه))ات‪ ( .‬جاه))ل ‪:‬‬
‫‪ ) 27‬مما يجعلنا نعتد أكثر بتنظيم المعرفة اإللكترونية وحماية الطف))ل من الض))ياع والض))الل والتي))ه في‬
‫فوضى المعلومات اإللكترونية ‪.‬‬
‫فالتكنولوجيا إذن وفق هذه المعطيات غير حيادية ال سيما وأنها تتبدى كما لو أنها خطاب ش))مولي غ))ير‬
‫عابئ بمقتضيات الواقع ويدفع بقوة نحو االستسالم لحتمية التكنولوجيا‪ ،‬بإيجابياتها وسلبياتها وه))و م))ا‬
‫يش)رعن للتح)ذير والرقاب)ة أو على األق)ل الوقاي)ة‪ .‬وط)رح الس)ؤال من مث)ل‪ :‬فه)ل يمكنن)ا أن نتحكم في‬
‫الرسائل التي ترسلها لنا الوسائط التكنولوجية ونتحكم فيها ونوجهها لصالح أجيالنا وأمتنا؟ ‪.‬فكما يق))ال‬
‫يمكن أن نتعثر في كثافة اآلخر‪.‬‬
‫ضرورة تصميم برنامج وقائي استعجالي من أضرار المعلوماتية ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬حماية المدرسة من اختراق اإلدماج التكنولوجي المضر‬
‫إننا نخشى أن نكون قد وقعنا فعال تحت تأثير أخالقيات السوق ومفرداته فنقبل بدون تروي على إدم))اج‬
‫تكنولوجيا في التعليم قبل تفحص فوائدها ومنافعها كما يسوق المنتوج قبل تصميمه في كثير من حاالت‬
‫السوق‪ ،‬وال نستطيع بعدئذ أن نتفادى المخاطر التي ذكرناها؛ إذ نالحظ االستعمال غير المنهجي وب))دون‬
‫تقويم يذكر ـ من كل الفئات ـ للبريد اإللكتروني وشبكة اإلنترنت واقتن))اء لألق)راص المدمج))ة‪ ،‬وال))برامج‬
‫الجاهزة واستنساخها بسهولة ويسر دون تفحص بيداغوجي‪ .‬ونخشى تك))رار م))ا ه))و س))ائد في إص))الح‬
‫الشأن التربوي في العالم العربي حيث سيادة مقاربة االختراق من حيث هو إدماج انفعالي غير مدروس‬
‫للمفردات البيداغوجية المرغوب استنباتها في الفض))اء ال))تربوي‪ ،‬كم))ا ي))راد باس))تدخال وإدم))اج اآلالت‬
‫الذكية والحاسوب واألنترنت في التربية‪...‬الخ ويتأسس االختراق عادة على التجربة التي يحشد لها من‬
‫وس))ائل وإمكان))ات معياري))ة م))ا يض))من له))ا تحقي))ق مس))تويات عالي))ة من النج))اح‪ ،‬ثم تعبئ))ة المعلمين‬
‫واإلداريين وسن تشريع أولي لتعميمها‪ ،‬ولكن م)ا تلبث ه)ذه المقارب)ة أن تفش)ل بس)بب غي)اب الش)روط‬
‫الالزمة لإلدماج‪ ،‬وعليه يصبح التروي وعدم التأثر بمرحلة الدعوة والتبشير‪ ،‬من أهم مراحل اإلصالح‬
‫البيداغوجي‪ ،‬لما يهبه لنا من االعتدال الالزم لتك))وين اإلط))ار النظ))ري وإنض))اجه لوض))ع قض))ية إدم))اج‬
‫تكنولوجيا التعليم والوسائل المفتوحة ( الكومبيوتر ـ األنترنت ـ الشاشة ‪..‬الخ ) لتصبح شريكا أساس))يا‬
‫تتع))ايش م))ع عناص))ر العملي))ة التعليمي))ة المغلق))ة ( الكت))اب ـ الص))ورة ـ النم))وذج ) في وض))ع المدرس))ة‬
‫التقليدية‪ ،‬بدون إزاحة للقديم أو ممانعة للجديد ‪ .‬فعلى الرغم مم))ا تنب))أ ب))ه " بنج))امين س))كينر " من أن‬
‫التعلم بواسطة أجهزة التعلم سيضاعف قدرات التلميذ وتسارع الدول في سباق محموم من))ذ التس))عينيات‬
‫لربط المدارس بشبكة األنترنت‪ ( ،‬عبد النبي ‪ 15 :‬ـ ‪ ) 28‬إال أن الفحص البيداغوجي واجب عن))د ك))ل‬
‫تطوير أو إدماج للوسيلة ألن ذلك يثير عدة إشكاليات تطال عدة جوانب تربوية واجتماعي))ة ‪ ،‬فهي تث))ير‬
‫تساؤالت ذات عالقة بوضع المدرسة التقليدية في ضل اآلالت الجديدة ‪ ،‬وتساؤالت ح))ول ومكان))ة المعلم‬
‫والعالقات التواصلية البيداغوجية‪ ،‬وتساؤالت حول االنتفاع والنتائج المبشر بها سلفا في تنمي))ة ال))ذكاء‬
‫وتحس))ين العملي))ة التعليمي))ة‪ ،‬وتس))اؤالت ح))ول إمكان))ات الدول))ة وق))درتها على توف))ير ه))ذه اآلالت ب))ل‬
‫والحصول عليه))ا وتعميمه))ا بالعدال)ة المطلوب))ة على ك))ل أف)راد األم))ة وتس))اؤالت ح))ول أخالق المجتم))ع‬
‫وتأهيله ثقافيا لحماية هوية األطفال‪ ،‬وتساؤالت حول اإلغراق في الع))الم االفتراض))ي ال))ذي يه))دد تربي))ة‬
‫الحواس واالتص)ال بالع)الم الفيزي)ائي ‪ .‬وتس)اؤالت ك)برى ح)ول الس)لطة الثقافي)ة وس)يطرة نم)ط ثق)افي‬
‫وتهميش األنماط األخرى ‪.‬‬
‫والمش))كلة تص))بح أك))ثر تعقي))دا عن))دما نعلم الوض))عية التعليمي))ة ومس))توى ترديه))ا في مج))ال النوعي))ة‬
‫والج))ودة؛ إذ م))ازالت العل))وم والتخصص))ات تخض))ع لمنط))ق اإلمكان))ات وس))عة المقاع))د البيداغوجي))ة‪،‬‬
‫والظروف اآلنية‪ ،‬وتتأثر مجانية التعليم واالستيعاب المدرسي باإلمكانات المادية‪ ،‬فهي المرجعيات العليا‬
‫في كل تخطيط تربوي‪ ،‬فكل التخصصات العلمية في الجامعة ال سيما العلوم االجتماعية تدرس في ضوء‬
‫اإلمكانات المتاحة وال)تي ال تتع)دى الس)بورة والمطبوع)ة في أحس)ن األح)وال ‪ .‬وأن األمي)ة في الق)راءة‬
‫والكتابة ما زالت مرتفعة بصفة مقلقة‪ ،‬فهذه التساؤالت كلها تشرعن للتروي واالهتمام بآج))ل اإلص))الح‬
‫من اجل تفادي االختراق في غياب شروط صياغة التعلم التكنولوجي التي من أهمها‪.‬‬
‫ـ غي))اب الرؤي))ة النس))قية لإلدم))اج يحجب بالض))رورة م))ا تحدث))ه العناص))ر المدمج))ة من اختالالت في‬
‫الوض))عية التعلمي))ة ك))االختالالت ال))تي تح))دثها تكنولوجي))ا المعلوم))ات من حيث المب))نى والمع))نى للفع))ل‬
‫البيداغوجي ( االختالالت في التعامل مع الوسائل الثابتة المغلقة والمعالجة اإللكترونية المفتوحة )‬
‫ـ قلة ال)وعي ال)تربوي في األوس)اط التربوي)ة ذاته)ا ب)أن تح)ديث الفع)ل البي)داغوجي وتط)ويره وتجوي)د‬
‫فعاليته ليس مجرد إضافة لآلالت الذكية ومضاعفة الجه))د المع))رفي بتل))ك اآلالت‪ ،‬إنم))ا البي))داغوجيا هي‬
‫ممارسة إنسانية قبل أن تكون تدريبا على الوس))ائل البيداغوجي))ة ‪ .‬مم))ا يت))وجب إدراج التح))ديث ض))من‬
‫الرؤية النسقية الكلية للفعل البي)داغوجي فيش)مل الوس)يلة والمض)مون والعالق)ات البيداغوجي)ة وس)قف‬
‫األهداف التعليمية ‪.‬‬
‫ـ غياب التصور الواضح حتى لدى المتخصصين بتزاوج ما راكمته الوسائل التعليمي))ة من الخ))برة‪ ،‬وم))ا‬
‫س))تحدثه التكنولوجي))ا الجدي))دة بمع))نى غي))اب ت))زاوج بين ال))واقعي واالفتراض))ي في التعليم وم))ا دور‬
‫واألهمي))ة الض))رورية لك))ل منهم))ا ‪ .‬فتس))قط التجرب))ة ض))من ه))ذا االخ))تراق في ثنائي))ة العملي والنظ))ري‬
‫والجديد والقديم ‪...‬الخ ‪.‬‬
‫ـ غياب كلي إلدراك المنافع والمخاطر من كل إدم))اج ج))زئي أو كلي لآلالت الذكي))ة ‪ .‬ذل))ك أن العجل))ة في‬
‫اإلدماج يؤدي عادة إلى إغفال أهمية آجل األعمال أي إغفال المورد النظ))ري الالزم لتغذي))ة الممارس))ات‬
‫العملية بإستراتيجيات اإلصالح‪.‬‬
‫ـ عدم استكمال مشاريع محو األمية القرائي المبرمج))ة في الوض))ع الح))داثي كم))ا أس))لفنا‪ ،‬فاإلحص))ائيات‬
‫تشير إلى نسب مقلقة جدا من األمية في القراءة والكتابة ال تسمح بالقفز نحو محو األمية المعلوماتية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ـ خطوات بناء البرنامج االستعجالي الوقائي‪:‬‬
‫ولعل الخطوة األولى التي يفرضها المنهج في بناء برن))امج وق))ائي ه))و أن ننفتح ذهني))ا بع))د رص))د ه))ذه‬
‫المحاذير والمعطيات الواقعية على كل ما هو خارج ما يعتقد أنه "حس مشترك" بكل حرية‪ ،‬كما هو في‬
‫ع)))رف المنهج)))يين ‪،‬اعتق)))ادا منهم ب)))أن ذل)))ك من ض)))رورات التخلص من الص)))ور النمطي)))ة وت)))وخي‬
‫الموضوعية وحرية التفكير وممارسة الشك اإليجابي ‪ (،‬موريس أنج))رس ‪ 34 :‬ـ ‪ ) 36‬إن ه))ذه اآللي))ة‬
‫الفكرية هي ما يجنبنا من النزعة الشعرية العفوية من حيث هي االنفعال الوج))داني اآلني تج))اه التقني))ة‬
‫أي تحمين))ا من االختراق))ات الفوض))وية‪ .‬حيث نج))رؤ بعدئ))ذ على ط))رح ك))ل م))ا يعتق))د أن))ه إيج))ابي في‬
‫المعلوماتي))ة للمس))اءلة وال))درس والتمحيص أو م))ا يس))ميه ب))وبر تفحص إمكانيت))ه للتفني))د‪ ،‬فأفكارن))ا‬
‫المكتسبة السابقة حول األشياء والمواضيع والتي اكتس))بت حس))ا مش))تركا هي ترس))بات يمكن أن تحجب‬
‫عنا كثيرا من الواقع‪ ،‬أو بعبارة أخرى أن الواقع الذي هو في أذهانن))ا يمكن أن يتض))من ج))وانب زائف))ة‪،‬‬
‫والتفتح الذهني ه)و م)ا يس)مح ب)ادراك ط)رق جدي)دة لمعرف)ة الواق)ع والحقيق)ة أو إدراك م)ا ه)و واقعي‬
‫حقيقي وما هو زائف وهمي وبالتالي إدراك ما هو إيجابي وما هو سلبي ‪.‬‬
‫ومن ه))ذا المنطل))ق يجب ط))رح األس))ئلة التش))كيكية وإدراج الواق))ع ال))تربوي في الص))ياغة التكنولوجي))ة‬
‫كانش))غال كلي‪ ،‬بمع))نى أن األس))ئلة ال))تي تطرحه))ا مس))ألة إدم))اج الوس))ائل التعليمي))ة اإللكتروني))ة على‬
‫الخصوص في العملية التعليمية‪ ،‬هي متنوعة ومتجاوزة للشأن ال))تربوي التعليمي إلى الش))أن المجتمعي‬
‫واالبستمولوجي األكاديمي‪ ،‬فهو يطرح نفسه كمشروع مجتمعي يتع))دى ال))تربوي إلى م))ا ه))و اجتم))اعي‬
‫واقتصادي وثقافي وبحثي أك))اديمي‪...‬الخ ‪ .‬وإذا ك))ان الفع))ل ال)تربوي مح))دد بزمان))ه ومكان))ه ومس))تعجل‬
‫بطبيعته‪ ،‬يستدعي الشروع في إدماج تكنولوجيا المعلومات في العملية التعليمية وال تقبل التأجي))ل‪ ،‬ف))إن‬
‫التأمل من حيث هو آجل األعمال يفرض نفسه للتخطي)ط ورس)م السياس)ة التربوي)ة في س)ياقات تنموي)ة‬
‫مجتمعية شاملة‪ ،‬فإدراك عاجل الفعل في سياق آجل))ه يس))اعدنا ب))دون ش))ك على إخ))راج الفع))ل ال))تربوي‬
‫العاجل من دائرة المغامرة واالرتجال واالختراق‪ ،‬وفي الوقت نفسه يحمي التأمل من التعالي والمقاوم))ة‬
‫والفشل ما دامت الوقائع المعاشة تحت النظر كخبرة‪ ،‬ونؤسس هذا ال))تزاوج بين آج))ل العم))ال وعاجله))ا‬
‫حتى ال تكون اإلصالحات التربوية رهن الخطباء ودعاة الخ))برة النظري))ة ( التكنوقراطي))ة ) واالس)تغراق‬
‫األكاديمي‪ ،‬وحتى ال تخ))تزل المدرس))ة في الفع))ل البي))داغوجي م))ا دامت ت))ؤطر المجتم))ع ب))العلم والخ))برة‬
‫وتضخ الروح في التنمية ‪ .‬فكما نعلم في أدبيات البيداغوجيا التكوينية أن البيئة ( الوس))ط) ال تك))ف أب))دا‬
‫عن مقاومتها واستعصائها للتمث))ل وتعم))ل على إجب))ار الطف))ل على تع))ديل بنيان))ه العض))وية للتكي))ف م))ع‬
‫الشروط الجديدة‪ ,‬وهي في ذلك تحدث حالة الالتوازن في العضوية أو ما يسمى في علم النفس المعرفي‬
‫فشل عمليات المطابقة والتمثل الناتجة لما يس))ميه بياجي))ه " باض))طرابات النم))و"‪ .‬وإذا م))ا ج))از لن))ا أن‬
‫نطبق هذه الحالة على حالتنا في التمثي))ل والمطابق))ة للتكنولوجي))ا اجتماعي))ا‪ ,‬وبي))داغوجيا على مس))توى‬
‫المنظومة التربوية‪ ،‬فإننا نقول أننا في حالة االستعجال وعدم المالءمة قد نصطدم باض))طراب النم))و في‬
‫مدارسنا ومجتمعنا على حد سواء ونعجز استحداث الت))وازن الالزم بين المطابق))ة والتمث))ل‪ ,‬وإنن))ا أيض))ا‬
‫نصبح كالطفل الذي يحفظ الكلمة ب))دون وعي داللته))ا وق)د يس))تعملها ص))حيحا في الجمل)ة إال أن تعلمه))ا‬
‫يبقى بعيدا؛ ألن المرجعية الحسية للكلمة غائية‪ ,‬ولذلك فالمعلوماتية كتعلم وبن))اء تق))ني وفك))ري؛ إذا م))ا‬
‫فقدت مرجعياتها الفكري)ة أو مالءم)ة البني)ات العقلي)ة الجماعي)ة؛ فإنه)ا ال تح)دث إال اض)طراب في نم)و‬
‫مجتم))ع المعرف))ة المقص))ود‪ .‬ولكن اض))طراب الموازن))ة من المف))ترض في))ه أن ي))ؤدي وظيف))ة الدافعي))ة‬
‫والشحن ( االستجابة للتح))دي ) لبل))وغ الموازن))ة؛ إال أن))ه في حال))ة فق))دان بعض الش))روط كالمرجعي))ات‬
‫المعرفية أو المجتعية أو الحسية يبقى الشخص في حالة اضطراب النمو فيعج))ز عن التكي))ف أو اإلب))داع‬
‫والتجاوز ومن ثمة الفشل في التحدي ‪.‬‬
‫وبناء عليه يعتبر المعرفي))ون االجتم))اعيون ـ إن ص))ح تس))ميتهم تل))ك ـ أن االجتماعي))ة االص))طالحية من‬
‫حيث هي تعلم لألخالق والرمزية هي مورد اجتم))اعي مهم في عملي))ة بن))اء المعرف))ة أو هي تك))اد تك))ون‬
‫أحد شروط تقدم الموازنة بين المطابقة والتمثل وبالتالي فهي شرط النم))و العقلي أو ش))رط تخطي حال))ة‬
‫" اضطراب النمو " (األسس ‪.)165 :‬إننا بلغة علم النفس المعرفي نحن بحاج))ة إلى اس))تعمال النم))اذج‬
‫االدراكية الرمزية؛ أعني التفكير المجرد التأملي والتدبري ال))ذي ي))تيح لن))ا إمكاني))ة التعام))ل م))ع م))ا ه))و‬
‫محتمل وما هو غير محتمل‪ ،‬ومن ثمة إدراج مسألة المعلوماتية كمسألة مطروح))ة للبحث وليس مج))رد‬
‫النظر إليها كأشياء لالستعمال اآلني في نطاق الزيادة والنقصان ( حفظ الوجود) ‪ .‬وبالتالي فال نبقى في‬
‫مستوى النماذج الحسية الحركية ( مجموعة األفعال الفيزيقي))ة ) أو مس))توى النم))اذج االيقوني))ة ( تمث))ل‬
‫المف))اهيم كص))ور) ون))رتقي إلى مس))توى تقعي))د أو قونن))ة الواق))ع المعلوم))اتي بآلي))ة المعرف))ة الرمزي))ة‬
‫المجتمعية المؤسسية‪ ،‬وهي التي تمنحنا براعة لعبة التوازن ـ إن صح التعبير ـ وتهب لنا االس))تمرارية‬
‫في تعديل ذلك التوازن مع نمو الخبرة التكنولوجية‪ .‬فاإلدراك في عرف النفسانيين ال يغ))ير الواق))ع بق))در‬
‫م))ا يغ))ير ذات اإلنس))ان‪ ،‬من حيث ه)و ف)رد أو مجتم))ع فالش))خص ي))ؤول دائم))ا إلى م))ا ه)و علي))ه بفض))ل‬
‫مدركاته الماضية‪ ،‬وكذلك المجتمع‪ ،‬تأسيسا على مقولة الوجوديين من أن الوج))ود أس))بق من الج))وهر‪.‬‬
‫(األسس ‪) 161 :‬‬
‫بناء خطة اإلدماج التقني ‪:‬‬
‫يكتفي االصالحيون عندنا عادة عند كل رغبة في اإلصالح باستيراد النماذج والتجارب وحشد التأييد لها‬
‫بالتقارير األيديولوجية أو األكاديمية السطحية غير الموثوقة‪ ،‬كالبحوث الجاري))ة اآلن ح))ول تكنولوجي))ا‬
‫المعلومات وسبل إدماجها في التعليم‪ ،‬لألسف ال تعدوا أن تك))ون أش))به بالتق))ارير اإلداري))ة األيديولوجي))ة‬
‫خالية من الرؤية النقدية؛ بل إنها في كثير من نماذجها األمبيريقية في الجامعة أقل قيمة علمية من تلك‬
‫لتقارير الصحفية ‪ .‬وهو ما يتطلب وضع خطة إصالحية شاملة تتكفل بها المؤسسات الجامعي))ة البحثي))ة‬
‫بعيدا عن التأثيرات الشخصية واأليديولوجية وتبنى لها ثوابتها المانعة للتغيرات الفجائية واالختراق))ات‪.‬‬
‫فال يعقل أن نبقى دائما كاألطفال نلعب ونلهو بما ل))دينا ثم نطرح))ه لمج))رد وض))ع ي))دنا على لعب))ة أخ))رى‬
‫دون أي تروي لرسم الخطة‪.‬‬
‫إذا ما حصل االقتناع بضرورة وضع مسألة اإلصالح التربوي ـ وفق المنظ))ور تكنولوجي))ا المعلوم))ات ـ‬
‫في نطاق قوننة الواق))ع المعلوم))اتي وتقعي))ده‪ ،‬ووف))ق المنظوم))ة الرمزي))ة ومرجعي))ة الت))وازن‪ ،‬فإن))ه من‬
‫المفترض على األقل أن يتأسس بن))اء الخط))ة اإلص))الحية في معياريته))ا على معطي))ات البح))وث العلمي))ة‬
‫األكاديمية وما صح من العلم والمعرفة بالتجربة والعقلنة‪ ،‬وأن تتحدد خطواته))ا على تخطي))ط لإلمكان))ات‬
‫المتاحة وفق س))قف األه))داف المتوخ))اة‪ ،‬فالخط))ة اإلص))الحية وف))ق ه))ذا المنظ))ور منهجي))ة من أساس))ها‬
‫تنطل))ق من ش))روط االنتق))ال والتح))ول من الوض))ع أو المرحل))ة التكنوقراطي))ة (السياس))ة التربوي))ة‪،‬‬
‫التشريعات‪ ،‬الخطط‪ )،‬إلى المرحلة التنفيذي)ة والممارس)ة‪.‬أي أن اإلص)الح ال)تربوي بإدم)اج المعلوماتي)ة‬
‫يتضمن ‪:‬‬
‫ـ تبني اإلصالح ‪ :‬في ضوء الشروط المجتمعية واألنساق القيمية والمعرفية بما في ذلك شروط التنمي))ة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وما تقتضيه العوالم االفتراضية من دراسة ‪.‬‬
‫ـ تخطيط اإلصالح‪ :‬وضع السياسة التربوية في ضوء اإلمكانات البش))رية والمادي))ة والمعلوماتي))ة وف))ق‬
‫معايير الجودة وسقف األهداف‪.‬‬
‫ـ تنفي))ذ اإلص))الح‪ :‬في ض))وء ش))روط التأهي))ل العلمي التق))ني والوض))عيات التعليمي))ة التعلمي))ة ( المعلم‬
‫البرنامج‪ ،‬الوسائل المجال ‪...‬الخ ) ‪.‬‬
‫وبهذه الخطة نكون قد وضعنا التفكير التربوي في آجل األعمال بم))ا يع))ني التفك))ير والبحث في المس))ائل‬
‫التالية ‪:‬‬
‫بحث ما يمكن أن نفتقده في تعميم اآلالت الذكية في التعليم ‪:‬‬
‫يعتق)د أن)ه في وض)ع التعلم الم)برمج وب)األحرى التعلم ب)اآلالت الذكي)ة يفق)د الوض)ع البي)داغوجي بعض‬
‫سماته جزئيا أو كليا منها ‪:‬‬
‫ـ يفقد الوضع البيداغوجي في االتصال اإللكتروني االتصال المباشر بين المعلم والتلميذ وم))ا يحدث))ه من‬
‫تفاعالت والتأثيرات عن طريق الرسائل المتبادل)ة باأللف))اظ المص))احبة باإليم))اءات‪ ،‬وه)و م))ا ينش))أ عن))ه‬
‫نقص في فهم الرسائل التعلمية وصعوبة الوصول إلى إنم))اء الت))آلف والتع))الق االجتم))اعي ل))دى التلمي))ذ‬
‫فضال عن صعوبة الوصول إلى بناء حاالت ال))وعي بالتس))خير المتب))ادل‪ ،‬وه))و ال))وعي الض))روري لنم))و‬
‫العالقات االجتماعية المتآلفة الضرورية لكل تعلم‬
‫ـ يفقد شفافيته البيداغوجية وتعني أن يكون كل واح))د من المتف))اعلين الش))ريكين ش))فافا لنفس))ه ولغ))يره‬
‫شفافية كاملة‪ ،‬وهي عالقة تربوية ال ت))رقى إليه))ا حرك))ات التفاع))ل االجتم))اعي الدقيق))ة‪ ،‬ومن ثم))ة فهي‬
‫وهم وغواي))ة مظلل)ة حيث أن آلياته))ا تج))ري خ))ارج نط))اق الوجداني))ة العميق))ة‪ ،‬وم))ا ه)و مالزم للعالق)ة‬
‫التربوية إنما هي الحيلة أو ذك))اء الحيل)ة المتب))ادل بين التلمي))ذ والمعلم أو إح))دى الش))ركاء في العالق)ات‬
‫االجتماعية لموجهة السلطة والهيمنة واإلفالت من الرقابة التي يمارسانها تج))اه بعض))هم البعض ‪.‬وهن))ا‬
‫ينشط ذكاء المناورات وبروز األقنعة والتب)دالت ولكن نش)اطه س)وف يك)ون ض)من األخالق االنض)باطية‬
‫البيداغوجية لضبط الحيلة من االنفالت األخالقي كإخضاع اآلخر والهيمنة واالس))تعباد وهي ب))ذلك تك))ون‬
‫موجهة نحو ضمان وتأمين حرية اآلخر ‪.‬‬
‫ـ يفقد الوضع التربوي بعض معطيات علم النفس المعرفي كتنشيط فعالية ال))ذكاء واس))تثمار تع))دده‪ ،‬من‬
‫أجل منع االسترخاء العقلي‪ ،‬كما يفقد االهتمام بالواقع الحسي ومباشرة األشياء وتعلم التجربة الحسية‪،‬‬
‫وصناعة البيئة الواقعية ‪...‬الخ‬
‫ـ يفقد الوضع التربوي بصفة عامة كثيرا سلطته في الضبط األخالقي والدمج في المجال وتحيزه للخبرة‬
‫االجتماعية وتعلم المعايير واألحكام والتمييز بين األشياء‪ ،‬ويصعب تحقيق االنتماء ورسم معالم الهوية‪.‬‬
‫فهذه المفقودات جزئيا أو كليا يستوجب بحثها وإنتاج بدائل تعوضها ‪.‬‬
‫بحث مشكلة الكائنات االفتراضية الجديدة ‪:‬‬
‫ونقصد به البحث في ما يسميه بعض الباحثين بمجاهيل الفرد اإللكتروني والمجتمع اإللكتروني‪ ،‬واألمة‬
‫اإللكترونية والحياة اإللكترونية أي تأسيس ما هو آخذ في التكون واإلنش))اء اآلن لـ " علم النفس الف))رد‬
‫اإللكتروني وعلم االجتماع اإللكتروني وأنثربولوجيا اإلنسان االفتراضي‪ ،‬فهذه عل)وم يجب أن ت))درج في‬
‫آجل العمال وتأسيسها لمجابهة مشكالتها ومتزامنة مع التطبيقات التربوية المدرسية العاجل)ة ‪.‬وه)و م)ا‬
‫يتطلب إصالح جامعي كلي وإدراج العلوم الجديدة المتعلقة بمجتمع المعرفة ‪ .‬فما هو مؤكد اليوم هو أن‬
‫الفردي))ة األنترنتي))ة آخ))ذة في التش))كل وأن العقلي الجمعي اإللك))تروني ه))و اآلخ))ر من حيث ه))و مس))احة‬
‫لتفاعل الذات اإللكترونية وأن المجتمع االفتراض)ي اإللك)تروني يتش)كل‪ ،‬وتنم)وا بش)كل مت)واز ل)ذلك ك)ل‬
‫الهويات ( هوية الفرد اإللكتروني‪ ،‬هوية العقل الجمعي اإللك))تروني ـ هوي))ة المجتم))ع اإللك))تروني) ومن‬
‫المحتم علينا معرف)ة ه)ذه الشخص))ية اإلنس))انية الواقعي))ة االفتراض))ية؛ وك))ل الهوي))ات ووض))عها موض))ع‬
‫الدراس))ة المعمق))ة ودراس))ة ألمنه))ا وس))المتها في طبيعته))ا اآللي))ة االفتراض))ية العالمي))ة وذات الحرك))ة‬
‫التعقيدي))ة في التش))كل وط))رق النف))ع الوط))ني والع))المي من ه)ذا النم))وذج‪ .‬ألنه))ا رغم أنه))ا مم))ددة عن‬
‫الشخصية الطبيعية‪ ،‬إال أنها تتمظهر في أشكال جديدة‪ ،‬فالفرد األنترن)تي واإللك)تروني بوج)ه ع)ام ب)دأت‬
‫مالمح شخص)يته تتك))ون كم))ا يالحظ))ه الدارس))ون الي))وم‪ ،‬فه))و شخص))ية افتراض))ية تتعام))ل م))ع مجتم))ع‬
‫افتراضي‪ ،‬يمارس بكل حرية التمثل والتحلل والتزييف واالنتقال والحركية فهو يح))يى في واق))ع م))رقمن‬
‫يبدوا أنه حتى في تفاصيله الدقيقة وحريته الش)به مطلق)ة في التحل)ل‪ ،‬س)هل االخ)تراق وت)دمير هويت)ه‪,‬‬
‫ألنه سيقع دون شك في قبضة الفاعلين وبالتالي فنفع)ه وض)ره لآلخ)رين من حول)ه في محيط)ه م)ا زال‬
‫مجهوال وما ينطبق عن الفرد األنترنتي ينطبق أيضا على الجماعة اإللكترونية (األنترنت ‪) 320 :‬‬
‫البحث في الوقاية من مشكلة االختراق‬
‫ولذلك فإنه يتعين بداية على النخب العربية الس)يما في مج)ال تكنولوجي)ا المعلوم)ات التص)دي من)ذ اآلن‬
‫إلش))كالية م))ا خلص))ت إليه))ا القم))ة العالمي))ة لمجتم))ع المعلوم))ات المنعق))دة في ج))نيف (‪10‬ـ ‪/ 12‬‬
‫‪ ) 12/2003‬أو ما يعرف بجرائم السايبرية‪ ،‬كالسطو والخداع واالختراق والتدمير‪ ،‬وإنتاج ثقافة األمن‬
‫الس))يبراني في س))ياق التنمي))ة االجتماعي))ة واالقتص))ادي كص))ون الخصوص))ية والحماي))ة من االقتحامي))ة‬
‫األنترناتية وحماية الملكية الفكرية والهويات الثقافية‪...‬الخ ( األنترنت ‪ 232 :‬ـ ‪. ) 236‬‬
‫البحث في حقوق الطفل وحمايته‬
‫إننا نجد أنفسنا في الضبط المنهجي قبل أي تفكير في تعميم التعلم بالحاسوب وإشاعة التعلم باألنترنت ـ‬
‫حتى في حالة توظيفهما كمساعد للمعلم ـ أن نعمل في نطاق شروط حقوق الطفل في إنسانيته ونحلل‪:‬‬
‫ـ المتعلم المستهدف من حيث قدراته الفيزيولوجية ومناعته الصحية واتجاهاته نحو الحاسوب ودافعيته‬
‫ومعارف))ه الس))ابقة وأوس))اطه الثقافي))ة ووض))عه االقتص))ادي واالجتم))اعي أي بحث هويت))ه الشخص))ية‬
‫والرمزية وحاجاته للجودة التعليمية والمواكبة للعصر‪....‬الخ‬
‫ـ ونحل)ل البيئ)ة من حيث هي مظ)اهر فيزيقي)ة ومث)يرات ومس)خرات مطوع)ة ومنظم)ة إداري)ا ومدعم)ة‬
‫لإلدراك الذاتي ومكان للعمل وقابلة للنمذجة اإللكترونية ‪ .‬أي بحث إمكاني))ة التص))نيع االفتراض))ي للبيئ))ة‬
‫وإعدادها كمادة للتعلم بحيث تنش))ط من حيث هي مث))يرات ال))ذكاء به))دف إدراكه))ا كمش))كالت في بع))دها‬
‫المجالي ‪.‬‬
‫ونحلل موق)ع األداء من حيث مالءمت)ه لتكنولوجي)ا المعلوم)ات‪.‬أي تص)ميم المج)ال المدرس)ي ليس)تجيب‬
‫والتعلم اإللك))تروني وم))ا يتطلب))ه من االنفت))اح الهندس))ي أو ح))تى في المج))ال الق))انوني واالجتم))اعي‬
‫والوجداني‬
‫ـ نحلل األنشطة والمهارات التكنولوجية وعالقتها بتنشيط الذكاء وتحقيق االس))تقاللية والحري))ة والتحكم‬
‫في المثيرات وتعلم التنبؤ ‪.‬‬
‫بحث االستفادة من التجارب التنموية المعلوماتية ضمن منظور التنمية االنسانية ‪:‬‬
‫يجب وضع المعلوماتية في التربية كانشغال في سياق سؤال النهضة وإخضاعه لعاجل األعمال وآجله))ا‬
‫كما أسلفنا حتى نكون تحت وقع العناية االجتماعية والمعيارية األخالقية‪ ،‬ونحمي أنفسنا من الوقوع في‬
‫مطب))ات فلس))فة الل))ذة الفردي))ة والمتع))ة اآلني))ة والش))عرية الجمالي))ة‪ ،‬حيث ال تلبث أن ت))ذهب ج))ذوتها‬
‫وتنطفئ ‪ .‬ومن أج))ل ذل))ك ف))الواجب يحتم علين))ا اس))تقراء تج))ارب ودراس))ات من س))بقنا على تعميم‬
‫تكنولوجي))ا التعليم وتح))ذيراتهم في ذل))ك‪ ،‬كدراس))ة " تيب))ور ق))اموس" فبغ))رض إعط))اء األولوي))ة للقيم‬
‫اإلنس))انية اس))تعرض في مق))ال بعن))وان " التربي))ة المعلوماتي))ة األولوي))ة لإلنس))ان" جمل))ة من الحق))ائق‬
‫اعتبرها تحذيرات تربوي)ة أطلقه)ا من أج)ل احتف)اظ اإلنس)ان بإنس)انيته وه)و يب)دع ثورت)ه التكنولوجي)ة‬
‫المعلوماتية على حد تعبيره وهي على الخصوص‪.‬‬
‫ـ أن تحتفظ بمب)دأ تك)افؤ الف)رص في إع)داد المجتم)ع لعص)ر الكوم)بيوتر وال تعت)د ب)أي ف)ارق إال ف)ارق‬
‫االستعدادات الوراثية التكويني)ة ومس)تويات الق)درة فق)ط وتس)تبعد ك)ل م)ا يتعل)ق ب)الفوارق االجتماعي)ة‬
‫والفئوية األخ)رى ال)تي تس)ئ إلى إنس)انيتنا كمجتم)ع بش)ري يص)بوا إلى الع)دل‪ ,‬وه)و م)ا يتطلب وض)ع‬
‫سياسة التثقي)ف االجتم)اعي ومح)و األمي)ة المعلوماتي)ة‪ ،‬وتحوي)ل م)ا ه)و طوب)اوي في ه)ذا الش)أن إلى‬
‫حقيقي واقعي ‪.‬‬
‫ـ يشرع في إدماج اآلالت الذكية من الروض))ة إلى التعليم الج))امعي أفقي))ا وعمودي))ا بحس))ب إمكان))ات ك))ل‬
‫دولة وخصوصياتها في سياستها التربوية والبيداغوجية ‪.‬‬
‫ـ إدراج تعميم تعلم المعلوماتية والمعرفة اإللكترونية كما لو أنها أحد شروط المواطنة فالجه))ل به))ا يع))د‬
‫نقص في المواطنة ‪.‬‬
‫ـ ضرورة االهتمام بتعلم السلوك االجتماعي كمكون في الهوية الفردي))ة؛ إذ أن تعلم الس))لوك االجتم))اعي‬
‫التواصلي واحترام قواعده تعدو أهم من المهارات التقنية في عصر المعلوماتية ومجتمعات المعرفة ‪.‬‬
‫ـ وضع دراسة للبرمجة وانتشالها من وضعها الهووي االختراقي إلى وضع أك))اديمي بح))ثي تخصص))ي‪،‬‬
‫فكما تدرس نمو النبات فيمكن أن تدرس كيفية استعمال البرنامج ح))تى تص))بح ثقاف))ة الكوم))بيوتر نافع))ة‬
‫ومشاعة بين المتعلمين ‪.‬‬
‫ومن مدخل التنمية أيضا نجد ضرورة االس))تفادة من الدراس))ات والتج))ارب الس))ابقة؛ كالدراس))ة المبك))رة‬
‫لـ"باباجي))انيس وس))اند ميلت))ون" ح))ول المعلوماتي))ة والتنمي))ة‪ ،‬إذ أن المعلوماتي))ة في الت))داول المع))رفي‬
‫المفاهيمي ـ كما بينت الدراسة ـ بدت وكأنها متع))ددة وأنتجت نتيج))ة ذل))ك خطاب))ات متع))ددة في المعرف))ة‬
‫المعلوماتية‪ ،‬كتربية وتعليم‪ ،‬وتدريب‪ ،‬وبالتالي فهي خط))اب " إع))دادي وت))دريبي أو خط))اب الت))آلف م))ع‬
‫مكونات الحاسوب" ويقصد به تعليم التقنيات المعلوماتية وإدماجها ضمن البرامج التربوية‪ ،‬ففي إدراج‬
‫الحاسوب والبرامج الجاهزة كمعلم‪ ,‬يرتكز التفك))ير ح))ول تعليم كيفي))ة اس))تعمال الحاس))وب أي‪ :‬الت))دريب‬
‫المعلوماتي وإكس)اب مه)ارات التش)غيل واس)تعمال ال)برامج الج)اهزة والنمذج)ة ‪ ...‬الخ ‪ .‬وهي مه)ارات‬
‫تتعلق بمطالب العمل في مختلف القطاعات وتهيئة عامل المستقبل (أي تهيئة أو تأهيل الف))رد معلوماتي))ا‬
‫للعم))ل)‪ .‬وكم))ا بينت الدراس))ة الم))ذكورة فق))د يرتك))ز خط))اب المعلوماتي))ة في التربي))ة على مفه))وم‬
‫يتعلق باإلنتاجية ويرتبط أساسا بتعلم إنتاج البرمجة والصيانة‪ ,‬وهي معارف عملي))ة تتعل))ق ب))التحكم في‬
‫معالجة النصوص وإدارة قاع))دة البيان))ات بغ))رض زي))ادة اإلنتاجي))ة‪ ،‬وهي المه))ارات ال))تي ال تتطلب فهم‬
‫التقنية وال ترتبط بالحاسوب ذاته وهي موجهة أساسا لتنميته ‪.‬‬
‫وتبرز الدراسة اختالفات جوهرية في تجربة الواليات المتح))دة ودول أوروب))ا في تعلم المعلوماتي))ة حيث‬
‫وجد أن في الواليات المتحدة تطفو إلى السطح االعتبارات الس))يكولوجية في علم المعلوماتي))ة (إنتاجي))ة‬
‫شخصية)‪ ،‬بينما في أوربا تطفوا إلى السطح االعتبارات االجتماعية( إنتاجية اجتماعية )‪ .‬ولذلك أخ))ذت‬
‫المعلوماتية في الواليات المتحدة تتطور في سباق االحترافية تحت ضغوط عالم الشغل والصناعة‪ ,‬بينما‬
‫في أورب))ا أخ))ذت تتط))ور في س))ياق الق))رار الجم))اعي والمركزي))ة اإلداري))ة ‪ (.‬مس))تقبليات ‪ 393: 63‬ـ‬
‫‪. ) 404‬‬
‫واألم))ر ال))ذي يس))تخلص بداي))ة من ه))ذه التج))ارب أن تعلم المعلوماتي))ة لم يكن بمع))زل عن الس))ياق‬
‫االجتماعي واالقتصادي والثقافي للمجتمعات ‪.‬وهو األمر الذي يجعلنا بالضرورة أم))ام حتمي))ة التش))كيك‬
‫والتحفظ في مقولة " حيادية المعلوماتي))ة " ال س))يما في األوس))اط التربوي))ة وبالت))الي يتعين علين))ا حين‬
‫وضع السياسة التربوية إدراجها ضمن منظور التنمية الشاملة وليس مجرد التهيئة للعم))ل أو اإلنتاجي))ة‬
‫أو االحترافية الفردية‪ .‬وقد اتجه البحث في إعادة النظر في مفهوم المعلوماتي))ة في التربي))ة الس))ائدة في‬
‫ك))ل من أوروب))ا وأمريك))ا لين))درج ض))من تس))اؤالت تتس))ع إلى بحث آثاره))ا التنموي))ة كمفه))وم التح))رر‬
‫التنظيمي والمؤسسي ـ واالستقاللية الذاتية ـ االنتف))اع بالمعلوماتي))ة‪ ،‬النه))وض باإلنت))اج المحلي ‪ .‬فه))ذه‬
‫التساؤالت جديرة بالبحث واإلجابة قبل التفكير في دور اس))تعمال الحاس))وب من البداي))ة؛ ألن التطبيق))ات‬
‫التربوية للمعلوماتية أصبحت محل شك ألنها ـ ال سيما في السياق االجتم))اعي ـ ليس))ت مؤك))دة النت))ائج‪.‬‬
‫(مستقبليات ‪. ) 398 :63‬‬
‫و يتعين علين))ا في الع))الم الث))الث بحس))ب الدراس))ة الم))ذكورة‪ ،‬بحث إمكاني))ة إيج))اد الش))روط المالئم))ة‬
‫لمالءمة المفاهيم الثالثة (المعلوماتية كإعداد مه))ني‪ ,‬المعلوماتي))ة كإنتاجي))ة‪ ،‬المعلوماتي))ة كعلم نظ))ري )‬
‫لدور المعلوماتية في التربية‪ .‬وقد خلص الباحثان إلى أن مالءم))ة تل)ك المف))اهيم ألوض))اع الع))الم الث))الث‬
‫يمر حتما بالوقوف أوال على الدور التنموي الذي يتوخى من أي استدخال للمعلوماتي))ة في التربي))ة على‬
‫المستوى الفردي واالجتم))اعي‪ ,‬وال يتم ذل))ك إال بوض))ع سياس))ة وطني))ة للمعلوم))ات والمعلوماتي))ة ت))دفع‬
‫باتج)اه تربي)ة الحس النق)دي للمعلوم)ات والمع)ارف المتدفق)ة للتلقي‪ ،‬بن)اء على قي)اس آثاره)ا النفس)ية‬
‫واالجتماعي))ة واالقتص))ادية بغ))رض تهيئ))ة األجي))ال للق))درة على التص))رف اإليج))ابي في ك))ل المواق))ف‬
‫الحياتية‪ ,‬وذلك ألجل تجنب الجوانب السلبية للتجارب السابقة التي أعادت إنت)اج الجماع)ات ال)تي تفتق)ر‬
‫إلى الم))وارد في ش))كل جماع))ات تفتق))ر إلى المعلوم))ات‪( .‬مس))تقبليات ‪ 393 :63‬ـ ‪ .)404‬ومن ح))ق‬
‫الحكومات المحلية والوطنية بعدئذ أن تتوجس خيفة في الوضع الحداثي وتتردد في تموي))ل أي مش))روع‬
‫يتعلق بتط))وير كف))اءات ومه))ارات المعلوماتي))ة؛ ألنه))ا س))تؤول في النهاي))ة كاس))تثمار لص))الح الش))ركات‬
‫المتعددة الجنسيات‪ ،‬وأن فائدتها الوطنية ض)ئيلة م)ا دامت المؤسس)ات غ)ير مؤهل)ة لالس)تفادة من تل)ك‬
‫الخبرات والتقنيات الحديثة ‪.‬وهو ما يدعوها لتطوير دراساتها من مشكلة م))اذا يمكن فعل))ه وه))و س))ؤال‬
‫التكيف‪ ،‬إلى ممارسة ما يجب أن نمتنع عن فعله‪ ،‬وهو سؤال االختيار الحر ‪.‬‬
‫ذلك أدنى مما نوجه به تفكيرنا نحو تعميم تكنولوجيا المعلومات في سياق إدماج حقوق الطفل التعليمي)ة‬
‫وضمان احترام إنسانية حتى ال نزجه في حتميات ونض))عه موض))ع الحي))وان ض))من التجرب))ة الفيزيقي))ة‪،‬‬
‫ونالحق سراب الفردية أو الحرية الفردية التي يصبوا لها كبار فالس))فة الفرداني))ة حيث تكش))فت عن))دهم‬
‫منذ مدة أنها مستحيلة ما دام الفرد مشدود بما يمكن أن يس))مى بالقدري))ة التحديدي))ة الثالثي))ة‪ (،‬المج))ال‪،‬‬
‫الوراثة‪ ،‬التجربة الماضية) والتي ال تترك أي مجال للحديث عن اإلرادة الح))رة المطلق))ة كم))ا تص))وروها‬
‫في أذهانهم‪ ،‬وحسب "دوبو " فإن أية محاولة من الكومبيتر في إلغاء دور ه))ذا الثالثي ه))و عبث يض))ر‬
‫باإلنسان وال يقدمه ( دوبو ‪ .) 163 :‬وقد تأكد لـ " فروم " قبل ذلك أن ما كان صحيحا في سيكولوجية‬
‫فرويد من أن المجتم)ع ع)الم إحب)اط وقم)ع وكبت للحاج)ات الفردي)ة المح)ددة بيولوجي)ا ه)و في حقيقت)ه‬
‫مصدر للوجود اإلنساني من حيث هو السبيل للوظيفة الخالقة للفردية ( الفرويديون الجدد ‪.) 38 :‬‬
‫أما نحن أمام هذه المعطيات السيكولوجية الفردية والجماعية وأم))ام منظوماتن))ا الرمزي))ة الثقافي))ة يتعين‬
‫علينا أن نعي بأن المعلوماتية في التربية هي محصلة تطورات الفردانية‪ ،‬وأن))ه يجب أن نعي م))اذا يجب‬
‫فعله تجاهها وماذا يجب االمتناع عن فعله وندرج المعلوماتية كما لو أنها مشكلة تتعلق بإدارة العمليات‬
‫المعرفية االجتماعية (األنظمة الرمزية) والفردية (العمليات المعرفية ) على حد سواء‪ ،‬وهو م))ا يض))عنا‬
‫في سكة البحث عن شروط تحقيق الذات االستخالفية وتكوينها عبر تعلم العلم النسبي في نطاق إلحاقه‬
‫بالكلي المطلق ‪.‬وذل)ك أدنى م))ا نحمي ب))ه أنفس))نا في تفتحن))ا الض))روري على الهوي))ات األخ))رى ح))تى ال‬
‫تصبح اآلالت الذكية في غفلة منا طاحونة الذات الطبيعية والهوية االجتماعية والمج))ال الحي))وي‪ ،‬تتل))ف‬
‫عناصر الهوية الرمزية واحد تلو اآلخر‪ ،‬لتبقينا أبدا في التبعية‪.‬‬
‫وهللا أعلم‬
‫د‪ /‬فرحاتي العربي‬
‫باتنة في ‪17/02/2007‬‬

You might also like