You are on page 1of 309

‫‪1‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪2‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بس ػػـ اهلل الرحػػمف الرحيـ‬


‫المقدمة‬
‫الحمد هلل المتفرد بالكماؿ والمتنزه عف اآلثاـ ‪ ,‬أودع أسرار الييبة صدور أوليائو‬
‫وخص بمطائؼ حكمتو المصطفيف مف عممائو أحمده حمدا يميؽ بجبلؿ وجيو وعظيـ‬
‫سمطانو وأصمى عمى خيرتو مف خمقتو محمد سيد أبنائو صبلة دائمة دواـ أرضو‬
‫أما بعد‪:‬‬ ‫وسمائو‬
‫فنعـ اهلل عمى عباده ال تحصى وأفضالو ال توصؼ ىو أىؿ الثناء والعطاء‬
‫ومف اجؿ نعـ اهلل عمى عباده نعمة العدؿ فيو احد المقومات األساسية ألي‬
‫مجتمع انسانى ‪ ,‬يريد اف يعيش افراده فى سبلـ ووفاؽ يتمتع فيو كؿ ذى حؽ حقو‬
‫دوف اف ينازعو فيو او يعتدى عميو احد‬
‫ولكف النفس البشرية كثي ار ما تتجو الى االعتداء عمى حقوؽ الغير مف ارض‬
‫وماؿ او عرض لذا كاف البد مف وجود مؤسسة الدارة الدولة او ىيئة قضائية يمجأ‬
‫الييا الناس الخذ حقوقيـ ورد االعتداء الواقع عمييـ وسمطة تشريعية تختص بوضع‬
‫القوانيف لكؿ ما يستجد ‪.‬‬
‫ونظ ار ألىمية اقامة الحؽ والعدؿ فقدمت اليو الرساالت السماوية‬
‫اس‬ ‫وـ َّ‬ ‫َنزْل َنا معيـ اْل ِكتَاب واْل ِم َيز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬ ‫اف ل َيقُ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫قاؿ تعالى "لَقَ ْد أ َْر َسْم َنا ُر ُسمََنا باْل َبي ٍَّنات َوأ َ َ َ ُ ُ‬
‫َّ‬ ‫يد و َم َن ِافعُ لِ َّمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنزْل َنا اْلح ِد َ ِ ِ‬ ‫بِاْل ِق ْس ِط َوأ َ‬
‫نص ُرهُ َوُر ُسمَوُ‬‫اس َولِ َي ْعمَ َـ الموُ َمف َي ُ‬ ‫ْس َشد ٌ َ‬ ‫يد فيو َبأ ٌ‬ ‫َ‬
‫بِاْل َغ ْي ِب إِ َّف المَّوَ قَ ِو ٌّ‬
‫ي َع ِز ٌيز"‬
‫اح ُك ْـ َب ْي َف النَّ ِ‬
‫اس‬ ‫ض فَ ْ‬ ‫ؾ َخمِيفَةً ِفي ْاأل َْر ِ‬ ‫ود إَِّنا َج َعْم َنا َ‬
‫وقاؿ تعالى ايضا " َيا َد ُاو ُ‬
‫يؿ المَّ ِو لَيُ ْـ‬
‫وف َع ْف سبِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ ُّ‬
‫يف َيضم َ‬
‫َِّ‬ ‫ؾ عف سبِ ِ َّ ِ‬
‫يؿ المو ۚ ِإ َّف الذ َ‬
‫ِ َّ‬
‫ؽ َوَال تَتَّبِ ِع اْليَ َو ٰى فَُيضم َ َ ْ َ‬ ‫بِاْل َح ٍّ‬
‫اب‪".‬‬‫يد بِما َن ُسوا َيوـ اْل ِح َس ِ‬ ‫ع َذ ٌ ِ‬
‫َْ‬ ‫اب َشد ٌ َ‬ ‫َ‬
‫فقد امر اهلل – عز وجؿ‪ -‬نبيو محمد ‪ ‬بالعدؿ‬
‫‪3‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ت بِ َما أ َْن َز َؿ‬‫َم ْن ُ‬ ‫تَتَّبِ ْع أ ْ‬ ‫ؾ فَ ْادعُ واستَِقـ َكما أ ِ‬ ‫قاؿ تعالى " َفمِ َذلِ َ‬
‫اء ُى ْـ َوُق ْؿ آ َ‬
‫َى َو َ‬ ‫ت َوَال‬ ‫ُم ْر َ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫َّ‬ ‫َع ِد َؿ ‪ ...‬لََنا أ ْ‬ ‫ت ِأل ْ‬ ‫اب وأ ِ‬‫َّ ِ ِ ٍ‬
‫َع َمالُ ُك ْـ َال ُح َّجةَ َب ْي َن َنا َوَب ْي َن ُك ُـ الموُ‬
‫أْ‬ ‫َع َمالَُنا َولَ ُك ْـ‬ ‫ُم ْر ُ‬ ‫الموُ م ْف كتَ َ‬
‫ص ُير ("‬ ‫ي ْجمع ب ْي َن َنا وِالَْي ِو اْلم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََُ َ‬
‫َف‬ ‫وقد امر اهلل عز وجؿ ايضا عباده باقامة العدؿ "قاؿ تعالى َّ َّ‬
‫ْم ُرُك ْـ أ ْ‬ ‫اف الموَ َيأ ُ‬
‫َف تَ ْح ُك ُموا بِاْل َع ْد ِؿ ۚ إِ َّف المَّوَ نِ ِع َّما‬ ‫اس أ ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫َىمِيَا َوِا َذا َح َك ْمتُ ْـ َب ْي َف َّ‬ ‫ات إِلَ ٰى أ ْ‬ ‫تُؤُّدوا ْاألَم َان ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ير" ‪.‬‬‫ص ًا‬‫ي ِعظُ ُكـ بِ ِو ۚ إِ َّف المَّو َكاف س ِميعا ب ِ‬
‫َ َ َ ً َ‬ ‫َ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫وى ُك ْـ ع ْن َد ُك ٍّؿ َم ْس ِجد َو ْاد ُعوهُ‬ ‫يموا ُو ُج َ‬ ‫َم َر َربٍّي باْلق ْسط َوأَق ُ‬ ‫وقاؿ عز وجؿ " ُق ْؿ أ َ‬
‫وف "‪.‬‬ ‫يف لَوُ ٍّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ود َ‬ ‫يف َك َما َب َدأَ ُك ْـ تَ ُع ُ‬ ‫الد َ‬ ‫ُم ْخمص َ‬
‫والعدؿ الذى امر اهلل بو ىوالعدؿ الجرد عف اليوي او لوجود قرابة او عداوة ‪,‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ام ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫آف قَ ْوٍـ‬ ‫يف لمّو ُشيَ َداء بِاْلق ْسط َوالَ َي ْج ِرَمَّن ُك ْـ َش َن ُ‬ ‫ونوْا قَ َّو َ‬ ‫آمُنوْا ُك ُ‬ ‫يف َ‬ ‫قاؿ تعالى( َيا أَُّييَا الذ َ‬
‫ب لِمتَّ ْق َوى َواتَّقُوْا المّوَ إِ َّف المّوَ َخبِ ٌير بِ َما تَ ْع َممُوف(‬ ‫عمَى أَالَّ تَع ِدلُوْا ْ ِ‬
‫اعدلُوْا ُى َو أَ ْق َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫امي َف لِمّ ِو ُشيَ َداء بِاْل ِق ْس ِط َوالَ َي ْج ِرَمنَّ ُك ْـ‬
‫ونوْا قَ َّو ِ‬‫آمُنوْا ُك ُ‬ ‫يف َ‬
‫َِّ‬
‫وقاؿ تعالى ايضا "أَُّييَا الذ َ‬
‫ب لِمتَّ ْق َوى َواتَّقُوْا المّوَ إِ َّف المّوَ َخبِ ٌير بِ َما‬ ‫َش َنآف قَوٍـ عمَى أَالَّ تَع ِدلُوْا ْ ِ‬
‫اعدلُوْا ُى َو أَ ْق َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫وف"‪" .‬‬ ‫تَ ْع َممُ َ‬
‫فقػػد أمػػر اهلل سػػبحانو وتعػػالى بالعػػدؿ ‪ ,‬وأمػػر والة أمػػر المسػػمميف أف يحكمػوا بػػيف‬
‫النػاس بالعػدؿ ‪ ,‬كمػا جػػاءت نصػوص الشػريعة اإلسػبلمية بالحػػث عمػى تحقيػؽ العدالػػة‬
‫بيف الناس ‪ ,‬ال فرؽ بيف غني وفقير ‪ ,‬وال بيف المسمـ وغير المسػمـ ‪ ,‬فتحقيػؽ العػدؿ‬
‫بيف الناس ىو مف سمات األمة اإلسبلمية‬
‫‪4‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬ولقد كػاف النبػي صػمى اهلل عميػو وسػمـ والخمفػاء ال ارشػديف‪ -‬رضػواف اهلل عمػييـ‪-‬‬
‫ترجمػػة فعميػػة لتحقيػػؽ العػػدؿ والحػػرص عميػػو ‪ ,‬وض ػربوا نموذج ػاً يحتػػذى بػػو ‪ ,‬وسػػبقوا‬
‫(ٔ)‬
‫جميع األمـ حتى اآلف في إنصاؼ الناس ‪ ,‬ودفعاً ألي ظمـ يقع عمييـ ‪.‬‬

‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬

‫تاريخ الخمفاء لجبلؿ الديف بف عبد الرحمف السيوطي صٗ‪ ٙ‬ػ ط مطبعة السعادة " المكتبة التجارية "‬ ‫(ٔ)‬
‫مصر ػ سنة ٔ‪ٖٔٚ‬ىػ ػ ٕ٘‪ٜٔ‬ـ ػ تحقيؽ ‪ /‬محمد محيى الػديف عبػد الحميػد ‪ ,‬األمػواؿ ألبػى عبيػد ابػف‬
‫القاسـ ػ صٕٔ ػ ط دار الفكر ػ بيروت ػ دٓت ٓ‬
‫‪5‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث التمييدي‬

‫تعريؼ نظاـ الحكـ وتاريخو وقواعده‬

‫المطمب االوؿ ‪ :‬تعريؼ نظاـ الحكـ‬

‫النظاـ في المغة‪:‬‬

‫النظاـ (بالكسر) ىو‪ :‬الترتيب واالتٍّساؽ والتَّأليؼ‪ ,‬وأصمو‪ :‬الخيط الذي ُين َ‬
‫ظـ فيو‬ ‫ٍّ‬
‫مت األمر فانتَظَـ؛ أي‪ :‬أقمتُو فاستَقاـ‪ ,‬وىو عمى ٍ‬
‫نظاـ واحد؛ أي‪ :‬نيج‬ ‫المؤلؤ‪.‬ونظَ ُ‬
‫غير ُمختمَؼ فيو‬

‫النظاـ في االصطالح‪:‬‬

‫شعب ما عمى أنيا واجبةُ‬


‫ٌ‬ ‫طمَ َح‬
‫عرفَو البعض بأنو‪" :‬مجموعة األحكاـ التي اص َ‬ ‫َّ‬
‫المشتََركة في ىذا الشعب"‬
‫االحتراـ وواجبةُ التنفيذ؛ لتنظيـ الحياة ُ‬
‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬

‫ٔ‪"-‬لساف العرب"؛ المحيط البف منظور‪ ,‬إعداد وتصنيؼ‪ :‬يوسؼ الخياط‪ ,‬دار لساف العرب بيروت‪ ,‬جٖ‬
‫ص‪ ,ٙٙٚ‬و"المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لمرافعي"؛ تأليؼ أحمد بف محمد المقري الفيومي‬
‫المتوفى ٓ‪ ٚٚ‬ىػ‪ ,‬ط‪ .‬الخامسة‪ ,‬األميرية‪ٜٕٕٔ ,‬ـ ص ٔٗ‪.ٛ‬‬

‫ٕ "المعجـ الوسيط" الصادر عف مجمع المغة العربية بمصر‪ ,‬ط‪ٖٔٛٔ .‬ىػ‪ٜٔٙٔ ,‬ـ‪ ,‬جٕ صٔٗ‪ ,ٜ‬وفيو‪:‬‬
‫نظاـ األمر‪ :‬قوامو وعماده‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬الدكتور محمد عبداهلل العربي‪" :‬نظاـ الحكـ في اإلسبلـ"‪ ,‬طبعة بيروت‪ ,‬بتقديـ الشيخ‪ :‬محمد المبارؾ‪,‬‬
‫صٕٔ‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫اما اذا خصصنا وقمنا نظاـ الحكـ في اإلسبلـ فنقصد بذلؾ‪ :‬األحكاـ المنظٍّمة‬
‫در عنيـ الفساد‪,‬‬‫وي َأ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫السياسية‪ ,‬وتدبير أىؿ اإلسبلـ بما ُيصمح أحواليـ‪َ ,‬‬ ‫لمسُّمطة‬
‫ظاميـ في شتَّى‬ ‫ِ‬ ‫فيو جزٌء ِم َف السياسة الشر َّ‬
‫عية‪.‬فاإلسبلـ عقيدةُ المسمميف ون ُ‬
‫صبلح‬
‫الرضا بيا؛ ففيو َ‬
‫االنقياد ليا و ٍّ‬
‫ُ‬ ‫ويجب الخضوعُ ألحكامو و‬
‫ُ‬ ‫جوانب الحياة‪,‬‬
‫حاليـ في ُدنياىـ وأُخراىـ‪.‬‬

‫قاؿ الدكتور محمد عبداهلل العربي‪" :‬نقصد بنظاـ الحكـ اإلسبلمي تمؾ األصوؿ‬
‫ضيا القرآف و َّ‬
‫السنة في تنظيـ شؤوف الحكـ‪ ,‬تمؾ األصوؿ‬ ‫فر َ‬ ‫والمبادئ َّ‬
‫الكمية التي َ‬
‫مستقيما‪ ,‬في ضوء ظروؼ‬
‫ً‬ ‫والمبادئ التي طُبٍّقت في صدر اإلسبلـ تطبيقًا و ًّ‬
‫اقعيا‬
‫أف سار ىذا التطبيؽ‬
‫البيئة ومقتضيات العصر‪ ,‬ثـ حدث في العصور التالية ْ‬
‫ٍ‬
‫استقامة في أقمو (ٔ)‪.‬‬ ‫بيف انح ار ٍ‬
‫ؼ في أكثره‪ ,‬و‬

‫اإلسبلمية مجموعةُ األحكاـ التي رتََّبيا اإلسبلـ لمفرد والمجتمع والدولة في‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫فالنظُـ‬
‫األمة‬
‫فإف الحكـ الذي تقتضيو حاجة َّ‬ ‫تقدـ َّ‬ ‫وبناء عمى ما َّ‬
‫ً‬ ‫جميع ُشؤوف الحياة؛‬
‫يكوف سياسة شر َّ‬
‫عية ُمعتَبرة بشرطيف‪:‬‬

‫األوؿ‪ :‬اتٍّفاقو مع مقاصد الشريعة‪ ,‬واعتماده عمى أصوليا وقواعدىا َّ‬


‫الكمية‪ ,‬تمؾ‬
‫القواعد واألصوؿ التي ال تقبؿ التبديؿ أو التغيير‪ ,‬وال تختمؼ باختبلؼ األمـ‬
‫والعصور‪.‬‬

‫ػػػػػػػػػ‬

‫ٔ‪ -‬الدكتور محمد عبداهلل العربي‪" :‬نظاـ الحكـ في اإلسبلـ" ص ٕٕ‪,‬‬


‫‪7‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والثاني‪ :‬أال ي ِ‬
‫ناقض مناقضةً حقيقيَّةً دليبلً تفصيميًّا ًّ‬
‫عاما جاء في القُرآف أو السنة‬ ‫ُ‬
‫معا‪ ,‬أو أجمع المسمموف عمى خبلفو (ٔ)‪.‬‬ ‫أو فييما ً‬

‫َّ‬
‫اإلسبلمية بما يكفؿ تحقيؽ‬ ‫العامة لمدولة‬ ‫عية فيي تدبير ُّ‬
‫الشؤوف َّ‬ ‫أماَ السياسة الشر َّ‬
‫مما ال َّ‬
‫يتعدى حدود الشريعة وأصوليا الكمية‪ ,‬وا ْف لـ‬ ‫المصالح ود ْفع المضار‪َّ ,‬‬
‫األئمة المجتيديف‪ ,‬وا َّف اإلسبلـ جاء في َمجاؿ الحكـ بمبادئ َّ‬
‫كمية‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫يتَّفؽ وأقوا َؿ‬
‫نظاما تفصيميًّا في شكؿ الحكومات‪ ,‬أو طريقة تنظيـ ُسمطتيا أو‬ ‫ً‬ ‫فمـ يعرض‬
‫ُس ِ‬
‫س الثابتة‪ ,‬تارًكا تطبيقاتيا التفصيمية‬ ‫بوضع األ ُ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫كيفية اختيار الحاكـ‪ ,‬واكتفى‬
‫عصر بما ُيحقٍّؽ صالح المجتمع‬
‫ٍ‬ ‫األمة في ٍّ‬
‫كؿ‬ ‫وظروؼ َّ‬
‫َ‬ ‫تتطور‬
‫َّ‬ ‫والجزئية‬
‫اإلسبلمي"‬

‫أف‪ :‬نظاـ الحكـ في اإلسبلـ ىو الفرع الفقيي الذي ُي ٍّ‬


‫حدد معالـ‬ ‫ونخمص إلى َّ‬
‫َّ‬
‫اإلسبلمية‪ ,‬وأساس‬ ‫فيبيٍّف لنا نشأة الدولة‬ ‫َّ‬
‫اإلسبلمية‪ُ ,‬‬ ‫النظاـ السياسي لمدولة‬
‫السمطة فييا‪ ,‬وأنواع السمطات‪ ,‬وحقوؽ األفراد وحرَّياتيـ في ضوء مبادئ اإلسبلـ‬
‫العامة وأدلتو الفر َّ‬
‫عية‪.‬‬ ‫وتعاليمو الكمية ومقاصده َّ‬

‫ػػػػػػػػػ‬

‫ٔ‪ -‬جاد الحؽ عمي جاد الحؽ شيخ األزىر‪" :‬بحث عف الفقو اإلسبلمي"‪ ,‬منشور في سمسمة دراسات في‬
‫الحضارة اإلسبلمية ‪ ,‬طبعة الييئة العامة لمكتاب بمصر‪ ,‬المجمد الثالث ص‪ٕٜٙ.‬‬

‫ٕ‪ -‬الشيخ عبدالوىاب خبلؼ‪" ,‬السياسة الشرعية" صٕٓ‪ ,‬ونفس المعنى في "السياسة الشرعية"؛ لمحمد البنا‬
‫صٗ‪ ,‬و"السياسة الشرعية"؛ لعبدالرحمف تاج ص‪ٔٓٛ‬‬
‫‪8‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثاني‬

‫نظاـ الحكـ قبؿ االسبلـ‬

‫لـ يكف لمعرب نوع مف الحكومات المعروفة اآلف ‪ ,‬ولـ يكف ليـ قضاء‬
‫يحتكموف إليو ‪ ,‬أو جياز أمف يقر النظاـ ويحافظ عميو ‪ ,‬وال حتى جيش يد أر‬
‫عنيـ األخطار الخارجية ‪ ,‬ولـ يكف ثمة سمطة تضرب عمى أيدي المعتديف ‪,‬‬
‫الم ْعتَ َدى عميو يثأر لنفسو بنفسو‬
‫وتوقع العقاب عمى المجرميف ‪ .‬وانما كاف الرجؿ ُ‬
‫‪ ,‬وعمى قبيمتو أف تشد أزره (ٔ) ‪.‬‬
‫ومما يؤكد الفراغ السياسي الذي كانت تعيشو العرب ما يمي ‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬ما حدث عندما جاء أبرىة األشرـ ليدـ الكعبة وأرسؿ إلى مكة يسأؿ‬
‫عف سيدىا وشريفيا فأخبر بأنو عبد المطمب بف ىاشـ ‪ ,‬فمما جاء عبد‬
‫المطمب إلى أبرىة أجمو وأكرمو وأجمسو معو عمى بساطو ‪ ,‬ثـ قاؿ‬
‫لترجمانو ‪ :‬قؿ لو ‪:‬حاجتؾ ؟‬
‫قاؿ عبد المطمب ‪ :‬حاجتي أف يرد عمي الممؾ مائتي بعير أصابيا لي ‪.‬‬
‫قاؿ أبرىة ‪ :‬لقد كنت أعجبتني حيف رأيتؾ ‪ ,‬ثـ قد زىدت فيؾ لما كممتني‬
‫‪ ,‬أتكممني في مائتي بعير أصبتيا لؾ وتترؾ بيتاً ىو دينؾ وديف آبائؾ‬
‫وأجدادؾ قد جئت ألىدمو ال تكممني فيو ؟‬
‫قاؿ عبد المطمب ‪ :‬إني أنا رب اإلبؿ ‪ ,‬واف لمبيت رباً سيمنعو ‪.‬‬
‫قاؿ أبرىة ‪ :‬ما كاف ليمنع مني ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪:‬حسف إبراىيـ حسف ‪ ,‬تاريخ اإلسبلـ السياسي والديني والثقافي واالجتماعي ٔ‪. ٕ٘,ٖ٘ /‬‬
‫‪9‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(ٔ)‬
‫قاؿ عبد المطمب ‪ :‬أنت وذاؾ ‪ ..‬فرد عمى عبد المطمب اإلبؿ ‪.‬‬
‫ولكف اهلل سبحانو وتعالى حمى بيتو مف كيد الكائديف كما قاؿ سبحانو‬
‫(ٕ)‬
‫{ ألـ تر كيؼ فعؿ ربؾ بأصحاب الفيؿ ‪} ...‬‬
‫‪ ,‬ولـ يصنع أىؿ مكة شيئاً لمدفاع عف ىذا البيت ‪ ,‬ولو كاف ىناؾ سمطة‬
‫سياسية في الببلد لقامت بشيء مف ذلؾ لرده عف قصده ‪ ,‬ألف ىذا البيت‬
‫الذي جاء لييدمو لو مكانة عمية في نفوس أىؿ مكة ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬الخبلؼ في وضع الحجر األسود عند تجديد بناء الكعبة ‪ ,‬حيث قرر‬
‫المتنازعوف أف يحكـ بينيـ أوؿ داخؿ عمييـ مف باب الحرـ ‪ ,‬فكاف‬
‫الداخؿ ىو رسوؿ اهلل (‪. )ٖ()‬‬

‫ولو كاف ىناؾ ثمة سمطة سياسية في الببلد لكانت ىي المرجع في مثؿ‬

‫ىذه المنازعة ‪.‬‬

‫فقد كاف النظاـ القبمي ىو السائد ‪ ,‬وكانت كؿ قبيمة أو عشيرة تؤلؼ‬

‫جماعة منفصمة مستقمة تماـ االستقبلؿ ‪ ,‬واذا ما تضخمت قبيمة تشعبت‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر تفصيؿ القصة وتماميا عند ابف كثير في البداية والنياية ٕ‪. ٔٚٙ-ٔٚٓ/‬‬
‫(ٕ) سورة الفيؿ ‪ ,‬اآلية األولى ‪.‬‬
‫(ٖ) انظر تفصيؿ القصة عند ابف ىشاـ في السيرة النبوية ٔ‪ٜٜٔ-ٜٕٔ/‬‬
‫‪11‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فروعاً كثيرة (ٔ) ‪ ,‬يتمتع كؿ منيا بحياة منفصمة ووجود مستقؿ ‪ ,‬وال تتحد إال‬
‫اد ٍة ‪ ,‬اشتراكاً في الدفاع عف القبيمة أو قياماً بغارات بالغة‬
‫في ظروؼ غير ُم ْعتَ َ‬
‫الخطورة(ٕ)‪.‬‬

‫ولكف ىذه القبائؿ العربية ال تخمو مف نوع مف العبلقة فيما بينيا مف أمثمتيا‬
‫االحبلؼ والجوار وبيانيا فيما يمي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬األحالؼ‬

‫ِ‬
‫الحمؼ ‪ :‬العيد يكوف بيف القوـ ‪ ,‬وقد حالفو أي ‪ :‬عاىده ‪ ,‬وتحالفوا أي ‪:‬‬
‫تعاىدوا (ٖ) ‪ .‬وىو نوع مف العبلقة بيف القبائؿ العربية ‪ ,‬وىو في األصؿ‬
‫المعاقدة والمعاىدة عمى التعاضد والتساعد والتناصر (ٗ)‪.‬‬

‫وأحبلؼ الجاىمية منيا ما ىو عمى الخير ومنيا ما ىو عمى الشر ‪ ,‬فما‬


‫كاف منيا عمى الخير فقد زاده اإلسبلـ توثيقاً ‪ ,‬وما كاف منيا عمى الشر فقد‬
‫أبطمو اإلسبلـ ونقضو ‪ .‬ففي حديث جبير بف مطعـ عف أبيو (رضي اهلل عنو)‬
‫قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل (‪(( : )‬الحمؼ في اإلسبلـ‪ ,‬وأيما حمؼ كاف في‬
‫الجاىمية لـ يزده اإلسبلـ إال شدة ))(٘) ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) وىو ما يعرؼ بالفصيمة ‪ ,‬ثـ ِ‬
‫العمارة ‪ ,‬ثـ البطف ‪ ,‬ثـ الفخذ ‪( .‬الجوىري ‪ ,‬الصحاح ٕ‪ ٘ٙٛ/‬ـ‬
‫(ٕ) أرنولد ‪ ,‬الدعوة إلى اإلسبلـ ص ٕ٘‪ ٘ٔ,‬ترجمة حسف إبراىيـ حسف وآخريف ‪.‬‬
‫(ٖ) الجوىري ‪ ,‬الصحاح ٗ‪ , ٖٔٗٙ/‬مادة [حمؼ] ‪.‬‬
‫(ٗ) انظر ‪ :‬الزبيدي ‪ ,‬تاج العروس ٗ ‪. ٚ٘ /‬‬
‫(٘) أخرجو مسمـ في صحيحو ‪ ,‬كتاب فضائؿ الصحابة ٗ ‪. ٜٔٙٔ /‬‬
‫‪11‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫في ىذا الحديث (ال حمؼ في اإلسبلـ) المراد بو حمؼ التوارث ‪ ,‬والحمؼ‬
‫عمى ما منع الشرع منو ‪ .‬أما حمؼ التعاوف عمى البر والتقوى ‪ ,‬واقامة الحؽ ‪,‬‬
‫فيذا ىو الذي أقره اإلسبلـ وزاد في توثيقو (ٔ) ‪.‬‬

‫‪ -2‬الجوار‬

‫الجوار ىو الحماية والمنعة لممستجير(ٕ) ‪ .‬وكانوا في الجاىمية بعضيـ‬


‫يجير عمى بعض ‪ ,‬ولـ يكف الجوار عد الجاىمي مقصو اًر عمى الحماية مف الظمـ‬
‫‪ ,‬بؿ يتعدى بيـ األمر إلى إجارة الظالميف ‪.‬‬

‫وقد أقر اإلسبلـ الجوار ولكف ليس عمى طريقة الجاىمية‪ ,‬بؿ لغايات نبيمة‬
‫وأىداؼ سامية كإجارة المشركيف كي يسمعوا القرآف ‪ ,‬فإهلل سبحانو قاؿ لنبيو‬
‫محمد (‪ { : )‬واف أحد مف المشركيف استجارؾ فأجره حتى يسمع كبلـ اهلل ثـ‬
‫أبمغو مأمنو ذلؾ بأنيـ قوـ ال يعمموف }(ٖ)‪ .‬بمعنى ‪ :‬واف أحد مف المشركيف‬
‫الذيف أمرت بقتاليـ يامحمد طمب منؾ األماف فأجبو إلى طمبو حتى يسمع القرآف‬
‫(ٗ)‬
‫ويتعمـ شيئاً مف الديف‪ ,‬وىو آمف مستمر األماف حتى يرجع إلى ببلده ومأمنو‬
‫‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر النووي ‪ ,‬شرح صحيح مسمـ ‪. ٕٛ / ٔٙ‬‬
‫(ٕ) انظر ‪ :‬الجوىري ‪ ,‬الصحاح ٕ‪ ٙٔٛ /‬مادة [جور] ‪ .‬وابف منظور ‪ ,‬لساف العرب ٗ‪ , ٔ٘ٗ /‬مادة‬
‫[جور] ‪ .‬والشوكاني ‪ ,‬فتح القدير ٕ ‪. ٖٖٛ /‬‬
‫(ٖ) سورة التوبة ‪ ,‬اآلية ‪. ٙ‬‬
‫(ٗ) انظر ‪ :‬ابف كثير ‪ ,‬تفسير القرآف العظيـ ٕ‪ . ٖٖٛ/‬والسعدي ‪ ,‬تيسير الكريـ الرحمف في تفسير كبلـ‬
‫المناف ٖ‪. ٕٓٔ/‬‬
‫‪12‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(ٔ)‬
‫كما أف رسوؿ اهلل (‪ )‬قد أجار عاـ الفتح رجبلً مف المشركيف‬
‫استجاروا بأـ ىانيء ‪ ,‬لما دخؿ عمييا أخوىا عمي بف أبي طالب (رضي اهلل‬
‫عنو) يريد قتمو ‪.‬‬

‫وفي المقابؿ فإف الشرع اإلسبلمي قد جاء بالتيديد والوعيد لمف يجير‬
‫المجرميف والمحدثيف ‪ ,‬ألف في ذلؾ إعانة ليـ عمى الظمـ والفساد‪ ,‬فعف عمي بف‬
‫ٕ‬
‫أبي طالب (رضي اهلل عنو) عف النبي (‪ )‬قاؿ ‪(( :‬لعف اهلل مف لعف والده( )‪,‬‬
‫ولعف اهلل مف ذبح لغير اهلل‪ ,‬ولعف اهلل مف آوى محدثاً‪ ,‬ولعف اهلل مف غير منار‬
‫(ٖ)‬
‫‪ ,‬والمحدث ىنا ىو المجرـ الذي يفسد في األرض فقد حقت المعنة‬ ‫األرض))‬
‫عمى مف يحميو وينصره‪ ,‬لذا فإف الشرع اإلسبلمي المطير ال يقر إجارة‬
‫المجرميف وحمايتيـ مف إقامة العدؿ فييـ ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) قاؿ ابف ىشاـ في السيرة ٕ ‪ : ٗٔٔ /‬ىما الحارث بف ىشاـ ‪ ,‬وزىير بف أبي أُميَّة بف المغيرة ‪.‬‬
‫(ٕ) وفي رواية (والديو) وىو باإلفراد يعـ أي ف الوالديف ‪.‬‬
‫(ٖ) أخرجو مسمـ ‪ ,‬كتاب األضاحي ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٜٔٚٛ‬‬
‫‪13‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثالث‬

‫قواعد نظاـ الحكـ في اإلسالـ‬

‫أوالً ‪ :‬الشورى‬

‫الشورى في المغة ‪ :‬مف شور ‪ ,‬يقاؿ ‪ :‬أشار إليو باليد ‪ :‬أومأ ‪ ,‬وأشار عميو‬
‫ت الدابة‬
‫وش ْر ُ‬
‫الش َارةُ ‪ :‬المباس والييئة ‪ُ .‬‬
‫الش َو ُار و َ‬
‫بالرأي‪ ,‬والشوار ‪ :‬متاع البيت ‪ .‬و َ‬
‫(ٔ)‬
‫َش ْو اًر ‪ :‬عرضتيا لمبيع ‪.‬‬

‫الشورى في االصطبلح ‪ :‬ىي اإلشارة باآلراء ومداولتيا ‪ ,‬لموصوؿ إلى األصمح‬


‫في أمر مف األمور ‪.‬‬

‫أىمية الشورى في النظاـ اإلسالمي‬

‫لمشورى في النظاـ اإلسبلمي أىمية عظيمة ‪ ,‬فيي قاعدة مف قواعد نظاـ الحكـ‬
‫في اإلسبلـ ‪ ,‬ويدؿ عمي أىمية الشوريما يمي ‪:‬‬

‫(ٔ) قد أمر سبحانو وتعالى بيا نبيو محمداً (‪ )‬في قولو تعالي {فبما رحمة‬
‫مف اهلل لنت ليـ ولو كنت فظاً غميظ القمب النفضوا مف حولؾ فاعؼ عنيـ‬

‫ــــــــ ـ‬

‫(ٔ) انظر ‪ :‬د ‪ .‬سميماف بف قاسـ العيد النظاـ السياسي االسبلمي ص ٕٔ‬
‫ٕ) الجوىري ‪ ,‬الصحاح ‪ , ٚٓٗ/ٕ ,‬مادة [شور] ‪ .‬وابف منظور ‪ ,‬لساف العرب ٗ‪ , ٖٗٚ-ٖٗٗ/‬مادة‬
‫[شور] ‪ .‬والفيروز أبادي ‪ ,‬القاموس المحيط ٕ‪. ٙ٘/‬‬
‫‪14‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫واستغفر ليـ وشاورىـ في األمر فإذا عزمت فتوكؿ عمى اهلل إف اهلل يحب‬
‫(ٔ)‬
‫المتوكميف}‬

‫(ٕ) سميت بيا سورة مف القرآف الكريـ ‪ ,‬وفييا أثنى اهلل سبحانو وتعالى عمى‬
‫عباده المؤمنيف الذيف اتصفوا بجممة مف الصفات ومنيا (الشورى) فيما بينيـ ‪,‬‬
‫كما في قولو سبحانو {والذيف يجتنبوف كبائر اإلثـ والفواحش واذا ما غضبوا ىـ‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫يغفروف‪ .‬والذيف استجابوا لربيـ وأقاموا الصبلة وأمرىـ شورى بينيـ}‬

‫وىذه السورة سورة مكية وىذا دليؿ عمى أف الشورى ليست ميمة لمدولة فحسب‬
‫بؿ ىي ميمة ألي جماعة كانت صغيرة أو كبيرة ‪.‬‬

‫(ٕ) لـ يتركيا الرسوؿ (‪ )‬ولـ يغفؿ عنيا ‪ ,‬مع كماؿ عقمو‪ ,‬ورجاحة رأيو‬
‫‪ ,‬وىو المؤيد بالوحي مف اهلل سبحانو وتعالى ‪ ,‬فيو الذي ال ينطؽ عف‬
‫اليوى إف ىو وحي يوحى ‪ ,‬ومع ىذا كمو كاف يشاور أصحابو ‪ ,‬فيذا‬
‫ىو المنيج القويـ ‪ ,‬والطريؽ المستقيـ ‪ ,‬في إدارة الجماعات واتخاذ‬
‫الق اررات ‪ ,‬بؿ كاف الرسوؿ (‪ )‬أكثر الناس مشورة ألصحابو ‪ ,‬كما‬
‫ورد في سنف الترمذي مف حديث أبي ىريرة (رضي اهلل عنو) قاؿ ‪(( :‬‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫ما رأيت أحدا أكثر مشورة ألصحابو مف رسوؿ اهلل ‪))‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة آؿ عمراف ‪ ,‬اآلية ‪. ٜٔ٘‬‬
‫(ٕ) سورة الشورى ‪ ,‬اآليتاف ‪. ٖٛ , ٖٚ‬‬
‫(ٖ) كتاب الجياد ‪ ,‬حديث رقـ ٗٔ‪. ٔٚ‬‬
‫‪15‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشورى عند رسوؿ اهلل (‪)‬‬

‫و لما كاف رسوؿ اهلل ((‪ )‬أكثر الناس مشورة ألصحابو ‪ -‬كما في‬
‫الحديث المذكور ‪ -‬فقد كاف عميو الصبلة والسبلـ يشاورىـ في أمور كثيرة عامة‬
‫وخاصة ‪ ,‬ويشاورىـ جماعات وأفراداً ‪ ,‬ويخص منيـ أولي الفضؿ ‪ ,‬كما في‬
‫قولو ألبي بكر وعمر (رضي اهلل عنيما) ‪(( :‬لو اجتمعتما في مشورة ما‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫خالفتكما))‬

‫وىناؾ نماذج كثيرة استشار فييا الرسوؿ ‪ ‬منيا ‪-:‬‬


‫إف المتتبع ليدي المصطفى (‪ )‬في مشاورتو ألصحابو (رضي اهلل عنيـ)‬
‫‪ ,‬يجد أف الرسوؿ ((‪ )‬يأخذ برأي الغالبية حتى ولو كاف رأيو مخالفاً ليـ ‪ ,‬فيما‬
‫ليس فيو وحي مف اهلل سبحانو وتعالى ‪ ,‬ومف ىذه المواقؼ ما يمي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬نزوؿ الرسوؿ (‪ )‬عمى مشورة أصحابو لو في الخروج إلى المشركيف يوـ‬
‫أحد ‪ ,‬وكاف يرى البقاء في المدينة ‪ .‬فمما عمـ الناس بنزوؿ الرسوؿ ((‪ )‬عمى‬
‫رأييـ ندموا وقاؿ ‪(( :‬استكرىنا رسوؿ اهلل (‪ ,‬ولـ يكف لنا ذلؾ )) فمما خرج‬
‫عمييـ رسوؿ اهلل (‪ )‬قالوا لو ‪(( :‬يا رسوؿ اهلل ‪,‬استكرىناؾ ولـ يكف لنا ذلؾ ‪,‬‬
‫فإف شئت فاقعد صمى اهلل عميؾ ‪ ,‬فقاؿ رسوؿ اهلل (‪ :(‬ما ينبغي لنبي لبس‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫المتو أف يضعيا حتى يقاتؿ ))‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) مسند اإلماـ أحمد ‪ ,‬حديث رقـ ٖٖ٘‪ٔٚ‬‬
‫(ٕ) ابف ىشاـ ‪ ,‬السيرة النبوية ٕ‪. ٖٙ/‬‬
‫‪16‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ٕ‪ -‬في غزوة الخندؽ لما ىـ رسوؿ اهلل (‪ )‬بعقد الصمح بينو وبيف غطفاف‬
‫(ٔ)‬
‫واستشار فيو بعض أصحابو ‪ ,‬فأشاروا عميو بتركو فتركو ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬نزولو عند رأي األغمبية مف أصحابو في أسارى بدر ‪ ,‬حيث قاؿ رسوؿ اهلل‬
‫((‪ )‬ألبي بكر وعمر ‪(( :‬ما تروف في ىؤالءاألسارى؟)) فقاؿ أبو بكر‪ :‬يا نبي‬
‫اهلل ىـ بنو العـ والعشيرة ‪ ,‬أرى أف تأخذ منيـ فدية فتكوف لنا قوة عمى الكفار ‪,‬‬
‫فعسى اهلل أف ييدييـ لئلسبلـ ‪ .‬فقاؿ رسوؿ اهلل ((‪(( : )‬ما ترى يا ابف‬
‫الخطاب؟)) قمت ‪ :‬ال واهلل يا رسوؿ اهلل ‪ ,‬ما أرى الذي رأى أبو بكر ‪ ,‬ولكني‬
‫أرى أف تمكنا فنضرب أعناقيـ ‪ ,‬فتمكف عميا مف عقيؿ فيضرب عنقو وتمكني‬
‫(ٕ)‬
‫مف فبلف نسيبا لعمر فأضرب عنقو ‪ ,‬فإف ىؤالء أئمة الكفر وصناديدىا ‪.‬‬

‫وكانت األغمبية ترى رأي أبي بكر الصديؽ (رضي اهلل عنو) فأخذ رسوؿ اهلل‬
‫((‪ )‬بيذا الرأي ‪.‬‬

‫ىذه المواقؼ وغيرىا مف مواقؼ رسوؿ اهلل ((‪ )‬ومواقؼ الخمفاء الراشديف‬
‫(رضي اهلل عنيـ) وبقية األئمة تدؿ داللة واضحة عمى وجوب العمؿ بنتيجة‬
‫الشورى التي توافؽ الحؽ ‪ ,‬واال كاف وجوب الشورى المذكور سابقاً ال معنى لو ‪.‬‬

‫ولقد حث رسوؿ اهلل ((‪ )‬عمى بذؿ المشورة كما ورد في سنف ابف ماجة مف‬
‫حديث جابر بف عبد اهلل (رضي اهلل عنو) قاؿ قاؿ رسوؿ اهلل ((‪: )‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬ابف ىشاـ ‪ ,‬السيرة النبوية ٕ‪. ٕٕٖ/‬‬
‫(ٕ) صحيح مسمـ ‪ ,‬كتاب الجياد والسير ص ٖ‪. ٔٚٙ‬‬
‫‪17‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫‪ .‬كما حذر مف الخيانة لما روي عف‬ ‫((إذا استشار أحدكـ أخاه فميشر عميو))‬
‫أبي ىريرة (رضي اهلل عنو) عف رسوؿ اهلل ((‪ )‬أنو قاؿ ‪ (( :‬ومف استشار أخاه‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫فأشار عميو بأمر وىو يرى الرشد غير ذلؾ فقد خانو))‬

‫الشورى عند الخمفاء‬

‫نيج الخمفاء الراشدوف (رضي اهلل عنيـ) نيج رسوؿ اهلل ((‪ )‬في‬
‫الشورى ‪ ,‬فكانوا ال يبرموف أم اًر مف أمور األمة ليس فيو حكـ واضح إال تشاوروا‬
‫فيو كما وصفيـ ربيـ سبحانو وتعالى بقولو {وأمرىـ شورى بينيـ} وأوؿ أمر‬
‫تشاوروا فيو بعد رسوؿ اهلل ((‪ )‬ىو أمر الخبلفة حتى تولى أبو بكر الصديؽ‬
‫(رضي اهلل عنو)‬

‫قاؿ البخاري ‪ :‬وكانت األئمة بعد النبي (‪ )‬يستشيروف األمناء مف أىؿ‬


‫العمـ في األمور المباحة ليأخذوا بأسيميا فإذا وضح الكتاب أو السنة لـ يتعدوه‬
‫(ٖ)‬
‫إلى غيره اقتداء بالنبي ((‪‬ؿ) ‪.‬‬

‫واستشار أبو بكر (رضي اهلل عنو) الناس في استخبلؼ عمر بف الخطاب‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫(رضي اهلل عنو)‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) كتاب األدب ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٖٚٗٚ‬‬
‫(ٕ) المسند ‪ ,‬حديث رقـ ‪(ٛ٘٘ٛ‬ترقيـ إحياء التراث) ‪.‬‬
‫(ٖ) صحيح البخاري ‪ ,‬كتاب االعتصاـ بالسنة ٗ‪. ٖٚٙ/‬‬
‫(ٗ) راجع ص ‪. ٜٗ‬‬
‫‪18‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ورأى أبو بكر قتاؿ مف منع الزكاة فقاؿ عمر كيؼ تقاتؿ الناس وقد قاؿ‬
‫رسوؿ اهلل صمى اهلل عميو وسمـ أمرت أف أقاتؿ الناس حتى يقولوا ال إلو إال اهلل‬
‫فإذا قالوا ال إلو إال اهلل عصموا مني دماءىـ وأمواليـ إال بحقيا وحسابيـ عمى‬
‫اهلل فقاؿ أبو بكر واهلل ألقاتمف مف فرؽ بيف ما جمع رسوؿ اهلل (‪ ‬ثـ تابعو بعد‬
‫عمر فمـ يمتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كاف عنده حكـ رسوؿ اهلل ((‪ )‬في الذيف‬
‫فرقوا بيف الصبلة والزكاة وأرادوا تبديؿ الديف وأحكامو وقاؿ النبي (‪ )‬مف بدؿ‬
‫(ٔ)‬
‫وعمر بف الخطاب (رضي اهلل عنو) كاف كثي اًر ما يستشير‬ ‫دينو فاقتموه ‪.‬‬
‫أصحابو ‪ ,‬فورد في صحيح مسمـ أف عمر استشار الناس في حد الخمر ‪ ,‬فقاؿ‬
‫(ٕ)‬
‫عبدالرحمف‪ :‬أخؼ الحدود ثمانيف ‪ ,‬فأمر بو عمر ‪.‬‬

‫وكذلؾ عثماف بف عفاف (رضي اهلل عنو) فقد استشار الناس في أمور كثيرة‬
‫منيا جمع األمة عمى مصحؼ واحد خوفاً مف الفرقة‪ ,‬قاؿ عنو عمي (رضي اهلل‬
‫عنو) ‪ (( :‬ال تقولوا في عثماف إال خي اًر ‪ ,‬فواهلل ما فعؿ الذي فعؿ في‬
‫المصاحؼ إال عف ٍ‬
‫مؤل منا ))(ٖ) ‪.‬‬

‫وعمي بف أبي طالب (رضي اهلل عنو) كاف يسمؾ مسمكيـ ويستشير أصحابو‬
‫في أمور األمة ‪ ,‬ومنيا حربو لمخوارج ‪ ,‬وخروجو إلى الجمؿ وصفيف ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) المرجع نفسو ‪ ,‬المدرؾ نفسو ‪.‬‬
‫(ٕ) كتاب الحدود ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٔٚٓٙ‬‬
‫(ٖ) ابف حجر ‪ ,‬فتح الباري ‪. ٔٛ/ٜ‬‬
‫‪19‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫حكـ الشورى‬
‫(ٔ)‬
‫ىما ‪-:‬‬ ‫اختمؼ العمماء في حكـ الشورى عمى قوليف‬

‫القوؿ األوؿ‬

‫وىو قوؿ جميور الفقياء ‪ ,‬ومنيـ المالكية والحنفية ‪ ,‬والقوؿ الصحيح في‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬وقالوا انيا واجبة عمي االماـ‪.‬‬ ‫مذىب الشافعي‬

‫فالشورى مف قواعد الشريعة وعزائـ األحكاـ ‪ ,‬ومف ال يستشير أىؿ العمـ والديف‬
‫(ٖ)‬
‫فعزلو واجب ‪ ,‬وىذا مما ال خبلؼ فيو ‪.‬‬

‫يقوؿ االماـ الشوكاني في تفسيره ‪ :,‬واجب عمى الوالة مشاورة العمماء فيما ال‬
‫يعمموف ‪ ,‬وفيما أشكؿ عمييـ مف أمور الدنيا ‪ ,‬ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعمؽ‬
‫بالحرب ‪ ,‬ووجوه الناس فيما يتعمؽ بالمصالح ‪ ,‬ووجوه الكتاب والعماؿ والوزراء‬
‫(ٗ)‬
‫فيما يتعمؽ بمصالح الببلد وعمارتيا ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬ابف كثير ‪ ,‬تفسير القرآف العظيـ ٔ‪. ٕٗٔ/‬‬
‫(ٕ) انظر ‪ :‬النووي ‪ ,‬شرح صحيح مسمـ ٗ‪ . ٚٙ/‬وانظر د‪ .‬أحمد العوضي ‪ ,‬الحقوؽ السياسية لمرعية ص‬
‫ٕ‪. ٔٛ‬‬
‫(ٖ) الجامع ألحكاـ القرآف ٗ‪. ٔٙٔ/‬‬
‫(ٗ) فتح القدير ٔ‪. ٖٜٗ/‬‬
‫‪21‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫واستدؿ أصحاب ىذا القوؿ‪:‬بما يمي ‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬قولو تعالي {فبما رحمة مف اهلل لنت ليـ ولو كنت فظاً غميظ القمب‬
‫النفضوا مف حولؾ فاعؼ عنيـ واستغفر ليـ وشاورىـ في األمر فإذا‬
‫(ٔ)‬
‫عزمت فتوكؿ عمى اهلل إف اهلل يحب المتوكميف}‬

‫وجو االستدالؿ مف ىذه اآلية‬

‫أف (شاورىـ في األمر) أمر واألمر يدؿ عمى الوجوب ‪ ,‬ما لـ ترد قرينة تصرفو‬
‫(ٕ)‬
‫مف اإليجاب إلى الندب ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬إذا كاف األمر بالشورى لرسوؿ اهلل ((‪ )‬وىو الذي ال ينطؽ عف اليوى‬
‫‪ ,‬أمره اهلل سبحانو وتعالى أف يستشير أصحابو ‪ ,‬فالشورى في حؽ غيره مف‬
‫الحكاـ واألمراء أوجب ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬أف اهلل سبحانو وتعالى قرف الشوري بالصبلة في قولو {والذيف استجابوا لربيـ‬
‫وأقاموا الصبلة وأمرىـ شورى بينيـ } وىذا يدؿ عمى أف حكميا حكـ الصبلة وىو‬
‫الوجوب ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة آؿ عمراف ‪ ,‬اآلية ‪. ٜٔ٘‬‬
‫(ٕ) التفسير الكبير ‪ ,‬الفخر الرازي ‪.ٙٚ/ٜ‬وانظر ‪ :‬النظاـ السياسي في اإلسبلـ ‪ ,‬لمحمد عبد القادر أبي‬
‫فارس ص‪ٜٛ‬‬
‫‪21‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫القوؿ الثاني‬

‫وىو قوؿ الشافعي وقتادة والربيع بف إسحاؽ ‪ ,‬وبو جزـ أبو نصر القشيري‬
‫(ٔ)‬
‫وقالوا بأنيا مندوبة‪.‬‬ ‫‪ ,‬ورجحو ابف حجر‬

‫واستدؿ أصحاب ىذا القوؿ بأدلة منيا ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬أف األمر في المغة ال يفيد الوجوب إال إذا دلت قرينة عمى ذلؾ ‪.‬‬
‫(ٕ)‬
‫ٕ‪ -‬أف األمر لرسوؿ اهلل ((‪ )‬بمشاورة أصحابو إنما ىو لتطييب قموبيـ‪.‬‬

‫مف ىذا يتبيف أف القوؿ بالوجوب ىو القوؿ الراجح ‪ ,‬ويدؿ عميو‬ ‫الراي الراجح‬
‫فعؿ رسوؿ اهلل ((‪ )‬وصحابتو مف بعده ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) فتح الباري ٖٔ‪. ٖٗٔ/‬‬
‫(ٕ) ابف كثير ‪ ,‬تفسير القرآف العظيـ ٔ‪. ٕٗٔ/‬‬
‫‪22‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فوائد الشورى‬

‫لمشورى فوائد عديدة ومنيا ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬الكشؼ عف الكفاءات والقدرات ‪ ,‬وبيا يظير األكفاء وتستفيد األمة مف‬
‫كفاءتيـ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬تدريب المستشار عمى المساىمة في الحكـ واإلدارة ‪ ,‬واالستفادة منو‬


‫بالتجربة وجودة الرأي والتفكير مف خبلؿ ممارستو لمشورى ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬الوصوؿ الي الحؽ و الصواب ‪.‬‬

‫‪ -ٙ‬البعد عف الخطأ في اتخاذ القرار ‪.‬‬


‫(ٔ)‬
‫‪ -ٚ‬اقتداء لسنة النبي (‪‬واقتفاءاً ألثره ‪.‬‬

‫صفات المستشار‬

‫الصفات التي يجب توافرىا في المستشار ليست محددة ‪ ,‬وذلؾ الختبلؼ‬


‫موضوع الشورى وأىميتو ‪ ,‬فموضوع الشورى ومدى أىميتو ىو الذي يحدد‬
‫صفات المستشار في ىذا الموضوع ‪ ,‬ولقد اجتيد بعض العمماء في تحديد‬
‫صفات المستشار منيا ما يمي‪-:‬‬
‫قاؿ الخطابي ‪ :‬وصفة المستشار في أمور الدنيا أف يكوف عاقبلً مجرباً و َّ‬
‫اداً في‬
‫(ٕ)‬
‫المستشير‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬النظاـ السياسي في اإلسبلـ لمحمد عبد القادر أبو فارس ص ‪. ٜٛ-ٛٙ‬‬
‫(ٕ) القرطبي ‪ ,‬الجامع ألحكاـ القرآف ٗ‪. ٔٙٔ/‬‬
‫‪23‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫قاؿ سفياف الثوري ‪ :‬ليكف أىؿ مشورتؾ أىؿ التقوى واألمانة ‪.‬‬

‫ومف ىذه األقواؿ وغيرىا يمكف استنباط صفات المستشار العامة عمى النحو‬
‫التالي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬االمانة التقوى ليكوف أنصح في مشورتو ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬العمـ والمعرفة باالمور ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬التجربة والخبرة ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬رجاحة العقؿ ‪.‬‬

‫٘‪ -‬سداد الرأي ‪.‬‬

‫نطاؽ الشورى‬

‫مف المعموـ أف الشورى أمر اجتيادي ‪ ,‬وال اجتياد فيما فيو نص مف كتاب‬
‫اهلل سبحانو وتعالى ‪ ,‬أو سنة رسولو محمد ((‪ , )‬ولقد فيـ صحابة رسوؿ اهلل‬
‫((‪ )‬ىذا األساس لمشورى ‪ ,‬فقد كانوا يسألوف رسوؿ اهلل ((‪ )‬عندما يعرض‬
‫عمييـ الشورى ‪ ,‬أىو وحي‪ ,‬أـ ىو اجتياد مف رسوؿ اهلل ((‪ )‬؟ واذا تقرر أنو‬
‫اجتياد أشاروا عميو برأييـ ‪.‬‬

‫ولقد استشار رسوؿ اهلل ((‪ )‬صحابتو في أمور كثيرة ‪ ,‬منيا أمور‬
‫الحرب ‪ ,‬واألسرى ‪ ,‬وحتى أنو ((‪ )‬استشارىـ في أمر أىمو لما حصمت حادثة‬
‫اإلفؾ ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) القرطبي ‪ ,‬الجامع ألحكاـ القرآف ٗ‪. ٔٙٔ/‬‬
‫‪24‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقد ثبت عف بعض الخمفاء (رضي اهلل عنيـ) المشاورة في األحكاـ ‪,‬‬
‫كما شاور عمر بف الخطاب (رضي اهلل عنو) في حد الخمر كما في صحيح‬
‫(ٔ)‬
‫مسمـ ‪ ,‬فقاؿ عبدالرحمف‪ :‬أخؼ الحدود ثمانيف ‪ ,‬فأمر بو عمر ‪.‬‬

‫واستشارة الخمفاء في مجاؿ األحكاـ إنما ليعرفوا ما عند الناس في ىذه‬


‫المسألة مف حكـ اهلل ورسولو ((‪ )‬ليأخذوا بو ‪ ,‬ولو كاف عندىـ عمـ يقيني‬
‫بأحكاـ ىذه المسائؿ لما استشاروا فييا الناس ‪.‬‬

‫لذلؾ فاف قولو تعالي {وشاورىـ في األمر} بياف لنطاؽ الشورى ‪ ,‬وىو كممة‬
‫(األمر) وىي عامة بمعنى ‪ :‬أي أمر يرد عميؾ فيما يشاور في مثمو ‪ ,‬والمراد‬
‫(ٕ)‬
‫ىنا المشاورة في غير األمور التي يرد بيا الشرع ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) كتاب الحدود ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٔٚٓٙ‬‬
‫(ٕ) انظر ‪ :‬الشوكاني ‪ ,‬فتح القدير ٔ‪. ٖٜٖ/‬‬
‫‪25‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانياً ‪ :‬العػػػػدؿ‬

‫عد ٌؿ أي رضاً ومقنعٌ في الشيادة ‪.‬‬


‫العدؿ في المغة ‪:‬خبلؼ الجور ‪ ,‬ورجؿ ْ‬
‫وِ‬
‫الع ْد ُؿ بالكسر ‪ :‬المثؿ ‪.‬‬

‫الع ْد ُؿ بالفتح ما عادؿ الشيء مف غير جنسو ‪ .‬وعدؿ عف الطريؽ‬


‫قاؿ الفراء ‪َ :‬‬
‫(ٔ)‬
‫أي جار ‪ .‬وتعديؿ الشيء ‪ :‬تقويمو ‪ .‬وتعديؿ الشيود ‪ :‬تقوؿ إنيـ عدوؿ ‪.‬‬

‫وفي االصطبلح ‪ :‬ىو الحكـ بيف الناس بالحؽ وعدـ الجور أو الميؿ في الحكـ‬

‫بسبب اليوى أو نحوه ‪.‬‬

‫وجوب العدؿ وتحريـ الظمـ‬

‫أوجب اهلل سبحانو وتعالى العدؿ عمى والة المسمميف ‪ ,‬ولقد تضافرت األدلة مف‬
‫الكتاب والسنة عمى وجوب العدؿ ‪ ,‬ومنيا عمى سبيؿ المثاؿ ما يمي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬قولو تعالي {إف اهلل يأمر بالعدؿ واإلحساف وايتاء ذي القربى وينيى عف‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫الفحشاء والمنكر والبغي يعظكـ لعمكـ تذكروف}‬

‫ٕ‪ -‬قولو تعالي {إف اهلل يأمركـ أف تؤدوا األمانات إلى أىميا واذا حكمتـ بيف‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫الناس أف تحكموا بالعدؿ}‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬والقسط ىو العدؿ ‪.‬‬ ‫ٖ‪ -‬قولو تعالي {قؿ أمر ربي بالقسط }‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الجوىري ‪ ,‬الصحاح ٘‪. ٔٚٙٓ,ٔٚٙٔ/‬‬
‫(ٕ) سورة النحؿ ‪ ,‬اآلية ٓ‪. ٜ‬‬
‫(ٖ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ‪. ٘ٛ‬‬
‫‪26‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ٖ‪ -‬مف السنة ما روي عف أبي ىريرة (رضي اهلل عنو) عف النبي ((‪)‬‬
‫قاؿ ‪ (( :‬ما مف أمير عشيرة إال يؤتى بو يوـ القيامة مغموال ال يفكو إال‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫العدؿ أو يوبقو الجور))‬

‫ٗ‪ -‬ما روي عف أبي ذر عف النبي ((‪ )‬فيما روى عف اهلل (تبارؾ‬
‫وتعالى) أنو قاؿ ‪ (( :‬يا عبادي إني حرمت الظمـ عمى نفسي وجعمتو‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫بينكـ محرما فبل تظالموا ‪)) ...‬‬

‫٘ ‪ -‬وما ورد في صحيح مسمـ أيضاً عف جابر بف عبد اهلل (رضي اهلل عنو)‬

‫أف رسوؿ اهلل ((‪ )‬قاؿ ‪(( :‬اتقوا الظمـ فإف الظمـ‬

‫ظممات يوـ القيامة واتقوا الشح فإف الشح أىمؾ مف كاف قبمكـ حمميـ عمى‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫أف سفكوا دماءىـ واستحموا محارميـ))‬

‫مف ذلؾ يتبيف باف اهلل سبحانو وتعالى أوجب العدؿ لتستقيـ الحياة ويأمف‬
‫الناس ‪ ,‬وتنتظـ أمور دينيـ ودنياىـ ‪ ,‬ولـ يقتصر األمر بالعدؿ في النظاـ‬
‫اإلسبلمي مع األصدقاء فقط ‪ ,‬بؿ جاء األمر بالعدؿ حتى مع األعداء ‪ ,‬كما‬
‫في قولو سبحانو { يا أييا الذيف آمنوا كونوا قواميف هلل شيداء بالقسط وال‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫(ٔ) سورة األعراؼ ‪ ,‬اآلية ‪. ٕٜ‬‬
‫(ٕ) المسند برقـ ٓ‪( ٜٕٜ‬ترقيـ إحياء التراث) ‪.‬‬
‫(ٖ) كتاب البر والصمة ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٕ٘ٚٚ‬‬
‫(ٗ) كتاب البر والصمة ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٕ٘ٚٛ‬‬
‫‪27‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫يجرمنكـ شنآف قوـ عمى أال تعدلوا اعدلوا ىو أقرب لمتقوى واتقوا اهلل إف خبير بما‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫أي ال يحممنكـ بغض قوـ عمى ترؾ العدؿ فييـً ‪.‬‬ ‫تعمموف}‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة المائدة ‪ ,‬اآلية ‪. ٛ‬‬
‫(ٕ) ابف كثير ‪ ,‬تفسير القرآف العظيـ ٕ‪. ٖٔ/‬‬
‫‪28‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثالثاً ‪ :‬المساواة‬

‫المساواة مف القواعد األساسية لمنظاـ السياسي في اإلسبلـ ‪ ,‬والمساواة التي‬


‫يقوـ عمييا ىذا النظاـ ىي المساواة بيف البشر في الحقوؽ والواجبات التي تعتمد‬
‫عمى الجنس أو الموف أو القبيمة ونحوىا مف الصفات التي ال دخؿ لئلنساف في‬
‫اكتسابيا ‪.‬‬

‫ولقد جاء القرآف الكريـ معمناً ىذا المبدأ ‪ ,‬كما في قولو تعالى { يا أييا الناس إنا‬
‫(ٔ)‬
‫خمقناكـ مف ذكر وأنثى وجعمناكـ شعوباً وقبائؿ لتعارفوا ‪}...‬‬

‫ووجو المساواة بيف الناس ىو أف اهلل سبحانو وتعالى خمقيـ مف أصؿ واحد مف‬
‫ذكر وأنثى ‪ ,‬فكميـ يرجعوف إلى آداـ وحواء ‪.‬‬

‫وجاء رسوؿ اهلل ((‪ )‬يؤكد ىذا المبدأ في المساوة حيث خطب وسط أياـ‬
‫التشريؽ فقاؿ ‪ (( :‬يا أييا الناس أال إف ربكـ واحد ‪ ,‬واف أباكـ واحد ‪ ,‬أال ال‬
‫فضؿ لعربي عمى أعجمي ‪ ,‬وال لعجمي عمى عربي ‪ ,‬وال ألحمر عمى أسود ‪,‬‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫وال أسود عمى أحمر ‪ ,‬إال بالتقوى ‪ ,‬أبمغت ؟ ‪))...‬‬

‫ولقد أنكر رسوؿ اهلل ((‪ )‬عمى أبي ذر عندما عير رجبلً بأمو‪ ,‬كما في‬
‫صحيح البخاري عف المعرور بف سويد قاؿ ‪ :‬لقيت أبا ذر بالربذة ‪ ,‬وعميو حمة‬
‫وعمى غبلمو حمة ‪ ,‬فسألتو عف ذلؾ ‪ ,‬فقاؿ ‪ :‬إني ساببت رجبل فعيرتو بأمو ‪,‬‬
‫فقاؿ لي النبي ((‪ (( : )‬يا أبا ذر أعيرتو بأمو إنؾ امرؤ فيؾ جاىمية إخوانكـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة الحجرات ‪ ,‬اآلية ٖٔ ‪.‬‬
‫(ٕ) أخرجو اإلماـ أحمد في المسند ‪ ,‬رقـ ‪( ٕٕٜٚٛ‬ترقيـ إحياء التراث) ‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫خولكـ جعميـ اهلل تحت أيديكـ فمف كاف أخوه تحت يده فميطعمو مما يأكؿ‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫وليمبسو مما يمبس وال تكمفوىـ ما يغمبيـ فإف كمفتموىـ فأعينوىـ))‬

‫كما أنكر رسوؿ اهلل ((‪ )‬التمايز باألحساب والتفاخر بيا ‪ ,‬ووصؼ ذلؾ‬
‫أنو مف عمؿ الجاىمية ‪ ,‬كما في صحيح مسمـ عف أبي مالؾ األشعري أف النبي‬
‫((‪ )‬قاؿ ‪(( :‬أربع في أمتي مف أمر الجاىمية ال يتركونيف ‪ :‬الفخر في‬
‫األحساب ‪ ,‬والطعف في األنساب ‪ ,‬واالستسقاء بالنجوـ ‪ ,‬والنياحة ‪ ,‬وقاؿ النائحة‬
‫إذا لـ تتب قبؿ موتيا تقوـ يوـ القيامة وعمييا سرباؿ مف قطراف ودرع مف‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫جرب))‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) كتاب اإليماف ‪ ,‬حديث رقـ ٖٓ ‪.‬‬
‫(ٕ) كتاب البر والصمة ‪ ,‬حديث رقـ ٖٗ‪. ٜ‬‬
‫‪31‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫مظاىر المساواة بيف الناس‬

‫تظير المساواة بيف الناس بأمور عدة منيا ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬المساواة في التكاليؼ الشرعية‬

‫سوي اهلل بيف العباد في التكاليؼ الشرعية فكميـ يعبدوف رباً واحداً ‪ ,‬ليـ‬
‫كتاب واحد ‪ ,‬ورسوؿ واحد ‪ ,‬وقد كمفوا مف الشريعة بتكاليؼ موحدة ال تمييز‬
‫بيف عربي وعجمي ‪ ,‬وال أحمر وأسود ‪ ,‬وال أمير و وزير‪ .‬فكميـ يصموف‬
‫خمس مرات في اليوـ مستقبميف قبمة واحدة ‪ ,‬وكميـ يصوموف شي اًر واحداً ىو‬
‫شير رمضاف المبارؾ ‪(,‬مف طموع الفجر إلى غروب الشمس) ‪ ,‬وتتجمى ىذه‬
‫المساواة عندما يقفوف في الحج بصعيد واحد بمباس واحد يدعوف رباً واحداً ‪,‬‬
‫عمى اختبلؼ أجناسيـ ‪ ,‬وألوانيـ ‪ ,‬ولغاتيـ ‪.‬‬

‫‪ -2‬المساواة في الحدود‬

‫ال فرؽ في النظاـ السياسي في اإلسبلـ بيف غني وفقير ‪ ,‬ومأمور و أمير ‪,‬‬
‫وشريؼ وضعيؼ ‪ ,‬في إقامة حدود اهلل وتنفيذ أحكامو كما ىي الحاؿ عند بعض‬
‫األمـ والشعوب كما أخبر بذلؾ رسوؿ اهلل ((‪ )‬عف حاؿ الييود بقولو ‪(( :‬يا‬
‫أييا الناس ‪ ,‬إنما ضؿ مف قبمكـ أنيـ كانوا إذا سرؽ فييـ الشريؼ تركوه ‪ ,‬واذا‬
‫سرؽ فييـ الضعيؼ أقاموا عميو الحد ‪ .‬وايـ اهلل‪ ,‬لو أف فاطمة بنت محمد‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫سرقت لقطع محمد يدىا))‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سبؽ تخريج الحديث ‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وفي جانب المساواة في الحدود يقوؿ تعالى {وكتبنا عمييـ فييا أف النفس‬
‫بالنفس والعيف بالعيف واألنؼ باألنؼ واألذف باإلذف والسف بالسف والجروح‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫قصاص}‬

‫‪ -3‬المساواة في الجزاء‬

‫الناس في الجزاء عمى أعماليـ سواء {فمف يعمؿ مثقاؿ ذرة خي اًر يره ومف‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬و (مف يعمؿ) تفيد العموـ أياً كاف ىذا العامؿ ذك اًر‬ ‫يعمؿ مثاؿ ذرة ش اًر يره}‬
‫أو أنثى ‪ ,‬ح اًر أو عبداً ‪ ,‬عربياً أو أعجمياً ‪...‬الخ ‪.‬‬

‫‪ -4‬المساواة في المسئولية‬

‫يدؿ عمى ىذا الجانب مف المساواة ما روي عف ابف عمر (رضي اهلل عنيما)‬
‫قاؿ ‪ :‬سمعت رسوؿ اهلل ((‪ )‬يقوؿ ‪(( :‬كمكـ راع‪ ,‬وكمكـ مسئوؿ عف رعيتو‪,‬‬
‫اإلماـ راع ومسئوؿ عف رعيتو‪ ,‬والرجؿ راع في أىمو وىو مسئوؿ عف رعيتو‪,‬‬
‫والمرأة راعية في بيت زوجيا ومسئولة عف رعيتيا‪ ,‬والخادـ راع في ماؿ سيده‬
‫(ٖ) ‪.‬‬
‫ومسئوؿ عف رعيتو))‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة المائدة ‪ ,‬اآلية ٘ٗ ‪.‬‬
‫(ٕ) سورة الزلزلة ‪ ,‬اآليتاف ‪. ٚ,ٛ‬‬
‫(ٖ) كتاب الجمعة ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٖٜٛ‬‬
‫‪32‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫رابعاً ‪ :‬الحرية‬

‫الحرية نعمة مف نعـ اهلل عز وجؿ إلى اإلنساف ‪ ,‬واذا مورست عمى وجييا‬
‫الصحيح وفؽ ما رسمو اهلل كانت سبباً فى سعادة اإلنساف فى الدنيا واآلخرة‬
‫واإلنساف فى حياتو يتمتع بدائرة خاصة مف التفكير واالختيار الحر الذى تؤلؼ‬
‫حقيقتو كموجود بشرى ‪ ,‬ومف ىذه الحريات التي اودعيا اهلل لعباده ما يمي ‪:‬‬
‫‪ -1‬حرية العقيدة‬
‫فبل يجوز ألحد أف يكره أحداً عمى اعتناؽ الديف ‪,‬قاؿ تعالى "" ال إكراه فى‬
‫(ٕ)‬
‫الديف قد تبيف الرشد مف الغي "‬
‫واذا كػاف الػديف فػػى حيػاة اإلنسػاف لػػو كػؿ ىػػذه األىميػة الكبػرى ولػػو ىػذا األثػػر‬
‫أصيبل لئلنسػاف ال يجػوز‬
‫ً‬ ‫البالغ فى تشكيؿ حياتو وصياغة سموكو ‪ ,‬فإنو ُيعد حقًّا‬
‫بأي شكؿ مف األشكاؿ‪.‬‬
‫ألحد أف يعتدى عميو ٍّ‬
‫ومف أجؿ ذلؾ يرسـ القرآف الكػريـ المػنيج الػذى يجػب االلتػزاـ بػو فػى الػدعوة إلػى‬
‫ظ ِػة اْلحس َػن ِة وج ِ‬ ‫يؿ رٍّب َ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ػادْليُـ‬ ‫ؾ بِاْلح ْك َمػة َواْل َم ْو ِع َ َ َ َ َ‬ ‫الديف فى قولو تعالى‪ْ ( :‬ادعُ إلى َسب َ‬
‫بِالَّتِي ِى َي أ ْ‬
‫(ٔ)‬
‫َح َس ُف )‬
‫ولـ يمجأ اإلسبلـ إطبلقًا إلى إجبار اآلخريف مف أصػحاب الػديانات األخػرى عمػى‬
‫الدخوؿ فى اإلسبلـ‪ ,‬وذلػؾ كمػو يػأتى انطبلقًػا مػف مبػدأ ثابػت فػى شػريعة اإلسػبلـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٕ)‬
‫سورة البقرة مف اآلية ( ‪.) ٕ٘ٙ‬‬
‫(ٖ)‪ .‬د‪ /‬صبى عبده سعيد‪ -‬اإلسبلـ وحقوؽ اإلنساف صػ‪ .ٜٔٓ * ٜٚ‬ط مطبعة‬
‫جامعة القاىرة‬
‫‪33‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫يضمف حرية االختيار لممعتقد الدينى دوف تخويؼ أو إكراه‪.‬‬


‫ومػػف ىنػػا نفيػػـ حػػرص اإلسػػبلـ عمػػى جعػػؿ حفػػظ الػػديف لئلنسػػاف وحمايتػػو ومنػػع‬
‫العػ ػػدواف عميػ ػػو حقًّػ ػػا أصػ ػ ً‬
‫ػيبل لئلنسػ ػػاف‪ ,‬ومقصػ ػ ًػدا أساسػ ػ ًّػيا مػ ػػف مقاصػ ػػد الش ػ ػريعة‬
‫اإلسبلمية التى ترفع لواء التسامح ‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرية الشخصية‬
‫وىي أيضاً حؽ لكؿ إنساف ‪ ,‬فمو الحؽ في حماية خصوصياتو وعدـ‬
‫المساس بيا ‪ ,‬فقد نيى اإلسبلـ عف السخرية واالستيزاء باآلخريف ونيى عف‬
‫تتبع عورات اآلخريف فالكؿ لو الحؽ في حرية الممبس والمأكؿ والمشرب ما‬
‫داـ ذلؾ ال يتعارض مع قواعد الشرع ‪.‬‬
‫واإلنساف حر يفعؿ ما يريد ولكف بشرط عدـ االعتداء عمى حقوؽ اآلخريف‬
‫أو عمى النظاـ العاـ واآلداب وبشرط عدـ اإلضرار باآلخريف فبل ضرر وال‬
‫ضرار كما يقوؿ المصطفى ‪ ‬لذلؾ فاإلنساف المؤمف يخضع حريتو عند‬
‫ممارستو ليا لمحدود والقيود التي شرعيا اإلسبلـ لمصمحة الفرد والجماعة ‪,‬‬
‫وبذلؾ تكوف حياة المجتمع أمنة ومستقرة ومف ىنا جاء النيي عف تتبع‬
‫عورات اآلخريف فيقوؿ الرسوؿ ‪ " ‬يا معشر مف اسمـ بمسانو ولـ يفض‬
‫اإليماف إلى قمبو ال تؤذوا المسمميف وال تغيروىـ وال تتبعوا عوراتيـ فانو مف‬
‫تتبع عورة أخيو المسمـ تتبع اهلل عورتو ومف تتبع اهلل عورتو يفضحو ولو في‬
‫جوؼ رحمو " ويقوؿ أيضاً مف اطمع في بيتو قوـ بغير إذنيـ ففقئوا عينو فبل‬
‫دية لو "‪.‬‬
‫ونضرب لذلؾ الذي حدث مع عمر بف الخطاب رضي اهلل عنو حينما دخؿ‬
‫عمى فتية يشربوف الخمر وتسور عمييـ حائطيـ فقالوا لو يا أمير المؤمنيف‬
‫عصينا اهلل في واحدة وىي شرب الخمر وآنت عصيتو في ثبلث يقوؿ تعالى‬
‫‪34‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫" وال تجسسوا " وآنت تجسست عمينا ويقوؿ سبحانو " واتوا البيوت مف أبوابيا‬
‫" وآنت صعدت إلينا مف الجدار ويقوؿ سبحانو " فبل تدخموىا حتى يؤذف لكـ‬
‫" وآنت تفعؿ ذلؾ فعفا عنيـ‬
‫‪ -3‬حرية الرأي‬
‫وىى التى تكوف بإظيار ما في الفكػر وذلػؾ بػالكبلـ أو الكتابػة ‪ ,‬أو غيػر‬
‫ذلؾ مف وسائؿ التعبير ‪, ،‬ويدؿ عمي ذلؾ ما رواه أنس قال‪ :‬قال رسولل‬
‫اهلل ‪« :‬ثالث منجيات‪ ،‬خشية اهلل في السر لالعالنية‪ ،‬لالقصد في الفقر‬
‫لالغنو‪ ،،‬للمموة ال و فوي الغلووا لالرلوا‪ ،‬لثوالث ممملووات شو م ووا ‪،‬‬
‫لهلى متبع لاعجاا المرء بنفسه»‪.‬‬
‫لذلؾ فاف الشريعة االسبلمية أوجبت عمى مف استوفى شروط االجتياد أف‬
‫(ٕ)‬
‫يجتيد واذا اجتيد فأصاب فمو أجراف واف أخطأ فمو أجر واحد‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ)‬
‫سورة النحؿ مف اآلية ٕ٘ٔ‬
‫(ٕ)‬
‫د‪ /‬محمد عمى محجوب‪ -‬تاريخ التشريع اإلسبلمي صػ ‪.ٜٔٓ‬‬
‫‪35‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الرابع‬

‫مزايا النظاـ السياسي في اإلسالـ‬

‫يتميز النظاـ السياسي في اإلسبلـ بميزات عديدة منيا ‪-:‬‬

‫الربانية‬

‫النظاـ السياسي في اإلسبلـ يتميز بأنػو نظػاـ ربػاني ‪ ,‬والربانيػة فػي ىػذا النظػاـ‬
‫تعني أمريف ‪ :‬ربانية المصدر وربانية الوجية ‪.‬‬

‫(ا) ربانية المصدر‬

‫ونقصػػد بربانيػػة الرباني ػة المصػػدر أف مصػػدر ىػػذا النظػػاـ مػػف الػػرب سػػبحانو‬
‫وتعالى حيث أنزلو في كتابو ‪ ,‬ويؤكد ىذا ما ورد في قولو سبحانو ‪:‬‬

‫(ٔ)‬
‫{ ومف لـ يحكـ بما أنزؿ اهلل فأولئؾ ىـ الكافروف }‬

‫(ٕ)‬
‫وقولو { ومف لـ يحكـ بما أنزؿ اهلل فأولئؾ ىـ الظالموف }‬

‫(ٖ)‬
‫وقولو { ومف لـ يحكـ بما أنزؿ اهلل فأولئؾ ىـ الفاسقوف }‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة المائدة ‪ ,‬اآلية ٗٗ ‪.‬‬
‫(ٕ) سورة المائدة ‪ ,‬اآلية ٘ٗ ‪.‬‬
‫(ٖ) سورة المائدة ‪ ,‬اآلية ‪. ٗٚ‬‬
‫‪36‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وليذه الميزة (ربانية المصدر) ثمار عديدة منيا ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬العصػػمة مػػف التنػػاقض ‪ { .‬ولػػو كػػاف مػػف عنػػد غيػػر اهلل لوجػػدوا فيػػو اختبلف ػاً‬
‫كثي اًر}(ٔ)‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬البراءة مف التحيز ‪ ,‬والتحيز ىػو الميػؿ لمصػمحة طائفػة مػف البشػر ‪ ,‬أو لبمػد‬
‫دوف آخر‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬االحتػراـ وسػػيولة االنقيػػاد ‪ { .‬فػػبل وربػػؾ اليؤمنػػوف حتػػى يحكمػػوؾ فيمػػا شػػجر‬
‫بينيـ ثـ ال يجدوا في أنفسيـ حرجاً مما قضيت ويسمموا تسميماً }(ٕ) ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬التحػ ػػرر مػ ػػف عبوديػ ػػة اإلنسػ ػػاف لئلنسػ ػػاف ‪ .‬العبوديػ ػػة ىػ ػػي الػ ػػذؿ والخضػ ػػوع‬
‫واالنقيػػاد‪ ,‬بمعنػػي أف السػػادة قػػد ُي َحٍّرمػػوف عمػػى أتبػػاعيـ مايشػػاؤوف ويحممػػوف‬
‫ليػػـ مػػا يشػػاؤوف ‪ .‬أمػػا فػػي اإلسػػبلـ فالمشػػرع ىػػو اهلل ‪ ,‬فػػبل خضػػوع إال هلل ‪,‬‬
‫وال عبودية إال لو سبحانو ‪.‬‬

‫(ب) ربانية الوجية‬

‫وىو أف يبتغي اإلنساف بعممو المولي عز وجؿ ‪ ,‬فاإلنساف المسمـ ىػو الػذي‬
‫تكػػوف أعمالػػو كميػػا هلل سػػبحانو وتعػػالى كمػػا فػػي قولػػو سػػبحانو { قػػؿ إف صػػبلتي‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ٕ‪. ٛ‬‬
‫(ٕ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ٘‪. ٙ‬‬
‫‪37‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ونسػ ػكي ومحي ػػاي ومم ػػاتي هلل رب الع ػػالميف ال شػ ػريؾ ل ػػو وب ػػذلؾ أم ػػرت وأن ػػا أوؿ‬
‫المسمميف }(ٔ) ‪.‬‬

‫ىكػذا يعمػػف اإلنسػاف المػػؤمف توجيػو هلل سػػبحانو وتعػالى فػػي جميػع أمػػوره ‪,‬‬
‫ومف جممتيا منيجو السياسي الذي يسير عميو مخمصاً في ذلؾ ‪ ,‬ومما يدؿ عمى‬
‫ذلؾ ما روي عف أبػي ىريػرة عػف النبػي ((‪ )‬قػاؿ ‪(( :‬سػبعة يظميػـ اهلل فػي ظمػو‬
‫يوـ ال ظؿ إال ظمو اإلماـ العادؿ وشاب نشأ في عبادة ربو ورجؿ قمبػو معمػؽ فػي‬
‫المساجد ورجبلف تحابا في اهلل اجتمعػا عميػو وتفرقػا عميػو ورجػؿ طمبتػو امػرأة ذات‬
‫منصب وجماؿ فقاؿ إني أخػاؼ اهلل ورجػؿ تصػدؽ أخفػى حتػى ال تعمػـ شػمالو مػا‬
‫تنفؽ يمينو ورجؿ ذكر اهلل خاليا ففاضت عيناه))(ٕ) ‪.‬‬

‫ومػػا روي عػػف أبػػي سػػعيد قػػاؿ قػػاؿ رسػػوؿ اهلل ((‪ (( : )‬إف أحػػب النػػاس‬
‫إلػػى اهلل يػػوـ القيامػػة وأدنػػاىـ منػػو مجمسػػا إمػػاـ عػػادؿ ‪ ,‬وأبغػػض النػػاس إلػػى اهلل‬
‫(ٖ)‬
‫وأبعدىـ منو مجمسا إماـ جائر )) ‪.‬‬

‫وما روي عف معقؿ بف يسار (رضي اهلل عنو) قػاؿ سػمعت النبػي ((‪ )‬يقػوؿ‪:‬‬
‫(ٗ)‬
‫((ما مف عبد استرعاه اهلل رعية فمـ يحطيا بنصػيحة إال لػـ يجػد رائحػة الجنػة))‬
‫‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة األنعاـ ‪ ,‬اآليتاف ٖ‪. ٕٔٙ,ٔٙ‬‬
‫(ٕ) الجامع الصحيح ‪ ,‬كتاب األذاف ‪ ,‬حديث رقـ ٓ‪. ٙٙ‬‬
‫(ٖ) كتاب األحكاـ ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٖٕٜٔ‬‬
‫(ٗ) كتاب األحكاـ ‪ ,‬حديث رقـ ٓ٘ٔ‪. ٚ‬‬
‫‪38‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وفي رواية أخرى ق ػػاؿ رسوؿ اهلل ((‪(( : )‬ما مػف واؿ يمػي رعيػة مػف المسػمميف‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫فيموت وىو غاش ليـ إال حرـ اهلل عميو الجنة))‬

‫العالمية‬

‫النظاـ اإلسبلمي نظاـ عالمي يتميز بعالمية الزماف وعالمية المكاف ‪ ,‬فعالميػة‬
‫الزماف تعني أنيا صالحة إلػى قيػاـ السػاعة ‪ ,‬وعالميػة المكػاف تعنػي أنيػا صػالحة‬
‫عمػػى أي جػػزء مػػف أج ػزاء االرض‪ .‬فيػػي صػػالحة لمنػػاس جمػػيعيـ عمػػى اخػػتبلؼ‬
‫أجناسيـ ولغاتيـ ‪ ,‬ولقد جاءت اآليات واألحاديػث ببيػاف ىػذه الصػفة ‪ ,‬ومػف ذلػؾ‬
‫‪-:‬‬

‫قولو تعالي { وما ىو إال ذكر لمعالميف }(ٕ) ‪.‬‬

‫وقاؿ تعالي { قؿ يا أييا الناس إني رسوؿ اهلل إليكـ جميعاً }(ٖ) ‪.‬‬

‫وقولو تعالى { وما أرسمناؾ إال رحمة لمعالميف }(ٗ) ‪.‬‬

‫ومف السنة ما ورد عف جابر بف عبداهلل (رضي اهلل عنو) أف النبػي ((‪)‬‬
‫ق ػػاؿ ‪ ((:‬أعطي ػػت خمسػ ػاً ل ػػـ يعطي ػػف أح ػػد قبم ػػي‪ ,‬نص ػػرت بالرع ػػب مس ػػيرة ش ػػير‪,‬‬
‫وجعمت لي األرض مسجداً وطيو اًر‪ ,‬فأيما رجؿ مف أمتي أدركتو الصبلة فميصؿ‪,‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) كتاب األحكاـ ‪ ,‬حديث رقـ ٔ٘ٔ‪. ٚ‬‬
‫(ٕ) سورة القمـ ‪ ,‬اآلية ٕ٘ ‪.‬‬
‫(ٖ) سورة األعراؼ ‪ ,‬اآلية ‪. ٔ٘ٛ‬‬
‫(ٗ) سورة األنبياء ‪ ,‬اآلية ‪. ٔٓٙ‬‬
‫‪39‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وأحمػػت لػػي المغػػانـ ولػػـ تحػػؿ ألحػػد قبمػػي‪ ,‬وأعطيػػت الشػػفاعة‪ ,‬وكػػاف النبػػي يبعػػث‬
‫إلى قومو خاصة وبعثت إلى الناس عامة ))(ٔ) ‪.‬‬

‫وعػػف تمػػيـ الػػداري (رضػػي اهلل عنػػو) قػػاؿ سػػمعت رسػػوؿ اهلل ((‪ )‬يقػػوؿ ‪:‬‬
‫(ٖ)‬
‫(( ليػػبمغف ىػػذا األمػػر مػػا بمػػغ الميػػؿ والنيػػار وال يتػػرؾ اهلل بيػػت مػػدر(ٕ) وال وبػػر‬
‫إال أدخمػػو اهلل ىػػذا الػػديف بعػػز عزيػػز أو بػػذؿ ذليػػؿ ع ػ از يعػػز اهلل بػػو اإلسػػبلـ وذال‬
‫يذؿ اهلل بو الكفر )) (ٗ)‪.‬‬

‫ومما يدؿ عمى عالمية ىذا الديف أنو آخر األدياف وال ديف بعده فبل بػد أف‬
‫يكػػوف صػػالحاً لكػػؿ زمػػاف ومكػػاف إلػػى قيػػاـ السػػاعة ‪ .‬وكمػػا أف المصػػدر األصػػمي‬
‫ليػػذا الػػديف بقػػي سػػميماً لػػـ تمسػػو يػػد التحريػػؼ والتبػػديؿ لػػدليؿ قػػاطع أيض ػاً عمػػى‬
‫عالمية ىذا الديف وأنظمتو باختبلؼ أنواعيا ‪.‬‬

‫الشموؿ‬

‫النظاـ السياسي في اإلسبلـ لـ يأت قاص اًر عمى ما ييـ الحاكـ ‪ ,‬أو عمى ما ييػـ‬
‫المحك ػػوـ ‪ ,‬ب ػػؿ ج ػػاء ش ػػامبلً لك ػػؿ م ػػا يحتاج ػػو النظ ػػاـ م ػػف بي ػػاف لواجب ػػات األمي ػػر‬
‫وحقوقػػو‪ ,‬وواجب ػػات المػػأمور وحقوق ػػو ‪ ,‬وجػػاء النظ ػػاـ اإلسػػبلمي أيضػ ػاً بمػػا ي ػػنظـ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) أخرجو البخاري‪ ,‬الجامع الصحيح ‪ ,‬كتاب التيمـ ‪ ,‬حديث رقـ ٖٕٖ ‪ .‬ومسمـ ‪ ,‬كتاب المساجد ومواضع‬
‫الصبلة ‪ ,‬حديث رقـ ٓٔ‪ . ٛ‬وىذا لفظ البخاري ‪.‬‬
‫(ٕ) المدر ىو الطيف اليابس ‪ ,‬وىـ أىؿ القرى واألمصار ‪.‬‬
‫(ٖ) الوبر ىو الصوؼ أو الشعر ‪ ,‬وىـ أىؿ البادية ‪.‬‬
‫(ٗ) أخرجو اإلماـ أحمد في مسنده ‪ ,‬حديث رقـ ‪( ٜٔٙ٘ٓ‬ترقيـ إحياء التراث) ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عبلقػ ػػة الدول ػ ػة اإلسػ ػػبلمية بغيرىػ ػػا مػ ػػف األمػ ػػـ والشػ ػػعوب ‪ ,‬مػ ػػف المسػ ػػمميف وغيػ ػػر‬
‫المسمميف ‪.‬‬

‫ويدؿ عمى ىذا الشموؿ قولو تعالي‪{ :‬ونزلنا عميؾ الكتاب تبياناً لكػؿ شػيء وىػدى‬
‫(ٔ)‬
‫ورحمة وبشرى لممسمميف}‬

‫قاؿ ابف الجوزي في تفسير ىذه اآلية ‪:‬اف الق اّرف بياف لكػؿ شػيء مػف أمػور الػديف‬
‫‪ ,‬إمػػا بػػالنص عميػػو ‪ ,‬أو باإلحالػػة إلػػى مػػا يوجػػب العمػػـ ‪ ,‬مثػػؿ بيػػاف رس ػػوؿ اهلل‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫((‪ )‬أو إجماع المسمميف‬

‫(ٖ)‬
‫‪,‬‬ ‫وقولو تعالي ‪{ :‬ما فرطنا في الكتاب مف شيء }‬

‫قػػاؿ ابػػف سػػعدي فػػي تفسػػيره ‪ :‬مػػا أىممنػػا وال أغفمنػػا فػػي المػػوح المحفػػوظ شػػيئاً مػػف‬
‫األشػػياء ‪ .‬ويحتمػػؿ أف الم ػراد بالكتػػاب ‪ ,‬ىن ػا الق ػرآف ‪ ,‬وأف المعنػػى كػػالمعنى فػػي‬
‫قولو تعالى {ونزلنا عميؾ الكتاب تبياناً لكؿ شيء} ))ٗ ‪.‬‬

‫ومما يػدؿ عمػى ىػذا الشػموؿ أيضػاً مػا ورد عػف أبػي ذر (رضػي اهلل عنػو)‬
‫قاؿ ‪ :‬لقد تركنا محمد ((‪ )‬وما يحرؾ طػائر جناحيػو فػي السػماء إال أذكرنػا منػو‬
‫ٔ‬
‫عمما))( )‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة النحؿ ‪ ,‬اآلية ‪. ٜٛ‬‬
‫(ٕ) زاد المسير ٗ‪. ٕٗٛ/‬‬
‫(ٖ) سورة األنعاـ ‪ ,‬اآلية ‪. ٖٛ‬‬
‫(ٗ) تيسير الكريـ الرحمف في تفسير كبلـ المناف ٕ‪. ٖٜٙ/‬‬
‫‪41‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الواقعية‬

‫الواقعية ضد المثالية ‪ ,‬وىي في النظاـ اإلسبلمي تعني ثبلثة أمور ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬اإلتياف باألنظمة والتشريعات السياسية الممكنة التطبيؽ في واقع البشر ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬النظػػر إلػػى الحػػاكـ عمػػى أنػػو بشػػر لػػو حقوقػػو وعميػػو واجباتػػو ‪ ,‬وعػػدـ التجػػاوز‬
‫في حقوقو إلى ما ليس لو ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬النظػػر إلػػى المحكػػوـ عمػػى أنػػو بشػػر لػػو حقوقػػو وعميػػو واجباتػػو ‪ ,‬وعػػدـ بخسػػو‬
‫مف الحقوؽ التي تجب لو‪.‬‬

‫ويػػدؿ عمػػى ذلػػؾ مػػا قالػػو ربعػػي بػػف عػػامر (رضػػي اهلل عنػػو) (( اهلل ابتعثنػػا لنخػػرج‬
‫مف شاء مف عبادة العباد إلى عبادة اهلل ‪ ,‬ومف ضيؽ الدنيا إلى سعتيا ‪. )ٕ()).‬‬

‫الوسطية‬

‫الوس ػػط ى ػػو الخي ػػار األج ػػود ‪ ,‬وك ػػاف رس ػػوؿ اهلل ((‪ )‬وس ػػطاً ف ػػي قوم ػػو ‪ ,‬أي‬
‫أشرفيـ نسباً‪ ,‬وقيؿ الوسط العدؿ (ٖ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫(ٔ) أخرجو اإلماـ أحمد في مسنده ‪ ,‬حديث رقـ ٗ٘‪( ٕٓٛ‬ترقيـ إحياء التراث) ‪.‬‬
‫(ٕ) وكاف ذلؾ في معركة القادسية عندما بعثو سعد بف أبي وقاص (رضي اهلل عنو) ‪ ,‬انظر ابف كثير ‪,‬‬
‫البداية والنياية ‪. ٖٜ / ٚ‬‬
‫(ٖ) ابف كثير ‪ ,‬تفسير القرآف العظيـ ٔ ‪. ٜٔٔ /‬‬
‫‪42‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قاؿ القرطبي ‪ :‬وسط الوادي خير موضع فيو ‪.)ٔ( .‬‬

‫جػػاء اإلسػػبلـ وسػػطا فػػي عقيدتػػو ‪ ,‬وسػػطا فػػي شػريعتو بػػيف الغمػػو والتقصػػير ‪,‬‬
‫وكػػذلؾ وسػػطا فػػي أنظمت ػو ومػػف جممتيػػا النظػػاـ السياسػػي فػػي اإلسػػبلـ ‪ ,‬فػػبل ىػػو‬
‫نظاـ دكتاتوري ‪ ,‬والنظاـ ُمفٍَّرط ‪ ,‬وبيذا كاف خير نظاـ عرفتو البشرية‪.‬‬

‫لقد وصؼ اهلل سبحانو وتعالى ىذه األمة بالوسطية كما في قولػو سػبحانو وتعػالى‬
‫{وكػػذلؾ جعمنػػاكـ أمػػة وسػػطاً لتكون ػوا شػػيداء عمػػى النػػاس ويكػػوف الرسػػوؿ عمػػيكـ‬
‫شييداً }(ٕ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الجامع ألحكاـ القرآف ٕ‪. ٔٓٗ/‬‬
‫(ٕ) سورة البقرة ‪ ,‬اآلية ٖٗٔ ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الفصؿ االوؿ‪ :‬السمطة التنفيذية ‪)1‬‬

‫المبحث االوؿ ‪ :‬الخالفة‬

‫المطمب االوؿ ‪ :‬مفيوـ الخبلفة وحكـ نصبيا‬


‫ؼ‬
‫استَ ْخمَ َ‬
‫فبلف فبلناً إذا كاف خميفتو ‪ ,‬و ْ‬
‫ؼ ٌ‬ ‫الخبلفة في المغة‪ :‬االمارةُ مف َخمَ َ‬
‫فبلناً مف فبلف ‪ :‬جعمو مكانو ‪ .‬يقاؿ خمفو في قومو خبلفة (ٔ) ‪.‬‬
‫الخِميفة ‪ :‬الذي يستخمؼ ممف قبمو ‪ ,‬والجمع خبلئؼ ‪ ,‬وخمفاء (ٕ)‪.‬‬ ‫و َ‬
‫الخبلفة في االصطبلح‪:‬‬
‫عرفيا ابف خمدوف بقولو ‪ (( :‬ىي حمؿ الكافة عمى األحكاـ الشرعية في‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫أحواؿ دنياىـ وأخراىـ ))‬
‫وعرفيااإلماـ الماوردي بقولو‪ (( :‬اإلمامة موضوعة لخبلفة النبوة في حراسة‬
‫الديف وسياسة الدنيا ))(ٗ)‪.‬‬
‫وعرفيا الشيخ محمد رشيد رضا بقولو ‪ ((:‬الخبلفة ‪ ,‬واإلمامة العظمى‪ ,‬وامارة‬
‫المؤمنيف ثبلث كممات معناىا واحد ‪ ,‬وىو رئاسة الحكومة اإلسبلمية الجامعة‬

‫ــــــــ ـ‬

‫(ٔ) انظر ‪ :‬د ‪ .‬سميماف بف قاسـ العيد النظاـ السياسي االسبلمي ص ‪ٙٚ‬‬

‫(ٕ) انظر ‪ :‬الجوىري ‪ ,‬الصحاح ٗ ‪ , ٖٔ٘ٙ /‬مادة [خمؼ] ‪ .‬وابف منظور ‪ ,‬لساف العرب ‪, ٛٙ , ٛ٘/ٜ‬‬
‫مادة [خمؼ] ‪ ,‬والفيروز أبادي ‪ ,‬القاموس المحيط ٖ ‪ , ٖٔٚ /‬مادة [خمؼ] ‪.‬‬
‫(ٖ) مقدمة ابف خمدوف ص ٖٔٔ ‪.‬‬
‫(ٗ) األحكاـ السمطانية ص ٘ ‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫لمصالح الديف والدنيا ))‬
‫وقد ُعرؼ ولي األمر في الدولة اإلسبلمية بعد رسوؿ اهلل ((‪ )‬بعدة ألقاب‬
‫ىي ‪ :‬الخميفة ‪ ,‬وأمير المؤمنيف ‪ ,‬واإلماـ ‪.‬‬

‫الخميفة ‪ :‬أوؿ مف لقب بالخميفة ىو أبو بكر الصديؽ (رضي اهلل عنو) ‪ ,‬فكانوا‬
‫(ٕ)‬
‫يسمونو خميفة رسوؿ اهلل ((‪. )‬‬

‫أمير المؤمنيف ‪ :‬أوؿ مف دعي بو عمر بف الخطاب (رضي اهلل عنو) ‪ ,‬فمما‬
‫توفي أبو بكر (رضي اهلل عنو) كانوا يسموف عمر بف الخطاب (رضي‬
‫اهلل عنو) خميفة خميفة رسوؿ اهلل ((‪ , )‬فاستثقموا ذلؾ المقب بكثرتو‬
‫وطوؿ إضافتو ‪ ,‬ووافؽ أف دعا أحد المسمميف عمر (رضي اهلل عنو)‬
‫بػػ(يا أمير المؤمنيف) فاستحسنو الناس واستصوبوه ودعوه بو (ٖ)‪.‬‬

‫اإلمػػػاـ ‪ :‬أوؿ مف اشتير بيذا المقب ىو أمير المؤمنيف عمي بف أبي طالب‬
‫(رضي اهلل عنو) ‪ .‬والذي خصو بو الشيعة تعريضاً بمذىبيـ في أنو‬
‫أحؽ بإمامة الصبلة مف أبي بكر الصديؽ (رضي اهلل عنو) ‪ ,‬وكذلؾ‬
‫جعموه لقباً لجميع أئمتيـ ‪.‬‬

‫ولقب اإلماـ صحيح ‪ ,‬ألنو يؤـ المسمميف في صبلتيـ ‪ ,‬وفي تدبير‬


‫شئونيـ ورعاية مصالحيـ ‪ ,‬وىـ يقتدوف بو ويقتفوف أثره ‪ ,‬ويطيعوف أمره‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الخبلفة ص ‪ , ٔٚ‬رئاسة الدولة في الفقو اإلسبلمي لمدكتور محمد رأفت عثماف ص ‪. ٛٙ - ٜٙ‬‬
‫(ٕ) المقدمة البف خمدوف ‪ ,‬ص ٔ٘ٔ ‪.‬‬
‫(ٖ) المرجع نفسو ‪ ,‬المدرؾ نفسو ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬كما يقتدي المأموـ باإلماـ ‪ ,‬وليذا يقاؿ ‪ :‬اإلمامة الكبرى ‪ ,‬تميي اًز عف‬
‫اإلمامة الصغرى‪ ,‬كإمامة الصبلة والحج ونحوىا‪ ,‬ولكف الخطأ أف يجعؿ‬
‫ىذا المقب خاصاً بأناس دوف آخريف ممف شغموا المنصب ‪,‬واألفضؿ أف‬
‫يقاؿ في حؽ عمي (رضي اهلل عنو) الخميفة أو أمير المؤمنيف بعداً عف‬
‫(ٔ)‬
‫ذلؾ التخصيص‪.‬‬

‫المقصود بأولي األمر‬

‫لقد ذكر اهلل سبحانو وتعالى (أولو األمر) في كتابو العزيز في قولو سبحانو‪{ :‬يا‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬وكما في‬ ‫أييا الذيف آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسوؿ وأولي األمر منكـ}‬
‫قولو سبحانو {واذا جاءىـ أمر مف األمف أو الخوؼ أذاعوا بو ولو ردوه إلى‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫الرسوؿ والى أولي األمر منيـ لعممو الذيف يستنبطونو منيـ}‬

‫لذلؾ اختمؼ المفسروف في معنى (أولي األمر) في اآلية عمى النحو التالي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬ىـ الفقياء والعمماء الذيف يعمموف الناس أموردينيـ ‪ ,‬قالو ابف عباس وجابر‬
‫(ٗ)‬
‫(رضي اهلل عنيـ) ‪.‬‬
‫(ٔ)‬
‫ٕ‪ -‬ىـ األمراء والوالة ‪ ,‬قالو أبو ىريرة (رضي اهلل عنو) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) المرجع نفسو ‪ ,‬المدرؾ نفسو ‪.‬‬
‫(ٕ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ‪. ٜ٘‬‬
‫(ٖ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ٖ‪. ٛ‬‬
‫(ٗ) البغوي ‪ ,‬معالـ التنزيؿ ٕ‪ . ٕٖٜ/‬وابف كثير ‪ ,‬تفسير القرآف القرآف العظيـ ٔ‪ . ٜ٘ٔ/‬والقرطبي ‪ ,‬الجامع‬
‫ألحكاـ القرآف ٘‪ . ٔٙٛ/‬وابف الجوزي ‪ ,‬زاد المسير ٕ‪.ٔٔٙ/‬‬
‫‪46‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٕ)‬
‫ٖ‪ -‬أبو بكر وعمر ‪ ,‬قالو عكرمة ‪.‬‬
‫(ٖ)‬
‫ٗ‪ -‬المياجروف واألنصار ‪ ,‬قالو عطاء ‪.‬‬

‫٘‪ -‬عامة في كؿ أولي األمر مف األمراء والعمماء ‪.‬‬

‫والقوؿ األخير مف ىذه األقواؿ ىو القوؿ الراجح ‪ ,‬وىو اختيار ابف القيـ‬
‫رحمو اهلل حيث يقوؿ ‪(( :‬والتحقيؽ أف اآلية تتناوؿ الطائفتيف (العمماء واألمراء)‬
‫وطاعتيـ مف طاعة الرسوؿ‪ ,‬فكاف العمماء مبمغيف ألمر الرسوؿ‪ ,‬واألمراء‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫منفذيف لو فحينئذ تجب طاعتيـ تبعا لطاعة اهلل ورسولو))‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫(ٔ) البغوي ‪ ,‬معالـ التنزيؿ ٕ‪ . ٕٖٜ/‬والقرطبي ‪ ,‬الجامع ألحكاـ القرآف ٘‪ . ٔٙٚ/‬وابف الجوزي ‪ ,‬زاد‬
‫المسير ٕ‪. ٔٔٙ/‬‬
‫(ٕ) البغوي ‪ ,‬معالـ التنزيؿ ٕ‪ . ٕٗٔ/‬والقرطبي ‪ ,‬الجامع ألحكاـ القرآف ٘‪ . ٔٙٛ/‬وابف الجوزي ‪ ,‬زاد‬
‫المسير ٕ‪. ٔٔٙ/‬‬
‫(ٖ) البغوي ‪ ,‬معالـ التنزيؿ ٕ‪. ٕٗٔ/‬‬
‫(ٗ) إعبلـ الموقعيف ٕ‪. ٕٗٓ/‬‬
‫‪47‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫حكـ نصب الخميفة‬

‫أجمع الفقياء عمي القوؿ بأف نصب الخميفة واجب وقاؿ بو جميور األمة ‪ ,‬مف‬
‫لدف النبي (‪‬وحتي يومنا ىذا ‪.‬‬

‫وفي ىذا قاؿ ابف حزـ ‪ :‬اتفؽ جميع أىؿ السنة وجميع الشيعة عمي نصب‬
‫(ٔ)‬
‫اإلمامة ‪.‬‬

‫والدليؿ عمي ذلؾ ما يمي ‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬قولو تعالي {يا أييا الذيف آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسوؿ وأولي األمر‬
‫(ٕ)‬
‫‪ .‬فطاعة ولي األمر ‪ -‬في غير معصية اهلل ‪ -‬واجبة بنص القرآف فإذا‬ ‫منكـ}‬
‫لـ يوجد الخميفة فممف تكوف الطاعة ؟‬

‫ٕ‪ -‬يتوقؼ عمى نصب الخميفة كثير مف الواجبات ‪ ,‬كتنفيذ الحدود الشرعية ‪,‬‬
‫ورد المظالـ ‪ ,‬واقامة الجمع واألعياد ونحوىا ‪ .‬ومف المعموـ في القواعد الفقيية ‪:‬‬
‫(ٖ)‬
‫ماال يتـ الواجب إال بو فيو واجب ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬أف الصحابة لما اختمفوا في السقيفة ‪ ,‬في َم ْف يكوف خميفة لممسمميف ‪,‬‬
‫أجمعوا بعد تداوؿ االّراء عمي تولي أبا بكر الصديؽ الخبلفة ‪ ,‬فموال أف‬
‫(ٗ)‬
‫الخبلفة واجبة لما ساغت تمؾ المحاورة والمناظرة عمييا ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الفصؿ في الممؿ واألىواء والنحؿ ٗ‪( . ٕٚ/‬مكتبة الخانجي بالقاىرة) ‪.‬‬
‫(ٕ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ‪. ٘ٛ‬‬
‫(ٖ) انظر ‪ :‬الييتمي ص ‪ . ٔٙ‬طٖ (دار الكتب العممية ‪ ,‬بيروت ‪ٔٗٔٗ ,‬ىػ) ‪.‬‬
‫(ٗ) انظر ‪ :‬أبا يعمى الفراء ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ‪. ٜٔ‬‬
‫‪48‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ىؿ عيف رسوؿ اهلل ((‪ )‬خميفة مف بعده؟‬

‫اختمؼ الفقياء في ىذا عمى ثبلثة أقواؿ ىي ‪-:‬‬

‫القوؿ األوؿ ‪ :‬لـ ينص عمى أحد بعينو‬

‫وىو قوؿ جميور أىؿ السنة ‪ ,‬ويشاركيـ فيو المعتزلة والخػوارج والمرجئػة‬
‫‪ ,‬ويس ػػتدلوف بم ػػا نق ػػؿ ع ػػف عم ػػر ب ػػف الخط ػػاب (رض ػػي اهلل عن ػػو) لم ػػا ورد ف ػػي‬
‫صػػحيح البخ ػػاري ع ػػف عب ػػداهلل اب ػػف عمػػر رض ػػي اهلل عنيم ػػا ق ػػاؿ قي ػػؿ لعم ػػر أال‬
‫تستخمؼ قاؿ ‪(( :‬إف أستخمؼ فقد استخمؼ مف ىو خير مني أبػو بكػر واف أتػرؾ‬
‫فقد ترؾ مف ىو خير مني رسوؿ اهلل (‪. )ٔ())‬‬

‫ويدؿ عمى ىذا القوؿ أيضاً أف النقػاش الػذي جػرى فػي سػقيفة بنػي سػاعدة‬
‫‪-‬وقد حضره كبار المياجريف واألنصار ‪ -‬لـ يػذكر فيػو أحػد أف رسػوؿ اهلل ((‪)‬‬
‫استخمؼ ‪ ,‬ولو ذكر شيء مف ىذا لكاف حاسماً لمنقاش ‪.‬‬

‫يقػػوؿ القرطبػػي فػػي ىػػذا ‪ :‬لػػو كػػاف عنػػد أحػػد مػػف الميػػاجريف واألنصػػار نػػص مػػف‬
‫النبػػي ((‪ )‬عمػػى تعيػػيف أحػػد بعينػػو لمخبلفػػة لمػػا اختمف ػوا فػػي ذلػػؾ وال تفاوض ػوا‬
‫(ٕ)‬
‫فيو‪,‬وىذا قوؿ جميور أىؿ السنة‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) أخرجو البخاري ‪ ,‬كتاب األحكاـ ‪ ,‬حديث رقـ ‪. ٕٚٔٛ‬‬
‫(ٕ) ابف حجر ‪ ,‬فتح الباري ‪. ٖٕ/ٚ‬‬
‫‪49‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫القوؿ الثاني ‪ :‬أنو نص عمي أبي بكر الصديؽ (رضي اهلل عنو)‬

‫وىػػو قػػوؿ بعػػض أىػػؿ السػػنة وجماعػػة أصػػحاب الحػػديث ‪ ,‬كالحسػػف البصػػري ‪,‬‬
‫(ٔ)‬
‫وابف حجر الييتمي ‪ ,‬واإلماـ أحمد في رواية عنو ‪ ,‬وغيرىـ مف الخوارج ‪.‬‬

‫واستدؿ أصحاب ىذا القوؿ بأدلة منيا ما ورد في صحيح مسػمـ عػف محمػد بػف‬
‫جبير بف مطعـ عف أبيو أف امرأة سألت رسوؿ اهلل ((‪ )‬شيئا ‪ ,‬فأمرىا أف ترجع‬
‫إليو ‪ ,‬فقالت ‪ :‬يا رسوؿ اهلل أرأيت إف جئت فمـ أجدؾ ؟ قػاؿ ‪(( :‬فػإف لػـ تجػديني‬
‫فأتي أبا بكر)) (ٕ) ‪.‬‬

‫ويػػرد عمػػييـ بػػأف ىػػذا الحػػديث لػػيس نص ػاً ألبػػي بكػػر بالخبلفػػة ‪ ,‬إنمػػا ىػػو‬
‫إخبار مف رسوؿ اهلل ((‪ )‬لتمػؾ المػرأة بػأف حاجتيػا قػد يقضػييا أبػو بكػر (رضػي‬
‫اهلل عنو) حتى ولو لـ يكف خميفة ‪.‬‬

‫واسػػتدلوا أيضػاً باألصػػوؿ الكميػػة والقػرائف التػػي تقتضػػي أنػػو أحػػؽ باإلمامػػة وأولػػى‬
‫(ٖ)‬
‫بالخبلفة ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬ابف تيمية ‪ ,‬منياج السنة ٔ‪ . ٗٛٚ/‬وابف الييتمي ‪ ,‬الصواعؽ المحرقة ص ٕٗ وما بعدىا ‪.‬‬
‫(ٕ) أخرجو البخاري ‪ ,‬الجامع الصحيح ‪ ,‬كتاب المناقب ‪ ,‬حديث رقـ ‪ . ٖٜٙ٘‬ومسمـ ‪ ,‬كتاب الفضائؿ ‪,‬‬
‫حديث رقـ ‪ . ٕٖٛٙ‬والمفظ لمسمـ ‪.‬‬
‫(ٖ) فتح الباري ‪. ٖٕ/ٚ ,‬‬
‫‪51‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫القوؿ الثالث ‪ :‬أنو عيف عمي بف أبي طالب (رضي اهلل عنو)‬

‫وىػػو قػػوؿ الشػػيعة ‪ ,‬ويسػػتدلوف بمػػا ورد عػػف سػػعد بػػف أبػػي وقػػاص (رضػػي‬
‫اهلل عنػػو) قػػاؿ ‪ :‬قػػاؿ النبػػي ((‪ )‬لعمػػي ‪(( :‬أمػػا ترضػػى أف تكػػوف منػػي بمنزلػػة‬
‫ىاروف مف موسى ؟ ))(ٔ)‪.‬‬

‫ويػػرد ىػػذا االسػػتدالؿ مػػا قالػػو النػػووي ‪ :‬بػػأف ىػػذا الحػػديث لػػيس فيػػو داللػػة‬
‫السػػتخبلفو بعػػد النبػػي ((‪ , )‬إنمػػا قػػاؿ ىػػذا لعمػػي حػػيف اسػػتخمفو فػػي المدينػػة فػػي‬
‫غزوة تبوؾ ‪ ,‬ويؤيد ىذا أف ىاروف المشبو بو لـ يكف خميفػة بعػد موسػى ‪ ,‬وتػوفي‬
‫(ٕ)‬
‫قبؿ وفاة موسى عمييما السبلـ ‪.‬‬

‫كمػػا يسػػتدلوف بمػػا قالػػو رسػػوؿ اهلل ((‪ )‬لعمػػي (رضػػي اهلل عنػػو) (( مػػف‬
‫كنت مواله فعمي مواله ))(ٖ) ‪.‬‬

‫وىذا الحديث مع صحتو ليس فيو داللة عمػى االسػتخبلؼ ‪ ,‬إنمػا أضػاؼ بعػض‬
‫الشػػيعة إلػػى ىػػذه الحادثػػة روايػػات أخػػرى مكذوبػػة إلثبػػات اسػػتخبلؼ عمػػي بػػف أبػػي‬
‫طالب (رضي اهلل عنو) ‪.‬‬

‫ويرد عمى ىذا القوؿ ما قالو عمي بف أبي طالب (رضي اهلل عنو) ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫أخرجو البخاري ‪ ,‬الجامع الصحيح ‪ ,‬كتاب فضائؿ الصحابة ٖ ‪ . ٕٖ /‬ومسمـ في صحيحو ‪ ,‬كتاب‬ ‫(ٔ )‬
‫فضائؿ الصحابة ٗ ‪ . ٔٛٚٓ /‬وىذا لفظ البخاري ‪ ,‬وفي رواية مسمـ (( إال أنو النبي بعدي )) ‪.‬‬
‫(ٕ) شرح صحيح مسمـ ‪. ٔٚٗ / ٔ٘ ,‬‬
‫(ٖ) أخرجو اإلماـ أحمد في المسند ٗ‪ ,ٕٛٔ/‬الترمذي في سننو ‪ ,‬كتاب المناقب ٕ‪ . ٕٕٔ/‬وصححو األلباني‬
‫في صحيح الجامع ٘‪ , ٖٖ٘/‬ومشكاة المصابيح ٖ‪. ٕٔٚٓ/‬‬
‫‪51‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(( يا أييػا النػاس إف رسػوؿ اهلل ((‪ )‬لػـ يعيػد إلينػا فػي ىػذا اإلمػارة شػيئاً ‪ ,‬حتػى‬
‫رأينا مف الرأي أف يستخمؼ أبا بكر)) (ٔ) ‪.‬‬

‫وىناؾ أمر آخر يرد بو عمييـ‪ ,‬وىو أنو لو كاف األمػر كمػا يزعمػوف لكػاف‬
‫عمػػي (رضػػي اهلل عنػػو) مػػف أعظػػـ النػػاس فػػي ىػػذا األمػػر ذنبػاً ألنػػو تػػرؾ أمػػر اهلل‬
‫(ٕ)‬
‫ورسولو ‪.‬‬

‫وكػذلؾ فػإف معنػى ((مػف كنػت مػواله)) لػيس اإلمػرة والسػمطاف والقيػاـ عمػى‬
‫المسمميف بعده ‪ ,‬واال ألفصح ليـ بذلؾ رسوؿ اهلل ((‪ )‬كما أفصح ليـ بالصػبلة‬
‫(ٖ)‬
‫والزكاة والصوـ الحج ‪.‬‬

‫القوؿ الرابع ‪ :‬أنو نص عمى العباس‬

‫وىػ ػػو قػ ػػوؿ الروانديػ ػػة الػ ػػذيف زعم ػ ػوا أف النبػ ػػي ((‪ )‬نػ ػػص عمػ ػػي العبػ ػػاس بػ ػػف‬
‫عبدالمطمب ونصبو إمػاـ ثػـ نػص العبػاس عمػى إمامػة ابنػو عبػداهلل ونػص عبػداهلل‬
‫عمػػى إمامػػة ابنػػو عمػػي بػػف عبػػداهلل ثػػـ سػػاقوا اإلمامػػة إلػػى أف انتي ػوا بيػػا إلػػى أبػػي‬
‫جعفر المنصور‪.‬‬

‫وال ػراجح مػػف األق ػواؿ الس ػػابقة ىػػو القػػوؿ بعػػدـ ال ػػنص عمػػى أحػػد بعين ػػو ‪,‬‬
‫والحكمة مف ذلؾ تتمثؿ في أف النص عمى أحد بعينو يقضي باعتقاد العصمة لو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) ابف كثير ‪ ,‬البداية والنياية ٘‪. ٕ٘ٓ/‬‬
‫(ٕ) انظر ‪ :‬البللكائي ‪ ,‬شرح أصوؿ اعتقاد أىؿ السنة والجماعة ‪. ٕٔ٘ٗ/ٛ‬‬
‫(ٖ) انظر ‪ :‬المرجع السابؽ ‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬وباتباعػو فػي أقوالػػو وأفعالػو ‪ ,‬واعتقػاد التشػريع شػأنو‪ ,‬بحجػة أف الرسػػوؿ ((‪)‬‬
‫ىو الذي عينو وىو أعمـ بو ‪.‬‬

‫إضافة إلى أنو ال يجوز عزلو إذا وجد السبب المقتضي لمعزؿ‪ .‬ىذا بخبلؼ مػف‬
‫كػػاف يعيػػنيـ النبػػي ((‪ )‬فػػي حياتػػو فإنػػو إذا أخطػػأ أو أذنػػب أمكػػف لمرسػػوؿ ((‪)‬‬
‫أف يرد خطأه ويصحح ذنبو ‪ ,‬أما بعد موت الرسوؿ ((‪ )‬فبل يمكف ذلؾ ‪ ,‬فكاف‬
‫عدـ النص عمى واحد بعينو أصمح لؤلمة‬

‫مدة الخالفة في اإلسالـ‬

‫كانت الخبلفة بعد رسوؿ اهلل ((‪ )‬ثبلثيف عاماً ‪ ,‬وقد دلت السنة عمى ذلؾ ‪,‬‬
‫لما في مسند اإلماـ أحمد عف سفينة قاؿ سمعت رسوؿ اهلل ((‪ )‬يقوؿ ‪:‬‬
‫((الخبلفة ثبلثوف عاما ثـ يكوف بعد ذلؾ الممؾ قاؿ سفينة‪ :‬أ َْم ِس ْؾ‪ ,‬خبلفة أبي‬
‫بكر (رضي اهلل عنو) سنتيف وخبلفة عمر (رضي اهلل عنو) عشر سنيف وخبلفة‬
‫عثماف (رضي اهلل عنو) اثني عشر سنة وخبلفة عمي ست سنيف (رضي اهلل‬
‫عنيـ) (ٔ)‪.‬‬

‫قاؿ السيوطي في تاريخو ‪ :‬قاؿ العمماء لـ يكف في الثبلثيف بعده ((‪ )‬إال‬
‫الخمفاء األربعة ‪ ,‬وأياـ الحسف (ٕ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) مسند اإلماـ أحمد ‪ ,‬حديث رقـ ٕٕٔٗٔ ‪.‬‬
‫(ٕ) تاريخ الخمفاء ص ٔٔ ‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثاني ‪ :‬كيفية اختيار الخميفة‬

‫بالبحث فى كيفية اختيار الخميفة ػ رئيس الدولة ػ تبيف أف الخميفة كػاف يػتـ‬
‫توليتو باالنتخػاب أو االختيػار (ٔ) مػف قبػؿ المسػمميف ‪ ,‬سػواء كػاف ىػذا االختيػار‬
‫‪,‬‬ ‫‪ ,‬أو عمػى مػرحمتيف كاختيػار عثمػاف‬ ‫عمى مرحمة واحدة كاختيػار الصػديؽ‬
‫حيث تـ اختياره أوالً مف قبؿ أىؿ الشورى ‪ ,‬ثـ اختياره مف المسمميف ‪.‬‬
‫حتى والية العيػد يمػزـ ليػا قبػوؿ أو بيعػة المسػمميف لػولى العيػد لكػى يصػير‬
‫‪ ,‬فمو لـ يبايعو أىؿ القػدرة وينفػذوا عيػد أبػى‬ ‫خميفة ‪ ,‬كما فى والية سيدنا عمر‬
‫بكر لـ يصر خميفة ‪ .‬كما قاؿ ابف تيمية (ٕ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬يـى اشيـ أن أن امة ةــن ش ــص ةــل ادلةـ ىت اشأ ةــن اشــٌب يــَبك اشالمـى ‪ ،‬بـ شرةــن امنــقة ن ـ ـ ــل اشـ يل ـ ة‬
‫جيب ل ه تأ ْب اخلل فـن ـ امةـ م ـ ةـل أـ و ـلا اخلل فـن‬ ‫امنقم ال جيوز شالىب إغف شه ال تفويضه إىل األةن‬
‫جيب أن يكون ةأةوة ً ةل اشكب ئى اشةغ ئى دل أث اهلل زلم اً ‪ ‬م الق اشىن شن نص ل أن اخلل فـن ةـل‬
‫أ و ل ـل أ ا شـب ـ ـىم اهلل بـه ـ انـ شوا لـ دشـ أشـن ةـ أنـنل اهلل نـ ةـل نـلع ن ـث يأى‪،‬بـ‬
‫ب لة اش الن اشالبوين ال نقلن اشيىيأن ‪،‬ق اىيق شإلة ةن ال م إال اشالص شلمني ةل اش فة ول أ اشي أن‬
‫ىف امة ةــن يىا ــا ن ا ــل ت م ــن ن ةالبـ ج اش ـالن اشالبويــن ة ن ــن ىابــن ط ن ‪ 1416 1‬م حتق ــق أ ‪ /‬زلمـ ـ أ‬
‫يىا ا ةل اشك ب احل يثن أ ‪ /‬زلم أ‪،‬ص ثم ن ‪ .‬ي نن اش شن ىف اشفقه امنقة‬ ‫ن ‪ 124 / 1‬ة أ‬
‫أا اشك ب اجل ةأ اشق ىة ص ن ‪ 195‬ة أ ‪ .‬الء ـ أ اشي أن ـ شقبوا أ مسوا شىا‪،‬ضـن شى‪،‬ضـبم أ ـ كـى‬
‫شى‪،‬ضبم زي ل ل ال ة أ ى إة ةن أ كى مى ث ـ ل زيـ ن ر ‪،‬ضـو‬ ‫مى ـ ض اهلل البم ـ‬
‫‪ ،‬موا شىا‪،‬ضن مسوا أن ألهنم شوا ضلل ةل أن ل ‪ . ‬شلمني ةل اش فة يىا ـا بـ ب ـل ةالةـو‬
‫احلالبل ن اشرب ن ىف ةأى‪،‬ن ق ئ أ األأي ن أا اشـَباث اشأـى حتق ق‪/‬يل ـ أإـ إ ـىا م احلـ ج ط‪1411 2/‬‬
‫ـ ـ ‪1981‬م ص ‪ 36‬ة أ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ‪. 531 / 1‬‬
‫‪54‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫واالنتخػػاب فػػي لغػػة العػػرب االنت ػزاع واالختيػػار واالنتقػػاء ‪ ,‬ومنػػو النخبػػة وىػػـ‬
‫الجماع ػػة تخت ػػار م ػػف الرج ػػاؿ فتنت ػػزع م ػػنيـ (ٔ) وف ػػى ح ػػديث ع ػػامر ب ػػف األك ػػوع "‬
‫(ٕ) ‪.‬‬ ‫انتخب مف الرجاؿ مائة رجؿ فاتبعيـ "‬
‫وسميت بيعة‬ ‫لئلماـ(ٖ)‬
‫وعرؼ صاحب كتاب التعاريؼ البيعة ‪ ,‬بذؿ الطاعة‬ ‫ّ‬
‫ألف الشخص يضع يػده فػى يػد مػف يختػاره لمخبلفػة ػ رئػيس الدولػة ػ ليعقػد لػو ىػذه‬
‫(ٗ)‬ ‫الوالية‬
‫‪ ,‬ق ػػاؿ تع ػػالى ‪:‬‬

‫(٘) ‪.‬‬

‫وقػػاؿ ابػػف منظػػور ‪ ,‬أف البيعػػة ىػػى المعاقػػدة والمعاىػػدة ‪ ,‬كػػأف كػػؿ واحػػد بػػاع‬
‫(‪.)ٙ‬‬ ‫ما عنده وأعطاه خالصة نفسو وطاعتو ودخيمة أمره‬
‫والبيعػ ػػة فػ ػػي الفكػ ػػر السياسػ ػػي اإلس ػ ػػبلمى تعنػ ػػى اختيػ ػػار السػ ػػمطة الحاكم ػ ػػة‬
‫ومعاىدتيا عمى السمع والطاعة ‪ ,‬وىذا المعنى ىو نفسو المقصػود مػف االنتخػاب‬
‫الذى يعد وسيمة يعبر مف خبلليا الشخص عػف إرادتػو ورغبتػو فػي اختيػار حاكمػو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ةالمو ن ش ن اشأىب ‪ 751 / 1‬ـ اشفّب زآ أ ن اشقـ ةوب ايـ ‪ :‬ن ص ‪ 175‬ـ اشف ـوة ن ادلةـب ح ادلالـّب ‪/ 2‬‬
‫‪ 596‬ـ ا ل األثّب ن اشالب ين ىف غىيب احل يث األثى ‪. 69 / 5‬‬
‫‪. 462 / 7‬‬ ‫(‪ )2‬ا ل جى ن ‪ ،‬ح اشب‬
‫(‪ )3‬زلم ب اشىؤف ادلال ن اش و ف ل ةبم ت اش أ يف ص ‪. 153‬‬
‫(‪ )4‬ا ل األثّب ن اشالب ين ىف غىيب احل يث األثى ‪. 716 / 1‬‬
‫(‪ )5‬نو ة اشف ح ن اآلين ن ‪11‬‬
‫ن ب اشأْب ‪. 265 / 2‬‬ ‫(‪ )6‬ا ل ةالمو ن ش ن اشأىب ‪ 23 / 8‬ـ اشفىا‬
‫‪55‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ممزم ػ ػاً كػ ػػؿ مسػ ػػمـ بالمشػ ػػاركة فػ ػػى االنتخابػ ػػات الرئاسػ ػػية‬ ‫‪ ,‬لػ ػػذلؾ عبػ ػػر النبػ ػػى‬
‫جاىمية)(ٔ)‬ ‫بقولو‪(:‬ومف مات وليس فى عنقو بيعة مات ميتة‬
‫والمتتبػػع لطػػرؽ توليػػة الخمفػػاء ال ارشػػديف يجػػدىا قػػد تمػػت كميػػا باالختيػػار مػػف‬
‫حيث طبؽ ىػؤالء الخمفػاء كػؿ المبػادئ اإلسػبلمية بػدوف تحريػؼ‬ ‫المسمميف(ٕ)‬ ‫قبؿ‬
‫وال تبديؿ ‪ ,‬بعيداً عف نزواتيـ الشخصية ‪ ,‬وأرسوا الكثيػر مػف القواعػد فػى المجػاؿ‬
‫السياس ػػي المس ػػتوحاة م ػػف الكت ػػاب والس ػػنة المطيػ ػرة ‪ ,‬مم ػػا أض ػػفى عميي ػػا طابعػ ػاً‬
‫إسػػبلمياً أصػػيبلً ‪ ,‬وقػػد ظيػػر ذلػػؾ بوضػػوح فػػى اختيػػار أو انتخػػاب ى ػؤالء الخمفػػاء‬
‫عمى النحو التالى ‪ :‬ػ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ـ ل حتــى اخلـى ج‬
‫(‪ )1‬ة ــلم ن يــم ح ة ــلم ن ـ ب امةـ ة ـ ب ةقزةــن د ــن ادل ــلمْب الـ وبــو اشفــًب ىف ـ‬
‫يث م ‪. 1478 / 3 1851‬‬ ‫ل اشع ن ةف ن اجلم ن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أ و األ ل ادلوأ أ ن ت يل اش ن و امنقة أا اشَباث اشأى شلعب ن اشاليى اش وزيا ص ‪ 32‬ة أ‬
‫‪56‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(‪. )1‬‬ ‫( ‪ 13 – 12‬ىػ )‬ ‫أوالً ‪ :‬انتخاب أبى بكر الصديؽ‬


‫كانػت باالنتخػاب مػف‬ ‫وقد عبػر ابػف تيميػة عػف أف خبلفػة سػيدنا أبػى بكػر‬
‫قػػد أرشػػد األمػػة إلػػى أف أبػػا بكػػر أحػػؽ بالخبلفػػة ‪,‬‬ ‫قبػػؿ المسػػمميف وأف الرسػػوؿ‬
‫وكاف قد عزـ عمى أف يكتب كتاباً يعيد فيو ألبى بكر بالخبلفة ‪ ,‬إال أنو لـ يفعؿ‬
‫ذلؾ لعممػو بػأف المسػمميف سػيختارونو خميفػة لمػا فيػو مػف م ازيػا عديػدة ‪ ,‬فقػاؿ ابػف‬
‫دلػػت النصػػوص الصػػحيحة عمػػى صػػحتيا وثبوتيػػا‬ ‫تيميػػة ‪ " :‬فخبلفػػة أبػػى بكػػر‬
‫لػػو بيػػا وانعقػػدت بمبايعػػة المسػػمميف لػػو واختيػػارىـ إيػػاه‬ ‫ورضػػا اهلل ورسػػوؿ اهلل‬
‫اختيا اًر استندوا فيو إلى ما عمموه مػف تفضػيؿ اهلل ورسػولو وأنػو أحقيػـ بيػذا األمػر‬
‫عند اهلل ورسولو ‪ ,‬فصارت ثابتة بالنص واإلجماع جميعاً ‪ ,‬ولكف النص دؿ عمى‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬د ــب أ إىل أن ن إة ةــن أ كــى ‪ ‬ثب ــص ـ شالص اخلفـ ام ـ ة اشضـمال ن إىل يق‪ ،‬ــه انـ ل أيــم ب ــلا‬
‫اشب ـ‬ ‫اشـىأ ـ ن اشالــىب ‪ ‬ـ م أ ـ كــى ىف اشةــقة أيـ م ةىضــه ىف ــلا إ ـ ة إىل إة ةــن أ كــى ‪،‬قـ‬
‫ة ـلم ىف يـم م بم ــل ئيـن ـ ضـ اهلل البـ ـ أهنـ شـص ن ر ـ ل نـول اهلل ‪ ‬ن ةـى ا أ ـ كـى أن يةــل‬
‫ـ ـ ب األدان ـ ـ ب ـ ـ ادلـ ـىي أن يي ــب اجلم ــن ــم ‪633‬‬ ‫شالـ ـ ب ‪ ...‬ر اشب ـ ـ ن ي ــم ح اشب ـ ـ‬
‫او أيض ً ىف ةواضا أيى ـ او ة لم ن يـم ح ة ـلم ـ ب اشةـقة ـ ب انـ قف امةـ م إدا‬ ‫‪236/1‬‬
‫ىض شه ل ةل ةىض أ نفى أ غّبمه ةل يةل شال ب ‪ ...‬م ‪. 311 / 1 418‬‬
‫يال ـب ـلا اشـىأ شلم ـل اشبةـى يىا ـا ىف دشـ ا ـل ثـّب اشب ايـن اشالب يـن ‪ 233 / 5‬ةـ أـ ـ بـ اشـىإل‬
‫ل أ كى اش وا ت يخ اخللف ء ةعبأن اش أ أة مبةى ط ‪ 1371 1 /‬ـ ‪1952 -‬م حتق ـق ‪ /‬زلمـ زلـ‬
‫د ـب أ‬ ‫اشـ يل بـ احلم ـ ص ن ‪ 58‬ةـ أـ ـ اشعـرب ـ ن تـ يخ اشىنـ ادللـوك ‪ 231 / 2‬ةـ أـ‬
‫آيى إىل أن يق‪،‬ن أ كى ثب ص شالص اجلل ةل ب اشىنول ‪ ‬ان ل أنة لا اشىأ مبـ او ة ـلم ـل‬
‫ئين ـ ض اهلل الب ـ أن اشالىب ‪ ‬ل ذل ىف ةىضه ن ر اأ ىل أ ك أيـ ك ـٌب أ ـب ـ ً ‪،‬ـإ أيـ ف أن‬
‫ي م ــُب ة ـ مل يق ــول ئ ـ أنـ ـ أ ىل ي ـ اهلل ادل ةال ــون إال أ ـ ك ــى ر ة ــلم ن ي ــم ح ة ــلم ـ ب ‪،‬ض ـ ئ‬
‫اشةــم ن ـ ب ةــل ‪،‬ض ـ ئ أ كــى اشة ـ يق ‪ ‬ــم ‪ 1857 / 4 2387‬يىا ــا ىف ــلا اش ـىأ ا ــل‬
‫ثـّب ن اشب ايــن اشالب يــن ‪ 111 / 1‬ـ غــّب أن اشـىأ اشـىا ح اشةــم ح أن يق‪،‬ــن أ كــى نــص الي ـ ةــل بـ‬
‫يكل ال ك نص ال أل كى م ز م أ اش الن ال شأل م ز م اشىا‪،‬ضن ‪.‬‬ ‫ادل لمْب‬
‫يىا ا ن ا ل ثّب ن اشب اين اشالب ين ‪. 251 / 5‬‬
‫‪57‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫رضا اهلل ورسولو بيا وأنيا حؽ وأف اهلل أمر بيذا وقػدره وأف المػؤمنيف يختارونػو ‪,‬‬
‫وكػػاف ىػػذا أبمػػغ مػػف مجػػرد العيػػد بيػػا ألنػػو حينئػػذ كػػاف يكػػوف طريػػؽ ثبوتيػػا مجػػرد‬
‫العيد ‪ ,‬وأما إذا كاف المسمموف قد اختػاروه مػف غيػر عيػد ودلػت النصػوص عمػى‬
‫صوابيـ فيما فعموه ورضا اهلل ورسولو بذلؾ كاف ذلؾ دليبلً عمى أف الصديؽ كػاف‬
‫فيو مف الفضائؿ التى باف بيا عف غيره ما عمـ المسمموف بو أنو أحقيـ بالخبلفػة‬
‫"(ٔ) ‪.‬‬

‫والح ػوار الػػذى دار بػػيف بع ػض الميػػاجريف بقيػػادة أبػػى بكػػر وبػػيف األنصػػار‬
‫يثب ػػت بم ػػا ال ي ػػدع مج ػػاالً لمش ػػؾ أف تولي ػػة أب ػػى بك ػػر‬ ‫بزعام ػػة س ػػعد ب ػػف عب ػػادة‬
‫الخبلفػػة كانػػت باالنتخػػاب ‪ ,‬أو مػػا يمكػػف أف نطمػػؽ عميػػو بمغػػة العصػػر الحػػديث‬
‫(االقتراع الحر المباشر) مف قبؿ الحاضريف فى سقيفة بنى ساعدة ‪.‬‬
‫أف سػعد بػف عبػادة كػاف مرشػحاً لمخبلفػة مػف قبػؿ‬ ‫التػاريخ(ٕ)‬ ‫وتروى لنا كتػب‬
‫األنص ػػار ‪ ,‬وأف أب ػػا بك ػػر ك ػػاف مرش ػػحاً م ػػف قب ػػؿ المي ػػاجريف ‪ ,‬ودار الحػ ػوار ب ػػيف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ‪.525 524 / 1‬‬
‫(‪ )2‬ةل ب اش يخ اشٌب تال شص لا ادلوضوع ن يىا ا ن أ ـو اشفـىج ـل بـ اشـىإل ـل لـ ـل زلمـ ن يـفن اشةـفوة‬
‫‪/1‬‬ ‫أا ادلأى‪،‬ن ّب ت ‪ .‬ط‪ 1399 2 /‬ـ ‪1979 -‬م حتق ق ‪ /‬زلموأ ‪ ،‬يو أ ‪ /‬زلم اب لأـه ـ‬
‫ـ أ ــو ــم زلم ـ ا ــل ب ـ ن ــل أإ ـ‬ ‫‪ 254‬ة ـ أ ـ ن ا ــل ت م ــن ن ةالب ـ ج اش ـالن اشالبويــن ‪ 51 / 2‬ة ـ أ ـ‬
‫اش م مـي اشب ــُب ن اشثقـ ت أا اشفكــى ط ‪ 1395 1 /‬ـ ‪1975 -‬م حتق ــق اش ـ ــىف اشـ يل أإـ ‪/ 2‬‬
‫ـ اخلنا ن ختىيج اش الالت اش مأ ن شه ‪ ‬ةل احلىف اشةـال ت اشأمـ الت حتق ـق ن إ ـ ن‬ ‫‪ 154‬ة أ‬
‫اشغىب امنقة ّب ت ن ‪1985‬م ‪ 381 / 1‬ة أ ـ ا ـل ثـّب ن اشب ايـن اشالب يـن ‪245 / 5‬‬ ‫ب ب ط‪ .‬أا‬
‫يخ اخللف ء ‪ 63/1‬ة أ ـ اشعرب ن ت يخ اشىنـ ادللـوك ‪ 233/2‬ةـ أـ ـ ضـ اشـ يل بـ‬ ‫ـ اش وا ن ت‬
‫امجي ن ب ادلوا ف أا اجل ـ ـّب ت ط‪1997 1 /‬م حتق ـق أ ‪ /‬بـ اشـىإل مـّبة ‪/ 3‬‬ ‫اشىإل ل أإ‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 589‬ة أ‬
‫‪58‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الف ػريقيف ‪ ,‬فتحػػدث األنصػػار عػػف فضػػميـ فػػى اإلسػػبلـ وتحػػدث الميػػاجروف عػػف‬
‫ولػػـ يػػدـ ىػػذا‬ ‫سػػابقتيـ فيػػو ‪ ,‬وخاصػػة سػػابقة أبػػى بكػػر وفضػػمو وصػػحبتو لمنبػػى‬
‫النقػػاش طػػويبلً ‪ ,‬فسػػرعاف مػػا انتيػػى بانتخػػاب سػػيدنا أبػػى بكػػر بأغمبيػػة الحاضػريف‬
‫‪.‬‬ ‫فى سقيفة بنى ساعدة خميفة لرسوؿ اهلل‬
‫فقد حكى الطبرى(ٔ) وابف قتيبة(ٕ) أف األنصار قد اجتمعوا فور وفاة النبػى‬
‫فى سقيفة بنى ساعدة لمنظر فى أمػر الخبلفػة ‪ ,‬وقػاؿ سػعد بػف عبػادة البنػو قػيس‬
‫رضػػى اهلل ع نيمػػا إنػػى ال أسػػتطيع أف أسػػمع النػػاس لمرضػػى ‪ ,‬ولكػػف تمقػػى منػػى‬
‫قػػولى فأسػػمعيـ ‪ ,‬فكػػاف سػػعد يػػتكمـ ويحفػػظ ابنػػو ويرفػػع صػػوتو لكػػى يسػػمع قومػػو ‪,‬‬
‫‪ ,‬فكػػاف‬ ‫فأخػػذ يػػتكمـ ليسػػتميؿ قمػػوب األنصػػار نحػػوه لينتخبػػوه خميفػػة لرسػػوؿ اهلل‬
‫ممػا قػاؿ ػ كمػا حكػى ابػف قتيبػة ػ ‪ " :‬يػا معشػر األنصػار إف لكػـ سػابقة فػى الػديف‬
‫لبػػث فػػى قومػػو‬ ‫وفضػيمة فػػى اإلسػػبلـ ليسػػت لقبيمػػة مػػف العػػرب ‪ ,‬إف رسػػوؿ اهلل‬
‫بضػػع عش ػرة سػػنة يػػدعوىـ إلػػى عبػػادة الػػرحمف ‪ ,‬وخمػػع األوثػػاف فمػػا آمػػف بػػو مػػف‬
‫‪ ,‬وال يعرفوا دينو ‪,‬‬ ‫قومو إال قميؿ ‪ ,‬واهلل ما كانوا يقدروف أف يمنعوا رسوؿ اهلل‬
‫وال يدافعوا عف أنفسيـ حتى أ ارد اهلل بكـ الفضيمة ‪ ,‬وساؽ إليكـ الكرامة‪ ,‬وخصكـ‬
‫‪ ,‬والمنع لو وألصحابو واإلعزاز لدينو ‪,‬‬ ‫بالنعمة ‪ ,‬ورزقكـ اإليماف بو وبرسولو‬
‫والجيػػاد ألعدائػػو ‪ ,‬فكنػػتـ أشػػد النػػاس عمػػى مػػف تخمػػؼ عنػػو مػػنكـ ‪ ,‬وأثقمػػو عمػػى‬
‫عدوكـ مف غيركـ ‪ ,‬حتى استقاموا ألمر اهلل تعالى طوعاً وكرىػاً ‪ ,‬وأعطػى البعيػد‬
‫المقػادة صػاغ اًر داحػ اًر حتػى أثخػف اهلل تعػالى لنبيػو بكػـ األرض ‪ ,‬ودانػت بأسػيافكـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اشعرب ن ت يخ اشىن ادللوك ‪ 233 / 3‬ة أ‬
‫(‪ )2‬ا ل بن ن امة ةن اش ن ن ‪. 5 / 1‬‬
‫‪59‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لػػو العػػرب ‪ ,‬وتوفػػاه اهلل تعػػالى وىػػو راض عػػنكـ قريػػر العػػيف ‪ ,‬فشػػدوا أيػػدكـ بيػػذا‬
‫األمر ‪ ,‬فإنكـ أحؽ الناس وأوالىـ بو " ‪.‬‬
‫وقد أثػر سػعد بػف عبػادة بكبلمػو ىػذا فػى األنصػار حتػى انحػازوا لػو ورشػحوه‬
‫لمخبلفة وأجابوه قائميف ‪ " :‬أف قد وفقت فى الرأى وأصػبت فػى القػوؿ ‪ ,‬ولػف نعػدو‬
‫ما رأيت توليتؾ ىذا األمر ‪ ,‬فأنت مقنع ولصالح المؤمنيف رضا " ‪.‬‬
‫ىػػذا عػػف ترشػػيح سػػعد بػػف عبػػادة لمخبلفػػة ‪ ,‬أمػػا ترشػػيح سػػيدنا أبػػى بكػػر فقػػد‬
‫حكػػى المؤرخػػوف أنػػو عنػػدما وصػػؿ الخبػػر ػ خبػػر اجتمػػاع األنص ػار فػػى السػػقيفة‬
‫وىو يومئذ مشغوؿ بتجييز رسػوؿ‬ ‫لمنظر فى أمر الخبلفة ػ إلى سيدنا أبى بكر‬
‫فخرجػػا مسػػرعيف إلػػى‬ ‫‪ ,‬فػزع أشػػد الفػػزع ‪ ,‬فقػػاـ ومعػػو عمػر بػػف الخطػػاب‬ ‫اهلل‬
‫فاصػػطحباه وانطمق ػوا حتػػى وصػػموا إلػػى‬ ‫السػػقيفة ‪ ,‬فمقيػػا أبػػا عبيػػدة بػػف الج ػراح‬
‫وأخػػذ يعػػدد مناقػػب الميػػاجريف ‪ ,‬وأنيػػـ أحػػؽ بالخبلفػػة‬ ‫السػػقيفة ‪ ,‬فػػتكمـ أبػػو بكػػر‬
‫مف األنصار ‪ ,‬فكاف مما قاؿ بعد أف حمد اهلل وأثنى عميػو وصػمى عمػى رسػولو ‪:‬‬
‫باليػػدى وديػػف الحػػؽ ‪ ,‬فػػدعا إلػػى اإلسػػبلـ ‪,‬‬ ‫" إف اهلل جػػؿ ثنػػاؤه بعػػث محمػػداً‬
‫فأخػػذ اهلل تعػػالى بنواصػػينا وقموبنػػا إلػػى مػػا دعػػا إليػػو ‪ ,‬فكنػػا معشػػر الميػػاجريف أوؿ‬
‫‪ ,‬ونحػػف مػػع‬ ‫النػػاس إسػػبلماً ‪ ,‬والنػػاس لنػػا فيػػو تبػػع ‪ ,‬ونحػػف عشػػيرة رسػػوؿ اهلل‬
‫ذلػػؾ أوسػػط العػػرب أنسػػاباً ‪ ,‬وليسػػت لقبيمػػة مػػف قبائػػؿ العػػرب ‪ ,‬إال ولق ػريش فييػػا‬
‫والدة " ‪ ,‬وأخػػذ يسػػتميؿ األنصػػار نحػػوه ونحػػو الميػػاجريف ليكسػػب ودىػػـ ويحصػػؿ‬
‫عمػى أصػواتيـ لتػرجيح كفػة الميػاجريف فػى انتخابػات الرياسػة ‪,‬فكػاف ممػا قػػاؿ ‪" :‬‬
‫وأنػػتـ أيضػاً ػ أى األنصػػار ػ واهلل الػػذيف آووا ونصػػروا وأنػػتـ وزراؤنػػا فػػى الػػديف ‪,‬‬
‫‪ ,‬وأنػػتـ إخواننػػا فػػى كتػػاب اهلل تعػػالى وشػػركاؤنا فػػى ديػػف اهلل‬ ‫ووزراء رسػػوؿ اهلل‬
‫عز وجؿ وفيما كنا فيو مف سراء وضػراء واهلل مػا كنػا فػى خيػر قػط إال كنػتـ معنػا‬
‫فيػػو فػػأن تـ أحػػب النػػاس إلينػػا وأكػػرميـ عمينػػا ‪ ,‬وأحػػؽ النػػاس بالرضػػا بقضػػاء اهلل‬
‫‪61‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫تعالى ‪ . .‬وأنتـ المؤثروف عمى أنفسيـ حيف الخصاصة " وفى محاولة مػف سػيدنا‬
‫أبى بكر لمحو الشؾ مف قموب األنصار فى أف أبػا بكػر يطمبيػا لنفسػو ‪ ,‬فقػد قػاـ‬
‫ورشػػح لمخبلفػػة عمػػر بػػف الخطػػاب وأبػػا عبيػػدة بػػف الج ػراح ‪ ,‬حيػػث قػػاؿ ‪ " :‬وانمػػا‬
‫أدعوكـ إلى أبى عبيدة أو عمر وكبلىمػا قػد رضػيت لكػـ ‪ ,‬وليػذا األمػر وكبلىمػا‬
‫لو أىؿ " وفى رواية ابف عباس عف عمر أنو قاؿ ‪ " :‬وقد رضيت لكـ أحد ىػذيف‬
‫‪ .‬غيػػر أف أبػػا‬ ‫"(ٔ)‬ ‫الػػرجميف وأخػػذ بيػػدى ويػػد أبػػى عبيػػدة فمػػـ أك ػره ممػػا قػػاؿ غيرىػػا‬
‫عبيدة وعمر لـ يوافقا عمى التقدـ عمى أبى بكر ‪ ,‬وأنك ار عميو ترشػيحو ليمػا فقػاال‬
‫ػ أى أبو عبيدة ‪ ,‬وعمر ‪ " :‬ما ينبغى ألحد مف الناس أف يكوف فوقػؾ يػا أبػا بكػر‬
‫بالص ػػبلة فأن ػػت أح ػػؽ‬ ‫أن ػػت ص ػػاحب الغ ػػار وث ػػانى اثن ػػيف ‪ ,‬وأم ػػرؾ رس ػػوؿ اهلل‬
‫الناس بيذا األمر " ‪ ,‬ولػـ يسػتمر النقػاش طػويبلً ‪ ,‬فقػد بػادر سػيدنا عمػر باختيػار‬
‫أبى بكر ‪ ,‬حيث قاؿ لو ‪ " :‬مف ذا ينبغػى أف يتقػدمؾ ‪ ,‬ويتػولى ىػذا األمػر عميػؾ‬
‫‪ ,‬أبس ػػط ي ػػدؾ أبايع ػػؾ " ‪ ,‬وبع ػػد أف ب ػػايع س ػػيدنا عم ػػر أب ػػا بك ػػر بالخبلف ػػة اني ػػاؿ‬
‫المسمموف مف األنصار والمياجريف باختيار ومبايعة سيدنا أبى بكر‪ ,‬إال سعد بف‬
‫‪.‬‬ ‫يبايع(ٕ)‬ ‫عبادة الذى مات ولـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل جى ن ‪ ،‬ح اشب ‪. 31 / 7‬‬
‫(‪ )2‬يىا ا ‪ ،‬م نق ةل نةوص ن ا ل بن ن امة ةن اش نن ‪ 9 6 5 / 1‬يىا ـا ىف دات ادلأـُب شفـ ظ ىيبـن‬
‫اً أ و اشأب ب أإـ ـل زلمـ ـل زلمـ ـل لـ ـل جـى اذل مـ ن اشةـوا ق ايى ـن لـ أ ـ اشـى‪ ،‬اشضـقل‬
‫اشنن ن ة ن ن اشىن شن ّب ت ط‪ 1997 1 /‬م حتق ق ‪ /‬ب اشىإل ل ب اهلل اشَب ـ ةـ زلمـ اخلـىاط‬
‫ا ــل ــنم ن اشفة ـ ىف ادلل ـ األ ـواء اشالم ـ ةك بــن اخل ـ صل اشق ـ ىة ‪ 126 / 4‬ة ـ‬ ‫‪ 32 / 1‬ة ـ أ ـ‬
‫أ ـ أ و كى زلم ل اشع ب ل جى ل اشق نم أ و كى اشب ق ن دتب األ ائـ تل ـ ص اشـ الئ ة ن ـن‬
‫ـ ‪،‬مح ــل أإـ‬ ‫اشك ــب اشثق ‪ ،‬ــن ــّب ت ط‪1987 1 /‬م حتق ــق ن مـ أ اشـ يل ـ ‪ 494 / 1‬ةـ أـ‬
‫كمـ ـ ن ةأ ـ ـ ج اشقبـ ــول يـ ــىح ن ــلم اشويـ ــول إىل ل ــم األي ــول أا ا ــل اشقـ ـ م ‪ .‬اش ـ ـ ة م ط‪ 1411 1 /‬ـ ـ ‪-‬‬
‫=‬
‫‪61‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ويتضح مف ذلؾ أف سعد بف عبادة كاف مرشحاً ََ لمخبلفة مف قبػؿ األنصػار‬


‫‪ ,‬وكػػاف أبػػو عبيػػدة وعمػػر مرشػػحيف ليػػا مػػف قبػػؿ أبػػى بكػػر الصػػديؽ ػ رضػػى اهلل‬
‫عنيـ أجمعيف ػ وكاف أبو بكر مرشحاً مف قبؿ أبى عبيدة وعمر ‪ ,‬ولكف األخيريف‬
‫لـ يوافؽ عمى ترشيح أبى بكر ليما وتنازال عف ىػذا الترشػيح ألبػى بكػر فانحصػر‬
‫الترشيح فى سعد بف عبادة وأبى بكر وتـ انتخاب أبى بكر فى نياية األمر ‪.‬‬
‫ليكػػوف الخميفػػة األوؿ فػػى‬ ‫فاجتمػػاع السػػقيفة قػػد انتيػػى بانتخػػاب أبػػى بكػػر‬
‫اإلسػػبلـ ‪ ,‬وأف ىػػذا االنتخػػاب قػػد تأكػػد وتقػػرر بمبايعػػة النػػاس لػػو بيعػػة عامػػة فػػى‬
‫المسجد فى اليوـ التالى ‪.‬‬
‫وكاف مما رجح كفة أبى بكر فى االنتخابات ‪ ,‬أنو أوؿ مف أسمـ مف الرجػاؿ‬
‫فى اليجرة ‪ ,‬حيث ورد ذكره فى القرآف إذ قاؿ تعػالى‬ ‫‪ ,‬وكاف صاحب الرسوؿ‬
‫‪:‬‬

‫‪ ,‬حيػػث قػػاؿ‬ ‫(ٔ) وأكثػػر النػػاس صػػحبة لمنبػػى‬


‫فيو ‪ " :‬فإنى ال أعمـ ام أر أفضؿ عندى يداً فى الصحبة مف أبى بكر "(ٕ) ‪ ,‬وقػاؿ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫‪1991‬م حتق ـق مـى ـل زلمــوأ ‪ 1132 / 3‬ـ ا ـل بـ ن ن اشثقـ ت ‪ 155 / 2‬ةـ أـ ـ ا ـل جـى ن ‪،‬ـ ح‬
‫اشب ‪ 31 / 7‬ة أ ـ ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبويـن ‪ 51 / 2‬ةـ أـ ـ ا ـل اجلـوز ن يـفن اشةـفوة‬
‫‪ 255 / 1‬ة أ ـ ا ل ثّب ن اشب اين اشالب يـن ‪ 246 / 5‬ةـ أـ ـ اش ـ وا ن تـ يخ اخللفـ ء ص ن ‪ 63‬ةـ‬
‫أ ـ اشعرب ن ت يخ اشىن ادللوك ‪ 233 / 2‬ة أ ‪.‬‬
‫(‪ )1‬نو ة اش و ن ن اآلين ن ‪. 41‬‬
‫(‪ )2‬اشـ ا ة ن نـالل اشـ ا ة ادلق ةـن ـ ب ىف ‪،‬ـ ة اشالـىب ـ ص ـ ـ يث ـم ‪ 51 / 1 81‬ـ ل الـه ـْب نـل م‬
‫او اشعربا ن ة ال اشي ة ْب ة ن ن اشىن شن‬ ‫أن ن يث شه ثق ت غّب أن زلم ل إنم ق ة شس‬
‫ب ـ ـ احلم ـ ـ اش ــلف ــم ‪ 3219‬ـ ـ ب ة ــل ‪،‬ضـ ـ ئ‬ ‫ــّب ت ‪ .‬ط‪ 1415 1/‬ـ ـ ‪ 1984 -‬م حتق ق‪/‬إ ـ ـ‬
‫=‬
‫‪62‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أيضػاً ‪ ( :‬ولػػو كنػػت متخػػذاً خمػػيبلً التخػذت أبػػا بكػػر خمػػيبل إف صػػاحبكـ خميػػؿ‬
‫قػد أمػره أف يصػمى بالنػاس فقػاؿ ‪ " :‬مػروا أبػا‬ ‫وىذا بجانػب أف النبػى‬ ‫)(ٔ)‬ ‫اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫"(ٕ)‬ ‫بكر فميصمى بالناس‬
‫ػ يصمى بالناس ثبلثػة أيػاـ ‪ ,‬صػمى‬ ‫وقاؿ الطبرى ‪ " :‬فمكث ػ أى أبو بكر‬
‫بيـ سبعة عشرة صبلة "(ٖ) ‪.‬‬
‫فيػى خبلفػة تمػت باختيػار المسػمميف‬ ‫ىذا ما كاف مف أمر خبلفة أبى بكر‬
‫؛ ألف أبا بكر سػار عمػى نيػج رسػوؿ اهلل تعػالى‬ ‫‪ ,‬وكانت استم ار اًر لعيد النبى‬
‫‪ ,‬وقاؿ ‪ " :‬وانى واهلل ال أدع أم اًر رأيت رسوؿ اهلل يصنعو إال صػنعتو "(ٗ) ‪ ,‬وقػاؿ‬
‫‪ ,‬أى متبػع سػنة‬ ‫"(٘)‬ ‫فى أوؿ خبلفتو ‪ " :‬أييا الناس إنما أنػا متبػع ولسػت بمبتػدع‬
‫ومقتفياً أثره غير مبدؿ وال مخترع ‪.‬‬ ‫الرسوؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫ل أيوب ل يّب ‪. 256 / 4‬‬ ‫ب اشن ى‬ ‫أ ب ل أ إنة ‪..‬‬
‫ـم‬ ‫(‪ ) 1‬ة لم ن يم ح ة لم ب ‪،‬ضـ ئ اشةـم ن ـ ضـ اهلل ـالبم ـ ـ ب ةـل ‪،‬ضـ ئ أ كـى اشةـ يق ـ ض ـ‬
‫ـ ب اخلويــن ادلمــى ىف ادل ــج‬ ‫ـ ب أ ـواب ادل ـ‬ ‫‪ 1855 / 4 2383‬ـ اشب ـ ن يــم ح اشب ـ‬
‫يث م ‪ 178 / 1 455‬اشلفمح دل لم ‪.‬‬
‫ب اآلدان ب ادلىي أن ييب اجلم ـن ـم ‪ 236 / 1 633‬ـ ة ـلم ن‬ ‫ن يم ح اشب‬ ‫(‪ )2‬اشب‬
‫يم ح ة لم ب اشةقة ب ان قف امة م إدا ىض شـه ـل ‪ ..‬ةـل يةـل شالـ ب ر ‪ .‬ـم ‪1 418‬‬
‫‪. 311 /‬‬
‫(‪ )3‬اشعرب ن ت يخ اشىن ادللوك ‪. 213 / 2‬‬
‫ىف نفس ادلأُب يىا ا ن ا ل ب ن ن اشثق ت ‪ 164 / 2‬ـ ا ل ت م ـن ن ةالبـ ج‬ ‫(‪ )4‬اشعرب ن ادلى ا اش ق ‪236 / 2‬‬
‫اش الن اشالبوين ‪. 334 / 8‬‬
‫(‪ )5‬أ ــو بـ اهلل زلمـ ــل نــأ ــل ةال ــا اشبةــى اشن ــى ن اشعبقـ ت اشكــرب أا يـ أ ــّب ت ‪ 183 / 3 .‬ىف دات‬
‫ادلأُب يىا ا ن ا ل ت م ن ن تل ص ب االن غ ثن ( اشـىأ لـ اشبكـى ) ةك بـن اشغى ـ ء األثىيـن ن ادل يالـن ادلالـو ة ط‪/‬‬
‫‪ 1417 1‬ـ حتق ـق ‪ /‬زلمـ لـ جـ ل ‪ 466 / 2‬ـ ا ـل اجلـوز ن يـفن اشةـفوة ‪ 261 / 1‬ـ ا ـل ثـّب ن اشب ايـن‬
‫=‬
‫‪63‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والناظر فى كيفية تولية أبى بكػر الخبلفػة يجػدىا قػد جػاءت بانتخػاب غالبيػة‬
‫المسمميف ‪ ,‬ال فرؽ بيف المػوظفيف مػنيـ وغيػر المػوظفيف ‪ ,‬فصػفة الموظػؼ لػيس‬
‫ليا أى تأثير فى الحد مف ممارسة حقو فى االنتخاب ‪.‬‬
‫( ٖٔ – ٖٕ ىػ ) ‪:‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬كيفية اختيار عمر بف الخطاب‬
‫ػ مميئة باألحداث السياسية ‪,‬‬ ‫قصرىا(ٔ)‬ ‫ػ بالرغـ مف‬ ‫كانت خبلفة أبى بكر‬
‫فقػػد ش ػيدت حػػروب الػػردة ‪ ,‬كمػػا شػػيدت بػػدء الفتوحػػات اإلسػػبلمية خػػارج الجزي ػرة‬
‫العربية واشتباؾ جيوش المسمميف فى القتاؿ مع الفرس والروـ وخشى أبو بكر‬
‫عمى المسميف مف التفرؽ فى ىذا الوقت العصيب ‪ ,‬خاصة وقػد شػعر بػدنو أجمػو‬
‫‪ ,‬وأف مصػػمحة المسػػمميف توجػػب أف يعقػػد العيػػد بالخبلفػػة ألحػػد أصػػحابو حتػػى ال‬
‫يحػػدث مػػا حػػدث مػػف خػػبلؼ فػػى اجتمػػاع السػػقيفة ‪ ,‬فاختػػار أقػػوى وأكفػػأ الصػػحابة‬
‫‪ ,‬ولكف لـ يتـ لو العقػد إال بعػد مشػاورة‬ ‫لقيادة المسمميف وىو عمر بف الخطاب‬
‫الصحابة فى ىذا االختيار(ٕ) ‪.‬‬
‫لػـ يكػف مسػتبداً فػى اختيػار عمػر بػف‬ ‫وتروى لنػا كتػب التػاريخ أف أبػا بكػر‬
‫الخطػػاب خميفػػة عمػػى المسػػمميف ‪ ,‬بػػؿ شػػاور كبػػار الصػػحابة فػػى ذلػػؾ ‪ ,‬وقػػد ذكػػر‬
‫ابف حباف فػى الثقػات أف أـ المػؤمنيف عائشػة ػ رضػى اهلل عنيػا ػ قػد أشػارت عمػى‬
‫أبى بكر أبييا وىو فى مرضو أف يستخمؼ عمر ‪ ,‬فقالػت عائشػة ػ كمػا روى ابػف‬
‫حباف ػ ألبييا ‪ " :‬أتريد أف تعيد إلى الناس عيداً ؟ قاؿ نعـ ‪ ,‬قالت ‪ :‬فبيف لمناس‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫اشالب ين ‪ 313/6‬ـ اش وا ن ت يخ اخللف ء ص ن ‪ 63‬اشعرب ن ت يخ اشىن ادللوك ‪. 245 / 2‬‬
‫(‪ )1‬نص يق‪ ،‬ه نال ْب ثقثن أ بى اثالْب يىيل يوة ً ‪ .‬يىا ا ن ا ل ب ن ن اشثق ت ‪. 194 / 2‬‬
‫(‪ )2‬أ ‪ /‬زلم ض ء اش يل اشىيس ن اشالمىي ت اش ن ن امنقة ن ص ن ‪. 181‬‬
‫‪64‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫حتى يعرفػوا الػوالى بعػدؾ ‪ ,‬قػاؿ ‪ :‬نعػـ ‪ ,‬قالػت إف أولػى النػاس بيػذا األمػر بعػدؾ‬
‫عمر "(ٔ) ‪.‬‬
‫وغيرىمػػا مػػف المػػؤرخيف أف أبػػا بكػػر قبػػؿ أف‬ ‫حبػػاف(ٕ) والطبػػرى(ٖ)‬ ‫وذكػػر ابػػف‬
‫يعيد إلى عمر ػ رضى اهلل عنيما ػ استشار كبػار الصػحابة فػى ذلػؾ ‪ ,‬فػذكر ابػف‬
‫حباف ‪ " :‬فمما أصبح ػ أى أبو بكر ػ دعا نف اًر مف المياجريف واألنصار يستشيرىـ‬
‫فى عمر ‪ ,‬منيـ عثماف بف عفاف وعبد الرحمف بػف عػوؼ وسػعد بػف أبػى وقػاص‬
‫وسعيد بف زيد ‪ ,‬فقاؿ لعبد الرحمف بف عوؼ ‪ :‬يػا أبػا محمػد أخبرنػى عػف عمػر ‪,‬‬
‫فقػػاؿ ‪ :‬يػػا خميفػػة رسػػوؿ اهلل ىػػو واهلل أفضػػؿ مػػف أريػػؾ فيػػو مػػف رجػػؿ ‪ ..‬ث ػـ دعػػا‬
‫عثماف بف عفاف فقاؿ ‪ :‬يا أبا عبػد اهلل أخبرنػى عػف عمػر ‪ ,‬فقػاؿ ‪ :‬إف عممػى أف‬
‫سريرتو خير مف عبلنيتػو ‪ ,‬وأف لػيس فينػا مثمػو ‪ ,‬قػاؿ ػ أى أبػو بكػر ػ يرحمػؾ اهلل‬
‫يا أبا عبد اهلل " ‪.‬‬
‫بمش ػػاورة كب ػػار الص ػػحابة ‪ ,‬ب ػػؿ خ ػػرج ف ػػدعى الن ػػاس‬ ‫ول ػػـ يكت ػػؼ الص ػػديؽ‬
‫فػػالتفوا مػػف حولػػو فخيػػرىـ بػػيف أف يتػػرؾ ليػػـ اختيػػار الخميفػػة مػػف بعػػده وبػػيف أف‬
‫يفوضوه فى ذلؾ ‪ ,‬فػأجمعوا عمػى إسػناد ىػذه الميمػة لػو ‪ ,‬فقػد ذكػر ابػف قتيبػة ‪" :‬‬
‫قاؿ ‪ :‬ثـ أمر أف تجتمع لو النػاس ‪ ,‬فػاجتمعوا ‪ ,‬فقػاؿ‪ :‬أييػا النػاس ‪ ,‬قػد حضػرنى‬
‫مػػف قضػػاء اهلل مػػا تػػروف ‪ ,‬وانػػو ال بػػد لكػػـ مػػف رجػػؿ يمػػى أمػػركـ ‪ ,‬ويصػػمى بكػػـ ‪,‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ب ن ن اشثق ت ن ‪. 191 / 2‬‬
‫(‪ )2‬ا ل ب ن ن اشثق ت ن ‪. 192 191 / 2‬‬
‫(‪ )3‬اشعرب ن ت يخ اشىنـ ادللـوك ‪ 352 / 2‬ةـ أـ ـ يىا ـا ىف دات ادلأـُب ن أإـ ـل لـ اشقلقيـال ن يـبح‬
‫األ يـ ىف يـال ن امنيـ أا اشفكـى أةيــق ط ‪1987 1 /‬م ن حتق ــق أ ‪ /‬يونـف لـ اشعويـ ‪364 / 9‬‬
‫ة أ ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ويقاتؿ عدوكـ ‪ ,‬فيأمركـ‪ :‬فإف شئتـ اجتمعتـ فاتمرتـ ثـ وليػتـ عمػيكـ مػف أردتػـ ‪,‬‬
‫واف شئتـ اجتيدت لكـ رأى ‪ ,‬واهلل الذى ال إلو إال ىػو ال آلػوكـ فػى نفسػى خيػ اًر ‪,‬‬
‫قػػاؿ ‪ :‬فبكػػى وبكػػى النػػاس ‪ ,‬وقػػالوا ‪ :‬يػػا خميفػػة رسػػوؿ اهلل أنػػت خيرنػػا وأعممنػػا ‪,‬‬
‫فاختر لنا ‪ ,‬قاؿ ‪ :‬سأجتيد لكى رأى ‪ ,‬وأختار لكـ خيركـ إف شاء اهلل "(ٔ) ‪.‬‬
‫عمػػر كػػاف باتفػػاؽ مػػف‬ ‫وقػػد ذكػػر القمقشػػندى ‪ " :‬أف اسػػتخبلؼ أبػػى بكػػر‬
‫الصحابة مف غير نكير فكاف إجماعاً "(ٕ) ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فمما عمـ أبو بكر ىذا القبوؿ مف الصحابة أممى عمى عثمػاف بػف عفػاف‬
‫" بسػػـ اهلل الػػرحمف الػػرحيـ ‪ ,‬ىػػذا مػػا عيػػد بػػو أبػػو بكػػر بػػف أبػػى قحافػػة آخػرة عيػػده‬
‫بالدنيا نازحاً عنيا ‪ ,‬وأوؿ عيػده بػاآلخرة داخػبلً فييػا ‪ :‬إنػى أسػتخمؼ عمػيكـ عمػر‬
‫بػػف الخطػػاب ‪ ,‬فػػإف تػػروه عػػدؿ فػػيكـ ‪ ,‬فػػذلؾ ظنػػى بػػو ‪ ,‬ورجػػائى فيػػو ‪ ,‬واف بػػدؿ‬
‫"(ٖ)‬ ‫وغير فالخير أردت ‪ ,‬وال أعمـ الغيب وسيعمـ الذيف ظمموا أى منقمب ينقمبػوف‬
‫‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل بن ن امة ةن اش نن ‪. 99 / 1‬‬
‫(‪ )2‬اشقلقيال ن يبح األ ي ن ‪. 1365 / 9‬‬
‫ا ل ب ن ايـن ىيبـن ةـل دشـ نةـب ن ر ـ ل شأثمـ ن ا ـب ن‬ ‫(‪ )3‬ا ل بن ن امة ةن اش نن ن ‪19 / 1‬‬
‫لا ة ب ه أ و كى ل أ م ‪،‬ن إىل ادل لمْب أةـ أـ ‪ ...‬أغمـ ل ـه ‪،‬ـل ب الـه ‪،‬ك ـب ثمـ ن ن أةـ‬
‫آشــو م يـّباً أ‪،‬ـ ق أ ــو كــى ‪،‬قـ ل ن ا ـىأ لـ ‪،‬قـىأ ل ــه د ــى‬ ‫أـ ‪،‬قـ انـ لفص لـ كم مــى ــل اخلعـ ب‬
‫‪،‬ا أ و كى ي يه ‪،‬ق ل ن اشلبـم ش ـه غـّب أةـى نب ـ‬ ‫مى ‪،‬كرب أ و كى ‪،‬ق ل ن ناك اهلل ل امنقم يّباً‬
‫أ أ ــلش إال يــق بم يفــص ل ـ بم اشف الــن ‪،‬أملــص ‪ ،‬ـ بم مب ـ أنــص أ لــم ــه ‪ ..‬ر يىا ــا ىف دش ـ ا ــل ب ـ ن ن‬
‫ـ‬ ‫اشثقـ ت ن ‪ 193 192 /2‬يىا ــا ىف دات ادلأــُب ن ا ــل نــأ ن اشعبقـ ت اشكــرب ن ‪ 274 / 3‬ةـ أـ‬
‫اشعرب ن تـ يخ اشىنـ ادللـوك ‪ 2‬ن‪ 353 /‬ـ اشق ضـ أ ـو احل ـل بـ اجلبـ ـل أإـ األنـ آ أ ن ادلغـُب ىف أ ـواب‬
‫اش و ـ ـ اشأـ ـ ل ‪ .‬اشـ ـ ا ادلةـ ـىين شل ـ ـ ش ف اشَبد ــن حتق ــقن أ‪ /‬بـ ـ احلل ـ م زلم ــوأ أ‪/‬ن ــل م ن أن ـ اجل ــنء ادل ـ مم‬
‫شلأيىيل ن ص ن ‪7 6‬‬
‫‪66‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬أش ػػرؼ أب ػػو بك ػػر عم ػػى الن ػػاس فق ػػاؿ‪ " :‬أترض ػػوف بم ػػف‬ ‫الطبػ ػرى(ٔ)‬ ‫وذك ػػر‬
‫أستخمؼ عميكـ ؟ فإنى واهلل ما آلوت مف جيد الرأى ‪ ,‬وال وليت ذا قرابة وانػى قػد‬
‫استخمفت عمر بف الخطاب فاسمعوا لو وأطيعوا ‪ ,‬فقالوا سمعنا وأطعنا " ‪.‬‬
‫الخبلف ػػة يج ػػد أني ػػا ق ػػد تم ػػت‬ ‫والمتأم ػػؿ لطريق ػػة تولي ػػة عم ػػر ب ػػف الخط ػػاب‬
‫ب االختيار مف قبؿ كافة المسمميف ‪ ,‬وأف مسمؾ سيدنا أبى بكر ال يتعػدى الترشػيح‬
‫عمى مشػاورة المسػمميف‬ ‫ليذا المنصب ‪ ,‬وىذا الترشيح الذى اعتمد فيو أبو بكر‬
‫‪ ,‬وكػػذلؾ اعتمػػد عمػػى فضػػائمو فػػى اإلسػػبلـ ‪ ,‬وعمػػى عممػػو‬ ‫عمػػى شػػخص عمػػر‬
‫بأف المسمميف سيسمعوا لو ويطيعوا ‪ ,‬ىذا مف ناحية ‪ ,‬ومف ناحية أخرى أف الذى‬
‫دعا الصديؽ إلى مبدأ الترشيح لمخبلفة أساسػاً ‪ ,‬ىػو الخػوؼ مػف تفػرؽ المسػمميف‬
‫بعػػده عمييػػا ‪ ,‬خاصػػة وأف الدولػػة اإلسػػبلمية كانػػت فػػى ظػػروؼ صػػعبة آنػػذاؾ ‪,‬‬
‫حيث كانت حػروب الػردة ‪ ,‬مػف ناحيػة ‪ ,‬وحػرب الفػرس والػروـ مػف ناحيػة ثانيػة ‪,‬‬
‫وب ػػدء الفتوح ػػات اإلس ػػبلمية خ ػػارج الجزيػ ػرة العربي ػػة م ػػف ناحي ػػة ثالث ػػة ‪ ,‬فب ػػاف أف‬
‫االنتخاب أو االختيار مف قبؿ األمة ىو الطريؽ الوحيد الختيار الخميفة ‪.‬‬
‫وفى ذلػؾ يقػوؿ ابػف تيميػة واإلمػاـ ‪ " :‬متػى صػار إمامػاً فػذلؾ بمبايعػة أىػؿ‬
‫الق ػػدرة ل ػػو ‪ ,‬وك ػػذلؾ عم ػػر لم ػػا عي ػػد إلي ػػو أب ػػو بك ػػر إنم ػػا ص ػػار إمامػ ػاً لم ػػا ب ػػايعوه‬
‫وأطاعوه ‪ ,‬ولو قدر أنيـ لـ ينفذوا عيد أبى بكر ولـ يبايعوه لـ يصر إماماً "(ٕ) ‪.‬‬
‫وخبلصة القوؿ ‪ :‬أف خبلفة سيدنا عمػر بػف الخطػاب كانػت باالختيػار الحػر‬
‫مف قبؿ كافة المسمميف ال فرؽ بيف الموظفيف منيـ وغير الموظفيف ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬اشعرب ن ت يخ اشىن ادللوك ‪. 353 352 / 2‬‬
‫(‪ )2‬ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ‪. 531 / 1‬‬
‫‪67‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫( ٖٕ – ٖ٘ ىػ ) ‪:‬‬ ‫ثالثاً ‪ :‬كيفية انتخاب عثماف بف عفاف‬


‫لما حضرت عمر بف الخطاب الوفاة ‪ ,‬بعد أف طعنو أبو لؤلؤة غػبلـ المغيػرة‬
‫بف شعبة دخؿ عميو رىط مف الصػحابة وقػالوا ‪ " :‬اسػتخمؼ عمينػا رجػبلً ترضػاه ‪,‬‬
‫‪ ,‬ثـ قاؿ ‪ " :‬إف اسػتخمؼ فقػد اسػتخمؼ‬ ‫"(ٔ)‬
‫فقاؿ ‪ :‬ما أريد أف أتحمميا حياً وميتاً‬
‫مف ىو خير منى ػ أبو بكر ػ واف أتػرؾ فقػد تػرؾ مػف ىػو خيػر منػى رسػوؿ اهلل‬
‫‪ ,‬فأثنوا عميو فقاؿ ‪ :‬راغب وراىب ‪ ,‬وددت أنى نجوت منيا كفافاً ال لى وال عمى‬
‫"(ٕ) ‪.‬‬

‫بػػالموت قػػاؿ البنػػو ‪ :‬اذىػػب إلػػى عائشػػة وأقرئيػػا منػػى السػػبلـ‬ ‫ولمػػا أحػػس‬
‫واستأذنيا أف أقبر فى بيتيا مع رسوؿ اهلل ومع أبى بكر ‪ ,‬فممػا أتاىػا عبػد اهلل بػف‬
‫عمر وأع مميا ‪ ,‬قالت ‪ :‬نعـ وكرامة ‪ ,‬ثـ قالت ‪ :‬يا بنى أبمغ عمر سػبلمى ‪ ,‬وقػؿ‬
‫(ٖ) ‪,‬‬ ‫لػػو ‪ :‬ال تػػدع أمػػة محمػػد بػػبل راع ‪ ,‬اسػػتخمؼ عمػػييـ وال تػػدعيـ بعػػدؾ ىم ػبلً‬
‫‪.‬‬ ‫"(ٗ)‬ ‫فإنى أخشى عمييـ الفتنة‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬أ ــو كــى أإ ـ ــل زلم ـ ــل ـ ن ــل يني ـ اخلــقل ن اش ـالن أا اشىايــن اشىي ـ ض ط‪ 1411 1 /‬ـ حتق ــق ن أ ‪/‬‬
‫ـ بن دتب ـ‬ ‫ع ن اشن ىا ‪ 296 / 1‬ـ ىيب ةل ادلأُب يىا ا ن أ و كى زلم ل اشع ب ـل اشق نـم اشبـ ق‬
‫األ ائ تل ص اش الئ ص ن ‪ 518‬ـ أ و مى يونف ل ب اهلل ل ب اشرب اشالمى ن اش مب ـ ىف ادلواـ ةـل‬
‫ادلأـ األنـ ن اشال ــى ن زا ة مــوم األ ـ ف اشيـ ون امنــقة ن ادلغــىب ‪ 1387‬ـ حتق ــق ‪ /‬ةةــعف ــل‬
‫أإ اشألو زلم ل ب اشكبّب اشبكى ‪. 128 / 22‬‬
‫‪ .‬ب األ ك م ب االن قف ـم ‪ 2638/6 6792‬ـ ة ـلم يـم ح ة ـلم‬ ‫ن يم ح اشب‬ ‫(‪ )2‬اشب‬
‫‪.‬‬ ‫ب امة ة ب االن قف تى ه م ‪ . 1454 / 3 1823‬اشلفمح شلب‬
‫و ةَب ك ن ىـ ا ل ةالمو ‪.‬ش ن اشأىب ‪113/5‬‬ ‫(‪ )3‬اذلم و اشيئ اشل ال ا شه حيفمه يى و‬
‫(‪ )4‬ا ل بن ن امة ةن اش ن ن ‪. 23/1‬‬
‫‪68‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لما أخبػره عبػد اهلل بػذلؾ قػرر سػيدنا عمػر أف يعيػد بالخبلفػة لمجموعػة كبػار‬
‫الص ػػحابة وفض ػػبلئيـ ‪ ,‬وبالفع ػػؿ فق ػػد ح ػػدد النف ػػر الس ػػتة ال ػػذيف يج ػػب أف يخت ػػار‬
‫الخميفة مف بينيـ ‪ ,‬وىـ ‪ :‬عثماف بف عفاف ‪ ,‬وعمى بػف أبػى طالػب ‪ ,‬وطمحػة بػف‬
‫عبيد اهلل ػ وكاف غائباً ػ والزبير بف العواـ ‪ ,‬وسعد بف أبى وقاص ‪ ,‬وعبد الػرحمف‬
‫وىػو‬ ‫بف عوؼ ‪ ,‬وقاؿ عنيـ سيدنا عمر ‪ ,‬ىؤالء النفر الذيف تػوفى رسػوؿ اهلل‬
‫عنيـ راض(ٔ) ‪.‬‬
‫ثـ قاؿ سيدنا عمر ػ كما حكى ابف قتيبة ػ ‪ " :‬يا معشر المياجريف األوليف ‪,‬‬
‫إنى نظرت فى أمر الناس ‪ ,‬فمـ أجد فييـ شقاقاً وال نفاقاً ‪ ,‬واف يكف بعػدى شػقاؽ‬
‫ونفاؽ فيو فيكـ ‪ ,‬تشاوروا ثبلثة أيػاـ ‪ ,‬فػإف جػاءكـ طمحػة إلػى ذلػؾ ‪ ,‬واال فػاعزـ‬
‫عميكـ باهلل أف ال تتفرقوا مف اليوـ الثالػث حتػى تسػتخمفوا أحػدكـ ‪ ,‬فػإف أشػرتـ بيػا‬
‫إلى طمحة ‪ ,‬فيو ليا أىؿ ‪ ,‬وليصؿ بكـ صييب ىذه الثبلثة التى تتشاوروف فييػا‬
‫‪ ,‬فإنػػو رجػػؿ الم ػوالى ال ينػػازعكـ أمػػركـ ‪ ,‬وأحضػػروا معكػػـ مػػف شػػيوخ األنصػػار ‪,‬‬
‫وليس ليـ مف أمركـ شئ ‪ ,‬وأحضروا معكـ الحسف بف عمى وعبد اهلل بف عباس‬
‫‪ ,‬فإف ليـ قرابة‪ ,‬وأرجو لكـ البركػة فػى حضػورىما ‪ ,‬ولػيس ليمػا مػف أمػركـ شػئ‪,‬‬
‫ويحضػػر ابنػػى عبػػد اهلل مستشػػا اًر ‪ ,‬ولػػيس لػػو مػػف األمػػر شػػيئ ‪ ,‬قػػالوا ‪ :‬يػػا أميػػر‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ا ىف ةن اشيو ا ل نأ ن اشعبق ت اشكرب ‪ 341 / 3‬ة أ ـ ا ل ثـّب ن اشب ايـن اشالب يـن ‪114/7‬‬
‫ة أ ـ زلم ب اهلل ل زلم ادلأ ‪،‬ى ادل شك ن اشأوايم ةل اشقوايم ىف= = حتق ق ةو ف اشةـم ن أـ ‪،‬ـ ة‬
‫ـ‬ ‫اشالــىب ‪ ‬أا اجل ـ ــّب ت ط ‪ 1417 1 /‬ـ ‪ .‬حتق ــق أ ‪ /‬زلم ـ د ـ غ ـ ز ص ن ‪ 21‬ة ـ أ ـ‬
‫زلم ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ـ ــل زلم ـ ـ اشيـ ــو ن اشقـ ــول ادلف ـ ـ ىف أأش ــن اال بـ ـ أ اش قل ـ ـ أا اشقل ــم اشكوي ــص ‪ .‬ط‪1/‬‬
‫‪ 1396‬ـ ـ حتق ق‪ /‬بـ ـ اش ــىإل بـ ـ اخلـ ـ شق ‪ .‬ص ن ‪ 23‬اشع ــرب ت ـ يخ اشىن ـ ادلل ــوك ‪ 581 / 2‬ة ـ أـ ـ ‪..‬‬
‫اشقلقيال ن يبح اال ي ‪ 364/9‬ة أ ـ أ و احل ـل لـ ـل إمس ـ ـل أ يـى األ ـأى ن ام نـن ـل‬
‫أيول اش ي نن ‪ .‬أا األنة اشق ىة ط ‪ 1397 /‬ـ حتق ق أ ‪، /‬و ن ْب زلموأ ن ص ‪. 251‬‬
‫‪69‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المؤمنيف إف فيو لمخبلفة موضعاً فاستخمفو ‪ ,‬فإنا ارضػوف بػو ‪ ,‬فقػاؿ ‪ :‬حسػب آؿ‬
‫الخطاب تحمؿ رجؿ منيـ الخبلفة ‪ ,‬ليس لو مف األمػر شػيئ ‪ ,‬ثػـ قػاؿ ‪ :‬يػا عبػد‬
‫اهلل إيػػاؾ ثػػـ إيػػاؾ ال تتمػػبس بيػػا ‪ ,‬ثػػـ قػػاؿ ‪ :‬إف اسػػتقاـ أمػػر خمسػػة مػػنكـ وخػػالؼ‬
‫واحػػد فاضػربوا عنقػػو ‪ ,‬واف اسػػتقاـ أربعػػة واختمػػؼ اثنػػاف فاضػربوا أعناقيمػػا ‪ ,‬واف‬
‫اسػػتقر ثبلثػػة واختمػػؼ ثبلثػػة فػػاحتمكوا إلػػى ابنػػى عبػػد اهلل ‪ ,‬فػػؤلى الثبلثػػة قضػػى ‪,‬‬
‫"(ٔ) ‪.‬‬ ‫فالخميفة منيـ وفييـ ‪ ,‬فإف أبى الثبلثة اآلخروف ذلؾ فاضربوا أعناقيـ‬
‫النفر الستة الذيف يجب أف يكوف الخميفػة‬ ‫وبعد أف ذكر عمر بف الخطاب‬
‫مػػف بيػػنيـ ووضػػح ليػػـ كيفيػػة المشػػاورة ‪ ,‬وبػػيف ليػػـ مػػف يحكػػـ بيػػنيـ إذا انقسػػموا ‪,‬‬
‫وعزـ عمييـ بأف ال يتركوا المسمميف مف غيػر خميفػة أكثػر مػف ثبلثػة أيػاـ ‪ ,‬وحػدد‬
‫مف يصمى بالنػاس خػبلؿ ىػذه المػدة التفػت إلػييـ وقػاؿ ‪ " :‬قػد قومػت لكػـ الطريػؽ‬
‫‪ ,‬ثػػـ استشػػعر سػػيدنا عمػػر أف ىػػذه المشػػاورة سػػتنتيى بتنصػػيب‬ ‫"(ٕ)‬ ‫فػػبل تعوجػػوه‬
‫واحد مف اثنػيف ىمػا سػيدنا عمػى أو سػيدنا عثمػاف ‪ ,‬لػذلؾ ػ كمػا ذكػر ابػف قتيبػة ػ‬
‫التفت إلى عمى بف أبى طالب فقاؿ ‪ :‬لعػؿ ىػؤالء القػوـ يعرفػوف لػؾ حقػؾ وشػرفؾ‬
‫وقرابتؾ مف رسوؿ اهلل ‪ ,‬وما آتاؾ اهلل مػف العمػـ والفقػو والػديف فيسػتخمفونؾ ‪ ,‬فػإف‬
‫وليت ىذا األمر فاتؽ اهلل يا عمى فيو ‪ ,‬وال تحمؿ أحداً مف بنى ىاشـ عمى رقاب‬
‫الناس"(ٖ) ‪ ,‬ثـ التفت إلى عثماف فقاؿ ‪ :‬يا عثماف ‪ ,‬لعؿ ىؤالء القػوـ يعرفػوف لػؾ‬
‫ص ػػيرؾ م ػػف رس ػػوؿ اهلل وس ػػنؾ وشػ ػرفؾ وس ػػابقتؾ فيس ػػتخمفونؾ ‪ ,‬ف ػػإف ولي ػػت ى ػػذا‬
‫األمر فبل تحمػؿ أحػداً مػف بنػى أميػة عمػى رقػاب النػاس " ‪ .‬وبعػد أف بػيف ووضػح‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل بن ن امة ةن اش نن ‪. 24 / 1‬‬
‫(‪ )2‬ا ل بن ن ادلى ا اش ق ‪. 25 / 1‬‬
‫(‪ )3‬ل بن ن امة ةن اش نن ‪. 25 / 1‬‬
‫‪71‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ليـ قاؿ ليـ اخرجوا عنى ‪ ,‬وراح يدعو ليـ ويقػوؿ ‪ " :‬الميػـ ألفيػـ واجمعيػـ عمػى‬
‫مػػف‬ ‫الحػػؽ ‪ ,‬وال تػػردىـ عمػػى أعقػػابيـ ‪ ,‬ووؿ أمػػر أمػػة محمػػد خيػػرىـ " ثػػـ تػػوفى‬
‫يومو(ٔ) ‪.‬‬
‫فمما مات سيدنا عمر ‪ ,‬اجتمػع القػوـ ومعيػـ عبػد اهلل بػف عمػر وعبػد اهلل بػف‬
‫عباس ‪ ,‬والحسف بف عمى ‪ ,‬ومرت الثبلثة أيػاـ دوف إحػراز أى تقػدـ ‪ ,‬وفػى اليػوـ‬
‫الثالث عرض عمييـ عبد الرحمف بف عوؼ أف يخموا أمرىـ إلى ثبلثة منيـ‪ ,‬فقاؿ‬
‫الزبيػػر قػػد جعمػػت أمػػرى إلػػى عمػػى‪ ,‬وقػػاؿ طمحػػة ‪ :‬قػػد جعمػػت أمػػرى إلػػى عثمػػاف ‪,‬‬
‫وقاؿ سعد ‪ :‬قد جعمت أمرى إلى عبد الرحمف بف عوؼ ‪ ,‬ثػـ قػاؿ عبػد الػرحمف ‪:‬‬
‫كونوا مكانكـ حتى آتيكـ ‪ ,‬ثـ خرج عمى الناس ممثمػاً ال يعرفػو أحػػد ‪ ,‬وبػدأ يسػأؿ‬
‫الناس ويستشيرىـ حوؿ مف ىو أحؽ بالخبلفة بعد عمر ؟ يقوؿ ابف قتيبة ‪ " :‬فما‬
‫ت ػػرؾ أح ػػداً م ػػف المي ػػاجريف واألنص ػػار وغي ػػرىـ م ػػف ض ػػعفاء الن ػػاس ورع ػػاعيـ إال‬
‫سأليـ واستشارىـ ‪ ..‬مف ترى الخميفة بعد عمر ‪ ,‬فمـ يمؽ أحداً يستشيره وال يسػألو‬
‫إال ويقػػوؿ عثمػػاف ‪ ,‬فممػػا رأى اتفػػاؽ النػػاس واجتمػػاعيـ عمػػى عثمػػاف ‪ ,‬طمػػب مػػف‬
‫المسور بف مخرمة أف يدع لو نف اًر مف المياجريف ‪ ,‬وأف يدع لو عثماف وعمياً فػى‬
‫المسجد ‪ ,‬وبعد صبلة الصػبح أخػذ عبػد الػرحمف بػف عػوؼ عمػى كػؿ واحػد منيمػا‬
‫‪ ,‬وسػػنة صػػاحبيؾ‬ ‫العيػػد والميثػػاؽ لػػئف بايعتػػؾ لتقػػيمف كتػػاب اهلل وسػػنة رسػػولو‬
‫مف قبمؾ ‪ ,‬وكذلؾ إف بايعت غيرؾ لترضػيف ولتسػممف وليكػونف سػيفؾ معػى عمػى‬
‫وقػػاؿ لػػو ‪:‬‬ ‫مػػف أبػػى ‪ ,‬فػػأعطوه العيػػد والميثػػاؽ ‪ ,‬فممػػا تػػـ ذلػػؾ أخػػذ بيػػد عثمػػاف‬
‫وس ػػنة‬ ‫عمي ػػؾ عي ػػد اهلل وميثاق ػػو ل ػػئف اخترت ػػؾ لتق ػػيمف كت ػػاب اهلل وس ػػنة رس ػػولو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل بن ن ادلى ا اش ق نفس ادلوضا ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بأال تجعؿ أحداً مف بنى أمية عمػى رقػاب النػاس ‪ ,‬فقػاؿ‬ ‫صاحبيؾ وشرط عمر‬
‫عثماف ‪ :‬نعـ ‪ ,‬ثـ أخػذ بيػد عمػى وقػاؿ لػو ‪ :‬اختػارؾ عمػى شػرط عمػر بػأال تجعػؿ‬
‫عنػد ذلػؾ ‪ :‬مالػؾ ليػذا إذا‬ ‫أحداً مف بنى ىاشـ عمػى رقػاب النػاس ‪ ,‬فقػاؿ عمػى‬
‫قطعتيػػا فػػى عنقػػى ‪ ,‬فػػإف عمػػى االجتيػػاد ألمػػة محمػػد حيػػث عممػػت القػػوة واألمانػػة‬
‫استعنت بيما ‪ ,‬سواء فى بنى ىاشػـ أو فػى غيػرىـ ‪ ,‬فقػاؿ عبػد الػرحمف ‪ :‬ال واهلل‬
‫حتى تعطينى ىذا الشرط ‪ ,‬فقاؿ عمى عند ذلؾ ‪ :‬واهلل ال أعطيكو أبداً ‪ ,‬فتركو ثـ‬
‫خرج عبد الرحمف إلى المسجد وجمع الناس فحمد اهلل وأثنى عميو ‪ ,‬ثـ قاؿ ‪ :‬إنى‬
‫نظػػرت فػػى أمػػر النػػاس فمػػـ أرىػػـ يعػػدلوف بعثمػػاف ‪ ,‬فبايعػػو وبايعػػو عمػػى والنػػاس‬
‫عبػػد‬ ‫جميع ػاً وذكػػر " الحكمػػى " فػػى معػػارج القبػػوؿ ‪ ,‬إف أوؿ مػػف بػػايع عثمػػاف‬
‫الرحمف بف عوؼ ثـ عمى بف أبػى طالػب ثػـ بقيػة أصػحاب الشػورى ثػـ بقيػة أىػؿ‬
‫‪.‬‬ ‫ػ(ٔ)‬ ‫الدار ثـ بقية المياجريف واألنصار ػ رضى اهلل عنيـ أجمعيف‬
‫لمخبلفة‬ ‫والمبلحظ أف الذى دعا عبد الرحمف بف عوؼ إلى ترشيح عثماف‬
‫ىػػو مػػا عممػػو مػػف أمػػر المسػػمميف مػػف أنيػػـ ال يرضػػوف بعثمػػاف بػػديبلً ‪ ,‬حيػػث ظػػؿ‬
‫عبد الرحمف بف عوؼ ثبلثة أياـ لـ يغػتمض فييػا بكبيػر نػوـ يشػاور النػاس فػيمف‬
‫يسػػتحؽ الخبلفػػة بعػػد عمػػر ‪ ,‬حتػػى قػػاؿ ابػػف قتيبػػة ‪ " :‬فمػػا تػػرؾ ‪ ....‬وغيػػرىـ مػػف‬
‫وقػػاؿ ابػػف تيميػػة فػػى ذلػػؾ ‪" :‬‬ ‫"(ٕ)‬ ‫ضػػعفاء النػػاس ورعػػاعيـ إال سػػأليـ واستشػػارىـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ـ يىا ـ ــا أيض ـ ـ ً ا ـ ــل بـ ــن ن ادلى ـ ــا اش ـ ـ ـ ق‬ ‫كم ـ ــي ن ةأـ ـ ـ ج اشقب ـ ــول ‪1161 / 3‬‬ ‫(‪ )1‬ـ ـ ـ ‪،‬مح ا ـ ــل أإـ ـ ـ‬
‫ا ــل بـ ن ةــن ادليـ ة شفـ ظ ىيبــن ـ يىا ــا شــه ن يــم ح ا ــل بـ ن َبت ــب ا ــل لبـ ن‬ ‫‪26 25 / 1‬‬
‫ـ ب إيب ـ و ‪ ‬ــل ةال ــب اشةــم ن ـ ذلم ن ـ ئبم ــل ى أمس ـ ئبم ض ـوان اهلل ل ـ بم أدأــْب ـ ن ـ ب‬
‫يث م ‪ 351 / 15 6917‬ـ ل أ ب األ ن ط إنال أو يم ح لي ىط اشي ْب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ا ل بن ن ادلى ا اش ق ‪. 26 / 1 .‬‬
‫‪72‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وبقى عبد الرحمف يشاور الناس ثبلثة أيػاـ ‪ ,‬وأخبػر أف النػاس ال يعػدلوف بعثمػاف‬
‫وأنو شاور حتى العزارى فى خدورىف "(ٔ) ‪.‬‬
‫وقػد عبػػر اإلمػػاـ أحمػػد بػف حنبػػؿ عػػف بيعػػة أميػر المػػؤمنيف عثمػػاف بػػف عفػػاف‬
‫بقولػػو ‪ " :‬ولػػـ يتفػػؽ النػػاس عمػػى بيعػػة كمػػا اتفقػوا عمػػى بيعػػة عثمػػاف‪ ,‬وعثمػػاف واله‬
‫المس ػػمموف بع ػػد تش ػػاورىـ ثبلث ػػة أي ػػاـ ‪ ,‬وى ػػـ مؤتمف ػػوف متفق ػػوف متح ػػابوف متػ ػوادوف‬
‫‪.‬‬ ‫"(ٕ)‬
‫معتصموف بحبؿ اهلل جميعاً‬
‫ونستخمص مما سبؽ أف اختيار سيدنا عثماف بف عفػاف كػاف باالنتخػاب مػف‬
‫بيف الستة الػذيف رشػحيـ سػيدنا عمػر بػف الخطػاب لرياسػة الدولػة ‪ ,‬مػف قبػؿ كافػة‬
‫المسمميف ال فرؽ بيف الموظفيف منيـ وغير الموظفيف ‪ ,‬فظير أف الموظؼ العاـ‬
‫لو الحؽ فى اختيار أو انتخاب مف يتولى أمره‬

‫رابعاً ‪ :‬كيفية اختيار عمى بف أبى طالب ػ كرـ اهلل وجيو( ٖ٘ – ٓٗ ىػ) ‪:‬‬
‫ك ػػاف أغم ػػب الص ػػحابة‬ ‫(ٖ)‬ ‫بع ػػد مقت ػػؿ أمي ػػر الم ػػؤمنيف عثم ػػاف ب ػػف عف ػػاف‬
‫‪ ,‬أمػػا الصػػحابة الػػذيف‬ ‫متف ػرقيف فػػى األمصػػار عنػػد بيعػػة عمػػى بػػف أبػػى طالػػب‬
‫بحجػة‬ ‫كان وا فى المدينة ‪ ,‬فقد توقؼ بعضيـ فى بداية األمػر عػف مبايعػة عمػى‬
‫انتظػار اجتمػػاع أىػؿ الشػػورى لمنظػر ؛ إال أنػػو لػـ يمبػػث طػويبلً فقػػد بػايع عميػاً واف‬
‫كػػاف قػػد بايعػػو أوالً بمسػػانو ومنعػػو يػػده ‪ ,‬وفػػى النيايػػة بايعػػو باليػػد والمسػػاف ‪ ,‬أمػػا‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ‪. 351 / 6‬‬
‫(‪ )2‬ا ل ت م ن ن ادلى ا اش ق ‪. 351 / 6‬‬
‫‪.‬ـ‬ ‫ص ن ‪ 52‬ةـ أـ‬ ‫(‪ )3‬يىا ا يف ةق ن ن ثم ن تفة قً ن أ و كى اشب ق ن دتب األ ائ تل ص اش الئ‬
‫ا ل جى ن اشةوا ق ايى ن ل أ اشى‪ ،‬اشضقل اشنن ن ‪ 341/1‬ة أ‬
‫‪73‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬حيػػث اجتمػػع النػػاس فػػى المسػػجد فقػػاـ‬ ‫البػػاقوف مػػف الصػػحابة فقػػد بػػايعوا عميػاً‬
‫الزبيػػر بػػف الع ػواـ وخطػػب فػػى النػػاس قػػائبلً بعػػد أف حمػػد اهلل وأثنػػى عميػػو " أييػػا‬
‫ب بيا اليوى ‪ ,‬وقد تشػاورنا فرضػينا‬ ‫الناس ‪ ,‬إف اهلل قد رضى لكـ الشورى ‪ ,‬فأَ ْذ َى َ‬
‫عمي ػاً فبػػايعوه ‪ ,‬فػػانطمؽ النػػاس إلػػى عمػػى فػػى داره ليبػػايعوه فػػأبى مبػػايعتيـ وردىػػـ‬
‫"(ٔ)‬ ‫قائبلً ‪ " :‬ليس ىذا لكـ ‪ ,‬إنما ىو ألىؿ الشورى وأىؿ بدر ‪ ...‬فانصرفوا عنو‬
‫‪.‬‬
‫مػع عػدـ‬ ‫ثـ تحػدث بعضػيـ إلػى بعػض وقػالوا ‪ :‬يمضػى خبػر قتػؿ عثمػاف‬
‫البيعة ألمير بعده ‪ ,‬فيثػور النػاس ‪ ,‬فػبل تػأمف أف يكػوف فػى ذلػؾ الفسػاد ‪ ,‬ارجعػوا‬
‫ػي‬
‫إلى عميػاً فػبل تتركػوه حتػى يبػايع ػ أى يقبػؿ البيعػة ػ و ارحػوا يتػرددوف عمػى عم ّ‬
‫ومعيػػـ األشػػتر النخعػػى ليبػػايعوه وىػػو يقػػوؿ ليػػـ مثػػؿ مػػا قػػاؿ ليػػـ أوالً ‪ ,‬إال أنيػػـ‬
‫أصروا عمى مبايعتو وأخذ األشتر يكممو فيرغبو تارة بأنػو ىػو أفضػؿ النػاس ليػا ‪,‬‬
‫وأف أحداً ال يشبيو ‪ ,‬ويرىبو أخرى بأنو لو لـ يقبػؿ المبايعػة لربمػا تقػع فتنػة كبيػرة‬
‫ليػـ فمسػؾ األشػتر‬ ‫تشؽ صفوؼ المسمميف ‪ ,‬وأماـ ىذا اإلصػرار انصػاع عمػى‬
‫بيده فبايعو ‪ ,‬ثـ بايعو مف معػو ‪ ,‬ثػـ أقبػؿ سػيدنا عمػى إلػى المسػجد الشػريؼ لعقػد‬
‫ميثػػاؽ البيعػػة العامػػة مػػع بػػاقى المسػػمميف ‪ ,‬وكػػاف أوؿ مػػف صػػعد المنبػػر طمحػػة‬
‫رضػ ػػى اهلل عػ ػػنيـ أجمعػ ػػيف‬ ‫وبايعػ ػػو بيػ ػػده ثػ ػػـ الزبيػ ػػر وسػ ػػعد وأصػ ػػحاب النبػ ػػى‬
‫بػأف‬ ‫واستكماالً ألمر البيعة أشار عبد اهلل بف عباس عمى عمػى بػف أبػى طالػب‬
‫يرسؿ بالبيعة إلى اآلفاؽ ‪ ,‬ففعؿ ذلؾ فجاءتو مف كؿ مكاف ‪ ,‬إال ببلد الشاـ التى‬
‫عامبلً عمييا مف قبؿ عثماف بف عفاف ‪.‬‬ ‫كاف معاوية بف أبى سفياف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يىا ا ىف دش ن ا ل بن ن ادلى ا اش ق ‪ 46 / 1 .‬ة أ‬
‫‪74‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وعمى الرغـ مف أف بيعة سيدنا عمػى كانػت ػ إلػى حػد مػا ػ أضػعؼ مػف بيعػة‬
‫الخمفػ ػػاء الثبلثػ ػػة السػ ػػابقيف عميػ ػػو حيػ ػػث وقعػ ػػت فػ ػػى عصػ ػػر كانػ ػػت تسػ ػػوده الفػ ػػتف‬
‫واالضػ ػػطرابات السياسػ ػػية ‪ ,‬إال أنيػ ػػا تمػ ػػت باالختيػ ػػار الحػ ػػر مػ ػػف قبػ ػػؿ المسػ ػػمميف‬
‫القتناعيـ بأنو أفضؿ مف يمى أمور المسمميف بعد مقتؿ سيدنا عثماف ‪ ,‬وقد عبػر‬
‫بالخبلفػة فقػاؿ ‪ " :‬الحقيػػؽ‬ ‫ابػف حجػر الييتمػػى عػف أحقيػة عمػػى بػف أبػى طالػػب‬
‫بالخبلفػػة بعػػد األئمػػة الثبلثػػة ىػػو اإلمػػاـ المرتضػػى والػػولى المجتبػػى عمػػى بػػف أبػػى‬
‫طالب ‪ ,‬باتفاؽ أىػؿ الحػؿ والعقػد عميػو كطمحػة والزبيػر وأبػى موسػى وابػف عبػاس‬
‫وخزيمػػة بػػف ثابػػت وأبػػى الييػػثـ بػػف النبيػػاف ومحمػػد بػػف مسػػممة وعمػػار بػػف ياسػػر "‬
‫وقػػد ذكػػر ابػػف حجػػر ‪ ,‬أف اإلجمػػاع انعق ػػد عمػػى ذلػػؾ ‪ ,‬ووجػػو انعقػػاده فػػى زم ػػف‬
‫الشورى عمى أنيا لو أو لعثماف ‪ ,‬وىذا إجمػاع عمػى أنػو لػوال عثمػاف لكانػت لعمػى‬
‫‪ ,‬فحيف خرج عثماف بقتمو مف البيت عمـ أنيا بقيت لعمى إجماعاً ‪ ,‬كمػا نقػؿ ابػف‬
‫حجػػر عػػف إمػػاـ الحػػرميف الجػػوينى قولػػو ‪ " :‬وال اكتػراث بمػػف قػػاؿ ال إجمػػاع عمػػى‬
‫‪.‬‬ ‫"(ٔ)‬ ‫إمامة عمى ‪ ,‬فإف اإلمامة لـ تجحد لو ‪ ,‬وانما ىاجت الفتنة ألمور أخرى‬
‫‪ " :‬إف‬ ‫ال ػػديف(ٕ)‬ ‫وف ػػى ذات المعن ػػى ق ػػاؿ ص ػػاحب كت ػػاب الغني ػػة ف ػػى أص ػػوؿ‬
‫الخبلفة بعده ػ أى بعد عثماف ػ لعمى بإجماع القوـ عميو وعقدىـ الخبلفة لو " ‪.‬‬
‫وقد عبر ابف سعد فى الطبقات الكبرى عف ذلػؾ أيضػاً بقولػو ‪" :‬وبويػع عمػى‬
‫بف أبى طالب ‪ P‬بالمدينة الغد مف يوـ مقتؿ عثماف بالخبلفة بايعو طمحة والزبير‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ا ىف دش ا ل جى اذل م اشةوا ق ايى ن ‪. 349/1‬‬
‫(‪ )2‬أ ــو نــأ ب ـ اشــىإل ــل زلم ـ ادل ــوىل اشي ـ ‪،‬أ ن اشغال ــن ىف أيــول اش ـ يل ة ن ــن اخل ـ ة ت األحب ـ ث اشثق ‪ ،‬ــن ‪.‬‬
‫ن ص ن ‪ 187‬ـ يىا ا ىف دات ادلأـُب ن ا ـل ت م ـن ن‬ ‫ّب ت ‪ .‬ط ‪1987 1 /‬م حتق ق ‪ /‬م أ اش يل أإ‬
‫ةالب ج اش الن اشالبوين ‪ 535 / 1 .‬ة أ ‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وسعد بف أبى وقاص وسعيد بف زيد بف عمرو بف نفيػؿ وعمػار بػف ياسػر وأسػامة‬
‫بف زيد وسيؿ بف حنيؼ وأبو أيوب األنصػارى ومحمػد بػف مسػممة وزيػد بػف ثابػت‬
‫وغيػػرىـ‬ ‫وخزيمػػة بػػف ثابػػت وجميػػع مػػف كػػاف بالمدينػػة مػػف أصػػحاب رسػػوؿ اهلل‬
‫"(ٔ) ‪.‬‬

‫وممػػا سػػبؽ يتضػػح أف خبلفػػة سػػيدنا عمػػى جػػاءت باالختيػػار الحػػر مػػف قبػػؿ‬
‫المسمميف ال فرؽ بيف الموظفيف منيـ وغير الموظفيف ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ...‬فيؤالء األئمة األربعة المجمػع عمػى عػدليـ وفضػميـ(ٕ) ‪ ,‬وعصػرىـ‬
‫يسػػمى عص ػر الخبلفػػة الكاممػػة أو ال ارشػػدة ‪ ,‬وبعػػد عصػػرىـ تمقػػب رياسػػة الدول ػػة‬
‫(‬ ‫بالمم ػػؾ ‪ ,‬فق ػػد روى شػ ػريح ب ػػف النعم ػػاف ع ػػف س ػػفينة ق ػػاؿ ‪ :‬ق ػػاؿ رس ػػوؿ اهلل‬
‫الخبلفة فى أمتى ثبلثوف سنة ثـ ممؾ بعد ذلؾ ‪ ,‬ثـ قػاؿ لػى سػفينة أمسػؾ خبلفػة‬
‫أبػػى بكػػر وخبلفػػة عمػػر وخبلفػػة عثمػػاف ‪ ,‬ثػػـ قػػاؿ لػػى أمسػػؾ خبلفػػة عمػػى ‪ ,‬قػػاؿ‬
‫فوجػػدناه ثبلثػػيف سػػنة ‪ ,‬قػػاؿ سػػعيد فقمػػت لػػو إف بنػػى أميػػة يزعمػػوف الخبلفػػة فػػييـ‬
‫‪.‬‬ ‫)(ٖ)‬ ‫فقاؿ ‪ :‬كذبوا بنوا الزرقاء بؿ ىـ مموؾ مف شر المموؾ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل نأ اشعبق ت اشكرب ن ‪. 31 / 3‬‬
‫(‪ )2‬أ و احل ل األ أى ن ام نن ل أيول اش ي نن ‪ .‬ص ن ‪. 251‬‬
‫ب اشفًب ‪ .‬ـ ب ةـ ـ ء ىف اخللفـ ء ـ يث ـم ‪ 513 / 4 . 2226‬ـ احلـ يث يـممه‬ ‫(‪ )3‬اشَبةل ن نالل اشَبةل‬
‫اشي خ األشب او أإ ن ىف ة ال و ‪ .‬ة ال األنة ةل يث أ ب اشـىإل نـف الن ‪ .‬ةـوىل نـول اهلل ‪ ‬ـم‬
‫‪ . 221 / 5 21969‬ـ ل الــه ــأ ب األ ن ـ ؤ ط إن ـال أو ــل شــه ثق ـ ت ـ ل اشةــم ح ـ ا ــل ب ـ ن ‪.‬‬
‫يــم ح ا ــل ب ـ ن ‪ .‬ـ ب اش ـ يخ ـ ب إيب ـ و ‪ ‬ــل ةال ــب اشة ــم ن ‪ .‬ــم ‪ 392 / 15 . 6943‬أ ــو‬
‫احل ل ل ل اجلأ ـل ب ـ اجلـو ى اشبغـ اأ ة ـال اجلأـ ‪ .‬ة ن ـن نـ أ ـّب ت ‪ .‬ط ‪ 1411 . 1 /‬ـ ـ‬
‫م ‪ . 3323‬ص ن ‪ 479‬اشلفمح شلَبةل ‪.‬‬ ‫‪1991‬م ‪ .‬حتق ق ةى أإ‬
‫‪76‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وىذا يدؿ عمى أف خبلفة األئمة األربعػة ىػى الخبلفػة الكاممػة التػى يجػب أف‬
‫يقتػػدى بيػػا ويرجػػع إلييػػا والػػى المبػػادئ السياسػػية التػػى أقرتيػػا عنػػد اختيػػار رئػػيس‬
‫الدولة اإلسبلمية ‪.‬‬
‫وأمػا مػا جػرى مػف عمػى والزبيػر وعائشػة ػ رضػى اهلل عػنيـ أجمعػيف ػ فإنمػا‬
‫كػػاف عمػػى تأويػػؿ واجتيػػاد ‪ ,‬وكميػػـ مػػف أىػػؿ االجتيػػاد ‪ ,‬وقػػد شػػيد ليػػـ النبػػى‬
‫بالجنة ‪ ,‬والشيادة تدؿ عمى أنيـ كانوا عمػى حػؽ فػى اجتيػادىـ وكػذلؾ مػا جػرى‬
‫بػيف سػيدنا عمػ ى ومعاويػة ػ رضػى اهلل عنيمػا ػ كػاف يػدؿ عمػى تأويػؿ واجتيػاد ‪,‬‬
‫فكػػؿ الصػػحابة أئمػػة مػػأمونوف غيػػر متيمػػيف فػػى الػػديف ‪ ,‬وقػػد أثنػػى اهلل ورسػػولو‬
‫‪.‬‬ ‫"(ٔ)‬ ‫عمييـ أجمعيف‬
‫ونخمص مف العرض السابؽ لكيفية تولية الخمفاء األربعػة ػ رضػى اهلل عػنيـ‬
‫ػ ػ إلػػى أنيػػا قػػد جػػاءت باالختيػػار أو االنتخػػاب الحػػر مػػف قبػػؿ جميػػع المسػػمميف ‪,‬‬
‫المػػوظفيف مػػنيـ وغيػػر المػػوظفيف ‪ ,‬س ػواء كػػاف االنتخػػاب بشػػكؿ مباشػػر أو عمػػى‬
‫مرحمتيف ‪ ,‬كما ىػو الحػاؿ فػى اختيػار سػيدنا عثمػاف ‪ ,‬حيػث تػـ ترشػيحو مػف قبػؿ‬
‫أىؿ الشورى أوالً ‪ ,‬ثـ قاـ المسمموف بمبايعتو ‪.‬‬
‫واختيار الخميفة ػ رئيس الدولة ػ سواء كاف مف قبػؿ أىػؿ الشػورى أو مػف قبػؿ‬
‫األمة مباشرة‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬أ و احل ل األ أى ن ام نن ل أيول اش ي نن ‪ .‬ص ن ‪. 251‬‬
‫‪77‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثالث‬

‫شروط اإلماـ‬

‫تحدث الفقياء عف الشروط الواجب توافرىا في إمامة المسمميف ‪ ,‬وىذه‬


‫الشروط منيا ما ىو متفؽ عميو ‪ ,‬ومنيا ما ىو مختمؼ فيو وىي بإيجاز عمى‬
‫النحو التالي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬اإلسالـ‬

‫ىذا الشرط في اإلماـ مف الشروط المتفؽ عمييا بيف الفقياء ‪ ,‬فبل يجوز‬
‫لمكافر أف يكوف رئيساً لمدولة اإلسبلمية ‪ ,‬ألف إمامة المسمميف تقتضي مف اإلماـ‬
‫نشر اإلسبلـ وحماية المسمميف ‪ ,‬وحماية مصالح األمة ونحوىا ‪ ,‬وىذه األمور ال‬
‫تتأتى مف الكافر‪.‬‬

‫كما أف اإلماـ في الدولة اإلسبلمية لو سمطة عمى المسمميف ‪ ,‬وال تجوز‬


‫سمطة الكافر عمى المسمـ لقولو سبحانو وتعالى {ولف يجعؿ اهلل لمكافريف عمى‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫المؤمنيف سبيبلً}‬

‫‪ -2‬الحرية‬

‫الحرية ضد الرؽ‪ ,‬فالعبد اليصمح أف يكوف إماماً لممسمميف ‪ ,‬ومف في‬


‫(ٕ)‬
‫؛ ألف غير الحر مشغوؿ بخدمة سيده ‪ ,‬وليس‬ ‫حكمو كاآلبؽ والمكاتب والمدبر‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ٔٗٔ ‪.‬‬
‫(ٕ) اآلبؽ ىو الذي ىرب مف سيده ‪ .‬والمكاتب ىو الذي عقد مع سيده كتاباً يتحرر بموجبو مقابؿ مبمغ مف‬
‫الماؿ ‪ .‬والمدبر ىو العبد الذي عمؽ عتقو بوفاة سيده ‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لو حرية التصرؼ بنفسو ومالو ‪ ,‬فكيؼ يكوف لو التصرؼ بشعب بأكممو كما أف‬
‫الرؽ مزيؿ لمييبة ‪ ,‬فالرقيؽ ال ييابو الناس ‪ ,‬وربما احتقروه ‪ ,‬واستنكفوا عف‬
‫طاعتو‪ ,‬وفي ىذه الحاؿ ال تنتظـ الطاعة لمرقيؽ التي ىي مف واجبات الرعية‬
‫(ٔ)‬
‫لموالي ‪.‬‬

‫ولكف إذا تغمب غير الحر وحصمت لو اإلمامة وجبت طاعتو واف كاف عبداً‬
‫حبشياً ‪ ,‬وحرـ الخروج عميو ‪ ,‬إخماداً لمفتنة وصوناً لمدماء ‪ ,‬تحقيقاً لمصمحة‬
‫(ٕ)‬
‫األمة ‪.‬‬

‫‪ -3‬الذكورة‬

‫اتفؽ سمؼ ىذه األمة وخمفيا عمى أنو ال يجوز لممرأة أف تمي اإلمارة ‪ ,‬لما‬
‫ورد في صحيح البخاري مف حديث أبي بكرة (رضي اهلل عنو) قاؿ لما بمغ‬
‫رسوؿ اهلل ((‪ )‬أف أىؿ فارس قد ممكوا عمييـ بنت كسرى قاؿ ‪((:‬لف يفمح قوـ‬
‫(ٖ)‬
‫‪ .‬قاؿ ابف حجر ‪ :‬المنع مف أف المرأة ال تمي القضاء‬ ‫ولوا أمرىـ امرأة))‬
‫واإلمارة ىو قوؿ الجميور (ٗ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس ‪ ,‬النظاـ السياسي في اإلسبلـ صٕ‪. ٔٛ‬‬
‫(ٕ) انظر ‪ :‬الشنقيطي ‪ ,‬أضواء البياف ٔ‪ . ٕٔٛ/‬والدميجي ‪ ,‬اإلمامة العظمى عند أىؿ السنة والجماعة ص‬
‫ٕٕٗ ‪.‬‬
‫(ٖ) كتاب المغازي ‪ ,‬حديث رقـ ٕ٘ٗٗ ‪.‬‬
‫(ٗ) فتح الباري ‪. ٕٔٛ/ٛ‬‬
‫‪79‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ومف قاؿ إف الحديث خاص بالفرس فقولو باطؿ ألف العبرة بعموـ المفظ ال‬
‫بخصوص السبب ‪ ,‬كما أف النكرة في سياؽ النفي تقتضي العموـ فالحديث عاـ‬
‫في كؿ قوـ ‪.‬‬

‫والمرأة أقؿ كفاءة مف الرجؿ في إدارة شئوف الدولة في الحرب والسمـ ‪,‬‬
‫فالرجؿ أقوى عقبلً ‪ ,‬وأعدؿ نظرة ‪ ,‬وأشد حزماً مف المرأة ‪ .‬وقد جعؿ اهلل سبحانو‬
‫وتعالى لمرجؿ القوامة عمى المرأة لقولو تعالي {الرجاؿ قواموف عمى النساء بما‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬وقوامة الرجؿ عمى المرأة تقتضي تفوقو في‬ ‫فضؿ اهلل بعضيـ عمى بعض}‬
‫القدرة عمييا ‪,‬‬

‫‪ ,‬قاؿ ابف سعدي ‪(( :‬فضؿ الرجاؿ عمى النساء مف وجوه متعددة ‪ ,‬مف كوف‬
‫الواليات مختصة بالرجاؿ ‪ ,‬والنبوة ‪ ,‬والرسالة ‪.)ٕ())...‬‬

‫‪ -4‬القوة‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫القوة في المغة ضد الضعؼ‪ ,‬وقد تكوف في البدف‪ ,‬وقد تكوف في العقؿ‬
‫وتعني في اصطبلح الفقياء " ممكة تقتضي سيولة اإلقداـ عمى المأمور بو‪,‬‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫واإلحجاـ عف المنيي عنو "‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة النساء ‪ ,‬اآلية ٖٗ ‪.‬‬
‫(ٕ) تيسير الكريـ الرحمف في تفسير كبلـ المناف ٕ‪. ٙٓ/‬‬

‫(ٔ) لويس المعموؼ ‪ :‬المنجد صٗ‪ – ٙٙ٘ ,ٙٙ‬مجمع المغة العربية ‪ :‬المعجـ الوجيز صٕٕ٘ – ابف‬
‫منظور ‪ :‬لساف العرب ٘ٔ‪ – ٕٓٚ/‬محمد بف أبي بكر عبدالقادر الرازي ‪ :‬مختار الصحاح ‪ ,‬ط ‪/‬‬
‫دار الجيؿ ‪ ,‬بيروت ‪ٔٗٓٚ‬ىػ ‪ٜٔٛٚ-‬ـ ص‪. ٘٘ٛ‬‬
‫ي ‪ :‬تفسير الفخر‬
‫(ٕ) اإلماـ محمد الرازي فخر الديف ابف العبلمة ضياء الديف عمر المشتير بخطيب الر ّ‬
‫=‬
‫‪81‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ومف ىنا البد أف يكوف المرشح لرئاسة الدولة ذا طاقة وقدرة عمى تحمؿ أعباء‬
‫المنصب المسند إليو؛ لذا عرؼ القوي في االصطبلح بأنو ‪ " :‬مف تتوافر فيو‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫القدرة البدنية والذىنية التي يتطمبيا العمؿ بحسب طبيعتو‪ ,‬ومتطمبات أدائو "‬

‫والقدرة البدنية تقتضي سبلمة الجسـ مف األمراض‪ ,‬أما القدرة الذىنية فتستمزـ‬
‫سبلمة العقؿ مف اآلفات ‪.‬‬
‫إذاً فالقوة صفة يجب توافرىا في كؿ مف يستعاف بيـ في الوظيفة العامة أكد‬
‫وؿ َك ِر ٍيـ * ِذي قُوٍة ِع ْن َد‬
‫س ٍ‬‫عمييا القرآف الكريـ في قولو‪  : --‬إِن ُو لَقَ ْو ُؿ َر ُ‬
‫يف * ‪ ,)ٗ( ‬وفي قولو ‪ --‬عمى لساف ابنة‬ ‫اع ثَـ أ ِ‬
‫َم ٍ‬ ‫ط ٍ‬ ‫ش َم ِك ٍ‬
‫يف * ُم َ‬ ‫ِذي ا ْل َع ْر ِ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫الرازي المشتير بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب ‪ ,‬ط‪ /‬دار الفكر‪ ,‬المجمد الحادي عشر ص‪, ٖٜٔ‬‬
‫وقريب مف ىذا المعنى‪ ,‬اإلماـ جعفر بف محمد بف جرير الطبري ‪ :‬جامع البياف في تفسير القرآف ط‪/‬‬
‫الرابعة ٓٓٗٔىػ‪ٜٔٛٓ-‬ـ ‪ ,‬ط‪ /‬دار المعرفة ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬المجمد الثامف صٕٗ – اإلماـ نظاـ الديف‬
‫الحسف بف محمد بف حسيف القمي النيسابوري‪ :‬تفسير غريب القرآف ورغائب الفرقاف ‪ ,‬بيامش جامع‬
‫البياف ‪ ,‬المجمد الثامف صٖٗ – اإلماـ إسماعيؿ حقي البروسوي ‪ :‬تفسير روح البياف ‪ ,‬ط‪ /‬دار‬
‫الفكر ‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ‪ ,‬المجمد الخامس ص‪. ٖٜٔ‬‬
‫(ٖ ) د‪ /‬عيسى عبده ‪ ,‬وأحمد إسماعيؿ الحسيني ‪ :‬العمؿ في اإلسبلـ ‪ ,‬ط‪ /‬دار المعارؼ‪ ,‬القاىرة ‪ ,‬ط‪/‬‬
‫بدوف تاريخ ص‪. ٕٔٛ‬‬
‫(ٗ) سورة التكوير اآليات (‪. )ٕٔ-ٜٔ‬‬
‫‪81‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ي ْاأل ِ‬ ‫ِ‬
‫يف‪,)٘(‬وىذه اآلية‬
‫َم ُ‬ ‫ْج ْر َت ا ْلقَ ِو ُّ‬ ‫استَأْ ِج ْرهُ إِف َخ ْي َر َم ِف ْ‬
‫استَأ َ‬ ‫شعيب ‪َ  :‬يا أ ََبت ْ‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫جاءت بأوؿ قاعدة وضعيا اإلسبلـ في انتقاء الموظفيف‬

‫وقد أوضح سيدنا عمر بف الخطاب ‪ --‬معالـ ىذه القوة‪ ,‬بأنيا قوة غير‬
‫عاتية ‪ ,‬قواميا الرفؽ والرحمة‪ ,‬حيث أثر عنو قولو ‪ " :‬إف ىذا األمر –يعني‬
‫الوظيفة العامة‪ -‬ال يصمح إال بالقوة التي ال جبرية فييا‪ ,‬وبالميف الذي ال وىف‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫فيو "‬
‫فالقوة في مجاؿ التوظؼ تعني " الكفاءة البدنية والفنية المؤىمة لتولي الوظيفة‬
‫العمومية" ‪.‬‬
‫ومف ىنا فترتكز القوة في مجاؿ الوظيفة العامة عمى جانبيف ‪ ,‬األوؿ ‪ :‬الكفاءة‬
‫البدنية‪ ,‬والثاني الكفاءة الفنية ‪.‬‬

‫الجانب األوؿ ‪ :‬الكفاءة البدنية‪-:‬‬


‫تعني مف ناحية السبلمة الجسدية‪,‬ومف ناحية أخرى األىمية العقمية‪.‬‬
‫وقبؿ الخوض في تفصيؿ ذلؾ نحب أف نشر إلى أف السبلمة الجسدية واف‬
‫كانت شرطاً الزماً لبلختيار‪ ,‬إال أف القدر المتطمب توافره منيا ليس واحداً‬
‫بالنسبة لجميع الوظائؼ؛ ألف درجتيا تتفاوت تبعاً لنوع الوظيفة‪ ,‬وأىمية ما‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(٘) سورة القصص مف اآلية (‪. )ٕٙ‬‬
‫(‪ )ٙ‬د‪ /‬ظافر القاسمي ‪ :‬نظاـ الحكـ في الشريعة والتاريخ اإلسبلمي الحياة الدستورية ص‪ – ٗٚٙ‬د‪ /‬عمي‬
‫عبدالقادر مصطفى ‪ :‬الوظيفة العامة في النظاـ اإلداري اإلسبلمي وفي النظـ المعاصرة صٕٖ ‪.‬‬
‫(ٔ) محمد بف سعد ‪ :‬الطبقات الكبرى ‪ ,‬ط‪ /‬دار صادر ‪ ,‬بيروت ‪ٜٔٛٚ ,‬ـ ‪. ٖٗ/ٖ ,‬‬
‫‪82‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬فالعبرة بتوافر قدر مف السبلمة يييئ لصاحبو أداء‬ ‫تنطوي عميو مف أعماؿ‬
‫العمؿ عمى أكمؿ وجو ‪.‬‬

‫المعنى األوؿ ‪ :‬السالمة الجسدية ‪-:‬‬


‫ال شؾ في أف الوظيفة تحتاج إلى جيد مف الموظؼ لتحقيؽ األىداؼ‬
‫المرجوة منيا‪ ,‬وىذا الجيد يستمزـ خمو الموظؼ مف األمراض؛ كما يقتضي‬
‫سبلمة حواسو وأعضائو مف العمؿ واآلفات ‪.‬‬
‫فأما عف خمو الجسد مف األمراض‪ ,‬فيعد أم اًر منطقياً ال يحتاج إلى نص‬
‫يقرره لكونو مقرر بحكـ طبيعة األشياء ؛ لذا لـ يتحدث عنو فقياء اإلسبلـ‬
‫(ٖ)‬
‫‪ ,‬وانما يستشؼ مف المياـ العظاـ واألعباء الجثاـ الممقاة عمى عاتؽ‬ ‫صراحة‬
‫الموظؼ العاـ‪ ,‬والتي تقتضي كونو صحيحاً سميماً معافاً في بدنو‪ ,‬والشؾ أف‬
‫إحاطة الجسد باألمراض يفقد صاحبو القياـ بيذه المياـ‪ ,‬ومف ىنا قاؿ سيدنا‬
‫عمر بف الخطاب ‪ --‬لشرحبيؿ بف حسنو عندما عزلو عف والية الشاـ ‪" :‬‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ...‬أريد رجبلً أقوى مف رجؿ "‬
‫ىذا إذا كاف مرض الموظؼ يؤثر عمى أدائو لمياـ منصبو‪ ,‬أما إذا لـ يؤثر‬
‫عمى ذلؾ فبل مانع‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٕ ) د‪ /‬ماجد راغب الحمو ‪ :‬القانوف اإلداري ‪ ,‬ط‪ /‬دار المطبوعات الجامعية ‪ ,‬اإلسكندرية ‪ٜٔٛٚ‬ـ‬
‫صٖٕٗ ‪.‬‬
‫(ٖ ) د‪ /‬محمد باىي أبو يونس ‪ :‬االختيار عمى أساس الصبلحية لموظيفة العامة في النظاـ اإلداري‬
‫اإلسبلمي ‪ ,‬ط‪ /‬دار الجامعة الجديد لمنشر‪ ,‬اإلسكندرية ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ٓ‪ٜٜٔ‬ـ صٕ٘ ‪.‬‬
‫(ٗ) د‪ /‬سميماف محمد الطماوي ‪ :‬عمر بف الخطاب وأصوؿ السياسة واإلدارة الحديثة صٕ‪. ٕٚ‬‬
‫‪83‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫مف اختياره إذا لـ يكف مرضو معدياً‪ ,‬فإذا كاف معدياً فبل يجوز اختياره ؛ حتى ال‬
‫يصاب جميور‬
‫المتعامميف معو بيذا المرض‪ ,‬مف باب تحمؿ الضرر األدنى لدفع الضرر األكبر‬
‫أو مف بػاب تحمؿ الضرر الخاص لدفع الضرر العاـ‪ ,‬وتطبيقاً لقاعدة أساسية‬
‫مف القواعد التي تبنى عمييا أحكاـ الشريعة اإلسبلمية وىي قاعدة " دفع المضرة‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫مقدـ عمى جمب المنفعة"‬

‫فقد أفاض عمماء اإلسبلـ فييا شرحاً وتفصيبلً‪,‬‬ ‫أما عف سالمة األعضاء‬
‫ولقد سبؽ القوؿ بأف القدر المتطمب توافره منيا يتوقؼ عمى نوع الوظيفة‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬فإذا كانت الوظيفة مف الوظائؼ القيادية‪,‬فبلبد وأف يختار‬ ‫ومتطمبات أدائيا‬
‫ليا أشخاص ممف يوقروف في الصدور‪ ,‬ويمتازوف بالييبة واإلجبلؿ‪ ,‬وىذا يستمزـ‬
‫توافر قدر مف السبلمة أكبر مف القدر المتطمب فيمف يولوف وظائؼ غير قيادية‬
‫أو قميمة األىمية ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ ) اإلماـ تاج الديف عبدالوىاب بف عمي بف عبدالكافي السبكي ‪ :‬األشباه والنظائر ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬عادؿ أحمد‬
‫عبدالموجود ‪ ,‬عمي محمد عوض ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب العممية ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ٔٔٗٔىػ‪ٜٜٔٔ-‬ـ‬
‫ٔ‪ – ٔٓ٘/‬د‪ /‬عبدالعزيز محمد عزاـ ‪ :‬المقاصد الشرعية في القواعد الفقيية ‪ ,‬ط‪ /‬دار البيػاف‬
‫لمطباعػة والنشر ٕٔٓٓـ صٕ٘ٔ ‪.‬‬
‫(ٕ) د‪ /‬ماجد الحمو ‪ :‬القانوف اإلداري صٖٕٗ ‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ومف ىنا نجد الفقياء(ٖ)يقسموف أوجو النقص التي تؤثر عمى سبلمة األعضاء‬
‫إلى أربعة أقساـ ‪-:‬‬
‫القسـ األوؿ ‪-:‬‬
‫النقص المفقد لمقدرة عمى العمؿ‪ ,‬كفقد اليديف أو الرجميف‪ ,‬أو عجزىما –‬
‫الشمؿ‪ , -‬وىذا النقص تنتفي معو صبلحية الموظؼ العضوية لموظيفة‪ ,‬إذا‬
‫كانت تستمزـ نشاطاً بدنياً وحركة دائمة‪ ,‬أما إذا لـ تتطمب ذلؾ بأف كاف قواميا‬
‫العقؿ والفكر فيجوز إسنادىا ليذه النوعية مف الموظفيف‪ ,‬حيث أجاز الماوردي‬
‫إسناد وظيفة القضاء لممقعد ؛ لعدـ تأثير ذلؾ عمى عقمو وال يشيف حكمو(ٗ)‪ ,‬واف‬
‫كاف إسنادىا لؤلصح أفضؿ ‪.‬‬

‫القسـ الثاني ‪-:‬‬


‫النقص الغير مفقد لمقدرة عمى العمؿ‪ ,‬ولكنو يؤثر عمى كفاءة أدائو‪ ,‬كفقد‬
‫إحدى اليديف‪ ,‬أو إحدى الرجميف‪ ,‬وىذا النقص يحوؿ دوف تولي الوظائؼ‬
‫القيادية‪ ,‬كوظائؼ الحكاـ والوزراء واألمراء وقادة الجيوش؛ ألف ىذا النقص‬
‫(٘)‬
‫‪.‬‬ ‫يعجز صاحبو عف تماـ التصرؼ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٖ) أحمد عبداهلل القمقشندي ‪ :‬مآثر اإلناقة في معالـ الخبلفة‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬عبدالستار أحمد فراج ‪ ,‬مف سمسمة‬
‫التراث العربي ‪ ,‬طبع ‪ /‬الكويت ٗ‪ٜٔٙ‬ـ ٔ‪ – ٖٗ/‬الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٖٗ‪ – ٗٗ ,‬أبو‬
‫يعمى ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٕ ‪.‬‬
‫(ٗ) الماوردي ‪ :‬الحاوي الكبير ٕٓ‪. ٕٕٓ/‬‬
‫(٘) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٗٗ – أبو يعمى ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٕ ‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أما الوظائؼ غير القيادية خاصة التي تعتمد عمى الرأي والعقؿ وال تتطمب‬
‫كماؿ الحركة فبل بأس مف اختيار مف لحقو ىذا النقص ليا‪ ,‬السيما إف تميز‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫بحكمة بالغة وعقمية يانعة تجعمو أصمح مف غيره لتولي أعبائيا‬

‫القسـ الثالث ‪-:‬‬


‫النقص الذي يشيف ويقبح المظير‪ ,‬كجدع األنؼ ‪ ,‬وسمؿ‪-‬فقد‪ -‬إحدى‬
‫العينيف‪ ,‬وىذا النقص ال يفقد صاحبو القدرة عمى العمؿ ‪ ,‬وال يؤثر عمى قيامو‬
‫باختصاصاتو وسمطاتو عمى أكمؿ وجو‪ ,‬ومف ثـ ال يمنع مف تولى الوظائؼ‬
‫العادية ‪ ,‬وكذلؾ القيادية؛ ألنو ال يؤثر في عمؿ القائد وال يعوؽ حركتو ‪ ,‬وال‬
‫يؤدي إلى انتقاص مقدرتو عمى مباشرة التصرفات واألعباء الموكولة إليو(ٕ)‪.‬‬
‫(ٖ)‬
‫أف ىذا النقص يحوؿ دوف تولي الوظائؼ القيادية؛‬ ‫ويرى بعض الفقيػاء‬
‫ألف السبلمػة الكاممة تعد شرطاً معتب اًر فيمف يتولى أمر ىذه الوظائؼ ليسمـ مف‬
‫كؿ شيف يعاب أو نقص يزدري فتقؿ بو الييبة‪ ,‬وفي قمتيا نفور عف الطاعة‪,‬‬
‫مما يؤدي إلى ضياع مصالح األمة نتيجة لنقص حقوؽ القائد ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) د‪ /‬فاروؽ النبياف ‪ :‬نظاـ الحكـ في اإلسبلـ صٕ‪ , ٗٙ‬عف د‪ /‬محمد باىي أبو يونس ‪ :‬االختيار‬
‫عمى أساس الصبلحية لموظيفة العامة ص٘٘ ‪.‬‬
‫(ٕ ) أستاذنا الدكتور ‪ /‬فؤاد النادي ‪ :‬موسوعة نظاـ الحكـ في اإلسبلـ ‪ ,‬الكتاب الثاني طرؽ اختيار الخميفة‬
‫رئيس الدولة في الفقو السياسي اإلسبلمي ‪ ,‬وفي النظـ الدستورية المعاصرة ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ٓٓٗٔىػ‪-‬‬
‫ٓ‪ٜٔٛ‬ـ ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتاب الجامعي‪ ,‬القاىرة صٗ‪. ٙ‬‬
‫(ٖ) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية ص٘ٗ – أبو يعمى ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٕ – القمقشندي ‪ :‬مآثر‬
‫اإلناقػة ٔ‪. ٖٗ/‬‬
‫‪86‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫القسـ الرابع ‪-:‬‬


‫النقص الذي لو شيف خفي يمكف االستتار منو ‪ ,‬مثؿ فقد الذكر أو األنثييف‪,‬‬
‫وىذا النقص ال يؤثر عمى القدرة عمى العمؿ وال عمى كفاءة أدائو‪ ,‬وال يشيف‬
‫المظير أو يقبحو‪ ,‬ومف ثـ ال يمنع مف تولي جميع الوظائؼ ‪ ,‬عادية كانت أو‬
‫–الذكر أو األنثييف‪-‬‬ ‫قيادية؛ لعدـ تأثير قطع ىذيف العضويف أو إحداىما‬
‫إال عمى التناسؿ فقط ‪ ,‬وقد مدح اهلل‪ --‬نبيو يحيى بف زكريا –عمييما‬
‫صو ارً َوَن ِب ّياً ِم َف الصالِ ِح َ‬
‫يف ‪ ,)ٗ( ‬والحصور(٘) لـ‬ ‫س ِّيداً َو َح ُ‬
‫السبلـ‪ -‬فقاؿ ‪َ  :‬و َ‬
‫يمنع مف النبػوة‬
‫فعدـ منعو مف باقي الوظائؼ أولى‪ ,‬ىذا بالنسبة لتفصيؿ القوؿ في سبلمة‬
‫األعضاء ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لسالمة الحواس ‪ :‬فيشترط لمف يتولى أمر الوظيفة العامة أف‬
‫يكوف سميعاً بصي اًر متكمماً؛ حتى يتسنى لو القياـ بعممو عمى أكمؿ وجو‪ ,‬وكما‬
‫سبؽ أف القدر المتطمب مف سبلمة ىذه الحواس يتوقؼ عمى نوعية الوظيفة‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٗ) سورة آؿ عمراف مف اآلية (‪. )ٖٜ‬‬
‫(٘ ) وفي معنى الحصور رأياف ‪ :‬أحدىما ‪ :‬أنو العنيف الذي ال يستطيع إتياف النساء‪ ,‬وثانييما ‪ :‬أنو مف ال‬
‫ذكر لو يغشى بو النساء‪ ,‬أو لو ذكر كالنواة ‪.‬‬
‫يراجع في ذلؾ ‪ :‬الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٖٗ‪ – ٗٗ ,‬أستاذنا الدكتور ‪ /‬محمد رأفت عثماف ‪:‬‬
‫رياسة الدولة في الفقو اإلسبلمي ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتاب الجامعي‪ ,‬القاىرة ‪ ,‬ط ‪ /‬بدوف تاريخ ص‪,ٔٙٛ‬‬
‫‪. ٜٔٙ‬‬
‫‪87‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ولوازـ أدائيا‪ ,‬فسبلمة الحواس تنقسـ مف حيث تأثيرىا عمى قدرة الموظؼ‬
‫وكفاءتو في أداء عممو إلى ثالثة أقساـ ‪.‬‬

‫القسـ األوؿ ‪-:‬‬


‫العيوب المفقدة لمقدرة عمى العمؿ‪ ,‬وىي العمى والصمـ والخرس‪ ,‬وىذه‬
‫العيوب تحوؿ دوف االختيار لموظائؼ القيادية‪ ,‬والوظائؼ التي يتوقؼ تحقيؽ‬
‫(ٔ)‬
‫األىداؼ المرجوة منيا عمى السبلمة مف ىذه العيوب ‪ ,‬كوظيفة القضاء‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٔٗ‪ – ٕٗ ,‬أبو يعمى ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٔ – القاضي‬
‫شياب الديف المعروؼ بابف أبي الدـ ‪ :‬أدب القضاء صٓ‪ ٚ‬وما بعدىا – اإلماـ أبو زكريا يحيى بف‬
‫شرؼ النووي الدمشقي ‪ :‬روضة الطالبيف ‪ ,‬ط‪ /‬المكتب اإلسبلمي ٘‪ٖٜٔ‬ىػ‪ٜٔٚ٘-‬ـ ٔٔ‪ٜٚ ,ٜٙ/‬‬
‫– عبلء الديف أبو بكر ابف مسعود الكساني الحنفي ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ,‬ط‪ /‬مطبعة اإلماـ ‪ ,‬الناشر‬
‫زكريا عمي يوسؼ‪ ,‬القاىرة ‪ ,‬بدوف تاريخ ‪ – ٜٗٓٚ/ٜ‬الرممي ‪ :‬نياية المحتاج ‪ – ٕٖٛ/ٛ‬كماؿ‬
‫كشاؼ القناع ‪ – ٕٜ٘ ,ٕٜٗ/ٙ‬برىاف‬ ‫الديف بف اليماـ ‪ :‬فتح القدير ‪ – ٕٖ٘/ٚ‬البيوتي ‪:‬‬
‫الديف أبو الوفاء إبراىيـ بف اإلماـ شمس الديف أبو عبداهلل محمد بف فرحوف ‪ :‬تبصرة الحكاـ ٔ‪,ٔٛ/‬‬
‫‪ – ٜٔ‬أبو إسحاؽ إبراىيـ بف عمي بف يوسؼ الفيروز أبادي الشيرازي ‪ :‬الميذب في فقو اإلماـ‬
‫الشافعي ‪ ,‬وبأسفؿ الصفحة النظـ المستعذب في شرح غريب الميذب ‪ :‬لمعبلمة محمد بف أحمد بف‬
‫بطاؿ الركبي ‪ ,‬ط‪ /‬عيسى البابي الحمبي ٗ‪ ,ٕٜٓ/‬ط‪ /‬بدوف تاريخ – الشيخ محمد عميش ‪ :‬شرح‬
‫منح الجميؿ ٗ‪ – ٖٔٗ/‬عبداهلل بف محمود بف مودود الموصمي الحنفي ‪ :‬االختيار لتعميؿ المختار‬
‫وعميو تعميؽ الشيخ محمود أبو دقيقو ‪ ,‬ط‪ /‬دار الفكر ٔ‪ , ٖٛ/‬ط‪ /‬بدوف تاريخ – شياب الديف أحمد‬
‫بف إدريس القرافي ‪ /‬الزخيرة ‪ ,‬تحقيؽ أ ‪ /‬محمد بو خبزه ‪ ,‬ط‪ /‬دار الغرب اإلسبلمي ٓٔ‪ , ٜٔ/‬ط‪/‬‬
‫بدوف تاريخ – أبو الوليد محمد بف أحمد ابف رشد القرطبي ‪ :‬المقدمات المميدات لبياف ما اقتضتو‬
‫رسوـ المدونة مف األحكاـ الشرعيات والتحصيبلت المحكمات ألميات مسائميا المشكبلت ‪ ,‬تحقيؽ ‪/‬‬
‫ط‪ /‬األولى ‪ٔٗٓٛ‬ىػ‪ٜٔٛٛ-‬ـ‬ ‫سعيد أحمد أعراب ‪ ,‬ط‪ /‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ,‬بيروت ‪,‬‬
‫=‬
‫‪88‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ليستطيع بالكبلـ تنفيذ األحكاـ‪ ,‬وبالبصر التفرقة بيف الشيود واألخصاـ‪ ,‬وبالسمع‬
‫معرفة اإلقرار مف اإلنكار‪ ,‬وغيرىا مف الوظائؼ التي يتوقؼ حسف أدائيا عمى‬
‫قوة اإلبصار ‪ ,‬وسبلكة اآلذاف ‪ ,‬وطبلقة المساف‪ ,‬كوظائؼ الكتاب والبصاصيف‪,‬‬
‫والسفراء‪.‬‬
‫القسـ الثاني ‪-:‬‬
‫العيوب الغير مفقدة لمقدرة عمى العمؿ‪ ,‬ولكنيا تؤثر عمى كفاءة أدائو‪,‬‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫كالعشاء الميمي –عدـ اإلبصار بالميؿ‪ , -‬وثقؿ السمع‪ ,‬وتمتمة المساف‬
‫وىذه العيوب تعوؽ قدرة الشخص عف القياـ بعممو بكفاءة واقتدار‪ ,‬ومف ثـ تنتفي‬
‫معيا صبلحية الشخص لتولي الوظائؼ التي تتطمب حد اإلبصار‪ ,‬ولباقة‬
‫المساف‪ ,‬وسبلمة اآلذاف‪ ,‬كالوظائؼ الدبموماسية ؛ حيث يمزـ أف يتوافر في الرسؿ‬
‫والسفراء تماـ ىذه الحواس ‪,‬أما الوظائؼ التي ال تستمزـ ذلؾ فبل مانع مف‬
‫إسنادىا ليؤالء ‪ ,‬خاصة إذا كاف يرجى شفاؤىـ في ظؿ التقدـ الطبي الكبير في‬
‫عصرنا الحديث‪ ,‬أو تكميؿ ىذا النقص عف طريؽ أجيزة أو معدات معاونة‪,‬‬
‫كالسماعات والنظارات الطبية ‪.‬‬

‫القسـ الثالث ‪-:‬‬


‫العيوب التي ال تفقد القدرة عمى العمؿ‪ ,‬وال تؤثر عمى كفاءة أدائو‪ ,‬وىي‬
‫نوعاف كما يقوؿ أبو يعمى ‪ ,‬أحدىا ‪ :‬الخشـ في األنؼ الذي ال يدرؾ بو شـ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫ص‪ - ٕٜ٘ ,ٕ٘ٛ‬د ‪ /‬وىبو الزحيمي ‪ :‬الفقو الحنبمي الميسر بأدلتو وتطبيقاتو المعاصرة‪. ٕٛٗ/ٗ ,‬‬
‫(ٕ) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٗ‪ – ٖٗ ,‬أبو يعمى األحكاـ السمطانية صٕٔ ‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫يفرؽ بو بيف الطعوـ‪ ,‬وىما كما يقوؿ‬ ‫الروائح‪ ,‬وثانييما ‪ :‬فقد الذوؽ الذي‬
‫الماوردي ‪ " :‬ال يمنعاف مف تولي الوظائؼ القيادية ؛ ألنيما يؤثراف في المذة ‪,‬‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬وما داما ال يمنعاف مف تولي الوظائؼ‬ ‫وال يؤثراف في الرأي والعمؿ "‬
‫القيادية‪ ,‬فعدـ منعيما مف تولي غيرىا مف الوظائؼ أولى‪ ,‬واف كاف اختيار‬
‫السميـ األصح أفضؿ إف وجد ‪.‬‬
‫ىذا بالنسبة إلى بياف معنى السبلمة الجسدية باعتبارىا أحد المعنييف ال َذ ْيف‬
‫تحوييما الكفاءة الصحية‪.‬‬
‫المعنى الثاني ‪ :‬يتمثؿ في األىمية العقمية ‪-:‬‬

‫والتي تعني ضرورة توفر قدر مف الوعي واإلدراؾ لدى المرشح يمكنو مف‬
‫الوقوؼ عمى طبيعة العمؿ واختيار أفضؿ سبؿ إجادتو(ٕ)‪,‬وىذا ما دفع فقياء‬
‫(ٖ)‬
‫إلى اشتراط البموغ‬ ‫اإلسبلـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٗ – أبو يعمى ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٕٔ ‪.‬‬
‫(ٕ) د‪ /‬محمد باىي أبو يونس ‪ :‬االختيار عمى أساس الصبلحية لموظيفة العامة ص‪. ٘ٚ‬‬
‫(ٖ) أبو عبداهلل محمد بف محمد بف عبدالرحمف المغربي المعروؼ بالحطاب ‪ :‬كتاب مواىب الجميؿ لشرح‬
‫مختصر خميؿ ‪ ,‬وبيامشو التاج واإلكميؿ لمختصر خميؿ ‪ :‬ألبي عبداهلل محمد بف يوسؼ بف أبي‬
‫القاسـ العبدي الشيير بالمواؽ ‪ ,‬ط‪ /‬الثانية ‪ٖٜٔٛ‬ىػ ‪ٜٔٛٛ -‬ـ ‪ , ٛٛ/ٙ‬ط‪ /‬بدوف ذكر لمناشر –‬
‫القرافي ‪ :‬الزخيرة ٓٔ‪ – ٔٙ/‬ابف أبي الدـ ‪ :‬أدب القضاء صٓ‪ – ٚ‬ابف مودود ‪ :‬االختيار لتعميؿ‬
‫ٕ‪ – ٕٜٓ/‬ابف اليماـ ‪ :‬فتح القدير ‪ – ٕٖ٘/ٚ‬الرممي ‪:‬‬ ‫المختار ٔ‪ – ٔٛ/‬الشيرازي ‪ :‬الميذب‬
‫‪ – ٜٗٓٚ/ٜ‬النووي ‪ :‬روضة الطالبيف‬ ‫نياية المحتاج ‪ – ٕٖٛ/ٛ‬الكسانػي ‪ :‬بدائع الصنائػع‬
‫ٔٔ‪. ٜٙ/‬‬
‫‪91‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والعقؿ فيمف يتولى األمر في الدولة اإلسبلمية ؛ ألنيا تحتاج إلى قوة في‬
‫الشخصية ونضج في الفكر وخبرة بأمور الحياة ؛ لكوف البموغ بداية اكتساب ىذه‬
‫الصفات ‪.‬‬

‫فغير البالغ ال يجري عميو القمـ‪ ,‬وال يتعمؽ بقولو عمى نفسو حكـ‪ ,‬فأولى أف ال‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫ويرجع ذلؾ لسببيف‬ ‫‪ ,‬إذ ال يكوف مف أىؿ الواليات‬ ‫يتعمؽ بو عمى غيره حكـ‬
‫‪ ,‬أوليما ‪ :‬أف غير البالغ يحتاج في تسيير أموره إلى ولي يبلحظو ‪ ,‬ويشرؼ‬
‫(ٖ)‬
‫‪ ,‬وثانييما ‪ :‬أف غير‬ ‫عميو ‪ ,‬فكيؼ يجوز أف يشرؼ ىو عمى مصالح الناس‬
‫ٍ‬
‫بمكمؼ ‪ ,‬وأف أعمالو ال تحسب عميو شرعاً‪ ,‬لربما دفعو‬ ‫البالغ لعممو أنو ليس‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫ذلؾ إلى اإلخبلؿ عمداً بالمسئولية الممقاة عمى عاتقو‬

‫ويرجع السبب في عدـ تولية غير البالغ الوظائؼ العامة إلى نقصاف عقمو‬
‫وضيؽ إدراكو‪ ,‬مما يفقده القدرة عمى تحمؿ أعبائيا‪ ,‬فروى نافع عف عبداهلل بف‬
‫عمر قاؿ‪" :‬عرضني رسوؿ اهلل‪ --‬يوـ أحد في القتاؿ وأنا ابف أربع عشرة‬
‫سنة فمـ يجيزني وعرضني يوـ الخندؽ وأنا ابف خمس عشرة سنة فأجازني‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية ص‪ – ٕٔٛ‬البيوتي – كشاؼ القناع ‪. ٕٜٗ/ٙ‬‬
‫(ٕ) زيف العابديف بف إبراىيـ بف نجيـ ‪ :‬األشباه والنظائر ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب العممية‪ ,‬بيروت ٓٓٗٔىػ ‪ٜٔٛٓ -‬ـ‬
‫ص‪ٖٓٚ‬‬
‫(ٖ) محمد بف أحمد الشربيني الخطيب ‪ :‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنياج عمى متف المنياج ألبي‬
‫زكريا يحيى بف شرؼ النووي ‪ ,‬ط‪ /‬مصطفى البابي الحمبي ‪ٖٔٚٚ‬ىػ‪ٜٔ٘ٛ-‬ـ ٗ‪. ٖٔٓ/‬‬
‫(ٗ) القمقشندي ‪ :‬مآثر اإلناقة ٔ‪. ٖٕ/‬‬
‫‪91‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قاؿ نافع ‪ :‬فقدمت عمى عمر بف عبدالعزيز وىو يومئذ خميفة فحدثتو ىذا‬
‫الحديث فقاؿ ‪ :‬إف ىذا لحد بيف الصغير والكبير فكتب إلى عمالو أف يفرضوا‬
‫(٘)‬
‫‪.‬‬ ‫لمف كاف ابف خمس عشرة سنة ومف كاف دوف ذلؾ فاجعموه في العياؿ"‬

‫وىذا يدؿ عمى أف الحد األدنى لتولي الوظائؼ العامة في الدولة اإلسبلمية‬
‫ىو خمس عشرة سنة‪ ,‬وىو سف التكميؼ‪ ,‬وىذا ال يمنع مف رفع الحد األدنى‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫مثؿ وظيفة‬ ‫لمسف في الوظائؼ التخصصية التي تحتاج إلى خبرة وطوؿ ميراف‬
‫القضاء‪ ,‬فقد ثبت أف النبي‪ --‬حينما ولي عمياً بف أبي طالب قضاء اليمف‬
‫‪: --‬‬ ‫عمي سنو فقاؿ لمرسوؿ‬
‫كاف في الثبلثيف مف عمره‪ ,‬وقد استصغر ُّ‬
‫تبعثني عمى قوـ أسف مني وأنا حدث ال أبصر القضاء ‪ ,‬فوضع الرسوؿ‪--‬‬
‫يده عمى صدره وقاؿ ‪ :‬الميـ ثبت لسانو‪ ,‬واىد قمبو‪ ,‬يا عمي إذا جاءؾ الخصماف‬
‫فبل تقضي بينيما حتى تسمع مف اآلخر ما سمعتو مف األوؿ‪ ,‬فإنؾ إذا فعمت‬
‫(‪)ٚ‬‬
‫‪.‬‬ ‫عمى قضاء بعد ذلؾ‬
‫ذلؾ تبيف لؾ الحؽ‪ ,‬فما اختمؼ ّ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(٘) مسمـ ‪ :‬صحيح مسمـ ‪ ,‬كتاب اإلمارة ‪ ,‬باب بياف سف البموغ ‪ ,‬ح رقـ (‪ – ٜٔٗٓ/ٖ , )ٔٛٙٛ‬البخاري ‪:‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ,‬كتاب الشيادات ‪ ,‬باب بموغ الصبياف وشيادتيـ ‪ ...‬ح رقـ (ٕٕ٘) ‪ )ٜٗٛ/ٕ( ,‬والمفظ‬
‫لمسمـ ‪.‬‬
‫(‪ )ٙ‬د‪ /‬محمد باىي أبو يونس ‪ :‬االختيار عمى أساس الصبلحية لموظيفة العامة ص‪. ٜ٘‬‬
‫(‪ )ٚ‬اإلماـ محمد أبو زىرة ‪ :‬المرجع في السيرة النبوية خاتـ النبييف‪ ,--‬ط‪ /‬دار الفكر العربي‪ ,‬القاىرة‪ ,‬ط‪/‬بدوف‬
‫تاريخ صٓٗٓٔ – محمد بف عبداهلل أبو عبداهلل الحاكـ النيسابوري ‪ :‬المستدرؾ عمى الصحيحيف‪ ,‬ط‪ /‬دار‬
‫بيروت ‪ٔٗٔٔ ,‬ىػ‪ٜٜٔٓ-‬ـ ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬مصطفى عبدالقادر عطا ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ‪,‬‬ ‫الكتب العممية ‪,‬‬
‫أبو عبداهلل الشيباني ‪ :‬مسند أحمد‪ ,‬ط ‪ /‬مؤسسة قرطبة ‪,‬مصر‪ ,‬ط‪/‬‬ ‫ٖ‪–ٔٗ٘/‬أحمد بف حنبؿ‬
‫بدوف تاريخ ‪ ,‬ح رقـ (‪.ٔٔٔ/ٔ , )ٕٔٛ‬‬
‫‪92‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وىذا ال يمنع مف إسناد وظيفة القضاء إلى ما دوف الثبلثيف ما داـ لديو الخبرة‬
‫والجدارة المتيف تؤىبلنو لحسـ المنازعات وفض الخصومات بيف الناس بالقسط ‪,‬‬
‫(ٔ)‬
‫أف يحيى بف أكثـ ولي قضاء البصرة وسنو يربوا عمى‬ ‫فقد جاء في تاريخ بغداد‬
‫العشريف بقميؿ‪ ,‬فاستصغره أىؿ البصرة‪ ,‬فقالوا ‪ :‬كـ سف القاضي ؟ فعمـ أنو‬
‫استصغر ‪ ,‬فقاؿ ‪ :‬أنا أكبر مف عتاب بف أسيد الذي وجو بو النبي‪ --‬قاضياً‬
‫‪-‬‬ ‫عمى أىؿ مكة يوـ الفتح‪ ,‬وأنا أكبر مف معاذ بف جبؿ الذي وجو بو النبي‬
‫‪ -‬قاضياً عمى أىؿ اليمف‪ ,‬وأنا أكبر مف كعب بف سوار الذي وجو بو عمر‬
‫بف الخطاب قاضياً عمى أىؿ البصرة‪ ,‬فكاف جوابو حجة عمييـ ‪.‬‬

‫ولي‬
‫وقد جاء في الوالة والقضاة لمكندي ‪ ,‬أف عبدالواحد بف عبدالرحمف َّ‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫القضاء ولو خمس وعشروف سنة‬

‫ىذا بالنسبة لمحد األدنى مف السف لمدخوؿ في الوظيفة العامة ‪ ,‬أما بالنسبة‬
‫لسف التقاعد –اإلحالة إلى المعاش أو الخروج مف الوظيفة‪ , -‬فقد جاء في‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ ) أبو بكر أحمد بف عمي بف الخطيب البغدادي ‪ :‬تاريخ بغداد ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتاب العربي‪ ,‬بيروت‪ ,‬ط‪/‬‬
‫بدوف تاريخ ٗٔ‪ – ٜٜٔ/‬أبو العباس شمس الديف أحمد بف محمد بف أبي بكر بف خمكاف ‪ :‬وفيات‬
‫األعياف وأنباء أبناء الزماف ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬إحساف عباس ‪ ,‬ط‪ /‬دار صادر ‪ٖٜٔٛ‬ىػ‪ٜٔٚٛ-‬ـ‬
‫‪. ٜٔٗ/ٙ‬‬
‫(ٕ ) أبو عمر محمد بف يوسؼ الكندي المصري ‪ :‬الوالة والقضاة ‪ ,‬ط‪ /‬مؤسسة الخانجي ‪ ,‬مصر ‪ٜٔٓٛ‬ـ‬
‫صٖٖٓ ‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٖ)‬
‫أف الموظؼ الذي لـ يكف محجو اًر عميو‪ ,‬وكاف بالغاً‬ ‫مراتب اإلجماع البف حزـ‬
‫حسف الديف‪ ,‬سالـ االعتقاد‪ ,‬ح اًر غير معتؽ‪ ,‬عالماً بالحديث والقرآف والنظر‬
‫واإلجماع واالختبلؼ قاد اًر صحيحاً‪ ,‬لـ تختؿ قواه العقمية يظؿ مستم اًر في عممو‬
‫إلى أف يعجز فيعزؿ أو يعتزؿ ‪.‬‬

‫وىذا يدؿ عمى أف بقاء الموظؼ في عممو مرىوف بكفاءتو وقدرتو عمى تحمؿ‬
‫أعبائو بغض النظر عف كبر سنو‪ ,‬والدليؿ عمى ذلؾ أف شريحاً ظؿ قاضياً عمى‬
‫وعم ّر مائة وعشريف سنة‪ ,‬ولـ يتعطؿ عف القضاء‬
‫الكوفة خمساً وسبعيف سنة‪َّ ,‬‬
‫إال ثبلث سنيف زمف فتنة ابف الزبير(ٗ) ‪.‬‬

‫أما عف اشتراط العقؿ لتولي الوظائؼ العامة‪ ,‬فقد روي عف النبي‪ --‬أنو‬
‫قاؿ ‪ " :‬رفع القمـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٖ ) أبو محمد بف عمي أحمد بف حزـ األندلسي ‪ :‬مراتب اإلجماع‪ ,‬ط‪ /‬دار اآلفاؽ الجديدة ‪ ,‬ط‪ /‬الثانية‬
‫ٓٓٗٔىػ ٓ‪ٜٔٛ‬ـ ص‪. ٘ٙ‬‬
‫(ٗ) ابف خمكاف ‪ :‬وفيات األعياف ٕ‪ – ٗٙٓ/‬أبو الفرج عبدالحي بف عماد الحنبمي ‪ :‬شذرات الذىب ‪ ,‬ط‪/‬‬
‫دار المسيرة ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ٔ‪ – ٛ٘/‬أبو محمد عبداهلل بف مسمـ بف قتيبة الدينوري ‪:‬‬
‫كتاب عيوف األخبار ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب المصرية‪ ,‬القاىرة‪ٖٖٔٗ ,‬ىػ‪ٜٕٔ٘-‬ـ ‪ ,‬المجمد األوؿ صٔ‪,ٙ‬‬
‫ٕ‪. ٙ‬‬
‫‪94‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عف الصبي حتى يحتمـ وعف المعتوه حتى يفيؽ وعف النائـ‬ ‫عف ثالثة‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫حتى يستيقظ "‬
‫مما يدؿ عمى أف فاقد العقؿ أو معتمو غير مكمؼ ؛ ألف العقؿ مناط التكميؼ‪,‬‬
‫وما داـ الشخص غير مكمؼ فبل يجوز إسناد الوظيفة إليو لفقده اإلدراؾ والتمييز‬
‫‪.‬‬
‫والمقصود باشتراط العقؿ فيمف يولى أمر الوظيفة العامة ليس العقؿ الذي‬
‫يتعمؽ بو التكميؼ مف حيث عممو بالمدركات الضرورية‪ ,‬بؿ البد أف يكوف‬
‫صحيح التمييز جيد الفطنة بعيداً عف الميو والغفمة(ٕ)‪ ,‬يتوصؿ بذكائو إلى‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫إيضاح ما أشكؿ ‪ ,‬وفصؿ ما أعضؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) عبداهلل بف عمي بف الجارود أبو محمد النيسابوري ‪ :‬المنتقى ‪ ,‬ط‪ /‬مؤسسة الكتاب الثقافية‪ ,‬بيروت‬
‫‪ٔٗٓٛ‬ىػ ‪ٜٔٛٛ-‬ـ ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬عبداهلل عمر البارودي‪ ,‬ط‪ /‬األولى ٔ‪ – ٕٓ٘/‬محمد بف إسحاؽ بف‬
‫خزيمة أبو بكر السممي النيسابوري ‪ :‬صحيح بف خزيمة‪ ,‬ط‪ /‬دار المكتب اإلسبلمي‪ ,‬بيروت‬
‫ٓ‪ٖٜٔ‬ىػ‪ٜٔٚٓ-‬ـ ‪ ,‬تحقيؽ د‪ /‬مصطفى األعظمي ‪ ,‬باب ذكر الخبر الداؿ عمى أف أمر الصبياف‬
‫بالصبلة قبؿ البموغ عمى غير اإليجاب ٕ‪ , ٕٔٓ/‬وفي باب ذكر إسقاط فرض الحج عف الصبي قبؿ‬
‫البموغ ‪ ,‬وعف المجنوف حتى يفيؽ ٗ‪ – ٖٗٛ/‬الحاكـ ‪ :‬في المستدرؾ عمى الصحيحيف ‪ ,‬حديث رقـ‬
‫(ٖٕٓ٘) ‪ , ٙٚ/ٕ ,‬والمفظ لمحاكـ ‪ ,‬وقاؿ عنو ‪ :‬حديث صحيح عمى شرط مسمـ ‪ .‬ولـ يخرجاه‬
‫ووافقو الذىبي ‪.‬‬
‫(ٕ) الشربيني ‪ :‬مغني المحتاج ٗ‪ – ٖٚ٘/‬ابف فرحوف ‪ :‬تبصرة الحكاـ ٔ‪ – ٔٛ/‬الحطاب ‪ :‬مواىب الجميؿ‬
‫‪ – ٛٛ/ٙ‬محمد عميش ‪ :‬منح الجميؿ ٗ‪ – ٖٔٛ/‬الرممي ‪ :‬نياية المحتاج ‪. ٕٖٛ/ٛ‬‬
‫(ٖ) الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية ص‪. ٕٔٛ‬‬
‫‪95‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وبتفصيؿ الكبلـ في شرط البموغ والعقؿ‪ ,‬يكوف الحديث قد انتيى عف الكفاءة‬


‫الصحية باعتبارىا أحد الجانبيف الذيف ترتكز عمييما القوة المتطمبة فيمف يشغؿ‬
‫أمر الوظيفة العامة ‪.‬‬

‫الجانب الثاني ‪ :‬الكفاءة الفنية‪-:‬‬


‫أما الجانب الثاني الذي ترتكز عميو القوة‪ ,‬فيتمثؿ في الكفاءة الفنية ‪ :‬والتي‬
‫تعني توافر قدر مف العمـ والخبرة العممية يؤىبلف الشخص لتولي أمر الوظيفة‬
‫العامة‪ ,‬وىذا القدر يختمؼ باختبلؼ نوع الوظيفة المراد شغميا‪ ,‬فإذا كانت مف‬
‫الوظائؼ القيادية العامة‪ ,‬كوظيفة الحكاـ واألمراء والوزراء‪ ,‬فبلبد وأف يرتفع قدر‬
‫العمـ والخبرة إلى أعمى معدالتو؛ ألف ىذه الوظائؼ تستمزـ إحاطة كبيرة –إلى‬
‫حد ما‪ -‬بمعظـ مجاالت العمـ‪ ,‬مف دينية وسياسية وعسكرية ومدنية‪ ,‬حتى يتمكف‬
‫القائد مف خبلؿ معرفتو ليذه العموـ القياـ بواجباتو الوظيفية‪ ,‬والمتمثمة في حفظ‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫الديف عمى أصولو المستقرة‪ ,‬وتدبير السياسة العامة لؤلمة‬
‫أما إذا كانت الوظيفة المراد شغميا مف الوظائؼ التي تتطمب التخصص في‬
‫مجاؿ معيف مف المجاالت‪ ,‬كوظيفة القضاء‪ ,‬وقيادة الجيش‪ ,‬فيجب أف يتوافر‬
‫في المرشح ليػذه الوظائؼ القػدر‬
‫البلزـ مف العمـ والخبرة العممية في التخصص الدقيؽ ليا ؛ حتى يتحقؽ‬
‫المقصود مف ىذه الوظائؼ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٗ) الماوردي ‪ :‬المرجع السابؽ ص٘ٔ ‪.‬‬
‫‪96‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ولكي يتحقؽ اليدؼ المنشود مف وظيفة القضاء مثبلً‪ ,‬وىو حسـ النزاعات‬
‫وفصؿ الخصومات‪ ,‬وايصاؿ الحقوؽ ألربابيا(ٔ)‪ ,‬البد أف يكوف المرشح ليا‬
‫عالماً بالحبلؿ والحراـ وسائر األحكاـ‪ ,‬وعممو بذلؾ يتطمب عممو بكتاب اهلل‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬ويشيد لذلؾ حديث معاذ بف جبؿ‬ ‫وبسنة نبيو‪ , --‬وباإلجماع والقياس‬
‫حيف بعثو الرسوؿ‪ --‬قاضياً ‪ ,‬فقاؿ لو ‪ :‬كيؼ تصنع إذا عرض لؾ حكـ ؟‬
‫قاؿ ‪ :‬أقضي بما في كتاب اهلل‪ ,‬قاؿ ‪ :‬فإف لـ تجد ؟ قاؿ ‪ :‬فبسنة رسوؿ اهلل‪-‬‬
‫‪ , -‬قاؿ ‪ :‬فإف لـ تجد ؟ قاؿ ‪ :‬أجتيد برأي ‪ ,‬فقاؿ‪ : --‬الحمد هلل الذي‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫وفؽ رسوؿ رسوؿ اهلل لما يرضي اهلل ورسولو‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) البيوتي ‪ :‬كشاؼ القناع ‪. ٕٜٛ/ٙ‬‬
‫(ٕ) الكساني ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ – ٜٗٓٚ/ٜ‬النووي ‪ :‬روضة الطالبيف ٔٔ‪ – ٜ٘/‬ابف أبي الدـ ‪ :‬أدب‬
‫صٓ‪ – ٚ‬شيخ اإلسبلـ أبو عمر يوسؼ بف عبداهلل بف محمد بف عبدالبر النمري‬ ‫القضاء‬
‫القرطبي ‪ :‬كتاب الكافي في فقو أىؿ المدينة المالكي ‪ ,‬تحقيؽ د‪ /‬محمد محمد الموريتاني ‪ ,‬الناشر‬
‫مكتبة الرياض الحديثة‪ ,‬الرياض‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ صٕ٘‪ – ٜ‬حساـ الديف عمر بف عبدالعزيز بف‬
‫مازة البخاري المعروؼ بالصدر الشييد ‪ :‬كتاب أدب القضاء شرح الخصاؼ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬محي ىبلؿ‬
‫السرحاف ‪ ,‬العراؽ وزارؽ األوقاؼ‪ ,‬إحياء التراث اإلسبلمي‪ ,‬الكتاب الثامف والعشروف ٔ‪ٕٔٚ ,ٕٔٙ/‬‬
‫– القرافي ‪ :‬الذخيرة ٓٔ‪ – ٔٙ/‬الماوردي ‪ :‬األحكاـ السمطانية صٖٓٔ – أبو يعمى ‪ :‬األحكاـ‬
‫السمطانية صٔ‪. ٙ‬‬
‫(ٖ ) عبداهلل بف عبدالرحمف أبو محمد الدارمى ‪ :‬سنف الدارمى ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتاب العربي‪ ,‬بيروت ‪ٔٗٓٚ‬ىػ‬
‫‪ ,‬طبعة‪ /‬األولى ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬فؤاد أحمد زمرلي‪ ,‬ط‪ /‬خالد السبع العممي ‪ ,‬باب الفتيا‪ ,‬حديث رقـ ‪ٔٙٛ‬‬
‫ٔ‪ – ٕٚ/‬أحمد ابف الحسيف بف عمي بف موسى أبو بكر البييقي ‪ :‬سنف البييقي الكبرى ‪ ,‬ط‪ /‬مكتبة‬
‫الباز‪,‬مكة المكرمة ٗٔٗٔىػ ٗ‪ٜٜٔ‬ـ ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬محمد عبدالقادر عطا ‪ ,‬حديث رقـ ‪,ٕٕٓٔٙ‬‬
‫ٓٔ‪ – ٔٔٗ/‬سميماف بف األشعث أبو داود السجستاني األزدي ‪ ,‬سنف أبػي داود ‪ ,‬ط‪ /‬دار الفكر ‪,‬‬
‫تحقيؽ ‪ /‬محمد محي الديف عبدالحميد ‪ ,‬حديث رقـٕ‪. ٖٖٓ/ٖ ٖٜ٘‬‬
‫‪97‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أما عف وظيفة قيادة الجيش‪ ,‬فمكي يتحقؽ اليدؼ المرجو منيا‪ ,‬وىو الدفاع‬
‫عف اإلسبلـ والمسمميف‪ ,‬والتمكيف ليـ في األرض‪ ,‬فبلبد وأف يتوافر فيمف يشغؿ‬
‫أمر ىذه الوظيفة العمـ التاـ بفنوف القتاؿ ‪ ,‬وأساليب العدو في الخداع والنزاؿ‪,‬‬
‫كما قاؿ ابف تيمية بعد أف وضع القوة في كؿ والية بحسبيا ‪ ... " :‬فالقوة في‬
‫إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القمب والى الخبرة بالحروب والمخادعة فييا‪ ,‬فإف‬
‫وكر وفر‬
‫الحرب خدعة‪ ,‬والى القدرة عمى القتاؿ مف رمي وطعف وضرب وركوب ّ‬
‫ونحو ذلؾ "(ٗ) ‪.‬‬
‫فإذا توافرت ىذه الصفات في شخص وجب تقديمو عمى غيره في قيادة‬
‫الجيش‪ ,‬حتى ولو كاف غيره ىذا أتقى منو وأسبؽ في اإلسبلـ‪ ,‬لكونو أنفع‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬ويرشدنا إلى ذلؾ مسمؾ النبي‪ --‬في إسناده قيادة‬ ‫لممسمميف مف غيره‬
‫الجيش لخالد بف الوليد؛ ألنو كاف أنكى لمعدو وأمير مف غيره في ىذا المجاؿ‪,‬‬
‫حيث قاؿ عنو النبي‪ " : --‬نعـ عبداهلل وأخو العشيرة خالد بف الوليد سيؼ‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫مف سيوؼ اهلل سمو اهلل عمى الكفار والمنافقيف "‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٗ) ابف تيمية ‪ :‬السياسة الشرعية صٓٔ ‪.‬‬
‫(ٔ) أستاذنا الدكتور ‪ /‬فؤاد النادي ‪ :‬مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة لمقانوف في الفقو اإلسبلمي ‪,‬‬
‫ط‪ /‬دار الكتاب الجامعي ‪,‬ط‪ /‬الثانية ٓٓٗٔىػ‪ٜٔٛٓ-‬ـ ص‪. ٜٔٙ‬‬
‫(ٕ ) الييتمي ‪ :‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬عبداهلل درويش ‪ ,‬ط‪ /‬دار الفكر ‪ ,‬بيروت ٕٔٗٔىػ‪-‬‬
‫ٕ‪ٜٜٔ‬ـ ‪ – ٘ٛٓ/ٜ‬أبو عبداهلل محمد بف عبدالواحد بف أحمد الحنبمي المقدسي ‪ :‬األحاديث المختارة‪,‬‬
‫ط‪ /‬مكتبة النيضة الحديثة‪ ,‬مكة المكرمة ٓٔٗٔىػ ‪ ,‬الطبعة ‪ /‬األولى ‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬عبدالممؾ عبداهلل‬
‫بف دىيش ‪ ,‬حديث رقـ ٘ٗ ٔ‪. ٖٕٔ/‬‬
‫‪98‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقد قدمو النبي‪--‬عمى كبار الصحابة أمثاؿ أبي بكر وعمر وعمي ممف‬
‫أسمـ مف قبؿ الفتح وقاتؿ‪ ,‬بالرغـ مف ارتكابو ألفعاؿ تب أر منيا النبي‪ --‬قاؿ ‪:‬‬
‫(ٖ)‬
‫‪ ,‬وبالرغـ مف ذلؾ تمسؾ بو‬ ‫" الميـ إني أب أر إليؾ مما صنع خالد مرتيف "‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫النبي‪ --‬؛ ألنو كاف أنفع لممسمميف مف غيره في ىذا الباب‬
‫وبانتياء القوؿ عف القدر البلزـ توافره مف العمـ والخبرة العممية فيمف يشغؿ‬
‫أمر الوظيفة العامة‪ ,‬نكوف قد انتيينا مف الحديث عف القوة ‪ ,‬باعتبارىا مف أىـ‬
‫ضمانات نظاـ الجدارة‪ ,‬بجانب معيار األمانة ‪.‬‬

‫وأخي اًر نعود ونذكر بأف القوة بجانبييا الذيف ترتكز عمييما –الكفاءة البدنية‬
‫والكفاءة الفنية‪ -‬ليست بدرجة واحدة في كؿ الوظائؼ‪ ,‬وانما يختمؼ القدر‬
‫المتطمب توافره منيا باختبلؼ نوعية الوظيفة ومتطمبات أدائيا ‪ ,‬عمى نحو ما‬
‫سبؽ تفصيمو في حينو ‪.‬‬
‫وننتقؿ اآلف إلى الحديث عف معيار األمانة لتكتمؿ الفائدة في االختيار‬
‫لموظيفة العامة ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٖ) البخاري ‪ :‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب المغازي ‪ ,‬باب بعث النبي‪ --‬خالد بف الوليد إلى بني َج ِذيمة ‪,‬‬
‫ح رقـ (ٗ‪. ٔ٘ٚٚ/ٗ , )ٛٓٛ‬‬
‫(ٗ) والفعؿ الذي فعمو خالد بف الوليد وتب أر منو النبي‪ , --‬أنو أرسمو إلى بني جذيمة فقتميـ وأخذ‬
‫وداىـ‬
‫أمواليـ بنوع شبية‪ ,‬ولـ يكف يجوز ذلؾ ‪ ,‬وأنكر عميو بعض مف معو مف الصحابة ‪ ,‬حتى ّ‬
‫النبي‪ --‬وضمف أمواليـ‪.‬‬
‫راجع ‪ :‬أحمد بف تيمية ‪ :‬السياسة الشرعية صٓٔ ‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ -5‬األمانة‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫األمانة في المغة ضد الخيانة‪ ,‬وتطمؽ عمى الوفاء واالطمئناف والوديعة‬
‫فاألمانة تطمؽ عمى الخصاؿ الحميدة التي يجب أف يتحمى بيا كؿ مسمـ‪ ,‬مف‬
‫عناية وحفظ لمحقوؽ وايصاليا ألربابيا‪,‬فاألمانة في لساف الشرع ليا داللة واسعة‬
‫(ٕ)‬
‫مدارىا جميعاً شعور المرء بجسامة المسئولية الممقاة عمى‬ ‫تحمؿ معاني شتى‬
‫(ٖ)‬
‫ثـ أماـ الناس ‪.‬‬ ‫عاتقو ‪ ,‬وادراكو الجازـ بأنو مسئوؿ أماـ اهلل في المقاـ األوؿ‬
‫فيي تعني ‪ ,‬عمؿ كؿ ما هلل فيو طاعة وامتثاؿ‪ ,‬واجتناب كؿ ما هلل فيو‬
‫مخالفة وعصياف(ٗ)‪.‬‬

‫ويقوؿ الشيخ الغزالي ‪ " :‬إف األمانة تعني قياـ كؿ إنساف بما كمؼ بو‪ ,‬وانجاز‬
‫(٘)‬
‫‪.‬‬ ‫ما تعاقد مع الدولة والجماعة عمى إتمامو "‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) لويس المعموؼ ‪ :‬المنجد في المغة واألعبلـ ص‪ – ٔٛ‬مجمع المغة العربية ‪ :‬المعجـ الوجيز صٕ٘‪,‬‬
‫‪. ٕٙ‬‬
‫(ٕ ) األمانة الزمة في جميع معامبلت اإلنساف سواء مع ربو بفعؿ المأمورات وترؾ المنييات‪ ,‬أو مع نفسو‬
‫باختيار األنفع واألصمح ليا في الديف والدنيا‪ ,‬أو مع سائر الخمؽ‪ ,‬ويدخؿ فييا رد الودائع وعدـ‬
‫‪.‬‬ ‫إفشاء األسرار وعدؿ األمراء والحكاـ ‪...‬‬
‫راجع ‪ :‬الشيخ ‪ /‬محمد الرازي ‪ :‬تفسير الفخر الرازي ‪. ٖٔٗ/ٜ‬‬
‫(ٖ ) ميدي محمد مجبر ‪ :‬األمانة في األداء اإلداري ‪ ,‬ط‪ /‬مكتبة الخدمات الحديثة ‪ ,‬ط‪ /‬األولى‬
‫٘ٔٗٔىػ‪ٜٜٔ٘-‬ـ صٕٓ ‪.‬‬
‫(ٗ) محمد حممي محمد خضر ‪ :‬الرياض الندية في الخطب المنبرية ‪ ,‬ط‪ /‬مكتبة اإلرشاد ‪ ,‬جدة ‪ ,‬ط‪/‬‬
‫الثانية ٖٔٗٔىػ‪ٜٜٕٔ-‬ـ ص‪. ٜٔٔ‬‬
‫(٘ ) الشيخ محمد الغزالي ‪ :‬اإلسبلـ والطاقات المعطمة ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب اإلسبلمية ‪ ,‬ط‪ /‬الرابعة ‪ ,‬ط‪/‬‬
‫=‬
‫‪111‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ويقوؿ صاحب التفسير الكبير ‪ " :‬إف األمانة عبارة عما إذا وجب لغيرؾ‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫‪.‬‬ ‫عميؾ حؽ ‪ ,‬فأديت ذلؾ الحؽ إليو فيذا ىو األمانة "‬

‫وتعني األمانة في منطؽ اإلدارة اإلسبلمية ‪ ,‬الكفاءة الخمقية التي تنبع مف‬
‫خشية اهلل ومراقبتو س اًر وعبلنية‪ ,‬فبل يخوف وال يسرؽ‪ ,‬وال يظمـ وال ينحرؼ‪ ,‬وال‬
‫(‪)ٚ‬‬
‫ويؤدي ما عميو‪.‬‬ ‫يسعى في األرض فساداً‬
‫(ٔ)‬
‫معايير ثبلثة لؤلمانة ىي ‪ :‬الخوؼ مف اهلل ‪ ,‬وأال‬ ‫ويضع ابف تيمية‬
‫يضحي بآخرتو في سبيؿ دنياه‪ ,‬وأال يخشى الناس‪ ,‬وىذه المعايير قد أخذىا اهلل‬
‫ش ُوا‬
‫‪ --‬عمى كؿ مف تولى أمر الوظيفة العامة‪ ,‬حيث يقوؿ‪  : --‬فَال تَ ْخ َ‬
‫آي ِاتي ثَ َمناً َقمِيالً َو َم ْف لَ ْـ َي ْح ُك ْـ ِب َما أَ ْن َز َؿ الموُ‬
‫شتَُروا ِب َ‬
‫ش ْو ِف َوال تَ ْ‬
‫اخ َ‬ ‫اس َو ْ‬‫الن َ‬
‫وف ‪.)ٕ( ‬‬ ‫فَأُولَ ِئ َؾ ُىـ ا ْل َك ِ‬
‫افُر َ‬ ‫ُ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫بدوف تاريخ ص‪. ٖٔٙ‬‬
‫(‪ )ٙ‬اإلماـ محمد الرازي ‪ :‬تفسير الفخر الرازي المشتير بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب ‪. ٔٗ٘/ٜ‬‬
‫(‪ ) ٚ‬القاضي أبو يوسؼ بف يعقوب بف إبراىيـ ‪ :‬كتاب الخراج ‪ ,‬ط‪ /‬المطبعة السمفية ومكتبتيا‪ ,‬ط‪/‬‬
‫السادسة ‪ٖٜٔٚ‬ىػ ص‪ - ٜٔٔ‬د‪ /‬مصطفى أبو زيد فيمي ‪ :‬فف الحكـ في اإلسبلـ ‪ ,‬ص٘ٔٔ‪.‬‬
‫(ٔ) ابف تيمية ‪ :‬السياسة الشرعية ص‪ – ٜ‬اإلماـ الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪. ٔٗ٘/ٜ‬‬
‫(ٕ) سورة المائدة مف اآلية (ٗٗ) ‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٖ)‬
‫حيف واله عمى مصر ‪" :‬‬ ‫ويقوؿ سيدنا عمي بف أبي طالب لؤلشتر النخعي‬
‫‪ ...‬ثـ انظر في أمور عمالؾ فاستعمميـ اختبا اًر وال توليـ محاباة وأثرة ‪ ,‬فإنيما‬
‫جماع مف شعب الجور والخيانة‪ ,‬وتوخ منيـ أىؿ التجربة والحياء والورع مف أىؿ‬
‫البيوتات الصالحة والقدـ في اإلسبلـ ‪ " ...‬ثـ قاؿ لو أيضاً ‪ ... " :‬ثـ انظر في‬
‫حاؿ كتابؾ‪ ,‬فوؿ عمى أمورؾ خيرىـ‪ ,‬واخصص رسائمؾ التي تدخؿ فييا مكائدؾ‬
‫وأسرارؾ بأجمعيـ لوجود صالح األخبلؽ ‪. " ...‬‬

‫ومف ىنا يتضح أف مف ولي أم اًر عاماً مف أمور المسمميف البد وأف يكوف‬
‫مسمماً تقياً حفيظاً عمى ما يؤتمف عميو مف أسرار وأمواؿ؛ ألف الوظيفة العامة‬
‫أمانة يجب أف ال يختار ليا إال مف كاف أميناً قوياً عمى تحمؿ أعبائيا‪ ,‬يقوؿ‬
‫َىمِ َيا َوِا َذا َح َك ْمتُ ْـ َب ْي َف‬ ‫َف تُ َؤُّدوا ْاألَما َن ِ‬
‫ات إِلَى أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْمُرُك ْـ أ ْ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪  : --‬إف الم َو َيأ ُ‬
‫َف تَ ْح ُك ُموا ِبا ْل َع ْد ِؿ ‪ ,)ٗ( ‬يقوؿ الطبري ‪ :‬إف ىذه اآلية تعتبر خطابا لوالة‬ ‫الن ِ‬
‫اس أ ْ‬
‫أمور المسمميف بأداء األمانة إلى مف ولوا أمرىـ في فيئيـ وحقوقيـ‪ ,‬وما ائتمنوا‬
‫عميو مف أمورىـ بالعدؿ‪ ,‬فقد نقؿ عف سيدنا عمي قولو ‪ " :‬حؽ عمى اإلماـ أف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٖ ) محمد الرضى بف الحسف الموسوي ‪ :‬نيج الببلغة مف كبلـ اإلماـ عمي‪ ,‬شرح الشيخ‪ /‬محمد عبده‪,‬‬
‫ٖ‪ – ٔٓ٘-ٕٔٓ/‬محمد كرد عمي ‪ :‬اإلسبلـ والحضارة العربية ٕ‪ - ٕٔٗ/‬أستاذنا الدكتور ‪ /‬جعفر‬
‫عبدالسبلـ ‪ :‬نظاـ الدولة في اإلسبلـ مع المقارنة بالفقو الوضعي‪ ,‬ط‪ /‬رابطة الجامعات اإلسبلمية ‪,‬‬
‫القاىرة ٕٔٗٔ‪ٕٕٔٗ-‬ىػ ‪ٕٕٓٓ-ٕٓٓٔ-‬ـ ‪ ,‬ص٘‪ ٔٙ‬وما بعدىا ‪.‬‬
‫(ٗ) سورة النساء مف اآلية (‪. )٘ٛ‬‬
‫‪112‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫يحكـ بما أنزؿ اهلل‪ ,‬وأف يؤدي األمانة ‪ ,‬فإذا فعؿ ذلؾ ‪ ,‬فحؽ عمى الناس أف‬
‫يسمعوا ويطيعوا‪ ,‬وأف يجيبوا إذا دعوا "(٘)‪.‬‬
‫ويؤكد النبي‪ --‬كوف الوظيفة أمانة ال يجوز إسنادىا إال لمف كاف أميناً‬
‫قوياً عمى رعايتيا‪ ,‬حينما قاؿ ألبي ذر عندما جاءه طالباً الوظيفة ‪ " :‬يا أبا ذر‬
‫إنيا أمانة ‪ ,‬وانيا يوـ القيامة خزي وندامة‪ ,‬إال مف أخذىا بحقيا وأدى الذي عميو‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫‪.‬‬ ‫فييا "‬
‫وروي عنو‪ --‬قولو ‪":‬إذا ضيعت األمانة فانتظر الساعة‪ ,‬قاؿ ‪ :‬وما‬
‫أضاعتيا يا رسوؿ اهلل ؟‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫قاؿ ‪ :‬إذا أسند األمر إلى غير أىمو فانتظر الساعة "‬
‫فالخائف ال مكاف لو في الوظيفة العامة حتى ولو كاف قوياً ؛ ألنو غير أميف‬
‫عمى ما تحت يده مف أمور المسمميف‪ ,‬فضبلً عف أف الخيانة تعد مف عبلمات‬
‫إذا حدث كذب واذا وعد‬ ‫النفاؽ ‪ ,‬يقوؿ النبي‪ " : --‬آية المنافؽ ثالث‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬والمنافؽ ال يجوز تقميده ألنو مخادع‪ ,‬يقوؿ‪--‬‬ ‫أخمؼ واذا أؤتمف خاف "‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(٘ ) أبو جعفر بف جرير الطبري ‪ :‬جامع البياف عف تأويؿ آي القرآف ‪ ,‬ط‪ /‬مصطفى البابي الحمبي ‪ ,‬ط‪/‬‬
‫الثالثة ‪ٖٔٛٛ‬ىػ‪ٜٔٙٛ-‬ـ ٘‪ ٔٗٗ/‬وما بعدىا ‪.‬‬
‫(‪ )ٙ‬مسمـ بف الحجاج أبو الحسف القشيري النيسابوري‪:‬صحيح مسمـ‪,‬ط‪/‬دار إحياء التراث العربي‪,‬بيروت ‪,‬‬
‫تحقيؽ ‪ /‬محمد فؤاد عبدالباقي ‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ‪ ,‬حديث رقـ (ٕ٘‪ , )ٔٛ‬باب كراىية اإلمارة بغير‬
‫ضرورة ٖ‪ٔٗ٘ٚ/‬‬
‫(ٔ) الحافظ شياب الديف أبو الفضؿ العسقبلني المعروؼ بابف حجر ‪ :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‬
‫‪ ,‬ط‪ /‬مصطفى البابي الحمبي ‪ٖٔٚٛ‬ىػ‪ٜٜٔ٘-‬ـ ‪. ٔٔٚ ,ٔٔٙ/ٔٗ ,‬‬
‫(ٕ) مسمـ ‪ :‬صحيح مسمـ ‪ ,‬حديث رقـ ‪ , ٜ٘‬باب بياف خصاؿ المنافؽ ٔ‪ – ٚٛ/‬البخاري ‪ :‬صحيح‬
‫البخاري ‪ ,‬حديث رقـ ٖٖ ‪ ,‬باب عبلمة المنافؽ ٔ‪ , ٕٔ/‬وفي باب أمر بإنجاز الوعد‪ ,‬تحت رقـ‬
‫=‬
‫‪113‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬فبل يكوف حريصاً عمى‬ ‫وف الم َو َو ُى َو َخ ِاد ُع ُي ْـ ‪‬‬


‫(ٖ)‬
‫يف ُي َخ ِاد ُع َ‬
‫اف ِق َ‬
‫‪  :‬إِف ا ْلم َن ِ‬
‫ُ‬
‫مصمحة المسمميف بقدر حرصو عمى مصمحة نفسو‪ ,‬ومف كاف كذلؾ ال يجوز‬
‫توليتو‪ ,‬وفي ذلؾ يقوؿ النبي‪ " : --‬ما مف أمير يمي أمور المسمميف ثـ ال‬
‫(ٗ)‬
‫‪ ,‬وزاد الطبراني فيو كنصحو وجيده‬ ‫يجيد ليـ وينصح إال لـ يدخؿ الجنة "‬
‫لنفسو ‪.‬‬

‫ومقصود الوظيفة العامة في اإلسبلـ ‪ :‬التمكيف لديف اهلل في األرض‪ ,‬وأف‬


‫تكوف كممة اهلل ىي العميا‪ ,‬يقوؿ اهلل‪  : --‬لَقَ ْد أَرس ْم َنا رسمَ َنا ِبا ْلب ِّي َن ِ‬
‫ات َوأَ ْن َزْل َنا‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُُ‬
‫س ِط ‪ , )٘( ‬يقوؿ ابف تيمية ‪ " :‬إف‬ ‫ِ‬
‫اس ِبا ْلق ْ‬
‫وـ الن ُ‬
‫يز َ ِ‬
‫اف ل َيقُ َ‬‫اب َوا ْل ِم َ‬ ‫ِ‬
‫َم َع ُي ُـ ا ْلكتَ َ‬
‫المقصود مف إرساؿ الرسؿ وانزاؿ الكتب أف يقوـ الناس بالقسط في حقوؽ اهلل‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫‪.‬‬ ‫وحقوؽ العباد "‬

‫ومما سبؽ يتضح أف لؤلمانة عنصراف يجب توافرىما في الشخص المرشح‬


‫لموظيفة العامة‪ ,‬حتى يتصؼ بصفة األمانة ومف ثـ يكوف صالحاً لشغؿ الوظيفة‬
‫العامة ‪ ,‬وىذه العناصر ىي ‪ :‬والعدالة ‪ ,‬والحفظ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫‪ , ٔٓٔٓ/ٖ , ٕٖ٘ٙ‬وأيضاً في ٘‪. ٕٕٕٙ/‬‬
‫(ٖ) سورة النساء مف اآلية (ٕٗٔ) ‪.‬‬
‫(ٗ) مسمـ ‪ :‬صحيح مسمـ ‪ ,‬باب استحقاؽ الوالي الغاش لرعيتو النار تحت رقـ ٕٗٔ ٔ‪. ٕٔٙ/‬‬
‫(٘) سورة الحديد مف اآلية (ٕ٘) ‪.‬‬
‫(‪ )ٙ‬ابف تيمية ‪ :‬السياسة الشرعية صٗٔ ‪.‬‬
‫‪114‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أولػاً العػدالػة ‪-:‬‬


‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫العدالة في المغة ‪ :‬االستقامة واإلنصاؼ‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫وفي االصطبلح تعني ‪ :‬اجتناب الكبائر وعدـ اإلصرار عمى الصغائر‬

‫وقد اشترط الماوردي عدة شروط لكي تتحقؽ العدالة المطموبة فيمف يشغؿ‬
‫وظيفة القضاء‪ ,‬أو أي وظيفة في الدولة اإلسبلمية‪ ,‬فقاؿ ‪ " :‬والعدالة أف يكوف‬
‫صادؽ الميجة‪ ,‬ظاىر األمانة‪ ,‬عفيفاً عف المحارـ‪ ,‬متوقياً المآثـ‪ ,‬بعيداً عف‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫الريب‪ ,‬مأموناً في الرضا والغضب‪ ,‬مستعمبلً لمروءة مثمو في دينو ودنياه "‬

‫والعدالة بيذا المعنى ال تنتفي بفسؽ الجوارج فحسب‪ ,‬وانما تنفي أيضاً بالظمـ‬
‫والطغياف‪ ,‬وفي ذلؾ يقوؿ التفتازاني ‪ " :‬إف الفاسؽ ال يصمح ألمر الديف‪ ,‬وال‬
‫يوثؽ بأوامره ونواىيو‪ ,‬والظالـ يختؿ بو أمر الديف والدنيا فكيؼ يصمح لموالية –‬
‫الوظيفة‪ -‬وما الوالي –الموظؼ‪ -‬إال لدفع شره أليس مف العجيب استرعاء الذئب‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫"‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) مجمع المغة العربية ‪ :‬المعجـ الوجيز ص‪. ٜٗٓ‬‬
‫ي الكمبي ‪:‬‬
‫(ٕ) الشربيني ‪ :‬مغني المحتاج ٗ‪ – ٕٗٚ/‬اإلماـ أبو عبداهلل محمد بف أحمد بف محمد بف ُجز ّ‬
‫القوانيف الفقيية ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتاب العربي ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ٗٓٗٔىػ‪ٜٜٔٗ-‬ـ صٖٖٓ ‪.‬‬
‫(ٖ) الماوردي ‪ :‬الحاوي الكبير ٕٓ‪ ,ٕٕٖ/‬ولفضيمتو أيضاً ‪ :‬األحكاـ السمطانية ص‪. ٕٜٔ‬‬
‫(ٗ) سعد الد يف عمر التفتازاني ‪ :‬شرح مقاصد الطالبيف في عموـ أصوؿ الديف ‪ ,‬ط‪ /‬دار الطباعة ‪,‬‬
‫األستانة ‪ٕٔٚٚ‬ىػ ٕ‪. ٕٖٓ/‬‬
‫‪115‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫آم ُنوا إِ ْف َج َ‬
‫اء ُك ْـ‬ ‫يف َ‬ ‫ُّيا ال ِذ َ‬
‫فالفاسؽ ال يجوز توليو ‪ ,‬لقولو‪َ  : --‬يا أَي َ‬
‫ص ِب ُحوا َعمَى َما فَ َع ْمتُ ْـ َن ِاد ِم َ‬ ‫ٍ‬ ‫ؽ ِب َنبٍأ فَتَبي ُنوا أ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫يف ‪‬‬ ‫يبوا قَ ْوماً ِب َج َيالَة فَتُ ْ‬
‫َف تُص ُ‬ ‫فَاس ٌ َ َ‬
‫(٘)‪ ,‬ومف غير المعقوؿ أف نبحث ونتحرى مدى صحة أقوالو وتصرفاتو حتى‬
‫تقبؿ ‪ ,‬وتترتب عمييا آثارىا القانونية‪ ,‬واال لو فعمنا ذلؾ لضاعت المصمحة‬
‫العامة‪ ,‬فضبلً عف أف الفاسؽ غير أىؿ لتدبير شئوف نفسو‪ ,‬فكيؼ يكوف مؤتمناً‬
‫(‪)ٚ‬‬
‫‪.‬‬ ‫عمى أمور المسمميف(‪ ,)ٙ‬وىو شخص غير موثوؽ فيو‬

‫وكما يمنع الفسؽ مف تولية الوظائؼ العامة‪ ,‬يمنع كذلؾ الظمـ والطغياف ؛‬
‫ألف الغرض مف وجود الوظائؼ نصرة المظموـ واألخذ عمى يد الظالـ‪ ,‬وايصاؿ‬
‫الحقوؽ ألصحابيا‪ ,‬فإذا كاف مف يقوـ بيذه الميمة ىو نفسو مف الظالميف ‪ ,‬فمف‬
‫يأخػذ عمى يده وينيره ويأخذ الحؽ منػو ؟ أليس‬
‫بعجيب تكميؼ الذئب برعي الغنـ ؟ واهلل إنو لعجيب ! ‪ ,‬فكيؼ يعطي الحؽ‬
‫لمف ال يكفمو‪ ,‬والسمطة لمف يجب أف تمارس عميو‪ ,‬وتطبيؽ القانوف لمف يخالفو‬
‫ويتعدى عميو(ٔ)‪ ,‬فيؿ يستقيـ الظؿ والعود أعوج ؟‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(٘) سورة الحجرات اآلية (‪. )ٙ‬‬
‫(‪ ) ٙ‬محمد شاكر الشريؼ ‪ :‬اختصار غياث األمـ في الثبات الظمـ ‪ :‬إلماـ الحرميف الجويني ص‪– ٖٚ‬‬
‫التفتازاني‪ :‬شرح السعد عمى المقاصد ٕ‪. ٕٖٓ/‬‬
‫(‪ )ٚ‬الرممي ‪ :‬نياية المحتاج ‪. ٕٖٛ/ٛ‬‬
‫(ٔ) أستاذنا الدكتور ‪ /‬فؤاد النادي ‪ :‬مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة لمقانوف صٔ‪ , ٕٛ‬ولسيادتو‬
‫أيضاً‪ :‬مبادئ نظاـ الحكـ في اإلسبلـ صٔ‪. ٕٙ‬‬
‫‪116‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لذا نجد المولى ‪ --‬لـ يمب طمب سيدنا إبراىيـ‪ --‬عندما أراد اإلمامة‬
‫في ذريتو‪ ,‬فقاؿ المولى‪  : --‬ال َي َناْ ُؿ َع ْي ِدي الظَاْلِميف ‪ )ٕ( ‬أي ال‬
‫يستحقونيا وال يصموف إلييا(ٖ) بسبب ظمميـ وبغييـ ‪.‬‬

‫ومف ىنا يتضح أف العدالة صفة يجب أف يتحمى بيا كؿ مف يتولى أم اًر مف‬
‫أمور المسمميف‪ ,‬وبانتفائيا تنتفي األمانة‪ ,‬ومف انتفت أمانتو‪ ,‬انتفت بالطبع‬
‫صبلحيتو لموظيفة العامة ‪.‬‬
‫وألىمية العدالة في المرشح لموظيفة قرر اإلماـ مالؾ أنو في حالة عدـ وجود‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫مستجمع لشروط الوظيفة يكفي اختيار مف توافر فيو العمـ والورع‬

‫ثانياً ‪ :‬الحفػظ ‪-:‬‬


‫ابتداء واستم ار اًر‬
‫ً‬ ‫وشرط الحفظ يجب أف يتوافر فيمف يشغؿ أمر الوظيفة العامة‬
‫سواء كانت مالية أو غير مالية‪ ,‬لقولو‪ِ  : --‬إن ْي حف ِيظٌ َعمِ ْيـ ‪ ,)٘( ‬ولما‬
‫تقتضيو طبيعة الوظيفة العامة مف حفظ لؤلمواؿ وكتماف لؤلسرار ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٕ) سورة البقرة مف اآلية (ٕٗٔ) ‪.‬‬
‫(ٖ) د ‪ /‬السنيوري ‪ :‬أصوؿ الحكـ في اإلسبلـ ص‪. ٜٚ‬‬
‫(ٗ) الشيخ عميش ‪ :‬منح الجميؿ ٗ‪ – ٖٔٛ/‬الخرشي عمى مختصر سيدي خميؿ ‪ ,‬وبيامشو حاشية الشيخ‬
‫عمي العدوي ‪ ,‬ط‪ /‬دار صادر ‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ‪. ٖٜٔ/ٚ‬‬
‫(٘) سورة يوسؼ ‪ --‬مف اآلية (٘٘) ‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فتقتضي طبيعة الوظيفة أف يكوف القائـ عمى أمرىا ممف يصوف األمواؿ‬
‫ويحرس نفسو مف زالت المساف‪ ,‬مف أجؿ أف يكتب لو فييا الدواـ واالستقرار ‪.‬‬
‫فاإلسبلـ ال يحث الشخص عمى كتماف سر نفسو فحسب‪ ,‬ولكف عمى كتماف‬
‫–سواء كاف مف أمر الناس أو الوظيفة‪ -‬فإف ذلؾ أمانة يجب‬ ‫سر غيره أيضاً‬
‫الحفاظ عمييا‪ ,‬واال ُعد خائناً لؤلمانة‪ ,‬يقوؿ النبي‪ " : --‬إذا حدث الرجؿ‬
‫بالحديث ثـ التفت فيو أمانة "(‪. )ٙ‬‬
‫ومف أبرز الوقائع التي تدؿ عمى ضرورة توافر شرط الكتماف فيمف يشغؿ‬
‫الوظيفة‪ ,‬ما روى أف سيدنا عمر بف الخطاب‪ --‬مف أنو استعمؿ ابف مطيع‬
‫عمى الكوفة –وفي رواية جبير بف مطعـ‪ -‬وقاؿ لو ‪ :‬ال تخبرف أحداً بذلؾ‪ ,‬ولكف‬
‫ابف مطيع أخبر زوجتو بذلؾ قائبلً ليا ‪ :‬إف أمير المؤمنيف استعممني عمى‬
‫الكوفة‪ ,‬فما كاف مف زوجتو إال أف أخبرت أختيا زوجة المغيرة بف شعبة بذلؾ‪,‬‬
‫فمما جاء المغيرة أخبرتو زوجتو الخبر‪ ,‬فذىب مف فوره إلى عمػر بف الخطػاب‪,‬‬
‫(ٔ)‬
‫‪ :‬استأذف لي عميو ولؾ أربعمائة درىـ ‪ ,‬فأذف ‪ ,‬فمما دخؿ عميو‬ ‫فقاؿ لمحاجب‬
‫‪ ,‬قاؿ لو ‪ :‬وفقؾ اهلل يا أمير المؤمنيف لقد استعممتو أميناً قوياً‪ ,‬قاؿ عمر ‪ :‬مف ؟‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )ٙ‬اإلماـ أحمد ‪ :‬مسند أحمد ‪ ,‬بمفظ "إذا حدث اإلنساف حديثاً " ‪ ,‬حديث رقـ ٖٗ‪– ٖٕ٘/ٖ , ٔٗٛ‬‬
‫عبدالعظيـ عبدالقوي المنذري أبو محمد ‪ :‬الترغيب والترىيب ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب العممية‪ ,‬بيروت‬
‫‪ٔٗٔٚ‬ىػ ‪ ,‬ط‪ /‬األولى‪ ,‬تحقيؽ ‪ /‬إبراىيـ شمس الديف ‪ , ٕٙ/ٖ ,‬بمفظ " إذا حدث رجؿ بحديث ثـ‬
‫التفت فيو أمانة"‪.‬‬
‫(ٔ) والحاجب الذي اتخذه عمر بف الخطاب اسمو " يرفأ " وكاف أوؿ مف ارتشى في اإلسبلـ‪ ,‬والمغيرة بف‬
‫شعبة أوؿ مف رشا ‪ ,‬وكاف مقدار الرشوة أربعمائة درىـ ‪.‬‬
‫راجع ‪ :‬الماوردي ‪ :‬الحاوي الكبير ٕٓ‪. ٛٔ/‬‬
‫‪118‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قاؿ ‪ :‬ابف مطيع استعممتو عمى الكوفة‪ ,‬قاؿ عمر ‪ :‬ويحؾ ومف أخبرؾ بيذا ؟‬
‫قاؿ ‪ :‬السقايات تتحدثف بو في الطرقات‪ ,‬وآنذاؾ عدؿ عف تعييف ابف مطيع عمى‬
‫الكوفة‪ ,‬وعيف المغيرة بدالً منو ‪ ,‬فقاؿ لو ‪ :‬اذىب فخذ العيد منو‪ ,‬ثـ اذىب إلى‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫الكوفة‬

‫فإفشاء السر وعدـ كتمانو كاف سبباً في عدـ تولية ابف مطيع أمر الكوفة؛‬
‫ألنو فقد صفة مف صفات الكفاءة الخمقية –األمانة‪ -‬وىي صفة حفظ األسرار‬
‫وكتمانيا ‪.‬‬

‫واذا كاف شرط الحفظ يقتضي كتماف األسرار وعدـ إفشائيا ‪ ,‬فإنو يستمزـ‬
‫أيضاً حفظ األمواؿ‬
‫وعدـ إىدارىا‪ ,‬فرئيس الدولة بالنسبة لمماؿ العاـ‪ ,‬كالوصي بالنسبة لميتيـ‪ ,‬ال‬
‫يتصرؼ إال بما فيو مصمحتو ‪ ,‬وبما يعود عميو بالنفع ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٕ ) ابف حجر العسقبلني ‪ :‬اإلصابة في تمييز الصحابة وبيامشو االستيعاب في معرفة األصحاب البف‬
‫عبدالبر القرطبي‪ ,‬ط‪ /‬دار إحياء التراث العربي ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ٖ‪,ٕٗ٘/‬‬
‫ٖ٘ٗ – الببلذري ‪ :‬أنساب األشراؼ – الشيخاف أبو بكر وعمر وولدىما ‪ ,‬ط‪ /‬مؤسسة الشراع‬
‫العربي ‪ٜٜٔٛ‬ـ ‪ ,‬تحقيؽ د‪ /‬إحساف صدقي صٓ‪ – ٜٔٔ ,ٜٔ‬أبو الحسف عمي بف أبي الكرـ محمد‬
‫بف عبدالكريـ الشيباني المعروؼ بابف األثير الجزري الممقب بعز الديف ‪ :‬الكامؿ في التاريخ ‪ ,‬ط ‪/‬‬
‫دار الفكر ‪ ,‬بيروت ‪ٖٜٔٛ‬ىػ ‪ٜٔٚٛ -‬ـ ‪ – ٜ/ٕ ,‬الحافظ أبو حاتـ محمد بف حباف بف أحمد‬
‫التميمي البستي ‪ :‬السيرة النبوية وأخبار الخمفاء ‪ ,‬صححو وعمؽ عميو الحافظ السيد عزيز بؾ‬
‫وجماعة مف العمماء ‪ ,‬ط‪ /‬مؤسسة الكتب الثقافية ‪ ,‬دار الفكر‪,‬بيروت ط‪ /‬أولى ‪ٔٗٓٚ‬ىػ ‪ٜٔٛٚ -‬ـ‬
‫‪ ,‬صٕ‪. ٜٗ‬‬
‫‪119‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والرعيؿ األوؿ مف القادة اإلسبلمييف ضربوا لنا أروع األمثمة وأعظميا في‬
‫الحفاظ عمى الماؿ العاـ‪ ,‬فالخميفة األوؿ أبو بكر الصديؽ شعر بعظـ المسئولية‬
‫الممقاة عمى عاتقو‪ ,‬وأنو سيسأؿ عنيا أماـ اهلل‪ , --‬فمما اقتربت لحظة الفراؽ‬
‫‪ ,‬قاؿ البنتو أـ المؤمنيف عائشة –رضي اهلل عنيا‪" : -‬يا بنيتي إنا ولينا أمر‬
‫المسمميف ‪ ,‬فمـ نأخذ لنا دينا اًر وال درىماً‪ ,‬ولكننا أكمنا مف حريش طعاميـ‬
‫في بطوننا‪ ,‬ولبسنا مف خشف ثيابيـ عمى ظيورنا‪ ,‬وانو لـ يبؽ عندنا مف فيئ‬
‫وال كثير إال ىذا العبد الحبشي‪ ,‬وىذا البعير الناضج‪ ,‬وجرد‬ ‫المسمميف قم يؿ‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫ىذه القطيفة‪ ,‬فإذا مت فابعثي بيا إلى عمر "‬
‫وروى عنو‪ --‬أنو لما دنا أجمو‪ ,‬قاؿ ‪ :‬ردوا ما عندنا مف ماؿ المسمميف‪,‬‬
‫فإني ال أخمؼ في منزلي مف ماليـ شيئاً‪ ,‬وأرضي التي بمكاف كذا لممسمميف بما‬
‫أصبت مف أمواليـ‪ ,‬فمما دفع ذلؾ إلى عمر بف الخطاب ‪ ,‬قاؿ ‪ :‬رحـ اهلل أبا‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫بكر لقد أتعب مف بعده‬

‫وجاء عمر بف الخطاب وأصبح خميفة لممسمميف‪ ,‬ووضح العبلقة التي تربط‬
‫الموظؼ بالماؿ العاـ‪ ,‬وطبقيا عمى نفسو أوالً‪ ,‬فقاؿ ‪ " :‬إني أنزلت نفسي مف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) محمد بف سعد ‪ :‬الطبقات الكبرى‪ ,‬ط‪ /‬دار صادر‪ ,‬بيروت ٘ٓٗٔىػ‪ٜٔٛ٘-‬ـ ‪,ٜٕٔ ,ٔٛٙ/ٖ ,‬‬
‫ٖ‪ – ٜٔ‬أبوالفرج عبدالرحمف بف عمي بف محمد بف الجوزي ‪ :‬مناقب أمير المؤمنيف عمر بف‬
‫الخطاب‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب العممية‪ ,‬بيروت‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ‪ ,‬تحقيؽ د‪ /‬زينب إبراىيـ الفاروط‬
‫ص‪. ٘ٙ‬‬
‫(ٕ ) عز الديف بف األثير ‪ :‬أسد الغابة في معرفة الصحابة ‪ ,‬ط‪ /‬دار إحياء التراث العربي‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط‪/‬‬
‫األولى ط‪ /‬بدوف تاريخ ٖ‪. ٜٔ/‬‬
‫‪111‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ماؿ اهلل منزلة ماؿ اليتيـ‪ ,‬إف استغنيت استعففت‪ ,‬واف افتقرت أكمت بالمعروؼ‪,‬‬
‫فإف أيسرت قضيت ‪ ...‬وال يحؿ لي مف ىذا الماؿ إال ما كنت آكبلً مف صمب‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫مالي "‬
‫ولـ يكتؼ بيذا الحد ‪ ,‬ولكنو عيف المقدار الذي يستحقو الموظؼ مف ىذا‬
‫الماؿ كأجرة مقابؿ انقطاعو وتفرغو لمقياـ بعممو‪ ,‬فقاؿ ‪ " :‬يحؿ لي حمتاف ‪ ,‬حمة‬
‫في الشتاء‪ ,‬وحمة في القيظ‪ ,‬وما جح عميو واعتمر‪ ,‬وقوتي وقوت أىمي كقوت‬
‫رجؿ مف قريش ليس بأغناىـ وال بأفقرىـ‪ ,‬ثـ أنا بعد ذلؾ رجؿ مف المسمميف‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫يصيبني ما أصابيـ "‬

‫فمقد وضع الفاروؽ عمر‪ --‬بيذا قاعدة مف أعظـ قواعد االقتصاد والعدالة‬
‫في توزيع ثروات وخيرات الببلد‪ ,‬فمو كؿ إنساف –خاصة الموظفيف ورجاؿ‬
‫السمطات‪ -‬أخذ كفايتو مف الماؿ بالمعروؼ‪ ,‬وعرؼ ما عميو مف واجب فأداه ‪,‬‬
‫وما لو مف حؽ فاقتضاه‪ ,‬ما وجد في األرض فقير‪ ,‬أو صاحب شكاية أو‬
‫مظممة‪ ,‬ولكف لؤلسؼ أصبحت حياتنا غابة البقاء فييا لؤلقوى‪ ,‬وال حظ فييا‬
‫لمفقير الضعيؼ‪ ,‬وأصبحت السمطات ىرقمية كمما مات أو انعزؿ ىرقؿ جاء‬
‫ىرقؿ‪ ,‬وما أمر واهلل اإلسبلـ بذلؾ نسأؿ اهلل العفو والعافية ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٖ ) أحمد بف محمد بف عبدربو األندلسي ‪ :‬العقد الفريد ‪ ,‬ط‪ /‬مطبعة لجنة التأليؼ والترجمة ‪ ,‬القاىرة‬
‫ٗ‪. ٙٗ/‬‬ ‫‪ٜٔٗٛ‬ـ‬
‫(ٗ ) ابف سعد ‪ :‬الطبقات الكبرى ‪ ,‬ط‪ /‬دار الكتب العممية ‪ ,‬ط‪ /‬األولى ‪ ,‬بيروت‪ ,‬ط‪ /‬بدوف تاريخ ‪,‬‬
‫ٖ‪.ٜٔٛ/‬‬
‫‪111‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وانقضى عصر سيدنا عمر بف الخطاب بعد أف استقرت الدولة في عصرة‬


‫إدارياً وجاء سيدنا عثماف بف عفاف‪ ,‬فنراه يرسؿ كتبو لعمالو وأعوانو يوصييـ‬
‫فييا بتقوى اهلل والحفاظ عمى أمواؿ الرعية‪ ,‬وبأداء األمانة وايصاؿ الحقوؽ‬
‫ألربابيا ‪ ,‬فيقوؿ ‪ " :‬أما بعد فإف اهلل خمؽ الخمؽ بالحؽ فبل يقبؿ إال الحؽ خذوا‬
‫الحؽ‪ ,‬وأعطوا الحؽ‪ ,‬واألمانة األمانة قوموا عمييا‪ ,‬وال تكونوا أوؿ مف يسمبيا‬
‫فتكونوا شركاء مف بعدكـ إلى ما اكتسبتـ‪ ,‬والوفاء الوفاء ‪ ,‬ال تظمموا اليتيـ وال‬
‫ص ٌـ لمف ظمميـ "(ٔ) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعاىد‪ ,‬فإف اهلل خ ْ‬

‫وينصرـ عيد عثماف‪ --‬ويجيئ عصر سيدنا عمي –كرـ اهلل وجيو‪-‬‬
‫ويسير فيو عمى ذات النيج الذي انتيجو مف قبمو مف الخمفاء في حرصيـ عمى‬
‫الماؿ العاـ والمحافظة عميو‪ ,‬فما يأخذه إال مف حقو‪ ,‬وال يضعو إال في حقو‪ ,‬ال‬
‫محاباة وال مودة وال قرابة‪ ,‬فقد رفض محاباة أخيو عقيؿ ابف أبي طالب ‪ ,‬وأبى‬
‫أف يجري لو عطاء ال يستحقو مف بيت الماؿ لما طمب ذلؾ‪ ,‬مما دفعو إلى تركو‬
‫واالنضماـ إلى معاوية وىو يقوؿ ‪ " :‬إف أخي خير لي في ديني ‪ ,‬ومعاوية خير‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫لي في دنياي "‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ ) عباس محمود العقاد ‪ :‬ذو النوريف عثماف بف عفاف ‪ ,‬ط‪ /‬دار النيضة لمطبع والنشر‪ ,‬القاىرة‪ ,‬ط‪/‬‬
‫بدوف تاريخ صٔ٘ ‪.‬‬
‫(ٕ) عباس محمود العقاد ‪ :‬عبقرية عمي ‪ ,‬ط‪ /‬دار نيضة مصر لمطبع والتوزيع ‪ ,‬القاىرة ‪ ,‬بدوف تاريخ‬
‫صٖٖ‪.‬‬
‫‪112‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ومف ىنا يتضح أف كتماف األسرار وصيانة األمواؿ مف مستمزمات الحفظ ‪,‬‬
‫والحفظ مف مستمزمات األمانة ‪ ,‬فصار بذلؾ عنص اًر مف عناصرىا بجانب‬
‫اإلسبلـ والتقوى‪ ,‬يجب توافره الستكماؿ صفات األمانة حتى يصير الشخص‬
‫أىبلً لموظيفة العامة ‪.‬‬

‫‪ -6‬العمـ‬

‫تنفيذ األحكاـ الشرعية وحمؿ الناس عمييا يتطمب مف اإلماـ أف يكوف عالماً‬
‫بيذه األحكاـ ‪.‬‬

‫ولكف ىؿ يمزـ أف يصؿ العمـ إلى درجة االجتياد ؟ ورد الخبلؼ في ذلؾ ‪,‬الي‬
‫رأييف ‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬وابف خمدوف حيث يقوؿ ‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬ذىب إلى اشتراط االجتياد الماوردي‬

‫(( واليكفي مف العمـ إال أف يكوف مجتيداً ؛ ألف التقميد نقص واإلمامة‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫تستدعي الكماؿ في األوصاؼ ))‬

‫ٕ‪ -‬ذىب الكثير مف الفقياء المتأخريف الي عدـ اشتراط االجتياد لئلماـ‬
‫حتى ال تتعطؿ الواليات وتكثر المفاسد وتتعطؿ األحكاـ الشرعية ‪ ,‬وعمى‬
‫اإلماـ أف يستعيف بمف ىو أعمـ منو ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر األحكاـ السمطانية ص ‪. ٙ‬‬
‫(ٕ) المقدمة صٕٖٔ ‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫متيسر في العصور المتقدمة لمدولة‬


‫اً‬ ‫وذلؾ الف اشتراط االجتياد قد يكوف‬
‫اإلسبلمية أما بعد ذلؾ فقد يصعب تحقيؽ ىذا الشرط لقمة المجتيديف في‬
‫ىذا الزماف ‪.‬‬

‫‪ -7‬النسب القرشي‬

‫اختمؼ أىؿ العمـ قديماً وحديثاً في ىذا الشرط ‪ ,‬فممنيـ مف يرى أف‬
‫اإلماـ يجب أف يكوف قرشياً ‪ ,‬ومنيـ مف لـ يشترط ذلؾ ‪.‬‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬والماوردي‬ ‫وممف ذىب إلى اشتراط النسب القرشي اإلماـ ‪ :‬ابف حزـ‬
‫‪ ,‬حيث قاؿ ‪ ((:‬أما النسب القرشي فئلجماع الصحابة يوـ السقيفة عمى ذلؾ ‪,‬‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫واحتجت قريش عمى األنصار لما ىموا يومئذ ببيعة سعد بف عبادة‪)).‬‬

‫واستدؿ أصحاب ىذا الرأي بعدد مف األدلة الصحيحة منيا ما ورد في‬
‫صحيح البخاري مف حديث ابف عمر (رضي اهلل عنيما) عف النبي ((‪ )‬قاؿ‬
‫‪((:‬ال يزاؿ ىذا األمر في قريش ما بقي منيـ اثناف‬
‫(٘)‬ ‫(ٗ)‬
‫والخوارج‬ ‫وممف أجاز اإلمامة في غير قريش أبو بكر الباقبلني‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬الفصؿ في الممؿ واألىواء والنحؿ ص ‪. ٕٔٛ‬‬
‫(ٕ) انظر األحكاـ السمطانية ص ‪. ٙ‬‬
‫(ٖ) المقدمة صٖٖٔ ‪.‬‬
‫(ٗ) مقدمة ابف خمدوف ص ٖٖٔ ‪.‬‬
‫(٘) الشيرستاني ‪ ,‬الممؿ والنحؿ ص‪. ٔٔٙ‬‬
‫‪114‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬واستدؿ أصحاب ىذا القوؿ بما ورد في صحيح البخاري مف حديث أنس بف‬
‫مالؾ (رضي اهلل عنو) عف النبي ((‪ )‬قاؿ ‪((:‬اسمعوا وأطيعوا واف استعمؿ‬
‫(ٔ)‬
‫‪ .‬والعبد الحبشي المذكور في الحديث الذي‬ ‫عميكـ حبشي كأف رأسو زبيبة))‬
‫أمر الرسوؿ ((‪ )‬بطاعتو ليس قرشياً ‪.‬‬
‫ولقد َّ‬
‫رد ابف خمدوف ىذا االستدالؿ وقاؿ ‪ (( :‬إنو خرج مخرج التمثيؿ والغرض‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫لممبالغة في إيجاب السمع والطاعة ))‬

‫وبيذا يتبيف أف القوؿ بعدـ اشتراط النسب القرشي أرجح لما دلت عميو‬
‫األحاديث الصحيحة فمو كاف اإلماـ غير قرشي فإنو تجب طاعتو بالمعروؼ‬
‫ويحرـ الخروج عميو لذلؾ ‪.‬‬

‫‪ -8‬األفضمية‬

‫أي والية األفضؿ تقدـ عمي المفضوؿ وممف ذىب الشتراط األفضمية‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫أبو الفراء ‪ ,‬حيث قاؿ ((أف يكوف مف أفضميـ في العمـ والديف))‬

‫وممف ال يشترط ىذا الشرط ابف حزـ ‪ ,‬وقاؿ بوالية المفضوؿ بوجود الفاضؿ‬
‫األمصار أناساً مف الصحابة مع‬
‫ً‬ ‫‪ ,‬واستدؿ بأف الرسوؿ ((‪ )‬عيف في واليات‬
‫توفر مف ىو أفضؿ منيـ(ٗ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الجامع الصحيح ‪ ,‬كتاب األذاف ‪ ,‬حديث رقـ ٖ‪. ٜٙ‬‬
‫(ٕ) المقدمة ص ٖٖٔ ‪.‬‬
‫(ٖ) األحكاـ السمطانية ص ٕٓ ‪.‬‬
‫(ٗ) انظر ‪ :‬الفصؿ في الممؿ واألىواء والنحؿ ص ‪. ٕٔٛ‬‬
‫‪115‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الرابع‬

‫واجبات اإلماـ‬

‫تحدث الفقياء الذيف بحثوا في الواليات عف واجبات اإلماـ ما بيف مفصؿ‬


‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫ومختصر‬

‫ومف أىـ ىذه الواجبات ما يمي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬حفظ الديف عمى أصولو المستقرة ‪ ,‬وما أجمع عميو سمؼ األمة ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬نشر العمـ والمعرفة بكؿ سبيؿ ‪ ,‬فإف تقدـ الدولة رىف بما تصؿ إليو مف‬
‫العموـ النافعة‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬العمؿ عمى توفير الحياة الكريمة ألبناء الدولة مف الحاجات الضرورية‬
‫كالمأكؿ والمشرب والمسكف ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬إقامة الحدود لتصاف محارـ اهلل تعالى عف االنتياؾ ‪ ,‬وتحفظ حقوؽ عباده‬
‫عف إتبلؼ واستيبلؾ ‪.‬‬

‫٘‪ -‬تحصيف الثغور وتجييز الجيوش ‪ ,‬وجياد األعداء بالعدة المانعة ‪ ,‬والقوة‬
‫الدافعة ‪.‬‬

‫‪ -ٚ‬جباية الفيء والصدقات عمى ما أوجبو الشرع نصاً واجتياداً ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر مثبلً ‪ :‬الماوردي ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ‪ . ٔٛ‬والفراء ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ‪. ٕٚ,ٕٛ‬‬
‫‪116‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ -ٛ‬تقدير العطايا مف بيت الماؿ ‪ ,‬مف غير سرؼ وال تقتير ‪ ,‬ودفعو في وقت‬
‫التقديـ فيو وال تأخير ‪.‬‬

‫‪ -ٜ‬اختيار األكفاء لوظائؼ الدولة ‪ ,‬وتعييف األمناء عمى أمواؿ األمة ‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الخامس‬

‫حقوؽ اإلماـ‬

‫كما أف لئلماـ حقاً عمى رعيتو ‪ ,‬فمو عمييـ أيضاً حقوؽ‪,‬‬

‫وتنحصر ىذه الحقوؽ في أربعة أمور ‪ :‬الطاعة والنصرة ‪ ,‬والنصيحة‪ ,‬وحؽ‬


‫الماؿ‪ ,‬وبياف ذلؾ عمى النحو التالي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬الطاعة‬

‫جاءت الشريعة اإلسبلمية بنظاـ حكـ متكامؿ ‪ ,‬وكانت الطاعة فيو دعامة‬
‫مف دعائمو ‪ ,‬فيي دوف شؾ قاعدة كبيرة ال يقوـ الحكـ وال ينتظـ إال بيا ‪ ,‬ألف‬
‫ضدىا العصياف والتمرد الذي يورث الفوضي والفتف ‪,‬وال شؾ في أف ىذا يمقتو‬
‫اإلسبلـ ويحاربو‪.‬‬
‫لذلؾ نجد اإلسبلـ قد أصؿ ىذه القاعدة وجعميا واجباً أساسياً يمتزـ بو‬
‫المرؤوس ‪,‬وحقاً مف حقوؽ الحكاـ عمى المحكوميف لضماف حسف سير العمؿ‬
‫في المرافؽ العامة لممسمميف‪.‬‬
‫واذا كاف اإلسبلـ قد ألزـ المرؤوسيف بإطاعة أوامر رؤسائيـ وسرعة تنفيذىا‬
‫‪ ,‬إال أف ىذه الطاعة لـ تكف طاعة عمياء تسمب المرؤوس رأيو ‪ ,‬وتطغي عمي‬
‫إعماؿ فكرة ‪ ,‬ولكنيا طاعة مبصرة قواميا عدـ مخالفة شرع اهلل فالمرؤوس ػ‬
‫سواء كاف عسكريا أو مدنيا ػ ممزـ بفحص األوامر الصادرة إليو مف رؤسائو‬
‫وعرضيا عمى أحكاـ الشريعة اإلسبلمية ‪ ,‬فإف قبمتيا نفذىا واف خالفتيا أمتنع‬
‫عف تنفيذىا ‪ ,‬واال تحمؿ المسئولية المدنية ‪ ,‬والجنائية المترتبة عمى أثار تنفيذ‬
‫ىذه األوامر‪.‬‬
‫‪118‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ولموقوؼ عمى معني الطاعة الرئاسية ‪ ,‬ومدي اعتبارىا قيداً عمى ممارسة‬
‫الموظؼ العاـ لحقوقو وحرياتو السياسية‬
‫أوال‪ :‬مفيوـ الطاعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكـ الطاعة وأساس مشروعيتيا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حدود الطاعة الواجبة ‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(‪)1‬‬
‫أوال ‪ :‬مفيوـ الطاعة‬
‫الطاعة في المغة تعني االمتثاؿ واالنقياد ‪ ,‬يقاؿ أطاعو إطاعة أى انقاد لو‬
‫والطاعة ال تكوف إال عف أمر كما أف الجواب ال يكوف إال عف قوؿ(ٕ)‪.‬‬
‫وجاء في النياية في غريب الحديث واألثر طاع لو يطوع وتطيع فيو طائع‬
‫إذا أذعف وانقاد ‪ ,‬وقيؿ طاع يعني إذا انقاد ‪ ,‬وأطاع يعني اتبع األمر ولـ يخالفو‬
‫( ال طاعة في معصية اهلل )(ٖ)‪ ,‬يريد عدـ طاعة والة األمر إذا‬ ‫ومنو قولو‬
‫أمروا بما فيو معصية ‪ ,‬كالقتؿ أو القطع أو نحوه ‪ ,‬ومعناه أف الطاعة ال تسمـ‬
‫لصاحبيا وال تخمص إذا كانت مشوبة بالمعصية ‪ ,‬وانما تصح الطاعة وتخمص‬
‫مع اجتناب المعاصي(ٗ)‪.‬‬
‫ومفيوـ الطاعة في اإلسبلـ يستمد قوتو ومداه مف قواعد وأحكاـ الشريعة‬
‫اإلسبلمية ‪ ,‬فطاعة المرؤوس لمقيادة اإلسبلمية العادلة تؤكد امتثالو ألوامر اهلل‪.‬‬
‫والقيادة في اإلسبلـ ىي السمطة التنفيذية التي تتولى تطبيؽ أحكاـ الشريعة‬
‫‪ ,‬وتقوـ عمى رعاية مصالح المسمميف ‪ ,‬وال شؾ أف ىذا يعد أم اًر مف األمور‬
‫التي أمر بيا المولى سبحانو وتعالى ػ وبذلؾ تصبح طاعة المسمـ ليا طاعة هلل‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ث تىأ يف ب اشفقه‬ ‫(‪ ) 1‬خي لف ةفبوم ا ن اشىؤن ء يف اشيىيأن امنقة ن ل ةفبوةب يف اشالمم اشوضأ ن‬
‫امنقةي مبأال اشأ م اشلي يأِب يضوع اشى ن أل اةى احلك م الم تأِب يف اشالمم اشوضأ ن ـ م نبق نه ـ‬
‫يضوع ادلووف أل اةى ؤن ئه م سل شف ب ‪.‬‬
‫)‪ )2‬اشف وةي ن ادلةب ح ادلالّب يف غىيب اشيىح اشكبّب شلي ‪،‬أي ادلك بن اشألم ن ّب ت ‪.381/2‬‬
‫(‪ ) 3‬احل يث او ة لم ن يم ح ة لم ن ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن اهلل حتىديب يف‬
‫ادلأة ن م ‪.1469/3 1841‬‬
‫(‪ )4‬أ و اش أ أات ادلب ك ل زلم اجلن ي ادلأى ف ل األثّب ن اشالب ين يف غىيب احل يث األثى ادلك بن اشألم ن ّب ت‬
‫‪ 1399‬ـ ـ ‪ 1979‬م حتق ق أإ اشنا ي زلموأ زلم اشعال ي ‪ 322/3‬ـ ا ل ةالمو ن ش ن اشأىب‬
‫‪.241/8‬‬
‫‪121‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وعصيانيا مف عصياف اهلل(ٔ)‪.‬‬


‫وقد حس القرآف الكريـ عمى واجب الطاعة عموماً ‪ ,‬فقاؿ تعالى‬

‫(ٕ)‪ .‬فالطاعة دليؿ االنقياد‬


‫ألحكاـ اإلسبلـ ‪ ,‬واجتناب نواىيو والتفرقة بيف الذي يجب أف يتبع والذي يجب‬
‫أف يجتنب(ٖ)‪.‬‬
‫ويجب أف تبلزـ الطاعة اإلنساف في جميع أحوالو وشتي تصرفاتو ‪ ,‬فقد ورد‬
‫أنو قاؿ ‪ ( :‬السمع والطاعة في عسرؾ ويسرؾ ومنشطؾ‬ ‫عف النبي‬
‫ومكرىؾ) (ٗ )" يعني وجوب طاعة والة األمر فيما يشؽ عمى اإلنساف وتأباه‬
‫النفوس وتكرىو مما ليس مف معصية اهلل(٘)‪ .‬وىذه الطاعة واجبة عمى كؿ إنساف‬
‫"اسمعوا وأطيعوا واف أستعمؿ عميكـ عبد‬ ‫ولو كاف األمير عبداً حبشياً ‪ ,‬لقولو‬
‫حبشي(‪")ٙ‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬أ‪/‬زلم ب احلم أ و زي نا ن اشىؤن ء ى ً ضأ ً ص ‪.28‬‬
‫(‪ )2‬نو ة اشال ء ةل اآلين ‪.59‬‬
‫(‪ )3‬يىا ا ا ل ثّب ن تف ّب اشقىآن اشأم م ‪ 687/1‬ـ اشعربي ن ةا اشب ن ل ت ي آي اشقىآن ‪ 149/4‬ـ أ‪ /‬زلم‬
‫ب احلم أ و زي ن نلعن احل م يف تغ ّب اش يىيا ى ً نون ً أ انن ةق نن ط‪ 1984/‬ص ‪ 51‬ة‬
‫ش أته أيض ً ا ن اشىؤن ء ص ‪.28‬‬ ‫أ‬
‫ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن حتىديب يف ادلأة ن م ‪1836‬‬ ‫(‪ ) 4‬ة لم ن يم ح ة لم‬
‫‪.1467/3‬‬
‫(‪ )5‬اشالو ي ن ادلالب ج ىح يم ح ة لم ل احلج ج ‪.224/12‬‬
‫م ‪6723‬‬ ‫ب األ ك م ب اش ما اشع ن شإلة م ة تكل ةأة ن‬ ‫(‪ )6‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫‪.2612/6‬‬
‫‪121‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ( :‬مف‬ ‫وطاعة الرؤساء في الحقيقة طاعة هلل ولرسولو(ٔ)‪ , ,‬فقد قاؿ‬


‫أطاعني فقد أطاع اهلل ومف عصاني فقد عصى اهلل ‪ ,‬ومف أطاع أميري فقد‬
‫أطاعني ومف عصي أميري فقد عصاني )(ٕ)‪.‬‬
‫كما اعتبر اإلسبلـ عدـ طاعة الرؤساء ومخالفة أوامرىـ خروجاً عف‬
‫الجماعة ومروقاً عف الديف يبرر إىدار دـ المتمرديف الخارجيف وذلؾ مصداقاً‬
‫( مف نزع يداً مف طاعة فإنو يأتى يوـ القيامة ال حجة لو ‪ ,‬ومف مات‬ ‫لقولو‬
‫(ٖ)‪.‬‬
‫وىو مفارؽ لمجماعة فإنو يموت ميتة جاىمية )‬
‫والطاعة هلل ولرسولو ولؤلمراء تتطمب مف اإلنساف أال يدخر وسعاً في‬
‫الحفاظ عمى مصالح المسمميف ‪ ,‬ويعمؿ ليؿ نيار جاىداً مف أجؿ تحقيقيا ‪,‬‬
‫متفانيا ومخمصاً في الدفاع عنيا فبل يمجأ إلى تصرؼ مف شأنو اإلضرار بأمف‬
‫وسبلمة الدولة اإلسبلمية ‪ ,‬وال يقترؼ ما يتنافى مع كرامتيا أو يمكف العدو منيا‬
‫‪ ,‬قاؿ تعالى ‪ ":‬يا أييا الذيف آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكـ أولياء تمقوف إلييـ‬
‫بالمودة وقد كفروا بما جاءكـ مف الحؽ"(ٗ)‪ .‬وليس لمموظؼ أف يخرج عف واجب‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬امة م اشي ‪،‬أ ن اشىن شن ص ‪.79‬‬
‫(‪ ) 2‬اشب ي ن يم ح اشب ي ن ب األ ك م ب وشه تأ ىل ر أا أوا اهلل أا أوا اشىنول أ ىل األةى ةالكم ر م‬
‫‪ 2611/6 6718‬ة لم ن يم ح ة لم ن ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن اهلل حتىديب‬
‫يف ادلأة ن م ‪ 1466/3 1835‬الفس اشلفمح‪.‬‬
‫(‪) 3‬األة م أإ ن ة ال أإ ىف ة ال ادلكثىيل ةل اشةم ن ةل يث ب اهلل ل مى ل اخلع ب م‪6423‬‬
‫ة لم يث ىيب ةاله ةل يث ب‬ ‫‪ .154/2‬ل اله أ ب األ ن ط ن يم ح لا إنال أ ل‬
‫يقول ( منىخلعىوداًىمنىطاعةىلقىىاللهىوومىالقوامةىالىحجةىله‪,‬ى‬ ‫‪‬‬
‫اهلل ل مى ل مسأص نول اهلل‬
‫ب امة ة ب‬ ‫ومنىماتىىولوسىفىىعنقهىبوعةىماتىموتةىجاهلوة ) ة لم ن يم ح ة لم‬
‫وب ةقزةن د ن ادل لمْب ال وبو اشفًب ‪ ......‬م ‪.1478/3 1851‬‬
‫(‪ )4‬نو ة ادلم مالن ن اآلين ‪.1‬‬
‫‪122‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الطاعة فيقترؼ إثماً أو يسعى إلى معصية أو إلى محرـ طمعاً في الرزؽ أو‬
‫أنو قاؿ ‪ ( :‬نفث روح‬ ‫جريا وراء منصب(ٔ)‪ .‬فقد روي أبو أمامة عف رسوؿ اهلل‬
‫القدس في روعى أف نفساً لف تخرج مف الدنيا حتي تستكمؿ أجميا وتستوعب‬
‫رزقيا ‪ ,‬فأجمموا في الطمب وال يحممنكـ إبطاء الرزؽ أف تطمبوه بمعصية اهلل ‪,‬‬
‫فإف اهلل ال يناؿ ما عنده إال بطاعتو)(ٕ)‪.‬‬
‫ومما سبؽ يمكف أف نعرؼ الطاعة بوجو عاـ بأنيا " االمتثاؿ ألوامر اهلل‬
‫ونواىيو " ‪ .‬وىذا التعريؼ يوجب االلتزاـ بالطاعة مف قبؿ الجميع حكاماً‬
‫ومحكوميف ‪ ,‬أنبياء ومرسميف‪.‬‬
‫أما في نطاؽ الوظيفة العامة فيمكف تعريفيا بأنيا " االمتثاؿ ألوامر الرؤساء‬
‫ونواىييـ وسرعة تنفيذىا في نطاؽ الشرع "‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ا يف دش أ‪ /‬زلم ب احلم أ و زي ن ا ن اشىؤن ء ى ً ضأ ً ‪34 33‬‬
‫بة د ى ل‬ ‫ب اشن‬ ‫(‪ ) 2‬اشعرباين ن ادلأجم اشكبّب ب اشة أ ةل يث ي ل اشأجقن أ و أة ةن‬
‫ب اشب وع ب امد ل يف الب اش ن تىك‬ ‫م ‪ 79/7 34332‬اشب بقي ن اش الل اشكربي‬ ‫‪‬‬ ‫نب ال‬
‫البب مب ال حي م ‪.264/5 11184‬‬
‫‪123‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانيا ‪:‬حكـ الطاعة وأساس مشروعيتيا‬


‫تعد طاعة الرؤساء في الشريعة اإلسبلمية واجبة(ٔ)ػ كما سبؽ القوؿ ػ وىي‬
‫حؽ مف حقوؽ الرؤساء عمى المرؤوسيف(ٕ)‪.‬‬
‫وقد قاؿ الماوردي في وجوب طاعة الرئيس اإلداري ‪ ,‬وضرورة االلتزاـ‬
‫بأوامره وسرعة تنفيذىا بكؿ دقة وأمانة وىو في معرض حديثو عف إمارة الجياد ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ىح تالويى األ ة يف ‪،‬قه امة م أيب ال فن‬ ‫ن أ اي ل اش ادل‬ ‫(‪ ) 1‬زلم أةْب اشيبّب ل يل ن‬
‫يل شالج ادل شف ةعبأن ةةعفي اشب يب احلليب أ الأو ط‪ 1386 2/‬ـ ـ‬ ‫اشالأم ن يل ه ت كملن ا ل‬
‫‪1966‬م ‪ 422/5‬زيل اش يل ل إ ىا م ادلأى ف ل صل م احلالفي ن األ ب و اشالم ئى حب ه نن ن اشالواوى‬
‫ل األ ب و اشالم ئى ال ل يل حتق ق زلم ةع ا احل ‪،‬مح أا اشفكى ط‪ 1413 1/‬ـ ـ ‪ 1983‬م ص‬
‫‪ 138‬ة أ ـ زلم اشيى ِب اخلع ب ن ةغِب اي ج إىل ةأى‪،‬ن ةأ ين أشف ظ ادلالب ج ل ةًب ادلالب ج أليب ز ىي‬
‫زلٓب اش يل ىف اشالو ي ةعبأن ةةعفي اشب يب احلليب أ الأو ط‪ 132/4 1958 1/‬ـ أ و حيٓب ز ىي‬
‫ن اشي خ أيب اشأب ب ل أإ اشىةل اشكبّب‬ ‫األنة ي اشي ‪،‬أ أنِب ادلع شب ىح ض اشع شب ن ةيه‬
‫األنة ي جتىي اشأقةن ‪ /‬زلم ل أإ اشيو ىي أا اشك ب امنقةي اشق ىة ‪ 111 / 4‬ـ ل‬
‫اشقلقيال ر إن اهلل تأ ىل أ ب ا ن أ ىل األةى ل ‪،‬ن ادل ةالْب أ ‪،‬ىضب ل د ا ادل لمْب ‪،‬ق ل‬
‫‪‬‬ ‫ئقً ن ‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫[ اشال ء آين ن ‪ ] 59‬لم ً ةاله تأ ىل ن اشع ن ةقك األةى نع ه ة ك اجلمبو واةه أنه ال ت م ن نن ةا‬
‫اشيق ق االضلىاف ر يىا ا اشقلقيال ي ن يبح األ يي ‪ 425 424/11‬أ‪ /‬زلم أ‪،‬ص ثم ن اشقض ي‬
‫اشثقث ـ تغ ّب ادلالكى شقوة اخلى ج ل احل م تكفّب اش شن أا اشفض لن أ ط ‪ 1989 1 /‬م ص‬
‫‪ 48‬ـ أ ‪ /‬زلم احل ُب الف ن اش ئم األن ن ن شالم م احلكم ىف امنقم رللن اشألوم اشق نون ن اال ة أين‬
‫ةأن ْب مشس اش الن ‪ 16‬اشأ أ األ ل يال يى يوش و ‪1984‬م ص ‪ 165‬ـ أ ‪ /‬نينة‬ ‫ل ن احلقوق‬ ‫تة‬
‫اشيىيف ن أيول امأا ة اش الم م ىف أ شن امنقم األ ىل أا اشالبضن اشأى ن اشق ىة ‪ 1991‬م ص ‪ 59‬ة‬
‫أ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ادل أي ن األ ك م اش لع ن ن ط ‪ /‬ادلك بن اش و‪ ،‬ق ن ص ‪.41‬‬
‫‪124‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫" وأما ما يمزميـ ػ أي يمزـ الموظفيف العسكرييف ػ في حؽ األمير ػ أي القائد‬


‫العسكري ػ عمييـ فأربعة أشياء‪:‬‬
‫أحدىا ‪ :‬التزاـ طاعتو والدخوؿ في واليتو ‪ ,‬ألف واليتو عمييـ انعقدت‬
‫وطاعتو بالوالية وجبت ‪....‬‬
‫‪ .‬والثاني ‪ :‬أف يسارعوا إلى امتثاؿ األمر والوقوؼ عند نييو وزجره ‪ ,‬ألنيما‬
‫مف لوازـ طاعتو " (ٔ)‪.‬‬
‫كما ذكر الماوردي أف لمرئيس اإلدارى حؽ معاقبة مرؤوسيو إدارياً إذا لـ‬
‫ينفذوا ما أمر بو أو تقاعسوا عف تنفيذه ‪ ,‬أو أقدموا عمى ما نياىـ عنو ‪ ,‬فقاؿ‬
‫" فإف توقفوا عما أمرىـ بو ‪ ,‬وأقدموا عمي ما نياىـ عنو فمو تأديبيـ عمى‬
‫المخالفة بحسب أحواليـ"(ٕ)‪.‬‬
‫وتقوـ طاعة الرؤساء في الشريعة اإلسبلمية عمى أساسيف ‪ ,‬األساس‬
‫األوؿ ‪ :‬األساس الفني ‪ ,‬ومعناه أف القائد أو الرئيس اإلدارى لديو مف الخبرة‬
‫والدراية ما يؤىمو إلصدار تعميمات سديدة وأوامر رشيدة ‪ ,‬واال لما وصؿ إلى ىذه‬
‫الدرجة المتقدمة في السمـ اإلدارى ‪ ,‬وىذا يقتضي التزاـ المرؤوسيف بإتباع‬
‫تعميماتو وتنفيذ أوامره وتوجيياتو ‪ ,‬خاصة وأنو المنوط بو تدبير السياسة العامة‬
‫لممرفؽ الذي يشغمو ‪,‬وىذا األساس قد أشار إليو الماوردي وىو بصدد الحديث‬
‫عف حقوؽ القائد العسكري عمى مرؤوسيو ‪ ,‬بقولو ‪ ":‬أف يفوضوا األمر إلى رأيو‬
‫ويكموه إلى تدبيره ‪ ,‬حتي ال تختمؼ آرائيـ فتختمؼ كممتيـ ويفترؽ جمعيـ ‪ ,‬قاؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ادل أي ن األ ك م اش لع ن ن ص ‪.95‬‬
‫(‪ )2‬ادل أي ن ادلى ا اش ق ص ‪.95 94‬‬
‫‪125‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫تعالى "ولو ردوه إلى الرسوؿ والى أولى األمر منيـ لعممو الذيف يستنبطونو‬
‫منو"(ٔ)‪ .‬فجعؿ تفويض األمر إلى وليو سبباً لحصوؿ وسداد األمر(ٕ)‪.‬‬
‫وبما أف الرئيس اإلدارى يعد بش اًر مما يسمح بإمكانية ورود خطأه ‪ ,‬األمر‬
‫الذي يقتضي نظر المرؤوس في األوامر الصادرة منو إليو ‪ ,‬فإذا رأي فييا‬
‫مخالفة لشرع اهلل لفت نظر رئيسو إلى ىذه المخالفة ‪ ,‬وأشار إليو بوجو الصواب‬
‫فييا ‪ ,‬وفي ذلؾ يقوؿ الماوردي " فإف ظير ليـ ػ أي لممرؤوسيف ػ صواب خفي‬
‫عميو بينوه لو وأشاروا بو عميو ‪ ,‬ولذلؾ ندب إلى المشاورة ليرجع بيا إلى‬
‫الصواب " (ٖ)‪.‬‬
‫أما األساس الثاني وىو الميـ ‪ ,‬فيو األساس التشريعى ‪ ,‬والذي يتمثؿ فيما‬
‫ورد مف نصوص في القرآف الكريـ والسنة النبوية الشريفة توجب طاعة أولى‬
‫األمر(ٗ)‪ .‬وعدـ مخالفة أوامرىـ ‪,‬وىذا ما نتحدث عنو في الصفحات التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أساس مشروعية الطاعة مف القرآف‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫فقاؿ‬ ‫األمر‬ ‫أولى‬ ‫بطاعة‬ ‫الكريـ‬ ‫القرآف‬ ‫صرح‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬نو ة اشال ء ن ةل اآلين ‪83‬‬
‫(‪ )2‬ادل أي ن األ ك م اش لع ن ن ص‪95‬‬
‫(‪ )3‬ادل أ ن ادلى ا اش ق نفس ادلوضا ‪.‬‬
‫ة‬ ‫(‪ ) 4‬ا ل أيب اشأن احلالفي ن ىح اشأق ة اشعم ين ادلك ب امنقةي ّب ت ط‪ 1391 4/‬ـ ص ‪379‬‬
‫أا اشك ب اشألم ن ّب ت‬ ‫ائق األز‬ ‫أ ـ زلم ل ل ل زلم اشيو ين ن اش اجلىا ادل ‪،‬ق ل‬
‫حتق ق ‪ /‬زلموأ إ ىا م زي ط‪ 1415 1‬ـ ‪ 514/4‬ـ ا ل نم ن ام ك م ‪.431/7‬‬
‫‪126‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(ٔ)‪.‬‬
‫أتفؽ المفسروف عمى أف ىذه اآلية تدؿ عمى وجوب طاعة أولى األمر ‪,‬‬
‫واف كانوا قد اختمفوا فيما بينيـ حوؿ المقصود بأولى األمر اختبلفاً كبي اًر(ٕ) ًَ‪, ,‬‬
‫غير أف أشير اآلراء في المقصود بأولى األمر رأياف ‪ ,‬األوؿ ‪ :‬أف المقصود بيـ‬
‫الوالة واألمراء ‪ ,‬وىذا قوؿ ابف عباس وتابعو أبو ىريرة وسيؿ بف عبد اهلل‬
‫التستري ‪,‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنيـ أىؿ القرآف والعمـ كما قاؿ جابر بف عبد اهلل ومجاىد في‬
‫أحد قوليو ‪ ,‬وىو اختيار مالؾ رحمة اهلل ‪ ,‬ومثمو قوؿ الضحاؾ ‪ ,‬حيث قاؿ ‪" :‬‬
‫إف المقصود بيـ الفقياء والعمماء في الديف " (ٖ)‪.‬‬
‫ومف جانبي أميؿ إلى رأي ابف كثير ‪ :‬حيث قاؿ " والظاىر ػ واهلل أعمـ ػ أف‬
‫اآلية في جميع أولى األمر مف األمراء والعمماء " (ٗ)‪ ,‬فالمقصود بأولى األمر‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬نو ة اشال ء ن اآلين ‪.59‬‬
‫م كي ل رل يف وشه‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )2‬ال ك آ اء أيىي يف ادلقةوأ يل األةى ةالب أن ادلقةوأ نم أيم ب زلم‬
‫ادلقةوأ نم أ ىل‬ ‫م ك ل كىةن‬ ‫اآلين إ ة إىل أيب كى مى ض اهلل البم‬ ‫اشث ين‬
‫اشأق اشىأ اشليل ي ى ن أةى اشال ب م د ى ا ل ب ن‪.‬‬
‫ى‬ ‫أ و أفى ل ىيى اشعرب ن ةا اشب ن ل ت ي آ اشقىآن حتق ق ‪ /‬أإ‬ ‫(‪ ) 3‬يىا ا ىف تفة دش‬
‫ة ن ن اشىن شن ط ‪ 1421 1 /‬ـ ـ ‪2111‬م ‪ 497 / 8‬ة أ ـ اشقىاىب ن اجل ةا أل ك م اشقىآن أا‬
‫ص ‪ 1922‬ة أ ـ أ و اشفض زلموأ األشون ن ح ادلأ ىف تف ّب اشقىآن اشأم م‬ ‫اشغ اشأى اجملل اشث‬
‫أا إ ء اشَباث اشأى ّب ت ‪ 65 / 5‬ة أ ـ ا ل اجلوز ن زاأ ادل ّب ىف لم اش ف ّب‬ ‫اش با ادلث‬
‫ّب ت ط ‪ 1414 3 /‬ـ ‪ 116 / 2‬ة أ ـ اشثأ شىب ن اجلوا ى احل ن ىف تف ّب‬ ‫ادلك ب امنقة‬
‫اشقىآن ة ن ن األ ل شلمعبو ت ّب ت ‪ 384 / 1‬ة أ ـ أ و اش أوأ ن تف ّب أ و اش أوأ أا إ ء‬
‫اشَباث ّب ت ‪ 193 / 2‬ـ اش وا ن اش ادلالثو ىف اش ف ّب دل ثو أا اشفكى ّب ت ‪1993‬م ‪/ 2‬‬
‫‪. 573‬‬
‫(‪ )4‬ا ل ثّب ن تف ّب اشقىآن اشأم م ن أا ا بن شلاليى اش وزيا ‪.345/2‬‬
‫‪127‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الذيف تجب طاعتيـ في اآلية الكريمة ىـ األمراء والعمماء كؿ في مجاؿ‬


‫اختصاصو الدنيوي والديني‪.‬‬
‫وقاؿ الجصاص ‪ ":‬ويجوز أف يكونوا جميعاً ػ أي األمراء والعمماء ػ مراديف‬
‫باآلية ‪ ,‬ألف االسـ يتناوليـ جميعاً ‪ ,‬ألف األمراء يموف أمر تدبير الجيوش‬
‫والسرايا وقتاؿ العدو ‪ ,‬والعمماء يموف حفظ الشريعة وما يجوز مما ال يجوز فأمر‬
‫الناس بطاعتيـ والقبوؿ منيـ ‪ ,‬ما عدؿ األمراء والحكاـ ‪ ,‬وكاف العمماء عدوالً‬
‫مرضييف موثوقاً فيما يؤدوف"(ٔ)‪.‬‬
‫والذي يؤيد ذلؾ ‪ ,‬أف األمراء ىـ أصحاب األمر والنيى ‪ ,‬والييـ يرجع‬
‫الحكـ والفصؿ بيف الناس ‪ ,‬كما قاؿ القرطبي(ٕ)‪ ,‬فضبلً عف أف ىذه اآلية نزلت‬
‫كما روي الشيخ اف ػ في عبد اهلل بف خزامة بف قيس بف عدي ‪ ,‬إذ بعثو النبي‬
‫في سرية(ٖ)‪.‬‬
‫سرية وأمر عمييـ رجبلً مف‬ ‫فقد روي البخاري عف عمى قاؿ " بعث النبي‬
‫(ٗ)‬
‫أف‬ ‫وأمرىـ أف يطيعوه فغضب عمييـ ‪ ,‬وقاؿ أليس قد أمر النبي‬ ‫األنصار‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ّب ت ‪ 1415‬ـ حتق ق زلم‬
‫(‪ ) 1‬أ و كى أإ ل ل اشىازي اجلة ص ن أ ك م اشقىآن أا ا ء اشَباث اشأىيب‬
‫اشة أق مم ي ‪.177/3‬‬
‫(‪ )2‬اشقىايب ن تف ّب اشقىايب اجملل اشث ين ص ‪.1923‬‬
‫ب اش ف ّب ب نو ة اشال ء م ‪ 1674/4 4318‬ة لم ن يم ح‬ ‫(‪ ) 3‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫ة لم ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن حتىديب يف ادلأة ن م ‪.1465/3 1834‬‬
‫أإ ا ل ة ن يممه ا ل ب ن احل م ةل يث أيب نأ أن اشى ادلل و و‬ ‫(‪ )4‬ل اشيو ين ن ر‬
‫ن ‪،‬ه‬ ‫ن ةل أيم ب‬ ‫إنه ب اهلل ل نا‪،‬ن اش بمي‬ ‫لقمن ل رلن ز لا د ى ا ل إنم ق‬
‫ا ةالبم ن أةّباً ل أ تل اش ىين ر يىا ا اشيو ين ن األ ا ةل‬ ‫أ ن جيما البم ن‬
‫ىح ةال قي األيب أا اشعب ن ادلالربين ةا اشك ب تأل ق ت ي ّبة يم اش ةيقي‬ ‫أ أيث ن األي‬
‫‪.33/8‬‬
‫‪128‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬قالوا بمى ‪ ,‬قاؿ قد عزمت عميكـ لما جمعتـ حطباً وأوقدتـ نا اًر ثـ‬ ‫تطيعوني‬
‫دخمتـ فييا ‪ ,‬فجمعوا حطباً فأوقدوا نا اًر فمما ىموا بالدخوؿ ‪ ,‬فقاـ ينظر بعضيـ‬
‫ف ار اًر مف النار أفندخميا ؟ فبينما ىـ‬ ‫إلى بعض ‪ ,‬قاؿ بعضيـ إنما أتبعنا النبي‬
‫‪ ,‬فقاؿ ‪ :‬لو دخموىا ما‬ ‫كذلؾ ‪ ,‬إذ خمدت النار ‪ ,‬وسكف غضبو فذكر لمنبى‬
‫خرجوا منيا أبداً إنما الطاعة في المعروؼ(ٕ)"‬
‫فدؿ ىذا عمى أف مدلوؿ أولى األمر في اآلية الكريمة يشمؿ األمراء ‪ ,‬أو‬
‫يطمؽ عميو بمغة العصر الرؤساء اإلداريوف‪.‬‬
‫أما ما يدؿ عمى أف مدلوؿ أولى األمر في اآلية يشمؿ العمماء أيضاً‪ ,‬فقولو‬
‫تعالى‬
‫(ٖ)‪.‬‬
‫قاؿ القرطبي ‪ " :‬فأمر تعالى برد المتنازع فيو إلى كتاب اهلل وسنة نبيو‬
‫‪,‬وليس لغير العمماء معرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة‪ ,‬ويدؿ ىذا عمى صحة‬
‫كوف سؤاؿ العمماء واجباً ‪ ,‬وامتثاؿ فتواىـ الزماً قاؿ سيؿ بف عبد اهلل ال يزاؿ‬
‫الناس بخير ما عظموا السمطاف والعمماء ‪ ,‬فإذا عظموا ىذيف أصمح اهلل دنياىـ‬
‫وأخراىـ ‪ ,‬واذا استخفوا بيذيف أفسد اهلل دنياىـ وأخراىـ" (ٗ )‪ .‬ومنو قولو تعالى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ب وشه تأ ىل ن‬ ‫ب األ ك م‬ ‫( منىأطاعىأموريىفقدىأطاعني ) او اشب ي‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬ث ل اشاليب‬
‫ر أا أوا اهلل أا أوا اشىنول أ ىل األةى ةالكم ر م ‪.1611/6 6718‬‬
‫م ‪6726‬‬ ‫تكل ةأة ن‬ ‫ب اش ما اشع ن شإلة م ة‬ ‫ب األ ك م‬ ‫(‪ ) 2‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫‪.2612/6‬‬
‫(‪ )3‬نو ة اشال ء ن اآلين ‪.59‬‬
‫(‪ )4‬اشقىايب ن تف ّب اشقىايب اجملل اشث ينن ص ‪.1924‬‬
‫‪129‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أيضاً‬
‫(ٔ )‪ .‬وقولو تعالى‬

‫(ٕ)‪.‬‬
‫قاؿ ابف كثير "فيذه أوامر بطاعة العمماء واألمراء‪ ,‬وليذا قاؿ تعالى "‬
‫وأطيعوا اهلل" أي أتبعوا كتابو " وأطيعوا الرسوؿ" أي خذوا بسنتو " وأولى األمر‬
‫منكـ" اي فيما أمروكـ بو مف طاعة اهلل ال في معصية اهلل " ‪ ,‬إنما الطاعة في‬
‫المعروؼ ‪ ,‬كما روي في الحديث الشريؼ سالؼ الذكر‪.‬‬
‫ثانياً أساس مشروعية الطاعة مف السنة‪:‬‬
‫أحاديث كثيرة تفرض عمى المسمميف موظفيف وغير‬ ‫ورد عف النبي‬
‫موظفيف طاعة رؤسائيـ ‪ ,‬نذكر منيا ما يمي‪:‬‬
‫أنو قاؿ ( السمع والطاعة عمى‬ ‫ٔ‪ -‬عف نافع رضى اهلل عنو عف النبى‬
‫المرء المسمـ فيما أحب وكره ‪ ,‬ما لـ يؤمر بمعصية ‪ ,‬فإف أمر بمعصية‬
‫فبل سمع وال طاعة)(ٖ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫اآلين ‪.42‬‬ ‫(‪ )1‬نو ة اشالم‬
‫(‪ )2‬نو ة اشال ء اآلين ‪.83‬‬
‫ب األ ك م ب اش ما اشع ن شإلة م ة تكل ةأة ن م ‪6725‬‬ ‫(‪ ) 3‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫‪ 2612/6‬ـ ا و ة لم يف يم مه لفمح ىيب اً يف ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن‬
‫حتىديب يف ادلأة ن م ‪.1469/3 1839‬‬
‫‪131‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فبايعناه ‪ ,‬فكاف فيما‬ ‫ٕ‪ -‬عف عبادة بف الصامت قاؿ "دعانا رسوؿ اهلل‬
‫أخذ عمينا أف بايعناه عمى السمع والطاعة في منشطنا ومكرىنا وعسرنا‬
‫ويسرنا وأثره عمينا ‪ ,‬وأف ال ننازع األمر أىمو ‪ ,‬قاؿ " إال أف تروا كف اًر‬
‫بواحاً عندكـ مف اهلل فيو برىاف"(ٔ)‪.‬‬
‫( إنيا ستكوف بعدي أثره وأمور تنكرونيا ‪ ,‬قالوا يا‬ ‫ٖ‪ -‬قاؿ رسوؿ اهلل‬
‫رسوؿ اهلل كيؼ تأمر مف أدرؾ منا ذلؾ ؟ قاؿ ‪ :‬تؤدوف الحؽ الذي‬
‫عميكـ وتسألوف اهلل الذي لكـ)(ٕ)‪.‬‬
‫وقاؿ اإلماـ النووي في شرح ىذا الحديث أف " فيو الحث عمى السمع والطاعة ‪,‬‬
‫واف كاف المتولى ظالماً عسوفاً فيعطي حقو مف الطاعة ‪ ,‬وال يخرج عميو وال‬
‫يخمع ‪ ,‬بؿ يتضرع إلى اهلل تعالى في كشؼ أذاه ودفع ضره واصبلحو"(ٖ)‪.‬‬
‫ٗ‪ -‬عف عمقمة بف وائؿ الحضرمي عف أبيو قاؿ ‪ ,‬سأؿ سممة بف يزيد‬
‫فقاؿ ‪ " :‬يا نبى اهلل أرأيت إف قامت عمينا أمراء‬ ‫الجعفي رسوؿ اهلل‬
‫يسألونا حقيـ ويمنعونا حقنا ‪ ,‬فما تأمرنا ؟ فأعرض عنو ‪ ,‬ثـ سألو؟‬
‫فأعرض عنو ‪ ,‬ثـ سألو في الثانية أو في الثالثة فجذبو األشعت ابف‬
‫قيس وقاؿ ‪ :‬اسمعوا وأطيعوا فإنما عمييـ ما حممو وعميكـ ما حممتـ"(ٗ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬ة لم ن يم ح ة لم ن ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن حتىديب يف ادلأة ن م ‪1719‬‬
‫م‬ ‫‪‬‬
‫نَب ن أ ي أةو اً تالكى هن‬ ‫ب اشفًب ب ول اشالىب‬ ‫‪ 1469/3‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫‪.2588/6 6647‬‬
‫م ‪.1472/3 1843‬‬ ‫ب وب اشو‪ ،‬ء ب أن اخللف ء األ ل ‪ ،‬أل ل‬ ‫ب امة ة‬ ‫(‪ )2‬ة لم ن يم ح ة لم‬
‫(‪ )3‬اشالو ي ن ادلالب ج ىح يم ح ة لم ل احلج ج ‪.232 / 12‬‬
‫م ‪.1474/3 1846‬‬ ‫إن ةالأوا احلقوق‬ ‫(‪ )4‬ة لم ن يم ح ة لم ن ب امة ة ب وب ا ن األةىاء‬
‫‪131‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫٘‪ -‬قاؿ عبد الرحمف بف عمرو السممي وحجر بف حجر أتينا العرباض بف‬
‫سارية وىو ممف نزؿ فييـ‬

‫(ٔ)‪.‬‬
‫وقمنا أتيناؾ زائريف وعائذيف ومقتبسيف ‪ ,‬فقاؿ العرباض صمى بنا رسوؿ‬
‫ذات يوـ ثـ أقبؿ عمينا فوعظنا موعظة بميغة ذرفت منيا العيوف ‪,‬‬ ‫اهلل‬
‫ووجمت منيا القموب ‪ ,‬فقاؿ قائؿ يا رسوؿ اهلل كأف ىذه موعظة‬
‫مودع‪,‬فماذا تعيد بنا ؟ قاؿ ‪ ( :‬أوصيكـ بتقوى اهلل والسمع والطاعة واف‬
‫عبداً حبشياً ‪ :‬فإنو مف يعيش منكـ بعدى فسيرى اختبلفا كثي اًر ‪ ,‬فعميكـ‬
‫بسنتى وسنة الخمفاء الميدييف الراشديف ‪ ,‬تمسكوا بيا وعضوا عمييا‬
‫بالنواجز ‪ ,‬واياكـ ومحدثات األمور فإف كؿ محدثة بدعة ‪ ,‬وكؿ بدعة‬
‫(ٕ)‬
‫ضبللة "‬
‫ٍ‬
‫بخمس اهللُ أمرنى بيف ) السمع والطاعة‬ ‫‪ -ٙ‬قاؿ رسوؿ اهلل ( وأنا آمركـ‬
‫والجياد واليجرة والجماعة فإف مف فارؽ الجماعة قيد شبر فقد خمع ربقة‬
‫اإلسبلـ مف عنقو ‪ ,‬إال أف يرجع "(ٖ)‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬نو ة اش و ن ن اآلين ‪92‬‬
‫ب اش الن ب شن م اش الن م ‪ . 611 /2 4617‬ل اله اشي خ األشب ن‬ ‫(‪ ) 2‬أ و أا أ ن نالل أ أا أ‬
‫يم ح – اشَبةل ن ب اشألم ب األيل ش الن ا ال ب اشب ع م ‪ – 44 / 5 2676‬ا ل ة ن ن نالل‬
‫ا ل ة ن ا‪ ،‬ن اشك ب ىف امدي ن ‪،‬ض ئ اشةم ن اشألم ب إتب ع نالن اخللف ء اشىا يل ادلب يْب م‬
‫‪ 15/1 42‬اشلفمح أل أا أ ‪.‬‬
‫ب األةث ل ب ةث اشةقة اشة م اشة ن م ‪ 148 / 5 2863‬ل اله‬ ‫(‪ ) 3‬اشَبةل ن نالل اشَبةل‬
‫اشي خ األشب يم ح ‪.‬‬
‫‪132‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫( اسمعوا وأطيعوا واف‬ ‫قاؿ ‪ ,‬قاؿ رسوؿ اهلل‬ ‫‪ -ٚ‬عف أنس بف مالؾ‬
‫استعمؿ عميكـ عبد حبشى كأف رأسو ذبيبة ) (ٔ)‪.‬‬
‫أف طاعة األمراء مف طاعة اهلل ورسولو فقاؿ ( مف‬ ‫‪ -ٛ‬وقد بيف النبى‬
‫أطاعنى فقد أطاع اهلل ومف عصانى فقد عصى اهلل ‪ ,‬ومف أطاع أميرى‬
‫فقد أطاعنى ومف عصى أميرى فقد عصانى ) (ٕ)‪.‬‬
‫فيذه جممة مف األحاديث النبوية الشريفة واضحة الداللة عمى وجوب طاعة‬
‫الرؤساء ‪ ,‬وقد عمؽ اإلماـ النووى عمى ىذه األحاديث – أحاديث السمع والطاعة‬
‫– قائبل ‪ " :‬إف ىذه األحاديث التى تحث عمى السمع والطاعة فى جميع األحواؿ‬
‫سببيا اجتماع كممة المسمميف ‪ ,‬فإف الخبلؼ سبب لفساد أحواليـ فى دينيـ‬
‫ودنياىـ" (ٖ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫م ‪/6 6723‬‬ ‫تكل ةأة ن‬ ‫ب اش ما اشع ن شإلة م ة‬ ‫ب األ ك م‬ ‫ن يم ح اشب‬ ‫(‪ )1‬اشب‬
‫‪. 2612‬‬
‫ب األ ك م ب وشه تأ ىل ر أا أوا اهلل أا أوا اشىنول أ ىل األةى ةالكم ر‬ ‫ن يم ح اشب‬ ‫(‪ ) 2‬اشب‬
‫ب امة ة ب وب ا ن األةىاء ىف غّب ةأة ن‬ ‫م ‪ – 2661 / 6 6718‬ة لم ن يم ح ة لم‬
‫حتىديب ىف ادلأة ن م ‪1466 / 3 1835‬‬
‫(‪ )3‬اشالو ن ادلالب ج ىح يم ح ة لم ل احلج ج ‪. 225 / 12‬‬
‫‪133‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(‪)1‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حدود الطاعة الواجبة‬
‫الشريعة اإلسبلمية حينما أوجبت عمى المرؤوسيف طاعة رؤسائيـ ‪ ,‬لـ تأمر‬
‫بأف تكوف ىذه الطاعة عمياء أو مطمقة ‪ ,‬وانما جعمتيا طاعة مقيدة بأحكاـ‬
‫اإلسبلـ وتعاليمو ‪ .‬فاألمر والطاعة فى اإلسبلـ كبلىما مقيد غير مطمؽ ‪ ,‬فميس‬
‫آلمر أف يأمر بما يخالؼ الشريعة وليس لمأمور أف يطيع فيما يخالؼ الشريعة ‪,‬‬
‫سواء كاف موظفاً أو غير موظؼ(ٕ)‪.‬‬
‫فأمر الحاكـ فى الشريعة ال يعفى المأمور مف المسئولية ولو كاف المأمور‬
‫موظفاً ‪ ,‬فإذا أمر الرئيس مرؤوسيو بعمؿ مخالؼ لمشريعة فأتاه وىو عالـ بأنو‬
‫غير مباح لو ‪ ,‬كاف عمى المرؤوس عقوبة الفعؿ الذى أتاه ‪ ,‬ألف أمر الرئيس‬
‫فى ىذه الحالة يعتبر أم اًر غير ممزـ ال تجب طاعتو ‪ ,‬ألنو صدر فيما ال سمطاف‬
‫لمرئيس فيو ‪ ,‬وليس لممرؤوس أف ينفذه ‪ ,‬فإف نفذه تحمؿ مسئوليتو(ٖ)‪.‬‬
‫وقد ساقت كتب التراث اإلسبلمى مواقؼ كثيرة امتنع فييا الموظفوف عف‬
‫تنفيذ أوامر رؤسائيـ المخالفة لمشريعة اإلسبلمية ‪ ,‬امتثاال ألمر اهلل سبحانو‬
‫وتعالى ‪ ,‬وعمى ذلؾ نقسـ ىذا إلى فرعيف كالتالى ‪:‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬شلفقب ء أ وال أ أن ىف أ اشع ن اشوا بن ن أ ـ أنه جتب ا ن امة م ىف ة أةى ه إال أن يكون زلىة ً ‪،‬ق جتب‬
‫ا ه ‪ ،‬ه ‪ ،‬جب ا ه ىف ادلكى و ادلب ح ادلال ب اشوا ب ‪ .‬ب ـ جتب ا ن امة م ىف غّب ايىم ادلكى و‬
‫‪ ،‬جب إدا أةى وا ب أ ةال ب أ ةب ح ‪ .‬جـ ـ جتب ا ن امة م ىف ادلب ح ادلال ب إدا ن ةل ادلة ىت اشأ ةن ‪.‬‬
‫د ـ جتب ا ن امة م ىف اشوا ب ال جتب ا ه ىف ادلال ب ـ ‪،‬غّبو ةل ادلب ح ادلكى و أ ىل أ م اشو وب ‪ .‬شلمني‬
‫ةل اش فة ىف لا اشي ن يىا ا ن ان دن اش و ‪ /‬زلم ن أإ ةى ن اشبغ أ ك ةه ىف اشفقه امنقةي‬
‫ةعبأن اشَب شلكمب وتى اب ن األ ‪ ،‬ص االع ص ‪ 121‬ة أ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أ ‪ /‬ب اشق أ وأة ن اش يىيا اجلال ئ امنقة ةق ن ً شق نون اشوضأ ة ن ن اشىن شن ن ط ‪ 1415 1 /‬ـ ‪-‬‬
‫‪ 1985‬م ‪. 561/1‬‬
‫(‪ )3‬ب اشق أ وأة ن ادلى ا اش ق نفس ادلوضا ‪.‬‬
‫‪134‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الفرع األوؿ‬
‫تقييد الطاعة بعدـ المعصية‬
‫ممارسة السمطة بتدبير مصالح األمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما حتمو الشارع‬
‫مف قواعد وأحكاـ ‪ ,‬بحيث إذا خرجت ىذه الممارسة عف نطاقيا الذى رسمو‬
‫الشارع انتفت طاعتيا ‪.‬‬
‫( ٔ)‬
‫أنو ال يجوز لمرئيس أو ولى األمر أف يأمر بما فيو‬ ‫لذلؾ قرر الفقياء‬
‫معصية ‪ ,‬فإف أمر ينتفى واجب الطاعة المفروض عمى المرؤوسيف ‪.‬‬
‫يقوؿ ابف قيـ الجوزية " فى بياف انتفاء واجب طاعة الرؤساء إذا أمروا‬
‫بمعصية بعد ما ذكر قولو تعالى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫يل ن احل ن ن ‪ – 422/5‬ا ل صل م ن األ ب و اشالم ئى يـ ‪ – 138‬أ و حيٓب ز ىي‬ ‫(‪ )1‬يىا ا ىف دش ا ل‬
‫األنة ن أنُب ادلع شب ‪ – 111/ 4‬اشيى ُب اخلع ب ن ةغُب اي ج ن ‪ – 132 /4‬ا ل ت م ن ن اشف‬
‫اشكرب ط‪ /‬أا ادلأى‪،‬ن ن ‪ 234 / 5‬شه أيض ً ةالب ج اش الن اشالبوين ‪ – 387/3‬يىا ا لش ال ل ت م ن ن‬
‫أ ن يـ ‪ – 128‬ي يق‬ ‫ة ىف ايبن اشال ى‪ /‬ةك بن اشَباث امنقة اشق ىة حتق ق اش و ‪ /‬زلم‬
‫ل ل ل ل اشقالوي ن يقمن أ ىل اال ب شل أ ىف د ى اشال أيم ب اشال اشال ى‪/‬ةك بن اف أا‬
‫األنة اشق ىة ط‪ 1398 1/‬ـ ‪ 1984 -‬م حتق ق ‪ /‬أإ ج ز اش ق يـ ‪ – 225‬أ و احل ْب زلم ل‬
‫ل ل اشع ب اشبةى ن ادلأ م ىف أيول اشفقه اشال ى ‪ /‬أا اشك ب اشألم ن ّب ت ط‪ 1413 1/‬ـ حتق ق‬
‫‪ /‬يل ادلس ‪ 16 / 2‬زلم ل زلم اشيو ن اشقول ادلف ىف أأشن ام ب أ اش قل اشال ى‪ /‬أا اشقلم‬
‫اشكويص ط‪ 1396 1 /‬ـ حتق ق ‪ /‬ب اشىإل ب اخل شق يـ ‪ – 35‬اجلة ص ن أ ك م اشقىآن ‪– 177/3‬‬
‫ا ل نم ن ام ك م ىف أيول األ ك م أا احل يث اشق ىة ن ط‪ 1414 1/‬ـ ‪. 242 / 6‬‬
‫‪135‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(ٔ)‬
‫‪ ,‬قاؿ‬
‫ابف قيـ الجوزية " فأمر تعالى بطاعتو وطاعة رسولو ‪ ,‬وأعاد الفعؿ إعبلماً بأف‬
‫طاعة الرسوؿ تجب استقبلال مف غير عرض ما أمر بو عمى الكتاب ‪ ,‬بؿ إذا‬
‫أمر وجبت طاعتو مطمقاً سواء كاف ما أمر بو فى الكتاب أو لـ يكف فيو ‪ ,‬فإنو‬
‫أوتى الكتاب ومثمو معو ؛ ولـ يأمر بطاعة أولى األمر استقبلال ‪ ,‬بؿ حذؼ‬
‫الفعؿ وجعؿ طاعتيـ فى ضمف طاعة الرسوؿ إيذاناً بأنيـ إنما يطاعوف تبعاً‬
‫لطاعة الرسوؿ ‪ ,‬فمف أمر منيـ بطاعة الرسوؿ وجبت طاعتو ‪ ,‬ومف أمر‬
‫(ٕ)‬
‫بخبلؼ ما جاء بو الرسوؿ فبل سمع وال طاعة "‬
‫(ٖ )‬
‫عند تفسيرىـ لقولو تعالى‬ ‫وىذا ما انتيى إليو المفسروف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬نو ة اشال ء ن اآلين ‪59‬‬
‫ّب ت ط‪ 1973/‬م حتق ق ‪ /‬اه ب اشىؤف‬ ‫(‪ ) 2‬ا ل م اجلوزينن إ قم ادلو أْب ل ب اشأ دلْب اشال ى أا اجلل‬
‫نأ ‪.48 /1‬‬
‫(‪ )3‬يىا ا ىف تف ّب لو اآلين اشعرب ن تف ّب اشعرب ‪ 495 / 8‬ة أ – اشقىاىب – اجل ةا أل ك م اشقىآن‬
‫يـ‪ 1922‬ة أ – ا ل ثّب ن تف ّب اشقىآن اشأم م ‪ 342 / 2‬ـ أ و زلم احل ْب ل ة أوأ ل‬ ‫اجملل اشث‬
‫زلم ل اشفىاء اشبغو اشي ‪،‬أ ن ةأ اش الني حتق ق ‪ /‬زلم ب اهلل اشالمى آيى ن اشال ى ‪ /‬أا ا بن شلاليى‬
‫ط‪ 1417 4 /‬ـ ‪ 1997 -‬م ‪ 239/ 2‬ة أ – اشثأ شىب ن اجلوا ى احل ن ىف تف ّب اشقىآن‬ ‫اش وزيا‬
‫األ ل شلمعبو ت ّب ت ‪ – 384 / 1‬ب اشىإل ل ل ل زلم اجلوز ن زاأ ادل ّب ىف لم‬ ‫ةن ن‬
‫ّب ت ط‪ 1414 3/‬ـ ‪ – 115/2‬قل اش يل اش وا ن اش ادلالثو ىف‬ ‫ادلك ب امنقة‬ ‫اش ف ّب‬
‫دل ثو ن أا اشفكى ّب ت ن ‪. 573 / 2 1993‬‬ ‫اش ف ّب‬
‫‪136‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ )‬
‫حيث قرروا أف ىذا‬
‫يستفاد مف حذؼ الفعؿ " أطيعوا " عندما ذكرت اآلية أولى األمر ‪ ,‬فيذا يعد‬
‫دليبلً عمى أف طاعة أولى األمر داخمة فى طاعة الرسوؿ وال يجوز أف تتعداىا ‪.‬‬
‫وقد قاؿ الرازى " إف األمة مجمعة عمى أف األمراء والسبلطيف إنما يجب‬
‫طاعتيـ فيما عمـ بالدليؿ أنو حؽ وصواب ‪ ,‬وذلؾ الدليؿ ليس إال الكتاب‬
‫والسنة ‪ ,‬فحينئذ ال يكوف ىذا قسماً منفصبلً عف طاعة الكتاب والسنة ‪ ,‬وعف‬
‫(ٕ)‬
‫طاعة اهلل وعف طاعة رسولو ‪ ,‬بؿ يكوف داخبل فيو"‬
‫وقاؿ أبو السعود فى تفسير ىذه اآلية " بعد ما أمر الوالة بطريؽ العموـ أو‬
‫بطريؽ الخصوص بأداء األمانات ‪ ,‬والعدؿ فى الحكومات ‪ ,‬أمر سائر الناس‬
‫بطاعتيـ ‪ ,‬لكف ال مطمقاً بؿ ضمف طاعة اهلل تعالى وطاعة رسوؿ اهلل ‪ ,‬حيث‬
‫قيؿ ‪ ,‬وأطيعوا اهلل وأطيعوا الرسوؿ وأولى األمر منكـ ‪ ,‬وىـ أمراء الحؽ ووالة‬
‫العدؿ ‪ ,‬كالخمفاء الراشديف ومف يقتدي بيـ مف الميتديف ‪ ,‬وأما أمراء الجور‬
‫فبمعزؿ مف استحقاؽ العطؼ عمى اهلل والرسوؿ في وجوب الطاعة ليـ"(ٖ)‪.‬‬
‫وقد صرحت السنة النبوية المطيرة بانتفاء واجب الطاعة عند األمر‬
‫أنو قاؿ ‪:‬‬ ‫بمعصية ‪ ,‬فمما جاء فييا ‪ ,‬الحديث الذي رواه نافع عف النبي‬
‫( السمع والطاعة عمى المرؤ المسمـ فيما أحب وكره ما لـ يؤمر بمعصية ‪ ,‬فإف‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫أمر بمعصية فبل سمع وال طاعة )‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬نو ة اشال ء ن ةل اآلين ‪59‬‬
‫(‪ ، )2‬ى اش يل اشىاز ن ةف تح اشغ ب ‪. 244 / 3‬‬
‫(‪ )3‬أ و اش أوأ ن إ أ اشأق اش ل م إىل ةناي اشقىآن اشكى أا إ ء اشَباث اشأىيب ّب ت ‪.193/2‬‬
‫(‪ ) 4‬اشب ي ن يم ح اشب ي ن ب األ ك م ب اش ما اشع ن شإلة م ة تكل ةأة ن م ‪6725‬‬
‫=‬
‫‪137‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(ال طاعة في المعصية ‪ ,‬إنما الطاعة في المعروؼ)(ٔ)‪ .‬وكذلؾ‬ ‫وقولو‬


‫( ال طاعة لمخموؽ في معصية الخالؽ)(ٕ)‪.‬‬ ‫قولو‬
‫أيضاً ( مف أمركـ منيـ بمعصية فبل تطيعوا)(ٖ)‪.‬‬ ‫وقاؿ‬
‫واذا كنا قد أوردنا بعض األحاديث التي توجب طاعة الرئيس في عموـ‬
‫األحواؿ ‪ ,‬إال أف ىناؾ بعض الروايات قد قيدت الطاعة بعدـ معصية اهلل ‪ ,‬فقد‬
‫روي ابف ماجة عف يحي بف الحصيف عف جدتو أـ الحصيف ‪ ,‬قالت سمعت‬
‫أم ّر عميكـ عبد حبشي مجدع فاسمعوا لو وأطيعوا ما‬
‫رسوؿ اهلل يقوؿ ‪ ( :‬إف ُ‬
‫قادكـ بكتاب اهلل)(ٗ)‪.‬‬
‫كما روي مسمـ عف يحي بف الحصيف أيضاً قاؿ ‪ :‬سمعت جدتي تحدث‬
‫يخطب في حجة الوداع وىو يقوؿ ( لو استعمؿ عميكـ عبد‬ ‫أنيا سمعت النبي‬
‫يقودكـ بكتاب اهلل فاسمعوا لو وأطيعوا)(٘)‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫‪2612/6‬‬
‫اشة ق يف اآلدان اشةقة اشةوم‬ ‫ء يف إ زة يرب اشوا‬ ‫بة‬ ‫ب اش مِب‬
‫(‪ )1‬اشب ي ن يم ح اشب ي ن‬
‫م ‪.2649/6 6831‬‬
‫(‪ ) 2‬اشعرباين ن ادلأجم اشكبّب ب اشأْب ةل يث مىان ل ةْب ‪ ..‬م ‪ 165/18 367‬او أيض ً يف‬
‫ةواضا أيىي أنمى ‪.185/18‬‬
‫(‪ ) 3‬ا ل ة ن ن نالل ا ل ة ن ن ب اجلب أ ب ال ا ن يف ةأة ن اهلل م ‪ 955/2 2863‬أإ ن ة ال‬
‫امة م أإ ىف ة ال ادلكثىيل ةل اشةم ن ة ال أيب نأ اخل ي ضي اهلل اله م ‪ 67/3 11657‬ـ‬
‫ا ل ب ن يم ح ا ل ب ن َبت ب ا ل لب ن ن ب اش ّب ب ا ن األئمن م ‪.421/11 4558‬‬
‫ل اله اشي خ األشب ين ن‬ ‫م ‪955/2 2861‬‬ ‫ب ا ن امة م‬ ‫ب اجلب أ‬ ‫(‪ )4‬ا ل ة ن ن نالل ا ل ة ن ن‬
‫يم ح‪.‬‬
‫م ‪1838‬‬ ‫(‪ ) 5‬ة لم ن يم ح ة لم ن ب امة ة ب وب ا ن األةىاء يف غّب ةأة ن حتىديب يف ادلأة ن‬
‫م ‪1298‬‬ ‫ب احلج ب ان مب ب ةي دىة اشأقبن يوم اشالمى‬ ‫او يف ةواال أيى ةالب‬ ‫‪1468/3‬‬
‫=‬
‫‪138‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وفي ىذه الرواية فائدتاف كما قاؿ ابف حجر(ٔ)‪.‬‬


‫األولى‪ :‬أنيا قيدت جية الطاعة بكونيا موافقة لكتاب اهلل‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬تاريخ الحديث ‪ ,‬حيث إنو كاف في حجة الوداع ‪ ,‬أي في أواخر‬
‫عيد النبي ‪.‬‬
‫فالعبد ما داـ متمسكاً باإلسبلـ والدعاء إلى كتاب اهلل أياّ كاف حالو وجبت‬
‫طاعتو(ٕ)‪ .‬فدؿ ىذا عمى أف الطاعة مقيدة بعدـ معصية اهلل ‪ ,‬قاؿ الشوكاني ففي‬
‫ىذه األحاديث" تقييد لما اطمؽ في األحاديث المطمقة القاضية بطاعة أولى األمر‬
‫عمى العموـ ‪ ,‬والقاضية بالصبر عمى ما يقع مف األمير مما يكره ‪,‬والوعيد عمى‬
‫مفارقة الجماعة"(ٖ)‪.‬‬
‫ونخمص مما سبؽ إلى أف االلتزاـ بواجب طاعة الرؤساء فى اإلسبلـ مقيد‬
‫بعدـ مخالفة األمر الرئاسي ألحكاـ الشريعة اإلسبلمية ‪ ,‬فإف خالفيا انتفت‬
‫الطاعة(ٗ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫م ‪4192‬‬ ‫ب احلث ل ا ن امة م‬ ‫ب اشب أن‬ ‫او اشال ئي يف اش الل‬ ‫‪ 944/2‬لفمح ىيب‬
‫‪ 154/7‬لفمح شو ان أم ل كم ب بيي‪ ...‬ر ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ا ل جى اشأ ققين ن ‪ ،‬ح اشب ي ‪.187/2‬‬
‫(‪ )2‬اشالو ي ن ادلالب ج ىح يم ح ة لم ل احلج ج ‪ 46/9‬ـ يىا ا أيض ً ب اشىإل ل أيب كى اش واين اش يب ج‬
‫ىح يم ح ة لم ل احلج ج ‪.363/3‬‬
‫أا اشك ب اشألم ن‬ ‫ائق امز‬ ‫(‪ )3‬اشيو ين ن األ ا ‪ 33/8‬شليو ين أيض ً اش اجلىا ادل ‪،‬ق ل‬
‫‪.298/4‬‬ ‫ّب ت ط‪ 1415 1/‬ـ حتق ق ‪ /‬زلموأ إ ىا م أ و زي‬
‫ش ىل ن أ‬ ‫ة وأ‬ ‫(‪ )4‬اشع ن اشوا بن ة م ة أيقً ةل ا ن اشيىع شلش جيب أن يفىض ل األةى اشىئ‬
‫ـ ان ال أ األةى اشىئ ن إىل أ ك م اشيىع ‪ .‬ب ـ ا ال ء تةى‪ ،‬ت اشىئ س نوا ه ىف األةو اشأ ةن ل ادلةلمن‬
‫ادليى ن ‪ .‬جـ ـ أن يكون ة أةى ه امة م أ نوا ه أايقً ىف اي ة ي هتم ةا ا ب اشق يل اش قْب ‪ .‬يىا ا ىف‬
‫=‬
‫‪139‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ما ىي األحكاـ الشرعية التي ينتفي عند مخالفتيا واجب‬ ‫والسؤاؿ اآلف‬
‫طاعة الرؤساء؟‬
‫ولئلجابة عمى ىذا التساؤؿ ينبغى أف نفرؽ بيف األحكاـ االجتيادية التي‬
‫اختمفت حوليا اآلراء ‪ ,‬وبيف األحكاـ القطعية التي ال خبلؼ بشأنيا ‪ ,‬كالثابتة‬
‫بالكتاب والسنة المتواترة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬األحكاـ االجتيادية ( المختمؼ فييا ) (‪:)1‬‬


‫(‪) 2‬‬
‫االجتيادية التي اختمفت حوليا اآلراء ‪ ,‬فإف حكـ‬ ‫ففي نطاؽ األحكاـ‬
‫الحاكـ أو أمره يكوف واجب الطاعة مف الجميع سواء مف وافقو في الرأي أو‬
‫خالفو ‪,‬وسواء مف العامة أو العمماء أو الموظفيف ‪ ,‬حتى ال يحدث اضطراب‬
‫ؾ في أوامر الرؤساء وأحكاميـ ‪ ,‬وذلؾ ألف حكـ الحاكـ فيما ىو مختمؼ‬
‫وش ّ‬
‫عميو قاطع لمنزاع ‪ ,‬وقد حكي اآلمدى اإلجماع عمى ذلؾ ‪ ,‬فقاؿ " اتفقوا أف حكـ‬
‫الحاكـ ال يجوز نقضو في المسائؿ االجتيادية(ٖ)‪.‬‬
‫وعمى ذلؾ فإذا أمر رئيس إدارى مرؤوسيو وكاف ىذا األمر منطوياً عمى‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫‪.‬‬ ‫ةى ن أ ك م اشبغ ىف اشفقه امنقةي ص ‪ 115‬ة أ‬ ‫تفة دش ن أن دن اش و ‪ /‬زلم ن أإ‬
‫ة أ ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يىا ا يف دش أن دن اش و ‪ ، /‬اأ اشال أي ةب أ ادليى ن ص ‪336‬‬
‫ثقثن أ م ال تقبله أ ـ األ ك م اشث ن‬ ‫م ‪ ،‬ب يقب اال ب أ‬ ‫(‪ ) 2‬األ ك م اشيى ن تالق م إىل أ أن أ م‬
‫ال يقف ‪ ،‬ب ب ـ األ ك م عأ ن اشثبوت وال ن اش الشن ‪ ،‬ب يقف ج‬ ‫ش عأ اشثبوت اش الشن ةأ ً‬
‫أيض ً ‪ ،‬ب‬ ‫ـ األ ك م وال ن اشثبوت عأ ن اش الشن ‪ ،‬ب يقف أيض ً د ـ األ ك م وال ن اشثبوت اش الشن ةأ ً‬
‫يقف ‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬أ و احل ل ل ل أإ اآلة ي ن ام ك م يف أيول األ ك م أا اشك ب ّب ت ط‪ 1414 1‬ـ حتق ق أ‪/‬‬
‫‪.93/1‬‬ ‫ن اجلم لي ‪ 219/4‬اشن يي ن ادلالثو ةل اشقوا‬
‫‪141‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫مخالفة شرعية ىي محؿ خبلؼ بيف الفقياء ‪ ,‬فإنو يجب عمى مرؤوسيو طاعة‬
‫رئيسيـ وتنفيذ ىذا األمر ‪,‬حتي ولو كاف المرؤوسوف أو أحدىـ يخالفو في‬
‫الرأي ‪ ,‬وفي ذلؾ يقوؿ ابف الصبلح "إذا حكـ الحاكـ بما يراه في موضع‬
‫الخبلؼ السائغ ‪ ,‬فميس لحاكـ يخالؼ في رأيو أف ينقض حكمو ‪ ,‬أي ال يعترض‬
‫عميو فيما حكـ بو فيرده ويبطمو(ٔ)"‬
‫فحكـ أو أمر الحاكـ بإتباع وجية نظر معينة في مسائؿ الخبلؼ يقطع‬
‫الخبلؼ ويحسـ النقاش ‪ ,‬وتجب طاعتو ‪ ,‬قاؿ ابف الصبلح "حكـ الحاكـ بشرطة‬
‫يقطع الخبلؼ ويمتنع عمى المخالؼ نقضو" (ٕ )‪ .‬وقاؿ الجصاص ‪":‬إذا حكـ‬
‫الحاكـ بأحد وجوه االختبلؼ نفذ حكمو"(ٖ)‪.‬‬
‫وقاؿ ابف رجب عند حديثو عف حكـ الحاكـ في األرض التي ال مالؾ ليا "‬
‫ينفذ حكـ الحاكـ وال يرد وال يعترض عميو"(ٗ)‪ .‬وجاء في المنثور مف القواعد أف "‬
‫حكـ الحاكـ في المسائؿ المختمؼ فيا يرفع الخبلؼ"(٘)‪.‬‬
‫ومف ىنا نخمص إلى أف واجب طاعة الرؤساء ال ينتفي إذا كاف أمر‬
‫الرئيس منطوياً عمى مخالفة لحكـ شرعى ىو محؿ خبلؼ بيف الفقياء أو محؿ‬
‫اجتياد ‪ ,‬إذا كاف ػ أي الرئيس ػ مجتيداً أو لـ يكف وقد شاور أو سأؿ فيو العمماء‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬أ و مى ثم ن ل ب اشىإل ل ثم ن اشيبىز ي ادلأى ف ل اشةقح ن أأب ادلفٍب ادل فٍب ن ةك بن اشألوم‬
‫اشك ب ّب ت ط‪ 1417 1/‬ـ حتق ق أ‪ /‬ةو‪،‬ق ب اهلل ب اشق أ ‪.112/1‬‬ ‫احلكم‬
‫(‪ )2‬ا ل اشةقح ن أأب ادلفٍب ادل فٍب ‪.511/2‬‬
‫(‪ )3‬اجلة ص ن أ ك م اشقىآن ‪.316/1‬‬
‫(‪ ) 4‬ب اشىإل ل اإ ل ب احلالبلي االن ىاج أل ك م اخلىاج اشال ى أا اشك ب اشألم ن ّب ت‬
‫ط‪ 1415/‬ـ ص ‪.137‬‬
‫‪.69/2‬‬ ‫(‪ )5‬اشن يي ن ادلالثو ةل اشقوا‬
‫‪141‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أو أخذ بأحد اآلراء‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬األحكاـ القطعية ( المتفؽ عمييا أو المجمع عمييا ) ‪:‬‬


‫أما إذا كاف األمر الرئاسي منطوياً عمى مخالفة لحكـ شرعى ثبت بدليؿ‬
‫قطعى ‪ ,‬كنص أو إجماع أو قياس جمي ‪ ,‬فإف واجب الطاعة في ىذه الحالة‬
‫يكوف منتفياً(ٔ)‪ ,‬وذلؾ لؤلحاديث الصحيحة التي تحرـ الطاعة في معصية اهلل‪.‬‬
‫وعمى ذلؾ ‪ ,‬فإنو يجب عمى الموظؼ المرؤوس أف يطيع أمر رئيسو الغير‬
‫مخالؼ ألحكاـ اإلسبلـ الثابتة باألدلة القطعية المتفؽ عمييا ‪ ,‬كما ينبغى عميو‬
‫إطاعة أمر رئيسو أيضاً حتي لو كاف األمر مخالفاً لحكـ شرعى حدث بشأنو‬
‫خبلؼ ‪ ,‬أو ثبت بدليؿ ظني فيو شبية‪.‬‬
‫ونخمص مف كؿ ما سبؽ ‪ ,‬أف االلتزاـ بواجب الطاعة في الشريعة‬
‫اإلسبلمية يتوقؼ عمى أمريف ‪ ,‬األوؿ ‪ :‬عدـ األمر بمعصية اهلل عمى التفصيؿ‬
‫السابؽ بيانو ‪ ,‬والثاني االستطاعة أو القدرة عمى تنفيذ األمر الرئاسي ‪ ,‬لما رواه‬
‫البخاري عف عبد اهلل بف عمر رضي اهلل عنيما قاؿ" كنا إذا بايعنا رسوؿ اهلل‬
‫عمى السمع والطاعة يقوؿ لنا ‪ :‬فيما استطعتـ"(ٕ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يف دش يقول اآلة ر إمن ديكل نقضه ـ أ كم احل م ـ ن يكون كمه سل شف ً ش ش اا أ إد ع أ‬
‫ب لي و ة نص اشألن ‪ ،‬ه ةالةوين أ ن عا ‪ ،‬ه الفي اشف ق ْب األي اشفىع ريىا ا اآلة ي ن‬
‫ام ك م يف أيول األ ك م ‪ 219/4‬ـ يف دات ادلأِب يىا ا اشغناىل ن ادل ةفي يف لم األيول ص ‪ 367‬ـ أ و‬
‫إنم ق إ ىا م ل ل اشيّباز ن اشلما يف أيول اشفقه أا اشك ب اشألم ن ّب ت ط‪ 1415 1/‬ـ‬
‫‪1985‬م ص ‪ 54‬ا ل ت م ن اشف ي اشكربي ‪.247/4‬‬
‫ب األ ك م ب ف يب يا امة م اشال ب م ‪ 2633/6 6776‬او‬ ‫(‪ ) 2‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫ة لم لفمح ىيب يف ب امة ة ب اشب أن ل اش ما اشع ن م ‪.1491/3 1867‬‬
‫‪142‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عمى السمع‬ ‫وفي حديث آخر عف جرير بف عبد اهلل قاؿ ‪ ,‬بايعت النبي‬
‫والطاعة فمقنني " فيما استطعت والنصح لكؿ مسمـ(ٔ)"‪.‬‬
‫فباف مف ذلؾ أف االلتزاـ بواجب الطاعة مقيد باالستطاعة والقدرة عمى تنفيذ‬
‫األمر الصادر مف الجيات العميا‪.‬‬
‫وخبلصة القوؿ ‪ :‬أف الشريعة اإلسبلمية قد ألزمت بنصوص قطعية‬
‫المرؤوسيف بطاعة أوامر رؤسائيـ وسرعة تنفيذىا في حدود قواعد وأصوؿ‬
‫الشريعة المتفؽ عمييا‪.‬‬
‫غير أنو يمكف في حالة الضرورة طاعة األمر الرئاسي الذي يتضمف‬
‫معصية اهلل بيقيف ‪ ,‬وذلؾ إذا كاف عصياف ىذا األمر يترتب عميو اليبلؾ أو‬
‫تفتيت وحدة األمة(ٕ)‪ ,‬طبقاً لمقاعدة الشرعية التي تقضي بارتكاب اخؼ الضرريف‬
‫( ٖ)‬
‫فإذا كاف الضرر المترتب عمى طاعة األمر غير الشرعي‬ ‫عند اجتماعيما‬
‫أخؼ مف الضرر المترتب عمى عصياف ىذا األمر ‪ ,‬وجبت الطاعة فى ىذه‬
‫الحالة ‪ ,‬واال فبل ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫الفس‬ ‫م ‪2634/6 6778‬‬ ‫ب ف يب يا األة م اشال ب‬ ‫ب األ ك م‬ ‫(‪ ) 1‬اشب ي ن يم ح اشب ي‬
‫يل اشالة من م ‪.75/1 56‬‬ ‫اشلفمح او ة لم يف ب امدي ن ب أن اش‬
‫ص ‪.341‬‬ ‫(‪ )2‬أن دن اش و ‪ ، /‬اأ اشال أي ن ةب أ ادليى ن‬
‫ىح اشأق ة اشعم ين ص ‪ 373‬أ و ز ىي حي ي ل ىف اشالو ي‬ ‫(‪ ) 3‬يىا ا يف لو اشق ة ا ل أيب اشأن احلالفي‬
‫أأب اشف و ادلفٍب ادل فٍب أا اشفكى أةيق ط‪ 1418 1/‬ـ حتق ق ‪ /‬م ب اشو ب ص ‪61‬‬
‫اآلة ي ن ام ك م ‪ 181/1‬ـ ل ل ب ب اشبأل احلالفي ن اشقوا اشفوائ األيوش ن ة ي ألق ن ةل أ ك م‬
‫ةعبأن اش الن ايم ين اشق ىة ‪ 1375‬ـ ـ ‪1956‬م ـ حتق ق ‪ /‬زلم ة اشفقي ص ‪ 113‬أ و ة اشغناىل ن‬
‫ادل ةف يف لم األيول ص ‪.71‬‬
‫‪143‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ -2‬النصيحة‬

‫النصيحة ىي اإلخبلص ‪ ,‬يقاؿ ‪ :‬نصح الشيء إذا خمص ‪ ,‬ونصح‬


‫لو القوؿ إذا أخمصو لو ‪ ,‬والنصيحة كممة جامعة معناىا حيازة الحظ‬
‫(ٔ)‬
‫لممنصوح لو ‪.‬‬

‫ومما يدؿ عمى النصيحة لوالة األمر ما ورد في صحيح مسمـ مف حديث‬
‫تميـ الداري (رضي اهلل عنو) أف النبي ((‪ )‬قاؿ ‪(( :‬الديف النصيحة قمنا لمف‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫قاؿ هلل ولكتابو ولرسولو وألئمة المسمميف وعامتيـ))‬

‫قاؿ ابف حج ‪:‬النصيحة ألئمة المسمميف إعانتيـ عمى ما حمموا القياـ بو ‪,‬‬
‫وتنبيييـ عند الغفمة ‪ ,‬وسد خمتيـ عند اليفوة ‪,‬وجمع الكممة عمييـ ‪,‬ورد القموب‬
‫(ٖ)‬
‫النافرة إلييـ ومف أعظـ نصيحتيـ دفعيـ عف الظمـ بالتي ىي أحسف ‪.‬‬

‫‪ -3‬حؽ الماؿ‬

‫يجب لبلماـ مف بيت ماؿ المسمميف ما يكفي حاجتو وحاجة أىمو ‪ ,‬يأخذ منو بقد‬
‫ما يكفيو ومف يعوؿ بالمعروؼ ‪ ,‬وقد أخذ أبو بكر وعمر (رضي اهلل عنيما) ما‬
‫يكفييما مف بيت الماؿ ‪ ,‬فقد روى ابف سعد عف عطاء بف السائب قاؿ‪(( :‬لما‬
‫استخمؼ أبو بكر أصبح غاديا إلى السوؽ وعمى رقبتو أثواب َيتَّ ِج ُر بيا‪ ,‬فمقيو‬
‫عمر بف الخطاب وأبو عبيدة بف الجراح‪ ,‬فقاال لو‪ :‬أيف تريد يا خميفة رسوؿ اهلل؟‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الجوىري الصحاح ٔ‪ . ٗٔٓ/‬وابف حجر ‪ ,‬فتح الباري ٔ‪. ٖٔٛ/‬‬
‫(ٕ) كتاب اإليماف ‪ ,‬حديث رقـ ٘٘ ‪.‬‬
‫(ٖ) فتح الباري ٔ‪. ٖٔٛ/‬‬
‫‪144‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قاؿ السوؽ‪ ,‬قاال‪ :‬تصنع ماذا وقد وليت أمر المسمميف؟ قاؿ‪ :‬فمف أيف أطعـ‬
‫عيالي؟ قاال لو‪ :‬انطمؽ حتى نفرض لؾ شيئاً‪ ,‬فانطمؽ معيما ففرضوا لو كؿ يوـ‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطف))‬

‫ولما ولي عمر أمر المسمميف كاف يأخذ مف بيت الماؿ قدر حاجتو فأخبر‬
‫المسمميف بما يحؿ لو مف ماؿ اهلل ‪ ,‬بقولو ‪(( :‬يحؿ لي حمتاف‪ ,‬حمة في الشتاء‪,‬‬
‫وحمة في الصيؼ ‪ ,‬وما أحج عميو وأعتمر مف الظير‪ ,‬وقوتي وقوت أىمي‬
‫كقوت رجؿ مف قريش ليس بأغناىـ وال بأفقرىـ‪ ,‬ثـ أنا بعد ذلؾ رجؿ مف‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫المسمميف يصيبني ما أصابيـ))‬

‫و قاؿ عمر بف الخطاب (رضي اهلل عنو) أيضاً ‪(( :‬إني أنزلت نفسي مف‬
‫ماؿ اهلل منزلة ماؿ اليتيـ‪ ,‬إف استغنيت استعففت‪ ,‬واف افتقرت أكمت‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫بالمعروؼ))‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الطبقات الكبرى ٖ‪. ٔٛٗ/‬‬
‫(ٕ) ابف سعد ‪ ,‬الطبقات الكبرى ٖ‪. ٕٚٙ/‬‬
‫(ٖ) المرجع السابؽ ‪ ,‬وقاؿ ابف حج في الفتح ٖٔ‪ : ٔ٘ٔ/‬سنده صحيح ‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث الثاني‬

‫الوزارة‬
‫اشتقاؽ كممة الو ازرة مأخوذ مف ِ‬
‫الوْزر ‪ ,‬وىو الثقؿ ‪ ,‬ألنو يتحمؿ عف الممؾ‬
‫الوَزر ‪ ,‬وىو الممجأ ‪ ,‬ومنو قولو تعالى {كبل ال وزر}‬
‫أثقالو‪ .‬وقيؿ إنو مأخوذ مف َ‬
‫أي ال ممجأ‪ ,‬فسمي بذلؾ ألف الممؾ يمجأ إلى أريو ومعونتو ‪.‬‬

‫وقيؿ إنو مأخوذ مف األزر ‪ ,‬وىو الظير ‪ ,‬ألف الممؾ يقوى بتوزيره كقوة البدف‬
‫(ٔ)‬
‫بالظير ‪.‬‬

‫أقساـ الوزارة في اإلسالـ‬


‫(ٕ)‬
‫‪-:‬‬ ‫قسـ العمماء الو ازرة في الدولة اإلسبلمية إلى قسميف‬

‫‪ -1‬وزارة تفويض‬

‫وىي أف يستوزر اإلماـ مف يفوض إليو تدبير األمور برأيو وامضاءىا عمى‬
‫اجتياده‪ .‬ومما تتطمبو ىذه الو ازرة مف الخصاؿ الحميدة ما حكي عف المأموف‬
‫قولو ‪ :‬إني التمست ألموري رجبلً جامعاً لخصاؿ الخير ‪ ,‬ذا عفة في خبلئقو ‪,‬‬
‫واستقامة في طرائقو‪ ,‬قد ىذبتو اآلداب ‪ ,‬وأحكمتو التجارب ‪ ,‬إف اؤتمف عمى‬
‫األسرار قاـ بيا ‪ ,‬واف قمد ميمات األمور نيض فييا ‪ ,‬يسكنو الحمـ ‪ ,‬وينطقو‬
‫العمـ ‪ , ,‬وتكفيو المحظة ‪ ,‬وتغنيو الممحة‪ ,‬لو صولة األمراء ‪ ,‬وأناة الحكماء ‪,‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬الفراء ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ‪ , ٕٜ‬والجوىري ‪ ,‬الصحاح ٕ‪ , ٛٗ٘/‬مادة [وزر] ‪.‬‬
‫(ٕ) انظر ‪ :‬الماوردي ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ٕ٘ وما بعدىا ‪ .‬والفراء ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ‪ ٕٜ‬وما‬
‫بعدىا ‪.‬‬
‫‪146‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وتواضع العمماء ‪ ,‬وفيـ الفقياء ‪ ,‬إف أُحسف إليو شكر ‪ ,‬واف اُبتمي صبر ‪ ,‬ال‬
‫يبيع نصيب يومو بحرماف غده ‪ ,‬يسترؽ قموب الرجاؿ بخبلبة لسانو وحسف بيانو‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬

‫واذا كانت و ازرة التفويض في أمر عاـ فبل بد لذلؾ مف شرطيف ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬يجب عمى الوزير أف يطالع اإلماـ لما أمضاه مف تدبير ‪ ,‬وأنفذه مف والية‬
‫وتقميد ‪ ,‬لئبل يصير باالستبداد كاإلماـ ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬عمى اإلماـ أف يتصفح أفعاؿ الوزير ‪ ,‬وتدبير األمور ‪ ,‬ليقر منيا ما وافؽ‬
‫الصواب ويستدرؾ ما خالفو ‪.‬‬

‫صالحيات وزير التفويض‬

‫لوزير التفويض صبلحيات عديدة منيا ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬لو أف يحكـ بنفسو ويقمد الحكاـ ألف شروط الحكـ فيو معتبرة ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬يتولى الجياد بنفسو ‪ ,‬ولو اف يقمد مف يتواله ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬ينظر في المظالـ وينيب فييا ‪ ,‬ألف شروط المظالـ فيو معتبرة ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬كؿ ما صح مف اإلماـ صح مف الوزير إال في ثبلثة أمور ىي ‪-:‬‬

‫(ا) اإلماـ يعيد إلى مف يرى وليس ذلؾ لموزير ‪.‬‬

‫(ب) لئلماـ أف يستعفي األمة مف الو ازرة وليس ذلؾ لموزير ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الماوردي ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ‪. ٕٙ‬‬
‫‪147‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫(جػ) لئلماـ أف يعزؿ مف قمده الوزير وليس لموزير أف يعزؿ مف قمده اإلماـ‬

‫‪ -‬وزارة تنفيذ‬

‫و ازرة التنفيذ حكميا أضعؼ مف و ازرة التفويض وشروطيا أقؿ ‪ ,‬ألف‬


‫النظر فييا مقصور عمى رأي اإلماـ وتدبيره ‪ ,‬وىذا الوزير وسط بينو وبيف الرعية‬
‫والوالة ‪ ,‬يؤدي عنو ما أمر ‪ ,‬وينفذ عنو ما ذكر ‪ ,‬ويمضي ما حكـ ‪ ,‬ويخبر‬
‫بتقميد الوالة وتجييز الجيوش ‪ ,‬ويعرض عميو ما ورد مف مياـ ‪ ,‬ليعمؿ فيو ما‬
‫يؤمر بو ‪ ,‬فيو معيف في تنفيذ األمور ‪ ,‬وليس بواؿ عمييا وال متقمد ليا ‪.‬‬

‫واذا كانت و ازرة التفويض يشترط فييا ما يشترط لئلماـ عدا القرشية ‪ ,‬فإف‬
‫و ازرة التنفيذ ال يشترط ليا ما يشترط لو ازرة التفويض ‪ ,‬فبل يعتبر ليا شرط الحرية‬
‫وال العمـ ‪ ,‬ألنو ليس لو أف ينفرد بوالية وال تقميد ‪ ,‬فتعتبر فيو الحرية ‪ ,‬وال يجوز‬
‫لو أف يحكـ فيعتبر فيو العمـ ‪.‬‬

‫صفات وزير التنفيذ‬


‫(ٔ)‬
‫‪-:‬‬ ‫يراعى في وزير التنفيذ سبعة أوصاؼ ىي‬

‫ٔ‪ -‬األمانة حتى ال يخوف فيما اؤتمف فيو ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬صدؽ الميجة ‪ ,‬حتى يوثؽ بخبره فيما يؤديو ‪ ,‬ويعمؿ عمى قولو فيما ينييو‬

‫ٖ‪ -‬قمة الطمع ‪ ,‬حتى ال يرتشي ‪ ,‬و ال ينخدع فيتساىؿ ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬أف يسمـ فيما بينو وبيف الناس مف عداوة وشحناء ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬الفراء ‪ ,‬األحكاـ السمطانية ص ٖٔ ‪.‬‬
‫‪148‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫٘‪ -‬أف يكوف ذكو اًر لما يؤديو إلى الخميفة وعنو ‪ ,‬ألنو شاىد لو عميو ‪.‬‬

‫‪ -ٙ‬الذكاء والفطنة ‪ ,‬حتى ال تدلس عميو األمور فتشتبو ‪.‬‬

‫‪ -ٚ‬أف ال يكوف مف أىؿ األىواء ‪ ,‬فيخرجو اليوى مف الحؽ إلى الباطؿ‬

‫الفرؽ بيف وزارة التفويض ووزارة التنفيذ‬

‫تختمؼ و ازرتي التفويض والتنفيذ مف حيث السمطة بأربعة أمور ىي ‪-:‬‬

‫ٔ‪ -‬يجوز لوزير التفويض أف يباشر الحكـ والنظر في المظالـ ‪ ,‬وليس ذلؾ‬
‫لوزير التنفيذ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬يجوز لوزير التفويض أف يستبد بتقميد الوالة والموظفيف وليس ذلؾ لوزير‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬يجوز لوزير التفويض أف ينفرد بتسيير الجيوش وتدبير الحروب وليس ذلؾ‬
‫لوزير التنفيذ ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬يجوز لوزير التفويض أف يتصرؼ في أمواؿ بيت الماؿ ‪ ,‬بقبض ما يستحؽ‬
‫(ٔ)‬
‫لو ‪ ,‬ودفع ما يجب عميو وليس ذلؾ لوزير التنفيذ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) انظر ‪ :‬عبدالقادر عوده ‪ ,‬اإلسبلـ وأوضاعنا السياسية ص ٕٖٕ ‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث الثالث‬
‫االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر‬
‫المطمب األوؿ ‪ :‬مفيوـ االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكروفضمو ‪:‬‬
‫المعروؼ‪ :‬يطمؽ المعروؼ عمى كؿ ما تعرفو النفس مف الخير‪ ,‬وتطمئف إليو‪,‬‬
‫فيو معروؼ بيف الناس ال ينكرونو‪ .‬وقيؿ‪ :‬ىو ما عرؼ حسنو شرعاً وعقبلً‪.‬‬
‫وسمي منك اًر‪ ,‬ألف‬
‫المنكر‪ :‬ضد المعروؼ‪ ,‬وىو ما عرؼ قبحو شرعاً وعقبلً ّ‬
‫أىؿ األيماف ينكرونو ويستعظموف فعمو‪.‬‬
‫والمعروؼ يدخؿ فيو كؿ ما أمر اهلل بو ورسولو مف األمور الظاىرة والباطنة ‪,‬‬
‫مثؿ‪ :‬شرائع اإلسبلـ واإليماف باهلل والصموات الخمس والزكاة والحج‪ ,‬واإلحساف‬
‫في عبادة اهلل واخبلص الديف هلل‪ ,‬والتوكؿ عميو ومحبتو ورجائو‪ ,‬وغيرىا مف‬
‫أعماؿ القموب‪ ,‬وصدؽ الحديث والوفاء بالعيود وأداء األمانات وبر الوالديف‬
‫وصمة األرحاـ واإلحساف إلى الجار واليتيـ‪ ,‬ومكارـ األخبلؽ‪.‬‬
‫اما المنكر فيو ضد المعروؼ‪,‬وىو األمر القبيح‪,‬تقوؿ أنكرت عمية فعمو إنكا اًر‬
‫(ٔ )‬
‫إذا عبتو ونييتو عنو‬
‫و لممنكر عدة تعريفات بيانيا كالتالي ‪- :‬‬
‫ٔ‪ -‬المنكر ىو‪:‬ما تنكره النفوس السميمة وتتأذى بو مما حرمة الشرع ‪,‬‬
‫(ٕ)‬
‫ونافرة الطبع ‪,‬وتعاظـ استكباره ‪,‬وقيح عمية الفتح استظياره في محؿ المؤل‬
‫ٕ‪ -‬المنكر ‪ :‬ىو ما ليس فيو رضا اهلل مف قوؿ أو فعؿ ‪ ,‬والنيي عنو ‪ :‬ىو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫) مختار الصحاح لمرازي صػ‪ ٜٙٚ‬ط المطبعة األميرية بالقاىرة سنة ‪ٜٕٔٙ‬‬
‫ٕ‬
‫) أحكاـ القرآف لمجصاص ٕ‪ ٖٕٕ/‬الناشر دار الصحؼ – مطبعة عبد الرحمف محمد‬
‫‪151‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫طمب الكؼ عف فعؿ أو قوؿ ما ليس فيو رضا اهلل تعالى‬
‫(ٕ)‬
‫ٖ‪ -‬المنكر ‪ :‬ىو ما ينكره الشارع محرماً كاف أو مكروىاً‬
‫ٗ‪ -‬المنكر ىو ‪ :‬كؿ ما ينكره الشرع وينيي عنو ‪ ,‬ويذمو ‪ ,‬ويذـ أىمو ‪,‬‬
‫(ٖ)‬
‫ويدخؿ في ذلؾ جميع المعاصي أو البدع‬
‫٘‪ -‬المنكر ىو ‪ :‬تقبيح ما تنفر عنو الشريعة والعفة ‪ ,‬وىو ما ال يجوز في‬
‫(ٗ)‬
‫ديف اهلل تعالى‬
‫ومف خبلؿ ىذه التعريفات يمكف تعريؼ المنكر بأنو ‪ :‬كؿ تصرؼ ينكره‬
‫الشرع ‪ ,‬ويستقبحو العقؿ صغائر الذنوب وكبائرىا‬
‫‪ -ٙ‬المنكر ىو ‪ :‬ما أنكره الشرع بالنيي عنو ‪ ,‬وىو يعـ جميع المعاصي‬
‫(٘)‬
‫والرذائؿ والدناءات عمى اختبلؼ أنواعيا ‪.‬‬
‫‪ -ٚ‬المنكر ىو ‪ :‬كؿ معصية حرمتيا الشريعة اإلسبلمية سواء وقعت مف‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫مكمؼ أو غير مكمؼ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫) األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر لشيخ اإلسبلـ ابف تيمية ص ػٔ ط موسوعة الفقة اإلسبلمي‬
‫ٕ‬
‫) د‪ /‬طارؽ محمد الطوارى – األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر صػ‪ – ٚ‬ط جامعة الكويت – قسـ‬
‫التفسير والحديث‬
‫ٖ‬
‫) الموسوعة الفقيية ط و ازرة األوقاؼ والشئوف اإلسبلمية بالكويت ج‪ ٙ‬صػ ػٕٕ٘‪ٕٗٚ,‬‬
‫ٗ‬
‫) التعريفات لمجرجاني صػٗ٘ ط دار الكتاب العربي – تحقيؽ ابراىيـ األبيارى‬
‫٘‬
‫) الجامع الحكاـ القرآف لمقرطبي ٓٔ‪ٖٔٛ/‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫( ا‪ /‬عبد القادر عودة – التشريع الجنائي اإلسبلمي مقارناً بالقانوف الوضعي جٔ ص ٕ‪ ٜٗ‬ط دار التراث‬
‫العربي سنة ‪ ٜٔٚٚ‬ـ‬
‫‪151‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ -‬فضؿ االمر بالمعروؼ و النيي عف المنكر‬


‫يدؿ عمى فضؿ االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ما يمي ‪-:‬‬
‫ٔ‪ -‬أف اهلل سبحانو تعالى جعؿ النيي عف المنكر وظيفة الرسؿ واألنبياء‬
‫عمييـ السبلـ ‪ ,‬ولذلؾ بعث النبي صمى اهلل عمية وسمـ يأمر بالمعروؼ وينيي‬
‫عف المنكر كعبادة األصناـ ‪ ,‬وقطع األرحاـ ‪ ,‬ووأد البنات وفعؿ المنكرات كالزنا‬
‫ُمي‬ ‫سو َؿ الن ِبي ْاأل ِّ‬ ‫وشرب الخمر ‪ ,‬والنكاح المحرـ قاؿ تعالى (ال ِذ َ‬
‫يف َيت ِب ُع َ‬
‫وف الر ُ‬
‫اى ْـ‬ ‫يؿ يأْمرُىـ ِبا ْلمعر ِ‬
‫وؼ َوَي ْن َي ُ‬ ‫ال ِذي ي ِج ُدوَن ُو م ْكتُوبا ِع ْن َد ُىـ ِفي التور ِ‬
‫اة َو ِْ ِ ِ‬
‫اإل ْنج َ ُ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬
‫َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر)‬
‫(ٔ)‬

‫ٕ‪ -‬أف اهلل سبحانو وتعالى ربط خيرية األمة لمحمدية عمى سائر األمـ‬
‫ُخ ِر َج ْت لِمن ِ‬
‫اس‬ ‫بأنيا تأمر بالمعروؼ وتنيي عف المنكرقاؿ تعالى( ُك ْنتُ ْـ َخ ْي َر أُم ٍةأ ْ‬
‫(ٕ)‬
‫وف ِبالم ِو ۗ )‬ ‫وف ِبا ْلمعر ِ‬
‫وؼ َوتَ ْن َي ْو َف َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِرَوتُ ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ْم ُر َ َ ْ ُ‬ ‫تَأ ُ‬
‫فاهلل سبحانو وتعالي مدح ىذه األمة ووصفيا بالخيرية ألف أفرادىا يأمر‬
‫بالمعروؼ وينيوف عف المنكر ‪ ,‬فمو تركوا ىذا لـ يستحقوا الخيرية ‪ ,‬وكاف ذلؾ‬
‫(ٖ)‬
‫سبباً ليبلكيـ‬
‫ٖ‪ -‬أف اهلل سبحانو وتعالى جعؿ الفرؽ بيف المؤمنيف والمنافقيف ىو األمر‬
‫ض ُي ْـ ِم ْف‬
‫ات َب ْع ُ‬ ‫وف وا ْلم َن ِ‬
‫افقَ ُ‬ ‫ِ‬
‫بالمعروؼ والنيي عف المنكر ‪ ,‬قاؿ تعالى ( ْل ُم َنافقُ َ َ ُ‬
‫(ٗ)‬ ‫وف ِبا ْلم ْن َك ِر وي ْنيو َف ع ِف ا ْلمعر ِ‬
‫وؼ )‬ ‫َب ْع ٍ‬
‫َ ُْ‬ ‫ْمُر َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ض ۗ َيأ ُ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ) سورة األعراؼ ‪ ,‬االية ‪ٔ٘ٚ‬‬
‫ٕ( سورة آؿ عمراف األية ٓٔٔ‬
‫ٖ‬
‫) الجامع الحكاـ القرآف لمقرطبي ٓٔ‪ٖٔٛ/‬‬
‫ٗ‬
‫) سورة التوبة األية ‪ٙٚ‬‬
‫‪152‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فالمنافقوف ىـ الذيف يفعموف عكس ما يفعمو المؤمنوف ‪ ,‬ألنيـ يأمروف‬


‫بالمنكر وينيوف عف المعروؼ ‪,‬‬
‫ٗ‪ -‬أف اهلل سبحانو وتعالى ربط بيف األيماف بو األمر بالمعروؼ والنيى‬
‫عف المنكر ووصؼ عباده الذيف يأمروف بالمعروؼ وينيوف عف المنكر بأسـ مف‬
‫وف ِبا ْلمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالحيف قاؿ تعالى ( ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫وؼ َوَي ْن َي ْو َف‬ ‫ْمُر َ َ ْ ُ‬ ‫وف ِبالمو َوا ْل َي ْوِـ ْاآلَخ ِر َوَيأ ُ‬
‫ات َوأُولَ ِئ َؾ ِم َف الص ِال ِح َ‬ ‫وف ِفي ا ْل َخ ْير ِ‬ ‫سِ‬ ‫َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر َوُي َ‬
‫(ٔ)‬
‫يف)‬ ‫َ‬ ‫ار ُع َ‬
‫وروى عف ثعمبة الحثتى رضي اهلل عنو أنو قاؿ ‪ :‬سألت رسوؿ اهلل (‪ ‬عف‬
‫ضؿ إِ َذا‬
‫ضُّرُك ْـ َم ْف َ‬
‫س ُك ْـ َال َي ُ‬
‫َم ُنوا َعمَ ْي ُك ْـ أَ ْنفُ َ‬ ‫ُّيا ال ِذ َ‬
‫يف آ َ‬ ‫تفسير قولو تعالى ( َيا أَي َ‬
‫(ٕ)‬
‫اىتَ َد ْيتُ ْـ) فقاؿ ‪ :‬أيا ثعمبو أمر بالمعروؼ وأنو عف المنكر ‪ ,‬فإذا رأيت شحاً‬ ‫ْ‬
‫مطاعاً وىو متبعاً ‪ ,‬ودينا مؤثرة واعجاب كؿ ذي رأى رأيو ‪ ,‬فعميؾ بنفسؾ ودع‬
‫عنؾ العواـ ‪ ,‬ف مف ورائكـ فتناً كقطع الميؿ المظمـ ‪ ,‬لمتمسؾ فييا بمثؿ الذي‬
‫(ٖ)‬
‫أنتـ عميو أجر خمسيف منكـ‬
‫٘‪ -‬أف اهلل سبحانو وتعالى ربط النصر لعبادة المؤمنيف في األرض‬
‫وتمكينيـ فييا بضرورة األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ‪ ,‬قاؿ تعالى‬
‫اى ْـ ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ض‬ ‫يف إِ ْف َمكن ُ‬ ‫يز ال ِذ َ‬ ‫ص ُرهُ إِف الم َو لَقَ ِو ٌّ‬
‫ي َع ِز ٌ‬ ‫ص َرف الم ُو َم ْف َي ْن ُ‬
‫( َولَ َي ْن ُ‬
‫وؼ َوَن َي ْوا َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر) (ٗ) فقط ربط‬ ‫أَقَاموا الص َالةَ وآَتَوا الزَكاةَ وأَمروا ِبا ْلمعر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫النصر بإقامة الصبلة ‪ ,‬وايتاء الزكاة ‪ ,‬واألمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر فإف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫) سورة آؿ عمراف األية ٗٔٔ‬
‫ٕ‬
‫) سورة المائدة االية ٘ٓٔ‬
‫ٖ‬
‫) رواه أبو داود وفي سننو ٗ‪ ٕٔٔ/‬كتاب اعبلـ – باب األمر والنيي رقـ ٖٔٗٗ ط دار الرياف لمتراث‬
‫ٗ‬
‫) سورة الحج اآلية رقـ ٓٗ‪ٗٔ-‬‬
‫‪153‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لـ يفعموا ذلؾ فبل يكوف النصر حميفيـ‬


‫وىذه الصفات جعميا اهلل سبباً لنصرة المسمميف األوائؿ حيث فتح اهلل ليـ‬
‫الفتوحات ‪ ,‬ودانت ليـ األمـ والشعوب ‪ ,‬فمما تركوا ذلؾ سمب اهلل منيـ ممكيـ ‪,‬‬
‫(ٔ)‬
‫وجعميـ أذالء لمكافريف‬
‫‪ -ٙ‬والنيي عف المنكر يعتبر مف الجياد في سبيؿ اهلل الف المؤمف الذي‬
‫يصدع بالحؽ أماـ األقوياء وال يخالفيـ يعتبر مف المجاىديف في سبيؿ اهلل ‪,‬‬
‫ويؤد ذلؾ ما رواه أبوه أمامو رضي اهلل عنو قاؿ ‪ :‬عرض لرسوؿ اهلل (‪‬رجؿ‬
‫عند الجمرة األولى فقاؿ يا رسوؿ اهلل ‪ :‬أي الجياد أفضؿ فسكت عنو ‪ ,‬فمما‬
‫رمي الجمرة الثانية سألو ‪ ,‬فسكت ‪ ,‬فمما رمى جمرة العقبة وضع رجمو في الغرز‬
‫ليركب قاؿ ‪ :‬ايف السائؿ قاؿ ‪ :‬أنا يا رسوؿ اهلل قاؿ ‪ :‬كممة الحؽ عند زى‬
‫(ٕ)‬
‫سمطاف جائر‬
‫‪ -ٚ‬أف اهلل سبحانو وتعالى توعد مف يتعرض لآلمريف بالمعروؼ ‪ .‬الناىيف‬
‫عف المنكر الوعيد الشديد ‪ ,‬وجعؿ قتميـ مف أكبر الكبائر وأبشعيا ‪ ,‬قاؿ تعالى‬
‫وف ال ِذ َ‬
‫يف‬ ‫يف ِب َغ ْي ِر َح ٍّ‬
‫ؽ َوَي ْقتُمُ َ‬ ‫ات الم ِو َوَي ْقتُمُ َ‬
‫وف الن ِب ِّي َ‬ ‫وف ِب َآي ِ‬
‫يف َي ْكفُُر َ َ‬ ‫(إِف ال ِذ َ‬
‫ِ ٍ (ٖ)‬
‫ش ْرُىـ ِب َع َذ ٍ‬
‫اب أَليـ)‬ ‫س ِط ِم َف الن ِ‬
‫اس فَ َب ِّ ْ‬
‫يأْمر َ ِ‬
‫وف ِبا ْلق ْ‬ ‫َ ُُ‬
‫‪ -ٛ‬أف األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر جعؿ اهلل لو الثواب العظيـ ‪,‬‬
‫َم َر‬ ‫ير ِم ْف َن ْج َو ُ ِ‬
‫والتفكير عف الذنوب قاؿ تعالى (َال َخ ْي َر ِفي َك ِث ٍ‬
‫اى ْـ إال َم ْف أ َ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫) تفسير المنار لمسيد محمد رشيد رضا ٓٔ‪ ٕ٘ٗ/‬ط دار المعرفة – الطبعة الثانية – بيروت‬
‫ٕ‬
‫( رواه ابف ماجو في سننو ٕٓ‪ ٖٜٙ/‬كتاب الفتف – باب األمر بالمعروؼ والنيى عف المنكر رقـ ٕٖٗ ط‬
‫دار احياء الكتب العربية‬
‫ٖ‬
‫) سورة آؿ عمراف األية ٕٔ‬
‫‪154‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫اة الم ِو‬


‫ضِ‬ ‫اء َم ْر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اس َو َم ْف َي ْف َع ْؿ َذل َؾ ْابت َغ َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ص َدقَة أ َْو َم ْعُروؼ أ َْو إِ ْ‬
‫ص َال ٍح َب ْي َف الن ِ‬ ‫ِب َ‬
‫(ٔ)‬
‫يما)‬ ‫ِ‬ ‫ؼ ُن ْؤِت ِ‬
‫َج ًار َعظ ً‬
‫يو أ ْ‬ ‫س ْو َ‬
‫فَ َ‬
‫(ٕ)‬
‫ويدؿ‬ ‫وروى عف النبي (‪ )‬قاؿ ‪ :‬مف دؿ عمى خير فمو مثؿ أجر فاعمو‬
‫عمى تكفير الذنوب بسبب األمر بالمعروؼ والنيى عف المنكر ماروى عف حذيفة‬
‫رضي اهلل عنو فاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل (‪ )‬فتنة الرجؿ في أىمو وما لو وجاره‬
‫(ٖ)‬
‫تكفرىا الصبلة والصدقة ‪ ,‬واألمر بالمعروؼ والنيى عف المنكر‬
‫‪ -ٜ‬النيي عف المنكر يؤدى عمى صيانة الحياة مف الشر والفساد فتحيا‬
‫السنة المطيرة ‪ ,‬وتندثر البدع ‪ ,‬ويضعؼ أىؿ الباطؿ وأصحاب األىواؿ ويؤدى‬
‫إلى إعبلء القيـ العمياء ‪ ,‬واألخبلؽ الجمة في المجتمع مف خبلؿ عباد اهلل‬
‫المؤمنيف الذيف اصطفاىـ اهلل عمى خمقة ‪.‬‬
‫وف‬‫ْم ُر َ‬
‫ض َيأ ُ‬‫اء َب ْع ٍ‬ ‫ض ُي ْـ أ َْولِ َي ُ‬ ‫وف َوا ْل ُم ْؤ ِم َن ُ‬
‫ات َب ْع ُ‬ ‫قاؿ تعالى ( َوا ْل ُم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف الم َو‬
‫يع َ‬‫وف الزَكاةَ َوُيط ُ‬ ‫وف الص َالةَ َوُي ْؤتُ َ‬
‫يم َ‬ ‫ِبا ْل َم ْعُروؼ َوَي ْن َي ْو َف َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر َوُيق ُ‬
‫(ٗ)‬
‫يـ)‬ ‫ورسولَ ُو أُولَ ِئ َؾ سيرحميـ الم ُو إِف الم َو ع ِز ٌ ِ‬
‫يز َحك ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ُ ُ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫وروى عف النعماف بف بشير رضي اهلل عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ النبي (‪ ")‬مثؿ‬
‫القائـ عمى حدود اهلل والواقع فييا كمثؿ قوـ استيموا عمى سفينة فأصاب بعضيـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ) سورة النساء اآلية ٗٔٔ‬
‫ٕ( رواه مسمـ في صحيحة ٗ‪ -ٕٓٙ/‬كتاب العمـ – باب مف حسف سنة حسنة أو سيئة رقـ ٗ‪ ٕٙٚ‬ط دار‬
‫الفكر – تحقيؽ محمد عبد الباقي‬
‫ٖ) رواه البخاري في صحيحة ‪ – ٖٙٓ/ٙ‬كتاب المنافؽ – باب عبلمات النبوة رقـ ‪ ٖ٘ٛٙ‬نشر المكتبة‬
‫التوفيقية – القاىرة‬
‫ٗ( سورة التوبة اآلية ٔ‪ٚ‬‬
‫‪155‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أعبلىا وبعضيـ أسفميا فكاف الذيف في اسفميا إذا استقوا مف الماء مروا عمى مف‬
‫فوقيـ فقالوا لو أنا فرقنا في تعيينا خرقاً ولـ تؤذ مف فوقنا فأف تركيـ وما أرادوا‬
‫(ٔ)‬
‫ىمكوا جميعاً ‪ ,‬وأف أخذوا عمي أيدييـ نجوا ونجو جميعاً‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ) رواه مسمـ جػ ‪ ٚ‬ص ٕ‬
‫‪156‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثالث ‪ :‬حكـ االمر بالمعروؼ والنيي المنكر‬


‫االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر أصؿ عظيـ مف األصوؿ اإلسبلمية ‪,‬‬
‫حتى أف بعض الفقياء ألحقو باركاف اإلسبلـ والتي ال يقوـ بيا اإلسبلـ إال عمييا‬
‫فمف أجمو ارسؿ الرسؿ ‪ ,‬وأنزلت الكتب ‪ ,‬وشرع الجياد مف أجمو وقد أتفؽ‬
‫الفقياء عمى وجوب دفع المنكر ‪ ,‬ولكنيـ اختمفوا ىؿ االمر بالمعروؼ والنيي‬
‫عف المنكر واجب عيني ‪ ,‬أـ واجب كفائي إلى قوليف ‪:‬‬
‫القوؿ األوؿ ‪:‬‬
‫(ٔ )‬
‫إلى القوؿ بأف االمر بالمعروؼ والنيي المنكر‬ ‫ذىب جميور الفقياء‬
‫واجب كفائي (ٕ) إذا قاـ بو البعض سقط اإلثـ عف الباقيف ‪ ,‬واف فقد الجميع فمـ‬
‫يقيـ بذلؾ احد فالجميع آثـ‬
‫(ٖ)‬
‫ومف العمماء الذيف ذىبوا إلى ذلؾ اإلماـ النووي وابف تيمية‬
‫واستدلوا عمى ذلؾ باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫وف ِبا ْلمعر ِ‬ ‫ٔ‪ -‬قولة تعالى ( َوْلتَ ُك ْف ِم ْن ُكـ أُم ٌة َي ْد ُع َ ِ‬
‫وؼ‬ ‫ْمُر َ َ ْ ُ‬‫وف إلَى ا ْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ‬ ‫ْ‬
‫(ٗ)‬
‫َوَي ْن َي ْو َف َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر)‬
‫وجو الداللة ‪ :‬أف قولو منكـ لمتبعيض ‪ ,‬فيعفي األمة يدعو إلى الخير‬
‫ويأمروف بالمعروؼ وينيوف عف المنكر وليس كميا ‪ ,‬وىذا يدؿ عمى أف االمر‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ) الشرح الصغير ىامش المغة الساؾ ٔ‪ ٖ٘٘/‬ط مصطفي سنةٕ٘‪ ,ٜٔ‬اعانة الطالبيف لمدماطي ٗ‪ ٕٔٛ/‬ط‬
‫عيسى الحمبى دار احياء عموـ الديف لمغزالى ٕ‪ٖٖٓ/‬ط عيسى الحمبى سنة ‪ٜٔ٘ٚ‬‬
‫ٕ) الجامع الحكاـ القرآف القرطبى ٗ‪ , ٔٙ٘/‬الكشاؼ لمزمخشرى ٔ‪ٖٜٔ/‬‬
‫ٖ) مجموع فتاوى ابف تيمية ص ‪ , ٖٖٚ‬شرح النووى عمى صحيح سميـ ٕ‪ٕٖ/‬‬
‫ٗ‬
‫) سورة آؿ عمراف اآلية ٗٓٔ‬
‫‪157‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫بالمعروؼ والنيي المنكر واجب عمي سبيؿ الكفاية‬
‫اموا الص َالةَ َوآَتَُوا الزَكاةَ‬‫ض أَقَ ُ‬‫اى ْـ ِفي ْاأل َْر ِ‬‫يف إِ ْف َمكن ُ‬ ‫ٕ‪-‬قولة تعالى (ال ِذ َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ُروا ِبا ْل َم ْع ُروؼ َوَن َي ْوا َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر َولمو َعاق َب ُة ْاأل ُ‬
‫ُم ِ‬
‫(ٕ)‬
‫ور)‬ ‫َوأ َ‬
‫وجو الداللة ‪ :‬أف ىذا يدؿ عمى أف دفع المنكر واجب عمى سبيؿ الكفاية‬
‫ض) وليس كؿ‬ ‫اى ْـ ِفي ْاأل َْر ِ‬ ‫وأف اهلل سبحانو وتعالى عينيـ بقولة (ال ِذ َ‬
‫يف إِ ْف َمكن ُ‬
‫الناس يمكنيـ اهلل في األرض ‪ ,‬منيـ الذيف الذيف يقع عمييـ عبئ دفع المنكر‬
‫(ٖ)‬
‫النيـ صفوة اهلل تعالي مف خمقة‬
‫ٖ‪ -‬مف المعقوؿ ‪ :‬أف االمر بالمعروؼ والنيي المنكر ليس في استطاعة‬
‫الجميع حتى يكوف فرض عيف ‪ ,‬ولكنو فرض كفاية لمف استطاع إليو ‪ ,‬فإذا‬
‫اجتمع أحد الضرريف ‪ ,‬وأىمميما ضرر عدـ دفع المنكر والثاني عدـ دفع ارتكب‬
‫أخفيما ضر اًر التقاء أشدىما‬
‫القوؿ الثاني ‪:‬‬
‫ذىب بعض الفقياء إلى القوؿ بأف االمر بالمعروؼ والنيي المنكر فرض‬
‫عيف يجب عمى كؿ مسمـ ومسممة بشرط التكميؼ‬
‫والى ىذا ذىب ابف حزـ الظاىري ‪ ,‬وابف كثير ‪ ,‬والشيخ محمد عبده والسيد‬
‫(ٗ)‬
‫محمد رشيد رضا‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ) أحكاـ القراف لمجصاص ٕ‪ٕٜ/‬‬
‫ٕ) سورة الحج اآلية ٔٗ‬
‫ٖ) تفسير القرطبي ٗ‪ٔٙ٘/‬‬
‫ٗ) المحمى البف حزـ الظاىرى ٔ‪ ٖٙٔ/‬ط دار اآلفاؽ الجديدة – بيروت – تفسير ابف كثير ٕ‪ ٛٙ/‬ط دار‬
‫احياء الكتب العربية‬
‫‪158‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫واستدلوا عمى ذلؾ باألدلة اآلتية ‪:‬‬


‫وف ِبا ْلمعر ِ‬ ‫ٔ‪ -‬قولة تعالى ( َوْلتَ ُك ْف ِم ْن ُكـ أُم ٌة َي ْد ُع َ ِ‬
‫وؼ‬ ‫ْمُر َ َ ْ ُ‬‫وف إلَى ا ْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ‬ ‫ْ‬
‫(ٔ)‬
‫َوَي ْن َي ْو َف َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر)‬
‫وجو الداللة ‪ :‬أف قولو منكـ لبياف الجنس بمعني فمتكونوا كمكـ تأمروف‬
‫(ٕ)‬
‫بالمعروؼ وتنيوف عف المنكر ‪ ,‬وليس بعضكـ كما يرى القوؿ األوؿ‬
‫ٕ‪ -‬ما روى أف النبي (‪)‬قاؿ ‪ :‬مف رأى منكـ منك اًر فميغيره بيده فإف لـ‬
‫(ٖ)‬
‫يستطع فبمسانو ‪ ,‬فإف لـ يستطع فبقمبو ‪ ,‬وذلؾ أضعؼ اإليماف‬
‫وجو الداللة ‪ :‬أف كؿ واحد مف المسمميف مأمور بتغير المنكر إما بيدة أو‬
‫(ٗ)‬
‫بمسانو أو بقمبو ‪ ,‬فيجب عمى كؿ واحد دفع المنكر ‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬انعقد األجماع مف لدف النبي (‪)‬وأصحابو عمى وجوب االمر‬
‫بالمعروؼ والنيي المنكر حفاظاً عمى األمة ‪ ,‬الف الناس أف تركوا المنكر‬
‫وسكتوا عنو أرى في ذلؾ إلى اقتراؼ المنكرات مف غير نكير مف أحد فخرجوا‬
‫عمى خيرية األمة وكانوا متفرقيف ال جامع ليـ ‪ ,‬وىذا ليس مف فروض الكفايات‬
‫كالجياد وصبلة الجنازة ‪ ,‬فمف رأى منك اًر فبل يسكت عنو حتى يأتي مف غيره ‪,‬‬
‫(٘)‬
‫ولكف وجب عميو تغيره عمى قدر استطاعتو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ)سورة آؿ عمراف االية ٗٓٔ‬
‫ٕ) التوضيح والتقبيح لصدر الشريعة بيا مش التمويح عمى التوضيح لمتفتازاني ٔ‪ ٜ٘,ٙٓ/‬ط بيروت‬
‫ٖ) رواه مسمـ في صحيحو ٕ‪ ٕ٘٘/‬باب األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ‪ ,‬نيؿ األوطار لمشوكاني‬
‫ٖ‪ ٖٓٗ/‬ط المطبعة العثمانية سنة ‪ ٖٔ٘ٚ‬الناشر مكتبة دار التراث القاىرة‬
‫ٗ) التفسير الكبير لئلماـ فخر الرازى ‪ ٔٙٙ/ٛ‬ط دار الكتب العممية – بيروت‬
‫٘) تفسير المنار لمسيد محمد رضا ٕ‪ٕٜ/‬‬
‫‪159‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الرأي الراجح ‪:‬‬


‫مف خبلؿ عرض القوليف وأدلة كؿ منيـ بيف رجحاف قوؿ الجميور القائميف‬
‫بأف االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ىو فرض كفاية عمى الجممة فإذا قاـ‬
‫بو البعض سقط اإلثـ عف الباقيف ‪ ,‬وأف تركو الجميع أو قصروا في دفعو فإف‬
‫اإلثـ يطاؿ الجميع ‪.‬‬
‫فكؿ فعؿ تتكرر المصمحة المترتبة عمية بتكرره بكوف واجباً عينياً مف كؿ‬
‫فرد كالصبلة فالمصمحة مترتبة عمييا تتكرر وىي الخضوع والتنزيؿ هلل وتعظيمو‬
‫ومناجاتو ‪ ,‬أما إذا كانت المصمحة المترتبة عميو ال تتكرر بتكرره فيكوف واجباً‬
‫كفائياً كالنزوؿ إلى البحر إلنقاذ غريؽ يشرؼ عمى اليبلؾ ‪ ,‬فيذه المصمحة‬
‫وىي إنقاذ حياة إنساف ال تتكرر لذلؾ كاف إنقاذه فرض كفاية لمف يحسف‬
‫(ٔ)‬
‫السباحة ‪ ,‬فكذلؾ دفع المنكر يكوف واجباً كفائياً‬
‫ومع أف االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر واجب عمى سبيؿ الكفاية ولكف‬
‫البد مف لزوـ التضامف في أداء ىذا الواجب بمعني أف بقادر عمى دفع المنكر‬
‫بوسائؿ المختمفة يمزمو ذلؾ ‪ ,‬أما غير القادر عمى دفع المنكر فيمزمو حث‬
‫القادر عمى تغير ىذا المنكر فالواجب الكفائي قد يتحوؿ فيصبح واجباً عينياً في‬
‫بعض الحاالت كمف يوليو الحاكـ محتسباً يأمر بالمعروؼ وينيي عف المنكر ‪,‬‬
‫وكذلؾ لو انفرد شخص برؤية المنكر ولـ يوجد غيره لدفعو ‪ ,‬وكاف قاد اًر عمى‬
‫(ٕ)‬
‫ذلؾ فدفع المنكر في حقو يعتبر واجباً عينياً وليس واجباً كفائياً‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ( الفروؽ لمقرافي ٔ‪ – ٔٔٚ,ٔٔٙ/‬ط بيروت – دت‬
‫(ٕ) د‪ /‬محمد عبد الشافي اسماعيؿ – تأمبلت في بعض جوانب نظاـ الحسية في األسبلـ ص ‪ , ٕٙٙ‬ص ‪ – ٕٙٚ‬بحث منشور بمجمة كمية الشريعة والقانوف بأسيوط –‬

‫العدد (ٖٔ) سنة ٕٕٗٔ سنة ٕٔٓٓ ـ‬


‫‪161‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثاني‬
‫شروط النيي المنكر‬
‫أواالُ ‪ :‬الشروط التي تتعمؽ بالنيي عف المنكر‬
‫يشترط في النيي المنكر عدة شروط منيا ‪-:‬‬
‫الشرط األوؿ وقوع المنكر ‪:‬‬
‫المنكر كما سبؽ تعريفة ‪ .‬ىو ارتكاب ما حرمو اهلل عمى الناس ويفضؿ‬
‫(ٔ)‬
‫تعبير المنكر عمى تعبير المعصية ‪ ,‬الف المنكر دائرتو واسعة‬ ‫بعض العمماء‬
‫لتشمؿ كؿ ما أنكره الشرع مف كفر أو فوؽ أو عصياف فإذا وقع النكر وجب‬
‫دفعو بعض النظر عف العرؼ والعادات والتقاليد الف العرؼ إذا تعارض مع‬
‫شرع اهلل فيو باطؿ ‪.‬‬
‫وبناء عمى ذلؾ فمو تعارؼ الناس عمى المعاممة بالربا وكاف مف عاداتيـ‬
‫فيو منكر يجب دفعو ‪ ,‬وكذلؾ تعارؼ الناس في بعض البمداف عمى عدـ إعطاء‬
‫(ٕ)‬
‫المرأة حقيا في الميراث فيذا أيضاً منك اًر يجب دفعو ومحاربتو بكافة الوسائؿ‬
‫أما العادات األخرى والتي ليس فييا دليؿ شرعي فيي تخضع لمضوابط‬
‫(ٖ)‬
‫الشرعية المعتبرة ‪ ,‬وال تعتبر منك اًر غبل باإلجماع عمييا‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أف يكوف المنكر ظاى ارً‬
‫ومعني ىذا الشرط ‪ :‬أف الذي يفعؿ المنكر وىو مستتر في بيتو اليراه أحد‬
‫ال يجوز دفعو ‪ ,‬ألف المنكر البد وأف يكوف ظاى اًر مف غير تستر‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) احياء عموـ الديف لمغزالي جٕ ص ٘‪,ٕٛ‬ص ‪ٕٛٙ‬‬

‫(ٕ) د‪ /‬صبحي عبده سعيد – شرعية السمطة والنظاـ فى حكـ اإلسبلـ ص ‪ ٕٜٛ‬الناشر – دار النيضة العربية – القاىرة سنة ٕٓٗٔ ى ػ ‪ٜٜٔٔ -‬ـ‬

‫(ٖ)د‪ /‬صبحي عبده سعيد – الحاكـ وأصوؿ الحكـ في النظاـ اإلسبلمي ص ٔ‪ , ٔٚ‬ص ٕ‪ ٔٚ‬ط دار النيضة العربية‬
‫‪161‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الف اهلل سبحانو وتعالي مستر الكثير مف الذنوب لعؿ أصحابيا أف يرجعوا‬
‫إليو فالبحث عف المنكر مف وراء األبواب ال يجوز ألنو يؤدى إلى إشاعة‬
‫ش ُة ِفي ال ِذ َ‬
‫يف َآ َم ُنوا لَ ُي ْـ‬ ‫َف تَ ِشيع ا ْلفَ ِ‬
‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫يف ُي ِحب َ‬
‫ُّوف أ ْ‬ ‫الفاحشة قاؿ تعالى (إِف ال ِذ َ‬
‫(ٔ)‬ ‫الد ْنيا و ْاآل ِ‬
‫َخ َرِة َوالم ُو َي ْعمَ ُـ َوأَ ْنتُ ْـ َال تَ ْعمَ ُم َ‬ ‫ع َذاب أَلِ ِ‬
‫وف)‬ ‫يـ في ُّ َ َ‬ ‫َ ٌ ٌ‬
‫ُّيا ال ِذ َ‬
‫يف‬ ‫ومف أجؿ ذلؾ نيي اإلسبلـ عف التجسس – قاؿ تعالى ( َيا أَي َ‬
‫ض الظ ِّف إِثْ ٌـ َوَال تَ َجس ُ‬ ‫ير ِم َف الظ ِّف إِف َب ْع َ‬ ‫اجتَِن ُبوا َك ِث ًا‬
‫(ٕ)‬
‫سوا)‬ ‫َم ُنوا ْ‬
‫آَ‬
‫كما روى أف أمير المؤمنيف عمر ابف الخطاب رضي اهلل عنو تسمؼ جدا اًر‬
‫فوجد فتية يشربوف الخمر داخؿ بيتيـ فتسوور حائطيـ لينكر عمييـ ذلؾ ‪ ,‬فقاؿ‬
‫يا أمير المؤمنيف عصينا اهلل في واحدة وأنت عصيتو في ثبلث ‪ ,‬أما األولى فإف‬
‫اهلل تعالى قاؿ ( وال تجسسوا ) وأنت تجسست عمينا ‪ ,‬وأما الثانية فإف اهلل تعالى‬
‫قاؿ (وآتوا البيوت مف أبوابيا ) وأنت لـ تدخؿ مف الباب ‪ ,‬وأما الثالثة فإف اهلل‬
‫تعالى يقوؿ‬
‫( ال تدخموا بيوتاً غير بيوتكـ حتى تستأنسوا وتسمموا عمى أىميا )‬
‫وأنت تسورت عمينا حائطاً ووف أف نأذف لؾ بالدخوؿ ‪ ,‬فتركـ عمر ليتوبوا مف‬
‫ىذا الذنب فالمنكر الظاىر ىو الذي يقع في الرقات واألماكف العامة وأماكف‬
‫العمؿ وكؿ ما يقع أماـ أعيف الناس ‪ ,‬المنكر مف نكارى إذا وجدوا في بيت‬
‫وأصواتيـ عالية يسمعاف المار فيذا مف ظاىر ولذلؾ شاور عمر بف الخطاب‬
‫رضي اهلل عنو في اإلماـ إذا شاىد بنفسو منك اًر أو حداً مف حدود اهلل فيؿ يقيـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة النور االية (‪)ٜٔ‬‬

‫(ٕ) سورة الحجرات اآلية (ٕٔ)‬


‫‪162‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الحد عميو دوف الشيادة ‪ ,‬فأشار عميو بف أبي طالب كرـ اهلل وجية بضرورة‬
‫اإلتياف بشاىديف عدلييف ‪.‬‬
‫فكي يكوف النكر ظاى اًر البد أف يكوف ظاى اًر حسياً كأف يكوف مرئياً أو‬
‫(ٔ)‬
‫فالسكارى إذا وجدوا في بيت معروؼ وشيود بتقديـ الخمور أو كانت‬ ‫مسموعاً‬
‫أصواتيـ مسموعة يسمعيا المار في الطريؽ ‪ ,‬فيذا ييتبر منك اًر ظاى اًر يجب‬
‫دفعو ‪ ,‬وكذلؾ المجاىر بالذنب الذي مستره اهلل بالميؿ فعف أبى ىريرة رضي اهلل‬
‫عنو قاؿ ‪ :‬سمعت رسوؿ اهلل (‪)‬يقوؿ ‪ :‬كؿ أمتي معافى إال المجاىروف وأف‬
‫مف المجاىرة أف يعمؿ الرجؿ بالميؿ عمبلً ثـ يصبح وقد ستره اهلل ‪ ,‬فيقوؿ يا‬
‫فبلف عممت البارحة كذا وكذا ‪ ,‬وقد بات يستره اهلل ‪ ,‬فأصبح يكشؼ ستر اهلل‬
‫(ٕ)‬
‫عميو‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أف يكوف منك ارً معموماً بغير اجتياد‬
‫ومفاد ىذا الشرط ‪ :‬أف يكوف الذي يجب دفعو البد وأف يكوف معموماً مف‬
‫الديف بالضرورة أنو منكر بدوف اجتياد وذلؾ كحرمة الزاني وشرب الخمر والربا‬
‫‪ ,‬وغير ذلؾ مف المنييات المعمومة أما المسائؿ الفقيية التي تحتاج إلى اجتياد‬
‫(ٖ)‬
‫فبل تعتبر مف قبيؿ المنكر المعموـ‬ ‫فييا خبلؼ بيف الفقياء‬
‫فبل يجوز ألحد أف ينكر عمى أمرآة زواجيا بدوف ولى ألنيا مف األمور‬
‫المختمؼ فييا بيف الفقياء طالما أف ىذا الزواج استجمع الشرط األخرى وأيضاً ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) رواه البخارى في صحيحة كتاب األدب – باب ستر المؤمف عمى نفسو ٓٔ‪ ٗٛٙ/‬حديث رقـ ‪ , ٜٙٓٙ‬مسمـ في صحيحة – كتاب الزىد – باب النيي عف ىتؾ‬

‫اإلنساف ستر نفسو ٗ‪ ٕٕٜٔ /‬حديث رقـ ٖٓ‪ٕٜٜ‬‬

‫(ٕ)األحكاـ السمطانية ص ٕٕ٘ ‪ٕٖ٘ ,‬‬

‫(ٖ)احياء عموـ الديف لمغزالى ٕ‪ٖٕٔ/‬‬


‫‪163‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ال يجوز لشخص حنفي المذىب أف ينكر عمى شخص شافعي المذىب صبلتو‬
‫بعد وضوءه وخروج دمو منو ‪ ,‬فيذه األمور كميا فييا اختبلفات ‪ ,‬وليست مف‬
‫(ٔ)‬
‫المنكرات المعمومة لدى جميع الفقياء ‪.‬‬
‫الشرط الربع ‪:‬أال يؤدى دفع المنكر إلى ما ىو أنكر منو‬
‫ومفاد ىذا الشرط ‪ :‬أف دفع المنكر ال يجوز إذا ترتب عمى دفعو منكر أشد‬
‫منو وذلؾ كمف يجد مجموعة يسرقوف منزالً وتيقف أو شؾ في نفسو بأنو إذا‬
‫منعيـ سوؼ يقتموه ‪ ,‬فبل يجوز لو دفعو ‪ ,‬سداً لباب الذرائع ويدؿ عمى ذلؾ قولة‬
‫ِ ٍ (ٕ)‬ ‫وف ِم ْف ُد ِ ِ‬
‫سبُّوا الم َو َع ْد ًوا ِب َغ ْي ِر ع ْمـ)‬
‫وف المو فَ َي ُ‬ ‫س ُّبوا ال ِذ َ‬
‫يف َي ْد ُع َ‬ ‫تعالي ( َوَال تَ ُ‬
‫فقد كاف لمسمموف يسبوف أصناـ الكفار فيترتب عمى ذلؾ أف الكفار يسبوا‬
‫المسمميف ‪ ,‬فأنزؿ اهلل تعالى ىذه اآلية ناىياً المسمميف عف سب إليو المشركيف‬
‫الف ذلؾ يترتب عميو ضر اًر أشد وىو سب اهلل تعالى ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) د‪ /‬محمود زكي عبد العزيز – أضواء فقو األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ص ٓٓ‪ ٛ‬بحث منشور بمجمة ممية الدراسات اإلسبلمية والعربية بقنا العدد ٘ سنة‬

‫ٕ٘ٗٔ ىػ سنة ‪ ٕٓٓٚ‬ـ‬

‫(ٕ) سورة األنعاـ اآلية ‪ٔٓٛ‬‬


‫‪164‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانياً ‪ :‬شروط االّمر بالمعروؼ الناىي عف المنكر‬


‫ٔ‪ -‬االسبلـ وىو شرط البد مف تواخره مف الشخص الذي يدفع المنكر ‪,‬‬
‫وذلؾ الف دفع المنكر إنما يكوف نصره هلل ولمديف ‪ ,‬فبل ينصر الديف جاحد‬
‫س ِب ً‬
‫يال) (ٔ) فالحسبة‬ ‫يف َعمَى ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫يف َ‬
‫قاؿ تعالى (ولَ ْف ي ْجع َؿ الم ُو لِ ْم َك ِ‬
‫اف ِر َ‬ ‫َ َ َ‬
‫والية إذ كانت مف قبؿ اإلماـ ‪ ,‬فبل يجوز توليتيا لغير المسمـ ولكف لو رأى‬
‫الكافر مسمماً يفعؿ محرماً فنياه ‪ ,‬فبلبد لممسمـ أف ينتيي عف ذلؾ مراعاة لحؽ‬
‫اهلل تعالي والخوؼ منو وليس مراعاة لغير المسمـ ‪.‬‬
‫فالحسبة ال تكوف إال لممسمـ ألنو عالـ بالحبلؿ والحراـ فبل يقبؿ أف ننتيؾ‬
‫حرمات اهلل ‪ ,‬أما غير المسمـ فإنو ال يغار عمى محارـ اهلل فالكؿ عنده سواء‬
‫‪ -2‬التكميؼ‬
‫فبلبد أف يكوف الناىي عف المنكر بالغاً عاقبلً ‪ ,‬فبل يجب دفع المنكر عمى‬
‫الصبي والمجنوف ‪ ,‬ولكف يجوز لمصبي أف يدفع المنكر ‪ ,‬ولكف ليس بواجب‬
‫عميو كالبالغ قاؿ (‪ ,)‬رفع القمـ عف ثبلث عف النائـ حتى يستيقظ وعف‬
‫(ٕ)‬
‫المجنوف حتى يفيؽ عف الصبي حتى يبمغ‬
‫الصبي والمجنوف ال يعقبلف المنكر وال يعرفانو ‪ ,‬أما لو عقمو الصبي ونيي‬
‫عنو فإف ذلؾ يقبؿ منو كالصبلة إذا أداىا الصغير فإنو يناؿ بيا الثواب ألنيا‬
‫(ٖ)‬
‫قربة هلل تعالى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة النساء اآلية (ٔٗٔ)‬

‫(ٕ) أخرجو أبوداد في سننو جٕ ص ‪ – ٘ٗٙ‬رقـ ٖٓٗٗ ‪ ,‬ابف ماجو في سننو جٔ ص ‪ ٙ٘ٛ‬رقـ ٕٔٗٓ وقاؿ عنو األلباني حديث صحيح‬

‫(ٖ) الموسوعة الفقيية الكويتية ج‪ ٔٚ‬ص ٖٕ٘ ط وزراه األوقاؼ والشئوف اإلسبلمية بالكويت سنة ٕٔٓٓ ـ‬
‫‪165‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ -3‬العدالة‬
‫والعدالة ىي اجتناب الكبائر وعدـ اإلصرار عمى الصغائر والبعد عف‬
‫الشبيات ومواطف الريب ‪ ,‬فبل يجوز أف يكوف الناىي عف المنكر فاسقاً لقولو‬
‫اب أَفَ َال‬ ‫وف الناس ِبا ْل ِبِّر وتَ ْنسو َف أَ ْنفُس ُكـ وأَ ْنتُـ تَ ْتمُ َ ِ‬
‫وف ا ْلكتَ َ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْمُر َ‬
‫تعالى ‪( :‬أَتَأ ُ‬
‫تَ ْع ِقمُ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫وف)‬
‫وما روى عف أنس بف ممؾ رضي اهلل عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل (‪ )‬مف‬
‫ىؤالء يا جبريؿ قاؿ ‪ :‬ىؤالء خطباء أمتؾ يقولوف ماال يفعموف ويقرءوف كتاب اهلل‬
‫(ٕ)‬
‫وال يعمموف ‪.‬‬
‫وذىب البعض إلى عدـ اشتراط العدالة فيمف ينيي عف المنكر بدليؿ أف‬
‫شارب الخمر والزاني يجاىد في سبيؿ اهلل ‪ ,‬فبل يسقط عنو ‪ ,‬فاألحكاـ تشمؿ‬
‫البر والفاجر ‪ ,‬ومف ترؾ الصبلة ال يسقط عنو الصوـ وىكذا ‪.‬‬
‫والحؽ ‪ :‬أف شرط العدالة فيمف ينيي عف المنكر ىو شرط استحباب وليس‬
‫شرط وجوب ‪ ,‬باإلضافة إلى أف العدالة تختمؼ مف زماف آلخر ومف مكاف آلخر‬
‫ال سيما ىذا العصر الذي قؿ فيو العدوؿ ‪ ,‬ولكف األفضؿ أف يكوف النيي عف‬
‫المنكر مف العدوؿ مف عصره ‪ ,‬لكف يكوف قدوه فيما يقوؿ وينيي ‪ ,‬السيما مع‬
‫الشباب والصغار ‪ ,‬فبل يترتب عمى نييو االستخفاؼ بو ‪ ,‬فيترتب عمى النيي‬
‫ضرر أشد ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة البقرة – اآلية ٗٗ‬

‫(ٕ) رواه البييقي في شعب اإليماف جٕ ص ٖ‪ – ٕٛ‬رقـ ٕٖٕٕٔ ط دار المعرفة‬


‫‪166‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ -4‬أف يكوف قاد ارً عمى االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر‬


‫والمقصود بالقدرة ‪ ,‬ىي القدرة بالمساف أو باليد ‪ ,‬وذلؾ الف اإلنكار القمبي‬
‫واجب عمى الجميع وال يشترط فيو القدرة‬
‫فإف كاف االّمر بالمعروؼ الناىي عف المنكر عاج اًز فبل يقدـ عمى ذلؾ لكي‬
‫ال يترتب عمى دفعو ضرر أشد ‪ ,‬فمناط الوجوب في دفع المنكر ىو القدرة‬
‫(ٔ)‬
‫فيجب عمى القادر وال يجب عمى العاجز عف الدافع‬
‫ويدؿ عمى ذلؾ ‪ :‬ما روى عف أبي سعيد الخدرى رضي اهلل عنو قاؿ ‪:‬‬
‫سمعت رسوؿ اهلل (‪)‬يقوؿ ‪ :‬مف رأى منكـ منك اًر فميغيره بيده ‪ ,‬فإف لـ يستطع‬
‫(ٕ)‬
‫فبمسانو ‪ ,‬فإف لـ يستطع فبقمبو ‪ ,‬وذلؾ أضعؼ اإليماف‬
‫‪ -6‬أف يكوف معيناً مف قبؿ الحاكـ‬
‫وىذا الشرط محؿ خالؼ بيف الفقياء‬
‫فالبعض يرى أنو ال يجوز لجميع األفراد النيي عف المنكر ‪ ,‬وانما ينحصر‬
‫ذلؾ فيما يعينيـ الحاكـ كييئة األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ‪ ,‬بالمممكة‬
‫العربية السعودية وذلؾ درءاً لمفتنة واالقتتاؿ بيف الناس‪ ,‬واستدلوا عمى ذلؾ بقولو‬
‫تعالى ( ولتكف منكـ أمة يدعوف إلى الخير ويأمروف بالمعروؼ وينيوف عف‬
‫(ٖ)‬
‫المنكر )‬
‫أما البعض األخر فيرى أف جميع األمة مأموروف باالمر بالمعروؼ والنيي‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) الطرؽ الحكيمة البف القيـ ص ٖ٘ٗ ط دار الكتب العممية ‪ -‬بيروت‬

‫(ٕ) أخرجو مسمـ في صحيحة جٔ ص ‪ ٜٙ‬حديث رقـ ‪ٜٗ‬‬

‫(ٖ) احياء عموـ الديف لمغزالي ٕ‪ٖٔ٘/‬‬


‫‪167‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عف المنكر ‪ ,‬فيو ليس وظيفة مف الحاكـ بدليؿ ربط خيرية األمة بكونيا تأمر‬
‫بالمعروؼ وينيي عف المنكر ‪ ,‬وال ينحصر ذلؾ في طائفة معينة كما يقوؿ‬
‫وف ِبا ْلمعر ِ‬
‫وؼ‬ ‫ْم ُر َ‬ ‫ُخ ِر َج ْت لِمن ِ‬
‫الرأي األوؿ قاؿ تعالى ‪ُ ( :‬ك ْنتُ ْـ َخ ْي َر أُم ٍة أ ْ‬
‫َ ُْ‬ ‫اس تَأ ُ‬
‫َوتَ ْن َي ْو َف َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر) (ٔ) فالحكـ عاـ عمى جميع األمة وال يشمؿ طائفة دوف‬
‫(ٕ)‬
‫األخرى ‪.‬‬
‫والحؽ ‪ :‬أف االمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر مأمور بو كؿ فرد مف أفراد‬
‫المجتمع فإذا رأى الفرد أي معصية أمامو فبلبد أف يتمعر وجية غضباً هلل ‪ ,‬فبل‬
‫يسكت عمى معصية ‪ ,‬ولكف مف وجو آخر ال يجوز لو البحث عف المنكر في‬
‫األماكف العامة واألسواؽ وبالتحسيس الف ذلؾ يؤدى إلى التباغض والتشاحف‬
‫بيف الناس وأيضاً ينبغي لو أف يدفع المنكر بقدره ‪ ,‬فإذا اجتمع الضرراف يرتكب‬
‫أخفيما ضر اًر التقاء أشدىما‬
‫أما المحتسب الذي بعينو الحاكـ فيجوز لو أف يبحث عف المنكر دوف‬
‫التجسس عمى الناس ‪ ,‬ويتخذ إجراءات صارمة طبقاً لمصبلحيات التي أعطاىا‬
‫لو الحاكـ والقانوف ‪.‬‬
‫وبناء عمى ذلؾ يمكف الجمع بيف القوليف فالنيي عف المنكر يجوز أف يكوف‬
‫تكميفاً مف قبؿ الحكـ ‪ ,‬ومف ناحية أخرى أف ىذا ال يعني سمب حؽ اآلخريف في‬
‫النيي عف المنكر ‪ ,‬ولكف بضوابط معينو سبؽ ذكرىا‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(ٔ) سورة آؿ عمراف آية (ٓٔٔ)‬

‫(ٕ)ناصر خميؿ – الضوابط الفقيية لؤلمر بالمعروؼ والنيي عف المنكرات ص ٖ٘ ‪ -‬رسالة ماجستير سنة ٕٗٗٔ ىػ سنة ٖٕٓٓ ـ‬
‫‪168‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الفصؿ الثاني‬
‫السمطة القضائية‬
‫المبحث األوؿ‬
‫مفيوـ القضاء ودوره في حماية الحقػوؽ ‪:‬‬
‫المطمب األوؿ ‪ :‬مفيوـ القضاء لغػة واصطالحاً ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬تعريؼ القضاء في المغػة ‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫منيا ‪:‬‬ ‫يطمؽ القضاء ويراد بو عدة معػاف‬
‫(ٔ) الحكـ والفصػؿ ‪ :‬تقػوؿ قضػى بػيف المتخاصػميف أي حكػـ وفصػؿ بينيمػا ‪,‬‬
‫ومنو قولو تعػالى ‪ " :‬ثُـ الَ َي ِج ُدواْ ِفي أَنفُ ِسػ ِي ْـ َح َرجػاً ِّممػا قَ َ‬
‫ض ْػي َت ويسػمموا‬
‫تسميما(ٕ) " أي حكمت وفصمت‬
‫ُّؾ أَال تَ ْع ُب ُدواْ إِال إِياهُ(ٖ) " أي‬
‫ضى َرب َ‬ ‫(ٕ) األمر واإليجاب‪ ,‬ومنو قولو تعػالى‪َ " :‬وقَ َ‬
‫أمر وأوجب‪.‬‬
‫(ٗ)‬
‫ات ِفي َي ْو َم ْي ِف‬
‫اىف س ْبع سماو ٍ‬
‫ض ُ َ َ ََ َ‬ ‫(ٖ) الخمؽ والصنع ‪ ,‬ومنو قولو تعالى‪ " :‬فَقَ َ‬
‫" أي خمقيف وصنعيف‬
‫(ٗ) المػػوت والقتػػؿ ‪ ,‬ومنػػو قولػػو تعػػالى ‪ " :‬فَ ِم ػ ْن ُيـ مػػف قَ َ‬
‫ضػػى‬
‫َن ْح َب ُو(٘) " ‪,‬‬
‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫لسػػاف العػػرب البػػف منظػػور٘ٔ‪ ٔٛٙ/‬ػ‪ ,ٔٛٚ‬مختػػار الصػػحاح لم ػرازي ص‪ , ٕٕٙ‬معجػػـ مقػػاييس المغػػة‬ ‫(ٔ)‬
‫ألبى الحسف بف فارس بف زكريا ٘‪ ٜٜ/‬ػ ط مصطفى الحمبي‬
‫سػورة النسػاء مف اآليػة رقػـ (٘‪)ٙ‬‬ ‫(ٕ)‬
‫سػورة اإلسػراء مف اآليػة رقػـ (ٖٕ)‬ ‫(ٖ)‬
‫سػورة فصمػت مف اآليػة رقػـ (ٕٔ)‬ ‫(ٗ)‬
‫سػورة األحػزاب مف اآليػة رقػـ (ٖٕ)‬ ‫(٘)‬
‫‪169‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ضػػى‬
‫وسػػى فَقَ َ‬
‫أي انتيػػى أجمػػو ومػػات وقولػػو تعػػالى ‪ " :‬فَػ َػو َك َزهُ ُم َ‬
‫َعمَ ْي ِو(‪ " )ٙ‬أي قتمو ‪.‬‬
‫(٘) الفراغ ‪ :‬تقوؿ قضى حاجتو ‪ ,‬وقضى عميو عيداً ‪ :‬أوصاه وأنفذه ‪.‬‬
‫ض ْيتُـ م َن ِ‬
‫اس َك ُك ْـ (‪" )ٚ‬‬ ‫(‪ )ٙ‬األداء واإلنياء ‪ ,‬ومنو قولو تعالى ‪ " :‬فَِإ َذا قَ َ‬
‫(‪)ٛ‬‬
‫‪ ,‬أي أديتـ وأنييتـ مناسككـ‬
‫والمعنػ ػ ػػى الم ػ ػ ػراد مػ ػ ػػف ىػ ػ ػػذه المعػ ػ ػػاني‪ :‬ىػ ػ ػػو الفصػ ػ ػػؿ والحكػ ػ ػػـ بػ ػ ػػيف‬
‫المتخاصميف في نزاع بينيما‪.‬‬

‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫ٔ) سػورة القصص مف اآليػة رقػـ (٘ٔ) ٓ‬
‫سػورة البقػرة مف اآليػة رقػـ (ٕٓٓ) ٓ‬ ‫ٕ)‬
‫تفسير الجبلليف بيامش حاشية الصاوي لمشيخ ‪ /‬أحمد الصػاوي ٔ‪ ٛٗ/‬ػ المجمػد األوؿ ػ ط دار إحيػاء‬ ‫ٖ)‬
‫الكتب العربية ػ بػيروت ٓ‬
‫‪171‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانياً ‪ :‬تعريؼ القضاء في االصطالح ‪:‬‬


‫(ٔ)‬
‫أوالً ‪ :‬عند الحنفية ‪ :‬القضاء ‪ :‬ىو فصؿ الخصومات وقطع المنازعات‬
‫(ٕ)‬
‫ثانياً ‪ :‬عند المالكية القضاء ‪ :‬ىو اإلخبار عف حكـ شرعي عمى سبيؿ اإللزاـ‬
‫وقػيؿ ‪ :‬ىو صفة حكيمػة توجػب لموصػوفيا نفػوذ حكمػو الشػرعي ‪ ,‬ولػو بتعػديؿ ‪,‬‬
‫(ٖ)‬
‫أو تجريح ‪ ,‬ال في عموـ مصالح المسمميف‬
‫ثالثاً ‪ :‬عند الشافعية القضاء ‪ :‬ىو الوالية اآلتية أو الحكـ المرتب عمييا ‪,‬‬
‫(ٗ)‬
‫أو إلزاـ مف لو اإللزاـ بحكـ الشرع‬
‫رابعػػػػػػاً ‪ :‬عنػػػػػػد الحنابمػػػػػػة القضػػػػػػاء ‪ :‬ىػ ػ ػػو اإلل ػ ػ ػزاـ بػ ػ ػػالحكـ الشػ ػ ػػرعي وفصػ ػ ػػؿ‬
‫(٘)‬
‫الخصومات‬

‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫(ٔ) لساف الحكاـ في معرفة األحكاـ إلبراىيـ بف أبى اليمف بف محمد بف أحمد بف محمد الحنفػي ٔ‪ ٕٔٛ/‬ػ‬
‫ط مصطفى الحمبي ػ مصر ػ الطبعة الثانية ػ سنة ٖ‪ٜٔٚ‬ـ ػ ٖ‪ٖٜٔ‬ىػ ٓ‬
‫(ٕ) حاشية العدوي عمى شرح كفاية الطالب الرباني لعمي الصعيدي العدوي ٕ‪ٓ ٖٜٗ/‬‬
‫(ٖ) شػرح ميػارة الفاسػي ألبػى عبػد اهلل بػف محمػد المػالكي ٔ‪ ٔٙ/‬ػ ط دار الكتػب العمميػة ػ بيػروت ػ الطبعػة‬
‫األولى سنة ٕٓٗٔىػ ػ تحقيؽ ‪ /‬عبد المطيؼ حسف‬
‫(ٗ) حاشية البجيرمػي عمى شرح منيج الطػبلب ٗ‪ٓ ٖٗٗ/‬‬
‫(٘) كشػاؼ القػناع لمبيػوتي ‪ٓ ٕٛ٘/ٙ‬‬
‫‪171‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أمػػا التقاضػػي فيػػو رفػػع الػػدعوى ‪ ,‬والػػدعوى ‪ :‬ىػػي قػػوؿ عنػػد القاضػػي يقصػػد بػػو‬
‫طمب حؽ أو دفعو ‪.‬‬
‫و الق ػػوؿ ‪:‬إف ق ػػدر عمي ػػو ‪ ,‬واال فتكف ػػي كتابت ػػو ‪ ,‬فم ػػو ك ػػاف الم ػػدعي ع ػػاج اًز ع ػػف‬
‫الػػدعوى عػػف ظيػػر قمػػب فإنػػو يكتػػب دع ػواه فػػي صػػحيفة عنػػد القاضػػي يقصػػد بػػو‬
‫(ٔ)‬
‫طمب الحؽ‪:‬أي حؽ معموـ قبؿ غيره أو دفعو ‪:‬أي دفع الخصـ عف حؽ نفسو‬
‫التعريؼ الراجح ‪:‬‬
‫بعد عرض تعريفات الفقياء أرى رجحاف تعريؼ المالكية لمقضاء‬
‫وىو ‪ :‬االخبار عف حكـ شرعى عمى سبيؿ االلزاـ ‪.‬‬
‫واالخبار ‪ :‬جنس فى التعريؼ ‪ ,‬وقولو ‪ :‬عف الحكـ الشرعى ‪ ,‬قيد أوؿ خرج بو‬
‫األخبار بسائر األشياء غير الحكـ الشرعى ‪ ,‬قولو ‪ :‬عمى سبيؿ االلزاـ خرج بو‬
‫فتوى المفتى فيى أخبار عف حكـ شرعى ال الزاـ فيو ‪.‬‬
‫فصار التعريؼ بذلؾ جامعاً ‪ :‬ألف وظيفة القاضى اخبار المتخاصميف بالحكـ‬
‫والزاميما بو ‪ ,‬ومانعاً مف دخوؿ الغير فيو ‪ :‬فبليدخؿ فيو التحكيـ لكونو ليس مف‬
‫الواليات العامة ‪ ,‬وال الحسبة لكونيا تختمؼ عف والية القضاء فى العموـ‬
‫والخصوص ‪.‬‬

‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫(ٔ) حاشػية ابف عابديػف ‪. ٖٜٜ , ٖٜٛ/ٚ‬‬
‫‪172‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الفرع الثاني‬
‫اىمية القضاء ودوره في صيانة الحقوؽ‬
‫اوال ‪ :‬اىمية القضاء‬
‫اف عمـ القضاء فى االسبلـ مف اجؿ العموـ قد ار واعزىا مكانا واشرفيا‬
‫ذكرا‪,‬فيو مقاـ عمى ومنصب نبوى بو الدماء تعصـ ‪ ,‬واالمواؿ يثبت ممكيا‬
‫والمعامبلت يعمـ ما يجوز شرطا وما يحرـ ‪ ,‬ويكره ويندب (ٔ)‬
‫فالقضاء يحقؽ اىدافا سامية تؤدى الى اف يسود االمف واالستقرار فى‬
‫المجتمع وذلؾ اف االنساف يعيش فى مجتمع ويتعامؿ مع غيره مف الناس‬
‫وكثير ما يثور النزاع بيف الناس وقد يعتدى بعضيـ‬
‫ا‬ ‫فى مختمؼ اوجو الحياة‬
‫عمى بعض او يظمـ احدىـ االخر ابتغاء تحقيؽ مغنـ ال حؽ لو فيو ومف‬
‫ثـ فبل بد مف وجود سمطة تطبؽ شرع اهلل فتقضى بيف الناس بالعدؿ وتد أر‬
‫عنيـ الظمـ وتحؽ الحؽ وتقطع النزاع وتعيد الحقوؽ الى اصحابيا فيسود‬
‫(ٕ)‬
‫العدؿ ويعي النا فى امف وسبلـ "‬
‫ومما يدؿ عمى اىمية القضاء ‪ :‬ما روى عف رسوؿ اهلل – (‪ )‬انو قاؿ‬
‫(ٖ)‬
‫قياـ ليميا‬ ‫البى ىريرة يا ابا ىريرة عدؿ ساعة خير مف عبادة ستيف سنة‬
‫وصياـ نيارىا ‪ ,‬ياابا ىريرة جور ساعة فى حكـ اعظـ عند اهلل مف مقاص‬
‫ستيف سنة ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ تبصرة الحكاـ فى أصوؿ األقضية ومناىج األحكاـ ‪ ,‬البف فرحوف ‪ :‬محمد بف فرحوف ج ػ ٔ تحقيؽ ‪ :‬الشيخ جماؿ مرعشمى ‪ ,‬الطبعة األولى ٘‪ٜٜٔ‬ـ‬

‫ٕ‬
‫القضاء فى االسبلـ ‪ ,‬د‪ :‬فوزية عبدالستار ص ٕٔ طبعة دار الكتب المصرية ‪ ٖٔٗٓ ,‬ى ػ ‪ ٕٜٓٓ -‬ـ‬
‫ٖينظر البحر الزخار الجامع لمذاىب عمماء األمطار ‪ ,‬لممرتضى ‪ :‬أحمد بف يحيى ج ػ ٘ ص ٔٔٔ‬
‫‪173‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫كما قيؿ ‪ :‬اف اقامة العدؿ افضؿ مف الجياد الف اقامتو لحفظ الموجود اما‬
‫الجياد فيو لطمب الزيادة ‪.‬‬
‫ونظ ار الىمية القضاء فانو ال يتواله اال مف توافرات لديو القدرة والكفاءة لمقياـ‬
‫بيذه الميمة الجميمة وذلؾ نظ ار لبلثار الخطيرة التى تترتب عمى انحراؼ‬
‫القاضى عف طريؽ الحؽ والعدؿ قاؿ (‪)‬القضاة ثبلثة ‪ :‬اثناف فى النار‬
‫وواحد فى الجنة رجؿ عمـ الحؽ فقضى بو فيو فى الجنة ‪ ,‬ورجؿ قضى‬
‫(ٔ)‬
‫لمناس عمى جيؿ فيو فى النار ورجؿ جار فى الحكـ فيو فى النار " "‬
‫وروى عف عائشة رضى اهلل عنيا انيا قالت ‪ :‬سمعت رسوؿ اهلل (‪)‬‬
‫يقوؿ ‪ -:‬ليأتيف عمى القاضى العدؿ يوـ القيامة ساعة يتمنى انو لـ يقض‬
‫بيف اثنيف فى تمرة قط ‪.)ٕ(..‬‬
‫أما مف توافرات فيو الصبلحية لشغؿ منصب القضاء ولـ يتبع اليوى ويحكـ‬
‫بما انزؿ اهلل فانو نموزج فى اقامة العدؿ بيف الناس وقد قاؿ (‪ ")‬اف‬
‫المقسطيف عند اهلل يوـ القيامة عمى منابر مف نور عف يميف الرحمف عز‬
‫(ٖ)‬
‫وجؿ وكمتا يديو يميف الذيف يعدلوف فى حكميـ واىميـ وماولوا "‬
‫(ٗ)‬
‫وقاؿ أيضا ‪ :‬اف اهلل مع القاضى ما لـ يجر ‪ ,‬فاذا جار وكمو الى نفسو "‬
‫وقاؿ (‪ –)‬السابقوف الى ظؿ اهلل يوـ القيامة الذيف اذا اعطوا الحؽ قبموه‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔأخرجو بف ماجو فى سنتو – األحكاـ – الحاكـ يجتيد فيصيب الحؽ‬
‫ٕأخرجو اإلماـ أحمد فى سنده – باقى مسند األنصار‬
‫ٖاخرجو المساـ فى صحيحو ‪ ,‬كتاب االمارة – فضيمة االماـ العادؿ وعقوبة الجائر والحس عمى الرفؽ‬
‫ٗاخرجو بف ماجو فى سنو – االحكاـ – التخميص فى الحديث والرشوة‬
‫‪174‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫واذا سئموه بذلوه واذا حكموا بيف الناس حكموا كحكميـ النفسيـ "‬
‫وقاؿ (‪ ")‬اذا جمس الحاكـ مف مكانو ىبط عميو ممكاف يسددانو ويوفقانو‬
‫ويردانو ما لـ يجر فاذا جار عرجا وتركاه"‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔأخرجو أحمد ‪ ,‬وابف ماجو ‪ ,‬واليشى فى شعب االيماف ‪ ,‬وفى اسناده ‪ :‬مجاىد بف سعيد ‪ :‬وثقو النسائى ‪,‬‬
‫وضعفو جماعة‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانيا ‪ :‬دور القضاء في حماية الحقوؽ ‪:‬‬


‫تتضػػح أىميػػة القضػػاء كوسػػيمة أساسػػية وفعالػػة فػػي حمايػػة الحقػػوؽ ورد العػػدواف ‪,‬‬
‫فبلبد لمناس مف حاكـ لئبل تذىب الحقوؽ‪.‬‬
‫فالقض ػػاء ب ػػالحؽ م ػػف أق ػػوى الفػ ػرائض بع ػػد اإليم ػػاف ب ػػاهلل تع ػػالى‪ ,‬وى ػػو م ػػف‬
‫أشػرؼ العبػادات ألجمػو أثبػت اهلل تعػالى آلدـ ػ عميػو السػبلـ ػ اسػـ الخبلفػة فقػاؿ‬
‫ض َخمِيفَ ًة(ٕ) " ‪ ,‬وأمر بو كؿ نبي مرسؿ حتى خػاتـ‬ ‫اع ٌؿ ِفي األ َْر ِ‬
‫تعالى ‪ " :‬إِِّني ج ِ‬
‫َ‬
‫(ٖ)‬
‫األنبياء ػ ‪ ‬ػ‬
‫وىػػذا ‪ ,‬ألف القضػػاء بػػالحؽ إظيػػار لمعػػدؿ ‪ ,‬وبالعػػدؿ قامػػت السػػماوات واألرض ‪,‬‬
‫ورفػػع الظمػػـ‪ ,‬وىػػو مػػا يػػدعو إليػػو عقػػؿ كػػؿ عاقػػؿ ‪ ,‬وانصػػاؼ المظمػػوـ ‪ ,‬وايصػػاؿ‬
‫الحؽ إلى المستحؽ ‪ ,‬وأمر بػالمعروؼ ‪ ,‬ونيػي عػف المنكػر وألجمػو بعػث األنبيػاء‬
‫والرسؿ ‪ ,‬وبو اشتغؿ الخمفاء الراشدوف ػ رضواف اهلل عمييـ ‪.‬‬
‫وأذكر مف ىػذا نموذجػاً يحتػذى بػو فػي تحقيػؽ العػدؿ والمسػاواة بػيف النػاس ‪ ,‬وىػو‬
‫مػػا كتبػػو أميػػر المػػؤمنيف عمػػر بػػف الخطػػاب إلػػى عاممػػو أبػػى موسػػى األشػػعري ػ‬
‫رضػي اهلل عنيمػا ػ ليبػيف لػو مكانػة القضػاء ‪ ,‬ومػا ينبغػي لمقاضػي أف يسػمكو فػي‬
‫معاممػػة الخصػػوـ مػػف تح ػػر لمحػػؽ وبحػػث ع ػػف الحقيقػػة فقػػاؿ ل ػػو ‪ :‬أمػػا بعػػد ف ػػإف‬
‫القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فأفيـ إذا أدلى إليؾ ‪ ,‬فإنو ال ينفع تكمـ بحؽ‬
‫ػ‬
‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫تحفػػة الفقيػػاء لعػػبلء الػػديف السػػمر قنػػدي ٖ‪ , ٖٜٙ/‬مواىػػب الجميػػؿ لمحطػػاب ‪ , ٜٜ/ٙ‬الػػذخيرة لمق ارفػي‬ ‫(ٔ)‬
‫ٓٔ‪ , ٙ/‬مغنػ ػػى المحتػ ػػاج لمش ػ ػربيني ٗ‪ , ٖٕٚ/‬البحػ ػػر الزخػ ػػار الج ػ ػامع لمػ ػػذاىب عممػ ػػاء األمصػ ػػار‬
‫لئلمامأحمد بف يحيى المرتضػي‪ ٔٔ٘/ٙ‬ػ ط دار الكتاب اإلسبلمي ػ القاىػرة ٓ‬
‫سػورة البقػرة مف اآليػة رقػـ (ٖٓ) ٓ‬ ‫(ٕ)‬
‫المبسوط لمسرخسػي ‪ٓ ٜ٘/ٔٙ‬‬ ‫(ٖ)‬
‫‪176‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ال نفػػاذ لػػو ‪ ,‬آس بػػيف النػػاس فػػي مجمسػػؾ ‪ ,‬وفػػي وجي ػؾ ‪ ,‬وقضػػائؾ ‪ ,‬حتػػى ال‬
‫يطمػػع ش ػريؼ فػػي حيفػػؾ ‪ ,‬وال ييػػأس ضػػعيؼ مػػف عػػدلؾ ‪ ,‬البينػػة عمػػى المػػدعي‪,‬‬
‫واليمػػيف عمػػى مػػف أنكػػر‪ ,‬والصػػمح جػػائز بػػيف المسػػمميف إال صػػمحاً أحػػؿ ح ارم ػاً أو‬
‫حػػرـ حػػبلالً ‪ ,‬ومػػف ادعػػى حقػاً غائبػاً أو بينػػة فاضػػرب لػػو أمػػداً ينتيػػي إليػػو ‪ ,‬فػػإف‬
‫بينو أعطيتو بحقو ‪ ,‬وأف أعجزه ذلؾ استحممت عميػو القضػية ‪ ,‬فػإف ذلػؾ ىػو أبمػغ‬
‫فػػي العػػذر وأجمػػى لمعمػػى وال يمنعػػؾ قضػػاء قضػػيت فيػػو اليػػوـ فراجعػػت فيػػو أريػػؾ‬
‫في ػػديت في ػػو لرش ػػدؾ أف ت ارج ػػع في ػػو الح ػػؽ ‪ ,‬ف ػػإف الح ػػؽ ق ػػديـ ال يبطم ػػو ش ػػيء ‪,‬‬
‫ومراجعػػة الحػػؽ خيػػر مػػف التمػػادي فػػي الباطػػؿ ‪ ,‬والمسػػمموف عػػدوؿ بعضػػيـ عمػػى‬
‫بعض إال مجرباً عميو شيادة زور ‪ ,‬أو مجموداً في حد ‪ ,‬فإف اهلل تولى مف عباده‬
‫الس ػرائر‪ ,‬وسػػتر عمػػييـ الحػػدود إال بالبينػػات واأليمػػاف ‪ ,‬ثػػـ الفيػػـ الفيػػـ فيمػػا أدلػػى‬
‫إليؾ مما ليس في قرآف أو سنة ‪ ,‬ثـ قايس األمور عنػد ذلػؾ ‪ ,‬واعػرؼ األمثػاؿ ‪,‬‬
‫ثػػـ اعمػػد فييػػا تػػرى إلػػى أحبيػػا إلػػى اهلل وأشػػبييا بػػالحؽ ‪ ,‬وايػػاؾ والغضػػب والقمػػؽ‬
‫والضػػجر ‪ ,‬والتػػأذي بالنػػاس ‪ ,‬والتنكػػر عنػػد الخصػػومة ‪ ,‬فمػػف خمصػػت نيتػػو فػػي‬
‫الحؽ ولو عمى نفسو كفاه اهلل ما بينو وبيف الناس ‪ ,‬ومف تزيف بما ليس في نفسو‬
‫‪ ,‬فػإف اهلل ال يقبػؿ مػػف العبػاد إال مػا كػػاف خالصػاً ‪ ,‬فمػا ظنػػؾ بثػواب عنػد اهلل فػػي‬
‫(ٔ)‬
‫عاجؿ رزقو ‪ ,‬وخزائف رحمتو‬

‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫(ٔ) المبسوط لمسرخسػي ‪ٓ ٜ٘/ٔٙ‬‬
‫‪177‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فمػػا جػػاء فػػي ىػػذا الكتػػاب غنػػي عػػف التعميػػؽ ‪ ,‬فكػػؿ كممػػة فيػػو تنطػػؽ بػػالحؽ ‪,‬‬
‫والصدؽ والعدؿ ‪ ,‬وما أجدر القضاة في كػؿ زمػاف ومكػاف أف يتخػذوه دسػتو اًر ليػـ‬
‫‪ ,‬وقاعدة أساسية مف قواعد العدالة ‪ ,‬حينئذ تصاف الحقوؽ وترد المظالـ ‪ ,‬ويسود‬
‫(ٕ)‬
‫األمف واآلماف‬

‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬
‫(ٔ) األحكاـ السمطانية لمماوردي صٔ‪ ٜ‬ػ ط دار الكتب العمميػة ػ بيػروت ‪ ,‬الػدار قطنػي فػي سػننو ٗ‪ ٕٓٙ/‬ػ‬
‫كتػاب عمػر ػ رضػي اهلل عنػو ‪ ,‬معرفػة السػف واآلثػار عػف اإلمػاـ الشػافعي لمحػافظ أبػو بكػر ػ ط دار‬
‫المعرفة ػ بيروت ػ سنة ‪ٖٔٛٙ‬ىػ ػ ‪ٜٔٙٙ‬ـ ‪,‬‬
‫(ٕ) د ‪ /‬محمػود بػبلؿ ميػراف ػ المػدخؿ لد ارسػة الفقػو اإلسػبلمي " القسػـ الثػاني " ػ النظريػات العامػة فػي الفقػو‬
‫اإلسبلمػي صٔٗٔػ ٕٗٔ‬
‫‪178‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثاني‬
‫حكـ القضاء‬
‫أ ػ حكـ القياـ بالقضاء مف جية االماـ ‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫الشريعة عمى أف القياـ بالقضاء واجب عمى الخميفة إذا كاف‬ ‫اتفؽ فقياء‬
‫ود إِنَّا َج َعْم َنا َ‬
‫ؾ‬ ‫يستطيع القياـ بو ‪ –,‬قاؿ تعالى ‪َ : -‬يا َد ُاو ُ‬
‫ؽ (ٕ) " وقاؿ تعالى لنبينا (‪ :)‬فاحكـ‬ ‫اس بِاْل َح ٍّ‬
‫اح ُك ْـ َب ْي َف النَّ ِ‬ ‫َخمِيفَةً ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ض فَ ْ‬
‫(ٖ)‬
‫بينيـ بما انزؿ اهلل‪".‬‬
‫أما إذا كانت أعباء الخبلفة تجعمو غير قادر عمى القياـ بوظيفة القضاء ‪,‬‬
‫فيجب عميو أف يعيف لمناس قاضياً فى كؿ بمد ألف النبى ػ (‪ )‬حكـ بيف الناس‬
‫‪ ,‬فعف أـ سممة رضى اهلل عنيا ػ قالت ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل (‪)‬انكـ تختصموف إلى‬
‫ولعؿ بعضكـ أف يكوف الحف بحجتو مف بعض ‪ ,‬فأقضى لو عمى نحو ما أسمع‬
‫منو ‪ ,‬فمف قطعت لو مف حؽ أخيو شيئاً ‪ ,‬فإنما أقطع لو قطعو مف النار (ٗ) ‪.‬‬
‫كما كاف ػ (‪ )‬يبعث القضاة إلى األمصار ػ ‪ ,‬فبعث عميا رضى اهلل عنو ػ إلى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫بدائع الضائع فى ترتيب الشرائع لمكاساف جػ ‪ ٚ‬ص ٕ ‪ ,‬ط الثانية ٕٓٗٔىػ ٕ‪ٜٔٛ‬ـ ‪ ,‬التاج واالكميؿ‬
‫لممواؽ جػ‪ ٙ‬عف ‪ ٜٜ‬مطبوع بيامش مواىب الجميؿ لمخطاب ‪ ,‬مطبوع مع مواىب الجميؿ ‪ ,‬نياية‬
‫المحتاج إلى شرح المنياج البف شياب الديف الرممى جػ ‪ ٛ‬ص ‪ , ٕٖٙ‬ط األخيرة ‪ٖٔٛٙ‬ىػ ػ ‪ٜٔٙٚ‬ـ‬
‫المحرر فى الفقو عمى مذىب االماـ أحمد لمشيخ مجد الديف أى البركات جػ ٕ ص ٕٕٓ ‪.‬‬
‫ٕاخرجو احمد فى مسند وابو نعيـ فى الحمبة ‪ ,‬وسكت الشوكانى عنو بعد ايراد سنده ومنقبل (تبمى االمطار) جػ‬
‫‪ ٛ‬ص ٘‪ٕٜ‬‬
‫ٖاخرجو احمد ‪ ,‬واف ماجو واليشى فى شعب االيماف وفى اسناده مجاىد بف سعيد وثقو النسائى وضعفو‬
‫جماعة‬
‫ٗ‬
‫متفؽ عميو ػ سبؿ السبلـ لمصغمانى ط ‪ ٖٔ٘ٚ‬ىػ ‪ ,‬ج ٗ ص ‪ ٜٔٚ‬مطبعة االستقامة ‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫وحكـ الخمفاء الراشديف مف بعده بيف الناس وولوا القضاة فى األمصار‬ ‫اليمف‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬
‫ب ػ حكـ القياـ بالقضاء مف جية الصالحيف لو ‪:‬‬
‫(ٖ )‬
‫الشريعة عمى أف القياـ بالقضاء مف جية الصالحيف لو‬ ‫اتفؽ فقياء‬
‫فرض كفاية ‪ ,‬إذا قاـ بو البعض سقط عف الباقيف ‪ ,‬واف تركوه ‪ ,‬أثـ الجميع‬
‫كغيره مف فروض الكفايات ‪.‬‬
‫ويتعيف القضاء ‪:‬‬
‫إذا لـ يوجد مف يصمح لمقضاء سوى شخص واحد ‪ ,‬أو أف لـ يمى القضاء‬
‫ولى مف ال تحؿ واليتو مف فرط حاجو الناس إلى القضاء أواذا لـ تصؿ الحقوؽ‬
‫إلى مستحقييا ‪ ,‬فيكوف ىنا طمب القضاء وقبولو واجباً عمى الطالب أو مف يراد‬
‫تعيينو ‪ ,‬ألف ما ال يتـ الواجب اال بو فيو واجب‬
‫ولمسمطاف اف يكره مف يعمـ قدرتو عميو النو مف الضرورة ايصاؿ الحقوؽ الى‬
‫اصحابيا وال يكوف ذلؾ اال بالقضاء‬
‫ويحرـ تولي القضاء عمى مف ال يأمف مف نفسو الحيؼ او الجور حتى ال‬
‫يصير طريقا لمباشرة المحرـ ا‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫سنف أبى داود جٖ ص ٖٔٓ ط ‪ ,‬دار احباء السنو النبويو ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المفتى البف قدامو الحنبمى ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ‪ ٖٜ‬ط مكتبة الكميات األزىرية ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫فتح القدير ػ ط أولى ‪ ٖٜٔٛ‬ىػ ‪ ٜٔٚٓ ,‬جػ ‪ ٚ‬ص ٕٕ٘ معيف الحكاـ مرجع سابؽ ص ‪ ٚ‬تبصره الحكاـ‬
‫مرجع سابؽ جػ ٔ ص ٕٔ ‪ ,‬نياية المحتاج مرجع سابؽ جػ ‪ ٛ‬ص ‪ , ٕٖٙ‬الكافى فى فقو االماـ أحمد‬
‫لموفؽ الديف عبداهلل بف قدامو المقدس جػ ٗ ص ٖٔٗ ط رابعة ٘ٓٗٔىػ ػ ٘‪ٜٔٛ‬ـ ‪ ,‬الميذب فى فقو‬
‫االماـ الشافعى لمشيرازى ‪ ,‬جػ ٕ ص ٓ‪ , ٖٚ‬ط الثالثة الروفة البيية فى شرح المغة الدمشقية لمشييد‬
‫السعيد زيف الديف العالمى المعروؼ بالشييد الثانى ص ‪ ٕٖٙ‬بدوف مطبعة ‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث الثاني‬
‫شروط تولى القضاء‬
‫وتنقسـ ىذه الشروط الي قسميف بيانيما في المطمبيتف االّتييف ‪:‬‬
‫المطمب األوؿ‬
‫الشروط المتفؽ عمييا‬
‫أوال ‪ :‬اإلسالـ‬
‫إذا كاف أطراؼ النزاع مسمميف أو بعضيـ مسمـ يشترط في القاضي أف‬
‫يكوف مسمماً الف القاضى فى ظؿ تطبيؽ أحكاـ الشريعة حينما يعرض عميو‬
‫نزاع فإنو يطبؽ عميو أحكاـ الشريعة ‪ ,‬وىذه األحكاـ مأخوذة مف أدلة شرعية‬
‫وكؿ مف األحكاـ وأدلتيا ديف ‪ ,‬وتطبيؽ الديف يحتاج إلى اقتناع وايماف بو قبؿ‬
‫تطبيقو ليذا اتفؽ الفقياء عمى أف اإلسبلـ شرط لصحة تولية القضاء وصحة‬
‫الحكـ سواء كاف أطراؼ النزاع مسمميف ‪ ,‬أو بعضيـ مسمما والبعض اآلخر غير‬
‫‪.‬‬
‫مسمـ‬
‫ثانيا ‪ :‬البموغ‬
‫اتفؽ الفقياء عمى اشتراط البموغ فيمف يعيف قاضياً ‪ ,‬فبل يصح توليو الصبى‬
‫القضاء حتى ولو كاف ممي اًز ‪ ,‬واشتير بيف الناس بالذكاء ‪.‬‬
‫واستدؿ الفقياء لما ذىبوا إليو بمارواه أبوىريره ػ رضى اهلل عنو ػ أف رسوؿ‬
‫(ٔ)‬
‫اهلل ػ (‪)‬ػ قاؿ " تعوذوا باهلل مف رأس السبعيف وامارة الصبياف "‬
‫ٔ ‪-‬أف شيادة الصبى مردودة وىى والية خاصة ‪ ,‬فمف باب أولى عدـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫نيؿ األوطار لمشوكانى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٛ‬ص ‪. ٕٜٚ‬‬
‫‪181‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫صبلحيتو لمقضاء ألنو والية عامة ‪.‬‬
‫ٕ ‪ -‬أف غير البالغ ال يجرى عميو قمـ ‪ ,‬وال يتعمؽ بقولو عمى نفسو حكـ ‪ ,‬فبل‬
‫(ٕ)‬
‫يتعمؽ عمى غيره حكـ مف باب أولى ‪.‬‬
‫ٖ ‪ -‬أف القضاء محتاج إلى الفطنة ‪ ,‬وكماؿ الرأي وتماـ العقؿ والصبى ال‬
‫(ٖ)‬
‫يتوافر فيو ىذه الصفات فبل تصح توليتو ‪.‬‬
‫ٗ ‪ -‬أف تولية رئيس الدولة لشخص أى منصب عاـ مقيد بالنظر والمصمحة ‪,‬‬
‫(ٗ)‬
‫وال تتحقؽ المصمحة فى تولية الصبى منصب القضاء ‪ ,‬فبل يصح توليتو ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬العقؿ‬
‫مف الشروط التى اتفؽ عمييا الفقياء فيمف يعيف قاضياً شرط العقؿ فبل‬
‫يصح تولية المجنوف لمقضاء وذلؾ لما روتو السيدة عائشة ػ رضى اهلل عنيا ػ‬
‫أف رسوؿ اهلل (‪)‬ػ قاؿ " رفع القمـ عف ثبلثة عف النائـ حتى يستيقظ ‪ ,‬وعف‬
‫الصبى حتى يحتمـ ‪ ,‬وعف المجنوف حتى يعقؿ " (٘) باإلضافة إلى األدلة التى‬
‫ذكرناىا فى شرط البموغ ألف المجنوف فى حكـ الصبى بؿ أكثر ألف الصبى‬
‫بمرور الوقت يقترب إلى استكماؿ العقؿ ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫مواىب الجميؿ لمخطاب ػ مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٙ‬ص ‪. ٛٚ‬‬
‫ٕ‬
‫األحكاـ السمطانية لممارودى × مرجع سابؽ ص ‪. ٜ٘‬‬
‫ٖ‬
‫الدكتور ‪ /‬رأفت محمد عثماف ‪ ,‬القضاء فى الفقو االسبلمى ‪ ,‬مذكرات عمى االستنسؿ ‪.‬‬
‫ٗ‬
‫نفس المرجع السابؽ ‪.‬‬
‫٘‬
‫فتح البارى يشرح صحيح البخارى جػ ‪ ٜ‬ص ‪ , ٖٛٛ‬ط دا المعرفة ببيروت سنف ابف ماجو جػ ٔ ص ‪ٕ٘ٛ‬‬
‫ط دار الفكر ‪.‬‬
‫‪182‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثانى‬
‫الشروط المختمؼ فييا‬
‫بعد أف ذكرنا ما اتفؽ عميو فقياء الشريعة اإلسبلمية مف شروط يجب‬
‫توافرىا فيمف يعيف قاضياً حتى يكوف أىبلً لمحكـ فى المبحث السابؽ أبيف فى‬
‫ىذا المبحث الشروط التى اختمؼ الفقياء فى وجوب توافرىا فى القاضى وىى ‪ :‬ػ‬
‫الشرط األوؿ‪ :‬اإلسالـ‬
‫سبؽ القوؿ أف فقياء الشريعة اإلسبلمية قد اتفقوا عمى أف االسبلـ شرط‬
‫فيمف يعيف قاضياً إذا كاف أطراؼ النزاع مسمميف ‪ ,‬أو بعضيـ مسمما والبعض‬
‫اآلخر غير مسمـ ‪ ,,‬أما إذا كاف أطراؼ النزاع غير مسمميف فإف الفقياء قد‬
‫اختمفوا فى اشتراط اإلسبلـ فى القاضى ليحكـ بينيـ إلى مذىبيف ‪.‬‬
‫المذىب األوؿ ‪ :‬ػ‬
‫ذىب جميور الفقياء (ٔ )مف المالكية والشافعية والحنابمة والظاىرية إلى‬
‫اشتراط اإلسبلـ فى القاضى حتى يكوف أىبلً لمحكـ بيف غير المسمميف ‪ ,‬فبل‬
‫يصح تولية الكافر لمقضاء بيف غير المسمميف وال يصح قضاءه ‪.‬‬

‫المذىب الثانى ‪:‬‬


‫ذىب الحنفية (ٕ) إلى أف اإلسبلـ ال يشترط فيمف يتولى القضاء بيف غير‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫الشرح الكبير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ٗ ص ‪ , ٕٜٔ‬تبصرة الحكاـ البف فرحوف مرجع سابؽ جػ ٔ ص‬
‫ٖٕ مفتى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ٗ ص ٘‪ ٖٚ‬االقناع لمحجاوى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ص ‪, ٖٙٛ‬‬
‫المحمى البف حزـ مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٜ‬ص ٖ‪. ٖٙ‬‬
‫ٕ‬
‫فترح القدير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ‪ , ٖٔٙ‬شرح العناية عمى البداية لبلماـ أكمؿ الديف محمود‬
‫=‬
‫‪183‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المسمميف فيصبح تولية غير المسمـ لمقضاء بيف غير المسمميف ويصح قضاءه ‪.‬‬
‫األدلة‬
‫أوالً ‪ :‬أدلة الجميور ‪:‬‬
‫استدؿ جميور الفقياء لما ذىبوا إليو باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫يد ْي ِف ِم ْف ِر َجالِ ُك ْـ ۚ "‬‫ش ِي َ‬‫ش ِي ُدوا َ‬ ‫استَ ْ‬
‫ٔ – قولو تعالى " َو ْ‬
‫(ٕ)‬
‫ي َع ْد ٍؿ ِم ْن ُك ْـ "‬
‫ش ِي ُدوا َذ َو ْ‬
‫وقولو تعالى " َوأَ ْ‬
‫وجو االستدالؿ مف اآليتيف الكريمتيف ‪ :‬ػ‬
‫أف اهلل تعالى أمرنا فى اآلية األولى بأف يكوف الشاىد مف رجالنا أى مف‬
‫أىؿ ممتنا وفى اآلية الثانية أمرنا بإشياد العدؿ ‪ ,‬وغير المسمـ ليس مف رجالنا‬
‫وليس عدال فبل تقبؿ شيادتو ‪ ,‬ومف ثـ ال يصمح لتولى القضاء مف باب أولى‬
‫ألف القضاء يبنى عمى الشيادة ‪.‬‬
‫سو َؿ َوأ ُْولِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّيا ال ِذ َ‬
‫يعوا الر ُ‬
‫يعوا الم َو َوأَط ُ‬
‫آم ُنوا أَط ُ‬
‫يف َ‬ ‫ٕ – قولو تعالى ‪َ " :‬ياأَي َ‬
‫(ٖ)‬
‫ْاأل َْم ِر ِم ْن ُك ْـ "‬
‫وجو الداللة ‪ :‬ػ‬
‫أف القاضى فى اإلسبلـ ىو مف أولياء األمور فى الدولة ‪ ,‬وصدر اآليو قد‬
‫حصر الخطاب لممؤمنيف ‪ ,‬كما حصرىـ أيضاً بقولو تعالى " منكـ " فبل يجوز‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫البابرتى جػ ‪ , ٚ‬ص ‪ , ٖٔٙ‬مطبوع مع فتح القدير ‪ /‬حاشية ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ص‬
‫‪. ٕٜٜ‬‬
‫ٔ‬
‫جزء مف اآليو ٕ‪ ٕٛ‬سورة البقرة ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫جزء مف اآليو ٕ سورة الطبلؽ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫آيو ‪ ٜ٘‬سورة النساء ‪.‬‬
‫‪184‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫إسناد القضاء فى الدولة اإلسبلمية لغير المسمـ ‪.‬‬


‫ٖ– أف الفاسؽ مف المسمميف وفقاً لمرأي الراجح فى الفقو االسبلمى غير‬
‫أىؿ لتولى القضاء ‪ ,‬لعدـ الوثوؽ بقولو (ٔ) مع أنو أحسف حاال مف الكافر ‪ ,‬فمف‬
‫باب أولى أف يكوف الكافر غير صالح لتولى القضاء ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أدلة المذىب الثاني ‪ :‬ػ‬
‫استدؿ أصحاب المذىب الثانى القائميف بجواز تولى غير المسمـ القضاء‬
‫بيف غير المسمميف بالكتاب والقياس والمعقوؿ ‪.‬‬
‫‪ – 1‬الكتاب ‪ :‬ػ‬
‫ض ُي ْـ‬ ‫ص َارى أ َْولِ َي َ‬
‫اء َب ْع ُ‬ ‫آم ُنوا ال تَت ِخ ُذوا ا ْل َي ُي َ‬
‫ود َوالن َ‬ ‫ُّيا ال ِذ َ‬
‫يف َ‬ ‫قولو تعالى " َيا أَي َ‬
‫أ َْولِ َي ُ‬
‫اء َب ْع ٍ‬
‫(ٕ)‬
‫ض‬

‫ض ُي ْـ أ َْولِ َي ُ‬
‫اء َب ْع ٍ‬ ‫وقولو تعالى " َوال ِذ َ‬
‫(ٖ)‬
‫ض"‬ ‫يف َكفَُروا َب ْع ُ‬
‫وجو الداللة مف اآليتيف الكريمتيف ‪:‬‬
‫أف الوالية جاءت عامة فى اآليتيف ‪ ,‬بيف غير المسمميف ‪ ,‬ومف ثـ فيى‬
‫(ٗ)‬
‫تشمؿ القضاء وغيره مف الواليات ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫نياية المحتاج إلى شرح المنياج لمشيخ الرممى جػ ‪ , ٕٖٛ‬د‪ /‬محمود محمد مفتاح القضاء فى االسبلـ ‪,‬‬
‫مرجع سابؽ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫آيو ٔ٘ سورة المائدة ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫آيو ٖ‪ ٚ‬سورة االنفاؿ‬
‫ٗ‬
‫د‪ /‬رأفت محمد عثماف ‪ ,‬القضاء فى الفقو االسبلمى مذكرات عمى االستنسؿ ص ٖٓ ‪ ,‬د‪ /‬محمود محمد‬
‫مفتاح ‪ ,‬القضاء فى االسبلـ ‪ ,‬المرجع السابؽ ‪ ,‬ص ٖٗٔ ‪.‬‬
‫‪185‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ – 2‬القياس ‪ :‬ػ‬
‫أ ) فقد قاسوا القضاء عمى الشيادة ‪ ,‬وشيادة غير المسمـ صحيحة بيف‬
‫(ٔ)‬
‫غير المسمميف ‪ ,‬ومف ثـ فإنو يصح قضاؤه بينيـ ‪.‬‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪ :‬ػ‬
‫نوقش ىذا الدليؿ بأنا ال نسمـ بصحة شيادة غير المسمـ بيف غير المسمميف‬
‫(ٕ) لعدـ تغيير األىمية كما سبؽ القوؿ ‪ ,‬واذا كاف المقيس عميو محؿ خبلؼ فبل‬
‫يصمح لمقياس عميو ‪.‬‬
‫ب ) أف تعييف قاضى مف غير المسمميف لمقضاء بيف غير المسمميف أمر‬
‫جائز ويكوف مف باب التخصيص قياساً عمى تخصيص القاضى المسمـ بجماعة‬
‫(ٖ)‬
‫معينة مف المسمميف ‪.‬‬
‫‪ ) 3‬المعقوؿ ‪ :‬ػ‬
‫فإننا لو قمنا بعدـ صحة تولية الكافر القضاء بيف غير المسمميف لتعطمت‬
‫المصالح فيما بينيـ وانتشر الفساد ‪ ,‬فالقوؿ بصحة قضاء الكافر لمكافر ىو ما‬
‫تقضى بو المصمحة ‪.‬‬
‫الرأى الراجح‬
‫بعد أف استعرضنا آراء الفقياء في اإلسبلـ كشرط فيمف يتولى القضاء بيف‬
‫غير المسمميف وأدلة كؿ مذىب يتبيف لنا أف الرأي الراجح ىو ما ذىب إليو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫البحر الرائؽ شرح كنز الدقائؽ البف نجيـ الحنفى جداً ص ٖ‪ , ٕٛ‬ط دار المعرفة بيروت ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫د‪ /‬محمود محمد مفتاح ػ القضاء فف االسبلـ ػ المرجع السابؽ ص ٖٖٔ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫حاشية ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ٗ ص ‪ , ٕٜٜ‬د‪ /‬محمد مصطفى زجيمى التنظيـ القضائى فى الفقو‬
‫االسبلمى ص ٘٘ ط دار الفكر ‪.‬‬
‫‪186‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫االحناؼ القائميف بعدـ اشتراط االسبلـ لمحكـ بيف غير المسمميف لقوة أدلتيـ ‪,‬‬
‫واقتضاء لممصمحة العامة‬
‫‪187‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط الثانى‬
‫العدالة‬
‫العدالة مف أىـ الصفات والشروط التى ينبغى أف تتوافر فيمف يعينو ولى‬
‫األمر لمفصؿ بيف الناس فى منازعاتيـ ‪ ,‬وذلؾ النو يؤتمف عمى حقوؽ الناس‬
‫ومصالحيـ والفاسؽ غير أميف ‪.‬‬
‫وقبؿ أف نبيف آراء الفقياء فى ىذا الشرط يجدر بنا أوال أف نبيف مفيوـ‬
‫العدالة فى الفقو االسبلمى ‪:‬‬
‫أ ػ تعريؼ العدالة فى المغة ‪ :‬التوسط والعدؿ واإلنصاؼ ‪ ,‬وىو إعطاء‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫المرء مالو وأخذ ماعميو‬
‫ب ػ العدالة فى اصطالح الفقياء ‪:‬‬
‫عرفيا البعض بأنيا ‪ :‬ممكة أو ىيئة راسخة فى النفس تمنع مف اقتراؼ‬
‫كبيرة أو صغيرة دالة عمى الخسة أو مباح يخؿ بالمروءة ‪ ,‬وىذه أحسف عبارة‬
‫(ٕ)‬
‫‪.‬‬ ‫قيمت فى تعريؼ العدالة‬
‫وعرفيا آخروف بأنيا ‪ :‬اجتناب الكبائر وعدـ اإلصرار عمى الصغائر‬
‫وعرفيا البعض بقولو مف اجتنب الكبائر وأدى الفرائض وغمبت حسناتو‬
‫‪ ,‬وقيؿ مف لـ يعرؼ عميو جريمة فى دينو فيو عدؿ (ٗ) ‪,‬‬ ‫(ٖ)‬
‫سيئاتو فيو عدؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المعجـ الوسيط ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ‪ , ٘ٛٛ‬ط الثانية ٓٓٗٔىػ ػ ٓ‪ٜٔٛ‬ـ مطبعة دار المعارؼ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫األشباه والنظائر لمسيوطى ‪ ,‬ص ٖٔٗ ‪ ,‬ط عيسى الحمبى ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫بدائع الصنائع لمكاسانى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ‪. ٕٙٛ‬‬
‫ٗ‬
‫بدائع الصنائع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ‪. ٕٙٛ‬‬
‫‪188‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫وعند ابف حزـ العدؿ ىو مف لـ تعرؼ لو كبيرة وال مجاىرة بصغيرة‬
‫وبعد ذكر تعريفات العدالة عند بعض العمماء الذى أراه واضحاً ىو التعريؼ‬
‫األوؿ وذلؾ ألنو ركز عمى الوازع الدينى فى المسمـ الذى يمنعو مف ارتكاب‬
‫المخالفات الدينية كبيرة أو صغيرة أو مباح يخؿ بالمروءة ‪.‬‬
‫آراء الفقياء فى اشتراط العدالة‬
‫اختمؼ الفقياء فى العدالة كشرط فيمف يعيف قاضياً إلى مذىبيف ‪:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫(ٗ)‬ ‫(ٖ)‬ ‫(ٕ‬
‫والراجح‬ ‫والشافعية‬ ‫والمالكية‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية‬
‫عند الحنابمو (٘) إلى أف العدالة شرط لصبلحية القاضى لمحكـ ‪ ,‬فبل يصح تولية‬
‫الفاسؽ لمقضاء واليصح حكمو ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪:‬‬
‫ذىب الحنفية (‪ )ٙ‬فى الظاىر عندىـ إلى أنو يجوز تولية الفاسؽ القضاء ‪,‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٖ‪. ٖٜ‬‬
‫ٕ‬
‫روضة القضاه وطريؽ النجاة لمسمناوى جػ ٔ صٕ٘ ‪ ,‬ط الثانية ‪ٔٗٓٗ ,‬ىػ ػ ٗ‪ٜٔٛ‬ـ االختيار لتعميؿ‬
‫المختار البف مردود الموصمى ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ٖ‪ , ٛ‬ط الثالثة ‪ٖٜٔ٘ ,‬ىػ ػ ٘‪ٜٔٚ‬ـ ‪ ,‬شرح فتح القدير‬
‫‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ٖٕ٘ ‪ ,‬العناية عمى اليداية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ٕٗ٘ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫الشرح الكبير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص ‪ , ٕٜٔ‬بداية المجتيد ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص‬
‫ٕ‪. ٜٗ‬‬
‫ٗ‬
‫األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪ , ٙٓ , ٜ٘‬مغنى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص‬
‫٘‪. ٖٚ‬‬
‫٘‬
‫األحكاـ السمطانية البى يعمى الفراء ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٗ‪ , ٙ‬المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪, ٜ‬‬
‫ص ٓٗ ‪.‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫اليداية شرح بداية المبتدى لممرغينانى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٖ ‪ ,‬ص ٔٓٔ ‪ ,‬فتح القدير عمى اليداية ‪ ,‬مرجع‬
‫=‬
‫‪189‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والعدالة ليست شرطاً فى القاضى ‪ ,‬إال أنو ينبغى أال يولى الفاسؽ لكف إذا ولى‬
‫صحت توليتو وحكمو صحيح نافذ ‪ ,‬فالعدالة شرط أولوية فقط ‪ ,‬بمعنى أف العدؿ‬
‫يقدـ عمى غيره والحاصؿ كما يقوؿ صاحب فتح القدير ‪ ,‬أف كاف فى الرعية‬
‫عدؿ عالـ ال يحؿ تولية مف ليس كذلؾ ولو ولى صحت توليتو عمى مثاؿ شيادة‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫الفاسؽ ال يحؿ قبوليا واف قبمت نفذ الحكـ بيا‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أدلة الجميور القائميف باشتراط العدالة فى القاضى ‪:‬‬
‫استدؿ الجميور لما ذىبوا إليو باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫ؽ ِب َن َبٍأ فَتََبي ُنوا‬ ‫يف آم ُنوا إِف جاء ُكـ فَ ِ‬
‫اس ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُّيا الذ َ َ‬
‫ِ‬
‫أ ػ الكتاب ‪ :‬قولو تعالى ( َيا أَي َ‬
‫يف ) (ٕ) ‪.‬‬ ‫ص ِب ُحوا َعمَى َما فَ َع ْمتُ ْـ َن ِاد ِم َ‬ ‫ٍ‬
‫يبوا قَ ْوماً ِب َج َيالَة فَتُ ْ‬
‫ِ‬
‫أَف تُص ُ‬
‫وجو الداللة فى اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫أف اهلل سبحانو وتعالى أمر المؤمنيف بالتبييف والتثبت مف قوؿ كؿ فاسؽ وال‬
‫(ٖ)‬
‫لما‬ ‫يجوز أف يكوف قوؿ قاضى المسمميف غير مقبوؿ إال بعد التبيف والتثبت‬
‫يترتب عمى ذلؾ مف تأخير لمحكـ إلى حيف التثبت منو ‪.‬‬
‫ب ػ القياس ‪:‬‬
‫التصح والية الفاسؽ لمقضاء قياسا عمى عدـ قبوؿ شيادتو ألف القضاء مبنى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٕٖ٘ , ٚ‬الباب فى شرح الكتاب ٗ ‪ ٚٚ /‬ط الرابعة ‪ٖٜٜٔ ,‬ىػ ػ ‪ٜٜٔٚ‬ـ ‪.‬‬
‫ٔ‬
‫فتح القدير عمى اليداية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ٖٕ٘ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫آيو ‪ ٙ‬سورة الحجرات ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٓٗ ‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫عمى الشيادة وأيضاً ألف الفاسؽ متيـ فى دينو والقضاء طريؽ األمانات‬
‫ثانياً‪ :‬أدلة المذىب الثانى القائميف بعدـ اشتراط العدالة فى القاضى ‪:‬‬
‫استند الحنفية ومف وافقيـ لما ذىبوا إليو باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫أ ػ السنو ‪:‬‬
‫ماروى عف النبى (‪)‬أنو قاؿ ‪ :‬سيكوف بعدى أمراء يؤخروف الصبلة عف أوقاتيا‬
‫(ٕ)‬
‫فصموىا لوقتيا واجعموا صبلتكـ معيـ سبحو‬
‫وجو الداللة مف ىذا الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫أف الرسوؿ (‪)‬أثبت االماره لؤلفراد مع أنيـ يؤخروف الصبلة عف أوقاتيا ‪,‬‬
‫فدؿ ذلؾ عمى أف العدالة ليست شرطاً فى صحة التولية فى الواليات أمارة أو‬
‫قضاء ‪.‬‬
‫ب ػ القياس ‪:‬‬
‫ال تشترط العدالة فى الشاىد ‪ ,‬وكؿ مف كاف أىبل لمشيادة فيو أىؿ لمقضاء ألف‬
‫كبل مف القضاء والشيادة مف باب الوالية فكؿ ما يشترط فى الشاىد يشترط فى‬
‫القاضى والفاسؽ أىبل لمشيادة فيكوف أىبلً لمقضاء والعمة فى عدـ اشتراط العدالة‬
‫فى الشاىد أف المسمـ اما أف يكوف مف أىؿ العصر الذى شيد لو الرسوؿ ػ‬
‫صمى اهلل عميو وسمـ ػ بالخيرية ‪ ,‬واما أف يكوف مف غيرىـ فإف كاف مف أىؿ‬
‫العصر الذى شيد ليـ الرسوؿ الكريـ فاألمر واضح ألنيـ غاية العدالة ‪ ,‬وأما إف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫االحكاـ السمطانية ألبى يعمى الفراء ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٘‪. ٙ‬‬
‫ٕ‬
‫رواه االماـ أحمد فى مسنده ‪ ,‬جػ ٔ ‪ ,‬ص ‪ , ٖٜٚ‬وقد ورد ىذا الحديث بألفاظ متقاربو فى سنف أبى داوود‬
‫‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٔ ‪ ,‬ص ‪ , ٔٔٚ‬وسنف النسائى ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ٘‪ , ٚٙ ,ٚ‬ط دار الكتب العالمية ‪,‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫كاف مف غيرىـ فظاىر حاؿ المسمـ أنو غير مرتكب لممخالفات الدينية (ٔ) ‪.‬‬
‫جػ أف العدالة غير متوفرة فى كؿ واحد مف الناس ليذا قمنا بجواز تقميد‬
‫الفاسؽ لمقضاء وصحة قضائو حفاظاً عمى الحقوؽ واألمواؿ واالبضاع (ٕ) ‪.‬‬
‫الرأى الراجح‬
‫بعد مناقشة أدلة الحنفية ومف وافقيـ عمى عدـ اشتراط العدالة فى القاضى‬
‫تبيف لنا أف الرأي الراجح ىو ما ذىب إليو جميور الفقياء القائميف باشتراط‬
‫العدالة فى القاضى حتى يكوف أىبلً لمحكـ لقوة أدلتيـ وأيضاً لقولو تعالى ‪ " :‬إِف‬
‫َف تَ ْح ُك ُموا‬
‫ميا َوِا َذا َح َك ْمتُ ْـ َب ْيف الناس أ ْ‬ ‫َما َنات إِلَى أ ْ‬
‫َى َ‬ ‫َف تُ َؤُّدوا ْاأل َ‬
‫ْمرُك ْـ أ ْ‬
‫المو َيأ ُ‬
‫(ٖ)‬
‫ِبا ْل َع ْد ِؿ "‬
‫فالحؽ سبحانو وتعالى يأمر بأداء األمانات إلى أىميا ‪ ,‬والقضاء أمانة‬
‫والفاسؽ غير مأموف فى أداء األمانات فبل يصح توليو القضاء ‪ ,‬كما أنو‬
‫سبحانو وتعالى ‪ ,‬يأمر الحكاـ بالعدؿ بيف الناس ‪ ,‬والفاسؽ ليس أىبل ليذا‬
‫المنصب الخطير ‪ ,‬ألنو إذا كاف مقص اًر فى حؽ اهلل ألـ يقصر فى حقوؽ العباد‬
‫؟ ىذا فضبلً عف أف وظيفة القضاء كاف يقوـ بيا الرسؿ واألنبياء عمييـ السبلـ‬
‫لخطورتيا وأىميتيا ‪ ,‬فبل يصؿ بنا األمر إلى االستيانة بيذه الوظيفة مف جانب‬
‫وبحقوؽ العباد مف جانب آخر فنجيز تقميدىا لمفاسؽ ‪..‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫العناية عمى اليداية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ٖٕ٘‪. ٕ٘ٗ ,‬‬
‫ٕ‬
‫شرح فتح القدير عمى اليداية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ٖٕ٘ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫آيو ‪ ٘ٛ‬مف سورة النساء ‪.‬‬
‫‪192‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ا الشرط الثالث‬
‫االجتياد‬
‫تعريؼ االجتياد فى المغة ‪:‬‬
‫ىو عبارة عف بذؿ الجيد واستفراغ الوسع فى أمر مف األمور وىو يمزـ‬
‫الكمفة والمشقة ‪ ,‬ولذا يقاؿ اجتيد فى حمؿ صخرة وال يقاؿ اجتيد فى حمؿ‬
‫خردلة ‪ ,‬والجيد بالفتح المشقة وبالضـ الطاقة (ٔ) ‪.‬‬
‫تعريؼ االجتياد لدى عمماء األصوؿ ‪:‬‬
‫عرفو بعض األصولييف بأنو بذؿ المجتيد وسعو فى طمب العمـ باألحكاـ‬
‫الشرعية (ٕ) وقيؿ أنو استفراغ الجيد فى درؾ األحكاـ الشرعية (ٖ) ‪ ,‬وقيؿ أنو بذؿ‬
‫الفقيو وسعو لتحصيؿ ظف بحكـ شرعى (ٗ) ‪.‬‬
‫آراء الفقياء فى اشتراط االجتياد لتولي القضاء‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫(ٕ)‬
‫وبعض مف‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف الشافعية(٘)والحنابمة (ٔ)والظاىرية‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫لساف العرب مادة جيد ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٔ ‪ ,‬ص ‪ , ٚٓٛ‬المعجـ الوسيط ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٔ ‪ ,‬ص‬
‫ٕٗٔ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المستصفى مف عمـ األصوؿ لمغزالى ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ٖٓ٘ ‪ ,‬ط الثانية ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫االبياج فى شرح المنياج لشيخ االسبلـ عمى بف عبدالكافى السبكى ‪ ,‬جػ ٖ ‪ ,‬ص ٕ‪ , ٕٙ‬ط ٕٓٗٔىػ ػ‬
‫‪ٜٖٔٚ‬ـ ‪.‬‬
‫ٗ‬
‫ارشاد الفحوؿ إلى تحقيؽ الحؽ فى عمـ األصوؿ لمشكوكانى ‪ ,‬ص ٕٓ٘ ‪ ,‬ط األولى ‪ٖٔ٘ٙ ,‬ىػ ػ‬
‫‪ٜٖٔٚ‬ـ ‪.‬‬
‫٘‬
‫منياج الطالبيف وعمدة المفتييف ألبى زكريا يحى بف شرؼ النووى ‪ ,‬ص ‪ , ٔٗٛ‬ط ٗ‪ٖٖٔٔ , ٛ‬ىػ ‪ ,‬االـ‬
‫لمشافعى جػ ‪ , ٙ‬ص ٕٓٓ ‪ ,‬ط دار المعرفة ببيروت ‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الحنفية(ٖ) إلى أف االجتياد شرط يمزـ توافره فيمف يتولى القضاء‪,‬أما غير المجتيد‬
‫(ٗ) فبل يصح توليو القضاء سواء كاف مقمداً أـ عامياً ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪:‬‬
‫(‪) ٙ‬‬ ‫(٘ )‬
‫فى األصح عندىـ إلى أف االجتياد ليس‬ ‫والمالكية‬ ‫ذىب الحنفية‬
‫بشرط فيمف يتولى القضاء فيجوز تولية المقمد مع وجود المجتيد ويكوف حكمو‬
‫صحيح ونافذ ‪.‬‬
‫المذىب الثالث ‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫إلى أف االجتياد‬ ‫ذىب المالكية فى مقابؿ األصح (‪ )ٚ‬وبعض الحنابمة‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫ٔ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٔٗ ‪ ,‬الفروع البف مقمح ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ٕٔٗ ‪ ,‬ط الرابعة ‪,‬‬
‫ٗٓٗٔىػ ػ ٗ‪ٜٔٛ‬ـ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٖ‪. ٖٙ‬‬
‫ٖ‬
‫فتح القدير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ‪ , ٕ٘ٙ‬معيف الحكاـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٗٔ ‪ ,‬تاريخ القضاء‬
‫البف عرنوس ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٜٚ‬‬
‫ٗ‬
‫المجتيد ىو الذى يكوف عالما بالكتاب والسنو واالجتماع والقياس ولساف العرب والناسخ والمنسوخ والخاص‬
‫والعاـ والمطمؽ والمقيد والمجمؿ والمبيف فى كتاب اهلل وسنو رسولو ويزاد عمييا أعممو بالمتواتر واالحاد‬
‫والمسند والمنقطع والمتصؿ وحاؿ الرواه وأف يكوف عالما بطريؽ النظر خبي اًر باألدلة ومعانييا ػ انظر‬
‫شروط المجتيد فى المستصفى لمغزالى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ٖٓ٘ ‪ ,‬فواتح الرحموت بشرح‬
‫مسمـ الثبوت لؤلنصارى ‪ , ٖٖٙ / ٕ ,‬ط الثانية ‪.‬‬
‫٘‬
‫حاشية الدسوقى عمى الشرح الكبير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٗ ص ‪ , ٕٜٔ‬تبصرة الحكاـ البفرحوف ٕٗ‬
‫‪ٙ‬‬
‫وال يقصد بالماس ىنا مف ال عمـ لديو فمف المعموـ اف العمـ باالحكاـ الشرعية مف الشروط المتفؽ عمييا‬
‫عند الفقياء ولكف تحديد المراد بالعمـ ىو المختمؼ فيو ولذلؾ يقوؿ الشيخ عميش وسيدى احمد الدردير‬
‫المالكياف " وال بد اف يكوف القاضى عالما باالحكاـ الشرعية التى ولى لمقضاء بيا " انظر شرح منح‬
‫الجميؿ لمشيخ عميؿ ‪ ,‬جػ ٗ ص ‪ , ٖٔٛ‬الشرح الصغير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٗ ص ‪ٔٛٛ‬‬
‫‪ٚ‬‬
‫حاشية الشيخ عمى العدوى مطبوع مع الخرشى عمى مختصر خميؿ ‪ ,‬جػ‪ , ٚ‬ص ‪.ٖٜٔ‬‬
‫‪194‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫شرط فيمف يتولى القضاء إف وجد واف لـ يوجد مجتيد فيجوز تولية المقمد‬
‫أدلة المػػػػػػذىب األوؿ‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب عمى اف االجتياد شرط لتولى القضاء بالكتاب‬
‫والسنة والقياس ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬الكتاب ‪:‬‬
‫وقولو تعالى " فَِإف‬ ‫(ٕ )‬
‫قولو تعالى " واف أحكـ بينيـ بما أنزؿ اهلل"‬
‫س ِ‬ ‫ِ‬ ‫تََن َاز ْعتُـ ِفي َ ٍ‬
‫وؿ " (ٖ)‪.‬‬ ‫ش ْيء فَُردُّوهُ إِلَى المو َوالر ُ‬ ‫ْ‬
‫وجو الدال لة مف اآليتيف ‪-:‬‬
‫أف اهلل – سبحانو وتعالى – امر رسولو (‪ )‬فى اآلية األولى اف يحكـ بما‬
‫انزؿ اهلل وفى اآلية الثانية أمر– سبحانو وتعالى عامة المسمميف بالرجوع الى‬
‫كتاب اهلل وسنة نبيو عند حدوث نزاع بينيـ وال شؾ اف الحكـ بكتاب اهلل وبسنة‬
‫نبيو ال يكوف اال مف مجتيد ‪.‬‬
‫ثانيا – السنة ‪:‬‬
‫ٔ‪-‬‬
‫عف ابى بريدة – رضى اهلل عنو – اف النبى (‪ )‬قاؿ ‪ " :‬القضاة ثبلثة‬
‫واحد فى الجنة واثناف فى النار ‪ ,‬فأما الذى فى الجنة فرجؿ عرؼ الحؽ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫ٔ‬
‫كشاؼ القناع عف متف االقناع ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ‪ٕٜٙ‬‬
‫ٕ‬
‫جزء مف االية ‪ ٜٗ‬سورة المائدة ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫جزء مف االية ‪ ٜ٘‬سورة النساء ‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقضى بو وأما المذاف فى النار فرجؿ عرؼ الحؽ فجار فى الحكـ فيو فى‬
‫(ٔ)‬
‫النار ‪ ,‬ورجؿ قضى لمناس عمى جيؿ فيو فى النار "‬

‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬


‫اف الرسوؿ – (‪ )‬بيف اف مف يقضى لمناس عمى جيؿ دوف عمـ باألحكاـ‬
‫الشرعية فيو مف النار وال شؾ اف المقمد يقضى عمى جيؿ ‪ ,‬ألنو يعمـ خطأ ما‬
‫حكـ بو وليس صوابو ‪ ,‬وىذا دليؿ عمى أف االجتياد شرط فيمف يتولى‬
‫القضاء(ٕ)‪.‬‬
‫ٕ ‪ -‬ما رواه معاذ بف جبؿ رضى اهلل عنو – عندما أراد النبى (‪)‬اف يبعثو‬
‫قاضيا الى اليمف قاؿ لو ‪ :‬كيؼ تقضى اذا عرض لؾ القضاء ؟ قاؿ معاذ ‪:‬‬
‫بكتاب اهلل قاؿ ‪ :‬فاف لـ تجد قاؿ بسنة النبي (‪)‬قاؿ ‪ :‬فاف لـ تجد ‪:‬‬
‫قاؿ ‪:‬اجتيد برأى حينئذ قاؿ رسوؿ اهلل (‪)‬الحمد هلل الذى وفؽ رسوؿ اهلل لما‬
‫يرضى اهلل ورسولو (ٖ)‪.‬‬
‫وجو الداللة فى ىذا الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫اف الرسوؿ (‪)‬اق أر ما قالو معاذ اجتيد برأيي فيذا يدؿ عمى اف االجتياد‬
‫شرط يمزـ توافره فى القاضى حتى يستطيع الحكـ فى المنازعات التى لـ يرد‬
‫بشأنيا نص ‪ ,‬وبمعموـ اف المقمد ال يعرؼ كتابا او السنة فيقضى بو او ليس‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫سنف ابو داود ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٖ ‪ ,‬ص ‪ , ٕٜٜ‬سنف ابف ماجو ‪ ,‬مرجعسابؽ ‪ ,‬ج ػٕ ص ‪ٚٚٙ‬‬
‫ٕ‬
‫الروضة الندية شرح الدرر البيية لمفتوحى البخارى ‪ ,‬جػ‪ , ٜ‬ص ٕ٘ٗ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫سنف الترمذى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ج ػ ٖ ‪ ,‬ص ‪ ,ٙٓٚ‬سنف ابى داود ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٖ ‪ ,‬ص ٖٖٓ ‪.‬‬
‫‪196‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بموجود فيجتيد برأيو (ٔ)‪.‬‬


‫ثالثا – مف القياس ‪:‬‬
‫القضاء كاإلفتاء بجامع اإلخبارفي كؿ واإلفتاء ال يصح مف المقمد (ٕ)‪.‬‬
‫ادلة المذىب الثانى‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف باف االجتياد ال يشترط فى القاضى‬
‫بالسنة والمعقوؿ‪.‬‬
‫اوال السنة ‪:‬‬
‫ما راه عمى بف ابى طالب – رضى اهلل عنو قاؿ ‪ :‬بعثنى رسوؿ اهلل –‬
‫(‪)‬الى اليمف قاضيا ‪ ,‬فقمت يارسوؿ اهلل ترسمنى وانا حديث األلسف وال عمـ لى‬
‫بالقضاء فقاؿ رسوؿ اهلل (‪)‬اف اهلل سييدى قمبؾ ‪ ,‬ويثبت لسانؾ فاذا جمس بيف‬
‫يديؾ الخصماف فبل تقضى حتى تسمع مف اآلخر كما سمعت مف االوؿ فانو‬
‫(ٖ)‬
‫احرى اف يتبيف لؾ القضاء ‪ :‬قاؿ ‪ :‬فما زلت قاضيا ما شككت فى قضاء بعد‬
‫وجو الداللة مف ىذا الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫اف الرسوؿ (‪)‬بعث عميا عمى قضاء اليمف ولـ يكف مف أىؿ االجتياد ‪,‬‬
‫فمو كاف االجتياد شرطا ما بعثو رسوؿ اهلل (‪)‬وىو يعمـ بأف عميا لـ يصؿ الى‬
‫درجة االجتياد فيذا يدؿ عمى جواز تعييف غير المجتيد فى القضاء (ٗ)‪.‬‬
‫ثانيا – المعقوؿ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫الروضة الندية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ‪.ٕٗٙ‬‬
‫ٕ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٜ‬ص ٔٗ ‪ ,‬معنى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٗ ‪ ,‬ص ٕ‪ٖٚ‬‬
‫ٖ‬
‫سنف ابى داود ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ج ػٖ ‪ ,‬ص ٕٖٓ ‪ ,‬سنف ابف ماجو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٕ ‪ ,‬ص ٗ‪ٚٚ‬‬
‫ٗ‬
‫انظر حاشية سعد حمبى عمى اليداية مطبوع مع فتح القدير ‪ ,‬جػ‪ , ٚ‬ص ‪ٕ٘ٚ‬‬
‫‪197‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أ‪ -‬اف قضاء المقمد بفتوى غيره يحصؿ بيا الغرض مف القضاء وىو فصؿ‬
‫الخصومات وايصاؿ كؿ حؽ الى صاحبو ‪ ,‬فاذا أمكف المقمد تحقيؽ ذلؾ‬
‫صح توليتو القضاء ‪ ,‬وصح حكمو قياسا عمى حكـ الحاكـ بقوؿ لممقوـ‬
‫(ٔ)‬
‫لمسمع والحاكـ ال يعمـ مف التقييـ شيئا‬

‫ب – اف االجتياد يتعذر وجوده فى كؿ زماف ومكاف ليذا قمنا بجواز تقميد‬


‫المقمد لمقضاء (ٕ)‪.‬‬

‫أدلة المذىب الثالث‬


‫استدؿ أصحاب ىذا المذىب القائميف باف االجتياد شرط اف وجد بالمعقوؿ‬
‫فقالوا ‪ :‬اننا إف لـ نجز تولية المقمد فى حالة عدـ وجود المجتيد لتعطمت مصالح‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫الناس ‪ ,‬فتذىب الحقوؽ ويعـ الفساد‬
‫الرأى الػػػػػراجح‬
‫بعدد بياف آراء الفقياء وأدلتيـ فى اشترط االجتياد فى القاضى فانى أرى‬
‫ترجيح المذىب الثالث القائؿ باف االجتياد شرط اف وجد فيجوز تولية المقمد ‪,‬الف‬
‫ىذا الرأى يحقؽ مصالح الناس ‪ ,‬ويحافظ عمى حقوقيـ فى كؿ زماف ومكاف ‪,‬‬
‫اما لو قمنا باشتراط االجتياد المطمؽ ألدى ذلؾ يؤدي الى إبطاؿ جميع األحكاـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫انظر اليداية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٖ ‪ ,‬ص ٔٓٔ ‪ ,‬العناية عمى اليداية ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٚ‬ص ‪, ٕ٘ٚ‬‬
‫بدائع الصنائع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ ٚ‬صٖ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫انظر حاشية ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٗ ‪ ,‬ص ٖ٘ٓ‬
‫ٖ‬
‫كشاؼ القناع عف متف االقناع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٙ‬ص ‪ٕٜٙ‬‬
‫‪198‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬واذا قمنا بتولية الجاىؿ والعامى ضاعت الحقوؽ وعـ الفساد ليذا وذاؾ كاف‬
‫رأى المالكية فى الصحيح عندىـ ومف تبعيـ فيو الراجح لكونو محققا لمقاصد‬
‫الشريعة وروحيا وخصوصا فى ىذه األياـ التى قصر الناس فييا عف تحصيؿ‬
‫ىذه المرتبة ‪.‬‬

‫د‬
‫‪199‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط الرابع‬
‫الذكورة‬
‫اختمؼ الفقياء فى الذكورة كشرط فيمف يعيف قاضيا الى ثالثة مذاىب‬
‫‪ ‬المذىب االوؿ ‪-:‬‬
‫(ٕ)‬
‫والحنايمة‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف المالكية (ٔ) اال ابف القاسـ والشافعية‬
‫(ٖ )‬
‫الى اف الذكورة شرط يمزـ توافره فيمف يعيف قاضيا فبل يجوز تولى المرأة‬
‫القضاء فى جميع األحواؿ ‪,‬سواء كاف موضوع النزاع بيف رجاؿ فقط ‪ ,‬او بيف‬
‫نساء فقط او بيف رجاؿ ونساء ‪ ,‬وسواء كاف موضوع النزاع حقا ماليا او غير‬
‫مالى وسواء كاف حقا هلل او ألدمى او مشتركا بينيما ال ينفذ حكميا ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫(ٗ )‬
‫إلى اف المرأة ال يجوز تولييا القضاء ولكف اذا وليت‬ ‫ذىب الحنيفة‬
‫صحت توليتيا واثـ مولييا وأحكاميا نافذة فى غير الحدود والقصاص وال يصح‬
‫وال ينفذ فى الحدود والقصاص ولو وافؽ الكتاب والسنة لفقداف الوالية فى ذلؾ‬
‫فالحنفية متفقوف مع الجميور عمى عدـ جواز والية المرأة لمقضاء لكف الخبلؼ‬
‫بينيـ" فيما لو وليت وأثـ المولى‪ .‬فالجميور يقولوف بعدـ صحة حكميا مطمقا‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫انظر الشرح الكبير لمدردير ‪ .‬مرجع سابؽ جػ ٗ ص ‪ , ٕٜٔ‬بداية المجتيد مرجع سابؽ جػٕ ص ٖ‪.ٜٗ‬‬
‫ٕ‬
‫مفنى المحتاج مرجع سايؽ جػٗ ص ٘‪ ٖٚ‬ادب القاض البف ابى الدـ تحقيؽ د‪/‬محمد مصطفى زميمى ص‬
‫ٓ‪ ٚ‬ط الثانية ٕٓٗٔىػ ‪ ٜٕٔٛ -‬ـ وحوامش الشروانى وابف القاسـ العبادى عمى تحفة المحتاج جػ ٓٔ‬
‫ص ‪ٔٓٙ‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى البف قداـ مرجع سابؽ جػ‪ ٜ‬ص ‪ ٖٜ‬شرح منتيى االمارات مرجع سابؽ جٖ ص ٗ‪ٗٙ‬‬
‫ٗ‬
‫الدر المختار لمحصفكى ‪ .‬مرجع سابؽ جػ ٕ ص ٕٖٖ‬
‫‪211‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والحنفية يقولوف بصحتو فى غير الحدود والقصاص بشرط أف يكوف موافقا لحكـ‬
‫الشرع ‪.‬‬
‫المذىب الثالث ‪:‬‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫الطبرى الى أف الذكورة ال تشترط فيمف يتولى‬ ‫وابف جرير‬ ‫ذىب ابف حزـ‬
‫القضاء فيجوز تولى المرأة القضاء وحكميا صحيح فى الحدود وغيرىا‪.‬‬
‫األدلة*‬
‫أوال ‪ :‬أدلة جميور الفقياء القائميف باشتراط الذكورة_‪:‬‬
‫استدؿ جميور الفقياء لما ذىبوا إليو بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫أ_ الكتاب_‪:‬‬
‫النس ِ‬
‫اء ِب َما َفض َؿ الم ُو َب ْع َ‬
‫ض ُي ْـ َعمَ ٰى‬ ‫وف َعمَى ِّ َ‬‫ام َ‬
‫الر َجا ُؿ قَو ُ‬ ‫قولو تعالى (( ِّ‬
‫(ٖ)‬
‫ض َوِب َما أَ ْنفَقُوا ِم ْف أ َْم َوالِ ِي ْـ )‬
‫َب ْع ٍ‬
‫وجو الداللة مف ىذه اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫أف اهلل _سبحانو وتعالى _ جعؿ القوامة لمرجاؿ عمى النساء لرجاحة العقؿ‬
‫وكماؿ الديف ‪ ,‬ألف مف كاف فى حاجة إلى القوامة عميو ال يصح أف يكوف ىو‬
‫قواما عمى غيره ‪ ,‬ولو جاز تولية المرأة القضاء ‪ ,‬لكانت ليا القوامة وىو عكس‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬جػ ‪ ٜ‬ص ‪ ٕٜٗ‬تحقيؽ لحيو أحياء التراث العربى دار االفاؽ الجديده بيروت ػ لبناف ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المغنى البف قدامو جػ ‪ ٜ‬ص‪ , ٖٜ‬بدايو المجتيد البف رشد جػ ٕ ص ٗ‪ ٜٗ‬ونفى ابف العربى نسبو ىذا‬
‫القوؿ إلى ابف جديد مف إطبلؽ جواز والية المرأة القضاء وقاؿ ‪ :‬لعمو يعيف توليتيا القضاء فيما‬
‫سيجوز ليا أف تشيد فيو كما ىو مذىب ابف حنيفة وليس بأف تكوف قاضيو عمى االطبلؽ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫آيو ٖٗ سورة النساء ‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫ما تفيده اآلية‪.‬‬
‫* مناقشة ىػذا الدليؿ ‪_:‬‬
‫نوقش ىذا الدليؿ بأف المراد بالقوامة فى اآلية الكريمة القوامة الخاصة وىى‬
‫القياـ عمى أمور األسرة والذى يؤيد ذلؾ سبب نزوؿ ىذه اآلية فقد روى أف سعد‬
‫بف الربيع نشذت امرأتو فمطميا فأتت النبى (‪ )‬شاكية ‪ ,‬فقاؿ ليا ‪ :‬بينكـ‬
‫ضى إِلَ ْي َؾ‬ ‫آف ِم ْف قَ ْب ِؿ أ ْ‬
‫َف ُي ْق َ‬ ‫القصاص فأنزؿ اهلل قولو تعالى ( َوال تَ ْع َج ْؿ ِبا ْلقُْر ِ‬
‫(ٕ )‬
‫وف َعمَى‬ ‫ام َ‬
‫الر َجا ُؿ قَو ُ‬
‫فأمسؾ النبى (‪ _ )‬حتى نزؿ قولو تعالى ( ٍّ‬ ‫َو ْح ُي ُو)‬
‫النس ِ‬
‫اء) فقاؿ (‪ ( )‬أردت أم ار وأراد اهلل غيره ) (ٖ) وىذا دليؿ عمى أف المراد‬ ‫ِّ َ‬
‫بالقوامة قوامة الزوج عمى زوجتو بالتأديب‪.‬‬
‫ب _ السنػػػػػة ‪_:‬‬
‫* ما رواه البخارى عف أبى بكر _رضى اهلل عنو _ قاؿ ‪ :‬لما بمغ رسوؿ‬
‫اهلل (‪ _ )‬أف أىؿ فارس ممكوا عمييـ بنت كسرى قاؿ ‪ :‬لف يفمح قوـ ولوا‬
‫(ٗ)‬
‫أمرىـ إمرأة ‪.‬‬
‫وجو الداللة مف الحديث ‪:‬‬
‫أف الرسوؿ _ (‪ _ )‬نفى الفبلح عف قوـ جعموا أمرىـ إلى نسائيـ ‪,‬‬
‫والقضاء مف أىـ أمورىـ ‪ ,‬فبل يصح أف تتواله المرأة ذلؾ أف الرسوؿ _ (‪_ )‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫األحكاـ السمطانيو لماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪ , ٜ٘‬د‪ /‬عبدالعاؿ عطوه ‪ ,‬القضاء فى االسبلـ مذكرات‬
‫عمى االستنسؿ ص ‪. ٔٙ‬‬
‫ٕ‬
‫آيو ٗٔٔ سورة طػػو ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫تفسير البحر المحيط البف حياف ‪ ,‬جػ ٖ ص ‪ , ٕٖٛ‬ط الثانية ٖٓٗٔ ػ ٖ‪ٜٔٛ‬ـ ‪.‬‬
‫ٗ‬
‫صحيح البخارى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٖٔ ‪ ,‬ص ٖ٘ ‪.‬‬
‫‪212‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ال يقصد بيذا الحديث مجرد اإلخبار عف عدـ الفبلح لمقوـ الذيف ولوا أمرىـ‬
‫امرأة ‪ ,‬ألف وظيفة الرسوؿ الكريـ بياف ما يجوز ألمتو أف تفعمو حتى تصؿ إلى‬
‫الفبلح ‪,‬و ما ال يجوز ليا أف تفعمو حتى تسمـ مف الشر ‪ ,‬ولقد قصد الرسوؿ‬
‫_(‪ _ )‬بيذا الحديث نيى أمتو عف مجاراة الفرس فى إسناد شىء مف أمورىـ‬
‫العامة إلى النساء واختار أسموبا لذلؾ يؤكد أف عدـ الفبلح مبلزما لتولية المرأة‬
‫أمرىـ وال شؾ أف النيى المستفاد مف الحديث يمنع أى امرأة فى أى عصر مف‬
‫(ٔ)‬
‫العصور أف تتولى أى والية مف الواليات العامة ‪.‬‬
‫قاؿ االماـ الشوكاني ‪ :‬فيو دليؿ عمى أف المرأة ليست مف أىؿ الواليات وال‬
‫(ٕ)‬
‫يحؿ لقوـ توليتيا ‪ ,‬ألف تجنب األمر الموجب لعدـ الفبلح واجب ‪.‬‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪_:‬‬
‫نوقش ىذا الدليؿ بأف الرسوؿ _(‪ _ )‬قاؿ ذلؾ فى االمر العاـ وىو‬
‫الخبلفة فيكوف الدليؿ فى غير محؿ النزاع ‪ ,‬الف الحديث خاص برئاسة الدولة‬
‫‪,‬و الذى يدؿ عمى ذلؾ سبب ورود الحديث ‪ ,‬النو (‪ _ )‬قاؿ حيف سمع أف‬
‫أىؿ فارس ممكوا عمييـ بنت كسرى فيكوف الحديث وارد فى الوالية العظمى‬
‫(ٖ)‬
‫وليس والية القضاء ‪.‬‬
‫جػ اإلجماع ‪_:‬‬
‫إف إجماع الفقياء واألئمة المجتيديف قبؿ عصر ابف حزـ منعقد عمى عدـ‬
‫صبلحية المرأة لبلمامة العظمى بدليؿ قولو _(‪ _ )‬لف يفمح قوـ ولوا أمرىـ‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫د‪ /‬محمود محمد مفتاح ف القضاء فى االسبلـ سابؽ االشارة إليو ‪ ,‬ص ‪. ٖٔٛ‬‬
‫ٕ‬
‫نيؿ األوطار لمشوكانى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٛ‬ص ‪. ٖٔٛ‬‬
‫ٖ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٖٓٗ ‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫امرأة ‪ ,‬فيقاس القضاء عمييا بجامع اف كبل منيا والية عامة فتكوف ممنوعة‬
‫لتولى القضاء ‪ ,‬كما أنيا ممنوعة وغير صالحة لئلمامة‬ ‫وغير صالحة‬
‫(ٔ)‬
‫العظمى ‪.‬‬
‫أدلة المذىب الثانى‬
‫استدؿ الحنفية باألدلة التى ذكرىا الجميور ألنيـ متفقوف مع الجميور مف‬
‫حيث المبدأعمي أف المرأة ال يجوز توليتيا القضاء ‪ ,‬اال أنيـ خالفوا الجميور‬
‫فى أف النيى فى األمور الشرعية ال يقتضى الفساد اال اذا كاف النيى لذات‬
‫الشىء ‪ ,‬أما النيى عف تولية المرأة القضاء فيفيد حرمة التولية وترتيب اإلثـ‬
‫عمى فعميا ولكف ال يفيد فساد التولية أو بطبلنيا كما يقوؿ الجميور ‪ ,‬وىذا ال‬
‫يستمزـ سمب واليتيا بؿ ىى مف أىؿ الوالية ‪ ,‬وليذا صمحت شاىدة فيما عدا‬
‫الحدود والقصاص ‪ ,‬فتصمح قاضية فى نفس النطاؽ الف حكـ القضاء يستقى‬
‫(ٕ)‬
‫مف حكـ الشيادة ‪.‬‬
‫أدلة المذىب الثالث ‪:‬‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف بجواز تولى المرأة القضاء مطمقا بالسنة واألثر‬
‫والقياس‬
‫أوال السنة ‪-:‬‬
‫ما رواه عبداهلل ابف عمرو – رضى اهلل عنو – أف النبى (‪ – )‬قاؿ المرأة‬
‫(ٖ)‬
‫راعية عمى أىؿ بيت زوجيا وولده وىى مسئولة عنيـ ‪:‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المعنى البف قدامة ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ‪. ٖٜ‬‬
‫ٕ‬
‫بدائع الصنائع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص ٖ ‪ ,‬العنايو عمى اليدايو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٚ‬ص ‪. ٕٜٛ‬‬
‫ٖ‬
‫صحيح البخارى ػ سبقت اإلشارة إليو ٖٔ ‪. ٔٔٔ /‬‬
‫‪214‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وجو االستدالؿ بيذا الحديث ‪-:‬‬


‫أف الرسوؿ (‪ )‬أثبت لممرأة والية الرعاية عمى ماؿ زوجيا وولده وجعميا‬
‫مسئولة عف ذلؾ ‪ ,‬حيث ثبت ليا الرعاية فيكوف حؽ والية القضاء ثابتا ليا‬
‫بطريؽ النص ‪ ,‬ويكوف حكـ واليتيا لمقضاء موافقا لمسنة ‪ ,‬وىى والية المرأة‬
‫(ٔ)‬
‫لرعاية ماؿ الزوج مف تربية األوالد والقياـ عمى شئونيـ‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪-:‬‬
‫يمكف مناقشة ىذا الدليؿ بأف الحديث قاصر عمى والية المرأة فى رعاية‬
‫ماؿ زوجيا وىذا أمر خاص بخبلؼ القضاء فيو أمر عاـ‬
‫ثانيا ‪ :‬األثر ‪-:‬‬
‫ورد أف أمير المؤمنيف عمرو ابف الخطاب قدـ امرأة عمى حسبة السوؽ‬
‫تسمي الشفاء بنت عمرو فيجوز لممرأة تولى القضاء بجامع أف كبل مف الحسبة‬
‫(ٕ)‬
‫والقضاء والية عامة ‪.‬‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪-:‬‬
‫لـ يصح أف عمر بف الخطاب قدـ امرأة عمى حسبة السوؽ ‪ ,‬فإنما ىو مف‬
‫(ٖ)‬
‫دسائس المبتدعة فى الحديث ‪.‬‬
‫أيضا لو سممنا بصحة الحديث فيكوف عمؿ الشفاء مقصو ار عمي مراقبة‬
‫البائعات مف النساء لكي ال يقع في تصرفاتيف غش او تدليس أو ربا ‪,‬فاألمر‬
‫بيذا االعتبار ال يكوف مف باب الوالية العامة في شئوف المسمميف بؿ يكوف مف‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٖٓٗ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫انظر المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ‪. ٕٜٗ‬‬
‫ٖ‬
‫انظر أحكاـ القرآف البف العربى ‪ ,‬جػٖ ص ‪ , ٔٗ٘ٚ‬تحقيؽ عمى البخارى الناشر دار الفكر‬
‫‪215‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قبيؿ األمر بالمعروؼ والنيي عف المنكر ‪.‬‬


‫باالضافة الي اف‪ :‬النبي – (‪ –)‬لـ يوؿ وال احد مف خمفائو وال مف بعدىـ امرأة‬
‫(ٔ)\‬
‫قضاء وال والية بمد فيما بمغنا ولو جاز ذلؾ لـ يخؿ مف جميع الزماف غالبا‬
‫ثالثا ‪ :‬القياس‪:‬‬
‫القضاء كاإلفتاء بجامع األخبار في كؿ‪,‬وكبلىما مظير لحكـ الشرع فكما‬
‫(ٕ)‬
‫يجوز أف تكوف المرأة مفتية يجوزاف تكوف قاضية‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪:‬‬
‫اف قياس القضاء عمي اإلفتاء قياس مع الفارؽ الف الفتيا إخبار ال إلزاـ فيو‬
‫(ٖ)‬
‫بخبلؼ القضاء فيو إخبار عمي وجو اإللزاـ‬
‫الػػرأى الػراجح‬
‫بعد اف ذكرنا أراء الفقياء وأدلتيـ في الذكورة كشرط لصبلحية القاضي‬
‫لمحكـ يتبيف لنا اف الراي الراجع ىو ما ذىب اليو جميور الفقياء القائميف باف‬
‫الذكورة شرط لتولي القضاء لقوة أدلتيـ مف الكتاب والسنة ‪ ,‬وضعؼ ادلة‬
‫المخالفيف لكثرة المناقشات التي وردت عمييا والذي يدؿ عمي رجحاف مذىب‬
‫الجميور أيضا ما يمي ‪:‬‬
‫حيث اف القضاء يحتاج إلي اجتياد الرأي وكماؿ اإلدراؾ والتبصر في األمور‬
‫والمراة خمقت عمي طبيعة خاصة تتناسب ورسالتيا في ىذه الحياه‬ ‫والتفيـ‬
‫فنجدىا غالبا ما يتأثر قرارىا وىي حائض بالعصبية ‪ ,‬وفي االحواؿ االخري‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ‪ٗٓ , ٖٜ‬‬
‫ٕ‬
‫المغنى ‪ ,‬المرجع السابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ‪. ٖٜ‬‬
‫ٖ‬
‫د‪ /‬محمود محمد مفتاح ‪ ,‬القضاء فى االسبلـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٔٗٔ ‪.‬‬
‫‪216‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بالعاطفة ‪,‬ومف مظاىر تمؾ العاطفة اننا نجدىا سريعة البكاء وفي الوقت نفسو‬
‫سريعة البسمة وىذه العاطفة ال تتفؽ وتقميد ىذا المنصب الذي يحتاج إلي رابطة‬
‫جاش وقوة صبر ‪.‬‬
‫واإلسبلـ أحاط عزة المرأة وكرامتيا بسياج منيع مف تعاليمو الحكيمة وحمى‬
‫أنوثتيا وأخبلقيا مف العبث والعدواف فحرـ الخموة بيا والنظر إلييا ‪ ,‬وأوجب‬
‫عمييا أف تبقى فى بيتيا لتتفرغ لوظيفتيا األولى وال تخرج اال لحاجة مشروعة أو‬
‫ضرورية ‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط الخامس‬
‫الحرية‬
‫اختمفت كممة الفقياء فى الحرية كشرط فيمف يعيف قاضيا إلى مذىبيف ‪-:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫(ٖ)‬ ‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫ورواية عند‬ ‫والشافعية‬ ‫والمالكية‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية‬
‫الحنابمة (ٗ )الى أف الحرية شرط فيمف يعيف قاضيا ‪ ,‬فبل يصح تولى العبد‬
‫القضاء وال يصح حكمو‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫(‪)ٚ‬‬ ‫(‪)ٙ‬‬ ‫(٘)‬
‫إلى أف الحرية‬ ‫وقوؿ لبلمامية‬ ‫ورواية لئلماـ أحمد‬ ‫ذىب الظاىرية‬
‫ليست شرط فيمف يعيف قاضيا فيصح تولية العبد القضاء وينفذ حكمو ‪,‬إال أف‬
‫الحنابمة فى الرواية المذكورة قيدوا صحة قضاء العبد بإذف سيده ‪.‬‬
‫أوال أدلة الجميور ‪-:‬‬
‫استند جميور الفقياء لما ذىبوا اليو باألدلة األتيو ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫فتح القدير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٚ‬ص ٖٕ٘‪ , ٕٕ٘,‬بدائع الصنائع ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ‪ , ٚ‬ص ٖ ‪ ,‬تبييف‬
‫الحقائؽ شرح فى الدقائؽ لمزيمحى ‪ ٔٚ٘/ٗ ,‬ط الثانية ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫الشرح الكبير لمدردير مرجع سابؽ جػٗ ‪ ,‬ص ‪ , ٕٜٔ‬بداية المجتيد مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٕ ‪ ,‬ص ٖ‪. ٜٗ‬‬
‫ٖ‬
‫األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪ , ٜ٘‬قميوس وعمره ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص ‪. ٕٔٙ‬‬
‫ٗ‬
‫المغنى البف قداـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٜ‬ص ‪ , ٖٜ‬كشاؼ القناع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٙ‬ص‬
‫٘‪. ٕٜٗ,ٕٜ‬‬
‫٘‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٜ‬ص ٖ‪. ٖٜ‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫المبدع فى شرح المقنع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٓٔ ‪ ,‬ص ‪. ٜٔ‬‬
‫‪ٚ‬‬
‫المختصر النافع فى شرح االماميو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٕٜٚ‬‬
‫‪218‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ٔ ‪ -‬أف القضاء منصب دينى يتعمؽ بو تنفيذ أحكاـ شريعة فبل يصمح العبد‬
‫ألنو ناقص بالرؽ محجور عميو ال يستقؿ بنفسو وألف الرؽ مانع مف قبوؿ‬
‫الشيادة وىى والية خاصة فمف باب أولى أف يمتنع مف والية القضاء ألنيا والية‬
‫(ٔ)‬
‫عامة‬
‫ٕ ‪ -‬العبد مشغوؿ بصفة دائمة بحقوؽ سيده مف خدمة وغيرىا فيو غير‬
‫(ٕ)‬
‫متفرغ لمصالح األمة‬
‫ٖ ‪ -‬أف النفوس البشرية تأنؼ لطاعة مف بو رؽ والف الرؽ كما قاؿ العمماء‬
‫أكثر كفر ألنو فى األصؿ عقوبة وقعت عمى أسير الحرب مف الكفار فمما‬
‫(ٖ)‬
‫استكبروا عف عبادة اهلل جعمو اهلل عبد عبيده‬
‫ثانيا أدلة المذىب الثانى ‪:‬‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب قائميف بعدـ اشتراط الحرية فيمف يعيف قاضياً‬
‫بالكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ٔ‪ -‬الكتاب قولو تعالى (( َوْلتَ ُك ْف ِم ْن ُكـ أُم ٌة َي ْد ُع َ ِ‬
‫وف‬ ‫وف إلَى ا ْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ‬
‫ْمُر َ‬ ‫ْ‬
‫(ٗ)‬ ‫ِبا ْلمعر ِ‬
‫وؼ َوَي ْن َي ْو َف َع ِف ا ْل ُم ْن َك ِر )‬ ‫َ ُْ‬
‫وجو الداللة مف اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫أف العبد مكمؼ باألمر بالمعروؼ والنيى عف المنكر وفى تولى القضاء إيصاؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫مواىب الجميؿ لمخطاب ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ‪ , ٛٚ‬األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪,‬‬
‫ص ‪. ٜ٘‬‬
‫ٕ‬
‫الروض المربع لمبيوتى ‪ ,‬جػ ٖ ‪ ,‬ص ٘‪. ٖٛ‬‬
‫ٖ‬
‫د‪ /‬رأفت عثماف ‪ ,‬القضاء فى الفقو االسبلمى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٘ٗ ‪. ٗٙ,‬‬
‫ٗ‬
‫آيو ٗٓٔ سورة آؿ عمراف ‪.‬‬
‫‪219‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الحقوؽ الى أىميا وفض المنازعات وىى مف أعظـ أبواب البر واألمر بالمعروؼ‬
‫(ٔ) ‪.‬‬
‫والنيى عف المنكر واآلية لـ تفرؽ بيف حر وعبد فبقيت عمى عموميا‬
‫‪ -2‬السنة‬
‫فقد روى عف أنس – رضى اهلل عنو – أنو قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل (‪–)‬‬
‫(ٕ)‬
‫(اسمعوا وأطيعوا واف استعمؿ عميكـ عبد حبشى كأف رأسو زبيبة )‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫أف الرسوؿ أمر المسمميف بالسمع والطاعة لئلماـ سواء كاف ح ار أو عبدا‬
‫وسواء أكانت واليتو فى القضاء أـ فى غيره فبل تشترط الحرية فيمف يتولى‬
‫القضاء‪.‬‬
‫الرأى الراجح ‪:‬‬
‫بعد بياف آراء الفقياء وأدلتيـ فى الحرية لشرط لتولى القضاء فانى أميؿ‬
‫إلى ترجيح ما ذىب إليو جميور الفقياء القائميف بأف الحرية شرط لتولى‬
‫القضاء لقوة أدلتيـ وسبلمتيا مف المعارضة ‪ ,‬وألف القضاء كما سبؽ أف عممنا‬
‫وظيفة إلزاـ واإللزاـ ال تقبمو اال مف الحر‪ ,‬كما أف العبد مشغوؿ بحوائج سيده ‪,‬‬
‫والمشغوؿ كما يقاؿ ال يشغؿ فنقض العبد مف والية نفسو يمنع مف انعقاد واليتو‬
‫عمى غيره فى األمور الخاصة ‪ ,‬فكيؼ يأمر في القضاء ؟‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٖٓٗ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫صحيح البخارى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٖٔ ص ٕٔٔ ‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط السادس‬
‫الكتابة‬
‫مف المسمـ بو أف القاضى حينما تعرض عميو خصومة لمفصؿ فييا يعتمد‬
‫عمى السماع مف الخصوـ ثـ يذكر كؿ واحد منيـ أدلتو ثـ يتوجو الييـ القاضى‬
‫فى النياية بالحكـ الممزـ فى الخصوـ وال شؾ أف ذلؾ كمو يكوف مشافية‬
‫ولكف القاضى يثبتو بالكتابة أو بالشيادة عميو ليذا اختمؼ الفقياء فى الكتابة‬
‫كشرط فيمف يعيف قاضيا الى مذىبيف ‪:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫(ٕ )‬ ‫(ٔ )‬
‫والراجح عند‬ ‫فى المعتمد عندىـ ووجو لمشافعية‬ ‫ذىب المالكية‬
‫(ٖ )‬
‫إلى القوؿ بعدـ اشتراط الكتابة فيمف فيصح تولية غير العازؼ‬ ‫الحنابمة‬
‫لمكتابة القضاء‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪:‬‬
‫فى قوؿ عندىـ ووجو عندىـ ووجو عند الشافعية (٘)وقوؿ‬ ‫(ٗ)‬
‫ذىب المالكية‬
‫عند الحنابمة (‪ )ٙ‬إلى أف الكتابة شرط فيمف يعيف قاضيا فبل يصح تولية غير‬
‫العارؼ لمكتابة القضاء‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫الشرح الكبير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص ٖٓٔ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫أدب القضاء البف ابف الدـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٘‪. ٚ‬‬
‫ٖ‬
‫المفتى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٕٗ ‪.‬‬
‫ٗ‬
‫مذاىب الجميؿ لمخطاب ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ٓٓٔ ‪.‬‬
‫٘‬
‫أدب القاضى البف أبى الدـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٘‪ٚ‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫المبدع فى شرح المقنع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٓٔ ‪,‬ص ٕٔ ‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أدلة المذىب األوؿ ‪:‬‬


‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف بعدـ اشتراط الكتابة فى القاضى باألدلة‬
‫اآلتية ‪:‬‬
‫أوال ‪:‬أف الرسوؿ ‪ –)( -‬كاف أمياً وىو سيد الحاكميف ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬اف معرفة الكتابة ليست مف ضرورة الحكـ ‪ ,‬واذا احتاج القاضى الييا جاز‬
‫توليتو لمف يعرفيا و ليس مف الواجب معرفة القاضى لكؿ ما يحتاج اليو ‪,‬‬
‫فالقاضى مثبل يحتاج الى القسمة بيف الخصوـ وليس مف شرطو ومعرفة‬
‫(ٔ)‬
‫المساحة وانما يولى ذلؾ مف يعرفو‬
‫مناقشة ىذيف الدليميف ‪:‬‬
‫أوال ‪:‬قوليـ أف رسوؿ اهلل – (‪ –)‬كاف أميا وىو سيد الحكاـ ال يصمح‬
‫دليبل عمى المدعى الف االميو فى حقو – صمى اهلل عميو وسمـ ‪ -‬معجزة وفى‬
‫غيره نقص ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬
‫قياس الكتابة عمى القسمة والتقويـ قياس مع الفارؽ الف كبلً مف القسمة والتقويـ‬
‫(ٕ)‬
‫يحتاج الى الخبرة ورأى الخبير فييا مصدؽ‬
‫أدلة المذىب الثانى ‪:‬‬
‫استندؿ فقياء ىذا المذىب القائميف باشتراط الكتابة باألدلة اآلتية ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المفتى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٖٗ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫د‪ /‬عبدالرحمف محمد عبدالقادر ‪ ,‬أىمية القضاء ونزاىتو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٜٙ‬‬
‫‪212‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أوال ‪:‬‬
‫اف القاضى فى أدائو لعممو يحتاج الى الكتابة حتى يتمكف مف معرفة ما‬
‫(ٔ)‬
‫يكتبو كاتبو فبل يتمكف مف إخفائو منو‬
‫ويحتاج القاضى أيضا إلى قراءة ما يقدمو الخصوـ مف أدلة مكتوبة فاذا كاف‬
‫(ٕ)‬
‫مفتقر الى القراءة ومفتقر إلى الكتابة فكيؼ يحكـ بيف الخصوـ‬
‫الرأى الراجح‬
‫بعد بياف آراء الفقياء فى اشتراط الكتابة فى القاضى وأدلتيـ نرى أف الراجح ىو‬
‫ما ذىب إليو القائميف باشتراط الكتابة فيمف يعيف قاضيا لقوة أدلتيـ وضعؼ‬
‫أدلة المخالفيف فعمؿ القاضى كمو قائـ عمى القراءة والكتابة مف وقت رفع الدعوى‬
‫اليو وحتى صدور الحكـ مما يدؿ عمى أىمية ىذا الشرط‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المفتى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٕٗ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫د‪ /‬عبدالرحمف عبدالقادر ‪ ,‬أىمية القضاء ونزاىتو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص‪. ٙٛ‬‬
‫‪213‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط السابع‬
‫السمع‬
‫اختمؼ الفقياء فى السمع كشرط فيمف يعيف قاضيا إلى ثبلثة مذاىب ‪-:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪-:‬‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫وقوؿ عند الشافعية‬ ‫وبعض المالكية‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية‬
‫(ٗ )‬ ‫(ٖ )‬
‫إلى أف السمع شرط لتولى القضاء فبل يصح تولى االصـ‬ ‫والحنابمة‬
‫لمقضاء ‪,‬الف القاضى ال يحكـ اال بعد سماع الدعوى ‪ ,‬وجواب المدعى عميو ‪,‬‬
‫وسماع أقواؿ الشيود والمعدليف والمجرحيف لمشيود وكؿ ىذه األوضاع ال تتأتى‬
‫اال لشخص وىبو اهلل حاسة السمع ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫(٘)‬
‫فى القوؿ الثانى عندىـ إلى جواز تولية األصـ ‪.‬‬ ‫ذىب الشافعية‬
‫وقالوا بأف األصـ يستطيع فيـ الدعوي عف طريؽ االشارة ‪.‬‬

‫المذىب الثالث ‪-:‬‬


‫(ٔ )‬
‫إلى أف السمع واجب غير شرط بمعنى اف‬ ‫ذىب بعض المالكية‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫حاشيو ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ صٕٖٓ ‪ ,‬لساف الحكاـ البف الشحنو ‪ ,‬ص ٖٕٕ ‪ ,‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ٖٜٖٔ ,‬ىػ ػ ٖ‪ٜٔٚ‬ـ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫تبصرة الحكاـ البف فرحوف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٔ ‪ ,‬ص ٕ٘ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫األحكاـ السمطانية لماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٓ‪ , ٙ‬أدب القضاء البف ابى الدـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص‬
‫ٗ‪. ٚ‬‬
‫ٗ‬
‫المغنى البف قداـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٜ‬ص ٓٗ ‪ ,‬كشاؼ القناع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٙ‬ص ‪. ٕٜٚ‬‬
‫٘‬
‫االحكاـ السمطانية لماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٓ‪. ٙ‬‬
‫‪214‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫القاضى ال يجوز اف يكوف أصماً ‪ ,‬ولكف اف ط أر عميو الصـ بعد الوالية وحكـ‬
‫فاف أحكامو صحيحة ونافذة ويعزؿ ‪.‬‬
‫الرأي الراجح‬
‫الرأى الراجح ىو ما يراه جميور الفقياء القائميف باشتراط السمع فى القاضى‬
‫حتى يكوف أىبل لمحكـ لقوؿ رسوؿ اهلل – (‪ –)‬انما أقضى بنحو ما أسمع ‪.‬‬
‫مما يؤكد أف السمع شرط فيمف يعيف قاضيا ‪ ,‬اذ سماع الخصوـ أمر ضرورى‬
‫لتبيف الحؽ ومعرفة الحجة التى يبنى عمييا الحكـ ‪ ,‬وأيضا جاء فى كتاب عمر‬
‫بف الخطاب ألبى موسى فإنو اذا أدلى اليؾ ‪.‬مما يدؿ عمى اشتراط السمع ‪,‬‬
‫فاألصـ يتعذر عميو الفيـ واإلفياـ وىذا يؤيد ووجية نظر الجميور التي نميؿ‬
‫إلى ترجيحيا ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫ٔ‬
‫الشرح الكبير لمدردير مرجع سابؽ ‪ ,‬جػٗ ‪ ,‬ص ٖٓٔ ‪ ,‬مواىب الجميؿ لمخطاب مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪, ٙ‬‬
‫ص‪. ٜٜ‬‬
‫‪215‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط الثامف‬
‫البصر‬
‫اختمؼ الفقياء فى البصر كشرط لتولى القضاء إلى ثبلثة مذاىب ‪-:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪-:‬‬
‫(ٖ)‬
‫والحنابمة‬ ‫وبعض المالكية (ٕ)والشافعية‬ ‫(ٔ)‬
‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية‬
‫(ٗ)‬
‫إلى أف البصر شرط فيمف يعيف قاضيا ‪ ,‬فبل يصح تولية األعمى لمقضاء ‪.‬‬
‫واستدؿ جميور الفقياء بأف األعمى ال يمكنو الضبط فى تحقيؽ المبطؿ مف‬
‫(٘)‬
‫المحؽ كما أنو ال يميز بيف الطالب والمطموب والجالس والواقؼ ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫(‪)ٚ‬‬ ‫(‪)ٙ‬‬
‫إلى أف البصر ال يشترط فيمف‬ ‫وقوؿ عند الشيعة االمامية‬ ‫ذىب الظاىرية‬
‫يتولى القضاء فيجوز تولية األعمى لمقضاء وتكوف أحكامو صحيحة‪.‬‬
‫استدؿ أصحاب ىذا المذىب القائميف بأف البصر ال يشترط فيمف يتولى‬
‫القضاء ويجيز تولية األعمى باآلثار اآلتية ‪-:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫البحر الرائؽ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ٖ‪ , ٕٛ‬فتح القدير عمى اليدايو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٚ‬ص‬
‫ٖٕ٘ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫تبصرة الحكاـ البف فرحوف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٔ ‪ ,‬ص ٕ٘ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫األحكاـ السمطانية لماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٓ‪ , ٙ‬المجموع شرح الميذب ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ‪ , ٔٛ‬ص‬
‫ٖ‪. ٖٙ‬‬
‫ٗ‬
‫االقناع لمحجاوى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٖٙٛ‬‬
‫٘‬
‫األحكاـ السمطانية لماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٓ‪. ٙ‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫المحمى ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ‪ , ٜ‬ص ٖٖٗ‬
‫‪ٚ‬‬
‫المختصر النافع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٕٜٚ‬‬
‫‪216‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ٔ‪ -‬أف نبى اهلل شعيب عميو السبلـ كاف أعمى وكاف يفصؿ فى‬
‫(ٔ)‬
‫الخصومات التي تقع في قومو‬
‫(ٕ)‬
‫ٕ‪ -‬أف الرسوؿ (‪)‬استخمؼ ابف أـ مكتوـ عمى المدينة و كاف أعمى ‪.‬‬
‫مناقشة الجميور ليذه األدلة ‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬ما ذكروه عف نبى اهلل شعيب بأنو كاف يقضى بيف قومو وىو أعمى غير‬
‫سميـ ‪ ,‬فابف قدامو الفقيو الحنبمى يقوؿ أنو لـ يثبت أف شعيبا كاف أعمى ‪ ,‬ولو‬
‫ثبت ذلؾ فانو ال يصمح أف يكوف حجة الف شعيبا عميو السبلـ كاف المؤمنوف‬
‫معو قمة ‪ ,‬وربما ال يحتاجوف الى الحكـ بينيـ لقمتيـ وتناقصيـ وأيضا الف‬
‫األنبياء معصوميف مف الخطأ ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أف والية ابف أـ مكتوـ كانت والية لئلمامة فى الصبلة وليست لمقضاء‬
‫(ٖ)‬
‫ولو سممنا بوالية ابف أـ مكتوـ لمقضاء فيحمؿ ذلؾ عمى أنو قبؿ العمى أو‬
‫(ٗ)‬
‫أنو منسوخ أو ىو خصوصية لو ‪.‬‬
‫المذىب الثالث ‪-:‬‬
‫ذىب المالكية فى المعتمد (٘) عندىـ أف البصر واجب غير شرط فيجب أف‬
‫أف يكوف القاضى بصي ار واذا ط أر عميو العمى وحكـ فأحكامو صحيحة إال أنو‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٓٗ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‪ , ٜ‬ص ٓٗ ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫مغنى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص ٘‪ , ٖٚ‬االقناع فى حؿ الفاظ ابى شجاع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ‬
‫٘ ‪ ,‬ص ‪. ٛٚ‬‬
‫ٗ‬
‫حاشيو قميوبى وعميره ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص ‪. ٕٜٙ‬‬
‫٘‬
‫الشرح الكبير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ٗ ‪ ,‬ص ٖٓٔ ‪ ,‬مواىب لجميؿ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص ‪. ٜٜ‬‬
‫‪. ٜٜ‬‬
‫‪217‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فى ىذه الحالة يجب يعزلو ‪.‬‬


‫الرأى الراجح‬
‫بعد مناقشة الجميور ألدلة القائميف بجواز تولية األعمى لمقضاء يتبيف لنا‬
‫أف الرأى الراجح ىو ما ذىب اليو جميور الفقياء القائميف باشتراط البصر فى‬
‫القاضى لقوة أدلتيـ والف منصب القضاء يحتاج إلى قوة المبلحظة ولمبصر فى‬
‫ىذا دخؿ كبير وأثر قوى كما أنو فى أغمب األحواؿ يظير عمى الخصوـ أو‬
‫الشيود فى مجمس القضاء نوع مف االرتباؾ يكوف بمثابة القرينة التى ترشد‬
‫القاضى اذا كاف فطنا الى وجو الصواب فى الخصومة ‪.‬وىذه األمور محروـ‬
‫منيا األعمى ‪.‬‬
‫‪218‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشرط التاسع‬
‫الكالـ‬
‫مف المعموـ أف أى شخص ال يستطيع أف يعبر عف إرادتو وفقا لمعادة اال‬
‫عف طريؽ الكبلـ ‪ ,‬أما الشخص الذى فقد حاسة النطؽ فطريقو الوحيد لمتعبير‬
‫عف ارادتو ىو اإلشارة اال أف ىذه اإلشارة قد يفيميا بعض الناس وقد يتعذر‬
‫عمى البعض اآلخر فيميما وليذا اختمؼ فقياء الشريعة حوؿ صبلحية األخرس‬
‫لتولى القضاء إلى مذىبيف ‪:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪-:‬‬
‫وقوؿ عند الشافعية (ٖ) إلى أف‬ ‫(ٕ)‬
‫والحنابمة‬ ‫(ٔ)‬
‫ذىب جميور الفقياء مف الحنيفة‬
‫الكبلـ شرط فيمف يتولى القضاء فبل يصح تولية األخرس القضاء حتى ولو كاف‬
‫مفيوـ اإلشارة ألف األخرس ال يمكنو النطؽ بالحكـ وال يفيـ جميع الناس‬
‫(ٗ)‬
‫اشارتو ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫(٘ )‬
‫فى القوؿ عندىـ إلى صحة تولية األخرس لمقضاء‬ ‫ذىب الشافعية‬
‫(‪)ٙ‬‬
‫فيـ يقولوف بوجوب توافر الكبلـ‬ ‫بشرط أف تكوف إشارتو مفيومة أما المالكية‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫بدائع الصنائع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ ٚ‬ص ٖ ‪ ,‬حاشية ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ٗ ‪ ,‬ص ٕٖٓ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٜ‬ص ٓٗ ‪ ,‬كشاؼ القناع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٘ٛٛ‬‬
‫ٖ‬
‫المجموع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٔٛ‬ص ٖ‪ , ٖٙ‬السراج الوىاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٘ٛٛ‬‬
‫ٗ‬
‫المغنى ‪ ,‬السابؽ‪ ,‬جػ ‪ ٜ‬ص ٓٗ ‪.‬‬
‫٘‬
‫المجموع ‪ ,‬السابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٔٛ‬ص ٖ‪. ٖٙ‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫الشرح الكبير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ جػ ٗ ‪ ,‬ص ٖٓٔ ‪ ,‬المواىب ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬جػ ‪ , ٙ‬ص‪. ٜٜ‬‬
‫‪219‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الكبلـ فيمف يعيف قاضيا ويجب عزؿ األخرس اذا ولى اال أنيـ يقولوف أف‬
‫الكبلـ واجب غير شرط بمعنى أف األخرس يجب عدـ توليو القضاء ولكف اذا‬
‫ولى وحكـ فحكمو صحيح ويجب عزلو ‪.‬‬
‫الرأى الراجح‬
‫ىو ما ذىب اليو جميور الفقياء القائميف‬ ‫بالرجحاف‬ ‫الذى أراه أولى‬
‫النطؽ فيمف يعيف قاضيا ‪ ,‬ألف األخرس ال يستطيع النطؽ بالحكـ‬ ‫باشتراط‬
‫كما أنو ال يستطيع أف يوجو أسئمة الى أطراؼ النزاع كى يصؿ الى الحقيقة ‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث الثالث‬
‫تقمد القضاء بوسائؿ غير مشروعة‬
‫المطمب االوؿ‬
‫تقمد القضاء بالوسطاء او االرشاء‬
‫قد يحدث فى بعض االحواؿ اف يعيف فى ىذا المنصب الرفيع مف يسعى اليو‬
‫ببذؿ الماؿ عمى سبيؿ الرشوة او اتخاذ الوسطاء حتى يحظى بمنصبو والجموس‬
‫فى محرابو فما الحكـ فى ىذه الحالة‬
‫اوال ‪ :‬تقمد القضاء بالوسطاء ‪:‬‬
‫في البداية قد وردت أحاديث كثيرة عف النبى (‪)‬تحذر مف تمنى القضاء بالقمب‬
‫وسؤالو بالمساف ‪ ,‬فضبل عف الوصوؿ اليو ‪ ,‬واالستعانة عميو بالشفعاء ‪ ,‬أو نيمو‬
‫وتبوء منصبو ببذؿ الماؿ واالرتشاء منيا‪:-‬‬
‫‪ - 1‬ما روى عف عبدالرحمف بف سمرة أنو قاؿ ‪ :‬قاؿ لى رسوؿ اهلل (‪ " :)‬يا‬
‫عبدالرحمف ال تسأؿ اإلمارة فإنؾ إف أعطيتيا عف مسألة وكمت إلييا ‪ ,‬واف‬
‫(ٔ)‬
‫أعطيتيا مف غيرمسألة أعنت عمييا‬
‫ٖ‪-‬ما روى عف أبى ىريرة – رضى اهلل عنو – عف النبى(‪ –)‬قاؿ ‪ ":‬إنكـ‬
‫(ٕ)‬
‫ستحرصوف عمى اإلمارة ‪ ,‬وستكوف ندامة يوـ القيامة "‬
‫ٗ‪-‬ما روى عف أبى موسى األشعرى – رضى اهلل عنو – قاؿ ‪ :‬دخمت‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ اخرجو البخارى فى مسمـ ‪..‬البخارى باب مف سنف االمارة وكيؿ الييا ‪ ,,‬ومسمـ باب ‪ :‬الرضى عف طمب‬
‫االمارة الحرص عمييا‬
‫ٕأخرجو البخارى باب ما يكره مف الحرص عمى االمارة‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عمى النبى (‪ –)‬ورجبلف مف بنى عمر ‪ ,‬فقاؿ أحد الرجميف ‪ :‬يا رسوؿ اهلل‬
‫( أقرنا عمى بعض ما والؾ اهلل عز وجؿ ‪ ,‬وقاؿ اآلخر ‪ :‬مثمو ) فقاؿ ‪ " :‬إف اهلل‬
‫(ٔ)‬
‫ال يولى عمى ىذا العمؿ أحد سألو وال أحدا حرص عميو "‬
‫والسر فى ىذا المنع‪ :‬أف طالب القضاء بيذا الوصؼ ال يوفؽ فى قضائو ‪ ,‬فيو‬
‫إذف غير كؼء لو ‪,‬كما أف حرصو عمى المنصب بيذه الكيفية يقدح فى عدالتو‬
‫(ٕ)‬
‫‪ ,‬ويجعمو متيما فى صبلحيتو والعدالة شرط فى تولية القضاء كما سبؽ‬
‫ومما سبؽ يمكف القوؿ أف سؤاؿ القضاء ‪ ,‬واالستعانة عمى توليتو بالوسطاء‬
‫حكمو فى الجممة المنع وعدـ االباحة‬
‫إال أنو استثنى مف ىذا المنع بعض الحاالت التى يباح فييا ‪ ,‬أو قد يندب أو‬
‫يجب معيا طمب تولى القضاء أو سؤالو‪.‬‬
‫أ)‪ :‬حاالت وجوب طمب القضاء بالوسطاء‬
‫يرى كثير مف الفقياء ‪ :‬وجوب طمب القضاء أو سؤالو فى ثبلث حاالت‪:‬‬
‫الحالة االولي‪ :‬إذا كاف الفرد شخص بشروط التولى ‪ ,‬أى لـ تتوافر أىمية‬
‫القضاء بالنسبة ليذا الشخص فرض عيف يجب عميو طمبو ‪ ,‬أو قبولو إذا عرض‬
‫عميو ولـ يخالؼ فى ىذا إال الحنابمة ‪ ,‬حيث قالوا ‪ :‬وال يجب عميو – أى عمى‬
‫مف يصمح لمقضاء – طمبو ولو لـ يوجد غيره ‪ ,‬لما روى عف أنس قاؿ ‪ :‬قاؿ‬
‫رسوؿ اهلل (‪ –)‬مف سأؿ القضاء وكؿ إلى نفسو ومف أجبر عميو نزؿ ممؾ‬
‫(ٖ)‬
‫يسدده"‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔصحيح مسمـ السابؽ‬
‫ٕينظر اىمية القضاء د عبد الرحمف عبد القادر ص ٔ‪ٜ‬‬
‫ٖينظر كشاؼ القناع ج‪ ٙ‬ص ‪ٕٛٚ‬‬
‫‪222‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬إذا خاؼ مف توافرت فيو شروط تولى القضاء الفتنة عمى نفسو‬
‫أو مالو أو ولده أو عمى الناس إف لـ يتولى ىو القضاء وتواله غيره‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪:‬إذا خاؼ مف توافرت فيو شروط القضاء ضياع الحؽ إف لـ يتوؿ‬
‫ىو ‪,‬وتولى عيره ‪ ,‬سواء أكاف ىذا الحؽ الذى خاؼ ضياعو لو أو لغيره‬
‫ب) ‪ :‬حاالت ندب طمب القضاء بالوسطاء‪.‬‬
‫ذىب فقياء المالكية ‪ ,‬والشافعية ‪ ,‬والزيدية إلى أف طمب القضاء مندوب لمعالـ‬
‫غير المشيور ‪ ,‬ليشير عممو ‪ ,‬كذلؾ يروف ندبو لمفقير الذى لو عياؿ ‪ ,‬لئلرتزاؽ‬
‫مف منصب القضاء إذا توافرت شروطو فيو (ٔ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔينظر التاج واالكميؿ ج ‪ ٙ‬ص ٓٓٔ وتكممة المجموع جٕٓ ص‪ ,ٕٔ٘,ٕٔٙ‬والبحر الزخار ج‪ ٙ‬ص ٕٔٔ‬
‫‪223‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانيا ‪:‬حكـ بذؿ الماؿ لموصوؿ إلى القضاء‬


‫اتفؽ جميورالفقياء عمى عدـ جواز بذؿ الماؿ لتولى منصب القضاء ممف ال‬
‫يصمح لو ‪ ,‬أو لـ يتعيف أو ينفرد بصبلحيتو ليذا المنصب ‪ ,‬بؿ وجد غيره ممف‬
‫يصمح لتوليو بدال عنو ببل رشوة أو إرتشاء (ٔ)إال أنيـ اختمفوا فى حكـ دفع مبمغ‬
‫مف الماؿ مف أجؿ الحصوؿ عمى منصب القضاء فى حالة ‪ :‬تعييف والية‬
‫القضاء عميو كاف لـ يوجد غيره صالحا ليذا المنصب ‪ ,‬وذلؾ عمى قوليف‪:‬‬
‫القوؿ األوؿ ‪ :‬أنو يجوز لمف تعيف عميو القضاء ‪ :‬بذؿ الماؿ إذا منع ىذا‬
‫الشخص مف توليو ما لـ يدفع الماؿ المطموب دفعو‪.‬‬
‫ذلؾ أف دفع الماؿ ليذا الغرض إنما ىو لتحصيؿ أمر واجب – حيث تعيف عمى‬
‫الدافع تقمد القضاء وجوبا – وما يؤدى إلى الواجب فيو واجب‬
‫غير أف اآلخذ ليذا الماؿ آثـ قطعا ‪ ,‬ألنو ماؿ محرـ أخذه واالنتفاع بو‬
‫(ٕ)‬
‫‪ .‬قاؿ بو ‪ :‬الحنيفية ‪ ,‬والمالكية فى قوؿ ‪ ,‬والشافعية‬
‫القوؿ الثانى ‪ :‬أنو يحرـ عمى مف تعيف عميو القضاء – ومف باب أولى مف‬
‫لـ يتعيف عميو ذلؾ – بذؿ الماؿ مف أجؿ الحصوؿ عمى منصبو وتقمد واليتو ‪,‬‬
‫ذلؾ أف دفع الماؿ ليذا الغرض إنما ىو مف باب الرشوة المحرمة شرعا ‪ ,‬قاؿ‬
‫اط ِؿ َوتُ ْدلُوا بِيَا إِلَى اْل ُح َّك ِاـ لِتَْأ ُكمُوا فَ ِريقًا ٍّم ْف‬
‫تعالى " وَال تَْأ ُكمُوا أَموالَ ُكـ ب ْي َن ُكـ بِاْلب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ وقد خرج عف ىذا االتفاؽ ‪ :‬الشافعية حيث جوزوا بذؿ الماؿ لتولى القضاء فى الحاالت التى يسف فييا‬
‫اويندب القضاء اذا كاف الطالب كامؿ الذكر ويرجو ا بالقضاء نشر عممو او كاف محتاجا الى االرؽ‬
‫ومع ىذا يقولوف اف االخذ الظالـ بأخذه الماؿ ‪( .‬ينظر ‪ :‬مفتى المحتاج ‪ ,‬لمشربينى جٗ صٗ‪) ٖٚ‬‬
‫ٕينظر ‪ :‬حاشية ابف عابديف ج ٘ ص ‪ ٖٛٚ‬وحاشية الدسوقى مع الشرح الكبير جٗ ص ٖٔٔ ‪ ,‬وحاشية‬
‫القميبوبى جٕ ص ‪ ٕٜٙ‬والبحر الزخار ج‪ ٙ‬ص ٖٔٔ‪ٕٔٔ,‬‬
‫‪224‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫وف‪" -‬‬ ‫اس بِ ِْ ِ‬
‫الن ِ‬ ‫أَمو ِ‬
‫اؿ َّ‬
‫اإلثْـ َوأَنتُ ْـ تَ ْعمَ ُم َ‬ ‫َْ‬
‫وقاؿ (‪ ":)‬لعف اهلل الراشى والمرتشى والرائش الذى يمشى بينيما‪".‬‬
‫قاؿ بو ‪ :‬الحنيفية فى الصحيح مف المذىب ‪ ,‬والمالكية فى قوؿ ثاف ‪,‬‬
‫(ٕ)‬
‫والحنابمة‬
‫الترجيح‬
‫بعد عرض القوليف السابقيف أرى أف القوؿ الثانى القائؿ ‪ :‬بأنو يحرـ عمى مف‬
‫تعيف عميو القضاء بذؿ الماؿ لمحصوؿ عمى منصبو وتقميد واليتو ىو األقرب‬
‫إلى الصواب واألولى بالقبوؿ‪.‬‬
‫ومف ثـ يحرـ دفع الماؿ لتولى منصب القضاء ‪ ,‬سواء أكاف الدافع متعينا ليذا‬
‫المنصب أو غير متعيف ‪ ,‬وبعبارة أخرى ‪ :‬سواء أكاف ىذا الشخص انفرد‬
‫بصبلحيتو لمقضاء وحده دوف سواه ‪ ,‬أو وجد غيره ممف يصمح ليذا المنصب أو‬
‫ذلؾ لما يأتى‪:‬‬
‫ٔ‪--‬أف دفع الماؿ لتولى منصب القضاء ال يخرج عف كونو رشوة شرعا ‪,‬‬
‫(ٖ)‬
‫والرشوة المحرمة شرعا عمى المعطى واآلخذ والواسطة بينيما‬
‫وذلؾ بالنص واإلجماع‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬قالوا ‪ :‬إف فريضة الحج تسقط بدفع الرشوة إلى األعراب فيذا أولى‬
‫‪,‬واذا منع الطالب لمقضاء مف التولى مع تعينو لممنصب إال بدفع الرشوة لـ يبؽ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔاالية‬
‫ٕينظر حاشية بف عابديف ج٘ ص ‪ ٖٛٚ‬ومجمع االنير جٕ ص ٕ٘ٔ ‪ ,‬والمفتى البف قدامة جزء ٖ ص‬
‫‪ٙٓٚ‬‬
‫ٖينظر حاشية بف عابديف ج٘ ص ‪ٖٛٚ‬‬
‫‪225‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ىذا التولى واجبا عميو فبل يأثـ بالمنع ‪ ,‬وانما يأثـ بدفع الماؿ‪.‬‬
‫ٖ‪-‬إف القوؿ بإباحة دفع الماؿ لمف تعيف عميو تولى القضاء ‪ ,‬لعدـ وجود‬
‫غيره ممف يصمح – وىو فرض نادر ويكاد يكوف مستحيؿ – يؤدى الى فساد فى‬
‫المجتمع ‪ ,‬وتضييع لحدود اهلل ‪ ,‬والعبث بيذا المنصب الجميؿ الحساس فى حياة‬
‫الناس جميعا حيث يتولى القضاء مف يدفع أكثر ويظف أنو األحكـ ‪ ,‬ويتدافع‬
‫الطالبوف لمقضاء – تبعا لذلؾ – كذلؾ يترتب عمى القوؿ بتمؾ االباحة إفساد‬
‫لمحكاـ والقائميف عمى أمر التعييف أفساد أيما إفساد ‪ ,‬واالعانة عمى الفساد فساد‬
‫‪ ,‬وتضييع لمببلد جميعا ‪ ,‬وخاصة فى أمر القضاء الحامى لمعدالة ‪ ,‬واألمف‬
‫( ٔ)‬
‫عمى شرع اهلل‬

‫األثر المترتب عمى الوصوؿ لمقضاء بدفع الماؿ أو الشفعاء‬


‫سبؽ أف ثبت أف القوؿ الراجح أنو ال يجوز بذؿ الماؿ ممف توافرت فيو‬
‫أىمية القضاء وتعيف عميو ىذا المنصب لعدـ وجود غيره ممف يصمح لو ‪ ,‬ومف‬
‫باب أولى ال يجوز ذلؾ – أيضا ‪ -‬إذا لـ يتعيف الشخص بالذات ليذه الوالية ‪,‬‬
‫بؿ تعدد الصالحوف ليا‬
‫وبناء عمى ذلؾ تكوف والية المتولى لمقضاء – حينئذ – باطمة ويجب عزلو ‪,‬‬
‫وترد أحكامو‪.‬‬
‫ىذا الحكـ مف جميور الفقياء (الحنفية ‪ ,‬والمالكية والشافعية – في األصح ‪,‬‬
‫والحنابمة) بالنسبة لحالة ‪ :‬ما إذا لـ يتعيف الشخص لتولى ىذا المنصب ‪ ,‬لتولى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔينظر ضمانات العدالة القضائية در صبلح الشيخ ص ‪ٔٓٙ,ٔٓٚ‬‬
‫‪226‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ىذا المنصب ‪ ,‬بؿ تعدد الصالحوف ‪ ,‬وتواله أحدىـ بدفع الرشوة أو بالشفاعة ‪.‬‬
‫وذلؾ ألف الدافع صار محروما فى عدالتو‪.‬‬
‫أما إذا تعيف القضاء عمى شخص معيف ‪ ,‬ولـ يتعدد مف يصمح لو ‪ ,‬فيو –‬
‫أيضا – نفس الحكـ عند مف يقوؿ بحرمة بذؿ الماؿ فى ىذه الحالة لموصوؿ إلى‬
‫ىذا المنصب‪.‬‬
‫ذلؾ أف التسابؽ إلى القضاء والوصوؿ إليو بيذه الطريقة – وخاصة عند تعدد‬
‫مف يصمح لو – يدؿ عمى عدـ أمانة الراشى أو المستشفع ‪ ,‬وقمة اكتراثو بالعدالة‬
‫وصيانة لحقوؽ الناس‪.‬‬
‫كما أف ذلؾ يؤدى االضرار بالمجتمع بإفساد جياز الحكـ واإلدارة فيو ‪ ,‬واتبلؼ‬
‫لذمميـ ‪ ,‬وتخريب لضمائرىـ بتشجيعيـ أكؿ أمواؿ الناس بالباطؿ (ٔ )‬
‫‪227‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثانى ‪:‬‬


‫تقمد القضاء مف مف الحكاـ واألمراء الظالميف‬
‫اختمؼ فقياء الشريعة فى حكـ تقمد القضاء مف قبؿ الظالميف مف الحكاـ‬
‫والوالة عمى قوليف ‪:‬‬
‫القوؿ األوؿ ‪ :‬أنو يجوز تولى القضاء مف الحاكـ الظالـ ‪ ,‬بشرط العمؿ‬
‫والحكـ بالحؽ فيما يتواله ‪ ,‬فبليكوف مع ىذا التولى مخالفة لمعدالة أو شرع اهلل‬
‫فيما يصدره القاضى مف أحكاـ وقضاء بيف الخصوـ أو سواء فى ذلؾ أكاف‬
‫الحاكـ مسمماً أـ كاف كاف اًر قاؿ بو ‪ :‬الحنفيو ‪ ,‬والشافعية فى قوؿ (ٔ)‪.‬‬
‫أدلة أصحاب ىذا القوؿ ‪:‬‬
‫استدؿ أصحاب ىذا القوؿ بقولو تعالى{ إنى حفيظ عميـ }‬
‫وجو الداللة ‪ :‬أف سيدنا يوسؼ طب الوالية مف فرعوف مصر ‪ ,‬ورغب فييا ‪,‬‬
‫ووصؼ نفسو بمايستحقيا بو ‪ ,‬وىو قولو ‪.)ٕ( :‬‬
‫القوؿ الثانى ‪ :‬أنو اليجوز تولى القضاء مف الظالميف مطمقاً ‪ ,‬أى سواء كاف‬
‫يتمكف مف الحكـ بالحؽ ‪ ,‬أو بغير الحؽ ‪ .‬ػ مف باب أولى ػ‬
‫قاؿ بو ‪ :‬المالكية فى ظاىرة قوليـ ‪ ,‬والشافعية فى قوؿ ثانى ‪ ,‬والحنابمة فى‬
‫الصحيح ‪ ,‬واالمامية (ٖ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔينظر اليداية جػ ‪ ٚ‬صٖ‪ , ٔٙٗ ,ٕٙ‬وشرح مثبل مسكيف عمى متف الكنز ص ٕٕٔ ‪ ,‬واألحكاـ السمطانية‬
‫لمماوردى ‪ ,‬ص ٘‪ , ٜ‬واألحكاـ السمطانية ألبى يعمى ص ٕ‪. ٚ‬‬
‫ٕاآليو رقـ "٘٘" مف سورة يوسؼ ‪.‬‬
‫ٖينظر ‪ :‬األحكاـ السمطانية لمماوردى ص ٘‪ , ٜ‬واألحكاـ السمطانية ألبى يعمى ص ٕ‪ , ٚ‬والتبصره ألبف‬
‫فرحوف جػ ٔ ‪ ,‬ص ٓٔ ‪ ,‬والمختصر النافع ص ‪. ٕٜٚ‬‬
‫‪228‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫واستدؿ أصحاب ىذا القوؿ عمى صحة ماذىبوا إليو بأف إباحة التولى مف‬
‫الحكاـ الظممة فيو إعانة لمظالميف وتزكيتيـ بالتقميد منيـ ‪ ,‬أو انقاذ أمرىـ (ٔ)‪.‬‬
‫وقد أجابوا عف والية يوسؼ ( عميو السبلـ ) مف قبؿ فرعوف بما يمى ‪:‬‬
‫ٔ – أف فرعوف يوسؼ كاف صالحاً ‪ ,‬وانما الطاغى ىو فرعوف موسى‬
‫( عميو السبلـ ) ‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬أف يوسؼ عميو السبلـ نظر فى أمبلؾ فرعوف دوف أعمالو ‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬أف يوسؼ عميو السبلـ كاف نبياً معصوماً مف الظمـ والجور فيما يميو‬
‫(ٕ)‬
‫مف األعماؿ ‪ ,‬وىذا المعنى غير مأموف فى حؽ غيره‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫أرى أف القوؿ الثانى القائؿ بعدـ جواز تقمد القضاء مف الظالميف مف الحكاـ‬
‫أو األمراء ىو األقرب إلى الصواب ‪ ,‬وذلؾ لمافيو مف عوف ليؤالء وتثبت‬
‫لسمطانيـ فى الحكـ والبقاء ‪.‬‬
‫ويستثنى مف ذلؾ حالة الضرورة وذلؾ عند تبيف شخص ما ليذا المنصب ‪,‬‬
‫فيكوف فرض عميو أف يتولى حينذالؾ ‪ ,‬وذلؾ مف أجؿ إحقاؽ الحؽ ‪ ,‬وانصاؼ‬
‫المظموميف ‪ ,‬ورفع الشؾ عنيـ ‪ ,‬ماداـ القاضى فى ذلؾ غير مسموب اإلرادة فى‬
‫الحكـ بالبدؿ والقطساس بيف الناس ‪.‬‬
‫كذلؾ فى ترؾ القضاء فى ىذه الحالة ضرر أكبر مف توليو ‪ ,‬وفى األحجاـ‬
‫عنو فتنو وفساد كبير (ٖ)‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔينظر ‪ :‬األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪ ,‬ص ٘‪. ٜ‬‬
‫ٕينظر ‪ :‬األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪ ,‬ص ٘‪ , ٜ‬واألحكاـ السمطانية ألبى يعمى ‪ ,‬ص ٕ‪. ٚ‬‬
‫ٖينظر ‪ :‬ضمانات العدالة القضائيو ‪ ,‬در صبلح الشيخ ‪ ,‬ص ‪. ٔٔٙ‬‬
‫‪229‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث الخامس‬
‫آداب القضاة‬
‫اذا جمس القاضى لمحكـ فى مجمس القضاء ‪ ,‬وجب عميو أف يتقيد بعدة‬
‫آداب تتحقؽ معيا المحاكمة العادلة التى يحرص عمييا االسبلـ ‪ ,‬حتى يمكف‬
‫اظيار وجو الحؽ والحكـ وفقا الحكاـ الشريعة االسبلمية ‪ ,‬لترد الحقوؽ الى‬
‫أصحابيا وبناؿ المجرـ جزاءه ‪.‬‬
‫وىذه االداب فى اجماليا تنقسـ الى نوعيف ‪:‬‬
‫ٕ‪ -‬آداب خاصة‬ ‫ٔ‪ -‬آداب عامة‬

‫المطمب االوؿ‬
‫االّداب العامة لمقضاة‬
‫ويمكف ايجاز ىذه اآلدآب عمى النحو التالى ‪:‬‬
‫االدب االوؿ ‪ :‬المساواة بيف طرفى الدعوى ‪.‬‬
‫يجب عمى القاضى اف يسوى بيف الخصوـ سواء كانوا مسمميف أو غير‬
‫مسمميف قاؿ تعالى ‪ " -:‬اف اهلل يأمركـ أف تؤدوا االمانات الى اىميا واذا حكمتـ‬
‫بيف الناس اف تحكموا بيف الناس اف تحكموا بالعدؿ "‪)ٔ(.‬‬
‫وكممة الناس تشمؿ المسمـ وغير المسمـ ‪ ,‬كما قاؿ جؿ شأنو ‪ " :‬اعدلوا ىو‬
‫أقرب لمتقوى " (ٕ)‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔمف االية رقـ ‪ ٘ٛ‬مف سورة " النساء" ‪.‬‬
‫ٕمف االية رقـ "‪ "ٛ‬مف سورة " المائدة " ‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقاؿ عز مف قاؿ اف اهلل يأمربالعدؿ واالحساف " (ٔ)‬


‫فاالمر بالعدؿ جاء مطمقا غير مقصور عمى المسمميف ‪.‬‬
‫وتحقيؽ المساواة بيف الخصميف تكوف فى المجمس والنظر واالقباؿ‬
‫والكبلـ ‪.‬وينبغى لمقاضى العدؿ بيف الخصوـ فى الجموس فيجمسيما بيف يديو ال‬
‫عف يمينو وال عف يساره ‪ ,‬ألنو لو فعؿ ذلؾ فقد قرب أحدىما فى مجمسو ‪,‬‬
‫وكذلؾ ال يجمس أحدىما عف يمينو واآلخر عف يساره ‪ ,‬ألف لميميف فضبل وميزة‬
‫عف اليسار ‪.‬‬
‫كما ينبغى عمى القاضى أف يسوى بيف الخصوـ فى النظر واإلقباؿ والنطؽ‬
‫واإلشارة والخموة ‪ ,‬فبل ينطؽ بوجيو إلى أحدىما ‪ ,‬وال يسار إلى أحدىما‬
‫وال يؤمف إلى أحدىما بمساف أو بمغة ال يعرفيا اآلخر ‪ ,‬وال يضحؾ فى وجو‬
‫أحدىما ‪ ,‬ألنو يجترىء عميو ‪ ,‬وال يمازحيما وال أحدىما ‪ ,‬ألنو يذىب بميابة‬
‫القضاء ‪ ,‬وال يضيؼ أحدىما ‪.‬‬
‫والمساواة بيف الخصميف فى كؿ ما سبؽ ألف فى تمييز أحد الخصميف عمى‬
‫اآلخر يؤدى إلى كسر خاطره ‪ ,‬وربما أدى بو ىذا الشعور إلى عدـ إجادة‬
‫عرض محبتو ودفاعو ‪ ,‬مما قد يؤدى إلى ظممو ‪ ,‬وقد جاء فى صدر رسالة‬
‫أمير المؤمنيف عمر بف الخطاب إلى قاضيو عمى الكومة ‪ " :‬آس بيف الناس فى‬
‫مجمسؾ وفى وجيؾ وفى قضائؾ حتى ال ييأس الضعيؼ مف عدلؾ ‪ ,‬وال يطمع‬
‫الشريؼ فى حيفؾ "‬
‫كما ينبغى عمى القاضى إعطاء الفرصة لكبل الخصميف فى الدفع والنطؽ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫مف االية "رقـ "ٓ‪ "ٜ‬مف سورة النمؿ ‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بالحجة بالتساوى ‪ ,‬واذا تكمـ أحدىما أسكت اآلخر حتى يسمع كبلمو ويفيمو ‪,‬‬
‫ثـ يستنطؽ اآلخر حتى يفيـ رأيو تماما ‪.‬‬
‫ويدؿ عمى ما سبؽ مف أحكاـ ‪:‬‬
‫ٔ‪-‬ما روى عف عمى (رضى اهلل عنو) أف رسوؿ اهلل ((‪ ))‬قاؿ لو ‪" :‬‬
‫يا عمى إذا جمس إليؾ الخصماف فبل تقض بينيما حتى تسمع مف اآلخر‬
‫كما سمعت مف األوؿ ‪ ,‬فإنؾ إذا فعمت ذلؾ تبيف لؾ القضاء "‬

‫ٕ‪-‬ما روى عف أـ سممى قالت ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ((‪":) )‬مف ابتمى بالقضاء‬
‫بيف المسمميف فميساوي بينيـ فى المجمس واإلشارة وال يرفع صوتو عمى أحد‬
‫الخصميف أكثر مف اآلخر " (ٔ)‬
‫ٖ‪-‬ما روى عف عبداهلل بف الزبير قاؿ ‪ ":‬قضى رسوؿ اهلل ((‪ ) )‬أف‬
‫الخصميف يقعداف بيف يدى الحاكـ "‬
‫ٗ‪-‬ما روى عف الحسف (رضى اهلل عنو ) أنو قاؿ ‪ :‬جاء رجؿ فنزؿ عمى‬
‫يد عمى فاستضافو ‪ ,‬فمما قاؿ لو ‪ :‬إنى أريد أف أخاصـ ‪ ,‬فقاؿ لو عمى ‪ , :‬إف‬
‫النبى ((‪ ) )‬نيانا أف نضيؼ الخصـ إال ومعو خصمو "‬
‫ومما ينبفى التنبيو عميو ‪ :‬أنو كما ال يصح لمقاضى أف يمعف أحد‬
‫الخصميف حجتو ‪ ,‬فكذلؾ يكره أف يمقف الشاىد ما يقوى شيادتو وروابتو‬
‫‪,‬كأف يمقنو القاضى كبلما يستفيد منو الشاىد عمما ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫‪232‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫األدب الثانى ‪ :‬عدـ قبوؿ القاضى لميدايا مف الخصوـ‬


‫إذا كاف األصؿ فى اإلسبلـ ىو جواز تبادؿ اليدايا بيف الناس ‪ ,‬بؿ‬
‫استحباب ذلؾ ‪ ,‬لما يولده مف محبة ومودة بينيـ ‪ ,‬إال أنو يحرـ عمى‬
‫القاضى قبوؿ اليدايا مف الخصوـ أو مف أحدىـ ‪ ,‬كما يكره قبوليا مف‬
‫غيرىما إال مف قريب لو ‪ ,‬أو ممف جرت عادتو بالمياداة لو قبؿ القضاء‬
‫‪ ,‬ويشترط فى جواز أخذىا منيما أف ال يكوف ليما خصومة فى الحاؿ‬
‫أماـ القاضى الميدى إليو ‪.‬‬

‫وانما حرـ أخذ اليدية ممف لو خصومة – ألنيا تورث إذالؿ الميدى ‪,‬‬
‫واغضاء الميدى إليو‪ ,‬وفى ذلؾ ضرر لمقاضى ودخوؿ الفساد عميو ‪ ,‬وقيؿ أف‬
‫اليدية تطفىء نور الحكمة ‪ ,‬مما يؤثر عمى القاضى ونزاىتو وموضوعيتو ‪,‬‬
‫ولذلؾ تعتبر ىذه اليدية فى حكـ الرشوة التى تقدـ إلبطاؿ حؽ أو إحقاؽ‬
‫باطؿ ‪.‬‬
‫وقد لعف رسوؿ اهلل ((‪ ))‬الراش والمرتشى فى الحكـ والرائش الذى يمشى بينيما‬
‫" كما قاؿ ((‪ ": ))‬ىدايا األمراء غموؿ "أى خيانة ‪.‬‬
‫قاؿ تعالى ‪ ":‬ومف يغمؿ يأت بما غؿ يوـ القيامة "‬
‫وقاؿ ((‪ ": ))‬القاضى إذا أكؿ اليدية فقد أكؿ السحت ‪ ,‬واذا قبؿ الرشوة بمغت‬
‫بو الكفر " وقاؿ ((‪": ))‬مف استعممناه عمى عمؿ فرزقناه رزقا ‪ ,‬فما أخذه بعد‬
‫ذلؾ فيو غموؿ " ‪.‬‬
‫قاؿ الشوكانى" ‪ :‬اليدايا التى تيدى لمقضاة ونحوىـ نوع مف الرشوة ‪ ,‬ألف‬
‫الميدى إذا لـ يكف معتادا لئلىداء إلى القاضى قبؿ واليتو ال ييدى إليو إال‬
‫لغرض ‪ ,‬وىو إما لمتقوى بو عمى باطمو ‪ ,‬أو التوصؿ بيديتو لو إلى حقو ‪,‬‬
‫‪233‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والكؿ حراـ ‪ ,‬وأقؿ األحواؿ أف يكوف طالبا لقربو مف الجاكـ وتعظيمو ونفوذ‬
‫كبلمو ‪ ,‬وال عرض لو بذلؾ إال اإلستطالة عمى خصومة ‪ ,‬أو األمف مف‬
‫مطالبتيـ لو ‪ ,‬فيحشثمو مف لو حؽ عميو ‪ ,‬ويخافو مف ال يخافو قبؿ ذلؾ ‪ ,‬وىذه‬
‫األغراض كميا تئوؿ إلى ما آلت إليو الرشوة "‬
‫وعمى ذلؾ ال يجوز أف يتخذ القاضى بوابا يمنع الناس مف الدخوؿ إلى‬
‫مجمس القضاء حتى يأخذ منيـ شيئا ‪ ,‬إذ تعتبر ىذه رشوة بتمكيف القاضى‬
‫فيكوف ذلؾ بمثابة رشوة يأخذىا القاضى ‪ ,‬لكف يجب أف يتخذ بوابا ينظـ الدخوؿ‬
‫عمى القاضى فى دورىـ دوف مقابؿ‬
‫وقد روى أف عمر بف عبد العزيز ( رضى اهلل عنو ) رد اليدية ‪ ,‬فقيؿ لو ‪:‬‬
‫إف النبى ((‪ ))‬كاف يقبميا ‪ ,‬فقاؿ ‪ :‬كانت لو ىدية ولنا رشوة ‪ ,‬ألنو كاف يتقرب‬
‫بيا إليو لنبوتو ال لواليتو ‪ ,‬ونحف يتقرب بيا إلينا لواليتنا "‬
‫األدب الثالث ‪. :‬فيـ الخصميف ومحاولة الصح بينيما‬
‫ذكر األحناؼ أف مف آداب القاضى أف يكوف فيما عند الخصومة ‪,‬‬
‫فيجعؿ فيمو وسمعو وقبمو إلى كبلـ الخصميف ‪ ,‬لقوؿ عمر ( رضى اهلل‬
‫عنو ) ‪ ":‬فافيـ إذا أدلى إليؾ " ألنو مف الجائز أف يكوف الحؽ مع أحد‬
‫الخصميف ‪ ,‬فإذا لـ يفيـ القاضى كبلميما ضاع الحؽ ‪ ,‬وىذا معنى قوؿ عمر‬
‫( رضى اهلل عنو ) ‪ ":‬فإنو ال ينفع تكمـ بحؽ ال نقاد لو "‬
‫وحتى يصؿ القاضى إلى ىذا الفيـ ‪ ,‬فينبغى عمى القاضى إذا تكمـ أحد‬
‫الخصميف أسكت اآلخر ‪ ,‬ألنيما إذا تكمما جممة ال يتمكف مف الفيـ ‪.‬وال ينبغى‬
‫تعجيؿ الخصوـ عف حججيـ ‪ ,‬وال التخويؼ ليـ ‪ ,‬ويقبؿ عمى الحجج ويفرغ‬
‫نفسو ليا‬
‫‪234‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أما فى مجاؿ الصمح بيف الخصميف ‪ :‬فبل بأس لمقاضى أف يقوـ برد الخصوـ‬
‫إلى الصمح ‪ ,‬إف طمع منيـ فى ذلؾ ‪ ,‬قاؿ تعالى ‪ " :‬والصمح خير "‬
‫فإذا لـ يطمع القاضى فييـ الصمح ال يردىـ إليو ‪ ,‬بؿ بتنفيذ فييـ القضاء‬
‫ألنو ال فائدة فى الرد ‪.‬‬
‫األدب الرابع ‪ :‬االعتداد يدفع المدعى عميو بعد سماع المدعى ‪:‬‬
‫مف اآلداب الجميمة فى مجاؿ القضاء ‪:‬‬
‫أف المدعى إذا أقاـ البينة عمى دعواه ‪ ,‬ثـ ادعى المدعى عميو الدفع ‪ ,‬وقاؿ لو‬
‫بنية حاضرة ‪ ,‬فإف القاضى – حينئذ‪ -‬يميمو زمانا إلحضار بنيتو لقوؿ عمر‬
‫(رضى اهلل عنو ) ‪ ":‬اجعؿ لممدعى أمدا ينتيى إليو "‬
‫وانما أردا بقولو "المدى " أف مدعى الدفع ‪ ,‬ألنو قاؿ فى ذلؾ ‪ ":‬واف عجز‬
‫استحممت عميو القضاء " ‪ ,‬وذلؾ وألنو لو لـ ييممو وقضى ببينة المدعى ربما‬
‫يحتاج إلى نقض قضائو ‪ ,‬لجواز أف يأتى بالدفع متأخ ار ‪ ,‬فيو ‪ -‬بذلؾ – فيو‬
‫صيانة عف النقض أو االبطاؿ ‪.‬‬

‫أما زمف اإلمياؿ – إلحضار المدعى عميو الدفع – فيو مفوض إلى رأى‬
‫القاضى إف شاء أخر إلى آخر المجمس ‪ ,‬واف شاء إلى الغد ‪ ,‬واف شاء إلى بعد‬
‫الغد ( أى يميمو ثبلثة أياـ فقط ) وال يزيد عميو – عند الحنفية والشافعية ‪,‬‬
‫والحنابمة – ألف الحؽ قد توجو عميو ‪ ,‬فبل يسعو التأخير أكثر مف ذلؾ‬
‫األدب الخامس ‪ :‬الترفؽ فى التعامؿ مع الشيود‬
‫ينبغى عمى القاضى أف يمزـ بالترفؽ فى التعامؿ مع الشيود حتى يصؿ إلى‬
‫الحقيقة فى القضاء بشيادة الشيود ‪ ,‬فبل يزجر شاىدا وال يتعنتو ‪ ,‬ألف ذلؾ‬
‫يمنعو مف الشيادة عمى وجييا ‪ ,‬ويدعوه إلى ترؾ القياـ بتحمؿ الشيادة وأدائيا ‪,‬‬
‫‪235‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وفى ذلؾ تضييع لمحقوؽ ‪ ,‬وألف إكراـ الشيود واجبا شرعا ‪ ,‬ألف اهلل – عز‬
‫وجؿ‪ -‬يحى بيـ الحقوؽ بيف العباد‪.‬‬

‫وليس مف الرفؽ أو اإلكراـ حسبيـ عمى باب القاضى ‪ ,‬ىذا إف كاف واحدا ‪ ,‬فإف‬
‫كانوا كثي ار أقرع نبيـ ‪ ,‬واف كانوا رجاال ونساء قدـ الرجاؿ عمى حدة ‪ ,‬والنساء‬
‫عمى حدة ‪ ,‬لما فى الخمط مف حقوؽ الفتنة ‪.‬‬
‫األدب السادس ‪ :‬السؤاؿ عف حاؿ الشيود وعدـ اتخاذ شيود بعينيـ ‪:‬‬
‫أ ‪-‬السؤاؿ عف حاؿ الشيود ‪:‬‬
‫إذا شيد عند القاضى رجؿ ال يعرؼ حالو وأمانتو عمى رجؿ آخر _ وىذه‬
‫الشيادة مما توجب الحكـ شرعا عمى المشيودعميو – فيؿ يجب عمى القاضى‬
‫السؤاؿ عف حاؿ الشيود أـ ال ؟‬
‫اختمؼ الفقياء فى ىذا عمى قوليف ‪:‬‬
‫القوؿ األوؿ ‪ :‬أف القاضى فى ىذه الحالة يحكـ بشيادتو وال يسأؿ ‪ ,‬إال إذا طعف‬
‫الخصـ المحكوـ عميو فى الشاىد ‪ ,‬فحينئذ ال يقضى بالشيادة حتى يعدؿ الشاىد‬
‫فى السر ‪ ,‬ويزكى عنده فى العبلنية ‪ ,‬أى يجب التزكية ىنا لمشاىد ‪,‬وىذا فى‬
‫غير موجبات الحدود والقصاص ‪ ,‬أما فييا فبل بد وجوبا أف يسأؿ عف الشيود‬
‫طعف الخصـ فييـ ‪ ,‬أو لـ يطعف ‪ ,‬وال يقضى بشيادتيـ حتى يزكوا ويعدلوا فى‬
‫السر والعبلنية ‪.‬‬
‫القوؿ الثانى ‪ :‬أنو يجب عمى القاضى السؤاؿ عف حاؿ الشيود‪.‬‬
‫فبلبد تزكيتيـ وتعديميـ ى إثبات جميع الحقوؽ ‪ ,‬طعف الحكـ فييـ أو لـ‬
‫يطعف‪.‬قاؿ بو ‪ :‬المالكية ‪ ,‬والشافعية ‪ ,‬والحنابمة فى ظاىر المذىب ‪ ,‬وأبو‬
‫يوسؼ ومحمد مف الحنفية ‪ ,‬والظاىرية وىذا القوؿ ىو األقرب إلى الصواب‬
‫‪236‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وذلؾ نظ ار لقمة الورع ‪ ,‬وشيوع شيادات الزور ‪ ,‬فيجب التثبيت فى أمر وحاؿ‬
‫الشيود‪.‬‬
‫ب‪-‬عدـ اتخاذ شيودا بعينيـ‬
‫مف آدآب القضاء‪ -‬كما قرر فقياء الشافعية عدـ اتخاذ القاضى شيودا بعينيـ ال‬
‫تقبؿ شيادة غيرىـ الف فى ذلؾ تضيقا عمى الناس واضرار بيـ فى حفظ الحقوؽ‬
‫والف شروط الشيادة ال تختص بالمضيؽ مف قبؿ القاضى الختبلفيا مف‬
‫شيادةالى احرى عمى حسب المشيود بو‬
‫االدب السابع ‪ :‬االلتزاـ بالتخصص المحدد لو فى واليتو‬
‫تكمـ كثير مف الفقياء عمى قاعدة ‪ :‬تخصيص القضاء بالمكاف والزماف والنوع‬
‫وعمى القاضى الحكـ فى اختصاصو فقط حسب ما ولى سواء كاف ذلؾ فى‬
‫الموضوعات المناط لو الحكـ فييا او فى زمف الوالية أوفى مكانيا ‪ ,‬واذا تـ ىذا‬
‫التخصيص لمقضاة مف قبؿ الحاكـ العاـ ‪ ,‬فبل يجوز لمقاضى أف يتجاوز ىذا‬
‫التخصيص واال اعتبرت احكامو باطمة‬
‫أوال بالنسبة لمتخصص المكانى ‪:‬‬
‫اذا خصص الحاكـ العاـ لمدولة قاضيا واحدا فى مكاف معيف مف الدولة ليحكـ‬
‫فيو فاف ىذا التخصيص صحيح ولو أف يحكـ فى كؿ ما يجد مف قضايا فى ىذا‬
‫المكاف ‪ ,‬اال اذا قيد قضاءه بزماف معيف أو بنوع معيف مف القضايا‬
‫أما اذا تـ تعييف أكثر مف قاضى فى ىذا المكاف فاما أف يكوف قضاء كؿ منيما‬
‫عمى استقبلؿ – أى يحكـ كؿ واحد فيما يعرض عميو دوف اشتراؾ االخر معو‬
‫فى الحكـ وحيئنذ الى كؿ واحد نوع خاص مف االحكاـ والى االخر غيره كما لو‬
‫أسند الى أحدىـ قضاء ( أحكاـ االسرة ) والى الثانى قضاء ( المعامبلت المالية‬
‫‪237‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫والتجارية ) والى الثالث القضاء الجنائى وىكذا فيجوز ذلؾ ويقصر كؿ واحد‬
‫عمى النظر فى ذلؾ الحكـ الخاص بو أما اذا كاف القضاء فييما باالشتراؾ فيما‬
‫بينيما فى حكـ موضوع يتـ بعبارة أخرى اسنادا قضاء معيف واحد الى أكثر مف‬
‫قاضى فى دائرة أو محؿ واحد الحكـ فيو كما لو أسند الى عدة قضاة الفصؿ فى‬
‫موضوع جنائى أو مالى فى خصومة واحدة فقد اختمؼ الفقياء فى ىذا عمى‬
‫قوليف ‪:‬‬
‫القوؿ االوؿ ‪ :‬انو ال مانع مف اف يقمد قاضياف أو أكثر عمبل واحدا فى مكاف‬
‫واحد لتولى الفصؿ باالشتراؾ فيما بينيـ باجماع االرآء أو االكثر ‪.‬‬
‫وذلؾ باعتبار اف القاضى نائب أو وكيؿ عف االماـ أو الحاكـ ولمموكؿ أف يوكؿ‬
‫عنو أكثر مف شخص ‪.‬‬
‫كذلؾ فاف الغرض مف القضاء ىو فصؿ الخصومات وقطع المنازعات وايصاؿ‬
‫الحؽ الى مستحقيو ‪ ,‬وىذا يحصؿ بتولى قاضييف أو أكثر فأشبو تولى قاض‬
‫واحد ليذا الغرض‬
‫القوؿ الثانى ‪ :‬ال يجوز تقميد قاضييف أو أكثر عمبل واحدا فى مكاف واحد ‪ ,‬النو‬
‫سيؤدى الى ايقاؼ أو تعطيؿ الحكـ فى الخصومات النيما يختمفاف فى االجتياد‬
‫فيرى أحدىما ما اليرى فى االخر وأرى أف القوؿ االوؿ ىو االقرب لمصواب لما‬
‫استدلوا بو مف أدلة النو كما يجوز لمحاكـ أف يستخمؼ فى البمدة التى ىو فييا‬
‫قاضييف فيجوز اف يكوف فييا قاضياف اىمياف‬
‫كذلؾ فاف التاريخ االسبلمى جاء فيو اف بعض الخصومات الميمة كانت تنظر‬
‫اماـ قضاة أربعة بعد تعدد القضاة فى مسجد دمشؽ ببل انكار مف العمماء‬
‫‪238‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانيا ‪ :‬بالنسبة لمتخصص الزمانى ‪:‬‬

‫معناه ‪ :‬أف يتقيد قضاء القاضى بزماف معيف كيوـ أو أسبوع أو شير أو‬
‫سنة أو أكثر حسب ما يرى الحاكـ وينص عمى ذلؾ فى عقد الوالية وال يجوز أف‬
‫يتجاوز قضاء القاضى ىذا التحديد مف الوقت ‪ ,‬واال اعتبرت أحكامو ممغاة وال‬
‫يعتد بيا‬
‫ثالثا ‪ :‬بالنسبة لمتخصص النوعى‪:‬‬
‫ومعناه ‪ :‬تخصيص القاضى بنوع معيف مف القضاء ‪ ,‬كالقضاء الجنائى ‪ ,‬أو‬
‫قضاء المعامبلت المدنية والتجارية ‪ ,‬أو قضاء األحواؿ الشخصية ( أحكاـ‬
‫األسرة ) ‪ ,‬قاؿ أبو بعمى فى األحكاـ السمطانية ‪ ":‬ويجوز أف تكوف والية‬
‫القاضى مقصورة عمى حكومة معينة بيف خصميف "‬
‫األدب الثامف ‪ :‬إجابة الدعوة وعيادة المرضى أو تشييع الموتى‬
‫إجابة الدعوة ‪:‬‬
‫الدعوة ‪ ,‬مثؿ ‪ :‬وليمة العرس ‪ ,‬أو الختاف ‪ ,‬أو مأدبة الطعاـ فى غيرىما ‪ ,‬وىى‬
‫إما أف تكوف عامة ‪ ,‬و إما أف تكوف خاصة‪.‬‬
‫فالدعوة العامة ‪ :‬ىى التى تعد سواء حضرىا القاضى أـ ال ‪ ,‬أو يكوف عدد‬
‫حضورىا فوؽ العشرة‪.‬‬
‫فممقاضى إجابة الدعوة فى ىذه الحالة بشرط أف اليكوف لمداعى إلييا خصومة‬
‫عند القاضى ‪ ,‬ذلؾ ألف اإلجابة سنة ‪ ,‬وال تيمة تتعمؽ بالقاضى فى ىذه اإلجابة‬
‫أما الدعوة الخاصة ‪ :‬وىى التى ال يتخذىا صاحبيا لوال حضور القاضى ‪ ,‬أو ما‬
‫تكوف دوف العشرة ‪.‬‬

‫فميس لمقاضى إجابة ىذه الدعوة ‪ ,‬ألنيا ال تخمو عف التيمة ‪ ,‬إال إذا كاف‬
‫‪239‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫صاحب الدعوة ممف كاف يتخذ لو الدعوة قبؿ القضاء ‪,‬أو كاف بينو وبيف‬
‫القاضى قرابة فبل بأس أف يحضر إذا لـ يكف لو خصومة ‪ ,‬إلنعداـ التيمة ‪ ,‬فإف‬
‫عرؼ القاضى لو خصومة لـ يحضرىا لمتيمة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عيادة المرضى أو شيود الجنائز‪:‬‬

‫عيادة مرضى المسمميف وشيادة جنائزىـ مما يندب فعمو مف القاضى ‪ ,‬ألف‬
‫ذلؾ حؽ المسمـ عمى أخيو المسمـ ‪ ,‬والقاضى أولى بذلؾ ‪ ,‬ألنو قدوة لآلخريف‬
‫فى المحافظة عمى شرائع الديف ‪ ,‬قاؿ ((‪ : ))‬حؽ المسمـ عمى أخيو المسمـ‬
‫ست ‪ :‬رد السبلـ ‪ ,‬وتشميت العاطس واجابة الدعوة ‪ ,‬وعيادة المريض ‪ ,‬واتباع‬
‫الجنائز ‪ ,‬واذا استنصحؾ فانصح لو "‬
‫كؿ ذلؾ يندب إذا لـ يشغؿ القاضى عف الحكـ وسرعة التقاضى ‪,‬واال منع مف‬
‫ذلؾ ‪ ,‬ألف مباشرة الحكـ ‪ ,‬وابطاؿ الحؽ بحكمو إلى صاحبو أولى ‪.‬‬

‫ومما تجدر االشارة اليو ‪ :‬أف ىذا ليس قاص ار فعمو مف القاضى لممسمميف ‪ ,‬بؿ‬
‫يستحب – أيضا – عيادة مرضي أىؿ الذمة ‪ ,‬فقد روى البخارى عف أنس أف‬
‫النبى ((‪ ":))‬عاد ييوديا وعرض عميو اإلسبلـ فأسمـ ‪ ,‬فخرج يقوؿ ‪ ":‬الحمد‬
‫هلل الذى أنقذه مف النار "‪.‬‬
‫كما يجوز تشييع موتى أىؿ الكتاب ‪ ,‬كما نقؿ أف أصحاب النبى ((‪))‬‬
‫شيعوا أـ الحارث أبى ربيعة ‪ ,‬وىى نصرانية "‬
‫‪241‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثانى‬
‫اآلداب الخاصة يالقضاة‬
‫وىذه اآلداب ‪ :‬مجموعة مف الخصاؿ المبلزمة لشخص القاضى حيف القضاء ‪,‬‬
‫كصفاء نفسو ‪ ,‬وحضور ذىنو عند فيـ موضوع الخصاـ ‪ ,‬وراحة مجمسو أثناء‬
‫إصدار األحكاـ ‪.‬‬
‫وبياف ىذه اآلداب بشىء مف التفصيؿ عمى النحو التالى ‪:‬‬
‫األدب األوؿ ‪ :‬صفة مجمس القضاة‬
‫يستحب عند الشافعية أف يكوف مجمس القضاء الذى يجمس فيو القاضى لمحكـ‬
‫فسيحا ‪ ,‬ألف الضيؽ يتأذى منو القاضى والخصوـ ‪ ,‬كما يستحب أف يكوف بار از‬
‫‪ ,‬أى ظاى ار ليعرفو مف أراد مف مستوطف وغريب ؟ وأف يكوف مصونا مف حر‬
‫وبرد غير محكميف ‪ ,‬ومف كؿ ما يؤذى مف جو الروائح المنتنة والدخاف والغبار‬
‫‪ ,‬قاؿ سيدنا عمر (رضى اهلل عنو ) ‪ ":‬واياؾ والقمؽ والضجر " وىذه األشياء‬
‫تقضى إلى الضجر ‪ ,‬وتمنع الحاكـ اإلجتياد ‪,‬وتمنع الخصوـ مف استيفاء الحجة‬
‫ويكره عند الشافعية اتخاذ المسجد مجمسا لمحكـ ‪ ,‬ألف مجمس القاضى ال يخمو‬
‫عف المغط وارتفاع األصوات ‪ ,‬وقد يحتاج إلى إحضاء المجانيف ‪ ,‬والصغار‬
‫والحيض والنساء والكفار ‪ ,‬والدواب ‪ ,‬والمسجد يصاف عف ذلؾ كمو ‪.‬‬

‫فإف صادفت قضية أو قضايا وقت حضوره فى المسجد لصبلة أو غيرىا ‪ ,‬فبل‬
‫بأس يجوز الحكـ فييا ‪ ,‬استثناء مف المنع ‪ ,‬وعميو يحمؿ ما جاء عف النبى‬
‫(صمى اهلل عميو وسمـ ) وعف خمفائو القضاء فى المساجد‬
‫وذىب الحنفية ‪ ,‬والمالكية ‪ ,‬والحنابمة ‪ ,‬والزيدية ‪ :‬إلى أنو ال بأس بالقضاء‬
‫فى المسجد ‪ ,‬وذلؾ اقتداءا برسوؿ اهلل ((‪ ))‬وصحابتو والتابعيف ليـ بإحساف ‪,‬‬
‫‪241‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فإف اإلقتداء بيـ واجب‬


‫ومف ىنا ندرؾ سبؽ الفقو اإلسبلمى إلى فكرة المحكمة (مجمس القضاء ) تاريخيا‬
‫وتنظيميا وذلؾ قبؿ النظـ الوضعية حديثا وقديما‬
‫األدب الثانى ‪ :‬فطنتو فى فيـ موضوع الخصاـ‪.‬‬
‫ينبغى عمى القاضى إلقامتو وتحقيقو بيف الخصوـ أف يفيـ فطنتو وقوة فراستو‬
‫موضوع الخصومة فيما دقيقا وواعيا ‪ ,‬قاؿ عمر (رضى اهلل عنو ) ‪ ":‬فافيـ إذا‬
‫أولى إليؾ ‪ ,‬فإنو ال ينفع تكمـ بحؽ ال نفاذ لو "‬
‫فإف القاضى ال يتمكف مف الحكـ بالحؽ إال بنوعيف مف الفيـ ‪:‬‬
‫أحدىما ‪ :‬فيـ الواقع ‪ ,‬أى سبب الخصومة وموضوعيا ‪ ,‬واستنباط حقيقة ما وقع‬
‫بالقرائف واإلمارات والعبلمات ‪.‬‬

‫ثانييما ‪ :‬فيـ الواجب فى الواقع ‪ ,‬وىو حكـ اهلل الذى حكـ بو فى كتابو ‪ ,‬أو‬
‫عمى لساف رسولو ((‪ ))‬فى ىذا الواقع ‪ ,‬ثـ يطبؽ أحدىما عمى اآلخر‬
‫األدب الثالث ‪ :‬صفاء نفس القاضى عند الحكـ‬
‫مما يجب مراعاتو عند القضاء بيف الخصوـ صفاء نفس القضى مف المكدرات‬
‫والمقمقات ‪.‬‬
‫ومف ثـ فبل يقض القاضى وىو فى حالة ضجر أو ضيؽ أو اضطراب إال بعد‬
‫زواؿ ىذه العوارض ‪ ,‬أو تمؾ األعذار ‪ ,‬والتى تحوؿ بيف القاضى بيف تحرى‬
‫العدؿ أو الصواب ‪.‬‬

‫وليذا اتفؽ الفقياء عمى عدـ جواز قضاء القاضى وىو غضباف ‪ ,‬قاؿ ((‪ ))‬ال‬
‫يقتضى حاكـ بيف اثنيف وىو غضباف "‬
‫‪242‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقاؿ عمر (رضى اهلل عنو ) ‪ ":‬واياؾ والغضب ‪ ,‬والغضب ‪ ,‬والقمؽ ‪ ,‬والضجر‬
‫‪ ,‬والتأذى بالناس ‪ ,‬والتنكر عند الخصومة أو الخصوـ "وىذا يتضمف التحذير‬
‫مما يحوؿ بيف الحاكـ وبيف كماؿ معرفتو بالحؽ ‪ ,‬وتجريد قضيو لو ‪ ,‬والغضب‬
‫والقمؽ والضجر مضاد ليما‬

‫كذلؾ فإف الغضب – أيضا – مما يشغمو عف الحؽ ‪ ,‬ويدىشو عف التأمؿ ‪,‬‬
‫ويتغير بو عقمو ‪ ,‬فبل يستوفى رأيو وفكره إذف وفى معنى الغضب ‪ :‬كؿ ما يشغؿ‬
‫فكر القاضى مثؿ الجوع المفرط ‪ ,‬والعطش الشديد ‪ ,‬ومرافقة أحد األخبثيف وشدة‬
‫النعاس ‪ ,‬واليـ والغـ ‪ ,‬والحزف والفرح ‪ ,‬والخوؼ ‪ ,‬والمرض ‪ ,‬وطوؿ الجموس‬
‫فيذه األشياء كميا تمنع حضور القمب واستيفاء الفكر ‪ ,‬الذى يتوصؿ بو‬
‫إلى إصابة الحؽ فى الغالب ‪ ,‬فيى فى معنى الغضب المنصوص عميو فتجرى‬
‫مجراه وتأخذ حكمو‪.‬‬
‫ولكف ما الحكـ لو حكـ القاضى أثناء الغضب أو ما شاكمو مما سبؽ ؟ فقد‬
‫اختمؼ الفقياء فى ذلؾ عمى قوليف ‪:‬‬
‫القوؿ األوؿ ‪ :‬قاؿ بو ‪ :‬بعض الحنابمة ‪ ,‬والزيدية أف قضاءه ال ينفذ ‪ ,‬ويقع‬
‫باطبل‪,‬ألنو منيى عنو ‪,‬والنيى يقتضى فساد المنيى عنو‬
‫القوؿ الثانى ‪ :‬أف قضاءه ينفذ ‪ ,‬وال يؤثر فى ذلؾ كونو غضباف أو غيره‪.‬‬
‫قاؿ بو ‪ :‬الجميورواستدلوا عمى ذلؾ ‪:‬‬
‫بما روى أف النبى ((‪ ))‬اختصـ إليو الزبير ورجؿ مف األنصار فى شراء‬
‫الحرة فقاؿ النبى ((‪ ))‬لمزبير ‪ ":‬اسؽ ثـ أرسؿ الماء إلى جارؾ " فقاؿ‬
‫األنصارى ‪ :‬إف كاف ابف عمتؾ ‪ ,‬فغضب رسوؿ اهلل ((‪ ))‬وقاؿ لمزبير ‪:‬اسؽ‬
‫ثـ احبس الماء ختى يبمغ الجدر "‬
‫‪243‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وجو الداللة‪:‬‬
‫أف النبى ((‪ ))‬حكـ وىو فى حاؿ غضبو‬
‫وجاء فى المذىب الحنبمى ‪ ":‬إنما يمنع الغضب القاضى مف الحكـ ‪ ,‬إذا‬
‫كاف قبؿ أف يتضح لو الحكـ فى المسألة ‪ ,‬أما إذا اتضح الحكـ فى المسألة ثـ‬
‫عرض عميو الغضب لـ يمنع القاضى مف الحكـ ‪ ,‬ألف الحؽ قد استباف قبؿ‬
‫الغضب ‪ ,‬فبل يؤثر الغضب فيو وىذا ما أرجحو واهلل أعمى وأعمـ‪.‬‬
‫‪244‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المبحث الثالث‬
‫موانع االىمية‬
‫المانع فى المغة ‪ -:‬ىو الحائؿ بيف الشيئيف‬
‫وفى االصطبلح ‪ - :‬ىو الوصؼ الظاىر المنضبط الذى جعمو الشارع‬
‫حائبل دوف وجود الحكـ ‪ ,‬أو حائبل دوف اقتضاء السبب سببو ‪ ,‬فيمزـ عف وجوده‬
‫(ٔ)‬
‫العدـ وال يمزـ مف عدمو وجود وال عدـ لذاتو ‪.‬‬
‫ويشتمؿ ىذا الفصؿ عمى المطالب اآلتية ‪- :‬‬
‫المطمب األوؿ‬
‫اذا كاف القاضى أحد أطراؼ النزاع‬
‫ال شؾ أف اإلنساف ال يصمح اف يكوف خصما وحكما فى آف واحد ميما‬
‫كانت عدالتو ونزاىتو ‪ ,‬ألنو ييتـ بالتحيز لنفسو ‪ ,‬وقد اختمؼ الفقياء في كوف‬
‫ذلؾ مانعا الي مذىبيف ‪:‬‬
‫المذىب االوؿ ‪:‬‬
‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية والمالكية والشافعية والحنابمة والظاىرية ال‬
‫(ٕ)‬
‫يجيزوف حكـ القاضى لنفسو لشدة التيمة الموجية اليو‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫ذىب المالكية فى قوؿ عندىـ الى أف القاضي يجوز لو أف يحكـ لنفسو‬
‫بشرط أف يكوف الحكـ مبنيا عمى إقرار وكاف بغير إقرار وكاف بالبينة فبل يجوز‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫أصوؿ الفقو لمخضرى ‪ ,‬ص ٓ‪ , ٚ‬ارشاد الفحوؿ ‪ ,‬ص ‪ , ٚ‬غاية الوصوؿ ‪ ,‬أ‪.‬د ‪ /‬جبلؿ الديف عبدالرحمف‬
‫‪ ,‬ص ٘‪. ٔٛ‬‬
‫ٕ‬
‫بدائع الصنائع مرجع سابؽ جػ‪ ٚ‬ص‪ , ٛ‬مبيف الحكاـ مرجع سابؽ ص ٖ٘ ‪.‬‬
‫‪245‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫لمتيمة ‪.‬‬
‫أوال أدلة الجميور ‪-:‬‬
‫استدؿ جميور لما ذىبوا إليو باألدلة اآلتية ‪-:‬‬
‫أوال المعقوؿ ‪-:‬‬
‫أف القاضى ال يجوز لو أف يشيد لنفسو لمتيمة فكذلؾ ال يجوز لو أف‬
‫(ٕ)‬
‫يحكـ لنفسو مف باب أولى لشدة التيمة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -:‬اآلثار ‪-:‬‬
‫ما روى عف أمير المؤمنيف عمر بف الخطاب أنو تحاكـ مع أبى بف كعب‬
‫فى خصومة بينيما إلى زيد بف ثابت كما تحاكـ سيدنا عماف بف عفاف رضى‬
‫اهلل عنو مع طمحة بف جبير بف مطعـ وتحاكـ عمى – رضى اهلل عنو – مع‬
‫(ٖ)‬
‫ييودي فى درع الى شريح ‪.‬‬
‫ويفيـ مف ىذه اآلثار أف القاضى يمتنع عميو أف ينظر النزاع ويحكـ لنفسو‬
‫الف عمر وعثماف وعمى – رضى اهلل عنيـ – وىـ أعدؿ الناس وقفوا أمرىـ‬
‫إلى غيرىـ ليفصموا فى منازعات ىـ أطراؼ فييا ‪.‬‬
‫(ٗ)‬
‫ثالثا ‪ :‬أف حكـ القاضى لنفسو مف خصائص النبي ‪. -))(( -‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أدلة المذىب الثاني ‪-:‬‬
‫استدؿ القائموف بأف القاضى يجوز لو أف يحكـ لنفسو اذا كاف الحمـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫مواىب الجميؿ مرجع سابؽ ج‪ ٙ‬ص ٖٗٔ‬
‫ٕ‬
‫معيف الحكاـ مرجع سابؽ ص ٖ٘ ‪ ,‬كشاؼ القناع مرجع سابؽ ج‪ ٙ‬ص ٖٕٓ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫المجموع مرجع سابؽ ج‪ ٔٛ‬ص ٕٖ٘ ‪ ,‬المعنى ‪ .‬مرجع سابؽ ج‪ ٜ‬ص ‪ٔٓٚ‬‬
‫ٗ‬
‫مفتى المحتاج مرجع سابؽ ٗ‪.ٖٜٖ/‬‬
‫‪246‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫مبنيا عمى اإلقرار بأف أبا بكر الصديؽ – رضى اهلل عنو – قطع يد الرجؿ‬
‫الذى سرؽ عقد زوجتو عندما أقر بالسرقة ‪ ,‬فيذا دليؿ عمى أف القاضى‬
‫(ٔ)‬
‫يجوز لو أف يحكـ لنفسو شرط إقرار الخصـ ‪.‬‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪-:‬‬
‫اف الحكـ ىنا ليس لمقاضى وىو أبو بكر الصديؽ – رضى اهلل عنو – ولكف‬
‫لزوجتو كما أف السرقة يجب فييا الحد وىو القطع والحدود ومنيا القطع مف‬
‫(ٕ)‬
‫موجبات حؽ اهلل تعالى فبل يدخميا حكـ القاضى لنفسو ‪.‬‬

‫الرأى الراجح‬
‫األولى بالقبوؿ والرجحاف ىو ما ذىب إليو جميور الفقياء القائميف بأف‬
‫القاضى ال يجوز لو أف يحكـ لنفسو لقوة أدلتيـ وضعؼ دليؿ المخالفيف‬
‫وألف القاضي ميما كانت قوة ايمانو ونزاىتو فانو بشر يميؿ الى ما فيو‬
‫تحقيؽ مصمحتو حرصا عمى سبلمة القضاء ونزاىتو واقتداء بمسمؾ الصحابة‬
‫رضواف اهلل عمييـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫مواىب الجميؿ مرجع سابؽ ج‪ ٙ‬ص ٖٗٔ ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫د‪/‬سيد عبد الرحمف شفيرى ‪ ,‬ضمانا ت صح الحكـ رسالة سابؽ االشارة الييا ص ‪ٔٓٚ‬‬
‫‪247‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثانى‬
‫الزوجية‬
‫كمانع مف موانع صبلحية‬ ‫فى عبلقة الزوجية‬ ‫اختمؼ فقياء الشريعة‬
‫القاضى لمحكـ فى نزاع يتعمؽ بزوجتو الى مذىبيف ‪-:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪- :‬‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫والراجح‬ ‫والمختار مف المالكية‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية‬
‫(ٖ)‬
‫إلى اف القاضى ال يجوز لو أف يحكـ لزوجتو‬ ‫عند الحنابمة‬
‫المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫(‪)ٙ‬‬ ‫(٘)‬ ‫(ٗ)‬
‫إلى أف القاضي‬ ‫وابف حزـ‬ ‫ورواية عند الحنابمة‬ ‫ذىب الشافعية‬
‫يجوز لو أف يحكـ لزوجتو فى أى نزاع ىى طرؼ فيو ‪.‬‬
‫األدلػػة‬
‫أدلة المذىب األوؿ ‪-:‬‬
‫استدؿ أصحاب ىذا المذىب القائميف بأف القاضي ‪ ,‬ال يجوز لو أف يحكـ‬
‫لزوجتو باألدلة اآلتية ‪-:‬‬
‫أوال ‪:‬أف رابطة الزوجية مف أقوى أسباب الموااله وىو مما يجعؿ كؿ واحد‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المبسوط مرجع سابؽ ‪ٙٗ/ٔٙ‬‬
‫ٕ‬
‫التاج واالكميؿ عمى مختصر خميؿ مرجع سابؽ ‪ٖٔٗ/ٙ‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى المرجع السابؽ ‪ٜٖٔ/ٜ‬‬
‫ٗ‬
‫المجموع شرح الميذب مرجع سابؽ ‪ٗٚٔ/ٔٛ‬‬
‫٘‬
‫المغنى مرجع سابؽ ‪ٜٖٔ/ٜ‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫المحمى البف حاتـ مرجع سابؽ ‪ٗٔ٘/ٜ‬‬
‫‪248‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫منيما مائبل لؤلخر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬أف كؿ واحد مف الزوجيف ير اآلخر عف غير حجب فكؿ واحد منيما‬
‫(ٕ)‬
‫ينتفع باآلخر ليذا ال يجوز لمقاضى أف يحكـ المرأتو‬
‫ثالثا ‪:‬قياس القضاء عمى الشيادة فالزوج ال تقبؿ شيادتو لزوجتو لمتيمة‬
‫( ٖ)‬
‫فبل يقبؿ وال يصح قضاؤه ليما مف بابا ولى لشدة التيمة‬
‫أدلة المذىب الثانى ‪-:‬‬
‫استدؿ المذىب الثاني باألدلة اآلتية ‪-:‬‬
‫أوال ‪:‬أف عقد النكاح عقد عمى منفعة كعقد اإليجار فبل يمنع مف‬
‫(ٗ)‬
‫قبوؿ الحكـ‬
‫الػرأى الػراجح‬
‫بعد أف بينا آراء الفقياء وأدلتيـ فى العبلقة الزوجية كمانع مف موانع أىمية‬
‫القاضى لمحكـ تبيف لنا أف ما ذىب اليو الحنيفة والمالكية فى المختار عندىـ‬
‫واألصح عند الحنابمة القائميف بعدـ صحة حكـ القاضى لزوجتو ىو االولى‬
‫بالقبوؿ والرجحاف لقوة أدلتيـ وضعؼ دليؿ المخالفيف وأيضا الف القاضى متيـ‬
‫بالتحيز لزوجتو وسعادتو بما يسعدىا ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المبسوط مرجع سابؽ ‪ٙٗ/ٔٙ‬‬
‫ٕ‬
‫المعنى السابؽ نفس الصحيفة‬
‫ٖ‬
‫الشرح الكبير لمدردير مرجع سابؽ ٗ‪ٕٔ٘/‬‬
‫ٗ‬
‫المعنى البف قدامو ممرجع سابؽ ‪ٖٜٔ/ٜ‬‬
‫‪249‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثالث‬
‫القرابػة‬
‫ال يخفى أف اإلنساف وفقا لممألوؼ يميؿ الى نصرة أقاربو ‪ ,‬وليذا ‪ -‬إذا كاف‬
‫أحد أط ارؼ النزاع قريبا لو كوالده وولده مثبل – فقد اختمؼ الفقياء فى مدى‬
‫أىميتو لنظر ىذا النزاع ‪ ,‬واصدار حكـ فيو الى مذىبيف ‪-:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫(ٕ)‬ ‫(ٔ)‬
‫والصحيح‬ ‫والمختار عند المالكية‬ ‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية‬
‫ورواية عند الحنابمة (ٗ)إلى أف القاضي ال يجوز لو أف يحكـ‬ ‫(ٖ)‬
‫عند الشافعية‬
‫ألحد أقاربو أصوال أو فروعا ‪.‬‬
‫المذىب الثاني ‪:‬‬
‫(‪) ٙ‬‬ ‫(٘ )‬
‫ورواية عند‬ ‫فى المقابؿ عندىـ وبعض الشافعية‬ ‫ذىب المالكية‬
‫(‪)ٚ‬‬
‫إلى أف القاضي يجوز لو أف يحكـ ألقاربو سواء كانوا أصولو أـ‬ ‫الحنابمة‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫انظر بدائع الصنائع ‪ .‬مرجع سابؽ ‪ , ٛ/ٚ‬معيف الحكاـ ‪ .‬مرجع سابؽ ص ٖ٘ ‪ .‬لساف الحكاـ مرجع‬
‫سابؽ ص ٖٕٗ‬
‫ٕ‬
‫المواىب ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ٖٔٗ/ٙ‬والشرح الصغير ‪ .‬مرجع سابؽ ٗ‪ , ٕٜٔ/‬الشرح الكبير ‪ .‬مرجع سابؽ‬
‫ٗ‪ٕٔ٘/‬‬
‫ٖ‬
‫ادب القضاء البف ابى الدـ ‪ .‬مرجع سابؽ ص ‪ , ٜٔ٘‬والمجموع مرجع سابؽ ‪ ٖٙ٘/ٔٛ‬نياية المحتاج ‪.‬‬
‫مرجع سابؽ ‪ٕٓٗ/ٛ‬ـ ‪.‬‬
‫ٗ‬
‫المغنى ‪ .‬مرجع سابؽ ‪ ٜٔٔ/ٜ‬شرع منتيى االرادات – مرجع سابؽ ٖ‪ ٖٗٚ/‬المبدع ‪ .‬مرجع سابؽ‬
‫ٕ‪.ٕٓٙ/‬‬
‫٘‬
‫حاشية الصاوى ‪ .‬مرجع سابؽ ٗ‪.ٕٜٔ/‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫ادب القاض البف الدـ ‪ .‬مرجع سابؽ ص ‪ٜٔ٘‬‬
‫‪ٚ‬‬
‫االحكاـ السمطانية البى حيمى الغراء ‪ .‬مرجع سابؽ ص ‪. ٚٙ‬‬
‫‪251‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬
‫(ٔ)‬
‫أيضا ‪.‬‬ ‫فروعو وىذا ما ذىب إليو ابف حزـ الظاىري‬
‫أدلة المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫استدؿ جميور الفقياء القائميف بعدـ جوار القضاء فى اى نزاع يتعمؽ‬
‫بأصولو او فروعو بالسنة واألثر والقياس ‪.‬‬
‫اوال ‪ :‬السنة ‪:‬‬
‫ما روتو السيدة عائشة ‪ :‬رضى اهلل عنيا – أف النبي – صمى اهلل عميو‬
‫وسمـ – قاؿ ‪ :‬ال تجوز شيادة خائف وال خائنة وال ظني فى والء أو قرابة وال‬
‫(ٕ)‬
‫مجمود فى حد‬
‫وجو االستدالؿ بيذا الحديث ‪:‬‬
‫إف النبي – صمى اهلل عميو وسمـ‪ -‬لـ يجيز شيادة األقارب أصوال كانوا أو فروعا‬
‫والظني معناه المتيـ واألب ال شؾ انو متيـ مف الشيادة لولده والعكس صحيح‬
‫(ٖ)‬
‫– واذا ثبت ىذا فى‬ ‫ألنو مالو كما لو والف بينيـ بعضو فكأنو يشيد لنفسو‬
‫الشيادة فالقضاء مف باب أولى ألنو اشد خط ار وأعمى مرتبة مف الشيادة ‪.‬‬
‫ثانيا األثر ‪:‬‬
‫جاء فى رسالة عمر بف الخطاب الى ابى موسى االشعرى ما نصو "‬
‫والمسمموف عدوؿ بعضيـ عمى بعض ‪ ,‬إال مجمودا فى حد أو مجربا عميو شيادة‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المحمى ‪ .‬مرجع سابؽ ‪.ٗٔ٘/ٜ‬‬
‫ٕ‬
‫سنف الترمذى مرجع سابؽ ع‪ , ٘ٗٙ , ٘ٗ٘/‬وقاؿ الترمذى ىذا الحديث غريب اال نعرؼ مف حديث بزيد‬
‫مف زياد الدمشقى‬
‫ٖ‬
‫المغنى – مرجع سابؽ ‪ٜٕٔ/ٜ‬‬
‫‪251‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫زور أو ظنيا فى والء أو نسب (ٔ)‪.‬‬


‫وجو االستدالؿ ‪:‬‬
‫إف عمر – رضى اهلل عنو‪ -‬حدد فى رسالتو إلى أبى موسى االشعرى نوعا‬
‫مف المسمميف ال تقبؿ شيادتيـ ومف ىذا النوع مف ينتسب إلى آخر بطريؽ‬
‫القرابة وال شؾ أف قرابة األصوؿ لمفروع والعكس ىى أعمى القرابات واذا ثبت ىذا‬
‫فى الشيادة فى القضاء مف باب أولى‬
‫ما روى أف اإلماـ عمى بف ابى طالب – رضي اهلل عنو – تخاصـ مع‬
‫ييودى فى درع بينيما إلى القاضى شريح فطمب القاضى شريح مف اإلماـ عمى‬
‫البيئة فأتى بشاىديف ىما ابنو الحسف وقبر مواله فقاؿ القاضى اف شيادة موالؾ‬
‫فقد اجزناىا وأما شيادة ابنؾ فبل نجيزىا فقاؿ لو اإلماـ عمى ثكمتؾ أمؾ أما‬
‫(ٕ)‬
‫سمعت عمر بف الخطاب ‪ ( : -‬الحسف والحسيف سيدا شباب أىؿ الجنة )‬
‫فقاؿ القاضي شريح الميـ نعـ ‪ ,‬فقاؿ االماـ عمى افبل تجيز شيادة سيد شباب‬
‫اىؿ الجنة ورغـ ذلؾ لـ يقبؿ شريح شيادة الحسف ألبيو‬
‫فيذا دليؿ قاطع وساطع عمى عدـ صبلحية الشيادة كدليؿ لئلثبات بيف األصوؿ‬
‫والفروع ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬القياس ‪ :‬إف شيادة القاضي ممنوعة وغير جائزة ألصولو وفروعو لمتيمة‬
‫واذا كاف األمر كذلؾ فيمتنع عميو القضاء ليـ بالتيمة مف باب أولى قياسا عمى‬
‫(ٖ)‬
‫عدـ جواز شيادة ليـ حتى ولو ثبت القضاء عنده بدليؿ غير الشيادة‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫معيف الحكاـ – مرجع سابؽ ص ٘ٔ االحكاـ السمطانية لممارودى – مرجع سابؽ ص‪ٙ٘/‬‬
‫ٕ‬
‫سنف الترمذى جػ ٘‪ ٙ٘ٙ/‬وقاؿ الترمذى ىذا الحديث حسف صحيح‪.‬‬
‫ٖ‬
‫مواىب الجميؿ – مرجع سابؽ ‪ , ٖٔٗ/ٙ‬الشرح الكبير لمدردير مرجع سابؽ ٗ‪ ٕٔ٘ /‬المجموع ‪ .‬مرجع‬
‫=‬
‫‪252‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وىذه التيمة الموجية لمقاضي أساسيا أف كبل مف القاضي وأصولو وفروعو ينتفع‬
‫كؿ منيما باآلخر ‪.‬‬
‫(ٔ)‬
‫فالوالد ينتفع بماؿ ولده والولد ينتفع بماؿ والده‬
‫وقيؿ أف أساس ىذه التيمة ‪ ,‬أف أصوؿ القاضي أو فروعو جزء منو أى‬
‫(ٕ)‬
‫أبعاضو ‪ ,‬فكما يمتنع عميو أف يحكـ لنفسو يمتنع عميو أيضا أف يحكـ ليـ‬
‫أدلة المذىب الثاني ‪:‬‬
‫القائميف بصحة حكـ القاضي ألصولو‬ ‫استدؿ أصحاب ىذا المذىب‬
‫وفروعو باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫(ٖ)‬
‫‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬اف قضاء القاضي ألقاربو قضاء لغيره كاألجانب‬
‫ثانيا ‪ :‬قياس القضاء عمى الشيادة فكما تجوز الشيادة لؤلصوؿ والفروع‬
‫فيجوز القضاء ليـ ‪,‬وذلؾ لما روى ابف ربيعة – رضى اهلل عنو – اف عمر بف‬
‫الخطاب رضى اهلل عنو قاؿ ‪ :‬تجوز شيادة الوالد لولده والولد لوالده واألخ‬
‫(ٗ)‬
‫‪.‬‬ ‫ألخيو‬
‫الرأي الراجح ‪-:‬‬
‫بعد مناقشة ادلة المذىب الثاني القائميف بجواز وصحة حكـ القاضي‬
‫ألصولو وفروعو يظير لنا واضحا جميا أف الرأي الراجح ىو ما ذىب إليو‬
‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫سابؽ ‪ ٖٙ٘/ٔٛ‬االقناع فى حؿ الفاظ بف شجاع ٓ٘‪ , ٜٜ/‬شرح منتيى االرادات سابؽ ٖ‪ٖٗٚ/‬‬
‫ٔ‬
‫االنصاؼ لممرداوى ٔٔ‪ , ٕٔٙ/‬اليداية مرجع سابؽ ٖ‪ٕٕٔ/‬‬
‫ٕ‬
‫مغتى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ٗ‪ٕٜٜ/‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى البف قدامة مرجع سابؽ ‪ٔٓٚ/ٜ‬‬
‫ٗ‬
‫المحمى البف حزـ مرجع سابؽ ‪ٗٔ٘ /ٜ‬‬
‫‪253‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫جميور الفقياء القائميف باف القاضي ال يجوز لو اف يحكـ ألصولو او فروعو لقوة‬
‫أدلتيـ وأيضا لتنزيو القضاء عف مواطف الشبيات الف رابطة القرابة مف شأنيا‬
‫التأثير فى القاضي واخراجو عف حياده أما إذا حكـ القاضي عمى أصولو او‬
‫فروعو فيذا الحكـ وارى اف القاضي يمتنع عميو نظر اى نزاع يكوف احد أصولو‬
‫او فروعو طرفا فيو سواء حكـ ليـ او عمييـ وذلؾ لوجود التيمة ثابتة فى حقو ‪,‬‬
‫ليذا وذاؾ أرى أف القاضي ال يحؽ لو نظر اى نزاع يكوف أحد أصولو او فروعو‬
‫طرفا فيو حماية لنصب القضاء مف القيؿ والقاؿ باعتباره رمز العدالة ‪.‬‬
‫‪254‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الرابع‬
‫عمـ القاضي المسبؽ بالنزاع‬
‫القاضى باعتباره فردا مف أفراد المجتمع ال يستطيع أف يعيش فى عزلة مف‬
‫الناس وقد يحد إمامو نزاع فى غير مجمس القضاء ويعمـ جانب الحؽ فيو ‪ ,‬فيؿ‬
‫يجوز لو اذا رفع اليو ىذا النزاع ليفصؿ فيو أف يحكـ فيو بعممو دوف بيئة أ اقرار‬
‫؟ أـ ال يقضى اال بالبينة اواإلقرار‪.‬‬
‫فقد اختمؼ الفقياء فى حكـ القاض بعممو إلى ثبلثة مذاىب ‪:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫ذىب المالكية فى المشيور عندىـ وىو قوؿ لئلماـ مالؾ – رضى اهلل عنو‬
‫(ٔ )‬
‫والقوؿ المفتى بو فى المذىب‬ ‫– وأكثر أصحابو وظاىر مذىب الحنابمة‬
‫(ٕ)‬
‫إلى أف القاضي ال يجوز أف يحكـ بعممو مطمقا فبل يحكـ إال‬ ‫الحنفي‬
‫بالبينة أو اإلقرار‪ ,‬سواء كاف موضوع النزاع حقا هلل تعالى كالزنا والشرب وغير‬
‫ذلؾ أو حقا آلدمي كالمعامبلت وغيرىا ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪:‬‬
‫(ٗ)‬ ‫(ٖ)‬
‫إلى أف القاضي يجوز‬ ‫ورواية لئلماـ أحمد‬ ‫ذىب ابف حزـ الظاىرى‬
‫لو أف يحكـ بعممو مطمقا سواء كاف المحكوـ فيو حقا هلل تعالى أو حقا آلدمى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫الشرح الكبير مرجع سابؽ ٗ‪ ,ٔ٘ٛ/‬جواىر االكميؿ شرح مختصر خميؿ لمشيخ صالح عبد المسيح االبى‬
‫االزىرى جػٕ ص ٖٕٓ المتفؽ شرح المؤطا لمباجى مرجع سابؽ ٘‪.ٔٛٙ /‬‬
‫ٕ‬
‫المفتى مرجع سابؽ ‪ , ٖ٘/ٜ‬الطرؽ الحكمية البف اليتـ جػ ٗ‪ٜٔ‬‬
‫ٖ‬
‫المحمى البف حزـ مرجع سابؽ ‪.ٕٗٙ/ٜ‬‬
‫ٗ‬
‫المعنى السابؽ نفس الصحيفة‬
‫‪255‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫يقوؿ ابف حزـ (ٔ) "‬


‫المذىب الثالث ‪:‬‬
‫فقياء ىذا المذىب يفرقوف بيف ما اذا كاف المحكوـ فيو حقا هلل تعالى أو‬
‫حقا آلدمى‪.‬فإف كاف المحكوـ فيو حقا هلل تعالى فانو ال يجوز لمقاضى اف يحكـ‬
‫(ٖ)‬ ‫(ٕ)‬
‫أنو يجوز –‬ ‫والشافعية‬ ‫فيو بعممو ذىب الحنفية‬
‫(ٗ)‬
‫يجوز لمقاضى أف‬ ‫أما اذا كاف المحكوـ فيو حقا لآلدمى فعند الحنفية‬
‫(٘)‬
‫فالصحيح عندىـ أنو يجوز لمقاضى أف يحكـ‬ ‫يحكـ بعممو‪ ,‬أما عند الشافعية‬
‫بعممو بشروط ثبلثة ‪:‬‬
‫الشروط األوؿ ‪ :‬أف يكوف القاضى مف أىؿ االجتياد ‪.‬‬
‫الشرط الثانى ‪ :‬أف يصرح القاضي أنو حكـ بعممو ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أال تقوـ بينة بخبلؼ ما ادعاه ‪.‬‬
‫أدلة المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫استدؿ فقياءىذا المذىب القائميف بأف القاضى ال يجوز لو أف يحكـ بعممو مطمقا‬
‫سواء أكاف المحكوـ فيو حقا هلل تعالى أو حقا آلدمى بالكتاب والسنة واآلثار ‪.‬‬
‫أوال الكتاب ‪:‬‬
‫اجمِ ُد ُ‬
‫وى ْـ‬ ‫اء فَ ْ‬ ‫ات ثُـ لَ ْـ َيأْتُوا ِبأ َْرَب َع ِة ُ‬
‫ش َي َد َ‬
‫وف ا ْلم ْحص َن ِ‬ ‫قولو تعالى " َوال ِذ َ‬
‫يف َي ْرُم َ ُ َ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المحمى مرجع سابؽ ‪ٗٗٙ/ٜ‬‬
‫ٕ‬
‫حاشيو ابف عابديف مرجع سابؽ ٗ‪.ٖ٘٘/‬‬
‫ٖ‬
‫مفتى المحتاج مرجع سابؽ ٗ‪ , ٖٜٛ/‬نياية المحتاج مرجع سابؽ ‪ٕٙٓ/ٛ‬‬
‫ٗ‬
‫بدائع الصنائع – مرجع سابؽ ٕ‪ ٙ,ٚ/‬مجمع االنير ‪ ,‬مرجع سابؽ‬
‫٘‬
‫قميوبى وعميرة مرجع سابؽ ٗ‪ , ٖٓٗ/‬نياية المحتاج ‪ٕٜ٘/ٛ .‬‬
‫‪256‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثَ َم ِان َ‬
‫(ٔ)‬
‫يف َج ْم َدة "‬
‫وجو الداللة مف اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫أف اهلل – سبحانو وتعالى – أمر بجمد القاذؼ اذا لـ يأت بأربعة شيداء ‪,‬‬
‫حتى ولو كاف القاضى يعمـ صدقو ‪ ,‬فدؿ ذلؾ عمى أف القاضى ال يجوز أف‬
‫يقضى بعممو‪)ٕ(.‬‬
‫ثانيا السنة ‪:‬‬
‫أ ‪-‬ما روتو أـ سممة ‪ -‬رضى اهلل عنيا – أف النبى – صمى اهلل عميو‬
‫وسمـ ‪ -‬قاؿ ( إنكـ تختصموف الى ولعؿ بعضكـ أف يكوف ألحف بحجتو مف‬
‫بعض فاقض لو عمى نحو ما اسمع منو فمف قطعت لو مف حؽ أخيو شيئا فبل‬
‫يأخذه فإنما اقطع لو بو قطعة مف النار(ٖ) ‪.‬‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ‬
‫أف الرسوؿ ‪ –))(( -‬كما يقضى بنحو ما يسمع مف حجج الخصوـ ولـ‬
‫(ٗ)‬
‫يقضى بعممو فدؿ ذلؾ عمى اف القاضي ال يجوز لو أف يحكـ بعممو‬
‫ب‪ -‬عف األشعث بف قيس قاؿ ‪:‬كاف بيف وبيف رجؿ خصومة فى بئر فاختصما‬
‫(٘)‬
‫إلى رسوؿ اهلل صمى اهلل عميو وسمـ فقاؿ عميو السبلـ بينتؾ أو يمينو‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫جزء مف االية ٗ سورة النور‬
‫ٕ‬
‫المنتقى شرح المعطا لمياجى مرجع سابؽ ٘‪ٔٛٙ/‬‬
‫ٖ‬
‫متفؽ عميو – انظر سبؿ السبلـ مرجع سابؽ ٗ‪. ٜٔٚ/‬‬
‫ٗ‬
‫المفتى مرجع سابؽ ‪.٘ٗ/ٜ‬‬
‫٘‬
‫صحيح البخارى ‪ .‬مرجع سابؽ جػ ٔٔ ص ٘٘‪.ٛ‬‬
‫‪257‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أف الرسوؿ – صمى اهلل عميو وسمـ – جعؿ اإلثبات لممدعى عف طريؽ‬
‫البيئة فى قولو شاىداؾ فدؿ ذلؾ عمى أف عمـ القاضي ليس مف طرؽ اإلثبات‬
‫جػ ‪ -‬ما روتو السيدة عائشة – رضى اهلل عنيا – أف النبي صمى اهلل عميو‬
‫وسمـ فأتوا النبى – صمى اهلل عميو وسمـ – فقالوا ‪ :‬القود يا رسوؿ اهلل فقاؿ لكـ‬
‫كذا وكذا فمـ يرضوا فقاؿ ‪ :‬لكـ كذا وكذا فرضوا فقاؿ انى خاطب عمى الناس‬
‫ومخبرىـ برضاكـ ؟ قالوا نعـ فخطب فقاؿ ‪ :‬أف ىؤالء الذيف أتونى يريدوف القود‬
‫عرضت عمييـ كذا وكذا فرضوا أرضيتـ ؟ قؿ العنيـ المياجروف بيـ فأمرىـ ‪.‬‬
‫رسوؿ اهلل – صمى اهلل عميو وسمـ – أف يكفوا عنيـ فكفوا ثـ دعاىـ فزادىـ‬
‫فقاؿ ‪ :‬أفرضيتـ ؟ نعـ قاؿ ‪ :‬انى خاطب عمى الناس ومخبرىـ برضاكـ ‪ :‬قالوا‬
‫نعـ ‪ ,‬فخطب فقاؿ ‪ :‬أرضيتـ فقالوا نعـ ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مف اآلثار ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أف أبا بكر الصديؽ – رضى اهلل عنو – قاؿ لو رأيت حدا عمى رجؿ لـ‬
‫آخذه حتى تقوـ البينة (ٔ) ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ترافع الى القاضي شريح خصماف فقاؿ لممدعى ألؾ بينة فقاؿ أنت‬
‫(ٕ)‬
‫شاىدى فقاؿ شريح أتى األمير حتى أحضر فأشيد لؾ‬
‫جػ أف عمر بف الخطاب رضى اهلل عنو تراعى عنده رجبلف فقاؿ لو أحدىما‬
‫أنت شاىدى فقاؿ عمر إف شئتما شيدت ولـ أحكـ أو أحكـ وال أشيد (ٖ)‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫رواه الخمسة اال الترمذى ‪ ,‬انظر نيؿ االوطار لمشوكانى مرجع سابؽ ‪ٖٕٖ /ٛ‬‬
‫ٕ‬
‫فتح البارى بشرح صحيح مرجع سابؽ ٖ‪ٔ٘ٛ/‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى البف قدامة مرجع سابؽ ‪٘٘/ٜ‬‬
‫‪258‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أدلة المذىب الثانى‬


‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف بأف القاضي يجوز لو أف يحكـ بعممو‬
‫سواء أكاف المحكوـ فيو حقا هلل تعالى أو حقا آلدمي باألدلة اآلتيو ‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬الكتاب ‪:‬‬
‫ش َي َداء لِمّ ِو َولَ ْو‬
‫س ِط ُ‬ ‫ِ‬
‫يف ِبا ْلق ْ‬
‫يف آم ُنواْ ُكوُنواْ قَو ِ‬
‫ام َ‬ ‫ِ‬
‫ُّيا الذ َ َ‬
‫قاؿ تعالى ( َيا أَي َ‬
‫(ٔ)‬
‫َعمَى أَنفُ ِس ُك ْـ)‬
‫وجو الداللة مف اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫أف اهلل سبحانو وتعالى أمرنا بالقياـ بالقسط أى بالعدؿ وليس مف العدؿ أف‬
‫يترؾ القاضى الظالـ عمى ظممو وىو يعمـ ذلؾ ومف ثـ يجب عميو أف يحكـ‬
‫(ٕ)‬
‫بعممو‬
‫ثانيا ‪ :‬السنة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما رواه أبو سعيد أف الرسوؿ – صمى اهلل عميو وسمـ – قاؿ "‬
‫( مف رأى منكـ منك ار فمغيره بيده فمف لـ يستطع فبمسانو فمف لـ يستطع‬
‫(ٖ)‬
‫فبقمبو وىذا أضعؼ اإليماف)‪.‬‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫أننا مأموروف بتغيير المنكر ‪ ,‬وليس ىناؾ أقدر مف القاضي عمى تغيير المنكر‬
‫إذا رآه ‪ ,‬يقوؿ ابف حزـ ‪:‬والحاكـ اف لـ يغير ما رأى مف المنكر حتى تأتى البينة‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫جزء مف االية ٖٓٔ سورة النساء‬
‫ٕ‬
‫المحمى مرجع سابؽ ‪ٕٜٗ/ٜ‬‬
‫ٖ‬
‫د‪/‬رمضاف حافظ القضاء فى االسبلـ ص ‪ ٗٙ‬مذكرات عمى االستسؿ بطمبة الدرسات العميا بكمية الشريعة‬
‫‪ٜٕٔٛ -‬‬
‫‪259‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عمى ذلؾ فقد عصى رسوؿ اهلل – صمى اهلل عميو وسمـ– ففرضا عميو أف يغير‬
‫(ٔ)‬
‫كؿ عممو بيو وأف يعطى كؿ ذى حؽ حقو واال فيو ظالـ ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما روتو السيدة عائشة –رضى اهلل عنيا – قالت دخمت ىند بنت عتبة‬
‫امرأة بف سفياف عمى رسوؿ اهلل –صمى اهلل عميو وسمـ‪ -‬فقالت يا رسوؿ اهلل إف‬
‫أبى سفياف رجؿ شحيح وال يعطيني مف النفقة ما يكفيني ويكفى ابني إال ما‬
‫أخذت مف مالو بغير عممو فيؿ فى ذلؾ مف جناح ؟ فقاؿ رسوؿ اهلل –صمى اهلل‬
‫(ٕ)‬
‫عميو وسمـ – خذي مف مالو بالمعروؼ ما يكفيكى ويكفي بنيؾ‬
‫وجو الداللة مف ىذا الحديث ‪:‬‬
‫أف الرسوؿ ‪ -‬صمى اهلل عميو وسمـ ‪ -‬حكـ ليند مف غير بينة لعممو‬
‫بصدقيا وىذا حكـ بالعمـ مما يدؿ عمى جوازه (ٖ) ‪.‬‬
‫أدلة المذىب الثالػث‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف بأف القاضي يحكـ بعممو فى حقوؽ‬
‫العباد وال يحكـ بعممو فى حقوؽ اهلل باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬بالنسبة لجواز حكـ القاضى بعممو فى حقوؽ العباد فقد استدلوا‬
‫باألدلة التى ذكرىا فقياء المذىب الثاني الدالة عمى الجواز ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬بالنسبة لعدـ جواز حكـ القاضي بعممو فى حقوؽ اهلل فقد‬
‫استدلوا باألدلة التى ذكرىا فقياء المذىب األوؿ عمى عدـ الجواز وأضافوا‬
‫دليبل مف المعقوؿ مفاده‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫صحيح مسمـ شرح النووى عميف مرجع سابؽ ٕ‪ٕٕ/‬‬
‫ٕ‬
‫صحيح البخارى مرجع سابؽ ٖٔ‪. ٔٚٔ/‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى البف القداـ ‪.٘ٗ,٘٘/ٜ‬‬
‫‪261‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أف القاضي يجوز لو القضاء بالبينة ‪ ,‬فيجوز القضاء بعممو بطريؽ األولى وىنا‬
‫ألف المقصود مف البينة ليست عينيا ‪ ,‬بؿ المقصود حصوؿ العمـ بحكـ الحادثة‬
‫وعممو الحاصؿ بالمعاينة أقوى مف عممو الحاصؿ بالشيادة ‪ ,‬ألف الحاصؿ‬
‫بالشيادة عمـ غالب الرأى وأكثر الظف والحاصؿ بالمشاىدة عمـ القطع واليقيف‬
‫فكاف ىذا أثرى فكاف القضاء بو أولى ‪ ,‬اال أنو ال يقض بو فى الحدود الخالصة‬
‫ألف الحدود يحتاط فى درئيا وليس مف االحتياط فييا االكتفاء بعمـ نفسو ‪,‬‬
‫(ٔ)‬
‫والحدود تد أر بالشبيات‬
‫الػرأى الراجػح‬
‫ما أراه أولى بالرجحاف ىو ما ذىب اليو فقياء المذىب األوؿ القائميف بأف‬
‫القاضي ال يجوز لو أف يحكـ بعممو مطمقا سواء كاف المحكوـ فيو حقا هلل أو‬
‫حقا آلدمي وذلؾ لما يأتي ‪:‬‬
‫ب ‪ -‬أف القوؿ بالمنع مطمقا أنفى لمتيمة وفيو سدا لمذرائع فمو فتح الباب‬
‫فى ىذا الزماف لتذرع كثير مف القضاء فقتموا األبرياء لحجة أنيـ رأوىـ يقتموف‬
‫ويفرقوف بيف المرء وزوجو بحجة أنيـ سمعوا طبلؽ زوجتو وىذا ىو عيف الفساد‬
‫والضرر (ٕ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫بدائع الصنائع مرجع سابؽ ‪ ,ٚ/ٚ‬المجموع مرجع سابؽ ‪ٖٜٛ/ٔٛ‬‬
‫ٕ‬
‫حاشية ابف عابديف ‪ .‬مرجع سابؽ ٗ‪. ٖ٘٘/‬‬
‫‪261‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الخامس‬
‫االفتاء‬
‫قبؿ أف نبيف آراء الفقياء فى حكـ إفتاء القاضي يجدر بنا أوال أف‬
‫نبيف حقيقة االفتاء فى المغة واالصطبلح ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬اإلفتاء فى المغة ‪-:‬‬
‫ىو ما أفتى بو الفقيو يقاؿ ‪ :‬أفتاه فى األمر أباف لو ومنو أفتى العالـ اذا‬
‫بيف الحكـ (ٔ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اإلفتاء فى االصطالح الفقياء ‪:‬‬
‫ىو اإلخبار عف حكـ الشرع ال عمى سبيؿ اإللزاـ (ٕ) ‪.‬‬
‫آراء الفقياء فى حكـ إفتاء القاضي‪:‬‬
‫اتفؽ الفقياء (ٖ) عمى أف القاضي يجوز لو أف يفتى فى غير المسائؿ التى‬
‫تكوف محبل لمخصومات كالعبادات وغيرىا ولكنيـ اختمفوا فى حكـ إفتائو فى‬
‫المسائؿ التى تكوف محبل لمخصومات الى مذىبيف ‪.‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫(‪) ٙ‬‬ ‫(٘ )‬ ‫(ٗ )‬
‫والمشيور عند‬ ‫والشافعية‬ ‫وقوؿ عند المالكية‬ ‫ذىب الحنفية‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫القاموس المحيط – مرجع سابؽ ٗ‪ ٖٖٚ/‬المصياح المنير – مرجع سابؽ ٕ‪.ٖٕٙ/‬‬
‫ٕ‬
‫مفتى المحتاج ‪ .‬مرجع سابؽ ٗ‪ , ٖٕٚ/‬فتح التقدير ‪ .‬مرجع سابؽ‬
‫ٖ‬
‫حاشية ابف عابديف ‪ .‬مرجع سابؽ ٗ‪ ٕٖٓ/‬المواىب ‪ .‬مرجع سابؽ ‪ ,ٜٜٔ/ٙ‬المبدع مرجع سابؽ ٓٔ‪ٕ٘/‬‬
‫االحكاـ السمطانية لمماوردى مرجع سابؽ ‪ٛٙ/ٔٙ‬‬
‫ٗ‬
‫حاشية ابف عابديف مرجع سابؽ ٗ‪ , ٕٖٓ/‬المسبوط ‪ .‬مرجع سابؽ ‪ٛٙ/ٔٙ‬‬
‫٘‬
‫المواىب ‪ .‬مرجع سابؽ ‪ٜٔٔ/ٙ‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫االحكاـ السمطانية ‪ .‬لممارودى مرجع سابؽ ص ٓ‪ٙ‬‬
‫‪262‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الحنابمة (ٔ) إلى أف القاضي يجوز لو أف يفتى فى مسائؿ الخصومة وغيرىا متى‬
‫طمب منو ذلؾ‪.‬‬
‫المذىب الثاني ‪:‬‬
‫(ٖ)‬ ‫(ٕ)‬
‫وقوؿ عند‬ ‫فى المشيور عندىـ وقوؿ عند الحنفية‬ ‫ذىب المالكية‬
‫(ٗ)‬
‫إلى أف القاضي ال يجوز لو أف يفتى فى المسائؿ التى تكوف‬ ‫الحنابمة‬
‫محبل لمخصومات‪.‬‬
‫أدلة المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫استدؿ القائموف بأف القاضي يجوزأف يفتى فى جميع المسائؿ بالسنة والمعقوؿ ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬السنة ‪:‬‬
‫أف الرسوؿ – صمى اهلل عميو وسمـ – ومف بعده الخمفاء الراشديف كانوا‬
‫يحكموف بيف الناس فى خصوماتيـ وفى الوقت نفسو كانوا يفتوف الناس فى‬
‫(٘)‬
‫‪.‬‬ ‫نوازليـ‬
‫مناقشة ىذا الدليؿ ‪:‬أف الرسوؿ ‪ -‬صمى اهلل عميو وسمـ – ومف بعده الخمفاء‬
‫الراشديف متصفوف بالعدالة المطمقة ظاىرة وباطنو و ليذا كاف ال يخشى منيـ‬
‫الحيؼ والجور سواء أفتوا أو حكموا ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المبدع ‪ .‬سبقت االشارة اليو ٓٔ‪ , ٕ٘/‬المغنى السابؽ ‪ٖٕٔ/ٜ‬‬
‫ٕ‬
‫الشرح الكبير لمدلردير ‪ .‬مرجع سابؽ ٗ‪ٖٜٔ/‬‬
‫ٖ‬
‫معيف الحكاـ – مرجع سابؽ ص ‪ٜٔ‬‬
‫ٗ‬
‫اعبلـ الموقعيف – مرجع سابؽ ٗ‪ٕٕٔ/‬‬
‫٘‬
‫مواىب الجميؿ – مرجع سابؽ ‪ , ٜٔٔ/ٙ‬المسيوط مرجع سابؽ ‪ٛٙ/ٔٙ‬‬
‫‪263‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانيا ‪ :‬المعقوؿ ‪:‬‬


‫أف الفتوى تخالؼ القضاء وليذا أجيز لمقاضي أف يفتى لؤلشخاص الذيف ال‬
‫يجوز لو أف يحكـ ليـ كأصولو وفروعو بناء عمى أف الفتوى ليست حكما‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫ويجوز الحكـ بخبلفيا‬
‫أدلة المذىب الثانى ‪:‬‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف بأف القاضي ال يجوز لو اإلفتاء فى مسائؿ‬
‫الخصومات باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬ما روى عف عمرو بف الخطاب –رضى هلل عنو – أنو كتب الى‬
‫(ٕ)‬
‫يفيـ مف ىذا أف القاضي ال‬ ‫القاضي شريح وال تفت فى مسألة مف األحكاـ‬
‫يجوز لو اإلفتاء فى مسائؿ الخصومات ألف سيدنا عمر نيى شريح وىو قاض‬
‫أف يفت فى مسائؿ األحكاـ ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أف إفتاء القاضي يقدح فى نزاىتو ‪ ,‬ألنو لو حكـ بما افتى بو ربما‬
‫أدلة وق ارئف‬ ‫قيؿ حكـ بذلؾ لتأييد فتواه ‪ ,‬واف حكـ بخبلؼ ما أفتى لظيور‬
‫(ٖ)‬
‫جديدة و ربما قيؿ أنو حكـ بخبلؼ ما أفت بو‬
‫ثالثا ‪ :‬رد القاضي شريح عمى مسألة الفتوى فى خصومة قائبل أنا أقضى‬
‫(ٗ)‬
‫فمو كانت الفتوى جائزة فى مسائؿ الخصومات ألجاب شريح عمى‬ ‫وال أفتى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫اعبلـ الموقعيف البف القيـ مرجع سابؽ ٗ‪. ٕٔٔ/‬‬
‫ٕ‬
‫شرح كتاب النيؿ وشفاء العميؿ لمعبلمة – محمد بف يوسؼ اطيش ٖٔ‪ .ٚٔ/‬مطبوع مع كتاب النيؿ وشفاء‬
‫العميؿ ط الثالثة ٓٓٗٔ ىػ ‪ٜٔٛ٘ -‬ـ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫د‪ -‬عبد الرحمف عبد القادر اىمية القضاء ونزاىتو مرجع سابؽ ص ٘‪.ٚ‬‬
‫ٗ‬
‫المغنى البف قداـ مرجع سابؽ ‪.ٖٕٔ /ٜ‬‬
‫‪264‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫السائؿ وىو اعمـ القضاة بأحكاـ القضاء ‪.‬‬


‫الرأي الراجح‬
‫ما ذىب إليو فقياء المذىب الثاني القائميف بأف القاضي ال يجوز لو اف يفتى‬
‫فى مسائؿ الخصومات لقوة أدلتيـ وأيضا إلبعاد القاضي عف كؿ مواطف‬
‫الشبيات التى تقدح فى عدالتو أو تناؿ مف نزاىتو‬
‫‪265‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب السادس‬
‫الغضب‬
‫الفقياء متفقوف عمى أف القاضى يمتنع مف نظر الخصومات فى حالة الغضب‬
‫إال أنيـ اختمفوا فى بياف المراد بالمنع ىؿ ىو لمحرمو أـ لمكراىة إلى مذىبيف ‪:‬‬
‫المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫ذىب جميور الفقياء مف الحنفية والشافعية إلى أف المراد بالمنح الكراىة‬
‫وليس التحريـ وبناء عمى ىذا فإنو يكره لمقاضى أف يحكـ وىو غضباف أو‬
‫موصوؼ بأى وصؼ مف األوصاؼ التى قيست عمى الغضب ولكف إذا حكـ‬
‫وىو ممتبس بأى أمر مف ىذه األمور فإنو حكمو صحيح وال ينقضى ماداـ موافقاً‬
‫(ٔ)‬
‫لمحؽ‬
‫المذىب الثانى ‪:‬‬
‫ذىب الحنابمة وابف حزـ الظاىرى إلى أف المراد بالمنح التحريـ وليس الكراىة مف‬
‫(ٕ)‬
‫ثـ فيحرـ عمى القاضى فى ىذه الحالة يكوف حكمو باطبلً‬
‫أدلة المذىب األوؿ ‪:‬‬
‫استدؿ جميور الفقياء القائميف بأف المراد بالمنع الكراىة بالسنة ‪:‬‬
‫ٔ – مارواه أبى بكره عف أبيو أنو كتب إليو قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل صمى اهلل‬
‫(ٖ)‬
‫عميو وسمـ ‪ ( :‬اليحكـ أحد بيف اثنيف وىو غضباف )‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫انظر فى ذلؾ ماسبؽ أف سقنا مف مراجع مذىبية ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫انظر ما أوردناه فى ىذا الموضوع مف مراجع ونصوص سابقة ‪.‬‬
‫ٖ‬
‫صحيح مسمـ يشرح النووى ٕٔ‪ ٔ٘/‬ط الثانيو ‪ٖٜٕٔ ,‬ىػ ػ ٕ‪ٜٔٚ‬ـ ‪ ,‬صحيح البخارى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪,‬‬
‫ٖٔ‪ , ٖٔٙ/‬مسند االماـ الشافعى ص ‪. ٖٚٛ‬‬
‫‪266‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقاؿ الجميور أف النيى الوارد فى الحديث الشريؼ لمكراىة وليس لمتحريـ‬


‫أدلة المذىب الثانى ‪:‬‬
‫استدؿ فقياء ىذا المذىب القائميف بأف المراد بالنيى الحرمة بالحديث الذى‬
‫استدؿ بو جميور الفقياء اال أنيـ حمموا النيى الوارد فيو عمى الحرمة لعدـ وجود‬
‫قرينو شرعية تصرفو مف الحرمة إلى الكراىية (ٔ) وقالوا يحرـ عمى القاضى أف‬
‫يحكـ وىو غضباف وقاسوا عمى الغضب كؿ مايشوش الفكر ويضعؼ اإلدراؾ‬
‫واف حكـ فى ىذه الحالة فحكمو باطؿ ‪.‬‬
‫الرأى الراجح‬
‫بعد أف استعرضا آراء الفقياء وأدلتيـ فى الغضب ‪ ,‬وما قيس عميو كمانع‬
‫مف أىمية القاضى لمحكـ تبيف لنا أف الرأي الراجح ىو ما ذىب إليو فقياء‬
‫المذىب الثانى القائميف بأف القاضى يحرـ عميو أف يحكـ فى أى نزاع إذا كاف‬
‫غضباناً أو موضوعا بأى أمر مف األمور التى قيست عمى الغضب لما يأتى ‪:‬‬
‫أوالً ‪:‬اف أصحاب ىذا المذىب تمسكوا باألصؿ وىو أف النيى موضوع أصبل‬
‫لمحرمة ما لـ توجد قرينة تصرفو مف الحرمة إلى الكراىية‬
‫ثانياً ‪ :‬وردت آثار كثيرة مف الصحابة رضواف اهلل عمييـ تنيى عف الحكـ فى‬
‫حالة الغضب منيا ماجاء فى رسالة عمر بف الخطاب ػ رضى اهلل عنو ػ إلى‬
‫أبى موس األشعرى " إياؾ والغضب والفجر والقمؽ " (ٕ) والشؾ أف ىذا التحذير‬
‫مف عمر رضى اهلل عنو ػ يحمؿ معنى الحرمة لمحكـ فى حالة الغضب ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫نيؿ األنصار لمشوكانى ‪. ٖٓٛ / ٛ‬‬
‫ٕ‬
‫معيف الحكاـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص٘ٔ ‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب السابع‬
‫اليدية‬
‫(ٔ )‬
‫الشريعة عمى أف القاضى يحرـ عميو قبوؿ ىدية مف أحد‬ ‫اتفؽ فقياء‬
‫الخصميف أو مف كمييما ‪ ,‬ألف قبوليا يؤدى إلى الشؾ فى نزاىتو فإذا ثبت أنو‬
‫قبؿ ىدية مف أحد الخصوـ أو مف كمييما فإنو يكوف غير صالح لنظر الدعوى ‪,‬‬
‫فالتى يكوف فييا الميدى طرفاً وعمو ذلؾ كما يقوؿ الفقياء أف اليدية تطفئ دور‬
‫الحكمة ‪ ,‬كما أنيا تورث إذالؿ الميدى إليو إلرضاء الميدى (ٕ) وفى ذلؾ ضرر‬
‫عمى القاضى ودخوؿ لمفساد عميو ‪ ,‬ىذا فضبلً عمى أف اليدية يقصد بيا الخصـ‬
‫فى الغالب استحالة قمب القاضي ليعتني بو فى الحكـ فتشبو الرشوة (ٖ) فبل يجوز‬
‫لمف تقمد القضاء أف يقبؿ ىديو مف أىؿ عممو لـ تجرعا عادتو بمياداتو سواء‬
‫(ٗ)‬
‫كاف خصما أو غيره ألنو قد يستعد بو فيما بعد "‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫استدؿ فقياء الشريعة عمى منع القاضي مف قبوؿ اليدية مف الخصـ باألدلة‬
‫اآلتية ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫المبسوط الرضى ‪ , ٕٛ /ٔٙ‬معيف الحكاـ لمطرابمس ص ‪ , ٔٙ‬اليداية شرح بداية المتيدى ٖ‪, ٖٔٓ/‬‬
‫مواىب الجميؿ لمخطاب ‪ ٕٔٓ/ٙ‬الشرح الكبير لمدردير ٗ‪ , ٔٗٓ/‬تبصرة الحكاـ البف مزموف ٔ‪, ٕٜ/‬‬
‫األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪ ,‬ص ‪ ٙٛ‬ػ حاشيتا قمبوى وعميره ٗ‪ , ٖٖٓ/‬المجوع شرح الميذب‬
‫‪ ٖٙٙ/ٔٛ‬المغنى البف قدامو ‪ , ٚٚ/ٜ‬االحكاـ السمطانية البف يعمف الفراء ص ‪ , ٚٙ‬االقناع لمحجارى‬
‫ٗ‪. ٖٛٔ/‬‬
‫ٕ‬
‫معيف الحكاـ ص ‪ , ٔٙ‬تبصرة الحكاـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٕٜ/ٔ ,‬‬
‫ٖ‬
‫المغنى البف قدامو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٜٚ/ٜ ,‬‬
‫ٗ‬
‫األحكاـ السمطانيو البف يعمى القراء مرجع سابؽ ص ‪. ٚٙ‬‬
‫‪268‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أوال ‪ :‬السنة ‪:‬‬


‫ما دوي اف الرسوؿ ػ صموات اهلل وسبلـ عميو ػ استعمؿ رجبل مف األزد‬
‫يقاؿ لو ابف المتبية عمى الصدقو فقاؿ ىذا لكـ وىذا أىدى إلى ‪ ,‬فقاـ النبى ػ‬
‫صمى اهلل عميو وسمـ ػ فحمد اهلل وأثنى عميو ثـ قاؿ ‪ :‬ما باؿ العامؿ نبعثو فيجئ‬
‫فيقوؿ ىذا لكـ وىذا أىدى إلى ‪ ,‬أال جمس فى بيت أمو فينظر أييدى إليو لـ ال‬
‫؟ والذى نفس محمد بيده ال يبعث أحداً منكـ فيأخذ شيئاً إال جاء يوـ القيامة‬
‫يحممو عمى رقبتو اف كاف بعي اًر لو رغاء أو بقرة ليا خوار أو شاة تبصر فرفع‬
‫(ٔ)‬
‫يديو حتى ظير عفرة إبطيو فقاؿ ‪ :‬الميـ ىؿ بمغت ثبلثاً "‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫أف الرسوؿ ػ صمى اهلل عميو وسمـ ػ حذر مف يقوـ بحمؿ عمـ كجمع الصدقة‬
‫مف قبوؿ اليدية ‪ ,‬حتى أف ػ صمى اهلل عميو وسمـ ػ أقسـ أف مف يأخذ ىديو مف‬
‫أجؿ واليتو يأتى يوـ القيامة يحمميا عمى رقبتو والشؾ أف ىذا التحذير لخطورة‬
‫اليدية فى ىذا الشأف فيكوف لمحرمة واذا ثبت ذلؾ فى حؽ مف يجمع الزكاة وىى‬
‫والية خاصة فثبوتو فى حؽ القاضى مف باب أولى ‪ ,‬ألف القضاء والية عامة‬
‫ولتعمؽ القضاء بحقوؽ الناس ومصالحيـ ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬اآلثار ‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬روى أف رجبلً كاف ييدى إلى عمر بف الخطاب رضى اهلل عنو كؿ‬
‫عاـ رجؿ جذور ‪ ,‬فخاصـ إليو الرجؿ فقاؿ ‪ :‬يا أمير المؤمنيف ‪ :‬أقضى بيننا‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫صحيح البخارى شرح الفتح عميو ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ , ٔٙٗ/ٖٔ ,‬السسف الكبرى لمبيصقى ٓٔ ‪ ٖٔٛ /‬ط‬
‫األولى ‪ٖٔ٘ٙ ,‬ىػ ‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قضاء فعبل كما تفصؿ الرجؿ مف سائر الجذور ‪ ,‬فقضى عميو عمر وكتب إلى‬
‫(ٔ)‬
‫عمالو قائبلً ‪ :‬أال أف اليدايا عف الرشا فبل تقبمف مف أحد ىديو‬
‫ٕ – استعمؿ عمر بف الخطاب رضى اهلل عنو أبا ىريرة رضى اهلل عنو‬
‫فقدـ بماؿ وقاؿ لو عمر مف أيف لؾ ىذا قاؿ ابو ىريرة أنجبت الخيوؿ وتبلحقت‬
‫اليدايا ‪ ,‬قاؿ عمر أى عدو اهلل ىبل قعده فى بيتؾ تنظر أييدى اليؾ لـ ال ‪,‬‬
‫(ٕ)‬
‫فأخذ ذلؾ منو وجعمو فى بيت الماؿ‬
‫ٗ‪ -‬رد عمر بف عبدالعزيز ػ رضى اهلل عنو ػ اليدية فقيؿ لو كاف النبى ػ‬
‫صمى اهلل عميو وسمـ ػ يقبميا ‪ ,‬فقاؿ ‪ :‬كانت لو ىديو ولنا رشوة ‪ ,‬ألنو كاف‬
‫(ٖ)‬
‫يتقرب إليو لنبوتو ال لواليتو ونحف يتقرب بيا إلينا لواليتنا‬
‫٘ – قاؿ مسروؽ ػ رحمو اهلل ػ إذا قبؿ القاضى اليدية أكؿ السحت واذا قبؿ‬
‫(ٗ) ‪.‬‬
‫الرشوة بمغت بو الكفر‬
‫ثالثاً ‪ :‬المعقوؿ ‪:‬‬
‫أف الخصـ لـ يقصد مف تقديـ اليدية إلى القاضي إال ىدفاً واحداً وىو‬
‫إعانتو عمى خصمو بالباطؿ ألنو لو كاف عمى حؽ فيما يدعيو ما قدـ ىديو إلى‬
‫القاضى ‪.‬‬
‫وبناء عمى ما تقدـ ذكره مف أدلة يتضح لنا أف القاضى إذا قبؿ ىديو مف‬
‫أحد الخصوـ أو مف كمييما فإنو يكوف غير أىؿ لنظر دعواتيـ ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫أخبار القضاء لوكيع ٔ‪. ٘ٙ/‬‬
‫ٕ‬
‫المبسوط لمسرجى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٕٛ/ٔٙ‬‬
‫ٖ‬
‫تبصرة الحكاـ السابؽ ‪ ,‬نفس الصحيفة ‪.‬‬
‫ٗ المغنى البف قدامة ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٚٚ / ٜ ,‬‬
‫‪271‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المطمب الثامف‬
‫العداوة‬
‫نظ اًر لما تحممو العداوة بيف الناس مف كراىية وبغضاء مما يجعؿ القاضى‬
‫متحامبلً عمى عدوه إذا كاف لو نزاع معروض عميو ليفصؿ فيو فقد ذىب جميور‬
‫(ٗ)‬
‫الفقياء مف الحنفية فى قوؿ (ٔ) والمالكية (ٕ) والشافعية (ٖ) والراجح عند الحنابمة‬
‫والشيعة االمامية (٘) إلى أف القاضى ال يجوز لو أف يحكـ عمى عدوه ‪ ,‬وأف حكـ‬
‫فحكمو غير صحيح ‪.‬‬
‫المذىب الثانى ‪:‬‬
‫(‪)ٚ‬‬
‫ذىب الحنفية فى القوؿ الثاني (‪ )ٙ‬والماوردى مف الشافعية‬
‫وورد عند الحنابمة (‪ )ٛ‬وابف حزـ الظاىرى (‪ )ٜ‬إلى أف القاضي يجوز لو أف‬
‫يحكـ عمى عدوه ‪ ,‬إال أف الحنيفة اشترطوا لجواز حكـ القاضى عمى عدوه‬
‫العدالة أما إذا فسؽ القاضى بعداوتو فبل يجوز حكمو ‪ ,‬كما أف ابف حزـ اشترط‬
‫أيضاً فى القاضى حتى يقبؿ حكمو عمى عدوه أال تخرجو عداوتو إلى ما ال يحؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫حاشية ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ , ٖٓٔ/ٗ ,‬مجمع األنير ٕ‪. ٜٔٛ/ٜٔٚ/‬‬
‫ٕ‬
‫الشرح الكبير لمدردير ‪ ,‬مرجع سابؽ‪ , ٕٔ٘/ٗ ,‬مواىب الجميؿ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٖٔٗ/ٙ ,‬‬
‫ٖ‬
‫أدب القاضى البف أبى الدـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ , ٔٙٓ ,‬مغنى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٕٗ٘/ٗ ,‬‬
‫ٗ‬
‫شرح منتيى االرادات ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ , ٕٗٚ/ٖ ,‬كشاؼ القناع ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٖٕٓ/ٙ ,‬‬
‫٘‬
‫شرائع االسبلـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٕٓٙ/ٕ ,‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫لشاف الحكاـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ٖٕٗ ‪ ,‬معيف الحكاـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص‪. ٖٙ‬‬
‫‪ٚ‬‬
‫األحكاـ السمطانية لمماوردى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪. ٙٛ‬‬
‫‪ٛ‬‬
‫االحكاـ السمطانية البى ميمى ‪ ,‬مرجع سابؽ‪ ,‬ص ‪. ٚٙ‬‬
‫‪ٜ‬‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٗٔٛ/ٜ ,‬‬
‫‪271‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أوالً ‪ :‬أدلة الجميور ‪:‬‬


‫استدؿ جميور الفقياء لما ذىبوا إليو بالسنة ‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫أ ػ قولو ػ صمى اهلل عميو وسمـ " ال تقبؿ شيادة خصـ عمى خصـ "‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫أف النبى ػ صمى اهلل عميو وسمـ ػ نيى عف قبوؿ شيادة الخصـ عمى‬
‫خصمو لمتيمة ومف ثـ ال يجوز لو أف يحكـ عميو مف باب أولى لشدة التيمة‬
‫(ٕ)‬
‫ألف القضاء نوع مف الشيادة‬
‫ب ػ عف عمرو بف شعيب عف أبيو عف جده أف النبى " صمى اهلل عميو‬
‫وسمـ " قاؿ ( ال تجوز شيادة خائف وال خائنة وال ذى غمر عمى أميو وال تجوز‬
‫(ٖ)‬
‫شيادة القانع ألىؿ البيت "‬
‫وجو الداللة مف الحديث الشريؼ ‪:‬‬
‫أف النبى ػ صمى اهلل عميو وسمـ ػ نيى عف قبوؿ شيادة ذى الغير عمى أخيو‬
‫والمراد بذى العداوة لما فى ذلؾ مف التيمة ‪ ,‬وقاؿ القاضى شريح مضت السنة‬
‫فى اإلسبلـ أنو ال تجوز شيادة خصـ (ٗ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫يقوؿ صاحب نيؿ األرطار ىذا الحديث ليس لو اسناد صحيح ولكف لو طرؽ كثيرة يقوؿ بعضيا بعا ‪ ,‬انظر‬
‫انظر نيؿ األمطار لمشوكانى ‪. ٖٕٛ/ٛ‬‬
‫ٕ‬
‫األحكاـ السمطانية السابقة نفس الصحة ‪ ,‬مغنى المحتاج ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ , ٖٗ٘/ٗ ,‬الشرح الكبير لمدردير‬
‫ٗ‪ , ٕٔ٘/‬ماشبو ابف عابديف ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٖٓٓ/ٗ ,‬‬
‫ٖ‬
‫رواه أحمد وأبوداوود نيؿ األوطار الشوكانى ج‪ٛ‬ص‪. ٕٕٛ ,ٕٕٚ‬‬
‫ٗ‬
‫المحمى البف حزـ ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪. ٜٗٔ/ٜ ,‬‬
‫‪272‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانياً ‪ :‬أدلة المذىب الثانى ‪:‬‬


‫استدؿ القائميف بجواز حكـ القاضى عمى عدوه باألدلة اآلتية ‪:‬‬
‫آف قَ ْوٍـ َعمَى أَال تَ ْع ِدلُواْ‬ ‫أوالً ‪ :‬مف الكتاب قولو تعالى ( َوالَ َي ْج ِرَمن ُك ْـ َ‬
‫ش َن ُ‬
‫(ٔ)‬
‫ب لِمت ْق َوى )‬ ‫ِْ‬
‫اعدلُواْ ُى َو أَق َْر ُ‬
‫وجو الداللة مف اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫أف اهلل سبحانو وتعالى أمرنا بالعدؿ عمى أعدائنا فصح أف مف حكـ بالعدؿ‬
‫(ٕ)‬
‫عمى عدوه أو صديقو أو ميما فحكمو نافذ "‬
‫ثانياً ‪ :‬المعقوؿ ‪:‬‬
‫أف أسباب الحكـ ظاىرة وأسباب الشيادة خافية فانتفت التيمة عنو فى‬
‫(ٖ)‬
‫الحكـ وتوجيت اليو فى الشيادة‬
‫الرأى الراجح‬
‫بعد ما ذكرنا آراء الفقياء وأدلتيـ فى حكـ القاضى عمى عدوه الذى أراه‬
‫أولى بالرجحاف ىو ما ذىب إليو جميور الفقياء القائميف بعدـ جواز حكـ‬
‫القاضى عمى عدوه لقوة أدلتيـ ولقولو ػ صمى اهلل عميو وسمـ ػ ( ال تقبؿ شيادة‬
‫خصـ عمى خصـ ) ‪ ,‬فيذا صريح فى عدـ قبوؿ شيادة الخصـ عمى عدوه ‪ .‬أما‬
‫إذا حكـ القاضى لعدوه فالحكـ صحيح‬
‫وفى نظرى أف القاضى يمتنع عميو نظر النزاع الذى يكوف أحد أطرافو عدواً‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ٔ‬
‫جزء مف اآليو ‪ ٛ‬سورة المائدة ‪.‬‬
‫ٕ‬
‫المحمى السابؽ ‪. ٕٗٓ/ٜ‬‬
‫ٖ‬
‫األحكاـ السمطانية لمماوؤدى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص ‪ , ٙٛ‬األحكاـ السمطانية ألبى يعمى ‪ ,‬مرجع سابؽ ‪ ,‬ص‬
‫‪. ٚٙ‬‬
‫‪273‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لو ‪ ,‬ألف نظر النزاع قد يطوؿ وال ندرى ىؿ سيحكـ القاضى لعدوه أـ عميو ‪ ,‬فقد‬
‫يحكـ عميو فيكوف حكمو غير نافذ وبالتالى ينظر النزاع مف جديد عند قاضى‬
‫آخر وقد يحكـ لو فيتيـ بعدـ الحكـ بكؿ المدعى ليذا فإف القاضى مف البداية‬
‫يمتنع مف نظر النزاع الذى يكوف أحد أطرافو عدواً لو ‪.‬‬
‫‪274‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الفصؿ الثالث ‪ :‬السمطة التشريعية‬


‫اختيار أىؿ الشورى‬
‫وأىؿ االجتياد‬
‫مصػػطمح " أىػػؿ الشػػورى " كػػاف معروف ػاً فػػى زمػػف النبػػوة والخبلفػػة ال ارشػػدة ‪,‬‬
‫ولكنػػو ورد بشػػكؿ بػػارز فػػى عيػػد سػػيدنا عمػػر بػػف الخطػػاب ‪ ,‬وقػػد ُعػػرؼ ىػػذا‬
‫المصػػطمح فيمػػا بعػػد " بأىػػؿ الحػػؿ والعقػػد "(ٔ) أو " أىػػؿ االختيػػار " كمػػا يسػػمييـ‬
‫الماوردى(ٕ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ـ ل امة ـ م أإ ـ ــل الب ـ ن ( امة ة ــن ال جت ــوز إال ي ــى اب ‪ ....‬اشال ــب امن ــقم احلم ي ــن اشب ــص ‪ ...‬ف ــمح‬
‫إت ـ ن اشع ـن ضـب‪ :‬أةـوال ادل ـلمْب ‪،‬ـإن ـب شـه ـلش أ ـ‬ ‫اشيىيأن لـم األ كـ م يـمن اش الف ـل اش قـو‬
‫احل ـ اشأق ـ ةــل لم ـ ء ادل ــلمْب ثق ـ هتم ‪ ...‬ـ ز شــه دش ـ ) ‪ .‬ب ـ اشوا ـ ــل ب ـ اشأنيــن ــل احل ـ ث اش م م ـ ن‬
‫ا ق ـ أ امة ـ م ادلبج ـ ا ــل الب ـ ‪ .‬أا ادلأى‪،‬ــن ‪ .‬ــّب ت ‪ .‬ص ن ‪ 315‬ـ أإ ـ ا ــل الب ـ ن اشأق ـ ة ‪ .‬ايــن أ كــى‬
‫اخلــقل ‪ .‬أا بــن أةيــق ‪ .‬ط ‪ 1418 . 1 /‬ـ ـ حتق ــق ‪ /‬ب ـ اشأنيــن ــن اش ـ يل اش ـّبا ان ‪ .‬ص ن ‪ . 124‬ـ ل‬
‫األ ــأى ( ثب ــص إة ةــن ل ـ ‪ ‬أ ـ ثم ـ ن ‪ ‬أق ـ ةــل ق ـ شــه ةــل اشةــم ن ةــل أ ـ احل ـ اشأق ـ ) ‪.‬‬
‫مـ مسـ م ا ـل جـى اذل مـ ‪ .‬أ ـ احلـ‬ ‫يىا ـا أ ـو احل ـل األ ـأى ‪ .‬ام نـن ـل أيـول اش ي نـن ‪ .‬صن‪.251‬‬
‫اشأق ‪،‬أال ة حت ث ل يق‪،‬ن أ كى ‪ ‬ـ ل ر إن األةـى مب مبـ ت ـى ضـو و ال ـل ةـل أ ـ احلـ اشأقـ ر‬
‫يىا ــا شـ ــه اشةـ ـوا ق ايى ـ ــن ‪ 41 / 1 .‬م ـ ـ د ـ ــى ــلا ادلة ــعلح أ اأ ــه نف ــس ادلأ ــُب ىف ةواض ــا أي ــى ةالب ـ ـ‬
‫يثه ل ف ن اي ئ س‬ ‫لا اشلفمح دش ال‬ ‫‪ . 628 / 2 349/1 339/1‬م أالق ل بم اآلة‬
‫اش شـن ـث ـ ل ن ر ـ اشوا ـ ةـل أ ـ احلـ اشأقـ االثالـ ن ـ ف ىف االنأقـ أ ـوب اشع ـن االنق ـ أ ر ‪ .‬لـ‬
‫ــل أ ل ـ ــل زلم ـ ــل ن ـ اآلة ـ ‪ .‬غ ي ــن ادل ـىام ىف ل ــم اشك ــقم‪ .‬اشال ــى‪/‬اجمللس األ ل ـ شلي ـ ون امن ــقة ن‪.‬‬
‫اشق ىة ‪ 1391‬ـ حتق ق‪ /‬ل زلموأ ب اشلع ف ص ن ‪ . 381‬ىف نفس ادلأُب اشلفمح تقىيب ً يىا ـا ن ضـ‬
‫اش ـ يل ب ـ اشــىإل ــل أإ ـ امجي ـ ‪ .‬ـ ب ادلوا ــف ‪ .‬أا اجل ـ ‪ .‬ــّب ت ‪ .‬ط ‪1977 . 1 /‬م ‪ .‬حتق ــق أ ‪ /‬ب ـ‬
‫اشــىإل مــّبة ‪ . 591 / 3 .‬يىا ــا ىف ان ـ أم ل ةةــعلح ( أ ـ احل ـ اشأق ـ ) أ ــو كــى اشب ـ ق ن دتب ـ األ ائ ـ‬
‫ص ن ‪ 468‬ـ ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ن ‪. 226 / 8‬‬
‫(‪ )2‬ادل أ ن األ ك م اش لع ن ن ‪.‬ص ن ‪. 17‬‬
‫‪275‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وال نستطيع أف نعرؼ ػ بصورة قاطعػة ػ مصػدر ىػذا المصػطمح ( أىػؿ الحػؿ‬
‫والعقد ) وال أوؿ مف استعممو أو أطمقو(ٔ) ‪.‬‬
‫ويبلحػظ أف مػدلوؿ أىػؿ الحػؿ والعقػد " أو أىػؿ االختيػار " أوسػع مػف مػػدلوؿ‬
‫المجتيػػديف أو أىػػؿ االجتيػػاد(ٕ) ‪ ,‬إذ يتطمػػب تػوافر شػػروط أشػػد فػػى المجتيػػد مػػف‬
‫الشروط المتطمبة فى أىؿ الحؿ والعقد ‪ ,‬وذلؾ ألف وظيفة المجتيد األساسية ىى‬
‫استنباط األحكاـ الشرعية مف أدلتيا التفصيمية مع إمكانية إسناد ميمة أىؿ الحػؿ‬
‫والعقػػد(ٖ) إليػػو ‪ ,‬أمػػا إذا لػػـ تت ػوافر شػػروط االجتيػػاد فػػى جميػػع ىيئػػة أىػػؿ الحػػؿ‬
‫والعقػػد ‪ ,‬فػ إف وظيفتيػػا تقتصػػر عمػػى الميػػاـ السياسػػية فقػػط ولػػيس ليػػـ التػػدخؿ فػػى‬
‫األمور التشريعية ‪ ,‬ومف ثـ فإف كػؿ مجتيػد ىػو مػف أىػؿ الحػؿ والعقػد ‪ ,‬والعكػس‬
‫غير صحيح(ٗ) ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬أ‪/‬و ـ ‪،‬ى اشق ـ مس ‪ .‬نم ـ م احلكــم ىف اشي ـىيأن اش ـ يخ امنــقة احل ـ ة اش ن ـ و ين‪ .‬أا اشالف ـ ئس‪ .‬ط‪1974/‬م اشك ـ ب‬
‫األ ل ‪ .‬ص ن ‪. 232‬‬
‫(‪ )2‬ل اش بك ر ا لم أن م ل تبن اال ب أ ت و ف ل ثقثن أ ـ ء أحدها ن اش ـ ش ف ىف اشألـوم اشـٌب ي بـلب نـ‬
‫اشل ل شأى ن أيول اشفقـه ةـ حي ـ ج إش ـه ةـل اشألـوم ىف يـ نن اشـل ل ةـل اخلعـ ‪ .‬حب ـث تةـّب ـلو اشألـوم ةلكـن‬
‫اشي ـ ص ‪،‬ــإدا داك يثــق فبمــه ش ـ الالت األشف ـ ظ ةــل ــث ـ ـ حتىيــىو تةــم ح= = األأشــن ةــل ‪ ،‬ن ـ ‪....‬‬
‫والثــا ن ام اــن مبأمــم وا ـ اشيـىيأن ــٌب يأــىف أن اشـ ش اشــل يالمــى ‪ ،‬ــه سلـ شف ذلـ أ ةوا‪،‬ــق الثال ـ ن أن‬
‫يكون شه ةاله ادلم نن اش بـا شلمق يـ اشيـىيأن ةـ يك ـبه ـوة يفبـم ةالبـ ةـىاأ اشيـىع ةـل دشـ ةـ يال نـب أن يكـون‬
‫كمـ ً شــه ىف دشـ ايـ إن يةــىح ــه ر يىا ــا ىف دشـ لـ ــل بـ اشكـ ىف اش ــبك ن امنـ ج ىف ــىح ادلالبـ ج‬
‫ل ةالب ج اشويول إىل لم األيول شلب ض ‪ .‬أا اشك ب اشألم ن ‪ّ .‬ب ت ‪ .‬ط‪ 1414 . 1/‬ـ ‪ 8 /‬ـ أإـ ـل‬
‫ب اشى م اش لو ‪ .‬ق اجل ىف أ ك م اال ب أ اش قل ‪ .‬ادلعبأن اش لف ن ‪ .‬اشق ىة ‪ 1385 .‬ـ حتق ـق ‪ /‬زلـب‬
‫اش يل اخلع ب ‪ .‬ص ن ‪ 17‬ة أ ‪ .‬يىا ـا ىف ـى ط اال بـ أ ‪ .‬بـ اشقـ أ ـل ـ ان اش ةيـق ن ادلـ ي إىل‬
‫ةــل ب امة ـ م أإ ـ ــل الب ـ ة ن ــن اشىن ـ شن ‪ .‬ــّب ت ‪ .‬ط‪ 1411 2/‬ـ ـ ‪ .‬حتق ــق أ ‪ /‬ب ـ اهلل ــل ب ـ اجمل ـ‬
‫اشَب ‪ .‬ص ن ‪ 371‬ة أ ‪.‬‬
‫اي ئ س اش شن يىا ا ادل أ ناأل ك م اش لع ن ن صن‪. 17‬‬ ‫(‪ ) 3‬ادلبمن اشىئ ن أل احل اشأق‬
‫(‪ )4‬أ‪/‬نل م ن اشعم ن اش عو اش ني ىف اجمل ما ادلةى ‪ .‬أا اشفكى اشأى ‪1961 .‬م ‪ .‬ص ن ‪. 59‬‬
‫‪276‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫قاؿ الغزالى ‪ " :‬كؿ مجتيد مقبوؿ الفتوى فيو أىؿ الحؿ والعقد قطعاً "(ٔ) ‪.‬‬
‫ويستنتج مػف أقػواؿ الفقيػاء أف أىػؿ الحػؿ والعقػد " أىػؿ االختيػار " وىػى‬ ‫ُ‬
‫الييئػػة الت ػػى يتحػػدث عني ػػا فػػى ب ػػاب اإلمام ػػة والتػػى أس ػػند إلييػػا الم ػػاوردى ميم ػػة‬
‫اختيار رئيس الدولة ‪ ,‬واشػترط فػييـ العدالػة الجامعػة لشػروطيا(ٕ) ‪ ,‬والعمػـ الػذى‬
‫يتوصػػؿ بػػو إلػػى معرفػػة مػػف يسػػتحؽ اإلمامػػة عمػػى الشػػروط المعتب ػرة فييػػا(ٖ) ‪,‬‬
‫والػرأى والحكمػػة المؤديػػاف إلػػى اختيػػار مػػف ىػػو لئلمامػػة أصػػمح وبتػػدبير المصػػالح‬
‫أق ػػوـ وأع ػػرؼ(ٗ) ‪ ,‬ى ػػذه الييئ ػػة تختم ػػؼ ع ػػف ىيئ ػػة المجتي ػػديف الت ػػى ُيس ػػند إليي ػػا‬
‫استنباط األحكاـ الشرعية مف أدلتيا التفصيمية ‪.‬‬
‫ويمكف أف نطمؽ عمى الييئة األولػى ( أىػؿ الحػؿ والعقػد أو أىػؿ االختيػار )‬
‫الييئة السياسية أو مجمس الشورى ‪ ,‬أما الييئة الثانية ( ىيئة المجتيػديف ) يمكػف‬
‫أف نطمػػؽ عمييػػا الييئػػة التش ػريعية أو المجمػػس التش ػريعى ‪ ,‬وتكػػوف ميمػػة الييئػػة‬
‫األولػػى ميمػػة سياسػػية فقػػط ‪ ,‬تتمثػػؿ فػػى تقػػديـ النصػػح والمشػػورة لمسػػمطة الحاكمػػة‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬أ و ة زلم ل زلم اشغناىلن ادل ةف ىف لم األيول‪ .‬أا اشك ب اشألم ـن‪ .‬ـّب ت‪ .‬ط‪ 1413 1 /‬ـ ‪ .‬حتق ـق‬
‫‪ /‬زلم ب اش قم ب اشي ىف ‪ .‬ص ن ‪. 143‬‬
‫(‪ )2‬اشأ اشن ادلأ ربة ‪ .‬أن يكون ي أق اشلبجن و ى األة نن ف ف ً ل اي م ة و ً ادلآ ‪ .‬أ ل اشىيـب ة ةونـ ً ىف‬
‫اشىض اشغضب ة أمقً دلى ءة ةثله ىف أياله أن و ‪ .‬يىا ا ادل أ أ ن األ ك م اش لع ن ن ن ‪. 129‬‬
‫(‪ )3‬ا ــَبط ادل ـ أ ىف أ ـ امة ةــن أ ئ ـ س اش شــن نــبأن ــى ط اشأ اشــن ل ـ ــى اب اجل ةأــن اشألــم ادل ـ أ إىل‬
‫اال ب ـ أ ىف اشال ـوازل األ ك ـ م نــقةن احل ـواب ةــل اش ــما اشبةــى اشل ـ ن ش ةــح ةأب ـ ةب ــىة ة ـ ي ـ ك ن ـ ‪.‬‬
‫نــقةن األ ض ـ ء ة ــل نق ــص ديال ــا ةــل ان ـ ف ء احلى ــن ن ــى ن اشالب ــوض اش ـىأ ادلفض ـ إىل ن ن ـ ن اشى ــن ت ـ ّب‬
‫اشال ــب ــو أن يكــون ةــل ـىي ‪ .‬يىا ــا‬ ‫ادلة ـ ىت ‪ .‬اشيــج ن اشالج ـ ة ادل أيــن إىل إ يــن اشب ضــن ب ـ أ اشأ ـ‬
‫ادل أ ن األ ك م اش لع ن ن ن ص ‪. 17‬‬
‫(‪ )4‬ادل أ ن األ ك م اش لع ن ن ن ص ‪. 17‬‬
‫‪277‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ومساعدتيا فى كافة المياـ السياسية ‪ ,‬كما يسند إلييا ميمة اختيار رئػيس الدولػة‬
‫‪ ,‬لذلؾ يجب أف تتشكؿ ىذه الييئة مف مجموعة يعبر رأييا عف أكبر عدد ممكػف‬
‫مػػف النػػاس فتحصػػؿ بيػػـ القػػدرة عمػػى القيػػاـ بميػػاـ رئاسػػة الدولػػة(ٔ) ‪ ,‬أمػػا الييئػػة‬
‫الثانيػػة ( الييئػػة التشػريعية ) فتكػػوف ميمتيػػا دينيػػة تتمثػػؿ فػػى سػػف قواعػػد تشػريعية‬
‫فػػى المسػػائؿ التػػى لػػـ يػػرد بش ػأنيا نػػص مػػف الشػػارع الحكػػيـ عػػف طريػػؽ اسػػتنباط‬
‫أحكػػاـ ليػػا مػػف األدلػػة الشػػرعية ‪ ,‬وقػػد عبػػر الشيرسػػتانى عػػف ضػػرورة وجػػود ىيئػػة‬
‫اجتيادية بجوار رئيس الدولة ‪ ,‬فقاؿ ‪ " :‬يجػب أف يكػوف معػو ػ أى رئػيس الدولػة ػ‬
‫م ػػف يك ػػوف م ػػف أى ػػؿ االجتي ػػاد فيراجع ػػو ف ػػى األحك ػػاـ ويس ػػتفتى من ػػو ف ػػى الح ػػبلؿ‬
‫والحراـ "(ٕ) ‪.‬‬
‫ويبلحظ أف مدلوؿ الييئة األولى أوسع مف مدلوؿ الييئة الثانية ‪ ,‬بمعنػى أف‬
‫أعضػاء الييئػة الثانيػة يجػوز ليػـ ممارسػة كافػة االختصاصػات المخولػة ألعضػاء‬
‫الييئة األولى ‪ ,‬بجانػب ممارسػة اختصاصػاتيـ والتػى تتمثػؿ فػى االجتيػاد فيمػا ال‬
‫نص فيو ‪ ,‬ولكف العكس غير صحيح ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يقــول ا ــل ت م ــن أن امة ةــن ر تثبــص مبوا‪،‬قــن أ ـ اشيــو ن ل بـ ال يةــّب اشى ـ إة ةـ ً ــٌب يوا‪،‬قــه أ ـ اشيــو ن ل ب ـ‬
‫اشليل حية ع بم شه ةقةوأ امة ةن ‪ ، ...‬مة ةن ةل نلع ن ال يةّب ةلك ً مبوا‪،‬قن ا ال اثالـْب ال أ أـن‬
‫إال أن تكــون ةوا‪،‬قــن ـ الء تق ض ـ ةوا‪،‬قــن غــّب م حب ــث يةــّب ةلك ـ ً ــلش ر يىا ــا ا ــل ت م ــن ةالب ـ ج اش ـالن اشالبويــن‬
‫‪. 527/1‬‬
‫(‪ )2‬أ و كى زلم ل ب اشكى ل أإ اشيبىن ن ادلل اشالم ‪ .‬أا ادلأى‪،‬ن ّب ت ‪ 1414 .‬ـ حتق ق زلم نـ‬
‫ق ‪. 153 / 1‬‬
‫‪278‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ولموقوؼ عمى دور الموظؼ العػاـ فػى اختيػار ىػاتيف الييئتػيف ‪ ,‬نوضػح أوالً‬
‫‪ :‬كيفيػػة اختيػػار أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد ػ مجمػػس الشػػورى ػ ثػػـ نبػػيف كيفيػػة اختيػػار‬
‫المجتيديف ػ المجمس التشريعى‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬كيفية اختيار أىؿ الحؿ والعقد ( مجمس الشورى ) ‪:‬‬
‫انقسػػمت آراء البػػاحثيف حػػوؿ الوسػػيمة التػػى يػػتـ بيػػا اختيػػار أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد‬
‫إلى رأييف ‪ ,‬يرى أحدىما أف اختيار أىؿ الحؿ والعقد يػتـ عػف طريػؽ االنتخػاب ‪,‬‬
‫والثانى يرى أف اختيار أىؿ الحؿ والعقد يتـ عف طريؽ التعييف ‪.‬‬
‫الرأى األوؿ ‪ :‬اختيار أىؿ الحؿ والعقد عف طريؽ االنتخاب ‪:‬‬
‫ي ػػرى أنص ػػار ى ػػذا الػ ػرأى(ٔ) أف اختي ػػار أى ػػؿ الحػ ػؿ والعق ػػد ي ػػتـ ع ػػف طري ػػؽ‬
‫االنتخاب ‪ ,‬حيث إف الميمة الممقاة عمى عاتقيـ والتى فى مقدمتيا اختيار رئػيس‬
‫الدول ػػة ‪ ,‬تس ػػتدعى اش ػػتراؾ الش ػػعب ف ػػى اختي ػػار أى ػػؿ الح ػػؿ والعق ػػد خاص ػػة وأف‬
‫الش ػريعة اإلسػػبلمية قػػد فرضػػت تطبيػػؽ مبػػدأ الشػػورى ‪ ,‬إال أنيػػا لػػـ تحػػدد الوسػػيمة‬
‫التػػى يجػػب مػػف خبلليػػا اختيػػار أىػػؿ الشػػورى أو أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد ‪ ,‬ولكػػف تركػػت‬
‫تحديػػد ىػػذه الوسػػيمة لظػػروؼ الزمػػاف والمكػػاف ‪ ,‬والوسػػيمة المناسػػبة الختيػػار أىػػؿ‬
‫الحػؿ والعقػػد فػػى ىػػذا الزمػػاف ىػػى االنتخػػاب بشػػرط أال يسػػتعمؿ فييػػا مػػا يسػػتعمؿ‬
‫مف الحيؿ والوسائؿ المرذولة (ٕ) ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ــا ىف دش ـ ن اشي ـ خ أ ــو األ ل ـ ادلــوأ أ ن ت ـ يل اش ن ـ و امنــقةي ‪ .‬تىدــن زلم ـ احل ـ اأ ة ن ــن اشىن ـ شن‪.‬‬
‫ـلش ابأـن أا اشـَباث ص‪ 35‬ـ أ‪/‬زلمـ بـ اهلل اشأـى نمـ م احلكـم ىف‬ ‫ـّب ت‪1981 .‬م ‪ .‬صن ‪ 48‬ةـ أـ‬
‫امنـقمن أا اشفكــى‪ .‬ـّب ت‪1968 .‬م‪ .‬صن ‪ 84‬ةـ أـ ‪ .‬أنـ د‪/‬زلم أنـ ن ةالبـ ج امنـقم ىف احلكــمن تىدــن‬
‫زلم ةالةو زلم ة ض ‪ .‬أا اشألم شلمقيْب‪ّ .‬ب ت‪1964 .‬م صن‪ 91‬ة أ ‪.‬‬
‫أ‪،‬ىاأ األةن شلل يةـلح شقن ـ ب ـل اىيـق االن ـ ب احلـى ادلب ـى أ ـل اىيـق‬ ‫(‪ )2‬نواء ن لا االن ب ةل ب‬
‫=‬
‫‪279‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ويذكر بعض أنصار ىذا االتجاه أف مجتمعاتنا المعقدة ىذه ال يمكف أف يػتـ‬
‫استطبلع رأى األمة وتحقيؽ مبدأ الشورى فييػا بغيػر طريػؽ االنتخػاب ‪ ,‬فالوسػيمة‬
‫الوحيدة التى يمكف أف تظير عف طريقيا مزايا المرشحيف ىى االنتخاب(ٔ)‪.‬‬
‫واذا كانت الخبلفة الراشدة لـ تعرؼ طريؽ االنتخاب الختيار أىؿ الشورى ‪,‬‬
‫فػػإف ىػػذا العصػػر كػػاف يمتػػاز بقػػدر مػػف السػػيولة والبسػػاطة يمكنػػو مػػف تحديػػد أىػػؿ‬
‫الشورى بدوف مشاكؿ ‪ ,‬فيؤالء الخمفاء قد طبقوا مبػدأ الشػورى بالكيفيػة التػى رأوىػا‬
‫محققػػة كفالػػة تطبيقػػو ‪ ,‬ونحػػف ىنػػا ال نتقيػػد بتطبيػػؽ بشػػرى سػػابؽ تختمػػؼ ظػػروؼ‬
‫عصره عف ظروؼ عصرنا(ٕ) ‪.‬‬
‫وفػػى ذلػػؾ يقػػوؿ الشػػيخ المػػودودى ‪ " :‬أمػػا تبػػيف مػػف يحػػوز ثقػػة المسػػمميف ‪,‬‬
‫فالظاىر فى بابو أنو ال يمكف أف يختار لػو اليػوـ نفػس ذلػؾ الطريػؽ الػذى اختػاره‬
‫المس ػ ػػمموف ف ػ ػػى ب ػ ػػدء اإلس ػ ػػبلـ ‪ ,‬خاص ػ ػػة وأف م ػ ػػا يواجين ػ ػػا الي ػ ػػوـ م ػ ػػف العقب ػ ػػات‬
‫والمشػػكبلت ‪ ,‬لػػـ يواجػػو النػػاس حينػػذاؾ ‪ ,‬فيجػػوز أف نسػػتخدـ اليػػوـ عمػػى حسػػب‬
‫أحوالنا وحاجاتنا كؿ طريؽ مباح يمكف بو تبيف مف يحوز ثقة جميور األمة ‪ ,‬وال‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫االن ب ادلق شكف ءة اشألم ن‪ .‬يىا ا ىف دش ن أ ‪ /‬ب اشغُب زلم ى ن ‪ .‬اشيو ىف امنقم ‪ .‬أ انن ىف اشالمم‬
‫امنــقة ن‪ .‬نل ــلن اشبمــوث امنــقة ن ‪ .‬اش ـالن اشأ ــىة ‪1978 .‬م ‪ .‬ص ن ‪ . 25‬أ ـ إش ــه أ‪ /‬ب ـ اشال يــى بــن‪.‬‬
‫احلىيــن اش نـ ن ــْب اشيـىيأن امنــقة ن اشقـ نون اشوضــأ ‪ .‬ص ن ‪ 142‬أ‪/‬ةةــعف أ ــو زيـ ‪،‬بمـ ن ةبـ أئ األنممــن‬
‫اش ن و ين ةالي ة ادلأ ف‪ .‬امنكال ين‪ .‬صن ‪ 217‬ـ أ و األ ل ادلوأ أ ن ت يل اش ن و امنقةي ص ‪. 39‬‬
‫(‪ )1‬زلم أن ن ةالب ج امنقم يف احلكم ص ن ‪. 91‬‬
‫(‪ )2‬أ ‪ /‬زلم ب اهلل اشأىيب ن نم م احلكم يف امنقم ص ن ‪. 84‬‬
‫‪281‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫شؾ أف طرؽ االنتخاب فى ىذا الزماف ىى أيضاً مف الطرؽ المباحة التػى يجػوز‬
‫لنا استخداميا ‪ ,‬بشرط أال يستعمؿ فييا الحيؿ والوسائؿ المرذولة "(ٔ) ‪.‬‬
‫وينتقد أصحاب ىذا الرأى أسموب اختيار أىؿ الحؿ والعقد بالتعييف بقوليـ ‪,‬‬
‫بأنػ ػػو فض ػ ػبلً عػ ػػف أف الحػ ػػاكـ ال يس ػ ػػتطيع بمفػ ػػرده الوصػ ػػوؿ إلػ ػػى خيػ ػػار الن ػ ػػاس‬
‫وفضػػبلئيـ ‪ ,‬فػػإف ىػػذا األمػػر الخطيػػر ال يمكػػف أف يتػػرؾ بيػػد الحػػاكـ الفػػرد ميمػػا‬
‫كانت نزاىتو وعدالتو ‪ ,‬ىذا فضبلً عف أف اهلل سبحانو وتعالى أمرنػا بتطبيػؽ مبػدأ‬
‫الشػػورى ‪ ,‬وطريقػػة تأسػػيس أو تكػػويف مجمػػس الشػػورى نفسػػو يجػػب أف يتمثػػؿ فييػػا‬
‫معنى الشورى عمى أتـ وجو(ٕ) ‪.‬‬

‫الرأى الثانى ‪ :‬اختيار أىؿ الحؿ والعقد عف طريؽ التعييف ‪:‬‬


‫يػػرى أنصػػار ىػػذا الػرأى أف ميمػػة اختيػػار أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد تقػػع عمػػى عػػاتؽ‬
‫رئيس الدولة فيقوؿ الدكتور ‪ /‬محمد رأفت عثمػاف ‪ " :‬إف تشػكيؿ مجػالس لمشػورى‬
‫بانتخابات تجرى ليس وسيمة مأمونة ‪ ..‬والػرأى الػذى نػراه أف يختػار رئػيس الدولػة‬
‫أعضػاء مجمػػس الشػػورى بنػاء عمػػى استفاضػػة أخبػػار فضػميـ ‪ ,‬وتقػػدميـ عمػػى مػػف‬
‫عداىـ فى النواحى التى سيستشاروف فييا "(ٖ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ــا يف دش ـ أ ــو األ ل ـ ادلــوأ أين ت ـ يل اش ن ـ و امنــقةي ص ن ‪ 39‬ـ شفض ـ ل ه أيض ـ ر نمىيــن امنــقم‬
‫يه أا اشفكى ّب ت ‪ 1967‬م ص ن ‪. 291‬‬
‫(‪ )2‬زلم أن ن ةالب ج امنقم يف احلكم ص ن ‪. 91‬‬
‫(‪ )3‬أ ‪ /‬زلم أ‪،‬ص ثم ن ن ي نن اش شن يف اشفقه امنقةي ص ن ‪. 361‬‬
‫‪281‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وقد احتج أنصار ىذا االتجاه بما وقػع مػف مشػاورة فػى زمػف الخبلفػة ال ارشػدة‬
‫‪ ,‬فقػػاؿ الػػدكتور ‪ /‬عبػػد الناص ػر وىبػػة ‪ " :‬إف اختيػػار أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد كػػاف مػػف‬
‫اختصاص الحػاكـ ػ الخميفػة ػ نفسػو فيػو الوحيػد الػذى ينتقػى مػف يريػد استشػارتو ‪,‬‬
‫ولـ يكف اختيار ىؤالء مفروضػاً عميػو مػف جانػب األمػة كمػا ىػو الحػاؿ فػى الػنظـ‬
‫الديمقراطيػػة المعاص ػرة ‪ ..,‬فالنظػػاـ اإلسػػبلمى يعطػػى الحػػاكـ وحػػده حػػؽ اختيػػار‬
‫أىؿ الحؿ والعقد‪ ,‬أى أعضاء مجمس الشورى اإلسبلمى "(ٔ) ‪.‬‬
‫وقد نوقش ىذا الرأى بأنو ميما كانت عيوب االنتخاب فإنيا أىػوف وأقػؿ شػ اًر‬
‫م ػػف عي ػػوب التعي ػػيف ‪ ,‬ى ػػذا بجان ػػب ص ػػعوبة الوص ػػوؿ إل ػػى ىػ ػؤالء بغي ػػر طري ػػؽ‬
‫االنتخػػاب ‪ ,‬فض ػبلً عػػف صػػعوبة تحقيػػؽ العدالػػة فػػى مسػػألة التعيػػيف ‪ ,‬فػػإف ليػػذا‬
‫األمر أىمية وخطورة تستوجب عدـ تركو بيف الحاكـ الفرد(ٕ) ‪.‬‬
‫أمػػا عػػف االحتجػػاج بػػأف أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد كػػاف تعييػػنيـ مػػف قبػػؿ الخمفػػاء فػػى‬
‫عصػػر الخبلفػػة ال ارشػػدة فقػػد سػػبؽ القػػوؿ بػػأف ىػػذا العصػػر كػػاف يمتػػاز بقػػدر مػػف‬
‫السيولة والبساطة يمكف الخميفػة مػف معرفػة مػف يسػتحؽ أف يكػوف مػف أىػؿ الحػؿ‬
‫والعقد أو أىؿ الشػورى بأقػؿ جيػد يبػذؿ ‪ ,‬ىػذا فضػبلً عػف أف ىػؤالء الخمفػاء كػانوا‬
‫مػػف كبػػار المجتيػػديف وأفضػػؿ أىػػؿ زمػػانيـ آنػػذاؾ ػ وبػػالطبع األزمنػػة التػػى تمػػى‬
‫زمانيـ ػ وبالتالى فإف شبية المحابػاة فػى حقيػـ منتفيػة ‪ ,‬عمػى العكػس تمامػاً مػف‬
‫حكاـ أىؿ زماننا ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬أ ‪ /‬ب اشال يى به ن احلىين اش ن ن ْب اشيىيأن امنقة ن اشق نون اشوضأي ص ن ‪. 144‬‬
‫(‪ )2‬أ ‪ /‬ب احلم األنة ي ن اشيو أثى يف اش ديقىاا ن ص ن ‪. 255 254‬‬
‫‪282‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانياً ‪ :‬كيفية اختيار المجتيديف ( المجمس التشريعى ) ‪:‬‬


‫سبؽ القوؿ بأف المجتيديف ىـ الذيف يسند إلييـ ميمة سف التشريع أو إيجػاد‬
‫الحموؿ الشرعية لممشاكؿ والقضايا المستحدثة فػى المجتمػع اإلسػبلمى ‪ ,‬والتػى لػـ‬
‫يػػرد بشػػأنيا نػػص مػػف الشػػارع الحكػػيـ عػػف طريػػؽ اسػػتنباط األحكػػاـ الشػػرعية مػػف‬
‫القرآف والسنة ال نبوية ‪ ,‬لذلؾ ػ كما سػبؽ القػوؿ ػ يشػترط فػى أعضػاء ىػذا المجمػس‬
‫شػػروط االجتيػػاد ‪ ,‬م ػػف معرفػػة لفق ػػو الكتػػاب والسػػنة ‪ ,‬ومعرف ػػة الناسػػخ والمنس ػػوخ‬
‫منيما ‪ ,‬وكذلؾ عمميـ بقواعد الفقو وأصولو بجانب اتقانيـ المغة العربية ‪.‬‬
‫وفػػى الحقيقػػة ‪ ,‬إنػػو منػػذ العيػػد األوؿ لئلسػػبلـ لػػـ يكػػف ىنػػاؾ سػػمطة رسػػمية‬
‫تتولى اختيار أعضػاء المجمػس التشػريعى عػف طريػؽ فحػص الشػروط التػى يجػب‬
‫توافرىا فييـ ‪ ,‬لتقرر أف شخصػاً مػا قػد وصػؿ إلػى أىميػة عضػوية ىػذا المجمػس ‪,‬‬
‫بػػؿ إف ال ػوازع الػػدينى ىػػو الػػذى يػػدفع الػػبعض لمتصػػدى لميمػػة اإلفتػػاء ‪ ,‬وكػػاف ال‬
‫يقوـ بيا إال مف وثؽ فى عممو ودينو(ٔ) ‪.‬‬
‫أمػ ػػا فػ ػػى عص ػ ػرنا ىػ ػػذا فػ ػػإف الصػ ػػفات أو الشػ ػػروط التػ ػػى يجػ ػػب توافرىػ ػػا فػ ػػى‬
‫الشخص لكػى يكػوف عضػواً فػى مجمػس التشػريع اإلسػبلمى ال يمكػف اكتسػابيا إال‬
‫لمف تمقى قد اًر معيناً مف الثقافة ‪ ,‬ولما كانت الدولة الحديثة ىى التى تشرؼ عمى‬
‫التعميـ ‪ ,‬فإنو مف الممكف حصر صفات االجتياد فى حممة شيادة معينػة تعتػرؼ‬
‫بيا الدولػة رسػمياً ‪ ,‬بعػد التثبػت مػف أف تمػؾ الشػيادة ال تمػنح إال لمػف وصػؿ إلػى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬أ ‪ /‬ب اشال يى به ن احلىين اش ن ن ْب اشيىيأن امنقة ن اشق نون اشوضأي ص ن ‪. 151‬‬
‫‪283‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫مرتب ػػة االجتي ػػاد(ٔ) ‪ ,‬وم ػػف ى ػ ػؤالء ي ػػتـ تك ػػويف المجمػ ػػس التشػ ػريعى ع ػػف طريػ ػػؽ‬
‫التعييف(ٕ) ‪.‬‬
‫وىناؾ رأى آخر يرى الوقوؼ إلى جانب الرأى السابؽ فى شقو األوؿ فقط ‪,‬‬
‫وىو حصر صفات االجتياد فى حممة شيادة معينة ‪ ,‬ولما كػاف عػدد ىػؤالء لػيس‬
‫ثابت ػاً ‪ ,‬بػػؿ ىػػو عرضػػو لمزيػػادة بمػػرور الػػزمف ‪ ,‬والييئػػة التش ػريعية تكػػوف محػػدودة‬
‫العػػدد إلمكػػاف إج ػراء المناقشػػات وأخػػذ ال ػرأى ‪ ,‬فػػإف أنصػػار ىػػذا ال ػرأى يقترحػػوف‬
‫إجراء اقتراع عػاـ بػيف أفػراد الشػعب الختيػار أعضػاء المجمػس التشػريعى مػف بػيف‬
‫ىؤالء األشخاص ‪ ,‬وبذلؾ يمكف الجمػع بػيف تػوفر المػؤىبلت العمميػة فػى أعضػاء‬
‫المجمس التشريعى ‪ ,‬وبيف انتخابيـ مف أفراد الشعب بالطريؽ الديمقراطى(ٖ) ‪.‬‬

‫رأينا فى كيفية اختيار أىؿ الحؿ والعقد واالجتياد ‪:‬‬


‫سػػبؽ القػػوؿ بأنػػو يشػػترط عػػدة شػػروط فػػى الشػػخص حتػػى يصػػبح مػػؤىبلً ألف‬
‫يكػػوف عض ػواً فػػى ىيئػػة الشػػورى أو فػػى الييئػػة التش ػريعية ‪ ,‬والميػػاـ الممقػػاة عمػػى‬
‫عاتؽ ىاتيف الييئتيف ميػاـ جسػيمة وخطيػرة ‪ ,‬سػواء فػى جانبيػا السياسػى ‪ ,‬والتػى‬
‫مف أىميا اختيار رئيس الدولة ‪ ,‬أو فى جانبيا التشػريعى المسػتنبط مػف مصػدرى‬
‫الشريعة اإلسبلمية ‪ ,‬القرآف والسنة النبوية ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬أ ‪ /‬نل م ن اشعم ي ن اش لع ت اشثقث ص ن ‪. 344 343‬‬
‫(‪ )2‬أ ‪ /‬ب اشال يى به ن احلىين اش ن ن ص ن ‪. 153‬‬
‫(‪ )3‬أ ‪ /‬ب احلك م اشأ لي ن احلىي ت اشأ ةن يف اشفكى اشالم م اش ني يف امنقم ص ن ‪. 577 576‬‬
‫‪284‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وبما أف أىؿ الحؿ والعقد يسند إلييـ ميمة اختيار رئيس الجميورية ‪ ,‬فيجب‬
‫أف يك ػػوف اختي ػػار ى ػػذه الفئ ػػة م ػػف أكب ػػر ع ػػدد ممك ػػف م ػػف جم ػػاىير األم ػػة ‪ ,‬ع ػػدد‬
‫تحصػػؿ بػػو الشػػوكة التػػى مػػف خبلليػػا يتحقػػؽ مقصػػود اإلمامػػة ػ كمػػا يقػػوؿ ابػػف‬
‫تيميػػة(ٔ) ػ وىػػذا ال يتحقػػؽ ػ مػػف وجيػػة نظػػرى فػػى عصػرنا ىػػذا إال عػػف طريػػؽ‬
‫االنتخاب ‪.‬‬
‫أمػا عػػف المجتيػػديف فػػإننى أقػر الػرأى الػػذى حصػػرىـ فػى حممػػة شػػيادة معينػػة‬
‫رسػػمية تثبػػت أنيػػـ مػػف أىػػؿ االجتيػػاد ‪ ,‬مػػع عػػرض ى ػؤالء عمػػى الشػػعب الختيػػار‬
‫العدد المطموب مف بينيـ بصفة عامة ‪.‬‬
‫ولكػػف ثمػػة سػؤاؿ يطػػرح نفسػػو عمػػى بسػػاط البحػػث مػػؤداه ‪ ,‬كيػػؼ يػػتـ انتخػػاب‬
‫أعضاء الييئتيف ومف لو حؽ انتخابيـ ؟ ‪.‬‬
‫أجيب عمى ىذا التساؤؿ مف خبلؿ التفصيؿ التالى ‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬انتخاب أىؿ الحؿ والعقد ‪:‬‬


‫سبؽ القوؿ بأف ىذه الفئة اشترط فييـ الماوردى العدالة الجامعػة لشػروطيا ‪,‬‬
‫والعمـ الذى يتوصؿ بو إلى معرفة مف يستحؽ اإلمامة عمى الشروط المعتبرة فييا‬
‫‪ ,‬وال ػ ػرأى والحكمػ ػػة المؤديػ ػػاف إلػ ػػى اختيػ ػػار مػ ػػف ىػ ػػو لئلمامػ ػػة أصػ ػػمح ‪ ,‬وبتػ ػػدبير‬
‫المصػػالح أقػػوـ وأعػػرؼ(ٕ) ‪ ,‬وبػػذلؾ يكػػوف المػػاوردى قػػد حػػدد معػػالـ ىػػذه الفئػػة ‪,‬‬
‫ويمكػػف االىتػػداء إلييػػا عػػف طريػػؽ اشػػتراط حمػػؿ شػػيادة د ارسػػية معينػػة يثبػػت مػػف‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ‪. 527 / 1‬‬
‫(‪ )2‬ادل أي ن األ ك م اش لع ن ن ص ن ‪. 17‬‬
‫‪285‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫خبلليا توافر ىذه الشروط فػيمف يحمميػا ‪ ,‬وتؤكػد جدارتػو بيػا بػأف يكػوف مػف أىػؿ‬
‫الح ػػؿ والعق ػػد ‪ ,‬وى ػػذا ل ػػيس ب ػػاألمر العس ػػير ‪ ,‬حي ػػث يمك ػػف أف تك ػػوف ىن ػػاؾ جي ػػة‬
‫دراسية فى الدولة تربى وتقوـ ىؤالء وتمنحيـ ىذه الشيادة ‪.‬‬
‫وبذلؾ نكوف قد تأكدنا مف وجود القدر الكافى مف العمػـ والمعرفػة التػى تؤىػؿ‬
‫ىػؤالء لممارسػػة ميػػاـ عمميػػـ ‪ ,‬وأمػػا عػػف ضػػرورة أف يؤيػػد أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد أكبػػر‬
‫عػدد ممكػف مػف األمػة تحصػؿ بػو الشػوكة ‪ ,‬فػاقترح أف يحػدد العػدد المطمػوب مػف‬
‫أىؿ الحؿ والعقد أوالً ‪ ,‬ثـ يقسـ عمى المحافظات داخػؿ الدولػة ‪ ,‬ثػـ عمػى الػدوائر‬
‫االنتخابيػػة داخػػؿ المحافظػػة ‪ ,‬بنسػػب م ارعػػى فييػػا عػػدد سػػكاف كػػؿ محافظػػة ػ مػػع‬
‫العمـ أف كؿ محافظة ال تخمو مف أناس مؤىميف ألف يكونوا مف أىؿ الحػؿ والعقػد‬
‫ػ ثػػـ يرشػػح كػؿ مػػف يحمػػؿ ىػذه الشػػيادة نفسػػو لتػتـ المفاضػػمة بينػػو وبػيف غيػره مػػف‬
‫المرشحيف ‪ ,‬ويكػوف لكػؿ فػرد مػف أفػراد الػدائرة االنتخابيػة بػالغ عاقػؿ حػؽ انتخػاب‬
‫ى ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػؤالء مصػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػداقاً لقولػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػو تعػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػالى ‪:‬‬

‫(ٔ) فالضػمير " ىػـ " جػػاء بصػيغة الجمػػع ‪ ,‬ولػـ يحػػدد‬
‫فئة معينة تتولى ىذا األمر ‪ ,‬مما يعنى أف االنتخاب مقرر لمجميع ‪.‬‬
‫وبػػذلؾ نكػػوف قػػد حققنػػا فائػػدة ثبلثيػػة ‪ ,‬حيػػث باشػػتراط حمػػؿ الشػػخص شػػيادة‬
‫معينة نكوف قد تحققنا مف صبلحية ىذا الشخص ألف يكوف عضواً فى ىيئة أىؿ‬
‫الح ػػؿ والعق ػػد‪ ,‬ى ػػذا م ػػف ناحيػ ػة ‪ ,‬وم ػػف ناحي ػػة ثاني ػػة ‪ ,‬نحق ػػؽ التأيي ػػد الجم ػػاىيرى‬
‫المطمػوب والػذى عبػر عنػو ابػف تيميػة بالشػوكة ‪ ,‬لتحقيػؽ مقصػود الرياسػة ‪ .‬ومػػف‬
‫ناحيػػة ثالثػػة ‪ :‬نتفػػادى مػػا وجػػو لنظػػاـ االنتخػػاب مػػف نقػػد ‪ ,‬مػػؤداه أف جميػػع ىيئػػة‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬نو ة اشيو ن ةل اآلين ‪. 38‬‬
‫‪286‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الناخبيف ليس ليـ المقدرة عمى التمييز بيف مف يصمح ومف ال يصػمح ‪ ,‬واف كػاف‬
‫لبعضيـ قدرة عمي ىذا ‪,‬وىـ قمة فى الببلد اإلسبلمية ‪ ,‬ومف ثـ فيمكف مف خبلؿ‬
‫نظػػاـ االنتخػػاب الػػذى يعطػػى كػػؿ المػواطنيف حػػؽ التصػػويت ‪ ,‬إسػػناد السػػمطة إلػػى‬
‫غير أىميا ‪ .‬ففى ىذا االقتراح المقدـ ىنا نتفادى ىذا النقد ‪ ,‬حيث ال يمكف إسناد‬
‫السمطة إلػى غيػر أىميػا حتػى لػو سػمحنا لكػؿ المػواطنيف ‪ ,‬مػف لديػو المقػدرة مػنيـ‬
‫عمى التمييز بيف مف يصمح ومف ال يصمح ‪ ,‬ومف ليس لديو ىذه المقدرة ‪ ,‬وذلػؾ‬
‫ألف جميع المرشحيف ىـ أىؿ لتولى ىذا المنصب الرفيع ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬انتخاب المجتيديف ( المجمس التشريعى ) ‪:‬‬


‫ينطبػػؽ عمػػى انتخػػاب المجتيػػديف مػػا سػػبؽ أف قررنػػاه بالنسػػبة النتخػػاب أىػػؿ‬
‫الحؿ والعقد ‪ ,‬غير أنو يشترط فى ىذه الييئة حصوليـ عمى شػيادة رسػمية تثبػت‬
‫بمػػا ال يػػدع مجػػاالً لمشػػؾ أنيػػـ مػػف أىػػؿ االجتيػػاد ‪ ,‬حتػػى ال يشػػرع فػػى الػػديف مػػف‬
‫لػػيس بأىػػؿ ‪ ,‬وبػػالطبع فػػإف ىػػذه الشػػيادة سػػتكوف أعمػػى مرتبػػة مػػف الشػػيادة التػػى‬
‫يجػػب أف يحصػػؿ عمييػػا كػػؿ مػػف يريػػد أف يكػػوف ضػمف ىيئػػة أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد ‪,‬‬
‫قبؿ ترشيحو ‪.‬‬
‫ونخمص مف كؿ ما سبؽ إلى أف الموظؼ العػاـ إف لػـ يكػف أىػبلً ألف يكػوف‬
‫م ػػف أى ػػؿ الح ػػؿ والعق ػػد أو أى ػػؿ االجتي ػػاد ‪ ,‬في ػػو أى ػػؿ ألف يك ػػوف ض ػػمف ىيئ ػػة‬
‫الناخبيف الذيف ينتخبوف ىؤالء ‪.‬‬
‫المطمب الثانى‬
‫ممارسة الموظؼ العاـ لحؽ الترشيح‬
‫‪287‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ور ّشػح لؤلمػر ُرّبػى لػو‬


‫الترشيح فى لغة العػرب يعنػى التربيػة والتييئػة لمشػئ ‪ُ ,‬‬
‫ُىؿ ‪ ,‬ويقاؿ يرشح لمخبلفة إذا جعؿ ولى العيد ‪ ,‬وفػبلف يرشػح لمػو ازرة أى يربػى‬ ‫وأ ّ‬
‫ويؤىؿ ليا(ٔ) ‪.‬‬
‫وواضح مف المعنى المغوى لمترشػيح أف الشػخص المرشػح لمنصػب مػا ىنػاؾ‬
‫مف يربيو ويعده ليقدمو لشػغؿ ىػذا المنصػب ‪ ,‬غيػر أف الواقػع أعطػى مػدلوالً آخػر‬
‫لمترش ػػيح وى ػػو أف يب ػػادر الش ػػخص ويتق ػػدـ م ػػف نفس ػػو لمحص ػػوؿ عم ػػى المنص ػػب‬
‫الشاغر ‪.‬‬
‫وعمومػاً فػػإف اتبػػاع طريػػؽ معػػيف لشػػغؿ المناصػػب يػػنعكس بػػدوره عمػػى تقريػػر‬
‫حؽ الترشيح مف عدمو ‪.‬‬
‫فػػإذ مػػا قػػرر نظػػاـ مػػا األخػػذ بنظػػاـ االنتخػػاب كوسػػيمة لبلختيػػار ‪ ,‬فإنػػو يمػػزـ‬
‫عمي ػػو تقري ػػر ح ػػؽ الترش ػػيح لك ػػؿ م ػػف تتػ ػوافر في ػػو ش ػػروطو ‪ ,‬أم ػػا إذا أخ ػػذ النظ ػػاـ‬
‫بالتعييف لشغؿ ىذه المناصب فإنو ال مجاؿ لمحديث عف حرية الترشيح ليا ‪.‬‬
‫ولقد سبؽ القوؿ بأف الشػريعة اإلسػبلمية قػد أخػذت بنظػاـ االنتخػاب ػ واف لػـ‬
‫يكف بالصورة التى ىو عمييػا اآلف كمػا سػبؽ بيانػو (ٕ) ػ لشػغؿ منصػب الخميفػة ػ‬
‫رئيس الدولة ػ ‪ ,‬وكػذلؾ لعضػوية أىػؿ الحػؿ والعقػد والمجتيػديف (المجمػس النيػابى‬
‫المكػوف مػػف مجمسػى الشػػورى والتشػريع) وفقػاً لمػرأى الػراجح السػابؽ اإلشػػارة إليػػو ‪,‬‬
‫وىػػذا يقتضػػى إباحػػة الترشػػيح ليػػذه المناصػػب لكػػؿ مػػف تت ػوافر فيػػو شػػروط شػػغؿ‬
‫المنصب المرشح لو ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ةالمو ن ش ن اشأىب ‪ 449 / 2‬ـ اشىاز ن سل اشةم ح ص ‪. 267‬‬
‫ةل اشبمث ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انمى ص ن‬
‫‪288‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫غيػػر أف مبػػدأ الترش ػػيح بصػػفة عام ػػة قػػد القػػى رفضػ ػاً مػػف جان ػػب عػػدد م ػػف‬
‫الباحثيف(ٔ) ألنو يتضمف طمب الواليػة أو الوظيفػة ‪ ,‬وطمػب الواليػة غيػر جػائز ‪,‬‬
‫لمػػا يشػػتمؿ عميػػو الطمػػب مػػف تزكيػػة لمػػنفس ‪ ,‬وىػػذا منيػػى عنػػو ‪ ,‬قػػاؿ تعػػالى ‪:‬‬

‫(ٕ) ولمػػا ورد مػػف أحاديػػث ش ػريفة تنيػػى عػػف‬


‫أنػو‬ ‫طمب اإلمارة وأف طالبيا ال يولى والتى منيا حديث عبد الػرحمف بػف سػمرة‬
‫قاؿ ‪ :‬قاؿ لى رسوؿ اهلل ‪ ( :‬يا عبد الرحمف ال تسأؿ اإلمارة ‪. )ٖ() ..‬‬
‫ولما روى عف النبى أنو قػاؿ ‪ ( :‬إنػا واهلل ال نػولى ىػذا العمػؿ أحػداً سػألو‬
‫وال أحد حرص عميو )(ٗ) ‪ .‬وقد ناقشنا ىػذا الػرأى مناقشػة مستفيضػة فػى الفصػؿ‬
‫السػ ػػابؽ مػ ػػف ىػ ػػذا البحػ ػػث عنػ ػػد الحػ ػػديث عػ ػػف مػ ػػدى أحقيػ ػػة الموظػ ػػؼ العػ ػػاـ فػ ػػى‬
‫االنضػػماـ إلػػى األح ػزاب السياسػػية ‪ ,‬وقػػد انتيينػػا فػػى ىػػذه المناقشػػة إلػػى أف طمػػب‬
‫اإلمارة أو الواليػة غيػر ممنػوع فػى ذاتػو ‪ ,‬وانمػا لػـ يػنـ عنػو الطمػب مػف طعػف فػى‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ ) 1‬ةـالبم اشيـ خ أ ــو األ لـ ادلــوأ أي ــث يقــول ال يال ــب شإلةـ ة أ شأضــوين رللــس اشيــو أ ألي ةالةــب ةــل‬
‫ةال يــب ادل ـ وش ن ةــل يى ــح نف ــه أ ي ــأ ‪ ،‬ــه نــأ ً ةـ يىا ــا شفضـ ل ه ن نمىيــن امنــقم يــه ص ن ‪ 59‬ـ‬
‫ى ح اشيىيأن أن يالص أن و اش شن امنقة ن يىا ن ل أن ن ال‬ ‫ث يقول ‪،‬إنه ةل اش م‬ ‫زلم أن‬
‫ـ ص ة ـ شالةــب إأا أ البــه شأضــوين ــن ن ــن جيأل ــه غــّب الئــق تلق ئ ـ ً شل ووــف أ شقن ـ ب ـ يىا ــا‬
‫ش ـ أته ن ةالبـ ج امنـقم يف احلكـم ص ن ‪ 92‬ـ يى ـا أيضـ ً أ‪ /‬بـ اشال يـى بـه ن احلىيـن اش نـ ن ـْب اشيـىيأن‬
‫امنقة ن اشق نون اشوضأي ص ن ‪. 267‬‬
‫(‪ )2‬نو ة اشالجم اآلين ‪. 32‬‬
‫(‪ )3‬ة ــلم ن يــم ح ة ــلم ن ـ ب امة ـ ة ـ ب اشالبــي ــل الــب امة ـ ة احلــىص ل ب ـ ــم‪ 1454/3 1652‬ـ‬
‫ــم ‪/ 6 6727‬‬ ‫ـ ب األ ك ـ م ـ ب ة ــل ي ـ ل امة ـ ة أ ن ــه اهلل ل ب ـ‬ ‫اشب ـ ي ن ي ــم ح اشب ـ ي‬
‫‪ 2613‬اشلفمح دل لم ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ة ــلمن ي ــم ح ة ــلمن ـ ـ ب امة ـ ـ ة ـ ـ ب اشالب ــي ــل ال ــب امةـ ـ ة احل ــىص ل بـ ـ ــم ‪1454/3 1733‬‬
‫اشب ينيم ح اشب ي ب األ ك م ب ة يكىو ةل احلىص ل امة ة م ‪.2614 / 6 6731‬‬
‫‪289‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الكفاءة الخمقية ػ األمانة ػ كمف يطمبيا قاصداً الجاه واالستعبلء عمى النػاس وحػب‬
‫الػدنيا(ٔ) ولمػا يػنـ عنػو الطمػب أيضػاً مػف نقػص فػى الكفػاءة الفنيػة ػ القػوة ػ ألف‬
‫الوظيفة تحتاج إلى قوة بدنية وعقمية إلدارة شئونيا ‪.‬‬
‫وعمى ذلػؾ فػإذا كػاف طالػب اإلمػارة أىػبلً ليػا(ٕ) ‪ ,‬بػأف كػاف أمينػاً تقيػاً ورعػاً‬
‫قػػاد اًر عمػػى تحمػػؿ أعبائيػػا والقيػػاـ بمسػػئولياتيا فطمبػػو جػػائز ‪ ,‬ألف ىػػذا ينفػػى عنػػو‬
‫س ػػوء القص ػػد م ػػف طمبي ػػا ‪ ,‬ويؤك ػػد حرصػ ػػو عم ػػى وفائ ػػو بحق ػػوؽ العب ػػاد ورعايتػ ػػو‬
‫لمصػ ػػالح الػ ػػببلد ‪ ,‬فينصػ ػػمح بػ ػػذلؾ حػ ػػاؿ األمػ ػػة ‪ ,‬وىػ ػػذا مػ ػػا ذىػ ػػب إليػ ػػو جميػ ػػور‬
‫الفقياء(ٖ) ‪.‬‬
‫وعمى أى حاؿ فإف مبدأ الترشػيح لئلمػارة كػاف موجػوداً فػى عصػر الخبلفػة‬
‫الراشدة ‪ ,‬فقد روى غير واحد مف المؤرخيف (ٗ) ما دار فػى سػقيفة بنػى سػاعدة ‪,‬‬
‫قد رشح نفسو لمخبلفة وحصػؿ عمػى تأييػد األنصػار ‪ ,‬حيػث‬ ‫أف سعد بف عبادة‬
‫قالوا لو ‪ " :‬ولف نعدوا ما رأيت توليتؾ ىذا األمر ‪ ,‬فأنت مقنع ولصػالح المػؤمنيف‬
‫رضػػا " فممػػا عمػػـ بعػػض الميػػاجريف باجتمػػاع األنصػػار فػػى السػػقيفة ‪ ,‬ذىػػب إلػػييـ‬
‫أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ػ رضى اهلل عنيـ ػ وبعد حوار لـ يدـ طويبلً رشح أبو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ‪،‬ى ون ن تبةىة احلك م ‪ 12 / 1‬ـ اشعىا ل ي ن ةأْب احلك م ص ن ‪. 11‬‬
‫(‪ )2‬شعبا ‪،‬إن ادلى ح شأضوين أ احل اشأقـ اال بـ أ ـو أ ـ شـلش ألنـه ال جيـوز شـه اشَب ـ ح أيـقً بـ ةـوشه‬
‫ل ب أة مس ن تثبص يق ه ألن يكون ةل أ احل اشأق أ ةل اجمل ب يل مـ نـبق نـه ـلش ادلى ـح‬
‫شىي نن اش شن ‪،‬إنه ييَبط ‪ ،‬ه ى ط ب تى مه نالب الب ال ق ً إن ء اهلل‬
‫(‪ )3‬اشعىا ل ــي ن ةأــْب احلك ـ م ص ن ‪ 11‬ـ ا ــل ‪،‬ى ــون ن تبةــىة احلك ـ م ‪ 12 / 1‬ـ أ ــو احل ــل اشأم ـىاينن اشب ـ ن يف‬
‫ةل ب امة م اشي ‪،‬أي ‪ 13/13‬ـ اشالو ي ن ضن اشع شبْب ‪ 93 / 11‬ـ ا ل ةفلح ن اشفى ع ‪. 418 / 6‬‬
‫(‪ )4‬يىا ا ىف دش اشعرب ن ت يخ اشىنـ ادللـوك ‪ 233 / 2‬ةـ أـ ـ ا ـل بـن ن امة ةـن اش نـ ن ‪ 4 / 1‬ةـ‬
‫أ ـ اش وا ن ت يخ اخللف ء ص ‪ 63‬ة أ ـ ا ل ثّبناشب اين اشالب ين ‪ 245 / 5‬ة أ ـ ا ل ت م ن ن‬
‫ةالب ج اش الن اشالبوين ‪ 51 / 2‬ة أ ‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بكػر عمػر وأبػا عبيػدة ػ رضػى اهلل عػنيـ ػ لمخبلفػة ‪ ,‬حيػث أمسػؾ بيػدييما وقػاؿ ‪:‬‬
‫إنى رضيت لكـ أحد ىذيف الرجميف ‪ ,‬فأصبح مرشح لمخبلفػة ثبلثػة مػف الصػحابة‬
‫‪ ,‬واحػػد مػػف قبػػؿ األنصػػار ‪ ,‬وىػػو سػػعد بػػف عبػػادة ‪ ,‬واثنػػاف مػػف الميػػاجريف وىمػػا‬
‫عمر وأبو عبيدة ‪ ,‬غير أف عمر وأبا عبيدة لـ يرتضيا ىذا الترشيح ‪ ,‬وقاال ألبػى‬
‫بكر ‪ " :‬ما ينبغى ألحد أف يكوف فوقؾ يا أبا بكر " ‪ ,‬وقد رشحا أبا بكػر لمخبلفػة‬
‫‪ ,‬وقاؿ سيدنا عمر ‪ " :‬أنت أحؽ بيذا األمر " ابسط يدؾ أبايعؾ ‪ ,‬فأخذ عمر يد‬
‫أبى بكر ػ رضى اهلل عنيما ػ فبايعو ‪ ,‬ثـ بايعو الناس ‪.‬‬
‫ونستخمص مف ذلؾ أف مبدأ الترشيح لمنصػب رئاسػة الدولػة كػاف معروفػاً‬
‫فى عصر الخبلفػة ال ارشػدة ‪ ,‬وىػو أعمػى منصػب فػى الدولػة ‪ ,‬ومػف ثػـ فمػف بػاب‬
‫أولى تطبيؽ مبدأ الترشيح عمى المناصب األقؿ منو كالترشيح لممجالس النيابية ‪.‬‬
‫وبعػػد ىػػذه التوطئػػة ولموقػػوؼ عمػػى ممارسػػة الموظػػؼ العػػاـ لحػػؽ الترشػػيح‬
‫نقسـ ىذا المطمب إلى فرعيف كالتالى ‪:‬‬
‫الفرع األوؿ ‪ :‬الترشيح لممجمس النيابي والشروط المعتبرة فى المرشح ‪.‬‬
‫الفرع الثانى ‪ :‬الترشيح لرياسة الدولة والشروط المعتبرة فى المرشح ‪.‬‬
‫الفرع األوؿ‬
‫الترشيح لممجمس النيابى‬
‫والشروط المعتبرة فى المرشح‬
‫يتكػوف المجمػس النيػابى مػف مجمسػيف ‪ ,‬األوؿ مجمػس الشػورى ػ أىػؿ الحػؿ‬
‫والعقد ػ ‪ ,‬والمجمس الثانى ىو المجمس التشريعى ػ أىؿ اإلجتياد ػ وقد سبؽ القوؿ‬
‫(ٔ) أف الشروط المعتبرة فيمف يرشح لممجمس التشريعى ‪ ,‬أشد قسوة مػف الشػروط‬
‫المعتبرة فيمف يرشح لمجمس الشورى ‪ ,‬نظ اًر لمميمة الممقاة عمى عػاتؽ كػؿ منيمػا‬
‫ــــــــ ـ‬
‫ةل اشبمث ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يىا ا ص ن‬
‫‪291‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫‪ ,‬فميمة المجمس التشريعى ػ كما ىو واضح مف تسػميتو ػ االجتيػاد وسػف القواعػد‬


‫الشرعية باالستنباط مػف األدلػة التفصػيمية ‪ ,‬وىػذا يسػتمزـ تػوافر عػدة شػروط تؤىػؿ‬
‫أعضاء ىذا المجمس لمقياـ بيذه الميمة ‪ ,‬أما مجمس الشورى فميمتو تختمؼ عف‬
‫ذلػػؾ ‪ ,‬حيػػث أنػػيط بػػو إبػػداء ال ػرأى فػػى المسػػائؿ السياسػػية المتعمػػؽ بشػػئوف الحكػػـ‬
‫والحياة ‪ ,‬واختيار رئيس الدولة كما قاؿ الماوردى ‪.‬‬
‫وبناء عميو نتناوؿ الشروط المعتبرة فيمف يرشػح لممجمسػيف كػ ٌؿ عمػى حػده‬
‫بإيجاز غير مخؿ واطناب غير ممؿ ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬الشروط المعتبرة فيمف يرشح لمجمس الشورى ػ أىؿ الحؿ والعقد ‪ :‬ػ‬
‫اشترط الماوردى فيمف يرشح لمجمس الشػورى ثبلثػة شػروط ىػى(ٔ)‪ ,‬العدالػة‬
‫الجامعػة لشػروطيا ‪ ,‬وبػيف المقصػود بالعدالػة بقولػو ‪ " :‬أف يكػوف الواحػد مػف أىػػؿ‬
‫الحؿ والعقد ػ صػادؽ الميجػة ظػاىر األمانػة ‪ ,‬عفيفػاً عػف المحػارـ متوقيػاً المػآثـ ‪,‬‬
‫بعيػػداً عػػف الريػػب ‪ ,‬مأمون ػاً فػػى الرضػػا والغضػػب مسػػتعمبلً لمػػروءة مثمػػو فػػى دينػػو‬
‫ودنياه "(ٕ) ‪.‬‬
‫كما اشترط فييـ العمـ الذى يتوصؿ بو إلى معرفة مف يستحؽ اإلمامػة عمػى‬
‫الشػػروط المعتب ػرة فييػػا ‪ ,‬وال ػرأى والحكمػػة المؤديػػاف إلػػى اختيػػار مػػف ىػػو لئلمامػػة‬
‫أصمح ‪ ,‬وبتدبير المصمح أقوـ وأعػرؼ ‪ ,‬بمعنػى أف يكػوف عالمػاً بشػروط الرياسػة‬
‫‪ ,‬وعالمػاً أيضػاً بػػأف ىػػذه الشػػروط متػوافرة فػػيمف يرشػػح ليػػا ‪ ,‬ىػػذا بجانػػب ضػػرورة‬
‫وجود المقدرة لديو فى التفريؽ بيف مف يصمح لمرياسة ومف ال يصمح(ٖ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ادل أ ن األ ك م اش لع ن ن ص ن ‪. 17‬‬
‫(‪ )2‬ادل أي ن األ ك م اش لع ن ن ص ن ‪. 129‬‬
‫(‪ )3‬يىا ــا يف ــىح ــلو اشيــى ط ن أ‪/‬زلمـ ضـ ء اشـ يل اشـىيس ن اشالمىيـ ت اش نـ ن امنــقة ن ص ن ‪ 223‬أ ‪ /‬زلمـ‬
‫=‬
‫‪292‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ثانياً ‪ :‬الشروط المعتبرة فيمف يرشح لممجمس التشريعى‬


‫أمػا عػف الشػروط الواجػب توافرىػا فػى المجتيػديف ( المجمػس التشػريعى ) فقػػد‬
‫لخصػػيا " السػػبكى " بقولػػو ‪ " :‬واعمػػـ أف كمػػاؿ رتبػػة االجتيػػاد تتوقػػؼ عمػػى ثبلثػػة‬
‫أشياء ‪:‬‬
‫أحدىا ‪ :‬التأليؼ فى العموـ التى يتيذب بيا الػذىف كالعربيػة ‪ ,‬وأصػوؿ الفقػو‬
‫‪ ,‬وما يحتاج إليو مف العموـ العقمية فى صيانة الذىف مف الخطػأ ‪ ,‬بحيػث تصػير‬
‫ىذه العموـ ممكة الشخص ‪ ,‬فػإذا ذاؾ يثػؽ بفيمػو لػدالالت األلفػاظ مػف حيػث ىػى‬
‫ىى وتحريره تصحيح األدلة مف فاسدىا‬
‫الثانى ‪ :‬اإلحاطة بمعظـ قواعػد الشػريعة حتػى يعػرؼ أف الػدليؿ الػذى ينظػر‬
‫فيو مخالؼ ليا أو موافؽ ‪.‬‬
‫الثالػػث ‪ :‬أف يكػػوف لػػو مػػف الممارسػػة والتبػػع لمقاصػػد الش ػريعة مػػا يكسػػبو قػػوة‬
‫يفيـ منيا مراد الشػرع مػف ذلػؾ ‪ ,‬ومػا يناسػب أف يكػوف حكمػاً لػو فػى ذلػؾ المحػؿ‬
‫واف لـ يصرح بو "(ٔ) ‪.‬‬

‫وعمى ذلؾ فيشترط فيمف يرشح لممجمس التشريعى ما يأتى(ٕ) ‪:‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫أ‪،‬ص ثم ن ن ي نن اش شن يف اشفقه امنقةي ص ن ‪. 159‬‬
‫(‪ )1‬لي ل ب اشك يف اش بكين امن ج يف ىح ادلالب ج ل ةالب ج اشويول إىل لم األيول شلب ض ي ‪ 8/1‬ـ يىا ـا‬
‫يف ى ط اال ب أ ب اشق أ ل ـ ان اش ةيـقي ن ادلـ ي إىل ةـل ب األةـ م أإـ ـل البـ ص ن ‪ 371‬ةـ‬
‫أ ‪.‬‬
‫‪ 381 / 11‬ـ أإ ل ب اشى م اش لو ن ق اجل ـ ىف‬ ‫(‪ )2‬ا ل اةنن ادلغُب ىف ‪،‬قه امة م أإ ل الب اشي ب‬
‫ىف أ ك م اال ب أ اش قل ادلعبأن اش لف ن ‪ 1385‬ـ حتق ق ‪ /‬زلب اش يل اخلع ب ص ‪ 34‬ة أ ‪.‬‬
‫‪293‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ٔ‪ -‬العمػػـ بػػالقرآف الك ػريـ ‪ ,‬وعممػػو بػػالقرآف يقتضػػى منػػو ‪ ,‬معرفػػة‬
‫الخاص والعاـ والمطمؽ والمقيد والمحكـ والمتشػابو والمجمػؿ‬
‫والمفسػػر والناسػػخ والمنسػػوخ مػػف اآليػػات المتعمقػػة باألحكػػاـ ‪,‬‬
‫وذلؾ ألف القرآف ىو المصدر األوؿ لمشريعة ‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬العمـ بالسنة النبوية ‪ ,‬فػبل بػد لمػف يرشػح لممجمػس التشػريعى‬
‫أف يعػػرؼ السػػنة القوليػػة والفعميػػة والتقريريػػة التػػى وردت فػػى‬
‫األحك ػػاـ الش ػػرعية ‪ ,‬والعم ػػـ بالس ػػنة يقتض ػػى من ػػو أف يع ػػرؼ‬
‫منيػػا مػػا يعػػرؼ مػػف الق ػرآف الكػريـ ‪ ,‬بجانػػب معرفػػة المت ػواتر‬
‫واآلح ػػاد والمرسػ ػػؿ والمتصػ ػػؿ والمسػ ػػند والمنقطػ ػػع والصػ ػػحيح‬
‫والضعيؼ ‪ ,‬حتى يكػوف عمػى بينػة مػف األمػر عنػد اسػتنباط‬
‫األحكاـ ‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬العمػ ػػـ بمواضػ ػػع اإلجمػ ػػاع ‪ ,‬التػ ػػى أجمػ ػػع عمييػ ػػا العممػ ػػاء ‪,‬‬
‫والمواضػػع التػػى ال شػػؾ فػػى وجػػود اإلجمػػاع بالنسػػبة ليػػا ‪,‬‬
‫كأصوؿ المواريث والمحرمات التى جاء بيا القرآف والسػنة ‪,‬‬
‫وال يشػػترط فيػػو حفػػظ جميػػع مػػا أجمػػع عميػػو العممػػاء حفظ ػاً‬
‫يسػػتظيره فػػى ك ػػؿ أحوالػػو ‪ ,‬ب ػػؿ يكفػػى أف يك ػػوف عمػػى عم ػػـ‬
‫بموض ػػع اإلجم ػػاع ف ػػى المس ػػألة الت ػػى يدرس ػػيا إف ك ػػاف فيي ػػا‬
‫إجمػػاع ‪ ,‬وأف يكػػوف عمػػى عمػػـ بمواضػػع االخػػتبلؼ إف كػػاف‬
‫فييا اختبلؼ ‪.‬‬
‫ٗ‪ -‬معرفة المنيج السميـ فى القياس ‪ ,‬وىػذا يقتضػى منػو معرفػة‬
‫شروط القياس وأركانو وأنواعو ‪ ,‬ومسالؾ العمة ومبطبلتيا ‪,‬‬
‫ألف القياس ىو مناط االجتياد ‪.‬‬
‫‪294‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫٘‪ -‬العم ػػـ بمسػ ػػاف العػ ػػرب ‪ ,‬فمكػ ػػى يػ ػػتمكف المجتيػ ػػد مػ ػػف تفسػ ػػير‬
‫القرآف وشرح السنة البد أف يكوف عالماً بمغة العرب ‪ ,‬وذلؾ‬
‫يكػوف بمعرفػػة العمػػوـ التػػى بيػػا قػواـ المغػػة العربيػػة مػػف النحػػو‬
‫والصػرؼ وغيرىمػا ‪ ,‬حتػى يػػتمكف مػف اسػتنباط األحكػاـ مػػف‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ى ػػذه ى ػػى الش ػػروط الت ػػى ينبغ ػػى توافرى ػػا ف ػػيمف يرش ػػح لعض ػػوية المجم ػػس‬
‫التشريعى ‪ ,‬وقد أصيبت األمة اإلسبلمية بببلء شديد تمثؿ فى تخبط تشريعى‬
‫متعػػارض مػػع أحكػػاـ الش ػريعة اإلسػػبلمية ‪ ,‬وتػػدىور وانحطػػاط فػػى األخػػبلؽ ‪,‬‬
‫نتيجة لغياب ىذه الشػروط أو معظميػا فػى المرشػحيف لممجمػس التشػريعى فػى‬
‫عصرنا الحاضر ‪.‬‬
‫فكػ ػػؿ مػ ػػف ت ػ ػوافرت فيػ ػػو الشػ ػػروط المعتب ػ ػرة فػ ػػى أىػ ػػؿ الحػ ػػؿ والعقػ ػػد أو فػ ػػى‬
‫المجتي ػػديف بالق ػػدر الك ػػافى حس ػػب ظ ػػروؼ الزم ػػاف ‪ ,‬ج ػػاز ل ػػو الترش ػػيح لعض ػػوية‬
‫ػت مػػنح شػػيادة‬
‫ىػػاتيف الييئتػػيف ‪ ,‬س ػواء كػػاف موظف ػاً أو غيػػر موظػػؼ ‪ ,‬وقػػد اقترحػ ُ‬
‫رسمية تثبت توافر ىذه الشروط ‪ ,‬فمػف حصػؿ عمييػا كػاف أىػبلً لمترشػيح لممجمػس‬
‫النيابى ‪ ,‬حتى ولو كاف الحاصؿ عمييا موظفاً عاماً ‪.‬‬

‫الفرع الثانى‬
‫الترشيح لرياسة الدولة‬
‫والشروط المعتبرة فى المرشح‬
‫‪295‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫تحدث الفقياء عف الشروط التى يجب توافرىا فيمف يرشح لرياسػة الدولػة(ٔ)‬

‫‪ ,‬وبالرجوع إلى آراء الفقياء فى ىذه الشروط ُوجد أف ىناؾ شػروطاً مجمػع عمييػا‬
‫وأخ ػػرى مختم ػػؼ عميي ػػا(ٕ) وس ػػأبيف ى ػػذه الش ػػروط م ػػع اإلش ػػارة إل ػػى الخ ػػبلؼ ف ػػى‬
‫الشرط إف وجد ‪.‬‬
‫وىذه الشروط إجماالً ىى اإلسبلـ والبموغ والعقؿ والحرية‪ ,‬الذكورة ‪ ,‬االجتياد‬
‫والعدالػػة ‪ ,‬صػػحة ال ػرأى فػػى السياسػػة واإلدارة والحػػرب ‪ ,‬سػػبلمة الح ػواس وسػػبلمة‬
‫األعضاء ‪ ,‬الشجاعة ‪ ,‬القرشية كونو أفضؿ أىػؿ زمانػو ‪ ,‬ىػذه كػؿ الشػروط التػى‬
‫تحدث عنيا الفقياء‪.‬‬
‫فبالنسبة لئلسبلـ والبموغ والعقؿ والحرية والذكورة والعدالة ‪ ,‬فيذه أمور ظاىرة‬
‫يجػػب توافرىػػا فػػيمف يشػػرح نفسػػو لمدولػػة ‪ ,‬قػػاؿ النػػووى ‪ ,‬قػػاؿ القاضػػى عيػػاض ‪" :‬‬
‫أجمػػع العممػػاء عمػػى أف اإلمامػػة ال تنعقػػد لكػػافر ‪ ,‬وعمػػى أنػػو لػػو ط ػ أر عميػػو الكفػػر‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ا ىف لو اش يى ط ن أ و ة اشغناىل ن ‪،‬ض ئح اشب اال ن ‪،‬ض ئ ادل مبىين أ ادل مبى ىف اشىأ لـ اشب اال ـن‬
‫ـ ض ـ اش ـ يل‬ ‫ص ن ‪ 181‬ة ـ أ ـ‬ ‫ة ن ــن أا اشك ــب اشثق ‪ ،‬ــن اشكويــص ‪ .‬حتق ــق أ ‪ /‬ب ـ اشــىإل ـ‬
‫امجيـ ن ادلوا ــف ‪ 285 / 3‬ة ـ أ ـ ‪ .‬ا ــل ــنم اشمـ ى ن اشفة ـ ىف ادلل ـ األ ـواء اشالم ـ ‪ .‬ةك بــن اخل ـ صل‬
‫اشقـ ىة ‪ 128 / 4‬ا ــو نــأ بـ اشــىإل ــل زلمـ ن اشغال ــن ىف أيــول اشـ يل ‪ .‬ة ن ــن اخلـ ة ت األحبـ ث اشثق ‪ ،‬ــن‬
‫‪ .‬ص ن ‪ 179 178‬ـ اشيبىن ‪ .‬ادلل اشالم ‪.‬‬ ‫ّب ت ‪ .‬ط ‪1987 1 /‬م ‪ .‬حتق ق ن م أ اش يل أإ‬
‫‪ 153 / 1‬ـ أ ـو كـى اشبـ ق ن دتب ـ األ ائـ تل ـ ص اشـ الئ ‪ .‬ص ن ‪ 471‬ةـ أـ ‪ .‬اآلةـ ن غ يـن ادلـىام ىف‬
‫لم اشكقم ن ص ن ‪ 383‬ة أ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ ل اش ـ و ‪ /‬اش ـالبو ن رجيــب أن ت ـوا‪،‬ى ىف ادلى ــح شلىئ نــن ـ ة ــى ط ةالب ـ ‪ .‬ــى ط و ـ ىة ةالب ـ ة ـ ــو رلمــا‬
‫ل ه ‪ .‬ةالب ة و سل لف ل ه يىا ا أ ‪ /‬ب اشىزاق اش البو ن أيول احلكـم ىف االنـقم ‪ .‬تىدـن نمىيـن اخلق‪،‬ـن‬
‫اذل ـن ادلةـىين اشأ ةـن شلك ـ ب‬ ‫اجل ي ة أ ‪ /‬ن أين ب اشىزاق اش البو ‪ .‬ةىا أن تأل ق تقـ أ ‪ /‬تو‪ ،‬ـق اشيـ‬
‫ةبى ن اشقىاءة شلجم ا ‪1998‬م ص ن ‪94‬‬
‫‪296‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫إنع ػػزؿ ‪ ,‬ق ػػاؿ وك ػػذا ل ػػو ت ػػرؾ إقام ػػة الص ػػموات وال ػػدعاء إليي ػػا ‪ ,‬ق ػػاؿ وك ػػذلؾ عن ػػد‬
‫جميورىـ البدعة " (ٔ) ‪.‬‬
‫ويقػػوؿ ابػػف حػػزـ الظػػاىرى ‪ " :‬وجميػػع أىػػؿ القبمػػة لػػيس مػػنيـ أحػػد يجيػػز‬
‫إمامة امرأة وال إمامػة صػبى لػـ يبمػغ ‪ ,‬إال الرافضػة ػ اإلماميػة ػ فإنيػا تجيػز إمامػة‬
‫الصػػغير الػػذي لػػـ يبمػػغ والحمػػؿ فػػى بطػػف أمػػو ‪ ,‬وىػػذا خطػػأ ألف مػػف لػػـ يبمػػغ فيػػو‬
‫غير مخاطب واإلماـ مخاطب بإقامة الديف"(ٕ) ‪.‬‬
‫ويرجػػع السػػبب فػػى اشػػتراط العقػػؿ والبمػػوغ فػػيمف يرشػػح لرياسػػة الدولػػة إلػػى أف‬
‫‪(:‬‬ ‫التكميػػؼ مػػبلؾ األمػػر ‪ ,‬وال تكميػػؼ عمػػى المجنػػوف والصػػبى لحػػديث النبػػى‬
‫رفع القمـ عف ثبلثة ‪ :‬عف المجنوف المغموب عمى عقمػو حتػى يفيػؽ ‪ ,‬وعػف النػائـ‬
‫حتى يستيقظ وعف الصبى حتى يحتمـ )(ٖ)‬

‫ويقػػوؿ اإليجػػي(ٗ) معم ػبلً اشػػتراط الحريػػة " لػػئبل يشػػغمو خدمػػة السػػيد عػػف‬
‫وظ ػ ػػائؼ اإلمام ػ ػػة ‪ ,‬ول ػ ػػئبل يحتق ػ ػػر فيعص ػ ػػى ف ػ ػػإف األحػ ػ ػرار يس ػ ػػتحقروف العبي ػ ػػد‬
‫ويستنكفوف عف طاعتيـ " ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬اشالو ن ادلالب ج ىح يم ح ة لم ل احلج ج ‪. 229 /12‬‬
‫(‪ )2‬ا ل نم اشم ى ن اشفة ىف ادلل اشالم ‪. 89 / 4‬‬
‫(‪ )3‬أ و أا أ ن نالل أ و أا أ ب احل أ ـ ب اجملالـون ي ـىق أ يةـ ب ـ اً ـم ‪ 545 / 2 4411‬اشَبةـل ن‬
‫ـم ‪ 32 / 4 1423‬ـ اشال ـ ئ ن نـالل اشال ـ ئ ‪.‬‬ ‫نالل اشَبةل ‪ .‬ب احل أ ـ ب ‪،‬ـ مل ال جيـب ل ـه احلـ‬
‫ب اشعقق ب ةل ال يقـا اق ـه ةـل األز اج ‪ .‬ـم ‪ 156 / 6 4432‬ـ ا ـل ة ـن ن نـالل ا ـل ة ـن ‪ .‬ـ ب‬
‫اشعقق ب اـقق ادلأ ـوو ـم ‪ 658 / 1 2141‬ـ اشـ ا ة ن نـالل اشـ ا ة ‪ .‬ـ ب احلـ أ ‪ .‬ـ ب ‪،‬ـا اشقلـم‬
‫ــل ثقث ــن ‪ .‬ــم ‪ . 225 / 2 . 2296‬ـ ل ال ــه ــْب ن ــل م أن ـ ن ان ـال أو ي ــم ح ‪ .‬ي ــممه أيض ـ ً اشيـ ـ خ‬
‫األشب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ض اش يل امجيي ن ادلوا ف ن ‪. 587 / 3‬‬
‫‪297‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫لما بمغو أف أىؿ فارس قد ممكوا‬ ‫أما بالنسبة الشت ارط الزكورة فمقوؿ النبى‬
‫عمييـ بنت كسرى قاؿ ‪ ( :‬لف يفمح قوـ ولوا أمرىـ إمرأة )(ٔ) وقػاؿ ابػف حػزـ ‪" :‬‬
‫وال خبلؼ بيف أحد فى أنيا ال تجوز المرأة "(ٕ) ‪.‬‬
‫أم ػػا ع ػػف اش ػػتراط العدال ػػة أو ال ػػورع كم ػػا يطم ػػؽ عمي ػػو ال ػػبعض(ٖ)‪ ,‬فق ػػد ق ػػاؿ‬
‫اإليج ػػى معمػ ػبلً ذلػ ػؾ ‪ " :‬فيج ػػب أف يك ػػوف ع ػػدالً ف ػػى الظ ػػاىر ل ػػئبل يج ػػور ‪ ,‬ف ػػإف‬
‫الفاسؽ ربما يصرؼ األمواؿ فى أغراض نفسو فيضيع الحقوؽ "(ٗ) ‪.‬‬
‫وقد وضح البعض القدر المتطمػب مػف العدالػة التػى يجػب توافرىػا فػيمف يرشػح‬
‫لرياسػػة الدولػػة ‪ ,‬فقػػاؿ ‪ " :‬والجبمػػة اإلنسػػانية بالسػػوء أمػػارة ‪ ,‬والتقػػى فػػى أرجوحػػة‬
‫اليوى يغمب تارة ويعجز تارة ‪ ,‬والشيطاف ليس يفتر عف الوساوس ‪ ,‬والزالت تكاد‬
‫تجػػرى عمػػى األنفػػاس ‪ ,‬فكيػػؼ يػػتخمص البشػػر مػػف اقتحػػاـ مخطػػور والتػػورط فػػى‬
‫فى شرط عدالة الشػيادة ال يعػرؼ أحػد بمحػض‬ ‫محظور ‪ ,‬ولذلؾ قاؿ الشافعى‬
‫الطاعػة حتػى يػتمخض بمعصػية ‪ ,‬وال أحػد بمحػض المعصػية حتػى ال يقػدـ عمػػى‬
‫طاعة وال ينفؾ أحد عف تخميط ‪ ,‬ولكف مف غمبت الطاعات فى حقو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬اشب ـ ي ن يــم ح اشب ـ ‪ .‬ـ ب ادلغ ـ ز ‪ .‬ـ ب ـ ب اشالــىب ‪ ‬إىل ــى ةــى ‪ .‬ــم ‪1611/4 4163‬ـ ـ‬
‫او أيض ً ىف ب اشفًب‪ .‬ب اشف الن اشٌب دتوج موج اشبمى م‪. 2611/6 6686‬‬
‫(‪ )2‬ا ل نم اشم ى ن اشفة ىف ادلل األ واء اشالم ‪. 129 / 4 .‬‬
‫(‪) 3‬يىا ا ‪ ،‬مل أالق ل ىط اشأ اشن‪ .‬ىط اشوع ـ ادل ويل اشي ‪،‬أين اشغال ن ىف أيول اش يل‪.‬صن ‪179‬‬
‫(‪ )4‬امجيي ن ادلوا ف ‪. 587 / 3 .‬‬
‫‪298‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫المعاصػػى وكانػػت تسػػوؤه سػػيئتو ‪ ,‬وتس ػره حسػػنتو فيػػو مقبػػوؿ الشػػيادة ‪ ,‬ولسػػنا‬
‫نشترط فى عدالة القضاء إال ما نشترطو فى الشيادة ‪ ,‬وال نشترط فػى اإلمامػة إال‬
‫ما نشترطو فى القضاء "(ٔ) ‪.‬‬
‫وقػػد اشػػترط المػػاوردى عػػدة شػػروط تتحقػػؽ بيػػا العدالػػة المطموبػػة فػػيمف يرشػػح‬
‫نفس ػػو لرياس ػػة الدول ػػة أو أى وظيف ػػة عام ػػة ‪ ,‬فق ػػاؿ ‪ " :‬والعدال ػػة أف يك ػػوف ص ػػادؽ‬
‫الميجة ظاىر األمانة عفيفاً عف الحراـ ‪ ,‬متوقياً المآثـ ‪ ,‬بعيداً عف الريب ‪ ,‬مأموناً‬
‫فى الرضا والغضب ‪ ,‬مستعمبلً لمروءة مثمو فى دينو ودنياه "(ٕ) ‪.‬‬
‫وفى شرط العدالة ىذا يقوؿ الدكتور ‪ /‬السنيوري ناقبلً عف المذكرة التركية عف‬
‫الخبلفػػة وسػػيادة األمػػة ‪ " :‬أمػػا عػػف العدالػػة فػػالمراد بيػػا أف يكػػوف صػػاحب اسػػتقامة‬
‫فى السػيرة وأف يكػوف متجنبػاً األفعػاؿ واألحػواؿ الموجبػة لمفسػؽ والفجػور ‪ ,‬فكمػا ال‬
‫يكوف الظالـ والغادر مستحقاً لمخبلفة ال يكوف المتصؼ بالتآمر والتحايؿ أىبلً ليا‬
‫‪ ,‬ولقد قالت األئمة أف إجبلس المتصػؼ بػالظمـ واالعتسػاؼ عمػى كرسػى الخبلفػة‬
‫وتسميـ العباد لو ‪ ,‬كمثؿ تسميـ قطيع مف الغنـ لمػذئب ‪ ,‬وجعمػو راعيػاً ليػا ‪ ,‬وأقػوى‬
‫برىاف عمى ذلؾ قولو تعالى إلبراىيـ ػ عميو السبلـ ػ عندما سألو أف يجعؿ اإلمامة‬
‫(ٖ)‬ ‫فػ ػ ػػى ذريتػ ػ ػػو‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪)1‬اشغناىل ن ‪،‬ض ئح اشب اال ن ص ن ‪. 191 191‬‬
‫(‪ )2‬ادل ـ أ ن اال ك ـ م اش ــلع ن ن ص ن ‪ . 129‬انمــى ص ن ‪ . 18‬ــث حت ـ ث ادل ـ أ ــل ا ـَباط اشأ اشــن ‪ ،‬ـ مل‬
‫تى ــح شىي نــن اش شــن ‪ .‬م ـ يىا ــا شلم ـ أ أيض ـ ً احل ـ اشكبــّب ‪ .‬حتق ــق ‪ /‬زلمــوأ ة ــعى ‪ .‬أا اشفكــى شلعب ــن‬
‫اشاليى اش وزيا ّب ت ‪ 1414 .‬ـ ـ ‪ 1994‬م ‪. 223/21 .‬‬
‫(‪ )3‬نو ة اشبقىة ن اآلين ‪. 124‬‬
‫‪299‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أى ‪ :‬ال يستحقونيا وال يصموف إلييا والقصػد اإلسػبلمى مػف تنصػيب الخميفػة ىػو‬
‫دفع الظمـ عف الناس ال تسميط الظالـ عمييـ ‪.‬‬
‫فمػػذا ال يجػػوز عنػػد عممػػاء اإلسػػبلـ كافػػة ‪ ,‬انتخػػاب مػػف ىػػو معػػروؼ بػػالظمـ‬
‫والبغى ػ خميفة ػ كما أف الخميفة الذى ارتكب الظمـ والطغياف أثناء خبلفتو يسػتحؽ‬
‫العزؿ ‪ ,‬بؿ إنو عند قدماء الشافعية وعمى رأسيـ اإلماـ الشافعى نفسػو ينعػزؿ ولػو‬
‫لـ تعزلو األمة "(ٔ) ‪.‬‬
‫وبالنسبة لمشروط الجسػمية ‪ ,‬فإنػو يشػترط فػيمف يرشػح نفسػو لمخبلفػة ‪ ,‬سػبلمة‬
‫الح ػواس مػػف السػػمع والبصػػر والمس ػاف ‪ ,‬وعمػػؿ ذلػػؾ المػػاوردى اشػػتراط ىػػذا الشػػرط‬
‫بقولو ‪ " :‬ليصح معيػا مباشػرة مػا يػدرؾ بيػا "(ٕ) ‪ ,‬كمػا عمػؿ الغ ازلػى اشػتراط ىػذا‬
‫الشرط بقولو ‪ " :‬إذ ال يتمكف األعمػى واألصػـ مػف تػدبير نفسػو فكيػؼ يتقمػد عيػده‬
‫العالـ "(ٖ) ‪.‬‬
‫" وكذلؾ سبلمة األعضاء مف نقػص يمنػع اسػتيفاء الحركػة وسػرعة النيػوض‬
‫‪ ,‬ويبلحظ أف القدر المتطمب مػف سػبلمة الحػواس واألعضػاء مػرتبط بالقػدرة عمػى‬
‫القياـ بمياـ الخبلفة ‪ ,‬فإذا كاف ىناؾ نقص يفقد القدرة عمى القيػاـ بميػاـ الرياسػة‬
‫‪ ,‬كفقػ ػػد اليػ ػػديف أو الػ ػػرجميف أو العمػ ػػى أو الصػ ػػمـ ‪ ,‬فإنػ ػػو ال يجػ ػػوز ترشػ ػػيح ىػ ػػذا‬
‫الشػػخص ‪ ,‬أمػػا إذا كػػاف الػػنقص ال يػػؤثر فػى القػػدرة عمػػى القيػػاـ بميػػاـ الرياسػػة وال‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬أ ‪ /‬ب اشىزاق اش البو ن أيول احلكم ىف امنقم ‪ .‬ص ن ‪ 97‬ة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ادل أ ن األ ك م اش لع ن ن ‪ .‬ص ن ‪. 18‬‬
‫(‪ )3‬اشغناىل ن ‪،‬ض ئح اشب اال ن ص ن ‪. 181‬‬
‫‪311‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫عمػػى كفػػاءة األداء ‪ ,‬مثػػؿ فقػػد الػػذكر أو األنثيػػيف فػػإف ذلػػؾ ال يمنػػع مػػف الترشػػيح‬
‫لمرياسة "(ٔ) ‪.‬‬
‫أما عف بقية الشروط فقد اختمؼ بشأنيا الفقياء ‪ ,‬فبالنسبة لشرط االجتيػاد ‪,‬‬
‫فقد اشترط جميور الفقياء فى المرشح لرياسة الدولة العمـ الػذى يصػؿ إلػى درجػة‬
‫االجتي ػ ػػاد فق ػ ػػاؿ ص ػ ػػاحب كت ػ ػػاب المواق ػ ػػؼ " الجمي ػ ػػور عم ػ ػػى أف أى ػ ػػؿ اإلمام ػ ػػة‬
‫ومسػػتحقيا مػػف ىػػو مجتيػػد فػػى األصػػوؿ والفػػروع ليقػػوـ بػػأمور الػػديف متمكن ػاً مػػف‬
‫إقامة الحجج وحؿ الشبو فى العقائػد الدينيػة مسػتقبلً بػالفتوى فػى النػوازؿ واألحكػاـ‬
‫والوق ػ ػػائع نصػ ػ ػاً واس ػ ػػتنباطاً ؛ ألف أى ػ ػػـ مقاص ػ ػػد اإلمام ػ ػػة حف ػ ػػظ العقائ ػ ػػد وفص ػ ػػؿ‬
‫الحكومات ورفع المخاصمات ‪ ,‬ولف يتـ ذلؾ بدوف ىذا الشرط "(ٕ) ‪.‬‬
‫ولكف اإلماـ الغزالى ذىب إلى أف االجتيػاد لػيس بشػرط فػى اإلمػاـ ‪ ,‬فقػاؿ ‪:‬‬
‫" وليسػػت رتبػػة االجتيػػاد ممػػا ال بػػد منػػو فػػى اإلمامػػة ضػػرورة ‪ ,‬بػػؿ الػػورع الػػداعى‬
‫إلى مراجعة أىؿ العمـ فيو كاؼ "(ٖ) ‪.‬‬
‫ووافؽ ابف حزـ الغزالى فى ذلؾ حيث نقؿ عنو " ثـ يستحب أف يكوف عالمػاً‬
‫بما يخصو مف أمور الديف مف العبادات والسياسات واألحكاـ "(ٗ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫شلمني ـ ةــل اش فة ـ ىف ــلا اشيــىط تىا ــا تىا ــا ن ـ شٌب‬ ‫(‪ )1‬ادل ـ أ ن األ ك ـ م اش ــلع ن ن ‪ .‬ص ن ‪ 14‬ة ـ أ ـ‬
‫شلم ـ ّب ‪ .‬نم ـ م اجل ـ ا ة ىف توش ــه اشوو ـ ئف اشأ ةــن أ انــن ةق نــن ــْب اشالم ـ م امأا اشوضــأ امنــقة ‪ .‬ص ن‬
‫‪ 144‬ة أ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ضـ اشـ يل امجيـ ن ادلوا ـف ‪ 586 / 3‬ـ ىف دات ادلأـُب يىا ــا ادل ـوىل اشيـ ‪،‬أ ن اشغال ــن ىف أيـول اشـ يل ‪ .‬ص ن‬
‫‪. 178‬‬
‫(‪ )3‬اشغناىل ن ‪،‬ض ئح اشب اال ن ‪ .‬ص ن ‪. 191‬‬
‫(‪ )4‬ا ل نم اشم ى ن اشفة ىف ادلل األ واء اشالم ‪. 129 / 4 .‬‬
‫‪311‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ولكف مف لـ يشترط االجتياد فى المرشح لرياسة الدولة اشترط ضرورة وجود‬


‫مجتيػػد معػػو ليراجعػػو فػػى األحكػػاـ فقػػاؿ الشيرسػػتانى ‪ ,‬ومالػػت جماعػػة مػػف أىػػؿ‬
‫السنة إلى جواز ‪ " :‬أف يكوف اإلماـ غير مجتيد وال خبير بمواقع االجتياد ‪ ,‬لكف‬
‫يجػػب أف يكػػوف معػػو مػػف يكػػوف مػػف أىػػؿ االجتيػػاد فيراجعػػو فػػى األحكػػاـ ويسػػتفتى‬
‫منو فى الحبلؿ والحراـ "(ٔ) ‪.‬‬
‫وترجع عمة عدـ اشػتراط االجتيػاد عنػد مػف لػـ يشػترطو ‪ ,‬إلػى تعػذر اجتمػاع‬
‫ى ػػذا الش ػػرط م ػػع غيػ ػره م ػػف الش ػػروط المطموب ػػة ف ػػى واح ػػد ‪ ,‬فيك ػػوف تكميفػ ػاً بم ػػا ال‬
‫يطاؽ(ٕ) ‪.‬‬
‫أم ػػا ع ػػف اش ػػتراط ص ػػحة الػ ػرأى ف ػػى السياس ػػة واإلدارة والح ػػرب ‪ ,‬فق ػػد عب ػػر "‬
‫عضد الديف اإليجى" عف صحة الرأى بقولػو ‪ " :‬ذو رأى وبصػارة بتػدبير الحػرب‬
‫والسمـ وترتيب الجيوش وحفظ الثغور ليقوـ بأمور الممؾ "(ٖ) ‪.‬‬
‫كمػػا عبػػر المػػاوردى عػػف ذلػػؾ الشػػرط بقولػػو ‪ " :‬ال ػرأى المفضػػى إلػػى سياسػػة‬
‫الرعية وتدبير المصالح "(ٗ)‪.‬‬
‫وذىػب بعػػض العممػػاء إلػى عػػدـ اشػػتراط ىػػذا الشػرط واالكتفػػاء باستشػػارة أىػػؿ‬
‫الخبػرة واآلراء الصػػائبة فػػى ىػػذه األمػػور لصػػعوبة تػوافر ىػػذا الشػػرط مػػع غيػره مػػف‬
‫الشػػروط فػػى عص ػرنا ىػػذا فػػى شػػخص واحػػد ‪ ,‬ويكتفػػى باشػػتراط أف تكػػوف عنػػده‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ن ادلل اشالم ‪. 153 /1 .‬‬ ‫(‪ )1‬اشيبىن‬
‫(‪ )2‬ض اش يل امجي ن ادلوا ف ‪. 585 / 3 .‬‬
‫(‪ )3‬امجي ن ادلوا ف ‪.586 / 3 .‬‬
‫(‪)4‬ادل أ ن اال ك م اش لع ن ن ‪ .‬ص ن ‪. 18‬‬
‫‪312‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫مقػ ػػدرة اتخػ ػػاذ الحكػ ػػـ الصػ ػػائب عنػ ػػد وضػ ػػوح مشػ ػػاكؿ السياسػ ػػة والحػ ػػرب واإلدارة‬
‫العامة(ٔ) ‪.‬‬
‫أما بالنسبة الشتراط الشجاعة ‪ ,‬فقد شرطو الجميور كما قاؿ صػاحب كتػاب‬
‫المواقؼ ‪ ,‬حيث قاؿ ‪ " :‬شجاع قوى القمب ليقػوى عمػى الػذب عػف الحػوزة والحفػظ‬
‫بعػػد انيػزاـ المسػػمميف فػػى‬ ‫لبيضػػة اإلسػػبلـ بالثبػػات فػػى المعػػارؾ كمػػا روى أنػػو‬
‫الصؼ قػاؿ أنػا النبػى ال كػذب أنػا ابػف عبػد المطمػب(ٕ) أو ال ييولػو أيضػاً إقامػة‬
‫الحدود وضرب الرقاب "(ٖ) ‪.‬‬
‫وقد خالؼ بعض العمماء ولـ يشترط صفة الشجاعة فى اإلماـ لندرة اجتماع‬
‫ىػذه الصػػفة مػع الصػػفات األخػػرى(ٗ) ‪ ,‬حيػث قػػاؿ صػاحب المسػػايرة وشػػارحو ‪" :‬‬
‫ويمك ػػف تف ػػويض مقتض ػػيات الش ػػجاعة ‪ ,‬أى األم ػػور الت ػػى تقتض ػػى ك ػػوف اإلم ػػاـ‬
‫شػػجاعاً مػػف االقتصػػاص ‪ ,‬واقامػػة الحػػدود وقػػود الجيػػوش مػػف العػػدو‪ ...‬إلػػى غي ػره‬
‫"(٘) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬يىا ـا ىف دشـ نــأ اشـ يل اش ف ـ زا ن ــىح اش ــأ لـ ادلق يـ ‪ 213 / 2 .‬ـ أ ـ إش ــه أ‪ /‬زلمـ أ‪،‬ــص ثمـ ن ن‬
‫ي نن اش شن ىف اشفقه االنقة ‪ .‬ص ن ‪ 165‬ث أي ‪،‬ض ل ه لا اشىأ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬احل يث او اشب ـ ن يـم ح اشب ـ ‪ .‬ـ ب اجلبـ أ اش ـّب ‪ .‬ـ ب ةـل ـ أ أا ـن غـّبو ىف احلـىب ‪ .‬ـم ‪. 2719‬‬
‫‪ . 1151 / 3‬او ىف ةواضا أيى ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ض اش يل امجي ن ادلوا ف ‪. 587 586 / 3 .‬‬
‫(‪)4‬امجي ن ادلوا ف ‪. 587 / 3 .‬‬
‫إش ه أ ‪ /‬زلمـ أ‪،‬ـص ثمـ ن ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬اشكم ل ل أ ىيف ن ادل ةىة ىح ادل يىة شلكم ل ل اذلم م ‪ .‬ص ن ‪ . 166‬أ‬
‫ي نن اش شن ىف اشفقه امنقة ‪ .‬ص ن ‪. 173 172‬‬
‫‪313‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫أما عف شرط القرشية ‪ ,‬أى أف اإلماـ يجب أف يكوف مػف قػريش فقػد اختمػؼ‬
‫الفقياء بشأنو اختبلفاً كبي اًر وأشير مف رفضوا ىذا الشرط ىـ الخوارج ‪ ,‬لدرجة أف‬
‫مػػا يشػػتيروف بػػو ىػػو قػػوليـ بعػػدـ وجػػوب ىػػذا الشػػرط كمػػا رفضػػو أيض ػاً بعػػض‬
‫المعتزلة(ٔ) ‪.‬‬
‫ونسػػتخمص مػػف ىػػذا الخػػبلؼ أف شػػرط القرشػػية يعػػد شػػرط تفضػػيؿ ‪ ,‬بمعنػػى‬
‫أنو إذا وجد قرشى متساو فى الشػروط مػع غيػره ممػف لػيس بقرشػى قػدـ القرشػى ‪,‬‬
‫والقوؿ بغير ذلؾ يعد مغالطة فى الشريعة ‪ ,‬حيث ال يستساغ أف يقدـ قرشى فاقد‬
‫لشرط العدالة أو البموغ أو العقؿ مثبلً عمى مكتمؿ شروط اإلمامة فيما عػدا شػرط‬
‫القرشية(ٕ) ‪ ,‬والقوؿ بغير ذلؾ يؤدى إلى ممكية أو وراثة رياسة الدولة ‪.‬‬
‫أما عف الشرط األخير وىػو كونػو أف يكػوف أفضػؿ أىػؿ زمانػو ‪ ,‬فقػد اختمػؼ‬
‫بشأنو الفقياء وذلؾ عند تعرضيـ لمدى جواز إمامة المفضوؿ مع وجود األفضؿ‬
‫‪ ,‬فقاؿ أبو بكر الباقبلنى ‪" :‬ومنيا ػ أى مف الشروط التى يجب توافرىا فى اإلماـ‬
‫أف يكوف مف أمثميـ فى العمـ وسائر ىذه األبواب التى يمكػف التفاضػؿ فييػا "(ٖ)‬
‫‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫ث ‪ :‬احل يث ول اخلقف ىف لا اشيىط ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يىا ا امجي ن ادلوا ف ‪ 587 / 3 .‬ة أ‬
‫(‪ )2‬ـ ش ضـىا ـل مــى اشغعفـ ن ـ ل ر إدا ا مــا بيـ ى ـ قمهـ ـ ئم شك ـ ب اش ـالن ـ شوا ــب أن يقـ م‬
‫احلبي ‪،‬إنه أنب خللأه إدا أ ل اشعىيقن ر يىا ا ا ل نم اشم ى ن اشفة ىف ادلل اشالم ‪. 74 / 4‬‬
‫(‪ )3‬أ و كى اشب ق ن دتب األ ائ تل ص اش الئ ‪ .‬ص ن ‪. 471‬‬
‫‪314‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وذىب أبو الحسف األشعرى إلى أف اإلماـ يجب أف يكوف أفضؿ أىؿ زمانػو‬
‫فى شروط اإلمامة ‪ ,‬وال تنعقد اإلمامة ألحد مع وجود مف ىػو أفضػؿ فييػا ‪ ,‬فػإف‬
‫عقدىا لممفضوؿ كاف المعقود لو مف المموؾ دوف األئمة "(ٔ) ‪.‬‬
‫ولكف قوؿ األكثرية مف الفقياء والمتكمميف أجازوا إمامة المفضػوؿ مػع وجػود‬
‫األفض ػػؿ ‪ ,‬وال يك ػػوف وج ػػود األفض ػػؿ مانعػ ػاً م ػػف انعق ػػاد إمام ػػة المفض ػػوؿ م ػػا داـ‬
‫مستوفياً لشروط اإلمامة (ٕ) ‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى آراء الفقياء فى ذلؾ نستخمص ترجيح القوؿ الذى يرى وجػوب‬
‫تقػػديـ األفضػػؿ فػػى شػػروط اإلمامػػة عمػػى المفضػػوؿ ‪ ,‬ولكػػف إذا انعقػػدت اإلمامػػة‬
‫لممفضػػوؿ خوف ػاً مػػف الفتنػػة ‪ ,‬أو لمػػرض األفضػػؿ أو لكػػوف المفضػػوؿ أطػػوع إلػػى‬
‫النػػاس جػػاز انعقادىػػا لػػو مػػع وجػػود األفضػػؿ والػػدليؿ عمػػى وجػػوب تقػػديـ األفضػػؿ‬
‫‪( :‬مف استعمؿ رجبلً عمى عصابة وفى تمػؾ العصػابة مػف ىػو أرضػى هلل‬ ‫قولو‬
‫‪( :‬اجعمػوا أئمػتكـ‬ ‫منو فقد خاف اهلل وخاف رسولو وخاف المػؤمنيف)(ٖ) ‪ ,‬وقولػو‬
‫خياركـ )(ٔ) فدؿ ىذا عمى تقديـ األفضؿ عمى المفضوؿ ‪.‬‬
‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ب اشق ى ل ا ى اشبغ اأ ن أيول اش يل ص ‪ 293‬أ ـ إش ـه أ ‪ /‬زلمـ أ‪،‬ـص ثمـ ن ‪ .‬ي نـن اش شـن ىف اشفقـه‬
‫االنقة ص ‪. 214‬‬
‫(‪ )2‬ادل ـ أ ن األ ك ـ م اش ــلع ن ن ‪ .‬ص ن ‪ . 25‬يىا ــا ‪ ،‬ـ مل ـ ل إة ة ــن ادلفض ــول ‪ .‬ا ــل ج ــى اذل م ـ ن اشة ـوا ق‬
‫ايى ن ن ‪ 175 / 1‬ـ أ و ةالةو ب اشق ى ل ا ى ل زلم اشبغ اأ ن اشفىق ْب اشفىق ن اشفى ن اشال ن ‪ .‬أا‬
‫اآل‪ ،‬ق اجل ي ة ‪ّ .‬ب ت ‪ .‬ط ‪1977 . 2 /‬م ‪ .‬ص ‪ 23‬ـ ا ل نم اشفةـ ىف ادللـ اشالمـ ‪ 127 / 4 .‬ةـ أـ ـ‬
‫اشيبىن ن ادلل اشالم ‪ 153 / 1 .‬ة أ ـ ض اش يل امجي ن ادلوا ف ‪ 641 / 3 .‬ة أ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬احل م ن ادل ك ب ةأى‪،‬ن اشةم ن ض اهلل البم ‪ .‬م ‪ 141 / 4 . 7123‬ـ اشعربا ن ادلأجم اشكبّب ‪ .‬ب‬
‫اشأــْب ‪ .‬أ أيــث بـ اهلل ــل بـ ب ــل بـ ادلعلــب ‪ ...‬ــم ‪ 114 /11 . 11216‬ـ اشب بقـ ن اش ـالل اشكــرب ‪.‬‬
‫ـ ب آأاب اشق ضـي ‪ .‬ـ ب ال يـوىل اشـوايل اةـىأة ال ‪ ،‬نـق ً ال ـ قً أةـى اشقضـ ء ‪ .‬ـم ‪ 21151‬ـ ‪ 118 / 11‬ـ‬
‫=‬
‫‪315‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫ولكػػف مػػا الحكػػـ لػػو خػػبل الزمػػاف مػػف مسػػتجمع لشػػروط اإلمامػػة ‪ ,‬فػػى ىػػذه‬
‫الحالة ننظر كما يقوؿ اآلمدى(ٕ) إلى المفسدة المترتبة عمى نصب رئيس الدولػة‬
‫والمفس ػ ػػدة المترتب ػ ػػة عم ػ ػػى ع ػ ػػدـ نص ػ ػػبو ‪ ,‬ون ػ ػػدفع أعبلى ػ ػػا بارتك ػ ػػاب أدناى ػ ػػا ‪ ,‬إذ‬
‫الضرورات تبيح المحظورات ‪ ,‬كما فى أكؿ الميتة عند االضطرار ‪.‬‬
‫فخمػػو الزمػػاف مػػف مسػػتجمع لشػػروط الرياسػػة يػػدخمنا فػػى حالػػة الضػػرورة التػػى‬
‫ىى الوجو اآلخر لممشروعية(ٖ) وليػا أحكاميػا الخاصػة المتعمقػة بيػا والتػى تقػدر‬
‫بقػدرىا ‪ ,‬وفػػى ىػػذه الحالػػة يجػػب أف نختػػار األمثػؿ فاألمثػػؿ ممػػف يتػوافر فػػييـ ىػػذا‬
‫القدر مف شروط الرياسة(ٗ) ‪.‬‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫خيى و ل‪،‬ه اشل ىب ةل اش ل ص ر ‪.‬‬ ‫يث يم ح امنال أ‬ ‫كر‬ ‫ل اله زلقق ب ادل‬
‫ء ىف إة ةن ش اشنن ‪ .‬م ‪3 4912‬‬ ‫‪ .‬ب ا ألوا أئم كم ي م ة‬ ‫(‪ ) 1‬اشب بق ‪ .‬اش الل اشكرب ‪ .‬ب احل‬
‫‪ . 91 /‬و ضأ ف امنال أ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ىف دش يقول االة ر إن يو ىف اشأ ة جما جلم ا ـى ط امة ةـن ـ ةـل ‪،‬قـ ىف قـه ـئ ـ شألم أ‬
‫اشأ اشـن ضلو ـ ‪ ،‬شوا ـب أن يالمـى إىل ادلف ـ ة اشقزةـن ةــل إ ة ـه ـ م إ ة ـه يـ ‪،‬ا أ قمهـ تكـ ب أأن مهـ إدا‬
‫اشضى ات تب ح ايمو ات دش م ىف أ ادل ن شال بن إىل شن االضىا ضلوو ر يىا ا اآلة ن غ ين ادلـىام ىف‬
‫لم اشكقم ص ‪. 386‬‬
‫(‪ ) 3‬أنـ دن اشـ و ‪، /‬ـ اأ زلمـ اشالـ أ ‪ .‬ةبـ أ ادليــى ن ضـوا ‪ :‬يضــوع اش شــن شلقـ نون ىف اشفقــه امنــقة ةونــو ن‬
‫اشفقه اش ني امنقة نم م احلكم ىف امنقم‪ .‬اشك ب اخل ةس‪ .‬ط‪ 2/‬ـ ‪ 1411‬ـ ـ ‪1981‬م ‪ .‬ص ن ‪. 91‬‬
‫(‪ ) 4‬أيــلت ــلا اشـىأ ةــل ـ يث ا ــل ت م ــن ــل ف ــن اش أ ــْب ىف اشوالي ـ ت اشــٌب ـ أ ـ ةــل ي نــن اش شــن ــث إن‬
‫قةــه ــلا يالعبــق لـ ةـ أ ن امة ةــن لـ دشـ ‪ ،‬نعب ــه لـ امة ةــن ةــل ـ ب أ ىل ــث يقــول الـ ـ م‬
‫األةث ‪ ،‬ألةث ىف ةالةب حب به إدا ‪،‬أ دش أ = = اال ب أ اش م ‪ .‬أيـلو‬ ‫وأ ةل يةح شلوالينر ‪،‬‬
‫شلواليـن حبقبـ ‪،‬قـ أأ األة نــن ـ م شوا ــب ىف ـلا ‪ ...‬ر ‪ .‬ا ــل ت م ـنن اش نــن اشيـى ن ص ‪ 8‬يىا ــا شفضـ ل ه ن‬
‫اشف ـ اشكــرب ‪ .‬أا ادلأى‪،‬ــن ‪ .‬ــّب ت ‪ .‬ط ‪ 1 /‬ـ ‪ 1386‬ـ ‪ .‬حتق ــق ـالْب زلم ـ سللــوف ‪ .555/5‬ىف نفــس‬
‫ادلأُب يىا ا أ و اشأب ب مشس اش يل زلم ل أإ ل إنة ل ب ب اش يل اشىةلـ ادلالـوىف ادلةـى األنةـ اشيـبّب‬
‫=‬
‫‪316‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫فيػػذه ىػػى الشػػروط المتطمبػػة فػػيمف يرشػػح لمرياسػػة ‪ ,‬ونشػػير إلػػى أف رياسػػة‬
‫الدولة ليست حك اًر عمى أحد ‪ ,‬فكؿ مف تػوافرت فيػو ىػذه الشػروط أو القػدر الػبلزـ‬
‫منيا إلقامة حدود اهلل والذب عف بيضػة اإلسػبلـ ‪ ,‬كػاف مػف حقػو أف يرشػح نفسػو‬
‫لمرياسة ‪ ,‬ال فػرؽ فػى ذلػؾ بػيف مػف كػاف موظفػاً أو غيػر موظػؼ ‪ ,‬فػالجميع أمػاـ‬
‫اكتساب ىذه الشروط سواء ‪ ,‬وعمى ذلؾ فالموظؼ العػاـ أيػاً كانػت وظيفتػو مدنيػة‬
‫أو عسكرية ‪ ,‬إذا توافرت فيو شروط الرياسة كاف مف حقو الترشيح ليا ‪.‬‬
‫ولكف كيؼ يتـ الترشيح لرياسة الدولة فى الفقو اإلسبلمى ؟‬
‫والمتتبػ ػع ألقػ ػواؿ الفقي ػػاء وآرائي ػػـ الس ػػابؽ اإلش ػػارة إليي ػػا ف ػػى ص ػػفحات ى ػػذا‬
‫المبحػػث ‪ ,‬يجػػد أف ىنػػاؾ ىيئػػة أطمػػؽ عمييػػا الفقيػػاء ( أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد ) ىػػى‬
‫الموكػػوؿ إلييػػا اختيػػار ال ػرئيس ولكػػف ىػػؿ يعػػد اختيػػار أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد ل ػرئيس‬
‫الدولة اختيا اًر نيائياً ‪ ,‬أـ يمزـ موافقة الشعب عميو ؟‬
‫والناظر فيما نقمو المؤرخػوف عمػا دار فػى سػقيفة بنػى سػاعدة ‪ ,‬ومػا دار مػف‬
‫ليكػوف‬ ‫حوار بيف الستة أصحاب الشورى الذيف عينيـ سيدنا عمر بف الخطاب‬
‫الخميفة مف بينيـ ‪ ,‬والناظر أيضاً فى أقواؿ الفقياء ػ السابؽ اإلشارة إلييػا ػ والتػى‬
‫تؤكد أنو ال بد أف يؤيد اإلمػاـ أكبػر عػدد ممكػف مػف النػاخبيف تحصػؿ بػو الشػوكة‬
‫التى أشار إلييا ابف تيمية حيث قاؿ ‪ " :‬وال يصير الرجؿ إمامػاً حتػى يوافقػو أىػؿ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫=‬
‫ةأـه ـ ن اشيرباةل ـ ‪.‬‬ ‫شي ‪،‬أ اشةـغّبن هن يـن اي ـ ج إىل ـىح ادلالبـ ج ىف اشفقـه لـ ةـل ب امةـ م اشيـ ‪،‬أ‬
‫ن أإ ل ب اشىازق ادلأـى ف ـ دلغى اشى ـ ‪ .‬ط‪ /‬ةةـعف اشبـ احللـىب ‪ 241/8‬ـ زلمـ لـ ن ـىح‬
‫ةالح اجلل ‪. 139 138 / 4‬‬
‫‪317‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫الشػػوكة عمييػػا الػػذيف يحصػػؿ بطػػاعتيـ لػػو مقصػػود اإلمامػػة"(ٔ) فالنػػاظر فػػى كػػؿ‬
‫ذلػػؾ يجػػد أف اختيػػار أىػػؿ الحػػؿ والعقػػد لػرئيس الجميوريػػة ال يتعػػد مجػػرد الترشػػيح‬
‫ليذا المنصب ‪ ,‬وليس اختيا اًر نيائياً ‪ ,‬خاصة فى عصرنا ىذا حيث ال يوجػد مػف‬
‫تجتمع فيو شروط الرياسة ‪.‬‬
‫وعمى ذلؾ فإف تنصيب رئيس الجميورية ػ مف وجية نظرى ػ يتـ عمى النحو‬
‫التالى ‪:‬‬
‫يعرض كؿ مف تتوافر فيػو شػروط الرياسػة عمػى أىػؿ الحػؿ والعقػد ‪ ,‬ثػـ تقػوـ‬
‫ىػػذه الييئػػة األخيػ ػرة باختيػػار أفض ػػؿ اثنػػيف مم ػػف تت ػوافر ف ػػييـ الشػػروط المطموب ػػة‬
‫لمرياسة ثـ تعرض ىذا االختيار عمى أفػراد الشػعب بعػد عػرض م ازيػا وعيػوب كػؿ‬
‫مرشػػح ‪ ,‬ليقػػوؿ كممتػػو ويختػػار أحػػدىما وال يصػػير المختػػار رئيس ػاً لمدولػػة إال إذا‬
‫حصؿ عمى أغمبية األصوات ‪.‬‬
‫وىذا يفترض االختيار الصحيح لييئة الحؿ والعقػد عمػى النحػو السػابؽ بيانػو‬
‫فى كيفية اختيارىـ ‪.‬‬
‫وبػػذلؾ نكػػوف قػػد تحققنػػا مػػف أف الشػػخص المختػػار لمرئاسػػة ىػػو أفضػػؿ مػػف‬
‫توافرت فييـ شروط الرياسة ػ ألنو مرشح مػف قبػؿ ىيئػة لػدييا القػدرة عمػى التمييػز‬
‫الصحيح بيف مف يصمح ومف ال يصمح ممػف تػوافرت فػييـ شػروط الرياسػة ‪ ,‬وىػـ‬
‫أىؿ الحؿ والعقد ػ ىذا مف ناحية ومف ناحية أخرى نكوف قد حصمنا عمى التأييد‬
‫الجماىيرى المطموب الذى تحصؿ بو الشوكة لتحقيؽ مقصود الرياسة ‪.‬‬
‫أمػػا عػػرض المرشػػحيف لرئاسػػة الدولػػة مباش ػرة عمػػى الشػػعب لمتفاضػػؿ بيػػنيـ‬
‫بدوف وضع ضوابط لمترشيح تتعمػؽ بػالتحقؽ مػف مػدى مقػدرة ىػذا الشػخص لمقيػاـ‬

‫ــــــــ ـ‬
‫(‪ )1‬ا ل ت م ن ن ةالب ج اش الن اشالبوين ‪. 527 / 1 .‬‬
‫‪318‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫بمياـ الرئاسة أو تتعمؽ بمدى توافر شروط اإلمامة فيو ‪ ,‬فيػذا ال يصػمح بػالمرة ‪,‬‬
‫ألف معظـ أفراد الشعب فى الدوؿ اإلسبلمية بؿ والعربية ليس لدييـ المقػدرة عمػى‬
‫التمييز الصحيح بيف مػف يصػمح ومػف ال يصػمح لمرئاسػة ‪ ,‬ومػف ثػـ فػانفراد ىػؤالء‬
‫بانتخاب رئيس الدولة ال يجوز ‪ ,‬أو حتى اشتراكيـ مع غيرىـ ممف لػدييـ المقػدرة‬
‫عمى عممية االنتخاب فينحرفوا بيا عف الطريؽ الصحيح ‪.‬‬
‫ولو نصبنا ميزاف المقارنة بػيف مػا جػاءت بػو الشػريعة اإلسػبلمية ومػا جػاءت‬
‫ب ػػو ال ػػنظـ الوض ػػعية ف ػػى م ػػدى تمت ػػع الموظ ػػؼ الع ػػاـ بحري ػػة االنتخ ػػاب والترش ػػيح‬
‫يتضح اآلتى ‪:‬‬
‫ػ ىناؾ اتفاؽ بيف الػنظـ الوضػعية والشػريعة اإلسػبلمية بشػأف إقػرار مبػدأى‬
‫االنتخػػاب والترشػػيح بشػػكؿ عػػاـ ‪ ,‬كػػذلؾ فػػإف ىنػػاؾ اتفاق ػاً بينيمػػا فػػى‬
‫اخػػتبلؼ ض ػوابط وقيػػود ممارسػػة حػػؽ االنتخػػاب ‪ ,‬عػػف ض ػوابط وقيػػود‬
‫ممارس ػ ػػة ح ػ ػػؽ الترش ػ ػػيح ‪ ,‬حي ػ ػػث تف ػ ػػرض ال ػ ػػنظـ الوض ػ ػػعية والشػ ػ ػريعة‬
‫اإلسػػبلمية قيػػوداً أشػػد قسػػوة عمػػى الشػػخص عنػػد ممارسػػة حػػؽ الترش ػيح‬
‫مما تفرضاه عميػو عنػد ممارسػة حػؽ االنتخػاب ؛ ألف الترشػيح فػى كػؿ‬
‫منيما يتعمؽ بطمػب واليػة متعديػة إلػى الغيػر ‪ ,‬يجػب أف يكػوف المرشػح‬
‫أىبلً لتولى أعبائيا ‪.‬‬
‫ػ تختمؼ النظـ الوضعية عف الشريعة اإلسبلمية بشأف مدى تمتع الموظػؼ‬
‫العػػاـ بحريػػة االنتخػػاب والترشػػيح ففػػى الوقػػت الػػذى نػػرى فيػػو الش ػريعة‬
‫اإلسػػبلمية تسػػوى بػػيف الموظػػؼ وغيػػر الموظػػؼ مػػف أف ػراد األمػػة ف ػػى‬
‫ممارس ػػة حػ ػػؽ االنتخ ػػاب والترشػ ػػيح ‪ ,‬حي ػػث لػ ػػـ تف ػػرض أى قيػ ػػد عمػ ػػى‬
‫الشػػخص يتعمػػؽ بصػػفتو كموظػػؼ عػػاـ أي ػاً كانػػت وظيفتػػو عسػػكرية أو‬
‫مدنية ‪ ,‬نجد العكس فػى الػنظـ الوضػعية ‪ ,‬التػى انتيجػت سياسػة تقييػد‬
‫حريػػة المػػوظفيف ‪ ,‬خاصػػة العسػػكرييف مػػنيـ ‪ ,‬رجػػاؿ الق ػوات المسػػمحة‬
‫والشرطة فى ممارسة حؽ االنتخاب والترشيح لممجالس النيابية ‪.‬‬
‫‪319‬‬ ‫نطام احلكم يف االسالم‬

‫وبيذه المقارنة نكوف قػد انتيينػا مػف بيػاف مػدى أحقيػة الموظػؼ العػاـ فػى أف‬
‫يكوف ناخباً ومرشحاً ًَ فى النظـ الوضعية والشريعة اإلسبلمية ‪.‬‬

You might also like