You are on page 1of 251

‫الثقافة إلاسالمية‬

‫الكتاب املقرر ملساق الثقافة إلاسالمية‬

‫املؤلفون‬
‫أســاتـذة كـلـيـة الشــريـعـة في جامعـة النجـاح الوطنيـة‬
‫أ‪.‬د‪ .‬جـمـال الكيالني‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬أميـر عبـد العزيـز‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬عودة عـبـدهللا‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬محمد الشـريدة‪ ،‬د‪ .‬أحمد‬
‫شرف‪ ،‬د‪ .‬أيمن الـدبـاغ‪ ،‬د‪ .‬جمال حـشـاش‪ ،‬د‪ .‬حذيفة بدير‪ ،‬د‪.‬حـسن خض ــر‪ ،‬د‪ .‬حسين‬
‫النقيب‪ ،‬د‪ .‬خالـد علــوان‪ ،‬د‪.‬خضر سوندك‪ ،‬د‪ .‬رائق الـصعيـدي‪ ،‬د‪ .‬سعيد دويكات‪ ،‬د‪ .‬عامر‬
‫جودهللا‪ ،‬د‪ .‬عـبـد هللا أبو وهـدان‪ ،‬د‪ .‬عالء مقبول‪ ،‬د‪ .‬غسـان بـدران‪ ،‬د‪ .‬مأمون الرفـاعي‪،‬‬
‫د‪ .‬محسن الخالـدي‪ ،‬د‪ .‬محمد جيطان‪ ،‬د‪ .‬محمد الصليـبـي‪ ،‬د‪.‬محمود ارشيد‪ ،‬د‪ .‬مروان‬
‫القـدومي‪ ،‬د‪ .‬منتصر ألاسمر‪ ،‬معالي د‪ .‬ناصر الدين الشاعر‪.‬‬

‫تحرير املادة العلمية وتنسيقها‬


‫د‪ .‬أيمن ّ‬
‫الدباغ و د‪ .‬منتصر ألاسمر و د‪ .‬ناصر الدين الشاعر‬
‫وخرج أحاديثه‬
‫د‪ .‬محسن الخالدي‬

‫الطبعة التاسعة‪0202 ،‬‬


‫نابلس‪ ،‬فلسطين‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫تم نشر هذا الكتاب بعد تقييمه وتحكيمه علميا مقررا جامعيا من قبل عمادة البحث العلمي‬
‫في جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين رقم ‪ 6‬ت‪/1‬ب ع ص‪ 90/‬بتاريخ ‪9990/19/11‬م‬
‫رقم إلايداع لدى وزارة إلاعالم الفلسطينية (‪/101‬وع)‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلفين‬
‫ٌ‬
‫وقف ٌ‬
‫دائم‬ ‫و َر ْي ُعه‬

‫حقوق الطبع والاقتباس والترجمة والنشر محفوظة للمؤلفين‪ ،‬وال يجوز نشر أي‬
‫جزء من هذا الكتاب أو اختزال مادته أو نقله على أي نحو أو بأية طريقة‪ ،‬سواء أكانت‬
‫إلكترونية أم ميكانيكية أم تصويرية أم تسجيلية أم سوى ذلك‪ ،‬إال بموافقة خطية من‬
‫ً‬
‫املؤلفين مقدما‪.‬‬

‫ٌ‬
‫ّ‬
‫املتفوقين‬ ‫ٌ‬
‫دائم من املؤلفين على طلبة كلية الشريعة‬ ‫و َر ْيع هذا الكتاب وقف‬
‫واملحتاجين‪.‬‬

‫املؤلفون ‪0202‬‬

‫‪2‬‬
‫املحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫الـموض ــوع‬

‫‪5‬‬ ‫تقديم‬
‫الوحدة ألاولى‪ :‬مفهوم الثقافة إلاسالمية ومصادرها‪ ،‬وأهم التحديات‬
‫‪7‬‬
‫التي تواجهها‬
‫‪0‬‬ ‫مفهوم الثقافة إلاسالمية‬
‫‪11‬‬ ‫مصادر الثقافة إلاسالمية‬
‫‪91‬‬ ‫تحديات معاصرة تواجه الثقافة إلاسالمية‬
‫‪91‬‬ ‫تحديات داخلية تواجه الثقافة إلاسالمية‬
‫‪97‬‬ ‫تحديات خارجية تواجه الثقافة إلاسالمية‬
‫‪17‬‬ ‫العوملة‬
‫‪16‬‬ ‫الوحدة الثانية‪ :‬القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫‪14‬‬ ‫القرآن الكريم‬
‫‪60‬‬ ‫ّ‬
‫النبوية‬ ‫السنة‬
‫‪41‬‬ ‫الوحدة الثالثة‪ :‬إلاسالم عقيدة وشريعة‬
‫‪45‬‬ ‫العقيدة إلاسالمية‬
‫‪199‬‬ ‫الشريعة إلاسالمية‬
‫‪111‬‬ ‫الوحدة الرابعة‪ :‬نظام إلاسالم‬
‫‪111‬‬ ‫نظام العبادات في إلاسالم‬
‫‪199‬‬ ‫النظام ألاخالقي في إلاسالم‬
‫‪119‬‬ ‫النظام الاجتماعي في إلاسالم‬
‫‪119‬‬ ‫النظام الاقتصادي في إلاسالم‬
‫‪151‬‬ ‫النظام الجنائي في إلاسالم‬
‫‪169‬‬ ‫النظام السياس ي في إلاسالم‪ :‬العالقات السياسية الداخلية‬
‫‪171‬‬ ‫النظام السياس ي في إلاسالم‪ :‬العالقات السياسية الخارجية‬
‫‪109‬‬ ‫الوحدة الخامسة‪ :‬قضايا معاصرة‬
‫‪3‬‬
‫‪109‬‬ ‫حقوق إلانسان في إلاسالم‬
‫‪999‬‬ ‫املرأة في منظور إلاسالم‬
‫‪914‬‬ ‫مسائل فقهية معاصرة‬
‫‪995‬‬ ‫الطب الوقائي والحماية من ألامراض املعدية‬
‫‪990‬‬ ‫مكانة فلسطين الدينية‬
‫‪914‬‬ ‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪4‬‬
‫تقديم‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف الخلق‬
‫واملرسلين‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫فإن ألامة إلاسالمية أمة متميزة بدينها وهويتها وثقافتها وحضارتها وتاريخها‪ ،‬قد خصها هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تعالى بحمل هذا الدين‪ ،‬وجعلها َ‬
‫أمة أخرجت للناس‪ ،‬أمة وسطا‪ ،‬شاهدة على سائر ألامم‪،‬‬ ‫خير ٍ‬
‫كما قال تعا لى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬

‫ﱘ ﱙﱠ (آل عمران‪ ،)119 :‬وقال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬

‫ﱠﱡﱢﱣ ﱤﱥﱠ(البقرة‪.)111 :‬‬


‫ّ‬
‫والوسطية‬ ‫ّ‬
‫الخيرية‬ ‫وواجب هذه ألامة أن تقوم بوظيفتها التي نالت بها وصف‬
‫واستحقت بها رتبة الشهادة على الناس‪ .‬ويقتض ي ذلك أن تحافظ ألامة على تميزها‪ ،‬وأن‬
‫تتمسك بثقافتها وهويتها ودينها وسائر مقومات وجودها‪ ،‬ال سيما في هذا العصر الذي ازداد‬
‫القيم وألاخالق والعقائد الدينية‪.‬‬
‫فيه استهداف ِ‬
‫ات نور‪،‬‬‫عالمات هدى ومنار ِ‬
‫ِ‬ ‫وعلماء ألامة ومفكروها لهم دورهم املنشود‪ ،‬ليكونوا‬
‫وليرسموا لألمة طريقها‪ ،‬وليبصروها بهويتها وثقافتها وتراثها ودينها وليعرفوها بوظيفتها‬
‫وبالتحديات التي تعترضها وبكيفية مواجهة هذه التحديات‪.‬‬
‫َ‬
‫مسرح‬ ‫ولعلماء فلسطين دور مهم ومتميز في هذا املجال‪ ،‬ففلسطين كانت وال تزال‬
‫َ‬
‫الصراع الرئيس‪ ،‬والصخرة التي تتحطم عليها اعتداءات املستكبرين‪.‬‬
‫َ‬
‫كتاب دراس ي جامعي في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬يخاطب‬ ‫ٍ‬ ‫ومن هنا قصدنا إلى تقديم‬
‫الطلبة الجامعيين الذين هم طليعة ألامة وعماد عزتها ونهضتها‪ ،‬ويعرض الثقافة إلاسالمية‬
‫بأهم مقوماتها ومعاملها وقضاياها والتحديات املعاصرة التي تعترضها‪ ،‬بما يحقق ألاهداف‬
‫آلاتية‪:‬‬
‫‪ ) 1‬ترسيخ قناعة الطالب بثقافته وهويته وتعزيز انتمائه‪ ،‬بما يحميه من الذوبان في الثقافات‬
‫ألاخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫شكل أساسا معرفيا وفكريا وتربويا‬ ‫‪ )9‬تقديم معلومات علمية وفكرية أساسية عن إلاسالم‪ ،‬ت ِ‬
‫ً‬
‫للطالب‪ ،‬وهو ما يعينه على فهم إلاسالم والتزامه ببساطته وسماحته وعامليته‪ ،‬بعيدا عن كل‬

‫‪5‬‬
‫تشد ٍد أو تساهل‪ ،‬وبمعزل عن العادات والتقاليد‬‫وبمنأى عن كل ُّ‬
‫ً‬ ‫شبهة أو غموض أو تلبيس‪،‬‬
‫الخطأ التي قد تختلط باإلسالم وليست منه‪.‬‬
‫‪ )1‬التركيز على القضايا والجوانب املعاصرة التي تهم الطالب وسواه‪ ،‬ومعالجتها برؤية وسطية‬
‫ً‬
‫متبصرة‪ ،‬بعيدا عن الانغالق على كل قديم أو رفض كل جديد‪ ،‬بما يسهم في إيجاد جيل‬
‫واع منفتح ومتفاعل مع عصره وقضايا أمته على ضوء ثوابت دينه وثقافته‪.‬‬ ‫إيجابي ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وإنقاذ للبشرية‪ ،‬خالفا‬
‫ٍ‬ ‫هداية‬
‫ٍ‬ ‫‪ )1‬إعطاء صورة حقيقية عن هذا الدين باعتباره رسالة‬
‫ً‬ ‫املشوهة التي تعرضها بعض الجهات املعادية ّ‬
‫َّ‬
‫لألم ِة‪ ،‬وبعيدا عن العادات واملسلكيات‬ ‫للصورة‬
‫واملفاهيم غير الصحيحة لبعض املسلمين‪.‬‬
‫َ‬
‫يتقبل هذا العمل بقبول حسن‪ ،‬وأن َ‬ ‫سائلين املولى تعالى أن َّ‬
‫ينفع به‪ ،‬وأن يجعله في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ميزان حسناتنا‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫املؤلفون‬
‫فلسطين ‪1110‬هـ ‪9914 -‬م‬

‫‪6‬‬
‫الوحـدة ألاولـى‬

‫مـفـهـوم الثـقـافـة إلاسـالميـة‬


‫ومـصـادرهـا‪ ،‬وأهم التحديات التي تواجهها‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ﱯﱱﱲﱳ‬
‫ﱰ‬ ‫ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱵﱷﱸ ﱹﱺﱠ‬
‫ﱶ‬ ‫ﱴ‬
‫(الحجرات‪)11 :‬‬

‫صدق هللا العظيم‬

‫‪7‬‬
‫محتويات الوحدة وأهدافها‬
‫وتتمثل باآلتي‪:‬‬

‫مفهوم الثقافة إلاسالمية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬


‫الهدف‪ :‬أن يعرف الطلبة معنى الثقافة إلاسالمية‪.‬‬
‫الفرق بين الثقافة والعلم‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫ّ‬
‫فهومي الثقافة والعلم‪.‬‬ ‫الهدف‪ :‬أن يفرق الطلبة بين م‬
‫العالقة بين الثقافة والحضارة واملدنية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يناقش الطلبة العالقة بين هذه املفاهيم‪.‬‬
‫مصادر الثقافة إلاسالمية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫يتعرف الطلبة على مصادر الثقافة إلاسالمية‪.‬‬‫الهدف‪ :‬أن ّ‬
‫تحديات داخلية تواجه الثقافة إلاسالمية‬ ‫‪.2‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتجنب الطلبة هذه التحديات السلبية في فكرهم وسلوكهم‪.‬‬
‫تحديات خارجية تواجه الثقافة إلاسالمية‬ ‫‪.0‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتثقف الطلبة بثقافة إلاسالم‪ ،‬ليواجهوا هذه التحديات‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مفهـوم الثقافـة إلاسالميــة‬

‫ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‬

‫ﱡﱢﱣﱤﱥﱠ(البقرة‪.)111 :‬‬

‫شاع مصطلح الثقافة في هذا العصر في كتابات املفكرين واملثقفين‪ ،‬وكثر الحديث عن‬
‫تعدد الثقافات والحضارات وتنوعها‪.‬‬

‫مـعـنـى الثقـافـة فـي اللـغــة‬


‫َ َ‬
‫الثقافة مأخوذة من الفعل ث ِـقـف‪ ،‬ويطلق لغة على ثالثة معان رئيسة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪ - 1‬الفهم والحذق والذكاء وسرعة التعلم والبديهة‪ :‬يقال‪ :‬ث ِقف الش َيء أي‪َ :‬ح ِذقه‬
‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ر ٌ َ ٌ‬
‫جل ث ِقف‪ :‬أي َح ِذ ٌق ف ِه ٌم‪َ ،‬وو ٌلد ث ِقف أي ذ ِك ٌي‪.‬‬ ‫وفهمه‪ ،‬و‬
‫ِ‬
‫‪ - 9‬التقويم والتهذيب والتعليم والتأديب‪ :‬فالفعل ثقف يستخدم حقيقة في تقويم املعوج‬
‫ً‬
‫من ألاشياء‪ ،‬يقال‪ :‬ثقفت الرمح‪ ،‬إذا قومت اعوجاجه‪ .‬ويستخدم مجازا في تقويم الناشئة‬
‫وتهذيبهم وتعليمهم وتأديبهم‪.‬‬
‫‪ - 1‬الغلبة والانتصار وإلادراك‪ :‬قال تعالى‪:‬ﭐﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ‬

‫ﲉﱠ (ألانفال‪ ،)57:‬أي إذا غلبتهم وانتصرت عليهم في الحرب‪...‬إلخ‪ ،‬وقال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ‬

‫ﱂﱃﱠ(البقرة‪ ،)101:‬أي حيث أدركتموهم ووجدتموهم(‪.)1‬‬

‫أفـك ــر‪ :‬ما معنى ثقف في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱶﱷﱸﱹ‬

‫ﱺﱻﱼ ﱽﱾﱿﲀﱠ(املمتحنة‪.)9 :‬‬

‫(‪ )1‬ابــم منظــور‪ :‬محمــد بــن مكــرم‪ ،‬لســان العــر ‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬بيــروت‪1007 ،1 ،‬م‪ ،119/1 ،‬الفيروزآبــاد ‪ :‬محمــد‬
‫ب ــن يعق ــوب‪ ،‬الق ــاموس املح ــي ‪ ،‬دار الفك ــر‪ ،‬بي ــروت‪1005 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،715‬ألاص ــفها ي‪ :‬الراغ ــب‪ ،‬معج ــم مف ــردات‬
‫القـ ـرآن ‪ ،‬ضـ ــبطه وص ــححه وخـ ــرج آيات ــه وأحاديثـ ــه‪ :‬إبـ ـراهيم شـ ــمس ال ــدين‪ ،‬دار الكتـ ــب العلمي ــة‪ ،‬بيـ ــروت‪،1 ،‬‬
‫‪1007‬م‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪9‬‬
‫مـعـنـى الثقـافـة فـي الاصطـالح‬
‫اختار املثقفون العرب املعاصرون لفظة الثقافة كي تكون ترجمة للمدلول الغربي لكلمة‬
‫ً‬
‫(‪ ،)Culture‬وذلك مالحظة منهم لوجود عالقة بين املعنى اللغوي لثقف واملعنى الاصطالحي‬
‫الحديث لكلمة (‪.)Culture‬‬
‫فالثقافة بمعناها الاصطالحي الحديث فيها معنى املعارف والعلوم والقيم املتوارثة‪ ،‬وفيها‬
‫معنى تقويم السلوك ومطابقته على منهاج معين‪ ،‬هو في حالتنا إلاسالم وقيمه وتعاليمه(‪.)1‬‬
‫ورغم كثرة املؤتمرات واملؤلفات والبحوث التي تناولت املدلول الاصطالحي الحديث لكلمة‬
‫ثقافة‪ ،‬إال أنه ال يوجد تعريف واحد متفق عليه لها(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫ونختار واحدا من أهم تعريفات الثقافة‪ ،‬وهو أن الثقافة هي‪( :‬أسلو الحياة السائد في‬
‫مجتمع مم املجتمعات)‪.‬‬
‫وأسلوب الحياة يشمل جانبين‪ :‬الجانب املعرفي النظري‪ ،‬والجانب العملي السلوكي‪.‬‬
‫واملقصود بأسلوب الحياة‪ :‬مجموعة املفاهيم واملبادئ وألافكار واملعتقدات والقيم والعادات‬
‫ً‬
‫والتقاليد وآلاداب والفنون وطرق السلوك‪ ،‬التي تميز مجتمعا من املجتمعات عن غيره‪.‬‬
‫أتـن ّـب ــه‪ :‬املعنى الاصطالحي لـ(الثقافة) ً‬
‫بناء على هذا التعريف‪،‬‬
‫يختلف عن املعنى الشائع لها عند الناس‪ ،‬والذي يدل عندهم على‬
‫ً‬
‫املعرفة العامة والاطالع الواسع‪ ،‬فيقولون مثال‪ :‬فالن مثقف‪ ،‬أي‬
‫عنده اطالع واسع في ميادين معرفية مختلفة‪.‬‬

‫والثقافة بهذا املعنى لها سلطة كبيرة على كل عضو من أعضاء الجماعة‪ ،‬فهي التي تصوغ‬
‫شخصيته من حيث مفاهيمه ومبادئه وأفكاره وقيمه ومعتقداته وعاداته‪ ،‬ومن حيث سلوكه‪،‬‬
‫فتحدد له ما يجب فعله وما ال يجب وما يجوز وما ال يجوز(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬نوفـ ــل‪ :‬أحمـ ــد‪ ،‬وآخـ ــرون‪ ،‬محاض ـ ـرات فـ ــي الثقافـ ــة إلاسـ ــالمية‪ ،‬كليـ ــة الشـ ــريعة‪ ،‬الجامعـ ــة ألاردنيـ ــة‪ ،‬عمـ ــان‪،1 ،‬‬
‫‪1197‬هـ‪9996 ،‬م‪ ،‬ص‪.0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )9‬أنظــر بحثــا واســعا وشــامال لهــذا املصــطلح ومدلولــه فــي‪ :‬الســيد‪ :‬عزمــي طــه‪ ،‬وآخــرون‪ ،‬الثقافــة إلاســالمية مفهومهــا‬
‫مصادرها خصائصها مجاالتها‪ ،‬دار املناهج‪ ،‬عمان‪ 1191 ،5 ،‬هـ‪9991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.64 - 15‬‬
‫(‪ )1‬عب ــد العزي ــز‪ :‬د‪ .‬أمي ــر‪ :‬الثقاف ــة إلاس ـالمية‪ ،‬دار الحس ــن‪ ،‬ن ــابلس‪ ،‬فلس ــطين‪1195 ،1 ،‬ه ــ‪1045 ،‬م‪ ،‬ص‪،11-19‬‬
‫علقم‪ :‬نبيل‪ ،‬الثقافة العربية والتجديد إلاسالمي‪ ،‬مركز فلسـطين للدراسـات‪ ،‬رام هللا‪ ،‬فلسـطين‪9999 ،9 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.16‬‬
‫‪11‬‬
‫أتـعـ ّـلــم‪ :‬من التعريفات العميقة للثقافة والتي ُّ‬
‫تدل على قوة أثرها‬
‫في الفرد‪ ،‬أنها‪ :‬ما يبقى عندما يتم نسيان كل ش يء(‪.)1‬‬

‫مـعـنـى الثقـافـة إلاسالمية‬


‫بناء على ما سبق يمكن تعريف الثقافة إلاسالمية بأنها‪( :‬أسلو حياة ألامة إلاسالمية‪،‬‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫َوفقا ألحكام إلاسالم ومبادئه وتصوراته)(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫وقيد‪( :‬وفقا ألحكام إلاسالم ومبادئه وتصوراته)‪ ،‬يخرج من معنى الثقافة إلاسالمية أية‬
‫مفاهيم أو سلوكيات تخالف تعاليم إلاسالم ومبادئه وتصوراته‪ ،‬ولو انتشرت بين فئة من‬
‫املسلمين أو في مجتمع من مجتمعاتهم(‪ .)1‬مثل ما اعتاده بعض املسلمين وتوارثوه من النظرة‬
‫الدونية إلى ألانثى‪ ،‬وما ينتج عنها من حرمان املرأة من كثير من حقوقها ودورها في املجتمع‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فثمة فروق نسبية بين الثقافة إلاسالمية بمعناها الصافي وبين ثقافة املجتمعات‬
‫إلاسالمية على أرض الواقع‪ ،‬وذلك حسب قرب أو بعد تلك املجتمعات وأفرادها عن تعاليم‬
‫إلاسالم وقيمه ّ‬
‫العامة‪.‬‬

‫الفـرق بيـم الثقـافـة والعـلـم‬


‫يميز الدارسون بين مدلول الثقافة ومدلول العلم من ٍ‬
‫نواح عدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬مم حيث املوضوع‪:‬‬
‫تتعلق الثقافة باملباحث التي تعالج السلوك إلانساني‪ ،‬وأما العلوم البحتة كالطب‬
‫والكيمياء والفيزياء فتبحث في الظواهر املادية لألشياء‪.‬‬

‫(‪ )1‬نســب الجــابري هــذا التعريــف إلــى إدوارد هيريــو‪ ،‬وهــو مــؤرت ورجــل سياســة فرن ـ ي ت ‪1057‬م‪ ،‬أنظــر‪ :‬الجــابري‪ :‬د‪.‬‬
‫محمد عابد‪ ،‬تكويم العقل العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪1004 ،7 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )9‬بتصرف عن‪ :‬هند ‪ :‬د‪.‬صالح ذياب‪ :‬دراسات في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪1001 ،0 ،‬م‪.15 ،‬‬
‫(‪ )1‬لقـد الحـظ بعـض الدارسـين وبحـق‪ ،‬أن تعريـف الدارســين إلاسـالميين للثقافـة هـو تعريـف للتثقيـف إلاسـالمي ولــيس‬
‫لثقاف ــات الش ــعوب إلاس ــالمية الس ــائدة‪ .‬فه ــذه الثقاف ــات ال تك ــون إس ــالمية‪ ،‬إال إذا كان ــت ف ــي دائ ــرة الت ــأثير الكل ــي‬
‫للقرآن الكريم والسنة النبوية‪ .‬أنظر‪ :‬علقم‪ :‬نبيل‪ ،‬الثقافة العربية والتجديد إلاسـالمي‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص ‪- 97‬‬
‫‪.90‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ )0‬مم حيث العموم والخصوص‪:‬‬
‫تختلف الثقافة من أمة إلى أخرى‪ ،‬ولكل أمة ثقافتها الخاصة بها والتي تميزها عن غيرها‬
‫من ألامم‪ ،‬أما العلم فإنه عالمي ال هوية له وال قومية وال دين‪ ،‬وال تختص به أمة دون أمة(‪.)1‬‬
‫ويمكن توضيح الفرقين السابقين بمثال عملي‪ :‬فلو طلبنا رأي عالم فيزياء مسلم وعالم‬
‫فيزياء غير مسلم في قوانين نيوتن في الحركة‪ ،‬لحصلنا على إلاجابة نفسها‪ ،‬وال يتصور الاختالف‬
‫َ‬
‫العامل ِين املذكورين وجهة نظرهما في قضية حجاب‬ ‫بينهما في الرأي‪ .‬بخالف ما لو طلبنا من ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املرأة مثال‪ ،‬فإن رأييهما سيتباينان تباينا كبيرا‪.‬‬
‫فقوانين نيوتن تتعلق بالظواهر املادية لألشياء وتدخل في مجال العلوم البحتة‪ ،‬أما‬
‫القضية الثانية فتتعلق بالسلوك إلانساني وتدخل في مجال الثقافة‪.‬‬
‫والقضية ألاولى عاملية ال يختص بها املسلم دون غير املسلم أو العكس‪ .‬وأما القضية‬
‫الثانية فهي خاصة بأمة دون أمة‪ ،‬ولذلك اختلفت فيها وجهة نظر الثقافة إلاسالمية عن‬
‫غيرها‪.‬‬
‫خطأ الخل بين الثقـافـة والعـلـم‬
‫ً‬
‫خلط بعض املثقفين العرب بين مدلول الثقافة ومدلول العلم‪ ،‬خلطا أدى إلى نتائج‬
‫خطأ‪ ،‬فهؤالء عندما اطلعوا على التقدم العلمي املادي للغرب انبهروا به‪ ،‬وظنوا أن تقدم‬
‫الغرب هو بسبب ثقافته ال بسبب أخذه بأسباب التقدم املادية والعلمية البحتة‪ ،‬وقرروا َّأن‬
‫التخلي عن ثقافتهم وأن يأخذوا بثقافة الغرب و ِق َي ِم ِه‪ ،‬حتى قالوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫على املسلمين‪ ،‬كي يتقدموا‪،‬‬
‫إن على العرب واملسلمين أن يقلدوا الغرب في كل ش يء‪ ،‬في قيمه وعاداته وتقاليده ومفاهيمه‬
‫ونظرته إلى الكون وإلانسان والحياة‪ ،‬وفي م ِّر ِه وح ِلوه‪ ،‬وفي خطئه وصوابه‪ ،‬وأن ينبذوا وراءهم‬
‫تراثهم وثقافتهم ودينهم وتاريخهم‪.‬‬
‫وهذا الكالم ناش ئ عن الخلط بين مفهوم الثقافة من جهة ومفهوم العلم والتقدم‬
‫العلمي املادي من جهة أخرى‪ ،‬ومما يدل على خطأ هذا الخلط وخطأ النتيجة التي بنيت عليه‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن بعض ألامم والشعوب قد تقدمت علميا واقتصاديا وفي شتى مجاالت الحياة‪ ،‬دون أن‬
‫تتخلى عن ثقافتها وهويتها وخصوصياتها‪ ،‬مثل اليابانيين والصينيين‪ ،‬وبعض ألامم أرادت‬
‫الانسالت من ذاتها وتقليد آلاخرين في كل ش يء‪ ،‬ولكنها لم تتقدم‪.‬‬

‫(‪ )1‬التميم ــي‪ :‬ع ــز ال ــدين الخطي ــب‪ ،‬وآخ ــرون‪ ،‬نظـ ـرات ف ــي الثقاف ــة إلاس ــالمية‪ ،‬دار الفرق ــان‪ ،‬عم ــان‪ 1111 ،9 ،‬هـ ــ‪،‬‬
‫‪1001‬م‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫‪12‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أن الثقافة إلاسالمية تدعو إلى العلم وتشجعه ولم تشكل يوما عائقا أمام تقدم‬
‫املسلمين ونهضتهم‪ ،‬ولم يتخلف املسلمون عن ركب التقدم العلمي إال بعد أن ابتعدوا عن‬
‫هذه الثقافة وعن هذا الدين العظيم‪ .‬وقد أنتجت الثقافة إلاسالمية في السابق حضارة علمية‬
‫متقدمة‪ ،‬نظر ال غرب إليها بانبهار‪ ،‬ولم يتقدم الغرب نفسه إال بعد أن أخذ بمنجزاتها وألاسس‬
‫العلمية التي أرستها‪.‬‬
‫العـالقـة بيـم الثقـافـة والحضارة واملدنية‬
‫ً‬
‫يرتبط مصطلح الثقافة بمصطلحين آخرين هما‪ :‬الحضارة واملدنية‪ ،‬وهناك أيضا‬
‫اختالف واسع بين الدارسين في التحديد الدقيق لكل من هذين املصطلحين‪ ،‬كما أن هناك‬
‫ً‬
‫اختالفا بينهم في العالقة بين هذه املصطلحات الثالث‪ :‬الثقافة‪ ،‬الحضارة‪ ،‬املدنية‪ .‬ونختار في‬
‫ذلك املنحى آلاتي‪:‬‬
‫‪ - 2‬الثقافة تمثل الجانب املعنو القيمي والفكر في ألامة‪ ،‬أي مجموعة املفاهيم واملبادئ‬
‫وألافكار واملعتقدات والقيم والعادات والتقاليد وآلاداب والفنون‪ ،‬وطرق السلوك‪ ،‬التي تميز‬
‫ً‬
‫مجتمعا من املجتمعات عن غيره‪.‬‬
‫‪ - 0‬املدنية تمثل الجانب املاد في ألامة‪ ،‬أي مظاهر التقدم املادي في املجتمع‪ ،‬من منشآت‬
‫ومصانع ومرافق وصناعات ومخترعات وتقدم في طرز البناء وأساليب الزراعة والصناعة وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ - 3‬الحضارة تشمل الجانبين املعنو واملاد في ألامة‪ ،‬أي إن الحضارة أشمل من الثقافة‬
‫ومن املدنية‪ ،‬فهي تعني مجموعهما(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬عبد العزيز‪ :‬د‪ .‬أمير‪ :‬الثقافة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11 - 11‬‬
‫‪13‬‬
‫مصادر الثقافـة إلاسالميــة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫(املدهش ً‬
‫منسيا أجياال‬ ‫حقا أن نالحظ هذا الشعب العربي الذي ظل‬
‫ً‬
‫عديدة‪ً ،‬‬
‫بعيدا عما يجري حوله‪ ،‬قد استيقظ فجأة‪ ،‬ووثب بنشا‬
‫أسا على عقب‪ .‬وأن قصة انتشار العرب‬ ‫فائق‪ ،‬أدهش العالم‪ ،‬وقلبه ر ً‬
‫في آسيا وأوروبا وأفريقيا‪ ،‬والحضارة الراقية واملدنية الزاهرة التي‬
‫ّ‬
‫قدموها للعالم هي أعجوبة من أعجوبات التاريخ)‪.‬‬
‫جواهر الل نهرو أحد زعماء حركة الاستقالل في الهند‬

‫تنبثق الثقافة إلاسالمية من جملة مصادر يمكن تقسيمها إلى نوعين‪ :‬مصادر أساسية‪،‬‬
‫ومصادر ثانوية‪.‬‬
‫واملصادر ألاساسية هي‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪.‬‬
‫وأما املصادر الثانوية فمتعددة؛ من أهمها‪ :‬الفقه إلاسالمي‪ ،‬والتاريخ إلاسالمي‪ ،‬واللغة‬
‫العربية‪ .‬ونعرض إلى بيان هذه املصادر على النحو آلاتي‪:‬‬
‫ّ‬
‫الـقـرآن الكـريـم والســنـة املطهرة‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية هما املصدران الرئيسان لحياة املسلمين على مر العصور‪،‬‬
‫ولهما ألاثر ألاكبـر في ضبط سلوكهم وكل شأن من شؤونهم‪ ،‬وفي تشكيل فكرهم ومعتقدهم‬
‫ّ ً‬
‫مفصال في الوحدة الثانية من‬ ‫ورؤيتهم للكون وإلانسان والحياة‪ ،‬وسيأتي الكالم عن كل منهما‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫والسيرة النبوية جزء مهم من السنة النبوية‪ ،‬حيث تمثل الحياة املباركة للنبـي ‪‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وسلوكه وأخالقه وعبادته وتعامله‪ ،‬مصدرا عمليا مهما للثقافة إلاسالمية‪ ،‬إذ هي التطبيق‬
‫العملي الصحيح لإلسالم‪ ،‬وأسلوب الحياة كما يريده إلاسالم‪ ،‬وقد أمرنا هللا تعالى باالقتداء‬
‫بالنبي ‪ ‬في حياتنا وسلوكنا وكل شؤوننا‪ ،‬حين قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬

‫ﳅﱠ(ألاحزاب‪.)91 :‬‬
‫وتمتاز سيرة النبي ‪َ ‬بمزَّيتين لم تتوافرا في سيرة أي إنسان آخر(‪ ،)1‬وهما‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الوضوح‪ :‬فحياة النبي ‪ ‬معروفة منذ ميالده إلى يوم وفاته‪ ،‬وليس في حياته‬
‫مشكك‪ ،‬أن يقول‪ :‬إن النبي‬
‫ٍ‬ ‫أحداث غامضة أو فترة زمنية مجهولة‪ .‬وذلك يسد الباب على كل‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬هند ‪ :‬د‪.‬صالح ذياب‪ :‬دراسات في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10 - 14‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ ‬ربما قام بأعمال معينة ال نعلمها‪ ،‬تخالف ما يدعو إليه‪ ،‬أو إنه ربما التقى بأناس علموه‬
‫هذا القرآن والدين الذي جاء به‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الشمول‪ :‬فحياة النبي ‪ ‬تجسيد لجميع جوانب الحياة إلانسانية‪ .‬فهو ‪ ‬إلانسان‬
‫السامي في أخالقه وتعامله‪ ،‬وهو ألاب الرفيق الحاني على أوالده‪ ،‬والزوج اللطيف بزوجه‬
‫الرفيق بها‪ ،‬يعاشرها باملعروف‪ ،‬وهو الحاكم العادل الذي يعيش مع الناس ويستمع لهم‪،‬‬
‫والشاب الذي يتصف سلوكه باالستقامة والبعد عن الفواحش‪ .‬وذلك أن النبي ‪ ،‬هو آخر‬
‫رسل هللا إلى الناس‪ ،‬وقد بعث ليكون قدوة للناس كافة في جميع جوانب الحياة إلانسانية‪،‬‬
‫فهو القدوة للزوج مع زوجه‪ ،‬ولألب مع أوالده‪ ،‬وللحاكم مع شعبه‪ ،‬وللصديق مع صديقه‪،‬‬
‫وللجار مع جاره‪ ،‬وللمصلح الاجتماعي مع مجتمعه‪.‬‬

‫الفقه إلاسالمي‬

‫للفقه إلاسالمي أثره في حياة املسلمين‪ ،‬فهو العلم الذ يبحث في أفعال املكلفين مم‬
‫حيث الحل والحرمة ‪ ،‬وبالتالي فهو يمثل معايير تحكم حياة املسلمين وتحدد لهم ما يجب‬
‫فعله وما ال يجوز فعله‪ ،‬استقاها العلماء باالعتماد على نصوص الكتاب الكريم والسنة‬
‫النبوية وأصول الشريعة ومقاصدها العامة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلاسالمي بأنه‪( :‬علم ألاحكام‬ ‫الفقه‬ ‫عرف العلماء‬
‫أتـعــلــم‪ :‬ي ِ‬
‫الشرعية العملية‪ ،‬املكتسب من أدلتها التفصيلية)(‪.)1‬‬

‫وقد شكل الفقه إلاسالمي نقلة تشريعية نوعية‪ ،‬نقلت البشرية من القوانين البشرية‬
‫البدائية إلى القانون إلالهي‪ ،‬وجاء بمبادئ تشريعية لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬ولم يصل‬
‫ً‬
‫الغرب إلى بعضها إال حديثا‪.‬‬
‫شـبـهـة حول الفـقـه إلاسـالمـي وردهــا‬
‫بسبب ما يمثله الفقه إلاسالمي من أهمية في صياغة حياة املسلمين وفق أحكام إلاسالم‪،‬‬
‫استهدفه أعداء ألامة بمحاولة الغض من قدره‪ ،‬وكان مما زعموه‪ :‬أن الفقه إلاسالمي مستمد‬
‫من القانون الروماني‪ ،‬وهي دعوى ال سند لها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ش ــلبي‪ :‬د‪ .‬محم ــد مص ــطفى‪ ،‬امل ــدخل ف ــي التعري ــف بالفق ــه إلاس ــالمي وقواع ــد امللكي ــة والعق ــود في ــه‪ ،‬دار النهض ــة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪ 1195 ،‬هـ‪1045 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪15‬‬
‫والناظر في الفقه إلاسالمي وفي القانون الروماني يدرك البون الشاسع بينهما في ألاسس‬
‫واملبادئ واملضمون‪ ،‬ويدرك مدى التطور التشريعي الهائل الذي نقل به الفقه إلاسالمي‬
‫البشرية عما كان عليه الحال قبل إلاسالم‪.‬‬
‫ففي الفقه إلاسالمي ٌ‬
‫نظم تشريعية ال مثيل لها في القانون الروماني‪ ،‬مثل‪ :‬نظام التوارث‪.‬‬
‫كما جاء الفقه إلاسالمي بمبادئ تشريعية عظيمة خال منها القانون الروماني‪ ،‬مثل‪ :‬مبدأ‬
‫الرضائية في العقود‪ ،‬الذي قرره قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬
‫ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦﱧﱠ (النساء‪ .)90 :‬في حين سادت في القانون‬
‫الروماني الشكلية املقيتة‪ ،‬التي ال تعتد بالعقود‪ ،‬إال إذا أفرغت في أشكال رسمية معينة‪.‬‬
‫ّ‬
‫أتـعــلــم‪ :‬مبدأ الرضائية في العقود‪ ،‬هو مبدأ سبق إليه إلاسالم منذ أكثر من‬
‫ً‬
‫أربعة عشر قرنا‪ ،‬ولم يهتد الغرب إليه إال عندما صاغ قوانينه الحديثة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو مبدأ يعده الغربيون تطورا نوعيا في القانون‪.‬‬

‫ً‬
‫وفي املقابل‪ ،‬تضمن القانون الروماني نظما قانونية لم يقرها الفقه إلاسالمي‪ ،‬مثل‪ :‬نظام‬
‫التبني‪ ،‬والسلطة ألابوية لألب على أسرته‪ ،‬أن يتصرف فيهم وفي أموالهم بالبيع‪ ،‬وسلطة الزوج‬
‫على زوجته‪ ،‬أن يتصرف فيها وفي مالها كما يشاء‪ ،‬وسلطة الدائن على مدينه في استعباده‪ ،‬إذا‬
‫أعسر بالسداد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويؤكد بعض الباحثين الغربيين املنصفين أثر الفقه إلاسالمي في قوانين أوروبا الحديثة‪،‬‬
‫وخاصة الفقه املالكي منه‪ ،‬وذلك من خالل اتصال ألاوروربيين باملسلمين في ألاندلس(‪.)1‬‬

‫أتعلم‪ :‬يقول املؤرت الفرن ي سيلو‪( :‬إن قانون نابليون منقول عن كتاب‬
‫فقهي في مذهب إلامام مالك‪ ،‬هو شرح الدردير على متن خليل)‪ .‬مع‬
‫العلم أن الكتاب املذكور مشهور اليوم متداول بين دارس ي الفقه‬
‫إلاسالمي‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )1‬انظر تفصيال أوسع وردا أشمل على هذه الشـبهة فـي‪ :‬زيـدان‪ :‬د‪ .‬عبـد الكـريم‪ :‬املـدخل لدراسـة الشـريعة إلاسـالمية‪،‬‬
‫دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪ 1119 ،19 ،‬هـ‪1009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.75 - 69‬‬
‫‪16‬‬
‫كما قد أشاد بفضل مبادئ الفقه إلاسالمي وتشريعاته وصالحيته للتطبيق العديد من‬
‫املؤتمرات الدولية الحقوقية التي عقدت في العصر الحديث(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫أسالفنا دون ٍ‬
‫وقوع في‬
‫ً‬
‫وينبغي الاستفادة من الثروة الفقهية العظيمة التي خلفها لنا‬
‫َ‬
‫اجتهادات بشرية لعقول عظيمة‬
‫ٍ‬ ‫التقديس املطلق لها‪ ،‬فهذه الثروة‪ ،‬على ِعظ ِمها‪ ،‬تبقى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومخلصة‪ ،‬لكنها قد تخطئ أحيانا‪ ،‬تأثرا ببيئتها أو لسبب آخر‪.‬‬

‫اللغة العربية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ترتبط اللغة العربية باإلسالم ارتباطا وثيقا‪ ،‬فهي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫والتراث إلاسالمي‪ ،‬وأحد أهم أسس هوية ألامة وذاكرتها ووحدتها(‪.)9‬‬
‫مهاجمة املستشرقين وأتباعهم للغة العربية‬
‫بسبب ألاهمية البالغة للغة العربية هاجمها املستشرقون وأتباعهم‪ ،‬زاعمين أنها لغة‬
‫معقدة وال تناسب العصر‪ ،‬ودعا بعضهم إلى استبدالها بالعامية‪ ،‬ودعا آخرون إلى كتابتها‬
‫بالحروف الالتينية‪.‬‬
‫وهدفت هذه الدعوات إلى تفريق املسلمين من خالل تعدد لغاتهم‪ ،‬وإلى قطع صلتهم‬
‫بكتابهم وسنة نبيهم وتراثهم‪ ،‬وربطهم باألعداء ارتبا التابع باملتبوع والعبد بسيده(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬مثل‪ :‬مؤتمر الحقوق املقارنة في الهاي ‪1017‬م‪ ،‬ومؤتمر املحـامين الـدولي ‪ ،1014‬ومجمـع الحقـوق املقارنـة الـدولي فـي‬
‫بـ ــاريس ‪ ،1059‬انظـ ــر فـ ــي ذلـ ــك‪ :‬الزرقـ ــا‪ :‬مصـ ــطفى‪ ،‬املـ ــدخل الفقاـ ــي العـ ــام‪ ،‬دار القلـ ــم‪ ،‬دمشـ ــق‪1114 ،1 ،‬ه ـ ــ‪،‬‬
‫‪1004‬م‪ 11/1 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫(‪ )9‬من امل َسل ِم به آلان عند علماء اللغات‪ ،‬أن اللغة ليسـت ألفاظـا محايـدة نعبـر بهـا عـن تفكيرنـا وتصـوراتنا‪ ،‬بـل إن كـل‬
‫لغ ــة تس ــهم وت ــؤثر ف ــي ص ــياغة وتش ــكيل تفكي ــر وتص ــورات ك ــل م ــن ي ــتكلم به ــا‪ ،‬فل ــيس ثم ــة لغت ــان متش ــابهتان‪ ،‬أنظ ــر‪:‬‬
‫محســب‪ :‬د‪ .‬محي ــي ال ــدين‪ ،‬اللغ ــة والفك ــر والع ــالم‪ :‬دراس ــة ف ــي النس ـ ية اللغوي ــة ب ــين الفرض ــية والتحق ـ ‪ ،‬مكتب ــة‬
‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪1004 ،1 ،‬م‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ :‬كلمة (مجاهد) تعني في ذهن املسلم‪ :‬مـن يقاتـل فـي سـبيل‬
‫ً‬
‫مث ــل علي ــا‪ ،‬دفاع ــا ع ــن ال ــدين واملستض ــعفين‪ ،‬وق ــد نج ــم ع ــن اس ــتبدال ه ــذه الكلم ــة بكلم ــة (جن ــدي) (‪)soldier‬أو‬
‫(مقاتل)(‪ ،)fighter‬أن فقد املسلم ذاكرته‪ ،‬ون ي أهدافه العليا‪ ،‬وصار يسخر وقته ونفسـه وسـالحه فـي خدمـة نظـام‬
‫ً‬
‫مســتبد طــاغ بعيــد أصــال عــن كــل القــيم واملثــل العليــا‪ ،‬أنظــر‪ :‬النيهــوم‪ :‬الصــادق‪ ،‬محنــة ثقافــة مــزورة‪ ،‬ريــاض الـريس‬
‫للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪9999 ،1 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،19‬وانظر أمثلة عديدة أخرى في املرجع املذكور‪.‬‬
‫(‪ )1‬عبـ ــد السـ ــالم‪ :‬د‪ .‬محمـ ــد‪ ،‬وآخـ ــرون‪ ،‬دراسـ ــات فـ ــي الثقافـ ــة إلاسـ ــالمية‪ ،‬مكتبـ ــة الفـ ــالح‪ ،‬الكويـ ــت‪1194 ،5 ،‬هـ ــ‪،‬‬
‫‪1047‬م‪ ،‬ص‪.17 - 16‬‬
‫‪17‬‬
‫والحقيقة أن اللغة العربية هي أفصح اللغات وأبينها في التعبير عن حقائق ألاشياء‬
‫واملشاعر‪ ،‬وتمتاز بسعة مفرداتها‪ ،‬ودقة ألفاظها ومعانيها‪ ،‬وتنوع أساليبها‪ ،‬وقابليتها الكبيرة‬
‫ً‬
‫لالشتقاق ومواكبة التطور العلمي والحضاري‪ ،‬حتى قيل‪ :‬إن العرب س ُّموا َع َربا‪ ،‬لقدرتهم على‬
‫ً‬
‫إلاعراب عما في نفوسهم‪ ،‬ولم يعرف عن أمة أنها أقامت أسواقا للتباري في البيان والكالم‬
‫مثل العرب‪.‬‬
‫ولذلك شاء هللا تعالى أن ينزل القرآن الكريم بهذه اللغة‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷﱸ ﱹﱺﱠ (الزخرف‪.)1:‬‬
‫أالح ــظ‪ :‬جاء التعليل في آلاية الكرية بـ ﱡﭐ ﱹ ﱺﱠ‪،‬‬
‫مما يدل على أن اللغة العربية أقدر اللغات على إيصال أدق‬
‫املعاني والتصورات والحقائق والتعبير عن أصدق املشاعر‪.‬‬
‫يقول حافظ إبراهيم في قصيدته املشهورة في اللغة العربية‪ ،‬وعنوانها‪( :‬اللغة العربية‬
‫تنعى حظها بين أهلها)(‪:)1‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعت كت ـ َ‬
‫ـات‬
‫آي به وعظ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ـن‬ ‫ع‬ ‫قت‬ ‫ـ‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫وما‬ ‫ـة‬ ‫ي‬‫ا‬ ‫ـ‬ ‫وغ‬ ‫ا‬ ‫اب هللا لفـظـ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء ملخت ـ ـ َـرعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ات‬ ‫آلة وتنـس ـ ــي ـ ِق أس ـ ـ ـ ٍ‬
‫وصف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فكيف أضيق اليوم عن‬
‫اص عن صدفاتي؟‬ ‫الغو َ‬ ‫البحر في أحشـا ِئ ِه ال ُّـد ُّر كامـ ـن فهل َس َاءلوا َّ‬
‫ٌ‬ ‫أنا َ‬
‫ِ‬
‫وجوانب عظمة اللغة العربية ال تقتصر على املعاني الدقيقة واملدلوالت العميقة‪ ،‬بل‬
‫ً‬
‫تمتد لتشمل الجوانب الشكلية أيضا مثل الصوت والكتابة‪ .‬يقول ألاديب الفلسطيني خليل‬
‫السكاكيني في اللغة العربية‪:‬‬
‫ً‬
‫(لو قابلت كثيرا من مفرداتها بمثلها في لغات أخرى‪ ،‬لظهر لك أنها أنسب للمعنى‪ ،‬وأبين‬
‫للفكر‪ ،‬وأطوع إلظهار أعمق التأثرات‪ ،‬فلفظة (ال) النافية للجنس أنسب من كل أدوات النفي‬
‫في أي لغة كانت‪ ،‬إذ يسهل معها مد الصوت‪ ،‬والصفات التي تجيء على وزن فاعل‪ ،‬مثل واسع‬
‫وغافر وطاهر وكامل‪ ،‬أو على وزن فعيل أو فعول‪ ،‬مثل كبير عظيم عليم سميع أو صبور غفور‬
‫شكور‪ ،‬أطوع للتعبير عن أعمق التأثرات‪ ،‬ملا فيها من الحركات الطويلة‪ ،‬إلخ‪ ،‬وكلمة (حق)‬
‫بحائها وقافها املشددة العميقة‪ ،‬ال تعادلها كلمة أخرى من أي لغة في الداللة على معناها‪ ،‬وال‬

‫ً‬
‫(‪ )1‬وهي قصيدة نشرت عام ‪1091‬م‪ ،‬ردا على دعوات التخاذ العامية لغة العلم وألادب‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫بد أن الناطق بهذه اللفظة يشعر بالحق أكثر من غيره‪ ،‬وليس ذلك فقط‪ ،‬بل لها تأثير في‬
‫السامع‪ ،‬بحيث تصل إلى أعماق قلبه وتحدث في نفسه هزة)(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫وفي اللغة العربية مثال يكتب املرء في الغالب ألاعم ما يلفظ من حروف ويلفظ ما يكتب‬
‫منها‪ ،‬أي ثمة توافق كبير بين امللفوظ واملكتوب‪ .‬بخالف لغات العالم ألاخرى التي ال تخلو لغة‬
‫منها من حروف صامتة تكتب وال تلفظ‪ ،‬ولديها أصوات مختلفة للحرف الواحد حسب موقعه‬
‫في الكلمة‪ ،‬ولديها حروف متعددة للصوت الواحد‪ .‬والشواهد على ذلك كثيرة وال تخفى على‬
‫مقارن منصف‪.‬‬
‫فيجب علينا املحافظة على العربية والتمسك بها‪ ،‬وأن نجتهد في تعلمها والتكلم بها‪ ،‬كي‬
‫نستطيع فهم القرآن الكريم وسنة النبي ‪ ،‬وال ننعزل عن التراث الحضاري الذي خلفه لنا‬
‫أسالفنا‪ ،‬باعتباره من مقومات ذاكرتنا وهويتنا ووحدتنا‪.‬‬
‫أتنبه‪ :‬تواجه اللغة العربية اليوم مخاطر جديدة‪ .‬فهنالك فئة من‬
‫الناس‪ ،‬وتحت تأثير إلانبهار بارخخر والشعور بالنقص‪ ،‬تقوم عبر‬
‫وسائل إلاعالم باستخدام اللهجات العامية بدل الفصحى حتى في‬
‫ً‬
‫برامج ألاطفال مما يؤثر سلبا على لغتهم‪.‬‬

‫التاريخ إلاسالمي‬
‫ً‬
‫إن التاريخ إلاسالمي‪ ،‬وخاصة في أوقات الازدهار والتقدم والفتوح‪ ،‬ليس مجرد أحداث‬
‫َ‬
‫مرت‪ ،‬بل هو حركة حية غ َّي َرت مسار البشرية‪ ،‬وحررت إلانسان من طواغيت ألارض ومن‬
‫الظلم والاستعباد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال يزال التاريخ إلاسالمي يلعب دورا ملهما في تشكيل الشخصية إلاسالمية‪ ،‬ويثير في‬
‫املسلم مشاعر العزة والكرامة‪ ،‬ويبعث فيه ألامل بإمكانية النهوض والعودة إلى صدارة ألامم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ماثال في ذهن كل مسلم‪َ :‬حزم ّ ّ‬
‫وعلم‬
‫الص ِد ِيق‪ ،‬وعدل عمر‪ ،‬وبسالة خالد‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫من جديد‪ ،‬وال يزال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وطب ابن سينا‪َ ،‬وبصريات‬ ‫ابن عباس‪ ،‬وتقوى ابن عمر‪ ،‬وعقل أبي حنيفة‪ِ ،‬وإتقان البخاري‪ِ ،‬‬
‫ابن الهيثم‪.‬‬

‫(‪ )1‬السـ ــكاكي ي‪ :‬خليـ ــل‪ ،‬كـ ــذا أنـ ــا يـ ــا دنيـ ــا (يوميـ ــات خليـ ــل السـ ــكاكي ي)‪ ،‬أعـ ــدها للنشـ ــر‪ :‬هالـ ــة السـ ــكاكيني‪ ،‬املطبعـ ــة‬
‫التجارية‪ ،‬القدس‪ ،‬فلسطين‪1055 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 79‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫شـبـهـة حول التاريخ إلاسـالمـي وردهــا‬

‫سعى أعداء إلاسالم إلى تشويه التاريخ إلاسالمي‪ ،‬ليفصلوا حاضر املسلمين عن ماضيهم‬
‫َويحولوا دون انبعاثهم من جديد‪ ،‬ومن ذلك أنهم صوروه تاريخ نزاعات وحروب وفتن‪.‬‬
‫ونوجز الرد على هؤالء بما يأتي(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬إنه لم يخل تاريخ بشري من النزاعات والحروب‪ ،‬فهذا دأب البشر أنهم‪ ،‬حين‬
‫يختلفون‪ ،‬قد يجرهم الاختالف إلى التقاتل والتنازع‪.‬‬
‫والتاريخ إلاسالمي هو أقل تاريخ بشري شهد مثل هذه النزاعات وسقط فيه قتلى‪ .‬فهذا‬
‫التاريخ ألاوروبي الذي يتغنى به بعض الناس‪ ،‬قد شهد صفحات دموية ال تقارن بما شهده‬
‫ً‬
‫التاريخ إلاسالمي من نزاعات‪ ،‬وخذ مثاال على ذلك‪ :‬الحروب الدينية بين الكاثوليك‬
‫والبروتستانت في عصور أوروبا الوسطى‪ ،‬وقد ذهب ضحيتها ماليين الناس‪ .‬والحربان‬
‫العامليتان ألاولى والثانية‪ ،‬في النصف ألاول من القرن العشرين‪ ،‬هما حربان أوروبيتان‪ ،‬وهما‬
‫ً‬
‫ألاكثر دموية وتدميرا في التاريخ البشري‪ ،‬حيث ذهب ضحيتهما أكثر من خمسين مليون إنسان‬
‫ً‬
‫من ألاوروبيين وغيرهم‪ ،‬في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيال‪.‬‬
‫‪ -9‬إن التاريخ إلاسالمي متعدد الجوانب‪ ،‬والذين يصورونه تاريخ حروب وفتن‪ ،‬يضخمون‬
‫نقا الضعف فيه على حساب الصفحات املشرقة‪ ،‬في الجوانب الدينية والاجتماعية‬
‫والاقتصادية والعلمية والحضارية‪ ،‬فهذا التاريخ هو الذي فتح الفتوحات العظيمة التي حررت‬
‫ً‬
‫الناس من الطواغيت‪ ،‬وتسامح أهله مع آلاخرين تسامحا غير معهود وال مسبوق‪ ،‬وقدم‬
‫ً‬
‫مخترعات وعلوما متقدمة‪ ،‬وخطا بها خطوات نوعية نحو التقدم العلمي الذي تشهده‬ ‫ٍ‬ ‫للبشرية‬
‫آلان‪ ،‬في شتى املجاالت العلمية والحضارية‪ ،‬في الطب والفلك والرياضيات والكيمياء وغيرها‪.‬‬
‫َ‬
‫الهائل للحضارة إلاسالمية في العالم وفي الحضارة الغربية بخاصة‪،‬‬ ‫وقد رصد هذا َ‬
‫ألاثر‬
‫ٌ‬
‫عدد من املنصفين من املستشرقين الغربيين‪ ،‬مثل‪ :‬آرنست رينان‪ ،‬وزيغريد هونكة‪ ،‬التي تقول‬
‫في مقدمة كتابها الشهير (شمس العرب تسطع على الغرب)‪:‬‬

‫ً‬
‫(‪ )1‬أنظــر تفصــيال أوســع لهــذه الشــبهة وغيرهــا ممــا أثيــر حــول التــاريخ إلاســالمي والــرد عليهــا فــي‪ :‬القرضــاو ‪ :‬د‪ .‬يوس ــف‪:‬‬
‫تاريخنا املفترى عليه‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ 1195 ،1 ،‬هـ‪.9995 ،‬‬
‫‪21‬‬
‫ملواط ِن َّي فرصة العود إلى تكريمها‪ ،‬كما أردت‬
‫(وأردت أن أكرم العبقرية العربية‪ ،‬وأن أتيح ِ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫تعصب ديني أعمى أو‬ ‫أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم‪ ،‬الذي حرمهم من سماعه طويال‪،‬‬
‫ٌ‬
‫جهل أحمق)(‪.)1‬‬
‫والتاريخ إلاسالمي قد شهد ما يعرف اليوم بمؤسسات املجتمع املدني‪ ،‬فانتشرت فيه‬
‫معاهد العلم والثقافة واملستشفيات ودور رعاية ألايتام واملؤسسات التجارية الخاصة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وازدهرت فيه التجارة والصناعة والزراعة‪ ،‬وظل مجتمعا فاعال رغم ضعف الدولة إلاسالمية‬
‫وغيابها‪.‬‬
‫أنــاقــش‪ :‬من مزاعم املستشرقين‪ :‬أن الفتح إلاسالمي‪،‬‬
‫كان حركة غزو ونهب لخيرات البالد املفتوحة‪ ،‬لصالح‬
‫مركز الدولة إلاسالمية في املدينة!‬

‫على أننا ال ينبغي أن نواجه تطرف املستشرقين‪ ،‬بتطرف مضاد يبالغ في تقديس التاريخ‬
‫إلاسالمي إلى حد تسويغ ما وقع فيه من أخطاء‪ ،‬فهو‪ ،‬على أهميته ومنجزاته‪ ،‬تاريخ صنعه‬
‫بشر‪ ،‬صدرت منهم أخطاء ال يقرها إلاسالم‪.‬‬
‫كما علينا أن نتثبت من الرواية التاريخية‪ ،‬والتي لم تحظ بالتمحيص والتثبت مثل ما‬
‫حظيت رواية الحديث النبوي‪ ،‬مع الجمع بين الروايات التاريخية للحادثة الواحدة من أكثر‬
‫من مصدر تاريخي‪ ،‬من أجل تكوين صورة أقرب ما تكون إلى الحقيقة‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫نفوت الفرصة‬
‫على الذين يتلقفون بعض الروايات التاريخية الضعيفة ومن مصادر غير موثوقة‪ ،‬من أجل أن‬
‫يدعموا طعونهم في التاريخ(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬هونكة‪ :‬زيغريد‪ ،‬شمس العـر تسـطع علـى الغـر ‪ ،‬ترجمـه عـن ألاملانيـة‪ :‬فـاروق بيضـون‪ ،‬وكمـال دسـوقي‪ ،‬وراجعـه‬
‫ووضع حواشيه‪ :‬مارون عي ى الخوري‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار آلافاق الجديدة‪ ،‬بيـروت‪ 1111 ،4 ،‬هــ‪1001 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.0‬‬
‫ً‬
‫(‪ )9‬أنظــر تفصــيال أوســع ملنهجيــة التعامــل مــع التــاريخ إلاســالمي فــي‪ :‬خليــل‪ :‬د‪ .‬عمــاد الــدين‪ :‬حــول دعــادة كتابــة التــاريخ‬
‫إلاسالمي‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ 1196 ،‬هـ‪9995 ،‬م‪ ،‬وخاصة ص ‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫أنشطة حوارية مقترحة‪:‬‬
‫يقوم الطلبة بمناقشة موضوع‪( :‬واقع الثقافة السائدة في املجتمعات العربية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومدى توافقها مع ثقافة أمتنا تاريخيا وحضاريا)‪.‬‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬مشكلة ألافكار في العالم إلاسالمي‪ /‬مالك بن نبي‬
‫‪ -‬الثقافة واملثقف في الوطن العربي‪/‬مجموعة باحثين‬
‫‪ -‬العرب وجهة نظر يابانية‪/‬نوبوأكي نوتو هارا‬
‫‪ -‬ثقافتنا بين الانفتاح والانغالق‪ /‬يوسف القرضاوي‬

‫‪22‬‬
‫تحديـات معاصـرة‬
‫تواجه الثـقـافـة إلاسـالميـة‬

‫أوال‪ :‬تحـديـات داخـليــة‬


‫ﱣﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬
‫ﲥﱢ (الرعد‪.)11:‬‬

‫واجهت الثقافة إلاسالمية منذ أيام إلاسالم ألاولى‪ ،‬تحديات كبيرة لفكرتها ووجودها‪ ،‬وال‬
‫تزال تتعرض ملثل هذه التحديات‪ ،‬وذلك يتطلب أن نتمسك بثقافتنا وهويتنا‪ ،‬وأن نكون على‬
‫قدر هذه التحديات ونواجهها بكفاءة واقتدار‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن نوعين من التحديات من حيث املصدر‪ ،‬تواجههما الثقافة إلاسالمية‪:‬‬
‫تحديات داخلية‪ ،‬وتحديات خارجية‪.‬‬
‫ونعرض هنا للنوع ألاول من هذه التحديات‪ ،‬وهي التحديات الداخلية‪ ،‬ثم نعرض في‬
‫درس تال للنوع الثاني منها‪.‬‬
‫وتتمثل التحديات الداخلية للثقافة إلاسالمية‪ ،‬فيما يواجه هذه الثقافة من داخل‬
‫املجتمعات إلاسالمية‪ ،‬ولن تنهض ألامة من جديد‪ ،‬ما لم تواجه هذه التحديات‪ ،‬وتعمل على‬
‫إحداث تغيير داخلي حقيقي‪.‬‬
‫ونعرض لبعض أهم هذه التحديات من وجهة نظرنا‪ ،‬على النحو آلاتي‪:‬‬
‫دغفال سنن النهوض والتقدم‬
‫يسود بين املسلمين ومنذ أن بدؤوا يتأخرون عن ركب الحضارة‪ ،‬نمط من السلبية‪،‬‬
‫والانتظار‪ ،‬والعجز‪ ،‬والتواكل‪ ،‬والقعود عن العمل وفق سنن هللا تعالى في تغيير املجتمعات‪،‬‬
‫وألاخذ بأسباب التقدم والتطور املادي والحضاري في شتى مجاالت الحياة‪ ،‬وحتى عندما‬
‫يندفع بعض املسلمين إلى العمل على النهوض باألمة واستعادتها ريادتها بين ألامم‪ ،‬يأتي عمل‬
‫هؤالء على نحو من الارتجال والبعد عن التخطيط العلمي والسلوك املنهجي‪ ،‬وسرعان ما‬
‫يخفقون أو ينهزمون أمام ألاعداء‪ ،‬الذين يحسنون بدورهم التخطيط وحساب ألاسباب‬
‫واملسببات‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫املسوغات الكثيرة لهذا العجز واليأس‬‫ّ‬ ‫والخطورة تكمن في العقلية التبريرية التي ال تعدم‬
‫ِ‬
‫ولهذه السلبية املقيتة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪ -‬فهناك دائما ألاعداء الذين قد نعلق على شماعتهم و(تآمرهم)‪ ،‬كل إخفاق أو تخلف أو‬
‫تأخر أو ضعف‪ ،‬وخاصة مع ما يتمتع به ألاعداء من تقدم وقوة مادية هائلة ومكر ودهاء‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك من يزعم أن هللا تعالى سينصر هذه ألامة وسيمكر بأعدائها‪ ،‬حتى لو بقيت على‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حالها ولم تأخذ بأسباب النصر والتقدم‪ ،‬وينتظر فرجا هلل تعالى مرتقبا ووشيكا‪ ،‬هكذا‪ ،‬ودون‬
‫أن يقوم هو بأي ش يء للنهوض بنفسه وباألمة‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك من ينتظر أو يبشر بسقو دول البغي والعدوان‪ ،‬وبانهيار وشيك ملجتمعات‬
‫ألاعداء‪ ،‬بسبب انتشار الرذيلة وألامراض والجرائم فيها‪ ،‬وكأنه إذا سقطت هذه الدول‬
‫واملجتمعات بهذه السذاجة التي ينظر بها إليها‪ ،‬أنه لن تقوم مقامها دول أخرى كافرة ومعادية‪،‬‬
‫ً‬
‫وأنه سترثها ألامة إلاسالمية حتما‪ ،‬حتى لو بقيت على حالها في السلبية والانتظار‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك من ينتظر معجزة لحل مشاكل املسلمين‪ ،‬يأتي بها املهدي أو ينزل بها املسيح‬
‫‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن القانون إلالهي الحتمي في التغيير‪ ،‬ال يمكن أن يتغير أو يحابي أحدا‪ ،‬مسلما كان أم‬
‫غير مسلم‪ ،‬ﱣﭐﲜﲝﲞ ﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﱢ (الرعد‪.)11:‬‬

‫العيش في مشكالت املاض ي‬


‫بين املسلمين اليوم‪ ،‬بعض الناس الذين يدأبون على إعادة طرح وإحياء قضايا ومشاكل‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫عوامل فرق ٍة شغلت املسلمين في فترات انحطا وفتن‪ ،‬وف َّرقت‬ ‫املاض ي وإشكالياته‪ ،‬التي كانت‬
‫كلمتهم‪ ،‬وذلك مثل‪ :‬الخوض في قضايا تاريخية‪ ،‬واحتدام النقاش والانقسام فيمن كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مصيبا ومن كان مخطئا‪ ،‬في الفتن التي عصفت باملسلمين في بعض املراحل التاريخية‪.‬‬
‫ومثل إعادة طرح مسائل فرعية وغير ذات أهمية‪ ،‬يزعمون أنها تتعلق بالعقيدة‬
‫إلاسالمية‪ ،‬وهي قضايا كانت تثار بين املسلمين في بعض العصور‪.‬‬
‫ويقوم الذين يثيرون هذه القضايا اليوم‪ ،‬ببث الحياة في عوامل الفرقة تلك‪ ،‬وبتصنيف‬
‫املسلمين اليوم على أساس تصنيفات وخالفات تتعلق بتلك القضايا‪ ،‬مما يؤدي إلى تفرقة‬
‫كلمة املسلمين اليوم كما فرقتها باألمس‪.‬‬
‫كما أن هؤالء يشغلون املسلمين اليوم بمشاكل عفا عليها الزمن‪ ،‬عن مواجهة مشاكلهم‬
‫املعاصرة وامللحة‪ ،‬كالتأخر والتبعية والاستعمار‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫ﳎﳐﳑﳒﳓ‬
‫ﳏ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬

‫ﳔﱢﭐ(البقرة‪.)111 :‬‬

‫الاستجابة لعوامل الفرقة‬


‫يوجد في املسلمين اليوم قوميات مختلفة‪ ،‬وحركات شتى‪ ،‬وفرق متعددة‪ ،‬وحتى في داخل‬
‫كل حركة أو فرقة هناك اجتهادات مختلفة وتوجهات متنوعة‪.‬‬
‫واملشكلة هي في طريقة تعامل بعض املسلمين مع هذه التنوعات‪ ،‬بما يفض ي إلى النزاع‬
‫والصراع‪ ،‬ابتداء من الشتم والتجريح والاتهام بأق ى ألالفاظ وأعنفها‪ ،‬بالتجهيل والتفسيق‬
‫والتضليل والخروج على الثوابت والقطعيات‪ ،...‬وانتهاء بالصراع العنيف والتفكك والانقسام‪،‬‬
‫لنكون بذلك أكبر عون ألعدائنا الذين يسعون إلى محاربتنا من داخلنا‪ ،‬وتفريقنا وتقسيمنا‪.‬‬
‫إن علينا أن ندرك أن الاختالف والتنوع العرقي والفكري والاجتهادي واملذهبي بيننا‪ ،‬هي‬
‫أمور طبيعية‪ ،‬وسنة هللا تعالى في خلقه أن ال يكونوا على شاكلة واحدة‪ ،‬وهللا تعالى يحكم بين‬
‫الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون‪.‬‬
‫ومظلة إلاسالم واسعة‪ ،‬تسع جميع املسلمين بشتى طوائفهم وأعراقهم واجتهاداتهم‪ ،‬وال‬
‫يجوز ألحد أن يدعي احتكاره لإلسالم وإخراج آلاخرين منه‪ ،‬أو أن يزعم أن فهمه لإلسالم هو‬
‫الفهم الصحيح دون غيره‪.‬‬
‫كما علينا أن ندرك أننا كلنا مستهدفون من أعدائنا بشتى فرقنا وحركاتنا وطوائفنا‬
‫وأعراقنا‪ ،‬وأن أهم أهداف العدو هو أن يذكي الاختالفات والصراعات والنزاعات بيننا‪ ،‬على‬
‫ّ َ‬
‫(فرق تسد)‪.‬‬ ‫أساس قاعدته املعروفة‪:‬‬

‫التأثر بسلوكيات الغر وحضارته املادية‬


‫تنتشر بين املسلمين اليوم ‪ -‬وخاصة فئة الشباب منهم ‪ -‬حمى التقليد ألاعمى للثقافة‬
‫الغربية بقيمها وماديتها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تقليد كثير من أبناء املسلمين وشبابهم ألسلوب الحضارة‬
‫الغربية وإلانسان الغربي‪ ،‬في طريقة السلوك واللباس والزي وألاكل‪ ،‬مبتعدين في ذلك عن‬
‫هدي إلاسالم في تميز املسلم عن غيره‪.‬‬
‫كما تسود اليوم نزعة استهالكية نهمة في العديد من املجتمعات إلاسالمية‪ ،‬لكل ما تنتجه‬
‫الحضارة الغربية من وسائل ترفيه وكماليات ال داعي لها‪ ،‬مبتعدين في ذلك عن هدي إلاسالم‬

‫‪25‬‬
‫في الاعتدال في إلانفاق‪ ،‬وتشجيع العمل وإلانتاج‪ ،‬والاعتماد على الذات واملوارد الحقيقية‬
‫لألمة‪.‬‬

‫وجود فئة منسلخة مم ثقافة ألامة وهويتها‬


‫ابتلي املسلمون بفئة من بينهم‪ ،‬قد انسلخت من ثقافتها وهوية أمتها‪ ،‬ورهنت نفسها‬
‫بثقافة ألاعداء‪ ،‬وصارت تفكر بعقلية غريبة عن قيم ألامة وثوابتها‪ ،‬وهؤالء هم أداة الاستعمار‬
‫ورأس حربته املوجهة إلى قلب ألامة‪ ،‬يتكلمون بلسان أعدائنا ويسعون إلى تحقيق أهدافهم‪،‬‬
‫ويروجون لتقليد ألاعداء بحضارتهم وثقافتهم وأفكارهم‪ ،‬ويحاربون قوى املقاومة واملمانعة في‬
‫ألامة‪ ،‬ويروجون للتطبيع والاستسالم الكامل لألعداء‪ ،‬كي نتقدم ونتحضر كما يزعمون‪.‬‬
‫يجب علينا أن نحذر من هؤالء‪ ،‬ومن التأثر بخطابهم‪ ،‬خاصة وأنهم يظهرون النصح لألمة‬
‫ويبطنون العداء لها ولهويتها ولإلسالم وثوابته‪ ،‬وهم يلقون كل الدعم والتأييد السياس ي واملالي‬
‫من الاستعمار وأعداء ألامة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬تحـديـات خارجـي ـة تواجه الثقافة إلاسالمية‬
‫ﱣﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵﱢ ﭐ(النساء‪.)40:‬‬

‫تتمثل هذه التحديات في ما يواجه الثقافة إلاسالمية من أعدائها‪ ،‬وذلك سنة من سنن‬
‫هللا تعالى التي ال تتبدل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲆﱢ (البقرة‪ ،)917:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾﱢ(الصف‪.)4:‬‬
‫ونعرض هنا لصور التحديات الخارجية التي تواجه الثقافة إلاسالمية‪.‬‬
‫كما نعرض بعد ذلك ألهم التحديات الخارجية املعاصرة‪ ،‬مثل العلمانية‪ ،‬والحرب على‬
‫إلارهاب‪ ،‬والعوملة‪.‬‬
‫وسنفرد موضوع العوملة بعنوان مستقل ألهميته‪.‬‬

‫صور التحديات الخارجية التي تواجهها الثقافة إلاسالمية‬


‫تتخذ مواجهة ألاعداء لثقافتنا إلاسالمية صورتين‪:‬‬

‫الصورة ألاولى‪ :‬املواجهة العسكرية‬


‫ٌ‬
‫قريش والعرب املسلمين‬ ‫َ‬
‫إلاسالم بالقوة منذ أيامه ألاولى‪ ،‬فواجهت‬ ‫لقد واجه ألاعداء‬
‫ألاوائل بالتعذيب والتقتيل والحروب املتكررة‪ ،‬ودخلت إلامبراطوريتان الرومانية والفارسية في‬
‫مواجهات عسكرية كبيرة مع املسلمين‪ ،‬ولكن هللا تعالى يأبى إال أن يتم نوره‪ ،‬فانتهى ذلك كله‬
‫بانتصار إلاسالم الساحق وبالفتوح إلاسالمية الكبيرة‪.‬‬
‫ثم عاد أعداء ألامة ليواجهوها مواجهات شتى‪ ،‬كما في حروب الفرنجة التي أطلقوا عليها‬
‫مصطلح الحروب الصليبية‪ ،‬وفي حمالت التتار من الشرق‪ ،‬وفي الحركة الاستعمارية الغربية‬
‫الحديثة التي اقتسمت العالم إلاسالمي وقسمته في القرن التاسع عشر والعشرين امليالديين‪،‬‬
‫ثم اندحرت هذه الحمالت عن العالم إلاسالمي بفضل هللا تعالى‪ ،‬ثم بمقاومة املسلمين‬
‫وجهادهم‪ ،‬وإن كانت قد بقيت في بقعة الصراع الرئيسة وهي فلسطين‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وها هم اليوم يعودون ليواجهوا ألامة في حروب همجية‪ ،‬فيما يسمى بالحرب على‬
‫إلارهاب‪ ،‬أعقبها احتالل جديد لبعض بالد املسلمين‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪ :‬املواجهة الفكرية‬


‫لم تقتصر مواجهة ألاعداء لألمة على املواجهة العسكرية‪ ،‬بل هناك صورة أخرى‪ ،‬أال‬
‫وهي املواجهة الفكرية‪ ،‬أي مهاجمة ألافكار والقيم واملعتقدات والثوابت التي تقوم عليها‬
‫الثقافة إلاسالمية‪ ،‬بهدف إضعاف أثرها في نفوس املسلمين‪ ،‬وإفقادهم تميزهم واعتزازهم‬
‫بذاتهم الحضارية‪ ،‬مقدمة الستعمارهم وإدامة تبعيتهم والسيطرة على ثرواتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫َ‬
‫إلاسالم بأق ى التهم‬ ‫ٌ‬
‫قريش‬ ‫إلاسالم أيضا‪ ،‬فقد رمت‬
‫ِ‬ ‫قديم ِق َد َم‬
‫ٌ‬ ‫وهذا النوع من املواجهة‬
‫الباطلة لتصرف الناس عنه‪ ،‬فاتهمت إلاسالم بأنه يفرق بين الابن وأبيه وألات وأخيه‪ ،‬واتهمت‬
‫النبي ‪ ‬بأنه شاعر وكاهن وساحر‪ ،‬وكال اليهود التهم الكثيرة لإلسالم وأهله‪.‬‬
‫حروب الفرنجة في القرن الحادي عشر امليالدي‪ ،‬حركة استشراق موجهة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ورافقت‬
‫رسمت صورة مظلمة عن إلاسالم وأهله‪ ،‬أسهمت في تحريض املسيحيين الغربيين على غزو‬
‫بالد املسلمين‪ ،‬وهدفت إلى إضعاف ثقة املسلمين بدينهم وثقافتهم وحضارتهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫املسلمين غزوا فكريا واكب حركتهم الاستعمارية‬ ‫وفي القرن التاسع عشر غزا الغربيون‬
‫آنذاك‪ ،‬وتمثل ذلك في أمور منها‪ :‬نشر إلالحاد والفساد ألاخالقي والعلمانية والتبشير‪.‬‬
‫واليوم تتم ثل املواجهة الفكرية بشكل جديد لالستعمار على كافة الصعد فيما يعرف‬
‫بالعوملة‪ ،‬وهناك هجوم فكري جديد على إلاسالم وأهله لتسويغ الحرب الجديدة والاستعمار‬
‫الجديد‪ ،‬وذلك باتهام إلاسالم واملسلمين باإلرهاب‪ ،‬ومحاربة فكرة الجهاد لديهم‪.‬‬
‫ً‬
‫أفكـ ُـر‪ :‬الغزو الفكري والثقافي أشد خطرا وأبعد‬
‫ً‬
‫أثرا من الغزو العسكري‪ ،‬ملاذا؟‬
‫الفلسفات إلالحادية‬
‫انتشرت في العصر الحديث فلسفات مختلفة تقوم على إلالحاد ومحاربة الدين‪ ،‬وغزت‬
‫هذه ألافكار بالد املسلمين وعقول أبنائهم فترة من الزمن‪ ،‬ثم انحسرت عنهم‪.‬‬
‫ومن هذه الفلسفات املاركسية‪ ،‬وهي‪ :‬مذهب فلسفي أنشأه كارل ماركس منتصف القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬ويقوم على أسس من أهمها‪ :‬إلالحاد واملادية‪ ،‬وأفكار اشتراكية‪ ،‬مثل‪ :‬الصراع‬
‫الطبقي‪ ،‬وانتصار الطبقة العاملة‪ ،‬وإلغاء امللكية الفردية‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وقد أسس أتباع املاركسية دولة اشتراكية قوية كانت تعرف باسم الاتحاد السوفييتي‪ ،‬ما‬
‫لبثت أن ضعفت وانهارت وانقسمت في نهاية الثمانينات من القرن املاض ي‪ ،‬وانتهت معها‬
‫فلسفتها‪.‬‬
‫وكان أخطر ما في هذه الفلسفة شعارها إلالحادي‪( :‬الديم أفيون الشعو )‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫ضد الرأسماليين في‬ ‫املخدر للطبقات الكادحة للرض ى باألمر الواقع‪ ،‬وعدم قيام أية ثورة ّ‬
‫املجتمع‪ ،‬ومنشأ هذا الشعار والفكرة ممارسات رجال الدين الخطأ في أوروبا في بداية الثورة‬
‫الرأسمالية‪ ،‬حيث استغلهم رجال إلاقطاع والرأسماليون إلسكات الطبقات املظلومة في‬
‫املجتمع‪ ،‬فكانوا يطلبون من هذه الطبقات الصبر على الظلم وانتظار الجزاء ألاخروي عند هللا‬
‫تعالى‪ ،‬مما دعا رجال إلاصالح في الغرب ألن يثوروا على رجال الدين بطرق مختلفة‪ ،‬يجمعها‬
‫إعالن إلالحاد بكل ألاديان(‪.)1‬‬
‫وإنه مما ال شك فيه أن وقوف رجال الدين في أوروبا إلى جانب إلاقطاع والرأسماليين‪،‬‬
‫هو أمر ال يقره أي عاقل‪ ،‬إال أن استغالل ذلك لضرب ألاديان كلها‪ ،‬هو أمر مرفوض وغير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مبرر‪ ،‬وإلاسالم لم يكن في يوم من ألايام مخدرا للشعوب وال ناصرا للظلمة‪ ،‬وال كان في يوم‬
‫من ألايام دين خمول وكسل واستسالم‪ ،‬بل هو دين الجهاد والتحرر الكامل من كل ألوان‬
‫ً‬
‫الظلم والاستعباد والاستبداد‪ ،‬ولنتأمل واحدا من أحاديث النبي ‪ ‬التي تبين مدى الروح‬
‫الجهادية التي يبثها إلاسالم في أتباعه‪ ،‬في رفض كل عدوان وظلم واستكبار‪ ،‬جاء رجل إلى النبي‬
‫ال‪:‬‬‫ال‪َ :‬ف َال ُت ْع ِط ِه َم َال َك‪َ ،‬ق َ‬‫الل ِه َأ َرَأ ْي َت د ْن َج َاء َر ُج ٌل ُير ُيد َأ ْخ َذ َمالي؟ َق َ‬
‫َ َ ُ َ َّ‬
‫‪ ،‬فقال‪( :‬يا رسول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬أ َرأ ْيت ِدن‬
‫َ‬
‫يد‪ ،‬ق َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬فأنت شه ٌ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬أ َرأ ْيت د ْن قتل ي؟ ق َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ :‬قا ِتل ُه‪ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َأ َرَأ ْي َت د ْن َق َات َل ي؟ َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َُْ‬
‫قتلت ُه؟ قال‪ :‬هو ِفي الن ِار)(‪.)9‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬محمد‪ :‬د‪ .‬علي عبد املعطي‪ ،‬أعالم الفلسفة الحديثة‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬القاهرة‪1007 ،‬م‪.11/9 ،‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب إلايمان‪ ،‬باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقـه‬
‫وإن قتل كان في النار وأن من قتل دون ماله فهو شهيد‪ ،‬حديث رقم‪ ،119 :‬ج‪ ،1‬ص ‪.191‬‬
‫‪29‬‬
‫الفلسـفـة الـرأسـمـالـيــة‬
‫قامت الحضارة الغربية الحديثة على أساس فلسفة جديدة‪ ،‬هي الفلسفة الرأسمالية‪،‬‬
‫وتتصف هذه الفلسفة بصفات‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -2‬النظرة املادية‬
‫يقدم الغرب رؤية مادية لإلنسان والحياة‪ ،‬تقدس املال وإلانتاج‪ ،‬وترى الهدف ألاسمى في‬
‫الحياة هو تحقيق إلانسان ملتعه ورغباته وشهواته‪ ،‬مع إقصاء شامل لكل ألاخالق والقيم‬
‫واملعايير واملعاني الدينية وإلانسانية‪.‬‬
‫‪ -0‬النزعة الاستعمارية‬
‫يرى الغرب أن إلانسان الغرب ي أرقى أنواع إلانسان‪ ،‬وأن ثقافته أفضل الثقافات‪،‬‬
‫وحضارته هي نهاية التاريخ‪ ،‬وغاية ما انتهى إليه التطور البشري‪ ،‬وأقص ى ما وصل أو يمكن أن‬
‫يصل إليه إلانسان‪.‬‬
‫وقد مهدت هذه الرؤية الاستعالئية الستعمار آلاخرين‪ ،‬فإذا كانت الحضارة الغربية هي‬
‫الحضارة ألافضل وألارقى كما يقولون ‪ -‬فإنه ينتج عن ذلك أن لها وحدها حق قيادة‬
‫املجتمعات البشرية ألاخرى والسيطرة عليها ولو بالقوة‪ ،‬وليس لآلخرين ثقافاتهم وهويتهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واستقاللهم‪ ،‬وإنما على آلاخرين دائما أن يكونوا تبعا وخدما لهذه الحضارة‪ ،‬وأن تكون‬
‫ً‬
‫ثرواتهم في خدمة إنسانها وتحقيق رغباته‪ ،‬وبالدهم أسواقا استهالكية ملنتجاته(‪.)1‬‬
‫وإلاسالم يرفض هذه الفلسفة وما ينتج عنها من آثار مدمرة على إلانسان‪ ،‬ويرفض‬
‫النظرة املادية البحتة للحياة‪ ،‬ويعلي من شأن ألاخالق والقيم والروح‪ ،‬وينظر إلى البشر كلهم‬
‫نظرة أخوة وتكريم على اختالف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم وأديانهم‪ ،‬ويرفض الاستعمار‬
‫وتسلط إلانسان على أخيه إلانسان وظلمه له‪ ،‬ويدعو إلى مقاومة كل قوى البغي والاستكبار‬
‫والعدوان‪.‬‬

‫الـعـلـمـانـيــة‬
‫لفظة العـلمانية هي ترجمة عربية للكلمة الانجليزية (‪ ،)Secularism‬والكلمة في أصولها‬
‫اللغوية الغربية تعني النسبة إلى (الدنيا)‪ ،‬وذلك في مقابل النسبة إلى (الكنيسة) و(الدين)‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫(‪ )1‬أنظ ــر تحل ــيال ورص ــدا شـ ــامال وعميقـ ــا وفريـ ــدا ملاديـ ــة الغـ ــرب واسـ ــتعماريته‪ ،‬فـ ــي الدراس ــة املتميـ ــزة‪ :‬املس ــير ‪ :‬د‪.‬عبـ ــد‬
‫الوهاب‪ :‬العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1196 ،9 ،‬هـ‪9995 ،‬م‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫و(آلاخرة)‪ ،‬وبالتالي فهي مرادفة للكلمة الانجليزية (‪ )irreligious‬أي الالديني‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫الترجمة الدقيقة للفظة (‪ ،)Secularism‬هي (الالدينية)‪ ،‬أي إقامة الحياة على أسس مادية‪،‬‬
‫ً‬
‫بعيدا عن الدين وألاخالق والقيم(‪ .)1‬فمصطلح العلمانية‪ ،‬ليس نسبة إلى العِـلم‪.‬‬
‫(العلمانية)‪ ،‬بما أوحى بنسبتها‬‫وقد شاعت اللفظة العربية في العالم العربي بكسر العين ِ‬
‫إلى ال ِعلم‪ ،‬ربما لتسهيل قبول هذا املصطلح في العالم إلاسالمي‪ ،‬من خالل إلايحاء بانبثاقه‬
‫َ‬
‫عن العلم وعدم معارضته للدين‪ ،‬وكان ألاولى أن يترجم إلى كلمة عربية أخرى‪ ،‬مثل‬
‫ً‬
‫(الالدينية) أو (املادية)ً‪ ،‬منعا لهذا الالتباس‪.‬‬
‫ظهور العلمانية‬
‫لم تجد العلمانية صعوبة في شق طريقها في املجتمعات الغربية‪ ،‬حيث استقبلتها هذه‬
‫َ‬
‫املجتمعات بالقبول‪ ،‬وذلك يعود إلى سببين رئيسين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ُّ‬
‫‪ )2‬تسل الكنيسة ورجالها‪:‬‬
‫َّ‬
‫حيث تسلط رجال الكنيسة في الغرب في القرون الوسطى على املجتمعات ألاوروبية‪،‬‬
‫واضطهدوا العلماء ودعاة النهضة وإلاصالح‪ ،‬وكبتوا الحريات‪ ،‬وحجروا على العقول‪ ،‬وتحالفوا‬
‫مع رجال إلاقطاع وألامراء ضد الشعوب‪ ،‬بل لقد تعدوا على سلطة هللا تعالى واحتكروا‬
‫غفران الذنوب‪.‬‬
‫ومن هنا وقع ذلك الصراع املرير ما بين رجال النهضة وإلاصالح من جهة‪ ،‬ورجال الدين‬
‫وإلاقطاع من جهة أخرى‪ ،‬وانتهت املعركة بهزيمة رجال الدين وإلاقطاع‪ .‬وهكذا حبست‬
‫املجتمعات ألاوروبية الدين داخل جدران الكنيسة‪ ،‬وفرضت على الكنيسة عدم التدخل في‬
‫الحياة العامة‪.‬‬
‫‪ )0‬خلو النصرانية مم التشريعات الدنيوية التفصيلية‪:‬‬
‫إن النصرانية ديانة روحية‪ ،‬جاءت لتصحح الانحراف الذي أحدثه اليهود عندما أغرقوا‬
‫في املاديات‪ ،‬وليس في النصرانية تشريعات تنظم جوانب الحياة املختلفة من سياسة واقتصاد‬

‫(‪ )1‬أنظ ــر دراس ــة علمي ــة ش ــاملة وغي ــر مس ــبوقة ملص ــطلح العلماني ــة ف ــي‪ :‬املس ــير ‪ :‬د‪.‬عب ــد الوه ــاب‪ :‬العلماني ــة الجزئي ــة‬
‫والعلمانية الشاملة‪ ،‬مرجع سابق‪ 51/1 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وغيرها‪ ،‬وهو ما أحدث فراغا تشريعيا‪ ،‬أفسح املجال لرجال إلاصالح أن يملؤوه بوضع‬
‫ً‬
‫التشريعات للحياة العامة وفق عقولهم وتجاربهم ورؤيتهم املادية‪ ،‬بعيدا عن الدين(‪.)1‬‬
‫استيراد فكرة العلمانية مم الغر‬
‫العلمانية واحدة من أخطر ألافكار التي اجتاحت العالم إلاسالمي‪ ،‬وأثرت في عقول كثيرين‪،‬‬
‫نظم علمانية حاكمة‪ ،‬تحتكم لقوانين آلاخرين ونظمهم وتتبع رؤيتهم املادية‪،‬‬ ‫حتى قامت ٌ‬
‫وتستبعد أحكام إلاسالم وتشريعاته‪.‬‬
‫ً‬
‫واستيراد فكرة العلمانية إلى املجتمعات إلاسالمية‪ ،‬كان خطأ فادحا‪ ،‬الختالف البيئة‬
‫والظروف التي نشأت في ظلها في الغرب في العصور الوسطى‪ ،‬عن ظروف العالم إلاسالمي‬
‫وعن طبيعة إلاسالم واملجتمعات إلاسالمية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعاد العلم يوما‪ ،‬وال يوجد مذهب أو دين يدعو إلى العلم ويشجعه‬ ‫أوال‪ :‬أن إلاسالم لم ِ‬
‫مثل ما فعل إلاسالم‪ ،‬وال يوجد في إلاسالم طبقة دينية تتمتع بسلطة وامتيازات دينية على‬
‫الناس‪ ،‬تحتكر فهم الدين وغفران الذنوب ومحاكمة التفكير الحر‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أن إلاسالم فيه تشريعات تشمل جميع نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية‬
‫والاجتماعية والروحية‪ ،‬وله رؤيته املتميزة للكون وإلانسان والحياة‪ ،‬وهي رؤية تقوم على‬
‫أساس املرجعية الدينية وألاخالقية املتجاوزة لحدود املادة‪.‬‬
‫فالعلمانية تتناقض مع إلاسالم‪ ،‬إذ إلاسالم منهج حياة شامل‪ ،‬فهو عقيدة وشريعة‪ ،‬دين‬
‫ودولة‪ ،‬آخرة ودنيا‪ ،‬وال يجوز الاكتفاء بجانب الطقوس الشعائرية فيه وترك تشريعاته ورؤيته‬
‫في جوانب الحياة املختلفة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲔﲕﲖ ﲗﲘ ﲙﲚ ﲛﲜ ﱢ‬
‫(املائدة‪.)9()11 :‬‬
‫الاس ـتـش ـ ـراق‬
‫الاستشراق هو‪ :‬حركة غربية نشأت في العصور الوسطى‪ ،‬لدراسة ألاوضاع الفكرية‬
‫والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ألهل الشرق(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الح ــوالي‪ :‬د‪ .‬س ــفر ب ــن عب ــد ال ــرحمن‪ ،‬العلماني ــة ش ــأتها وتطوره ــا وآثاره ــا ف ــي الحي ــاة إلاس ــالمية املعاص ــرة‪ ،‬ال ــدار‬
‫الســلفية‪ ،‬الســعودية‪ 1194 ،‬ه ــ‪1047 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 191‬ومــا بعــدها‪ ،‬القرضــاو ‪ :‬د‪ .‬يوســف‪ ،‬التطــرل العلمــا ي فــي‬
‫مواجهة إلاسالم‪ ،‬أندلسية للنشر والتوزيع‪ ،‬املنصورة‪ 1191 ،1 ،‬هـ‪9999 ،‬م‪ ،‬ص ‪.96 - 10‬‬
‫(‪ )9‬القرضاو ‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬التطرل العلما ي في مواجهة إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 97‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬سعيد‪ :‬إدوارد‪ :‬الاستشراق‪ :‬املعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬إلا شاء‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمـال أبـو ديـب‪ ،‬مؤسسـة ألابحـاث العربيـة‪،‬‬
‫‪1005 ،1‬م‪ ،‬ص ‪ 61‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ويهدف املستشرقون إلى تحقيق ثالثة أهداف رئيسة من الاستشراق‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ )2‬خدمة الاستعمار‬
‫من أهم أهداف الاستشراق وأسباب نشأته‪ ،‬تمكين القوى الاستعمارية من السيطرة على‬
‫املسلمين وبالدهم وثرواتهم‪ ،‬حيث كان الاستشراق وال يزال‪ ،‬يقدم للدول الاستعمارية‬
‫معلومات ودراسات ومعارف عن املسلمين واستراتيجيات التعامل معهم وكيفية السيطرة‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪ )0‬دشعار املسلمين بالدونية‬
‫يسعى املستشرقون إلى إشعار املسلمين بالدونية‪ ،‬والانبهار بالغرب ومعارفه وتقدمه‬
‫وعلومه‪ ،‬مقدمة لجعل املسلمين تابعين للغرب مستسلمين لسياساته خاضعين ملخططاته‪،‬‬
‫ومن ألافكار التي حاول الاستشراق تكريسها في هذا الصدد‪:‬‬
‫إيهام املسلمين أن العربي متخلف بطبعه‪ ،‬أو أن العربي ينزع بطبعه إلى التفكير العاطفي‬
‫بخالف الغربي الذي ينزع إلى التفكير العلمي والعقالني‪ ،‬أو أن العربي يميل بطبعه إلى التفكير‬
‫الفوضوي بخالف الغربي الذي يميل إلى التفكير املنظم‪ ،‬أو أن العربي يميل بطبعه إلى‬
‫الاعتقاد بالغيبيات غير املعقولة‪ ،‬والغربي يميل إلى التفكير الواقعي‪ ،‬وهكذا‪ ،...‬وأوهموا‬
‫املسلمين بوجود هذه الصفات فيهم‪ ،‬وأنها صفات أشبه بالصفات الوراثية خلقت وتخلق‬
‫معهم وال يمكن التخلص منها‪ ،‬وال سبيل للمسلمين والحالة هذه‪ ،‬إال أن يقلدوا الغرب في‬
‫قوانينهم وأعرافهم وتصوراتهم من أجل أن يحظوا بالرقي والتقدم‪.‬‬
‫‪ )3‬التشكيك باإلسالم وهوية ألامة‬
‫يسعى املستشرقون إلى تشكيك املسلمين بمعتقداتهم وتاريخهم وقيمهم‪ ،‬إلبعادهم عنها‬
‫وإضعاف أثرها في نفوسهم‪ ،‬ومن مظاهر ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬تشويه إلاسالم بإظهاره دينا غير صالح للتطبيق في هذا العصر‪ ،‬وأنه إنما انتشر‬
‫بالسيف وإلاكراه‪ ،‬أو أنه ثورة طبقية من الفقراء على ألاغنياء‪ ،‬أو أنه دين إلارهاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬تشويه صورة النبي الكريم ‪ ‬بإظهاره رجال شهوانيا مزواجا‪ ،‬أو أنه إنما اخترع إلاسالم‬
‫ألطماع دنيوية في الرئاسة والسلطة‪.‬‬
‫‪ -‬التشكيك بالقرآن الكريم‪ ،‬بادعاء أنه من تأليف النبي ‪ ،‬أو بادعاء أنه أخذه عن أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬والطعن في أحكامه وتشريعاته وصالحيته للتطبيق‪.‬‬
‫‪ -‬تشويه التاريخ إلاسالمي‪ ،‬وتصويره على أنه تاريخ فتن وقتل وصراعات داخلية وتنازع‬
‫على السلطة‪ ،‬وسيطرة على الشعوب ألاخرى‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ -‬مهاجمة اللغة العربية الفصيحة‪ ،‬بالدعوة إلى كتابتها بحروف التينية‪ ،‬أو الدعوة إلى‬
‫استبدالها بالعامية‪ ،‬بزعم أن الفصيحة لغة صعبة وقديمة ال تواكب التطورات العلمية‬
‫والاجتماعية املعاصرة‪.‬‬
‫وهي تشكيكات ال تقوم على أساس علمي‪ ،‬وليست ناتجة عن دراسات موضوعية نزيهة‪،‬‬
‫ً‬
‫وإنما هي نتائج مرسومة سلفا‪ ،‬دافعها الحقد والانحياز وخدمة ألاهداف الاستعمارية(‪.)1‬‬
‫الاستشراق آلان‬
‫إن الصورة البدائية لالستشراق لم تعد هي السائدة آلان‪ ،‬فال يقوم املستشرق اليوم‬
‫بحزم أمتعته وكتبه وأقالمه وأوراقه في رحلة تستمر شهورا أو سنوات‪ ،‬يعيش فيها بين العرب‬
‫واملسلمين‪ ،‬ويدون ملحوظاته لينشرها في مؤلفاته‪.‬‬
‫لقد انتهى الاستشراق بصورته التقليدية‪ ،‬وتحول إلى مؤسسات ضخمة ذات إمكانيات‬
‫كبيرة‪ ،‬تملك الوسائل الضخمة والتمويل الهائل‪ ،‬وتتخصص في دراسة ومراقبة تطور‬
‫املجتمعات إلاسالمية ورصد التغيرات الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية فيها‪،‬‬
‫وتحديد الطريقة املناسبة للتعامل معها‪ ،‬وتتمثل هذه املؤسسات في مراكز استطالع الرأي‪،‬‬
‫ودوائر ألابحاث املتخصصة بدراسات الشرق ألاوسط في الجامعات‪ ،‬واملؤسسات الاستراتيجية‬
‫املستقلة أو التابعة ملراكز اتخاذ القرار في الغرب‪ ،‬كما أصبح العاملون في مؤسسات‬
‫الاستشراق الحديثة أكثر تخصصا ودقة في دراستنا ودراسة تفكيرنا وتراثنا ومعارفنا وحياتنا(‪.)9‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اليوم مشاريع كثيرة في بالد املسلمين‪ ،‬وأحيانا‬ ‫مول بعض الدول املتقدمة‬ ‫َأت َن ّب ُه‪ :‬ت ّ‬
‫تحت مسميات مثل‪ :‬البحث العلمي‪ ،‬أو نشر الديمقراطية‪ ،‬أو النهوض بمكانة‬
‫املرأة‪ ،‬أو الرقي باملستوى الصحي أو التعليمي‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وال شك أن بعض هذه‬
‫املشاريع مشبوه‪ ،‬وذو طابع استشراقي استخباراتي‪ ،‬يزود الجهات املمولة‬
‫دقيقة عن مجتمعاتنا‪ ،‬ال تتعلق بالغرض املعلن للمشروع‪ ،‬ولألسف‬ ‫ٍ‬ ‫بمعلومات‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫مثقفة أو متخصصة في مجاالت معينة للقيام‬ ‫ٍ‬ ‫فقد يتم استقطاب نخ ٍب عربية‬
‫بهذه املشاريع‪ ،‬من خالل إلاغراءات املادية التي تقدم لهم‪ ،‬دون أن يتنبهوا للغرض‬
‫الحقيقي منها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر في شبهات املستشرقين على إلاسـالم والـرد عليهـا فـي‪ :‬املطع ـي‪ :‬د‪ .‬عبـد العظـيم إبـراهيم‪ ،‬دفتـراءات املستشـرقين‬
‫على إلاسالم عرض ونقد‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1111 ،1 ،‬هـ‪1009 ،‬م‪ ،‬قطب‪ :‬محمـد‪ ،‬املستشـرقون وإلاسـالم‪،‬‬
‫مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ 1199 ،1 ،‬هـ‪1000 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )9‬سعيد‪ :‬إدوارد‪ :‬الاستشراق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 911‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫وصف املخالف باإلرها كمقدمة لشيطنته وشم الحر عليه‬
‫يعمد أعداء ألامة إلاسالمية إلى استخدام سالح خبيث؛ وهو‪ :‬شيطنة املخالف لهم‬
‫ووصفه باإلرهاب‪ ،‬ثم استخدام ذلك كذريعة الستخدام القوة ضده‪.‬‬
‫وقد ازداد هذا النوع الحرب بين املسلمين والدول الاستعمارية بعد انهيار الاتحاد‬
‫السوفييتي وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر‪ ،‬مما أنتج املجاهرة بمعاداة إلاسالم تمهيدا‬
‫لعودة الاستعمار بشكله السافر إلى بالد املسلمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫حروبه واعتداءاته بم َس ّ ِوغ ٍ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫وامللحوظ عبر التاريخ‪ ،‬أن الاستعمار كان دائما ي َس ّ ِوغ‬
‫(منطقية أو أخالقية أو حتى دينية) ال تكون هي الدافع الحقيقي لهذه الحروب‪ .‬فالذين شنوا‬
‫حروب الفرنجة‪ ،‬زعموا أنها حروب دينية لتحرير املقدسات املسيحية وإلنقاظ املسيحيين في‬
‫ً‬
‫الشرق‪ .‬وكانت مسوغات الاستعمار في القرن التاسع عشر أخالقية بهدف إنقاذ شعوب الشرق‬
‫من التخلف ومن استبداد الدولة العثمانية‪ .‬بل إن مصطلح (الاستعمار) نفسه‪ ،‬مصطلح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مضلل‪ ،‬يحمل تبريرا أخالقيا‪ ،‬وكأن املستكبرين قد جاءوا إلى بالد خراب لهدف نبيل وهو‬
‫ٌ‬
‫ادعاء كاذب من كل وجه‪.‬‬ ‫عمارتها ومساعدة أهلها‪ .‬وذلك‬
‫وكما ذكرنا فإن آخر هذه املسوغات لهجمة الدول الاستعمارية الحديثة على املسلمين‬
‫حاضر عند كل حرب أو هجمة يقوم بها‬ ‫ٌ‬ ‫هو ما بات يسمى بمحاربة إلارهاب‪ .‬وهو مسوغ‬
‫الاستعمار في بالد املسلمين‪ .‬فقد رسمت الدول الاستعمارية صورة قاتمة عن إلاسالم‬
‫واملسلمين‪ ،‬وهي صورة إرهابيين متخلفين‪ ،‬يسعون إلى تدمير الحضارة إلانسانية بأساليب‬
‫همجية‪ .‬وبالتالي فالحروب الجديدة على املسلمين‪ ،‬هي حروب لخدمة إلانسانية وللمحافظة‬
‫على تقدمها وعلى منجزاتها كما يزعمون‪.‬‬
‫ولتحديد املوقف الفكري الصحيح من دعوى الحرب على إلارهاب‪ ،‬ينبغي التأكيد على آلاتي‪:‬‬
‫‪ )1‬ينبغي أن ال يغيب عن أذهاننا ووعينا‪ ،‬أن مقاومة املعتديم والدفاع عم مصالح ألامة‪،‬‬
‫هو ح للشعوب املستضعفة‪ ،‬تشرعه وتكفله كافة ألاديان والشرائع والفلسفات واملواثيق‬
‫الدولية والقوانين الوضعية‪.‬‬
‫‪ )9‬يجب أن نرفض‪ ،‬وبكل وضوح وجرأة‪ ،‬ممارسات بعض املسلمين التي ال تنسجم مع‬
‫تعاليم إلاسالم‪ ،‬بل وال تتفق مع أخالق الجهاد وأهدافه وسبله‪.‬‬
‫‪ )1‬علينا أن عرض إلاسالم للعالم على حقيقته‪ ،‬دين الرحمة والسلم والتسامح واملساواة‬
‫وألاخوة البشرية‪ ،‬وأن نتوجه إلى العالم كله بهذه الحقيقة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ )1‬يجب السعي دلى تحديد مفهوم إلارها ‪ ،‬والتمييز بينه وبين حق الدفاع عن النفس‬
‫ومقاومة املعتدين‪ .‬وليس هناك حتى اللحظة تعريف دولي متفق عليه للفظة إلارهاب‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن املالحظ أن كثيرا من الدول الاستعمارية ترفض حتى اللحظة كل الدعوات لتحديد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املقصود بمصطلح إلارهاب‪ ،‬وذلك كي يبقى هذا املصطلح فضفاضا مطاطا‪ ،‬يتسع لتسويغ كل‬
‫حرب تشنها هذه الدول املستكبرة ضد كل من يقف في طريق مطامعها(‪.)1‬‬

‫‪9991‬م‪.1/1 ،‬‬ ‫(‪ )1‬البيطار‪ :‬د‪ .‬فراس‪ ،‬املوسوعة السياسية والعسكرية‪ ،‬دار أسامة‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪36‬‬
‫العوملة‬
‫(لقد قذفت املقادير بالذكاء العربي في طول العالم وعرضه‪ ،‬بصورة‬
‫أسرع وأروع مما فعلت بالعقل اليوناني قبل ذلك بألف سنة خلت‪ .‬لذا‬
‫عظمت إلى أقص ى ّ‬
‫حد الاستثارة الفكرية التي أحدثها وجودهم للعالم‬
‫ّ‬
‫اشتد تمزيق ألافكار القديمة وتطور أخرى‬ ‫أجمع غربي بالد الصين‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫موضع وطئته قدم‬
‫ٍ‬ ‫جديدة‪ ..‬وكان العلم يثب على قدميه وثبا في كل‬
‫ّ‬
‫العربي)‪.‬‬ ‫الفاتح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألاديب واملفكر إلانجليزي جورج هربرت ولز‬

‫مفـهـوم العـولـمــة‬
‫برز الحديث عن العوملة (‪ )Globalization‬بشكل واضح أواخر القرن العشرين‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫أصبحت مع تقدم الوقت من أكثر املفاهيم واملصطلحات تداوال في العالم(‪.)1‬‬
‫ورغم كثرة استعمال مصطلح العوملة‪ ،‬فقد بقي الاتفاق على تعريف محدد وواضح له‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أمرا صعبا‪ ،‬وتضاربت املواقف من العوملة في اتجاهين رئيسين‪:‬‬
‫إلاتجاه ألاول‪ :‬يرى في العوملة مرحلة طبيعية مم مراحل التطور ال شر ‪ ،‬نتجت عن‬
‫يعرف أصحاب هذا الاتجاه‬ ‫تطور الثورة املعلوماتية والتقنية لالتصاالت واملواصالت‪ ،‬حيث ّ‬
‫العوملة بأنها‪ :‬اتجاه تاريخي نحو انكما ش العالم والتفاعل والتأثير املتبادل بين املجتمعات‬
‫البشرية‪ ،‬إلى حد تذوب معه الحدود الجغرافية والاقتصادية والثقافية والسياسية بين هذه‬
‫املجتمعات‪ ،‬ويصبح البشر على هذه ألارض وكأنما هم سكان قرية صغيرة‪.‬‬
‫ً‬
‫إلاتجاه الثا ي‪ :‬يرى في العوملة أسلوبا لهيمنة الدول القوية على الدول الضعيفة‬
‫والفقيرة‪ ،‬حيث يعرف أصحاب هذا الاتجاه العوملة بأنها‪ :‬نمط سياس ي اقتصادي ثقافي غربي‪،‬‬
‫خرج بتجربته عن حدوده الجغرافية‪ ،‬ليفرض نفسه وهيمنته على آلاخرين‪ ،‬فهي وجه جديد‬
‫الستعمار وإمبريالية قديمة‪.‬‬
‫ويمكن التوفيق بين الاتجاهين بأن يقال‪ :‬إن العوملة هي حقبة تاريخية في سياق التطور‬
‫البشري‪ ،‬بسبب الثورة التكنولوجية الهائلة‪ ،‬وملا كان الغرب وعلى رأسه أمريكا‪ ،‬هو الذي‬
‫يمتلك حصة ألاسد من هذه الثورة والقوة‪ ،‬فإنه بال ريب سيستخدمها ملصالحه الخاصة‪ ،‬في‬

‫(‪ )1‬عبد هللا‪ :‬عبد الخالق‪ ،‬العوملة‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة‪ ،‬الكويت‪1000 ،‬م‪ ،‬مجلد ‪ ،94‬عدد ‪.9‬‬
‫‪37‬‬
‫املجاالت الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها‪ ،‬وبذلك يصدق القول بأن العوملة إنما‬
‫ً‬
‫تعني (ألامركة) بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد ودالالت‪ ،‬وذلك وصفا للحالة القائمة‪ ،‬إلى‬
‫أن تنتقل مجتمعاتنا إلى دائرة الفعل وألاخذ بأسباب القوة والتقدم(‪.)1‬‬

‫شأة العـوملــة‬
‫تعد الثورة العلمية واملعلوماتية والتكنولوجية الجديدة التي تكتسح العالم منذ نهايات‬
‫القرن العشرين‪ ،‬القوة ألاساسية املسببة لظهور العوملة‪ ،‬فقد أدت هذه الثورة بكل مظاهرها‬
‫(مثل انتشار الفضائيات وشبكات إلانترنت وسائر شبكات نقل املعلومات ووسائل املواصالت‬
‫الحديثة) إلى انكماش العالم‪ ،‬وذوبان املسافات‪ ،‬وسقو الحدود‪ ،‬وحصول التقارب الزماني‬
‫واملكاني بين الشعوب‪ ،‬وعملت على تسهيل حركة انتقال ألافراد ورأس املال والسلع‬
‫والخدمات واملعلومات وألافكار واملفاهيم وألاذواق‪ ،‬فيما بين ألامم والثقافات واملجتمعات‪.‬‬
‫وهكذا تحولت بعض املفاهيم إلى قيم إنسانية مشتركة‪ ،‬كمفاهيم حقوق إلانسان‬
‫وحماية البيئة والتعددية وحقوق املرأة وغيرها‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن بعض ألامراض‬
‫ً‬
‫الاجتماعية قد صارت هي ألاخرى أمراضا كونية‪ ،‬كالجريمة و العنف والانحالل الخلقي‬
‫والجن ي‪ ،‬وهو ما لم يكن ليوجد‪ ،‬لوال وجود هذه التقنية العالية في مجال الانتقال‬
‫والاتصال(‪.)9‬‬

‫مجـاالت العـولـمــة‬
‫للعوملة مجاالت عديدة تتجلى آثارها فيها‪ ،‬منها‪ :‬العوملة السياسية والعوملة إلاعالمية‬
‫والعوملة ألامنية والعوملة الاقتصادية والعوملة الثقافية‪ ،‬لكن التركيز يجري عادة على كل من‬
‫ً‬
‫العوملة الاقتصادية والعوملة الثقافية‪ ،‬كونهما أكثر تلك املجاالت تأثيرا في حياتنا‪.‬‬

‫العوملة الاقتصادية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهي أكثر مجاالت العوملة اكتماال وتحققا‪ ،‬ومن أهم مظاهرها‪:‬‬

‫(‪ )1‬الشـاعر‪ :‬د‪ .‬ناصـر الـدين‪ ،‬العوملـة والخطـا إلاسـالمي املنشـود فـي ظلهـا‪ ،‬مجلـة جامعـة النجـاح الوطنيـة لألبحـاث‪،‬‬
‫نابلس‪ ،‬فلسطين‪9995 ،‬م‪ ،‬مجلد (‪ ،)10‬عدد (‪.)1‬‬
‫(‪ )9‬الشاعر‪ :‬د‪ .‬ناصر الدين‪ ،‬العوملة والخطا إلاسالمي املنشود في ظلها‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ )2‬ظهور شركات عاملية ومؤسسات اقتصادية دولية موجهة‬
‫تتميز العوملة الاقتصادية بظهور الشركات العمالقة العابرة للحدود املتعددة الجنسيات‪،‬‬
‫وبظهور املؤسسات الاقتصادية الدولية‪ ،‬مثل‪ :‬صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة‬
‫التجارة العاملية‪.‬‬
‫وتسعى الشركات متعددة الجنسيات إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح والسيطرة‬
‫الرأسمالية للدول الغنية على الدول الفقيرة‪ ،‬من خالل ضمان انتقال املواد الخام من الدول‬
‫الفقيرة إلى املركز الصناعي في الغرب بأسعار زهيدة‪ ،‬وضمان وصول منتجاتها إلى أسواق‬
‫املستهلكين في الدول الفقيرة بالسعر الذي تريده‪.‬‬
‫وهنا يأتي دور املؤسسات الاقتصادية الدولية في الضغط على الدول الضعيفة‪ ،‬إلزالة‬
‫أية تشريعات أو ترتيبات وطنية تعيق الانتقال املتبادل للسلع املنتجة وللمواد الخام‪ ،‬أو تهدف‬
‫إلى توفير الحماية للمنتجات الوطنية‪.‬‬
‫‪ )0‬تهميش دور الدولة الاقتصاد‬
‫تشكل املؤسسات الاقتصادية الدولية العنصر الحاكم في العوملة الاقتصادية‪ ،‬وهي تقوم‬
‫بفرض قواعد وسياسات اقتصادية على الدول الضعيفة‪ ،‬تهدف إلى تهميش دورها‪ ،‬وتسهيل‬
‫سيطرة الدول القوية على اقتصادياتها‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ :‬تنامى دور صندوق النقد الدولي‬
‫وصالحياته من خالل املساعدات والقروض‪ ،‬حيث يقوم بربطها بشرو تقلص من الدور‬
‫الاقتصادي للدولة‪ ،‬مثل املطالبة بالخصخصة وإزالة القيود الجمركية الحامية للسلع‬
‫الوطنية‪ ،‬والتحكم في عمليات التنمية التي تتم في هذه الدول‪.‬‬
‫وقد أدى تهميش الدور الاقتصادي للدول النامية‪ ،‬إلى آثار سيئة‪ ،‬مثل‪ :‬ضعف‬
‫اقتصادياتها وتبعيتها للدول الغنية‪ ،‬وتراجع دخل الفرد‪ ،‬وزيادة نسبة البطالة والفقر‪.‬‬
‫‪ )3‬الخصخصة‬
‫وهي انتقال ملكية مؤسسات القطاع العام (الدولة) إلى القطاع الخاص (الشركات‬
‫وألافراد)‪ ،‬والخصخصة من الشرو التي تفرضها املؤسسات الاقتصادية الدولية على الدول‬
‫النامية‪.‬‬
‫ويرى بعضهم أن خصخصة مؤسسات القطاع العام‪ ،‬تعود بالفائدة على املجتمع‪ ،‬فهي‬
‫تقض ي على الفساد املستشري داخل هذه املؤسسات‪ ،‬واملحسوبيات والرشاوى‪ ،‬وإلاجراءات‬
‫الروتينية املعقدة‪ ،‬التي تقتل أي سعي نحو التطور والازدهار‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ورغم وجاهة هذا الرأي‪ ،‬فإنه قد تجاهل مخاطر الخصخصة على الدول النامية‪ ،‬حيث‬
‫تؤدي إلى انتقال أصول الشركات واملؤسسات الوطنية إلى مستثمرين أجانب وشركات عابرة‬
‫ً‬
‫للقارات‪ ،‬كما تؤدي إلى إهدار حقوق العمال وسائر الشرائح الاجتماعية الضعيفة‪ ،‬والتي غالبا‬
‫ما تحظى بالرعاية من مؤسسات الدولة لضمان حد أدنى من التعليم والرعاية الاجتماعية‬
‫والصحية وغير ذلك(‪.)1‬‬

‫العوملة الثقافية‬
‫ومن أهم مظاهر العوملة الثقافية‪:‬‬

‫‪ )2‬تعميم النم الثقافي الغربي‬


‫ً‬
‫إن نزعة الهيمنة لدى الغرب جعلت العوملة الثقافية تحمل في طياتها نوعا من الغزو‬
‫الثقافي‪ ،‬الذي يسعى إلى تنميط العالم وتشكيله وفق الرؤية والثقافة الغربية وألامريكية‪ ،‬التي‬
‫باتت تستخدم آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الدعاية والنشر وإلاعالم‪ ،‬لتقديم‬
‫أمريكا للعالم على أنها نهاية التطور‪ ،‬الذي على جميع شعوب العالم تقمص رموزه ومظاهره‬
‫واتباع طريقته في الحياة(‪.)9‬‬

‫‪ )0‬تسطيح الثقافة‬
‫أي تهميش دور القيم وألافكار وألاديان والهوية الثقافية الحقيقية‪ ،‬وأصبحت الثقافة ‪-‬‬
‫ألي شعب ‪ -‬تعني‪ :‬جملة الهوايات الرياضية‪ ،‬وأنما التراث الشعبي املتعلق باللباس التقليدي‬
‫وبأصناف الطعام‪ ،‬وتم إشغال العالم كله ببرامج التسلية‪ ،‬وفق ما بات يعرف بالثقافة‬
‫الشبابية وألاغنية الشبابية وغيرها‪ ،‬ويتم هذا التسطيح بوسائل غاية في إلاغراء وإلاثارة‪ ،‬ومن‬
‫خالل شاشات التلفاز‪ ،‬التي ال يخلو منها بيت‪ ،‬وتبث على مدار الساعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر في العوملة الاقتصادية‪ :‬حنفي وآخرون‪ :‬حسن حنفي وصـادق جـالل العظـم‪ ،‬مـا العوملـة‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬دمشـق‪،‬‬
‫‪1000‬م‪ ،‬ص ‪ 167‬ومــا بعــدها‪ ،‬مــرزوق‪ :‬نبيــل‪ ،‬حــول العوملــة والنظــام الاقتصــاد العــاملي الجديــد‪ ،‬مجلــة العمــل‬
‫العربية الصادرة عن منظمة العمل العربية‪ ،‬آذار‪1007 ،‬م‪ ،‬عدد ‪ ،64‬ص ‪.54 - 17‬‬
‫(‪ )9‬الجابر ‪ :‬د‪ .‬محمد عابد‪ ،‬العوملة والهوية الثقافية‪ ،‬مجلة املستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪1004 ،‬م‪ ،‬عدد ‪.994‬‬
‫‪41‬‬
‫في حين تعاني أكثر فضائياتنا العربية من غياب الرؤية‪ ،‬ومن فقدان الهوية والانتماء‪،‬‬
‫مفضلة ص ناعة املتعة على أي ش يء آخر‪ ،‬بل لقد أسهمت أكثر فضائياتنا العربية في الخضوع‬
‫لرموز الثقافة الغربية والانبهار بها(‪.)1‬‬

‫عاملية إلاسالم وعوملة الغر‬


‫تمتاز رسالة إلاسالم بأنها عاملية في طرحها وفي توجهها لكل بني البشر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲑ‬

‫ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﱢ(ألاعراف‪.)154 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكن هناك فرقا كبيرا بين عاملية إلاسالم وعوملة الغرب‪ :‬فعاملية إلاسالم هي دعوة‬
‫للمجتمع البشري كي يلتقي على أسس إنسانية مشتركة‪ ،‬تتمثل في‪ :‬نشر املبادئ ألاخالقية‪،‬‬
‫والحفاظ على الكرامة إلانسانية‪ ،‬وحقوق إلانسان‪ ،‬واملساواة وإقامة العدل بين الناس‪،‬‬
‫والتعددية‪ ،‬واحترام الثقافات والخصوصيات للمجتمعات البشرية‪ ،‬ألن اختالف هذه‬
‫الثقافات سنة إلهية‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱵﱷﱸ ﱹﱺ ﱢ(الحجرات‪.)11 :‬‬
‫ﱶ‬ ‫ﱯ ﱱ ﱲﱳ ﱴ‬
‫ﱰ‬
‫أما عوملة الغرب فهي تمثل تسلط الغرب على املجتمعات البشرية‪ ،‬بفرض عاداته‬
‫ومفاهيمه‪ ،‬التي تتضمن الكثير من الانحرافات التي يرفضها العقل السليم‪ ،‬وتنطوي على‬
‫استغالل وقهر إلانسان من جانب الشركات العاملية الكبرى‪ ،‬التي ال هدف لها إال الربح على‬
‫حساب القيم وألاخالق واملعتقدات(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬الشاعر‪ :‬د‪ .‬ناصر الدين‪ ،‬العوملة والخطا إلاسالمي املنشود في ظلها‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )9‬أنظر‪ :‬زقزوق‪ :‬محمود‪ ،‬إلاسالم في عصر العوملة‪ ،‬كلمة له في افتتـاح املـؤتمر الرابـع للفلسـفة إلاسـالمية فـي كليـة دار‬
‫العل ــوم ف ــي جامع ــة الق ــاهرة‪ ،‬ف ــي ‪ ،1000/5/1‬وانظ ــر مجل ــة منب ــر إلاس ــالم‪ ،‬م ــايو ‪ ،1000‬الج ــابر ‪ :‬د‪ .‬محم ــد عاب ــد‪،‬‬
‫العوملة والهوية الثقافية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫املوقف املطلو مم العـولـمــة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد أصبحت العوملة أمرا واقعا‪ ،‬وهو ما يجعل الحديث عن رفضها‪ ،‬ضربا من العبث‪،‬‬
‫ويمكن إيجاز موقفنا املطلوب من العوملة في آلاتي‪:‬‬

‫‪ )2‬التعامل مع ديجابيات العوملة‬


‫ً‬
‫ليس كل ما أفرزته العوملة شرا يجب محاربته‪ ،‬فهناك جملة من املفاهيم التي أصبحت‬
‫ً‬
‫قيما إنسانية مشتركة‪ ،‬وقد سبق إلاسالم إلى املناداة بها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫مفاهيم حقوق إلانسان‪ ،‬والحريات الدينية والسياسية والشخصية في إطار القانون‪،‬‬
‫وحقوق املرأة‪ ،‬وحقوق ألاقليات‪ ،‬والتعددية السياسية‪ ،‬ومشاركة املواطن في صنع القرار وبناء‬
‫البلد‪ ،‬وحماية الشرائح الضعيفة في املجتمع‪ ،‬وحل املنازعات الدولية بالطرق السلمية ما‬
‫أمكن‪.‬‬
‫وواجبنا في هذا الصد د‪ ،‬إحداث تنمية حقيقية لإلنسان واملجتمع في جميع املجاالت‬
‫السياسية والفكرية والاقتصادية‪ ،‬وتشجيع ألانظمة السياسية على الشروع بتحول حقيقي‬
‫نحو السلوك الديمقراطي‪ ،‬ونحو إشراك املواطن في إدارة الحياة وصناعة القرار‪ ،‬وتشجيع‬
‫التفكير إلابداعي والفعل إلابداعي‪ ،‬وترسيخ الشعور باالنتماء لديننا وثقافتنا‪.‬‬
‫‪ )0‬تحصين مجتمعاتنا مم سلبيات العوملة‬
‫ال بد من الحذر من سلبيات العوملة‪ ،‬والتي باتت تهدد مجتمعاتنا وشبابنا على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬مثل‪ :‬مفاهيم تسطيح الثقافة‪ ،‬وانتشار ثقافة الاستهالك‪ ،‬والانبهار بالثقافة‬
‫الغربية‪ ،‬وشيوع الجريمة والعنف والجنس‪ .‬وواجبنا في هذا الصدد‪ ،‬وضع التدابير الوقائية‬
‫لتحصين مجتمعاتنا‪ ،‬دون أن يقتض ي ذلك عزل أنفسنا عن العالم‪.‬‬
‫‪ )3‬دعادة النظر في خطابنا إلاسالمي‬
‫في عصر العوملة تتمايز الثقافات واملبادئ وطرق التفكير‪ ،‬وتسعى كل أمة إلى عرض‬
‫ثقافتها بصورة مقبولة للعالم‪ ،‬وتبعث في نفوس أفرادها روح الاعتزاز والثقة والاقتناع‪.‬‬
‫وواجبنا‪ :‬إعادة النظر في خطابنا إلاسالمي‪ ،‬لعرض إلاسالم بصورته النقية الصافية‪،‬‬
‫وإلاجابة على تساؤالت العصر ومشكالته بدل الانكفاء على هموم املاض ي وقضاياه‪ ،‬ومخاطبة‬
‫العالم بدل الانكفاء على أنفسنا وذواتنا(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الشاعر‪ :‬د‪ .‬ناصر الدين‪ ،‬العوملة والخطا إلاسالمي املنشود في ظلها‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫أنشطة حوارية مقترحة‪:‬‬
‫يقوم الطلبة بمناقشة املوضوعات التالية‪:‬‬
‫‪( .1‬أساليب الاستعمار الخفية في التأثير على وعي الشعوب املستعمرة)‪.‬‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬النباهة والاستحمار‪/‬علي شريعتي‬
‫‪ -‬الصراع الفكري في البالد املستعمرة‪/‬مالك بن نبي‬
‫‪ .9‬استئناف النهضة الحضارية إلاسالمية‪.‬‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬شرو النهضة‪/‬مالك بن نبي‬
‫ملاذا تأخر املسلمون؟ وملاذا تأخر غيرهم؟‪ /‬شكيب أرسالن‬

‫‪43‬‬
‫أقرأ وأستمتع‬

‫صورة عم مؤسسات املجتمع املد ي في التاريخ إلاسالمي‬

‫ننقل عن الدكتور مصطفى السباعي صورة عن بعض هذه املؤسسات‪ ،‬يقول في وصف‬
‫املؤسسات الاجتماعية‪( :‬ومن املؤسسات الخيرية‪ :‬بناء الخانات والفنادق للمسافرين املنقطعين‬
‫وغيرهم من ذوي الفقر‪ ،‬ومنها‪ :‬التكايا والزوايا الت ي ينقطع فيها من شاء لعبادة هللا‪ ،‬ومنها‪ :‬بناء بيوت‬
‫خاصة للفقراء‪ ،‬ومنها‪ :‬السقايات‪ ،‬أي تسبيل املاء في الطرقات العامة ‪ ،‬ومنها‪ :‬املطاعم الشعبية التي‬
‫ََ‬
‫الفلوات‪ ،...‬ومن‬ ‫كان يفرق فيها الطعام من خبز ولحم وحساء وحلوى‪ ،...،‬ومنها حفر آلابار في‬
‫ً‬
‫املؤسسات الاجتماعية ما كانت وقفا إلصالح الطرقات والقناطر والجسور‪ ،‬ومنها ما كانت للمقابر‬
‫يتبرع الرجل باألرض الواسعة لتكون مقبرة عامة‪.‬‬
‫ً‬
‫أما املؤسسات الخيرية إلقامة التكافل الاجتماعي‪ ،‬فقد كانت عجبا من العجب‪ ،‬فهناك‬
‫ُّ َ‬
‫مؤسسات ِلل َقط ِاء واليتامى‪ ،...‬ومؤسسات للمقعدين والعميان والعجزة‪ ،...‬ومؤسسات لتحسين‬
‫أحوال املساجين ورفع مستواهم وتغذيتهم‪ ،...‬ومؤسسات إلمداد العميان واملقعدين بمن يقودهم‬
‫العزاب‪ ،‬ممن تضيق أيديهم أو أيدي أوليائهم عن‬ ‫ويخدمهم‪ ،‬ومؤسسات لتزويج الشباب والفتيات ّ‬
‫نفقات الزواج وتقديم املهور‪( ،...‬و)املؤسسات التي أقيمت لعالج الحيوانات املريضة أو إلطعامها أو‬
‫لرعيها حين عجزها‪ ،‬كما هو شأن املرج ألاخضر في دمشق الذي يقام عليه امللعب البلدي آلان‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫كان وقفا للخيول والحيوانات العاجزة املسنة‪ ،‬ترعى منه حتى تالقي حتفها‪.)....‬‬
‫ويقول في وصف املدارس‪ ...( :‬وكانت الدراسة فيها تشبه الدراسة الثانوية والعالية في عصرنا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان التعليم فيها مجانيا وملختلف الطبقات‪ ،...،‬وكانت الدراسة فيها قسمين‪ :‬قسما داخليا للغرباء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والذين ال تساعدهم أحوالهم املادية على أن يعيشوا على نفقات آبائهم‪ ،‬وقسما خارجيا ملن يريد أن‬
‫ً‬
‫يرجع في املساء إلى بيت أهله وذويه‪ ،‬أما القسم الداخلي فكان باملجان أيضا‪ ،‬يهيأ للطالب فيه‬
‫الطعام والنوم واملطالعة والعبادة‪ ..‬وبذلك كانت كل مدرسة تحتوي على مسجد وقاعات للدراسة‬
‫وغرف لنوم الطالب ومكتبة ومطبخ وحمام‪ ،‬وكانت بعض املدارس تحتوي فوق كل ذلك على مالعب‬
‫للرياضة البدنية في الهواء الطلق‪ ،...،‬وأصبح للمدرسين رواتب تختلف بين الكثرة والقلة بحسب‬
‫ألامصار واملدارس وألاوقاف‪ ،‬ولكنها على كل حال كانت كافية ليعيش املدرس عيشة هانئة‪ ،...،‬وكان‬
‫للمعلمين نقابة كنقابة الطالبين ونقابة ألاشراف ونقابات بعض الحرف واملهن الصناعية في تلك‬
‫العصور‪ ،‬وكان جماعة املدرسين هم الذين يختارون النقيب‪ ،‬وما كان يتدخل السلطان إال إذا وقع‬
‫خالف بين ألاعضاء‪ ،‬فيصلح بينهم‪.)...،‬‬

‫‪44‬‬
‫ويقول في وصف املستشفيات‪ ...( :‬فقد كانت كثيرة تفيض بها املدن والعواصم‪ ،‬ولم تخل بلدة‬
‫صغيرة في العالم إلاسالمي يومئذ من مستشفى فأكثر‪ ،‬حتى أن قرطبة وحدها كان فيها خمسون‬
‫مستشفى‪ ،‬وتنوعت املستشفيات‪ ،‬فهناك مستشفيات للجيش يقوم عليها أطباء مخصوصون‪ ،‬عدا‬
‫عن أطباء الخليفة والقواد وألامراء‪ ،‬وهناك مستشفيات للمساجين‪ ،‬يطوف عليهم ألاطباء في كل‬
‫يوم‪ ،‬فيعالجون مرضاهم باألدوية الالزمة‪ ،.. .،‬وهناك محطات لإلسعاف كانت تقام بالقرب من‬
‫الجوامع وألاماكن العامة التي يزدحم فيها الجمهور‪ ،‬ويحدثنا املقريزي أن ابن طولون حين بنى‬
‫جامعه الشهير في مصر عمل في مؤخره ميضأة وخزانة شراب‪ ،‬أي صيدلية أدوية‪ ،‬وفيها جميع‬
‫الشرابات وألادوية‪ ،‬وعليها خدم‪ ،‬وفيها طبيب جالس يوم الجمعة ملعالجة من يصابون باألمراض من‬
‫املصلين‪.‬‬
‫وهناك املستشفيات العامة‪ ،‬التي كانت تفتح أبوابها ملعالجة الجمهور‪ ،‬وكانت تقسم إلى قسمين‬
‫منفصلين بعضهما عن بعض‪ :‬قسم للذكور وقسم لإلناث‪ ،‬وكل قسم فيه قاعات متعددة‪ ،‬كل‬
‫واحدة منها لنوع من ألامراض‪ ،‬فمنها لألمراض الداخلية‪ ،‬ومنها للعيون‪ ،‬ومنها للجراحة‪ ،‬ومنها للكسور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والتجبير‪ ،‬ومنها لألمراض العقلية‪ ،‬وقسم ألامراض الداخلية كان مقسما إلى غرف أيضا‪ ،‬فغرف منها‬
‫للحميات‪ ،‬وغرف لإلسهال‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ولكل قسم أطباء عليهم رئيس‪ ،...،‬ولكل ألاقسام رئيس عام‬ ‫ّ‬
‫يسمى (ساعور) وهو لقب لرئيس ألاطباء في املستشفى‪ ،‬وكان ألاطباء يشتغلون بالنوبة‪ ،‬ولكل طبيب‬
‫وقت معين يالزم فيه قاعاته التي يعالج فيها املرض ى‪ ،‬وفي كل مستشفى عدد من الفراشين من‬
‫الرجال والنساء واملمرضين واملساعدين‪ ،‬ولهم رواتب معلومة وافرة‪ ،‬وفي كل مستشفى صيدلية‬
‫ً‬
‫كانت تسمى خزانة الشراب‪ ،...،‬وكان ال يسمح للطبيب باالنفراد باملعالجة حتى يؤدي امتحانا أمام‬
‫ً‬
‫كبير أطباء الدولة‪ ،...،‬أما نظام الدخول إلى املستشفيات‪ ،‬فقد كان مجانا للجميع‪ ،‬ال فرق بين غني‬
‫وفقير وبعيد وقريب ونابه وخامل‪ ،‬يفحص املرض ى أوال بالقاعة الخارجية‪ ،‬فمن كان به مرض خفيف‬
‫يكتب له العالج‪ ،‬ويصرف من صيدلية املستشفى‪ ،‬ومن كانت حالته املرضية تستوجب دخوله‬
‫املستشفى‪ ،‬كان يقيد اسمه‪ ،‬ويدخل إلى الحمام‪ ،‬وتخلع عنه ثيابه فتوضع في مخزن خاص‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫يعطى ثيابا خاصة للمستشفى‪ ،‬ويدخل إلى القاعة املخصصة ألمثاله من املرض ى‪ ،‬ويخصص له سرير‬
‫مفروش بأثاث جيد‪...،‬إلخ)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬مم روائع حضارتنا‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪ 1114 ،1 ،‬هـ‪1004 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 01‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫الوحـدة الثانيـة‬

‫القرآن الكريم والسـنة النبوية‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱠ‬
‫(النحل‪)11:‬‬

‫صدق هللا العظيم‬

‫‪46‬‬
‫محتويات الوحدة وأهدافها‬
‫وتتمثل في آلاتي‪:‬‬
‫القرآن الكريم كالم هللا‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الهدف‪ :‬إثراء معلومات الطلبة حول القرآن الكريم‪ ،‬بوصفه املصدر ألاول للثقافة‬
‫إلاسالمية‪.‬‬
‫نزول القرآن الكريم وجمعه‪:‬‬ ‫‪.0‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة على كيفية نزول القرآن الكريم‪ ،‬وحكمة ذلك‪ .‬وأن يتتبع‬
‫الطلبة جهود السلف الصالح في جمع القرآن الكريم ومنهاجهم العلمي في ذلك‪.‬‬
‫تفسير القرآن الكريم وترجمته ودعجازه‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة على املقصود بتفسير القرآن وترجمته‪ .‬وأن يناقشوا وجوه‬
‫إلاعجاز في القرآن‪ ،‬ليقفوا على مواضع إلابداع فيها‪.‬‬
‫السنة النبوية‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ّ َ‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة على السنة النبوية وعلى منهج البحث العلمي في رواية‬
‫الحديث‪ ،‬وأنه أدق املناهج العلمية في الرواية التاريخية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫(لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في‬
‫البداية‪ .‬فلم أكن أعتقد قط بإمكانية اكتشاف عدد كبير إلى هذا ّ‬
‫الحد‬
‫ً‬
‫تماما‬ ‫من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقتها‬
‫نص كتب منذ أكثر من ثالثة عشر‬‫للمعارف العلمية الحديثة‪ ،‬وذلك في ّ‬
‫قرًنا‪ .‬في البداية لم يكن لي أي إيمان باإلسالم‪ .‬وقد طرقت دراسة هذه‬
‫النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة)‪.‬‬

‫موريس بوكاي‪ .‬الطبيب والعالم الفرن ي املعروف في كتابه الشهير‪:‬‬


‫(القرآن الكريم والتوراة وإلانجيل والعلم)‬

‫َ َّ‬
‫القرآن الكريم هو‪ :‬كالم هللا تعالى‪ ،‬املنزل على النبي محمد ‪ ،‬باللفظ العربي‪ ،‬امل ِ‬
‫عجز‪،‬‬
‫املنقول بالتواتر‪ ،‬امل َت َع َّبد بتالوته‪ ،‬املبدوء بسورة الفاتحة‪ ،‬واملختوم بسورة الناس‪.‬‬
‫وهو املصدر ألاساس للتشريع إلاسالمي‪ ،‬فيه هدى للناس ورحمة‪ ،‬وهو ينبوع الحكمة‪،‬‬
‫َ‬
‫ومصدر الخير‪ ،‬ال تنقض ي عجائبه‪ ،‬وال َيخلق على كثرة الرد‪.‬‬
‫وهو هدى هللا تعالى للعاملين‪ ،‬أنقذ البشرية من ظلمات الشرك والوثنية إلى نور التوحيد‪،‬‬
‫ونقلها من التقليد والجمود إلى التحرر العقلي والتفكير الحر‪ ،‬ودعا إلى املساواة والعدل بين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫البشر‪ ،‬ونبذ التمييز والعدوان والظلم‪ ،‬وأنشأ جيال فريدا‪ ،‬نشر الحق والخير والعدل في كل‬
‫مكان‪.‬‬
‫الـقـرآن الـكـريــم كــالم هللا تعالى‬
‫القرآن الكريم هو‪ :‬كالم هللا تعالى املنزل على محمد ‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ ﲊﲋﲌ ﲍﲎﲏﲐﲑﲒ‬

‫ﲓﲔﲕﲖﱠ(الشعراء‪.)105 - 109 :‬‬


‫ومما يدل على أن القرآن الكريم من هللا تعالى وليس من عند محمد ‪:‬‬
‫‪ -1‬املعهود من سيرته ‪ ‬عند العرب أنه كان يتميز بالصدق وألامانة‪ ،‬فما كان ليترك الخيانة‬
‫والكذب على الناس‪ ،‬ويكذب على هللا تعالى‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫ً‬
‫‪ - 9‬لو كان القرآن الكريم من عند النبي ‪ ‬لنسبه إلى نفسه‪ ،‬وكفاه فخرا أن ينسب إلى نفسه‬
‫ً‬
‫ما عجز العرب وإلانس والجن جميعا عن إلاتيان بسورة من مثله‪.‬‬
‫‪ - 1‬نقل املسلمون عن النبي ‪ ‬القرآن الكريم كما نقلوا عنه أحاديثه الشريفة‪ ،‬وال يصعب‬
‫على أي إنسان أن يتبين الفروق الكبيرة بين الكالمين‪ ،‬من حيث ألاسلوب والبالغة وإلاعجاز‪،‬‬
‫فلو كان القرآن الكريم من عند النبي ‪ ،‬ملا نزلت أحاديثه في الرتبة عن رتبة القرآن الكريم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫َوملا افترق كالمه على درجتين متفاوتتين هذا التفاوت الكبير‪.‬‬
‫‪ - 1‬ورد في القرآن الكريم بعض آيات العتاب الشديد للنبي ‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫معاتبته ‪ ‬في قبول الفداء من أسرى بدر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬

‫ﲻ ﲽ ﲾ ﲿ ﱠ (ألانفال‪ .)67:‬ومعاتبته‬
‫ﲼ‬ ‫ﲴﲶﲷﲸ ﲹﲺ‬
‫ﲵ‬ ‫ﲲﲳ‬
‫إلعراضه عن عبد هللا بن أم مكتوم ألاعمى‪ ،‬حيث انشغل النبي ‪ ‬عنه بنفر من زعماء قريش‬
‫يدعوهم إلى إلاسالم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ‬

‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱠ (عبس‪ .)11-1:‬ولو كان القرآن الكريم من عند النبي ‪ ‬ملا‬


‫ضم َنه هذا العتاب‪ ،‬ألن إلانسان ال يعاتب نفسه أمام الناس وال يعلن لهم أخطاءه بهذا‬
‫ّ‬
‫ألاسلوب الشديد في اللوم والعتاب‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 5‬حوى القرآن الكريم أنواعا كثيرة من إلاعجاز‪ ،‬كاإلعجاز البياني وإلاعجاز العلمي وإلاعجاز‬
‫الغيبي وإلاعجاز التشريعي‪ ،‬وهي إعجازات ال يقدر على إلاتيان بمثلها محمد ‪ ‬وال غيره من‬
‫البشر(‪.)1‬‬
‫الـقـرآن الـكـريــم منقول بالتواتر وبرواية العامة‬
‫تم نقل القرآن الكريم عبر العصور بطريق التواتر‪ ،‬بل وبرواية العامة عن العامة أي‬
‫ألامة عن ألامة‪ ،‬ومعنى ذلك‪:‬‬
‫أنه نقله عدد هائل من الناس في جيل‪ ،‬عن عدد هائل من الناس في الجيل الذي قبلهم‪،‬‬
‫وهؤالء نقلوه عن عدد هائل من الناس في الجيل الذي قبلهم‪ ،‬وهكذا‪ ،‬إلى أن نصل إلى جيل‬
‫التابعين‪ ،‬الذين نقلوه عن جيل الصحابة ‪ ،‬ثم ال يخطئ أفراد جيل من املسلمين‪ ،‬على‬
‫كثرتهم وتباعدهم‪ ،‬في نقل حرف منه‪.‬‬

‫(‪ )1‬القطان‪ :‬مناع‪ ،‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ 1194 ،6 ،‬هـ‪1044 ،‬م‪ ،‬ص‪.14 - 16‬‬
‫‪49‬‬
‫ونقل ألاخبار وألالفاظ بطري التواتر وبرواية العامة يفيد العلم اليقي ي والقطع‬
‫بصحة املنقول‪ ،‬وأن القرآن الكريم الذي في صدورنا وفي املصاحف التي بين أيدينا هو كما‬
‫أنزل على محمد ‪ ،‬لم يتغير منه حرف أو حركة ولم تحرف فيه كلمة واحدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫وبعض الناس قد يتشكك أو قد يخطر في باله أن القرآن الكريم ربما ح ِّرف أو غ ِي َر فيه‪،‬‬
‫ً‬
‫وهؤالء ال يدركون حقيقة أن التواتر طريق يفيد عقال اليقين والقطع‪ ،‬ولتوضيح ذلك نضرب‬
‫املثال آلاتي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لو أنه جاءك شخص يخبرك أنه رأى شخصا معينا في مكان معين وبتاريخ ووقت‬
‫محددين‪ ،‬فإنك قد تصدقه وقد تكذبه‪ .‬ثم إذا أتاك شخص آخر يخبرك بمثل ما أخبرك به‬
‫ألاول وبالتفاصيل ذاتها‪ ،‬وهما ال يعرف كل منهما آلاخر لتقول إن ألاول قد أخبره‪ ،‬فإنك‬
‫ستزداد ثقة بصحة ما أخبر به ألاول‪.‬‬
‫وتخيل أنه تتابع على تأييد ألاول والثاني ألوف ألاشخاص‪ ،‬كلهم يخبرونك بالخبر ذاته‬
‫ً‬
‫وبالتفاصيل ذاتها‪ ،‬إنك عندئذ‪ ،‬ستحكم قطعا بصدق ما أخبرك به هذا الجمع الكبير من‬
‫ً‬
‫الناس‪ ،‬ألنه ال يعقل أن يكون صدفة اجتماع مثل هذا العدد الكبير من الناس‪ ،‬والذين ال‬
‫ً‬
‫يعرف بعضهم بعضا‪ ،‬على إلاخبار بالخبر نفسه وبتفاصيل دقيقة ومتطابقة‪ ،‬ثم ال يكون ما‬
‫ً‬
‫أخبروا به صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫شخص وجود دولة تشاد مثال‪ ،‬وأكد لنا أن كل ألاخبار‬ ‫أفـك ــر‪ :‬إذا أنكر‬
‫والصور عن وجودها كاذبة‪ ،‬فإننا نستهجن كالمه ونتهمه بالهذيان‪ ،‬مع أننا‬
‫قد ال نكون زرنا هذا البلد وال رأيناه‪ ،‬فما مصدر قطعنا بوجوده؟!‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وكل كلمة منه َّ‬
‫كل حرف َّ‬‫قل َّ‬‫وهكذا القرآن الكريم‪َ ،‬ن َ‬
‫وكل حركة فيه‪ ،‬آالف مؤلفة من‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الصحابة ‪ ،‬وآالف مؤلفة من كل جيل بعدهم في كل عصر‪ ،‬بالكيفية نفسها‪ ،‬وبالتفاصيل‬
‫والحروف والحركات والكلمات وآلايات والسور والقراءات ذاتها‪ ،‬ال يختلف اثنان من أي جيل‬
‫ً‬
‫وفي أي عصر في ش يء من ذلك‪ ،‬فالعقل يحكم قطعا بأنه هكذا نزل دون أي تغيير أو تحريف‪.‬‬

‫نزول الـقـرآن الـكـريــم‬

‫بدأ نزول القرآن الكريم بواسطة جبريل عليه السالم على قلب النبي محمد ‪ ،‬في ليلة‬
‫القدر‪ .‬ثم استمر بالنزول املتدرج حسب الحوادث على مدار ثالث وعشرين سنة؛ ثالث عشرة‬
‫سنة منها قبل الهجرة وعشر سنوات بعدها‪ .‬وقد اصطلح أكثر العلماء على تسمية ما نزل من‬
‫القرآن الكريم قبل الهجرة بالقرآن املكي‪ ،‬وما نزل بعدها بالقرآن املدني‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫أســتنتـج‪ :‬الفاصل بين املكي واملدني‪ ،‬هو الحد الزما ي املتمثل بالهجرة وال‬
‫عبرة باملكان‪ ،‬فما نزل بعد الهجرة هو قرآن مدني ولو نزل في مكة‪ ،‬وما‬
‫نزل قبل الهجرة هو قرآن مكي ولو لم ينزل في مكة(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫وقد رك َز القرآن املكي على الحديث عن العقيدة وألاخالق ألاساسية‪ ،‬كالدعوة إلى عبادة‬
‫هللا تعالى وحده والبعث والجزاء والوفاء بالعهود والبعد عن الفواحش‪ ،‬بينما كثر في القرآن‬
‫املدني الحديث التفصيلي عن التشريعات والتكليفات العملية‪ ،‬كاملعامالت املالية والعقوبات‪.‬‬
‫وذلك أن املرحلة املكية كانت مرحلة تأسيس‪ ،‬ال بد فيها من التركيز على ألاساس وهو‬
‫إلايمان وألاخالق‪ ،‬وذلك لبناء نفس مؤمنة تسارع إلى التزام ألاحكام العملية‪ ،‬حين تفرض‪،‬‬
‫ً‬
‫برضا وتسليم‪ .‬وأيضا فإن تشريع ألاحكام العملية يقتض ي وجود دولة تطبقها‪ ،‬ودولة إلاسالم‬
‫إنما قامت في املدينة املنورة ال في مكة املكرمة‪.‬‬
‫أفكر‪ :‬اتصفت آلايات املكية‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬بالق َ‬
‫ص ِر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بينما اتصفت آلايات املدنية بالطول‪ ،‬ملاذا؟!‬
‫ِحكمة نزول القرآن الكريم بالتدريج‬
‫َّ ً‬ ‫ً‬
‫نج َما (أي بالتدريج)‪ ،‬وزعموا أنه لو كان من‬ ‫استشكل الكفار قديما نزول القرآن الكريم م‬
‫عند هللا تعالى لنزل دفعة واحدة‪ ،‬ألن هللا تعالى قادر على ذلك‪ ،‬بخالف إلانسان الذي يحتاج‬
‫إلى وقت قد يطول أو يقصر إذا ما رام تأليف كتاب‪ ،‬فر َّد هللا تعالى عليهم هذه الشبهة ببيان‬
‫ً‬ ‫ِح َ‬
‫كمتين رئيستين لنزوله منجما‪:‬‬
‫‪ - 2‬تث يت النبي ‪ ‬وصحابته الكرام‪ :‬فكلما واجه النبي ‪ ‬وصحابته الكرام محنة أو أذى‬
‫من املشركين‪ ،‬نزلت آيات من القرآن الكريم ت ِعلمهم أن هللا تعالى معهم ولن يخذلهم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الابتالء وألاذى الذي يالقيه ألانبياء والدعاة سنة إلهية‪ ،‬وأن أمما كثيرة قبل قريش قد آذت‬
‫أنبياءها ومن آمن معهم وأخذهم هللا تعالى بالعذاب ونصر أنبياءه‪ ،‬فتقوى بذلك عزيمة النبي‬
‫خفف ذلك عنه وعنهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬
‫ّ‬
‫‪ ‬وصحابته الكرام‪ ،‬وي ِ‬
‫ﳋﳍﳎﳏﱠ (الفرقان‪.)19:‬‬
‫ﳌ‬ ‫ﳆ ﳈﳉ ﳊ‬
‫ﳇ‬ ‫ﳄﳅ‬
‫‪ - 0‬التدرج في التغيير والتعليم‪ :‬إن تغيير كل ما كان عليه الناس في الجاهلية دفعة واحدة‪،‬‬
‫من عقائد فاسدة وعادات اجتماعية سيئة‪ ،‬أمر يشق على النفوس‪ ،‬وربما يؤدي إلى رفض‬

‫(‪ )1‬أنظــر‪ :‬الســيوطي‪ :‬جــالل الــدين‪ ،‬إلاتقــان فــي علــوم الق ـرآن‪ ،‬مراجعــة وتــدقيق‪ :‬ســعيد املنــدوه‪ ،‬دار الفكــر‪ ،‬بيــروت‪،‬‬
‫‪ 1116 ،1‬هـ‪1006 ،‬م‪.15/1 ،‬‬
‫‪51‬‬
‫إلاسالم كله‪ ،‬ألن تلك العقائد والعادات كانت متأصلة في النفوس‪ ،‬نشأ عليها الناس وألفوها‪،‬‬
‫فاقتضت الحكمة أن يغير هللا تعالى هذه الاعتقادات والعادات بالتدريج ليسهل تركها‬
‫وتغييرها‪ ،‬فكلما حدثت حادثة نزل الحكم فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫وذلك أيضا يسهل من تعلم املسلمين في ذلك الوقت للقرآن وحفظه وفهمه وتطبيقه‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱠ (إلاسراء‪.)1()196:‬‬
‫جـمـع القرآن الكريم‬
‫كان الصحابة ‪ ‬يتلقفون كل ما ينزل من القرآن الكريم ويتعهدونه بالحفظ والترتيل‪،‬‬
‫َ‬
‫وكان النبي ‪ ‬يأمر بعض أصحابه بكتابة ما ينزل‪ ،‬وع ِرف هؤالء بكتبة الوحي‪ ،‬ومنهم‪ :‬الخلفاء‬
‫ألاربعة‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبي بن كعب ‪ ،‬وكان كل منهم يحتفظ بنسخة لنفسه مما يكتبه‪،‬‬
‫وتوفي النبي ‪ ‬والقرآن الكريم محفوظ في الصدور‪ ،‬متفرق في نسخ مكتوبة‪.‬‬

‫إلى أن قام الصحابة ‪ ‬بعد وفاة النبي ‪ ،‬بجمعه كتابة في مصحف واحد‪ٍ ،‬‬
‫بأمر من‬
‫رئيس الدولة الخليفة أبي بكر الصديق ‪ ،‬ثم نسخ في عهد الخليفة عثمان بن عفان ‪.‬‬

‫أفكر‪ :‬ملاذا لم يجمع النبي ‪ ‬القرآن الكريم في‬


‫مصحف واحد في حياته؟!‬
‫الجمع ألاول للقرآن الكريم‬
‫كان الجمع ألاول للقرآن الكريم في عهد أبي بكر ‪ ،‬وقد كثر القتل في الصحابة ‪ ‬في‬
‫ضياع القرآن الكريم بذهاب حفاظه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حروب الردة‪ ،‬وخاصة القراء منهم‪ ،‬فخش ي عمر ‪‬‬
‫فأشار على أبي بكر ‪ ‬أن يجمعه في مصحف واحد‪ ،‬وأن يرتب سوره وآياته حسب ما كان‬
‫النبي ‪ ‬يطلب ترتيبها ويعلم صحابته حفظها‪ ،‬وبعد تردد‪ ،‬وافق أبو بكر على اقتراح عمر‬
‫وشكل لجنة علمية من الصحابة ترأسها زيد بن ثابت ‪.‬‬
‫َ‬
‫مضن‪ ،‬وطلبوا ن َس َخ ك َت َب ِة الوحي التي تفرق القرآن الكريم فيها‬
‫ٍ‬ ‫وقام أعضاء اللجنة بعمل‬
‫ً‬
‫مكتوبا‪ ،‬وطلبوا مجيء ح ّفاظ القرآن الكريم عن ظهر قلب‪ ،‬وقابلوا الن َس َخ بعضها ببعض‪،‬‬
‫وقابلوا ذلك كله بحفظ الحفاظ‪ ،‬وتوثقوا من طريقة كتابة كل كلمة وحرف‪ ،‬إلى أن أنجزوا‬
‫عملهم بكتابة القرآن الكريم جميعه في مصحف واحد‪.‬‬

‫(‪ )1‬القطان‪ :‬د‪ .‬مناع‪ ،‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111 - 199‬‬
‫‪52‬‬
‫وقد َ‬
‫أودع ذلك املصحف عند أبي بكر ثم انتقل بعد وفاته إلى عمر‪ ،‬وبعد وفاة عمر بقي‬
‫عند ابنته حفصة زوج النبي ‪ ،‬وظل عند حفصة إلى أن طلبه عثمان ليقوم بالجمع الثاني‪،‬‬
‫ً‬
‫رض ي هللا عنهم جميعا وأرضاهم(‪.)1‬‬

‫الجمع الثا ي للقرآن الكريم‬


‫عندما انتشر إلاسالم في آلافاق‪ ،‬ودخلت فيه أمم كثيرة‪ ،‬قدم حذيفة بم اليمان ‪،‬‬
‫الذي كان يشارك في الفتوحات حينها‪ ،‬على الخليفة عثمان ‪ ،‬وأخبره بما رآه من اختالف‬
‫الناس حديثي العهد باإلسالم في أطراف الدولة في القراءة‪ ،‬وخاصة منهم الشعوب التي دخلت‬
‫ً‬
‫في إلاسالم من غير العرب‪ ،‬قائال له‪( :‬يا أمير املؤمنين‪ ،‬أدرك هذه ألامة قبل أن يختلفوا‬
‫اختالف اليهود والنصارى)‪ ،‬فأرسل عثمان إلى حفصة رض ي هللا عنها يطلب نسختها‪ ،‬وشكل‬
‫لجنة من الصحابة برئاسة زيد بن ثابت ‪ ،‬وطلب من اللجنة أن تنسخ عن تلك النسخة‬
‫عدة ن َس ٍخ‪ .‬ثم قام عثمان ‪ ‬بإرسال نسخة إلى كل طرف من أطراف الدولة إلاسالمية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأرسل مع كل نسخة قارئا متقنا من الصحابة يعلم الناس القراءة‪ ،‬وأمر بإحراق كل النسخ‬
‫الشخصية التي كتبها الناس بأنفسهم مخافة وجود نقص أو خلل فيها‪ ،‬ثم أرجع نسخة‬
‫حفصة إليها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وعن تلك الن َس ِخ التي أرسلها عثمان ‪ ‬إلى آلافاق‪ ،‬ن َس َخ الناس ن َسخهم إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫ولذلك يشار إلى املصاحف املنتشرة في العالم إلاسالمي اليوم‪ ،‬على أنها مكتوبة بالرسم‬
‫العثماني‪ .‬والطرق التي أرسل القراء بتعليمها للناس هي الطرق التي ال نزال نقرأ بها إلى اليوم(‪.)9‬‬

‫أستنتج‪ :‬ما الفرق بين جمع أبي بكر‬


‫وجمع عثمان‪ ،‬من حيث الدافع؟‬

‫(‪ )1‬إن ما خاف منه الصحابة لم يحصل‪ ،‬فلم يحدث في عصر من العصور أن مات جميع حفاظ القرآن الكـريم‪ ،‬وفـي‬
‫ً‬
‫كــل عصــر مئــات ألــوف مــن املســلمين يحفظــون القـرآن الكـريم كــامال عــن ظهــر قلــب‪ ،‬واملعتمــد فــي حفــظ القـرآن الكــريم‬
‫إنما هو على النقل السـماعي والحفـظ عـن ظهـر قلـب‪ ،‬وهـذا كـان فـي حيـاة النبـي ‪ ‬وبعـده إلـى عصـرنا‪ ،‬وكـل مـا صـنعه‬
‫الصــحابة إنمــا هــو جمعــه كتابــة فــي مصــحف واحــد بــين دفتــين‪ ،‬نقــول هــذا‪ ،‬كــي ال يفهــم بعــض النــاس أن الصــحابة قــد‬
‫ً‬
‫حفظوا القرآن الكريم بعد أن لم يكن محفوظا‪.‬‬
‫(‪ )9‬الصابو ي‪ :‬محمد علي‪ ،‬الت يان في علوم القرآن‪ ،‬دار الصابوني‪ ،‬السعودية‪1047 ،9 ،‬م‪ ،‬ص‪.54 - 15‬‬
‫‪53‬‬
‫تـفس ـيـر الـقـرآن الـكـريــم‬
‫لم يفسر الرسول ‪ ‬كل القرآن الكريم‪ ،‬إنما ورد عنه تفسير بعض آياته‪ ،‬وذلك كي يتيح‬
‫املجال ملن بعده أن يتدبروه ويستخرجوا كنوزه في كل عصر من عصورهم‪ .‬ولو ّ‬
‫فسره النبي‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫‪ ‬لتوقف املسلمون عند حدود تفسيره ال يتجاوزونه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬

‫ﱦﱧﱨﱩ ﱪﱠ (ص‪.)90 :‬‬


‫ً‬
‫فضال على أن مدلول النص القرآني ال يمكن أن يحيط به أحد من البشر‪ ،‬وال أن يحده‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تفسير مهما كان ضخما‪ ،‬وفي كل عصر يكتشف املسلمون شيئا لم يكن كشفه السابقون‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﱠ‬
‫(الكهف‪.)190 :‬‬
‫فقد اهتم العلماء عبر العصور بتوضيح معاني القرآن الكريم وكشف أسراره‪ ،‬وهكذا‬
‫ظهر علم التفسير وتطور حتى صار من أهم العلوم‪.‬‬
‫جيل معي ٍن‪ ،‬بل ظهرت تفسيرات جديدة للقرآن‬ ‫ّ‬
‫محدد وال ٍ‬
‫ٍ‬ ‫عصر‬
‫ٍ‬ ‫ولم يتوقف التفسير عند‬
‫الكريم في كل عصر منذ بداية التدوين والنهضة العلمية للمسلمين وحتى عصرنا الحديث‪.‬‬
‫ومم أشهر كتب التفسير القديمة‪:‬‬
‫‪ -2‬تفسير الطبري املسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)‪ ،‬البن جرير الطبري‪ ،‬وهو أول‬
‫تفسير كامل مكتوب للقرآن الكريم‪ ،‬ولذلك يلقب الطبري بـ (شيخ املفسرين)‪.‬‬
‫‪ -0‬تفسير الزمخشري املسمى (الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون ألاقاويل في وجوه التأويل)‪،‬‬
‫وهو من أعظم كتب التفسير التي تميزت بإبراز إلاعجاز البياني للقرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير الرازي املسمى (مفاتيح الغيب) أو (التفسير الكبير)‪ ،‬وهو من أعظم كتب التفسير‬
‫املطولة‪ ،‬والتي عنيت بجمع أقوال العلماء في تفسير كل آية‪ ،‬وببيان ما تتضمنه آلاية من‬
‫مسائل عقلية ودينية وفلسفية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -1‬الجامع ألحكام القرآن (تفسير القرطبي)‪.‬‬
‫‪ -5‬تفسير ابن كثير املسمى (تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬وهو من كتب التفسير التي تميزت بسهولة‬
‫العبارة وعدم إلاطالة‪.‬‬
‫ومم كتب التفسير الحديثة‪:‬‬
‫تفسير (التحرير والتنوير) للطاهر بن عاشور‪ .‬وتفسير (في ظالل القرآن) لسيد قطب‪.‬‬
‫وتفسير (ألاساس في التفسير) لسعيد حوى‪( ،‬التفسير املنير) ِل َو ْهبه الزحيلي‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫قواعد في الفهم السليم للقرآن الكريم‬
‫للوصول إلى فهم سليم رخيات القرآن الكريم‪ ،‬وللتعامل الصحيح مع كتب التفسير‪،‬‬
‫هناك قواعد ال بد من مراعاتها‪ ،‬من أهمها(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬التزام قواعد اللغة العربية ودالالتها‪ :‬يجب تفسير آلايات َوفق دالالت اللغة العربية‬
‫الفصيحة‪ ،‬وعدم تفسيرها خارج ما تحتمله دالالت اللغة‪ .‬فقد نزل القرآن بلسان‬
‫عربي مبين‪ .‬ومن ألامثلة على ذلك‪ :‬أنه ينبغي مراعاة دالالت ألالفاظ كما كانت في‬
‫ً‬
‫عصر نزول القرآن فيما يتعلق باملفردات التي تغيرت دالالتها‪ .‬فكلمة (سائحات) مثال‬
‫ال تعني مفهوم السياحة في عصرنا‪ ،‬وكلمة (سيارة) ال تعني ما تدل عليه اليوم‪،‬‬
‫ً‬
‫وهكذا‪ .‬ومن ألامثلة على ذلك أيضا‪ :‬أنه ال بد من البعد عن التكلف والتعسف في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهم آلايات وتأويلها تأويال فاسدا لتتناسب مع مفاهيم يرى الشخص صحتها‪.‬‬
‫واملوقف السليم يتمثل في التزام فهم آلايات كما هي َوفق دالالت اللغة العربية ّ‬
‫البينة‬
‫ّ‬
‫من غير تكلف بعيد وال تأويل فاسد‪.‬‬
‫‪ -9‬تفسير القرآن بالقرآن‪ :‬وذلك بجمع آلايات حول املوضوع الواحد من شتى سور‬
‫تصور قرآني شامل عن املوضوع الواحد قبل الحديث فيه‪ .‬ذلك أن‬ ‫القرآن لتشكيل ُّ‬
‫ٌ‬
‫ومعلوم أن‬ ‫الصورة املجزوءة قد ال تساعد في إعطاء تفسير صحيح وال حكم سليم‪.‬‬
‫القضية الواحدة قد يتناولها القرآن في أكثر من موضع فيه حسب الحاجة‪.‬‬
‫‪ -1‬تفسير القرآن بصحيح السنة‪ :‬وذلك باالعتماد على ألاحاديث الصحيحة دون‬
‫ألاحاديث الضعيفة واملوضوعة‪ .‬وإدخال الحديث املشكوك في صحته إلى التفسير‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وحمل كالم هللا تعالى عليه‪ ،‬يشكل إساءة بالغة لكالم هللا تعالى وانتقاصا لهيبته‬
‫وجه ّ‬ ‫ً‬
‫وتحريفا ملعانيه عن مراد هللا تعالى إلى كالم تناقله البشر وال َ‬
‫لصحته‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫‪ -1‬مراعاة السياق‪ :‬يختلف املعنى أحيانا باختالف السياق الذي ورد فيه‪ ،‬وبالتالي ال بد‬
‫من مالحظة سياق آلاية لتحديد املعنى الصحيح لها‪ .‬وعلى سبيل املثال قوله تعالى‪:‬‬
‫ً‬
‫ﲲ ﱢ (آل عمران‪ ،)16:‬قد يفهم منه خطأ التمييز بين الذكر‬ ‫ﲳ‬ ‫ﱣﭐ ﲰ ﲱ‬
‫وألانثى‪ ،‬وليس ألامر كذلك‪ ،‬إذ بالرجوع إلى السياق يتبين أن املقصود‪ :‬ليس الذكر‬
‫كاألنثى في غرض خاص‪ ،‬يتعلق بنذر املولود لخدمة دور العبادة والعابدين فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر في ذلك‪ :‬القرضاو ‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن العظيم‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪9997 ،6 ،‬م‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -5‬مالحظة أسبا النزول‪ :‬أي مالحظة الوقائع أو ألاحداث التي نزلت فيها بعض‬
‫ً‬
‫آلايات‪ ،‬وذلك يساعد كثيرا في الوصول إلى املعنى الصحيح لتلك آلايات‪ .‬ومثال ذلك‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ً‬
‫ﲆ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ (البقرة‪ .)154:‬قد يفهم منه خطأ‬
‫ﲇ‬ ‫ﲅ‬
‫أن السعي بين الصفا واملروة غير واجب‪ ،‬وليس ذلك بمقصود‪ ،‬بل آلاية نزلت ألن‬
‫املسلمين شعروا بالحرج النف ي‪ ،‬ألن أهل الجاهلية كانوا يسعون بين الصفا واملروة‬
‫وعلى كل منهما صنم يقدسونه‪ ،‬فنزلت آلاية لرفع مثل هذا الحرج‪.‬‬
‫‪ -6‬الحذر مم إلاسرائيليات‪ :‬إلاسرائيليات هي حكايات منقولة عن اليهود وكتبهم إلى كتب‬
‫التفسير‪ ،‬وفيها تفاصيل لحكايات وأحداث لم يقم القرآن الكريم بتفصيلها‪ ،‬مثل‬
‫تحديد نوع الشجرة التي أكل منها آدم ‪ ،‬وأسماء الحيوانات التي حملها نوح ‪‬‬
‫في سفينته‪ ،‬وحكايات تفصيلية من حياة الرسل السابقين وأحداث تاريخية‬
‫وكونية(‪.)1‬‬
‫وال بد من الحذر من هذه إلاسرائيليات وعدم الاعتماد عليها في التفسير‪ ،‬خاصة وأن‬
‫ً‬
‫منها ما يخالف عموم القرآن الكريم ويعارض العقل واملنطق السليم‪ ،‬فضال على َّأن‬
‫العناية بمثل هذه الحكايات التفصيلية يخالف منهج القرآن الكريم الذي ال يحفل‬
‫بالتفصيالت غير املهمة‪ .‬ولو كان في تلك التفصيالت فائدة ملا أغفلها القرآن الكريم‪.‬‬
‫عدد من املفسرين إلى خطر هذه إلاسرائيليات وضرورة تنقية كتب التفسير‬ ‫وقد تنبه ٌ‬
‫منها‪.‬‬

‫تـرجـمـة الـقـرآن الـكـريــم‬


‫هناك طريقتان لترجمة أي نص من لغة إلى لغة أخرى‪ :‬الترجمة التفسيرية‪ ،‬وتقوم على‬
‫نقل املعنى العام لنص ما‪ ،‬من لغة إلى أخرى‪ .‬والترجمة الحرفية‪ ،‬وتقوم على نقل نص من لغة‬
‫إلى أخرى‪ ،‬مع الاحت فاظ بكل ما في النص ألاصلي من دالالت ومزايا لغوية في ألاسلوب والنظم‪.‬‬
‫ً‬
‫والترجمة التفسيرية مطلوبة شرعا‪ ،‬ألنها تنقل معاني القرآن الكريم إلى غير الناطقين‬
‫باللغة العربية‪ ،‬وذلك يساعد على انتشار الدين وعموم الخير للعاملين‪ ،‬وهي‪ ،‬في الحقيقة‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر أمثلـة مستفيضـة مـن كتـب التفسـير علـى إلاسـرائيليات‪ ،‬فـي‪ :‬أبـو شـهبة‪ :‬د‪ .‬محمـد‪ ،‬إلاسـرائيليات واملوضـوعات‬
‫في كتب التفسير‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1111 ،1 ،‬هـ‪1009 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 150‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫تفسير للقرآن الكريم لكن بلغة غير العربية‪ ،‬وهي أشبه ما تكون‪ ،‬بأن يأتي مترجم إلى كالم ابن‬
‫ً‬
‫كثير في تفسيره مثال‪ ،‬فينقله إلى إلانجليزية‪ ،‬ولذلك فإن من ألادق أن يطلق على هذه الترجمة‬
‫ظن أنها ترجمة حرفية للقرآن الكريم‪.‬‬ ‫تعبير‪( :‬ترجمة معاني القرآن الكريم) لئال ي ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما الترجمة الحرفية فهي محرمة شرعا باتفاق العلماء‪ ،‬بل هي غير ممكنة أصال‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫يمكن أن نعدها كالما إلهيا مقدسا‪ ،‬وذلك ألسباب‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬إن ألفاظ القرآن الكريم ذات دالالت دقيقة‪ ،‬وقد ال يصل املترجم إلى املعنى الدقيق‪ ،‬أو‬
‫قد يخطئ في فهمه‪ ،‬أو في انتقاء ألالفاظ الدقيقة للتعبير عنه‪ .‬وقد ال يوجد في اللغة‬
‫املترجم إليها ألفاظ مقابلة تعطي الدالالت الدقيقة لتلك ألالفاظ العربية في النص‬
‫القرآني‪ ،‬خاصة وأن اللغة العربية هي أوسع اللغات في التعبير‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -9‬إن أية لغة تشتمل على املجاز والكنايات والاستعارات التي ال يمكن ترجمتها حرفيا إلى لغة‬
‫ً‬
‫أخرى‪ ،‬خذ مثال قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ً‬
‫ﱙ ﱚ ﱠ (إلاسراء‪ ،)90‬فارخية فيها كناية عن إلاسراف والبخل‪ ،‬ولو ترجمت حرفيا‪ ،‬ملا‬
‫فهم املتحدث باللغة املترجم إليها املعنيين املذكورين منها‪.‬‬

‫أفكر‪ :‬ما مدى إمكانية الترجمة الحرفية لقوله‬


‫تعالى‪ :‬ﱡﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﱠ (القصص‪.)19‬‬

‫‪57‬‬
‫دعـجـاز الـقـرآن الـكـريــم‬
‫إن القرآن الكريم هو كتاب هللا تعالى املعجز الذي ال يستطيع البشر أن يأتوا بمثله‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أتعلم‪ :‬املعجزة هي‪ :‬أمر خارق للعادة‪ ،‬مقرون‬
‫بالتحدي‪ ،‬مع عدم املعارضة(‪.)1‬‬

‫وقد تحدى هللا تعالى الناس أن يأتوا بمثل القرآن الكريم فعجزوا‪ ،‬وتحداهم أن يأتوا‬
‫بعشر سور مثله فعجزوا‪ ،‬وكان آخر ذلك التحدي أن تحداهم بسورة من مثله فعجزوا‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬
‫ﳁﳂﳃﳄﱠ (البقرة‪.)91 :‬‬
‫ووجوه إعجاز القرآن الكريم كثيرة ومتنوعة(‪ ،)9‬نعرض بإيجاز لثالثة أنواع منها‪ ،‬هي‪:‬‬
‫إلاعجاز البياني‪.‬‬
‫وإلاعجاز الغيبي‪.‬‬
‫وإلاعجاز العلمي‪.‬‬

‫إلاعـج ــاز الـبـي ــانـ ـي في الـقـرآن الـكـريــم‬


‫أي إن تراكيب القرآن الكريم وأساليبه في التعبير وفي استخدام ألالفاظ‪ ،‬على درجة من‬
‫الدقة والبالغة والجمال وإلابداع‪ ،‬تأخذ باأللباب وتبهر العقول‪ ،‬وهو ما أدركه أهل اللغة‬
‫ً‬
‫والفصاحة والبيان من العرب قديما‪.‬‬
‫فها هو جبير بن مطعم ‪ ‬يقول‪ :‬سمعت النبي ‪ ‬يقرأ في صالة املغرب بالطور حتى‬
‫ﱦﱨﱩ‬
‫ﱧ‬ ‫انتهى إلى قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬

‫(‪ )1‬ه ــذا تعري ــف ال ـرازي للمعج ــزة‪ ،‬أنظ ــر‪ :‬الفه ــداو ‪ :‬د‪ .‬عب ــد الجلي ــل إب ـراهيم‪ ،‬خ ــوارق الع ــادات عن ــد املس ــلمين‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1196 ،1 ،‬هـ‪9995 ،‬م‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫(‪ )9‬أنظــر كتــب إلاعجــاز فــي الق ـرآن الكــريم‪ ،‬علــى س ــبيل املثــال‪ :‬عبــاس‪ :‬د‪ .‬فضــل حســن‪ ،‬وســناء فضــل حســن‪ ،‬دعج ــاز‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 150‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱠ (الطور‪ ،)17- 15 :‬قال‪( :‬كاد قلبي أن يطير)(‪،)1‬‬
‫وعمر ‪ ،‬ملا سمع سورة طه أعلن إسالمه‪ ،‬رغم ما كان منه من عداوة شديدة لإلسالم‬
‫وأهله(‪ ،)9‬وها هو الوليد بن املغيرة الذي كان أحد سادة قريش واملشهورين فيها بالفصاحة‬
‫ً‬
‫والبالغة‪ ،‬حينما سمع القرآن الكريم‪ ،‬عبر عن ذهوله مما سمع قائال‪( :‬وهللا إن لقوله لحالوة‪،‬‬
‫وإن عليه لطالوة‪ ،‬وإن أسفله ملغدق‪ ،‬وإن أعاله ملثمر‪ ،‬وإنه يعلو وال يعلى عليه‪ ،‬وإنه يحطم‬
‫ً‬
‫ما تحته‪ ،‬سمعت قوال يأخذ القلوب)(‪.)1‬‬
‫وقد وصل ألامر بالكفار من العرب حينها‪ ،‬إلى أن تواصوا بتجنب سماع القرآن الكريم‪ ،‬ملا‬
‫له من تأثير مذهل يفوق تأثير السحر‪ ،‬وليس بسحر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬

‫‪ ،)96‬بل لقد آثروا خوض حروب طاحنة‬ ‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ (فصلت‪:‬‬


‫وطويلة مع املسلمين‪ ،‬ذهبت فيها أنفسهم وأموالهم وأوالدهم‪ ،‬على أن يحاولوا إلاتيان بمثل‬
‫سورة واحدة منه‪.‬‬
‫أتــأمــل‪ :‬إن التحدي باإلتيان بسورة‪ ،‬هو‪ ،‬في الحقيقة‬
‫تحد بعشر كلمات فقط‪ ،‬ألن أقصر سورة في القرآن‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫الكريم‪ ،‬وهي سورة الكوثر‪ ،‬تتكون من عشر كلمات!‬
‫ومم ألامثلة على إلاعجاز البيا ي‪:‬‬
‫‪ - 2‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ (البقرة‪ ،)170:‬أي إن‬
‫إلانسان حين يعلم أنه إذا َق َت َل‪ ،‬فسوف يقتل‪ ،‬فإنه لن ي َ‬
‫قدم على القتل‪ ،‬وكانت العرب تعبر‬
‫عن هذا املعنى بقولهم‪(:‬القتل أنفى للقتل)‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬محمــد بــن إســماعيل‪ ،‬الجــامع الصــحيح املختصــر (صــحيح البخــار )‪ ،‬تحقيــق ‪ :‬د‪ .‬مصــطفى ديــب‬
‫البغا‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة‪ ،‬بيـروت‪ 1197 ،1 ،‬هــ‪1047 ،‬م‪ ،‬كتـاب التفسـير‪ ،‬بـاب سـورة والطـور‪ ،‬الحـديث رقـم‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ،1571‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1410‬وسيشار إلى هذا املرجع فيما بعد اختصارا هكذا‪ :‬رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )9‬ابم هشام‪ :‬عبد امللـك بـن هشـام‪ ،‬السـيرة النبويـة‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمـد محيـي الـدين عبـد الحميـد‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬بيـروت‪،‬‬
‫‪ 1191 ،1‬هـ‪1041 ،‬م‪.171 - 161/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬أخرجــه الطبــر ‪ :‬محمــد بــن جريــر‪ ،‬جــامع البيــان عــم تأويــل آ القـرآن‪ ،‬دار الفكــر‪ ،‬بيــروت‪ 1195 ،‬هــ‪،156/90 ،‬‬
‫وأورده ألالب ــا ي‪ :‬محم ــد ناص ــر ال ــدين‪ ،‬ف ــي‪ :‬ص ــحيح الس ــيرة النبوي ــة‪ ،‬املكتب ــة إلاس ــالمية‪ ،‬عم ــان‪ ،1 ،‬رق ــم (‪،)157‬‬
‫‪.597/9‬‬
‫‪59‬‬
‫وقد أبرز العلماء بالغة عبارة القرآن الكريم على عبارة العرب بأكثر من عشرين وجها‪،‬‬
‫منها‪ :‬أن التعبير بالحياة أوقع في النفس من التعبير بالقتل الذي يش ِعر بالوحشة‪ .‬وأنه ليس كل‬
‫قتل فيه حياة‪ ،‬كما يفهم من عبارة العرب‪ ،‬وإنما هو قتل معين هو القصاص‪ .‬وأن عبارة‬
‫العرب كررت لفظة القتل مرتين‪ ،‬بينما خلت عبارة القرآن الكريم من التكرار(‪.)1‬‬
‫ﲾﳀﳁ ﳂﳃ ﳄﳅ‬
‫ﲿ‬ ‫‪ - 0‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲹﲺﲻ ﲼ ﲽ‬
‫ﳆ ﱠ(ألانفال‪.)11 :‬‬
‫فقد تحدثت آلاية الكريمة عن سببين لرفع العذاب‪ :‬وجود الرسول ‪ ‬بين الناس‪،‬‬
‫ً‬
‫واستغفار الناس‪ .‬وملا كان وجود رسول هللا ‪ ‬مؤقتا إلى أن يحين أجله‪ ،‬وأما الاستغفار فهو‬
‫باق إلى يوم القيامة‪ ،‬عبر عن ألاول بالفعل الذي يفيد التوقيت بالزمان‪ ،‬وعبر عن الثاني‬
‫باالسم الذي يفيد الثبوت والاستقرار(‪.)9‬‬
‫‪ - 3‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬

‫ﱖﱠ (الحج‪.)11 :‬‬


‫في آلاية الكريمة تصوير دقيق ملا يكون عليه املشرك من ضياع وتشتت وتمزق‪ ،‬وتصوير‬
‫لعاقبته الوخيمة‪ ،‬ولنترك الكالم لسيد قطب‪ ،‬رائد التصوير الفني في القرآن الكريم‪ ،‬يوضح‬
‫هذه الصورة الفنية الرائعة التي يرسمها القرآن الكريم لنفس املشرك‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫(إنه مشهد الهوي من شاهق ﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱠ‪ ،‬وفي مثل ملح البصر يتمزق‬
‫ً‬
‫ﱡﱎ ﱏ ﱠ‪ ،‬أو تقذف به الريح بعيدا عن ألانظار ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱠ في‬
‫هوة ليس لها قرار‪..‬‬
‫وامللحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها‪ ،‬وتعاقب خطواتها في اللفظ (بالفاء)‪ ،‬وفي املنظر‬
‫بسرعة الاختفاء‪ ..‬على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير‪..‬‬
‫وهي صورة صادقة لحال من يشرك باهلل‪ ،‬فيهوي من أفق إلايمان السامق‪ ،‬إلى حيث‬
‫الفناء والانطواء‪ ،‬إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها‪ ،‬قاعدة التوحيد‪ ،‬ويفقد املستقر‬
‫آلامن الذي يثوب إليه‪ ،‬فتخطفه ألاهواء تخطف الجوارح‪ ،‬وتتقاذفه ألاوهام تقاذف الرياح‪،‬‬

‫‪ 1115‬ه ــ‪1005 ،‬م‪/1 ،‬‬ ‫(‪ )1‬أنظــر‪ :‬ال ـراز ‪ :‬فخــر الــدين محمــد بــن عمــر‪ ،‬تفســير الفخــر ال ـراز ‪ ،‬دار الفكــر‪ ،‬بيــروت‪،‬‬
‫‪.61‬‬
‫(‪ )9‬السامرائي‪ :‬د‪ .‬فاضل صالح‪ ،‬التعبير القرآ ي‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪ 1114 ،1 ،‬هـ‪1004 ،‬م‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪61‬‬
‫وهو ال يمسك بالعروة الوثقى‪ ،‬وال يستقر على القاعدة الثابتة التي تربطه بهذا الوجود الذي‬
‫يعيش فيه)(‪.)1‬‬
‫ويقول أحد الباحثين‪( :‬ثم إن صوت القاف في ﱡ ﱖ ﱠ ‪ ،‬والصوت الذي يلحقه نتيجة‬
‫القلقلة‪ ،‬يرصدان لحظة ارتطام جسم املشرك باألرض في نهاية الهوي)(‪.)9‬‬
‫رسه شأنه في القرآن الكريم‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪ - 4‬ولصوت اللفظ وج ِ‬
‫يقول سيد قطب‪( :‬وقد يستقل لفظ واحد ال عبارة كاملة برسم صورة شاخصة‪ ،...،‬تارة‬
‫بجرسه الذي يلقيه في آلاذان‪ ،‬وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال‪ ،‬وتارة بالجرس والظل‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬تسمع ألاذن كلمة ﭐﱡﱰﱠ‪ ،‬في قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬

‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱠ (التوبة‪ ،)14 :‬فيتصور الخيال ذلك الجسم‬


‫ً‬ ‫َّ‬
‫املثا ِق َل‪ ،‬يرفعه الرافعون في جهد‪ ،‬فيسقط من أيديهم في ثقل‪ ،‬إن في هذه الكلمة (ط َّنا) على‬
‫ألاقل من ألاثقال! ولو أنك قلت‪ :‬تثاقلتم‪ ،‬لخف الجرس‪ ،‬ولضاع ألاثر املنشود‪ ،‬ولتوارت‬
‫الصورة املطلوبة التي رسمها هذا اللفظ‪ ،‬واستقل برسمها‪.‬‬
‫وتقرأ‪ :‬ﱡﭐﲑ ﲒﲓﲔ ﱠ(النساء‪ ،)79 :‬فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها‪،‬‬
‫وفي جرس ﱡﭐﲔﱠ خاصة‪ ،‬وإن اللسان ليكاد يتعثر‪ ،‬وهو يتخبط فيها‪ ،‬حتى يصل ببطء إلى‬
‫آخرها‪.‬‬
‫فإذا سمعت‪ :‬ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱠ (البقرة‪ ،)06 :‬صورت لك كلمة‬
‫ﱡﱯﱠ‪ ،‬املقدمة في التعبير على الفاعل إلبرازها‪ ،‬صورة الزحزحة املعروفة كاملة‬
‫متحركة‪ ،‬من وراء هذه اللفظة املفردة‪.‬‬
‫ولنختم إلاعجاز البياني‪ ،‬ببعض الوجوه الدالة في هذا املقام‪ ،‬من وجوه كثيرة ذكرها‬
‫ً‬
‫العالمة رحمة هللا الهندي‪ ،‬مستدال بها على أن القرآن الكريم كالم هللا‪:‬‬

‫(‪ )1‬قطــب‪ :‬ســيد‪ ،‬فــي ظــالل الق ـرآن‪ ،‬دار إحيــاء الت ـراث العربــي‪ ،‬بيــروت‪ 1146 ،5 ،‬ه ــ‪1067 ،‬م‪ ،504 - 507/5 ،‬وقــد‬
‫أب ــدع س ــيد قط ــب ف ــي اكتش ــاف وتجلي ــة ه ــذا الوج ــه م ــن إعج ــاز الق ـرآن الك ــريم وه ــو م ــا س ــماه‪( :‬التص ــوير الفن ــي ف ــي‬
‫القرآن)‪ ،‬وذلك في كتاب له بهذا العنوان‪ ،‬باإلضافة إلى تفسيره املشهور (في ظالل القرآن)‪.‬‬
‫(‪ )9‬ب ــي دوم ــي‪ :‬د‪ .‬خال ــد قاس ــم‪ ،‬دالل ــة الظ ــاهرة الص ــوتية ف ــي الق ـرآن الكـ ـريم‪ ،‬ج ــدارا للكت ــاب الع ــالمي‪ ،‬عم ــان‪،1 ،‬‬
‫‪9996‬م‪ ،‬ص‪.919‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ -‬الكالم الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين‪ ،‬والباقي ال يكون كذلك‪،‬‬
‫بخالف القرآن‪ ،‬فإنه مع طوله‪ ،‬فصيح كله‪ ،‬بحيث يعجز الخلق عنه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كرر الشاعر أو الكاتب فكرة أو قصة‪ ،‬ال يكون كالمه الثاني في البالغة مثل كالمه‬
‫ألاول‪ ،‬وقد تكررت في القرآن الكريم قصص ألانبياء وأحوال املبدأ واملعاد وألاحكام والصفات‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إلالهية‪ ،‬واختلفت العبارات في ذلك إيجازا وإطنابا‪ ،‬وتفننا في بيانها غيبة وخطابا‪ ،‬ومع ذلك‬
‫جاء كل واحد منها في نهاية الفصاحة‪.‬‬
‫‪ -‬دارت مواضيع القرآن الكريم حول‪ :‬ترسيخ مبادئ العقيدة الصحيحة‪ ،‬وبيان العبادات‬
‫والتشريعات‪ ،‬وتحريم القبائح‪ ،‬والحث على مكارم ألاخالق‪ ،‬واختيار آلاخرة والعمل لها‪ ،‬وذلك‬
‫كله بأسلوب غاية في الفصاحة والبالغة والتشبيهات والتصويرات‪.‬‬
‫مع أن أمثال هذه املواضيع‪ ،‬يتعذر بيانها بأسلوب فصيح بليغ‪ ،‬يسحر ألالباب والعقول‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولذلك إذا قيل لشاعر فصيح أو كاتب بليغ‪ ،‬أن يكتب تسعا أو عشرا من مسائل الفقه أو‬
‫العقائد‪ ،‬في عبارة فصيحة مشتملة على التشبيهات البليغة والاستعارات الدقيقة‪ ،‬فإنه‬
‫يعجز(‪.)1‬‬
‫إلاعـجـ ــاز الـغ ـي ـبــي في الـقـرآن الـكـريــم‬
‫ً‬
‫أخبر القرآن الكريم عن أحداث قبل وقوعها‪ ،‬ثم حصلت الحقا كما أوردها القرآن‬
‫الكريم من غير زيادة وال نقص‪.‬‬
‫مثال ذلك إخباره الناس بأن الروم الذين هزموا أمام الفرس سيعاودون الانتصار على‬
‫ً‬
‫الفرس في بضع سنين‪ ،‬وهو ما حصل فعال كما أخبر هللا تعالى في كتابه العزيز‪.‬‬
‫ً‬
‫ذلك فضال عن إخباره عن أمور سابقة من ألامم الغابرة لم يكن يعرفها ال النبي ‪ ‬وال‬
‫قومه من قبل أن تتنزل عليه في القرآن الكريم‪.‬‬
‫ً‬
‫ويلحق بذلك أيضا إخباره عن أشياء حصلت بالسر بين اثنين ال ثالث لهما‪ ،‬بل وإخباره‬
‫عن أشياء ال زالت في صدور أصحابها ولم يبوحوا بها ٍ‬
‫ألحد قط‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪:‬‬
‫ِمن أين للنبي ‪ ‬أن يعلم بكل ذلك‪ ،‬لوال الوحي الذي تنزل عليه بالقرآن من هللا تعالى‪.‬‬
‫ّ‬
‫فهو وحده‪ ،‬سبحانه‪ ،‬الذي يعلم السر وأخفى‪ ،‬وهو عالم الغيوب‪ ،‬يعلم ما كان وما يكون وما‬

‫(‪ )1‬الهنـد ‪ :‬رحمــة هللا بــن خليــل الـرحمن‪ ،‬دظهــار الحـ ‪ ،‬دراســة وتحقيــق وتعليـق‪ :‬د‪.‬محمــد أحمــد ملكــاوي‪ ،‬دار الجيــل‪،‬‬
‫القاهرة‪1111 ،1 ،‬هـ‪1001 ،‬م‪.777 - 776/1 ،‬‬
‫‪62‬‬
‫سيكون‪ ،‬ويعلم خائنة ألانفس وما تخفي الصدور‪ ،‬وال يخفى عليه ش يء في ألارض وال في‬
‫السماء‪.‬‬
‫َ‬
‫وألامثلة على إلاعجاز الغيبي في القرآن كثيرة‪ ،‬بل ومتجددة‪ ،‬فالقرآن ال َيخلق على كثرة‬
‫الرد‪ ،‬وفي كل يوم نكتشف فيه معاني جديدة وأشياء غير معهودة‪.‬‬
‫إلاعـج ـاز الـعـلـم ــي في الـقـرآن الـكـريــم‬
‫املقصود باإلعجاز العلمي في القرآن الكريم‪ :‬إخباره بحقائق علمية‪ ،‬أتت الاكتشافات‬
‫العلمية الحديثة تؤكد صحتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والقرآن الكريم كتاب هداية للبشر وليس كتابا متخصصا في العلوم الحديثة‪ ،‬وإنما‬
‫وردت إشارات إلاعجاز العلمي فيه‪ ،‬ليتبين كل إنسان أنه تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬إذ ال‬
‫يستطيع إلاخبار عن الحقائق العلمية في الكون وإلانسان‪ ،‬وقبل أن يكتشفها إلانسان بقرون‬
‫متطاولة‪ ،‬إال الخالق سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃ ﳄ‬

‫ﳇﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﱠ (فصلت‪.)51 :‬‬


‫ﳈ‬ ‫ﳅﳆ‬
‫وإشارات إلاعجاز العلمي في القرآن الكريم كثيرة‪ ،‬نعرض نماذج منها‪:‬‬
‫‪ - 2‬دوران ألارض وكرويتها‬
‫ﳖ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝﳞ ﳟ‬
‫ﳗ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ‬

‫ﳠﳡﳢﱠ (النمل‪.)44 :‬‬


‫فارخية الكريمة تقرر ما أكده العلم الحديث‪ ،‬من أن ألارض مع كل ما يخضع لجاذبيتها‬
‫مثل الجبال والبحار وغالفها الجوي‪ ،‬تدور بسرعة‪ ،‬كما يمر السحاب‪ ،‬وذلك على خالف ما‬
‫يظهر للرائي‪ ،‬من أن ألارض ثابتة وأن السحاب هو فقط الذي يسير‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱡﭐﲲﲳﲴﲵ ﲶ ﲷﲸﲹﱠ(الزمر‪.)5 :‬‬
‫والتكوير معناه‪ :‬لف ش يء على آخر في اتجاه مستدير كروي‪ ،‬وفي هذا إشارة واضحة إلى‬
‫كروية ألارض(‪.)1‬‬
‫‪ - 0‬الحديد‬
‫يقول تعالى‪ :‬ﱡﭐﱍﱎﱏ ﱐﱑﱒ ﱓﱠ(الحديد‪.)95 :‬‬

‫(‪ )1‬علي‪ :‬محمد سامي محمد‪ ،‬إلاعجاز العلمي في القرآن الكريم‪ ،‬دار املحبة‪ ،‬دمشق‪1001 ،‬م‪ ،‬ص‪.55 - 51‬‬
‫‪63‬‬
‫ففي هذه آلاية الكريمة ّ‬
‫عبر بلفظ‪ :‬ﱡﭐ ﱍﱠ‪ ،‬وإلانزال يكون من أعلى ألسفل‪ ،‬وهذا ما‬
‫أكده العلم الحديث‪ ،‬حيث ثبت أن الحديد الذي يشكل حوالي ‪ %16‬من كتلة ألارض ليس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جزءا أصيال منها‪ ،‬وإنما رجمت ألارض بعد انفصالها عن الشمس‪ ،‬بوابل من النيازك‬
‫الحديدية‪ ،‬والحديد‪ ،‬بحكم كثافته العالية‪ ،‬تحرك معظمه إلى لب ألارض واستقر في جوفها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱏ ﱐ ﱑﱠ فيه إعجاز علمي أيضا‪ ،‬فقد ثبت علميا أن نواة ذرة الحديد‬
‫ً‬
‫هي أقوى النوى رابطة وتماسكا‪ ،‬حيث ال توجد ذرة أو نواة في شدة تماسكها‪ ،‬وتحتاج نواة‬
‫الحديد إلى طاقة ه ائلة لتفتيتها أو إلاضافة إليها‪ ،‬ولذلك فإن الحديد هو عصب الصناعات‬
‫الثقيلة في حياة إلانسان(‪.)1‬‬
‫أت ـ َّـأمــل‪ :‬رقم سورة الحديد في ترتيب سور القرآن‪ :‬سبعة‬
‫وخمسون‪ ،‬وهو الوزن الذري ذاته‪ ،‬ألحد نظائر الحديد!‬
‫‪ - 3‬الجبال‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﱔﱕﱖ ﱗﱘ ﱙﱚﱠ (النبأ‪.)7 - 6 :‬‬
‫فقد وصفت آلاية الكريمة‪ ،‬وقبل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة‪ ،‬الجبال بأنها‪:‬‬
‫ﱡﱚﱠ‪ ،‬وهي لفظة واحدة‪ ،‬ولكنها معجزة‪ ،‬إذ الوتد يدفن أغلبه في ألارض‪ ،‬وأقله يظهر على‬
‫السطح‪ ،‬ووظيفته التثبيت‪ ،‬وهي طبيعة ووظيفة الجبال كما كشف عنها العلم الحديث‪.‬‬
‫فقد كشف العلم أن كل نتوء على ألارض فوق مستوى سطح البحر‪ ،‬له امتداد داخل‬
‫الغالف الصخري لألرض‪ ،‬بأضعاف طوله الخارجي‪.‬‬
‫والجبال لها جذور عميقة تخترق الغالف الصخري لألرض بالكامل‪ ،‬وتصل إلى نطاق‬
‫الضعف ألارض ي شبه املنصهر‪ ،‬وهو ما ي َث ّبت ألار َ‬
‫ض‪ ،‬ويجعلها متزنة(‪.)9‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫‪ - 4‬خل السماوات وألارض‬
‫بدقة وإعجاز‪ ،‬مراحل خلق‬
‫قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة‪ ،‬لخص لنا القرآن الكريم ِ‬
‫السماوات وألارض‪ ،‬وإفنائهما‪ ،‬وإعادة خلقهما من جديد‪ ،‬في خمس آيات من القرآن الكريم‪،‬‬

‫(‪ )1‬النج ــار‪ :‬د‪ .‬زغلـ ــول راغ ــب‪ ،‬ألارض فـ ــي القـ ـرآن الكـ ـريم‪ ،‬دار املعرف ــة‪ ،‬بيـ ــروت‪ 1197 ،9 ،‬هـ ــ‪9996 ،‬م‪ ،‬ص ‪- 111‬‬
‫‪ ،119‬العبيــد ‪ :‬د‪ .‬خالــد فــائق‪ ،‬تفصــيل النحــاس والحديــد فــي الكتــا املجيــد‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بيــروت‪،1 ،‬‬
‫‪1196‬ه ــ‪9995 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،945 - 147‬وفــي قولــه تعــالى‪( :‬ﭢ ﭣ) إعجــاز عجيــب‪ ،‬يمكنــك أن تراجــع أبعــاده املذهلــة فــي‬
‫املرجعين املذكورين‪.‬‬
‫(‪ )9‬النجار‪ :‬د‪ .‬زغلول راغب‪ ،‬ألارض في القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.915 - 919‬‬
‫‪64‬‬
‫وعلى وفق أحدث تفسير وصلت إليه نظريات علم الفلك والفيزياء في العصر الحديث‪ ،‬ونتناول‬
‫هذه آلايات الكريمات‪:‬‬
‫أت ـنـبـه‪ :‬نحن ال نجزم بتفسير القرآن وفق النظريات العلمية‪،‬‬
‫إلمكان عدم صحة تلك النظريات‪ ،‬فتبقى من باب الاحتمال ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬أما الحقائق الثابتة قطعا ويقينا‪ ،‬فتصلح‬
‫لالستدالل بها‪.‬‬
‫ﲌﲎ ﲏ‬
‫ﲍ‬ ‫‪ -‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲓﲕ ﲖﱠ(ألانبياء‪.)19 :‬‬


‫ﲐﲑﲒ ﲔ‬
‫تشير هذه آلاية بوضوح تام‪ ،‬وقبل أن يكتشف ذلك أي عالم‪ ،‬إلى أن السماوات وألارض‬
‫ً‬
‫كانتا ملتحمتين معا‪ ،‬ثم فتقهما هللا تعالى‪.‬‬
‫والنظرية الحديثة في نشوء الكون‪ ،‬تقرر‪ :‬أن كل صور املادة والطاقة كانت تلتقي في‬
‫نقطة واحدة‪ ،‬هي جرم ابتدائي أولي‪ ،‬ذو حجم ال نهاية له في الصغر‪ ،‬ثم حدث لهذا الجرم‬
‫انفجار عظيم‪ ،‬بسبب تغلب قوى الدفع للخارج على قوى الجذب للداخل‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫اليوم باالنفجار الكوني الكبير‪.‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬
‫ﲾﲿﱠ(فصلت‪.)11 :‬‬
‫تقول النظريات العلمية‪ :‬إنه عند انفجار ذلك "الجرم الابتدائي"‪ ،‬نتج عن ذلك ما يعرف‬
‫بسحابة الدخان الكوني‪ ،‬وانتقلت حرارة الجرم الهائلة إلى ذلك الدخان‪ ،‬مما أدى إلى عدد من‬
‫التفاعالت النووية‪ ،‬تكونت منها العناصر ألاولية كالهيدروجين والهيليوم‪ .‬ثم تكدس ذلك‬
‫الدخان بسبب التبرد املستمر له‪ ،‬على هيئة سدم كونية هائلة‪ ،‬تكونت منها الكواكب والنجوم‪.‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﲿﳀﳁﳂ ﳃﱠ(الذاريات‪.)17 :‬‬
‫تشير النظريات العلمية الحديثة إلى‪ :‬أن الكون‪ ،‬ومنذ لحظة انفجاره وحتى يومنا هذا‪ ،‬هو‬
‫في توسع مستمر‪ ،‬وأن املجرات تتحرك بسرعات فائقة‪ ،‬متباعدة بعضها عن بعض وعن‬
‫مجرتنا‪.‬‬
‫ﱣﱥ‬
‫ﱤ‬ ‫ﱝﱟ ﱠﱡﱢ‬
‫ﱞ‬ ‫‪ -‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬
‫ﱦﱨﱩﱪ ﱠ(ألانبياء‪.)191 :‬‬
‫ﱧ‬

‫‪65‬‬
‫تتحدث آلاية هنا عن طي الكون وإعادة الخلق كما بدأ‪ ،‬وتشير النظريات العلمية‬
‫الحديثة إلى أن قوة الدفع إلى الخارج التي أحدثت الانفجار الكوني املذكور‪ ،‬هي في تباطؤ‬
‫مستمر‪ ،‬وفي مرحلة معينة‪ ،‬ستتغلب قوى الجذب إلى الداخل على قوى الدفع إلى الخارج‪،‬‬
‫وهو ما سيؤدي إلى توقف هذا التوسع‪ ،‬وعودة الوضع إلى حاله ألاولى قبل الانفجار‪ ،‬كي‬
‫يتكدس الكون مرة أخرى في جرم واحد‪ ،‬كهيئة الجرم الابتدائي ألاول‪ ،‬وهو ما يسميه‬
‫الفلكيون بمرحلة الانسحاق الشديد‪.‬‬
‫ﲖ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﱠ (إبراهيم‪:‬‬
‫ﲗ‬ ‫ﱡﭐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫‪ -‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪.)14‬‬
‫وهنا يخبر القرآن الكريم‪ :‬أنه سوف تتكرر عملية الخلق‪ ،‬لتكوين أرض غير أرضنا‪ ،‬وسماء‬
‫غير سمائنا‪ ،‬لتبدأ حياة أخرى‪ ،‬هي حياة الدار آلاخرة‪ .‬وقد يكون ذلك بانفجار كوني جديد‪ ،‬أو‬
‫بأي طريق من عجائب خلقه سبحانه وقدرته(‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬العنكبوت‬
‫ﱺ‬ ‫ﱹ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵﱶﱷ ﱸ‬
‫ﱿ ﲁﲂﲃﱠ(العنكبوت‪.)11 :‬‬
‫ﲀ‬ ‫ﱻﱼ ﱽﱾ‬
‫ففي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱸﱠ‪ ،‬إشارة إلى ما توصل إليه العلم‪ ،‬من أن الذي يبني البيت‬
‫هو أنثى العنكبوت وليس الذكر‪ ،‬فاألنثى هي التي تحمل في جسدها غدد إفراز املادة الحريرية‬
‫التي ينسج منها بيت العنكبوت‪.‬‬
‫وقوله تعالى ﱡ ﱼ ﱽﱠ‪ ،‬إشارة إلى أن بيت العنكبوت أضعف البيوت من‬
‫الناحية املادية واملعنوية‪ ،‬فهو من الناحية املادية‪ ،‬ال يقي ساكنه حرارة شمس‪ ،‬وال زمهرير‬
‫برد‪ ،‬وال مطر شتاء‪ ،‬وال عصف ريح‪ ،‬وال مهاجمة عدو‪ .‬ومن الناحية املعنوية‪ ،‬وجد العلماء‬

‫(‪ )1‬النجــار‪ :‬د‪ .‬زغلــول راغــب‪ ،‬الســماء فــي الق ـرآن الك ـريم‪ ،‬دار املعرفــة‪ ،‬بيــروت‪ 1195 ،1 ،‬ه ــ‪9991 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 49‬ومــا‬
‫بعدها‪ ،‬وأنظر أمثلة أخرى مذهلة في املرجع املذكور‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫أن الرابطة ألاسرية في هذا البيت أوهى ما تكون‪ ،‬وتنقصها املودة والرحمة والعطف‪ ،‬فاألنثى‬
‫ً‬
‫تفترس زوجها بعد التلقيح‪ ،‬كما أنها تأكل أوالدها بعد الفقس‪ ،‬وألاوالد يأكل بعضهم بعضا(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫أتامل‪ :‬ي ُّ‬
‫عد الخيط من حرير العنكبوت‪ ،‬واحدا من أقوى املواد املوجودة‬
‫في ألارض‪ ،‬وله قدرة هائلة على تحمل الشد‪ ،‬ويفوق في قوته ثالث مرات‪،‬‬
‫قوة املادة التي تصنع منها السترة الواقية من الرصاص‪ ،‬ولذلك قال تعالى‪:‬‬
‫ﱡﱼﱽﱠ‪ ،‬ولم يقل‪( :‬أوهن الخيو )‪ ،‬فتأمل!(‪.)9‬‬

‫ثم إن التعقيب بعبارة ﱡﭐﲁ ﲂ ﲃﱠ ‪ ،‬إشارة إلى الحقائق العلمية التي‬


‫تضمنتها آلاية الكريمة‪ ،‬والتي لم يكشف عنها إال العلم الحديث‪.‬‬
‫‪ - 6‬الذبا‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱇ‬
‫ﱆﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎ‬

‫ﱓ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ‬
‫ﱏﱐﱑﱒ ﱔ‬

‫ﱟﱠ(الحج‪.)71 :‬‬
‫وقد تضمنت آلاية الكريمة إشارات علمية عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ما تضمنه قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ‪ ،‬فالسلب هو‪ :‬الاختالس‪،‬‬
‫ً‬
‫والذباب يختلس ما يأخذه اختالسا‪ ،‬على وجه القهر‪ .‬فقد كشف العلم الحديث‪ ،‬أن حركات‬
‫الذبابة على درجة كبيرة من التعقيد‪ ،‬تمكنها من هذا السلب‪ .‬فالذبابة لها قدرة على إلاقالع‬
‫ً‬
‫عموديا مع القدرة على املناورة بالحركات ألامامية والخلفية والجانبية بسرعة فائقة‪ .‬ويساعد‬
‫الذبابة على هذا طبيعة أجنحتها وعضالتها وما تحمله من شعيرات توجه ألاجنحة في الاتجاه‬
‫ً‬
‫الصحيح‪ .‬ويعين الذبابة في ذلك أيضا عينان ال يزيد حجم الواحدة منهما على نصف املليمتر‬
‫املكعب‪ ،‬وتتكون كل عين منهما من ستة آالف عين سداسية‪ ،‬لها القدرة على الرؤية في جميع‬
‫الاتجاهات‪ ،‬ومجموع الخيو العصبية في العين الواحدة يقدر بـ ‪ 14‬ألف خيط عصبي‪،‬‬

‫(‪ )1‬النج ــار‪ :‬د‪ .‬زغل ــول راغ ــب‪ ،‬الحي ــوان ف ــي القـ ـرآن الكـ ـريم‪ ،‬مرج ــع س ــابق‪ ،‬ص ‪ ،111 - 119‬الل ــوح‪ :‬د‪ .‬عب ــد الس ــالم‬
‫حمـ ــدان‪ ،‬إلاعجـ ــاز العلمـ ــي فـ ــي الق ـ ـرآن الك ـ ـريم‪ ،‬آفـ ــاق للطباعـ ــة والنشـ ــر والتوزيـ ــع‪ ،‬غـ ــزة‪ ،‬فلسـ ــطين‪1191 ،9 ،‬هـ ــ‪،‬‬
‫‪9999‬م‪ ،‬ص ‪.100 - 107‬‬
‫(‪ )9‬النجار‪ :‬د‪ .‬زغلول راغب‪ ،‬الحيوان في القرآن الكريم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪ 1197 ،1 ،‬هـ‪9996 ،‬م‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪67‬‬
‫يمكنها معالجة أكثر من مائة صورة في الثانية‪ ،‬باإلضافة إلى مليون خلية عصبية متخصصة‬
‫بالتحكم في حركة الذبابة‪.‬‬
‫ﱛﱠ‪ ،‬ففي ذلك إشارة إلى ما توصل إليه‬
‫الثانية‪ :‬ما تضمنه قوله تعالى‪ :‬ﱡﱙﱚ ﱜ‬
‫العلم الحديث‪ ،‬من أن الذبابة تقوم بامتصاص الشراب والطعام بسرعة فائقة‪ ،‬وذلك بإفراز‬
‫عدد من ألانزيمات والعصائر الهاضمة‪ ،‬القادرة على هضمه وإرساله إلى جهازها الدوري‪ ،‬ثم‬
‫معدودة‪ ،‬وبذلك ال يمكن استرجاعه منها(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫ثوان‬
‫إلى مختلف خاليا جسمها‪ ،‬في ٍ‬

‫(‪ )1‬النجار‪ :‬د‪ .‬زغلول راغب‪ ،‬الحيوان في القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.169 - 156‬‬
‫‪68‬‬
‫السـ ـنـة النـبــويـة‬
‫(إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد‪ ،‬هذا‬
‫النبي الذي لو تولى أمر العالم اليوم‪ ،‬لوفق في حل مشكالتنا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بما ِّ‬
‫يؤمن السالمة والسعادة التي يرنو إليها العالم)‪.‬‬
‫الفيلسوف إلانجليزي جورج برناردشو‬

‫تأتي السنة النبوية في املرتبة الثانية بعد القرآن الكريم من حيث أهميتها وأثرها‪ ،‬فقد‬
‫كان النبي ‪ ‬رحمة للعاملين‪ ،‬ودعا إلى كل خير وحق وإلى العدل واملساواة وألاخوة بين الناس‪،‬‬
‫ً‬
‫وكانت حياته وسيرته مثاال يحتذى في ألاخالق وفي السلوك السوي املستقيم‪.‬‬

‫تـعريـف الس ـنـة النـبـويـة‬


‫السنة ‪ -‬في اللغة ‪ -‬هي‪ :‬الطريقة والسيرة(‪ ،)1‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲟﲡ ﲢﲣﲤ ﲥﱠ(ألاحزاب‪.)14 :‬‬


‫ﲗﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝﲞ ﲠ‬
‫ﲖ ﲘ‬
‫صح عن النبي ‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير(‪.)9‬‬ ‫والسنة في الاصطالح‪ :‬ما َّ‬
‫َ َ َْ َ ْ َ َ َْ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬ ‫َّ َّ َ ْ َ َ َّ‬
‫اصن ْع‬‫اس ِم ْم كال ِم الن ُب َّو ِة ألاولى ِدذا لم تست ِح ف‬
‫الن ُ‬ ‫مثال القول حديث‪(ِ :‬دن ِمما أدرك‬
‫ْ َ‬
‫َما ِشئت)(‪ .)1‬ومثال الفعل‪ :‬كيفية صالته وحجه ‪ .‬ومثال التقرير‪ :‬أنه ‪ ‬رأى الحبشة‬
‫يلعبون في املسجد بحرابهم‪ ،‬فلم يعنفهم‪ ،‬فهو إقرار منه ‪ ‬لفعلهم (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ابــم فــارس‪ :‬أحمــد بــن فــارس ب ــن زكريــا ت ‪ 105‬ه ــ‪ ،‬معجــم مقــاييس اللغ ــة‪ ،‬تحقيــق وضــبط‪ :‬عبــد الســالم محم ــد‬
‫هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.61 - 69 /1 ،‬‬
‫(‪ )9‬هذا تعريف ألاصوليين للسـنة‪ ،‬ويضـيف املحـدثون فـي آخـره‪( :‬أو صـفة)‪ ،‬أنظـر‪ :‬عتـر‪ :‬د‪ .‬نـور الـدين‪ ،‬مـنج النقـد فـي‬
‫علوم الحديث‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ 1191 ،1 ،‬هـ‪9991 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 97‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب ألادب‪ ،‬باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت حديث رقم‪ ،5760 :‬ج‪ ،5‬ص‪.9964‬‬
‫َ‬
‫ًَْ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ‬
‫(‪ )1‬أصــل القصــة عنــد البخــاري عــن عاشــة رضـ ي هللا تعــالى عنهــا أنهــا قالــت‪( :‬ل َقــد رأيــت رســول اللـ ِـه ‪ ‬يومــا علــى بــا ِ‬
‫ْ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ ْ‬
‫ُح ْج َ ِرت ــي َوال َح َ ش ــة َيل َع ُب ــون ِف ــي امل ْس ـ ِـج ِد َو َر ُس ــو ُل الل ـ ِـه ‪َ ‬ي ْس ــت ُ ِر ي ِب ِر َدا ِئ ـ ِـه أنظ ـ ُـر ِدل ــى ل ِعـ ـ ِ ِه ْم)‪ ،‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب‬
‫أبواب املسجد‪ ،‬باب أصحاب الحراب في املسجد‪ ،‬حديث رقم‪ ،111 :‬ج‪ ،1‬ص‪.171‬‬
‫‪69‬‬
‫أهمية الســنة النـبـويـة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تشكل السنة النبوية مصدرا أساسيا وشامال للمعرفة‪ ،‬وذلك بما حوته من أحكام‬
‫ً‬
‫وتوجيهات في شتى ضروب الحياة وأبواب املعرفة وجوانب الحضارة فضال عن جوانب الغيب‬
‫والعقيدة‪ .‬فهي شاملة بشمول هذا الدين العظيم(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫والسنة النبوية ملزمة لكل مسلم‪ ،‬وال يجوز ألحد أن يدعي الاستغناء عنها‪ ،‬زاعما أن‬
‫القرآن الكريم قد بين كل ش يء فيجب الاقتصار عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫ذلك أن السنة النبوية‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬ليست اختراعا من عند النبي ‪ ،‬وإنما هي وحي من‬
‫هللا تعالى ولكن باملعنى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﱋﱌ ﱍ ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱠ(النجم‪.)1 - 1 :‬‬

‫والقرآن الكريم نفسه ألزم املسلمين ألاخذ بها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬

‫ﲔ ﲕﲖﲗﱠ (الحشر‪.)7 :‬‬


‫ومن الناحية العملية‪ ،‬فإن من يزعم الاستغناء عن السنة النبوية‪ ،‬ال يستطيع القيام‬
‫بك ثير من فرائض إلاسالم وشعائره التي أمر بها القرآن الكريم نفسه‪ ،‬ذلك أن القرآن الكريم‬
‫ً‬
‫جاء بأصول الشريعة وقواعدها العامة‪ ،‬تاركا للسنة أن تبين ذلك وتشرحه وتفصله‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙﱚﱛ ﱜﱠ(النحل‪.)11 :‬‬
‫ً‬
‫مثال‪ :‬أمر القرآن الكريم بإقامة الصالة‪ ،‬ولم يبين عدد الصلوات املطلوبة وهيئاتها‬
‫وركعاتها وما يقرأ فيها‪ ،‬وكذلك فرض القرآن الكريم الحج والزكاة والصيام‪ ،‬فجاءت السنة‬
‫النبوية لتبين أحكام ذلك كله بالتفصيل‪.‬‬
‫ً‬
‫أت ـ ــأمــل‪ :‬قال رجل للصحابي عمران بن حصين ‪ ،‬وكان جالسا مع أصحابه‪:‬‬
‫(ال تحدثونا إال بالقرآن‪ ،‬فقال له عمران‪ :‬أدنه‪ ،‬فدنا‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيت لو و ِكلت‬
‫ً‬
‫أنت وأصحابك إلى القرآن‪ ،‬أكنت تجد فيه صالة الظهر أربعا‪ ،‬وصالة العصر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أربعا‪ ،‬واملغرب ثالثا تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو و ِكلت أنت وأصحابك إلى القرآن‪،‬‬
‫ً‬
‫أكنت تجد الطواف في البيت سبعا‪ ،‬والطواف بالصفا واملروة؟ ثم قال‪ :‬أي‬
‫َ ُّ‬
‫عنا‪ ،‬فإنكم وهللا إال تفعلوا ل َت ِضل َّن(‪.)9‬‬
‫قوم‪ ،‬خذوا ّ‬

‫ً‬
‫(‪ )1‬القرضاو ‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬السنة مصدرا للمعرفة والحضارة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪9994 ،5 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )9‬أخرجــه البغــداد ‪ :‬الخطيــب أحمــد بــن علــي‪ ،‬الكفايــة فــي علــم الروايــة‪ ،‬تعليــق‪ :‬الشــيخ زكريــا عمي ـرات‪ ،‬دار الكتــب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪1197 ،1 ،‬هـ‪9996 ،‬م‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪71‬‬
‫عناية املسلمين بحفظ السنة النبوية‬
‫انصرف علماء جهابذة‪ ،‬من الصحابة ‪ ‬ومن بعدهم‪ ،‬إلى العناية بالسنة النبوية‪،‬‬
‫وكرسوا حياتهم لحفظها وجمعها وتدارسها وتعلمها وتعليمها وتناقلها والعمل بها وتدوينها‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬
‫تواترت القصص التي تظهر مدى شدة اهتمامهم بالسنة النبوية وبحفظها‪ ،‬حتى قطعوا‬
‫املسافات الطويلة وعانوا املشقات الكبيرة‪ ،‬في سبيل سماع الحديث الواحد منها‪.‬‬
‫صار في َب ي ُأ َم َّي َة ْبم َزْيد َوه َي ممْ‬ ‫ْ َْ‬
‫ألا ْن َ‬ ‫جاء عن عمر ‪ ‬أنه قال‪ُ ( :‬ك ْن ُت َأ َنا َو َج ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ار‬
‫الله ‪َ ‬ي ْنز ُل َي ْو ًما َو َأ ْنز ُل َي ْو ًما َفإ َذا َن َزْل ُت ج ْئ ُتهُ‬ ‫َّ‬ ‫الن ُز َ َ َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول على َرسو ِل ِ‬ ‫عوا ِلي امل ِدين ِة وكنا نتناو‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِبخ َب ِر ذ ِل َك ال َي ْو ِم ِم ْم ال َو ْح ِي َوغ ْي ِر ِه َو ِدذا ن َز َل ف َع َل ِمث َل ذ ِل َك)(‪.)1‬‬
‫ورحل جابر بن عبد هللا ‪ ،‬مسيرة شهر في طلب حديث‪ ،‬يقول عن نفسه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫ََ َ َ ٌ َ‬
‫هللا ‪ ،‬فاشت َرْيت َب ِعيرا ث َّم شد ْدت َر ْح ِلي‬ ‫ُ‬
‫(بلغ ِ ي ح ِديث عم َرج ٍل س ِمعه ِمم َرسو ِل ِ‬
‫َُْ ُ‬
‫س‪ ،‬فقلت لل َب َّوا ِ ‪:‬‬ ‫َُْ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ ْ َ ً َّ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ََ‬
‫هللا بم أني ٍُ‬ ‫عل ِيه‪ ،‬ف ِس ْرت ِدلي ِه ش ْهرا‪ ،‬حتى ق ِدمت عل ِيه الشام‪ ،‬ف ِإذا عبد ِ‬
‫ُْ ُ َ َ ٌ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َََْ‬ ‫ُ‬ ‫البا ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ُق ْل ّل ُه َجاب ٌر َع َلى َ‬
‫اعتنق ِ ي‬ ‫هللا؟ قلت‪ :‬عم‪ ،‬فخرج يطأ ثوبه ف‬ ‫عبد ِ‬ ‫ال‪ :‬ابم ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ِ َ ُ ْ ُ َ ًِ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫اص‪ ،‬فخ ِشيت‬ ‫القص ِ‬ ‫هللا ‪ِ ‬في ِ‬ ‫واعتنقته‪ ،‬فقلت‪ :‬ح ِديثا بلغ ِ ي عنك أنك س ِمعته ِمم رسو ِل ِ‬
‫َْ َ َ َ َ َ َْ َ‬
‫أن تموت أو أ ُموت ق ْب َل أن أ ْس َم َع ُه‪.)9()...‬‬
‫دواعي حـفـظ الســنة النبـويــة‬
‫َه َّيأ هللا تعالى دواعي العناية بالسنة النبوية وحفظها لدى املسلمين في كل عصر‪ ،‬ومن‬
‫أهم تلك الدواعي‪:‬‬
‫‪ -‬املكانة العظيمة التي تبوأها النبي ‪ ‬في نفوس املسلمين في كل العصور‪.‬‬
‫‪ -‬حث القرآن الكريم املتكرر على طاع النبي ‪ ‬والاقتداء بسنته‪.‬‬
‫‪ -‬حاجة املسلمين للسنة للعمل بها‪ ،‬واستنبا أحكام املستجدات منها‪.‬‬
‫‪ -‬القدرة الكبيرة التي كان يتميز بها العرب على الحفظ عن ظهر قلب(‪.)1‬‬
‫ً ّ‬
‫أفكر‪ :‬كان العرب حين البعثة ّأمة ِّأم َّية‪ ،‬ال تقرأ وال تكتب‪،‬‬
‫فهل أثر ِّ‬
‫ألام َّي ِة على قوة الذاكرة‪ ،‬أثر إيجابي أم سلبي؟‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب التناوب في العلم‪ ،‬حديث رقم‪ ،40 :‬ج‪ ،1‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )9‬رواه ابم حنبل‪ :‬أحمد بن محمد‪ ،‬مسند إلامام أحمد بم حنبل‪ ،‬ألاحاديث مذيلـة بأحكـام شـعيب ألارنـؤو عليهـا‪،‬‬
‫مؤسســة قرطبــة‪ ،‬القــاهرة‪ ،‬مســند املكيــين‪ ،‬حــديث عبــد هللا بــن أنــيس رض ـ ي هللا عنــه‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،16945 :‬قــال‬
‫شعيب ألارنؤو ‪ :‬دسناده حسم‪ ،‬وسيشار إلى هذا املرجع فيما بعد هكذا‪ :‬رواه أحمد‪.‬‬
‫(‪ )1‬عتر‪ :‬د‪ .‬نور الدين‪ ،‬منج النقد في علوم الحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10 - 17‬‬
‫‪71‬‬
‫منج علماء املسلمين في التث ّ ت مم املنقول عم النبي ‪‬‬
‫ً‬
‫حكما ل ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫لتثبت من املنقوالت املنسوبة إلى النبي ‪،‬‬ ‫علميا م‬ ‫وضع علماء املسلمين منهجا‬
‫يقوم على قواعد علمية دقيقة‪ ،‬وهو منهج فريد وجديد في التثبت من الروايات املنقولة‪ ،‬لم‬
‫يسبق املسلمون إلى مثله‪.‬‬
‫ويتعلق هذا املنهج بناحيتين‪ :‬سند الحديث الشريف‪ ،‬ومتنه‪:‬‬
‫أتعلم‪ :‬السند هو‪ :‬سلسلة الرواة الذين رووا الحديث‬
‫الشريف‪ ،‬واملتن هو‪ :‬نص الحديث الشريف كما صدر عن‬
‫النبي ‪.)1(‬‬
‫مـنـهـج نـقـد سـند الحـديـث الشريف‬
‫وضع العلماء قواعد علمية للتثبت من صدق كل راو فيما يرويه‪ ،‬فيما يعرف بـ(عدالة‬
‫الراوي)‪ ،‬والتي يمكن التعبير عنها بلغة العصر بـ(ألامانة العلمية)‪ ،‬وكذا التأكد من صحة‬
‫سماع الرواة بعضهم من بعض‪ ،‬ومدى قوة حفظهم وضبطهم ملا ينقلوه‪ ،‬ويمكن التعبير عن‬
‫ذلك بلغة العصر بمصطلح (الكفاءة العلمية)‪.‬‬
‫وقد بلغ من عناية علماء املسلمين ودقتهم في نقد السند‪ ،‬أنهم كانوا يرفضون رواية من‬
‫َ‬
‫عرف بالتقوى والصالح‪ ،‬إذا كان في ضبطه وحفظه ضعف‪ ،‬يقول إلامام يحيى بن سعيد‬
‫القطان‪( :‬آتمن الرجل على مائة ألف‪ ،‬وال آتمنه على حديث)‪ ،‬ويقول إلامام مالك‪( :‬ال يؤخذ‬
‫العلم من‪ ،...،‬رجل له فضل وصالح وعبادة‪ ،‬ال يعرف ما يحدث) (‪.)9‬‬
‫وترجع بدايات هذا املنهج إلى عهد الصحابة ‪ ،‬فقد كان أبو بكر وعمر رض ي هللا عنهما‪،‬‬
‫يشترطان ‪ -‬في بعض ألاحيان ‪ -‬أن يأتي الراوي من الصحابة بر ٍاو آخر يشهد معه أنه سمع ما‬
‫سمعه من النبي ‪ ،‬وكان علي رض ي هللا عنه يستحلف الراوي من الصحابة أن ما يرويه قد‬
‫سمعه من النبي ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقد ّ‬
‫طور العلماء بعد الصحابة ‪ ‬هذا املنهج‪ ،‬ووضعوا علوما للتثبت من الرواية‬
‫السماعية‪ ،‬لم توجد عند غيرهم من ألامم‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫(‪ )1‬الصباغ‪ :‬محمد بن لطفي‪ ،‬الحديث النبو ‪ ،‬مصطلحه‪ ،‬بالغته‪ ،‬كتبه‪ ،‬املكتب إلاسـالمي‪ ،‬بيـروت‪1111 ،6 ،‬هــ‪،‬‬
‫‪1009‬م‪ ،‬ص ‪.197 - 196‬‬
‫(‪ )9‬البغداد ‪ :‬الخطيب‪ ،‬الكفاية في علم الرواية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.117 - 116‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ -‬علم مصطلح الحديث الشريف‪ ،‬وهو‪( :‬العلم بقواعد يعرف بها أحوال السند واملتن‬
‫من حيث القبول أو الرد)‪ .‬ومن أهم مقررات هذا العلم‪ :‬وضع قواعد تحدد شرو الحديث‬
‫الصحيح ومراتبه‪ ،‬وقواعد تحدد مراتب الحديث الضعيف‪ ،‬ومتى يتقوى بغيره ومتى ال يتقوى‪.‬‬
‫‪ -‬علم الجرح والتعديل‪ ،‬وهو‪( :‬العلم الذي يبحث ويبين بالتفصيل أحوال كل ر ٍاو من‬
‫رواة الحديث الشريف‪ ،‬من حيث قوة الحفظ والضبط والعدالة الدينية)‪ ،‬وكان من ثمرات‬
‫هذا العلم تصنيف الرواة إلى مراتب‪ ،‬فهناك الثقات‪ ،‬وهناك الضعفاء‪ ،‬وهناك مراتب‬
‫متفاوتة بين ذلك‪ ،‬وهناك الوضاعون(‪.)1‬‬

‫مـنـهـج نـقـد متـم الحـديـث الشريف‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وضع العلماء قواعد علمية للتثبت من صحة معنى الحديث شرعا وعقال‪.‬‬
‫ً‬
‫وترجع بدايات هذا املنهج أيضا إلى الصحابة ‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ‬
‫وج َها طلق َها ثالثا‪ ،‬فل ْم َي ْج َع ْل ل َها َرسو ُل ال ِله ‪ُ ‬سك ى َوال‬ ‫عن فاطمة بنت قيس‪( :‬أن ز‬
‫َ ْ ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ّ َ ُ َّ َ‬ ‫ألاسو ُد ُ‬ ‫َن َف َق ًة‪َ ،...‬ق َ‬
‫بم َي ِز ٍيد‪ :‬قال عمر‪ :‬ال نترك ِكتا ال ِله وسنة ن ِب ِينا ‪ِ ‬لقو ِل امرأ ٍة‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫ال‬
‫الن َف َق َة‪َ ،‬ق َ ّ ُ َ َّ َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َّ‬
‫ال الله عز َوج َّل‪ :‬ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ‬ ‫ند ِر لعلها ح ِفظت أو ِسيت‪ ،‬لها السك ى و‬
‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱠ(الطالق‪.)9())1 :‬‬
‫وقد ّ‬
‫طور العلماء بعد الصحابة ‪ ‬هذا املنهج‪ ،‬ووضعوا قواعد علمية دقيقة للتثبت من‬
‫صحة معنى الحديث الشريف‪ ،‬منها‪ :‬عدم مناقضة القرآن الكريم‪ ،‬أو ألاصول العامة للدين‪،‬‬
‫أو معطيات العقل واملنطق السليم‪ ،‬أو حقائق التاريخ الثابتة‪ ،‬حتى إذا خالف متن الحديث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شيئا من ذلك‪ ،‬رده العلماء‪ ،‬واتخذوا هذه املناقضة دليال على أنه ال يمكن أن يصدر من النبي‬
‫‪ ،‬وإن ورد بسند صحيح‪ ،‬مما يؤكد احتمال وهم بعض الرواة أو خطئهم‪.‬‬
‫ووما تجدر إلاشارة إليه هنا أن تعارض الحديث مع القرآن أو الحقائق الثابتة ال يحكم به‬
‫ملجرد التعارض الظاهري‪ ،‬ألنه ألافهام قد تختلف؛ فقد يغيب الفهم الصحيح للحديث عن‬

‫(‪ )1‬عتر‪ :‬د‪ .‬نور الدين‪ ،‬منج النقد في علوم الحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.01 - 09 ،11 - 19‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم‪ :‬مسلم بن الحجاج‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬محمد فؤاد عبد البـاقي‪ ،‬دار إحيـاء التـراث العربـي‪،‬‬
‫بيــروت‪ ،‬كتــاب الطــالق‪ ،‬بــاب املطلقــة ثالثــا ال نفقــة لهــا‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،1149 :‬ج‪ ،9‬ص‪ ،1111‬وسيشــار إلــى هــذا املرجــع‬
‫ً‬
‫فيما بعد اختصارا هكذا‪ :‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫ذهن املسلم‪ ،‬وهنا يجب عليه أن يستفرغ وسعه في فهم الحديث وسؤال أهل العلم‪ ،‬حتى ال‬
‫يقع في معضلة رد السنة جزافا دون أدنى علم‪.‬‬
‫أتأمل‪ :‬عندما يعجز إنسان عن فهم مسألة في الرياضيات أو في‬
‫علم البالغة فإنه يتهم عقله وفهمه ثم يحاول فهمها بإعادة‬
‫التأمل وسؤال أهل الاختصاص‪.‬‬
‫ولك ن العجيب أن هذا املنهج ال يعمل به كثير من الناس في فهم‬
‫الحديث النبوي‪ ،‬فتراهم يسارعون إلى رد الحديث والحكم‬
‫بخطئه ملجرد أنهم عجزوا عن فهمه! أوال يعد هذا تناقضا‬
‫منهجيا عجيبا؟!‬
‫ً‬
‫تدويم السنة النبوية مميزا فيها الصحيح مم غيره‬
‫بدأ تدوين السنة مبكرا في عهد النبي ‪ ‬إال أن ذلك لم يكن بصورة رسمية عامة‪ ،‬وإنما‬
‫كان بصورة فردية‪ ،‬كصحيفة عبد هللا بن عمرو بن العاص(‪ )1‬وغيره من الصحابة ثم من‬
‫بعدهم من التابعين وأتباعهم(‪.)9‬‬
‫ثم ت ّ ِو َج ذلك بحركة تدوين رسمية واسعة وشاملة‪ ،‬بدأت في بداية القرن الججر الثا ي‬
‫بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز‪ ،‬حيث دونت أحاديث النبي ‪ ‬في دواوين كبيرة دون‬
‫ترتيب معين‪ ،‬أي إن من دونها هم التابعون الذين أخذوها عن الصحابة رض ي هللا عنهم‪ ،‬وكان‬
‫دور من بعدهم من العلماء هو الترتيب والتصنيف والدراسة لهذه املرويات املكتوبة‪،‬‬
‫واملنقولة سماعا‪ .‬حيث تطورت حركة التدوين لتصنيف ما دون وفق أكثر من طريقة؛ وكان‬
‫القرن الثالث الهجري هو العصر الذهبي في تصنيف الحديث النبوي‪ ،‬حيث قام العلماء‬
‫بتدوين كل ما ورد عن النبي ‪ ،‬مميزين في ذلك‪ ،‬وعلى أساس املنهج العلمي الذي وضعوه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بين الصحيح والضعيف واملوضوع‪ ،‬وقد أبدعوا في ذلك تصنيفا وترتيبا‪.‬‬
‫فم َن العلماء َمن رتب ألاحاديث الشريفة حسب اسم من يرويها من الصحابة ‪ ،‬بحيث‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫تجمع ألاحاديث الشريفة التي رواها كل صحابي في موضع خاص بها‪ ،‬فمثال تجمع أحاديث أبي‬

‫(‪ )1‬حــديث عــن أبــي هريــرة أن ابــن عمــرو بــن العــاص كــان يكتــب وال أكتــب‪ ،‬رواه مســلم‪ ،‬كتــاب الزهــد والرقــائق‪ ،‬بــاب‬
‫التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم‪ ،‬حديث رقم‪ ،1991 :‬ج‪ ،1‬ص‪.9904‬‬
‫(‪ )9‬انظـ ــر ‪ :‬ألاعظم ـ ــي‪ ،‬محم ـ ــد مص ـ ــطفى‪ :‬دراس ـ ــات ف ـ ــي الح ـ ــديث النب ـ ــو وت ـ ــاريخ تدوين ـ ــه‪ ،‬طبع ـ ــة املكت ـ ــب إلاس ـ ــالمي‪،‬‬
‫‪1199‬ه_‪1049‬م‪ ،)41/1( .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫هريرة ‪ ‬في موضع‪ ،‬وأحاديث ابن عباس ‪ ‬في موضع‪ ،‬وهكذا‪ .‬وتعرف هذه الطريقة‬
‫بطريقة املسانيد‪ ،‬مثل مسند إلامام أحمد‪.‬‬
‫ً‬
‫ومنهم من رتبها أبوابا حسب موضوع الحديث الشريف‪ ،‬بحيث تجمع ألاحاديث الشريفة‬
‫ً‬
‫التي في موضوع معين تحت باب خاص بها‪ ،‬فمثال تجمع ألاحاديث الشريفة الواردة في إلايمان‬
‫تحت باب إلايمان‪ ،‬وألاحاديث الشريفة الواردة في الجهاد تحت باب الجهاد‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وقد سميت الكتب التي صنفت على هذا النحو بالجوامع وبالسنن‪ ،‬مثل الكتب الستة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬صحيح البخاري وصحيح مسلم وجامع الترمذي وسنن النسائي وسنن أبي داود وسنن ابن‬
‫ماجه‪.‬‬
‫وبعض العلماء خصوا ألاحاديث الصحيحة بمؤلفات خاصة‪ ،‬مثل‪ :‬صحيح البخاري‬
‫وصحيح مسلم‪.‬‬
‫وبعض العلماء خصوا ألاحاديث املوضوعة بمؤلفات خاصة للتحذير منها‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب‬
‫"املوضوعات" البن الجوزي‪.‬‬
‫وبعض العلماء ألفوا في ألاحاديث الشريفة التي يكثر تردادها على ألسنة العامة‪ ،‬فبينوا‬
‫حكمها ودرجتها‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب املقاصد الحسنة في ألاحاديث املشتهرة على ألالسنة‪ ،‬لإلمام‬
‫السخاوي(‪.)1‬‬
‫أتعلم‪ :‬يطلق العلماء على الحديث الشريف الذي رواه‬
‫البخاري ومسلم مصطلح‪( :‬رواه الشيخان)‪ ،‬أو (متفق عليه)‪،‬‬
‫وعلى الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن‬
‫ماجة مصطلح‪( :‬رواه ألاربعة)‪ ،‬وإذا انضم إلى ألاربعة البخاري‬
‫ومسلم قالوا‪( :‬رواه الستة)(‪.)9‬‬

‫مزايا الس ـنـة النـبـويـة‬


‫تتوافر في السنة النبوية مزايا كثيرة من حيث ألاسلوب واملضمون‪ ،‬لم تجتمع في كالم بشر‬
‫آخر‪ ،‬وذلك من دالئل نبوته ‪ ،‬ومن أهم هذه املزايا(‪:)1‬‬

‫(‪ )1‬عتر‪ :‬د‪ .‬نور الدين‪ ،‬منج النقد في علوم الحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.919 - 107‬‬
‫(‪ )9‬الصالح‪ :‬د‪ .‬صبحي‪ ،‬علوم الحديث ومصطلحه‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪1074 ،19 ،‬م‪ ،‬ص ‪117‬‬
‫(‪ )1‬اعتمدنا في هذه املزايا بتصرف على‪ :‬الصباغ‪ :‬محمد بن لطفي‪ ،‬الحديث النبو ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00 - 51‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ - 2‬ديجاز اللفظ وغزارة املعا ى‬
‫كثيرة في ألفاظ قليلة‪ ،‬وذلك ألنه ‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫معان‬
‫تتسم ألاحاديث النبوية الشريفة بالتعبير عن ٍ‬
‫أوتي جوامع الكلم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُْ‬
‫قوله ‪( :‬امل ْس ِل ُم َم ْم َس ِل َم امل ْس ِل ُمون ِمم ِل َسا ِن ِه َو َي ِد ِه)(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َّ َّ َ َّ َ َّ َ َ‬
‫يث)(‪.)9‬‬ ‫وقوله ‪(ِ :‬د َّياكم والظم‪ ،‬ف ِإن الظم أكذ ُ الح ِد ِ‬
‫َّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ َ ْ ْ َّ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫اس ِبخ ٍل‬ ‫الس ِّيئة ال َح َسنة ت ْم ُح َها َوخ ِال ِ الن‬ ‫وقوله ‪( :‬ات ِ الل ِه حيثما كنت وأت ِبع‬
‫َح َس ٍم)(‪.)1‬‬
‫‪ - 0‬دقة التش يه‬
‫زخرت ألاحاديث النبوية بالتشبيهات الدقيقة وألامثلة التوضيحية العميقة‪ ،‬وهو أسلوب‬
‫عظيم ألاثر في تقريب املعاني املجردة إلى ألاذهان‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫َ ْ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اح ِم ِه ْم َوت َو ِ ّاد ِه ْم َوت َعاط ِف ِه ْم ك َمث ِل الج َس ِد ِدذا اشتكى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوله ‪َ ( :‬ت َرى ْاملُ ْؤمن َين في َت َر ُ‬
‫ِِ ِ‬
‫َّ َ َ ْ‬ ‫ُ ْ ً َ َ َ‬
‫ال ُح َّمى)(‪). 1‬‬ ‫ضوا‪ ،‬ت َداعى ل ُه َسا ِئ ُر َج َس ِد ِه ِبالسه ِر و‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪( :‬أ َرأ ْيت ْم ل ْو أ َّن ن َه ًرا ِب َبا ِ أ َح ِدك ْم َيغت ِس ُل ِف ِيه ك َّل َي ْو ٍم خ ْم ًسا َما تقو ُل ذ ِل َك‬
‫َّ‬
‫س َي ْم ُحو الل ُه ِبها‬ ‫م‬‫ات ْال َخ ْ‬ ‫و‬ ‫ال َف َذل َك م ْث ُل َّ‬
‫الص َل َ‬ ‫ُي ْب ِقي م ْم َد َرِن ِه َق ُالوا َال ُي ْب ِقي م ْم َد َرِن ِه َش ْي ًئا َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫الخط َايا)(‪.)5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الله َو ْال َواقع ف َيها َك َم َثل َق ْوم ْ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ ُ‬ ‫ََ َْ‬
‫اس َت َه ُموا َعلى َس ِفين ٍة‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫وقوله ‪( :‬مث ُل القا ِئ ِم على حد ِود ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬
‫استق ْوا ِم ْم امل ِاء َم ُّروا‬ ‫فأصا بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها فكان ال ِذيم ِفي أسف ِلها ِدذا‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب إلايمان‪ ،‬باب املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده‪ ،‬حديث رقم‪ ،19 :‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب النكــاح‪ ،‬بــاب ال يخطــب علــى خطبــة أخيــه حتــى يــنكح أو يــدع‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،1410 :‬ج‪ ،5‬ص‬
‫‪ ،1076‬وكت ــاب ألادب‪ ،‬ب ــاب م ــا ينه ــى ع ــن التحاس ــد والت ــدابر‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،577 :‬ج‪ ،5‬ص ‪ ،9951‬ورواه مس ــلم‪،‬‬
‫كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب تحريم الظـن والتجسـس والتنـافس والتنـاجش ونحوهـا‪ ،‬حـديث رقـم‪ ،.9561 :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.1045‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمــذ ‪ ،‬ســنن الترمــذ ‪ ،‬تحقيــق‪ :‬أحمــد محمــد شــاكر وآخــرون‪ ،‬ألاحاديــث مذيلــة بأحكــام ألالبــاني عليهــا‪ ،‬دار‬
‫إحيــاء الت ـراث العرب ــي‪ ،‬بي ــروت‪ ،‬كت ــاب الب ــر والص ــلة ع ــن رســول هللا‪ ،‬ب ــاب م ــا ج ــاء ف ــي معاش ــرة الن ــاس‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪:‬‬
‫‪ ،1047‬ج‪ ،1‬ص‪ ،155‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسم صحيح‪ ،‬وقال ألالباني‪ :‬حديث حسم‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخـار ‪ ،‬كتـاب ألادب‪ ،‬بــاب رحمـة النــاس والبهـائم‪ ،‬حـديث رقــم‪ ،5665 :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،9914‬ورواه مسـلم‪ ،‬كتــاب‬
‫البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب تراحم املؤمنين‪ ،‬حديث رقم‪ ،9546 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1000‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة‪ ،‬باب الصلوات الخمس كفارة‪ ،‬حديث رقم‪ ،595 :‬ج‪ ،1‬ص‪.107‬‬
‫‪76‬‬
‫َع َلى َم ْم َف ْو َق ُه ْم َف َق ُالوا َل ْو َأ َّنا َخ َر ْق َنا في َنصيب َنا َخ ْر ًقا َو َل ْم ُن ْؤذ َم ْم َف ْو َق َنا َفإ ْن َي ْت ُر ُك ُ‬
‫وه ْم َو َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يعا)(‪). 1‬‬‫يعا َود ْن َأ َخ ُذوا َع َلى َأ ْيديه ْم َن َج ْوا َو َن َج ْوا َجم ً‬ ‫َأ َر ُادوا َه َل ُكوا َجم ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ - 3‬عم املعا ى‬
‫تتصف السنة النبوية بعمق معانيها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫َ ْ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ َ‬
‫الص ْدق َي ْه ِد ِدلى ال ِب ِّر‪َ ،‬و ِد َّن ال ِب َّر َي ْه ِد ِدلى الجن ِة‪ ،‬و ِدن الرجل ليصدق‬ ‫قوله ‪ِ ( :‬دن ِ‬
‫َّ‬
‫النار‪َ ،‬ود َّن َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َح َّتى َي ُكو َن ص ِّد ًيقا‪َ ،‬ود َّن ْال َك ِذ َ َي ْه ِد د َلى ْال ُف ُج َ َّ ْ ُ ُ َ َ ْ‬
‫الر ُج َل‬ ‫ور‪ ،‬و ِدن الفجور يه ِد ِدلى ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ل َيك ِذ ُ َح َّتى يكتب ِعند الل ِه كذابا)(‪.)9‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فقد ربط الحديث الشريف بين الصدق والبر من جهة‪ ،‬وبين الكذب والفجور من جهة‬
‫ً‬
‫أخرى‪ ،‬ألن املرء إذا عزم أن يكون صادقا في كل ما يقول‪ ،‬فإنه لن يقدم على عمل ما يستحي‬
‫أو يخش ى من الصدق في إلاخبار عنه‪ ،‬لئال يضطر إلى الكذب‪ ،‬وهكذا تستقيم أعماله ويصل إلى‬
‫درجة الصديقين‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َّ ُ ُ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ ُّ َ َ َ َ ُ ُّ ُ َ َ‬
‫ؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أوال أدلكم على‬ ‫ؤمنوا‪ ،‬وال ت ِ‬ ‫وقوله ‪( :‬ال تدخلون الجنة حتى ت ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُُ ُ َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫الم َبينكم)(‪.)1‬‬ ‫الس َ‬ ‫فش ُوا َّ‬ ‫ش ٍيء ِدذا فعلتموه تحاب تم‪ ،‬أ‬
‫فإلقاء السالم بين الناس من أكثر ما يزيد الود والتعارف بينهم ويزيل الوحشة والنفرة‬
‫منهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬تصحيح املفاهيم‬
‫ً‬
‫صححت السنة النبوية كثيرا من املفاهيم الاجتماعية غير الصحيحة‪ ،‬والخرافات التي‬
‫كانت سائدة في املجتمعات‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫الط َي َرة ونفيه أي أثر لها في الواقع(‪.)1‬‬ ‫نهيه ‪ ‬عن ِ‬
‫والط َي َرة هي التشاؤم‪ ،‬فقد كان الناس في الجاهلية‪ ،‬إذا أراد أحدهم الشروع في أمر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫أفل َت من يده طائرا وتركه يطير‪ ،‬فإن طار يمنة تفاءل ومض ى في عمله‪ ،‬وإن طار يسرة تشاءم‬
‫َ‬
‫ً‬
‫وأحجم عما كان مزمعا على فعله‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب الشركة‪ ،‬باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه‪ ،‬حديث رقم‪ ،9161 :‬ج‪ ،9‬ص‪.449‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخــار ‪ ،‬كت ــاب ألادب‪ ،‬ب ــاب قــول هللا تع ــالى‪( :‬ي ــا أيه ــا الــذين آمن ــوا اتق ــوا هللا وكونــوا م ــع الص ــادقين) (التوب ــة‪:‬‬
‫‪ )110‬وما ينهى عن الكذب‪ ،‬حديث رقم‪ ،5711 :‬ج‪ ،5‬ص‪.9961‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب إلايمان‪ ،‬باب بيان أنه ال يدخل الجنة إال املؤمنون‪ ،...‬حديث رقم‪ ،51 :‬ج‪ ،1‬ص‪.71‬‬
‫َْ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫َ َ ْ َى َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ص ــف َر َو ِف ـ َّـر ِم ـ ْـم امل ْج ــذ ِوم ك َم ــا ت ِف ـ ُّـر ِم ـ ْـم ألا َس ـ ِـد)‪ ،‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب‬ ‫(‪ )1‬الح ــديث‪( :‬ال ع ــدو وال ِطي ــرة وال هام ــة وال‬
‫الطب‪ ،‬باب الجذام‪ ،‬حديث رقم‪ ،5149 :‬ج‪ ،5‬ص‪.9154‬‬
‫‪77‬‬
‫وال يزال بعض الناس إلى يومنا هذا يتشاءمون بيوم معين‪ ،‬أو رقم معين‪ ،‬أو لون معين‪ ،‬أو‬
‫شخص معين‪ ،‬على عادة أهل الجاهلية املقيتة‪.‬‬
‫أفكر‪ :‬يعتقد من يتشاءمون بش يء معين‪ ،‬أن ما يتشاءمون منه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يحدث دائما أو غالبا على أقل تقدير‪ ،‬كيف يمكن تفسير هذا‬
‫الاعتقاد؟!‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫الص َر َع ِة ِدن َما الش ِد ُيد ال ِذ َي ْم ِل ُك نف َس ُه ِعن َد الغض ِب)(‪.)1‬‬
‫الشد ُيد ب ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله ‪( :‬ليس‬
‫فقد يظن بعض الناس أنه ال يصدر الحِـلم إال من الضعيف‪ ،‬وأن حاد املزاج الذي يرد‬
‫الصاع صاعين كما يقولون‪ ،‬هو القوي‪ ،‬فصحح الحديث الشريف هذه النظرة‪.‬‬

‫إلاعـجــاز في الس ـنـة النـبـويـة‬


‫ً‬
‫تضمنت السنة النبوية أوجها من إلاعجاز‪ ،‬ال يمكن أن يتضمنها كالم بشر‪ ،‬وذلك من‬
‫ألادلة على نبوة النبي ‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫إلاعجاز الغيبي وإلاعجاز العلمي‪.‬‬

‫إلاعجاز الغيبي في الس ـنـة النـبـويـة‬


‫وهو‪ :‬إخبار النبي ‪ ‬باألحداث قبل أن تقع‪ ،‬فتقع كما أخبر‪.‬‬
‫وأمثلة ذلك كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫تنبؤ النبي ‪ ‬بالشهادة لعمر وعثمان رض ي هللا عنهما‪ ،‬وقد قتال شهيدين فعال‪ ،‬فعن أنس‬
‫َ َ ُ ُ ً ََُ َ ْ َ ُ َ ُ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬اث ُ ت‬‫بن مالك ‪( :‬أ َّن الن ِب َّي ‪ ‬ص ِعد أحدا وأبو بك ٍر وعمر وعثمان‪ ،‬فرجف ِب ِهم‪ ،‬فق‬
‫ُأ ُح ُد‪َ ،‬فإ َّن َما َع َل ْي َك َنب ٌّي َوص ّدي ٌ َو َشه َ‬
‫يد ِان)(‪.)9‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وتنبؤه ‪ ‬بمقتل عمار بن ياسر ‪ ‬على يد جيش معاوية‪ ،‬وهو ما حدث سنة أربعين‬
‫َ ْ ُ ُ َ َّ ً ْ َ ُ ْ َ ُ‬
‫اغ َية)(‪.)1‬‬
‫للهجرة‪ ،‬وذلك قوله ‪( : ‬تقتل عمارا ال ِفئة الب ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب ألادب‪ ،‬باب الحذر من الغضب‪ ،‬حديث رقم‪ ،5761 :‬ج‪ ،5‬ص‪.9967‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )9‬رواه البخـ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب املناقـ ــب‪ ،‬بـ ــاب قـ ــول النبـ ــي لـ ــو كنـ ــت متخـ ــذا خلـ ــيال‪ ،‬حـ ــديث رقـ ــم‪ ،1179 :‬ج‪ ،1‬ص ‪،1111‬‬
‫وحديث رقم‪ ،1106 :‬ج‪ ،1‬ص ‪.1151‬‬
‫(‪ )1‬رواه مســلم‪ ،‬كتــاب الفــتن وأش ـرا الســاعة‪ ،‬بــاب ال تقــوم الســاعة حتــى يمــر الرجــل بقبــر الرجــل فيتمنــى أن يك ــون‬
‫مكان امليت من البالء‪ ،‬حديث رقم‪ ،9016 :‬ج‪ ،1‬ص‪.9916‬‬
‫‪78‬‬
‫إلاعجاز العلمي في الس ـنـة النـبـويـة‬
‫وهو‪ :‬إخبار النبي ‪ ‬بحقائق علمية لم تكن معروفة في عصره‪ ،‬جاء العلم الحديث وأكد‬
‫صحة ما أخبر به النبي ‪ ‬وصدقه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪َ )2‬ع ْج ُب الذنب‬
‫اح ًدا‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫َّ َ ْ َ َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫جاء في الحديث الشريف‪َ ( :‬ل ْي َ ْ ْ ْ َ‬
‫س ِمم ِإلا س ِان ش ْي ٌء ِدال يبلى‪ِ ،‬دال عظ ًما و ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َّ ْ َ ْ‬ ‫َّ َ‬
‫َع ْج ُب الذن ِب‪َ ،‬و ِمن ُه ُي َرك ُب الخل ُ َي ْو َم ال ِق َي َام ِة)(‪.)1‬‬
‫وقد كشف العلم الحديث أن تكوين إلانسان يبدأ بشريط أولي‪ ،‬يظهر في اليوم الخامس‬
‫عشر من عمر الجنين‪ ،‬ثم تبدأ الانقسامات املتتالية لتكوين الجنين وأجهزته بفعل نشا هذا‬
‫ً‬
‫الشريط‪ ،‬وهكذا يبدأ الجنين يتكون وينمو بسرعة ليصير إنسانا بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫ويبدأ هذا الشريط في الاندثار منذ ألاسبوع الرابع‪ ،‬وال يبقى منه إال أثر في العظم‬
‫العصعص ي‪ ،‬أسفل الظهر‪ ،‬وهو ما أسماه النبي ‪ ‬عجب الذنب(‪.)9‬‬
‫‪ )0‬ولوغ الكلب‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ات‬ ‫ور ِدن ِاء أح ِدك ْم ِدذا ولغ ِف ِيه الكل ُب‪ ،‬أن يغ ِسله س ْبع َم َّر ٍ‬ ‫جاء في الحديث الشريف‪( :‬ط ُه ُ‬
‫ُّ‬ ‫ُأ ُ‬
‫واله َّم ِبالت َرا ِ )(‪.)1‬‬
‫وقد كشف العلم الحديث أن الكلب تعيش في أمعائه دودة تسمى (تيتا إكنياكوكس)‪،‬‬
‫ً‬
‫تخرج بيوضها مع برازه‪ ،‬وبما أن الكلب كثيرا ما يقوم بلحس جسمه‪ ،‬فإن هذه البيوض قد‬
‫تعلق بلسانه وتنتقل منه إلى ألاواني التي يلعقه ا‪ ،‬فتدخل إلى أمعاء مستخدميها‪ ،‬ومنها تتسرب‬
‫ً‬
‫إلى الدم والدماغ‪ ،‬وقد يصل ألامر إلى حد الشلل الدماغي أو املوت أحيانا‪.‬‬
‫وقد وجد العلماء أن هذه البويضات ال تموت بالغسل ومساحيق التنظيف العادية‪ ،‬وأن‬
‫التراب يحتوي بكتيريا خاصة هي وحدها القادرة على قتلها(‪.)1‬‬
‫‪ )3‬الحبة السوداء‬
‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الس ْو َد ُاء شف ٌاء م ْم ك ّل َد ٍاء‪ ،‬دال َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جاء في الحديث الشريف‪( :‬ال َح َّبة َّ‬
‫ام)(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب تفسير سورة النبأ‪ ،‬حديث رقم‪ ،1651 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1441‬‬
‫(‪ )9‬البار‪ :‬د‪ .‬محمد علي‪ ،‬خل إلا سان بين الطب والقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.919 - 914‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب حكم ولوغ الكلب‪ ،‬حديث رقم‪ ،970 :‬ج‪ ،1‬ص‪.911‬‬
‫(‪ )1‬عبــد الصــمد‪ :‬محمــد كامــل‪ ،‬إلاعجــاز العلمــي فــي إلاســالم‪ :‬الســنة النبويــة‪ ،‬الــدار املصـرية اللبنانيــة‪ ،‬القــاهرة‪،1 ،‬‬
‫‪ 1117‬هـ‪1007 ،‬م‪ ،‬ص‪.59 - 59‬‬
‫‪79‬‬
‫وقد أثبتت البحوث العلمية أن الحبة السوداء لها أهمية كبرى كمنشط طبيعي للمناعة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتحسين فعالية الخاليا الطبيعية‪ ،‬وتلعب دورا مهما في عالج إلايدز وغيره من ألامراض التي‬
‫تصاحب نقص املناعة(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫أي أن الحبة السوداء تعمل على تقوية املناعة‪ ،‬وحيث إن املناعة هي التي تقف سدا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫منيعا في وجه كل داء‪ ،‬كانت الحبة السوداء كما وصفها الحديث النبوي أنها‪ِ ( :‬شف ٌاء ِم ْم ك ِ ّل‬
‫َد ٍاء)‪.‬‬

‫قواعد في التعامل مع السنة النبوية وفهمها(‪:)1‬‬

‫ال بد للتعامل الصحيح والفهم السليم للسنة النبوية من مراعاة جملة من ألامور‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬التمييز بين الصحيح والضعيف‪ :‬ال بد من التأكد من صحة السنة قبل البناء عليها‪،‬‬
‫وعدم الاعتماد على الحديث الضعيف واملوضوع منها‪ .‬وتزداد أهمية هذا ألامر في‬
‫ً‬
‫مجال ألاحكام وفي مجال القيم واملقاصد العامة فضال عن مجال العقيدة‪.‬‬
‫‪ -9‬مالحظة املالبسات التي ورد الحديث فيها‪ :‬إن مالحظة املالبسات والظروف التي‬
‫ً‬
‫أحاطت بالحديث حين صدر عن النبي ‪ ‬يلقي ضوءا على املعنى املقصود منه‪،‬‬
‫ويساعد على فهمه‪.‬‬
‫‪ -1‬فهم الحديث في ضوء مبادئ القرآن ومقاصده‪ :‬السنة خادم للقرآن بالبيان‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والتوضيح‪ ،‬وليس من املقبول شرعا وال عقال فهم السنة فهما يخالف مبادئ القرآن‬
‫ودالالته ومعانيه‪.‬‬
‫‪ -1‬فهم ألاحاديث بمجموعها‪ :‬إن ألاحاديث النبوية صدرت عن النبي ‪ ‬الذي ال يمكن‬
‫أن يتناقض كالمه‪ ،‬ألنه ال يتكلم إال عن وحي‪ ،‬وبالتالي فإنه ليس من املقبول وال‬
‫املعقول الاجتزاء بفهم حديث أو الاكتفاء باألخذ به‪ ،‬وكأن الدين كله مبني على هذا‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫الحديث‪ ،‬مع إغفال غيره من ألاحاديث‪ ،‬التي يعطي مجموعها فهما كليا صحيحا‬
‫وصورة متكاملة عن املوضوع‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخـ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب الطـ ــب‪ ،‬بـ ــاب الحبـ ــة السـ ــوداء‪ ،‬حـ ــديث رقـ ــم‪ ،5161 :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،9151‬ورواه مسـ ــلم‪ ،‬كتـ ــاب‬
‫السالم‪ ،‬باب التداوي بالحبة السوداء‪ ،‬حديث رقم‪ ،9915 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1715‬والسام‪ :‬املوت‪.‬‬
‫(‪ )9‬عبد الصمد‪ :‬محمد كامل‪ ،‬إلاعجاز العلمي في إلاسالم‪ :‬السنة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 - 49‬‬
‫(‪ )1‬أنظر‪:‬القرضاو ‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع السنة النبوية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.9999 ،9 ،‬‬
‫‪81‬‬
‫أنشطة حوارية مقترحة‪:‬‬
‫يقوم الطلبة بمناقشة املوضوعات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬هل دونت السنة النبوية بعد مئتي عام؟!!!‬
‫‪ .9‬قبول السنة النبوية والعقل البشري‪.‬‬
‫‪ .1‬أثر السنة في بناء الحضارة‪.‬‬

‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬السنة مصدرا للمعرفة والحضارة‪ /‬يوسف القرضاوي‬
‫‪ -‬التراث في ضوء العقل‪/‬محمد عمارة‬
‫‪ -‬كيف نتعامل مع التراث‪/‬د‪.‬يوسف القرضاوي‬
‫‪ -‬روح الحداثة‪/‬طه عبد الرحمن‬

‫‪81‬‬
‫أقرأ وأستمتع‬

‫قالوا في نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‬


‫محمدا‪ ،‬ليكون ألاول في أهم وأعظم رجال التاريخ‪ ،‬قد يدهش ّ‬ ‫ً‬
‫القراء‪ ،‬ولكنه‬ ‫(إن اختياري‬
‫الرجل الوحيد في التاريخ كله‪ ،‬الذي نجح أعلى نجاح على املستويين الديني والدنيوي)‪.‬‬
‫ً‬
‫مايكل هارت‪ :‬في كتابه "املائة العظماء ألاكثر تأثيرا في التاريخ"‪.‬‬

‫(محمد هو النبي الفيلسوف الخطيب املشرع املحارب قاهر ألاهواء‪ ،‬وبالنظر إلى مقاييس‬
‫العظمة البشرية أود أن أتساءل‪ :‬هل هناك من هو أعظم من النبي محمد؟!)‬
‫املفكر الفرن ي ال مارتين‬

‫ً‬
‫(وإذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس‪ ،‬قلنا‪ :‬إن محمدا كان أعظم‬
‫عظماء التاريخ‪ ،‬فقد أخذ على نفسه أن يرفع املستوى الروحي وألاخالقي لشعب ألقت به في‬
‫ً‬ ‫دياجير الهمجية حرارة ّ‬
‫الجو وجدب الصحراء‪ ،‬وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم‬ ‫ِ‬
‫يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ)‪.‬‬
‫ويل ديورانت في كتابه "تاريخ الحضارة إلانسانية"‬

‫‪82‬‬
‫الوحـدة الثالثـة‬

‫إلاس ــالم عـقـيـدة وشـريـعــة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ﲼﲽﲾﱠ‬
‫(الكهف‪)194 -197 :‬‬

‫صدق هللا العظيم‬

‫‪83‬‬
‫محتويات الوحدة وأهدافها‬
‫وتتمثل باآلتي‪:‬‬

‫‪ .2‬العقيدة إلاسالمية وخصائصها‪:‬‬


‫الهدف‪ :‬أن يتمثل الطلبة العقيدة إلاسالمية في فكرهم وسلوكهم‪.‬‬
‫وأن يناقش الطلبة مفهوم العقيدة‪ ،‬واملفاهيم املتعلقة بها‪ ،‬مثل مفاهيم‪ :‬توحيد‬
‫الربوبية وألالوهية وألاسماء والصفات‪.‬‬
‫وأن يناقش الطلبة خصائص عقيدة إلاسالم‪ ،‬ويتمثلوا هذه الخصائص في وجدانهم‪،‬‬
‫وسلوكهم لتكون املنهاج القويم لتربيتهم‪.‬‬
‫‪ .0‬الشريعة إلاسالمية‪ :‬ألاحكام الربانية التي تنظم حياة إلا سان في دنياه وآخرته‪،‬‬
‫وأصلها الثقافي عقيدة إلاسالم‪.‬‬
‫الهدف ‪ :1‬أن يناقش الطلبة مفهوم الشريعة إلاسالمية‪.‬‬
‫الهدف‪ : 9‬أن يتعرف الطلبة على خصائص شريعة إلاسالم‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫العقيدة إلاسالمية‬
‫ﱡﭐﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜﱝ‬

‫ﱞﱟ ﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦ‬

‫ﱧ ﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰ‬

‫ﱱﱠ(البقرة‪.)116:‬‬

‫إلاسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬حيث تمثل العقيدة الجانب النظري الذي يجب التصديق به‪،‬‬
‫بينما تمثل الشريعة الجانب العملي الذي يجب تطبيقه‪.‬‬
‫مـفـهــوم العقيدة إلاسـالمـيـة‬
‫ً‬
‫العقيدة مصطلح أطلقه علماء املسلمين على قضايا إلايمان‪ ،‬علما بأن القرآن الكريم‬
‫والسنة النبوية لم يعبرا عن هذه القضايا بلفظ العقيدة‪ ،‬وإنما عبرا عنها بلفظ إلايمان‬
‫ً‬
‫ومشتقاته‪ .‬وال شك أن لفظ إلايمان يبقى أكثر قربا للقلب والنفس من أي لفظ آخر‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ ّ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫والعقيدة لغة‪ :‬من عقد الحبل والبيع والعهد‪ ،‬أي ربطه ووثـقه وشده‪ ،‬وهي ٍ‬
‫معان تفيد‬
‫القوة وإلاحكام(‪ ،)1‬وهكذا عقيدة املؤمن في قوتها وتمكنها من نفسه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والعقيدة تشمل الجانب النظري في إلاسالم الذي يجب إلاقرار به إقرارا جازما ال يخالطه‬
‫شك‪ ،‬ويتمثل في إلايمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم آلاخر والقضاء والقدر‪.‬‬
‫إلايـمــان باهلل تعالى‬
‫إلايمان باهلل تعالى هو أهم أركان إلايمان وأساس الدين كله‪ ،‬وقد قرر علماء العقيدة أن‬
‫إلايمان باهلل تعالى ال يتم إال بتوافر ثالثة أنواع من التوحيد(‪:)9‬‬
‫‪ - 2‬توحيد الربوبية‪ :‬وهو إلاقرار بوجود هللا تعالى وإيجاده للمخلوقات‪ ،‬وعنايته بهم‬
‫وتصرفه فيهم بالرزق والنفع والضر وإلاحياء وإلاماتة وغيرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابــم منظــور‪ :‬علــي بــن مكــرم‪ ،‬لســان العــر ‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،146/1 ،‬الفيروزآبــاد ‪ :‬مجــد الــدين محمــد بــن يعقــوب‪،‬‬
‫القاموس املحي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.979‬‬
‫ً‬
‫(‪ )9‬أنظـر فــي هـذه ألانــواع تفصـيال أوســع فـي‪ :‬ياســين‪ :‬د‪ .‬محمــد نعـيم‪ ،‬إلايمــان حقيقتـه أركانــه نواقضـه‪ ،‬مكتبــة الرســالة‬
‫الحديثة‪ ،‬عمان‪ 1197 ،5 ،‬هـ‪1047 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 15‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ - 0‬توحيد ألالوهية‪ :‬وهو إفراد هللا تعالى بجميع أنواع العبادة‪ ،‬من صالة ودعاء ونذر‬
‫وخوف ورجاء وغيرها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ - 3‬توحيد ألاسماء والصفات‪ :‬وهو الاعتقاد بأن هللا تعالى متصف وحده بصفات‬
‫الكمال‪ ،‬ومنزه عن صفات النقص ومشابهة املخلوقات‪ ،‬فاهلل تعالى عليم ال يعزب عن علمه‬
‫ش يء‪ ،‬قدير ال يعجزه ش يء‪ ،‬عادل ال يصدر منه ظلم‪ ،‬وهو تعالى ال يحده مكان وال زمان‪ ،‬وال‬
‫تعتريه عوارض النقص‪ ،‬فال يجهل وال يندم وال يتعب وال ينام وال ين ى(‪.)1‬‬
‫‪ ،)11‬فهذه آلاية الكريمة‬ ‫ﱒ ﱔ ﱕ ﱖﱠ (الشورى‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱓ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫تضمنت شقين‪ :‬شق تنزيه هللا تعالى بنفي مشابهته ألي ش يء‪ ،‬وشق إثبات صفات الكمال هلل‬
‫تعالى‪.‬‬
‫أتعلم‪ :‬أكدت آلاية الكريمة على تنزيه هللا تعالى عن مشابهة أي ش يء من‬
‫مخلوقاته‪ ،‬بأسلوب بالغي غير معهود‪ ،‬حيث نفت تلك املشابهة بأداتين‬
‫متتابعتين من أدوات الت شبيه‪ :‬الكاف‪ ،‬واملثل‪ .‬أو أن آلاية أكدت على تنزيه هللا‬
‫تعالى‪ ،‬إلى حد أنها نفت املشابهة عن مثيله‪ ،‬لتبعيد املشابهة عن ألاصيل وهو‬
‫هللا تعالى‪ ،‬مع أن هللا تعالى ال مثيل له‪ ،‬وإنما جرت آلاية على عادة العرب في‬
‫التعبير(‪.)9‬‬

‫إلايمان باهلل تعالى تقتضيه الفطرة وبدهيات العقل‬


‫إلايمان باهلل تعالى فطرة مركوزة في نفس كل إنسان‪ ،‬وأكثر ما تظهر في أوقات الشدة‪ ،‬وهو‬
‫َ‬
‫ما أكث َر القرآن الكريم من تذكير الكافرين به‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ‬

‫ﱣﱤﱥ ﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱﱲ ﱳ‬

‫ﱴﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ ﲄﲅ‬

‫ﲘﲚ‬
‫ﲙ‬ ‫ﲔﲖﲗ‬
‫ﲕ‬ ‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬

‫ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﱠ(يونس‪.)91 - 99 :‬‬

‫(‪ )1‬ألاشقر‪ :‬د‪ .‬عمر سليمان‪ ،‬ألاسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬عمـان‪1111 ،1 ،‬‬
‫هـ‪1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.110 - 117‬‬
‫(‪ )9‬أنظـر‪ :‬الزمخشــر ‪ :‬محمــود بـن عمــر‪ ،‬الكشــال عـم حقــائ غــوامض التنزيـل وعيــون ألاقاويــل فـي وجــوه التأويــل‪،‬‬
‫رتبه وضبطه‪ :‬محمد شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1005 ،1 ،‬م‪.996/1 ،‬‬
‫‪86‬‬
‫وإلايمان باهلل تعالى‪ ،‬يهدي إليه التفكير في هذا الخلق العظيم‪ ،‬ألن العقل يحيل وجود‬
‫أي ش يء دون سبب أوجده‪ ،‬وخاصة إذا كان على نحو تام من إلاتقان وإلاحكام‪ ،‬ولو دخلت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دارا ووجدت ألاثاث مرتبا بنظام وإحكام وإتقان وجمال‪ ،‬فإن أول ما تسأله‪َ :‬من املبدع الذي‬
‫قام بترتيب ألاثاث على هذا النحو الجميل واملتقن؟(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫ولو قلنا إلنسان‪ :‬إن سيارة مثال قد تحرك محركها وسار بها في طريق معين‪ ،‬دون أن‬
‫تصطدم بش يء‪ ،‬وأنها كانت تقف على إشارات املرور‪ ،‬وتتحاش ى الاصطدام بأي جسم أو‬
‫إنسان ‪ ،‬حتى انتهى بها املقام إلى أن ركنت نفسها بإحكام إلى جانب طريق‪ ،‬في مكان غير ممنوع‬
‫الوقوف فيه ‪ -‬إننا لو ذكرنا هذا ألي كافر أو ملحد‪ ،‬وقلنا له‪ :‬إن ذلك كله تم دون فعل فاعل‪،‬‬
‫ودون توجيه من أحد‪ ،‬التهمنا بالهذيان والجنون!! فكيف يستسيغ هذا الجاحد وجود هذا‬
‫الخلق العظيم املحكم املتقن الدقيق‪ ،‬في السماوات وألارض وإلانسان‪ ،‬دون خالق أحكمه‬
‫وأتقنه وأحسن خلقه؟! وهو ما َّ‬
‫تعج َب منه القرآن الكريم في أكثر من موضع‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱚ‬

‫ﱦﱨﱩﱪﱠ(الطور‪.)16 - 15:‬‬
‫ﱧ‬ ‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ً‬
‫ونفي الشريك هلل تعالى يدل عليه العقل أيضا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱠ (ألانبياء‪ ،)99:‬وقال تعالى‪ :‬ﱡﭐﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ‬
‫ﲵ‬
‫ﱛﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱠ(املؤمنون‪:‬‬
‫ﱜ‬ ‫ﱐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱎﱏ ﱑ‬
‫‪.)01‬‬
‫ودثبات صفات الكمال هلل تعالى وتنزيهه عم كل نقص‪ ،‬من مقتضيات العقول السليمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إذ ال يكون إلها من يكون عاجزا أو مشابها ملا خلق‪ ،‬فيما يعتريهم من صفات نقص وأحوال‬
‫ضعف‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬

‫ﳁﳃﳄ ﳅﳆﱠ (الزمر‪.)67 :‬‬


‫ﳂ‬ ‫ﳀ‬

‫أكثر ما يخل به الناس مم أنواع التوحيد‬


‫ّ َ‬
‫يؤمن أكثر الناس بوجود هللا تعالى وربوبيته‪ ،‬ولكنهم ي ِخلون بتوحيد ألالوهية‪ ،‬وبتوحيد‬
‫ألاسماء والصفات‪:‬‬

‫(‪ )1‬املي ــدا ي‪ :‬عب ــد ال ــرحمن حس ــن‪ ،‬العقي ــدة إلاس ــالمية وأسس ــها‪ ،‬دار القل ــم‪ ،‬دمش ــق‪1001 ،7 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 194‬وم ــا‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫فاملشركون يقرون بأن هللا تعالى هو الخالق الرازق‪ ،‬وأن آلهتهم وأصنامهم‪ ،‬ليسوا شركاء‬
‫هلل في خلق السماوات وألارض‪ ،‬ومع ذلك فإنهم يشركونها مع هللا تعالى في العبادة‪ ،‬وهو ما‬
‫تعجب منه القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬

‫ﳁﳃﳄ‬
‫ﲾﳀ ﳂ‬
‫ﲿ‬ ‫ﲲﲳﲴ ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬

‫ﳅﱠ (يونس‪.)11 :‬‬


‫وإلاخالل بتوحيد ألالوهية ال يقتصر على التوجه بالعبادة إلى صنم أو شمس أو قمر‪ ،‬بل قد‬
‫ً‬
‫يتخذ صورا أخرى أكثر خفاء‪ ،‬مثل‪ :‬اتخاذ الكافرين أولياء من دون املؤمنين‪ ،‬وتحكيم غير شرع‬
‫هللا تعالى‪ ،‬ألن إفراد هللا تعالى بالخلق يقتض ي إفراده باألمر والتشريع‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑﲒﱢ (ألاعراف‪.)1()51 :‬‬
‫ويخل كثير من الناس بتوحيد ألاسماء والصفات‪ ،‬حين يشبهون هللا تعالى بمخلوقاته‪:‬‬
‫ً‬
‫فقد كان فالسفة اليونان يعتقدون خطأ‪ ،‬أن هللا تعالى ال يعلم تفاصيل ما يجري من‬
‫أحداث في الكون‪.‬‬
‫ً‬
‫بينما يعتقد أتباع بعض الديانات خطأ‪ ،‬أنه تعالى يندم ويتعب وين ى‪ ،‬وأنه فقير‪ ،‬ويده‬
‫مغلولة‪.‬‬
‫ً‬
‫وبعضهم يعتقد خطأ‪ ،‬أنه تعالى يلد مثل البشر‪ ،‬ويتخذ زوجة‪ ،‬سبحانه وتعالى عما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقولون علوا كبيرا‪.‬‬
‫أفكر‪ :‬قرن إلايمان باهلل تعالى بالعمل الصالح في‬
‫أكثر من خمسين آية في القرآن الكريم‪.‬‬

‫إلايـمــان باملالئكة‬
‫وهو إلاقرار بوجود مخلوقات هلل تعالى‪ ،‬بطبيعتهم وصفاتهم ووظائفهم‪ ،‬كما بينها هللا تعالى‬
‫لنا في كتابه وسنة نبيه‪.‬‬
‫ومن صفاتهم‪ :‬أنهم مخلوقون من نور‪ ،‬متمحضون لعبادة هللا تعالى‪ ،‬ال يتعبون وال يملون‬
‫وال ينامون وال يعصون‪ ،‬وال شهوة فيهم‪ ،‬فال يأكلون وال يتزاوجون‪ ،‬ولهم قدرات خارقة‪ ،‬ذكر‬
‫القرآن الكريم بعضهم‪ ،‬مثل جبريل وميكائيل ومالك‪.‬‬

‫(‪ )1‬امليدا ي‪ :‬عبد الرحمن حسن‪ ،‬العقيدة إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.991‬‬
‫‪88‬‬
‫ولهم وظائف مخصوصة‪ :‬فمنهم من هو موكل بحمل العرش‪ ،‬ومنهم من هو موكل بنار‬
‫جهنم‪ ،‬ومنهم من هو موكل بكتابة أعمال العباد‪ ،‬ومنهم من هو موكل بقبض ألارواح‪ ،‬ومنهم‬
‫من هو موكل بإنزال الكتب السماوية على الرسل‪ ،‬ومنهم من يرسله هللا تعالى لنصرة املؤمنين‬
‫وتثبيتهم‪.‬‬
‫ومن آثار إلايمان بهم‪ :‬تقوية إيمان املؤمن باهلل تعالى‪ ،‬وتشجيعه على طاعته وألانس‬
‫بعبادته‪ ،‬حين يؤمن أن هناك مخلوقات عظيمة وكثيرة‪ ،‬تقوم بعبادة هللا تعالى ليل نهار دون‬
‫تعب أو كلل(‪.)1‬‬

‫إلايـمــان بالكتب السماوية‬


‫ً‬
‫وهو إلاقرار بأن هللا تعالى أنزل كتبا لهداية الخلق‪ ،‬ذكر القرآن الكريم بعضها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫التوراة التي أنزلت على موس ى‪ ،‬والزبور الذي أنزل على داود‪ ،‬وإلانجيل الذي أنزل على عي ى‪،‬‬
‫ً‬
‫عليهم السالم جميعا‪.‬‬
‫ثم القرآن الكريم آخر الكتب السماوية‪ ،‬وهو كتاب هللا تعالى لكل الناس إلى آخر الزمان‪،‬‬
‫وأما الكتب السابقة فمحدودة بزمانها ومكانها وبأقوام مخصوصين‪ ،‬ولذلك فالحجة على‬
‫البشرية في العقيدة والحالل والحرام‪ ،‬إنما هي بالقرآن الكريم‪ ،‬املهيمن على ما سبقه من‬
‫كتب‪ ،‬خاصة بعد تحريف الناس لها‪.‬‬
‫ً‬
‫أما القرآن الكريم فقد تكفل هللا تعالى بحفظه من التحريف والتبديل‪ ،‬حتى يبقى صالحا‬
‫لجميع الناس كما نزل إلى قيام الساعة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﱠ‬
‫(الحجر‪ . )0 :‬بينما الكتب السابقة لم يتكفل هللا تعالى بحفظها‪ ،‬ألنها كانت ألمم محدودة وليس‬
‫للناس كافة‪ ،‬فسعى بعض الناس إلى التبديل والتغيير فيها‪ ،‬كما قال هللا تعالى فيهم‪ :‬ﱡﭐ ﱏ‬

‫ﱐﱑﱒﱠ (النساء‪.)16 :‬‬

‫ومن ألادلة على التبديل في الكتب السابقة‪:‬‬

‫(‪ )1‬ياسين‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم‪ ،‬إلايمان حقيقته أركانه نواقضه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.67-66‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ - 1‬وجود تناقضات عديدة فيها‪ ،‬ال يمكن معها أن تكون هي كالم هللا تعالى كما أنزل(‪.)1‬‬
‫وذلك بخالف القرآن الكريم الذي قال هللا تعالى فيه‪ :‬ﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱲﱳﱴﱵ ﱶﱷﱸﱠ (النساء‪.)49 :‬‬


‫َ‬
‫‪ - 9‬في بعض الكتب السابقة نصوص تنسب إلى هللا تعالى ما ال يليق به‪ ،‬من الجهل‬
‫والندم والتعب والضعف وغيرها(‪.)9‬‬

‫إلايـمــان بالرسل‬
‫ً‬
‫إلايمان بالرسل عليهم السالم هو‪ :‬إلاقرار بأن هللا تعالى أرسل رسال إلى الناس لهدايتهم‪،‬‬
‫اختارهم هللا تعالى من بين الناس‪ ،‬ملا يتميزون به من مميزات‪ ،‬كالصدق وألامانة وإلاخالص‪،‬‬
‫كي يكونوا قدوة للناس‪ ،‬وال يتشكك أحد في صدقهم‪ .‬وعصمهم هللا تعالى‪ ،‬وحفظهم من الخطأ‬
‫في الوحي‪.‬‬
‫وإلايمان بالرسل والرساالت السماوية‪ ،‬تقتضيه العقول والتفكير السليم‪ ،‬ألن العقل‬
‫حين ي ِثبت هلل تعالى صفات الكمال‪ ،‬ينزهه عن أن يخلق الخلق ثم ي َس ِّيبهم ضائعين دون‬
‫هداية‪ ،‬أو يتركهم تائهين دون إرشاد وعناية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁﱂﱃ ﱄﱅﱆﱇ ﱈﱉ ﱊ‬

‫ﱋﱌﱍﱎﱠ(ألانعام‪.)01 :‬‬
‫ال شارة بالنبي محمد ‪: ‬‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫ذكر القرآن الكريم أسماء خمسة وعشرين رسوال ونبيا‪ ،‬وكان آخرهم محمدا ‪ .‬وقد‬
‫َ َّ‬
‫بش َر به موس ى وعي ى عليهما السالم‪ ،‬وأمرا قومهما باتباعه‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱤ ﱥ‬

‫ﱦﱧﱨﱩ ﱪﱫﱬ ﱭﱮﱯﱠ (ألاعراف‪.)157 :‬‬


‫وقد بقيت بعض النصوص‪ ،‬إلى اليوم‪ ،‬في التوراة وإلانجيل‪ ،‬تشير إلى التبشير بمجيء‬
‫بأسلوب رمز ّ ٍي غير صريح‪ .‬ومن ألامثلة على ذلك‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫النبي محمد ‪ ،‬وإن كان ذلك‬

‫ـيح‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫ـيد املس ـ ِ‬
‫(‪ )1‬عل ــى س ــبيل املث ــال‪ :‬ورد ف ــي ك ــل م ــن إنجي ــل ِمت ــى (‪ ،)17-9: 1‬وإنجي ــل لوق ــا (‪ ،)94-91: 1‬ذك ــر نس ـ ِـب الس ـ ِ‬
‫ً‬
‫‪ ،‬مــع اخــتالف بينهمــا فــي العديــد مــن أســماء هــذا النســب! فضــال علــى أن إي ـراد نســب املســيح مــن جهــة أبيــه‬
‫مغالطة‪ ،‬ألنه و ِل َد ِمن غير أب‪.‬‬
‫(‪ )9‬على سبيل املثال انظر‪ :‬سفر الخروج‪ ،17/11‬وسفر التكوين ‪ ،94 - 91/19‬واملزامير ‪.65/74‬‬
‫‪91‬‬
‫من التوراة‪ :‬ما جاء في الباب (‪ )11‬من سفر التثنية‪( :‬جاء الرب من سيناء‪ ،‬وأشرق لنا‬
‫من ساعير‪ ،‬واستعلن من جبل فاران)‪ .‬فذكر سيناء إشارة إلى نبوة موس ى‪ ،‬وساعير اسم قرية‬
‫من قرى الناصرة‪ ،‬ففي ذلك إشارة إلى نبوة عي ى‪ ،‬وفاران اسم مكة بالعبرانية‪ ،‬فذكرها‬
‫إشارة إلى نبوة محمد‪ ،‬عليهم السالم‪.‬‬
‫ومن ألامثلة على ذلك من إلانجيل‪ :‬ما جاء في الباب (‪ )11‬من إنجيل يوحنا‪( :‬إن كنتم‬
‫تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ ،‬وأنا أطلب من ألاب فيعطيكم فارقلي آخر ليثبت معكم إلى‬
‫ألابد)‪ ،‬والفارقلي تعريب باللفظ للكلمة اليونانية‪( :‬بيركلوطوس)‪ ،‬ومعناها‪ :‬املحمود أو‬
‫مستحق الحمد(‪ .)1‬وذلك هو الوصف الذي يطلق على محمد ‪ ‬فهو محمد وهو أحمد وهو‬
‫محمود‪.‬‬
‫ً‬
‫بشكل أكثر وضوحا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وهنالك إنجيل آخر يسمى إنجيل برنابا‪ ،‬يتحدث عن نبوة محمد ‪‬‬
‫لكن هذا إلانجيل ليس محل اعتبار لدى الكنائس املعاصرة‪.‬‬
‫أتـعـلــم‪ :‬ما من نبي إال وأ ِم َر باتباع محمد ‪ ،‬وبشر قومه بمجيئه‪ ،‬وأمرهم باتباعه‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫ﲝﲟﲠﲡﲢﲣ‬
‫ﲞ‬ ‫ﲗﲘﲙﲚﲛ ﲜ‬

‫ﲤﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﱠ(آل عمران‪.)41 :‬‬


‫ﲥ‬

‫إلايـمــان باليوم آلاخر‬


‫ً‬
‫إلايمان باليوم آلاخر هو‪ :‬إلاقرار بأن هناك يوما تنتهي فيه الحياة الدنيا‪ ،‬ويقض ي فيه هللا‬
‫تعالى بين العباد‪ ،‬ويعقب ذلك مصير إلى الجنة أو إلى النار‪.‬‬
‫وقد بين هللا تعالى في كتابه املراحل املتعاقبة لهذا اليوم‪ ،‬فهي تبدأ بأهوال وانهيار هائل في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نظام الكون‪ ،‬صوره القرآن الكريم لنا تصويرا مخيفا في مواضع عديدة‪ ،‬منها قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱄﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱅ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱒﱓﱔﱕ ﱖﱗﱘﱙ ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠ‬

‫ﱡﱠ(الحج‪.)9 -1 :‬‬

‫(‪ )1‬أنظــر‪ :‬الهنــد ‪ :‬رحمــة هللا بــن خليــل الــرحمن‪ ،‬دظهــار الح ـ ‪ ،‬مرجــع ســابق ‪ ،1911 - 1145 ،1115 - 1111/1‬وفــي‬
‫بشارات أخرى كثيرة‪ ،‬أنظر‪ 1116/1 :‬وما بعدها في املرجع املذكور‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫ويعقب ذلك نفخة في الصور‪ ،‬يصعق منها من في السماوات وألارض إال من شاء هللا‬
‫تعالى(‪ ،)1‬ثم ينفخ في الصور مرة أخرى‪ ،‬يبعث على إثرها من صعق‪ ،‬وكل من مات من الخالئق‬
‫ً‬
‫من قبل منذ آدم ‪ ،‬فيقض ي هللا تعالى بين العباد بما كان منهم في الدنيا‪ ،‬ثم يجازي كال‬
‫منهم بالجنة أو بالنار‪.‬‬
‫َ‬
‫الناس‬ ‫وإلايمان باليوم آلاخر‪ ،‬مما تقتضيه العقول السليمة‪ ،‬ذلك أن إلانسان يشاهد‬
‫ً‬
‫يظلم بعضهم بعضا‪ ،‬ويعتدي بعضهم على بعض‪ ،‬ويموت كثير من الظاملين واملعتدين دون‬
‫عقاب‪ ،‬وتنتهي حياة كثير من املظلومين واملستضعفين دون إنصاف‪ ،‬وال يعقل أن يكون هللا‬
‫تعالى الحكيم العادل قد خلق هذا الخلق العظيم وكل هذه املليارات من الناس منذ آدم‬
‫ً‬
‫‪ ،‬وإلى يومنا‪ ،‬يتعاقبون جيال بعد جيل‪ ،‬لينتهوا تلك النهايات الظاملة‪ ،‬دون قضاء‬
‫وانتصاف وإحقاق حق‪ ،‬ودون مكافأة للمحسن ومعاقبة للم يء‪.‬‬
‫ولذلك عجب القرآن الكريم ممن ينكرون اليوم آلاخر‪ ،‬كيف يظنون أن الحياة الدنيا هي‬
‫نهاية املطاف‪ ،‬وأن هللا تعالى يترك الظاملين دون عقاب‪ ،‬واملستضفين دون انتصاف وجزاء‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﱠ (القلم‪.)9()16-15:‬‬
‫ً‬
‫وفي ذلك إلانكار لليوم آلاخر‪ ،‬أيضا‪ ،‬إساءة ظن باهلل تعالى‪ ،‬حيث يظنون به الظلم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والعبث‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬

‫ﲪ ﲬﲭﲮ ﲯﲰ ﲱﲲﱠ(املؤمنون‪.)116-115 :‬‬


‫ﲫ‬ ‫ﲥﲦﲧ ﲨ ﲩ‬
‫وإلايمان باليوم آلاخر له أثر كبير في استقرار املجتمع واستقامة أفراده‪ ،‬ألن إلانسان‬
‫ينضبط سلوكه ويستقيم‪ ،‬حين يوقن أنه سيـعاقب على كل ظلم وشر‪ ،‬وسيـثاب على كل بر‬
‫َ َ‬
‫وخير‪ ،‬ولذلك اهتم القرآن الكريم بهذا الركن من أركان إلايمان‪ ،‬وأكث َر من الجمع بينه وبين‬
‫إلايمان باهلل تعالى(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬بعض الخالئق التي ال تموت عند الصعقة ألاولى‪ ،‬تموت بعد ذلك‪ ،‬بدليل قوله تعـالى‪ُّ :‬ﭐﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮ‬
‫ﱯَّ(الرحمن‪.)97 - 96 :‬‬
‫(‪ )9‬امليدا ي‪ :‬عبد الرحمن حسن‪ ،‬العقيدة إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.514‬‬
‫(‪ )1‬ياسين‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم‪ ،‬إلايمان حقيقته أركانه نواقضه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.117 - 111‬‬
‫‪92‬‬
‫إلايـمــان بالقضاء والقدر‬
‫إلايمان بالقضاء والقدر‪ :‬إلاقرار الجازم بأن ألاشياء وألاحداث‪ ،‬توجد حسب علم هللا‬
‫تعالى املسبق الشامل وإرادته املطلقة(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫فال ش يء في هذا الكون يحدث اعتباطا‪ ،‬فاهلل تعالى هو الذي قدر منذ ألازل ما يحدث‬
‫قبل أن يحدث‪ ،‬وكيف ومتى وأين سيحدث‪ ،‬وسجل ذلك في كتاب لم يفر فيه بش يء‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﳛﳜﳝﳞﳟﱠ(القمر‪.)9()10 :‬‬
‫وإلايمان بالقضاء والقدر فرع عن إلايمان بأسماء هللا تعالى وصفاته‪ ،‬إذ هو إيمان بعلم‬
‫هللا تعالى الشامل التام‪ ،‬وإرادته املطلقة‪ ،‬وقدرته التي ال حدود لها على فعل ما يريد‪ ،‬وذلك‬
‫على هللا تعالى يسير‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ‬

‫ﲮﲰﲱﲲﲳﲴﱠ (الحديد‪.)99:‬‬
‫ﲯ‬ ‫ﲫ ﲬﲭ‬

‫ولإليمان بالقضاء والقدر آثار عظيمة في نفس املؤمم(‪ ،)1‬أشار إلى أهمها قوله تعالى‪:‬ﭐﱡﭐ ﲟ‬
‫ﲮﲰﲱﲲﲳﲴ‬
‫ﲯ‬ ‫ﲠ ﲡﲢﲣﲤﲥﲦ ﲧﲨﲩ ﲪ ﲫﲬﲭ‬

‫ﲾﳀ ﳁﳂﳃﳄﳅﱠ‬
‫ﲿ‬ ‫ﲵﲶ ﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬
‫(الحديد‪.)91-99:‬‬
‫ٌ‬
‫تهديد بالقتل أو توعد‬ ‫فاملؤمن يواجه املصائب بنفس راضية مطمئنة صابرة‪ ،‬وال يرهبه‬
‫ً‬
‫بقطع الرزق‪ ،‬وال يخاف وال يجزع وال ييأس‪ ،‬وال يداري أحدا وال ينافقه في حق‪ ،‬وإذا أصابه خير‬
‫ال يغتر وال يتكبر على الناس‪ ،‬ألنه يعلم أنه ال يحدث له ش يء إال بإذن هللا تعالى وعلمه‪ ،‬وأن ما‬
‫أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪.‬‬

‫إلايمان بالقضاء والقدر ومسؤولية إلا سان عم أفعاله‬


‫ألاحداث في الحياة نوعان‪ :‬إما أحداث كونية‪ ،‬مثل حركة الشمس والقمر والرياح واملطر‪،‬‬
‫أو أحداث إنسانية‪ ،‬وألاحداث إلانسانية نوعان‪ :‬إما إجبارية ال دخل لإلنسان فيها‪ ،‬مثل والدته‬

‫(‪ )1‬اختلـف العلمــاء فــي تعريــف القضــاء والقــدر فمــنهم مـن قــال‪ :‬القــدر‪ :‬علــم هللا‪ ،‬والقضــاء‪ :‬إيجــاد هللا ألاشــياء حســب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫علمــه وإرادتــه‪ ،‬وقــد عكــس بعضــهم ذلــك فجعــل تعريــف القضــاء للقــدر‪ ،‬ومــنهم مــن ّ‬
‫عرفهمــا تعريفــا واحــدا بــاألمرين‬
‫املذكورين‪ ،‬أنظر‪ :‬ياسين‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم‪ ،‬إلايمان حقيقته أركانه نواقضه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫(‪ )9‬القرضاو ‪ :‬د‪.‬يوسف‪ ،‬إلايمان بالقدر‪ ،‬املكتب إلاسالمي‪ ،‬بيروت‪ 1199 ،9 ،‬هـ‪9991،‬م‪ ،‬ص‪.0‬‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬القرضاو ‪ :‬د‪.‬يوسف‪ ،‬إلايمان بالقدر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 159‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫َ‬
‫وموته ون َس ِب ِه وطوله ولونه‪ ،‬وإما اختيارية‪ ،‬مثل اهتدائه وضالله‪ ،‬واستقامته وعدوانه‪،‬‬
‫وطاعته وعصيانه‪.‬‬
‫أما ألاحداث الكونية وكذلك ألاحداث إلانسانية إلاجبارية‪ ،‬فواضح أنها تقدير مطلق من‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وال اختيار لإلنسان فيها‪.‬‬
‫وأما ألافعال إلانسانية الاختيارية‪ ،‬فهي التي تثير تساؤل الناس كلما ش ِر َح لهم معنى‬
‫عقيدة القضاء والقدر‪ ،‬إذ سرعان ما يواجهون الشارح بسؤال معهود‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫إذا كان كل ش يء يحدث بمشيئة هللا تعالى وعلمه‪ ،‬وال يمكن أن يفعل إنسان ما لم يأذن‬
‫به هللا تعالى‪ ،‬فأين هي حرية إلانسان واختياره؟ وكيف يحاسب هللا تعالى الناس على املعاص ي‪،‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مع أنها مقدرة ومكتوبة مسبقا‪ ،‬وال مفر من حدوثها؟!!‬

‫جوا القرآن الكريم عم هذا السؤال‬


‫إن استشكال الجمع بين عقيدة القضاء والقدر واختيار إلانسان‪ ،‬استشكال قديم احتج‬
‫به املشركون والعصاة لتسويغ شركهم ومعاصيهم‪ ،‬وهو ما حكاه القرآن الكريم ورد عليه‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱝ‬
‫ﱜﱞ‬

‫ﱭ ﱯ ﱰﱱ‬
‫ﱥ ﱧﱨﱩﱪﱫﱬ ﱮ‬
‫ﱦ‬ ‫ﱟﱠﱡﱢﱣﱤ‬

‫ﱻ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﱠ (ألانعام‪- 114:‬‬
‫ﱼ‬ ‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺ‬
‫‪.)110‬‬
‫وقد تضمنت آلايتان الكريمتان ثالثة ردود رئيسة على هذه الشبهة‪:‬‬
‫ً‬
‫الرد ألاول‪ :‬أنه لو كان املشرك والعاص ي مجبرا على ما صدر منه‪ ،‬ملا استحق معاقبة هللا‬
‫تعالى‪،‬ﭐﱡﭐﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱠ‪.‬‬
‫وفي هذا الرد إحالة على ما يشعر به كل إنسان ويعلمه من نفسه‪ ،‬أنه مختار ومسؤول‬
‫ً‬
‫مسؤولية تامة عما يفعل‪ ،‬فهو حين يرتكب خطيئة ما‪ ،‬كالقتل مثال‪ ،‬يؤنب نفسه‪ ،‬ويدرك أنه‬
‫لو عوقب على فعلته‪ ،‬أن ذلك يكون عين العدل‪.‬‬
‫ّ‬
‫املحتج بالقدر على معصيته‪ ،‬يزعم أنه ينفذ إرادة هللا‬ ‫الرد الثا ي‪ :‬أن املشرك والعاص ي‬
‫ّ‬ ‫تعالى وما كتبه عليه منذ ألازل‪ ،‬مع أن ذلك املكتوب ٌ‬
‫غيب لم يطلع عليهﭐﱡﭐﱧﱨﱩ ﱪ‬

‫فهال َو َّح َد هللا تعالى وأطاعه‪،‬‬


‫ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱠ ‪َ ،‬‬

‫‪94‬‬
‫ليكون التوحيد والطاعة هما املكتوبين عليه ال الشرك واملعصية؟! وفي ذلك إشارة إلى أن‬
‫ً َ ً‬
‫سبقا ملا سيقوم به إلانسان بمحض اختياره‪ ،‬وال‬ ‫املكتوب عند هللا تعالى‪ ،‬ليس إال تسجيال م‬
‫سب ٌ كاشف ال يؤثر‬ ‫يؤثر في هذا الاختيار‪ ،‬فعلم هللا تعالى‪ ،‬كما تشير آلاية الكريمة‪ ،‬هو (علم ُم َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في املعلوم)(‪ ،)1‬ونضرب مثاال واقعيا‪ ،‬يقرب إلى ألاذهان هذه الحقيقة‪ ،‬وهلل املثل ألاعلى‪:‬‬
‫ً‬
‫فلو توقع مدرس عالمات تالميذه‪ ،‬ومن سينجح منهم ومن سيرسب‪ ،‬وأخبر مسبقا عن‬
‫توقعاته أو سجلها‪ ،‬وحدث أن صدقت أكثر توقعاته‪ ،‬فرسب أكثر التالميذ الذين توقع لهم‬
‫الرسوب‪ ،‬ونجح أكثر التالميذ الذين توقع لهم النجاح‪ ،‬وحصلوا على عالمات مقاربة أو‬
‫مطابقة ملا توقعه لهم‪ ،‬فإنه ال يستطيع أحد أن يزعم أن توقعات املدرس كانت هي السبب في‬
‫نجاح من نجح ورسوب من رسب‪ ،‬وال يستطيع أحد أن ينكر ضرورة معاقبة الراسبين أو‬
‫ً‬
‫تأنيبهم‪ ،‬ومكافأة الناجحين واملتفوقين‪ .‬ويتضح هنا أن توقع املدرس املسبق‪ ،‬لم يكن مؤثرا في‬
‫حد وث ما توقعه‪ ،‬ولم يقم بإجبار أي تلميذ على النتيجة التي توقعها له‪ ،‬وهكذا هو علم هللا‬
‫تعالى املسبق بما سيفعله العباد‪ ،‬ال يؤثر في إحداث أفعال العباد‪ ،‬فلله تعالى أن يعاقب من‬
‫أساء منهم وخالف‪ ،‬ويكافئ من أحسن وامتثل‪ ،‬لكن الفرق بين توقع املدرس وعلم هللا تعالى‪،‬‬
‫أن ع لم هللا تعالى علم دقيق وشامل وكامل يتناسب مع كمال الذات إلالهية‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يتخلف أو يخطئ‪ ،‬بينما توقع املدرس قد يصيب وقد يخطئ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرد الثالث‪ :‬أن هللا تعالى لو كان مجبرا العباد‪ ،‬ألجبرهم جميعا على طاعته وعبادته‪ ،‬وملا‬
‫وجد مشركون وعصاة‪ ،‬ألن من أراد تحقيق ش يء باإلجبار‪ ،‬فإنما يحقق ما يرضاه ويحبه‪ ،‬ال ما‬
‫يغضبه ويسخطه‪ ،‬فوجود أمثال هؤالء واحتجاجهم بالقدر على معاصيهم وضاللهم‪ ،‬هو بحد‬
‫ذاته دليل على كذب احتجاجهم‪ ،‬ﱡﭐﱸﱹﱺ ﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﱠ‪.‬‬

‫أناقش‪ :‬كيف يمكن أن أفهم نسبة الهداية وإلاضالل إلى هللا تعالى‪ ،‬في مثل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ف ِإ َّن الل َه ي ِض ُّل َم ْن َيشاء َو َي ْه ِدي َم ْن َيشاء﴾(فاطر‪ .)4 :‬أرجع إلى‬
‫ً‬ ‫ّ َ‬ ‫َّ‬
‫ألكون فهما‬
‫ِ‬ ‫و(ضل)‪،‬‬ ‫املعجم املفهرس للقرآن الكريم في جذري (هدى)‪،‬‬
‫ً‬
‫شموليا رخيات الهداية وإلاضالل‪.‬‬

‫(‪ )1‬امليدا ي‪ :‬عبد الرحمن حسن‪ :‬العقيدة إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.615‬‬
‫‪95‬‬
‫خـصـائـص العقيدة إلاسالمية‬
‫تمتاز العقيدة إلاسالمية بخصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬

‫‪ - 2‬الربانية‬
‫إن تفاصيل العقيدة الصحيحة غيب عن إلانسان‪ ،‬وذلك مثل‪ :‬صفات املالئكة ومراحل‬
‫اليوم آلاخر‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬مما ال يمكن أن يصل إلانسان فيه إلى تصورات‬
‫صحيحة عن طريق التجربة والحس أو التفكير‪ ،‬وكم ضل الفالسفة واملحرفون للعقيدة في‬
‫ألاديان السماوية ألاخرى‪ ،‬حين اقتحموا مجال الغيب‪ ،‬وأطلقوا لتفكيرهم وتصوراتهم العنان‪،‬‬
‫في افتراضات ال أساس لها‪ ،‬وال واقع يصدقها‪ ،‬وال يمكن إخضاعها للتجربة(‪.)1‬‬
‫أما املسلم فإنه يستمد املعلومات الغيبية التفصيلية لعقيدته من هللا تعالى‪ ،‬وال يتدخل‬
‫َ‬
‫في تغييرها وفق تصوراته الخاصة‪ ،‬وذلك يكسب العقيدة إلاسالمية الصحة والدقة‪ ،‬ألن‬
‫مصدرها هللا تعالى‪ ،‬الذي يعلم وحده غيب هذه التفصيالت‪.‬‬
‫ً‬
‫وبذلك أيضا أراح إلاسالم املؤمن من البحث فيما ال يمكن أن يصل فيه إلى نتيجة‬
‫صحيحة‪ ،‬وأجاب له على كل ألاسئلة الوجودية املقلقة‪ :‬من أين؟ وإلى أين؟ وملاذا؟ وعرفه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تعريفا شامال ومفصال بالذات إلالهية وصفاتها وأفعالها‪ ،‬وعرفه بخلقه والغاية من هذا الخلق‪،‬‬
‫وعرفه بما هو مطلوب منه‪ ،‬وباليوم آلاخر وما يتلوه‪.‬‬

‫‪ - 0‬موافقة الفطرة والعقل‬


‫تتميز العقيدة إلاسالمية بأنها عقيدة توافق الفطرة‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲲﲴ ﲵﲶﲷ ﲸﲹ ﲺ‬
‫ﲭﲯ ﲰﲱ ﲳ‬
‫ﲦﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲮ‬
‫ﲧ‬

‫ﲻ ﱠ (الروم‪ ،)19 :‬فيتقبل إلانسان هذه العقيدة براحة ورضا‪ ،‬ألنها تنسجم مع ذاته‪،‬‬
‫وتوافق تكوينه‪.‬‬
‫كما أن العقيدة إلاسالمية تتميز بموافقتها للعقل‪ ،‬وال يوجد فيها ما يناقض املنطق‬
‫السديد‪ ،‬أو التفكير السليم‪ .‬ولهذا كثرت في القرآن الكريم الاستدالالت العقلية على الحقائق‬
‫الكبرى في هذه العقيدة‪ ،‬كما أكثر القرآن الكريم من تحدي الكافرين‪ ،‬أن يحتكموا إلى العقل‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬ركائز إلايمان بين العقل والقلب‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1006 ،9 ،‬م‪ ،‬ص ‪.71 - 65‬‬
‫‪96‬‬
‫واملنطق‪ ،‬وأن يأتوا ببراهين عقلية تثبت صحة معتقداتهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱎﱐﱑﱒﱓ ﱔﱕﱠ(النمل‪.)61 :‬‬
‫ﱊ ﱌﱍ ﱏ‬
‫ﱋ‬ ‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ‬

‫‪ - 3‬الوضوح وال ساطة‬


‫تتميز العقيدة إلاسالمية بأنها واضحة بسيطة‪ ،‬يفهمها الجاهل واملتعلم‪ ،‬ويدركها الصغير‬
‫ً‬
‫والكبير‪ ،‬ألنها تقوم على الفطرة وبدهيات العقل‪ ،‬وليست هي فلسفة معقدة‪ ،‬وال تنظيرا فكريا‬
‫ً‬
‫جامدا يصعب شرحه(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫وانظر إلى وضوح وبساطة ما تقرره سورة إلاخالص مثال‪ ،‬التي تقرر توحيد هللا تعالى‬
‫وتنزهه عن مشابهة أحد‪ ،‬وتنزهه عن الزوجة والوالد والولد‪ ،‬وقارن ذلك بعقيدة التثنية (إله‬
‫ً‬
‫للخير وإله للشر) عند املجوس مثال‪ ،‬وعقيدة التثليث عند النصارى‪ ،‬وهي عقيدة ال يمكن أن‬
‫يشرحها أحد أو يستوعبها عقل‪ ،‬فإن إثبات الزوجة والولد هلل تعالى‪ ،‬يثير تساؤالت ال إجابة‬
‫عليها‪ ،‬من مثل‪ :‬كيف كان هذا الاتصال الذي أنتج الولد؟ وكيف تمت الوالدة؟ وأين كان‬
‫املولود قبل الوالدة؟ وكيف أن هللا ‪ -‬تعالى عما يقولون ‪ -‬هو ثالثة أجزاء‪ ،‬ومن منها هو إلاله‬
‫الحقيقي؟‬

‫‪ - 4‬إلايجابية‬
‫إن العقيدة إلاسالمية ليست مجرد فلسفة نظرية‪ ،‬أو ترف فكري ال طائل من ورائه‪ ،‬بل‬
‫إنها عقيدة ذات آثار عملية إيجابية في حياة الفرد وألامة‪.‬‬
‫فهي تحرر الفرد من التعلق باألهواء والشهوات ومن حب الذات‪ ،‬ومن السلبية والعجز‬
‫وألانانية والجشع والطمع والخوف والخضوع للطواغيت‪ ،‬ومن الظلم والعدوان وألاذى‬
‫وإلافساد في ألارض‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتجعل الفرد إنسانا نافعا ملجتمعه والناس‪ ،‬يتصف بالبر وحسن الخلق‪ ،‬ويشعر‬
‫بالطمأنينة والراحة والسعادة والقناعة‪ ،‬يبادر إلى الخير والبذل والعطاء‪ ،‬وينبعث بقوة إلايمان‬
‫إلى إلانتاج والعمل والتقدم واكتشاف سنن هللا تعالى في الكون‪ ،‬ال يسكت على ظلم‪ ،‬وال يصبر‬
‫على ضيم‪.‬‬

‫(‪ )1‬البغ ــا‪ :‬د‪ .‬مص ــطفى ذي ــب‪ ،‬نظ ــام إلاس ــالم ف ــي العقي ــدة وألاخ ــالق والتشـ ـريع‪ ،‬دار الفك ــر‪ ،‬دمش ــق‪ 1114 ،1 ،‬هـ ــ‪،‬‬
‫‪1007‬م‪ ،‬ص ‪.195 - 191‬‬
‫‪97‬‬
‫وهكذ ا أنشأت العقيدة إلاسالمية ذلك الجيل الفريد من الصحابة ‪ ،‬فكانوا خير أمة‬
‫أخرجت للناس‪ ،‬وبنوا حضارة متقدمة على أساس إلايمان والعلم والعمل‪ ،‬وحرروا إلانسان‬
‫من الظلم والاستعباد‪ ،‬ونشروا الحق والخير والعدل‪.‬‬
‫ً َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولم تكن العقيدة إلاسالمية يوما‪ ،‬عامال سلبيا يغ ِيب إلانسان عن واقعه‪ ،‬وال شماعة‬
‫يعلق عليها املسلم عجزه وتخلفه وهزيمته‪ ،‬إال حين يبتعد عن الفهم الصحيح لها‪ ،‬ليغدو‬
‫ً‬
‫إلايمان بالقضاء والقدر مسوغا للسلبية والاستسالم لألمر الواقع‪ ،‬وليصبح إلايمان بارخخرة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دافعا إلى الرضا بالذل والفقر والظلم‪ ،‬أمال في تعويض أخروي وانتقام إلهي من الظلمة‬
‫واملعتدين‪ ،‬وليعزى كل فشل أو إخفاق أو تعثر في الحياة إلى أسباب غير مفهمومة‪ ،‬ال إلى ما‬
‫نكسبه بأنفسنا وما نجنيه بأخطائنا!!(‪.)1‬‬

‫أنشطة حوارية مقترحة‪:‬‬


‫يقوم الطلبة بمناقشة املوضوعات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬إلالحاد املعاصر وشبهاته‪.‬‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬خرافة إلالحاد‪/‬د‪ .‬عمرو الشريف‬
‫‪ -‬رحلة عقل‪/‬د‪ .‬عمرو الشريف‬
‫‪ -‬كبرى اليقينيات الكونية‪/‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي‬
‫‪ .9‬الجن والسحر‪ ،‬العين والحسد (بين الودود وحقيقة التأثير)‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬عالم السحر والشعوذة‪ /‬عمر ألاشقر‬
‫‪ -‬حلقة نقاشية ملجموعة من العلماء واملختصين في برنامج الوسطية بعنوان‪" :‬تأثير‬
‫السحر والجن بين إلانكار وإلاثبات"( وهي من جزأين ومودودة على اليوتيوب)‬

‫(‪ )1‬أنظ ــر‪ :‬الغزال ـي‪ :‬محم ــد‪ ،‬رك ــائز إلايم ــان ب ــين العق ــل والقل ــب‪ ،‬مرج ــع س ــابق‪ ،‬ص ‪ ،05 - 45‬املب ــارك‪ :‬محم ــد‪ ،‬نظ ــام‬
‫إلاسالم‪ :‬العقيدة والعبادة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ 1109 ،9 ،‬هـ‪1079 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 11‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫أقرأ وأستمتع‬

‫العزة التي ُّ‬


‫تبثها العقيدة إلاسالمية في نفس املؤمم‬

‫إن من أهم آثار العقيدة إلاسالمية في املؤمن‪ :‬تلك العزة التي تمأل نفسه‪ ،‬بحيث يستهين‬
‫معها بكل الطواغيت والجبابرة‪ ،‬ويثور على الظلم والقهر‪ ،‬وينفجر في وجه الظاملين‬
‫آبه بسلطانهم وجبروتهم‪ ،‬ألنه يأوي إلى ركن شديد‪ ،‬ونظره ال يقتصر على‬ ‫واملستكبرين‪ ،‬غير ٍ‬
‫ظاهر الحياة الدنيا‪ ،‬إنما يمتد إلى يوم عظيم تشخص فيه أبصار الظاملين‪:‬‬
‫‪ -‬ويصور لنا القرآن الكريم تلك العزة والتحرر في قصة سحرة فرعون الذيم آمنوا‬
‫ﱮﱰ‬
‫ﱯ‬ ‫بموس ى ‪ ،‬وكيف واجهوا الطاغية بإيمانهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱨﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ‬

‫ﱳ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﱴ‬ ‫ﱱﱲ‬

‫ﲐ ﲒﲓ ﲔﲕ ﲖﲗ ﲘ‬
‫ﲑ‬ ‫ﲊ ﲌﲍﲎﲏ‬
‫ﲆﲇﲈ ﲉ ﲋ‬

‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬

‫ﳁ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘ‬
‫ﳂ‬

‫ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧﳨ ﳩ ﳪ‬

‫ﳫﳬﳭ ﱠ(طه‪.)76 - 60:‬‬


‫‪ -‬ويرو لنا الطبر قصة دخول ِر ِبع ُّي بم عامر ‪ ‬على رستم في معسكره قبل معركة‬
‫ً‬
‫بعي َلي ْدخ َل على رستم‬ ‫مبعوثا من سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬يقول‪( :‬فخرج ر ّ‬ ‫القادسية‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أهل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملجيئه‪ ،‬فاستشار عظماء ِ‬ ‫ِ‬ ‫عسكره‪ ،‬فاحتبسه الذين على القنط َر ِة‪َ ،‬وأر ِس َل إلى رستم‬
‫ترون؟ َأن َباهي أم َن َتهاون؟ َف َ‬
‫أجم َع ملؤهم على التهاون‪ ،‬فأظهروا ّ‬
‫الزْب ِر َج‬ ‫َ‬ ‫فارس‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫مارق‪ ،‬ولم يتركوا شيئا‪َ ،‬وو ِض َع لرستم سرير الذهب‪ ،‬وأل ِبس ِزينته من‬ ‫ِ‬ ‫وبسطوا البسط والن‬
‫َْ‬
‫ألانما والوسائد املنسوجة بالذهب‪َ ،‬وأق َب َل ربعي يسير على فرس له زَّباء(‪ )1‬قصيرة‪ ،‬معه‬

‫(‪ )1‬طويلة الشعر كثيرته‪.‬‬


‫‪99‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫معلوب(‪ِ )9‬بق ٍّد‪ ،‬معه َح َجفة(‪ )1‬من جلود‬ ‫ٌ‬ ‫ثوب خ ِلق‪َ ،‬ورمحه‬ ‫وغمده ِلفافة ٍ‬
‫وف(‪ْ ِ ،)1‬‬ ‫سيف له َمش‬
‫امللك وانتهى إليه‬ ‫فلما َغ َش ى َ‬ ‫البقر‪ ،‬على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف‪ ،‬ومعه قوسه َون ْبله‪َّ ،‬‬
‫َ َ‬
‫فح َملها على البسا ‪ ،‬فلما استوت عليه‪ ،‬نزل عنها وربطها‬ ‫وإلى أدنى البسط‪ ،‬قيل له‪ :‬انزل‪،‬‬
‫نَ‬ ‫َّ َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫بوسادتين فش َّقهما‪ ،‬ثم أدخل الحبل فيهما‪ ،‬فلم يستطيعوا أن َين َهوه‪ ،‬وإنما أروه التهاو ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫اجهم‪ ،‬وعليه ٌ‬
‫درع له كأنها أضاة(‪َ ،)1‬و َيل َمقه(‪ )5‬عباءة بعيره‪ ،‬قد‬ ‫وعرف ما أرادوا‪ ،‬فأراد استحر َ‬
‫أسه بمعجرته‪ ،‬وكان أكثر العرب‬ ‫شد ر َ‬ ‫بس َلب(‪ ،)7‬وقد َّ‬ ‫وشدها على وسطه َ‬ ‫َج َابها(‪َ )6‬و َت َّد َّر َعها‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ومعجرته ِنسعة بعيره‪ ،‬ولر ِأسه أربع ضفائر‪ ،‬قد ق ْمن ِقياما كأنهن قرون ِ‬
‫الوعلة‪،‬‬ ‫شعرة‪ِ ،‬‬
‫فأضع سالحي بأمركم‪ ،‬أنتم دعوتموني‪ ،‬فإن أبيتم‬ ‫َ‬ ‫فقالوا‪ :‬ضع سالحك‪ ،‬فقال‪ :‬إني لم آ ِتكم‬
‫آتيكم كما أريد رجعت‪ ،‬فأخبروا رستم‪ ،‬فقال‪ :‬ائذنوا له‪ ،‬هل هو إال رجل واحد! فأقبل‬ ‫أن َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُّ َّ َ‬ ‫َ ُّ َ ٌ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫مارق والبسط‪ ،‬فما ترك لهم نمرقة وال‬ ‫يتوكأ على رمحه‪ ،‬وزجه نصل يقارب الخطو‪ ،‬ويزج الن ِ‬
‫َّ‬ ‫ً َ ًَ‬ ‫ً‬
‫ِبساطا إال أفسده وتركه منه ِتكا مخ َّرقا‪ ،‬فلما دنا من رستم تعل َق به الحرس‪ ،‬وجلس على‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ألارض َو َر َك َز ر َ‬
‫َ‬
‫القعود على‬ ‫محه بالبسط‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما َح َمل َك على هذا؟! قال‪ :‬إنا ال ن ْس َت ِح ُّب‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫خر َج َمن ش َاء من‬ ‫زينتكم هذه‪ ،‬فكلمه فقال‪ :‬ما جاء بكم؟ قال‪ :‬هللا ابتعثنا‪ ،‬وهللا جاء بنا‪ ،‬لن ِ‬
‫الدنيا إلى َس َع ِت َها‪ ،‬ومن َج ْو ِر ألاديان إلى عدل إلاسالم‪،‬‬ ‫عبادة العباد إلى عبادة هللا‪ ،‬ومن ضيق ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫إليه‪ ،‬فمن ق ِبل ِمنا ذلك ق ِبلنا ذلك منه ورجعنا عنه‪،‬‬ ‫فأرسلنا بدينه إلى خل ِق ِه لندعوهم ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ ً ّ ْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫وعود ال ِله‪ ،‬قال‪ :‬وما موعود‬ ‫وتركناه وأرضه ي ِل َيها دوننا‪ ،‬ومن أبى قاتلناه أبدا‪ ،‬حتى نف ِض ي ِإلى م ِ‬
‫ّ‬ ‫ّالله؟ قال‪َ :‬‬
‫الج ّنة ملن مات على قتال من أبى‪ ،‬والظفر ملن بقي‪ ،‬فقال رستم‪ :‬قد سمعت‬
‫َ‬
‫ألامر حتى ننظر فيه وتنظروا! قال‪ :‬نعم‪ ،‬كم أ َح ُّب ِإليكم؟‬ ‫مقالتكم‪ ،‬فهل لكم أن تؤخروا هذا َ‬
‫ً‬
‫أهل رأينا‪ ،‬ورؤساء قومنا‪ .‬وأر َاد مقاربته ومدافعته‪،‬‬ ‫أيوما أو يومين؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬بل حتى نكاتب َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاعداء من آذا ِن َنا‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫وعم َل به أئمتنا‪ ،‬أال ن َم ِك َن‬ ‫فقال‪ :‬إن مما سنّ لنا رسول هللا ‪ِ ‬‬
‫َ ّ ّ‬
‫ً‬ ‫أكثر من ثالث‪ ،‬فنحن ّ‬ ‫َنؤ ّج َلهم عند اللقاء َ‬
‫مترددون عنكم ثالثا‪ ،‬فانظر في أمرك وأمرهم‪ ،‬واختر‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬املشوف‪ :‬املجلو‪.‬‬


‫(‪ )9‬يقال‪ :‬علب الرمج فهو معلوب‪ ،‬أي حزم مقبضه بعلباء البعير‪ ،‬وهو عنقه‪.‬‬
‫(‪ )1‬الحجفة‪ :‬الترس‪.‬‬
‫(‪ )1‬ألاضاة‪ :‬الغدير‪.‬‬
‫(‪ )5‬اليلمق‪ :‬القباء‪.‬‬
‫(‪ )6‬جبت القميص‪ :‬قورت جيبه‪.‬‬
‫(‪ )7‬السلب‪ :‬ليف املقل‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫الج َز َاء فنقبل ونكف عنك‪ ،‬وإن‬ ‫ثالث بعد ألاجل‪ ،‬اختر إلاسالم وندعك وأرضك‪ ،‬أو ِ‬ ‫واحدة من ٍ‬
‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه‪ ،‬وإن كنت إليه محتاجا منعناك‪ ،‬أو املنابذة في اليوم الرابع‪،‬‬
‫كفيل لك بذلك على أصحابي‬ ‫ٌ‬ ‫ولسنا نبدؤ َك فيما بيننا وبين اليوم الرابع‪ ،‬إال أن َ‬
‫تبدأنا‪ ،‬أنا‬
‫َ‬
‫وعلى جميع من ترى‪ ،‬قال‪ :‬أ َس ِّيدهم أنت؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن املسلمين كالجسد بعضهم من‬
‫بعض‪ ،‬يجير أدناهم على أعالهم‪ .‬فخلص رستم برؤساء أهل فارس‪ ،‬فقال‪ :‬ما ترون؟ هل‬
‫أعز من كالم هذا الرجل؟ قالوا‪ :‬معاذ هللا لك أن َ‬ ‫أوضح وال َّ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫تميل إلى ش ٍيء من هذا‬ ‫رأيتم قط‬
‫ثيابه! فقال‪َ :‬و ْي َحكم‪ ،‬ال تنظروا إلى الثياب‪ ،‬ولكن انظروا إلى‬ ‫وتدع دينك لهذا الكلب! أما ترى َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُّ‬
‫ست ِخف باللباس واملأكل ويصونون ألاحساب‪ ،‬ليسوا مثلكم‬ ‫الرأي والكالم والسيرة‪َّ ،‬إن العرب ت‬
‫َ‬ ‫في اللباس‪ ،‬وال َي َر ْو َن فيه ما ترون‪ .‬وأقبلوا إليه يتناولون‬
‫سالحه‪َ ،‬وي َز ِّهدونه فيه‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫نار‪ ،‬فقال القوم‪ :‬اغمده‪،‬‬ ‫هل لكم إلى أن ترو ِني فا ِريكم؟ فأخرج سيفه من ِخر ِقه كأنه شعلة ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬
‫فغ َم َده‪ ،‬ثم رمى ترسا و َر َم ْوا َح َج َفته‪ ،‬فخ ِرق ترسهم‪ ،‬وسلمت َح َجفته‪ ،‬فقال‪ :‬يا أهل فارس‪،‬‬
‫َّ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ص َّغ ْرناه َّن‪ .‬ثم رجع إلى أن ينظروا إلى ألاجل)(‪.)1‬‬ ‫واللباس والشراب‪ِ ،‬وإنا‬ ‫إنكم عظمتم الطعام ِ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬الطبر ‪ :‬محمد بن جرير‪ ،‬تاريخ الطبر ‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمـد أبـو الفضـل ابـراهيم‪ ،‬دار املعـارف‪ ،‬القـاهرة‪514/1 ،1 ،‬‬
‫‪ ،591 -‬وانظر‪ :‬ابم كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬بيروت‪.10/7 ،‬‬
‫‪111‬‬
‫الشــريـعـة إلاسـالميــة‬
‫(إن شريعة محمد ستسود العالم‪،‬‬
‫النسجامها مع العقل والحكمة)‪.‬‬
‫تولستوي الروائي العالمي الشهير‬

‫بعث هللا تعالى رسله إلى الناس‪ ،‬ليدعوهم إلى اتباع شرائعه وأحكامه‪ ،‬التي تحقق لهم‬
‫السعادة في الدنيا وآلاخرة‪ ،‬وآخر هذه الشرائع هي الشريعة إلاسالمية‪.‬‬

‫مـفـهــوم الشـريـعـة إلاسـالمـيـة‬

‫تطلق الشريعة في اللغة على معنيين‪:‬‬


‫ألاول‪ :‬مورد املاء الذي يرده الناس للشرب‪ .‬والثاني‪ :‬كل ش يء يفتح في استقامة وامتداد‬
‫ً‬
‫يكون فيه‪ ،‬ومن هنا سمي الشراع شراعا(‪.)1‬‬
‫وهكذا شريعة إلاسالم‪ ،‬فهي الطريق املستقيم الذي يرده العباد للهداية(‪.)9‬‬
‫والشريعة إلاسالمية في الاصطالح تطلق على معنيين‪ :‬عام وخاص‪:‬‬
‫فاملعنى العام‪ ،‬يشمل جميع جوانب إلاسالم النظرية والعملية‪ ،‬فيشمل حقائق العقيدة‪،‬‬
‫كما يشمل ألاحكام العملية في العبادات واملعامالت وغيرها مما اصط ِلح على تسميته بالفقه‪.‬‬
‫أما املعنى الخاص فيختص بأحكام إلاسالم العملية وال يشمل أحكامه النظرية‪ ،‬أي أنه‬
‫يختص بالفقه دون العقيدة‪.‬‬
‫ولذلك نقول‪( :‬إلاسالم عقيدة وشريعة)‪ ،‬ونعني بالشريعة في هذه العبارة‪ :‬ألاحكام الفقهية‬
‫العملية في إلاسالم‪ ،‬دون حقائق العقيدة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ابــم فــارس‪ :‬أحمــد بــن فــارس‪ ،‬معجــم مقــاييس اللغــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،969/1 ،‬ابــم منظــور‪ :‬علــي بــن مكــرم‪ ،‬لســان‬
‫العر ‪ ،‬مرجع سابق‪.191 - 199/1 ،‬‬
‫(‪ )9‬التميمي‪ :‬عز الدين الخطيب‪ ،‬وآخرون‪ ،‬نظرات في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫(‪ )1‬جـ ـرار‪ :‬بسـ ــام‪ :‬دراسـ ــات فـ ــي الفك ــر إلاسـ ــالمي‪ ،‬مركـ ــز نـ ــون للدراسـ ــات وألابحـ ــاث القرآنيـ ــة‪ ،‬البيـ ــرة‪ ،‬فلسـ ــطين‪،9 ،‬‬
‫‪1197‬هـ‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪112‬‬
‫خـصـائـص الشـريـعـة إلاسـالمـيـة‬
‫تتميز الشريعة إلاسالمية بجملة خصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬الربانية‬
‫الشريعة إلاسالمية منزلة من هللا تعالى‪ ،‬بخالف النظم والشرائع الوضعية‪ ،‬فإنها بشرية‬
‫وليدة فكر إلانسان ونتاج عقله‪ ،‬وينتج عن هذه الخصيصة‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أن الشريعة إلاسالمية كاملة تخلو من النقص‪ ،‬وال تحتاج إلى التعديل والاستدراك‬
‫وإلاضافة بين فترة وأخرى‪ ،‬ألن منزلها هو هللا تعالى املتصف بالكمال والحكمة والعلم‪ ،‬فال‬
‫يفاجئه ش يء في املستقبل لم يكن بالحسبان‪.‬‬
‫ً‬
‫أما النظم والشرائع ألاخرى‪ ،‬فإنها ال كمال فيها وال استقرار لها‪ ،‬تراها دائما متغيرة‪ ،‬يجري‬
‫بشر محدود التفكير قاصر‬‫عليها التعديل‪ ،‬وتكتشف فيها ألاخطاء والفجوات‪ ،‬ألن من وضعها ٌ‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وجد عند أتباعها دافعا ذاتيا ورغبة قوية لاللتزام بها‪،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أن الشريعة إلاسالمية ت ِ‬
‫فاملسلم يلتزم بشريعته بقوة ورغبة‪ ،‬وفي كل وقت وظرف‪ ،‬في السر والعالنية‪ ،‬ألن منزل هذه‬
‫الشريعة هو هللا تعالى‪ ،‬الذي ال تخفى عليه خافية (‪.)1‬‬
‫طبق بقوة القانون‪ ،‬وليس بدافع الرقابة‬ ‫وذلك بخالف الشرائع والنظم ألاخرى‪ ،‬فإنها ت َّ‬
‫الذاتية والرغبة الحقيقية‪ ،‬ويضعف الالتزام بها حين تغفل أعين الدولة‪.‬‬
‫أناقش‪ :‬قد يقول بعض الناس‪ :‬إن الربانية ليست ميزة‬
‫للشريعة إلاسالمية‪ ،‬حيث يشاركها في ذلك اليهودية‬
‫ً‬
‫واملسيحية مثال!‬
‫‪ )0‬العاملية في املكان والزمان‬
‫الشريعة إلاسالمية شريعة عاملية‪ ،‬ليست محدودة بمكان وال مؤقتة بزمان‪ ،‬وليست‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موجهة إلى أناس معينين دون غيرهم‪ ،‬وال تميز جنسا عن جنس وال عرقا عن عرق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱡﭐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﱠ (ألاعراف‪.)9()154 :‬‬
‫وأما النظم والشرائع ألاخرى‪ ،‬فإنها محدودة بمكان دون غيره‪ ،‬وقد تصلح لزمن دون‬
‫آخر‪ ،‬ويقوم بعضها على التمييز بين الناس على أسس عرقية ودينية وغيرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬زيدان‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم‪ ،‬املدخل لدراسة الشريعة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10 - 15‬‬
‫(‪ )9‬زيدان‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم‪ ،‬املدخل لدراسة الشريعة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19 - 10‬‬
‫‪113‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جاءت الشريعة إلاسالمية‪ ،‬على نحو يحقق عامليتها وبقاءها وامتدادها في املكان‬
‫والزمان‪ ،‬حيث جاءت أحكامها على نوعين‪:‬‬
‫النوع ألاول‪ :‬أحكام تفصيلية‪ :‬تتعلق بحقائق ثابتة‪ ،‬ال يتصور أن يستغني إلانسان عنها‬
‫في أي زمان أو مكان‪ ،‬وال يتصور مجيء عصر تتغير فيه‪ ،‬مثل أحكام العقيدة والعبادات‬
‫وألاخالق وألاحوال الشخصية‪ ،‬فهذه ألاحكام ال تتغير تفاصيلها بتغير الزمان والظروف‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يزاد عليها وال ينقص منها‪ ،‬فالكذب مثال ال يمكن أن يصبح مستحسنا مع تقدم الزمن وتطور‬
‫إلانسان‪ ،‬وصالة الظهر أربع ركعات‪ ،‬ال يتغير عددها بمرور الزمن وتقدم إلانسان‪ ،‬ومقادير‬
‫امليراث ثابتة ال تتغير وال تتبدل‪.‬‬
‫َ‬
‫تزود إلانسان بتوجيهات عامة وكلية‪ ،‬وذلك في‬ ‫النوع الثا ي‪ :‬مبادئ عامة‪ :‬وهي قواعد ّ‬
‫املجاالت التي يتطور فيها إلانسان من زمان إلى زمان‪ ،‬ومن مكان إلى آخر‪ ،‬مثل أحكام الشريعة‬
‫في مجاالت ا ملعامالت والاقتصاد والسياسة‪ ،‬حيث جاءت الشريعة ببيان مبادئها ومقاصدها‬
‫العامة‪ ،‬التي ال يمكن أن تضيق بحاجات الناس‪ ،‬وال أن تتخلف عن أي مستوى ٍ‬
‫عال يبلغه‬
‫فصلوا ما يرونه من وسائل ونظ ٍم‪ ،‬بما‬ ‫إلانسان‪ ،‬تاركة للمجتمعات والناس أن يختاروا وي ّ‬
‫يواكب التطورات واملستجدات ومصالح الناس‪ ،‬ويحقق مبادئ الشريعة ويوافق مقاصدها‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن ألامثلة على هذه املبادئ‪ :‬مبدأ العدل في الحكم بين الناس‪ ،‬فمثال إذا رئي أن تحقيق‬
‫العدالة يستلزم إقامة محاكم‪ ،‬وأن تكون على ثالث درجات‪ ،‬وأن تتكون من أكثر من قاض‪،‬‬
‫وأن تنظم املرافعات فيها وفق أصول وقواعد مرعية‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فإن الشريعة ال تعارض‬
‫ذلك‪ ،‬ما دام يحقق مبدأ العدل(‪.)1‬‬
‫أعلل‪ :‬ال يعارض إلاسالم إجراء العقود التجارية بوسائل الاتصال‬
‫الحديثة‪ ،‬مثل شبكة إلانترنت‪ ،‬ضمن ضوابط محددة‪ ،‬كما ال‬
‫ً‬
‫يعارض صورا حديثة للشركات‪ ،‬مثل شركات املساهمة‪ ،‬ملاذا؟!‬
‫‪ )3‬الشمول والتوازن‬
‫نظمت الشريعة إلاسالمية جميع جوانب الحياة‪ ،‬فما من شأن من شؤون الناس في‬
‫الحياة الخاصة أو العامة‪ ،‬صغير أو كبير‪ ،‬إال وعالجته بتعاليم سامية وتوجيهات إلهية وأحكام‬
‫هادية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐﱟﱠﱡﱢ ﱣﱤﱠ(النحل‪.)40 :‬‬

‫(‪ )1‬زيدان‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم‪ ،‬املدخل لدراسة الشريعة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10 - 11‬‬
‫‪114‬‬
‫وقد جاء هذا التنظيم على نحو يوازن بين الدنيا وآلاخرة‪ ،‬وبين املادة والروح‪ ،‬وبين‬
‫مطالب الفرد ومطالب الجماعة‪ ،‬فال يطغى جانب على آخر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱚ‬

‫ﲼﲾ ﲿ‬
‫ﲽ‬ ‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ (البقرة‪ ،)111 :‬وقال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ﳀﳁﳂﱠ (القصص‪.)77 :‬‬


‫أما النظم والشرائع ألاخرى‪ ،‬فإنها تقتصر على جوانب في الحياة وتهمل جوانب أخرى‪،‬‬
‫ولم تنظم حياة إلانسان وشؤونه بشمول وتوازن‪ ،‬فقد يركز بعضها على الدنيا دون آلاخرة‪،‬‬
‫بينما يغرق بعضها في شؤون آلاخرة ويهمل مطالب الدنيا‪ ،‬أو قد يركز بعضها على الرهبنة على‬
‫حساب الجسد‪ ،‬أو على املادة وشهوات الجسد دون الروح‪ ،‬وبعضها قد يقدم مصلحة الفرد‬
‫على مصلحة املجتمع‪ ،‬أو الاعتبارات الجماعية على املطالب الفردية‪.‬‬
‫ضح في كل من الشرائع واملذاهب آلاتية‪ ،‬الجانب أو‬ ‫شاط‪َ :‬أو ّ‬
‫ِ‬
‫الجوانب التي تطرفت فيها‪ ،‬والجانب أو الجوانب التي أغفلتها‪:‬‬
‫اليهودية‪ ،‬البوذية‪ ،‬املسيحية‪ ،‬الرأسمالية‪ ،‬الاشتراكية‪.‬‬

‫‪ )4‬تحقي مصالح الناس في العاجل وآلاجل‬


‫تهدف أحكام الشريعة إلاسالمية إلى إقامة العدل بين الناس‪ ،‬ومحاربة الظلم‪ ،‬وتحرير‬
‫إلانسان من العبودية لغير هللا تعالى‪ ،‬وعمارة ألارض‪ ،‬وحماية الضعفاء‪ ،‬وسد حاجات‬
‫املحتاجين‪ ،‬وإقامة املجتمع إلانساني على أسس العدالة والتعاون والتكافل واملثل العليا في‬
‫ألاخالق واملعامالت‪ ،‬وكل ما فيه منفعة ومصلحة فإنه من الشريعة‪ ،‬وكل ما فيه ضرر‬
‫ومفسدة فإنه ليس من الشريعة‪.‬‬
‫يقول الشاطبي‪( :‬إن وضع الشرائع‪ ،‬إنما هو ملصالح العباد في العاجل وآلاجل)(‪ ،)1‬ويقول‬
‫َ‬
‫الحك ِم ومصالح العباد في املعاش واملعاد‪ ،‬وهي‬
‫ابن القيم‪( :‬فإن الشريعة مبناها وأساسها على ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪ ،‬ومصالح كلها‪ ،‬وحكمة كلها‪ ،‬فكل مسألة خرجت عن العدل إلى‬
‫الجور‪ ،‬وعن الرحمة إلى ضدها‪ ،‬وعن املصلحة إلى املفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث‪ ،‬فليست‬

‫(‪ )1‬الشــاطبي‪ :‬إبـراهيم بــن موسـ ى‪ ،‬املوافقــات فــي أصــول الشـريعة‪ ،‬ضــبط نصــه وقــدم لــه وعلــق عليــه وخـ ّـرج أحاديثــه‪:‬‬
‫مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬السعودية‪1،1007 ،‬م‪.0/9 ،‬‬
‫‪115‬‬
‫من الشريعة في ش يء‪ ،‬وإن أدخلت فيها بالتأويل‪ ،‬فالشريعة عدل هللا بين عباده‪ ،‬ورحمته بين‬
‫خلقه)(‪.)1‬‬
‫أتنبه‪ :‬كل املذاهب والقوانين الوضعية‪ ،‬تزعم أنها إنما وضعت لتحقيق ما‬
‫فيه مصلحة الناس‪ ،‬ولكن ما يميز الشريعة إلاسالمية‪ ،‬أنها ألاقدر على‬
‫تحديد وتحقيق مصالح إلانسان الحقيقية‪ ،‬وعلى تحديد وإبعاد املفاسد‬
‫واملضار الحقيقية عنه‪ ،‬ألن من أنزل هذه الشريعة هو هللا تعالى‪ ،‬الذي‬
‫خلق إلانسان‪ ،‬وهو وحده يعلم ما يريحه ويحقق سعادته ومصالحه‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﱌ ﱍﱎﱏﱐﱑﱒ ﱠ(امللك‪.)11 :‬‬
‫وقد استفاضت نصوص الشريعة العامة والخاصة‪ ،‬التي تؤكد أن املقصود من إنزال‬
‫الشريعة تحقيق مصالح الناس ودفع املفاسد عنهم‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﱠ (ألانبياء‪،)197 :‬‬ ‫فمن ألادلة العامة‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷﱹﱺﱻﱠ (النحل‪.)09 :‬‬
‫ﱸ‬
‫وألادلة الخاصة‪ ،‬هي نصوص عللت تفاصيل ألاحكام الشرعية‪ ،‬بتحقيق مصالح الناس‬
‫ﲸ‬ ‫ﲷ‬ ‫ودفع املفاسد عنهم‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲹ ﲺﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﱠ (العنكبوت‪ ،)15 :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ‬

‫ﱕﱠ (املائدة‪.)01 :‬‬

‫(‪ )1‬ابم قـيم الجوزيـة‪ :‬محمـد بـن أبـي بكـر‪ ،‬دعـالم املـوقعين عـم ر العـاملين‪ ،‬ضـبط وتعليـق وتخـريج‪ :‬محمـد املعتصـم‬
‫باهلل البغدادي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪1116 ،1 ،‬هـ‪1006 ،‬م‪.7 - 6/1 ،‬‬
‫‪116‬‬
‫قـواعـد الـتـشــريـع إلاسـالمــي‬
‫لقد صاغ العلماء أحكام الشريعة إلاسالمية ومقاصدها في عبارات موجزة دقيقة‪ ،‬على‬
‫شكل قواعد‪ ،‬تساعد في جمع شتات الفقه‪ ،‬وتسهل حفظه وفهمه‪ ،‬من خالل ما بات يعرف‬
‫بقواعد التشريع إلاسالمي‪ ،‬أو القواعد الفقهية‪.‬‬
‫وعدد القواعد الفقهية يبلغ املئات‪ ،‬بيد أنها ليست على نفس الشهرة والاتساع وألاهمية‪.‬‬
‫عام على أنها‪:‬‬
‫بشكل ٍ‬‫ٍ‬ ‫أت ـع ـلــم‪ :‬ي َع ِّرف العلماء القاعدة‬
‫"قضية كلية منطبقة على جميع أجزائها")(‪.)1‬‬
‫وأهمها القواعد الفقهية ألاساسية الخمسة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬ألامور بمقاصدها‪.‬‬
‫‪ -9‬الضرر يزال‪.‬‬
‫‪ -1‬اليقين ال يزول بالشك‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -1‬العادة محكمة‪.‬‬
‫‪ -5‬املشقة تجلب التيسير‪.‬‬
‫فقاعدة ألامور بمقاصدها قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة‪ ،‬دلت عليها نصوص‬
‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ُ ّ‬
‫ات َو ِدن َما ِلك ِ ّل ْام ِر ٍئ َما ن َوى)(‪.)9‬‬
‫الن َّي ِ‬
‫كثيرة‪ ،‬منها قوله ‪ِ ( :‬دنما ألاعمال ِب ِ‬
‫ومعناها‪ :‬أن أعمال الشخص وتصرفاته القولية والفعلية‪ ،‬تختلف نتائجها وأحكامها‬
‫الشرعية باختالف قصد الشخص منها‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬من يتزوج املطلقة ثالثا بقصد أن يطلقها لتحل لزوجها ألاول‪ ،‬فإن زواجه‬
‫محرم وغير مشروع‪.‬‬‫هذا َّ‬
‫وقاعدة الضرر يزال قاعدة أخرى عظيمة من قواعد الشريعة‪ ،‬دل عليها أدلة كثيرة‪،‬‬
‫َ‬
‫منها‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺﱠ (البقرة‪ ،)911:‬وقوله ‪( :‬ال ض َر َر َوال‬
‫ِض َرار)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الجرجا ي‪ :‬علي بن محمد‪ ،‬التعريفات‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1110 ،1 ،‬هـ‪1004،‬م‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي‪ ،‬حديث رقم‪ ،1:‬ج‪ ،1‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابــم ماجــه‪ ،‬محمــد بــن يزيــد‪ ،‬ســنن ابــم ماجــه‪ ،‬تحقيــق وتعليــق‪ :‬محمــد فــؤاد عبــد البــاقي‪ ،‬وألاحاديــث مذيلــة‬
‫بأحكام ألالباني عليها‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬كتاب ألاحكام‪ ،‬باب من بنى في حقـه مـا يضـر بجـاره‪ ،‬حـديث رقـم‪ ،911 :‬ج‪،9‬‬
‫ً‬
‫ص‪ ،741‬وسيشــار إل ــى هــذا املرج ــع فيمــا بع ــد اختصــارا هك ــذا‪ :‬رواه ابــن ماج ــه‪ ،‬ورواه أحمــد‪ ،‬م ــن مســند بن ــى هاش ــم‪،‬‬
‫‪117‬‬
‫ومعناها‪ :‬أن كل عمل يسبب الضرر للنفس أو لآلخرين‪ ،‬فإنه يكون غير مشروع‪ ،‬ويجب‬
‫رفعه وإزالته‪.‬‬
‫ً‬
‫حرم إقامة مصنع كيماويات مثال في حي سكني‪ ،‬ملا َيلحق‬ ‫ّ‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬أن إلاسالم ي ِ‬
‫بالسكان من ضرر‪ ،‬وملا يؤدي إليه من تلويث للبيئة وإتالف ملكوناتها‪.‬‬
‫ومن القواعد املتفرعة عن قاعدة (الضرر يزال)‪ :‬قاعدة‪( :‬سد الذرائع)‪ ،‬وقد دلت عليها‬
‫نصوص كثيرة في الشريعة‪ ،‬منها قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬

‫ﲥﲦﱠ(ألانعام‪.)194 :‬‬
‫ومعناها‪ :‬أن العمل املشروع في ألاصل‪ ،‬يصبح غير مشروع‪ ،‬إذا وجدت ظروف يؤدي‬
‫معها إلى مفاسد ومضار‪ ،‬فمع أن تسفيه ألاصنام‪ ،‬هو أمر مطلوب في ألاصل‪ ،‬ألنه إحقاق‬
‫ً‬
‫للحق وإبطال للباطل‪ ،‬إال أنه يصبح منهيا عنه‪ ،‬إذا خشينا أن يرد املشركون على ذلك‪ ،‬بسب‬
‫هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومم ألامثلة على قاعدة سد الذرائع‪:‬‬
‫اس َأنَّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬تعليل النبي ‪ ‬امتناعه عن قتل زعيم املنافقين بقوله‪( :‬دعه‪ ،‬ال يتحدث الن ُ‬
‫ص َح َاب ُه)(‪ ،)1‬فمع أن التخلص من بعض املفسدين في املجتمع هو أمر مطلوب‬ ‫ُم َح َّم ًدا َي ْق ُت ُل َأ ْ‬
‫ً‬
‫في ألاصل‪ ،‬إال أنه يصبح أمرا غير مرغوب‪ ،‬إذا خشينا أن يترتب عليه مفاسد أكبر‪.‬‬
‫‪ -‬قيام عمر بن الخطاب ‪ ‬بقطع الشجرة التي تمت عندها بيعة الرضوان‪ ،‬ألنه رأى‬
‫ً‬
‫الناس يكثرون من الصالة عندها‪ ،‬وذلك منه ‪ ‬سدا لذريعة الشرك(‪.)9‬‬
‫والقاعدة الثالثة من القواعد الفقهية ألاساسية الخمسة‪:‬‬
‫ً‬
‫قاعدة اليقين ال يزول بالشك‪ ،‬وأساسها أن الظن ال يغني من الحق شيئا‪.‬‬
‫ومعناها‪ :‬أن ما ثبت بيقين‪ ،‬ال يزول إال بيقين مثله‪ ،‬وال يزول بمجرد الشك‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬أن من كان قد توضأ‪ ،‬ثم شك إن كان وضوؤه قد انتقض أم ال‪ ،‬فهو على‬
‫وضوء‪ ،‬ألن الشك ال يزيل اليقين‪.‬‬

‫مســند عب ــد هللا بــن العب ــاس بــن عب ــد املطل ــب‪ ،‬حــديث رق ــم‪ ،9467 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،111‬ومــن مس ــند عبــادة ب ــن الص ــامت‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،99419 :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،196‬قال شعيب ألارنؤو ‪ :‬حديث حسم‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب التفســير‪ ،‬بــاب ســورة املنــافقون‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،1699 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1461‬ورواه مســلم‪ ،‬كتــاب‬
‫البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب نصر ألات ظاملا أو مظلوما‪ ،‬حديث رقم ‪ ،9541 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1004‬‬
‫(‪ )9‬أنظ ــر ه ــذا وأمثل ــة أخ ــرى مستفيض ــة عل ــى ه ــذه القاع ــدة ف ــي‪ :‬البره ــا ي‪ :‬محم ــد هش ــام‪ ،‬س ــد ال ــذرائع ف ــي الشـ ـريعة‬
‫إلاسالمية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪1196 ،1 ،‬هـ‪1045 ،‬م‪ ،‬ص‪ 105‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫َ‬
‫وألاصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت بشكل أكيد ما يغ ِّيره‪ .‬ومن هنا جاء اعتبار‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫املت َهم بريئا حتى يثبت بشكل أكيد إدانته‪ ،‬ألن ألاصل في إلانسان البراءة‪.‬‬
‫ُ َ َّ‬
‫وقاعدة العادة مـحـكمة‪ ،‬من قواعد الشريعة ألاساسية حتى قال العلماء‪ :‬ال يـنكر تغير‬
‫ألاحكام بتغير ألازمان(‪.)1‬‬
‫ومعناها أن أعراف الناس وعاداتهم‪ ،‬لها أثر في ألاحكام الشرعية املبنية على العرف‪.‬‬
‫ومن ألامثلة على ذلك‪ :‬أنه إذا باع شخص رخخر سيارة‪ ،‬ولم يحددا ما يدخل في البيع من‬
‫التوابع‪ ،‬فإن الحكم الشرعي ينبني على ما يقرره العرف في البلد بهذا الخصوص‪ ،‬فتدخل في‬
‫ً‬
‫البيع التوابع التي جرى العرف أن تدخل‪ ،‬مثل إطار السيارة الاحتياطي مثال‪.‬‬
‫لجأ في تحديد مقداره‪،‬‬ ‫ويمكن القول‪ :‬إن كل ما أوجبه الشارع ولم يحدد مقداره‪ ،‬إنما ي َ‬
‫إلى العرف السائد في البلد‪.‬‬
‫ويجب التنبيه هنا‪ ،‬إلى أنه ليست كل أحكام الشريعة تتأثر بالعرف وتتغير بتغيره‪ ،‬وإنما‬
‫يقتصر ذلك على املسائل التي تركتها الشريعة ألعراف الناس‪ ،‬ولم َيقصد الشارع ثباتها‪.‬‬
‫فهنالك أحكام شرعية لم ت ْب َن على العرف‪ ،‬بل قصد الشارع ثباتها على مر الزمان‪ ،‬فتبقى‬
‫ً‬
‫كما هي حتى لو جرى العرف بخالفها أحيانا كانتشار التعامل بالربا باسم الفائدة البنكية‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫ذلك ال يجعل الربا حالال‪ .‬وإذا جرى العرف في بلد بكشف النساء لرؤوسهن‪ ،‬فإن هذا العرف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاسد‪ ،‬وال يجعل السفور وكشف العورات أمرا مباحا(‪.)9‬‬
‫وقاعدة املشقة تجلب التيسير‪ ،‬مستمدة من جملة آيات وأحاديث‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫ﱡﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﱠ‪( ،‬البقرة‪ ،)145‬وكقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲙ ﲚ‬

‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﱠ (الحج‪ ،)74 :‬وهي نصوص صريحة في نفي املشقة والعنت‬


‫عن هذا الدين‪.‬‬
‫الرخص لعباده‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬رخصة قصر الصالة وجمعها‬ ‫وألجل ذلك شرع هللا تعالى ُّ‬
‫في السفر‪ ،‬ورخصة الفطر في السفر ألجل املشقة التي فيه‪.‬‬
‫وقد صاغ العلماء من هذه القاعدة الكلية قواعد فرعية متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫قاعدة‪( :‬الضرورات تبيح املحظورات)‪ ،‬وتكملها قاعدة (الضرورة تقدر بقدرها)‪ .‬ومنها‬
‫َّ‬ ‫قاعدة‪( :‬إذا َ‬
‫ضاق ألامر ات َس َع)‪ ،‬أي وسعت الشريعة فيه برفع الحرج والتخفيف والتيسير‪.‬‬

‫(‪ )1‬الزرقا‪ :‬أحمد محمد‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1190 ،9 ،‬هـ‪1040 ،‬م‪ ،‬ص‪.997‬‬
‫(‪ )9‬الحرير ‪ :‬د‪.‬إبراهيم محمد‪ ،‬املدخل دلى القواعد الفقهية‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪1004 ،1 ،‬م‪ ،‬ص‪.116-194‬‬
‫‪119‬‬
‫أنشطة حوارية مقترحة‪:‬‬
‫يقوم الطلبة بمناقشة املوضوع التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬ما مف هوم الحرية الشخصية؟ وأين حدودها فيما يتعلق بالتزام ألاحكام الشرعية؟!‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬أخالقنا الاجتماعية‪ /‬مصطفى السباعي‪.‬‬
‫‪ -‬إلاسالم مالذ املجتمعات إلانسانية ملاذا وكيف؟‪ /‬محمد سعيد رمضان البوطي‬
‫‪ -‬أفاق الحرية‪ /‬على العمري‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الوحـدة الرابعـة‬

‫نـظـام إلاس ــالم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ﱡﭐ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽﲾ ﱠ‬
‫(النساء‪)65:‬‬

‫صدق هللا العظيم‬

‫‪111‬‬
‫محتويات الوحدة وأهدافها‬
‫وتتمثل باآلتي‪:‬‬
‫نظام العبادات في إلاسالم‪ :‬مفهوم العبادة وشروطها وخصائصها‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يناقش الطلبة نظام العبادة‪ ،‬لتحكم شعائرهم و سلوكهم‪.‬‬
‫نظام ألاخالق في إلاسالم‪ :‬مفهومه وأسسه وخصائصه‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يناقش الطلبة مفردات هذا النظام ليقتدوا به‪.‬‬
‫النظام الاجتماعي في إلاسالم‪ :‬مفهومه وأسسه ومنججه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتدرب الطلبة على أساليب الحياة الاجتماعية إلاسالمية‪.‬‬
‫النظام الاقتصاد في إلاسالم‪ :‬مفهومه وأسسه وخصائصه‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ً‬
‫الهدف‪ :‬تدريب الطلبة على تنظيم نشاطهم الاقتصادي الحقا في ضوء مبادئ إلاسالم‬
‫وتعاليمه‪.‬‬
‫نظام العقوبات في إلاسالم‪ :‬مفهومه‪ ،‬وخصائصه‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتدرب الطلبة على السلوك الحسن في ضوء هذا النظام‪.‬‬
‫النظام السياس ي في إلاسالم‪ :‬مفهومه ومبادئه وأحكامه‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يطبق املتعلمون هذا النظام في حياتهم‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫نظام العـبـادات في إلاسـالم‬
‫(لو َع ِلم امللوك وأبناء امللوك ما نحن فيه‪،‬‬
‫لجالدونا عليه بالسيوف)‪.‬‬
‫إبراهيم بن أدهم التابعي العابد الزاهد‬

‫إن عبادة هللا عز وجل هي وظيفة إلانسان ألاساسية التي خلق لها على هذه ألارض‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱢ (الذاريات‪ ،)56 :‬وبها أرسل جميع‬
‫الرسل عليهم السالم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭐﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬

‫ﱏﱢ(ألانبياء‪.)95 :‬‬
‫مـفـهــوم الـعـبـادة في إلاســالم‬
‫تدل العبادة في اللغة‪ ،‬على‪ :‬الخضوع والتذلل والانقياد والاستسالم(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويمكن تعريف العبادة اصطالحا بأنها‪ :‬التوجه إلى هللا تعالى باألعمال الصالحة‪ ،‬حبا فيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورجاء في ثوابه‪ ،‬واستشعارا لعظمته وخوفا من عقابه‪.‬‬
‫فمفهوم العبادة يقوم على ركنين‪:‬‬
‫‪ )2‬الحب والخول‪:‬‬
‫فيجب أن يكون هللا تعالى أحب إلى العبد من كل ش يء‪ ،‬وفي الوقت نفسه أن يكون أعظم‬
‫عنده وأخوف له من كل ش يء‪ ،‬وبهذا يالحظ أن املعنى الشرعي للعبادة ال يكتفي بعنصر‬
‫الخضوع والذل‪ ،‬وإنما يشمل إلى جانب ذلك عنصر املحبة والرجاء(‪.)9‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭐﱣﭐ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﳀﳂﳃﳄﳅﳆﳇ ﱢ(إلاسراء‪.)57 :‬‬


‫ﳁ‬ ‫ﲿ‬

‫(‪ )1‬ابــم منظــور‪ :‬علــي بــن مكــرم‪ ،‬لســان العــر ‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،919 - 910/1 ،‬الفيروزآبــاد ‪ :‬مجــد الــدين محمــد بــن‬
‫يعقوب‪ ،‬القاموس املحي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.960 - 964‬‬
‫(‪ )9‬ابـ ــم تيميـ ــة‪ :‬أحمـ ــد بـ ــن عبـ ــد الحلـ ــيم‪ ،‬العبوديـ ــة‪ ،‬تعلي ـ ــق وتخ ـ ـريج‪ :‬محم ـ ــد ب ـ ــن س ـ ــعيد ب ـ ــن رسـ ــالن‪ ،‬دار إلايمـ ــان‪،‬‬
‫الاسكندرية‪ ،9991 ،‬ص ‪.17 - 15‬‬
‫‪113‬‬
‫ومن يتفكر في نعم هللا تعالى عليه‪ ،‬يصل إلى درجة الحب له‪ .‬ومن يتفكر في خلقه تعالى‬
‫وما فيه من عظمة وإحكام وإبداع‪ ،‬يزداد استشعاره لعظمة هللا تعالى وخشيته لجالله‪ ،‬ولذلك‬
‫ً‬
‫كان العلماء أكثر الناس خشية هلل واستشعارا لعظمته‪.‬‬
‫‪ )0‬العمل الصالح‪:‬‬
‫يتكامل العمل الصالح مع حب هللا تعالى وخشيته‪ ،‬إذ العمل الصالح هو الذي ينمي في‬
‫ً‬
‫النفس ذلك الحب وتلك الخشية‪ ،‬تماما كما أن مشاعر الرحمة والشفقة تنمو بالعطف على‬
‫الفقراء‪ ،‬وتضعف بالقسوة والظلم(‪.)1‬‬
‫وال معنى الدعاء حب هللا تعالى والخوف منه‪ ،‬ما لم يظهر أثر ذلك في السلوك‪.‬‬
‫ومن يزعم حب هللا تعالى وخشيته‪ ،‬ثم هو يقصر في عبادته أو يسرف في معصيته‪ ،‬فليس‬
‫ً‬
‫صادقا في زعمه‪ ،‬وإال لفاض ذلك الشعور على ظاهره‪ ،‬فلهج لسانه بذكر هللا تعالى‪ ،‬واطمأنت‬
‫جوارحه في عبادته‪.‬‬
‫ﱨﱪﱫ‬
‫ﱩ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﭐﱣﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬

‫ﱬ ﱭﱢ(آل عمران‪،)11 :‬‬


‫ويقول ابن تيمية‪( :‬ومن ظن أن الذنوب ال تضره‪ ،‬لكون هللا يحبه مع إصراره عليها‪ ،‬كان‬
‫بمنزلة من زعم أن تناول السم ال يضره‪ ،‬مع مداومته عليه وعدم تداويه منه)(‪.)9‬‬
‫شـروط قـبـول الـعـبـادة في إلاســالم‬
‫يشتر لقبول العبادة عند هللا تعالى شرطان‪ ،‬هما‪ :‬إلاخالص‪ ،‬وموافقة الشرع‪ ،‬وقد‬
‫جمعهما هللا تعالى في قوله‪ :‬ﱣﭐ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﱢ‬
‫(الكهف‪.)1()119 :‬‬
‫فاإلخالص هو‪ :‬التوجه إلى هللا تعالى وحده بالعبادة‪ ،‬دون شرك أو رياء‪ ،‬ويالحظ أن أكثر‬
‫العبادات غير املفروضة‪ ،‬يستحب أداؤها بطريقة سرية‪ ،‬مثل قيام الليل‪ ،‬وصالة النافلة‪،‬‬
‫وصدقة التطوع‪ ،‬لترسيخ إلاخالص في النفس(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الصــدر‪ :‬محمــد بــاقر‪ ،‬مقــال بعنــوان‪( :‬نظــرة عامــة فــي العبــادات) منشــور بتــاريخ ‪ 9997/11/14‬علــى موقــع‪( :‬املركــز‬
‫إلاعالمي ملكتب السيد الحسني)‪.alhasany.org ،‬‬
‫(‪ )9‬ابم تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬العبودية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫(‪ )1‬ابم تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬العبودية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )1‬الصدر‪ :‬محمد باقر‪ ،‬مقال بعنوان‪( :‬نظرة عامة في العبادات)‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫وموافقة الشرع تعني‪ :‬أداء العبادة بالطريقة نفسها التي بينها الشرع‪ ،‬دون زيادة أو‬
‫ً‬
‫نقصان أو تغيير‪ ،‬ومن يخالف ذلك‪ ،‬ولو بنية التقرب إلى هللا تعالى‪ ،‬ال يكون عمله مقبوال‪ ،‬مثل‬
‫ً‬
‫من يصلي الظهر خمس ركعات مثال‪ ،‬زيادة في التقرب إلى هللا تعالى‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲝ ﲞ‬
‫َ َ‬
‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﱢ (الشورى‪ ،)91 :‬وقال النبي ‪َ ( :‬م ْم أ ْح َدث ِفي‬
‫َ‬ ‫َأ ْمرَنا َه َذا َما َل ْي َ‬
‫س ِف ِيه ف ُه َو َر ٌّد)(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫أفـضـل الـعـبـادات في إلاســالم‬
‫الذي عليه املحققون من العلماء‪ :‬أن لكل حال عبادته ألافضل‪ ،‬فأفضل العبادات حين‬
‫يقتحم عدونا علينا بالدنا هو الجهاد‪ ،‬ولو آل هذا إلى ترك صالة الليل وصيام النهار‪ ،‬وأفضل‬
‫العبادات حين حضور الضيف إكرامه‪ ،‬ولو أدى إلى ترك النوافل‪ ،‬وأفضل العبادات وقت‬
‫السحر الاستغفار‪ ،‬وأفضل العبادات للغني إنفاق املال في سبيل هللا تعالى‪ ،‬وأفضل عبادة‬
‫للعالم تعليم الناس وإرشادهم‪ ،‬وأفضل العبادات في العشر ألاواخر من رمضان‪ ،‬لزوم املسجد‬
‫والخلوة والاعتكاف(‪.)9‬‬

‫خـصـائـص الـعـبـادة في إلاســالم‬


‫تتميز العبادة في إلاسالم بخصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬الصلة املباشرة بين العبد وربه‬
‫تقوم العبادة في إلاسالم على عالقة مباشرة بين العبد وربه‪ ،‬دون وسطاء من البشر‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲷﲸ ﲹﲺﲻﲼﱢ(البقرة‪.)146 :‬‬
‫فال يعرف إلاسالم طبقة من رجال الدين يتواسطون بين هللا تعالى وعباده‪ ،‬ال تـقبل‬
‫ً‬
‫الصالة وال التوبة إال عن طريقهم‪ ،‬كما ال يشتر إلاسالم طقوسا ومراسم كهنوتية‪ ،‬ال تقبل‬
‫العبادة إال بها(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخـ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب الص ـ ــلح‪ ،‬بـ ــاب إذا اصـ ــطلحوا عل ـ ــى صـ ــلح ج ـ ــور فالص ـ ــلح مـ ــردود ح ـ ــديث رقـ ــم‪ ،9559 :‬ج‪،9‬‬
‫ص‪ ،050‬ورواه مسلم‪ ،‬كتاب ألاقضية‪ ،‬باب نقض ألاحكام الباطلة ورد محدثات ألامـور‪ ،‬حـديث رقـم‪ ،1714 :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.1111‬‬
‫(‪ )9‬ابـم قــيم الجوزيــة‪ :‬محمــد بـن أبــي بكــر‪ ،‬مــدارج السـالكين بــين منــازل ديــاك عبـد وديــاك ســتعين‪ ،‬مكتبــة إلايمــان‪،‬‬
‫املنصورة‪ 1110 ،‬هـ‪1000 ،‬م‪.77 - 71/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬القرضاو ‪ :‬د‪.‬يوسف‪ ،‬العبادة في إلاسالم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ 1195 ،15 ،‬هـ‪1045 ،‬م‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ )0‬اليسر ورفع الحرج‬
‫تمتاز العبادة في إلاسالم بالسهولة واليسر‪ ،‬فليس فيها ما يشق على الناس ويخرج عن‬
‫طاقتهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲛﲜ ﲝﲞﲟ ﲠﲡﱢ (الحج‪.)74 :‬‬
‫ولذلك يرفض إلاسالم أن يشدد إلانسان على نفسه‪ ،‬ويبالغ في العبادة إلى حد يرهق‬
‫ُ ُ‬
‫جسده وروحه‪ ،‬ويؤثر على أدائه لواجباته ألاخرى في الحياة(‪ ،)1‬يقول النبي ‪( :‬خذوا ِم ْم‬
‫َ ُّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ُ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ال َع َم ِل َما ت ِطيقون ف ِإ َّن الله ال َي َم ُّل َح َّتى ت َملوا)(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫ويخفف إلاسالم تكاليف العبادات املفروضة في ظروف املشقة والحرج‪ ،‬إما تخفيفا‬
‫ً‬
‫كليا‪ ،‬بإسقا العبادة كلها‪ ،‬مثل إباحة إلافطار في رمضان للمريض وللمسافر‪ ،‬وعدم وجوب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الحج على العاجز عنه بدنيا أو ماليا‪ ،‬أو تخفيفا جزئيا‪ ،‬بإسقا بعض العبادة أو بعض‬
‫شروطها وهيئاتها‪ ،‬مثل‪ :‬إباحة قصر الصالة في السفر‪ ،‬وإباحة الجمع بين الصلوات لعذر‪ ،‬كما‬
‫في املطر‪.‬‬

‫‪ )3‬الشمول‬
‫تتميز العبادة في إلاسالم بالشمول لكل مجاالت الحياة إلانسانية‪ ،‬ومن هنا قال العلماء‪:‬‬
‫إن مفهوم العبادة في إلاسالم‪ ،‬ال يقتصر على الشعائر الدينية املعروفة‪ ،‬كالصالة والصيام‬
‫والحج‪ ،‬وهي ما أطلقوا عليه‪ :‬العبادات املحضة (املخصوصة)‪ ،‬وإنما يمتد ليشمل كل عمل‬
‫أو قول نافع‪ ،‬يقوم به إلانسان ابتغاء رضوان هللا تعالى‪ ،‬وهو ما أطلقوا عليه‪ :‬العبادات‬
‫العامة‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲢ ﲣﲤ ﲥﲦﲧ ﲨ ﲩﲪﱢ (ألانعام‪ ،)169 :‬وبهذا‬
‫َ‬
‫املعنى َع َّرف ابن تيمية العبادة بأنها‪( :‬اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه‪ ،‬من ألاقوال‬
‫وألاعمال الباطنة والظاهرة)(‪.)1‬‬
‫فالعبادة بمفهومها العام تشمل‪ :‬حسن املعاملة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة ألارحام‪ ،‬وإلاحسان‬
‫الى الجار واليتيم واملسكين وابن السبيل‪ ،‬والرحمة بالضعفاء‪ ،‬والرفق بالحيوان‪ ،‬وإصالح ذات‬
‫البين‪ ،‬والعلم‪ ،‬والسعي في طلب الرزق‪ ،‬بل حتى الغريزة وقضاء الشهوة في الحالل‪ ،‬وألاكل‬

‫(‪ )1‬القرضاو ‪ :‬د‪.‬يوسف‪ ،‬العبادة في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.990 - 101‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب اللبـ ــاس‪ ،‬بـ ــاب الجلـ ــوس علـ ــى الحصـ ــير ونحـ ــوه‪ ،‬حـ ــديث رقـ ــم‪ ،5591 :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،9991‬ورواه‬
‫ً‬
‫مســلم‪ ،‬كتــاب الصــيام‪ ،‬بــاب صــيام النبــي ‪ ‬فــي غيــر رمضــان واس ـتحباب أن ال يخلــي شــهرا عــن صــوم‪ ،‬حــديث رقــم‪:‬‬
‫‪ ،749‬ج‪ ،9‬ص‪.411‬‬
‫(‪ )1‬ابم تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬العبودية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪116‬‬
‫والنوم وممارسة الرياضة‪ ،‬كل ذلك عبادة‪ ،‬إذا صاحبه نية نيل رضوان هللا تعالى(‪ ،)1‬ومن‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َّ َ ُ ٌ ُ ْ َ‬
‫ص ِم ش َج َر ٍة َعلى ظ ْه ِر ط ِر ٍي‬ ‫ألامثلة على العبادة بمفهومها العام‪ :‬قول النبي ‪( :‬مر رجل ِبغ‬
‫ْ َّ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ َ‬
‫ال َوالل ِه ألن ِ ّح َي َّن َهذا َع ْم امل ْس ِل ِمين ال ُيؤ ِذ ِيه ْم فأ ْد ِخ َل ال َجنة)(‪.)9‬‬‫فق‬

‫وبهذا املعنى الشامل للعبادة‪ ،‬يختلف إلاسالم عن اتجاهين آخرين(‪:)1‬‬

‫الاتجاه ألاول‪ :‬الفصل بين الـعـبـادة والـحياة‪ :‬حيث يدعو هذا الاتجاه إلى حصر العبادة‬
‫َ‬
‫في أماكن خاصة بها‪ ،‬حتى إذا خرج إلانسان منها الى سائر حقول الحياة َو َّد َع العبادة وانصرف‬
‫إلى شؤون دنياه‪.‬‬
‫ويرفض إلاسالم ذلك‪ ،‬إذ إلاسالم ال يريد العبادة من أجل العبادة‪ ،‬وإنما يريدها من أجل‬
‫ً‬
‫الحياة‪ ،‬فالعبادة في إلاسالم ال تحصر املسلم بين جدران املسجد‪ ،‬وإنما تجعل املسجد منطلقا‬
‫إلى كل نشاطات الحياة‪ ،‬لصبغها بصبغة العبادة‪.‬‬
‫الاتجاه الثا ي‪ :‬حصر الحياة في دطار ضي مم العبادة‪ :‬حيث يدعو هذا الاتجاه إلى‬
‫حصر الحياة كلها في أماكن خاصة‪ ،‬في الكنيسة واملعبد واملسجد‪ ،‬كما يفعل املترهبنون‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يـعتقدون أن إلانسان يعيش تناقضا داخليا بين روحه وجسده‪ ،‬وال يتكامل في أحد الجانبين‬
‫ً‬
‫إال على حساب آلاخر‪ ،‬وكي يزكو روحيا يجب أن يحرم جسده من الطيبات‪ ،‬ويقلص وجوده‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على مسرح الحياة‪ ،‬ويمارس صراعا مستمرا ضد رغباته وتطلعاته‪ ،‬حتى يتم له الانتصار عليها‬
‫َ ّ‬ ‫ً‬
‫جميعا عن طريق الك ِف املستمر والحرمان الطويل‪ ،‬واملمارسات العبادية املحددة‪.‬‬
‫ً‬
‫ويرفض إلاسالم ذلك أيضا‪ ،‬إذ العبادة في إلاسالم ليست روحانية رهبانية محضة تهمل‬
‫الجسد‪ ،‬وترى التقرب إلى هللا تعالى بتعذيبه وإهمال تنظيفه وحرمانه من متعه(‪ ،)1‬قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ﲼ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﱢ (القصص‪ ،)77 :‬وقال ‪( :‬أ َما‬ ‫ﲽ‬ ‫ﱣﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ َ َ َّ ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ّ َ َ ْ َ ُ ْ َّ َ َ ْ َ ْ‬
‫ُ‬
‫الن َس َاء ف َم ْم‬ ‫ُ ُ َ‬
‫والل ِه ِد ِ ي ألخشاكم ِلل ِه وأتقاكم له ل ِك ِ ي أصوم وأف ِط ُر وأص ِلي وأ ْرقد وأتزوج ِ‬
‫َ َ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ ّ‬
‫س ِم ِ ي)(‪.)5‬‬ ‫ر ِغب عم سن ِتي فلي‬

‫(‪ )1‬القرضاو ‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬العبادة في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 10‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب فضل إزالة ألاذى عن الطريق‪ ،‬حديث رقم‪ ،1011 :‬ج‪ ،1‬ص‪.9991‬‬
‫(‪ )1‬الصدر‪ :‬محمد باقر‪ ،‬مقال بعنوان‪( :‬نظرة عامة في العبادات)‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )1‬القرضاو ‪ :‬د‪.‬يوسف‪ ،‬العبادة في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109 - 141‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الترغيب في النكاح‪ ،‬حديث رقم‪.1776 :‬‬
‫‪117‬‬
‫‪ )4‬الجمع بين الجانب الحس ي والجانب املعنو‬

‫إن إلانسان ليس مجرد إحساس وبدن‪ ،‬كما أنه ليس مجرد عقل وتفكير‪ ،‬وإنما هو‬
‫ً‬
‫مجموعهما‪ ،‬وحينما يراد من العبادة أن تؤدي دورها على نحو يـتـفاعل معه إلانسان تفاعال‬
‫ً‬
‫كامال‪ ،‬وينسجم مع تكوينه‪ ،‬ينبغي أن تشتمل على جانبين‪ :‬جانب ح ي تجسيدي‪ ،‬وجانب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫معنوي تجريدي‪ ،‬وهكذا هي العبادات في الاسالم‪ ،‬يعيش املسلم معها فكرا وحسا‪ ،‬منطقا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعاطفة‪ ،‬تجريدا ووجدانا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاملصلي في صالته يمارس بنيته تعبدا فكريا‪ ،‬وينزه ربه عن أي حد ومقايسة ومشابهة‪،‬‬
‫ً‬
‫وذلك حين يفتتح صالته قائال‪( :‬هللا أكبر)‪ ،‬وذلك يمثل الجانب املعنوي التجريدي‪ ،‬ولكنه في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفس الوقت يتخذ من الكعبة الشريفة شعارا ربانيا‪ ،‬يتوجه إليه بأحاسيسه وحركاته‪ ،‬وذلك‬
‫يمثل الجانب الح ي التجسيدي‪.‬‬
‫والبيت الحرام الذي يؤمه الحاج واملعتمر ويـطوف به‪ ،‬والصفا واملروة اللذان يسعى‬
‫ً‬
‫بينهما‪ ،‬وجمرة العقبة التي يرميها بالحصيات‪ ،‬واملسجد الـذي خـصـص مكانا لالعتكاف يمارس‬
‫فيه املعتكف عبادته‪ ..‬كل هذه ألاشياء معالم حسية تجسيدية ربطت بها الـعـبـادة‪ ،‬في حين‬
‫َ‬
‫الجانب املعنوي في العبادة‪.‬‬ ‫تمثل النية وإلاخالص واملشاعر الداخلية‬
‫وبهذا يختلف إلاسالم عن اتجاهين آخرين(‪:)1‬‬
‫أحـدهـمـا‪ :‬يـفـر فـي التركيز على الجانب العقلي التجريدي‪ ،‬فيتعامل مع إلانسان كفكر‬
‫مجرد‪ ،‬ويشجب كل الـتـجـسـيدات الحسية في مجال العبادة‪ ،‬على أساس أن الحق سبحانه ال‬
‫يحده مكان وال زمان‪ ،‬وال يـمثله نصب وال تمثال‪ ،‬فيجب أن تكون عبادته قائمة على التفكر‬
‫املحض والتأمل املجرد‪.‬‬
‫أفكر‪ :‬يقوم املعالج النف ي بمعالجة العقد إلانسانية النفسية‪،‬‬
‫بأعمال وتجسيدات حسية‪ ،‬دون الاكتفاء باملحادثة وإلاقناع‬
‫العقلي‪ ،‬ملاذا؟!‬

‫والثا ي‪ :‬يفر في التركيز على الجانب الح ي التجسيدي‪ ،‬ويحول الشعار إلى تجسيد‬
‫مادي محدود‪ ،‬يتوجه إليه بالعبادة‪ ،‬بحيث ينغمس العابد بشكل أو بآخر في الشرك والوثنية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الصدر‪ :‬محمد باقر‪ ،‬مقال بعنوان‪( :‬نظرة عامة في العبادات)‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫لقد َّمي َز إلاسالم بعمق بين مفهوم الصنم الذي حطمه ومفهوم القبلة الذي جاء به‪ ،‬وهو‬
‫مفهوم ال يعني إال أن نقطة مكانية معينة أسبغ عليها تشريف رباني‪ ،‬فربطت الصالة بها‪،‬‬
‫إشباعا للجانب الح ي من إلانسان العابد‪ ،‬ولـيـست الوثنية في الحقيقة إال محاولة منحرفة‬
‫الشباع هذا الجانب استطاعت الشريعة أن تصحح انـحرافها‪ ،‬وتقدم ألاسلوب السوي في‬
‫ً‬
‫التوفيق بين عبادة هللا تعالى‪ ،‬بوصفها تعامال مع املطلق الذي ال حد له وال تمثيل‪ ،‬وبين حاجة‬
‫إلانسان املؤلف من حس وعقل وجسد وروح‪.‬‬
‫فاإلسالم توسط بين الاتجاهين املذكورين‪ ،‬ورفض التجريد املحض‪ ،‬ألنه يخالف طبيعة‬
‫إلانسان‪ ،‬وال يشعره باالتصال الحقيقي باهلل تعالى‪ ،‬كما رفض الوثنية بكل أشكالها‪ ،‬وحطم‬
‫ألاصنام‪ ،‬ألنها تقض ي على روح العبادة وتعطلها‪.‬‬

‫آثــار الـعـبـادة في إلاســالم‬


‫ليست العبادة في إلاسالم مجرد شعائر ظاهرية‪ ،‬ال هدف منها وال أثر لها‪ ،‬وإنما تعود بآثار‬
‫عظيمة على الفرد واملجتمع‪ ،‬منها(‪:)1‬‬

‫‪ )2‬تحقي الطمأنينة والسعادة والراحة‬


‫تلبي العبادة الحاجات الروحية امللحة عند إلانسان‪ ،‬ولذلك يجد إلانسان فيها طمأنينته‬
‫وسعادته‪ ،‬ويشعر بلذة الاتصال باهلل تعالى ومناجاته‪ ،‬وتشكل له محطة يتقوى بها على‬
‫مواجهة مصاعب الحياة ومتاعبها وهمومها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳜ‬
‫ﳛﳝ‬

‫ﲢ ﲤ ﲥ ﲦﲧ‬
‫ﲣ‬ ‫ﳞﳟﳠ ﳡﳢ ﱢ(الرعد‪ ،)94 :‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲠ ﲡ‬

‫ﲨ ﱢ (البقرة‪ ،)15 :‬وكان النبي ‪ ‬يجد راحته وسعادته في الصالة‪ ،‬حتى إذا حضر وقتها‪،‬‬
‫ً َ َ ُ َ ْ َّ َ َ َ َ‬ ‫ً‬
‫الصالة أ ِر ْحنا ِب َها)(‪.)9‬‬ ‫أمر بالال ‪ ‬قائال‪( :‬يا ِبالل أ ِقم‬

‫(‪ )1‬أنظـ ــر‪ :‬املبـ ــارك‪ :‬محمـ ــد‪ ،‬نظـ ــام إلاسـ ــالم‪ :‬العقيـ ــدة والعبـ ــادة‪ ،‬مرجـ ــع سـ ــابق‪ ،‬ص ‪ 161‬ومـ ــا بعـ ــدها‪ ،‬القرض ـ ــاو ‪:‬‬
‫د‪.‬يوسف‪ ،‬العبادة في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 05‬وما بعدها‪ ،‬ص ‪ 911‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه أب ــو داود‪ ،‬س ــليمان ب ــن ألاش ــعث‪ ،‬س ــنن أب ــي داود‪ ،‬تحقي ــق ‪ :‬محم ــد محي ــي ال ــدين عب ــد الحمي ــد‪ ،‬م ــع الكت ــاب‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫تعليقــات ك َمــال يوســف الح ــوت‪ ،‬وألاحاديــث مذيلــة بأحك ــام ألالبــاني عليهــا‪ ،‬دار الفكــر‪ ،‬بي ــروت‪ ،‬كتــاب ألادب‪ ،‬بــاب ف ــي‬
‫ً‬
‫صــالة العتمــة‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،1045 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،906‬وسيشــار إلــى هــذا املرجــع فيمــا بعــد اختصــارا هكــذا‪ :‬رواه أبــو داود‪،‬‬
‫ورواه أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬حديث رقم‪91117 :‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ )0‬تهذيب النفس وتقويم السلوك‬
‫إن العبادة الحقة تهذب نفس العابد‪ ،‬وتجبلها على فضائل ألاخالق وتنقيها من الرذائل‪،‬‬
‫وتجعل من صاحبها عنصر خير وبناء في مجتمعه‪ ،‬وتبعده عن الفواحش والظلم والبغي‪،‬‬
‫ولذلك قرن القرآن الكريم بين العبادة وتزكية النفس فقال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱗ ﱘ ﱢ (ألاعلى‪ 11 :‬ـ ‪ ،)15‬كما ربط بين العبادة والسلوك القويم في املجتمع‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ﱣﲲﲳﲴﲵ ﲶ ﲷﱢ (العنكبوت‪.)15 :‬‬
‫ولكل شعيرة من شعائر العبادات في إلاسالم‪ ،‬أثر في نفس املسلم وسلوكه‪:‬‬
‫فالصالة تربي إلانسان على الخضوع هلل تعالى وخشيته‪.‬‬
‫والزكاة تربي على الكرم والجود‪ ،‬وتنقي صاحبها من مظاهر الشح والبخل‪.‬‬
‫َ‬
‫إلانسان على الانضبا والصبر والتحكم في شهواته‪.‬‬ ‫والصيام ي َع ّ ِود‬
‫ً‬
‫والح رحلة إلى مكان معين‪ ،‬يجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب‪ ،‬بمالبس معينة‪ ،‬بعيدا‬
‫َ‬
‫وجمع الناس ليوم عظيم‪.‬‬ ‫عن زخرف الدنيا‪ ،‬ليستشعر إلانسان رحلة آلاخرة‬
‫‪ )3‬تحرير إلا سان‬
‫إلانسان ّ‬
‫مخير بين طريقين ال ثالث لهما‪ :‬العبودية هلل أو لغيره‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳂ ﳃ‬
‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﱢ (إلانسان ‪ ،)1‬فإذا اختار عبادة هللا تعالى‪ّ ،‬‬
‫تحرر من الخضوع لغيره‪ ،‬إذ‬
‫العبادة تربط صاحبها بخالق الخلق‪ ،‬الذي بيده ألامر كله‪ ،‬فيتحرر العابد من الخضوع‬
‫للشهوات وألاهواء‪ ،‬ويتحرر من الخضوع للطواغيت‪ ،‬ويتمرد على كل ظلم واستكبار‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا لم يختر عبادة هللا تعالى‪ ،‬فسيكون عبدا لشهواته وأهوائه وللشياطين والطواغيت‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱢ(الجاثية‪.)91 :‬‬
‫‪ )4‬آلاثار الاجتماعية للعبادة‬
‫للعبادة في إلاسالم آثار اجتماعية كبيرة‪ ،‬ومن مظاهر ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬صالة الجماعة‪ ،‬تذيب كل الفوارق الاجتماعية التي تميز بين الناس‪ ،‬حين تجمعهم في‬
‫صف واحد على اختالف مستوياتهم الاجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬والصيام‪ ،‬يذكر بالفقراء وإلاحساس بما يعانونه من ألم الجوع‪ ،‬ويلفت انتباه املسلم‬
‫إلى إخوانه‪ ،‬فيجود عليهم بما عنده‪ ،‬وتقوى الرحمة واملودة بين املسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬والزكاة‪ ،‬فيها تكافل اجتماعي مالي بين الغني والفقير‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -‬والح ‪ ،‬مؤتمر كبير يحضره أعداد كبيرة من املسلمين من شتى بقاع العالم‪ ،‬من كل بلد‬
‫وجنس ولون‪ ،‬يجتمعون في مكان واحد وزمان واحد بلباس واحد ومناسك واحدة‪ ،‬ليجسدوا‬
‫معاني املساواة‪ ،‬ويتبادلوا املصالح واملنافع الدينية والدنيوية‪ ،‬وتتحقق بينهم أعظم أواصر‬
‫التكافل والتعاون والتناصح‪.‬‬

‫أقرأ وأستمتع‬
‫مـم مـعانـي شـعـائـر الـحـج‪:‬‬
‫أجواء إلاحرام ومحظوراته في الح ‪ ،‬تربط املحرم بارخخرة‪ ،‬وتدربه على التحرر من كل‬
‫زخارف الدنيا‪ .‬وفي التلبية‪ :‬نداء تنطلق به كل حناجر الحجاج؛ لتؤكد موقفهم الذي يريد أن‬
‫ّ‬
‫يلتزم باإلسالم من جديد‪ ،‬في مسيرتهم إلى مركز الدعوة إلاسالمية ألاولى في مكة‪ ،‬يلتزمون في‬
‫موقفهم هذا‪ ،‬بكل نداءات إلاسالم‪ ،‬في عباداته‪ ،‬وفي أخالقه‪ ،‬وفي جهاده‪ ،‬وفي سياسته‪،‬‬
‫واقتصاده‪ ..‬وفي مواجهة كل التحديات التي يواجهها إلانسان من الشيطان الداخلي في عمق‬
‫ّ‬
‫نفسه‪ ،‬أو من الشيطان الخارجي في عمق واقعه وفيما يحيط بحياته‪ .‬وفي الطوال حول‬
‫الكعبة‪ ،‬يلوذ بجناب رّبه ويلجأ إليه من ذنوبه‪ ،‬ومن هوى نفسه‪ ،‬ووسواس شيطانه‪ .‬وفي‬
‫السعي بين الصفا واملروة‪ :‬تتمثل حركة إلانسان من بداية معينة إلى نهاية معينة في أشوا ‪،‬‬
‫ليكون سعيه نقطة انطالق إلى كل الساحات في العالم‪ ،‬إلى طلب العلم‪ ،‬أو تحصيل القوة‪ ،‬أو‬
‫مواجهة التحديات التي يفرضها املستكبرون‪ ،‬أو قضاء حوائج الناس؛ ألن هللا تعالى طلب ّ‬
‫منا‬
‫منا في هذا املكان‪ .‬وفي وقفات الح ‪ ،‬في عرفة‪ ،‬وفي‬ ‫السعي من أجل هذه ألامور‪ ،‬كما طلبه ّ‬
‫تأم ٍل وتفكير‪ ،‬ليكتشف ما يمكن أن يكون‬ ‫املزدلفة‪ ،‬وفي م ى‪ :‬يعيش املرء لياليها في لحظات ّ‬
‫اف في خط السير‪ ،‬كما أن في هذه الوقفات والجمع الهائل من الناس‬ ‫قد وقع فيه من انحر ٍ‬
‫ً‬
‫والتزاحم والتوحد في اللباس‪ ،‬استحضارا للموقف العظيم يوم القيامة بين يدي هللا تعالى‪،‬‬
‫حيث يقوم الناس لرب العاملين‪ .‬وفي رمي الجمار‪ :‬فكرة الصراع مع الشيطان ومحاربته‪ ،‬حيث‬
‫يستحضر كل الشياطين في واقعه؛ ليرى أمامه كل شياطين الكفر والظلم والاستكبار في مواقع‬
‫القوة في العالم‪ ،‬فيعبر عن رفضه لها ولطاعتها‪ ،‬ويعبر عن محاربته لها بأعنف الطرق‪..‬‬
‫بالرجم(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬فضــل هللا‪ :‬محمــد حســين‪ ،‬مقــال بعنــوان‪( :‬البعــد العرفــا ي والتربــو والعبــاد للحـ ) منشــور علــى موقــع بينــات‪:‬‬
‫(موقع مكتب العالمة السيد محمد حسين فضل هللا(‪.arabic.bayynat.org.lb ،‬‬
‫‪121‬‬
‫النظام ألاخـالقـي في إلاسـالم‬
‫َ َ‬
‫َ(وِإ َّن َما ألا َمم ألاخالق َما َب ِق َيت‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ِإن همو ذ َه َبت أخالقهم ذ َهبوا)‪.‬‬
‫أحمد شوقي‬

‫إلاسالم دين ألاخالق‪ ،‬فلم يعرف عن دين أو نظام أنه اهتم باألخالق‪ ،‬مثلما عرف عن‬
‫إلاسالم‪ ،‬وما من ميزة تميز إلاسالم بها كما تميز باألخالق‪.‬‬
‫وتميزت ألامة إلاسالمية باألخالق‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن أكثر من دخل في إلاسالم‬
‫ً‬
‫قديما‪ ،‬خاصة في شرق جنوب آسيا‪ ،‬وهي بقعة يقطنها معظم املسلمين اليوم ـ إنما دخل فيه‬
‫بسبب أخالق التجار والجنود املسلمين الفاتحين‪.‬‬

‫مـفـهــوم ألاخــالق‬
‫ألاخالق هي‪( :‬الصفات النفسية والسلوكية لإل سان القابلة للمدح أو للذم)‪.‬‬
‫فالصفات النفسية املحمودة‪ ،‬مثل‪ :‬حب الخير لآلخرين وإحسان الظن بالناس‪،‬‬
‫والصفات السلوكية املحمودة‪ ،‬مثل‪ :‬الصدق والبر والوفاء بالعهود‪ ،‬وقل عكس ذلك في‬
‫الصفات النفسية والسلوكية املذمومة(‪.)1‬‬
‫أفك ــر‪ :‬ما العالقة بين الصفات النفسية‬
‫والسلوكيات الخارجية عند إلانسان؟‬
‫أهـمـيــة ألاخـالق في إلاسالم‬
‫ً‬
‫ألاخالق ضرورة حتمية لقيام أي مجتمع وتماسكه وتقدمه‪ ،‬ولنتخيل مجتمعا يسوده‬
‫ً‬
‫الكذب مثال‪ ،‬أو خيانة ألامانة‪ ،‬كيف يمكن أن تكون عالقات أفراده بعضهم ببعض؟ وهل‬
‫ً‬
‫يمكن تصور تعاملهم وتعايشهم أصال؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولذلك اهتم إلاسالم باألخالق اهتماما كبيرا‪ ،‬ومن مظاهر هذا الاهتمام‪:‬‬

‫(‪ )1‬وقي ــد (القابل ــة للم ــدح أو ال ــذم)‪ ،‬يفي ــد تميي ــز ألاخ ــالق ع ــن الص ــفات وال ــدوافع الغريزي ــة‪ ،‬مث ــل ألاك ــل عن ــد الج ــوع‪،‬‬
‫والخـوف عنــد وجــود موجباتــه‪ ،‬فــإن ذلــك كلــه لــيس ممــا يحمــد أو يــذم‪ ،‬بخــالف الكــذب أو الصــدق‪ ،‬أنظــر‪ :‬امليــدا ي‪:‬‬
‫عبد الرحمن حسن‪ ،‬ألاخالق إلاسالمية وأسسها‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1117 ،1 ،‬هـ‪1006 ،‬م ص ‪19‬‬
‫‪122‬‬
‫‪ )2‬دقتران الدعوة دلى ألاخالق بالدعوة دلى التوحيد‬
‫رفع هللا تعالى ألاخالق إلى منزلة تقارب منزلة التوحيد‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫ﲊﲋﲌﲍﲎﱢ(إلاسراء‪.)91 :‬‬

‫وجعل الدعوة إلى مكارم ألاخالق‪ ،‬جوهر الرساالت السماوية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ‬

‫ﱃﱄﱅﱆﱇ ﱈﱉﱊﱋﱢ(الحديد‪.)95 :‬‬


‫‪ )0‬جعل مكارم ألاخالق مم أهم صفات الرسول ‪ ،‬ومم أهم غايات بعثته‬
‫ً‬
‫كان النبي الكريم ‪ ‬متميزا بأخالقه الكريمة قبل البعثة‪ ،‬حتى عرف بين الناس بـ‬
‫(الصادق ألامين)‪ ،‬وهذه خديجة ‪ -‬رض ي هللا عنها ‪ -‬تصف لنا أخالق النبي ‪ ‬قبل إلاسالم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ ً َّ َ َ َ ُ َّ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫حم ُل الك َّل‪،‬‬
‫الر ِحم‪ ،‬وت ِ‬ ‫خزيك هللا أبدا‪ِ ،‬دنك لت ِصل‬ ‫هللا‪ ،‬ما ي ِ‬ ‫فتخاطبه مواسية ومهدئة‪( :‬كال و ِ‬
‫يف‪َ ،‬و ُتع ُين َع َلى َن َوائب َ‬
‫الح ِ ّ )(‪.)1‬‬
‫َّ َ‬
‫قر الض‬
‫ُ َ ُ َ َُ‬ ‫َُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كسب املعدوم‪ ،‬وت ِ‬
‫وت ِ‬
‫وهكذا امتاز النبي ‪ ‬بأخالقه‪ ،‬حتى إن هللا تعالى لم يمدحه بكثرة الصالة والصيام‬
‫والصدقة وغير ذلك مما عرف به‪ ،‬وإنما مدحه بأخالقه الكريمة‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲋ ﲌ ﲍ‬

‫ﲎﱢ(القلم‪.)1:‬‬

‫وهذا يدل على أن حسن خلقه ‪ ،‬كان له الدور ألاكبر في منزلته العظيمة التي بلغها‬
‫ً‬
‫عند هللا تعالى‪ ،‬ومن أهم أسباب اصطفائه نبيا‪ ،‬وال عجب‪ ،‬فجوهر إلاسالم الدعوة إلى مكارم‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َّ‬
‫ألاخالق‪ ،‬كما قال النبي ‪( : ‬دن َما ُب ِعثت ِألت ِّم َم َمكا ِر َم ألاخال ِق)(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫‪ )3‬جعل مكارم ألاخالق مم أكثر ألاعمال أجرا وقربة دلى هللا تعالى‬

‫(‪ )1‬جزء من حديث طويل في بدء نزول الـوحي‪ ،‬رواه البخـار ‪ ،‬كتـاب بـدء الـوحي‪ ،‬بـاب كيـف كـان بـدء الـوحي إلـى رسـول‬
‫هللا ‪ ‬حــديث رقــم‪ ،1 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1‬ورواه مســلم‪ ،‬كتــاب إلايمــان‪ ،‬بــاب بــدء الــوحي إلــى رســول هللا ‪ ،‬حــديث رق ــم‪:‬‬
‫‪ ،169‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )9‬رواه أحم ــد فـ ــي مس ــنده‪ ،‬بلفـ ــظ‪( :‬إنمـ ــا بعث ــت ألتمـ ــم صـ ــالح ألاخ ــالق)‪ ،‬حـ ــديث رقـ ــم‪ ،4010 :‬ج‪ ،9‬ص‪ ،141‬ورواه‬
‫البيهق ــي‪ ،‬أحم ــد ب ــن الحس ــين‪ ،‬س ــنن البيهق ــي الكب ــرى‪ ،‬تحقي ــق‪ :‬محم ــد عب ــد الق ــادر عط ــا‪ ،‬مكتب ــة دار الب ــاز‪ ،‬مك ــة‬
‫املكرمــة‪1001 ،‬م‪ ،‬بلفــظ‪( :‬إنمــا بعثــت ألتمــم مكــارم ألاخــالق)‪ ،‬كتــاب الشــهادات‪ ،‬بــاب بيــان مكــارم ألاخــالق ومعاليهــا‬
‫التـي مــن كــان متخلقـا بهـا كــان مـن أهــل املــروءة التــي هـي شــر فــي قبـول الشــهادة علــى طريـق الاختصــار‪ ،‬حــديث رقــم‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ،99517‬ج‪ ،19‬ص‪ ،101‬وسيشـار إلـى هــذا املرجـع فيمــا بعـد اختصـارا علــى النحـو‪ :‬رواه البيهقــي‪ ،‬قـال الهيثمــي‪ :‬رواه‬
‫أحم ــد ورجال ــه رج ــال الص ــحيح‪ ،‬أنظ ــر‪ :‬الهيثم ــي‪ :‬عل ــي ب ــن أب ــي بك ــر‪ ،‬مجم ــع الزوائ ــد ومنب ــع الفوائ ــد‪ ،‬دار الري ــان‬
‫للتراث‪ ،‬القاهرة‪ 1197 ،‬هـ‪.15/0 ،‬‬
‫‪123‬‬
‫كثرت نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية التي تبين عظيم ثواب ألاخالق‪ ،‬وتجعل‬
‫ً‬
‫املتصفين بها أقرب الناس منزال من النبي ‪ ‬يوم القيامة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ﱾ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ‬
‫ﱿ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﲈﲉ ﲊﲋﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑﲒﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗﱢ (فصلت‪- 11 :‬‬


‫َ ً َ ََ ً َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َّ‬
‫احشا َوال ُمتف ِ ّحشا‪َ ،‬وكان َيقو ُل‪ِ :‬د َّن‬ ‫‪ ،)15‬وعن عبد هللا بن عمرو ‪ ‬قال‪( :‬لم يكم الن ِب ُّي ‪ ‬ف ِ‬
‫َ ُْ ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ُ َ َُ َ َْ ً‬
‫ِم ْم ِخ َي ِارك ْم أ ْح َسنك ْم أخالقا)(‪ ،)1‬وفي الحديث الشريف أيضا‪َ ( :‬ما ش ْي ٌء أثق ُل ِفي ِميز ِان املؤ ِم ِم‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َّ َّ َ َ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫ش ال َب ِذ َء)(‪ ،)9‬وعن أبي هريرة ‪ :‬أ َّن‬ ‫اح‬
‫يوم ال ِقيام ِة ِمم خل ٍ حس ٍم و ِدن الله ليب ِغض الف ِ‬
‫اع‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ُْْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ ََ َ َ َ‬ ‫ََ ْ ُ َ َ ُْْ ُ َ ُ‬
‫ال‪:‬‬ ‫س؟ قالوا‪ :‬املف ِلس ِفينا مم ال ِدرهم له وال مت‬ ‫رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬أتدرون ما املف ِل‬
‫ََ َ َ ََ َ ََْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫د َّن ْاملُ ْف ِل َ‬
‫س ِم ْم أ َّم ِتي َيأ ِتي َي ْو َم ال ِق َي َام ِة ِبصال ٍة و ِصي ٍام وزك ٍاة‪ ،‬ويأ ِتي قد شتم هذا‪ ،‬وقذل‬ ‫ِ‬
‫ض َر َ َه َذا‪َ ،‬ف ُي ْع َطى َه َذا م ْم َح َس َناته َو َه َذا ممْ‬‫َ َ َََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا‪ ،‬وأكل مال هذا‪ ،‬وسفك دم هذا‪ ،‬و‬
‫َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َْ َ َ ْ ُْ َ َ ََْ ُ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ََ‬ ‫َ‬
‫َح َسنا ِت ِه‪ ،‬ف ِإن ف ِنيت حسناته قبل أن يقض ى ما علي ِه‪ ،‬أ ِخذ ِمم خطاياهم فط ِرحت علي ِه‪،‬‬
‫ْ‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫ث َّم ط ِر َح ِفي الن ِار)(‪.)1‬‬

‫العـوامـل املـؤثـرة في ألاخـالق‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫هل يمكن لسريع الغضب أن يصبح حليما وللبخيل أن يغدو كريما؟ وفي املقابل هل‬
‫ً‬ ‫يمكن أن يصبح الحليم َّ‬
‫حاد املزاج؟ وأن يصبح الكريم بخيال؟ أم أن هللا تعالى خلق الناس‬
‫َ‬
‫على سجايا مختلفة ال تتغير؟ وط َب َع َهم بطباع متفاوتة ال تتبدل؟‬
‫َْ‬ ‫ّ‬
‫والجواب‪ّ :‬أن هناك عاملين رئيسين يؤثران في أخالق إلانسان‪ :‬عامل خلقي طبع هللا تعالى‬
‫َ‬
‫إلانسان عليه‪ ،‬وعامل اكتسابي يعود إلى البيئة التي ينشأ فيها املرء‪ ،‬وإلى ما يبذله كل إنسان‬
‫من جهد في تغيير أخالقه‪.‬‬
‫فاهلل تعالى خلق الناس متفاوتين في ميولهم واستعداداتهم وطباعهم‪ ،‬وهذا ملحوظ‬
‫ً‬
‫بوضوح‪ ،‬ومنذ الصغر‪ ،‬فبعض ألاطفال مثال‪ ،‬تتضح عليهم سمات الهدوء والوداعة‪ ،‬وبعضهم‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬باب صفة النبي صلى هللا عليه وسلم حديث رقم‪ ،1166 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1195‬‬
‫(‪ )9‬رواه الترمذ ‪ ،‬كتاب البر والصلة عن رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‪ ،‬بـاب مـا جـاء فـي حسـن الخلـق‪ ،‬حـديث رقـم‪:‬‬
‫‪ ،9999‬ج‪ ،1‬ص‪ ،169‬وقــال الترمــذي‪ :‬هــذا حــديث حســم صــحيح‪ ،‬ورواه أحمــد‪ ،‬مســند املكثــرين مــن الص ــحابة‪،‬‬
‫مسند عبد هللا بن عمرو رض ى هللا تعالى عنهما‪ ،‬حديث رقم‪ .6511 :‬قال ألالباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب تحريم الظلم‪ ،‬حديث رقم‪ ،9541 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1007‬‬
‫‪124‬‬
‫تبرز فيه الحدة وضيق املزاج وشدة الانفعال والصرات‪ ،‬وبعض ألاطفال يميلون أكثر إلى‬
‫مساعدة آلاخرين‪ ،‬بينما يميل آخرون أكثر إلى الاستئثار‪ ،‬وربما إلى ش يء من العدوانية‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذلك وردت نصوص شرعية تفيد بأن إلانسان يخلق مطبوعا على أخالق معينة‪ ،‬ومن‬
‫ْ ََ ُ‬ ‫َّ ْ ْ‬ ‫َ َ ََْ‬
‫صلت ْي ِن ُي ِح ُّ ُه َما الل ُه‪ ،‬ال ِحل ُم َوألاناة)(‪ ،)1‬وفي‬ ‫ذلك‪ :‬قوله ‪ ‬ألشج عبد القيس‪ِ ( :‬د َّن ِفيك خ‬
‫َّ‬
‫ال َر ُسو ُل الل ِه ‪َ : ‬ب ْل‬ ‫الل ِه َأ َش ْي ٌء ُجب ْل ُت َع َل ْي ِه َأ ْم َش ْي ٌء َح َد َث لي؟ َق َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫رواية‪( :‬قال‪ :‬يا رسول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ش ْي ٌء ُج ِبلت َعل ْي ِه)(‪.)9‬‬
‫لكن هذه امليول والاستعدادات‪ ،‬إنما هي بمثابة البذرة‪ ،‬تبقى مستكنة إذا لم ت َت َع َّهد‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫بالعناية ولم تتوافر لها الظروف املالئمة‪ ،‬وتظهر وتنمو إذا وجدت إرادة وظروف لتنميتها‪،‬‬
‫سواء أكانت في اتجاه الخير أم في اتجاه الشر‪.‬‬
‫ولذلك وردت نصوص شرعية تفيد بأن ألاخالق تكتسب‪ ،‬وأن إلانسان هو من يزكي‬
‫ً‬
‫نفسه ويربيها على ألاخالق الفاضلة‪ ،‬أو يهوي بها إلى حضيض ألاخالق السيئة‪ .‬ومن هنا أيضا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كانت ألاخالق الحسنة سببا للمدح وعلو الدرجات‪ ،‬بينما كانت ألاخالق السيئة سببا للذم‬
‫ونزول الدركات(‪.)1‬‬
‫ولكن لو فرضنا شخصين‪ ،‬أحدهما يميل إلى الهدوء‪ ،‬بينما يتصف آلاخر بالحدة وسرعة‬
‫الانفعال‪ ،‬وأنهما خضعا لظروف متشابهة تنمي امليل إلى الحلم‪ ،‬فإن الثاني ستخف حدته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫اس َم َع ِادن‬ ‫الن ُ‬ ‫دون أن يصل إلى درجة الحلم التي وصل إليها ألاول‪ ،‬وهذا معنى قول النبي ‪( :‬‬
‫ْ َ َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َك َم َعادن ْالف َّ‬
‫ض ِة َوالذ َه ِب‪ِ ،‬خ َيا ُر ُه ْم ِفي ال َج ِاه ِل َّي ِة ِخ َيا ُر ُه ْم ِفي ِإلا ْسال ِم ِدذا فق ُهوا)(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ ِ‬

‫(‪ )1‬رواه مســلم‪ ،‬كتــاب إلايمــان‪ ،‬بــاب ألامــر باإليمــان بــاهلل تعــالى ورســوله صــلى هللا عليــه وســلم وش ـرائع الــدين والــدعاء‬
‫إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه‪ ،‬حديث رقم‪ ،17 :‬ج‪ ،1‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )9‬رواه ابــم ماج ــه‪ ،‬كت ــاب الزه ــد‪ ،‬ب ــاب الحل ــم‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1147 :‬ج‪ ،9‬ص‪ ،1191‬ورواه بقري ــب م ــن ه ــذا اللف ــظ‪:‬‬
‫النســائي‪ ،‬أحمــد بــن شــعيب‪ ،‬املجتبــى مــم الســنن (ســنن النســائي)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــدالفتاح أبــو غــدة‪ ،‬ألاحاديــث مذيلــة‬
‫بأحكــام ألالبــاني عليهــا‪ ،‬مكتــب املطبوعــات إلاســالمية‪ ،‬حلــب‪ 1196 ،9 ،‬ه ــ‪1046 ،‬م‪ ،‬بــاب قــول هللا‪ :‬وهلل ألاســماء‬
‫الحســنى فــادعوه بهــا‪ ،‬ذكــر أســماء هللا تعــالى وتبــارك‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،7716 :‬ج‪ ،116 ،1‬قــال ألالبــاني‪ :‬دســناده صــحيح‬
‫ً‬
‫على شرط الشيخين‪ ،‬وسيشار إلى هذا املرجع فيما بعد اختصارا هكذا‪ :‬رواه النسائي‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬أنظــر قريبــا مــن طريقــة جمعنــا بــين هــاتين الط ــائفتين مــن النصــوص‪ ،‬فــي‪ :‬امليــدا ي‪ :‬عبــد الــرحمن حســن‪ ،‬ألاخ ــالق‬
‫إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.101 - 170‬‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ ُ ُ ٌ ُ َ َّ َ ٌ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫(‪ )1‬جــزء مــن حــديث تتمتــه‪( :‬وألارواح جنــود مجنــدة فمــا تعــارل ِمنهــا ائتلــف ومــا تنــاكر ِمنهــا اختلــف)‪ ،‬رواه مســلم‪،‬‬
‫كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب ألارواح جنود مجندة‪ ،‬حديث رقم‪ ،9614 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،9911‬وفي البخار جزء مـن‬
‫ْ َ َ َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫اه ِل َّيـ ِـة ِخ َيـ ُـار ُه ْم ِفــي ِإلا ْســال ِم ِدذا فق ُهــوا)‪ ،‬كتــاب‬ ‫َ ُ ْ‬
‫حــديث آخــره‪...( :‬ق ـال فعــم معـ ِـاد ِن العــر ِ تســألو ِن ِخيـ ُـارهم ِفــي الج ِ‬
‫‪125‬‬
‫يسوغ بعض املجرمين جرائمهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أنـاقـش‪ :‬قد‬
‫بأنهم مجبولون على الشر‪ ،‬ما رأيك في ذلك؟!‬
‫قـواعـد ألاخـالق‬
‫حسن ألاخالق وقبيحها؟ وكيف يمكن التزام ألاخالق الحسنة؟ يمكن‬‫ما معايير التمييز بين َ‬
‫استخالص قواعد شرعية لذلك‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬التزام الشـرع‬
‫إن خير ميزان لتمييز ألاخالق الحسنة‪ ،‬وأفضل ما يساعد على التخلق بها‪ ،‬التزام إلاسالم‬
‫وأحكامه‪ ،‬فإن إلاسالم لم يأمر إال بكل حسن‪ ،‬ولم ينه إال عن كل قبيح‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱪ ﱫ‬
‫ﱷ ﱹﱺ‬
‫ﱸ‬ ‫ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱻ ﱼﱢ (النحل‪.)09:‬‬
‫‪ )0‬تزكية النـفـس عم الهوى‬
‫ّ‬
‫وتسول له الظلم‬ ‫قد ت ّزين نفس املرء له قبائح ألاعمال فيراها حسنة‪ ،‬وتأمره بالسوء‪،‬‬
‫والعدوان‪ ،‬ومن نظر في كثير من الرذائل وألاخالق الذميمة‪ ،‬لوجد أن سببها الرئيس هوى في‬
‫النفس ومبالغة في حب الذات والشهوات‪.‬‬
‫أتأمل‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﱢ‬
‫ً‬
‫(الحشر‪ ،)0 :‬يوضح أثر النفس وسلطانها‪ ،‬حيث يصور شح النفس رجال‬
‫ً‬
‫مقاتال شديد املراس‪ ،‬يهجم على صاحبه‪ ،‬وليس أمامه إال أن يصده‬
‫بقوة وبواق شديد يرده‪ ،‬وليس ذلك الواقي إال تزكية النفس‪.‬‬
‫ومن هنا اهتم إلاسالم بتزكية النفوس وتأديبها وتهذيبها(‪ ،)1‬حتى تحتكم للحق وللخير وال‬
‫تنساق وراء هواها ووساوسها ألامارة بالسوء‪.‬‬
‫أتـأمـل‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱢ (املعارج‪ ،)99-10 :‬فهذه آلايات الكريمة تبين أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للعبادة أثرا كبيرا في تخليص إلانسان من ألاخالق الذميمة‪ ،‬حتى تلك‬
‫التي طبع عليها‪.‬‬

‫ً‬
‫أحاديــث ألانبيــاء‪ ،‬بــاب واتخــذ هللا إب ـراهيم خل ــيال‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،1171 :‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،1999‬وبــاب أم كنــتم ش ــهداء إذ‬
‫حضر يعقوب املوت‪ ،‬حديث رقم‪ ،1101 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1915‬‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬خل املسلم‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪1000 ،9 ،‬م‪ ،‬ص ‪.0 - 7‬‬
‫‪126‬‬
‫َ َ ُّ ُ‬
‫‪ )3‬تكلف ألاخالق الحسنة‬
‫َ ُّ‬
‫ألاخالق الحسنة‪ :‬أن يحمل املرء نفسه على التخلق باألخالق الفاضلة‬ ‫ِ‬ ‫نعني ب َتكل ِف‬
‫والتخلص من الرذائل‪ ،‬وذلك يكون بالتدرب على السلوك القويم‪ ،‬وهجر كل ما يشين‪ ،‬حتى‬
‫يصبح الخلق الجديد عادة وسجية مستقرة في النفس‪ ،‬وذلك يشبه تنمية الجسد وتقويته‬
‫بالرياضات البدنية‪.‬‬
‫الصدق‪ ،‬حتى يصبح الصدق سجية فيه‪ ،‬ومن يسرع إليه الغضب‬ ‫َ‬ ‫يتح َّرى‬‫فمن يكذب‪َ ،‬‬
‫والحلم عند كل موجة غضب‪ ،‬ومن يعاني من البخل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ألتفه ألاسباب‪ ،‬ليتصنع مظاهر الهدوء ِ‬
‫ّ‬
‫ليتكلف إلانفاق في مواطنه‪ ،‬وهكذا‪ ،..‬في جهاد يتدرج فيه املرء في مراتب الكمال‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱣﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﱢ (العنكبوت‪ ،)60 :‬ويقول‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الل ُه‪َ ،‬و َم ْم َي َت َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ ْ َّ َّ‬
‫ص ِّب ْر ُه الل ُه)(‪.)1‬‬
‫ص َّب ْر ُي َ‬ ‫النبي‪(َ :‬و َم ْم َي ْست ْع ِفف ُي ِعف ُه الل ُه‪َ ،‬و َم ْم َي ْستغ ِم ُيغ ِن ِه‬
‫يقول امليداني‪( :‬إن التدريب العملي واملمارسة التطبيقية‪ ،‬ولو مع التكلف في أول ألامر‪،‬‬
‫وقسر النفس على غير ما تهوى‪ ،‬من ألامور التي تكسب النفس إلانسانية العادة السلوكية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طال الزمن أو قصر‪ ،‬والعادة لها تغلغل في النفس يجعلها أمرا محببا‪ ،‬وحين تتمكن في النفس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تكون بمثابة الخلق الفطري‪ ،‬وحين تصل العادة إلى هذه املرحلة تكون خلقا مكتسبا‪ ،‬ولو لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تكن في ألاصل الفطري أمرا موجودا)(‪.)9‬‬
‫َّ‬
‫أناقش‪ :‬من ألامثال الشائعة‪( :‬الطبع غلب‬
‫َ َ‬
‫التط ُّب َع)‪ ،‬ما رأيك في ذلك؟‬
‫تحب أن يعاملـوك بـه‪:‬‬ ‫‪ )4‬معاملة الناس بمثل ما ُّ‬
‫هذه قاعدة تشتمل على ميزان دقيق يحدد السلوك الحسن‪ ،‬فعند كل سلوك لإلنسان مع‬
‫آلاخرين‪ ،‬ليتخيل نفسه مكانهم وهم مكانه‪ ،‬ولينظر هل يرتض ي ذلك النوع من السلوك منهم‬
‫َ ْ َ ُ‬
‫في حقه أم ال‪ ،‬وعلى ضوء ذلك ليقرر كيف يعاملهم‪ ،‬يقول النبي‪( :‬ال ُيؤ ِم ُم أ َح ُدك ْم َح َّتى‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ُي ِح َّب ِأل ِخ ِيه َما ُي ِح ُّب ِلنف ِس ِه)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب الاستعفاف عن املسألة‪ ،‬حديث رقم‪ ،1199 :‬ج‪ ،9‬ص‪ ،511‬ورواه مسـلم‪ ،‬كتـاب‬
‫الزكاة‪ ،‬باب فضل التعفف والصبر‪ ،‬حديث رقم‪ ،1951 :‬ج‪ ،9‬ص ‪790‬‬
‫(‪ )9‬امليدا ي‪ :‬عبد الرحمن حسن‪ ،‬ألاخالق إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.994‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب إلايمــان‪ ،‬بــاب مــن إلايمــان أن يحــب ألخيــه مــا يحــب لنفســه‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،11 :‬ج‪ ،1‬ص‪،11‬‬
‫ورواه مســلم‪ ،‬كتــاب إلايمــان‪ ،‬بــاب الــدليل علــى أن مــن خصــال إلايمــان أن يحــب ألخيــه املســلم مــا يحــب لنفسـه مــن‬
‫الخير‪ ،‬حديث رقم‪،15:‬ج‪ ،1‬ص‪.64‬‬
‫‪127‬‬
‫وهكذا يستقيم سلوك إلانسان‪ ،‬ويلتزم الصدق مع آلاخرين‪ ،‬ألنه يحب من آلاخرين أن‬
‫ً‬
‫يكونوا صادقين معه‪ ،‬وسيكون أمينا معهم‪ ،‬ألنه هكذا يحب أن يكونوا معه‪ ،‬ولن يحقد أو‬
‫يحسد أو يغتاب‪ ،‬ألنه ال يحب ذلك من آلاخرين تجاهه(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫‪ )5‬الابتعاد عم كل ما يجد إلا سان في نفسه منه شيئا‬
‫من فضل هللا تعالى على الناس أنه فطرهم على الخير‪ ،‬وكل من يقدم على شر أو عمل‬
‫يحس بتلك الفطرة تنازعه وتمانعه‪ ،‬وحتى عندما تلتبس عليه ألامور‪ ،‬فإنه يجد‬ ‫ُّ‬ ‫قبيح‪ ،‬فإنه‬
‫ْ‬
‫نوعا من الصراع الداخلي والتردد‪ .‬يقول النبي ‪ْ ( :‬الب ُّر ُح ْس ُم ْال ُخ ُل َو ْإلاث ُم َما َح َ‬ ‫ً‬
‫اك ِفي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬‫َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ َّ‬
‫اس)(‪.)9‬‬ ‫صد ِرك وك ِرهت أن يط ِلع علي ِه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فالحديث الشريف يضع معيارا نفسيا دقيقا للتمييز بين الصواب والخطأ‪ ،‬والحسن‬
‫والقبيح‪ ،‬خاصة في ألامور املشتبهة‪ ،‬ومن يتأمل في كثير من ألافعال املستقبحة التي يرتكبها‬
‫إلانسان‪ ،‬يجد أنه قارنها أو سبقها ذلك الشعور النف ي الخفي‪ ،‬الذي يقوم على التردد‬
‫والتشكك‪ ،‬مع الحرص على إخفاء ألامر عن آلاخرين‪.‬‬
‫‪ )6‬اختيار الرفي الصالح‬
‫للرفيق أثر كبير في سلوك رفيقه وأخالقه‪ ،‬وهذا أمر ملحوظ‪ ،‬ولذلك قيل في املثل الدارج‪:‬‬
‫ّ‬
‫(الصاحب ساحب)‪ ،‬ومن هنا ركز إلاسالم على أهمية اختيار الرفيق الصالح وحذ َر من رفقة‬
‫السوء‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬ﱣﭐﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﱢ(الزخرف‪.)67 :‬‬
‫‪ )7‬الاقتداء بالصالحين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫َّإن للنموذج الحي والقدوة العملية أثرا كبيرا في النفس‪ ،‬وقد كان من فضل هللا تعالى على‬
‫الناس‪ ،‬أنه لم يكتف بأن أمرهم بالتزام ألاخالق الفاضلة والتخلق بها‪ ،‬بل ضم إلى ذلك إيجاد‬
‫نماذج حية‪ ،‬ضرب املثل بهم وأمر باالقتداء بأخالقهم‪ ،‬وعلى رأس هذه النماذج نبينا ‪ ،‬الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كانت أخالقه تطبيقا عمليا لكل ما دعا إليه القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂﳃ‬

‫ﳄ ﳅﳆﳇﳈ ﳉﳊﳋﳌ ﳍﳎﱢ(ألاحزاب‪.)91:‬‬


‫وكل من سار على هدي هللا تعالى ورسوله ‪ ‬فهو قدوة ينبغي احتذاؤها‪ ،‬وعلى املسلم أن‬
‫يحذر من إلاعجاب بغير الصالحين واملهتدين أو التعلق بهم وامليل إليهم‪ ،‬ألن ذلك من أكبر‬
‫أسباب انحدار ألاخالق وسوء السلوك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬امليدا ي‪ :‬عبد الرحمن حسن‪ ،‬ألاخالق إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.49 - 41‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب تفسير البر وإلاثم‪ ،‬حديث رقم‪ ،9551 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1049‬‬
‫‪128‬‬
‫خصائص النـظـام ألاخــالقـي في إلاســالم‬
‫يتميز النظام ألاخالقي في إلاسالم‪ ،‬بخصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬الثبات‬
‫يقيم إلاسالم ألاخالق على أساس ثابت متين ال يتغير وال يتزعزع هو أساس الدين‬
‫ً‬
‫والعقيدة‪ ،‬وهو ما َي ِسم َها بالثبات‪ ،‬فااللتزام باألخالق في إلاسالم مسألة مبدأ‪ ،‬وليس التزاما‬
‫ً‬
‫مرتبطا باملصلحة يتبدل بتبدلها‪ ،‬وال بالظروف يتغير بتغيرها‪ ،‬وال يمكن أن يفر املسلم بها‬
‫ً‬
‫بحال‪ ،‬فاملسلم يلتزم الصدق مثال‪ ،‬ولو لم يوافق مصلحته الخاصة في بعض ألاحيان‪ ،‬ودافعه‬
‫في ذلك نيل رضوان هللا تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫وبقدر ما يكون املسلم متمسكا بعقيدته يرتقي في أخالقه‪ ،‬بينما يدل سوء ألاخالق على‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ضعف العقيدة ووهنها في النفس‪ ،‬يقول النبي ‪َ ( :‬والل ِه ال ُيؤ ِم ُم‪َ ،‬والل ِه ال ُيؤ ِم ُم‪َ ،‬والل ِه ال‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ :‬ال ِذ ال َيأ َم ُم َجا ُر ُه َب َوائق ُه)(‪ ،)1‬ومن هنا كانت عالمات‬ ‫ُيؤ ِم ُم‪ِ ،‬قيل‪ :‬ومم يا رسول الل ِه؟ ق‬
‫النفاق مساوئ ألاخالق‪ :‬الكذب في الحديث‪ ،‬وإخالف الوعد‪ ،‬والغدر عند العهد‪ ،‬والفجور عند‬
‫املخاصمة‪.‬‬
‫‪ )0‬الدافع الذاتي‬
‫ركز إلاسالم على إيجاد دوافع ذاتية قوية في نفس املسلم تفوق قوة الدوافع املادية‬
‫آلانية‪ ،‬وتحمله على الالتزام باألخالق في كل حاالته‪ ،‬ولو لحقه من ذلك ضرر دنيوي أو فاته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفع مادي‪ ،‬ألنه يرجو في آلاخرة نفعا أعظم ويخاف عقابا أعم‪.‬‬
‫وذلك يضمن التزام أفراد املجتمع بها في السر والعلن وفي كل حال‪ ،‬ويحقق النفع العام‬
‫الذي يعود على كل أفراد املجتمع(‪ ،)9‬سواء أعادت على امللتزم بها بنفع مادي أم لم تعد‪،‬‬
‫وسواء وجدت رقابة الدولة واملجتمع أم ال‪.‬‬
‫‪ )3‬الشمول‬
‫أوجب إلاسالم التزام ألاخالق في كل ميادين الحياة(‪:)1‬‬
‫فهي أخالق تحكم العالقة الزوجية على أساس من العشرة باملعروف والتواد والتراحم‪،‬‬
‫وعالقة إلابن بوالديه بالبر والطاعة‪ ،‬وعالقة الوالدين بأوالدهما بالرفق والرحمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب ألادب‪ ،‬باب إثم من ال يأمن جاره بوائقه‪ ،‬حديث رقم‪ ،5679 :‬ج‪ ،5‬ص‪.9919‬‬
‫(‪ )9‬البغا‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب‪ ،‬نظام إلاسالم في العقيدة وألاخالق والتشريع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.150 - 155‬‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬امليدا ي‪ :‬عبد الرحمن حسن‪ ،‬ألاخالق إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.56 - 55‬‬
‫‪129‬‬
‫وهي أخالق تحكم عالقة الفرد بمجتمعه على أساس الصدق والكلمة الطيبة واملعاملة‬
‫الحسنة‪ ،‬كما تحكم عالم املال بالكرم والبذل والبعد عن البخل وإلاسراف وعن التفاخر‬
‫باألموال‪.‬‬
‫وهي أخالق تحكم عالقة الحاكم باملحكومين على أساس العدل والشورى والطاعة‬
‫باملعروف‪ ،‬وتحكم عالقة املسلم بغير املسلم من إحسان وبر وقسط‪.‬‬
‫وهي أخالق تحكم املسلم حتى في تعامله مع أعدائه حالة الحرب‪ ،‬من وجوب الوفاء‬
‫باملعاهدات والابتعاد عن الغدر وعن قتل املدنيين املساملين‪.‬‬
‫وهي أخالق تحكم املسلم في تعامله مع البيئة‪ ،‬فتوجب عليه الابتعاد عن التخريب‬
‫وإلافساد في ألارض‪.‬‬
‫الفلسفة املادية لألخالق‬
‫تقوم الفلسفة املادية لألخالق على أساس مادي نفعي‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫شر‪ ،‬بقدر ما يعود على‬‫خير أو ٌ‬ ‫أن أي عمل أو خلق يحكم عليه بأنه صواب أو خطأ‪ٌ ،‬‬
‫صاحبه من نفع ولذة‪ .‬فالخير هو ما يعود على إلانسان بنفع مادي‪ ،‬والشر هو ما يعود على‬
‫إلانسان بألم مادي وخسارة مادية(‪.)1‬‬
‫وهذه الفلسفة يتوجه عليها انتقادان جوهريان‪:‬‬
‫ألاول‪ :‬أنها فلسفة تهدم ألاخالق إلانسانية من أساسها‪ ،‬حيث تقرر (نسبية ألاخالق)‪،‬‬
‫وعدم وجود مقياس إنساني عام لها‪ ،‬من دين أو ضمير أو حس إنساني مشترك‪ ،‬وإنما يغدو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مقياسها مقياسا ماديا نفعيا محضا‪ ،‬يختلف باختالف العادات والتقاليد والزمان والبيئة‬
‫والظروف وألاشخاص‪ ،‬فليس هناك فضيلة مطلقة وال رذيلة مطلقة(‪.)9‬‬
‫وعلى سبيل املثال‪ :‬ال يعود هناك معنى لفضيلة العفة‪ ،‬إذا دف َع ٌ‬
‫مبلغ ٌ‬
‫كبير للتحلل منها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويغدو نهب ثروات آلاخرين وظلمهم واحتالل بالدهم‪ ،‬فضائل أخالقية بالنسبة إلى من يقوم‬
‫بها‪ ،‬ألنها تعود بالنفع عليه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬وقــد صــاغ هــذه الفلســفة الفيلســوف (بنتــام) (‪1419 – 1714‬م)‪ ،‬بمــا عــرف ب ـ (مــذهب املنفعــة)‪ ،‬أنظــر‪ :‬بــدو ‪ :‬د‪.‬‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬ألاخالق النظرية‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪1075 ،1 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 917‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )9‬أنظــر‪ :‬بــدو ‪ :‬د‪ .‬عبــد الــرحمن‪ ،‬ألاخــالق النظريــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪ ،951 - 959‬امليــدا ي‪ :‬عبــد الــرحمن حســن‪،‬‬
‫ألاخالق إلاسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.191 - 07‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )1‬أنظــر تحلــيال ونقــدا عميقــين للفلســفة املاديــة فــي ألاخــالق وآثارهــا املــدمرة‪ ،‬فــي‪ :‬بيجــوفتش‪ :‬علــي عــزت‪ ،‬إلاســالم بــين‬
‫الشرق والغر ‪ ،‬الناشر‪ :‬مجلة النور الكويتية‪ ،‬الكويت‪ 1111 ،1 ،‬هـ‪1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.915 - 177‬‬
‫‪131‬‬
‫ً‬
‫الثاني‪ :‬أنها فلسفة تجرد إلانسان من إنسانيته‪ ،‬والواقع يثبت أن إلانسان ليس حيوانا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بيولوجيا محكوما بشكل آلي لحسابات اللذة وألالم‪ ،‬وإنما هو مخلوق متميز متجاوز للمرجعية‬
‫املادية املحضة‪ ،‬ولذلك يصعب على الفلسفة النفعية تفسير قيام الناس بأعمال أخالقية‬
‫عظيمة تخلو من املنافع املادية‪ ،‬مثل‪ :‬أداء الواجبات الاجتماعية التي تتضمن تضحية من أجل‬
‫آلاخرين‪ ،‬كالعناية بذوي الاحتياجات الخاصة واملرض ى الذين ال أمل في شفائهم‪ ،‬ومثل املخاطرة‬
‫ف ي سبيل إنقاذ إنسان مشرف على الهالك‪ ،‬ومثل التضحية في سبيل قيم معنوية‪ ،‬كالتضحية‬
‫بالنفس من أجل الوطن أو القيم إلانسانية أو من أجل الشرف(‪.)1‬‬

‫أقرأ وأستمتع‬
‫مم أخالق السلف الصالح‬
‫ٌ‬ ‫عمر َ‬
‫وي أن َ‬ ‫‪-‬ر َ‬
‫بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب‪ ،‬فكاد السراج يطفأ‪ ،‬فقال‬
‫ا لضيف‪ :‬أقوم إلى املصباح فأصلحه‪ ،‬فقال‪ :‬ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الغالم؟ فقال‪ :‬هي أول نومة ينامها‪ ،‬فقام وأخذ البطة ومأل املصباح زيتا‪ ،‬فقال‬ ‫أفأنبه‬
‫ِ‬
‫الضيف‪ :‬قمت بنفسك يا أمير املؤمنين؟ فقال‪ :‬ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر‪ ،‬ما نقص‬
‫ً‬
‫مني ش يء‪ ،‬وخير الناس من كان عند هللا متواضعا(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬قال ابن سيرين‪( :‬ما حسدت أحدا على ش يء من أمر الدنيا‪ ،‬ألنه إن كان من أهل‬
‫الجنة‪ ،‬فكيف أحسده على ش يء من أمر الدنيا‪ ،‬وهو يصير إلى الجنة! وإن كان من أهل النار‪،‬‬
‫فكيف أحسده على ش يء من أمر الدنيا‪ ،‬وهو يصير إلى النار!)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬بيجوفتش‪ :‬علي عزت‪ ،‬إلاسالم بين الشرق والغر ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.915-177‬‬
‫(‪ )9‬حوى‪ :‬سعيد‪ ،‬املستخلص في تزكية ألانفس‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪ ،‬بيروت‪1049 ،‬م‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫(‪ )1‬املقدس ي‪ :‬أحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬مختصر منهاج القاصديم‪ ،‬خرج أحاديثه وعلق عليـه‪ :‬عصـام عبـد الـرحيم‪ ،‬دار‬
‫الفجر للتراث‪ ،‬القاهرة‪ 1199 ،1 ،‬هـ‪1000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.999‬‬
‫‪131‬‬
‫النظام الاجـتـماعي في إلاسـالم‬
‫(إن إلاسالم جاء بالحضارة إلى القبائل البربرية "الهمجية"‪َ ،‬و َح َّو َل‬
‫ً‬
‫أمم‪ ،‬إنه جعل الخطوة مع العالم‬ ‫جماعات منفصلة من الوثنيين إلى ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الخارجي ممكنة‪ ،‬إنه وسع النظر‪ ،‬ورفع مستوى املعيشة بإنشائه جواً‬
‫اقيا‪ ،‬وأسبغ على أتباعه الوقار‪ ،‬واحترام النفس‪ ،‬واحترام‬ ‫اجتماعيا ر ً‬
‫ً‬
‫الناس‪ .‬إن إلاسالم أدخل فن القراءة والكتابة‪ .‬وبفضله تم تحريم تعاطي‬
‫املسكرات‪ ..‬والثأر والعادات البربرية ألاخرى)‪.‬‬
‫املستشرق البريطاني أندرسون‬

‫اهتم إلاسالم ببناء مجتمع قوي متماسك‪ ،‬ونجح في تقديم نموذج فريد وغير مسبوق‬
‫لذلك هو املجتمع إلاسالمي الذي بناه النبي ‪ ‬في املدينة املنورة‪ ،‬على أساس نظام محكم‬
‫ومتميز من ألاحكام والتعاليم الاجتماعية التي جاء بها إلاسالم إلى البشرية‪.‬‬
‫نـظـرة تـاريـخـي ــة‬
‫كانت املجتمعات البشرية قبل إلاسالم‪ ،‬تقوم على أساس رابطة العائلة‪ ،‬أو النسب‬
‫والقرابة‪ ،‬أو القبيلة‪ ،‬أو اشتراك اللغة‪ ،‬أو الوطن واملصلحة الوطنية‪ .‬أما الدين فقد كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستبعدا في تلك املجتمعات‪ ،‬ولم يكن يشكل رابطة حقيقية فيها‪ ،‬بل لقد كان تابعا لرابطة‬
‫العرق والجنس والقبيلة‪ ،‬حتى إنه كان لكل قوم (إلههم القومي)‪ ،‬وحتى في املجتمعات التي‬
‫جاءتها رساالت سماوية‪ ،‬لم يكن الدين يشكل رابطة حقيقية‪ ،‬ألنها كانت رساالت محدودة‬
‫بمكان وزمان وقوم معينين‪ ،‬وبقيت رابطة الدم والقبيلة والجنس هي الرابطة الرئيسة‪ ،‬إلى حد‬
‫ً‬
‫أنها طغت على رابطة الدين‪ ،‬كما هو الحال في بني إسرائيل مثال‪.‬‬
‫وهي أسس ضعيفة‪ ،‬وتتضمن في ثناياها عوامل الفرقة والنزاع والظلم الطبقي والتفكك‬
‫الاجتماعي‪ ،‬إذا ما خلت من الاستناد إلى أساس الدين وإلانسانية(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫وليس بعيدا عن ألاذهان واقع العرب قبل إلاسالم‪ ،‬فقد كانت الحروب والنزاعات عند‬
‫العرب‪ ،‬تقوم بين القبيلة والقبيلة‪ ،‬وداخل القبيلة نفسها‪ ،‬بسبب كلمة تثار فيها الحمية‬

‫(‪ )1‬دبــم عاشــور‪ :‬محمــد الطــاهر‪ ،‬أصــول النظ ــام الاجتمــاعي فــي إلاســالم‪ ،‬دار النفــائس‪ ،‬عم ــان‪9991 ،1 ،‬م‪-171 ،‬‬
‫‪.149‬‬
‫‪132‬‬
‫الجاهلية‪ ،‬التي كانت تعمي صاحبها وتفقده صوابه‪ ،‬فيهب ليقاتل أخاه‪ ،‬ال لحق يدافع عنه أو‬
‫باطل يدفعه‪ ،‬وإنما هي القبيلة والعشيرة وآلاباء وألاجداد(‪.)1‬‬
‫وهو ما صوره الشاعر الجاهلي بصورة صارخة‪ ،‬حين قال‪:‬‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ًَ ََ َ َ‬
‫ِإذا لم ن ِجد ِإال أخانا‬ ‫كر أ ِخ َينا‬
‫وأحيانا على ب ٍ‬
‫أســس النـظـام الاجـتـماعي في إلاســالم‬

‫تلكم هي ألاسس التي قامت عليها املجتمعات البشرية قبل إلاسالم‪ ،‬حتى جاء إلاسالم‬
‫فأقام النظام الاجتماعي على أساسين لم يكونا معهودين من قبل‪ :‬أساس الدين‪ ،‬وأساس‬
‫إلانسانية‪ .‬وذلك من غير أن يقض ي إلاسالم على ألاسس الطبيعية التي تجمع الناس‪ ،‬كالقرابة‬
‫والعرق واللغة‪ ،‬على ما نبين‪.‬‬

‫أسـاس الديـم‬

‫إن الدين هو الذي يوجد الرغبة الحقيقية لدى أفراد املجتمع للتخلي عن تعصبهم‬
‫َ‬
‫الشعور‬ ‫ألاعمى للعرق‪ ،‬وتفاخر بعضهم على بعض‪ ،‬وتنازعهم وتناحرهم‪ِ ،‬‬
‫ويوجد في كل منهم‬
‫الحقيقي باملساواة وألاخ َّو ِة نحو آلاخرين‪ ،‬ألنه ألاساس الذي يربط الناس كلهم برب واحد‬
‫ّ‬
‫وتتشوف قلوبهم لنيل رضوان هللا‬ ‫ومصير واحد وهدف واحد‪ ،‬فتتوحد مشاعرهم وتطلعاتهم‪،‬‬
‫تعالى‪ ،‬وتتعلق نفوسهم بارخخرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا نجح النبي ‪ ‬نجاحا باهرا في بناء مجتمع إسالمي في املدينة املنورة‪ ،‬في وقت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قصير جدا في أعمار املجتمعات‪ ،‬وعلى نحو لم تعهد البشرية له مثيال في التماسك والتآخي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والتعاضد‪ ،‬وفي بيئة كانت من أشد البيئات آنذاك فرقة وتنازعا وتمزقا‪ ،‬بيئة تحكمها‬
‫العصبيات القبلية‪ ،‬وتستبد بها الوالءات النسبية‪ ،‬والتفاخر بارخباء وألاجداد‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱠﱢ‬
‫ﱡ‬ ‫ﱣﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬

‫ﱣﱤﱢ(ألانفال‪.)61 :‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )1‬أنظــر عرضــا جيــدا ملظــاهر التفكــك والظلــم الاجتمــاعي فــي املجتمعــات القديمــة قبــل إلاســالم فــي‪ :‬أبــو زهــرة‪ :‬محمــد‪،‬‬
‫دراسات دسالمية في النفس واملجتمع‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.11 - 5‬‬
‫‪133‬‬
‫أساس إلا سانية‬
‫ً‬
‫إن أساس الدين قد يكون‪ ،‬في بعض ألاحيان‪ ،‬عامال من عوامل التفرقة وتفكك املجتمع‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫حين ي َوظف توظيفا عرقيا‪ ،‬أو يستند إليه في التعصب ألاعمى ضد من ال يؤمن به‪ ،‬وال يعدو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عامال إضافيا يضاف إلى العوامل العرقية التي قد تفرق‬ ‫أن يكون في مثل هذه الحاالت‬
‫املجتمع‪ ،‬وهو ما حدث في املجتمعات إلانسانية قبل مجيء إلاسالم كما قلنا‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن ألامر مختلف تماما‪ ،‬إذا كان ألاساس الديني الذي يستند إليه املجتمع هو إلاسالم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫فلم يكن إلاسالم يوما دينا قوميا أو عرقيا خاصا‪ ،‬بل كان رحمة لغير املؤمنين به كما كان‬
‫رحمة للمؤمنين به‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲀ ﲁ ﲂﲃﲄ ﱢ(ألانبياء‪.)197 :‬‬
‫وكما أرس ى بين املؤمنين به رابطة ألاخوة الدينية‪ ،‬فقد أرس ى بين البشر كلهم رابطة ألاخوة‬
‫إلانسانية على أساس وحدة الجنس البشري‪ ،‬فالناس كلهم إخوة‪ ،‬ربهم واحد وأبوهم واحد‬
‫وأصلهم واحد من تراب‪ ،‬وإن اختلف اللون أو اللغة أو العرق أو الدين‪ ،‬ولغير املسلمين في‬
‫املجتمع إلاسالمي من الحقوق ما للمسلمين‪ ،‬وعليهم من الواجبات ما عليهم‪.‬‬
‫إن هذه النظرة إلانسانية‪ ،‬هي الكفيلة بالقضاء على كل أسباب الفرقة والعصبية بين‬
‫بني آدم‪ ،‬إنها النظرة التي تصحح املفهوم الخطأ عن حكمة اختالف الناس في اللون والعرق‬
‫واللغة والنسب‪ ،‬فلم تكن حكمة هللا تعالى من هذا الاختالف أن هللا تعالى فضل ألابيض على‬
‫ألاسود‪ ،‬أو العربي على غيره‪ ،‬أو ذا النسب على الوضيع‪ ،‬وال أن يفخر بعضهم على بعض‪ ،‬وال‬
‫ليتعصبوا لشعوبهم وقبائلهم وأصولهم‪ ،‬وإنما خلقهم مختلفين ليتعارفوا ويجتمعوا‬
‫ﱯﱱ‬
‫ﱰ‬ ‫ويتواصلوا‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱵﱷﱸ ﱹﱺﱻﱢ (الحجرات‪.)11 :‬‬
‫ﱶ‬ ‫ﱲﱳ ﱴ‬
‫وعلى أساس هذه النظرة إلانسانية الراقية إلى الناس كل الناس‪ ،‬أقام النبي ‪ ‬عالقة‬
‫املسلمين بغير املسلمين في مجتمع املدينة املنورة‪ ،‬وعالقة املسلمين بغير املسلمين من‬
‫املجتمعات ألاخرى‪ ،‬وانبثقت تلك الحضارة إلاسالمية إلانسانية الفريدة‪ ،‬التي جمعت العربي‬
‫بالفارس ي والرومي والهندي والصيني‪ ،‬وجمعت ألابيض باألسود‪ ،‬وتعارفوا كلهم وتعاونوا‪،‬‬
‫ليقدموا للبشرية تلك الحضارة الفريدة والعلوم العجيبة‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫دقرار إلاسالم للرواب الاجتماعية الطبيعية‬

‫إن من عظمة إلاسالم وواقعيته أنه لم يلغ الروابط الاجتماعية الطبيعية في املجتمع‪،‬‬
‫ً‬
‫فهو لم يلغ رابطة القرابة والنسب مثال‪ ،‬وال رابطة القبيلة أو الوطن والقومية واللغة‪ ،‬وإنما‬
‫أعاد صياغة هذه الروابط وتنظيمها وتفعيلها على أساس ديني وإنساني مشترك تحتكم إليه‪.‬‬
‫وبذلك استفاد إلاسالم من هذه الروابط في زيادة ترابط مجتمع وتماسكه‪ ،‬وتالفى ما‬
‫تنطوي عليه من عوامل الفرقة والتفكك والنزاع‪ ،‬فغدت بذلك عوامل قوة واتحاد بعد أن‬
‫كانت عوامل فرقة وتنازع‪.‬‬
‫والروابط الاجتماعية الطبيعية التي يتشكل منها نسيج أي مجتمع هي دوائر متفاوتة في‬
‫الاتساع‪ ،‬ونقتصر هنا على بيان أهمها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ألاسرة‪ ،‬ثم عالقات القرابة والجيران‪ ،‬ثم العالقات الاجتماعية وإلانسانية ألاوسع‪ ،‬قال‬
‫ﲌﲎ ﲏﲐﲑﲒ‬
‫ﲍ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲓﲔ ﲕﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﲝﲞ‬

‫ﲟﲡﲢﲣﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨﱢ (النساء‪.)16:‬‬
‫ﲠ‬

‫مـنـهـج إلاســالم في تـنـظـيـم املـجـتـمـع‬


‫بعد أن أرس ى إلاسالم ألاساس الديني وإلانساني املشترك‪ ،‬عمل على توثيق الروابط‬
‫الطبيعية بتشريعات فريدة ومتميزة‪ ،‬وذلك في اتجاهين‪ :‬الترابط املعنوي‪ ،‬والتكافل املادي‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬تشريعات سامية لتقوية التراب املعنو‬
‫‪ )2‬ألاسرة‪ :‬ألاسرة هي الخلية ألاولى والحلقة ألاهم في بناء املجتمع‪ ،‬وهي من خصائص‬
‫الجنس البشري‪ ،‬ومن ضرورات إنشاء نسل صالح يشكل النسيج الاجتماعي املتماسك‪ ،‬إذ في‬
‫ألاسرة ينشأ إلانسان أول ما ينشأ لتتعهده بالرعاية والعناية‪ ،‬وفيها يتلقى تربيته وثقافته‬
‫وعلومه ألاولى‪.‬‬
‫ومن هنا أولى إلاسالم ألاسرة عناية بالغة‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن أكبر مساحة في‬
‫آيات ألاحكام في القرآن الكريم قد خصصت لبيان أحكام ألاسرة‪ ،‬وبتفصيل كبير‪ ،‬ولم يكثر‬
‫التأكيد على التقوى والتزام حدود هللا تعالى في القرآن الكريم في موضع على إلاطالق‪ ،‬كما كثر‬
‫في مواضع بيان أحكام ألاسرة‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫وقد أقام إلاسالم ألاسرة على أسس من السكينة واملودة والرحمة واملعاشرة باملعروف‪،‬‬
‫وعمل على تقوية هذه ألاسس وضمان استمرارها بتشريعات متميزة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬خلق هللا تعالى ذلك الدافع الفطري الغريزي في كل من الذكر وألانثى نحو آلاخر‪ ،‬وشرع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تلبيته عبر ربا مقدس حث عليه حثا شديدا‪ ،‬هو ربا الزواج‪ ،‬وسماه القرآن الكريم ميثاقا‬
‫ً‬
‫غليظا‪ ،‬وحرم الزنى‪ ،‬الذي ال يحقق لإلنسان معاني السكينة واملودة والرحمة‪ ،‬ويخرج إلى‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫املجتمع نسال تائها ضائعا‪ ،‬ال يشعر بأي انتماء لقيم أو أخالق‪ ،‬وتنتشر فيه الجريمة والانحالل‬
‫والفقر واملرض‪ ،‬ويكون ذلك أعظم سبيل إلى دمار املجتمع وانهياره‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الزواج في كل مراحله تنظيما معجزا‪ ،‬فوضع أحكاما قبل إلاقدام عليه‬ ‫‪ -‬ونظ َم إلاسالم‬
‫تضمن استمراره وتحقيقه ألهدافه‪ ،‬مثل‪ :‬ضرورة اختيار كل من الزوجين لصاحبه على أساس‬
‫ألاخالق والدين‪ ،‬وأن يتم الزواج بالتراض ي من طرفيه بعد فترة خطبة كافية‪ ،‬كما أوجب‬
‫إلاسالم قبو َل الولي وموافقته‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬كما نظ َم إلاسالم العالقة الزوجية بعد قيامها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬أنه أوجب على كل من‬
‫الزوجين معاشرة آلاخر باملعروف‪ ،‬وحدد الحقوق والواجبات والوظائف بينهما على أساس‬
‫التقابل والتوازن‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲈ ﲉﲊ ﲋﲌﱢ(البقرة‪.)994 :‬‬
‫ً‬
‫وفرض لألوالد حقوقا مادية وتربوية‪ ،‬في النفقة وإلارضاع والعناية والتعليم والتربية على‬
‫الصالح وألاخالق والدين‪ ،‬وفي املقابل أكد على حقوق الوالدين على ألابناء بالطاعة والبر‬
‫ً‬
‫والصلة والرحمة‪ ،‬مقابلة لإلحسان باإلحسان‪.‬‬
‫‪ -‬وما كان إلاسالم ليعتني بإنشاء ألاسرة وتنظيم عالقات أفرادها بعضهم ببعض ثم يهمل‬
‫معالجة ألاسباب املهددة لوجودها‪ ،‬ولذلك جاء إلاسالم بتنظيم إلهي ملعالجة الخالفات ألاسرية‬
‫على مراحل متتابعة‪ ،‬ال يجوز الانتقال إلى مرحلة تالية منها قبل استنفاد املرحلة التي قبلها‪:‬‬
‫وتبدأ تلك الحلول بالتحاور بين الزوجين‪ ،‬حيث يحثهما إلاسالم على أن يحال مشاكلهما‬
‫ً‬
‫بينهما بالتفاهم والتحاور‪ ،‬وأن ي ِبق َيا ذلك بينهما وال يطلعا أحدا عليه‪.‬‬
‫وإذا فشلت الحلول الداخلية بين الزوجين‪ ،‬وبدأت مشاكلهما تظهر لألقربين‪ ،‬فإن أهل‬
‫ً‬
‫كل منهما يوفدون حكما‪.‬‬
‫وإذا فشل الحكمان في إلاصالح‪ ،‬كان اللجوء إلى القضاء‪ ،‬والقاض ي يسعى مرة أخرى في‬
‫إلاصالح‪ ،‬وله فوق ذلك سلطة حمل كل من الزوجين على أداء واجباته الزوجية‪ ،‬ويتخذ من‬
‫ً‬
‫إلاجراءات التعزيرية ما يراه مناسبا‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ثم إذا فشل إلاصالح واستحكم الخالف واشتد التنازع‪ ،‬واستحالت الحياة الزوجية‪ ،‬فإن‬
‫حال أخي ًرا ّ‬
‫تحتمه الضرورة‪.‬‬
‫ً‬
‫إلاسالم يشرع الطالق‪،‬‬
‫وبهدف إلامعان في التأكد من أن الحياة الزوجية قد استحالت على كل ألاحوال‪ ،‬شدد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫إلاسالم في أحكام الطالق َ‬
‫وض َّي َق من سبله‪ ،‬وحذر تحذيرا شديدا من مخالفة املسلم لش يء من‬
‫ذلك‪ ،‬ومن هذه ألاحكام‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫أن إلاسالم حصر الوقت املباح إليقاع الطالق‪َ ،‬‬
‫إيقاعه مثال حال الحيض‪ .‬كما‬ ‫فح َّر َم‬
‫أوجب إلاسالم أن يكون الطالق على ثالث مراحل‪ ،‬وحرم إيقاع ثالث طلقات مرة واحدة‪ .‬ورتب‬
‫ً‬
‫على وصول الزوجين إلى املرحلة الثالثة‪ ،‬شروطا غير سهلة في حل رجوع بعضهما إلى بعض‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ )0‬القرابة‪ :‬يتلو دائرة ألاسرة دائرة القرابة‪ ،‬حيث حث إلاسالم على صلة ألارحام‪ ،‬وجعل‬
‫ألاقربين أولى بالود والرحمة والتواصل والتناصر من غيرهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳈ ﳉ ﳊ‬
‫ﳋﳌﳍﳎﳏﱢ(ألانفال‪.)75 :‬‬
‫شب َه إلاسالم الجار بالقريب في وجوب الصلة والبر واملعروف وكل‬ ‫‪ )3‬عالقات الجيران‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُ َ َّ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫يل ِبال َج ِار َح َّتى ظننت أن ُه َس ُي َو ِّرث ُه)(‪.)1‬‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫خير‪ ،‬يقول النبي ‪( :‬ما زال ي ِ‬
‫وصي ِ ي ِجب ِر‬
‫‪ )4‬العالقات الاجتماعية وإلا سانية‪ :‬وقد أقامها إلاسالم على أساس ألاخوة الدينية‬
‫وإلانسانية‪ ،‬والتعاون على الخير وإلاصالح وألامر باملعروف‪ ،‬ومحاربة الفساد والنهي عن‬
‫ﲿ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱢ (املائدة‪ ،)9 :‬وذلك‬ ‫ﳀ‬ ‫املنكر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲼ ﲽ ﲾ‬
‫يعمل على تماسك املجتمع‪ ،‬وتكوين رأي عام فاضل‪ ،‬ويساعد في القضاء على آلافات الخلقية‬
‫والاجتماعية التي تهدد املجتمع(‪ ،)9‬إذ ال ش يء يفكك املجتمع مثل انتشار الفساد والسلبية‬
‫والانحالل واملنكرات والظلم‪.‬‬
‫كما اهتم إلاسالم بتهذيب الفرد وتربيته على فضائل ألاخالق‪ ،‬وزرع فيه حب البذل والخير‬
‫والتعامل البناء مع آلاخرين‪ ،‬والشعور باألخوة واملساواة نحو أخيه في الدين وأخيه في‬
‫ً‬
‫إلانسانية‪ ،‬بعيدا عن ألانانية والسلبية والحقد والحسد والتعصب ألاعمى‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عضوا إيجابيا وتربة صالحة إلنشاء مجتمع متماسك‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب ألادب‪ ،‬بــاب الوصــاءة بالجــار‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،5664 :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،9910‬ورواه مســلم‪ ،‬كتــاب البــر‬
‫والصلة وآلاداب‪ ،‬باب الوصية بالجار وإلاحسان إليه‪ ،‬حديث رقم‪ ،9695 :‬ج‪ ،1‬ص‪.9995‬‬
‫(‪ )9‬أبو زهرة‪ :‬محمد‪ ،‬دراسات دسالمية في النفس واملجتمع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10 - 14‬‬
‫‪137‬‬
‫وذلك كله دون أن يلغي إلاسالم كيان الفرد وشخصيته‪ ،‬ودون أن يذيبه في الجماعة كما‬
‫فعلت النظم الجماعية والاشتراكية املتطرفة‪ ،‬ودون أن يلغي تميزه ودوافعه الذاتية لتحقيق‬
‫مصالحه الخاصة‪ ،‬ما دامت ال تتعارض مع املصلحة العامة‪ ،‬ذلك أن الفردية في إطار ألاخوة‬
‫الدينية وإلانسانية‪ ،‬من العوامل املهمة في تطور املجتمع وتحقيق مصالحه(‪.)1‬‬
‫ومن التشريعات التي شرعها إلاسالم لتقوية الحس الاجتماعي وألاخوي املشترك‪ ،‬تلك‬
‫العبادات الجماعية التي تميز إلاسالم بها وأوجب على الفرد القيام بكثير منها‪ ،‬مثل صالة‬
‫الجمعة والجماعات وألاعياد والحج‪ ،‬مما يعمل على ترسيخ شعور الفرد بانتمائه لجماعته‪،‬‬
‫وتوثيق عالقاته بسائر أفراد املجتمع وفئاته‪ ،‬لينصهر سائر أفراد املجتمع في بوتقة واحدة‪،‬‬
‫ويشعروا بشعور واحد في آلامال وألاهداف والتطلعات‪.‬‬
‫وحث إلاسالم على مشاركة املرء ألخيه في مناسباته الاجتماعية في أفراحه وأتراحه‪ ،‬مما‬
‫يؤكد معاني ألاخوة واملواساة‪ ،‬ويقوي املشاعر إلانسانية املتبادلة‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬نظم مالية لتقوية التكافل املاد‬
‫إن التأكيد على املعاني الدينية وإلانسانية والقرابية وغيرها‪ ،‬ال يكفي لقيام مجتمع‬
‫متماسك متآت إذا أغفلنا الجانب املادي‪ ،‬فالتفاوت الفاحش بين الغني والفقير في املجتمع‬
‫ووجود فئات محرومة ومسحوقة‪ ،‬من العوامل املهمة التي تعمل على تفريق املجتمعات وزيادة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الاحتقان الطبقي‪ ،‬بما يغدو معه الحديث عن ألاخوة الدينية أو إلانسانية حديثا مثاليا ال معنى‬
‫له‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن هنا اهتم إلاسالم ‪ -‬وبواقعيته املعهودة ‪ -‬بالجانب املادي في املجتمع اهتماما ال يقل‬
‫ً‬
‫عن اهتمامه بالجانب املعنوي‪ ،‬ووضع نظما مالية مادية للتكافل بين أفراد املجتمع‪ ،‬وحسب‬
‫ﳆﳈ ﳉﳊﳋﳌﳍ‬
‫ﳇ‬ ‫مبدأ ألاولوية بين دوائره‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳄ ﳅ‬
‫ﳒﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﱢ(البقرة‪ ،)915 :‬ويقول‬ ‫ﳓ‬ ‫ﳎﳏﳐ ﳑ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َل ش ْي ُء فأل ْهل َك‪ ،‬فإ ْن ف ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫النبي ‪( :‬د ْب َد ْأ ب َن ْفس َك َف َت َ‬
‫ص َّد َق َعل ْي َها‪ ،‬فإ ْن ف ُ‬
‫ض َل َعم ِأ ْه ِل َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض َل َع ْم ذ َق َر َابت َك َش ْي ٌء َف َه َك َذا َو َه َك َذا‪َ ،‬ي ُقو ُل َف َب ْي َن َي َد ْي َك َو َعمْ‬ ‫َش ْي ٌء َفلذ َق َر َابت َك‪َ ،‬فإ ْن َف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬
‫َي ِمين َك َوعم ِش َم ِالك)(‪.)9‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أبو زهرة‪ :‬محمد‪ ،‬دراسات دسالمية في النفس واملجتمع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 115 ،17 - 15‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب إلابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة‪ ،‬حديث رقم‪ ،007:‬ج‪ ،9‬ص‪.609‬‬
‫‪138‬‬
‫وتبدأ نظم إلاسالم في التكافل املادي باألسرة‪ ،‬التي نظم فيها الحقوق والواجبات املالية‬
‫بين الزوجين وألاوالد‪.‬‬
‫ثم دائرة القرابة‪ ،‬حيث فرض إلاسالم نظامين أساسيين من التكافل املالي بين ألاقرباء‬
‫هما‪ :‬نظام النفقة ونظام امليراث‪ ،‬ونظام النفقة يفرض على القريب الغني سد حاجة قريبه‬
‫الفقير‪ ،‬حسب أولوية معينة تتبع درجة القرابة‪ .‬وهو نظام يقابل نظام امليراث‪ ،‬فكما أن‬
‫ً‬
‫القريب ينتفع من قريبه بامليراث‪ ،‬فإن عليه التزاما مقابله هو التزام النفقة‪.‬‬
‫ثم يتلو ذلك دائرة الجوار‪ ،‬حيث أوجب إلاسالم التكافل بين الجار وجاره املحتاج‪ ،‬يقول‬
‫كرم َجا َره)(‪ ،)1‬وعن أبي هريرة ‪ّ ‬أن رسول‬ ‫َ ُ‬ ‫كان ُي ُ ّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫النبي ‪َ :‬‬
‫آلاخ ِر‪ ،‬فلي ِ‬ ‫وم ِ‬ ‫ؤمم ِبال ِله والي ِ‬ ‫ِ‬ ‫(مم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫هللا ‪ ‬كان يقول‪ ...( :‬ال ت ْح ِق َرن َجا َرة ِل َجا َرِت َها َول ْو ِف ْر ِس َم ش ٍاة)(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫وأما العالقات الاجتماعية وإلا سانية ألاوسع‪ ،‬فقد فرض إلاسالم فيها نظما مادية‬
‫إلزامية في التكافل املالي أشهرها نظام الزكاة‪ ،‬وهو أحد أهم طرق معالجة الفقر والحرمان في‬
‫املجتمع إلاسالمي‪ ،‬ومنها نظام الكفارات املالية‪.‬‬
‫ً‬
‫فما أعظمه من دين‪ ،‬وقد جعل تكافل املسلم مع إخوته من املحتاجين والفقراء‪ ،‬ركنا ال‬
‫وشرطا ال َّ‬‫ً‬
‫تتكفر ذنوبه إال بتحققه!‬ ‫يتم إسالمه إال به‪،‬‬
‫ٌ‬
‫كفيل‬ ‫وأبعد من ذلك‪ ،‬فاألساس الديني وإلانساني الذي أقام إلاسالم عليه املجتمع‪،‬‬
‫بتفجير طاقات الخير والتكافل املالي بين أفراد املجتمع‪ ،‬بما يتجاوز تلك النظم إلالزامية إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إلانفاق التطوعي الذي حث عليه إلاسالم حثا شديدا وضاعف من أجره‪ ،‬وجعله سببا لتكفير‬
‫الخطايا‪ ،‬ورفع البالء واملرض‪ ،‬ومباركة الرزق‪ ،‬ونيل أعلى الدرجات في آلاخرة‪ ،‬يقول النبي ‪:‬‬
‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ُ ْ‬
‫الص َدقة تط ِف ُئ الخ ِطيئة ك َما ُيط ِف ُئ امل ُاء الن ّار)(‪.)1‬‬ ‫ِ(دن‬

‫(‪ )1‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب ألادب‪ ،‬بـ ــاب م ــن كـ ــان ي ــؤمن بـ ــاهلل واليـ ــوم آلاخـ ــر فـ ــال يـ ــؤذ جـ ــاره‪ ،‬ح ــديث رقـ ــم‪ ،5671 :‬ج‪،5‬‬
‫ص‪ ،9919‬ورواه مسلم‪ ،‬كتاب إلايمان‪ ،‬باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إال عن الخيـر وكـون‬
‫ذلك كله من إلايمان‪ ،‬حديث رقم‪ ،17:‬ج‪ ،1‬ص‪.64‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخـ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب ألادب‪ ،‬بـ ــاب ال تحقـ ــرن جـ ــارة لجارتهـ ــا‪ ،‬حـ ــديث رقـ ــم‪ ،5671 :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،9919‬ورواه مسـ ــلم‪،‬‬
‫كتاب الزكاة‪ ،‬باب الحث على الصدقة ولو بالقليل‪ ،‬حديث رقم‪ ،1919 :‬ج‪ ،9‬ص ‪.711‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترم ــذ ‪ ،‬كت ــاب إلايم ــان‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،9616 :‬وق ــال الترم ــذي‪ :‬ه ــذا ح ــديث حس ــم ص ــحيح‪ ،‬ورواه أحم ــد‪،‬‬
‫مس ــند املكثـ ـرين م ــن الصـ ــحابة‪ ،‬مس ــند ج ــابر بـ ــن عب ــد هللا رضـ ـ ي هللا عن ــه‪ ،‬حـ ــديث رق ــم‪ ،11141 :‬ق ــال شـ ــعيب‬
‫ألارنــؤو ‪( :‬دســناده قــو علــى شــرط مســلم رجالــه ثقــات غيــر ابــم خثــيم‪ ،‬وهــو عبــد هللا بــم عثمــان‪ ،‬فصــدوق ال‬
‫بأس به)‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫ً‬
‫وقد ضرب النبي ‪ ‬لنا مثاال يحتذى في التكافل املالي بين أفراد املجتمع‪ ،‬حين قال‪(ِ :‬د َّن‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ُ َ ْ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫َْ ْ َ ّ َ َ ََُْ‬
‫ألاشع ِرِيين ِدذا أرملوا ِفي الغز ِو أو قل طعام ِعي ِال ِهم ِبامل ِدين َِة‪ ،‬جمعوا ما كان ِعندهم ِفي ثو ٍ‬
‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َواحد‪ُ ،‬ث َّم ْاق َت َس ُم ُ‬
‫وه َب ْي َن ُه ْم في د َن ٍاء َواح ٍد ب َّ‬
‫الس ِو َّي ِة ف ُه ْم ِم ِ ي َوأنا ِم ْن ُه ْم)(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫وهناك نوع آخر من إلانفاق املالي ندب إلاسالم إليه‪ ،‬ال يهدف بشكل أساس ي إلى معالجة‬
‫الحاجة والفقر‪ ،‬وإنما يهدف إلى توطيد عالقات أفراد املجتمع بعضهم ببعض‪ ،‬وتأكيد معاني‬
‫َ‬
‫ألاخوة واملشاعر إلانسانية النبيلة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬أن النبي ‪ ‬حث على الهدية‪ ،‬فقال‪( :‬ت َه ُادوا‬
‫َ‬
‫ت َح ُّابوا)(‪ ،)9‬وحث على الوليمة في املناسبات الاجتماعية كالزواج‪ ،‬وأوجب على املسلم إجابة‬
‫دعوة أخيه إذا دعاه إلى ش يء من ذلك‪ ،‬وقبول هديته‪.‬‬
‫مخـاطـر معـاصـرة تـواجـه املجـتـمعـات إلاسـالميـة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إن املجتمعات إلاسالمية من أكثر املجتمعات تماسكا وتالحما والتزاما بالعفة واملحافظة‬
‫ألاكبر فيما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املؤثر‬ ‫على مؤسسة ألاسرة والتمسك بها‪ ،‬وذلك كله بفضل إلاسالم الذي ال يزال‬
‫يتعلق بالبناء الاجتماعي وتنظيم أحكام ألاسرة املسلمة‪.‬‬
‫وذلك التميز يغيظ املستعمر ويقف حجر عثرة في سعيه إلضعاف املجتمعات إلاسالمية‬
‫والسيطرة عليها‪ ،‬ولذلك يدأب على محاربة عوامل التماسك الاجتماعي عند املسلمين ويسعى‬
‫ً‬
‫جاهدا لتفكيك مؤسسة ألاسرة ونزع قداستها من نفوسهم‪.‬‬
‫ومن أهم السبل التي يتبعها املستعمر لتحقيق ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬إشاعة القيم املتطرفة في املادية والفردية‪ ،‬التي تضعف الدافع الديني واملشاعر‬
‫إلانسانية‪ ،‬وتوهن من رغبة املسلم في القيام بواجباته الاجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 9‬إثارة إلاقليمية وإلاثنيات العرقية والطائفية والدينية‪ ،‬كي يصبح كل مجتمع إسالمي‬
‫ً‬
‫مهددا بالتقسيم من داخله إلى طوائف وعرقيات متناحرة‪.‬‬
‫‪ - 1‬إشاعة الانحالل الخلقي وإثارة شهوة الجنس وتعرية املرأة‪ ،‬وفي ذلك تهديد كبير‬
‫لألسرة ولقيم العفة في املجتمعات إلاسالمية‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب الشركة‪ ،‬باب الشركة في الطعام والنقد والعروض‪ ،‬حديث رقم‪ ،9151 :‬ورواه مسلم‪ ،‬كتـاب‬
‫فضائل الصحابة رض ي هللا تعالى عـنهم‪ ،‬بـاب مـن فضـائل ألاشـعريين رضـ ي هللا عـنهم‪ ،‬حـديث رقـم‪ ،9599 :‬وأرملـوا‪:‬‬
‫قل زادهم أو نفد في الغزو‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البيهق ــي‪ ،‬كت ــاب الهب ــات‪ ،‬ب ــاب التحـ ـريض عل ــى الهب ــة والهدي ــة ص ــلة ب ــين الن ــاس‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،11796 :‬ج‪،6‬‬
‫ص‪ ،160‬ق ــال ألالبـ ــاني‪ :‬حسـ ــم‪ ،‬أنظـ ــر‪ :‬ألالب ــا ي‪ :‬محمـ ــد ناصـ ــر الـ ــدين‪ ،‬درواء الغلي ــل فـ ــي تخـ ــريج أحاديـ ــث منـ ــار‬
‫الس يل‪ ،‬املكتب إلاسالمي‪ ،‬بيروت‪ 1195 ،9 ،‬هـ‪ ،‬باب الهبة‪ ،‬حديث رقم‪ ،1691 :‬ج‪ ،6‬ص‪.11‬‬
‫‪141‬‬
‫‪ - 1‬مهاجمة مؤسسة ألاسرة بشكل مباشر‪ ،‬وتنظيم املؤتمرات العاملية املتعلقة باألسرة‪،‬‬
‫والتي من أخطرها‪( :‬مؤتمر املرأة) الذي عقد في بكين عام ‪ .1005‬وكان ِمن أخطر ما تناوله‬
‫املؤتمر املذكور‪:‬‬
‫تشريع إقامة عالقات جنسية خارج إطار الزوجية‪ .‬والحديث عن صور لـ (ألاسرة) تتجاوز‬
‫صورتها الطبيعية املعروفة بين رجل وامرأة‪ ،‬إلى إقامة أسرة بين رجل ورجل‪ ،‬وبين امرأة‬
‫وامرأة‪ .‬باإلضافة إلى تشريع إلاجهاض‪ .‬ومهاجمة املهمة الرئيسة للمرأة في تنشئة الجيل والقيام‬
‫بعمل املنزل وتدبير شؤونه‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬

‫ﱍﱢ(النساء‪.)97 :‬‬

‫‪141‬‬
‫النظام الاقتصاد في إلاسـالم‬
‫ً‬
‫(أظن أننا بحاجة أكثر في هذه ألازمة إلى قراءة القرآن بدال من‬
‫إلانجيل‪ ،‬لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا‪ ،‬ألنه لو حاول القائمون‬
‫على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام‪،‬‬
‫َ‬
‫وأزمات‪ ،‬وما وصل بنا‬
‫ٍ‬ ‫وطبقوها‪ ،‬ما َح َّل بنا ما َح َّل من كوارث‬
‫الحال إلى هذا الوضع املزري؛ ألن النقود ال تلد النقود)‪.‬‬

‫بوفيس فانسون‪/‬رئيس تحرير مجلة "تشالينجز" الاقتصادية‬


‫الشهيرة‪9990 /‬م‪/‬في تعليق له على ألازمة املالية العاملية ألاخيرة‪.‬‬

‫الاقتصاد عصب الحياة‪ ،‬والقوام املادي ملعيشة ألامة‪ ،‬وكلما قوي اقتصاد أمة تحققت‬
‫الحياة الكريمة ألفرادها‪ ،‬وتعززت مكانتها بين الناس‪.‬‬

‫مفهوم النظام الاقتصاد في إلاسالم‬


‫يمكن تعريف النظام الاقتصاد في إلاسالم بأنه‪( :‬مجموعة املبادئ وألاحكام املستمدة‬
‫من الشريعة إلاسالمية‪ ،‬والتي تنظم الحياة الاقتصادية لألمة)‪.‬‬
‫فقد نظم إلاسالم بمبادئه وأحكامه شؤون الاقتصاد‪ ،‬ومن تلك املبادئ‪ :‬مبدأ توزيع‬
‫الثروة ومنع تركزها‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﱢ (الحشر‪ ،)7 :‬ومن‬
‫ألامثلة على تلك ألاحكام‪ :‬تحريم الربا وتحريم الاحتكار‪.‬‬
‫والعلم الذي يبحث في الحياة الاقتصادية هو علم الاقتصاد‪ ،‬وإلاسالم ال يرفض ما‬
‫يتوصل إليه العلم من قوانين علمية محايدة‪ ،‬ولكن إلاسالم يختلف مع النظم الاقتصادية‬
‫ألاخرى في مواقفها من بعض الظواهر الاقتصادية‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم القوانين والقواعد الاقتصادية حسب موقف إلاسالم منها إلى نوعين‪:‬‬
‫النوع ألاول‪ :‬قوانين اقتصادية مطلقة ال تختلف فيها وجهات النظر من مجتمع رخخر أو من‬
‫نظام رخخر‪ ،‬مثل‪ :‬قوانين التحليل الاقتصادي لظاهرة البطالة مثال‪ .‬ومثل قانون العرض‬
‫والطلب‪ ،‬القاض ي بأنه كلما ازداد عرض السلعة قل ثمنها والعكس صحيح‪ ،‬وكلما ازداد الطلب‬
‫‪142‬‬
‫على السلعة ازداد ثمنها والعكس صحيح‪ ،‬فهذا مما يمكن أن تتفق فيه وجهة نظر الاقتصاد‬
‫ً‬
‫إلاسالمي مع وجهة نظر الاقتصاد الرأسمالي مثال‪.‬‬
‫النوع الثا ي‪ :‬قواعد اقتصادية س ية تختلف فيها وجهات النظر وألاحكام من مجتمع رخخر أو‬
‫من نظام رخخر‪ ،‬مثل املوقف من امللكية الفردية‪ ،‬ودور الدولة في الاقتصاد‪ ،‬فهذا النوع من‬
‫ً‬
‫القواعد هو الذي تختلف فيه النظم الاقتصادية وتتميز عن بعضها بعضا‪ ،‬فيرى النظام‬
‫مثال ضرورة تقليص امللكية الفردية إلى حد كبير بهدف القضاء عليها‪ ،‬بينما يرى‬ ‫ً‬
‫الاشتراكي‬
‫النظام الرأسمالي ضرورة إطالق امللكية الفردية مع قيود طفيفة‪ ،‬أما النظام إلاسالمي فيقف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موقفا وسطا‪ ،‬ال يلغي فيه هذه امللكية وال يطلقها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن إلاسالم ال يعارض النوع ألاول من القوانين الاقتصادية‪ ،‬ألنها قوانين علمية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مطلقة ومحايدة مثل قوانين الفيزياء والرياضيات‪ ،‬وإنما يتخذ موقفا متميزا من النوع الثاني‬
‫من القواعد الاقتصادية‪ ،‬وهي قواعد ال تكتسب صفة القانون العلمي املطلق‪ ،‬ويعالج إلاسالم‬
‫هذا النوع من القواعد ضمن منظومة من املبادئ والقيم وألاحكام الشرعية‪ ،‬تشكل النظام‬
‫الاقتصادي في إلاسالم‪.‬‬
‫عرف أحد املختصين بالبحث في الاقتصاد إلاسالمي‬ ‫أتعـلـم‪ :‬ي ّ‬
‫علم الاقتصاد بأنه‪( :‬العلم الذي يهدف إلى الوصول إلى أمثل‬
‫الطرق في إلانتاج والتوزيع‪ ،‬في ظل إطار معين من القيم‬
‫والتقاليد والتطلعات الحضارية للمجتمع)(‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد نشطت الدراسات الاقتصادية إلاسالمية في العصر الحديث‪ ،‬وتناولت بالبحث‬
‫القضايا الاقتصادية املعاصرة‪ ،‬لتقديم حلول للمشاكل الاقتصادية‪ ،‬مستمدة من مبادئ‬
‫النظام الاقتصادي إلاسالمي وقيمه وأحكامه‪ ،‬ومن الفقه إلاسالمي‪ ،‬وباالعتماد على أساليب‬
‫التحليل العلمي والاقتصادي‪.‬‬
‫كما انتشرت املؤسسات الاقتصادية التي تعمل وفق أحكام الشريعة‪ ،‬مثل‪ :‬املصارف‬
‫إلاسالمية‪ ،‬وشركات التأمين إلاسالمية‪ ،‬ومؤسسات إدارة الزكاة‪.‬‬
‫كما بدأ يظهر عدد من ألاقسام ألاكاديمية في الجامعات تختص بتدريس الاقتصاد‬
‫إلاسالمي ومؤسساته‪ ،‬وكان منها‪ :‬قسم الشريعة واملصارل إلاسالمية في كلية الشريعة في‬
‫جامعة النجاح الوطنية‪.‬‬

‫(‪ )1‬بتصــرف يس ــير ف ــي بداي ــة التعري ــف ع ــن‪ :‬ص ــقر‪ :‬د‪ .‬محم ــد ‪ :‬الاقتص ــاد إلاس ــالمي‪ :‬مف ــاهيم ومرتك ــزات‪ ،‬نش ــر املرك ــز‬
‫العالمي ألبحاث الاقتصاد إلاسالمي‪ ،‬مكة املكرمة‪1199 ،1 ،‬ه‪1049 ،‬م‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪143‬‬
‫إلانـت ــاج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حث إلاسالم على إلانتاج والعمل حثا شديدا‪ ،‬والنصوص في هذا مستفيضة‪ ،‬منها‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱢ (امللك‪،)15 :‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُْ‬ ‫َ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫(ما أك َل أ َح ٌد ط َع ًاما ق خ ْي ًرا ِم ْم أن َيأك َل ِم ْم َع َم ِل َي ِد ِه‪َ ،‬و ِد َّن ن ِب َّي الل ِه‬ ‫ويقول النبي ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫َد ُاو َد ‪ ‬كان َيأك ُل ِمم ع َم ِل ي ِد ِه)(‪ ،)1‬في إشارة منه ‪ ‬إلى قيمة العمل وإلانتاج‪ ،‬إلى حد أنه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال يمنع شرف منصب النبوة عن وظيفة إلانتاج والعمل وال يشغل عنه‪ ،‬وال ينزل العمل بالنبي‬
‫عن منزلته التي رفعه هللا تعالى إليها‪.‬‬
‫الـتـوزيــع‬
‫تشغل مشكلة تحقيق العدالة في توزيع الثروة والدخل‪ ،‬الاهتمام ألابرز في أي نظام‬
‫اقتصادي‪ ،‬ولإلسالم تميزه في معالجة هذه املشكلة وتحقيق العدل فيها‪.‬‬
‫نظرة إلاسالم دلى مشكلة التوزيع‬
‫َ‬
‫إن إحالل املساواة بين الناس في الثروة والدخل‪ ،‬هو أمر غير عادل وال مقبول‪ ،‬وي ِ‬
‫فقد‬
‫ا َ‬
‫لناس الدافع نحو إلانتاج والعمل‪.‬‬
‫وفي املقابل‪ ،‬إن تركز ثروة املجتمع في أيدي فئة قليلة‪ ،‬ووجود طبقة واسعة من الفقراء‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫مرفوض أيضا ويخل بالعدل الاجتماعي بين أفراد املجتمع‪.‬‬ ‫املعدمين‪ ،‬هو أمر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لذلك اتخذ إلاسالم موقفا وسطا من مشكلة التوزيع‪ ،‬وعد تفاوت الناس في الثروة سنة‬
‫من سنن هللا تعالى‪ ،‬ال ينبغي معاندتها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱢ‬

‫(النحل‪ ،)71:‬وفي نفس الوقت حارب الفقر وتركز الثروة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬

‫ﲍﲎﱢ(الحشر‪.)7 :‬‬
‫نظم التوزيع إلاسالمية‬
‫أتى إلاسالم بنظم متميزة للتوزيع‪ ،‬لتحقيق أهداف دينية واجتماعية واقتصادية‪ ،‬من‬
‫أهمها‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب كسب الرجل وعمله بيده‪ ،‬حديث رقم‪ ،1066 :‬ج‪ ،9‬ص‪.719‬‬
‫‪144‬‬
‫‪ - 2‬الزكاة‪ :‬وهي نظام يهدف إلى تطهير النفوس من الشح والتعلق بالدنيا‪ ،‬كما يهدف إلى‬
‫معالجة حقيقية ملشكلة الفقر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 0‬الصدقات التطوعية‪ :‬حيث يندفع إليها املسلم بدافع ديني كبير‪ ،‬وهي تشكل موردا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تف الزكاة ملعالجتها‪ ،‬كما أنها تشكل تمويال مدنيا‬
‫إضافيا ملعالجة مشكلة الفقر‪ ،‬خاصة إذا لم ِ‬
‫ً‬
‫ومجتمعيا لكل سبل الخير واملصالح العامة في املجتمع‪.‬‬
‫‪ - 3‬الوقف‪ :‬وهو التصدق بمنفعة رأس املال على التأبيد‪ ،‬وهو نظام اختياري حث‬
‫إلاسالم عليه‪ ،‬وأدام أجره حتى بعد موت صاحبه‪ ،‬وهو امل َع َّبر عنه في ألاحاديث النبوية‬
‫بـ(الصدقة الجارية)‪ ،‬مثل‪ :‬التبرع بأرض إلقامة مستشفى خيري أو مدرسة أو مسجد أو دار‬
‫لرعاية ألايتام واملساكين أو ذوي الاحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫ً ً‬
‫وقد لعبت ألاوقاف دورا مهما عبر العصور إلاسالمية في إنشاء مؤسسات املجتمع املدني‪،‬‬
‫وتغطية حاجات املجتمع الدائمة في شتى املجاالت الدينية والاجتماعية واملعيشية والصحية‬
‫والتعليمية‪.‬‬
‫‪ - 4‬إلارث والوصية‪ :‬وهما نظامان لتوزيع الثروة بعد املوت‪ ،‬يسهمان في تقليص تركز‬
‫الثروة في املجتمع‪ ،‬وذلك في امليراث بتوزيعها على عدد من أقرباء املتوفى‪ ،‬وتتوسع دائرة‬
‫التوزيع في الوصية‪ ،‬حيث يوزع جزء من ثروة امليت على غير أقربائه‪ ،‬وقد حرم إلاسالم أي‬
‫تحايل أو إخالل بهذين النظامين‪ ،‬حتى من صاحب الثروة نفسه‪ ،‬إال وفق شرو حددها‪.‬‬
‫‪ - 5‬الكفارات املالية‪ :‬وهي أجزية مالية إلزامية ملحو بعض الذنوب‪ ،‬تهدف إلى تهذيب‬
‫ً‬
‫نفس املذنب‪ ،‬كما تهدف إلى إلاسهام في معالجة مشكلة الفقر‪ ،‬وقديما أسهمت في معالجة‬
‫مشكلة الرق‪.‬‬
‫‪ - 6‬ألاضحية‪ :‬وهي عبادة مالية سنوية اختيارية‪ ،‬تهدف إلى تحقيق معنى في نفس املسلم‬
‫هو التضحية في سبيل هللا تعالى‪ ،‬كما تهدف إلى تحقيق تكافل خاص مع الفقراء‪ ،‬بإدخال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفرحة إلى قلوبهم في يوم العيد‪ ،‬وبإطعامهم نوعا خاصا من الطعام‪ ،‬قد يكون كثير منهم‬
‫محرومين منه طوال السنة أو غير مكثرين منه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬فــي استقص ــاء واس ــع ل ــنظم التوزي ــع إلاس ــالمية وطبيعته ــا ومميزاتهــا وأه ــدافها‪ ،‬أنظ ــر‪ :‬الزرق ــا‪ :‬د‪ .‬محم ــد ان ــس‪ ،‬نظ ــم‬
‫التوزي ــع إلاس ــالمية‪ ،‬مجل ــة أبح ــاث الاقتص ــاد إلاس ــالمي‪ ،‬ج ــدة‪ ،‬ع ــدد (‪ ،)1‬مجل ــد (‪1191 ،)9‬هـ ــ‪1041 ،‬م‪ ،‬وانظ ــر‪:‬‬
‫‪145‬‬
‫الـمـلـكـي ــة‬
‫ألغت الاشتراكية امللكية الفردية‪ ،‬في حين أطلقت الرأسمالية العنان لألفراد في التملك‬
‫وفي التصرف ولو بطرق تلحق الضرر باملجتمع‪ ،‬بزعم تقديس الحرية الفردية‪ ،‬أما إلاسالم فقد‬
‫توسط في ذلك وكان أكثر واقعية وموافقة للفطرة‪.‬‬
‫وعد حب إلانسان للمال والتملك فطرة طبيعية‪ ،‬بل‬ ‫فقد أقر إلاسالم امللكية الفردية‪َّ ،‬‬
‫ً‬
‫لقد سمى القرآن الكريم املال خيرا‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬

‫ﲲﲳﲴﲵﲶ ﲷﱢ(البقرة‪ ،)1()149 :‬وذلك ما لم يبالغ إلانسان في حب املال‬


‫إلى درجة تنسيه آلاخرة ويتجاوز معها القيم وألاخالق إلاسالمية‪ ،‬وعلى هذا يحمل مثل قوله‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐﲿﳀﳁﳂﱢ(الفجر‪ ،)99:‬حيث ذم املبالغة واملجاوزة‪ ،‬ولم يذم أصل امليل‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن إلانسان ليس مطلق اليد في الكسب والتصرف فيما يملك‪ ،‬وإنما‬
‫هو محدد بضوابط تحقق له وللمجتمع الخير في الدنيا وآلاخرة‪ ،‬إذ املالك الحقيقي للمال هو‬
‫هللا تعالى‪ ،‬الذي سخر هذا املا ل لإلنسان وائتمنه عليه ضمن تلك الضوابط‪ ،‬والتي من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬تحريم أكل املال بالباطل‪ :‬حرم إلاسالم أكل مال الناس بالباطل‪ ،‬بالرشوة أو الغش أو‬
‫آكل املال بالباطل بالعقاب الشديد في آلاخرة‪ ،‬وفي الدنيا بنزع‬ ‫الاحتيال ونحو ذلك‪َ ،‬و َت َو َّع َد َ‬
‫البركة‪ ،‬وقد ينتقم هللا تعالى منه في بدنه وأهله وماله‪.‬‬
‫وقد تخفى بعض طرق أكل املال بالباطل على بعض الناس‪ :‬فاملوظف الذي يستخدم‬
‫ً‬
‫املال العام في مصالحه الشخصية‪ ،‬أو الذي ال يلتزم بساعات دوامه الرسمي‪ ،‬يأكل جزءا من‬
‫ً‬
‫راتبه بالحرام‪ ،‬والعامل الذي ال يخلص في عمله‪ ،‬يأكل جزءا من أجرته بالحرام‪ ،‬ورب العمل‬
‫الذي يهضم بعض حقوق عامله‪ ،‬يأكل املال بالحرام‪ ،‬ومن يسأل الناس دون حاجة‪ ،‬فإنه‬
‫يأكل أموالهم بالحرام‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ )0‬أداء حقوق هللا تعالى‪ :‬أوجب هللا تعالى في املال حقوقا‪ ،‬منها‪ :‬إلانفاق على ألاهل باملعروف‪،‬‬
‫وإلانفاق على الفقراء واملساكين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈﱢ(الحديد‪،)7 :‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﭐﱬﱭﱮﱯﱰ ﱱﱢ(النور‪.)11 :‬‬

‫املصــر ‪ :‬د‪ .‬رفيــق يــونس‪ ،‬أصــول الاقتصــاد إلاســالمي‪ ،‬دار القلــم‪ ،‬دمشــق‪ ،‬ســوريا‪ ،‬الــدار الشــامية‪ ،‬بيــروت‪،1 ،‬‬
‫‪1199‬هـ‪1000 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 997‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬التكافل الاجتماعي في إلاسالم‪ ،‬دار الوراق‪ ،‬الرياض‪1004 ،1 ،‬م‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪146‬‬
‫وتوعد من يكنز ماله وال يفي بحقوق هللا تعالى فيه بالعذاب الشديد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶ ﱷ ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱢ‬
‫(التوبة‪.)11 :‬‬
‫على أن النهي عن كنز املال ال يعني تحريم الادخار‪ ،‬فإن املسلم ‪ -‬بعد أن يؤدي حقوق‬
‫هللا تعالى في ماله ‪ -‬مأمور باالدخار‪ ،‬وقد كان النبي ‪ ‬يدخر ألهله قوت سنة(‪ ،)1‬ملا في الادخار‬
‫من منافع بمواجهة كل طارئ‪ ،‬والتخطيط للمستقبل‪ ،‬وملا فيه من آثار اقتصادية إيجابية‬
‫كبيرة على الاستثمار في املجتمع‪.‬‬
‫‪ )3‬الاعتدال في إلانفاق‪ :‬حث إلاسالم على الاعتدال في إنفاق املال من غير إسراف وال تقتير‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﳇﳈﳉ ﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﱢ(الفرقان‪.)67:‬‬
‫ومما ابتلي الناس به في هذا العصر‪ ،‬تلك النزعة الاستهالكية التي تتجاوز املوارد‬
‫الخاصة‪ ،‬حيث يسارعون إلى شراء كل جديد واستهالكه‪ ،‬مهدرين أموالهم على مظاهر‬
‫تفاخرية كاذبة ال داعي لها‪.‬‬
‫ويعمل املنتجون الرأسماليون على التأثير في رغبات الناس وتنمية تلك النزعة‬
‫الاستهالكية‪ ،‬من خالل إلاعالنات املدروسة‪ ،‬والتفنن في إنتاج الكماليات وتزيينها‪ ،‬وتقديم‬
‫تسهيالت كبيرة في طرق الدفع‪ ،‬ويصبح كثير من أفراد املجتمع مدينين فترات طويلة من‬
‫حياتهم‪ ،‬وال يتمكنون من الادخار وتحقيق التنمية والتقدم لهم وملجتمعاتهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومن هنا ندرك حكمة إلاسالم حين ّنفر من َّ‬
‫الدين تنفيرا شديدا(‪ :)9‬فكان النبي ‪ ‬يتعوذ‬
‫لشهيد ُك ُّل َذ ْنب د َّال َّ‬
‫الد ْي َم)(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َّ‬
‫ٍ ِ‬ ‫من الدين(‪ ،)1‬وكان يقول‪( :‬يغف ُر ِل ِ ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب النفقــات‪ ،‬بــاب حــبس نفقــة الرجــل قــوت ســنة علــى أهلــه وكيــف نفقــات العيــال‪ ،‬حــديث رقــم‪:‬‬
‫‪ ،5919‬ج‪ ،5‬ص ‪.9914‬‬
‫(‪ )9‬القرضــاو ‪ :‬د‪ .‬يوســف‪ :‬دور القــيم وألاخــالق فــي الاقتصــاد إلاســالمي‪ ،‬مؤسســة الرســالة‪ ،‬بيــروت‪1117 ،1 ،‬ه ــ‪،‬‬
‫‪1006‬م‪ ،‬ص ‪.916 - 915‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب الجهاد والسـير‪ ،‬بـاب مـن غـزا بصـبي للخدمـة‪ ،‬حـديث رقـم‪ ،9716 :‬ورواه مسـلم‪ ،‬كتـاب الـذكر‬
‫والدعاء والتوبة والاستغفار‪ ،‬باب ما يقول عند النوم وأخذ املضجع‪ ،‬حديث رقم‪.9711 :‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب إلامارة‪ ،‬باب من قتل في سبيل هللا كفرت خطاياه إال الدين‪ ،‬حديث رقم‪.1445 :‬‬
‫‪147‬‬
‫ً‬
‫‪ )4‬الابتعاد عم الكبر والحسد‪ :‬الكبر والحسد آفتان من آلافات التي ترتبط غالبا باملال‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بعض ألاغنياء نوعا من الكبر واملباهاة والترفع على الناس‪ ،‬وهو ما نهى عنه‬ ‫حيث يورث املال‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ُ ْ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ال ذ َّر ٍة ِم ْم ِك ْب ٍر)(‪.)1‬‬‫إلاسالم بشدة‪ ،‬يقول النبي ‪( :‬ال َي ْدخ ُل ال َجنة َم ْم كان ِفي قل ِب ِه ِمثق‬
‫َ‬
‫وفي املقابل‪ ،‬فإن بعض الناس ممن ض ِّيقت عليهم أرزاقهم‪ ،‬ينظرون إلى غيرهم بنوع من‬
‫ً‬
‫الحسرة والتمني‪ ،‬وربما الحسد على ما آتاهم هللا تعالى من فضله‪ ،‬وذلك أيضا مما نهى عنه‬
‫إلاسالم‪.‬‬
‫وكل من الغني إذا تفاخر وتكبر‪ ،‬والفقير إذا حسد وتحسر‪ ،‬بعيد عن فهم حكمة هللا‬
‫َّ‬
‫الحقيقي إنما يكون باإليمان والعمل‬ ‫تعالى في املنح واملنع‪ .‬وكل منهما ال يدرك أن الاعتز َاز‬
‫الصالح ال باملال والثروة‪.‬‬

‫ﲳﲵﲶ‬
‫ﲴ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬

‫ﲽ ﲿﳀﳁﳂﳃﱢ(الزخرف‪.)19 :‬‬
‫ﲾ‬ ‫ﲷﲸ ﲹﲺﲻ ﲼ‬

‫خصائص النـظـام الاقتصــاد في إلاســالم‬


‫يمتاز النظام الاقتصادي إلاسالمي بخصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬التوازن في معالجة الظواهر الاقتصادية‬
‫إن إلاسالم دين الوسطية‪ ،‬ال يتطرف في جانب على حساب آخر‪ ،‬ومن ألامثلة على هذا‬
‫التوازن في شؤون الاقتصاد‪:‬‬
‫قها‪ ،‬بل أقرها ضمن‬ ‫طل َ‬
‫طريقة إلاسالم في التعامل مع امللكية‪ ،‬حيث إنه لم يلغها ولم ي ِ‬
‫ضوابط معينة‪.‬‬
‫َّ‬
‫وطريقة إلاسالم في معالجة مشكلة التوزيع‪ ،‬حيث عد التفاوت ظاهرة طبيعية‪ ،‬ولكنه‬
‫سعى من جهة أخرى إلى منع تركز الثروة وإلى معالجة مشكلة الفقر‪.‬‬
‫‪ )0‬الجمع بين الدوافع املادية والدوافع الروحية‬
‫تركز بعض النظم الاقتصادية على الدافع املادي في السلوك الاقتصادي لإلنسان‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في الرأسمالية‪ ،‬التي تقدس اللذة املادية والربح املادي‪ .‬بينما تنكر الاشتراكية‬
‫الدوافع املادية‪ ،‬وتدعو إلى تضحية املرء بكل ما يملك من أجل آلاخرين‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب إلايمان‪ ،‬باب تحريم الكبر وبيانه‪ ،‬حديث رقم‪ ،01 :‬ج‪ ،1‬ص‪.01‬‬
‫‪148‬‬
‫أما إلاسالم فقد تميز بالجمع بين نوعين من الدوافع‪ ،‬لحفز إلانسان على السلوك‬
‫الاقتصادي النافع‪ :‬الدوافع املادية والدوافع الروحية‪.‬‬
‫فقد أكد إلاسالم على مشروعية طلب العوائد املادية‪ ،‬ملا في ذلك من أثر في حفز الناس‬
‫على العمل وإلانتاج‪ ،‬وهو ما يحقق تقدم املجتمع وازدهاره‪ .‬حيث وصف القرآن الكريم العائد‬
‫املادي بأنه (فضل مم هللا)‪ ،‬أمر الناس بـ (ابتغائه)‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬

‫ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳ ﱴﱵﱢ(املزمل‪.)99 :‬‬


‫كما ركز إلاسالم على تقوية الدوافع الروحية‪ ،‬ملا لها من أثر كبير في ضبط الدوافع‬
‫املادية‪ ،‬وفي تفجير طاقات إلانتاج والعمل النافع‪ ،‬وخاصة في حال ضعف الدوافع املادية أو‬
‫اع َأ ْن َال َي ُق َ‬
‫وم‬
‫ْ َ َ ْ َّ َ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ٌ َ ْ ْ َ َ َ‬
‫غيابها‪ ،‬يقول النبي ‪ِ ( :‬دن قامت الساعة و ِبي ِد أح ِدكم ف ِسيلة ف ِإن استط‬
‫َْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َح َّتى َيغ ِر َس َها فل َيف َع ْل)(‪.)1‬‬

‫أت ّـأم ُـل‪ :‬جمع القرآن الكريم في أكثر من موضع بين الجوانب الروحية‬
‫والجوانب املادية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱏﱑ ﱒ ﱓﱔﱕ‬
‫ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊﱋﱌﱍ ﱎ ﱐ‬

‫ﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝ ﱞﱟﱠ‬

‫ﱡﱢﱣﱤﱥﱦ ﱢ(الجمعة‪.)19-0 :‬‬

‫‪ )3‬انضباط السلوك الاقتصاد باألخالق‬


‫ضبط إلاسالم السلوك الاقتصادي للمسلم‪ ،‬بإطار من القيم وألاخالق إلاسالمية‪ ،‬وهو ما‬
‫ً‬
‫يشكل حماية فعالة للمجتمع‪ ،‬وكابحا يكبح املسلم عن سلوك كل طريق في تحقيق الربح‬
‫والعائد املادي‪ ،‬ولو باإلضرار بارخخرين وباملجتمع‪.‬‬
‫فاملسلم يتعامل مع آلاخرين في دنيا املال وألاعمال‪ ،‬باألمانة والصدق والوفاء‪ ،‬ويبتعد عن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كل ما يضر بارخخرين ولو حقق له عائدا ماديا مجزيا‪ ،‬فال ينتج أو يبيع ما يلحق الضرر‬
‫بالناس‪ ،‬وال يغش وال يستغل وال يحتكر‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحم ــد‪ ،‬مس ــند املكثـ ـرين م ــن الص ــحابة‪ ،‬مس ــند أن ــس بـ ــن مال ــك رضـ ـ ي هللا عن ــه‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،11991 :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ ،101‬قال شعيب ألارنؤو ‪( :‬دسناده صحيح على شرط مسلم)‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫الـمـصــارل إلاسـالمـي ــة‬
‫انتشرت البنوك في العصر الحديث‪ ،‬واتسع نطاق عملها وازدادت أهميتها‪ ،‬ولم يعد يمكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تصور وجود اقتصاد حديث دون أن تلعب البنوك فيه دورا رئيسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكن عمل البنوك اليوم يقوم على أساس الربا الذي حرمه إلاسالم تحريما شديدا‪ ،‬ومن‬
‫هنا نشأت الحاجة الى إنشاء مصارف إسالمية‪.‬‬
‫شأة املصارل إلاسالمية‬
‫بدأ تنظير الكتاب إلاسالميين لفكرة (بنوك بال فوائد) منذ خمسينيات القرن املاض ي‪ ،‬في‬
‫وقت لم يكن أحد من الاقتصاديين آلاخرين يتخيل إمكانية تحقق هذه الفكرة‪ ،‬وكانوا يرونها‬
‫ً‬
‫ضربا من الخيال‪.‬‬
‫وشاء هللا تعالى لهذه الفكرة أن تتحقق رغم كل الصعوبات‪ ،‬ففي سنة ‪1075‬م أعلن عن‬
‫أول محاولة رسمية لتأسيس مصرف إسالمي‪ ،‬يلتزم أحكام الشريعة إلاسالمية وال يتعامل‬
‫بالفوائد الربوية‪ ،‬وذلك في إمارة دبي‪ ،‬وهو (بنك دبي إلاسالمي)‪.‬‬
‫ثم تال ذلك قيام ألامير محمد الفيصل آل سعود بتأسيس سلسلة من البنوك إلاسالمية‪،‬‬
‫ابتدأها بـ (بنك فيصل إلاسالمي) في مصر‪ ،‬و(بنك فيصل إلاسالمي) في الخرطوم(‪.)1‬‬
‫ثم تتابع إنشاء املصارف إلاسالمية في العالم العربي وإلاسالمي‪ ،‬بل وفي العالم كله‪ ،‬ويبلغ‬
‫عددها آلان املئات‪ ،‬وتدير استثمارات بمئات املليارات‪ ،‬كما تقوم بنوك عاملية عريقة اليوم‬
‫بتقديم خدمات مصرفية إسالمية‪.‬‬
‫التمويل في املصارل إلاسالمية‬
‫ً‬
‫يقوم التمويل في املصارف إلاسالمية على أساس املشاركة في العائد‪ ،‬ربحا كان أو‬
‫ً‬
‫خسارة‪ ،‬فالعائد غير محدد مسبقا‪ ،‬ولكنه متوقف على نتيجة الاستثمار‪ ،‬بخالف التمويل في‬
‫ً‬
‫املصارف الربوية الذي يقوم على أساس إلاقراض الربوي‪ ،‬حيث العائد محدد مسبقا‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن نتيجة الاستثمار‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬القرضاو ‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬ابم القريـة والكتـا ‪ ،‬مالمـح سـيرة ومسـيرة‪ ،‬دار الشـروق‪ ،‬القـاهرة‪ 1196 ،1 ،‬هــ‪،‬‬
‫‪9996‬م‪ 111/1 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫ً‬
‫وال شك أن املشاركة في العائد أكثر عدال للطرفين‪ ،‬كما أنها تؤدي إلى استثمار أوسع‬
‫للمال في املجتمع‪ ،‬إذ يتضامن املصرف مع املستثمر حال الخسارة‪ ،‬ويعفيه من الفائدة الربوية‬
‫ً‬
‫التي تشكل عبئا عليه قد يمنعه من طلب التمويل‪ ،‬خاصة إذا كان قدر الفائدة يقارب الربح‬
‫املتوقع‪ ،‬أو كانت هناك مخاطر للخسارة‪.‬‬
‫ً‬
‫ويتخذ التمويل في املصارف إلاسالمية طرقا‪ ،‬منها‪ :‬املشاركة املنتهية بالتمليك‪ ،‬وبيع‬
‫املرابحة لآلمر بالشراء(‪.)1‬‬
‫شـركــات الـتـأمـيــم إلاسـالميــة‬
‫انتشرت شركات التأمين في هذا العصر‪ ،‬وأصبحت من ضرورات الحياة الاقتصادية‬
‫املعاصرة بسبب تطور الحياة وطرق التجارة وزيادة املخاطر‪ ،‬ويقوم التأمين على أساس فكرة‬
‫التضامن مع من نزلت به مصيبة أو خسارة مفاجئة بدل أن ينوء بتحملها وحده‪.‬‬
‫وقد حث إلاسالم على التضامن‪ ،‬ودعا إلى التعاون على الخير‪ ،‬والتكافل بين أفراد‬
‫ً‬
‫املجتمع في مواجهة النوازل واملصائب‪ ،‬وشرع نظما لتحقيق ذلك‪ ،‬مثل‪ :‬مصرف (الغارمين) من‬
‫مصارف الزكاة‪ ،‬ونظام (الدية على العاقلة)(‪.)9‬‬
‫غير أن الفقهاء املعاصرين اختلفوا في حكم التأمين كما تجريه شركات التأمين املعاصرة‪،‬‬
‫فريق منهم إلى إباحته بشرو محددة‪ ،‬ولكل من‬ ‫ٌ‬ ‫فذهب أكثرهم إلى تحريمه‪ ،‬بينما ذهب‬
‫الفريقين أدلته‪ ،‬وألامر محل اجتهاد واحتمال‪ ،‬وفيه سعة(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫وما يهمنا هنا‪ ،‬أنه ظهرت فكرة إنشاء شركات تأمين إسالمية‪ ،‬تحقق قدرا أكبر من‬
‫العدالة‪ ،‬وقد القت هذه الفكرة النجاح والتطبيق والانتشار‪.‬‬

‫(‪ )1‬باإلض ــافة إل ــى ط ــرق التموي ــل ه ــذه‪ ،‬تق ــوم املص ــارف الاس ــالمية بطبيع ــة الح ــال‪ ،‬بتق ــديم الخ ــدمات املص ــرفية الت ــي‬
‫تقدمها البنوك ألاخرى‪ ،‬مثـل‪ :‬قبـول الودائـع‪ ،‬وفـتح الحسـابات الجاريـة‪ ،‬وتحويـل ألامـوال‪ ،‬أنظـر‪ :‬شـيخون‪ :‬د‪.‬محمـد‪،‬‬
‫املصارل إلاسالمية‪ ،‬دار وائل‪ ،‬عمان‪9999 ،1 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.44 - 47‬‬
‫(‪ )9‬جعفـر‪ :‬د‪.‬عبــد القــادر‪ ،‬نظـام التــأمين إلاســالمي‪ ،‬دار الكتـب العلميــة‪ ،‬بيــروت‪ 1197 ،1 ،‬هــ‪9996 ،‬م‪ ،‬ص ‪- 971‬‬
‫‪.949‬‬
‫(‪ )1‬أنظر في تفصيل حجج كل فريق في‪ :‬ثنيان‪ :‬سليمان بن إبراهيم‪ ،‬التأمين وأحكامـه‪ ،‬دار العواصـم املتحـدة‪ ،‬بيـروت‪،‬‬
‫‪1111 ،1‬هـ‪1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 155‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫ألاساس الذ تقوم عليه شركات التأمين إلاسالمية‬
‫يقوم عمل شركات التأمين إلاسالمية على أساس التأمين التعاو ي‪ ،‬أي املشاركة بين‬
‫َ‬
‫املستفيدين واملؤسسين في ألارباح والخسائر وتكاليف تغطية الحوادث املؤ َّمن عليها‪ ،‬بينما‬
‫يقوم عمل شركات التأمين التجارية‪ ،‬على أساس التأمين التجاري‪ ،‬حيث يكون املؤسسون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شركاء فيما بينهم في ألارباح والخسائر وتكاليف تغطية الحوادث املؤ َّمن عليها‪ ،‬أما‬ ‫فقط‬
‫املستفيدون فينحصر التزامهم بدفع أقسا التأمين للشركة‪.‬‬

‫آلية التوزيع في شركات التأمين إلاسالمية‬


‫ً‬
‫تقوم إدارة شركة التأمين إلاسالمية خالل مدة زمنية معينة هي سنة مثال‪ ،‬بإدارة رأس‬
‫ً‬
‫مال الشركة وأقسا املستفيدين‪ ،‬حيث تستثمر جزءا من ذلك في مشاريع استثمارية‪،‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫وترصد جزءا ملواجهة املخاطر التي َّأمن املستفيدون ضدها‪ ،‬وجزءا ثالثا بمثابة أجرة لإلدارة‪،‬‬
‫وبعد ذلك كله‪ ،‬هناك أحد احتمالين‪:‬‬
‫‪ )2‬أن َيفض َل ر ٌبح‪ ،‬فهذه حالة الفائض املالي‪ ،‬حيث يوزع على املؤسسين واملستفيدين‪ّ ،‬‬
‫كل‬‫ٍ‬
‫ونسبة مساهمته‪ ،‬أما في شركات التأمين التجارية فيذهب الفائض كله للمؤسسين‪ ،‬وال يعود‬
‫ش يء من ألاقسا للمستفيدين‪.‬‬
‫مع من مال وما تحقق من أرباح ملجابهة املخاطر‪ ،‬فهذه حالة العجز املالي‪،‬‬ ‫‪ )0‬إذا لم يف ما ج َ‬
‫ِ‬
‫وهنا من املفروض ومن الناحية النظرية‪ ،‬أن يـطالب املؤسسون واملستفيدون بمبالغ إضافية‬
‫لتغطية هذا العجز‪ ،‬كل بنسبة ماله(‪ ،)1‬أما في شركات التأمين التجارية‪ ،‬فيتحمل املؤسسون‬
‫وحدهم تغطية العجز(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬لكن يمكن لإلدارة معالجة مثل هذه الحالة قبل أن تقع‪ ،‬بتكوين احتياطي دائم من رأس املال وألاقسا ‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )9‬قد شرحنا أصل فكرة التوزيع في شركات التـأمين إلاسـالمية بصـورة مبسـطة جـدا‪ ،‬وألامـر فيـه تفاصـيل أدق‪ ،‬أنظـر‪:‬‬
‫ش ــبير‪ :‬د‪ .‬محم ــد عثم ــان‪ ،‬املع ــامالت املالي ــة املعاص ــرة ف ــي الفق ــه إلاس ــالمي‪ ،‬دار النف ــائس‪ ،‬عم ــان‪1110 ،1 ،‬ه ــ‪،‬‬
‫‪1000‬م‪ ،‬ص ‪.110 - 114‬‬
‫‪152‬‬
‫النظام الجنائي في إلاسـالم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ‬
‫ين ق ْبلك ْم‪ ،‬أ َّنه ْم كانوا ِإذا َس َرق ِف ِيهم‬ ‫( ِإنما أهلك ال ِذ‬
‫َ َْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الشريف َت َركوه‪َ ،‬وإذا َس َرق فيهم َّ‬ ‫َّ‬
‫الض ِعيف أقاموا علي ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ َ َّ َ َ ْ‬
‫اط َمة ِبن َت م َح َّم ٍد َس َرق ْت‬ ‫َ َّ َ‬
‫الحد‪ ،‬و ْايم الل ِه لو أن ف ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫لقط ْعت َيدها)‪ .‬حديث نبوي شريف‬
‫رواه البخاري ومسلم‬

‫َ‬
‫النظام الجنائي في إلاسالم‪ ،‬من القضايا التي طعن فيها أعداء إلاسالم عليه‪ ،‬وصوروه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دينا وحشيا وهمجيا‪ ،‬ال يناسب روح العصر وإلانسانية‪ ،‬وأنه إذا حكم‪ ،‬فإنه سيأتي لتقطيع‬
‫َ‬
‫الناس على ما ال يريدون‪.‬‬ ‫حمل‬ ‫َ َ‬
‫ألايدي وألارجل والرؤوس‪ ،‬وسي ِ‬
‫ّ‬
‫متجن‪ ،‬فالنظام الجنائي في إلاسالم نظام فريد ومميز‪ ،‬يكفل تحقيق ألامن‬ ‫وهو هجوم‬
‫ٍ‬
‫والاستقرار والطمأنينة للفرد واملجتمع أكثر من أي نظام جنائي آخر‪.‬‬
‫ُ‬
‫البيئة التي تطب فيها العقوبات في إلاسالم‬
‫حرص إلاسالم على توفير بيئة اجتماعية تنتشر فيها الفضيلة‪ ،‬وتتربى فيها النفوس على‬
‫إلايمان والعمل الصالح‪ ،‬ويقوى فيها أثر الوازع الديني‪ ،‬وتحب الخير والبر‪ ،‬وتنفر من الشر‬
‫والعدوان وإلافساد وإلاضرار بارخخرين‪ ،‬كما يسود فيها مبدأ ألامر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي يسهم إسهاما كبيرا في أن يسود جو نظيف عفيف في املجتمع‪ ،‬ال يشجع على ارتكاب‬
‫الجريمة(‪.)1‬‬
‫كما عمل إلاسالم على معالجة واقعية للدوافع املادية والظروف الاجتماعية التي تساعد‬
‫على الجريمة‪ ،‬من الفقر والبؤس والبطالة والجهل والظلم والتفكك ألاسري‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فكفل‬
‫لكل فرد في املجتمع معيشة كريمة والئقة‪ ،‬وفرصة العمل وألاجر العادل‪ ،‬وعمل على تأسيس‬
‫نظام قضائي عادل‪ ،‬ينصف املستضعفين من املعتدين والظاملين‪ ،‬كما اهتم بتقوية التماسك‬
‫ألاسري والتكافل الاجتماعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬شلتوت‪ :‬د‪ .‬محمود‪ :‬إلاسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1007 ،17 ،‬م‪ ،‬ص ‪.904 - 906‬‬
‫‪153‬‬
‫فاإلسالم ال يسارع إلى إيقاع العقوبة بالجاني‪ ،‬قبل أن يوفر له تلك البيئة الاجتماعية‪،‬‬
‫ويلغي لديه كل الدوافع إلى ارتكاب جريمته‪ ،‬حتى إذا تجرأ بعد ذلك وارتكب جريمته كان‬
‫ً‬
‫مستحقا ألقص ى العقوبات الرادعة‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا اختلت شرو تلك البيئة الاجتماعية‪ ،‬كان للجاني شأن آخر‪ ،‬فالسارق مثال ال‬
‫يعاقب إذا كان دافعه إلى السرقة هو الحاجة املاسة‪ ،‬ذلك أن التقصير هنا وقع من املجتمع في‬
‫حقه قبل أن يقع منه في حق املجتمع‪.‬‬
‫العقوبات في إلاسالم ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحدود‪ ،‬وهي‪ :‬عقوبات محددة شرعا وجبت حقا هلل تعالى على جرائم معينة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ً‬
‫الزنى‪ ،‬والقذف‪ ،‬والسرقة‪ .‬والقصاص‪ ،‬وهو‪ :‬عقوبة وجبت حقا للعبد على جرائم الاعتداء‬
‫على النفس أو ألاعضاء‪ ،‬وذلك بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل‪ .‬والتعزير‪ ،‬وهو‪ :‬عقوبة غير‬
‫ً‬
‫شرعا ّ‬
‫فوض الشارع تحديدها إلى القضاء‪ ،‬وذلك على كل جريمة ليس فيها حد أو‬ ‫محددة‬
‫قصاص‪ ،‬مثل‪ :‬جريمة الغش في البيع‪ ،‬أو شتم الناس بألفاظ فاحشة(‪.)1‬‬
‫مـبـادئ النـظـام الجنائي في إلاســالم‬
‫يقوم النظام الجنائي في إلاسالم على مبادئ سامية‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬التث ت مم وقوع الجريمة‬
‫يؤكد إلاسالم على ضرورة التثبت من حصول الجريمة ومن صحة نسبتها إلى املتهم بها‪،‬‬
‫ويشتر لذلك توافر أدلة قوية واضحة ال لبس فيها‪ ،‬ويمنع ألاخذ بالتهمة والظن‪ ،‬وذلك من‬
‫حقوق إلانسان ألاساسية التي أقرها إلاسالم‪.‬‬
‫ومن هنا قرر إلاسالم مبدأ (إسقا العقوبات بالشبهات)(‪ ،)9‬واملقصود بالشبهة‪ :‬وجود‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احتمال‪ ،‬ولو كان احتماال ضعيفا‪ ،‬يشكك في وقوع الجريمة أو في توافر القصد الجنائي‪ ،‬وهذا‬
‫قريب من املبدأ القانوني‪( :‬الشك يفسر لصالح املتهم)‪.‬‬

‫(‪ )1‬فـي تعريـف الجريمـة والعقويـة وأنـواع الجـرائم والعقوبـات فـي إلاسـالم أنظـر‪ :‬عـودة‪ :‬د‪.‬عبـد القـادر‪ ،‬التشـريع الجنـائي‬
‫ً‬
‫إلاسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ ،‬دار الكاتب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ 66/1 ،‬وما بعدها‪ 690/1 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )9‬ال يقتصــر تطبيــق هــذا املبــدأ علــى الحــدود والقصــاص‪ ،‬بــل يشــمل التعزيــر‪ ،‬علــى الـرأي الــذي نرجحــه عنــد الفقهــاء‪،‬‬
‫ألنه مبدأ تقتضيه العدالة وألاصل املتفق عليه مـن أن املـتهم بـريء حتـى تثبـت إدانتـه‪ ،‬وال وجـه للـرأي الـذي يقصـره‬
‫علــى الحــدود والقصــاص‪ ،‬أنظ ــر فــي هــذه القضــية‪ :‬الع ــوا‪ :‬د‪ .‬محمــد ســليم‪ ،‬فــي أص ــول النظــام الجنــائي إلاس ــالمي‪،‬‬
‫دراسة مقارنة‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪9996 ،1 ،‬م‪ ،‬ص ‪.119 - 197‬‬
‫‪154‬‬
‫ومن ألامثلة على ذلك‪ :‬أن املعترف بالزنى إذا تراجع عن اعترافه يسقط عنه الحد‪ ،‬لشكنا‬
‫ً‬
‫في أيهما كذب‪ :‬في الاعتراف أم في إلاقرار‪ ،‬وأن من ضبط سكرانا‪ ،‬إذا ادعى أنه ظن ما في إلاناء‬
‫ً‬
‫عصيرا وأقام دالئل ‪ -‬ولو ضعيفة ‪ -‬على كالمه‪ ،‬فإنه ال يقام عليه الحد الحتمال صدقه فيما‬
‫ً‬
‫قال‪ ،‬وأن َمن يسرق من مال صاحب العمل ألن له عنده أجرا‪ ،‬فإنه ال يقام عليه الحد وإن‬
‫كان ما سرقه أكثر من أجره‪ ،‬الحتمال أنه سرق ليأخذ أجره‪ ،‬ومن ذلك أن الزوجة إذا سرقت‬
‫من زوجها ال يقام عليها الحد‪ ،‬ألنه يتساهل عادة في املال بين الزوجين(‪.)1‬‬

‫‪ )0‬التناسب بين العقوبة والجريمة‬


‫إن من أهم أسس العدل في أي نظام جنائي‪ ،‬أن يتناسب قدر العقوبة مع خطورة‬
‫الجريمة‪ ،‬فال تحدد عقوبة تافهة على جريمة خطيرة‪ ،‬وال عقوبة كبيرة على خطأ صغير‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐﱾﱿﲀﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅﲆﱢ(البقرة‪.)101 :‬‬
‫ومن ألامثلة على هذا املبدأ‪ :‬عقوبة القصاص‪ ،‬فأساس فكرة القصاص يقوم على املماثلة‬
‫ً‬
‫بين الجريمة والعقوبة‪ ،‬ومعاقبة املجرم بمثل ما فعل‪ ،‬حتى إنه إذا قتل شخص شخصا آخر‪،‬‬
‫فإنه عند أكثر العلماء‪ ،‬يقتل بالطريقة نفسها التي قتله بها‪.‬‬
‫ً‬
‫وانسجاما مع مبدأ التناسب بين العقوبة والجريمة‪ ،‬قال الفقهاء‪ :‬إذا خشينا أن يؤدي‬
‫القصاص في ألاعضاء إلى موت الجاني أو إلحاق ضرر به أكبر من الضرر الذي ألحقه باملجني‬
‫عدل عنه إلى التعويض املالي‪ ،‬وذلك مثل من‬ ‫عليه‪ ،‬فإن القصاص يسقط في هذه الحالة‪ ،‬وي َ‬
‫ً‬
‫يشج شخصا آخر في رأسه‪ ،‬بحيث لو اقتصصنا من الجاني لخشينا هالكه‪.‬‬

‫‪ )3‬اقتصار العقوبة على الجا ي‬


‫إن من العدل أن يتحمل الجاني وحده تبعة جريمته‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬

‫ﳋﱢ (ألانعام‪ ، )161 :‬فاإلسالم ال يقر العقوبات الجماعية‪ ،‬أو الضغط على أهل الجاني‬
‫ً‬
‫وأقربائه أو أصدقائه لحمله على الكف عن جرائمه‪ ،‬أو لحمله على تسليم نفسه مثال‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن مظاهر هذا املبدأ‪ :‬أن املرأة الزانية إذا كانت حامال‪ ،‬فإنه ال تقام عليها العقوبة حتى‬
‫تضع حملها وتفطم وليدها‪ ،‬رعاية لوليدها الذي ال ذنب له‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬عودة‪ :‬د‪ .‬عبد القادر‪ ،‬التشريع الجنائي إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪.916 - 997/1 ،‬‬
‫‪155‬‬
‫حمل إلاسالم أقرباء القاتل خطأ‪ ،‬غرامة مالية هي الدية‪ ،‬يتقاسمونها‬ ‫أتـنـب ُـه‪ :‬ي ّ‬
‫بينهم مع القاتل حسب قدراتهم املالية‪ ،‬وليس ذلك من باب معاقبة غير الجاني‪،‬‬
‫وإنما هو من باب التكافل ألاسري والقرابي الذي حث إلاسالم عليه ورسخه‪،‬‬
‫ذلك أن القاتل هنا قد انعدم عنده القصد الجنائي العدائي‪ ،‬وال يد له في تلك‬
‫الجريمة‪ ،‬سوى ما قد يكون حصل منه من تقصير في الاحتيا ‪ ،‬ولم َيدر في خلده‬
‫أن تقصيره سيفض ي إلى هذه النتيجة املريعة‪ ،‬وهو أشبه بمن أصابته مصيبة‪،‬‬
‫فواجب املجتمع وخاصة أقرباءه‪ ،‬أن يقفوا معه في محنته‪ ،‬ولذلك ال يحمل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلاسالم ألاقرباء أية تبعة مالية‪ ،‬حين يكون القتل عمدا عدوانا‪.‬‬

‫‪ )4‬املساواة في تطبي العقوبة‬


‫ال يفرق إلاسالم في تطبيق العقوبة بين شخص وآخر وال بين فئة وأخرى‪ ،‬فالعقوبة في‬
‫إلاسالم تطبق على الغني والفقير‪ ،‬وعلى الشريف في قومه وإلانسان العادي‪ ،‬وعلى الحاكم‬
‫واملحكوم‪ ،‬وعلى املسلم وغيره‪ ،‬فالناس كلهم سواسية‪ ،‬وإنما التميز بالتقوى والسلوك القويم‪،‬‬
‫فإذا ساء السلوك فال تميز وال كرامة‪.‬‬
‫َ َّ ُ َ ْ ً َ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َّ َّ َ َ َ ْ‬
‫ومي ِة ال ِتي سرقت‬ ‫روت عائشة رض ي هللا عنها‪( :‬أن قريشا أهمهم شأن املرأ ِة املخز ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ‬
‫فقالوا َو َم ْم ُيك ِل ُم ِف َيها َر ُسو َل ‪ ‬فقالوا َو َم ْم َي ْجت ِر ُئ َعل ْي ِه ِدال أ َس َامة ْب ُم َزْي ٍد ِح ُّب َر ُسو ِل الل ِه‬
‫َّ ُ َّ َ َ َ ْ‬
‫اخ َت َط َب ُث َّم َق َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫‪َ ‬ف َك َّل َم ُه ُأ َس َام ُة َف َق َ‬
‫ال‬ ‫ال َر ُسو ُل ‪ ‬أتشف ُع ِفي َح ٍّد ِم ْم ُح ُد ِود الل ِه ثم قام ف‬
‫ْ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ ُ َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫الض ِعيف‬ ‫وه َو ِدذا َس َرق ِف ِيهم‬ ‫يم ق ْبلك ْم أ َّن ُه ْم كانوا ِدذا َس َرق ِف ِيهم الش ِريف ترك‬ ‫ِدنما أهلك ال ِذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ََْ ْ‬
‫اط َمة ِبنت مح َّم ٍد س َرقت لقطعت يدها)(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫أقاموا علي ِه الحد وايم الل ِه لو أن ف ِ‬

‫خصائص النظام الجنائي في إلاسالم‬


‫يمتاز النظام الجنائي في إلاسالم بخصائص عديدة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الــردع‬
‫إن أهم معيار لتحديد نجاح أي نظام جنائي وكفاءتة‪ ،‬هو في مدى ما يحققه هذا النظام‬
‫من فعالية في الحد من الجريمة‪ ،‬وردع من تحدثه نفسه بارتكابها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب أحادي ــث ألانبيـ ــاء‪ ،‬بـ ــاب ح ــديث الغـ ــار‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1944 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1949‬ورواه مس ــلم‪،‬‬
‫كتاب الحدود‪ ،‬باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود حديث رقم‪.1644 :‬‬
‫‪156‬‬
‫ً‬
‫ولو أخذنا الجرائم الكبرى التي خصها إلاسالم بعقوبات بدنية‪ ،‬لوجدنا أن كثيرا من‬
‫الجناة اليوم يستهينون بارتكابها‪ ،‬ألنهم يرون في السجن عقوبة غير رادعة‪ ،‬فهم ‪ -‬خاصة في‬
‫ً‬
‫الدول املتقدمة ‪ -‬يتمتعون في السجن بمزايا معيشية كبيرة‪ ،‬فضال على كونهم عالة على‬
‫املجتمع في نفقات طعامهم وشرابهم ومعيشتهم مدة طويلة‪ ،‬ولذلك تعاني تلك املجتمعات من‬
‫أعلى معدالت الجريمة(‪.)1‬‬
‫أما النظام الجنائي إلاسالمي‪ ،‬فينطوي على فعالية كبيرة في الحد من تلك الجرائم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الكبرى‪ ،‬ولذلك خصها بعقوبات بدنية‪ ،‬تشكل رادعا نفسيا قويا لكل من تحدثه نفسه‬
‫ﱣﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱢ (امللك‪:‬‬ ‫بارتكاب تلك الجرائم‪ ،‬وصدق هللا تعالى إذ يقول‪:‬‬
‫‪.)11‬‬
‫ومن ألامثلة على ذلك‪:‬‬

‫‪ )2‬القصاص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال ش يء يردع من يفكر في قتل أخيه ظلما وعدوانا مثل نظام القصاص في إلاسالم‪ ،‬الذي‬
‫يضع كل من تسول له نفسه ذلك‪ ،‬أمام حقيقة أنه سيفعل فيه مثل ما سيفعل بضحيته‪،‬‬
‫بالطريقة نفسها‪ ،‬وخطوة بخطوة‪ ،‬إلى حد يصل معه إلى تصور نفسه يخطط لقتل نفسه‬
‫وتعذيبها‪ ،‬وصدق هللا تعالى إذ يقول‪ :‬ﱣﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱢ‬
‫(البقرة‪.)170 :‬‬

‫‪ )0‬قطع يد السارق‬
‫إن هذه العقوبة في إلاسالم تعالج بشكل معجز جريمة السرقة‪ ،‬حيث الفكرة الرئيسة‬
‫ّ‬
‫التي تستحوذ على ذهن السارق قبل إقدامه على جريمته وهي أن السرقة تمثل الطريقة‬
‫ألاسهل للحصول على املال والسعادة‪ ،‬والتي توفر العمر والجهد‪ ،‬فقابل إلاسالم هذه الفكرة‬
‫بفكرة مضادة‪ ،‬تحمل السارق على املوازنة والتروي قبل أن يقدم على جريمته‪ ،‬فأن تبقى اليد‬
‫وتتعب بالعمل الشريف‪ ،‬خير من أن تزول بالكلية‪.‬‬

‫(‪ )1‬هنــاك أصــوات خافتــة فــي املجتمعــات املتقدمــة بــين فقهــاء القــانون الجنــائي واملفكـرين‪ ،‬تتعــالى بــين الفينــة وألاخــرى‬
‫مطالبة بالعودة إلى العقوبات البدنية‪ ،‬إلنقاذ تلـك املجتمعـات مـن مسـتنقع الجـرائم الـذي تغـرق فيـه‪ ،‬أنظـر‪ :‬العـوا‪:‬‬
‫د‪ .‬محمد سليم‪ ،‬في أصول النظام الجنائي إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111 - 119‬‬
‫‪157‬‬
‫‪ )3‬جلد الزا ي‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إن عقوبة جلد الزاني في إلاسالم تشكل أيضا رادعا نفسيا قويا للزاني‪ ،‬فصورة اللذة التي‬
‫يرسمها للزنى في نفسه‪ ،‬سيقابلها صورة أخرى بتفاصيل مضادة من العذاب‪ ،‬فصورة الجسد‬
‫في املتعة املحرمة‪ ،‬يقابلها صورة ذلك الجسد يتلوى تحت ضربات السيا ‪ ،‬وعلى مأل من‬
‫الناس‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬إلا س ــانـي ــة‬
‫أي عام يرفض العقوبات البدنية‪ ،‬كاإلعدام والقطع والجلد‪،‬‬ ‫َ‬
‫اليوم ر ٌ‬ ‫َ‬
‫العالم‬ ‫يسود‬
‫ويستهجنها بشدة‪ ،‬ويعدها عقوبات همجية ووحشية‪ ،‬تهين إلانسان‪ ،‬وتهدر كرامته وتعتدي‬
‫على حقوقه‪ ،‬وتعامله بحيوانية‪ ،‬إذ الحيوان هو الذي يذبح ويجلد ويضرب كما يقولون‪ ،‬وقد‬
‫استبعدت قوانين الدول اليوم العقوبات البدنية‪ ،‬واستبدلتها بعقوبات (إنسانية)‪ ،‬تتمثل‬
‫بشكل أساس ي في السجن والغرامات املالية‪.‬‬
‫ومن هنا يعيب بعض الناس على إلاسالم العقوبات البدنية التي رتبها على الجرائم الكبرى‬
‫التي تهدد املجتمعات‪ ،‬ونحن نؤكد هنا على عدة أمور‪:‬‬
‫جانب املجتمع الذي ينهار أمنه‪ ،‬وي ّروع أهله‪،‬‬
‫َ‬ ‫غفلو َن‬
‫‪ )1‬إن الطاعنين في العقوبات البدنية‪ ،‬ي ِ‬
‫ً‬ ‫َََ‬
‫ويهملون جانب املجني عليه‪ ،‬وما يلحق به من أذى وضرر وإهانة‪ ،‬أوليس املجني عليه إنسانا‬
‫ً‬
‫أيضا؟! أليست إنسانيته أحق باملراعاة من إنسانية الجاني‪ ،‬الذي خرق بجريمته كل الاعتبارات‬
‫إلانسانية؟!‬
‫فدعوتهم إلى الرفق بالقاتل‪ ،‬تنطوي على وحشية وقسوة باملقتول‪ ،‬وإهدار إلنسانيته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحقوقه‪ ،‬وهو إنسان بريء ق ِت َل ظلما وعدوانا‪ ،‬ودعوتهم إلى الرفق بالسارق‪ ،‬إنما هي دعوة‬
‫للرفق بيد أثيمة‪ ،‬تريد أن تعيش على تعب آلاخرين دون جهد منها‪ ،‬إال جهدها في سرقة تعبهم‪،‬‬
‫وهي دعوة للقسوة والوحشية في حق جهد وتعب وكد وصبر سنين طويلة ليد شريفة‪ ،‬وقد‬
‫يتبع ذلك آالم وأحزان وأمراض تالزم املجني عليه طيلة حياته‪ ،‬وهو يرى تعب سنين طويلة‬
‫يذهب في لحظة‪.‬‬
‫إن النظام الجنائي الذي هو أجدر بوصف إلانسانية‪ ،‬إنما هو النظام الذي يحافظ على‬
‫كرامة املعتدى عليه آلامن املسالم وحقوقه وإنسانيته‪ ،‬ويحميه وينتصر له من الذين‬
‫يستبيحونه ويعتدون عليه بهمجية ووحشية وقسوة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أنظر في هذا املعنى‪ :‬جرار‪ :‬بسام نهاد‪ ،‬دراسات في الفكر إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.999 - 991‬‬
‫‪158‬‬
‫‪ )9‬إن الهدف ألاساس ي ألية عقوبة إنما هو الزجر والردع وحفظ ألامن والسالم الاجتماعيين‪،‬‬
‫وذلك ال يتصور تحقيقه إال بإهانة املجرم‪ ،‬وإشعاره بأنه بارتكابه لجريمته قد انحدر عن كل‬
‫إنسانية‪ ،‬وأهدر احترام آلاخ رين له‪ ،‬وأية عقوبة ال تحمل هذه املعاني تفقد هدفها ومسوغ‬
‫وجودها‪.‬‬
‫فالعقوبة لم توضع للتكريم‪ ،‬وحتى العقوبات الحديثة فيها إهانة للمجرم‪ ،‬وإهدار‬
‫ََ‬
‫جن‪ ،‬سلبت حريته وفق َد شعوره بإنسانيته‪ ،‬وشعر‬ ‫لحقوقه ومس بكرامته‪ ،‬فإن إلانسان إذا س َ‬
‫بأنه يعامل كالحيوان أو أدنى‪ ،‬إذ الحيوان في البراري يتمتع بالحرية‪ ،‬وهل يستطيع أحد أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يزعم أن في السجن تكريما للمجرم وحفظا لحقوقه؟!‬
‫ً‬
‫‪ )1‬على أنه ليس صحيحا أن عقوبات إلاسالم تعاقب املجرم بهمجية ووحشية بمثل ما يعامل‬
‫الحيوان‪ ،‬واملتأمل في هدي إلاسالم وفي كيفية إقامة العقوبات البدنية في نظامه‪ ،‬يدرك أنه‬
‫يهدف إلى دشعار املجرم باإلهانة النفسية‪ ،‬أكثر مم دلحاق ألاذى الجسمي به‪ ،‬والقاعدة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫املشهورة عند الفقهاء في هذا أن‪( :‬الحد شرع زاجرا ال مهلكا)‪ ،‬ومن ألامثلة الدالة على هذا‬
‫املعنى‪:‬‬
‫أن الجلد يفرق على ألاعضاء‪ ،‬وال يجمع على عضو واحد خوف التلف أو الهالك‪ ،‬وأنه‬
‫ً‬
‫يجب تجنب املقاتل مثل الوجه والرأس‪ ،‬وأن السو ينبغي أن ال تكون له عقدة تؤلم أملا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شديدا وتترك أثرا في الجسم‪ ،‬وأن الجالد ال يجوز أن يرفع يده بحيث يظهر إبطه‪ ،‬وال أن‬
‫شد يده‪ ،‬ملا‬ ‫مد وال يربط وال ت ّ‬ ‫الضرب‪ّ ،‬‬
‫وأن املحدود ال ي ّ‬ ‫يمدها فوق أسه‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك مبالغة في ّ‬ ‫ر‬
‫في ذلك مم تش يه بالحيوان‪ ،‬وأن املريض ال يقام عليه الحد حتى يبرأ‪ ،‬لئال يزداد أمله أو‬
‫يؤدي إلى هالكه‪ ،‬وأن السارق يقطع بأسهل ما يمكن‪ ،‬بأداة حادة‪ ،‬ويضبط لئال يتحرك فيجني‬
‫على نفسه‪.‬‬
‫‪ )1‬وينبغي التنبه هنا إلى أن العقوبات البدنية التي فرضها إلاسالم‪ ،‬إنما هي عقوبات على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جرائم محدودة‪ ،‬هي أكثر الجرائم خطرا وتهديدا للمجتمعات البشرية عبر العصور‪ ،‬ولذلك‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫تتطلب عقوبات بدنية خاصة‪ ،‬كي تشكل رادعا قويا وحقيقيا لكل من تسول له نفسه ارتكابها‪.‬‬
‫وما سوى هذه الجرائم ال يمانع إلاسالم أن تكون عقوبتها السجن أو غيره من العقوبات‬
‫التعزيرية‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬دحترام الخصوصيات والحريات الشخصية‬
‫بق‪ ،‬فإنه سيتتبع الناس في كل‬ ‫يتصور بعض الناس أن النظام الجنائي في إلاسالم إذا ط َ‬
‫َ‬
‫الناس ألتفه‬ ‫صغيرة وكبيرة‪ ،‬وسيخرق الخصوصيات‪ ،‬وينتهك الحقوق والحريات‪َ ،‬وي َج ِّرم‬
‫ً‬
‫ألاسباب‪ ،‬ويشيع جوا من الشعور بالقلق والرعب والخوف‪ ،‬من القتل وتقطيع ألايدي والجلد‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا تصور مناقض تماما للحقيقة‪ ،‬ويمكن توضيح ذلك في آلاتي‪:‬‬

‫‪ )2‬الحث على الستر‬


‫إلثم أن يستر على نفسه‪ ،‬وحث الناس أن يستروا على العصاة‬ ‫حث إلاسالم كل مرتكب ٍ‬
‫الذين ال يجاهرون‪ ،‬وحسابهم على هللا تعالى‪ ،‬وفي هذا دليل على أن إلاسالم ال يخترق‬
‫الخصوصيات للمواطنين‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يقول النبي ‪( :‬امل ْس ِل ُم أخو امل ْس ِل ِم ال َيظ ِل ُم ُه َوال ُي ْس ِل ُم ُه‪َ ،‬و َم ْم كان ِفي حاج ِة أ ِخ ِيه‬
‫ْ‬
‫ات َي ْو ِم ال ِق َي َام ِة‪،‬‬ ‫ُ َ ً َ َ َّ ُ َ ْ ُ ُ َ ً ْ ُ َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫كان الله ِفي حاج ِت ِه‪ ،‬ومم ف َّرج عم ُم ْس ِل ٍم ك ْربة ف َّرج الله عنه ك ْربة ِمم ك ُرب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫َو َم ْم َست َر ُم ْس ِل ًما َست َر ُه الل ُه َي ْو َم ال ِق َي َام ِة)(‪.)1‬‬
‫عرض عن الجاني امل ِق ِّر على نفسه‪ ،‬ويلمح له بالتراجع عن إقراره‪،‬‬ ‫كما كان النبي ‪ ‬ي ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫فعن أبي هريرة ‪ ،‬قال‪( :‬أتى َر ُج ٌل م ْم املُ ْسلم َين َر ُسو َل الله َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلى ‪َ ‬و ُه َو ِفي املس ِج ِد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال َل ُه‪ :‬ياَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الل ِه د ِّ ي َزَن ْي ُت‪ ،‬فأع َرض عنه‪ ،‬فتنحى ِتلقاء وجه ِه‪ ،‬فق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فناداه فقال‪ :‬يا رسول‬
‫َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الله د ّ ي َزَن ْي ُت‪َ ،‬فأع َر َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ات‪ ،‬فلما ش ِهد على نف ِس ِه‬ ‫ض عنه‪ ،‬حتى ث ى ذ ِلك عل ْي ِه أ ْربع َم َّر ٍ‬ ‫َرسول ِ ِ ِ‬
‫ص ْن َت؟ َق َ‬ ‫ال‪َ :‬ف َه ْل َأ ْح َ‬ ‫ال‪َ :‬ال‪َ ،‬ق َ‬ ‫ال‪َ :‬أب َك ُج ُنو ٌن؟ َق َ‬ ‫الل ِه ‪َ ‬ف َق َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ََ َ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬دعاه رسول‬ ‫أ ْربع ش َهاد ٍ‬
‫الله ‪ْ : ‬اذ َه ُبوا به َفا ْر ُج ُم ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫وه)(‪.)9‬‬ ‫ِِ‬ ‫ال َرسول ِ‬ ‫عم‪ ،‬فق‬

‫‪ )0‬التشديد في وسائل دثبات املعاص ي الشخصية‬


‫يشدد إلاسالم في وسائل إثبات املعاص ي الشخصية‪ ،‬مما ي ّ‬
‫ضيق من طرق ثبوتها واملعاقبة‬
‫ِ‬
‫عليها‪ ،‬ما لم يتعمد مرتكبها إظهارها وإشاعتها واملجاهرة بها واملفاخرة بارتكابها‪ ،‬وإال غدت‬
‫جريمة اجتماعية ولم تعد معصية شخصية‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب املظالم والغصب‪ ،‬باب ال يظلـم املسـلم وال يسـلمه‪ ،‬حـديث رقـم‪ ،9119 :‬ج‪ ،9‬ص‪ ،469‬ورواه‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب تحريم الظلم‪ ،‬حديث رقم‪ ،9549 :‬ج‪ ،1‬ص ‪.1006‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب الحــدود‪ ،‬بــاب ســؤال إلامــام املقـ َّـر هــل أحصــنت‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،6110 :‬ج‪ ،6‬ص‪ ،9599‬ورواه‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب من اعترف على نفسه بالزنى‪ ،‬حديث رقم‪ ،1601 :‬ج‪.1117 ،1‬‬
‫‪161‬‬
‫معاص شخصية‪ ،‬وإنما على‬
‫ٍ‬ ‫وذلك يدل على اتجاه عام في إلاسالم إلى املعاقبة ال على‬
‫جرائم اجتماعية تمس أمن املجتمع وجو الطهارة والعفة السائد فيه‪ ،‬وتشجع على الرذيلة‪،‬‬
‫ﳐﳒ‬
‫ﳑ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬
‫ﳓﳔﳕﳖﱢ(النور‪.)10 :‬‬
‫وفي هذا دليل إضافي آخر على أن إلاسالم ال يخترق الخصوصيات‪ ،‬وال يعتدي على‬
‫الحريات‪.‬‬
‫ً‬
‫ولو أخذنا جريمة الزنى مثال‪ ،‬فإن إلاسالم يشتر في إثباتها أربعة شهود‪ ،‬ولو شهد ثالثة‪،‬‬
‫فإنهم هم الذين يجلدون‪ ،‬وليس املتهم‪.‬‬
‫ويصعب تصور توافر هذا العدد من الشهود‪ ،‬إال أن يكون الزاني قد ارتكب فعلته على‬
‫قارعة الطريق وأمام أعين الناس‪ ،‬مما يدل على أن العقوبة لم تكن على الفعلة ذاتها بقدر ما‬
‫هي على إشاعتها في الناس‪ ،‬ولم تكن على معصية شخصية بقدر ما هي على جريمة اجتماعية‬
‫تهدد طهارة املجتمع كله‪ ،‬إذا لم تقابل بالعقوبة العلنية من الدولة‪.‬‬
‫يقول عبد الحميد أبو سليمان في ذلك‪( :‬لداللة شهادة ألاربعة ّأن املعيار هو اعتبار ّأن‬
‫ً‬ ‫الفعل قد ّ‬
‫تم أمام املجتمع جهرا وعالنية‪ ،‬وفي ذلك إشاعة للفاحشة والفساد‪ ،‬وعدوان على‬
‫حرية آلاخرين وخيارهم)‪ .‬ويقول‪( :‬إن الجهر وإلاشهار وإلاصرار والاستهتار هي ألامور املقصودة‬
‫عامة فيما يتعلق بنزوات النفوس والغرائز‪ ،‬مثل الزنا وشرب الخمر وتعاطي املخدرات)(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫أتـأمـ ُل‪ :‬لم ي َرو أنه أقيم حد الزنى في التاريخ‬
‫إلاسالمي بشهادة شهود!‬
‫وفي تقرير إلاسالم مبدأ إسقا العقوبات بالشبهات كما سبق توضيحه‪ ،‬دليل على أن‬
‫إلاسالم ال يتصيد الناس ألتفه ألاسباب‪ ،‬وال يتعطش إلى سفك الدماء والجلد والتقطيع‪ ،‬بل‬
‫يتشوف إلى إسقا العقوبة بأضعف الاحتماالت‪.‬‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬أب ــو س ــليمان‪ :‬د‪ .‬عب ــد الحمي ــد‪ ،‬ألام ــم والس ــالم إلاجتمـ ــاعي‪ ،‬ه ــدل نظ ــام العقوب ــات إلاس ــالمي‪ ،‬مجل ــة إسـ ــالمية‬
‫املعرفة‪ ،‬العدد (‪ ،)11‬السنة الرابعة‪1110 ،‬هـ‪1004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.171 - 179‬‬
‫‪161‬‬
‫النظام السياسـي في إلاسـالم‬
‫العالقات السياسية الداخلية‬
‫(بفضل مبدأي إلاسالم ألاساسيين‪ :‬مبدأ السلطة هلل وحده‬
‫وهو الذي يجعل كل سيادة اجتماعية نسبية‪ .‬ومبدأ الشورى‬
‫الذي يستبعد أية وساطة بين هللا والشعب‪ .‬ي َزال‪ ،‬في ٍآن‬
‫َ‬ ‫واحد‪َّ ،‬‬
‫مطلق يضفي القداسة على السلطة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ستبداد‬
‫ٍ‬ ‫أي ا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫ويصبو إلى أن يجعل من القائد إلها على ألارض)‪.‬‬

‫الفيلسوف الفرن ي الشهير روجيه جارودي‬

‫إن إلاسالم دين شامل‪ ،‬نظم كل شؤون الحياة وجوانبها بما في ذلك شؤون الحكم‬
‫والدولة والسياسة‪ ،‬وتميز بهذا التنظيم عن كل النظم الوضعية‪.‬‬
‫تـنـظـيـم إلاســالم للجـانـب السـيـاسـي‬
‫يزعم بعض الناس أن إلاسالم إنما جاء لينظم عالقة إلانسان بربه‪ ،‬ويوجهه إلى العمل‬
‫رخخرته ليس أكثر‪ ،‬فاإلسالم ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬دين ال دولة‪ ،‬وآخرة ال دنيا‪ ،‬وسلطته محصورة في‬
‫املحراب ال تجاوز جدرانه‪ ،‬وسيطر فريق من هؤالء على نظم الحكم في العالم إلاسالمي‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وطبقوا نظم الاستعمار َون َّحوا إلاسالم بعيدا(‪.)1‬‬
‫نظام يحكم باإلسالم‪ ،‬هو من ضرورات الدين القاطعة الواضحة‪،‬‬ ‫والحقيقة أن إقامة ٍ‬
‫ً‬
‫التي ال يسع أحدا إنكارها(‪ ،)9‬ومما يدل على ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬تضافرت النصوص قاطعة الثبوت والداللة‪ ،‬التي تأمر بالحكم باإلسالم‪ ،‬وتشدد في‬
‫ّ‬
‫النكير على من ال ي َح ِكم إلاسالم في كل شؤون الحياة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )1‬أنظــر استقصــاء وتحلــيال جيــدا لهــذه الحركــة التغريبيــة‪ ،‬وكيــف اخترقــت حيــاة املســلمين وعلمنــت القــوانين والحكــم‬
‫فيهم في‪ :‬عمارة‪ :‬د‪.‬محمد‪ ،‬إلاسالم والسياسة‪ ،‬مركز الراية للتنمية الفكرية‪ ،‬جدة‪9995 ،1 ،‬م‪ ،‬ص‪.71 - 51‬‬
‫(‪ )9‬أول م ــن حم ــل ل ــواء التنظي ــر وم ــن داخ ــل إلاس ــالم‪ ،‬لفك ــرة أن إلاس ــالم دي ــن ال دول ــة‪ ،‬ه ــو الش ــيخ ألازه ــري عل ــي عب ــد‬
‫الـ ـرازق‪ ،‬ف ــي كتاب ــه (إلاس ــالم وأص ــول الحك ــم)‪ ،‬ف ــي ب ــدايات الق ــرن العشـ ـرين‪ ،‬وق ــد أث ــار كتاب ــه حينه ــا مع ــارك فكري ــة‬
‫ً‬
‫طاحن ــة‪ ،‬وتناول ــه العلم ــاء باملناقش ــة وال ــدحض‪ ،‬أنظ ــر تحل ــيال ومناقش ــة أله ــم م ــا ج ــاء في ــه‪ ،‬ف ــي‪ :‬عم ــارة‪ :‬د‪.‬محم ــد‪،‬‬
‫إلاسالم والسياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111 - 75‬‬
‫‪162‬‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﱢ (املائدة‪ ،)11 :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ ﱔﱕﱖ‬


‫ﱘﱚ ﱛﱜ ﱝﱞ ﱟﱢ (النساء‪.)69 :‬‬
‫ﱗ ﱙ‬
‫دولة إسالمية تطبق ذلك‪ .‬ألنه إذا‬
‫‪ - 9‬ألامر بإقامة بعض أحكام إلاسالم‪ ،‬يقتض ي وجود ٍ‬
‫كانت بعض معالم إلاسالم مثل الصالة‪ ،‬يمكن أن تقام على املستوى الفردي دون دولة‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫جانبا من أحكام إلاسالم ال يمكن أن يقام دون وجود دولة تقيمه‪ ،‬مثل إقامة العدل‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ومعلوم أن ما ال يتم الواجب إال به فهو‬ ‫والقضاء بين الناس‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والنظام الجنائي‪.‬‬
‫واجب‪.‬‬
‫‪ - 1‬تضافرت نصوص كثيرة تشتمل على مفردات النظام السياس ي وتأمر بإقامته‪ ،‬مثل‬
‫(م ْم‬
‫النصوص التي ذكرت إلامام العادل‪ ،‬والنصوص التي ذكرت البيعة‪ ،‬مثل قول النبي ‪َ :‬‬
‫ً‬ ‫َ ًَ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ات َو َل ْي َ‬
‫س ِفي ُعن ِق ِه َب ْي َعة‪َ ،‬مات ِميتة َج ِاه ِل َّية)(‪.)1‬‬
‫َ َ‬
‫م‬
‫أفـك ــر‪ :‬لم يرد لفظ (الدولة) في النصوص‬
‫الشرعية آلامرة بإقامة حكم هللا تعالى‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ّ‬
‫‪ - 1‬أسس النبي ‪ ،‬دولة ونظام حكم‪ ،‬ونظم شؤون ألامة‪ ،‬وأرس ى قواعد العدل في‬
‫َ‬
‫املجتمع‪ ،‬وقاد الجيوش‪ ،‬وكات َب امللوك‪ ،‬وأرسل السفراء‪ ،‬وعلى هدي النبي ‪ ‬سار صحابته ‪‬‬
‫من بعده‪ ،‬وأقاموا دولة ونظام حكم‪ ،‬حتى إنهم انشغلوا عن دفن النبي ‪ ،‬بأمر تعيين خليفة‬
‫من بعده‪ ،‬داللة على أهمية وجود دولة إسالمية ونظام حكم إسالمي‪ ،‬وكذلك فعل املسلمون‬
‫ً‬
‫وأقاموا دولة إلاسالم قرونا متطاولة‪.‬‬
‫أنــاقــش‪ :‬يزعم كثير من العلمانيين أن مقصد إلاسالم ليس هو‬
‫هذه الحياة الدنيا الحقيرة التافهة‪ ،‬وإنما الحياة آلاخرة الباقية‪،‬‬
‫وأن إلاسالم أسمى وأشرف من أن يتلطخ بوحل السياسة‬
‫وأكاذيب الساسة!‬

‫(‪ )1‬رواه مســلم‪ ،‬كتــاب إلامــارة‪ ،‬بــاب وجــوب مالزمــة جماعــة املســلمين عنــد ظهــور الفــتن وفــي كــل حــال وتحــريم الخــروج‬
‫على الطاعة ومفارقة الجماعة‪ ،‬حديث رقم‪ ،1451 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1174‬‬
‫‪163‬‬
‫مـبـادئ النـظـام السـيـاسـي في إلاســالم‬

‫أمرت نصوص الشريعة بإقامة حكم هللا تعالى‪ ،‬ولم يترك إلاسالم هذا الجانب من غير‬
‫قواعد تحكمه ومبادئ توجهه‪ ،‬فقد حددت الشريعة املبادئ العامة لنظام الحكم واملقاصد‬
‫التي يسعى لتحقيقها‪ .‬بل لقد عرضت الشريعة لجملة قضايا كالحاكمية التي هي هلل تعالى‪،‬‬
‫ٌ‬
‫تعاقدي بين إلامام والرعية وأنه يقوم على‬ ‫ٌ‬
‫نظام‬ ‫وكالبيعة التي تؤكد أن الحكم في إلاسالم‬
‫فضال عن الحديث في العدالة واملساواة ونصرة املستضعفين ُّ‬ ‫ً‬
‫والنصح‬ ‫الاختيار الحر‪ ،‬ذلك‬
‫للحاكم والرعية والدفاع عن ألاوطان وألاموال وألاعراض‪ ،‬وهي جميعها من صميم عمل‬
‫الدولة‪.‬‬
‫وكذلك ترك لنا النبي الكريم ‪ ‬تجربة تطبيقية رائعة في الحكم وإلادارة وكذلك صحابته‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الكرام‪ ،‬تجربة تشكل ثروة هائلة مما يمكن أن يقتدى به في شؤون الحكم والسياسة ورعاية‬
‫مصالح ألامة‪.‬‬
‫أدوات ونظم للحكم وإدارة‬‫ٍ‬ ‫وذلك كله من غير رفض ملا ّ‬
‫توصل إليه الناس في زماننا من‬ ‫ٍ‬
‫شؤون الرعية‪ .‬فمع أن إلاسالم لم يترك جانب الحكم والسياسة من غير تنظيم وتوجيه‪ ،‬إال‬
‫أن املالحظ أن إلاسالم قد أرس ى ألاسس العامة لذلك وقرر املبادئ ألاساسية دون أن يخوض‬
‫ً‬
‫في التفاصيل التطبيقية‪ ،‬تاركا مثل هذه التفاصيل للناس حسب اختالف الزمان واملكان‬
‫وحسب ما يصل إليه إلانسان من تطور في الوسائل‪ .‬وال شك أن هذا يدل على مرونة إلاسالم‬
‫في نظامه السياس ي‪.‬‬
‫الناس بشكل ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫معين للحكومة‪ ،‬وال بعدد محدد ألعضائها‪ .‬كما أنه‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫فاإلسالم مثال لم يق ِّيد‬
‫لم يحدد طريقة معينة النتخاب رئيس الدولة‪ ،‬وال مدة معينة لرئاسته‪ .‬وهو لم يحدد آلية‬
‫ّ‬
‫معينة التخاذ القرار السياس ي‪ ،‬بل ولم يحدد آليات معينة لتطبيق الشورى التي أك َد عليها في‬
‫آيات تتلى على رؤوس ألاشهاد إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وكل ما يستحدثه إلانسان في هذا إلاطار ويتوصل إليه من آليات ثبتت فاعليتها‪ ،‬وال‬
‫تتعارض مع مبادئ إلاسالم ومقاصده في الحكم‪ ،‬فإن املسلم مأمور باتباعها‪ .‬وال يجوز‬
‫للمسلمين الجمود على آليات ونظم قديمة‪ ،‬حتى لو كانت آليات اتبعها املسلمون في إدارة‬
‫الحكم عبر تاريخ إلاسالم املديد‪ .‬والحكمة ضالة املؤمن‪ .‬وكل أمة تفيد من غيرها‪ ،‬وقد أفاد‬
‫املسلمون من غيرهم‪ ،‬والحضارة ٌ‬
‫فعل تر ٌ‬
‫اكمي تتوارثه ألاجيال وتزيد فيه باعتبار ذلك من باب‬
‫املشترك إلانساني‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫وفيما يأتي نعرض ألهم مبادئ إلاسالم ومقاصده في نظام الحكم‪:‬‬
‫‪ )2‬الحاكمية هلل تعالى‬
‫تستند الدولة إلاسالمية إلى أحكام الشريعة‪ ،‬وهذه ألاحكام تنطبق على الحاكم واملحكوم‬
‫ّ ً‬ ‫على حد سواء‪ ،‬فالحاكم ّ‬
‫مشرعا لها‪ ،‬وليس له امتيازات خاصة تبيح له‬ ‫منفذ لألحكام وليس‬
‫ما هو محظور على الناس‪ ،‬وينطبق عليه ما ينطبق على غيره من ألامة‪ ،‬والحاكم يكتسب‬
‫ً‬
‫الشرعية بقدر ما يكون مطبقا لهذه ألاحكام‪ ،‬ويفقدها بقدر ما يتنكر لهذه ألاحكام‪ ،‬كما قال‬
‫َْ ْ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ َّ َ‬
‫ول)(‪ ،)1‬وقال أبو بكر ‪( :‬أطيعوني ما‬‫النبي ‪( :‬ال طاعة ِفي مع ِصي ٍة ِدنما الطاعة ِفي املع ُر ِ‬
‫أطعت هللا ورسوله‪ ،‬فإذا عصيت هللا ورسوله‪ ،‬فال طاعة لي عليكم)(‪.)9‬‬
‫‪ )0‬الـعــدل‬
‫العدل أساس كل حكم صالح وناجح‪ ،‬وقد أمر إلاسالم الحاكمين بالعدل بين الناس‪ .‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﱢ‬
‫(النساء‪.)54 :‬‬
‫َ‬
‫إلامام العادل‬ ‫َ‬
‫الحاكم العادل باألجر العظيم عند هللا تعالى‪ ،‬حتى جعل‬ ‫وقد وعد إلاسالم‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مع الذين يظلهم هللا بظله يوم القيامة‪ ،‬يوم ال ظل إال ظله تعالى‪ ،‬كما توعد الظاملين بأوخم‬
‫العواقب في الدنيا وأشد العذاب في آلاخرة‪.‬‬
‫َ‬
‫نصف املظلومين‬ ‫فنظام الحكم إلاسالمي هو النظام الذي يوصل الحقوق إلى أصحابها‪ ،‬وي ِ‬
‫واملستضعفين‪ ،‬وال يعتدي على الناس بغير حق‪ ،‬ويتنزه عن إهدار املال العام أو أكله بالباطل‪.‬‬
‫وإلاسالم ال يمانع باألخذ باملبادئ الدستورية الحديثة التي تعمل على تقرير العدل‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ضرورة تقنين الفقه إلاسالمي‪ ،‬أي صياغته في نصوص وقواعد قانونية محددة وواضحة‬
‫يسهل الاطالع عليها والتحاكم والتقاض ي على أساسها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب أخب ــار آلاح ــاد‪ ،‬ب ــاب م ــا جـ ــاء فـ ــي إج ــازة خب ــر الواح ــد الصـ ــدوق فـ ــي ألاذان والصـ ــالة والصـ ــوم‬
‫والف ـرائض‪ ،...‬حــديث رقــم‪ ،6419 :‬ج‪ ،6‬ص‪ ،9610‬ورواه مســلم‪ ،‬كتــاب إلامــارة‪ ،‬بــاب وجــوب طاعــة ألام ـراء فــي غيــر‬
‫معصية وتحريمها في املعصية‪ ،‬حديث رقم‪ ،1419 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1160‬‬
‫(‪ )9‬أخرج ــه الص ــنعا ي‪ ،‬عب ــد ال ــرزاق ب ــن هم ــام‪ ،‬مص ــنف عب ــد ال ــرزاق‪ ،‬تحقي ــق‪ :‬حبي ــب ال ــرحمن ألاعظم ــي‪ ،‬املكت ــب‬
‫إلاســالمي‪ ،‬بي ــروت‪1191 ،9 ،‬ه ــ‪ ،‬كت ــاب الجــامع لإلم ــام معم ــر ب ـن راش ــد ألازدي روايــة إلام ــام عبــد ال ــرزاق‪ ،‬ب ــاب ال‬
‫طاعة في معصية حديث رقم‪ ،99799:‬ج‪ ،11‬ص‪.116‬‬
‫‪165‬‬
‫ومثل‪ :‬مبدأ الفصل بين السلطات الثالث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)‪ ،‬وهو مبدأ‬
‫ال يصعب تبينه في عهد الخلفاء الراشدين ‪ ،‬حيث كان الخليفة نفسه يخضع لسلطة‬
‫القضاء ولحكم الشرع كأي فرد من ألامة(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫والتغول على‬ ‫مة ال تسمح للسلطة التنفيذية بتجاوز صالحياتها‬ ‫تشريعات صار ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ومثل سن‬
‫السلطات ألاخرى‪.‬‬
‫‪ )3‬البيعة والاختيار‬
‫املقصود بـ (البيعة والاختيار)‪ :‬التعاقد الاختياري بين ألامة والحكام‪ ،‬على أساس التزام‬
‫الحكام بمبادئ النظام السياس ي في إلاسالم‪ ،‬والتي منها رعاية الحكام ملصالح الرعية‪ ،‬وفي‬
‫املقابل يلتزم أفراد ألامة بطاعتهم باملعروف‪ ،‬ما داموا ملتزمين بتلك املبادئ‪.‬‬
‫ً‬ ‫فالحاكم في إلاسالم ال ي َّ‬
‫نصب حاكما‪ ،‬إال باختيار الناس ورضاهم‪ ،‬والنبي ‪ ‬نفسه‪ ،‬لم‬
‫َ َّ‬
‫يأت إلى املدينة املنورة إال باختيار أهلها ورضاهم ورغبتهم في تحكيم إلاسالم‪َ ،‬وت َمث َل هذا‬
‫الاختيار في بيعتي العقبة ألاولى والثانية‪ .‬والخلفاء الراشدون لم تثبت الخالفة ألي منهم‪ ،‬إال‬
‫بعد أن بايعهم أكثر املسلمين آنذاك‪.‬‬
‫كما يرفض إلاسالم أخذ الحكم بالقوة أو توريثه في ساللة معينة‪ .‬فقد مات النبي ‪ ‬دون‬
‫أن يعين خليفة من بعده‪ ،‬مع ما في ذلك من احتمال أن يتنازع الناس من بعده وتضيع في‬
‫ً‬
‫لحظة كل جهود النبي ‪ ‬طوال ثالث وعشرين سنة‪ .‬فهل أغفل النبي ‪ ‬ذلك ساهيا‪ ،‬وهو‬
‫الذي َب َّي َن تفاصيل قضايا أقل أهمية‪ ،‬مثل قضايا النظافة واللباس؟! لقد أراد النبي ‪ ‬أن‬
‫يؤكد أن تعيين رئيس الدولة إنما هو حق لألمة وباختيارها‪ ،‬دون فرض من أحد أو وصاية من‬
‫أحد‪.‬‬
‫‪ )4‬الشورى‬
‫الشورى هي‪ :‬أن تكون إدارة شؤون الناس واتخاذ القرارات بشأن ذلك‪ ،‬على أساس‬
‫جماعي يقوم على اختيار الناس ورضاهم واستشارتهم‪ ،‬ثم السير َوفق ما يشيرون به‪ ،‬بدل‬
‫تفرد الحاكم وحده بالقرار في كل ذلك‪.‬‬
‫أفـك ــر‪ :‬في فائدتين من فوائد الشورى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬أمين‪ :‬د‪.‬أحمد محمد‪ ،‬الدولـة إلاسـالمية واملبـادئ الدسـتورية الحديثـة‪ ،‬مكتبـة الشـروق الدوليـة‪ ،‬القـاهرة‪،‬‬
‫‪ 1195 ،1‬هـ‪9995 ،‬م‪ ،‬ص‪ 15‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫َ‬
‫الحاكم باستشارة الناس واتباع ما أشار به أهل‬ ‫وقد أوجب إلاسالم إقامة الشورى‪ ،‬وألزم‬
‫الحل والعقد في البلد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱝ ﱞ ﱟﱢ (آل عمران‪ ،)150:‬بل لقد جعل إلاسالم‬
‫صت‬ ‫الشورى صفة الزمة للمؤمنين‪ ،‬مثل الصالة والزكاة‪ ،‬وذلك في سورة من القرآن الكريم خ ّ‬

‫باسم (سورة الشورى)‪ ،‬للداللة على أهمية الشورى‪ ،‬حيث قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﱢ (الشورى‪ . )14 :‬لذا فال عجب أن كان النبي ‪‬‬


‫أكثر الناس استشارة ألصحابه‪.‬‬
‫ومم مظاهر الحكم الشور في إلاسالم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ - 1‬أن الحاكم في إلاسالم ال يبرم أمرا عاما إال بعد أن يستطلع آراء الناس وأولي الرأي‬
‫ً‬
‫فيهم خاصة‪ .‬فهو ال يستبد برأيه دونهم‪ ،‬بل يقدم رأي غالبية أهل الحل والعقد ويعمل به‪،‬‬
‫حتى لو خالف رأيهم ر َأيه‪ ،‬ما دامت املسألة قد جعلت بيد أهل الحل والعقد املمثلين لألمة‬
‫وذوي الرأي والاختصاص‪.‬‬
‫ْ‬
‫وإلاسالم ال يعرف "الحاكم املل َهم" وال "الزعيم امل َّ‬
‫سدد" وال "القائد املعصوم"‪ ،‬الذي يرى‬
‫ما ال يراه الناس ويبصر ما ال يبصرونه‪ .‬بل لقد قال تعالى في ذم فرعون‪ :‬ﱣﭐﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬

‫ﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧ ﲨﱢ(غافر‪.)90 :‬‬


‫ولو كان أحد من حقه أن يزعم إلالهام والاستغناء عن رأي الناس وأهل الاختصاص‬
‫منهم‪ ،‬لكان هو النبي ‪ ‬ألنه يوحى إليه‪ .‬ومع ذلك فإن النبي ‪ ‬كان أكثر الناس استشارة‬
‫ألصحابه‪ ،‬بل وربما نزل عن أيه لقول أهل الرأي ُّ‬
‫والنهى فيهم‪ .‬فقد نزل إلى رأي الحباب بن‬ ‫ر‬
‫املنذر ‪ ‬في معركة بدر(‪ ،)1‬واستشار في غزوة أحد‪ ،‬وكان رأيه أن يبقى املسلمون في املدينة‪،‬‬
‫أكثر املسلمين أن يخرجوا إلى املشركين‪ ،‬فترك رأيه وأخذ برأي ألاغلبية(‪ ،)9‬وذلك كي‬ ‫ورأي ِ‬
‫ً‬
‫يرسم لنا منهجا في احترام الحاكم لرأي ألاغلبية‪.‬‬
‫ً‬
‫أناقش‪ :‬يردد بعض الناس مقولة‪ :‬أن حكم ألاغلبية ليس معيارا‬
‫للصواب‪ ،‬وربما يستدلون ببعض آلايات القرآنية‪ ،‬من مثل قوله‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐﳖﳗﳘﳙﳚﳛﱢ(يوسف‪!)191 :‬‬

‫(‪ )1‬ابم هشام‪ :‬عبد امللك بن هشام‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪.969 - 950/9 ،‬‬
‫(‪ )9‬ابم هشام‪ :‬عبد امللك بن هشام‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪.4 - 7/1 ،‬‬
‫‪167‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ - 9‬الحاكم ينتقد وي َ‬
‫ساءل باعتباره مسؤوال عن قراراته وسياساته بل ومسؤوال عما‬
‫ً‬
‫يجري في البالد في ظل حكمه‪ .‬وال يعرف إلاسالم حاكما ال يسأل عما يفعل‪ ،‬وإنما الذي ال‬
‫ً‬
‫يسأل عما يفعل هو هللا تعالى وحده‪ .‬كما ال يعرف إلاسالم حاكما يلتصق بكرس ّ ِي الحكم ال‬
‫يتزحزح عنه مهما فعل إال باملوت أو الانقالب‪.‬‬
‫ً‬
‫فهذا أبو بكر الصديق ‪ ‬يخاطب الناس قائال‪( :‬إن أحسنت فأطيعوني وإن أسأت‬
‫فقوموني)(‪ .)1‬وخطب عمر بن الخطاب ‪ ‬في الناس فقال‪( :‬اسمعوا وأطيعوا)‪ ،‬حتى قاطعه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدهم قائال‪( :‬ال سمعا وال طاعة يا عمر)‪ ،‬وكان اعتراض الرجل على أن كل واحد من‬
‫املسلمين أصابه ثوب‪ ،‬وعمر أصابه ثوبان‪ ،‬فاستعان عمر بابنه عبد هللا ‪ ،‬الذي ّبين‬
‫للناس‪ ،‬أنه إنما أعطى حصته ألبيه‪ ،‬وعندها قال الرجل‪( :‬آلان السمع والطاعة يا أمير‬
‫املؤمنين)(‪.)9‬‬
‫يقول الدكتور مصطفى السباعي‪:‬‬
‫( كان العالم القديم والوسيط ينكر على الشعب حقه في إلاشراف على أعمال حكامه‪،‬‬
‫كما يجعلون الصلة بينه وبين الحاكم صلة بين العبد وسيده‪ ،‬فالحاكم هو السيد املطلق‬
‫ً‬
‫خاصا َ‬ ‫ً‬
‫للملك‪ ،‬تورث عنه كما تورث‬ ‫يتصرف بالشعب كما يشاء‪ ،‬وكانت اململكة تعتبر ملكا‬
‫بقية أمالكه‪ ...،‬وظل ألامر كذلك حتى قامت الحضارة إلاسالمية تعلن ‪ -‬فيما تعلن من مبادئها‬
‫‪ -‬أن الشعب هو صاحب الحق في إلاشراف على حكامه‪ ،‬وأن هؤالء ليسوا إال أجراء يسهرون‬
‫على مصالح الشعب وكرامته بأمانة ونزاهة‪ .‬وفي هذا يقع ألول مرة في التاريخ‪ ،‬أن يحاسب ٌ‬
‫فرد‬ ‫ِ‬
‫حاكمه عما يلبس من أين جاء به‪ ،‬فال يحكم عليه باإلعدام وال يقاد إلى‬ ‫َ‬ ‫من أفراد الشعب‬
‫يقدم له الحاكم حسابه حتى يقتنع ويقتنع الناس!)(‪.)1‬‬ ‫ّ‬
‫السجن وال ينفى من ألارض‪ ،‬ولكن ِ‬
‫املوقف مم الديمقراطية‬
‫ال شك أن الديمقراطية بمعناها البسيط‪ ،‬باعتبارها حكم الشعب لنفسه‪ ،‬إنما هي نتاج‬
‫فلسفة غربية‪ ،‬قد تختلف مع الرؤية إلاسالمية لنظام الحكم في بعض جوانبها‪ ،‬حيث إن‬
‫الديمقراطية في بعض جوانبها قد تخالف مبدأ الح اكمية هلل تعالى كما لو اختار غالبية‬
‫الشعب الاحتكام لغير إلاسالم‪.‬‬

‫(‪)1‬ابم هشام‪ :‬عبد امللك بن هشام‪ ،‬مرجع سابق‪.111 - 119/1 ،‬‬


‫(‪ّ )9‬‬
‫الصالبي‪ :‬د‪ .‬علي محمد محمد‪ ،‬فصل الخطا فـي سـيرة أميـر املـؤمنين عمـر بـم الخطـا ‪ :‬شخصـيته وعصـره‪ ،‬دار‬
‫الفجر للتراث‪ ،‬القاهرة‪1191 ،1 ،‬هـ‪9991 ،‬م‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬مم روائع حضارتنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪168‬‬
‫بيد أن هذا التخوف‪ ،‬كما يرى بعض املفكرين‪ ،‬غير متصور في مجتمع إسالمي‪ ،‬إذا ت ِرك‬
‫ً‬
‫الخيار له‪ ،‬ألنه سيختار الحكم باإلسالم حتما(‪ ،)1‬فهذه املخاوف‪ ،‬وكما يقول الشيخ الغزالي‪،‬‬
‫سوف تنتفي مع أي دستور ينص على أن إلاسالم دين الدولة‪ ،‬إذ يستحيل معه الخروج على‬
‫ش يء من كتاب هللا تعالى وسنة رسوله(‪.)9‬‬
‫ونحن مع كل ما سبق‪ ،‬نفضل التمسك بمصطلح (الشورى) الذي له دالالته الحضارية‬
‫والثقافية الخاصة بنا‪ ،‬ون ْؤثر التمسك بمفهوم الشورى الذي فرضه إلاسالم وطبقه النبي ‪‬‬
‫وخلفاؤه الراشدون رض ي هللا عنهم‪ ،‬ولكن‪ ،‬دون أن يحول ذلك من إلافادة من آلاليات‬
‫الحديثة للديمقراطية ونظم الحكم وإلادارة‪ ،‬مثل‪ :‬طرق تنظيم الانتخابات‪ ،‬وطرق تشكيل‬
‫املجالس النيابية والبلدية‪ ،‬وطرق اختيار رئيس الدولة‪ .‬ذلك أن هذه آلاليات ليست إال وسائل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محايدة‪ ،‬وليست مذهبا وال اعتقادا‪ ،‬حتى توصف بالكفر أو إلايمان(‪.)1‬‬
‫‪ )5‬ضمان الحقوق والحريات العامة‬
‫كفل إلاسالم لكل مواطن في الدولة إلاسالمية الحقوق والحريات العامة‪ ،‬وقرر حرمة كل‬
‫الحاكم أو غيره من الاعتداء عليها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مواطن واحترام نفسه وماله وخصوصياته‪َ ،‬و َم َن َع‬
‫ونقتصر هنا على الحديث في الحقوق السياسية‪ ،‬حيث كفل إلاسالم هذه الحقوق العامة‬
‫لكل مواطن في الدولة‪ ،‬كحقه في إبداء آرائه السياسية‪ ،‬ونقد السلطة الحاكمة‪ ،‬واملعارضة‬
‫السياسية السلمية‪ ،‬وتكوين أحزاب سياسية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد علم النبي ‪ ‬صحابته أن يمارسوا هذه الحقوق والحريات السياسية حتى معه‬
‫اب بن املنذر يبدي رأيه في املنزل الذي نزل فيه النبي ‪ ‬في غزوة بدر‬ ‫نفسه ‪ ،‬فهذا الح َب َ‬
‫َ َََ ّ‬ ‫ً ً َ َ ُ َل ّ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َل َ َ ْ ً َ ْ َ َ َ ُ ّ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫س لنا أن نتق ّد َم ُه َوال نتأخ َر‬ ‫قائالّ‪( :‬يا رسو الل ِه أرأيت هذا املن ِز أمن ِزال أنزلكه الله لي‬
‫َ‬
‫ال‪ :‬يا َر ُسو َل‬ ‫الرْأ ُ َو ْال َح ْر ُ وامل ِكيدة؟ فق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال‪َ :‬ب ْل ُه َو ّ‬ ‫يد ُة؟ َق َ‬ ‫الرْأ ُ َو ْال َح ْر ُ َوا ْملَك َ‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫َع ْن ُه‪َ ،‬أ ْم ُه َ‬
‫ِ‬
‫الناس َح ّتى َن ْأت َي َأ ْد َ ى َم ٍاء م ْم ْال َق ْوم‪َ ،‬ف َن ْنزَل ُه ُث ّم ُ َغ ّو ُر ماَ‬ ‫ّ َ ّ َ َ َْ َ َْ ل َ َْ ْ ّ‬
‫الل ِه ف ِإن هذا ليس ِبمن ِز ِ ‪ ،‬فانهض ِب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬ومـن هنـا نجـد أنـه ال معنـى للنقـاش الـذي يـدور فـي كتابـات إلاسـالميين املعاصـرين عـن الدولـة إلاسـالمية‪ ،‬حـول مبــدأ‬
‫الســيادة فــي الدولــة إلاســالمية هــل هــو هلل أم لألمــة‪ ،‬أنظــر فــي هــذه آلاراء علــى ســبيل املثــال‪ :‬أمــين‪ :‬د‪.‬أحمــد محمــد‪،‬‬
‫الدولة إلاسالمية واملبادئ الدستورية الحديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 - 99‬‬
‫(‪ )9‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬الغزو الثقافي يمتد في فراغنا‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1114 ،1 ،‬هـ‪1004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )1‬يشتد بعض الناس في إلانكار على من ينادي بالديمقراطية‪ ،‬ويعدونها نظام كفر‪ ،‬حيـث يـرون أنهـا تسـند الحكـم إلـى‬
‫الشــعب ولــيس إلــى هللا تعــالى‪ ،‬أنظــر علــى ســبيل املثــال‪ :‬الخيــاط‪ :‬د‪ .‬عبــد العزيــز‪ ،‬النظــام السياسـ ي فــي إلاســالم‪ ،‬دار‬
‫السالم‪ ،‬القاهرة‪ 1199 ،1 ،‬هـ‪1000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.01 - 09‬‬
‫‪169‬‬
‫َ ْ َ‬ ‫َْ ََ ْ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ َر َ ُ ْ ْ ُ ُ ُ ّ َ ْ َ َ ْ َ ْ ً َ َ َ ُ‬
‫ضا فن ْملؤ ُه َم ًاء‪ ،‬ث ّم نقا ِت ُل الق ْو َم فنش َر ُ َوال َيش َرُبون‪،‬‬ ‫و اءه ِمم القل ِب‪ ،‬ثم نب ِ ي علي ِه حو‬
‫َ‬
‫اس‪ ،‬ف َس َار‬
‫ََ ْ َ َُ ْ ّ‬
‫الن‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬‫و‬ ‫‪‬‬ ‫ه‬‫ِ‬
‫ّ‬
‫الل‬ ‫ل‬‫ض َر ُسو ُ‬ ‫َ‬
‫الرأ ‪ ،‬ف َن َه َ‬ ‫ْ‬ ‫الل ِه ‪َ :‬ل َق ْد َأ َش ْر َت ب ّ‬
‫ََ َ َ ُ ُ ّ‬
‫فقال رسول‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ َّ ْ َََ َ ْ ً َ‬ ‫َ‬ ‫ُُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ضا َعلى‬ ‫َح ّتى دذا أتى أ ْد ى َم ٍاء ِم ْم الق ْو ِم ن َز َل َعل ْي ِه‪ ،‬ث ّم أ َم َر ِبالقل ِب فغورت‪ ،‬وب ى حو‬
‫ْ َ‬ ‫ُ ََ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َْ‬
‫يب ال ِذ ن َز َل َعل ْي ِه ف ُم ِل َئ َم ًاء ث ّم قذفوا ِف ِيه آلا ِن َية)(‪.)1‬‬ ‫الق ِل ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وكان الخوارج قد ك َّونوا طائفة من املسلمين لهم آراؤهم الخاصة في ألامور السياسية‪،‬‬
‫كرم هللا وجهه‪ ،‬وهو رئيس الدولة إلاسالمية حينها‪ ،‬إال أنه َج َّس َد لنا‬ ‫ومع أنهم طعنوا في علي ّ‬
‫قواعد إلاسالم في السماح بتكوين أحزاب سياسية‪ ،‬وفي حق املعارضة السلمية في أن تعبر عن‬
‫آرائها(‪ ، )9‬حين قال‪( :‬لهم علينا ثالث‪ :‬أن ال نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا‪ ،‬وأن ال نمنعهم‬
‫مساجد هللا أن يذكروا فيها اسمه‪ ،‬وأن ال نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا)‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قال‪( :‬على أن ال تسفكوا دما حراما‪ ،‬وال تقطعوا سبيال‪ ،‬وال تظلموا ذميا)‪ ،‬ثم لم يقاتلهم حتى‬
‫خرقوا هذه الشرو (‪.)1‬‬
‫حقوق غير املسلمين في املجتمع إلاسالمي‬
‫إن كفالة إلاسالم لحقوق إلانسان الخاصة والعامة ال تقتصر على املسلمين فقط‪ ،‬بل‬
‫ً‬
‫تشمل أيضا غير املسلمين داخل املجتمع إلاسالمي‪ ،‬فقد قرر إلاسالم حرمة نفس كل مواطن‬
‫ً‬
‫وماله واحترام خصوصياته‪ ،‬وحقه في التزام دينه وممارسه شعائره حتى لو لم يكن مسلما‪ ،‬في‬
‫احتر ٍام للتعددية الدينية على قاعدة لكم دينكم ولي دين‪ .‬فغير املسلمين في املجتمع إلاسالمي‬
‫لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم‪ ،‬فيما يتعلق بااللتزامات والحقوق املدنية‪.‬‬
‫وقد كان مجتمع املدينة املنورة النموذج ألامثل للعدل والاشتراك في حقوق املواطنة‬
‫وواجباتها‪ ،‬بقطع النظر عن املعتقدات الخاصة للمواطنين‪ ،‬وكانت الصحيفة التي وضعها النبي‬
‫‪ ‬أول دستور بشري يؤسس ملفهوم املواطنة على أساس من العدل وألاخوة‪ ،‬فوق كل اعتبار‬

‫(‪ )1‬ابم هشام‪ :‬عبد امللك بن هشام‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪.969 - 950/9 ،‬‬
‫(‪ )9‬يثــور جــدل بــين الكتــاب إلاســالميين فــي قضــايا الدولــة إلاســالمية حــول مــدى مشــروعية وجــود أح ـزاب سياســية فــي‬
‫الدولة إلاسالمية‪ ،‬ويختلفون على رأيين بين مجيز ومانع‪ ،‬ونحن نرى أن وجود تعددية حزبية هو من ضرورات إقامة‬
‫حكــم عــادل وشــوري بعيــد عــن كــل صــور الدكتاتوريــة‪ ،‬وإلاســالم قــد أجــاز التعدديــة فــي التشــريع مــن خــالل املــذاهب‬
‫الفقهيــة‪ ،‬أفــال يجيــز التعدديــة السياســية؟! أنظــر حــول الـرأيين املــذكورين ومناقشــة ذلــك فــي‪ :‬أمــين‪ :‬د‪.‬أحمــد محمــد‪،‬‬
‫ً‬
‫الدول ـ ــة إلاسـ ــالمية واملبـ ــادئ الدس ـ ــتورية الحديثـ ــة‪ ،‬مرجـ ــع س ـ ــابق‪ ،‬ص ‪ ،141 - 165‬وأنظـ ــر أيض ـ ــا‪ :‬القرض ـ ــاو ‪:‬‬
‫د‪.‬يوسف‪ ،‬مم فقه الدولة في إلاسالم‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪9991 ،1 ،‬م‪ ،‬ص ‪.169 - 117‬‬
‫(‪ )1‬الهند ‪ ،‬علي بن حسام الدين‪ ،‬كنز العمال في سنن ألاقوال وألافعال‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1040 ،‬م‪ ،‬كتاب‬
‫الفتن من قسم ألافعال‪ ،‬تتمة فتن الخوارج‪ ،‬حديث رقم‪ ،11506 :‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.117‬‬
‫‪171‬‬
‫ً‬
‫عرقي أو طبقي أو ديني‪ ،‬وفق هدي القرآن الكريم الذي خاطب البشر جميعا وكرمهم‪ ،‬وقرر‬
‫وحدة أصلهم وربهم(‪.)1‬‬
‫وفيما يخص الجزية املفروضة على غير املسلمين‪ :‬فإن هذه الجزية إنما كانت بمثابة بدل‬
‫مالي عن حماية الدولة إلاسالمية ملواطنيها غير املسلمين‪ ،‬ألن إلاسالم لم يكن يلزمهم واجب‬
‫الدفاع عن دار إلاسالم‪ ،‬حتى قال بعض الفقهاء‪ :‬إنهم إن اختاروا املساهمة في الدفاع عن‬
‫البلد باختيارهم‪ ،‬تسقط الجزية عنهم(‪.)9‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫على أن املسلمين باملقابل يدفعون التزاما ماليا إجباريا هو الزكاة‪ ،‬ولكن ملا كانت الزكاة‬
‫غير املسلمين منها‪ ،‬وأوجب‬‫ذات داللة دينية تعبدية تخص املسلمين‪ ،‬فقد أعفى إلاسالم َ‬
‫ً‬
‫فضال ّ‬ ‫ً‬
‫ماليا تجاه الدولة ّ‬ ‫ً‬
‫عما في ذلك‬ ‫سماه الجزية‪ ،‬مراعاة ملشاعرهم الدينية‪،‬‬ ‫عليهم التزاما‬
‫تخفيف عليهم‪ ،‬حيث إن مقدار الزكاة يفوق مقدار الجزية(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫أفـك ــر‪ :‬لم تكن الجزية تؤخذ من النساء‪ ،‬والشيوت املتقدمين في‬
‫السن‪ ،‬وذوي الاحتياجات الخاصة‪ ،‬والصغار‪ ،‬واملجانين‪ ،‬والرهبان‪،‬‬
‫ً‬
‫والفقير غير القادر ماليا على دفعها(‪ ،)1‬ماذا يمكن أن أستنتج من‬
‫ذلك؟!‬

‫(‪ )1‬الغنوشـ ي‪ :‬د‪.‬راشــد‪ ،‬حقــوق املواطنــة‪ ،‬حقــوق غيــر املســلم فــي املجتمــع إلاســالمي‪ ،‬املعهــد العــالمي للفكــر إلاســالمي‪،‬‬
‫فيرجينيا‪ ،‬الواليات املتحدة ألامريكية‪1111 ،9 ،‬هـ‪10001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.10 - 14‬‬
‫(‪ )9‬زيــدان‪ :‬د‪ .‬عبــد الكــريم‪ ،‬أحكــام الــذميين واملســتأمنين فــي دار إلاســالم‪ ،‬مؤسســة الرســالة‪ ،‬بيــروت‪1044 ،9 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪ ،191‬ويــرى بعــض املفكـرين املعاصـرين أن الجزيــة بهــذه الصــفة لــم تعــد واردة‪ ،‬علــى اعتبــار أن العلــة ألاساســية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التـي بنيــت عليهــا لــم تعــد موجــودة‪ ،‬باشـتراك الجميــع فــي الــدفاع واملنعــة‪ ،‬انطالقــا مـن الــدفاع عــن العقيــدة جهــادا فــي‬
‫س ــبيل هللا تع ــالى‪ ،‬أو ال ــدفاع ع ــن ال ــوطن ال ــذي ب ــات ينتم ــي إلي ــه الجمي ــع‪ ،‬أنظ ــر‪ :‬هوي ــد ‪ :‬د‪ .‬فهم ــي‪ ،‬مواطن ــون ال‬
‫ذميون‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1199 ،1 ،‬هـ‪1000 ،‬م‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )1‬ويميل بعض الفقهاء املعاصرين إلى املساواة بين املسلم وغيـر املسـلم‪ ،‬وذلـك بتوحيـد الالتـزامين (الزكـاة والجزيـة) فـي‬
‫القدر والشرو ‪ ،‬وهو ما فعله عمر ‪ ‬مع نصارى بني تغلب فـي الشـام‪ ،‬بنـاء علـى طلـب مـنهم‪ ،‬أنظـر‪ :‬القرضـاو ‪ :‬د‪.‬‬
‫يوسف‪ ،‬فقه الزكاة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1111 ،91 ،‬هـ‪1001 ،‬م‪.199 - 116/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬دبـم قدامــة‪ :‬عبـد هللا بــن أحمـد‪ ،‬املغ ــي علـى مختصــر الخر ــي‪ ،‬ضـبطه وصــححه‪ :‬عبـد الســالم محمـد علــي شــاهين‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1111 ،1 ،‬هـ‪1001 ،‬م‪.151 - 110/4 ،‬‬
‫‪171‬‬
‫أقرأ وأستمتع‬

‫صور مم تسامح املسلمين مع غير املسلمين في املجتمع إلاسالمي‬

‫يذكر د‪ .‬السباعي بعض صور هذا التسامح منقطع النظير‪ ،‬فيقول‪:‬‬


‫(ملا هاجر رسول هللا ‪ ‬إلى املدينة وفيها من اليهود عدد كبير‪ ،‬كان من أول ما عمله من‬
‫ً‬
‫شؤون الدولة‪ ،‬أن أقام بينه وبينهم ميثاقا تحترم فيه عقائدهم‪ ،‬وتلتزم الدولة بدفع ألاذى‪،‬‬
‫ً‬
‫ويكونون مع املسلمين يدا واحدة على من يقصد املدينة بسوء‪ ،‬فطبق بذلك رسول هللا ‪‬‬
‫مبادئ التسامح الديني في البذور ألاولى للحضارة إلاسالمية‪.‬‬
‫وكان للرسول جيران من أهل الكتاب‪ ،‬فكان يتعاهدهم ببره ويهديهم الهدايا ويتقبل منهم‬
‫هداياهم‪ ...،‬وملا جاء وفد نصارى الحبشة أنزلهم رسول هللا ‪ ‬في املسجد وقام بنفسه على‬
‫ضيافتهم وخدمتهم‪ ...،‬وجاءه مرة وفد نصارى نجران‪ ،‬فأنزلهم في املسجد‪ ،‬وسمح لهم بإقامة‬
‫صالتهم فيه‪ ،‬فكانوا يصلون في جانب منه‪ ،‬ورسول هللا واملسلمون يصلون في جانب آخر‪ ،‬وملا‬
‫أرادوا أن يناقشوا الرسول في الدفاع عن دينهم‪ ،‬استمع إليهم وجادلهم‪ ،‬كل ذلك برفق وأدب‬
‫وسماحة خلق‪ ...،‬وعلى هدي الرسول الكريم في تسامحه الديني ذي النزعة إلانسانية الرفيعة‪،‬‬
‫ً‬
‫سار خلفاؤه من بعده‪ ،‬فإذا بنا نجد عمر بن الخطاب حين يدخل بيت املقدس فاتحا‪... ،‬‬
‫وتحين صالة العصر وهو في داخل كنيسة القدس الكبرى‪ ،‬فيأبى أن يصلي فيها كي ال يتخذها‬
‫ً‬
‫املسلمون من بعده ذريعة للمطالبة بها واتخاذها مسجدا‪ ،‬ونجده وقد شكت إليه امرأة‬
‫ً‬
‫مسيحية من سكان مصر أن عمرو بن العاص قد أدخل دارها في املسجد كرها عنها‪ ،‬فيسأل‬
‫ً‬
‫َعمرا عن ذلك‪ ،‬فيخبره أن املسلمين كثروا وأصبح املسجد يضيق بهم‪ ،‬وفي جواره دار هذه‬
‫ً‬
‫املرأة‪ ،‬وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترض‪ ،‬مما اضطر َعمرا إلى هدم‬
‫دارها وإدخالها في املسجد‪ ،‬ووضع قيمة الدار في بيت املال تأخذه متى شاءت‪ ،‬ومع أن هذا مما‬
‫ً‬
‫تبيحه قوانينا الحاضرة‪ ،...،‬فإن عمر لم يرض ذلك‪ ،‬وأمر َعمرا أن َيهدم البناء الجديد من‬
‫املسجد‪ ،‬ويعيد إلى املرأة املسيحية دارها كما كانت‪.‬‬
‫هذه هي الروح املتسامحة التي سادت املجتمع الذي أظلته حضارتنا بمبادئها‪ ،‬فإذا بنا‬
‫ً‬
‫نشهد من ضروب التسامح الديني‪ ،‬ما ال نجد له مثيال في تاريخ العصور‪ ،‬حتى في العصر‬
‫الحديث‪ ،‬فمن مظاهر التسامح الديني أن كانت املساجد تجاور الكنائس في ظل حضارتنا‬
‫الخالدة‪ ،‬وكان رجال الدين في الكنائس يعطون السلطة التامة على رعاياهم في كل شؤونهم‬

‫‪172‬‬
‫الدينية والكنسية‪ ،...‬ومن مظاهر التسامح الديني أن كانت الوظائف تعطى للمستحق الكفء‪،‬‬
‫بقطع النظر عن عقيدته ومذهبه‪ ،‬وبذلك كان ألاطباء املسيحيون في العهدين ألاموي والعباس ي‬
‫محل الرعاية لدى الخلفاء‪ ... ،‬كان ابن أثال الطبيب النصراني طبيب معاوية الخاص‪ ،‬وكان‬
‫سرجون كاتبه‪ ،‬وقد عين مروان أثناسيوس مع آخر اسمه إسحق في بعض مناصب الحكومة‬
‫في مصر‪ ...،‬وكذلك كانت الحظوة للشعراء وألادباء لدى الخلفاء وألامراء‪ ،‬بقطع النظر عن‬
‫أديانهم ومذاهبهم‪ ،‬وكلنا يعلم مكانة ألاخطل في العهد ألاموي‪ ،...،‬ويقول "ليفي بروتستال"‪ ،‬في‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كتابه إسبانيا إلاسالمية في القرن العاشر‪" :‬إن كاتب الذمم كثيرا ما كان نصرانيا أو يهوديا‪،‬‬
‫والوظائف مما يتقلده النصارى واليهود‪ ،‬وقد كانوا يتصرفون للدولة في ألاعمال إلادارية‬
‫والحربية‪ ،‬ومن اليهود من كانوا ينوبون عن الخليفة بالسفارات إلى دول أوروبا الغربية"‪ .‬ألست‬
‫ترى معي أن قول جوستاف لوبون‪" :‬إن ألامم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العرب‪ ،‬وال دينا سمحا مثل دينهم"‪ ،‬هو إنصاف للحق قبل أن يكون إنصافا للمسلمين؟!)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬مم روائع حضارتنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 65‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫النظام السياسـي في إلاسـالم‬

‫العالقات السياسية الخارجية‬


‫َ‬
‫عبادة العباد إلى عبادة‬
‫ِ‬ ‫خر َج َمن ش َاء من‬‫(هللا ابتعثنا‪ ،‬وهللا جاء بنا‪ ،‬لن ِ‬
‫هللا‪ ،‬ومن ضيق ّ‬
‫الدنيا إلى َس َع ِت َها‪ ،‬ومن َج ْو ِر ألاديان إلى عدل إلاسالم)‪.‬‬
‫ً‬
‫ِ ِ‬
‫الصحابي الجليل ربعي بن عامر مخاطبا رستم القائد العسكري لجيوش الفرس‬

‫إذا كان إلاسالم قد نظم مبادئ الدولة إلاسالمية‪ ،‬وعالقة الحاكم باملحكومين داخلها‪،‬‬
‫فإنه لم يغفل تنظيم عالقة الدولة إلاسالمية بغيرها من الدول‪.‬‬

‫أساس عالقة الدولة إلاسـالمية بالدول ألاخـرى‬


‫أرس ى إلاسالم هذه العالقة على ألاخوة إلانسانية واملساواة البشرية‪ ،‬فاإلسالم ينظر إلى‬
‫البشر كل البشر ـ على اختالف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وبيئاتهم وقومياتهم وأديانهم ـ على‬
‫أنهم إخوة في إلانسانية مكرمون‪ ،‬ربهم واحد‪ ،‬وأصلهم واحد‪ ،‬وخلقوا من نفس واحدة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬ ﱭﱮﱯﱢ(الحجرات‪.)11 :‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن إلاسالم يدعو إلى أن تسود بين البشر عالقة ألاخوة والعيش املشترك‬
‫بسعادة وأمن وسالم‪ ،‬كما يدعو إلى السلم العالمي على أساس من العدل واملساواة والاحترام‬
‫ً‬
‫املتبادل وحفظ الحقوق إلانسانية والتعارف والتعاون على كل ما فيه خير للبشرية‪ ،‬بعيدا‬
‫عن الصراعات والنزاعات والحروب والظلم والعدوان والعنصرية والتسلط والتعالي‪.‬‬

‫أهم قواعد عالقة الدولة إلاسالمية بغيرها مم الدول‪:‬‬

‫‪ )2‬ألاصل السلم وليس الحر‬


‫إن إرساء إلاسالم لألخوة إلانسانية‪ ،‬يقتض ي مما يقتضيه‪ ،‬أن ألاصل في عالقة املسلمين‬
‫بغيرهم هو السلم وليس الحرب(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الزحيلي‪ :‬د‪ .‬وهبة‪ ،‬آثار الحر في إلاسالم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪1004 ،1 ،‬م‪ ،‬ص ‪.114 - 119‬‬
‫‪174‬‬
‫إن لجوء املسلمين إلى القتال ال يكون بمبادرة منهم‪ ،‬وإنما يكون ذلك منهم لرد العدوان‬
‫والبغي والظلم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱩ ﱪﱫ ﱬﱭﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ‬

‫ﱹﱻﱼﱽﱾ ﱢ(املمتحنة‪.)4 :‬‬


‫ﱺ‬ ‫ﱸ‬

‫‪ )0‬أهمية العالقات الدبلوماسية‬


‫شرع إلاسالم إقامة عالقات دبلوماسية بين الدولة إلاسالمية والدول ألاخرى‪ ،‬وأقر تبادل‬
‫السفراء واملمثلين ال دبلوماسيين‪ ،‬ملا في ذلك من منافع وتعاون على ما فيه خير البشرية‪ ،‬وفي‬
‫ً‬
‫ذلك أيضا فرصة الدعوة إلى إلاسالم وإظهار صورته الصحيحة لآلخرين‪.‬‬
‫بعث‬‫الرسل إلى امللوك والزعماء‪ ،‬وكان كل رسول يتكلم بلسان من ي َ‬
‫َ‬ ‫وقد بعث النبي ‪‬‬
‫إليهم‪ ،‬كما استقبل ر َ‬
‫سل الدول والقبائل ألاخرى وأكرم وفادتهم(‪.)1‬‬

‫‪ )3‬دقرار الحصانة الدبلوماسية‬


‫واملقصود بذلك‪ :‬عدم التعرض لذات املبعوث الدبلوماس ي وعدم القبض عليه‪ ،‬حتى لو‬
‫أخل ببعض قوانين الدولة املضيفة‪ ،‬وإنما تخطر دولته بذلك ويطلب منها استدعاؤه(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫وقد أقر إلاسالم هذا املبدأ‪ ،‬وأرساه النبي ‪ ‬في سيرته‪ :‬فقد جهز النبي ‪ ‬جيشا بقيادة‬
‫أسامة بن زيد ‪ ‬لينتقم ملقتل رسوله إلى الحارث الغساني‪ ،‬وعن عبد هللا بن مسعود ‪‬‬
‫َّ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ْ ُ َّ‬
‫ال ل ُه َما أتش َه َد ِان أ ِ ي‬ ‫اح ِة َو ْاب ُم أث ٍال َر ُسوال ُم َس ْي ِل َمة ِدلى الن ِب ّ ِي ‪ ‬فق‬ ‫الن َّو َ‬ ‫قال‪( :‬جاء ابم‬
‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ال الن ِب ُّي ‪َ : ‬آمنت ِبالل ِه َو ُر ُس ِل ِه لو‬ ‫َر ُسو ُل الل ِه؟ قاال‪ :‬ش َه ُد أ َّن ُم َس ْي ِل َمة َر ُسو ُل الل ِه‪ ،‬فق‬
‫َ َُْ‬
‫الر ُس َل ال تقت ُل)(‪ ،)1‬وقد اتفق‬ ‫الس َّن ُة َأ َّن ُّ‬
‫ض ْت ُّ‬ ‫ُ ْ ُ َ ً َ ُ ً َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ‬
‫كنت قا ِتال رسوال لقتلتكما‪ ،‬قال عبد الل ِه‪ :‬فم‬
‫الفقهاء على مبدأ تأمين الرسل والسفراء(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬كتــاب الشــرو ‪ ،‬بــاب مــا يجــوز مــن الشــرو فــي إلاســالم وألاحكــام واملبايعــة‪ ،‬حــديث رقــم‪،9561 :‬‬
‫ج‪ ،9‬ص‪ ،067‬ورواه مســلم‪ ،‬كت ــاب الجه ــاد والســير‪ ،‬ب ــاب ص ــلح الحديبي ــة فــي الحديبي ــة‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1741 :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ ،1111‬وأنظر‪ :‬باعمر‪ :‬أحمد سالم محمد‪ ،‬الدبلوماسـية بـين الفقـه إلاسـالمي والقـانون الـدولي‪ ،‬دار النفـائس‪،‬‬
‫عمان‪1191 ،1 ،‬هـ‪9991 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 60‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )9‬الزحيلي‪ :‬د‪ .‬وهبة‪ ،‬آثار الحر في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمـد‪ ،‬مســند ابــن مســعود‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،.،7161 :‬قــال الهيثمـي‪ :‬إســناده حســن‪ ،‬أنظــر‪ :‬الهيثمــي‪ :‬علــي بــن أبــي‬
‫بكر‪ ،‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب النهي عن قتل الرسل‪.111/5 ،‬‬
‫(‪ )1‬ب ــاعمر‪ :‬أحم ــد س ــالم محم ــد‪ ،‬الدبلوماس ــية ب ــين الفق ــه إلاس ــالمي والق ــانون ال ــدولي‪ ،‬مرج ــع س ــابق‪ ،‬ص ‪ 197‬وم ــا‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫ّ‬
‫أتـعــلــم‪ :‬غير املسلم إذا دخل إلى بالد املسلمين بتأشيرة دخول رسمية‪،‬‬
‫بهدف السياحة أو التجارة أو التعليم أو غير ذلك‪ ،‬فإنه يأخذ حكم‬
‫املستأمن‪ ،‬الوارد في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬

‫ﲿﳁﳂﳃﳄ‬
‫ﳀ‬ ‫ﲸﲹﲺ ﲻﲼﲽﲾ‬

‫ﳅﱢ (التوبة‪ ،)6 :‬فال يجوز التعرض له‪ ،‬ما لم يخرق قوانين الدولة‬
‫التي دخلها(‪.)1‬‬
‫‪ )4‬دقرار املعاهدات ووجو احترامها‬
‫شرع إلاسالم إبرام الاتفاقيات واملعاهدات بين الدولة إلاسالمية وغيرها‪ ،‬وأوجب على‬
‫املسلمين احترامها‪ ،‬ما دامت معاهدات تهدف إلى إحالل السلم الدولي وحفظ الحقوق‬
‫إلانسانية والتعاون على كل خير‪.‬‬
‫فاإلسالم يؤيد أية معاهدة تهدف إلى إحالل السلم على أساس من العدل‪ ،‬أو تهدف إلى‬
‫التعاون على رد اعتداء املعتدين‪ ،‬مثل معاهدات حسن الجوار‪ ،‬ومعاهدات عدم الاعتداء‪.‬‬
‫‪ .)61‬فقد عقد النبي ‪‬‬ ‫ﱣﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﱢ (ألانفال‪:‬‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫املعاهدات وألاحالف‪ ،‬وأشهرها صلح الحديبية مع قريش عام ‪ 6‬هـ‪ ،‬ودخلت قبيلة خزاعة في‬
‫حلفه كما دخلت بنو بكر في حلف قريش‪.‬‬
‫وإلاسالم يؤيد أية معاهدة تهدف إلى إحقاق الحق ونصرة املظلومين وحفظ الحقوق‬
‫والحريات لكل الناس‪ ،‬مثل معاهدات تسليم املجرمين‪ ،‬وقد شارك النبي ‪ ‬مع أعمامه في‬
‫ً‬
‫حلف الفضول قبل بعثته‪ ،‬وكان حلفا يهدف إلى نصرة املظلوم‪ ،‬وإرجاع الحقوق إلى أصحابها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ًَ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫دعان ِحلفا‪َ ،‬ما أ ِح ُّب أ َّن ِلى ِب ِه ُح ُم َر‬‫هللا ِبم ج‬
‫بد ِ‬
‫َ َ‬
‫وقال بخصوصه‪( :‬لقد ش ِهدت ِفي د ِار ع ِ‬
‫َ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الن َع ِم‪َ ،‬ولو ُد ِع َي ِب ِه ِفي ِإلاسال ِم أل َجبت)(‪ ،)9‬وكتب عمر ‪ ‬ألهل القدس العهدة العمرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬شومان‪ :‬عباس‪ ،‬العالقات الدولية في الشريعة إلاسالمية‪ ،‬الدار الثقافية‪ ،‬القاهرة‪1000 ،1 ،‬م‪ ،‬ص‪.41-49‬‬
‫(‪ )9‬رواه البيهقي‪ ،‬حديث رقم‪ ،19450 :‬ج‪ ،6‬ص ‪ ،167‬ورواه ابم حبان‪ :‬محمد بن حبان‪ ،‬صحيح ابـم حبـان بترتيـب‬
‫ابـ ــم بلبـ ــان‪ ،‬تحقي ـ ــق‪ :‬شـ ــعيب ألارن ـ ــؤو ‪ ،‬مؤسسـ ــة الرسـ ــالة‪ ،‬بيـ ــروت‪1001 ،9 ،‬م‪ ،‬ح ـ ــديث رقـ ــم‪ ،1171 :‬ج‪،19‬‬
‫ً‬
‫ص‪ ،916‬وسيش ــار إلي ــه فيم ــا بع ــد اختص ــارا هكـ ــذا‪ :‬ورواه اب ــن حب ــان‪ ،‬قـ ــال ش ــعيب ألارن ــؤو ‪ :‬حديث ــه يق ــر م ــم‬
‫الحسم‪ ،‬ورواه البزار‪ :‬أحمد بن عمرو‪ ،‬مسند البزار‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محفوظ الرحمن زين هللا‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪،‬‬
‫بيروت‪ 1190 ،1 ،‬هـ‪ ،‬باب ما روى حميد بن عبد الرحمن عن أبيه‪ ،‬حديث رقم‪ ،1991 :‬ج‪ ،1‬ص‪.915‬‬
‫‪176‬‬
‫كما يؤيد إلاسالم أية معاهدة تهدف إلى تحقيق الخير للبشرية‪ ،‬مثل معاهدات حماية‬
‫البيئة‪ ،‬ومعاهدات التعاون العلمي‪ ،‬ومعاهدات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من أوجه التعاون على كل خير(‪.)1‬‬
‫لكن إلاسالم يرفض وال شك‪ ،‬بعض ألاحالف الدولية للقوى املستكبرة‪ ،‬والتي تهدف إلى‬
‫العدوان على املستضعفين‪ ،‬ولو كانت ألاحالف تحت عناوين إنسانية خادعة‪.‬‬

‫الـجـهــاد فـي س يــل هللا تعالى‬

‫يأتي الجهاد في إلاسالم على معنيين‪ ،‬معنى عام ومعنى خاص‪:‬‬


‫أما املعنى العام‪ ،‬فهو‪ :‬بذل إلانسان أقص ى جهده ووسعه في أوجه الخير كنصرة الحق‪،‬‬
‫وإشاعة الخير‪ ،‬ومطاردة الشر‪ ،‬والسعي في طلب الرزق‪ ،‬والتعلم‪ ،‬والعبادة‪ ،‬وتزكية النفس‪،‬‬
‫ومغالبة ألاعداء‪ ،‬ومدافعة الشيطان‪ ،‬وتغيير املنكر‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲅ ﲆ ﲇ‬

‫ﲈﲉﲊ ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ ﲒﲓﲔ ﲕ‬

‫ﲖﲗﱢ(الحج‪ 77 :‬ـ ‪.)74‬‬

‫وأما الجهاد بمعناه الخاص‪ ،‬فهو القتال في سبيل هللا‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱡ ﱢ‬
‫ﱰﱲﱳ ﱴﱵ‬
‫ﱱ‬ ‫ﱦﱨﱩ ﱪﱫﱬ ﱭﱮﱯ‬
‫ﱣﱤﱥ ﱧ‬
‫ﱶﱢ(النساء‪.)9()76 :‬‬
‫أفكر‪ :‬بأي املعنيين ورد الجهاد في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﲃﲅﲆ ﲇ‬
‫ﲄ‬ ‫ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ‬

‫ﱢ (التوبة‪ .)11 :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ‬

‫ﲘﲙﱢ (العنكبوت‪.)60 :‬‬

‫(‪ )1‬أنظ ــر‪ :‬ه ــالل‪ :‬إي ــاد‪ ،‬املعاه ــدات الدولي ــة ف ــي الشـ ـريعة إلاس ــالمية‪ ،‬دار النهض ــة إلاس ــالمية‪ ،‬بي ــروت‪1009 ،1 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪ 111‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )9‬القرضـ ــاو ‪ :‬د‪ .‬يوسـ ــف‪ ،‬خطابنـ ــا إلاسـ ــالمي فـ ــي عصـ ــر العوملـ ــة‪ ،‬دار الشـ ــروق‪ ،‬القـ ــاهرة‪1191 ،1 ،‬هـ ــ‪9991 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪ ،161 - 161‬وانظــر‪ :‬أبــو فــارس‪ :‬د‪ .‬محمــد عبــد القــادر‪ ،‬الجهــاد فــي الكتــا والســنة‪ ،‬دار الفرقــان‪ ،‬عمــان‪،1 ،‬‬
‫‪1114‬هـ‪1004 ،‬م‪.15 - 11 ،‬‬
‫‪177‬‬
‫وسنقصر الحديث هنا على تناول الجهاد بمعناه الخاص‪ ،‬أي القتال في سبيل هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫أهمية الجهاد في س يل هللا تعالى وفضله‬

‫الجهاد في سبيل هللا تعالى ذروة سنام إلاسالم‪ ،‬والسبيل لنيل العزة والكرامة وصد‬
‫عد وان املعتدين‪ ،‬وهو من أحب ألاعمال وأقربها إلى هللا تعالى‪ ،‬ألن املؤمن فيه يضحي في سبيل‬
‫هللا تعالى بأغلى ما يملك‪ ،‬بالنفس والولد واملال‪.‬‬
‫وقد تضافرت النصوص الشرعية الكريمة التي تحث عليه وتدل على عظم ثوابه‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ﱣﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﱢ (الصف‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪:‬‬
‫ﲋ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐﲑ ﲒﲓ ﲔ‬
‫ﲌ‬ ‫‪ ،)1‬وقوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲄﲅﲆﲇﲈ ﲉﲊ‬

‫ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬

‫ﲥﲦ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﱢ (آل عمران‪:‬‬

‫‪ 160‬ـ ‪ ،)171‬وقوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲶﲸﲹﲺﲻ ﲼﲽﲾﲿ‬
‫ﲱﲳﲴﲵ ﲷ‬
‫ﲭ ﲮﲯﲰ ﲲ‬

‫ﳊﳌﳍﳎﳏ‬
‫ﳀﳁﳂﳃﳄ ﳅﳆﳇﳈﳉ ﳋ‬
‫ﱁ ﱂﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ﱓﱔﱢ(التوبة‪.)99 - 10 :‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َّ‬
‫الل ُه ل ْل ُم َجاهد َ‬
‫يم ِفي َس ِ ِيل الل ِه َما َب ْين‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويقول النبي ‪ِ ( : ‬د َّن ِفي الجن ِة ِمائة درج ٍة أعدها‬
‫ُ ْ َّ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ َّ َ َ ْ َ ُ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َّ َ‬
‫س ف ِإن ُه أ ْو َس ال َجن ِة‬ ‫ض ف ِإذا سألتم الله فاسألوه ال ِفردو‬ ‫َالدرجتي ِن كماُ بين السم ِاء وألار ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َوأ ْع َلى ْال َج َّن ِة أ َر ُاه َف ْو َق ُه َع ْر ُ‬
‫الرح َم ِم َو ِمنه تف َّج ُر أن َه ُار الجن ِة)(‪ ،)1‬ويقول ‪ِ ( :‬رَباط َي ْو ٍم ِفي‬
‫ش َّ‬

‫(‪ )1‬جـزء مـن حــديث رواه البخـار ‪ ،‬كتــاب الجهـاد والســير‪ ،‬بـاب درجـات املجاهــدين فـي ســبيل هللا‪ ،‬حـديث رقــم‪،9617 :‬‬
‫ج‪ ،1‬ص ‪.1994‬‬
‫‪178‬‬
‫َّ َ ْ ٌ ْ ُّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ُ ْ ْ ْ َ َّ َ ْ ٌ ْ ُّ ْ‬
‫الدن َيا َو َما‬ ‫َس ِ ِيل الل ِه خير ِمم الدنيا وما عليها‪ ،‬ومو ِضع سو ِط أح ِدكم ِمم الجن ِة خير ِمم‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ٌ ْ ُّ ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ ْ َ ُ َ ُ ُ ْ‬
‫الدن َيا َو َما َعل ْي َها)(‪.)1‬‬ ‫وح َها ال َع ْب ُد ِفي َس ِ ِيل الل ِه أو الغدوة خير ِمم‬‫عليها‪ ،‬والروحة ير‬
‫أفـك ــر‪ :‬للجهاد أثر كبير في تقوية إلايمان في‬
‫النفوس‪ ،‬وفي توحيد ألامة‪ ،‬ملاذا؟!‬
‫كما تضافرت النصوص الشرعية الكريمة التي تحذر من تركه والقعود عنه‪ ،‬منها‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱸ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬
‫ﱹ‬ ‫ﱲﱴﱵﱶﱷ‬
‫ﱳ‬

‫ﲍﲏﲐ‬
‫ﲎ‬ ‫ﲂ ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ ﲊﲋﲌ‬

‫ﲑ ﲒ ﲓ ﱢ (التوبة‪ ،)10 - 14 :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫ﱵﱷﱸ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱶ‬

‫ﱹﱺﱻﱼﱽﱾ ﱿﲀ ﲁﲂﱢ(التوبة‪.)49-41:‬‬
‫أفـك ــر‪ :‬ما أثر ترك الجهاد على ألامة؟‬

‫أهدال الجهاد في إلاسالم‬

‫إن أهداف الجهاد في إلاسالم أهداف إنسانية نبيلة وسامية‪ ،‬إلحقاق الحق ونشر الخير‬
‫والعدل‪ ،‬ومحاربة الظلم والبغي والعدوان‪.‬‬
‫وقد تضافرت النصوص الشرعية التي تحدد أهداف الجهاد في هذا إلاطار إلانساني‬
‫السامي‪ ،‬ونعرض ألهم هذه ألاهداف كما حددتها النصوص الشرعية‪:‬‬

‫‪ )2‬رد العدوان ومحاربة الظلم وإلافساد‬


‫ً‬
‫إن الجهاد في سبيل هللا تعالى ليس حربا عدوانية يبادر بها املسلمون غيرهم‪ ،‬وإنما هو‬
‫وسيلة إلى صد عدوان آلاخرين ورفع ظلمهم ووقف إفسادهم‪ ،‬وإلى حماية ألاوطان وألانفس‬
‫وألاعراض واملقدسات‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ ﱔ ﱕﱖﱗﱢ(الحج‪.)19 - 10 :‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخــار ‪ ،‬كت ــاب الجه ــاد والس ــير‪ ،‬بــاب فض ــل رب ــا ي ــوم فــي س ــبيل هللا وق ــول هللا تع ــالى‪" :‬يــا أيه ــا ال ــذين آمن ــوا‬
‫اصبروا‪ ،"...‬حديث رقم‪ ،9715 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1950‬‬
‫‪179‬‬
‫ّ‬
‫أتـعــلــم‪ :‬الجهاد مصدر الفعل الرباعي جاهد‪ ،‬وفي ذلك معنى‬
‫املفاعلة واملدافعة‪ ،‬وهو ما يؤكد أن الجهاد ليس ابتداء‬
‫بعدوان‪ ،‬وإنما هو مدافعة لعدوان‪.‬‬

‫‪ )0‬نصرة املستضعفين في ألارض‬


‫ً‬
‫فرض إلاسالم على املسلمين نصرة املستضعفين في ألارض‪ّ ،‬أيا كانوا وحيثما كانوا‪ ،‬وجعل‬
‫ً‬
‫ذلك غاية أوجب على املسلم أن يقاتل في سبيل تحقيقها‪ ،‬وذلك مما يدل على سمو هذا‬
‫التشريع وعامليته وإنسانية أهدافه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ‬
‫ﱝﱞ ﱟﱢ (النساء‪.)75 :‬‬
‫‪ )3‬حماية الحقوق والحريات إلا سانية‬
‫إن من أهم أهداف الجهاد في إلاسالم محاربة الاستبداد والتسلط واستعباد إلانسان‬
‫ألخيه إلانسان‪ ،‬وإشاعة جو من الحرية والتسامح وألامن والسالم‪ ،‬كي يختار إلانسان ما يريد‪،‬‬
‫ويدين بالدين الذي يشاء دون إكراه من أحد‪ ،‬تحت شعار‪ :‬ﱣﭐﳎﳏﳐﳑﱢ(البقرة‪.)956 :‬‬

‫ومن آلايات الكريمة التي توضح هذا‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬

‫ﱮ‬ ‫ﱭ‬ ‫ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬

‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱢ (الحج‪ ، )19 :‬حيث جعل من أهداف الجهاد حماية الحريات الدينية‪،‬‬


‫وتمكين الناس من ممارسة شعائرهم بحرية تامة‪.‬‬
‫ّ‬
‫أتـأم ــل‪ :‬قدمت آلاية الكريمة الحديث عن حماية معابد آلاخرين‪ ،‬على‬
‫الحديث عن حماية مساجد املسلمين‪ ،‬لإلشارة إلى أن الجهاد ليس‬
‫لإلكراه على إلاسالم‪ ،‬إنما هو لحماية الحرية إلانسانية والدينية لكل‬
‫الناس‪.‬‬
‫ومن آلايات الكريمة التي لها داللتها في هذا املقام‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫ﲬﲮ ﲯﲰﲱﲲ ﲳﲴﱢ(ألانفال‪:‬‬


‫ﲧﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲭ‬
‫‪ ، )10‬فقد جعلت هذه آلاية الكريمة تحرير الناس من الطواغيت واملستبدين وإشاعة حرية‬
‫الاختيار‪ ،‬أحد أهم أهداف الجهاد‪ .‬إذ الفتنة هي صرف إلانسان عما يريده ويختاره وذلك‬
‫‪181‬‬
‫بالقوة والتخويف‪ ،‬وإلاسالم يهدف إلى إشاعة جو من الحرية‪ ،‬وإزالة املوانع والعوائق التي قد‬
‫تحول بين الناس واختيار الدين الذي يريدون‪.‬‬
‫وال شك أن إلاسالم أكثر من يستفيد من جو الحرية والتسامح الذي يشيعه الجهاد‪ ،‬ألنه‬
‫جو يتيح التفكير الهادئ واملتعقل‪ ،‬ولذلك دخل أكثر شعوب البالد املفتوحة في إلاسالم‬
‫طواعية‪ ،‬حين تسامح املسلمون معهم وحرروهم من الطواغيت‪.‬‬
‫أتـن ّـب ــه‪ :‬توجد نظرة خطأ تلغي مدلول كل هذه آلايات املحكمات‬
‫وألاهداف الساميات‪ ،‬وتزعم أنها منسوخة‪ ،‬أي غير معمول بها‪ ،‬بما‬
‫سمي بآية السيف‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬

‫ﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟ ﲠﲡﲢ‬

‫ﲬﲮﲯﲰ‬
‫ﲭ‬ ‫ﲣﲥﲦﲧﲨ ﲩﲪﲫ‬
‫ﲤ‬

‫ﲱ ﱢ (التوبة‪ ،)5 :‬وهي آية تتعلق بواقع معين‪ ،‬فيه اعتداء من‬
‫املشركين ونكث للعهود‪ ،‬وليست آية عامة يلغى بها مدلول غيرها من‬
‫آلايات املحكمات(‪.)1‬‬
‫أخالق الجهاد في إلاسالم‬
‫كم يشعر املسلم بروعة هذا الدين وعظمته‪ ،‬حين ينظر إلى ألاخالق التي أوجب إلاسالم‬
‫عليه اتباعها في الحرب‪ ،‬إنه دين ألاخالق إلانسانية الرفيعة‪ ،‬حتى في تعامله مع أعدائه‬
‫املعتدين على حرماته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نعم‪ ،‬إن للحرب في إلاسالم أخالقا سامية‪ ،‬كما أن في السلم أخالقا سامية‪ ،‬وال يجوز‬
‫سوغ له إلاسالم مخالفتها‪ ،‬مهما كانت ظروف الحرب التي يخوضها‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬
‫للمسلم خرقها‪ ،‬وال ي ِ‬
‫أهم أخالق الجهاد في إلاسالم‪:‬‬
‫‪ )2‬رد العدوان بمثله‬
‫إن الحرب ‪ -‬في إلاسالم ‪ -‬إنما هي ضرورة يلجئه آلاخرون إليها‪ ،‬والضرورة تقدر بقدرها‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﱢ (البقرة‪ ،)101 :‬وال يجيز إلاسالم‬
‫للمسلمين إذا اعت َ‬
‫دي عليهم‪ ،‬أن يتجاوزوا الحد في رد العدوان‪ ،‬بأن يبالغوا في استخدام القوة‬
‫في حق من اعتدى عليهم‪ ،‬أو يتجاوزوا القدر الالزم لرد العدوان‪ ،‬إلى حد أن يصبحوا معتدين‬

‫(‪ )1‬أنظر في تفنيد هذه النظرة الخطأ‪ :‬الزحيلي‪ :‬د‪ .‬وهبة‪ ،‬آثار الحر في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 07‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫ً‬
‫وظاملين‪ ،‬أو يصيبوا من اعتدى عليهم ومن لم يعتد عليهم‪ ،‬ولم يكن إلاسالم يوما ليتعطش إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سفك الدماء‪ ،‬أو ليستغل عدوانا محدودا لآلخرين ذريعة إلى تدميرهم واحتاللهم والبطش بهم‪.‬‬
‫‪ )0‬تجنب قتل املدنيين املساملين‬
‫يرفض إلاسالم قتل املدنيين في الطرف آلاخر املعادي‪ ،‬مهما كانت ألاسباب واملسوغات‪،‬‬
‫ولو كان يترتب على ذلك استسالم الطرف املعادي أو سرعة حسم الحرب‪.‬‬
‫وقد نفى القرآن الكريم أي سبيل للمسلم على هؤالء‪ ،‬حين قال‪ :‬ﱣﭐ ﲨ ﲩ ﲪ‬

‫ﲫ ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳ ﲴﱢ(النساء‪.)09:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وكان النبي ‪ ‬إذا أ َّم َر أميرا على جيش أو سرية‪:‬‬
‫َّ‬
‫اس ِم الل ِه‬‫اغ ُزوا ب ْ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ ُ ْ ْ ُ ْ َ َ ْ ً ُ َّ َ َ ْ‬
‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ا‪،‬‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ين‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ى‬ ‫و‬‫اصته ب َت ْق َ‬ ‫َ(أ ْو َ‬
‫ص ُاه في َخ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يدا)(‪). 1‬‬ ‫اغ ُزوا َوَال َت ُغ ُّلوا َوَال َت ْغد ُروا َوَال َت ْم ُث ُلوا َوَال َت ْق ُت ُلوا َول ً‬ ‫َّ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ ْ‬
‫ِفي َس ِ ِيل الل ِه قا ِتلوا مم كفر ِبالل ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ َ ْ ُ ُ َ ً َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫(ان َطل ُقوا ب ْ‬ ‫ْ‬
‫اس ِم الل ِه َو ِبالل ِه َو َعلى ِمل ِة َر ُسو ِل الل ِه‪َ ،‬وال تقتلوا ش ْيخا فا ِن ًيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفي رواية قال‪:‬‬
‫الل َه ُي ِحبُّ‬‫َ َ ْ ً َ َ َ ً َ َ ْ َ َ ً َ َ َ ُ ُّ َ ُ ُّ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َّ َّ‬
‫وال ِطفال وال ص ِغيرا وال امرأة‪ ،‬وال تغلوا وضموا غنا ِئمكم وأص ِلحوا وأح ِسنوا ِدن‬
‫َ‬ ‫ُْ‬
‫امل ْح ِس ِنين)(‪.)9‬‬
‫‪ )3‬املعاملة إلا سانية لألسرى‬
‫لقد سبق إلاسالم معاهدة جنيف واملواثيق الدولية‪ ،‬إلى إرساء مبدأ معاملة ألاسرى‬
‫معاملة إنسانية‪ ،‬حتى لقد عد القرآن الكريم إكرام ألاسرى من صفات ألابرار‪ ،‬وقرن إلاحسان‬
‫إليهم باإلحسان إلى املسكين واليتيم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱢ‬
‫(إلانسان‪ ،)4 :‬وضرب النبي ‪ ‬واملسلمون أروع ألامثلة في إكرام ألاسرى ومعاملتهم بإنسانية‪.‬‬
‫وقد حصر القرآن الكريم مصير ألاسير باملن أو بالفداء‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵﱶﱷ ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ ﲄﱢ(محمد‪.)1()1 :‬‬

‫(‪ )1‬جــزء مــن حــديث رواه مســلم‪ ،‬كتــاب الجهــاد والســير‪ ،‬بــاب تــأمير ألامـراء علــى البعــوث ووصــيته إيــاهم بــآداب الغــزو‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،1711 :‬ج‪ ،1‬ص‪.1157‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب في دعاء املشركين‪ ،‬حديث رقم‪ ،9611 :‬ج‪ ،1‬ص‪.17‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )1‬هذه آية محكمة‪ ،‬وأما استرقاق ألاسرى‪ ،‬فإنه كان حال قديما ملشكلة رعاية ألاسير إلـى أن تتيسـر مبادلتـه‪ ،‬وأمـا قتـل‬
‫ألاســير فالغريــب أن أكثــر الفقهــاء املتقــدمين قــد أجــازوه‪ ،‬وذلــك مخــالف لآليــة املــذكورة‪ ،‬أنظــر مناقشــة مستفيضــة‬
‫ً‬
‫لهــذا املوضــوع وردا علــى مــن قــال مــن الفقهــاء بقتــل ألاســير‪ ،‬فــي‪ :‬الزحيلــي‪ :‬د‪.‬وهبــة‪ ،‬آثــار الحــر فــي إلاســالم‪ ،‬مرجــع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪ 116‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫‪ )4‬دحترام الكرامة إلا سانية‬
‫إن أخالق إلاسالم ال تقتصر على معاملة ألاحياء من املعادين معاملة إنسانية إذا وقعوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في ألاسر‪ ،‬بل تمتد لتشمل من مات منهم يقاتل املسلمين بغيا وعدوانا‪ ،‬فاإلسالم يحرم‬
‫ً‬
‫التمثيل بالجثث في املعارك‪ ،‬حتى لو كان ذلك ردا على تمثيل ألاعداء بجثث املسلمين‪ ،‬وكان‬
‫رسول هللا ‪ ‬يأمر بدفن القتلى في املعارك‪ ،‬دون أن يسأل أمسلم صاحبها أم كافر(‪.)1‬‬
‫‪ )5‬تجنب التخريب وإلافساد‬
‫إن من دأب البشر في الحروب أن يستبيحوا كل ش يء‪ ،‬وأن يدمروا كل ش يء‪ ،‬وعجيب هو‬
‫إلاسالم الذي ينهى أتباعه عن إلافساد حتى في الحرب‪ ،‬كما نهاهم عن إلافساد في السلم‪ ،‬فال‬
‫يجوز للمسلم في الحرب أن يقطع الشجر ويحرق الزرع ويهدم البيوت بهدف الفساد‪ ،‬وال‬
‫يجوز له أن يستعمل أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬التي تحرق ألارض وما عليها من شجر وحيوان‬
‫وإنسان‪.‬‬
‫ً‬
‫ومما جاء في وصايا أبي بكر ‪ ‬ألمراء الفتح إلاسالمي‪ ،‬قوله‪ ...( :‬وإنكم ستجدون أقواما‬
‫ً‬
‫قد حبسوا أنفسهم في هذه الصوامع‪ ،‬فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم‪ ،...،‬وال تقتلوا كبيرا‬
‫ً‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ً‬
‫شجرة إال ل َ‬ ‫َ ً‬ ‫ً‬
‫وليدا‪ ،‬وال ت َخ ّ‬ ‫ً‬
‫عقرن بهيمة إال‬ ‫فع‪ ،‬وال ت ِ‬
‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫تقطعوا‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬‫انا‬‫مر‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ب‬‫ر‬‫ِ‬ ‫وال‬ ‫أة‬‫ر‬‫ام‬ ‫وال‬ ‫هرما‬
‫خال وال تغرق َّنه‪). 9()....،‬‬‫َّ َ ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫حرقن ن‬
‫فع‪ ،‬وال ت ِ‬‫ِلن ٍ‬
‫‪ )6‬دحترام العهود‬
‫أوجب إلاسالم على املسلمين احترام معاهداتهم مع غيرهم‪ ،‬حتى وإن خالفوهم في الدين‬
‫والتوحيد‪ ،‬وعد الوفاء بها من مقتضيات التقوى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬

‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐﲑﲒ ﲓ ﲔ ﱢ‬
‫(التوبة‪.)1 :‬‬
‫ً‬
‫بل لقد عد إلاسالم هذه العهود مع املشركين عهودا مع هللا تعالى‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫ﱣﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ً‬
‫ﲋ ﲍ ﲎﲏﲐ ﲑ ﱢ(النحل‪ ،)01 :‬يقول الدكتور الدريني‪( :‬هذا‪ ،‬وتمكينا لالستقرار‬ ‫ﲌ‬
‫وألامن الدولي‪ ،‬والعدل الشامل‪ ،‬أرس ى إلاسالم مبدأ قدسية املعاهدات‪ ،‬بما منحها من القوة‬

‫(‪ )1‬عن جابر أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬ادفنوا القتلى في مصارعه)‪ ،‬رواه النسائي‪ ،‬كتـاب الجنـائز‪ ،‬أيـن يـدفن الشـهيد‪ ،‬حـديث‬
‫رقم‪ ،9995 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،70‬قال ألالباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البيهقي‪ ،‬كتاب السير‪ ،‬باب ترك قتل من ال قتال فيه‪ ،‬حديث رقم‪ ،17090 :‬ج‪ ،0‬ص‪.09‬‬
‫‪183‬‬
‫ً‬
‫إلالزامية النابعة من أصل العقيدة‪ ،‬حيث اعتبرها مبرمة بين املسلمين وخالقهم أوال‪ ،‬قبل أن‬
‫تكون مواثيق سياسية بينهم وبين غيرهم من الدول)(‪.)1‬‬
‫بل لقد قدم إلاسالم الوفاء بالعهد على حق ألاخوة إلاسالمية وواجب النصرة في الدين‪،‬‬
‫ﲇ ﲉﲊﲋﲌ‬
‫ﲈ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬
‫ﲍﲎﲏﲐﲑ ﲒﲓﲔﱢ(ألانفال‪.)79 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقول الدكتور الدريني‪( :‬وال نعلم دينا أو تشريعا‪ ،‬قد رفع من شأن العهد إلى هذا املستوى‬
‫ً‬
‫من القداسة‪ ،...،‬وأساس ذلك أن إلاسالم ال يفصل بين الخل ِق والسياسة‪ ،‬الستناده أساسا‬
‫إلى عقيدة دينية‪ ،‬وهي ‪ -‬فيما نعتقد ‪ -‬مزية عظمى تفتقر إليها كل السياسات في العالم‬
‫اليوم)(‪.)9‬‬
‫ش هات ألاعداء حول الجهاد في س يل هللا‬
‫َ‬
‫حقيقته مثل الجهاد في سبيل هللا تعالى‪،‬‬ ‫ما من ش يء عابه ألاعداء على إلاسالم َّ‬
‫وشوهوا‬
‫فزعموا أن إلاسالم دين عدواني يتعطش لسفك الدماء‪ ،‬وزعم آخرون أنه دين انتشر بحد‬
‫السيف(‪ ،)1‬وآخر تلك املزاعم وصف إلاسالم وأهله باإلرهاب‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن الجهاد هو أكثر ما يقلقهم في إلاسالم‪ ،‬ألنه هو الذي يقض مضاجع‬
‫املستكبرين‪ ،‬ويضع الحد ألطماع املعتدين‪.‬‬
‫ويكفي أن نستعرض تاريخ الحروب بين الشرق والغرب‪ ،‬حتى نعرف من هو املعتدي‬
‫إلارهابي الذي يتعطش لسفك الدماء‪ ،‬ويسعى إلى فرض نفسه بالقوة على آلاخرين‪.‬‬
‫ً‬
‫فلم يكن الجهاد يوما إلكراه الناس على الدخول في إلاسالم‪ ،‬بدليل وجود أقليات دينية‬
‫ً‬
‫من غير املسلمين اليوم‪ ،‬في كل بلد إسالمي تقريبا‪ ،‬ال يزالون يعيشون في تسامح وأمان وحرية‪،‬‬
‫ً‬
‫وال يذكرون أنهم تعرضوا الضطهاد أو ظلم يوما بسبب دينهم‪.‬‬
‫وأما وسم الجهاد باإلرهاب‪ ،‬فهو أبعد ما يكون عن الحقيقة‪ ،‬فالبون شاسع بين الجهاد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في سبيل هللا تعالى وبين إلارهاب أهدافا وأخالقا ووسائل‪ ،‬وقد عرضنا لش يء من مبادئ‬
‫الجهاد وأهدافه السامية وأخالقه إلانسانية الرفيعة‪ ،‬التي توصلت الحضارة الحديثة إلى‬

‫(‪ )1‬الدري ي‪ :‬د‪.‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع إلاسالمي في السياسة والحكم‪ ،‬الرسالة‪ ،‬بيروت‪1049 ،1 ،‬م‪.70 ،‬‬
‫(‪ )9‬الدري ي‪ :‬د‪.‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع إلاسالمي في السياسة والحكم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫(‪ )1‬أنظر مناقشة وافية لذلك في‪ :‬الزحيلي‪ :‬د‪ .‬وهبة‪ ،‬آثار الحر في إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 11‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫تقرير بعضها في حاالت الحرب‪ ،‬وكتبت ذلك على الورق في معاهدات دولية‪ ،‬بينما هي تمارس‬
‫ً‬
‫فعليا على ألارض‪ ،‬إرهاب الشعوب ألاخرى وظلمها والسيطرة عليها‪.‬‬
‫فالجهاد في إلاسالم يهدف إلى رد العدوان والانتصاف للمظلومين واملستضعفين في‬
‫أقرت كل النظم والشرائع َّ‬
‫حق‬ ‫ألارض‪ ،‬وهو دفاع إلانسان عن نفسه وأهله ووطنه‪ ،‬وقد َّ‬
‫الشعوب في الدفاع عن نفسها وفي رد العدوان الواقع عليها حتى تنال استقاللها وتضمن ألامن‬
‫ملواطنيها‪.‬‬
‫والجهاد في إلاسالم يسعى إلى تحقيق أهدافه في رد العدوان والانتصاف للملظلومين‬
‫باتباع وسائل ال تتعارض مع قيم إلاسالم وأخالقه إلانسانية السامية‪ ،‬تلك ألاخالق التي‬
‫يرفض إلاسالم خرقها بحال من ألاحوال‪ ،‬ذلك أن إلاسالم ال ينتصر على أعدائه بالحرب‪ ،‬بقدر‬
‫ما ينتصر عليهم بأخالقه التي تميز بها‪.‬‬
‫وأما إلارهاب‪ ،‬فيسلك وسائل عنف غير أخالقية وال إنسانية‪ ،‬تخيف آلامنين وتهدر حياة‬
‫ً‬
‫املساملين‪ ،‬وتدمر املرافق العامة النافعة إفسادا في ألارض‪ ،‬بهدف تحقيق مطالب شخصية‬
‫ومصالح ذاتية‪ ،‬أو حتى بهدف تحقيق بعض ألاهداف السياسية‪.‬‬
‫إن وصف إلارهاب إن كان يجدر أن يطلق على ش يء‪ ،‬فعلى همجية أعداء ألامة في‬
‫هجمتهم العدوانية عليها‪ ،‬مسخرين في سبيل ذلك كل ما وصلوا إليه من تقدم عسكري وتقني‪،‬‬
‫ومجربين أحدث ألاسلحة الفتاكة في قتل ألابرياء واملدنيين بوحشية لم يسبق لها مثيل‪ .‬إنه‬
‫إلارهاب املنظم‪ ،‬وإرهاب الدول الاستعمارية هو ما يهدد البشرية اليوم في كل مكان‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫أنشطة حوارية مقترحة‪:‬‬
‫يقوم الطلبة بمناقشة املوضوعات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬ضوابط العالقة بين الجنسين بين الدين والعرف والحرية الشخصية‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬ندوة (عالقات شبابية)‪ /‬منتصر ألاسمر (موجودة على اليوتيوب)‬
‫‪ .9‬الاختالف الفكري وقبول آلاخر‪:‬‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬من أدب الاختالف إلى نبذ الخالف‪ /‬طه جابر العلواني‬
‫‪ -‬إلاسالم والتعددية‪ :‬الاختالف والتنوع فى إطار الوحدة ‪/‬د‪.‬محمد عمارة‬

‫‪ .1‬الدولة املدنية والدولة الدينية‬


‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬الحكومة الدينية‪/‬محمد عمارة‬
‫‪ -‬إلاسالم بين الدولة الدينية والدولة املدنية‪/‬خليل عبد الكريم‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ .1‬التحول الديمقراطي في املجتمعات العربية‪ :‬معيقاته وتحدياته‬
‫مراجع مساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬طبائع إلاستبداد‪/‬عبد الرحمن الكواكبي‬
‫‪ -‬ألازمة الدستورية في الحضارة إلاسالمية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي‪/‬د‪.‬‬
‫محمد املختار الشنقيطي‬
‫‪ -‬الانتقال الديمقراطي وإشكالياته‪ :‬دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة‪/‬عزمي بشارة‬

‫‪186‬‬
‫أقرأ وأستمتع‬

‫صور مم أخالق املسلمين في الحرو‬

‫ً‬
‫يقول الدكتور مصطفى السباعي‪( :‬إن الذي ال يؤمن بدين وال بإله‪ ،‬ال يبدو عجيبا إذا‬
‫نظر إلى ألاد يان كلها على حد سواء‪ ،‬وإذا عامل أتباعها بالقسطاس املستقيم‪ ،‬ولكن صاحب‬
‫الدين الذي يؤمن بأن دينه حق وأن عقيدته أقوم العقائد وأصحها‪ ،‬ثم يتاح له أن يحمل‬
‫السيف‪ ،‬ويفتح املدن‪ ،‬ويستولي على الحكم‪ ،‬ويجلس على منصة القضاء‪ ،‬ثم ال يحمله إيمانه‬
‫بدينه‪ ،‬واعتزازه بعقيدته‪ ،‬على أن يجور في الحكم‪ ،‬أو ينحرف عن سنن العدالة‪ ،‬أو يحمل‬
‫ً‬
‫الناس على اتباع دينه‪ ..‬إن رجال مثل هذا لعجيب أن يكون في التاريخ‪ ،‬فكيف إذا وجد في‬
‫التاريخ حضارة قامت على الدين‪ ،‬وشادت قواعدها على مبادئه‪ ،‬ثم هي أشد ما عرف التاريخ‬
‫ً‬
‫تسامحا وعدالة ورحمة وإنسانية!)(‪.)1‬‬
‫يقول الدكتور مصطفى السباعي‪:‬‬
‫( وملا ولي الخالفة عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وفد إليه قوم من أهل سمرقند‪ ،‬فرفعوا إليه أمر قتيبة‬
‫ً‬
‫قائد الجيش إلاسالمي فيها‪ ،‬دخل مدينتهم وأسكنها املسلمين غدرا بغير حق‪ ،‬فكتب عمر إلى‬
‫ً‬
‫عامله هناك أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا‪ ،‬فإن قض ى بإخراج املسلمين من‬
‫ً‬
‫سمرقند خرجوا‪ ،‬فنصب لهم الوالي "جميع بن حاضر الباجي"‪ ،‬قاضيا ينظر في شكواهم‪،‬‬
‫فحكم القاض ي وهو مسلم بإخراج املسلمين! على أن ينذرهم قائد الجيش إلاسالمي قبل‬
‫ً‬
‫ذلك‪ ،‬وينابذهم وفقا ملبادئ الحرب إلاسالمية‪ ،‬حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال‬
‫املسلمين فال يؤخذوا بغتة‪ ،‬فلما رأى ذلك أهل سمرقند رأوا ما ال مثيل له في التاريخ‪ ،‬من‬
‫عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها! قالوا‪ :‬هذه أمة ال تحارب‪ ،‬وإنما حكمها رحمة‬
‫ونعمة‪ ،‬فرضوا ببقاء الجيش إلاسالمي‪ ،‬وأقروا أن يقيم املسلمون بين أظهرهم‪ ،‬أرأيتم‪ ..‬جيش‬
‫يفتح مدينة ويدخلها‪ ،‬فيشتكي املغلوبون للدولة املنتصرة‪ ،‬فيحكم قضاؤها على الجيش‬
‫الظافر ويأمر بإخراجه‪ ،‬وال يدخلها بعد ذلك إال أن يرض ى أهلها!‪ ..‬أرأيتم في التاريخ القديم‬
‫ً‬
‫والحديث حربا يتقيد أصحابها بمبادئ ألاخالق والحق كما تقيد به جيش حضارتنا؟! ‪ ...‬وملا‬
‫فتحت جيوشنا الظافرة دمشق وحمص وبقية املدن السورية‪ ،‬وأخذوا من أهلها مبالغ من‬

‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬مم روائع حضارتنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14 - 17‬‬
‫‪187‬‬
‫ً‬
‫املال صلحا لقاء حمايتهم والدفاع عنهم‪ ،‬رأى قائدنا بعد أن جمع هرقل لهم الجموع لينازلهم‬
‫في معركة فاصلة‪ ،‬أن يخلوا املدن املفتوحة ويتجمعوا في مكان واحد ينازلون به الروم‬
‫مجتمعين‪ ،‬وخرج جيشنا من حمص ودمشق واملدن ألاخرى‪ ،‬وجمع خالد أهل حمص وأبو‬
‫عبيدة أهل دمشق وغيرهما من القادة أهل املدن ألاخرى‪ ،‬وقالوا لهم‪ :‬إنا كنا قد أخذنا منكم‬
‫ً‬
‫أموالا على أن نحميكم وندافع عنكم‪ ،‬ونحن آلان خارجون عنكم ال نملك حمايتكم‪ ،‬فهذه‬
‫أموالكم نردها إليكم! فقال أهل املدن‪ :‬ردكم هللا ونصركم‪ ،‬وهللا لحكمكم وعدلكم أحب إلينا‬
‫ً‬
‫من جور الروم وظلمهم‪ ،‬وهللا لو كانوا مكانكم ملا دفعوا إلينا شيئا أخذوه‪ ،‬بل كانوا يأخذون‬
‫معهم كل ش يء يستطيعون حمله! ‪ ...‬وفي حروب التتار في بالد الشام‪ ،‬وقع بأيديهم كثير من‬
‫أسرى املسلمين والنصارى واليهود‪ ،‬ثم تدخل شيخ إلاسالم ابن تيمية مع أمير التتار في أمر‬
‫ألاسرى وفك أسرهم‪ ،‬فأجابه ألامير إلى فك أسرى املسلمين فقط دون النصارى واليهود‪ ،‬فأبى‬
‫شيخ إلاسالم ذلك وقال له‪ :‬ال بد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم‬
‫ً‬
‫أهل ذمتنا‪ ،‬وال ندع أسيرا ال من أهل امللة وال من أهل الذمة‪ ... ،‬حين وصل الصليبيون في‬
‫الحملة الثانية إلى معرة النعمان‪ ،‬حاصروها حتى اضطر أهلها لالستسالم‪ ،‬بعد أن أخذوا من‬
‫ً‬
‫رؤساء الحملة عهودا مؤكدة باملحافظة على النفوس وألاموال وألاعراض‪ ،‬فما كادوا يدخلونها‬
‫حتى ارتكبوا من الفظائع ما تشيب له الولدان‪ ،‬وقدر بعض املؤرخين إلافرنج الذين كانوا في‬
‫هذه الحملة عدد الذين قتلوهم بين رجال ونساء وأطفال بمائة ألف! ثم تابعوا سيرهم إلى‬
‫بيت املقدس‪ ،‬وشددوا الحصار على أهلها‪ ،‬ورأى أهلها أنهم مغلوبون ال محالة‪ ،‬فطلبوا من‬
‫قائد الحملة (طنكرد) ألامان على أنفسهم وأموالهم‪ ،‬فأعطاهم رايته يرفعونها على املسجد‬
‫َ‬
‫ألاقص ى‪ ،‬ويلجأون إليه آمنين على كل ش يء‪ ،‬ودخلوا املدينة بعد ذلك فيا لهول املجزرة‪ ،‬ويا‬
‫لقسوة إلاجرام! لجأ سكان القدس إلى ألاقص ى الذي رفعوا فوقه راية ألامان‪ ،‬حتى إذا امتأل‬
‫بمن فيه من شيوت وأطفال ونساء‪ ،‬ذبحوا ذبح النعاج‪ ،...،‬ويذكر مؤرخونا أن عدد الذين‬
‫ً‬
‫ذبحوا في داخل املسجد ألاقص ى فقط سبعون ألفا! ‪ ...‬وبعد ‪ 09‬سنة من هذه املجزرة‪ ،‬فتح‬
‫صالح الدين بيت املقدس فماذا فعل؟‪ ..‬لقد كان فيها ما يزيد على مائة ألف غربي‪ ،‬بذل لهم‬
‫ألامان على أنفسهم وأموالهم وسمح لهم بالخروج لقاء مبلغ قليل يدفعه املقتدرون منهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأعطاهم مهلة للخروج أربعين يوما‪ ،‬فجلى منها أربعة وثمانون ألفا لحقوا بإخوانهم في عكا‬
‫ً‬
‫وغيرها‪ ،‬ثم أطلق كثيرا من الفقراء من غير الفدية‪ ،‬وأدى أخوه امللك العادل الفدية عن ألفي‬
‫رجل منهم‪ ،‬وعامل النساء معاملة ال تصدر عن أرقى ملك منتصر في العصر الحديث‪ ،‬وملا أراد‬
‫الب َي ِع والصخرة وألاقص ى‬
‫البطريرك إلافرنجي أن يخرج‪ ،‬سمح له بالخروج ومعه من أموال ِ‬
‫‪188‬‬
‫والقيامة ما ال يعلمه إال هللا‪ ،‬واقترح بعض حاشية صالح الدين عليه أن يأخذ ذلك املال‬
‫العظيم‪ ،‬فأجابه السلطان‪" :‬ال أغدر بهم"‪ ،‬ولم يأخذ منه إال ما كان يأخذه من كل فرد‪ ،‬ومما‬
‫يزيد في روعة هذا العمل إلانساني الذي عمله صالح الدين في فتح بيت املقدس‪ ،‬أنه أرسل‬
‫مع جماهير الغربيين الذين نزحوا من القدس لينضموا إلى إخوانهم‪ ،‬من يحميهم ويوصلهم إلى‬
‫أماكن الصليبيين في صور وصيدا بأمان‪ ،‬مع أنه ال يزال في حرب معهم‪،...،‬‬
‫واسمعوا بقية القصة‪ ..‬اجتمع كثير من النساء اللواتي دفعن الجزية وذهبن إلى السلطان‬
‫يتوسلن إليه قائالت‪ :‬إنهن إما زوجات أو أمهات أو بنات لبعض من أ ِس َر أو ق ِت َل من الفرسان‬
‫ً‬
‫والجنود‪ ،‬وال عائل لهن وال مأوى‪ ،‬ورآهن يبكين فبكى معهن تأثرا وشفقة‪ ،‬وأمر بالبحث عن‬
‫ألاسرى من رجالهن‪ ،‬وأطلق الذي وجدهم وردهم إلى نسائهم‪ ،‬أما اللواتي مات أولياؤهن فقد‬
‫ً ً‬
‫منحهن ماال كثيرا‪ ،‬جعلهن يلهجن بالثناء عليه أينما سرن‪ ،‬ثم سمح لهؤالء الذين أعتقهم أن‬
‫يتوجهوا مع نسائهم وأوالدهم إلى سائر إخوانهم الالجئين في صور وعكا‪،...،‬‬
‫والغربيون أنفسهم هم الذين يذكرون عن صالح الدين أنه بلغه مرض ريتشارد قلب ألاسد‪،‬‬
‫أكبر قواد الحمالت الصليبية وأشجعهم‪ ،‬فأرسل إليه صالح الدين طبيبه الخاص‪ ،‬يحمل إليه‬
‫العالج والفواكه‪ ،‬التي ال يمكن أن يحصل عليها ذلك القائد الصليبي‪ ،‬هذا والحرب بينهما‬
‫مستعرة‪ ،‬وجيشاهما في صراع)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬مم روائع حضارتنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 71‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫الوحـدة الخامسة‬

‫قضـايـا معـاصـرة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ﱣﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲥ‬
‫ﲤﲦﲧﲨ ﲩﲪ‬

‫ﲷﲹﲺﲻ‬
‫ﲸ‬ ‫ﲫﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ ﲵﲶ‬
‫ﲬ‬

‫ﳁﳃﳄﳅﳆﱢ‬
‫ﳂ‬ ‫ﲼﲽ ﲾﲿﳀ‬
‫(ألاعراف‪)90-94:‬‬

‫صدق هللا العظيم‬

‫‪191‬‬
‫محتويات الوحدة وأهدافها‬
‫حقوق إلا سان في إلاسالم وحرياته العامة‬ ‫‪.1‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة حقوق إلانسان وحرياته العامة وأهميتها في إلاسالم‪،‬‬
‫ليحافظوا عليها‪.‬‬
‫املرأة في منظور إلاسالم‬ ‫‪.9‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة حقوق املرأة في الثقافة إلاسالمية ليدافعوا عنها‬
‫وليتمثلوها في حياتهم العامة وألاسرية‪.‬‬
‫مسائل فقهية معاصرة‬ ‫‪.1‬‬
‫كم َع َد ٍد من املسائل املعاصرة‪.‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة على ح ِ‬
‫الطب الوقائي والحماية مم ألامراض املعدية‬ ‫‪.4‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة على حرص إلاسالم على صحة إلانسان‪ ،‬وعلى تعزيز‬
‫املسؤولية املجتمعية ألفراد املجتمع‪.‬‬
‫مكانة فلسطين الدينية‬ ‫‪.5‬‬
‫الهدف‪ :‬أن يتعرف الطلبة على مكانة فلسطين وأهميتها الدينية‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫حـقـوق إلا سـان في إلاسـالم‬
‫(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم‬
‫ً‬
‫أمهاتهم أحرارا)‪.‬‬
‫عمر بن الخطاب‬

‫ازداد الحديث عن حقوق إلانسان في العصر الحديث‪ ،‬وكثرت الدعوات إلى حمايتها‬
‫واملحافظة عليها‪ ،‬وت ّ ِو َج ذلك بصدور إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان عن الجمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة في عام ‪1014‬م‪.‬‬
‫وقد قرر إلاسالم حقوق إلانسان وأرس ى حرياته العامة‪ ،‬وسبق بذلك جميع ألانظمة‬
‫والدساتير واملواثيق الدولية‪ ،‬بل وتميز عنها‪.‬‬

‫مظـاهـر التـكـريــم إلالـهـي لإل ـســان‬


‫كرم هللا تعالى إلانسان وفضله على غيره من املخلوقات‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱽ ﱾ ﱿﲀ‬
‫َ‬

‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﱢ‬
‫(إلاسراء‪ ،)79 :‬ومظاهر هذا التكريم كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫روحه‪ :‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫َََ َ‬ ‫‪َ – 2‬خ َل َق ُه ُ‬
‫صورة ونفخ فيه مم ِ‬
‫ٍ‬ ‫هللا على أحسم‬
‫ﲘ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ‬
‫ﲙ‬ ‫ﱪ ﱢ(التين‪ ،)1 :‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲔ ﲕ ﲖﲗ‬

‫ﲵ‬ ‫ﲴ‬ ‫ﲮﲰ ﲱﲲﲳ‬


‫ﲯ‬ ‫ﲢ ﲣﲤﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ‬

‫ﲶ ﲷ ﲸ ﱢ (السجدة‪ ،)0-7 :‬يقول الشيخ الغزالي‪( :‬وقد أشاع هللا نعمة الخلق بين‬
‫خالئق كثيرة برزت من العدم إلى الوجود‪ ،‬بيد ّأن آدم ‪ ‬هو وحده الذي وصفه بقوله‪:‬‬
‫"سويته ونفخت فيه من روحي")(‪.)1‬‬
‫‪ – 0‬أسجد له املالئكة‪ :‬يقول تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬

‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱢ (ألاعراف‪ ،)11 :‬يقول الشيخ الغزالي‪( :‬طولبت‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ :‬محمد‪ :‬علل وأدوية‪ ،‬دار الكتب إلاسالمية‪ ،‬القاهرة‪1041 ،9 ،‬م‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪192‬‬
‫بالسجود له بعدما تم تكوينه‪ ،‬وعوقب من رفض السجود بالطرد من رحمة هللا‪ ،....‬إذ إن‬
‫الاستهانة باإلنسان هي عند هللا عصيان وخيم العاقبة) (‪.)1‬‬
‫‪ – 3‬استخلفه في ألارض‪ ،‬وسخر له سائر املخلوقات‪ :‬يقول تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱢ (البقرة‪ ،)19 :‬ويقول تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌﱍ ﱎﱏﱐﱑﱢ(لقمان‪.)99 :‬‬


‫‪ - 4‬ميزه عم سائر املخلوقات بالعقل وإلارادة وحرية الاختيار‪ :‬وهذا من أهم مظاهر تكريم‬
‫إلانسان‪ ،‬فقد منح هللا تعالى إلانسان حرية الاختيار‪ ،‬وفضله على سائر املخلوقات بالعقل‬
‫وإلارادة‪ ،‬إلى حد أن إلانسان قد يختار ما يضاد فطرته‪ ،‬فهو املوجود الوحيد الذي يمكن أن‬
‫يعمل على خالف فطرته وطبيعته‪ ،‬وامللفت ّأن أول تطبيق عملي لحرية إلاختيار في إلانسان‪،‬‬
‫عصيانا من إلانسان ملن وهبه هذه الحرية ّ‬ ‫ً‬
‫وميزه بها‪ ،‬يوم أكل آدم وزوجه من الشجرة‪،‬‬ ‫كان‬
‫ليبين لنا هللا تعالى ما ّميزنا به من حرية الاختيار‪ ،‬في أصرت صورها‪.‬‬
‫وذلك ّ‬
‫وهكذا‪ ،‬نجد أن إلاسالم ينظر إلى إلانسان نظرة سامية‪ ،‬ويرفعه مكانة لم يرفعه إليها‬
‫أحد‪ ،‬فلم تبلغ النظرة إلى إلانسان هذا الحد في أي ميثاق دولي‪ ،‬أو أي إعالن لحقوق إلانسان‪.‬‬

‫ألاخوة إلا ـسـانيـة واملسـاواة ال شريـة‬


‫أعلن إلاسالم مبدأ ألاخوة إلانسانية واملساواة البشرية‪ ،‬فأصل إلانسان واحد‪ ،‬ال يتميز‬
‫إنسان على آخر على أساس العرق أو اللون أو إلاقليم وغير ذلك‪ ،‬يقول ألاستاذ الندوي‪:‬‬
‫ً‬
‫( كان إلانسان موزعا بين قبائل وأمم وطبقات بعضها دون بعض‪ ،‬وقوميات ضيقة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكان التفاوت بين هذه الطبقات تفاوتا هائال‪ ،‬كالتفاوت بين إلانسان والحيوان‪ ،‬وبين الحر‬
‫ً‬
‫والعبد‪ ،‬وبين العابد واملعبود‪ ،‬لم تكن هناك فكرة عن الوحدة واملساواة إطالقا‪ ،‬فأعلن النبي‬
‫‪ ‬بعد قرون طويلة من الصمت املطبق والظالم السائد ‪ -‬ذلك إلاعالن الثائر املدهش‬
‫ُ ُّ ُ‬
‫اح ٌد‪ ،‬كلك ْم ِآل َد َم‪َ ،‬و َآد ُم ِم ْم‬ ‫اس! د َّن َرَّب ُك ْم َو ٌ َ َّ َ َ ُ ْ َ‬ ‫الن ُ‬‫َ ُّ َ َّ‬
‫للعقول املقلب لألوضاع‪( :‬أيها‬
‫احد و ِدن أباكم و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ّ ْ َّ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هللا َأ ْت َق ُاك ْم‪َ ،‬ول ْي َ‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ َ ُ ْ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ض ُل ِدال ِبالتق َوى)(‪ ،)9‬وهذا‬ ‫س ِل َع َرِب ّ ٍي َعلى أعج ِم ٍي ف‬ ‫ت َرا ٍ ‪ِ ،‬دن أك َرمكم ِعند ِ‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ :‬محمد‪ :‬علل وأدوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ـاك ْم َواحـ ٌـد‪ ،‬أ َال َال ف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُّ َ َّ ُ َ َّ َ َّ ُ ْ َ ٌ َ َّ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ضـ َـل‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )9‬خطــب النبــي ‪ ‬فــي وســط أيــام التشـريق‪ ،‬فقــال‪( :‬يــا أيهــا النــاس أال ِدن ربكــم و ِ‬
‫احــد و ِدن أبـ‬
‫َ َّ ْ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ّ َ َ َ ْ َ ّ َ َ َ َ ّ َ َ َ َ ّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ‬
‫ِلع ِرب ٍـي علـى أعج ِم ٍـي وال ِلعج ِم ٍـي علـى ع ِرب ٍـي وال ِألحمـر علـى أسـود وال أسـود علـى أحمـر ِدال ِبـالتقوى‪ ،‬أبلغـت؟ قـالوا‪:‬‬
‫‪193‬‬
‫إلاعالن يتضمن إعالنين‪ ،‬هما الدعامتان اللتان يقوم عليهما ألامن والسالم‪ ،‬وعليهما قام‬
‫السالم في كل مكان وزمان‪ ،‬هما‪ :‬وحدة الربوبية والوحدة البشرية‪ ،‬فاإلنسان أخو إلانسان‬
‫من جهتين‪ ،‬وإلانسان أخو إلانسان مرتين‪ :‬مرة وهي ألاساس‪ ،‬ألن الرب واحد‪ ،‬ومرة ثانية ألن‬
‫ألاب واحد‪ ،‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱑﱢ(النساء‪.)1( ))1 :‬‬
‫وهكذا سبق إلاسالم إلاعالن العالمي في املادتين ألاولى والثانية‪ ،‬حيث جاء فيهما النص‬
‫على أصل إلانسان من حيث الخلقة والتساوي‪.‬‬

‫حـقـوق إلا ـسـان الش ـخـصيـة‬


‫كفل إلاسالم لإلنسان حقه في الحياة والسالمة واحترام خصوصياته‪:‬‬
‫‪ -‬فدعا إلى الحفاظ على حياة الناس‪ ،‬وعد الاعتداء على نفس واحدة من أكبر الكبائر‪،‬‬
‫واعتداء على البشرية كلها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬

‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ‬

‫ﱚﱛﱢ(املائدة‪.)19 :‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬ودعا إلاسالم إلى سالمة شخص إلا سان وحرم الاعتداء عليه‪ ،‬يقول النبي ‪( :‬ك ُّل‬
‫ض ُه)(‪.)9‬‬ ‫ْاملُ ْسلم َع َلى ْاملُ ْسلم َح َر ٌ‬
‫ام َد ُم ُه َو َم ُال ُه َوع ْر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫‪ -‬كما دعا إلاسالم إلى احترام خصوصيات إلا سان في مسكنه وأسرته وشرفه‪ ،‬فحرم‬
‫التجسس وتتبع العورات واقتحام البيوت ودخولها دون إذن من أصحابها‪ ،‬وحرم الظن‬
‫ال يء‪ ،‬وقذف الناس واتهامهم في أعراضهم‪.‬‬
‫وهكذا سبق إلاسالم إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان في املادة (‪ ،)1‬التي نصت على حق‬
‫إلانسان في الحياة والحرية وسالمة شخصه‪ ،‬واملادة (‪ ،)19‬التي نصت على عدم جواز انتهاك‬
‫خصوصيات إلانسان‪ ،‬في مسكنه وأسرته وشرفه‪.‬‬

‫َّ‬ ‫َّ َ‬
‫َبلــغ َر ُســو ُل اللـ ِـه ‪ )‬رواه أحمــد فــي مســنده‪ ،‬حــديث رقــم‪ ،91516 :‬وقــال الهيثمــي‪ :‬رجالــه رجــال الصــحيح‪ ،‬أنظــر‪:‬‬
‫الهيثمي‪ :‬علي بن أبي بكر‪ ،‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،966/1 ،‬وقال ألالباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ (1‬الندو ‪ :‬أبو الحسن‪ ،‬إلاسالم‪ :‬أثره في الحضارة وفضله على إلا سانية‪ ،‬دار املنارة‪ ،‬جدة‪1047 ،‬م‪.11 ،‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب تحريم ظلم املسلم وخذله حديث رقم‪.9561 :‬‬
‫‪194‬‬
‫حـقوق إلا ـسـان الـقـضـائـيــة‬
‫كفل إلاسالم لإلنسان حقوقه القضائية‪ ،‬وأهم تلك الحقوق‪:‬‬
‫َ ْ ُ َّ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َ ْ‬
‫اطمة ِبنت محم ٍد سرقت‬ ‫‪ -‬املساواة أمام القانون‪ :‬يقول النبي ‪( :‬وأيم الل ِه لو أن ف ِ‬
‫ََ َ ُ‬
‫لقط ْعت َي َد َها)(‪ ،)1‬وقد عزل عمر بن الخطاب ‪ ‬أحد والته ألنه استهزأ بأحد رعاياه‪ ،‬واقتص‬
‫محمد بن عمرو بن العاص‬ ‫َ‬ ‫وال آخر ألنه جلد أحد املواطنين بغير سبب وجيه‪ ،‬وعاقب‬ ‫من ٍ‬
‫ُّ‬
‫القبطي‬ ‫َ‬
‫صفح‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ابن والي مصر‪ ،‬ألنه اعتدى على قبطي بالضرب‪ ،‬وه َّم بمعاقبة أبيه‪ ،‬لوال أن َ‬ ‫َ‬
‫مرا َ‬‫َ َ ًَ‬
‫وابنه بمقولته الخالدة‪( :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم‬ ‫عنه‪ ،‬حيث خاطب عمر ع‬
‫ً‬
‫أمهاتهم أحرارا) (‪.)9‬‬
‫‪ -‬املحاكمة العادلة‪ :‬دعا إلاسالم إلى العدل حتى مع املخالفين‪ ،‬وأرس ى مبادئ املقاضاة‬
‫العادلة‪ ،‬ومنها‪( :‬حق الفرد في اللجوء إلى القضاء لرفع أي ظلم يحس به)‪( ،‬سماع أقوال املدعي‬
‫واملدعى عليه)‪( ،‬براءة املتهم حتى تثبت إدانته)‪( ،‬ال عقاب دون جريمة)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تحريم التعذيب‪ :‬أكد النبي ‪ ‬على حرمة تعذيب أي إنسان‪ ،‬حين قال‪( :‬د َّن َ‬
‫هللا ُي َعذ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد َنيا)(‪ ،)1‬وأنكر عمر ‪ ‬على أحد والته‪ ،‬وقد حجز بعض الناس‬ ‫ِ َ ُ َ ُ َ َّ َ‬
‫اس في ُّ‬
‫الذيم يع ِذبون الن ِ‬
‫تحت الشمس‪ ،‬بذريعة تأخرهم عن دفع أموال مستحقة عليهم لخزينة الدولة‪ ،‬وأمر بتخليتهم‬
‫ً‬
‫قائال‪( :‬دعوهم وال تكلفوهم ما ال يطيقون)(‪.)1‬‬
‫وهكذا سبق إلاسالم إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان في املواد (‪ ،)11 - 5‬والتي تمنع‬
‫إدانة أي إنسان أو حجزه دون محاكمة‪ ،‬وتحث على منحه الحق في التقاض ي أمام جهة حاكمة‬
‫نزيهة‪ ،‬كما تحظر التعذيب ألي إنسان‪.‬‬

‫حـقوق إلا ـسـان الاجـتـمـاعـيــة‬


‫إن املناداة بالحريات العامة ال تكفي لتحرير إلانسان‪ ،‬إذا لم يصاحب ذلك ما يكفل له‬
‫ً‬
‫حقه في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والعمل‪ ،‬إذ ما قيمة حرية الفكر مثال ملن ال‬

‫(‪ )1‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب أحادي ــث ألانبيـ ــاء‪ ،‬بـ ــاب ح ــديث الغـ ــار‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1944 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1949‬ورواه مس ــلم‪،‬‬
‫كتاب الحدود‪ ،‬باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود حديث رقم‪.1644 :‬‬
‫الصالبي‪ :‬د‪ .‬علي محمد‪ ،‬فصل الخطا في سيرة أمير املؤمنين عمر بم الخطا ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111-191‬‬ ‫(‪َّ )9‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وآلاداب‪ ،‬باب الوعيد الشديد ملن عذب الناس بغير حق‪ ،‬حديث رقم‪.9611 :‬‬
‫(‪ )1‬الواقد ‪ :‬أبو عبد هللا بن عمر‪ ،‬فتوح الشام‪ ،‬دار الجليل‪ ،‬بيروت‪.917/1 ،‬‬
‫‪195‬‬
‫ً‬
‫يملك املسكن وال يجد قوت يومه؟ وهذا ما تنبه إليه الغرب متأخرا‪ ،‬فازداد اهتمامه بالحقوق‬
‫الاجتماعية(‪ ،)1‬وهو ما سبق إلاسالم إلى تقريره‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬فاإلسالم يقرر ح الضمان الاجتماعي‪ ،‬إذ ينش ئ مجتمعا متماسكا متعاضدا‪ ،‬يقوم‬
‫على ألاخوة والبر والتكاتف والتكافل‪ ،‬لسد حاجات املحتاجين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬كما يكفل إلاسالم ح التعليم لكل فرد في املجتمع إلاسالمي‪ ،‬غنيا كان أم فقيرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صغيرا كان أم كبيرا‪ ،‬ذكرا كان أم أنثى‪ ،‬مسلما كان أم غير مسلم‪ ،‬وما من نظام أو دين حث‬
‫على العلم ورفع من شأنه وميز العلماء‪ ،‬مثلما فعل إلاسالم‪.‬‬
‫‪ -‬ويؤكد إلاسالم على ح إلا سان في العمل وتولي الوظائف العامة‪ ،‬ويلقي على عاتق‬
‫الدولة واجب توفير فرصة العمل لكل مواطن‪ ،‬مع ضمان أجر عادل وحقوق كاملة‪ ،‬ويتيح‬
‫َ‬
‫لكل مواطن أن يتقدم لتولي الوظائف العامة على أساس الكفاءة‪َ ،‬ويع ُّد تولية غير الكفء‪،‬‬
‫على أسس فئوية أو عائلية أو حزبية‪ ،‬خيانة هلل تعالى ولرسوله ‪ ‬وللمؤمنين‪.‬‬

‫حـري ــات إلا ـســان العـامـة‬


‫كفل إلاسالم لإلنسان كافة أنواع الحريات إلانسانية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ )2‬حرية التديم‬
‫أكد إلاسالم على حق إلانسان في اختيار الدين الذي يرتضيه‪ ،‬دون أي إجبار من أحد‪ ،‬وأرس ى‬
‫القرآن الكريم في ذلك قاعدته الخالدة‪ :‬ﱣﭐﳎﳏ ﳐﳑﱢ(البقرة‪.)956 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعلى هدي هذه القاعدة سار النبي ‪ ‬والصحابة ‪ ‬من بعده‪ ،‬فلم يجبروا يوما أحدا‬
‫على اعتناق إلاسالم‪ ،‬وتعاملوا مع أصحاب الديانات ألاخرى بتسامح غير مسبوق‪ ،‬وكفلوا لهم‬
‫حرية التعبد‪ ،‬وحموا لهم دور العبادة‪.‬‬
‫ً‬
‫وتشير كتب السيرة النبوية إلى أن النبي ‪ ‬لم يكن يجد حرجا في زيارة أهل الكتاب داخل‬
‫بيوت عبادتهم(‪ ،)9‬كما استقبل النبي ‪ ‬وفد نجران النصراني داخل املسجد النبوي وأكرم‬
‫ضيافتهم(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الغنوشـ ي‪ :‬راشــد‪ ،‬الحريــات العامــة فــي الدولــة إلاســالمية‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬بيــروت‪1001 ،1 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.14-17‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ّ َََ ُ ْ َْ ْ‬ ‫َ َ َ َ ٌ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ‬
‫اس‪ ،)....‬رواه أبــو داود‪،‬‬ ‫ـود فــدعوا رســول اللـ ِـه ‪ِ ‬دلــى القـ ِ‬
‫ـف فأتــاهم ِفــي بيـ ِـت ِاملــدر ِ‬ ‫(‪ )9‬فــي الســنن أنــه‪( :‬أتــى نفــر ِمــم يهـ ٍ‬
‫كتاب الحدود‪ ،‬باب في رجم اليهوديين‪ ،‬حديث رقم‪ ،1110 :‬ج‪ ،1‬ص ‪.155‬‬
‫‪196‬‬
‫ولعل الوثيقة الدستورية التي نظمها النبي ‪ ‬بعد استقراره في املدينة املنورة‪ ،‬خير دليل‬
‫على محافظة إلاسالم على حق التدين والعبادة ألهل الكتاب وللمخالفين له في العقيدة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫شاهد آخر على ذلك‪.‬‬ ‫والوثيقة العمرية‬

‫‪ )0‬حرية التفكير والتعبير عم الرأ‬


‫كفل إلاسالم لإلنسان حريته في التفكير وفي التعبير عن آرائه‪ ،‬دون أي اضطهاد أو عقاب‬
‫أو إكراه‪.‬‬
‫ويمثل إلاسالم ثورة فكرية وعقلية تدعو إلانسان إلى التفكير الحر والتعقل‪ ،‬وتشتد في‬
‫النكير على أولئك الذين يلغون عقولهم ويعمون بصائرهم‪ ،‬مكتفين بتقليد آبائهم‪ ،‬وم َس ّل َ‬
‫مين‬ ‫ِ‬
‫بصحة آلاراء السائدة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ‬

‫ﳓﳔ ﱁﱂﱃﱄﱅ ﱆ ﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌ ﱍﱎﱏﱐﱑ ﱒ ﱓ‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬

‫ﱦﱢ(الزخرف‪.)91-99 :‬‬
‫كما دعا إلاسالم إلى احترام آراء آلاخرين‪ ،‬والتلطف والتأدب والتواضع في مخاطبتهم‪،‬‬
‫بالحوار الهادئ وبالحسنى‪ ،‬وبألفاظ رقيقة رفيقة ال ت َس ِّفه آر َاءهم‪ ،‬وال تحقر مذاهبهم‪ ،‬ولنتأمل‬
‫ذلك ألادب الرفيع في مخاطبة القرآن الكريم للكفار في قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐﱦﱧﱨﱩ ﱪ‬

‫ﱫﱬﱭﱮﱢ(سبأ‪ ،)91 :‬وقوله‪ :‬ﱣﭐﲒﲓﲔﲕﲖﲗ ﲘﲙ ﲚ ﱢ (ألاحقاف‪.)19 :‬‬


‫وهكذا سبق إلاسالم إلى تقرير الحرية الفكرية وحرية الرأي‪.‬‬

‫‪ )3‬الحرية السياسية والاقتصادية‬


‫كفل إلاسالم للمواطنين في الدولة إلاسالمية الحرية السياسية‪ ،‬وأن يمارسوا حق‬
‫املشاركة وإبداء الرأي ونقد السلطة الحاكمة‪.‬‬
‫كما كفل إلاسالم لإلنسان الحرية في التملك والكسب والعمل‪ ،‬وحرم أكل ألاموال‬
‫بالباطل‪ ،‬ومنع حصر املال في يد فئة دون سواها من الناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابـم سـعد‪ :‬محمــد بـن سـعد‪ ،‬الطبقــات الكبـرى‪ ،‬دار صـادر‪ ،‬بيــروت‪ ،157/1 ،‬ابـن كثيـر‪ :‬إســماعيل بـن عمـر القرشـ ي‬
‫أبو الفداء‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬مرجع سابق‪.56/5 ،‬‬
‫‪197‬‬
‫َ‬
‫معالجة إلاسالم مشكلة الرق‬

‫حث إلاسالم على معاملة الرقيق بإنسانية لم تعهد من قبل‪ ،‬وساوى في إلانسانية بين‬
‫الرقيق والسادة‪ ،‬في عالم كان يعد الرقيق من جنس آخر‪ ،‬خ ِل َق ليستعبد ويستذل ويخدم‬
‫سادته(‪.)1‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬عمل إلاسالم على إنهاء مشكلة الرق‪ ،‬ففتح باب تحرير الرقيق على‬
‫مصراعيه‪ ،‬وجعل من مصارف الزكاة مصرف تحرير الرقيق‪ ،‬واشتملت أكثر كفارات الذنوب في‬
‫إلاسالم على تحرير الرقاب‪ ،‬فما أعظمه من دين!! وقد ربط مغفرة كثير من الذنوب بتحرير‬
‫ً‬
‫الرقيق! رابطا بذلك تحرير الرقاب بأكثر ش يء يقع من إلانسان‪ ،‬أال وهو الذنوب وألاخطاء!‬
‫وفي الوقت الذي فتح فيه إلاسالم أبواب تحرير الرقيق‪ ،‬فإنه في املقابل سد طرق‬
‫الاسترقاق‪ ،‬وحصر مصير أسرى الحرب باملن أو الفداء‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵﱶﱷ ﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ ﲄﱢ(محمد‪)1 :‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا فإن إلاسالم منذ أن أشرق نوره على البشرية‪ ،‬سعى سعيا حثيثا إلى معالجة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مشكلة الرق‪ ،‬هذه املشكلة إلانسانية التي كانت عرفا اجتماعيا مستفحال لدى ألامم القديمة‪،‬‬
‫من الرومان والفرس والعرب وغيرهم‪ ،‬وقض ى عليها بالتدريج‪ ،‬وسبق بذلك إلاعالن العالمي‬
‫لحقوق إلانسان في املادة (‪ ،)1‬والتي حظرت الرق‪.‬‬
‫ينه املسلمين عنه بنص‬ ‫وقد يقول قائل هنا‪ :‬ملاذا تدرج إلاسالم في محا بة الرق‪ ،‬ولم َ‬
‫ر‬
‫م َح ِّر ٍم حاسم قاطع؟!‬
‫ّ ً‬
‫متأصلة‬ ‫والجواب‪ :‬أن الرق كان مشكلة مستفحلة في املجتمعات البشرية القديمة‪ ،‬وعادة‬
‫يصعب القضاء عليها وإنهاؤها مرة واحدة وبشكل قاطع‪ ،‬ألن ذلك سيخلق مشكلة إنسانية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أشد خطورة وأكثر امتهانا وتضييعا للرقيق من مشكلة الرق ذاتها‪ ،‬ذلك أن العبد نشأ وترعرع‬
‫ً‬
‫في كنف سيده الذي كان مسؤوال مسؤولية كاملة عن توفير كل أسباب العيش له‪ ،‬من مأكل‬
‫ومشرب ومسكن وملبس‪ ،‬لذا فإن تحريره كان يعني التخلي عنه وتحميله كل أعباء الحياة‬
‫ً‬
‫ومسؤولياتها فجأة‪ ،‬ولم يكن قد اعتاد شيئا من ذلك‪ ،‬ويكون تحريره مثل منح الحرية لطفل‬
‫صغير‪ ،‬بإلقائه فجأة إلى الشارع‪ ،‬يتدبر شؤونه وحياته بنفسه‪ ،‬ولنتخيل املجتمعات البشرية‬

‫(‪ )1‬أنظــر ف ــي النقلــة الهائل ــة التــي نق ــل إلاســالم الرقي ــق إليه ـا‪ ،‬فــي‪ :‬قط ــب‪ :‬محمــد‪ ،‬ش ـ هات حــول إلاس ــالم‪ ،‬دار الش ــروق‪،‬‬
‫‪1114 ،99‬هـ‪1007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.11 - 14‬‬
‫‪198‬‬
‫القديمة‪ ،‬وفي كل مجتمع منها مئات آالف بل ماليين الرقيق‪ ،‬وقد ألقي بهم إلى الشارع دفعة‬
‫واحدة‪ ،‬ماذا سيكون حالهم وحال املجتمع؟! فتأمل حكمة إلاسالم ورحمته!!‬
‫ومن هنا فإن إلاسالم قد شرع املكاتبة وندب إليها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱢ (النور‪ ،)11 :‬واملكاتبة نظام من التحرير التدريجي‬
‫للرقيق‪ ،‬يقوم على تدريب الرقيق على تحمل املسؤولية والاستقالل في كسب عيشه‪ ،‬واختباره‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعد ذلك ثم تحريره‪ ،‬لينطلق إلى الحياة حرا كريما‪ ،‬ال أن يتحرر من رق العبودية ليستعبده‬
‫رق أكبر‪ ،‬هو رق التشرد والجوع وذل الحياة وظروفها القاسية(‪.)1‬‬

‫خصائص الرؤية إلاسالمية لحقوق إلا سان‬


‫ً‬ ‫َ‬
‫الغرب بأربعة عشر قرنا‪ ،‬إلى تقرير وتطبيق حقوق إلانسان وحرياته‬ ‫لقد سبق إلاسالم‬
‫العامة‪ ،‬وهو سبق تشريعي معجز‪ ،‬في وقت كانت البشرية تغرق فيه في ظالم دامس من الظلم‬
‫والاستعباد والانتهاك الصارت لحقوق إلانسان ألاساسية‪.‬‬
‫على أن هناك فوارق جوهرية بين إلاسالم والغرب فيما يتعلق بهذه الحقوق‪ ،‬تتجاوز تلك‬
‫املقاربة اللفظية بين نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية ونصوص إلاعالن العالمي لحقوق‬
‫إلانسان‪ ،‬ويمكن توضيح أهم مميزات الرؤية إلاسالمية لحقوق إلانسان بارختي‪:‬‬
‫‪ )2‬واجبات دينية مقدسة‬
‫إن تكريم إلانسان وتقرير حقوقه في إلاسالم‪ ،‬ليس مجرد حقوق لصاحبها أو غيره أن ينزل‬
‫عنها أو أن ينتهكها‪ ،‬إنما هو تكريم إلهي وحقوق دينية مقدسة‪ ،‬وتكاليف وواجبات شرعية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تكتسب عند املسلم إلزاما إلهيا ال يجوز له التهاون فيه أو السكوت على انتهاكه‪ ،‬بل يجب‬
‫عليه أن يجاهد في سبيل حمايته‪ ،‬وذلك يكسب هذه الحقوق فعالية وقوة وضمانة ال تتوافر‬
‫في غير إلاسالم(‪.)9‬‬
‫وهذه الرؤية كانت أحد أسس الرساالت السماوية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲼﲽ ﲾﲿﳀ‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﱢ (الشعراء‪ ،)17- 16 :‬وهي الرؤية التي فهمها الصحابة ‪،‬‬

‫(‪ )1‬نحو هذا أجاب محمد قطب‪ ،‬أنظر‪ :‬قطب‪ :‬محمد‪ ،‬ش هات حول إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.69 - 17‬‬
‫(‪ )9‬عمارة‪ :‬د‪ .‬محمد‪ ،‬إلاسالم وألامم الاجتماعي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1004 ،1 ،‬م‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪199‬‬
‫ً‬
‫وعبر عنها عمر ‪ ‬في مقولته الخالدة‪( :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)(‪،)1‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خر َج َمم ش َاء‬‫وربعي بن عامر ‪ ‬حين خاطب رستم‪ ،‬بقوله‪( :‬هللا ابتعثنا‪ ،‬وهللا جاء بنا‪ ،‬لن ِ‬
‫الدنيا دلى َس َع ِت َها‪ ،‬ومم َج ْو ِر ألاديان دلى عدل‬ ‫ّ‬
‫عبادة العباد دلى عبادة هللا‪ ،‬ومم ِضي ِ‬
‫ِ‬ ‫مم‬
‫إلاسالم)(‪.)9‬‬
‫‪ )0‬حقوق لكل الناس‬
‫ً‬
‫إن إلاسالم ينادي بتكريم كل إنسان في كل مكان‪ ،‬ويكفل حقوق وحريات الناس جميعا‪،‬‬
‫دون تمييز بين جنس وجنس أو عرق وعرق‪ ،‬بل دون تمييز بين مسلم وغير مسلم‪ ،‬فبنو آدم‬
‫كلهم مكرمون دون استثناء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما الغرب‪ ،‬فإنه ال يعني بحقوق إلانسان إال إنسانا معينا‪ ،‬هو إلانسان الغربي‪ ،‬الذي‬
‫ينال حقوقه على حساب إلانسان آلاخر‪ ،‬وفي اللحظات التي ينادي بها الغرب بحقوق إلانسان‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ويهب للدفاع عنها ‪ّ -‬‬
‫املعني هو إلانسان الغربي‪ ،‬وتكريمه ليس لكونه إنسانا‪ ،‬بل‬ ‫يتبين أن‬
‫النتمائه إلى نسق تاريخي واجتماعي وثقافي معين(‪ ،)1‬يقول د‪ .‬محمد عمارة‪( :‬فتطبيقات‬
‫الحضارة الغربية التاريخية والحديثة واملعاصرة في ميدان حقوق إلانسان‪ ،‬شاهدة على أن‬
‫إلانسان الذي استحق أن تكفل له هذه الحقوق‪ ،‬إنما كان إلانسان ألابيض الغربي قبل‬
‫سواه‪ ،‬وأكثر من سواه‪ ،‬وفي أحيان كثيرة دون سواه)(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫إن تقرير الغرب حقوق إلانسان في نصوص ومواثيق دولية ال يعني شيئا‪ ،‬وال يساوي‬
‫قيمة الورق والحبر الذي كتب به‪ ،‬إذا كان واقع إلانسان ال يزال يسوده الاستعباد والظلم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الناس كلهم‪ ،‬استعبادا جديدا وبأساليب‬ ‫أسمالي‬ ‫والعدوان والقمع‪ ،‬لقد استعبد النظام الر‬
‫جديدة‪ ،‬لكن الاستعباد هو الاستعباد‪ .‬فاإلنسان ال يزال يموت بمئات آلاالف‪ ،‬بسبب الجوع‬
‫واملرض والفقر والبؤس والحروب في أفريقيا وغيرها‪ ،‬في حين يتفنن إلانسان الغربي في صناعة‬
‫طعام لكالبه‪ ،‬وفي إلقاء أطنان من القمح في البحار واملحيطات كي ال يهبط سعرها‪ .‬وإلانسان‬

‫الصالبي‪ :‬د‪ .‬علي محمد‪ ،‬فصل الخطا في سيرة أمير املؤمنين عمر بم الخطا ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111-191‬‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )9‬الطبــر ‪ :‬محمــد بــن جريــر‪ ،‬تــاريخ الطبــر ‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،599/1 ،‬وانظــر‪ :‬ابــم كثيــر‪ ،‬إســماعيل بــن عمــر‪ ،‬البدايــة‬
‫والنهاية‪ ،‬مرجع سابق‪.10/7 ،‬‬
‫(‪ )1‬الغنوش ـ ي‪ :‬راش ــد‪ ،‬الحري ــات العام ــة ف ــي الدول ــة إلاس ــالمية‪ ،‬مرج ــع س ــابق‪ ،‬ص ‪ ،15-11‬ال ــدري ي‪ :‬د‪ .‬محم ــد فتح ــي‪،‬‬
‫بح ــث أص ــول حق ــوق إلا س ــان ف ــي التش ـريع إلاس ــالمي‪ ،‬منش ــور ض ــمن كت ــاب‪ :‬دراس ــات وبح ــوث ف ــي الفك ــر إلاس ــالمي‬
‫املعاصر‪ ،‬للمؤلف‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬بيروت‪1194 ،1 ،‬هـ‪1044 ،‬م‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫(‪ )1‬عمارة‪ :‬د‪ .‬محمد‪ ،‬إلاسالم وألامم الاجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪211‬‬
‫ال يزال يرزح تحت نظم دكتاتورية فاسدة في معظم دول العالم الثالث‪ ،‬تنتهك الحقوق وتنهب‬
‫الخيرات‪ ،‬ثم تلقى كل الدعم من الدول الرأسمالية‪ .‬وإلانسان ال يزال يخضع لهيمنة واحتالل‬
‫الدول الرأسمالية الاستعمارية‪ ،‬التي تستعبده وتنهب خيراته‪ ،‬وتنظر إليه على أنه مجرد كائن‬
‫استهالكي‪ ،‬يعيش على ما تنتجه له‪ ،‬وال يسمح له بأي استقالل سياس ي أو اقتصادي أو اعتماد‬
‫على النفس‪.‬‬
‫‪ )3‬حرية إلا سان الحقيقية في عبوديته هلل تعالى‬
‫إن لإلسالم رؤيته الخاصة لحرية إلانسان‪ ،‬والتي تختلف عن الرؤية الغربية‪ ،‬حيث يقرر‬
‫إلاسالم أن إلانسان ال يحقق حريته الحقيقية وتكريمه الحقيقي إال بالعبودية هلل تعالى‪،‬‬
‫والتحرر من شهواته وأهوائه وملذاته وماديته‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬

‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﱢ (البينة‪ ،)9- 1:‬أي إن املشركين‬


‫ال يمكن أن يتحرروا إال بعبادة هللا تعالى وحده‬
‫وبهذا املفهوم العميق للحرية‪ ،‬فإن إلانسان الغربي نفسه‪ ،‬لم يتحرر بعد‪ ،‬ولم يصل‬
‫منزلته إلالهية‪ ،‬فهو مستعبد لشهواته وملذاته‪ ،‬وغارق في ماديته‪ ،‬وما ينادي به الغرب من‬
‫حقوق وحريات لإلنسان ال ينبع من إلايمان باإلنسان كقيمة‪ ،‬إذ الحضارة الغربية حضارة‬
‫مادية إلهها املادة وسلطانها القوة‪ ،‬وإلانسان مختزل في جانبه املادي‪ ،‬وهو ذو طبيعة حيوانية‬
‫وشهوانية محضة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الغنوش ي‪ :‬راشد‪ ،‬الحريات العامة في الدولـة إلاسـالمية‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص ‪ ،15- 11‬عـارل‪ :‬نصـر محمـد‪ ،‬نظريـات‬
‫التنميـ ــة السياسـ ــية املعاصـ ــرة ‪ ،‬املعهـ ــد العـ ــالمي للفكـ ــر إلاسـ ــالمي‪ ،‬فيرجينيـ ــا‪ ،‬الواليـ ــات املتحـ ــدة‪1119 ،1 ،‬ه ـ ــ‪،‬‬
‫‪1009‬م‪ ،‬ص ‪ 101‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫املـرأة في منـظور إلاسـالم‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫(إنه من امل َسل ِم به عامليا بصفة عامة‪ ،‬أن‬
‫إصالحاته "أي محمد" رفعت من قدر املرأة ومنزلتها‬
‫ووضعها الاجتماعي والشرعي)‪.‬‬
‫املستشرق إلانجليزي هاملتون جب‬

‫من أهم القضايا التي أثيرت وال تزال تثار ‪ ،‬قضية املرأة وحقوقها وتحريرها‪ ،‬وتثار مع هذه‬
‫ً‬
‫القضية في كثير من ألاحيان شبهات حول موقف إلاسالم من املرأة‪ ،‬تزعم أن في إلاسالم تمييزا‬
‫للرجل على املرأة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والحقيقة أنه ما من تشريع ك َّر َم املرأة واسترد لها حقوقها مثل إلاسالم‪.‬‬
‫نظـرة تـاريخـيـة‬
‫كانت النظرة العامة والشائعة إلى املرأة عبر العصور‪ ،‬نظرة امتهان وانتقاص تنزل بها عن‬
‫درجة إلانسانية‪ ،‬وتضعها في منزلة دون منزلة الرجل‪ ،‬وتهضمها حقوقها في شتى املجاالت‪ ،‬ومن‬
‫أهم مظاهر ذلك‪:‬‬
‫ََ‬
‫‪ -2‬في وثنية الهند‪ :‬كانت املرأة بمثابة ألام ِة‪ ،‬وكانت النظرة إلى ألارملة نظرة امتهان واحتقار‬
‫وتجريح‪ ،‬وكانوا يستكثرون عليها أن تعيش بعد زوجها‪ ،‬إلى درجة أنه كان من التقاليد املحترمة‬
‫التي تدل على وفائها لزوجها‪ ،‬أن تنتحر بعده(‪.)1‬‬
‫‪ -0‬وعند اليونان‪ :‬كانت املرأة سلعة تباع وتشترى في ألاسواق‪ ،‬وكان أفالطون يشعر‬
‫بالضيق ألنه ابن امرأة‪ ،‬وكانت نظرة أرسطو إليها أنها كائن بال إرادة‪ ،‬وليس في وسعها الرقي إلى‬
‫مراتب الاستقالل‪.‬‬
‫سبب غواية َ‬ ‫َّ‬
‫باألكل من الشجرة‪ ،‬والخروج من الجنة‪،‬‬‫ِ‬ ‫آدم‬ ‫‪ - -3‬وفي التوراه‪ :‬عدت املرأة َ ِ‬
‫ولعنات(‪.)9‬‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫أعقب ذلك من شقاء‬ ‫وما‬

‫(‪ )1‬علـى اعتقــاد أنهـا يجــب أن تخدمـه فــي قبــره‪ ،‬كمــا خدمتــه فـي حياتــه‪ ،‬وقــد قلــت عـادة الانتحــار بتــأثير املســلمين‪ ،‬إلــى أن‬
‫ً‬
‫ألغاهـا إلانجليــز فــي العهــد ألاخيــر إلغـاء تامــا‪ ،‬أنظــر‪ :‬النــدو ‪ :‬أبــو الحســن علـي الحســني‪ ،‬مــاذا خســر العــالم بانحطــاط‬
‫املسلمين‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1199 ،1 ،‬هـ‪1000 ،‬م‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )9‬جــاء فــي ســفر التكــويم مــا نصــه‪َ ..." :‬هــل َأكلـ َـت مـ َـن َّ‬
‫الشـ َـج َر ِة ال ِتــي أوصــيتك أن ال تأكــل ِمنهــا؟ فقــال آدم‪ :‬املــرأة ال ِتــي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫ـدين أوال ًدا‪،‬‬
‫َ َ َ‬
‫ـاب َح َبلـ ِـك‪ِ ،‬بــالوج ِع ت ِلـ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الشـ َـجر ِة َف َأ َكلــت‪َ ،... ،‬و َقـ َ‬
‫ـال ِل َلمـر ِأة‪ :‬تك ِثيـ ًـرا أكثــر أتعـ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫َج َع َلت َهــا َم ِعـ َـي‪ِ ،‬هـ َـي أعطت ِ ــي ِمــم‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫عت ل َقــول امرأتـ َـك َو َأكلـ َـت مـ َـن َّ‬
‫الشـ َـج َر ِة ال ِتــي‬
‫َ‬ ‫َو َإلــى َرجلــك َيكــون اش ـت َياقك‪َ ،‬وهـ َـو َيســود َع َليــك‪َ .‬و ًقـ َ َ َ َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـال ِرخدم‪ِ :‬ألنــك سـ ِـم ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪212‬‬
‫‪ -4‬وفي الجاهلية‪ :‬كان بعض العرب يئدون بناتهم‪ ،‬ويصور لنا القرآن الكريم تلك‬
‫النفسية والنظرة املهينة لألنثى حين تولد‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣﱤ ﱥﱦ‬
‫ﱸﱺﱻ ﱼﱽ‬
‫ﱹ‬ ‫ﱰ ﱲﱳﱴ ﱵﱶﱷ‬
‫ﱧ ﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱱ‬
‫ﱾﱢ(النحل‪.)50 - 54 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -5‬وفي الغر ‪ :‬إلى وقت غير بعيد‪ ،‬كان البحث محموما لتحديد ما إذا كانت املرأة إنسانا‬
‫أم ال‪ ،‬وهل لها روح أم ال‪ ،‬وإذا كان لها روح‪ ،‬فهل هي روح إنسانية أم روح حيوانية(‪.)1‬‬
‫وحتى بعد أن ظهرت القوانين‪ ،‬لم تنصف املرأة‪ ،‬فلم يكن القانون إلانجليزي يعطي املرأة‬
‫الحق في الكسب والتملك‪ ،‬بل لقد أباح بيعها كسائر ألاشياء‪ .‬وفي عام ‪ 1793‬بعد الثورة‬
‫مرسوم ُّ‬
‫يعد فيه املرأة معدومة ألاهلية‪ ،‬كاملجانين وألاطفال‪ ،‬وبقي‬ ‫ٌ‬ ‫الفرنسية صدر في فرنسا‬
‫ألامر كذلك إلى أن ع ِّد َل عام ‪1014‬م‪ ،‬ومع ذلك بقيت أهليتها في القانون الفرن ي مقيدة‬
‫بقيود إلى آلان‪ ،‬ناشئة عن نظام ألاموال املشتركة بين الزوجين‪ ،‬ومن ذلك أن املرأة املتزوجة ال‬
‫يمكنها التصرف في أموالها الخاصة إال بإذن الزوج‪ ،‬وال يكفي إذن املحكمة(‪ .)9‬وكانت الواليات‬
‫املتحدة ألامريكية حتى عام ‪ 1099‬تساوي بين املرأة والعبد‪ ،‬وتحرمهما حقوقهما السياسية‪.‬‬

‫تـكـريــم إلاســالم للـمــرأة‬

‫لقد ثار إلاسالم على كل ألاوضاع الظاملة للمرأة‪ ،‬والتي تواطأت عليها وتوارثتها كل‬
‫الفلسفات واملجتمعات والنظم‪ ،‬فرفع من شأنها وأعلى منزلتها‪ ،‬وساواها بالرجل في الكرامة‬
‫وإلانسانية والتكليف والجزاء‪.‬‬

‫َ‬ ‫أوصــيت َك َقــائ َال‪َ :‬ال تأكــل م َنهــا‪َ ،‬ملع َونـ ٌـة ألارض ب َسـ َـببك‪ ،‬ب َّ‬
‫الت َعـ ِـب تأكــل ِم َنهــا كـ َّـل َّأيـ ِـام َح َيا ِتـ َـك"‪( ،‬ســفر التكــويم ‪-11 :1‬‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.)17 -16 ،19‬‬
‫(‪ )1‬قطب‪ :‬محمد‪ ،‬ش هات حول إلاسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫ً‬
‫(‪ )9‬الســباعي‪ :‬د‪ .‬مصــطفى‪ ،‬املــرأة بــين الفقــه والقــانون‪ ،‬دار الــوراق‪ ،‬بيــروت‪1199 ،7 ،‬ه ــ‪1000 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،16‬ن ــاقال‬
‫عن‪ :‬الزواج‪ ،‬لزهدي يكن‪ ،‬ص‪.991‬‬
‫‪213‬‬
‫مساواة املرأة بالرجل في الكرامة وإلا سانية‬

‫قرر إلاسالم كرامة إلانسان‪ ،‬ولم يفرق في ذلك بين الرجل واملرأة‪ ،‬فاملرأة أخت الرجل‪،‬‬
‫والرجل أخو املرأة‪ ،‬وكالهما من أصل واحد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫ﱈﱉﱊﱋ ﱌﱍﱎ ﱏﱐﱑﱢ (النساء‪.)1 :‬‬

‫مساواة املرأة بالرجل في التكاليف والجزاء‬


‫ً‬
‫كال من الرجل واملرأة بالتكاليف الشرعية على حد سواء‪ ،‬وذلك منذ أول‬ ‫خاطب إلاسالم‬
‫كر َم هللا تعالى به إلانسان‪ ،‬حين قال‪ :‬ﱣﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬ ‫تكليف َّ‬

‫ﲬ ﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ ﲵﱢ(البقرة‪.)15 :‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وساوى إلاسالم بين الرجل واملرأة في الجزاء‪ ،‬إن خيرا فخير‪ ،‬وإن شرا فشر‪ ،‬وال ي َح ِّمل‬
‫َ‬
‫إلاسالم املسؤولية للمرأة دون الرجل‪ ،‬وال يلصق بها خطيئة متوارثة‪ ،‬وهي إن زنت أو قتلت‪،‬‬
‫فعقوبتها عقوبة الرجل إذا زنى أو قتل‪ ،‬وهي إن أحسنت وأصلحت‪ ،‬فجزاؤها جزاء الرجل إن‬
‫أحسن وأصلح‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬

‫ﲂﲄ ﲅﲆﲇﲈ ﲉﱢ(النحل‪.)07 :‬‬


‫ﲃ‬

‫الحـقــوق الاجـتـمـاعـيـة للـمــرأة‬

‫كفل إلاسالم للمرأة حقوقها الاجتماعية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬


‫جبر على الزواج من‬ ‫‪ - 2‬حقوقها الزوجية وألاسرية‪ :‬مثل حقها في اختيار زوجها‪ ،‬فال ت َ‬
‫ُ َْ َ َ َ ُ‬ ‫ُ َْ َ ُْ َ ْ ْ‬ ‫َ ُْ َ َْ‬
‫جل ال تريده‪ ،‬لقول النبي ‪( :‬ال تنك ُح ألا ِّي ُم َح َّتى ت ْستأ َم َر َوال تنك ُح ال ِبك ُر َح َّتى ت ْستأذن‪ .‬قالوا‬
‫ر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َيا َرسول الل ِه‪ :‬وكيف دذنها؟ ق َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ال‪ :‬أن تسكت)(‪ .)1‬وحقها في حسن املعاشرة‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬
‫جب َر على البقاء مع زوج ال تريده‪،‬‬ ‫ﱣﲱ ﲲﱢ (النساء‪ .)10:‬وحقها في أن ال ت َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫خاصة عندما تسوء العشرة‪ ،‬وتزول أسس الوفاق واملودة‪ ،‬فعن ابن عباس ‪( :‬أ َّن ْام َرأة‬

‫(‪ )1‬رواه البخـ ــار ‪ ،‬كتـ ــاب النكـ ــاح‪ ،‬بـ ــاب ال يـ ــنكح ألاب وغي ـ ــره البكـ ــر والثي ـ ــب إال برضـ ــاها‪ ،‬حـ ــديث رقـ ــم‪ ،1411 :‬ج‪،5‬‬
‫ص‪ ،1071‬ورواه مسلم‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ح‪ .‬رقم‪.1110 :‬‬
‫‪214‬‬
‫ُُ‬ ‫الله! َثاب ُت ْب ُم َق ْي َ َ ْ ُ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َثاب ِت ْبم َق ْي َ َ ْ َّ َّ‬
‫س ما أع ِتب علي ِه ِفي خل ٍ‬ ‫َ ٍ‬ ‫س أ َتت الن ِبي ‪ ‬فقالت‪ :‬يا رسول ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ُّ َ ََْ َ َ َ ُ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫ََ ّ ْ َُ ُْ ْ َ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫َوال ِد ٍيم‪ ،‬ول ِك ِ ي أكره الكفر ِفي ِإلاسال ِم‪ ،‬فقال رسول الل ِه ‪ :‬أتر ِديم علي ِه ح ِديقته؟ قالت‪:‬‬
‫َ َ َّ ْ َ ْ َ ً‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َع ْم‪َ ،‬ق َ‬
‫ال َر ُسو ُل الل ِه ‪ :‬إق َب ْل ال َح ِديقة َوط ِلق َها تط ِليقة)(‪.)1‬‬
‫خص النبي ‪ ‬النساء بيوم لتلقي العلم‪ ،‬فعن أبي سعيد‬ ‫َّ‬ ‫‪ - 0‬حقها في التعليم‪ :‬وقد‬
‫الر َج ُ‬
‫ال‬ ‫(ج َاء ْت ْام َرَأ ٌة دلى َر ُسو ِل الل ِه ‪ ‬ف َقال ْت‪َ :‬يا َر ُسو َل الل ِه ذ َه َب ّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الخدري ‪ ‬أنه‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجت ِم ْع َم‬
‫ُ َ ّ ُ َ َّ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ َ‬
‫يك ِف ِيه‪ ،‬تع ِلمنا ِمما علمك الله؟ فقال‪:‬‬ ‫اج َع ْل َل َنا م ْم َن ْفس َك َي ْو ًما َن ْأت َ‬
‫ب َحديث َك‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الله ‪َ ‬ف َع َّل َم ُه َّم م َّما َع َّل َمهُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ُ َّ َ ُ ُ َّ‬ ‫َْ َ َ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِفي يو ِم كذا وكذا‪ِ ،‬في مك ِان كذا وكذا‪ ،‬فاجتمعم فأتاهم رسول ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ً َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ َُ‬ ‫ُْ‬ ‫الل ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َ‬
‫َّ‬
‫ال‪َ :‬ما ِمنك َّم ْام َرأة تق ِّد ُم َب ْين َي َد ْي َها ِم ْم َول ِد َها ثالثة ِدال كان ل َها ِح َج ًابا ِم ْم الن ِار‪،‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ َ ٌ ْ ُ َّ َ َ ُ َل َّ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ‬
‫ال‪َ :‬واثن ْي ِن َواثن ْي ِن‬ ‫فقالت امرأة ِمنهم‪ :‬يا رسو الل ِه أو اثني ِن؟ قال‪ :‬فأعادتها مرتي ِن‪ ،‬ثم ق‬
‫َْ‬
‫َواثن ْي ِن)(‪.)9‬‬
‫‪ - 3‬حقها في املشاركة في الفعاليات الاجتماعية‪ :‬لقد كانت املرأة تشارك بفعالية في‬
‫املجتمع إلاسالمي‪ ،‬وكان من النساء الداعية واملهاجرة واملجاهدة‪ ،‬بل لقد كان أول من آمن‬
‫بالنبي ‪ ‬امرأة‪ ،‬هي زوجته خديجة رض ي هللا عنها‪ ،‬وأول الشهداء امرأة‪ ،‬هي سمية رض ي هللا‬
‫عنها‪.‬‬
‫الحـقــوق السـياسـيـة للـم ـرأة‬
‫للمرأة في إلاسالم حقوقها السياسية الكاملة‪ :‬فلها حق التصويت في الانتخابات‪ ،‬حتى إن‬
‫الرسول ‪ ‬لم يكتف ببيعة الرجال دون النساء‪ ،‬ولها حق الترشح للمناصب السياسية بشكل‬
‫عام‪ ،‬ولها أن تبدي رأيها في ألامور العامة وتنتقد الحاكم‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫الحـقــوق الاقـتـصاديـة للـم ـرأة‬
‫منح إلاسالم املرأة حقوقها الاقتصادية كاملة‪ ،‬على النحو آلاتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬جعل إلاسالم للمرأة ذمة مالية كاملة ومستقلة‪ ،‬وأصبحت تتصرف في أموالها‬
‫وتديرها كما تشاء‪ ،‬وت برم العقود بنفسها أصالة ال وكالة‪ ،‬وتعامل املجتمع بال وسيط‪ ،‬وليس‬
‫ألحد أن يجبرها في ذلك على ش يء‪ ،‬أو يتصرف لها دون إرادتها‪ ،‬أو يحجر عليها في تصرفاتها‪ ،‬ولو‬
‫كان أباها أو أخاها أو زوجها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب الخلع وكيفية الطالق فيه‪ ،‬حديث رقم‪.1071 :‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخار ‪ ،‬كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬بـاب يعلـم النبـي أمتـه مـن الرجـال والنسـاء ممـا علمـه هللا‪ ،‬حـديث‬
‫رقــم‪،6449 :‬ج‪ ،6‬ص‪ ،9666‬و رواه مســلم‪ ،‬كتــاب البــر والصــلة وآلاداب‪ ،‬بــاب فضــل مــن يمــوت لــه ولــد فيحتســبه‪،‬‬
‫حديث رقم‪،9611 :‬ج‪ ،1‬ص‪.9994‬‬
‫‪215‬‬
‫أفـكـر‪ :‬أباح إلاسالم زواج املسلم من كتابية‪ ،‬بينما‬
‫حر َم زواج املسلمة من كتابي‪ ،‬ملاذا؟‬
‫َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ - 9‬أوجب إلاسالم للمرأة على الرجل الذي يتقدم لخطبتها الحق في املهر حقا خالصا لها‪،‬‬
‫ال يشاركها فيه أبوها أو أخوها‪ ،‬وال يسترده زوجها‪ ،‬وال حق ألحد فيه إال بطيب نفس منها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وليس املهر ثمنا للمرأة أو مقابال لتملكها‪ ،‬وإنما هو مجرد تعبير مالي عن رغبة الرجل باالقتران‬
‫بها‪ ،‬يؤكد مدى جديته واستعداده لإلنفاق عليها وتحمل مسؤولياته كاملة‪ ،‬ويشعر الرجل‬
‫بخطورة وأهمية ما يقدم عليه من تكوين أسرة وحياة جديدة‪ ،‬فال يسهل عليه التفريط‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ َّ‬ ‫ً‬
‫بزوجته وحياته‪ ،‬وقد دفع مهرا‪ ،‬قد يكون َجمعه كل َفه زمنا طويال من العمل والكد والتعب‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 1‬أوجب إلاسالم للمرأة على الرجل الحق في النفقة‪ ،‬حقا يلتزم به أبوها وأخوها‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وزوجها‪ ،‬حقا ال ِم َّنة فيه‪ ،‬فكما أن الرجل يعمل خارج البيت ويكسب املال‪ ،‬فإن املرأة تعمل‬
‫ً‬
‫داخل البيت عمال أشرف وأعظم‪ ،‬ولو ق ِّد َر عملها بمال‪ ،‬لفاق بكثير مقدار النفقة التي تأخذها‬
‫من الرجل‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 1‬يفرض إلاسالم للزوجة حقوقا مالية على الزوج حال الانفصال بالطالق‪ ،‬من مهر‬
‫ً‬
‫مؤجل‪ ،‬ونفقة عدة‪ ،‬وتعويض عن ضرر التعسف في الطالق إن كان الطالق تعسفيا‪.‬‬
‫‪ - 5‬وضع إلاسالم نظام مواريث محكم يحقق العدل في أبلغ صوره‪ ،‬وقرر للمرأة حقها‬
‫فيه وأنصفها‪ ،‬بعد أن ح ِر َمت منه آالف السنين‪.‬‬
‫‪ - 6‬وأما عمل املرأة‪ ،‬فإن إلاسالم يرى أن عمل املرأة ألاول وألاعظم‪ ،‬الذي هيأها هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعالى له بدنيا ونفسيا‪ ،‬وميزها فيه على الرجل‪ ،‬هو تربية ألاجيال‪ ،‬وإنشاء نسل جديد‪،‬‬
‫والنسل وحفظه أحد الضروريات الخمس‪.‬‬
‫ً‬
‫ويجب أن ال يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل‪ ،‬فإن أحدا ال يستطيع أن يقوم‬
‫مقامها في هذا العمل الكبير‪ ،‬الذي عليه يتوقف مستقبل ألامة‪ ،‬وبه تتنامى أعظم ثرواتها‪ ،‬أال‬
‫وهي الثروة البشرية‪.‬‬
‫ً‬
‫إال أن هذا ال يعني أن عمل املرأة خارج بيتها محرم شرعا‪ ،‬وخاصة إذا دعتها الحاجة إلى‬
‫ً‬
‫ذلك‪ ،‬وقد مارست النساء املؤمنات في عهد النبوة مهنا متنوعة‪ ،‬منها الزراعة وإدارة بعض‬
‫الشفاء بنت عبد هللا العدوية محتسبة على‬ ‫َ‬ ‫ألاعمال الحرفية والرعي‪ ،‬وعين عمر ‪‬‬

‫‪216‬‬
‫السوق(‪ ،)1‬وتجاوز هذا النشا النسائي إلى املشاركة في املجهود الحربي في خدمة الجيش‬
‫َ‬
‫القيام به من التمريض وإلاسعاف والرعاية‪.‬‬ ‫حس َّن‬
‫واملجاهدين‪ ،‬بما يقدرن عليه وي ِ‬
‫ولكن العلماء قيدوا عمل املرأة ببعض الشرو ‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬إلتزام املرأة آداب إلاسالم وأحكامه إذا خرجت من بيتها‪ ،‬في اللباس واملش ي والكالم‬
‫والحركة وعدم الخلوة‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أن ال يكون عملها على حساب واجباتها ألاخرى‪ ،‬خاصة نحو عائلتها‪.‬‬
‫أناقش‪ :‬أ َب ِّين رأيي الشخص ي في عمل املرأة‪ ،‬من خالل املوازنة بين‬
‫إلايجابيات والسلبيات املترتبة على هذا العمل من الناحية‬
‫الواقعية‪.‬‬
‫املرأة والعادات والتقاليد‬
‫هذا هو إلاسالم‪ ،‬وتلك هي املكانة السامية التي رفع املرأة إليها‪ ،‬وتلك حقوقها املهدرة التي‬
‫أعاد تقريرها لها‪ ،‬غير أن هذا ال يمنعنا من إنكار بعض العادات والتقاليد في بالدنا والتي تظلم‬
‫املرأة وتنظر إليها نظرة دونية‪ ،‬وربما ينسب ذلك إلى إلاسالم‪ ،‬أو إلى بعض ألاحاديث واملنقوالت‬
‫دون تمحيص لسندها أو متنها‪ ،‬وإلاسالم من ذلك كله براء‪.‬‬
‫َ ً‬
‫فال تزال املرأة في بالدنا مغ َّي َبة عن دورها الثقافي والسياس ي والدعوي والجهادي املنشود‪،‬‬
‫بل حتى ذكر اسمها عند بعض الناس محرم‪ ،‬وصوتها عورة‪ ،‬واستشارة الرجل زوجته عيب‬
‫يصيبه في رجولته‪ ،‬والقوامة هي قهر الرجل للمرأة‪ ،‬وربما حرم بعض الناس على املرأة‬
‫املسجد‪ ،‬مع أن النساء ظللن يترددن على املساجد في عهد النبي ‪ ‬وخلفائه الراشدين‪ ،‬ونهى‬
‫النبي ‪ ‬الرجال عن منعهن ذلك الحق(‪.)9‬‬
‫يقول د‪ .‬الشاعر‪( :‬وملا كانت املجتمعات إلاسالمية قد فرطت بالكثير من تعاليم إلاسالم‪،‬‬
‫ً‬
‫عجيبا أن ت ّ‬
‫ضيع أجزاء من هذه الصورة املشرقة عن املرأة‪ ،‬وأن تركن إلى عادات‬ ‫فليس‬
‫وتقاليد غير متوائمة مع تعاليم إلاسالم‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل وأسوأ من ذلك قد حصل‪،‬‬

‫(‪ )1‬ذكــره املــز ‪ :‬يوســف بــن زكــي‪ ،‬تهــذيب الكمــال فــي أســماء الرجــال‪ ،‬تحقيــق‪ :‬بشــار عــواد معــروف‪ ،‬مؤسســة الرســالة‪،‬‬
‫بيـروت‪ 1199 ،1 ،‬هــ‪ ،997/15 ،‬والزرقـا ي‪ :‬محمـد بـن عبـد البـاقي بـن يوسـف‪ ،‬شـرح الزرقـا ي علـى موطـأ إلامــام‬
‫مالك‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1111 ،1 ،‬هـ‪147/1 ،‬‬
‫(‪ )9‬اســتعرض الشــيخ الغزالــي هــذه العــادات والتقاليــد فــي بالدنــا‪ ،‬بأســلوب ســلس منســاب ممتــع‪ ،‬وبعــين ناقــدة‪ ،‬وبصــيرة‬
‫نافــذة‪ ،‬ومحاكمــة إلــى أحكــام إلاســالم وعصــر النبــوة والخالفــة الراشــدة‪ ،‬أنظــر‪ :‬الغزالــي‪ :‬محمــد‪ ،‬قضــايا امل ـرأة بــين‬
‫التقاليد الراكدة والوافدة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1116 ،6 ،‬هـ‪1006 ،‬م‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫ً‬
‫حيث ظهرت بعض التفسيرات الخاطئة للدين بخصوص املرأة‪ ،‬ناسبة إلى الدين عددا من‬
‫ً‬
‫تلك املفاهيم الجاهلية تحت ضغط العرف من جهة‪ ،‬وتخوفا من الحداثة وما تحمله من‬
‫انفتاح من جهة ثانية‪ ...‬وفق هذه التفسيرات يجري محاصرة املرأة وطردها من كل مرافق‬
‫الحياة بحجج متعددة‪ ،‬بالرغم من النصوص الصريحة‪ ،‬بل وألامثلة الواضحة ملشاركة‬
‫الصحابيات ونساء صدر إلاسالم في شتى املجاالت‪ ...‬وال شك بأن البعض يستغل مبررات‬
‫ً‬
‫عديدة لهذه املحاصرة‪ ،‬مثل سد الذرائع‪ ،‬ومنع الفتنة‪ ،‬وفساد الزمان‪ ،‬وادعاء النسخ‪ ،‬فضال‬
‫عن سحب ألاحكام الخاصة بزوجات النبي ‪ ‬لتطبيقها على عموم نساء العاملين‪ ...‬وهذا ما‬
‫يؤكد أهمية العودة إلى ألاصل الذي كان عليه الصدر ألاول من املسلمين)(‪.)1‬‬

‫شـ هات حول موقف إلاسـالم مم املـرأة‬

‫إن نظرة إلاسالم إلى املرأة واملكانة السامية التي رفعها إليها‪ ،‬لم تتشوه فقط بفعل بعض‬
‫ً ٌ‬ ‫َ‬ ‫العادات والتقاليد من املسلمين أنفسهم‪ ،‬بل َ‬
‫تشويه َها أيضا فئة من أعداء إلاسالم‬ ‫عمل على‬
‫واملشككين فيه‪ ،‬زاعمين أن إلاسالم قد ظلم املرأة‪ ،‬ووضعها في منزلة دون منزلة الرجل‪ ،‬وقد‬
‫تمت إلى إلاسالم بصلة‪ ،‬وذلك قد ّ‬
‫فصلنا‬ ‫يسعفهم في ذلك بعض العادات والتقاليد التي ال ُّ‬
‫الكالم فيه‪ ،‬وقد يستشهدون ببعض أحكام إلاسالم‪ ،‬مثل القوامة وامليراث والشهادة‪ ،‬وهذا ما‬
‫نتوقف عنده هنا‪.‬‬
‫والرد على هؤالء نوعان‪ :‬رد إجمالي‪ ،‬ورد تفصيلي‪:‬‬
‫الرد إلاجمالي‪:‬‬
‫‪ )1‬إن مثل هذه ألاحكام‪ ،‬إنما هي استثناءات معدودة من أصل املساواة التي قررها إلاسالم‬
‫بين الرجل واملرأة في جملة التكاليف والواجبات والحقوق(‪ ،)9‬ونحن نؤكد أنها استثناءات‬
‫معدودة‪ ،‬ألن الطاعنين في إلاسالم‪ ،‬وربما بعض املسلمين‪ ،‬يبالغون فيصورونها هي ألاصل‪،‬‬
‫ويصورون أصل املساواة هو الاستثناء‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ )9‬إن هذه الاستثناءات اقتضتها بعض الاختالفات الخلقية والوظيفية والنفسية والعاطفية‬
‫والوظيفية بين الرجل واملرأة‪ ،‬وهي اختالفات تنوع وتكامل‪ ،‬ال اختالفات تنافر وتنازع وتمييز‪،‬‬

‫(‪ )1‬الشــاعر‪ :‬د‪ .‬ناص ــر الــدين‪" ،‬العن ــف العــائلي ض ــد امل ـرأة‪ :‬أس ــبابه والتــدابير الش ــرعية للحــد من ــه"‪ ،‬مجلــة جامع ــة‬
‫النجاح الوطنية لألبحاث‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪9991 ،‬م‪ ،‬مجلد (‪ ،)17‬عدد (‪.)9‬‬
‫(‪ )9‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬قضايا املرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪218‬‬
‫ً‬
‫وذلك كي يكمل كل منهما آلاخر في الوظيفة‪ ،‬وإال ملا كان هناك معنى لخلق إلانسان نوعين ذكرا‬
‫وأنثى‪.‬‬
‫ولو ساوى إلاسالم بين الرجل واملرأة فيما يقتض ي الاختالف‪ ،‬لكانت مساواة فيها ظلم لكل‬
‫مل يحمالنه‪ ،‬فمثل هذه‬ ‫َ‬
‫منهما‪ ،‬وهي ِمثل من يدعو إلى املساواة بين شاب وطفل في مقدار ح ٍ‬
‫املساواة فيها ظلم للطفل‪ ،‬ومثل من يدعو إلى املساواة بين شاب وطفل في قدر طعام يأكالنه‪،‬‬
‫فمثل هذه املساواة فيها ظلم للشاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والرجل قد يعمل ميكانيكيا أو عامال في محجر أو في منجم أو سائقا لشاحنة‪ ،‬فهل‬
‫يناسب أنوثتها أن تمارس مثل هذه ألاعمال؟! وهل يقبل الذين يدعون إلى مساواة املرأة‬
‫بالرجل فيما يقتض ي الاختالف‪ ،‬أن تعمل املرأة في مثل هذه ألاعمال؟! وقد أثبتت الدراسات‬
‫ً‬
‫العلمية أن ممارسة املرأة لألعمال التي ال تناسب أنوثتها‪ ،‬تؤثر سلبا على طبيعتها الفسيولوجية‬
‫والنفسية وألانثوية(‪.)1‬‬
‫‪ )1‬إن مثل هذه الاستثناءات قد روعي فيها التكامل والتقابل والتوازن بين الرجل واملرأة‪ ،‬فما‬
‫من واجب على املرأة إال ويقابله واجب على الرجل‪ ،‬وما من تفضيل له عليها في ش يء‪ ،‬إال‬
‫ﱣﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱢ (البقرة‪:‬‬ ‫ويقابله تفضيل لها عليه في ش يء‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫‪.)994‬‬
‫وإنما ينشأ تلبيس بعض الناس في تلك الاستثناءات‪ ،‬في تضخيمهم حق الرجل على املرأة‪،‬‬
‫ً‬
‫وإغفالهم ما يقابله من حق للمرأة على الرجل‪ ،‬فمثال أسند إلاسالم القوامة إلى الرجل‪ ،‬ولكنه‬
‫أوجب عليه في مقابلها النفقة‪ ،‬وأوجب على املرأة أن تقوم بأمور البيت الداخلية‪ ،‬من رعاية‬
‫وعناية وتربية‪ ،‬ولكنه أوجب على الرجل في مقابل ذلك أن يقوم بشؤون البيت العامة‬
‫والخارجية‪.‬‬
‫‪ )1‬إن أمثال هؤالء الطاعنين ال يبرزون استثناءات مقابلة ّمي َز بها إلاسالم املرأة على الرجل‪،‬‬
‫فقد أوجب إلاسالم لها من البر على أوالدها ما لم يوجبه للرجل‪ ،‬وهي معفاة من كثير من‬
‫الواجبات التي أوجبها إلاسالم على الرجل‪ ،‬مثل القتال وحضور الجمعة والصالة والصيام في‬
‫فترات معينة‪.‬‬
‫‪ )5‬إن هؤالء الطاعنين ينسون حال املرأة عندهم ونظرتهم إليها‪ ،‬فعلى الرغم من تحسن وضع‬
‫املرأة في الحضارة الغربية الحديثة عما كانت عليه عند ألامم القديمة‪ ،‬إال أنها ال تزال تعاني‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬قضايا املرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19 - 14‬‬
‫‪219‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫من بعض صور الامتهان‪ ،‬فال يزال ينظر إليها ال بوصفها إنسانا مكرما‪ ،‬بل بوصفها جسدا‬
‫َ َّ ى َ‬
‫كشف‪ ،‬وال تزال ت َ‬
‫ست ُّ‬
‫غل أنوثتها وجمالها للتجارة وإلاعالن واللهو‪ ،‬فهي في سوق نخاسة‬ ‫يعر وي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جسدها للدعاية واملتعة‬ ‫وعبودية‪ ،‬ومساواتها وحريتها باتت تعني بالدرجة ألاولى‪ ،‬بذل َها‬
‫والفجور‪.‬‬

‫الرد التفصيلي‪:‬‬
‫نوضح فيه أهم ألامور التي عابها هؤالء على إلاسالم‪:‬‬
‫‪ )2‬القوامة‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱎﱢ(النساء‪.)11 :‬‬
‫يظن بعض الناس أن القوامة تعني الفوقية والتعالي‪ ،‬وهو فهم غير صحيح‪ ،‬واملعنى‬
‫الحقيقي للقوامة هو‪ :‬القيام بشؤون الزوجة وألاسرة‪ ،‬من حيث النفقة ومواجهة الاحتياجات‬
‫واملشكالت‪ ،‬وهو مفهوم أقرب إلى الخدمة منه إلى السيادة‪ ،‬وإلى التكليف منه إلى التشريف‪،‬‬
‫وإلى العبء منه إلى املكرمة‪.‬‬
‫وقد ألقى إلاسالم على الرجل هذا العبء دون املرأة‪ ،‬ألن الرجل أقدر على مواجهة‬
‫مشكالت ألاسرة واحتياجاتها‪ ،‬وهو الذي يوكل إليه العمل ومواجهة املجتمع‪ ،‬في حين أن املرأة‬
‫أقدر على الحضانة وتربية ألاطفال داخل البيت‪ ،‬ألنها أوفر في العاطفة والحنان‪ ،‬وأكثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استعدادا وميال إلى القيام بمثل هذه الوظائف‪.‬‬
‫وهكذا يتحقق العدل من خالل تلك املقابلة بين الحقوق والواجبات‪ ،‬فالرجال مفضلون‬
‫على النساء في القدرة على معالجة املشكالت والتحديات الخارجية‪ ،‬والنساء مفضالت على‬
‫الرجال في القدرة على التعامل مع ألاوالد وتربيتهم ومتابعتهم داخل البيت‪.‬‬
‫ولذلك عللت آلاية الكريمة القوامة بتفضيل الرجال على النساء في نواح‪ ،‬والنساء على‬
‫الرجال في نواح(‪.)1‬‬
‫وبأن عمل الرجل هو خارج البيت‪ ،‬فناسب أن يوكل إليه معالجة املشكالت الخارجية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحـظ آلايــة الكريمــة‪(( :‬بمـا فضــل هللا بعضــهم علــى بعـض))‪( ،‬النســاء‪ ،)11 :‬ولــم يقــل‪( :‬بمـا فضــلهم علــيهن)‪ ،‬أنظــر‪:‬‬
‫شلتوت‪ :‬د‪ .‬محمود‪ ،‬إلاسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ )0‬امليراث‬
‫ﲆﲈﲉ ﲊﲋﱢ(النساء‪.)11 :‬‬
‫ﲇ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱣﭐﲃﲄ ﲅ‬
‫وال بد من التنبه إلى عدة أمور في صدد الحديث عن هذه آلاية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -‬إن إلاسالم قرر للمرأة حقها في امليراث بعد أن كانت محرومة منه طوال العصور‬
‫السابقة‪ ،‬فإذا كان إلاسالم يعطيها النصف‪ ،‬فإن غيره كان يهضمها كل حقها في امليراث‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫يعطيها منه شيئا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬إن قاعدة (للذكر مثل حظ ألانثيين)‪ ،‬خاصة بكون الورثة أوالدا ذكورا وإناثا‪ ،‬كما يشير‬
‫إلى ذلك صدر آلاية الكريمة املذكورة‪ ،‬وأما في غير هذه الحالة‪ ،‬فإنه في بعض ألاحيان‪ ،‬قد‬
‫َ‬
‫نصيب الرجل(‪.)1‬‬ ‫يفوق نصيب املرأة‬
‫‪ -‬والسبب في أن إلاسالم جعل نصيب البنت نصف نصيب الابن‪ ،‬أن الابن سيقبل على‬
‫الزواج في املستقبل‪ ،‬وما يأخذه في امليراث زيادة على البنت‪ ،‬سيعيده لها حين يلتزم بمهرها‬
‫ونفقتها وبناء بيت جديد وأسرة جديدة‪ ،‬وهي في املقابل لن تلتزم بش يء‪ ،‬بل يبقى نصيبها الذي‬
‫عفى من أي التزام مالي‪ ،‬ويأتيها عليه زيادة من أخيها أو أبيها أو زوجها امللزمين بنفقتها‪.‬‬ ‫ورثته م ً‬
‫وهذا هو العدل‪ ،‬أن يكون الغنم بمقدار الغرم‪ ،‬وهذا مثال على املقابلة العادلة بين‬
‫الحقوق‪ ،‬وليس املساواة التامة الظاملة‪ ،‬ومن يطالب بمساواة املرأة بالرجل في امليراث‪ ،‬عليه‬
‫أن يطالب بمساواة املرأة بالرجل في ألاعباء والتكاليف املالية(‪.)9‬‬
‫ولوال إيماننا بعدل إلاسالم‪ ،‬لكان ألاولى أن يقال‪ :‬إن إلاسالم أنصف املرأة أكثر مما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أنصف الرجل‪ ،‬ألن أي أحد لو خ ِّي َر‪ ،‬فإنه سيختار نصيبا خاليا من أي التزام‪ ،‬على نصيبين‬
‫مثقلين بكل التزام‪.‬‬
‫‪ )3‬الشهادة‬
‫ﱼﱾﱿﲀ‬
‫ﱽ‬ ‫جاء في آية الدين الكريمة قوله تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱢ‬
‫(البقرة‪.)949 :‬‬

‫(‪ )1‬مثــال املســاواة‪ :‬ألاخــوات وإلاخــوة ألم‪ ،‬يشــتركون فــي الثلــث‪ ،‬للــذكر مثــل حــظ ألانثــى‪ ،‬ومثــال أن يفــوق نصــيب امل ـرأة‬
‫نصيب الرجل‪ :‬لو ماتت امرأة عن بنت وزوج وأب‪ ،‬فللبنت النصف‪ ،‬وللزوج الربع‪ ،‬ولألب الربع‪.‬‬ ‫َ‬
‫(‪ )9‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬املرأة بين الفقه والقانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11 - 90‬‬
‫‪211‬‬
‫وهنا قال بعض الناس‪ :‬إن اعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجل مظهر للتمييز ضد املرأة‬
‫ولتفضيل الرجل عليها‪ ،‬وهذا غفلة منهم عن فهم آلاية الكريمة وعن فهم طبيعة املرأة‪:‬‬
‫الد ْين تتحدث عن املعامالت املالية‪ ،‬مثل البيع والشراء وإلاجارة وغيرها‪ ،‬وهي‬ ‫‪ -‬فآية َّ‬
‫معامالت يحضرها ويهتم بها في الغالب الرجل ال املرأة‪ ،‬ويغلب على املرأة إن حصل وحضرت‬
‫شاهدة فيها‪ ،‬أن ال تذكر التفاصيل حين تدعى إلى الشهادة‪ ،‬فأرشدت آلاية الكريمة إلى‬
‫ً‬
‫استشهاد امرأة أخرى معها‪( ،‬فليست املسألة إذا مسألة إكرام أو إهانة‪ ،‬وأهلية وعدمها‪ ،‬وإنما‬
‫هي مسألة تثبت في ألاحكام‪ ،‬واحتيا في القضاء بها‪ ،‬وهذا ما يحرص عليه كل تشريع)(‪.)1‬‬
‫ولذلك عللت آلاية الكريمة الحكم بخشية ضاللها أي نسيانها‪ ،‬فتذكرها ألاخرى‪ ،‬ولذلك‬
‫قال العلماء‪ :‬إن شهادة امرأة واحدة تقبل في ألامور التي تهتم بها وتخصها‪ ،‬كالرضاعة وثبوت‬
‫البكارة والعيوب الداخلية للمرأة(‪.)9‬‬
‫املرأة وفلسفة النوع الاجتماعي (الجندر)‬
‫يبدو أن الحركة التي انطلقت من الغرب في العصر الحديث‪ ،‬للمناداة بتحرير املرأة ونيلها‬
‫ً‬
‫حقوقها ومساواتها بالرجل‪ ،‬قد دخلت مؤخرا مرحلة جديدة وخطيرة‪ ،‬تمثلت بالحركة‬
‫(النسوية)‪ ،‬الـ(‪ ،)feminism‬وذلك في أواخر القرن املاض ي‪ ،‬على أساس فلسفة باتت تعرف بـ‬
‫(النوع الاجتماعي)‪ ،‬الـ (‪ ،)Gender‬والذي طغت مفاهيمه على أعمال مؤتمر القاهرة للسكان‬
‫عام ‪ ،1001‬ومؤتمر بكين للمرأة عام ‪.1005‬‬
‫والفرق الجوهري بين هذه املرحلة واملرحلة التي سبقتها‪ :‬أن حركات تحرير املرأة كانت‬
‫تنادي بمساواة املرأة بالرجل‪ ،‬على أساس مشترك من الرؤية إلانسانية‪ ،‬دون أن تنكر وجود‬

‫(‪ )1‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬املرأة بين الفقه والقانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪ )9‬علــى أنــه ال يبعــد أن يقــال‪ :‬إن مــا جــاء فــي آلايــة الكريمــة إنمــا هــو إرشــاد لألفضــل فــي إلاشــهاد عنــد إبـرام العقــد‪ ،‬مــن‬
‫باب زيادة التوثق للحقوق‪ ،‬دون أن يكون ذلك على وجه إلالـزام والحـتم‪ ،‬ويكـون ذلـك مثـل إرشـاد آيـة الـدين نفسـها‬
‫إلـى كتابــة العقــد أو أخـذ رهــن‪ ،‬مــع أن الكتابــة والـرهن غيــر واجبــين‪ ،‬كمـا أن آلايــة الكريمــة عللــت مـا أرشــدت إليــه فــي‬
‫ش ــهادة امل ـرأة باالحتي ــا خ ــوف النس ــيان‪ ،‬ومعن ــى ذل ــك أن ــه ل ــو ش ــهدت ام ـرأة واح ــدة م ــع الرج ــل وح ــدث أنه ــا بقي ــت‬
‫ذاكــرة‪ ،‬فــال مــانع مــن قب ــول شــهادتها عنــد التنــازع‪ ،‬يق ــول الشــيخ شــلتوت‪( :‬وإذا كانــت آلاي ــة ترشــد إلــى أكمــل وج ــوه‬
‫الاســتيثاق‪ ،‬وكــان املتعــاملون فــي بيئــة يغلــب فيهــا اشــتغال النســاء باملبايعــات وحضــور مجــالس املــداينات‪ ،‬كــان لهــم‬
‫الحــق فــي الاســتيثاق بــاملرأة علــى نح ــو الاســتيثاق بالرجــل‪ ،‬متــى اطمــأنوا إلــى ت ــذكرها وعــدم نســيانها‪ ،‬علــى نحــو ت ــذكر‬
‫الرجل وعدم نسيانه)‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫َ‬
‫بعض الفروق بين الرجل واملرأة‪ ،‬أما حركة الـ(‪ )feminism‬الجديدة‪ ،‬فإنها ت َّدعي املطابقة‬
‫التامة بين املرأة والرجل‪ ،‬وتنكر أية فروق بينهما(‪.)1‬‬
‫خالصة مفهوم الجندر‬
‫ت َع ِّرف منظمة الصحة العاملية (الجندر) بأنه‪ :‬الخصائص التي يحملها الرجل واملرأة‬
‫كصفات اجتماعية مركبة‪ ،‬ال عالقة لها باالختالفات العضوية(‪.)9‬‬
‫ذكر وأنثى‪ ،‬وترفض‬ ‫للناس إلى ٍ‬
‫ِ‬ ‫ومعنى ذلك‪ :‬أن فلسفة الجندر ترفض تقسيم املجتمع‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫خاص بكل منهما‪ ،‬وترفض اعتبار الاختالف العضوي البيولوجي أساسا‬ ‫ٍ‬ ‫وظيفة أو دو ٍر‬
‫ٍ‬ ‫تحديد‬
‫ملثل هذه التقسيمات وألادوار‪ ،‬وتزعم أن هذه الاختالفات العضوية هي اختالفات ظاهرية‬
‫شكلية ال أثر لها‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬وحسب هذه الفلسفة‪ ،‬فإن تقسيم الناس إلى ذكور وإناث وتحديد دور لكل‬
‫منهما خاص به‪ ،‬هو تقسيم صنعته املجتمعات البشرية وثقافاتها وأفكارها التي سادت فيها‬
‫"النزعة الذكورية"‪.‬‬
‫وأن الشخص الذي يشعر أنه ذكر ويتصرف على وفق ذلك‪ ،‬ال أساس لشعوره إال ألن‬
‫املجتمع زرع فيه هذا الشعور بسبب تكوينه البيولوجي‪.‬‬
‫وكذلك ال أساس لشعور ألانثى بأنها أنثى إال مثل هذا التأثير الاجتماعي(‪.)1‬‬
‫نتائج فلسفة الجندر‬
‫تترتب على فلسفة الجندر املذكورة نتائج خطيرة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا كان تقسيم الناس إلى ذكر وأنثى ال حقيقة له‪ ،‬وإنما هو نتيجة واقع اجتماعي‬
‫وشعور داخلي‪ ،‬فإنه يمكن تغيير هذا الواقع وهذا الشعور‪ ،‬بوسائل عالجية وبسياسات‬
‫تشريعية‪ .‬وبالتالي من حق إلانسان أن "يتحرر" من الهوية الجنسية التي فرضها املجتمع‬
‫عليه‪ ،‬ويغير هذه الهوية وألادوار املترتبة عليها‪ .‬ف من حق الذكر أن يتصرف ويشعر كأنثى‪ ،‬بما‬
‫في ذلك الزواج من ذكر آخر‪ .‬ومن حق ألانثى أن تتصرف وتشعر كذكر‪ ،‬بما في ذلك الزواج‬
‫من أنثى أخرى(‪ .)1‬بل ومن حقهم تسجيل هذا الزواج لدى الجهات الرسمية‪.‬‬

‫(‪ )1‬املسير ‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب‪ ،‬العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة‪ ،‬مرجع سابق‪.199 - 191/1 ،‬‬
‫(‪ )9‬ديل ــوا ي‪ :‬ط ــارق‪ ،‬مق ــال بعن ــوان‪( :‬الجن ــدر) مفه ــوم خطي ــر يم ــرر ب ــين أبنائن ــا‪ ،‬منش ــور عل ــى موق ــع جري ــدة (الس ــبيل)‬
‫ألاردنية‪.www.assabeel.info ،‬‬
‫(‪ )1‬جرار‪ :‬بسام نهاد‪ ،‬دراسات في الفكر إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.199 - 191‬‬
‫(‪ )1‬جرار‪ :‬بسام نهاد‪ ،‬دراسات في الفكر إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.191 - 199‬‬
‫‪213‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫‪ - 9‬ضرورة الانفكاك من ألاسرة باعتبارها إطارا تقليديا باليا ال يجوز حبس أنفسنا عليه‪،‬‬
‫كما يقولون‪ .‬وضرورة تعدد صورها وأنماطها‪ ،‬ليتاح إنشاء أسرة من ذكر وذكر‪ ،‬وإنشاء أسرة‬
‫من أنثى وأنثى‪ ،‬وعدم اعتبار ذلك من الشذوذ(‪.)1‬‬
‫‪ - 1‬ضرورة السعي إلى تغيير الواقع الاجتماعي والتاريخي الذي صيغ بطريقة متحيزة‬
‫للذكور‪ ،‬كما يقولون‪ .‬ومن ألامثلة على التغيير الذي يدعون إليه‪:‬‬
‫‪ -‬يقولون‪ :‬يجب تغيير طرق التربية ومناهج التعليم‪ ،‬بحيث يتم محو الفروق الاجتماعية‬
‫الوظيفية بين الجنسين‪ ،‬فليقرأ ألاطفال عن ألاميرة التي تنقذ التنين وتنتصر على ألامير‪،‬‬
‫ولترسم الكتب املدرسية صور نساء سائقات شاحنات(‪.)9‬‬
‫‪ -‬يقولون‪ :‬يجب تغيير اللغة التي صيغت بطريقة ذكورية‪ ،‬وبما يعمل على إبراز الرموز‬
‫ألانثوية فيها‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ :‬يجب دائما أن نقرن ضمير (هو) بضمير (هي)‪ ،‬على النحو‪:‬‬
‫ً‬
‫هو‪/‬هي‪ ،‬وكلمة (‪ )snowman‬مثال‪ ،‬يجب إعادة كتابتها على النحو‪ ،)snowhuman( :‬أي إنسان‬
‫الثلج بدل رجل الثلج‪ ،‬وكلمة (‪ ،)women‬يجب إعادة كتابتها على النحو‪ ،)womyn( :‬حتى ال‬
‫ً‬
‫تحتوي كلمة نساء باإلنجليزية على كلمة (‪ ،)men‬أي رجال! وكلمة (‪ )God‬مثال يجب أن نعبر‬
‫عنها بالضمائر ألانثوية (‪ ،) hers، her،she‬كما نعبر عنها بالضمائر الذكورية‪.‬‬
‫‪ -‬والتاريخ يجب‪ ،‬كما يقولون‪ ،‬إعادة سرده من وجهة نظر (أنثوية)‪.‬‬

‫أتأمل‪ :‬يشير بعض دعاة الجندر‪ ،‬إلى أن تسمية التاريخ ‪،history‬‬ ‫ّ‬
‫تسمية (ذكورية)‪ ،‬فهو (‪ ،)his)(story‬أي قصته‪ ،‬وأنه يجب إعادة‬
‫تسميته إلى‪ ،)her/his story( :‬فتأمل هذا إلاسفاف!‬

‫يقول الدكتور املسيري‪:‬‬


‫ً‬
‫(وكل هذا من لغو الحديث بالطبع‪ ،‬وهو ليس برنامجا لإلصالح‪ ،‬وإنما هجوم على اللغة‬
‫البشرية وحدودها وتشويه لها‪ ،‬فهل نحن نفكر في "املقاومة" باعتبارها أنثى‪ ،‬وفي "الصمود"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باعتباره ذكرا؟! وهل نفكر في "ألامانة" و"الخيانة"‪ ،‬باعتبارهما إناثا‪ ،‬أما "املالك" و"الشيطان"‪،‬‬
‫ً‬
‫فنفكر فيهما باعتبارهما ذكورا؟! وحينما نقول "أبواب"‪ ،‬هل نفكر في أعضاء التذكير‪ ،‬بينما‬

‫(‪ )1‬املسير ‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب‪ ،‬العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة‪ ،‬مرجع سابق‪.169 - 157/9 ،‬‬
‫(‪ )9‬جرار‪ :‬بسام نهاد‪ ،‬دراسات في الفكر إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪214‬‬
‫نفكر في أعضاء التأنيث حينما نقول‪" :‬بوابات"؟! أم أن هذا هو وجدان الحلوليين الطبيعيين‬
‫املاديين‪ ،‬الذين يستخدمون الجسد كعنصر أساس ي إلدراك كل ش يء؟!)(‪.)1‬‬
‫أناقش‪ :‬هل صحيح أن القرآن الكريم‬
‫قد خاطب الذكور دون إلاناث؟‬
‫أثر فلسفة الجندر على املجتمعات‬
‫إن هذه الحركة والفلسفة التي تقوم عليها‪ ،‬تتبناها منظمات نسوية غربية استطاعت أن‬
‫تجعل من هذا املفهوم محل جدل‪ ،‬وأن تخترق بعض املنظمات العاملية التي لها تأثيرها‪ ،‬وأن‬
‫تعقد مؤتمرات دولية لنشر هذا املفهوم‪ ،‬كان من أشهرها‪ :‬مؤتمر بكين‪ ،‬عام ‪1005‬م‪ ،‬حيث‬
‫حاولت من خاللها فرض رؤيتها وفلسفتها من خالل التأثير في تشريعات الدول املستضعفة‪،‬‬
‫ً‬
‫وهي تشريعات تناقض مناقضة صارخة كل القيم واملبادئ الدينية‪ ،‬وتشكل خطرا على ألاسرة‬
‫واملجتمع(‪.)9‬‬
‫وأهم آلاليات التي تغلغلت بها هذه الفلسفة واملفاهيم املتعلقة بها إلى املجتمعات العربية‬
‫وإلاسالمية‪ :‬الاتفاقيات الصادرة عن املؤتمرات الدولية‪ .‬وهي اتفاقيات تحمل طابع إلالزام‬
‫ٌ‬
‫للدول العربية التي وقعت عليها‪ ،‬ويترتب على عدم تنفيذها ضغو سياسية واقتصادية‪.‬‬
‫كما أن للمنظمات ألاهلية (مثل بعض لجان عمل املرأة) املدعومة من مؤسسات التمويل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألاجنبي‪ ،‬دورا كبيرا في نشر هذه املفاهيم وتكريسها‪ .‬وقد تزايد نشا هذه املؤسسات بشكل‬
‫كبير في آلاونة ألاخيرة في املجتمعات إلاسالمية والعربية‪ ،‬في مواضيع‪ ،‬مثل‪ :‬ألاسرة وتشريعات‬
‫ألاحوال الشخصية‪ ،‬وحقوق الطفل واملرأة‪ ،‬والثقافة الجنسية(‪.)1‬‬

‫فلسفة الجندر مناقضة للواقع والعلم‬


‫الغريب أن ظهور هذه الفلسفة تزامن مع تطور البحوث العلمية‪ ،‬التي أكدت أن الفروق‬
‫البيولوجية بين الرجل واملرأة‪ ،‬تنعكس بوضوح على طريقة التفكير وامليول والسلوك عند كل‬

‫(‪ )1‬املسير ‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب‪ ،‬العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة‪ ،‬مرجع سابق‪.119 - 194/1 ،‬‬
‫(‪ )9‬جرار‪ :‬بسام نهاد‪ ،‬دراسات في الفكر إلاسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫(‪ )1‬ديلوا ي‪ :‬طارق‪ ،‬مقال بعنوان‪( :‬الجندر) مفهوم خطير يمرر بين أبنائنا‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫ً‬
‫منهما‪ ،‬وهو ما يؤكد صدق إلاجماع البشري خالفا لهذه الفلسفة التي برزت إلى الوجود‬
‫ً‬
‫مؤخرا(‪.)1‬‬

‫املوقف املطلو مم فلسفة الجندر‬

‫من الواضح أن هذه الفلسفة‪ ،‬تتناقض مناقضة صارخة مع القيم واملبادئ إلاسالمية‬
‫ً‬
‫التي أكدت سنة هللا تعالى في خلقه‪ ،‬أنه جعلهم نوعين ذكرا وأنثى في أصل الخلقة‪ ،‬مشتركين‬
‫في إلانسانية وكثير من الوظائف‪ ،‬وبينهما بعض الفروق البيولوجية والنفسية والوظيفية‪،‬‬
‫وكالهما مكرم عند هللا تعالى‪.‬‬
‫وفي جواب لدار إلافتاء املصرية عن موضوع (الجندر)‪ ،‬جاء فيه‪( :‬إن الدعوة إلى ما يطلق‬
‫عليه (مفاهيم مساواة الجندر)‪ ،‬تدعو البشرية إلى تجربة تخالف الفطرة‪ ،‬وتخالف املوروث‬
‫الحضاري للبشرية بأسرها‪ ،‬وتخالف ما أجمعت عليه ألاديان من قيم ومبادئ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫ملحض خياالت وتوقعات موهومة في أذهان أولئك الداعين‪ ،‬لم ترق إلى مستوى الخيال‬
‫املبدع)(‪.)9‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على أننا هنا ال ينبغي أن نذهب حدا مقابال في التطرف وإظهار التباين بين الرجل واملرأة‪،‬‬
‫ً‬
‫وكأن كال منهما مخلوق من كوكب مختلف‪ ،‬فال بد من التأكيد مرة أخرى على أن إلاسالم قد‬
‫ّ‬
‫أك َد أصل املساواة بين الرجل واملرأة في إلانسانية وفي جملة التكاليف والواجبات والحقوق‪،‬‬
‫وأن بعض الاختالفات بينهما‪ ،‬إنما هي استثناءات محدودة اقتضتها حكمة هللا تعالى في الخلق‬
‫والتكامل في الحياة‪.‬‬
‫ً‬
‫كما ينبغي التأكيد هنا على أن جزءا من العادات والتقاليد‪ ،‬تسهم في إيجاد نظرة سيئة‬
‫للمرأة ومعاملة غير عادلة لها‪ ،‬ال يقرها إلاسالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬جـرار‪ :‬بســام نهــاد‪ ،‬دراســات فــي الفكــر إلاســالمي‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪ 191‬ومــا بعــدها‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ :‬إن طفلــة‬
‫ً‬
‫بعمر ساعة واحـدة‪ ،‬تتصـرف بطريقـة تختلـف عـن تصـرفات طفـل ذكـر بـنفس العمـر‪ ،‬وأيضـا ثبـت أنـه‪ :‬تميـل النسـاء‬
‫أكثر إلى الاهتمام بعالم ألاشخاص‪ ،‬بينمـا يميـل الرجـل أكثـر إلـى الاهتمـام بعـالم ألاشـياء‪ ،‬وتميـل املـرأة أكثـر إلـى الكـالم‬
‫ً‬
‫فـي العواطـف‪ ،‬وتعـد نفسـها ناجحـة إذا أفلحـت فـي إقامــة عالقـات شخصـية حميمـة‪ ،‬بينمـا يعـد الرجـل نفسـه ناجحــا‬
‫ً‬
‫إذا أفلـح فــي عــالم ألاشـياء‪ ،‬فــي صــناعته مـثال‪ ،‬واملـرأة أقــدر علــى قـراءة الشخصــية‪ ،‬ولــديها حـدس قــوي‪ ،‬والرجــل أقــدر‬
‫على إلاحساس باملكان والاتجاهات وقراءة الخرائط‪ ،‬أنظر‪ :‬املرجع املذكور‪.‬‬
‫(‪ )9‬هذه الفتوى منشورة على موقع دار إلافتاء املصرية على إلانترنت‪.www.dar-alifta.org :‬‬
‫‪216‬‬
‫كما ال بد من إعادة تقييم بعض الاجتهادات الفقهية‪ ،‬خاصة في شؤون الزواج واملرأة‬
‫َ‬
‫وألاسرة‪ ،‬في ضوء نصوص إلاسالم ومقاصده‪ .‬إذ الفقه إلاسالمي‪ ،‬على ِعظ ِم ِه‪ ،‬يبقى اجتهادات‬
‫بشرية‪ ،‬قد تصيب وقد تخطئ‪ ،‬وقد تتأثر بالعادات والتقاليد السائدة‪ ،‬والتي قد تكون عادات‬
‫وتقاليد بعيدة عن روح إلاسالم وتشريعه السامي‪.‬‬
‫وبمثل هذه املراجعات والرؤى املتوازنة‪ ،‬نقدم أقوى رد على تلك الفلسفات املادية‬
‫املنحرفة‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫مسائل فقهيـة معاصـرة‬

‫ﱣﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌﲍﲎﲏﱢ(النساء‪)41:‬‬

‫تطورت حياة إلانسان في العصر الحديث في شتى املجاالت‪ ،‬ونتج عن ذلك ظهور مسائل‬
‫ً‬
‫جديدة وقضايا معاصرة لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬تتطلب أحكاما شرعية‪ ،‬وهو ما انبرى‬
‫لبيانه فقهاء الشريعة املعاصرون‪ ،‬باالجتهاد على وفق نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية‬
‫ومقاصد التشريع‪.‬‬
‫ونعرض هنا لبعض تلك املسائل املهمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫زواج املتعة‪ ،‬والزواج بنية الطالق‪.‬‬
‫وزواج املسيار‪.‬‬
‫والاستنسات‪.‬‬
‫والقتل الرحيم‪.‬‬
‫زواج املتعة‬
‫ً‬
‫زواج املتعة هو‪ :‬الزواج ملدة معينة‪ ،‬ينقض ي بانقضائها تلقائيا‪ .‬ويتم ذكر املدة في العقد‪،‬‬
‫مثل أن يقول الرجل لفتاة‪ :‬أتزوجك بكذا من املال‪ ،‬لشهر أو ألسبوع أو لسنة‪ .‬وهو زواج ال‬
‫ً‬
‫يزال موجودا عند الشيعة إلى آلان‪.‬‬
‫وقد ذهب عامة الفقهاء إلى حرمته وبطالنه‪ ،‬واستدلوا لذلك بارختي‪:‬‬
‫‪ - 1‬نهي النبي ‪ ‬عنه كما في ألاحايث الصحيحة(‪.)1‬‬
‫‪ - 9‬انتفاء صفة الديمومة عنه‪ ،‬وذلك ينافي أهم مقاصد الزواج الشرعية‪ ،‬وهو إنشاء‬
‫أسرة ورعاية نسل صالح‪ ،‬والذي ال يتحقق إال إذا اتصف الزواج بالديمومة‪ ،‬يرعى فيه‬
‫الزوجان بعضيهما ويتعهدان أوالدهما إلى آخر العمر‪.‬‬
‫‪ - 1‬امتهانه للمرأة‪ ،‬وتشبيهه لها بالسلعة تستأجر إلى وقت ثم تترك بعده‪.‬‬

‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َّ َّ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ‬


‫ـوم ال ُح ُم ِـر ألا ْه ِل َّي ِـة َز َم َـم خ ْي َب َـر)‪ :‬رواه البخـار ‪ ،‬كتـاب‬
‫(‪ )1‬من ذلك قول علي ‪ِ ( :‬دن الن ِبي ‪ ‬ناَى عم املتع ِـة وعـم لح ِ‬
‫النكاح‪ ،‬باب نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن نكاح املتعة آخرا‪ ،‬حديث رقم‪.1495 :‬‬
‫‪218‬‬
‫الزواج بنية الطالق‬
‫َ‬
‫الزواج بنية الطالق‪ ،‬هو‪ :‬أن يتزوج الرجل املرأة وفي نيته طالقها بعد مدة معينة‪ .‬دون أن‬
‫ً‬
‫يشتر ذلك في العقد‪ ،‬والزوجة ال تعرف بذلك غالبا‪.‬‬
‫أتعلم‪ :‬من دوافع بعض الشباب إلى الزواج املؤقت‬
‫بنية الطالق‪ :‬زواج الطلبة املبتعثين إلى الدول‬
‫الغربية مدة بقائهم في تلك البالد للدراسة‬
‫ونحوها‪ ،‬أو الزواج من الغربيات مدة كافية‬
‫للحصول على جنسية بالدهن‪.‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء على حرمة وجود نية لتأقيت عقد الزواج‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في تأثيرها‬
‫في صحة عقد الزواج‪:‬‬
‫فذهب فر ٌ‬
‫يق من الفقهاء إلى أنها ال تؤثر في صحة العقد‪ ،‬خاصة أن تلك النية املحرمة ال‬
‫تظهر في العقد‪.‬‬
‫وذهب فريق آخر منهم إلى بطالن هذا الزواج‪ ،‬وحجتهم في ذلك تشبيهه بزواج املتعة‪،‬‬
‫حيث تنتفي فيه الديمومة‪ ،‬وينطوي على ضرر عظيم باملرأة وعلى امتهان كبير لها‪ ،‬بل قالوا‪:‬‬
‫إنه أولى بالبطالن‪ ،‬ألنه يقوم على غش وخداع للزوجة‪ ،‬بينما في زواج املتعة يكون التأقيت‬
‫بالتراض ي(‪.)1‬‬
‫زواج املسيار‬
‫زواج املسيار هو‪ :‬أن يتزوج الرجل املرأة‪ ،‬شر أن تتنازل عن حقها في املسكن الشرعي‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وترتض ي أن تعيش في بيتها أو بيت أهلها‪ ،‬على أن يأتيها زوجها يوما في ألاسبوع أو يوما في الشهر‬
‫ً‬
‫أو أكثر من ذلك أو أقل حسب ظروفه‪ ،‬فضال عن عدم إشهار هذا الزواج إلاشهار املطلوب‪،‬‬
‫ً‬
‫حيث يبقى إعالنه مقتصرا على فئة محدودة من أولياء الفتاة وأقربائها املقربين‪.‬‬
‫أتـعـلـم‪ :‬سمي زواج املسيار‪ ،‬ألن الزوج يسير‬
‫إلى زوجته وال تكون في بيته‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫(‪ )1‬أنظـ ــر استقص ـ ــاء واس ـ ــعا له ـ ــذا املوضـ ــوع وآراء العلم ـ ــاء وأدل ـ ــتهم فيـ ــه ق ـ ــديما وحـ ــديثا‪ ،‬فـ ــي‪ :‬ألاشـ ــقر‪ :‬أسـ ــامة عمـ ــر‪،‬‬
‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬ألاردن‪1199 ،1 ،‬هـ‪9999 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 995‬ومـا‬
‫بع ــدها‪ ،‬آل منص ــور‪ :‬د‪.‬ص ــالح ب ــن عب ــد العزي ــز‪ ،‬ال ــزواج بني ــة الط ــالق م ــم خ ــالل أدل ــة الكت ــا والس ــنة ومقاص ــد‬
‫الشريعة‪ ،‬مكتبة دار الحميض ي‪ ،‬الرياض‪1115 ،1 ،‬هـ‪1001 ،‬م‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫ً‬
‫وقد انتشر هذا النوع من الزواج حديثا في بعض البالد إلاسالمية‪ ،‬وخاصة بالد الخليج‬
‫العربي‪ ،‬بسبب ارتفاع تكاليف الزواج وعزوف الشباب عنه‪ ،‬فتلجأ الفتيات أو أهلهن إلى‬
‫إعفاء الشباب من هذه التكاليف‪ ،‬رغبة في إعفاف أنفسهن‪ ،‬وقد يكون من أسبابه رغبة‬
‫الزوج في إخفاء أمر التعدد عن الزوجة ألاولى‪.‬‬
‫حكم زواج املسيار‬
‫ذهب فريق من العلماء املعاصرين إلى تحريم هذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫وحجتهم‪ :‬منافاته أهم مقاصد الزواج‪ ،‬املتمثل في إنشاء أسرة ورعاية نسل صالح سوي‪،‬‬
‫ألن ذلك يحتاج إلى رعاية وعناية وبيت واجتماع بين ألاب وألام في أكثر ألاوقات‪ ،‬وال يتحقق‬
‫ذلك إذا تزوج الرجل املرأة من أجل أن يمر عليها ساعة كل أسبوع أو كل شهر أو كل شهرين‪،‬‬
‫ثم يتركها وأوالدها بعد ذلك‪.‬‬
‫ويرى فريق آخر من العلماء إباحة هذا النوع من الزواج رغم عيوبه‪.‬‬
‫وحجتهم‪ :‬أنه وإن كان ال يحقق مقصد الزواج في إلاسالم على نحو تام‪ ،‬إال أنه زواج تام‬
‫تتوافر فيه أركان العقد الشرعي من إيجاب وقبول وشهود وولي وتوثيق وديمومة‪ ،‬واقتضته‬
‫الضرورة العملية في بعض املجتمعات‪.‬‬
‫ويرى هؤالء أن تنازل الزوجة عن املسكن‪ ،‬إنما هو تنازل طوعي منها عن بعض حقوقها‬
‫تحت ضغط الظروف‪ ،‬ولإلنسان أن يتنازل عن بعض حقوقه(‪.)1‬‬

‫الاسـتـنـس ـاخ‬
‫ً‬
‫جرت سنة هللا تعالى في البشر ‪ -‬وفي أكثر الحيوانات أيضا ‪ -‬أن يتكاثروا بالطريقة‬
‫املعروفة‪ ،‬حيث يختلط الحيوان املنوي من الرجل بالبويضة من امرأته‪ ،‬وتشتمل كل من نواة‬
‫الحيوان املنوي ونواة البويضة على عدد من الصبغيات (الكروموسومات) يبلغ نصف عدد‬
‫ً‬
‫الصبغيات التي في الخلية الجسدية لإلنسان (‪91‬زوجا)‪ ،‬وعند اتحاد النواتين تتحوالن إلى‬
‫نطفة أمشاج أو لقيحة (الزيجوت)‪ ،‬وتشتمل هذه اللقيحة في نواتها على العدد الكامل من‬
‫ً‬
‫الصبغيات (‪ 16‬زوجا)‪ ،‬وتتضمن هذه الصبغيات الصفات الوراثية الكاملة املأخوذة من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الزوجين‪ ،‬وتنغرس اللقيحة في رحم الزوجة وتنمو‪ ،‬حتى تولد مخلوقا مكتمال بإذن هللا تعالى‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )1‬أنظ ــر تفص ــيال واس ــعا له ــذا الن ــوع م ــن ال ــزواج وآراء الفقه ــاء املعاص ــرين في ــه‪ ،‬ف ــي‪ :‬ألاش ــقر‪ :‬أس ــامة عم ــر س ــليمان‪،‬‬
‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 150‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫وقد أتاح التطور النوعي في علم الجينات للعلماء طريقة أخرى لتكاثر إلانسان والكائنات‬
‫الحية‪ ،‬هي ما يعرف اليوم ب ـ (الاستنسات)‪ ،‬وهي طريقة تقوم على أخذ نواة من خلية جسدية‪،‬‬
‫وتشتمل هذه النواة بالطبع على الحقيبة الوراثية الكاملة لصاحبها‪ ،‬ثم يتم إيداع هذه النواة‬
‫في خلية بويضة منزوعة النواة‪ ،‬وبذلك يتم استبدال نواة البويضة بنواة خلية جسدية‪،‬‬
‫فتتألف بذلك لقيحة تشتمل على حقيبة وراثية كاملة‪ ،‬وتكون كما لو أنها لقيحة لقحت‬
‫بحيوان منوي‪ ،‬تغرس في رحم طبيعي أو صناعي‪ ،‬مع توفير العوامل املساعدة على تطورها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حتى تصير جنينا مكتمال بإذن هللا تعالى‪ ،‬ويكون صورة طبق ألاصل(‪ ،)1‬من صاحب الخلية‬
‫الجسدية ألاولى‪ ،‬وتسمى هذه بطريقة الاستنسات الالجن ي أو طريقة إلاحالل النووي‪.‬‬
‫وهناك طريقة أخرى هي‪ :‬الاستنسات الجنيني‪ ،‬حيث بعد تلقيح الحيوان املنوي للبويضة‪،‬‬
‫تنقسم اللقيحة في ألايام الثالثة ألاولى للحمل‪ ،‬إلى خاليا متطابقة‪ ،‬على شكل متوالية حسابية‪:‬‬
‫إلى خليتين‪ ،‬ثم كل منهما إلى خليتين وهكذا‪ ،‬فتؤخذ خلية من هذه الخاليا وتزرع في رحم‪،‬‬
‫ويتكون منها إنسان مطابق للجنين الذي أخذت منه تلك الخلية(‪.)9‬‬
‫وقد تمت أول عملية استنسات حيواني عام ‪ ،1007‬عندما تمكن العالم وليموت وزمالؤه‬
‫من استنسات النعجة دوللي من خاليا نسيج ضرع نعجة بالغة‪ .‬وأما استنسات إلانسان فال‬
‫ً ً‬
‫تزال فكرته تثير جدال كبيرا‪ ،‬ويلقى معارضة دينية وأخالقية وقانونية شديدة(‪.)1‬‬

‫ً‬
‫أتن ّـب ُـه‪ :‬الاستنسات ليس خلقا‪ ،‬فالخالق هو هللا تعالى وحده‪ ،‬والعلماء‬
‫يعجزون عن خلق خلية واحدة مع علمهم بعناصرها ألاولية وخصائصها‪،‬‬
‫وإنما هم يتعاملون مع عناصر مخلوقة هلل تعالى‪ ،‬ويوفرون لها الظروف‬
‫املالئمة‪ ،‬كما يقوم املزارع بتوفير الظروف املالئمة للبذرة كي تنمو‪ ،‬فتنمو‬
‫بإرادة هللا تعالى ومشيئته وخلقه‪.‬‬

‫(‪ )1‬في الصفات الوراثية فقط‪ ،‬وليس في ألاخالق والتفكير والسلوك‪ ،‬وغير ذلك مما يكتسب من البيئة‪.‬‬
‫(‪ )9‬أنظ ــر‪ :‬أب ــو البص ــل‪ :‬د‪ .‬عبـ ــد الناص ــر‪ ،‬عملي ــات التنسـ ــيل (الاستنس ــاخ) وأحكامه ــا الشـ ــرعية‪ ،‬بح ــث منشـ ــور فـ ــي‪:‬‬
‫دراس ــات فقهي ــة ف ــي قض ــايا طبي ــة معاص ــرة‪ ،‬لع ــدد م ــن امل ــؤلفين‪ ،‬دار النف ــائس‪ ،‬عم ــان‪1191 ،1 ،‬هـ ــ‪9991 ،‬م‪،‬‬
‫‪.665 - 651/9‬‬
‫(‪ )1‬علـوان‪ :‬د‪ .‬توفيــق محمــد‪ ،‬الاستنســاخ ال شــر بــين القـران والعلــم الحــديث‪ ،‬دار الوفــاء‪ ،‬القــاهرة‪1110 ،1 ،‬هــ‪،‬‬
‫‪1004‬م‪ ،‬ص ‪ ،14 - 15‬ومــن الجــدير ذكــره‪ ،‬أن أكثــر مــن عشـرين دولــة أوروبيــة قــررت فــي بيــان جمــاعي حظــر تجــارب‬
‫الاستنسات على البشر‪ ،‬وكذلك الواليات املتحدة ألامريكية‪ ،‬وأفتى الفاتيكان بمنعه وتحريمه‪ ،‬أنظر‪ :‬املرجع املـذكور‬
‫ص ‪.195‬‬
‫‪221‬‬
‫حكم الاستنساخ‬
‫ذهب الفقهاء املعاصرون إلى تحريم الاستنسات البشري‪ ،‬في حين أباحوا استنسات النبات‬
‫بما تقتضيه مصلحة إلانسان‪ ،‬كما جاء في قرار مجمع الفقه إلاسالمي‪ ،‬في دورة مؤتمره العاشر‬
‫في جدة في اململكة العربية السعودية ‪ 1114‬هـ‪1007 ،‬م(‪.)1‬‬
‫ويرفض إلاسالم الاستنسات البشري‪ ،‬ملا ينجم عنه من مخاطر‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ )2‬هدر كرامة إلا سان‬
‫إلانسان موضع الحيوان‪ ،‬الذي يتم تكثيره من خالل التجارب داخل‬ ‫َ‬ ‫يضع الاستنسات‬
‫ً‬
‫املعامل‪ ،‬فضال عما قد ينتج عن ذلك من نسخ إنسانية مشوهة‬
‫ومن يدري ربما تتحول أعضاء النسخ املنتجة إلى قطع غيار‪ ،‬تتاجر بها الشركات‬
‫الرأسمالية وتعرضها في السوق‪ ،‬كما تعرض قطع غيار السيارات والحواسيب وغيرها! وفي ذلك‬
‫كله من العبث باإلنسان وهدر كرامته ما فيه‪.‬‬
‫‪ )0‬الاعتداء على سنة هللا تعالى في الزواج وتكويم ألاسر‬
‫يؤدي الاستنسات إلى تكاثر إلانسان‪ ،‬دون حاجة إلى تكوين أسرة‪.‬‬
‫وربما تقوم شركات رأسمالية خاصة باالستنسات‪ ،‬لتلبية أي طلب لـ (تصنيع) إنسان أو‬
‫عضو وباملواصفات املرغوبة‪.‬‬
‫َ‬
‫النسل املستنسخ من ذلك املحضن الطبيعي(ألاسرة)‪ ،‬ومن كل ما يوفره له‬ ‫َ‬ ‫حرم‬ ‫َ‬
‫وذلك ي ِ‬
‫َ‬
‫حرمه من ألامومة وألابوة والقرابات التي يحتاج إليها في‬‫من عاطفة وحنان وتعهد ورعاية‪ ،‬وي ِ‬
‫صغره‪.‬‬
‫‪ )3‬دلغاء سنة هللا تعالى في اختالل الناس‬
‫لقد خلق هللا تعالى الناس مختلفين متنوعين في القدرات واملواهب وألاشكال‪ ،‬ليتحقق‬
‫التكامل بينهم‪ ،‬وفي الاستنسات قضاء على هذا الاختالف وإخالل بتوازن املجتمعات‪ ،‬ولنا أن‬
‫ً‬
‫نتصور مجتمعا يتم فيه (إنتاج) مئات أو آالف من الناس يتشابهون في كل ش يء!‬
‫‪ )4‬ضياع املسؤولية القانونية‬
‫إن التشابه التام بين الن َسخ‪ ،‬سيؤدي إلى التواطؤ على ارتكاب الجريمة‪ ،‬مع أمن أية‬
‫مالحقة قانونية‪ ،‬ألن إحدى النسختين إذا ارتكب جريمة‪ ،‬فإنه ال يمكن تمييزه من النسخة‬
‫ألاخرى له(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬علوان‪ :‬د‪ .‬توفيق محمد‪ ،‬الاستنساخ ال شر بين القران والعلم الحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪222‬‬
‫الـقـتــل (الـرحـي ــم)‬
‫القتل الرحيم‪ ،‬هو‪( :‬قيام الطبيب بإنهاء حياة مريضه امليئوس من شفائه‪ ،‬شفقة عليه‪،‬‬
‫وإراحة له من آالم مبرحة ال يمكنه تحملها)‪.‬‬
‫وذلك مثل بعض املرض ى املصابين بالسرطان أو إلايدز‪ ،‬حين تصاحب هذه آلافات حاالت‬
‫من ألالم الشديد يصعب تحملها‪.‬‬
‫وقد صدرت قوانين في بعض الدول الغربية تبيح مثل هذا النوع من القتل‪ ،‬دون تعرض‬
‫للتبعات القانونية املترتبة على جريمة القتل(‪ ،)9‬لكن أكثر القوانين في العالم‪ ،‬ومنها قوانين‬
‫الدول العربية‪ ،‬تنص على عدم السماح بهذا النوع من القتل(‪.)1‬‬

‫تحريم هذا النوع مم القتل‬


‫اتفق الفقهاء املعاصرون واملجامع الفقهية على تحريم هذا النوع من القتل‪.‬‬

‫أتـن َّـب ُه‪( :‬القتل الرحيم) يختلف عن (املوت الدماغي)‪ ،‬ففي الاخير صدر قرار ملجمع‬
‫الفقه إلاسالمي التابع ملنظمة املؤتمر إلاسالمي‪ ،‬في دورته الثالثة في عمان‬
‫(‪1046‬م)‪ ،‬ومما جاء فيه‪ :‬الحكم بوفاة الشخص‪ ،‬وترتب جميع ألاحكام املقررة‬
‫ً‬
‫شرعا للوفاة‪ ،‬إذا تبينت فيه إحدى عالمتين‪ .‬ألاولى‪ :‬إذا توقف قلبه وتنفسه‬
‫ً ً‬
‫توقفا تاما‪ ،‬وحكم ألاطباء بأن هذا التوقف ال رجعة فيه‪.‬والثانية‪ :‬إذا تعطلت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جميع وظائف دماغه تعطال نهائيا‪ ،‬وحكم ألاطباء الاختصاصيون الخبراء‪ ،‬بأن‬
‫هذا التعطل ال رجعة فيه‪ ،‬وأخذ دماغه في التحلل‪ ،‬وفي هذه الحالة يسوغ رفع‬
‫ً‬
‫أجهزة إلانعاش املركبة على الشخص‪ ،‬وإن كان بعض ألاعضاء ال يزال يعمل آليا‬
‫بفعل ألاجهزة املركبة‪.‬‬

‫وأهم أسبا تحريم هذا النوع مم القتل‪:‬‬

‫(‪ )1‬أبــو البصــل‪ :‬د‪ .‬عبــد الناصــر‪ ،‬بحــث عمليــات التنســيل (الاستنســاخ) وأحكامهــا الشــرعية‪ ،‬مرجــع ســابق‪- 671/9 ،‬‬
‫‪ ،675‬فضـ ــل هللا‪ :‬حسـ ــين‪ ،‬وآخـ ــرون‪ ،‬الاستنسـ ــاخ جـ ــدل العلـ ــم والـ ــديم وألاخـ ــالق‪ ،‬دار الفكـ ــر‪ ،‬دمشـ ــق‪،1 ،‬‬
‫‪1191‬هـ‪9999 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 07‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (9‬كانــت هولن ــدا مــن ال ــدول الســباقة ف ــي إص ــدار التش ـريعات الت ــي تبــيح القت ــل ال ــرحيم‪ ،‬وقــد دخ ــل هــذا الق ــانون حي ــز‬
‫التنفيذ عام ‪ 9999‬م‪ ،‬ويجيز لألطباء ممارسة القتل الرحيم دون تعرض للمساءلة القانونية‪.‬‬
‫)‪ (1‬الب ــار‪ :‬د‪ .‬محم ــد عل ــي‪ ،‬أحك ــام الت ــداو والح ــاالت امليئ ــوس منه ــا وقض ــية م ــوت الرحم ــة‪ ،‬دار املن ــارة‪ ،‬ج ــدة‪،1 ،‬‬
‫‪1116‬هـ‪1005 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 60‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫‪ )2‬الاعتداء على الحياة إلا سانية‬
‫إن اتخاذ قرار بإنهاء حياة إنسان مريض‪ ،‬هو قر ٌار على درجة كبيرة من الخطورة‪ ،‬سواء‬
‫أكان من يتخذ هذا القر َار طبيبه أو أهله أو هو نفسه‪ ،‬ألن ذلك منهم قتل نفس معصومة دون‬
‫َّ‬
‫مسوغ مشروع‪ ،‬وقد حرم إلاسالم ذلك وعده من أكبر الكبائر املوجبة للعن والخلود في جهنم‬
‫والعياذ باهلل تعالى‪ ،‬وألن هللا تعالى هو وحده املنعم بالحياة وله وحده الحق في تقدير إنهائها‪.‬‬
‫ً‬ ‫وموافقة املريض أو طلبه إنهاء حياته ال ّ‬
‫يغير من حكم التحريم شيئا‪ ،‬ألنه ال يملك حياته‬
‫(م ْم‬
‫وعده جريمة كبرى‪ .‬يقول النبي ‪َ :‬‬ ‫الانتحار َّ‬
‫َ‬ ‫وال اتخاذ القرار بإنهائها‪ ،‬ولذلك حرم إلاسالم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َََ َْ‬ ‫َ‬
‫ت َر َّدى ِم ْم َج َب ٍل فقت َل نف َس ُه ف ُه َو ِفي ن ِار َج َهن َم يت َردى ِف ِيه خ ِالدا ُمخلدا ِف َيها أبدا‪ ،‬ومم تح َّس ى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َََ َْ‬
‫ُس ًّما فقت َل نف َس ُه‪ ،‬ف ُس ُّم ُه ِفي َي ِد ِه َيت َح َّس ُاه ِفي ن ِار َج َهن َم خ ِال ًدا ُمخل ًدا ِف َيها أ َب ًدا‪َ ،‬و َم ْم قت َل‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫نف َس ُه ِب َح ِد َيد ٍة‪ ،‬ف َح ِد َيدت ُه ِفي َي ِد ِه َي َجأ ِب َها ِفي َبط ِن ِه ِفي ن ِار َج َهن َم خ ِال ًدا ُمخل ًدا ِف َيها أ َب ًدا)(‪.)1‬‬
‫‪ )0‬منافاة سنة الابتالء‬
‫شاءت إرادة هللا تعالى أن يبتلي عباده في الدنيا‪ ،‬وأمرهم بالصبر‪ ،‬وفي هذا النوع من‬
‫القتل تضييع لجزاء الصبر على الابتالء‪ ،‬من تكفير الخطايا ورفع الدرجات‪.‬‬
‫‪ )3‬اليأس مم رحمة هللا تعالى‬
‫إن إلاقدام على هذا النوع من القتل فيه يأس من رحمة هللا تعالى‪ ،‬وقد نهى هللا تعالى‬
‫عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ﱣﭐ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱌ‬
‫ﱋﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔ‬

‫ﱕﱢﭐ(يوسف‪.)47 :‬‬
‫أفكر‪ :‬هل يجوز إزهاق روح حيوان‪ ،‬إلراحته من عذاب يعانيه؟‬

‫(‪ )1‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب الجن ــائز‪ ،‬ب ــاب م ــا ج ــاء ف ــي قات ــل ال ــنفس‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1907 :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،150‬ورواه مس ــلم‪،‬‬
‫كتــاب إلايمــان‪ ،‬بــاب غلــظ تحــريم قتــل إلانســان نفســه وإن مــن قتــل نفســه بش ـ يء عــذب بــه فــي النــار وأنــه ال يــدخل‬
‫الجنة إال نفس مسلمة‪ ،‬حديث رقم‪ ،190 :‬ج‪ ،1‬ص‪.191‬‬
‫‪224‬‬
‫الطب الوقائي والحماية مم ألامراض املعدية‬

‫إن مهنة الطب وممارسة العمل الطبي من أهم العلوم التي يكتسبها إلانسان‪ ،‬حيث‬
‫اجتهد الناس على اختالفاتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية في تحصيله وإتقانه إلدراكهم‬
‫أهميته الظاهرة‪ ،‬وأثره الكبير في حماية الصحة إلانسانية‪ ،‬ووقايتها من ألامراض‪ ،‬وإلاسهام في‬
‫مكافحة ألاوبئة‪ ،‬وبالتالي تحقيق مقاصد الشريعة إلاسالمية‪ ،‬وخاصة مقصد حفظ النفس‪.‬‬

‫أهمية العمل الطبي‪:‬‬


‫ضبطت الشريعة إلاسالمية من خالل قواعدها إجراءات مهنة التطبيب‪ ،‬وحددت‬
‫الوسائل الشرعية للممارسة الطبية؛ كي تكون معالجة ألامراض أو الوقاية منها بالضوابط؛‬
‫ألن هللا تعالى تعبدنا بالوسائل وألاسباب كما تعبدنا باملقاصد والغايات؛ يقول ابن القيم‪" :‬ملا‬
‫كانت املقاصد ال يتوصل إليها إال بأسباب وطرق تفض ي إليها‪ ،‬كانت طرقها وأسبابها تابعة لها‬
‫معتبرة بها‪ ،‬فوسائل املحرمات واملعاص ي في كراهتها واملنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها‬
‫وارتباطاتها بها‪ ،‬ووسائل الطاعات والقربات في محبتها وإلاذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛‬
‫فوسيلة املقصود تابعة للمقصود‪ ،‬وكلهما مقصود"(‪.)1‬‬
‫ويتعلق بطبيعة العمل الطبي جانب منهي يتطلب دقة الفهم ملهنة الطب ولقواعدها‬
‫وأصولها‪ ،‬التي يجب على الطبيب أن يحق قها في علمه وتعلمه وعالجه للناس‪ ،‬وجانب آخر‬
‫أخالقي يرتبط باألخالق وآلاداب العامة التي يجب مراعاتها في تعامل الطواقم الطبية مع‬
‫املرض ى واملراجعين‪ ،‬من مظاهر اللين والبشاشة وحسن الخلق والتعامل الحضاري الذي‬
‫تتبناه هذه املهنة العظيمة‪.‬‬

‫مشروعية ممارسة مهنة الطب‬


‫وألاصل في مشروعية مداواة املرض ى وعالجهم حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء‪،‬‬
‫قالت كنا نغزو مع رسول هللا نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى املدينة(‪.)9‬‬
‫وحديث أم عطية نسيبة ألانصارية رض ي هللا عنها‪ ،‬قالت‪" :‬غزوت مع رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫‪ - 1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعين‪.194/1 ،‬‬


‫‪ - 9‬البخاري ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل ‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬بيت ألافكار الدولية ‪،‬الرياض ‪(،‬د‪1004 ،) ،‬م‪ ،‬كتاب‬
‫الطب باب هل يداوي الرجل املرأة أو املرأة الرجل ‪ ،‬حديث رقم ‪.5670‬‬
‫‪225‬‬
‫وسلم سبع غزوات‪ ،‬أخلفهم في رحالهم‪ .‬فأصنع لهم الطعام‪ ،‬وأداوي الجرحى‪ ،‬وأقوم على‬
‫املرض ى"(‪)1‬‬

‫ومن ذلك أيضا قول الرسول صلى هللا عليه وسلم "من نفس عن مؤمن كربة من‬
‫كرب الدنيا نفس هللا عنه كربة من كرب يوم القيامة"(‪.)9‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وتعلم الطب من فروض الكفاية‪ ،‬وألاصل في مزاولته إلاباحة‪ ،‬وقد يصير مندوبا إذا‬
‫اقترن بنية نفع املسلمين والناس وذلك لدخوله في مثل قوله تعالى‪" :‬من قتل‬
‫َََ َ‬ ‫َ‬ ‫نفسا َِغ ْير َن ْفس َأ ْو َف َساد في ألا ض فكأنما قتل َّ‬
‫يعا َو َم ْن أ ْح َي َاها فكأ َّن َما أ ْح َيا الناس‬
‫اس َجم ً‬
‫ِ‬
‫الن َ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ً‬
‫جميعا"(‪ ،)1‬وحديث‪ « :‬من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه»(‪ .)1‬إال إذا تعين شخص لعدم‬ ‫ً‬
‫وجود غيره فتكون مزاولته واجبة‪.‬‬

‫أهمية املحافظة على صحة إلا سان في إلاسالم‬


‫حث إلاسالم على عناية إلانسان بصحة بدنه‪ ،‬وأن يعمد إلى الحرص على التداوي‬
‫وحفظ الصحة ودفع املرض‪ ،‬فعن أبي هريرة رض ي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما أنزل هللا داء إال أنزل له شفاء"(‪)5‬‬

‫إن نظرة الشرع إلاسالمي لحفظ النفس وصيانة الكرامة إلانسانية‪ ،‬مسألة متجذرة‬
‫في قواعده ونصوصه ومبادئه‪ ،‬سواء أكان ذلك ً‬
‫نظريا أم ً‬
‫عمليا‪ ،‬وهذا العتبار أن سيرة النبي‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم العطرة وتوجيهاته العظيمة تعمل على إظهار القيم الحضارية‬
‫السامية عند انتشار ألامراض املعدية والفيروسات القاتلة‪ ،‬وهو ما تنظمه القواعد الطبية‬
‫املعاصرة وتؤسس لترسيخه في عالقة الطب باملجتمعات إلانسانية بشكل عام وإلاسالمية‬
‫بشكل خاص‪ ،‬وذلك من خالل القواعد واملباديء التي توجب على الجهات الطبية والصحية‬
‫املختصة أن تتخذ إجراءات وتدابير لتنظيم العالقات املجتمعية حال انتشار ألامراض‬

‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬أبو الحسين بن الحجاج النيسابوري‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬دار طيبة ‪ ،‬الرياض ‪9996 ، 1 ،‬م ‪ ،‬كتاب الجهاد‬
‫والسير‪ ،‬باب النساء الغازيات يرضخ لهن وال يسهم‪ ،‬ح برقم ‪.1141‬‬
‫‪ - 9‬مسلم‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ‪ ،‬باب فضل الاجتماع على تالوة القران ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪.9600‬‬
‫‪ - 1‬املائدة‪.19 :‬‬
‫‪ - 1‬مسلم ‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬كتاب السالم ‪ ،‬باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪.9100‬‬
‫‪ - 5‬البخاري ‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬كتاب الطب باب‪ ،‬ما انزل ما انزل هللا داء أال انزل له شفاء حديث رقم ‪.5674‬‬
‫‪226‬‬
‫املعدية‪ ،‬بما يعطي صورة مشرقة للتشريعات إلاسالمية التي تتفق مع أحكام الطب وإجراءاته‬
‫املعتمدة في مثل هذه الحاالت‪.‬‬

‫إلاسالم ودجراءات السالمة العامة حال انتشار ألاوبئة وألامراض املعدية‬


‫الناظر في التشريع إلاسالمي يجد أنه يعمل على إرساء قواعد تحقيق سعادة‬
‫املجتمعات وتحصيل مصالحهم املرغوبة‪ ،‬برفع الضرر والضرار عنهم‪ ،‬وبما يدرأ الفساد‬
‫ويوجد املنافع‪ ،‬وذلك أن املقصد العام من تشريع ألاحكام التي جاءت بها التشريعات‬
‫إلاسالمية يقوم على جلب املصالح ودرء املفاسد‪.‬‬
‫وإذا تعلق ألامر التشريعي بنظام الطب الوقائي والحماية من ألامراض املعدية القائم‬
‫على تحقيق هذا املقصد؛ فإن نصوص الشرع إلاسالمي ال تغفل مسألة كهذه‪ ،‬وذلك ألهميتها‬
‫في سلم الضرورات الشرعية من حفظ النفس ومتعلقات إلانسان وفق املعايير الشرعية‪،‬‬
‫والتوجيهات النبوية الشريفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالطب الوقائي ال بد منه لحفظ النفس ومنع وقوع الضرر عليها‪ ،‬وهو من‬
‫التشريعات الخاصة بمنع وقوع الضرر والضرار‪ ،‬حيث ال بد من إزالة الضرر‪ ،‬وهذا ال يتحقق‬
‫إال بتطبيق إجراءات الطب الوقائي ونظام التباعد الاجتماعي عن ألاشخاص املصابين‪ ،‬في‬
‫حال انتشار ألاوبئة وألامراض املعدية‪ ،‬مثل فايروس كورونا‪.‬‬

‫الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي‬


‫سلطت ألاحاديث النبوية الشريفة الضوء على أهمية التباعد الاجتماعي وعزل‬
‫ألاشخاص املصابين باألمراض املعدية‪ ،‬حتى ال يؤثر ذلك على غيرهم من الناس املعافين غير‬
‫املصابين‪ ،‬ومن ألامثلة على ذلك‪:‬‬
‫(‪ )1‬قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إذا سمعتم بالطاعون بأرض فال تدخلوها‪ ،‬وإذا وقع بأرض‬
‫وأنتم بها فال تخرجوا منها"(‪ .)1‬وهذا يعني أال يدخل أي شخص إلى هذا البلد الذي قد ظهر فيه‬
‫معد وال يخرج منه كذلك حتى ينتهي هذا املرض‪ ،‬وحتى ال يصل إلى غيره من البقاع غير‬
‫مرض ٍ‬
‫املصابة‪ ،‬وذلك من باب احتمال أهون الشرين وارتكاب أخف الضررين‪ ،‬وبالتالي حصول‬
‫الوقاية وحفظ حياة الناس وتمكينهم من العيش بسالم وطمأنينة‪.‬‬

‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب ما يذكر في الطاعون‪ ،‬ح برقم ‪.5794‬‬
‫‪227‬‬
‫(‪ )9‬يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال يوردن ممرض على مصح"(‪ .)1‬ففي هذا الحديث‬
‫وردها على إلابل الصحيحة‪،‬‬ ‫صاحب إلابل املريضة ْأن ي َ‬
‫َ‬ ‫ينهى الرسو ِل صلى هللا عليه وسلم‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫املرض املعدي‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫صاحب‬ ‫َ‬
‫املريض‬ ‫خوفا من انتقال العدوى إليها‪ .‬ويفهم من هذا املنهج النبوي ّأن‬
‫ؤذيهم‪ ،‬وكذلك إلانسان السليم عليه ْأن َي َّ‬ ‫عديهم في َ‬
‫ط بالناس؛ لئال ي َ‬‫َ‬ ‫ْ ً‬
‫تجن َب‬ ‫ختل‬
‫عليه أن ال ي ِ‬
‫أسباب املرض وألاذى‪ ،‬حتى َيقي َ‬
‫نفسه ويحافظ عليها‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫إن وجود ألامراض املعدية في املجتمعات إلانسانية يقتض ي أن يتخذ التشريع‬
‫إلاسالمي تدابير شرعية تعمل على حفظ النفس وتراعي مباديء الطب الوقائي املعروفة‬
‫وأنظمتها عند انتشار ألاوبئة وألامراض املعدية ومنها فايروس كورونا‪ ،‬وهذا بقصد منع الضرر‬
‫ال ذي قد يصيب الشخص السليم عند مخالطته املصاب بمرض معد محقق أو محتمل‬
‫الوقوع‪.‬‬
‫ولتحقيق هذه املقاصد وإرساء هذه املباديء أجاز التشريع إلاسالمي للمكلف ترك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعض الواجبات والتكاليف الشرعية كالصالة في املسجد مثال‪ ،‬حفاظا على حياة إلانسان‪.‬‬

‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬الصحيح ‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب‪ :‬ال عدوى وال طيرة وال هامة وال صفر‪ ،‬وال نوء وال غول‪ ،‬وال يورد ممرض‬
‫على مصح‪ ،‬برقم ‪ ،)9991( 191‬البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب‪ :‬ال هامة‪ ،‬برقم ‪.5779‬‬
‫‪228‬‬
‫مكـانة فلسـطيـم الدينيـة‬

‫ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬

‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ‬

‫ﱑﱓﱔﱕﱖﱗﱢ(إلاسراء‪.)1 :‬‬
‫ﱒ‬

‫تتبوأ لسطين مكانة مهمة ومقدسة في إلاسالم وفي نفوس املسلمين‪ ،‬ففيها يوجد املسجد‬
‫ألاقص ى‪ ،‬وهي موئل ألانبياء عليهم السالم ومهد الرساالت‪ ،‬وأرض الربا والفئة املنصورة‪.‬‬
‫خصائـص فلســطيـم الـدينيــة‬
‫تتميز فلسطين بمكانة دينية مهمة‪ ،‬تظهر في آلاتي‪:‬‬
‫‪ - 2‬أنها أرض املسجد ألاقص ى‪ .‬فهي تكتسب أهمية دينية خاصة‪ ،‬بسبب وجود املسجد‬
‫ألاقص ى املبارك فيها‪.‬‬
‫‪ - 0‬أنها مهوى ألانبياء عليهم السالم ومهد الرساالت‪ .‬فالكثير من ألانبياء عليهم السالم عاشوا‬
‫في فلسطين أو زاروها‪ ،‬ومنهم‪ :‬إبراهيم واسحق ويعقوب وأيوب وشعيب وداود وسليمان وزكريا‬
‫ويحيى وعي ى‪ ،‬عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ - 3‬أنها ألارض املقدسة واملبارك فيها للعاملين‪ .‬فقد ّبين هللا تعالى قداستها في قوله‪ :‬ﱣﭐ ﲛ‬

‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﱢ (املائدة‪ ،)91 :‬وبين هللا تعالى بركتها في أربعة‬


‫مواضع في القرآن الكريم‪ ،‬منها قوله سبحانه‪ :‬ﱣﭐ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻﱢ(ألانبياء‪.)71 :‬‬
‫‪ - 4‬أنها أرض الربا والطائفة املنصورة‪ .‬فقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل الشام‪ ،‬ومنها‬
‫فلسطين‪ .‬وهي أحاديث وإن كان في صحتها كالم عند العلماء‪ ،‬إال أنها تدل بمجموعها على معنى‬
‫صحيح وهو فضل سكنى الشام ولزومها والربا فيها‪ ،‬وأنها أرض طائفة الحق املنصورة‪ ،‬وهو‬
‫ما يؤكده مباركة وتقديس القرآن الكريم لهذه ألارض‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫مم معا ي قداسة أرض فلسطين وبركتها‬
‫ألارض املقدسة‪ ،‬أي املطهرة‪ .‬وألارض املباركة‪ ،‬أي التي يكثر فيها الخير ويستقر‪ .‬وهذا يعني‬
‫ً‬
‫أن الخير إلالهي قد حل في فلسطين‪ ،‬فصارت بركة للعاملين‪ .‬وهذا الخير غير محدود بأناس‬
‫معينين أو بزمن معين‪ .‬إنما هو لكل الناس‪ ،‬إلى يوم القيامة‪ .‬وأرض فلسطين هي ألارض التي ال‬
‫يتجذر فيها باطل‪ ،‬وال يدوم فيها شر‪ .‬إنما فيها ينتهي كل ظلم واستكبار‪ ،‬وذلك خير ال ينقض ي‪.‬‬
‫ولنتذكر هنا‪ :‬أن في أرض فلسطين كانت نهاية إلامبراطورية الرومانية‪ .‬وأن فيها كانت‬
‫املعركة املصيرية مع الصليبيين في حطين‪ .‬وأن فيها كانت نهاية املغول‪ ،‬في معركة عين جالوت‪.‬‬
‫وأن فيها كانت نهاية طموحات نابليون في السيطرة على الشرق‪ .‬وأن فيها ستكون نهاية املسيح‬
‫الدجال ونهاية يأجوج ومأجوج‪ .‬فهل أدل على بركة هذه ألارض من ذلك!‬
‫واليوم تشكل القضية الفلسطينية‪ ،‬نقطة الصراع بين ألامة وأعدائها‪ ،‬وتشكل توعية‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫مستمرين للشعوب إلاسالمية‪ ،‬لتعود لذاتها‪ ،‬وتدرك أعداءها‪ ،‬وتحرر البالد من هذا‬ ‫واستفزازا‬
‫الظلم الذي يعمها(‪.)1‬‬
‫مسرح دائم للصراع بين الحق والباطل‪ .‬وهي اليوم تعاني من الاحتالل الغاشم‬ ‫ٌ‬ ‫ففلسطين‬
‫والرابض عليها منذ عقود‪ ،‬وهو يقوم بتهويدها وتهجير أهلها منها وقمعهم بكل ألاساليب‬
‫الوحشية‪.‬‬
‫وستبقى فلسطين بقعة الصراع بين الحق والباطل إلى يوم الدين‪ ،‬وخط الدفاع ألاول‬
‫عن املسلمين‪ ،‬والصخرة التي تتحطم عليها كل قوى الشر والبغي والعدوان‪ ،‬وهو ما يفسر لنا‬
‫مباركتها وقداستها دينيا‪ ،‬والحث املتكرر واملستمر من النبي ‪ ‬على الرحيل إليها ولزوم سكناها‬
‫والربا في ثغورها‪.‬‬
‫ولن ينجح الغزاة الجدد فيما يريدون بإذن هللا تعالى‪ .‬وذلك وعد هللا تعالى الذي ال يخلف‬
‫وعده‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ﱣﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲋ ﲍﲎﲏ‬
‫ﲌ‬ ‫ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅﲆ ﲇﲈ ﲉﲊ‬

‫ﲐﲑﲒ ﲓﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙﲚ ﲛﲜ ﲝﲞ ﲟ‬

‫(‪ )1‬ج ـ ـرار‪ :‬بسـ ــام نهـ ــاد‪ ،‬مـ ــم أس ـ ـرار ألاسـ ــماء فـ ــي الق ـ ـرآن الك ـ ـريم‪ ،‬مركـ ــز نـ ــون للدراسـ ــات وألابحـ ــاث القرآنيـ ــة‪ ،‬البيـ ــرة‪،‬‬
‫فلسطين‪1191 ،1 ،‬هـ‪9991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.61 - 54‬‬
‫‪231‬‬
‫ﲤ ﲦﲧ ﲨﲩ ﲪﲫﲬﲭ ﲮﲯ ﲰ‬
‫ﲠﲢﲣ ﲥ‬
‫ﲡ‬

‫ﱈﱊﱋﱌ ﱍﱢ‬
‫ﱄﱆﱇ ﱉ‬
‫ﱅ‬ ‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﱁ ﱂﱃ‬

‫(إلاسراء‪ ،)4 - 1:‬وحين قال‪ :‬ﱣﭐ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬

‫ﳔﱢ(إلاسراء‪.)191 :‬‬
‫وأكثر املفسرين املعاصرين يرون أن إلافساد الثاني متحقق في زماننا‪ ،‬وعناصره واضحة‬
‫التحقق لكل متأمل في آلايات والواقع‪.‬‬
‫ﱛ ﱝ ﱞﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨﱩﱪ ﱫﱬ ﱭ‬
‫ﱜ‬ ‫ﱣﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱢ (إلاسراء‪- 197 :‬‬
‫‪.)194‬‬

‫املس ـجـد ألاقـصـى املـبــارك‬


‫إن من أهم ما يميز فلسطين من الناحية الدينية هو وجود املسجد ألاقص ى املبارك فيها‪،‬‬
‫وهو مسجد له أهميته وقداسته في إلاسالم‪ ،‬ومن مظاهر ذلك‪:‬‬
‫‪ )2‬معجزة إلاسراء واملعراج التي تتعلق باملسجد ألاقص ى‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﱣﭐ ﱁ ﱂ ﱃ‬

‫ﱑﱓ ﱔﱕ‬
‫ﱒ‬ ‫ﱄﱅﱆﱇﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌﱍ ﱎﱏﱐ‬

‫ﱖﱗﱢ(إلاسراء‪.)1 :‬‬
‫ومن مظاهر داللة هذه املعجزة على أهمية هذا املسجد وقداسته‪:‬‬
‫زيارة أشرف الخلق محمد ‪ ‬إليه‪ .‬وعروجه منه إلى السماء بطريقة معجزة‪ ،‬وقد كان‬
‫يمكن أن يتم العروج إلى السماء من مكة مباشرة لوال الخصوصية التي أراد هللا تعالى منحها‬
‫لهذا املسجد وللبلد الذي هو فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫ذلك فضال عن ربط هذا املسجد بأشرف املساجد وهو املسجد الحرام‪.‬‬
‫ً‬
‫وفضال عن إطالق كلمة إلاسراء على سورة من سور القرآن الكريم‪ ،‬داللة على أهمية‬
‫إلاسراء إلى هذا املسجد‪.‬‬
‫‪ )0‬مباركة هللا تعالى ملا حول هذا املسجد‪ ،‬وليس له وحده‪ .‬فقد ذكرت آية إلاسراء الكريمة‬
‫حلول البركة حول املسجد ألاقص ى‪ ،‬وذلك أبلغ من الحديث عن حلول البركة فيه‪ ،‬وكأن فيه‬
‫بركة عظيمة ال توصف‪ ،‬فاضت على ما حوله فباركته‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ )3‬كون املسجد قبلة املسلمين ألاولى وثاني بيت وضع للناس وثالث مسجد في املنزلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد استقبل املسلمون املسجد ألاقص ى في صالتهم ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا‬
‫في املدينة املنورة بعد الهجرة‪ ،‬قبل أن تتحول القبلة إلى الكعبة املشرفة(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الل ِه َأ ُّ َم ْسج ٍد ُو ِض َع في ْألا ْ‬
‫َ َ ُ َ َّ‬
‫ض أ َّو ُل؟‬ ‫َِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعن أبي ذر الغفاري ‪ ‬قال‪( :‬قلت‪ :‬يا رسول‬
‫ُ ْ ُ َ ْ َ َُْ َ َ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ ُ َّ َ ٌّ َ َ ْ َ‬
‫ال امل ْس ِج ُد ألاق َص ى‪ .‬قلت كم بينهما؟ قال أربعون‬ ‫قال املس ِجد الحرام‪ .‬قلت ثم أ ؟ ق‬
‫ًَ‬
‫َسنة)(‪.)9‬‬
‫ثم هو ثالث الحرمين في املنزلة وثواب الصالة‪ ،‬أي أنه يأتي بعد املسجد الحرام واملسجد‬
‫النبوي‪.‬‬
‫‪ )4‬عظم أجر شد الرحال إليه للصالة فيه‪ :‬وردت أحاديث في ذلك منها‪ :‬ما رواه أبو هريرة ‪‬‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ال د َّال د َلى َث َال َثة َم َ‬ ‫عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(َ :‬ال ُت َش ُّد ّ‬
‫اج َد امل ْس ِج ِد ال َح َر ِام َو َم ْس ِج ِد‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر َح ُ‬
‫ِ‬
‫َْْ‬
‫الر ُسو ِل ‪َ ‬و َم ْس ِج ِد ألاق َص ى)(‪.)1‬‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬رواه البخار ‪ ،‬أبواب القبلة‪ ،‬باب التوجه نحو القبلة حيث كان‪ ،‬حديث رقم‪ ،109 :‬ج‪ ،1‬ص‪.155‬‬
‫ً‬
‫(‪ )9‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب أحادي ــث ألانبي ــاء‪ ،‬ب ــاب قول ــه تع ــالى‪" :‬واتخ ــذ هللا إب ـراهيم خل ــيال"‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1911 :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ ،1969‬ورواه مسلم‪ ،‬كتاب املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬حديث رقم ‪ ،599‬ج‪ ،1‬ص‪.179‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخ ــار ‪ ،‬كت ــاب أب ــواب التطـ ــوع‪ ،‬بـ ــاب فضـ ــل الصـ ــالة فـ ــي مسـ ــجد مك ــة واملدين ــة‪ ،‬ح ــديث رق ــم‪ ،1119 :‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ ،104‬ورواه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب التشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد حديث رقم‪ ،1107 :‬ج‪.1911 ،9‬‬
‫‪232‬‬
‫مم معالم املسجد ألاقص ى املبارك‪:‬‬
‫وتتجول في ساحاته ومعامله‪ ،‬تجد ّأن هذه‬ ‫ّ‬ ‫عندما تزور املسجد ألاقص ى املبارك‪،‬‬
‫َ‬
‫ومعان أراد سلفنا الصالح أن يرسلها إلينا‪ ،‬فقد بنوا هذه املعالم لحكم‬ ‫املعالم لها رسائل‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ألاساسية داخل املسجد‬ ‫كثيرة‪ ،‬يجب علينا أن نقف عندها ونفهمها ون ِع َيها‪ ،‬ومن هذه املعالم‬
‫ألاقص ى‪:‬‬
‫ً‬
‫ّأوال‪ :‬منبر نور الديم زنكي (املشهور بمنبر صالح‬
‫الديم)‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والزخرفة‬ ‫الفن‬ ‫منبر شهير يمثل روعة‬
‫إلاسالمية‪ ،‬أمر نور الدين زنكي ببنائه قبل تحرير‬
‫املسجد ألاقص ى املبارك من الصليبين بعشرين‬
‫عاما‪ ،‬وكان يأمل أن يوضع املنبر داخل املسجد‬
‫ألاقص ى املبارك بعد تحريره‪ ،‬وقد مات نور الدين‬
‫قبل تحقيق حلمه‪ .‬وبعد تحريره أمر صالح الدين ألايوبي بإحضاره من حلب(‪.)1‬‬
‫وبعد الاحتالل الصهيوني لفلسطين‪ ،‬وفي عام ‪1140‬هـ ‪1060 -‬م‪ ،‬قام أحد اليهود‬
‫املتطرفين بإحراق املسجد ألاقص ى فأتت النيران عليه فدمرته بالكامل‪ ،‬وعند البدء بترميم‬
‫حدث منبر حديدي مكانه‪ .‬وفي عام ‪9997‬م أعادت اململكة ألاردنية الهاشمية بناء‬ ‫املسجد است ِ‬
‫القبلي‪.9‬‬
‫منبر آخر مطابق له في الشكل والبناء‪ ،‬وقد وضع املنبر الجديد مكانه داخل املسجد ِ‬
‫ّ‬
‫والحرفيين واملهندسين من كافة أنحاء‬ ‫وقد شارك في إعادة بنائه مجموعة من الخبراء‬
‫العالم إلاسالمي من ألاردن واملغرب العربي وتركيا ومصر وإندونيسيا وماليزيا‪ .1‬وقد صنع املنبر‬
‫من خشب (ألابنوس) الخالص‪ ،‬ووصل الخشب بعضه ببعض عن طريق (التعشيق) دون أن‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفنيون املسامير؛ وذلك ليكون املنبر ببنائه ممثال لجسد ألامة إلاسالمية‬ ‫الحرفيون‬ ‫يستعمل‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬أبو شامة‪ ،‬عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم (ت‪665:‬هـ)‪ ،‬الروضتين في أخبار الدولتين النورية‬
‫والصالحية‪ ،‬املحقق‪ :‬إبراهيم الزيبق‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1114 ،1 ،‬هـ‪1007 -‬م‪.109/1 ،‬‬
‫‪9‬انظر‪ :‬مؤسسة القدس الدولية‪ ،‬معالم املسجد ألاقص ى‪ ،‬ص‪19‬‬
‫ّ‬
‫‪1‬انظر‪ :‬جالد‪ ،‬محمد وصفي‪ ،‬كيف ننصر املسجد ألاقص ى‪9915 ،9 ،‬م‪ ،‬ص‪.167-166‬‬
‫‪233‬‬
‫بتواصل وتعاون أفرادها‪ ،‬وشد بعضهم أزر بعض‪ ،‬دون ضغط عليهم من جسم غريب أو‬
‫دخيل‪.1‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬قبة موس ى‪:‬‬
‫بناها امللك الصالح نجم الدين أيوب عام ‪617‬هـ‪1910 -‬م‪،‬‬
‫سميت باسم أحد الشيوت الذين كانوا ّ‬
‫يأمونها‪ ،‬وكان يطلق‬
‫عليها أيضا قبة الشجرة نسبة إلى شجرة نخل ضخمة كانت‬
‫بجوارها‪ ،‬وهي تقع في وسط الساحات الغربية للمسجد‬
‫ألاقص ى املبا ك‪ ،‬بين باب السلسلة غربا والقبة ّ‬
‫الن ْحوية‬ ‫ر‬
‫شرقا‪ ،‬وهي أول دار لتعليم القرآن الكريم في فلسطين‪ ،‬وال‬
‫التحفيظ ّ‬ ‫ّ‬
‫طالب ّ‬ ‫زالت ّ‬
‫والتجويد‪.9‬‬ ‫تخرج إلى اليوم العديد من‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬القبة الن ْحوية‪:‬‬

‫بناها امللك شرف الدين أبو‬


‫املنصور عي ى ألايوبي سنة ‪691‬هـ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪ ،‬تقع جنوب غرب قبة‬
‫الصخرة مقابل باب السلسلة‪ ،‬وقد‬
‫كانت مدرسة متخصصة في علوم‬
‫اللغة العربية من صرف ونحو‬
‫وغيره‪ ،‬تتكون القبة من ثالث غرف‬
‫متصلة‪ ،‬ولها مدخل يقع في واجهتها‬
‫الشمالية‪.1‬‬

‫‪1‬انظر‪ :‬معروف‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬ومرعي‪ ،‬رأفت‪ ،‬أطلس معالم املسجد ألاقص ى املبارك‪ ،‬مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪9919 ،1‬م‪1111-‬هـ‪ ،‬ص‪* .69‬مؤسسة القدس الدولية‪ ،‬معالم املسجد ألاقص ى‪ ،‬ص‪* 119‬الكيالني‪ ،‬إبراهيم‬
‫زيد‪ ،‬مقالة بعنوان‪ :‬منبر صالح الديم وأشياء أخرى‪ ،،‬موقع قصة إلاسالم على شبكة (الانترنت)‬
‫‪ . https://islamstory.com/ar/artical‬تاريخ الزيارة‪ ،9991/5/96 ،‬الساعة ‪ 19:19‬صباحا‪.‬‬
‫‪9‬انظر‪ :‬معروف ومرعي‪ ،‬أطلس معالم املسجد ألاقص ى املبارك‪ ،‬ص‪* .69‬مؤسسة القدس الدولية‪ ،‬معالم املسجد‬
‫ألاقص ى‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪234‬‬
‫لقد كان سلفنا ّ‬
‫الصالح يهتم بعلوم اللغة العربية؛ ألنها الطريق لفهم القرآن الكريم‪،‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫وب أق َفال َها}‪ .9‬فهناك ارتبا وثيق بين القبة‬
‫يقول تعالى‪{ :‬أفال يتدبرون الق ْرآن أم على قل ٍ‬
‫النحوية وقبة موس ى‪ ،‬فعندما يتقن الطالب اللغة العربية يلتحق بدور تحفيظ القرآن‬ ‫ْ‬
‫الكريم‪ ،‬ففهم القرآن وتطبيقه ال يقل أهمية عن حفظه‪ ،‬وكأن سلفنا الصالح يريد أن يرسل‬
‫َ‬
‫لنا رسالة من خالل هذين املعلمين‪ ،‬أن تحرير املسجد ألاقص ى املبارك يقع على عاتق أهل‬
‫ّ‬
‫وخاصته‪.‬‬ ‫القرآن‪ ،‬الذين أحسنوا حفظه وفهمه وتطبيقه‪ ،‬فهم أهل هللا‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬مدارس تحي باملسجد ألاقص ى‪:‬‬

‫تحيط باملسجد ألاقص ى املبارك العديد من املدارس التي بناها سلفنا الصالح‪،‬‬
‫وكأنهم بهذا البناء يذكروننا بأهمية العلم والعقيدة في الدفاع عن أقصانا‪ ،‬فأول آية نزلت‬
‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫{اق َ ْرأ ب ْ‬
‫اس ِم َرِّب َك ال ِذي خل َق}‪ ،1‬فالقالع والحصون ال‬
‫ْ‬
‫على النبي محمد صلى هللا عليه وسلم هي‪:‬‬
‫ِ‬

‫‪1‬انظر‪ :‬معروف ومرعي‪ ،‬أطلس معالم املسجد ألاقص ى املبارك‪ ،‬ص‪ ،69‬مؤسسة القدس الدولية‪ ،‬معالم املسجد‬
‫ألاقص ى‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪9‬سورة محمد‪ ،‬آية ‪.91‬‬
‫‪1‬سورة العلق‪ ،‬آية ‪.1‬‬
‫‪235‬‬
‫املقدسات وألاوطان‪ ،‬إنما بحاجة إلى جند العقيدة‪ ،‬فكثير من املدن لم‬ ‫تكفي وحدها لحماية ّ‬
‫تستطع أسوارها املادية الدفاع عنها‪ ،‬كما هو حال سور الصين العظيم‪ ،‬حيث تم اختراقه‬
‫عدة مرات من قبل العدو‪ ،‬فأهل العلم والعقيدة هم من يدافعون عن بالدهم ومقدساتهم‪.‬‬
‫ونذكر هنا خمس عشرة مدرسة تحيط باملسجد ألاقص ى املبارك وهي‪:1‬‬
‫مدرسة ثانوية ألاقص ى الشرعية‪ ،‬واملدرسة الغادرية‪ ،‬ومدرسة ورياض ألاقص ى إلاسالمية‪،‬‬
‫واملدرسة الباسطية‪ ،‬واملدرسة ألامينية‪ ،‬واملدرسة الفارسية‪ ،‬واملدرسة امللكية‪ ،‬واملدرسة‬
‫ألاسعردية‪ ،‬واملدرسة املنجكية‪ ،‬واملدرسة العثمانية‪ ،‬واملدرسة ألاشرفية‪ ،‬واملدرسة التنكزية‪،‬‬
‫واملدرسة البكرية‪ ،‬واملدرسة الصبيبية‪ ،‬واملدرسة الجاولية‪.‬‬
‫وقد بدأ انتشار هذه املدارس في عهد ألايوبيين وازدهر في عهد املماليك‪ ،‬كما حافظ على هذه‬
‫املدارس وعلى الحركة الثقافية والعلمية في املسجد ألاقص ى املبارك العثمانيون‪ ،‬وال يزال‬
‫جزء من هذه املدارس اليوم يؤدي رسالته العلمية والثقافية‪ ،‬بينما البعض آلاخر يستخدم‬
‫للسكن أو مكاتب ألغراض أخرى‪.9‬‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬البوائك (املوازيم)‪:‬‬
‫من يزور قبة الصخرة ويصعد الدرج املؤدي إليها يجد أنها تحا من جميع الجهات‬
‫بأعمدة رخامية تنتهي بأقواس‪ ،‬هذه ألاعمدة أطلق عليها سلفنا الصالح مصطلح بوائك أو‬
‫موازين‪ ،‬فالبائكة هي‪( :‬مجموعة ألاعمدة املتتابعة على خط مستقيم‪ ،‬واملوصولة في أعالها‬
‫بأقواس تحمل السقف)‪ .1‬والبوائك تحيط بقبة الصخرة املشرفة من جهاتها ألاربع‪ ،‬ويصعد‬
‫الزائر من خاللها ِلقبة الصخرة عن طريق درج عريض‪ ،1‬وقد بنيت هذه البوائك على عدة‬
‫مراحل‪ ،‬أغلبها في العصر اململوكي‪ ،‬مع العلم أن أقدمها بني في العصر الفاطمي‪ ،‬وقد تم‬
‫تجديدها أكثر من مرة‪ .5‬يبلغ عدد البوائك في املسجد ألاقص ى ثماني بوائك موزعة على‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬مؤسسة القدس الدولية‪ ،‬معالم املسجد ألاقص ى‪ ،‬ص‪* .91-14‬خليفة‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬دليل أولى القبلتين‬
‫ثا ي املسجديم وثالث الحرمين‪ ،‬مؤسسة ألاقص ى إلعمار املقدسات إلاسالمية‪ ،‬فلسطين‪1191 ،‬هـ‪9991 -‬م‪ ،‬ص‪99‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 9‬انظر‪ :‬معروف ومرعي‪ ،‬أطلس معالم املسجد ألاقص ى املبارك‪ ،‬ص‪.04‬‬
‫‪1‬موقع دائرة شؤون القدس على شبكة (الانترنت)‪ ، http://www.jerusalemaffairs-plo.ps/wp/?p=226 ،‬تاريخ الزيارة‪،‬‬
‫‪ ،9991/5/97‬الساعة ‪.0:19‬‬
‫‪1‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪5‬انظر‪ :‬معروف‪ ،‬أطلس معالم املسجد ألاقص ى املبارك‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪236‬‬
‫الجهات ألاربع‪ :‬البائكة الشمالية‪ ،‬والبائكة الشمالية الغربية‪ ،‬والبائكة الغربية‪ ،‬والبائكة‬
‫الجنوبية الغربية‪ ،‬والبائكة الجنوبية‪ ،‬والبائكة الجنوبية الشرقية‪ ،‬والبائكة الشرقية‪،‬‬
‫والبائكة الشمالية الشرقية‪.1‬‬
‫ً‬
‫واملتأمل في هذه البوائك والتي يطلق عليها موازين‪ ،‬يجزم أنها لم ت َبن عبثا‪ ،‬إنما أراد سلفنا‬
‫الصالح أن يرسل لنا من خاللها رسائل‪ ،‬فإطالق اسم موازين عليها فيه داللة مأخوذة من‬
‫عقيدة املسلم بأن هذه ألارض هي أرض املحشر واملنشر‪ ،‬حيث يحشر الناس فيها يوم القيامة‬
‫نشروا للحساب في َ‬ ‫َ‬
‫نصب امليزان حيث العدل إلالهي املطلق‪ .‬كما أن هذه املوازين بمثابة‬ ‫لي‬
‫ألاضالع الحامية للقلب‪ ،‬فقبة الصخرة بنيت في وسط وقلب ساحات املسجد ألاقص ى‬
‫املبارك‪ ،‬لتقول لنا أن إقامة موازين العدل هي التي تحمي املسجد ألاقص ى املبارك‪ ،‬فالتاريخ‬
‫يشهد أن الذين فتحوا بيت املقدس وحرروه هم أهل الحق والعدل‪ ،‬فعمر بن الخطاب الذي‬
‫استلم مفاتيحها سمي بفاروق ألامة لعدله وإنصافه‪ ،‬وصالح الدين الذي حررها من حقد‬
‫الصليبيين كان أيضا يتصف بالعدل‪.9‬‬

‫‪1‬انظر‪ :‬مؤسسة القدس الدولية‪ ،‬معالم املسجد ألاقص ى‪ ،‬ص‪* .91-91‬معروف‪ ،‬أطلس معالم املسجد ألاقص ى‬
‫املبارك‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫ّ‬
‫‪9‬انظر‪ :‬جالد‪ ،‬كيف ننصر املسجد ألاقص ى‪ ،‬ص‪.149-141‬‬
‫‪237‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫‪ -‬آل منصور‪ :‬د‪.‬صالح بن عبد العزيز‪ ،‬الزواج بنية الطالق مم خالل أدلة الكتا‬
‫والسنة ومقاصد الشريعة‪ ،‬مكتبة دار الحميض ي‪ ،‬الرياض‪1001 ،1 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬العبودية‪ ،‬تعليق وتخريج‪ :‬محمد بن سعيد بن‬
‫رسالن‪ ،‬دار إلايمان‪ ،‬الاسكندرية‪9991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حبان‪ :‬محمد بن حبان‪ ،‬صحيح ابم حبان بترتيب ابم بلبان‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب‬
‫ألارنؤو ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1001 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حنبل‪ :‬أحمد بن محمد‪ ،‬مسند إلامام أحمد بم حنبل‪ ،‬ألاحاديث مذيلة بأحكام‬
‫شعيب ألارنؤو عليها‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سعد‪ :‬محمد بن سعد (ت‪ 919‬هـ)‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ :‬محمد الطاهر‪ ،‬أصول النظام الاجتماعي في إلاسالم‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫عمان‪9991 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن فارس‪ :‬أحمد بن فارس (ت ‪ 105‬هـ)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق وضبط‪ :‬عبد‬
‫السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قدامة‪ :‬عبد هللا بن أحمد‪ ،‬املغ ي على مختصر الخر ي‪ ،‬ضبطه وصححه‪ :‬عبد‬
‫السالم محمد علي شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1001 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قيم الجوزية‪ :‬محمد بن أبي بكر (ت ‪751‬هـ)‪ ،‬دعالم املوقعين عم ر العاملين‪،‬‬
‫ضبط وتعليق وتخريج‪ :‬محمد املعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪1006 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قيم الجوزية‪ :‬محمد بن أبي بكر (ت‪ 751‬هـ)‪ ،‬مدارج السالكين بين منازل دياك‬
‫عبد ودياك ستعين‪ ،‬مراجعة‪ :‬الشيخ محمد بيومي‪ ،‬مكتبة إلايمان‪ ،‬املنصورة‪،‬‬
‫‪1000‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ماجه‪ ،‬محمد بن يزيد‪ ،‬سنن ابم ماجه‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫وألاحاديث مذيلة بأحكام ألالباني عليها‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ :‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العر ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1007 ،1 ،‬م‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫‪ -‬ابن هشام‪ :‬عبد امللك بن هشام (ت ‪ 911‬هـ)‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1041 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو البصل‪ :‬د‪ .‬عبد الناصر‪" ،‬عمليات التنسيل (الاستنساخ) وأحكامها الشرعية"‪،‬‬
‫بحث منشور في‪ :‬ألاشقر وآخرون‪ ،‬د‪ .‬عمر سليمان‪ ،‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬د‪ .‬عبد‬
‫الناصر أبو البصل‪ ،‬د‪ .‬عباس الباز‪ ،‬دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬عمان‪9991 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ :‬سليمان بن ألاشعث‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الحميد‪ ،‬مع الكتاب‪ :‬تعليقات ك َمال يوسف الحوت‪ ،‬وألاحاديث مذيلة بأحكام‬
‫ألالباني عليها‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ :‬محمد‪ ،‬دراسات دسالمية في النفس واملجتمع‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬أبو سليمان‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد‪" :‬ألامن والسالم إلاجتماعي‪ ،‬هدف نظام العقوبات‬
‫إلاسالمي"‪ ،‬مجلة دسالمية املعرفة‪ ،‬العدد (‪ ،)11‬السنة الرابعة‪1004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو شهبة‪ :‬د‪ .‬محمد محمد‪ ،‬إلاسرائيليات واملوضوعات في كتب التفسير‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬
‫بيروت‪1009 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو فارس‪ :‬د‪ .‬محمد عبد القادر‪ ،‬الجهاد في الكتا والسنة‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪1004 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ألاشقر‪ :‬أسامة عمر‪ ،‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ألاردن‪9999 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ألاشقر‪ :‬د‪ .‬عمر سليمان‪ ،‬ألاسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬عمان‪1001 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ألاصفهاني‪ :‬الراغب‪ ،‬الحسين بن محمد (ت ‪ 591‬هـ)‪ ،‬معجم مفردات القرآن الكريم‪،‬‬
‫ضبطه وصححه وخرج آياته واحاديثه‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪1007 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ألاعظمي‪ ،‬محمد مصطفى‪ :‬دراسات في الحديث النبو وتاريخ تدوينه‪ ،‬طبعة املكتب‬
‫إلاسالمي‪1199 ،‬ه_‪1049‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ألالباني‪ :‬محمد ناصر الدين‪ ،‬درواء الغليل في تخريج أحاديث منار الس يل‪ ،‬املكتب‬
‫إلاسالمي‪ ،‬بيروت‪ 1195 ،9 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫‪ -‬ألالباني‪ :‬محمد ناصر الدين‪ ،‬صحيح السيرة النبوية‪ ،‬املكتبة إلاسالمية‪ ،‬عمان‪،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬أمين‪ :‬د‪.‬أحمد محمد‪ ،‬الدولة إلاسالمية واملبادئ الدستورية الحديثة‪ ،‬مكتبة‬
‫الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪9995 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البار‪ :‬د‪ .‬محمد علي‪ ،‬أحكام التداو والحاالت امليئوس منها وقضية موت الرحمة‪،‬‬
‫دار املنارة‪ ،‬جدة‪1005 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البار‪ :‬د‪ .‬محمد علي‪ ،‬خل إلا سان بين الطب والقرآن‪ ،‬الدار السعودية‪ ،‬جدة‪،‬‬
‫‪1005 ،19‬م‪.‬‬
‫‪ -‬باعمر‪ :‬أحمد سالم‪ ،‬الدبلوماسية بين الفقه إلاسالمي والقانون الدولي‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬عمان‪9991 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ :‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬الجامع الصحيح املختصر (صحيح البخار )‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة‪ ،‬بيروت‪1047 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بدوي‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن‪ ،‬ألاخالق النظرية‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪1075 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البرهاني‪ :‬محمد هشام‪ ،‬سد الذرائع في الشريعة إلاسالمية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،1 ،‬‬
‫‪1045‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البزار‪ :‬أحمد بن عمرو (ت‪ 909‬هـ)‪ ،‬مسند البزار‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محفوظ الرحمن زين‬
‫هللا‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬بيروت‪ 1190 ،1 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬البغا‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب‪ ،‬نظام إلاسالم في العقيدة وألاخالق والتشريع‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪1007 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البغدادي‪ :‬أحمد بن علي ويعرف بالخطيب‪ ،‬ت ‪161‬هـ‪ ،‬الكفاية في علم الرواية‪،‬‬
‫تعليق‪ :‬زكريا عميرات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪9996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بني دومي‪ :‬د‪ .‬خالد قاسم‪ ،‬داللة الظاهرة الصوتية في القرآن الكريم‪ ،‬جدارا للكتاب‬
‫العالمي‪ ،‬عمان‪9996 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بيجوفتش‪ :‬علي عزت‪ ،‬إلاسالم بين الشرق والغر ‪ ،‬الناشر‪ :‬مجلة النور الكويتية‪،‬‬
‫الكويت‪1001 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البيطار‪ :‬د‪ .‬فراس‪ ،‬املوسوعة السياسية والعسكرية‪ ،‬دار أسامة‪ ،‬عمان‪9991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين‪ ،‬سنن البيهقي الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪،‬‬
‫مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪1001 ،‬م‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫‪ -‬الترمذي‪ :‬محمد بن عي ى‪ ،‬الجامع الصحيح (سنن الترمذ )‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد محمد‬
‫شاكر وآخري ن‪ ،‬ألاحاديث مذيلة بأحكام ألالباني عليها‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬التميمي‪ :‬عز الدين الخطيب‪ ،‬وآخرون‪ ،‬عبد الرحيم مريش‪ ،‬خالد الحشاش‪ ،‬عزمي‬
‫طه‪ ،‬فتح هللا تفاحة‪ ،‬صالح الخطيب‪ ،‬ممدوح العقيل‪ ،‬نظرات في الثقافة‬
‫إلاسالمية‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪1001 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ثنيان‪ :‬سليمان بن إبراهيم‪ ،‬التأمين وأحكامه‪ ،‬دار العواصم‪ ،‬بيروت‪1001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجابري‪ :‬د‪ .‬محمد عابد‪ ،‬تكويم العقل العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪1004 ،7 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجابري‪ :‬د‪ .‬محمد عابد‪" ،‬العوملة والهوية الثقافية"‪ ،‬مجلة املستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1004‬م‪ ،‬عدد ‪.994‬‬
‫‪ -‬جرار‪ :‬بسام‪ :‬دراسات في الفكر إلاسالمي‪ ،‬مركز نون للدراسات وألابحاث القرآنية‪،‬‬
‫البيرة‪ ،‬فلسطين‪1197 ،9 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬جرار‪ :‬بسام نهاد‪ ،‬مم أسرار ألاسماء في القرآن الكريم‪ ،‬مركز نون للدراسات‬
‫وألابحاث القرآنية‪ ،‬البيرة‪ ،‬فلسطين‪9991 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجرجاني‪ :‬علي بن محمد‪ ،‬التعريفات‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬جعفر‪ :‬د‪.‬عبد القادر‪ ،‬نظام التأمين إلاسالمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،1 ،‬‬
‫‪9996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحريري‪ :‬د‪.‬إبراهيم محمود‪ ،‬املدخل دلى القواعد الفقهية‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪،1 ،‬‬
‫‪1004‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حنفي وآخرون‪ :‬حسن حنفي وصادق جالل العظم‪ ،‬ما العوملة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪1000‬م‬
‫‪ -‬حوى‪ :‬سعيد‪ ،‬املستخلص في تزكية ألانفس‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪ ،‬بيروت‪1049 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحوالي‪ :‬د‪ .‬سفر بن عبد الرحمن‪ ،‬العلمانية شأتها وتطورها وآثارها في الحياة‬
‫إلاسالمية املعاصرة‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬السعودية‪1047 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬خليل‪ :‬د‪ .‬عماد الدين‪ :‬حول دعادة كتابة التاريخ إلاسالمي‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫بيروت‪9995 ،‬م‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫‪ -‬الخيا ‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز‪ ،‬النظام السياس ي في إلاسالم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪،1 ،‬‬
‫‪1000‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدريني‪ :‬د‪ .‬محمد فتحي‪ ،‬بحث "أصول حقوق إلا سان في التشريع إلاسالمي"‪،‬‬
‫منشور ضمن كتاب‪ :‬دراسات وبحوث في الفكر إلاسالمي املعاصر‪ ،‬للمؤلف‪ ،‬دار‬
‫قتيبة‪ ،‬بيروت‪1044 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدريني‪ :‬د‪ .‬محمد فتحي‪ ،‬خصائص التشريع إلاسالمي في السياسة والحكم‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪1049 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ديلواني‪ :‬طارق‪ ،‬مقال بعنوان‪( :‬الجندر) مفهوم خطير يمرر بين أبنائنا‪ ،‬منشور على‬
‫موقع جريدة (السبيل) ألاردنية‪.www.assabeel.info ،‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر‪( ،‬ت‪ 691‬هـ)‪ ،‬تفسير الفخر الراز املشتهر‬
‫بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزحيلي‪ :‬د‪ .‬وهبة‪ ،‬آثار الحر في إلاسالم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزرقا‪ :‬أحمد محمد‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1040 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزرقا‪ :‬د‪ .‬محمد أنس‪" :‬نظم التوزيع إلاسالمية"‪ ،‬مجلة أبحاث الاقتصاد إلاسالمي‪،‬‬
‫جدة‪ ،‬عدد (‪ ،)1‬مجلد (‪1041 ،)9‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزرقا‪ :‬مصطفى‪ ،‬املدخل الفقاي العام‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزرقاني‪ :‬محمد بن عبد الباقي ( ت‪1199‬هـ)‪ ،‬شرح الزرقا ي على موطأ إلامام مالك‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1111 ،1 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬زقزوق‪ :‬محمود‪ ،‬إلاسالم في عصر العوملة‪ ،‬كلمة له في افتتاح املؤتمر الرابع للفلسفة‬
‫إلاسالمية في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة‪ ،‬في ‪ ،1000/5/1‬وانظر مجلة منبر‬
‫إلاسالم‪ ،‬مايو ‪.1000‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ :‬محمود بن عمر (ت ‪ 514‬هـ)‪ ،‬الكشال عم حقائ غوامض التنزيل‬
‫وعيون ألاقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬رتبه وضبطه وصححه‪ :‬محمد عبد السالم‬
‫شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1005 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬زيدان‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم‪ ،‬أحكام الذميين واملستأمنين في دار إلاسالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪1044 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬زيدان‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم‪ :‬املدخل لدراسة الشريعة إلاسالمية‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪،‬‬
‫‪1009 ،19‬م‪.‬‬
‫‪242‬‬
‫‪ -‬السامرائي‪ :‬د‪ .‬فاضل صالح‪ ،‬التعبير القرآ ي‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السامرائي‪ :‬د‪ .‬فاضل صالح‪ ،‬ملسات بيانية في نصوص التنزيل‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪9991 ،9‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬التكافل الاجتماعي في إلاسالم‪ ،‬دار الوراق‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫السعودية‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬املرأة بين الفقه والقانون‪ ،‬دار الوراق‪ ،‬بيروت‪1000 ،7 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السباعي‪ :‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬مم روائع حضارتنا‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬سعيد‪ :‬إدوارد‪ :‬الاستشراق‪ :‬املعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬إلا شاء‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال أبو ديب‪،‬‬
‫مؤسسة ألابحاث العربية‪1005 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السكاكيني‪ :‬خليل‪ ،‬كذا أنا يا دنيا (يوميات خليل السكاكي ي)‪ ،‬أعدها للنشر‪ :‬هالة‬
‫السكاكيني‪ ،‬املطبعة التجارية‪ ،‬القدس‪ ،‬فلسطين‪1055 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السيد‪ :‬عزمي طه‪ ،‬وآخرون‪ ،‬د‪.‬كايد قرعوش‪ ،‬د‪ .‬محمد الشلبي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم الدبو‪ ،‬د‪.‬‬
‫وليد السعد‪ ،‬د‪ .‬نصر البنا‪ ،‬د‪ .‬خالد القضاة‪ ،‬الثقافة إلاسالمية مفهومها‬
‫مصادرها خصائصها مجاالتها‪ ،‬دار املناهج‪ ،‬عمان‪9991 ،5 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ :‬جالل الدين‪ ،‬ت‪011‬هـ‪ ،‬إلاتقان في علوم القرآن‪ ،‬مراجعة وتدقيق‪ :‬سعيد‬
‫املندوه‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1006 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ :‬إبراهيم بن موس ى (ت ‪709‬هـ)‪ ،‬املوافقات في أصول الشريعة‪ ،‬ضبط نصه‬
‫وخرج أحاديثه‪ :‬مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪،‬‬ ‫وقدم له وعلق عليه ّ‬
‫السعودية‪1007 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الشاعر‪ :‬د‪ .‬ناصر الدين‪" .‬العنف العائلي ضد املرأة‪ :‬أسبابه والتدابير الشرعية للحد‬
‫منه"‪ ،‬مجلة جامعة النجاح الوطنية لألبحاث‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪9991 ،‬م‪ ،‬مجلد‬
‫(‪ ،)17‬عدد (‪.)9‬‬
‫‪ -‬الشاعر‪ :‬د‪ .‬ناصر الدين‪ " ،‬العوملة والخطاب إلاسالمي املنشود في ظلها"‪ .‬مجلة جامعة‬
‫النجاح الوطنية لألبحاث‪ .‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪9995 ،‬م‪ ،‬مجلد (‪ ،)10‬عدد (‪.)1‬‬
‫‪ -‬شبير‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان‪ ،‬املعامالت املالية املعاصرة في الفقه إلاسالمي‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫عمان‪1000 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬شلبي‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى‪ ،‬املدخل في التعريف بالفقه إلاسالمي وقواعد امللكية‬
‫والعقود فيه‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪1045 ،‬م‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫‪ -‬شلتوت‪ :‬د‪ .‬محمود‪ :‬إلاسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1007 ،17 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬شومان‪ :‬عباس‪ ،‬العالقات الدولية في الشريعة إلاسالمية‪ ،‬الدار الثقافية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1000‬م‪.‬‬
‫‪ -‬شيخون‪ :‬د‪ .‬محمد‪ ،‬املصارل إلاسالمية‪ :‬دراسة في تقويم املشروعية الدينية والدور‬
‫الاقتصاد والسياس ي‪ ،‬دار وائل‪ ،‬عمان‪ ،‬ألاردن‪9999 ،1 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الصابوني‪ :‬محمد علي‪ ،‬الت يان في علوم القرآن‪ ،‬دار الصابوني‪ ،‬السعودية‪،9 ،‬‬
‫‪1047‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصالح‪ :‬د‪ .‬صبحي‪ ،‬علوم الحديث ومصطلحه‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪،19 ،‬‬
‫‪1074‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصباغ‪ :‬محمد بن لطفي‪ ،‬الحديث النبو ‪ ،‬مصطلحه‪ ،‬بالغته‪ ،‬كتبه‪ ،‬املكتب‬
‫إلاسالمي‪ ،‬بيروت‪1009 ،6 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصدر‪ :‬محمد باقر‪ ،‬مقال بعنوان‪" :‬نظرة عامة في العبادات" منشور بتاريخ‬
‫‪ 9997/11/14‬على موقع‪ :‬املركز إلاعالمي ملكتب السيد الحسني‪.alhasany.org ،‬‬
‫‪ -‬صقر‪ :‬د‪ .‬محمد ‪ :‬الاقتصاد إلاسالمي‪ :‬مفاهيم ومرتكزات‪ ،‬نشر املركز العالمي‬
‫ألبحاث الاقتصاد إلاسالمي‪ ،‬مكة املكرمة‪1049 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫الصالبي‪ :‬د‪ .‬علي محمد محمد‪ ،‬فصل الخطا في سيرة أمير املؤمنين عمر بم‬ ‫‪ّ -‬‬
‫الخطا ‪ :‬شخصيته وعصره‪ ،‬دار الفجر للتراث‪ ،‬القاهرة‪9991 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصنعاني‪ ،‬عبد الرزاق بن همام‪ ،‬مصنف عبد الرزاق‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن‬
‫ألاعظمي‪ ،‬املكتب إلاسالمي‪ ،‬بيروت‪1191 ،9 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الطبري‪ :‬محمد بن جرير ( ت ‪ 119‬هـ)‪ ،‬جامع البيان عم تأويل آ القرآن‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪ 1195 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الطبري‪ :‬محمد بن جرير (ت ‪ 119‬هـ)‪ ،‬تاريخ الطبر ‪ :‬تاريخ الرسل وامللوك‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد أبو الفضل ابراهيم‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،1 ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬عارف‪ :‬نصر محمد‪ ،‬نظريات التنمية السياسية املعاصرة‪ ،‬املعهد العالمي للفكر‬
‫إلاسالمي‪ ،‬فيرجينيا‪ ،‬الواليات املتحدة‪1009 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عباس‪ :‬د‪ .‬فضل حسن‪ ،‬وسناء فضل حسن‪ ،‬دعجاز القرآن الكريم‪ ،‬دار الفرقان‪،‬‬
‫عمان‪1001 ،‬م‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫‪ -‬عبد السالم‪ :‬د‪ .‬محمد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬د‪ .‬علي السالوس‪ ،‬د‪ .‬عمر ألاشقر‪ ،‬د‪ .‬محمد غنايم‪،‬‬
‫د‪ .‬محمد شتيوي‪ ،‬د‪ .‬رجب شهوان‪ ،‬دراسات في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬مكتبة الفالح‪،‬‬
‫الكويت‪1047 ،5 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الصمد‪ :‬محمد كامل‪ ،‬إلاعجاز العلمي في إلاسالم‪ :‬السنة النبوية‪ ،‬الدار املصرية‬
‫اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪ 1117 ،1 ،‬هـ‪1007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز‪ :‬د‪ .‬أمير‪ :‬الثقافة إلاسالمية‪ ،‬دار الحسن‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪،1 ،‬‬
‫‪1045‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد هللا‪ :‬عبد الخالق‪" ،‬العوملة"‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة‪،‬‬
‫الكويت‪1000 ،‬م‪ ،‬مجلد ‪ ،94‬عدد ‪.9‬‬
‫‪ -‬العبيدي‪ :‬د‪ .‬خالد فائق‪ ،‬تفصيل النحاس والحديد في الكتا املجيد‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪9995 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عتر‪ :‬د‪ .‬نور الدين‪ ،‬منج النقد في علوم الحديث‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪1،9991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬علقم‪ :‬نبيل‪ ،‬الثقافة العربية والتجديد إلاسالمي‪ ،‬مركز فلسطين للدراسات والنشر‪،‬‬
‫رام هللا‪ ،‬فلسطين‪9999 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬علوان‪ :‬د‪ .‬توفيق محمد‪ ،‬الاستنساخ ال شر بين القران والعلم الحديث‪ ،‬دار‬
‫الوفاء‪ ،‬القاهرة‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬علي‪ :‬محمد سامي محمد‪ ،‬إلاعجاز العلمي في القرآن الكريم‪ ،‬دار املحبة‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪1001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عمارة‪ :‬د‪ .‬محمد‪ ،‬إلاسالم والسياسة‪ ،‬مركز الراية للتنمية الفكرية‪ ،‬جدة‪،1 ،‬‬
‫‪9995‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عمارة‪ :‬د‪ .‬محمد‪ ،‬إلاسالم وألامم الاجتماعي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.1 ،‬‬
‫‪ -‬العوا‪ :‬د‪ .‬محمد سليم‪ ،‬في أصول النظام الجنائي إلاسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار‬
‫نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪9996 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬عودة‪ :‬د‪ .‬عبد القادر‪ ،‬التشريع الجنائي إلاسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ ،‬دار‬
‫الكاتب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬خل املسلم‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪1000 ،9 ،‬م‬
‫‪ -‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬ركائز إلايمان بين العقل والقلب‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1006 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغزالي‪ :‬محمد‪ :‬علل وأدوية‪ ،‬دار الكتب إلاسالمية‪ ،‬القاهرة‪1041 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫‪ -‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬الغزو الثقافي يمتد في فراغنا‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغزالي‪ :‬محمد‪ ،‬قضايا املرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1006 ،6‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغنوش ي‪ :‬راشد‪ ،‬الحريات العامة في الدولة إلاسالمية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪1001 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغنوش ي‪ :‬راشد‪ ،‬حقوق املواطنة‪ ،‬حقوق غير املسلم في املجتمع إلاسالمي‪ ،‬املعهد‬
‫العالمي للفكر إلاسالمي‪ ،‬فيرجينيا‪ ،‬الواليات املتحدة ألامريكية‪10001 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فضل هللا‪ :‬حسين‪ ،‬وآخرون‪ .‬د‪ .‬عادل العوا‪ ،‬عبد الواحد علواني‪ ،‬عدنان السبيعي‪،‬‬
‫فرانسوا أبو مخ‪ ،‬محمد عدنان سالم‪ ،‬د‪ .‬هاني رزق‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬الاستنساخ‬
‫جدل العلم والديم وألاخالق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪9999 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فضل هللا‪ :‬محمد حسين‪ ،‬مقال بعنوان‪( :‬البعد العرفا ي والتربو والعباد للح )‬
‫منشور على موقع بينات‪( :‬موقع مكتب العالمة السيد محمد حسين فضل هللا(‪،‬‬
‫‪.arabic.bayynat.org.lb‬‬
‫‪ -‬الفهداوي‪ :‬د‪ .‬عبد الجليل إبراهيم‪ ،‬خوارق العادات عند املسلمين‪ ،‬بحث في الخوارق‬
‫ً‬
‫واملعجزات والكرامات في إلاسالم استنادا إلى القرآن الكريم وألاحاديث وأقوال‬
‫املتكلمين واملفسرين واملحدثين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪9995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفيروزآبادي‪ :‬محمد بن يعقوب (ت ‪417‬هـ)‪ ،‬القاموس املحي ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1005‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬ابم القرية والكتا ‪ ،‬مالمح سيرة ومسيرة‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاهرة‪9996 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪.‬يوسف‪ ،‬إلايمان بالقدر‪ ،‬املكتب إلاسالمي‪ ،‬بيروت‪9991 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ :‬تاريخنا املفترى عليه‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.9995 ،1 ،‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬التطرل العلما ي في مواجهة إلاسالم‪ ،‬أندلسية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬املنصورة‪9999 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬خطابنا إلاسالمي في عصر العوملة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪9991 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ :‬دور القيم وألاخالق في الاقتصاد إلاسالمي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪1006 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬العبادة في إلاسالم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1045 ،15 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬فقه الزكاة‪ :‬دراسة مقارنة ألحكامها وفلسفتها في ضوء‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1001 ،91 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬مم فقه الدولة في إلاسالم‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪،1 ،‬‬
‫‪9991‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن العظيم‪ ،6 ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاهرة ‪9997‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع السنة النبوية‪ ،9 ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‬
‫‪9999‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ :‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬السنة مصدرا للمعرفة والحضارة‪ ،5 ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاهرة ‪9994‬‬
‫‪ -‬القطان‪ :‬مناع‪ ،‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1044 ،6 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ :‬سيد‪ ،‬التصوير الف ي في القرآن‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪1001 ،11 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ :‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1067 ،5 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ :‬محمد‪ ،‬ش هات حول إلاسالم‪ ،‬دار الشروق‪1007 ،99 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ :‬محمد‪ ،‬املستشرقون وإلاسالم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،1 ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬اللوح‪ :‬د‪ .‬عبد السالم حمدان‪ ،‬إلاعجاز العلمي في القرآن الكريم‪ ،‬آفاق للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬غزة‪ ،‬فلسطين‪9999 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬املبارك‪ :‬محمد‪ ،‬نظام إلاسالم‪ :‬العقيدة والعبادة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1079 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محسب‪ :‬د‪ .‬محيي الدين‪ ،‬اللغة والفكر والعالم‪ :‬دراسة في النسبية اللغوية بين‬
‫الفرضية والتحقق‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪1004 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ :‬د‪ .‬علي عبد املعطي‪ ،‬أعالم الفلسفة الحديثة‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪،‬‬
‫القاهرة‪1007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مرزوق‪ :‬نبيل‪" ،‬حول العوملة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد"‪ ،‬مجلة العمل‬
‫العربية‪ ،‬الصادرة عن منظمة العمل العربية‪ ،‬آذار‪1007 ،‬م‪ ،‬عدد ‪.64‬‬
‫‪ -‬املزي‪ :‬يوسف بن زكي (ت‪ 719‬هـ)‪ ،‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشار‬
‫عواد معروف‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ 1199 ،1 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ :‬مسلم بن الحجاج‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬املسيري‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب‪ :‬العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاهرة‪9995 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬املصري‪ :‬د‪ .‬رفيق يونس‪ ،‬أصول الاقتصاد إلاسالمي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الدار‬
‫الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1000 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬املطعني‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم إبراهيم‪ ،‬دفتراءات املستشرقين على إلاسالم عرض ونقد‪،‬‬
‫مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1009 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬املقدس ي‪ :‬أحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬مختصر منهاج القاصديم‪ ،‬خرج أحاديثه وعلق‬
‫عليه‪ :‬عصام عبد الرحيم‪ ،‬دار الفجر للتراث‪ ،‬القاهرة‪1000 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬امليداني‪ :‬عبد الرحمن حسن حبنكة‪ ،‬ألاخالق إلاسالمية وأسسها‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪1006 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬امليداني‪ :‬عبد الرحمن حسن حبنكة‪ ،‬العقيدة إلاسالمية وأسسها‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪1001 ،7 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النجار‪ :‬د‪ .‬زغلول راغب‪ ،‬ألارض في القرآن الكريم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪9996 ،9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النجار‪ :‬د‪ .‬زغلول راغب‪ ،‬الحيوان في القرآن الكريم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪،1 ،‬‬
‫‪9996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النجار‪ :‬د‪ .‬زغلول راغب‪ ،‬السماء في القرآن الكريم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪،1 ،‬‬
‫‪9991‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الندوي‪ :‬أبو الحسن علي الحسني‪ ،‬إلاسالم‪ :‬أثره في الحضارة وفضله على إلا سانية‪،‬‬
‫دار املنارة‪ ،‬جدة‪1047 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الندوي‪ :‬أبو الحسن علي الحسني‪ ،‬ماذا خسر العالم بانحطاط املسلمين‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪1000 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النسائي‪ :‬أحمد بن شعيب‪ ،‬املجتبى مم السنن (سنن النسائي)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالفتاح‬
‫أبو غدة‪ ،‬ألاحاديث مذيلة بأحكام ألالباني عليها‪ ،‬مكتب املطبوعات إلاسالمية‪،‬‬
‫حلب‪1046 ،9 ،‬م‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫‪ -‬نوفل‪ :‬أحمد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬د‪ .‬أحمد شكري‪ ،‬د‪ .‬محمد الصاحب‪ ،‬د‪ .‬سلطان العكايلة‪ ،‬د‪.‬‬
‫راجح الكردي‪ ،‬د‪ .‬أحمد العوايشة‪ ،‬محاضرات في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬كلية‬
‫الشريعة‪ ،‬الجامعة ألاردنية‪9996 ،1 ،‬م‬
‫‪ -‬النيهوم‪ :‬الصادق‪ ،‬محنة ثقافة مزورة‪ :‬صوت الناس أم صوت الفقهاء‪ ،‬رياض الريس‬
‫للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪9999 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬هالل‪ :‬إياد‪ ،‬املعاهدات الدولية في الشريعة إلاسالمية‪ ،‬دار النهضة إلاسالمية‪،‬‬
‫بيروت‪1009 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الهندي‪ :‬رحمة هللا بن خليل الرحمن (ت‪ 1194‬هـ)‪ ،‬دظهار الح ‪ ،‬دراسة وتحقيق‬
‫وتعليق‪ :‬د‪.‬محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الهندي‪ ،‬علي بن حسام الدين‪ ،‬كنز العمال في سنن ألاقوال وألافعال‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪1040 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬هندي‪ :‬د‪ .‬صالح ذياب‪ :‬دراسات في الثقافة إلاسالمية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬ألاردن‪،‬‬
‫‪1001 ،0‬م‪.‬‬
‫‪ -‬هونكة‪ :‬زيغريد‪ ،‬شمس العر تسطع على الغر ‪ ،‬ترجمه عن ألاملانية‪ :‬فاروق‬
‫بيضون‪ ،‬وكمال دسوقي‪ ،‬وراجعه ووضع حواشيه‪ :‬مارون عي ى الخوري‪ ،‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار آلافاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪1001 ،4 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬هويدي‪ :‬د‪ .‬فهمي‪ ،‬مواطنون ال ذميون‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1000 ،1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الهيثمي‪ :‬علي بن أبي بكر‪ ،‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1197‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الواقدي‪ :‬أبو عبد هللا بن عمر‪ ،‬فتوح الشام‪ ،‬دار الجليل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬ياسين‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم‪ ،‬إلايمان حقيقته أركانه نواقضه‪ ،‬مكتبة الرسالة الحديثة‪،‬‬
‫عمان‪1047 ،5 ،‬م‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫ملح ‪ :‬أهدال مسـاق الـثقــافــة إلاســالمـيـة وخـطته الفصلية‬
‫ألاهدال العامة للمساق‪:‬‬
‫‪ -2‬تزويد الطلبة بمفاهيم ثقافية وفكرية سليمة حول طبيعة إلاسالم وحضارته وتاريخه‬
‫ً‬
‫عدد من القضايا الفكرية املعاصرة‪ ،‬فضال عن‬ ‫ونظامه‪ ،‬وحول موقف إلاسالم من ٍ‬
‫التعريف بأهم التحديات التي تواجه إلاسالم وثقافته‪.‬‬
‫‪ -0‬تعزيز انتماء الجيل إلى ّأمتهم وحضارتهم وثقافتهم‪ ،‬وتقوية الوازع الديني القيمي في نفوس‬
‫الجيل‪ ،‬وخلق الدافع الداخلي لاللتزام بتعاليم إلاسالم العظيم ومثله العليا‪.‬‬
‫‪ -3‬توضيح مرونة إلاسالم وقدرته على نفع إلانسان وتحقيق مصالحه وسعادته في الدارْين‪،‬‬
‫وتبيين صالحيته إلدارة شؤون الناس وتميزه عن غيره من النظم‪.‬‬
‫الخطة الفصلية املقترحة للكتا املقرر‪:‬‬
‫الـمـوضــوع‬ ‫ألاس ـبـوع‬
‫مفهوم الثقافة إلاسالمية ومصادرها‪.‬‬ ‫ألاول‬
‫التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الثقافة إلاسالمية‪ .‬والعوملة‬ ‫الثاني‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫الثالث‬
‫السنة النبوية‪.‬‬ ‫الرابع‬
‫العقيدة إلاسالمية‪.‬‬ ‫الخامس‬
‫الشريعة إلاسالمية‪.‬‬ ‫السادس‬
‫نظام العبادات‪.‬‬ ‫السابع‬
‫النظام ألاخالقي‪.‬‬ ‫الثامن‬
‫النظام الاجتماعي‪.‬‬ ‫التاسع‬
‫النظام الاقتصادي‪.‬‬ ‫العاشر‬
‫النظام الجنائي‪.‬‬ ‫الحادي عشر‬
‫النظام السياس ي‪ :‬العالقات السياسية الداخلية‪.‬‬ ‫الثاني عشر‬
‫النظام السياس ي‪ :‬العالقات السياسية الداخلية‪.‬‬ ‫الثالث عشر‬
‫حقوق إلانسان‪ .‬املرأة في منظور إلاسالم‪.‬‬ ‫الرابع عشر‬
‫مسائل فقهية معاصرة‪ ،‬الطب الوقائي والحماية من ألامراض املعدية‬ ‫الخامس عشر‬
‫مكانة فلسطين الدينية‪.‬‬ ‫السادس عشر‬

‫‪251‬‬
‫تم الكتا بفضل هللا تعالى وعونه‬

‫والحمد هلل الذ بنعمته تتم الصالحات‬

‫فتقبل منا يا كريم‬

‫‪251‬‬

You might also like