Professional Documents
Culture Documents
(األخالق والقيم)
�إعداد جلنة من ق�سم الثقافة الإ�سالمية
كلية ال�شريعة والأنظمة -جامعة الطائف
�إ�شراف
د .عبدالرحمن بن عابد الغريبي
رئي�س ق�سم الثقافة الإ�سالمية
الإ�صدار الرابع 2020-1441م
عبدالرحمن بن عابد الغريبي 1441هـ ح
رق���م الإي���������داع1441/556:
ردمك978-603 - 91145 - 2 - 9:
5
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
امل�ؤ ِّلفون
6
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
محتوى الكتاب
7
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
8
القسم األول :الأخالق الإ�سالمية
وفيه:
- 1تعري��ف األخالق ،ومكانته��ا ،وعالقتها بالعقيدة والعب��ادات والمعامالت،
الخ ُلق واألدب.
والفرق بين ُ
- 2خصائ��ص األخ�لاق يف اإلس�لام ،النظري��ة األخالقية عند األم��م يف القديم
والحديث.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1-1أن يب ّين الطالب المعنى الصحيح لألخالق يف اإلسالم.
2-2أن يذكر الطالب عالقة األخالق بكل من :العقيدة ،والعبادات ،والمعامالت.
3-3أن يعدد الطالب خصائص األخالق يف اإلسالم.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1-1تبين المعنى الصحيح لألخالق يف اإلسالم.
2-2ذكر عالقة األخالق بكل من :العقيدة ،والعبادات ،والمعامالت.
3-3تعداد خصائص األخالق يف اإلسالم.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
تعريف الأخالق:
ِ
والسج َّية(.)1 والخ ُلق هو :الطبع
األخالق يف اللغة :جمع ُخلقُ ،
ذات ٍ
آثار يف ويف االصط�لاح“ :صفة مس��تقرة يف النف��س ،فطرية أو مكتس��بةُ ،
السلوك ،محمودة أو مذمومة”(.)2
واألخالق تعك��س مجموعة من التصورات األساس��ية الت��ي يعتنقها الناس،
ويصوغ��ون حوله��ا منظوم��ات أخالقي��ة نابع��ة م��ن نف��س التص��ورات ،تش�� ِّكل
الممارسات الخلقية.
والديانات الس��ماوية ج��اءت جميعها بالحث على التزام األخالق الحس��نة،
واجتناب األخالق السيئة؛ لذا يمكننا تعريف األخالق اإلسالمية اصطالحًا بأهنا:
مجموع��ة المب��ادئ والقواعد الت��ي يحدِّ دها الوحي لتنظيم س��لوك اإلنس��ان
نحو يحقق الغاية مِن وجوده يف هذا العالم على أكمل وتحديد عالقته بغيره ،على ٍ
وجه(.)3
واألخ�لاق ه��ي جوهر الدي��ن الح��ق ،ورس��ولنا ﷺ وصفه ر ُّب��ه بقوله:
ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ [القلم ،]٤ :وقد «كان النبي ﷺ أحسن الناس ُخ ُلقًا»(،)4
��ت ألُت َِّم َم َصالِ َح
ويوض��ح ﷺ أهمي��ة األخالق يف دين اإلس�لام فيقول« :إن ََّما ُب ِع ْث ُ
ِّ
((( ينظر :مقاييس اللغة ،البن فارس ،)214/2(:ولسان العرب ،البن منظور. )86/10(:
((( ينظر :التربية األخالقية اإلسالمية ،ملقداد ياجلن ،ص( ،)75وموسوعة نضرة النعيم.)66-59/1(:
((( متفق عليه من حديث أنس بن مالك ،رواه البخاري ،برقم( ،)6203ومسلم ،برقم(.)659
13
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
األَ ْخ�َل�اَ ق»( ،)1ويف رواية « َم ِ
كارم األخالق» ،ففي هذا الحديث جعل ﷺ الغرض
من بعثته هو إتمام األخالق والعمل على تقويمها وإشاعة مكارمها.
�صلة الأخالق بالعقيدة والعبادات واملعامالت:
قو َّي ٍة بأص��ول الدين َلم��ا كان لألخ�لاق أهمي��ة كبيرة فإنّ��ا نجدها ذات ِص َل ٍ
��ة ِ َّ
وفروعه ،فقد ارتبطت األخالق بالعقيدة ارتباطًا وثيقًا ،وكثير ًا ما يأيت يف كالم اهلل
سبحانه وتعالى وكالم رسوله ﷺ ذكر العالقة بين اإليمان وحسن الخلق.
فحين يأمر اهلل تعالى بعبادته وينهى عن اإلشراك بهُ ،ي ْتبِ ُع ذلك بذكر مجموعة
من األوام��ر األخالقية التي يجمعها رابط اإلحس��ان؛ فيقول تعالى :ﮋ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ [النساء،]36 :
ومن أوضح األد ّلة على ارتباط العقيدة باألخالق أنَّها –أي األخالق الفاضلة-
انيم ُب اإليمان؛ فعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل ﷺ« :الإْ ِ َ ُج ِعلت مِن ُش َع ِ
َاها إِ َما َط ُة -أ ْو بِ ْض ٌع َو ِست َ
ُّونُ -ش ْع َبةًَ ،ف َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللَُ ،و َأ ْدن َ ون َ بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ
ِ
��ان»( ،)2فقد عُدَّ الحياء وإماطة األذى يم ِ يقَ ،وا ْل َح َيا ُء ُش�� ْع َب ٌة م َن الإْ ِ َ
الأْ َ َذى َع ِن ال َّطرِ ِ
عن الطريق من ش��عب اإليمان ،وهما ُخ ُلقان من ضمن األخالق الحس��نة التي قد
يكون بعضها أيضًا من شعب اإليمان كذلك!.
وكم��ا نج��د الصلة بي��ن األخ�لاق واإليم��ان ،نجده��ا كذلك بي��ن األخالق
14
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
15
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
16
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
17
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه الترمذي ،برقم( ،)1162وأبو داود ،برقم( ،)4682عن أبي هريرة ،وحسنه األلباني يف صحيح
سنن الترمذي.)340/1(:
18
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ش و اَل الب ِذ ِ ِ الم ْؤ ِم ُن بِال َّط َّع ِ
��ان َو اَل ال َّل َّع ِ
يء»( ،)1والنصوص ان َو اَل ال َفاح ِ َ َ ﷺَ « :ل ْي َس ُ
ِّ
وتحذر من مس��اوئها كثيرة ،وس��يتم الش��رعية التي تحث على محاس��ن األخالق
ٍ
شيء منها يف صفحات هذا الكتاب. استعراض
جماالت ُح�سن ُ
اخل ُلق:
الخ ْل ِق
خاص بمعاملة َ��ق ٌّ الخ ُل ِ إن كثي��ر ًا من الناس يذهب فهمه إلى ّ
أن ُح ْس�� َن ُ ّ
الخ ُلق كما يكون يف معاملة دو َن معاملة الخال ِ ِق ،ولكن هذا الفهم ِ
قاصرّ ,
فإن ُح ْس َن ُ ُْ
الخ ُل ِق إ َذ ْن :معاملة الخالِق
��ن ُالخلق ,يكون أيضًا يف معاملة الخالق ,فموضوع ُح ْس ِ
الخ ْلق.
عز وجل ,ومعاملة َ
الخ ُلق يف معاملة الخالق ،وهو يجمع ثالثة أمور:
أوالًُ :ح ْس ُن ُ
األول :تلقي أخبار اهلل تعالى بالتصديق.
والثاين :تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
والثالث :تلقي أقداره بالصرب والرضا.
فهذه ثالثة أشياء عليها مدار ُح ْس ِن ُ
الخ ُلق مع اهلل تعالى.
كف األذىُ ,
وبذل بعضهم بأنهُّ : الخ ْلقّ ،
وعرفه ُ الخ ُلق يف معاملة َ
ثانيًاُ :ح ْس�� ُن ُ
النّدى ،وطالق ُة الوجه .وقيل :هو التخلي مِن الرذائل ،والتحلي بالفضائل(.)2
الخ ْل��ق ال ينفك عن المجال ّ
األول الذي هو الخ ُلق يف معاملة َ
ومجال ُحس��ن ُ
تطبيق ل ِ ُمراد اهلل تعالى ،الذي وسعت
ٌ ُحس��ن ا ُلخ ُلق يف معاملة الخالق ؛ بل إنه
الخ ُلق مع خلق��ه ،فيتخ ّلق المس��لم باألخالق
بحس��ن ُ
رحمت��ه كل ش��يء ،وأمرنا ُ
((( رواه الترمذي يف سننه ،برقم( ،)1977وصححه العالمة األلباني يف «صحيح اجلامع» ،برقم(.)5381
19
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الحس��نة ويجتنب األخالق الس��يئة ،ابتغاء رضوان اهلل ،ورج��اء ثوابه ،وحذر ًا مِن
عجلة. ٍ ٍ عقابه ،ال ل ِ َذ ْو ٍ
شخصي ،أو ُع ْرف اجتماعي ،أو مصلحة ُم ِّّ ق
اجل ِب َّلة واالكت�ساب:
الأخالق بني ِ
األخالق عمومًا ليس��ت مكتس��بة على إطالقها ،وليس��ت ِجبِ ِّل َّي�� ًة فِطر َّي ًة على
جان��ب مِن
ٍ َّح��د الفط��رة الس��ليمة مع العق��ل الس��ليم يف تقرير إطالقه��ا ،وإنم��ا تت ِ
األخ�لاق ،ثم يأيت دور الش��رع ل ُي َك ِّم��ل الفطرة ،ويحمي العق��ل ،ويضع الضوابط
العامة التي ترقى بالفرد والمجتمع اللتزام أسمى األخالق.
ومن خالل ما سبق يتبين لنا ّ
أن األخالق تنقسم إلى قسمين:
الق�سم الأول :الأخالق الفطرية:
وهي :ما ُو ِجدَ يف أصل تكوين اإلنسان مِن األخالق.
أن مِن األخالق ما هو فطري يتفاضل به الناس يف أصل
فقد جاءت األدلة على ّ
َّاسأن النبي ﷺ قال« :الن ُ تكوينهم الفطري ،ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة ّ
اه ِل َّي ِة ِخ َي ُار ُه ْم فِي الإْ ِ ْس�َل�اَ ِم إِ َذا
بِ ،خياره��م فِي ا ْلج ِ
َ الذ َه ِ َ ُ ُ ْ ��اد ِن ا ْل ِف َّض ِة َو َّ
��اد ُن كَمع ِ
َ َ
مع ِ
َ َ
ف»(.)1 اخ َت َل َفَ ،و َما َتنَاك ََر ِمن َْها ْ ف ِمن َْها ا ْئ َت َل َاح ُجنُو ٌد ُم َجنَّدَ ةٌَ ،ف َما َت َع َار َ َف ُق ُهواَ ،والأْ َ ْر َو ُ
الهب ِ ِ
ات الفطرية الخلقية ،وفيه يثبت الرس��ول ﷺ فروق ِ َ فه��ذا الحديث دليل على
الخ ُلقي يرافق اإلنسان ويصاحبه أكر ُم ُهم ُخ ُلقًا ،وهذا التكوين ُ َّ ِ
يار الناس ُه ْم َ أن خ َ
يف جميع أحواله.
��ن ي ِ ��س« :إِ َّن فِ َ لألش��ج؛ َأ َش��ج َعب ِ
��د ا ْل َق ْي ِ
ح ُّب ُه َما اهللُ: ي��ك َخ ْص َل َت ْي ِ ُ ِّ ْ وقد قال ﷺ َ ِّ
ح ْل ُمَ ،والأْ َنَاةُ»( .)2ويف بعض روايات هذا الحديث -الواردة بأس��انيد ُأخرى -أنه ا ْل ِ
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)17عن ابن عباس رضي اهلل عنهما.
20
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اهَّلل َج َب َلنِي َع َل ْي ِه َما؟َ ،ق َال ﷺَ « :ب ِل اهَّللُ َج َب َل َ َق َال :يا رس َ ِ
ك ��ول اهَّلل َأنَا َأ َت َخ َّل ُق بِ ِه َما َأ ِم ُ َ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َع َل ْي ِه َما»َ ،ق َال :ا ْل َح ْمدُ ل َّله ا َّلذي َج َب َلني َع َلى َخ َّل َت ْي ِن ُيح ُّب ُه َما ُ
اهَّلل َو َر ُس��و ُل ُه( .)1فقوله
أن ِمن األخالق ما يك��ون يف فِ ْط َر ِة بعض ��ك َع َل ْي ِه َما» ي��دل على ّ ﷺَ « :ب ِ
��ل اهَّللُ َج َب َل َ
الناس ِهب ًة ِمن اهلل تعالى منذ أن َخ َل َقه.
الق�سم الثاين :الأخالق املكت�سبة:
وهي :األخالق التي اكتسبها اإلنسان بجهد شخصي أو مؤثرات خارجية.
أن يكتسب بعض األخالق ،سواء كان ذلك بتس ُّب ٍ
ب منه ،أو ٍ
إنسان ْ فبإمكان أي
بوجود مؤ ِّثرات خارجة عنه ،والناس يف ذلك متفاوتون بمدى س��بقهم وارتقائهم
يف ُس َّل ِم الفضائل ،فكل إنسان يستطيع بما وهبه اهلل من استعداد أن يتعلم نسب ًة من
ٍ
عملية من المهارات ،أو ُخ ُل ٍق من األخالق. ٍ
مهارة أي
العلوم والفنون ،وأن يكتسب ّ
وأعظم طرق اكتس��اب األخالق الحسنة هو سؤال اهلل تعالى الهداية لها؛ فقد
«...و ْاه ِدنِي
َ أن من أدعي��ة النبي ﷺ الت��ي كان يدعو هبا قول��ه: ثب��ت يف الصحي��ح ّ
ف َعنِّي ف َعنِّي َس ِّيئ ََها اَل َي ْصرِ ُ
اصرِ ْ ��ن الأْ َ ْخلاَ ِق اَل َي ْه ِدي لأِ َ ْح َسن ِ َها إِ اَّل َأن َ
ْتَ ،و ْ لأِ َ ْح َس ِ
ْت.)2(»... َس ِّيئ ََها إِ اَّل َأن َ
وهن��اك أس��باب أخرى لكس��ب األخ�لاق الحس��نة؛ كمجاه��دة النفس على
التحلي هب��ا ،وتذكُّر فضائلها وأجورها ،ومصاحبة أه��ل األخالق الفاضلة ،وغير
ذلك من األسباب(.)3
((( رواه أبو داود يف س���ننه ،برقم( ،)5225وحس���نه األلباني يف صحيح وضعيف س�ن�ن أبي داود ،بنفس
الرقم.
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)771عن علي بن أبي طالب .
((( ينظر يف ذلك كتاب :األسباب املفيدة يف اكتساب األخالق احلميدة ،للدكتور :محمد إبراهيم احلمد.
21
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ِ وإذا تق��رر لدين��ا ّ ِ
��بي ،فإنّه ينبغي
ري ومنها ما هو ك َْس ٌّ أن من األخالق ما هو ف ْط ٌّ ّ
التن ّب��ه إلى خطأ يعتقده بع��ض الناس حول فِ ْط ِر َّي ِة األخ�لاق؛ فقد زعم بعضهم ّ
أن
أخالق اإلنس��ان فِ ْط ِر َّي ٌة فقط ،وال يمكن اكتس��اهبا! ،وهذا ا ّدعاء ي��ر ُّده الواقع؛ فلو
كانت األخالق ال َت ْقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى ،ولم يكن للرتبية
والتهذي��ب واألمر هبما معن��ى ،ولم يكن للحدود والزواجر الش��رعية عن اقرتاف
اآلثام إ َذ ْن معنى!.
خ�صائ�ص الأخالق يف الإ�سالم:
لألخالق اإلسالمية خصائص تتم ّيز هبا عن غيرها؛ ومن تلك الخصائص ما يلي:
�أو ًال :ربانية امل�صدر:
األخالق اإلس�لامية مصدرها كتاب اهلل س��بحانه وتعالى وس��نة نبيه ﷺ ،وال
مدخ��ل فيها ل�لآراء البش��رية ،أو النظم الوضعي��ة ،أو النظريات الفلس��فية ،وهذه
الخصيصة هي أعظم خصائص األخالق يف اإلسالم؛ فكوهنا ربانية المصدر يعني
اتصافها بكل صفات الخير والحق والجمال ،وكل خصائص األخالق اإلسالمية
فرع عن هذه الخصيصة ،فما دامت األخالق اإلس�لامية ر َّبانية بع��د ذلك إنما هي ٌ
��م ِة الخل��ود والصدق والصح��ة؛ ّ
ألن ر ّبنا تب��ارك وتعالى ِ
��م بِس َ
ِ
المصدر فهي َتتَّس ُ
ارتضاها لنا مِن ُج ْم َل ِة ِدينِنا الذي َأك َْم َله ،وأنعم علينا به.
ثانياً :ال�شمول والتكامل:
األخالق يف اإلس�لام ش��املة لكل الجوانب التي يكون لإلنسان فيها سلوك،
وهي تس��تمد شموليتها من ش��مولية الدين نفسه ،فنجد األخالق فيه تشمل عالقة
اإلنس��ان بر ِّب��ه وعالقت��ه بخلقه ،وتش��مل خيري الدني��ا واآلخرة ،وتش��مل ضبط
اإلنس��ان لنفسه ،ولتعامله مع اآلخرين ،وتش��مل عالقته مع القريب والبعيد ،ومع
22
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الرئيس والمرؤوس ،ومع المس��لم وغيره ،ومع الصديق والعدو ،ويف حال الرضا
والغض��ب ،والس��لم والح��رب ،والرخاء ِّ
والش��دَّ ة ،بل وتش��مل كيفي��ة تعامله مع
الحيوان والنبات والبيئة ،يف منظومة متكاملة ،ال يتعارض فيها ُخ ُل ٌق مع ُخ ُل ٍق آخر،
وال يتقدّ م فيها شي ٌء على ما هو أولى منه.
ثالثاً :التوازن:
األخ�لاق اإلس�لامية ال ُتغ ِّلب جان ًب��ا على جانب ،فكل األخالق اإلس�لامية
مطلوب��ة دون تغليب بعضها وإغفال البعض ،وإال س��تكون الش��خصية مضطربة،
فإن َغ َل َبت على الش��خص صفات القوة والش��جاعة إلى درجة القسوة ،أ ّدى ذلك
إلى عدوانه وجربوته وتك ُّبره ،وإن غلبت عليه صفات العفو والسماحة إلى درجة
الضعف ،ربما ُوجدت فيه ش��خصية الذليل المس��تكين ،فاألخالق اإلسالمية مع
تكاملها متوازنة ،تدعو إلى العزة والتواضع ،كما تدعو إلى االنتصار والعفو ،فيها
الصراح��ة واالح�ترام ،وفيها الكرم واالقتصاد ،وهي ش��جاعة بغير هتور ،ولين يف
غير ضعف ،هذه بعض معالم الشخصية اإلسالمية ذات األخالق المتوازنة(.)1
رابعاً� :صاحلة لكل زمان ومكان:
وص�لاح األخالق اإلس�لامية لكل زمان ويف أي مكان نابِ ٌ
��ع من كوهنا ر ّبانية؛
ف��اهلل ّ
ج��ل وعال الذي جعل هذه الش��ريعة خاتمة الش��رائع أودعه��ا هذه األخالق
العظيم��ة الت��ي بلغت الغاي��ة يف الكمال؛ لتبقى ُمنَ ِّظ َم ًة للس��لوك اإلنس��اين إلى قيام
الس��اعة ،نظر ًا لم��ا تتميز به من خصائص ثابت��ة ال تتغير وال تتبدل ،ولما تت َِّس��م به
قي يف التعامل ،والتكريم لبني اإلنسان ،والرحمة بكل المخلوقات ،إضاف ًة
الر ِّ
من ُّ
إلى ما تتضمنه تلك األخالق من الس��هولة واليسر ،وعدم المشقة ،ورفع الحرج،
23
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
24
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
25
الـــوحــــدة الثانية:
•الصبر.
•العفة.
•الشجاعة.
• العدل.
* الأهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1 -1أن يوضح الطالب أهمية معرفة أصول األخالق الحسنة يف اإلسالم.
2 -2أن يع��دد الطال��ب األخ�لاق األربع��ة الت��ي عُدَّ ت أص��و ً
ال لألخالق
الحسنة.
3 -3أن يبين الطالب كيفية اكتساب أصول األخالق الحسنة.
* نواجت التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1توضيح أهمية معرفة أصول األخالق الحسنة يف اإلسالم.
2 -2تعداد األخالق األربعة التي عُدَّ ت أصو ً
ال لألخالق الحسنة.
3 -3تبيين كيفية اكتساب أصول األخالق الحسنة.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
أن األخالق الحس��نة لها أصول أربعة تقوم عليها، ذكر ابن القيم-رحمه اهللّ -
تصو ُر قيا ُم س��اقِ ِه إال عليها:
الخ ُلق يق��وم على أربع��ة أركان ،ال ُي َّ
“وح ْس�� ُن ُ
فق��الُ :
الصرب ،والعفة ،والش��جاعة ،والعدل”( ،)2وبي��ان كل أصل من هذه األصول على
النحو التالي:
النفس على أداء الطاعات ،واجتناب المنهيات ،وتق ُّبل البالء برضا وتسليم.
وه��ذا التعري��ف أدق التعريف��ات ،إذ َّ
إن باع��ث الهوى قد يدفع اإلنس��ان إلى
التكاس��ل ع��ن أداء الطاع��ات ،أو فع��ل المنهي��ات ،أو إلى الضج��ر والجزع عند
29
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( يقال :أقذع فالن لفالن إقذاعاً ،إذ شتمه شتماً يُستفحش ،وهو القذع .تهذيب اللغة.)144/1(:
30
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أنواع ال�صرب:
للصرب ثالثة أنواع ذكرها العلماء وذلك باعتبار متعلقة ،وهي:
الأول :ال�صرب على امتثال �أوامر اهلل تعاىل:
إن مِن طبيعة النفس البشرية أهنا تحب الراحة والسكون ،وتستصعب ما يقطع
ّ
تلك الراحة ،وإنما تأيت األوامر الربانية مخالفة لشهوات النفوس ليتحقق االبتالء؛
ِ ِ
فم ْن آ َث َر ُمرا َد اهلل على هوى نفس��ه فهو المؤمن ،و َم ْن َقدَّ م هواه َخس َ
��ر مرضاة اهلل، َ
واتخ��ذ إلهه هواه ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ [الجاثية.]23 :
فالص�لاة المفروض��ة مثالً ق��د تأيت يف أوقات راحة اإلنس��ان؛ ولكن المس��لم
يص�بر على ه��ذه الطاعة فيقوم بتأديتها يف وقتها ،ويس��مع الم��ؤذن يكرر يف صالة
راش�� ُه ،ويقوم ليؤدي فريضة من الفج��ر( :الصالة خير من النوم) ،فيرتك المؤمن فِ َ
«م ْن َص َّلى ال َب ْر َد ْي ِن َد َخ َل
أعظم أسباب دخول الجنة بعد التوحيد ،يقول النبي ﷺَ :
الجنَّةَ»( ،)1والربدان :الفجر ،والعصر.
َ
ب جمعة وكنزه ،وإخراج زكاته طيب ًة هبا نفسه، والتغ ُّلب على شهوة المال ُ
وح ِّ
أش��ق الطاعات عل��ى النفوس،وب��ذل الصدق��ة والمع��روف للناس ،كل ذلك مِن ِّ
خاص��ة إذا علمنا أن اهلل تعالى جعل المال محبوبًا للنفوس ُم َز َّينًا لها ،قال تعالى:
ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ
[آل عمران.]١٤ :
والصوم الذي يكون فيه حبس النفس عن الطعام والشراب وسائر المفطرات
س��اعات طويل��ة ابتغ��اء األجر من اهلل تعالى ه��و الصرب بعينه؛ لذا جع��ل اهلل تعالى
((( متفق عليه ،فقد رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)574ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)635
31
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ن آ َد َم ُي َضا َع ُ
ف، ج��زاءه عظيم��ًا ال يعلم قدره إال اهلل ،كما ق��ال ﷺ« :ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِ
الص ْو َمَ ،فإِ َّن ُه لِي ِ ِ ٍ
��ر َأ ْم َثال َها إِ َلى َس�� ْبعمائَة ض ْعفَ ،ق َال اهلل عز وجل :إِ اَّل َّ
ِ
ا ْل َح َس��نَ ُة َع ْش ُ
َو َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِهَ ،يدَ ُع َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه ِم ْن َأ ْج ِلي»(.)1
وكذلك س��ائر العبادات والقربات ،كالحج ،وبِ ِّر الوالدين ،واألمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ،وصلة الرحم ،والتزام النساء بالحجاب...إلخ ،كل ذلك مفتقر
للصرب ،وال يستطيع العبد القيام به إال بالتحلي بالصرب ابتغاء ثواب اهلل تعالى.
الثاين :ال�صرب عن ما حرم اهلل:
لق��د خلق اهلل الجن��ة وح َّفها بالم��كاره؛ أي ال ُيوصل إلى الجن��ة إال بحصول
بعض المكاره ،وخلق النار وح َّفها بالش��هوات ،فع��ن أنس بن مالك قال :قال
الشهو ِ ِ ت ا ْلجنَّ ُة بِا ْلمك ِ ِ
رسول اهلل ﷺ « :ح َّف ِ
ات»( ،)2والشهوات: َارهَ ،و ُح َّفت الن َُّار بِ َّ َ َ َ َ ُ
كل م��ا تس��تَلِ ُّذه النفس وهت��واه ،والمقصود هبا هنا الش��هوات ا ْل ُم َح َّرم��ة؛ كالغيبة،
والنميمة ،والنظر المحرم ،والس��ماع المحرم ،والزن��ا ،وأكل المال الحرام ،وغير
ذلك من المحرمات(.)3
ّ
وإن الصرب يف الدنيا عن المحرمات أسهل من الصرب لحظة واحدة على عذاب
النار ،فقد نظر جربيل إلى النار وما ُح َّفت به من الش��هوات فقال مخاطبًا ربه:
��يت َأ ْن لاَ َين ُْج َو مِن َْها َأ َحدٌ إِلاَّ َد َخ َل َها»()4؛ ل ِ َما رأى من الش��هوات
«و ِع َّزتِ َك َل َقدْ َخ ِش ُ
َ
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم ( ،)1151عن أبي هريرة .
32
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الت��ي ُتوقِ ُع الناس فيها ،وكلها محبوبة مرغوب��ة ،فلن ينجو منها إال َمن َق ِو َي إيمانُه
وأخذ نفسه بالصرب عن شهواته المحرمة ابتغا َء األجر مِن ربه وخشي ًة مِن عقابه.
الثالث :ال�صرب على �أقدار اهلل:
ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ [البل��د ،]٤ :وم��ا أكث��ر َك َبدَ الدنيا
وعناءها؛ ِ
فمن ِوالدة اإلنسان إلى مماته وهو يتقلب بين نعم اهلل وأقداره ،وقد ب َّين
المولى عز وجل َّ
أن الخير والش��ر فتنة؛ حيث قال س��بحانه :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﮊ [األنبي��اء ،]٣٥ :فال يظن اإلنس��ان َّ
أن الفتنة يف الش��ر فق��ط؛ بل حتى الخير
فإنه من الفتنة والبالء الذي يحتاج من اإلنسان صرب ليؤ ِّدي حق اهلل فيه ،فالمال قد
يطغي باإلنس��ان ،وكذلك الصحة والفراغ ،فكلها تحتاج إلى صرب الس��تعمالها يف
طاعة اهلل .
والش��ر كذلك فتنة؛ فالفقر والمرض فتن��ة ،والحروب والكوارث فتنة ،وفقد
األحباب-خاصة الولد -فتنة ،فيحتاج اإلنسان للصرب ،يقول النبي ﷺ« :إِ َذا َم َ
ات
ولَ :ق َب ْضت ُْم��مَ ،ف َي ُق ُ ��ال اهَّللُ لِ َملاَ ئِكَتِ ِهَ :ق َب ْضت ُْم َو َل��دَ َع ْب ِديَ ،ف َي ُقو ُل َ
ونَ :ن َع ْ َو َل��دُ ال َع ْب ِد َق َ
ونَ :ح ِمدَ َك َو ْاس��ت َْر َج َع، ولَ :ما َذا َق َال َع ْب ِدي؟ َف َي ُقو ُل َ اد ِهَ ،ف َي ُقو ُل َ
ونَ :ن َع ْمَ ،ف َي ُق ُ َثمر َة ُف َؤ ِ
ََ
الح ْم ِد»(.)1ت َ الجن َِّةَ ،و َس ُّمو ُه َب ْي َ ِ ِ ِ
ول اهَّللُ :ا ْبنُوا ل َع ْبدي َب ْيتًا في َ َف َي ُق ُ
33
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)1469ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1053عن أبي سعيد اخلدري .
34
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فوائد العفة:
ال ثم المجتمع ،ثم األمة ،ومن أبرزها: للعفة فوائد عدة يجنيها الفرد أو ً
1-1تجع��ل صاحبها من الس��بعة الذي��ن يظلهم اهلل يف ظِ ِّله ي��وم القيامة ،يقول النبي
اب ن ََش َأ ِ «س�� ْب َع ٌة يظِ ُّل ُه ُم اهَّلل فِي ظِ ِّل ِه ،ي ْو َم الَ ظِ َّل إِ اَّل ظِ ُّل ُهِ :
اإل َما ُم ال َعاد ُلَ ،و َش ٌّ َ ُ ُ ﷺَ :
ِ ِ فِ��ي ِعباد ِة رب ِه ،ورج ٌل َق ْلبه مع َّل ٌق فِي المس ِ ِ
اجت ََم َعا ��اجدَ ،و َر ُجال َِن ت ََحا َّبا في اهَّلل ْ َ َ ُُ ُ َ َ َ َ ِّ َ َ ُ
اف الَ ،ف َق َال :إِنِّي َأ َخ ُ ب َو َجم ٍ
َ ات َمن ِْص ٍ ��ر َأ ٌة َذ ُ ِ ِ
َع َل ْي��ه َو َت َف َّر َقا َع َل ْيهَ ،و َر ُج ٌل َط َل َب ْت ُه ْام َ
ِ ِ ِ
اهَّللََ ،و َر ُج ٌل ت ََصدَّ َقَ ،أ ْخ َفى َحتَّى الَ َت ْع َل َم ش َ
��ما ُل ُه َما ُتنْف ُق َيمينُ ُهَ ،و َر ُج ٌل َذك ََر اهَّللَ
ت َع ْينَا ُه»(.)1 اض ْ َخالِ ًيا َف َف َ
ُ 2-2تنج��ي صاحبها حي��ن الوقوع يف االبت�لاء ،ويدل لذلك حدي��ث الثالثة الذين
يتوس��ل إلى اهلل عز وجل بما
أطبق��ت عليهم الصخرة يف الغار ،فكان أحدهم ّ
كان منه مِن ِع َّفتِ ِه عن الوقوع يف الحرام مع ابنة عمه(.)2
((( متف���ق علي���ه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)660ومس���لم يف صحيحه���ن برقم( ،)1031عن أبي
هريرة .
ونصه :أَ َّن َعبْ َد اللهَّ ِ بْ َن ُع َم َر َر ِض َي اللهَّ ُ َعنْ ُه َماَ ،قا َلَ :سمِ ْع ُت َر ُسو َل اللهَّ ِ ((( رواه البخاري ،برقم (ُّ ،)2272
صخْ َرةٌ مِ َن ِيت ِإلَى َغ ٍارَ ،ف َد َخلُوهُ َفانْ َح َد َر ْت َ م ْن َكا َن َقبْل َ ُك ْم َحتَّى أَ َو ْوا املَب َ ﷺ يَقُو ُل" :انْ َطل َ َق ثَ َ
الثَ ُة َر ْه ٍط مِ َّ
َ
الصخْ َر ِة ِإ َّلا أَ ْن تَ ْد ُعوا اللهَّ ب َ
ِصال ِِح أَ ْع َما ِل ُك ْم، جلبَلِ َ ،ف َس َّد ْت َعلَيْهِ ُم ال َغا َرَ ،ف َقالُواِ :إ َّن ُه ال َ يُن ِْجي ُك ْم مِ ْن َهذِ ِه َّ
ا َ
َف َقا َل َر ُج ٌل مِ نْ ُه ْم :اللَّ ُه َّم َكا َن لِي أَبَ َوانِ َشيْ َخانِ َكبِي َرانِ َ ،و ُكن ُْت الَ أَ ْغ ِب ُق َقبْل َ ُه َما أَ ْهلًاَ ،وال َ َما ًلا َفنَ َأى بِي فيِ
َطل َ ِب َش ْيءٍ يَ ْو ًماَ ،فل َ ْم أُرِ ْح َعلَيْهِ َما َحتَّى نَا َماَ ،ف َحلَبْ ُت لَ ُه َما َغبُو َق ُه َماَ ،ف َو َج ْدتُ ُه َما نَا ِئ َمينْ ِ َو َكرِ ْه ُت أَ ْن أَ ْغ ِب َق
استَيْ َق َظاَ ،ف َشرِ بَا اظ ُه َما َحتَّى بَ َر َق ال َف ْج ُرَ ،ف ْ َقبْل َ ُه َما أَ ْهلًا أَ ْو َمالًاَ ،فل َ ِبثْ ُت َوال َق َد ُح َعلَى يَ َد َّي ،أَنْت َِظ ُر ْ
استِي َق َ
الصخْ َرةَِ ،فانْ َف َر َج ْت ِك ابْ ِت َغا َء َو ْجهِ َكَ ،ف َف ِّر ْج َعنَّا َما نَ ْح ُن فِ يهِ مِ ْن َهذِ ِه َّ
َغبُو َق ُه َما ،اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت َذل َ
اآلخ ُر :اللَّ ُه��� َّم َكانَ ْت لِي ِبن ُْت َع��� ٍّمَ ،كانَ ْت أَ َح َّب
ِ���ي ﷺَ " :و َقا َل َخل��� ُرو َج "َ ،ق���ا َل ال َّنب ُّ َش���يْ ًئا الَ يَ ْس���ت َِطي ُعو َن ا ُ
الس��� ِننيََ ،ف َجا َءتْنِيَ ،ف َأ ْع َطيْتُ َهاَّاس ِإلَ َّيَ ،ف َأ َر ْدتُ َها َع ْن نَف ِْس��� َهاَ ،فا ْمتَنَ َع ْت مِ نِّي َحتَّى أَلمَ َّ ْت ِب َها َس َ���ن ٌة مِ َن ِّ
الن ِ
َ���ار َعلَى أَ ْن ت َُخلِّ َي بَيْنِي َوبَينْ َ نَف ِْس��� َهاَ ،ف َف َعل َ ْت َحتَّى ِإ َذا َق��� َد ْر ُت َعلَيْ َهاَ ،قالَ ْت :الَ أ ُ ِح ُّل
ِع ْش���رِ ي َن َومِ ائَ��� َة دِ ين ٍ
ْت َعنْ َها َو ِه َي أَ َح ُّب الن ِ
َّاس ِإلَ َّي= ، وع َعلَيْ َهاَ ،فانْ َ
ص َرف ُ ات ِإ َّلا ب َ
ِح ِّقهِ َ ،فت ََح َّر ْج ُت مِ َن ال ُو ُق ِ ���ك أَ ْن تَف َّ
ُ���ض ا َ
خل مَ َ لَ َ
35
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
3-3يعي��ن اهلل صاحب العفة ويحقق له مراده ،يقول النبي ﷺَ « :ثلاَ َث ٌة ح ٌّق ع َلى اهَّلل ِ
َ َ
َب ا َّل ِذي ُيرِي��دُ األَ َدا َءَ ،والنَّاكِ ُح ا َّل ِذي اهدُ فِي س��بِ ِ ِ
عونُهم :المج ِ
المكَات ُ
يل اهَّللَ ،و ُ َ َْ ُ ْ ُ َ
اف»(.)1ُيرِيدُ ال َع َف َ
مجتمع
ٌ 4-4س�لامة المجتم��ع من الفواح��ش؛ فالمجتم��ع الخالي من الفواح��ش
��مت أخالقه وارتق��ى أفراده؛ ألن الفاحش��ة منب��وذة دينًا و ُع ْرف��ًا ،فالذوق َس َ
َف مِن الفاحشة َأ ّيًا كانت.
اإلنساين ْيأن ُ
�أنواع العفة:
تتنوع العفة �إىل �أنواع؛ مِ ن �أبرزها:
1-1عف��ة اللس��ان ،وتكون بحفظ��ه عن ألفاظ الش��رك ،وق��ول ال��زور ،والكذب،
والغيبة ،والنميمة ،واالستهزاء ،والسخرية ،ونحو ذلك من حصائد األلسنة.
أن2-2عف��ة ال َف ْرج ،وتك��ون بحفظه عن الزنى واللواط؛ فعن س��هل بن س��عد ّ
��ه وما بين ِرج َلي ِ
��ه َأ ْض َم ْن َل ُه ِ رس��ول اهلل ﷺ ق��ال« :من ي ْضم ِ
��ن لي َما َب ْي َن َل ْح َي ْي َ َ َ ْ َ ْ ْ
َ ْ َ َ ْ
الجنَّةَ»(.)2
َ
���ب ا َّلذِ ي أَ ْع َطيْتُ َه���ا ،اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت ابْ ِت َغا َء َو ْجهِ َكَ ،فافْ��� ُر ْج َعنَّا َما نَ ْح ُن فِ يهِ َ ،فانْ َف َر َج ِت
الذ َه َ = َوتَ َر ْك ُ
���ت َّ
اس َ���ت ْأ َج ْر ُت
خل ُرو َج مِ نْ َها "َ ،قا َل ال َّنب ُِّي ﷺَ " :و َقا َل ال َّثالِثُ :اللَّ ُه َّم ِإ ِّني ْ الصخْ َرةُ َغيْ َر أَ َّن ُه ْم الَ يَ ْس َ���ت ِطي ُعو َن ا ُ
َّ
اح ٍد تَ َر َك ا َّلذِ ي لَ ُه َو َذ َه َبَ ،فثَ َّم ْر ُت أَ ْج َرهُ َحتَّى َكثُ َر ْت مِ نْ ُه األَ ْم َوا ُل،أ ُ َج َرا َءَ ،ف َأ ْع َطيْتُ ُه ْم أَ ْج َر ُه ْم َغيْ َر َر ُج ٍل َو ِ
َف َجا َءنِ���ي بَ ْع��� َد ِح ٍني َف َقا َل :يَا َعبْ َد اللهَّ ِ أَ ِّد ِإلَ َّي أَ ْج���رِ يَ ،ف ُقل ْ ُت لَهُُ :ك ُّل َما تَ َرى مِ ْن أَ ْجرِ َك مِ َن ا ِإلبِلِ َوال َب َقرِ
اس���تَا َقهُ، َوال َغن َِم َوال َّرقِ يقِ َ ،ف َقا َل :يَا َعبْ َد اللهَّ ِ الَ ت َْس َ���ت ْهزِ ئُ بِيَ ،ف ُقل ْ ُتِ :إ ِّني ال َ أَ ْس َ���ت ْهزِ ئُ ب َ
ِكَ ،ف َأ َخ َذهُ ُكلَّهَُ ،ف ْ
ِك ابْ ِت َغ���ا َء َو ْجهِ َكَ ،فا ْف ُر ْج َعنَّا َما نَ ْح��� ُن فِ يهِ َ ،فانْ َف َر َج ِتَفلَ��� ْم يَتْ��� ُر ْك مِ نْ ُه َش���يْ ًئا ،اللَّ ُه َّم َف��� ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت َذل َ
ي ُشونَ".
الصخْ َرةَُ ،ف َخ َر ُجوا مَ ْ
َّ
((( رواه الترمذي ،برقم ( ،)1655عن أبي هريرة ،وقال الترمذي :هذا حديث حسن.
36
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
3-3عف��ة البطن ،وتكون بالح��رص على أكل الحالل؛ ق��ال تعالى :ﮋ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ
[المائدة.]٨٨ – ٨٧ :
4-4عف��ة البص��ر ،وتك��ون بحفظه ع��ن النظر إل��ى ما ح��رم اهلل ،ق��ال تعالىﮋ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [النور:
.]٣١ – ٣٠
5-5عفة الس��مع ،وتكون بحفظه عن س��ماع ال ُكفر ،وال ُفحش ،والغيبة ،والكذب،
والبهتان ،واالس��تهزاء ،وكل ما حرم اهلل ،ق��ال اهلل تعالى :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴ ﯵﯶﯷ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ
ﰈ ﰉ ﮊ [النساء.]١٤٠ :
6-6العف��ة ع��ن المال الح��رام ،وتك��ون بالحذر من الكس��ب الح��رام؛ فعن خولة
األنصارية رضي اهلل عنها قالت :سمعت النبي ﷺ يقول« :إِ َّن ِر َج اًال َيتَخَ َّو ُض َ
ون
ال اهَّلل ِ بِ َغيرِ ح ٍّقَ ،ف َلهم النَّار يوم ِ
الق َي َام ِة»(.)1 فِي م ِ
ُ ُ ُ َْ َ ْ َ َ
موانع العفة:
ّ
إن التزام العفة أمر ش��اق بطبعه على النفوس ،فإن انضاف إلى ذلك من يدعو
للتس��اهل هبا وهتوين ش��أهنا أو انتقاص المتعففين ووصفهم بما ين ِّفر من صنيعهم
كان ذلك أشد على النفوس وأعظم ،ومن أبرز تلك الموانع والمثبطات ما يلي:
37
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
1-1وسائل اإلعالم غير المنضبطة؛ فغالب وسائل اإلعالم يف هذا الزمن ال تراعي
فكثير مما يعرض
ٌ العفة وال تدعوا إليها؛ بل َّ
إن أكثرها يس��عى للحيلولة دوهنا؛
على شاشات القنوات الفضائية ،ومما تحتويه الشبكة العنكبوتية (االنرتنت)،
وم��ا تب ّثه بع��ض المواق��ع اإلباحية ،يعد من أك�بر موانع العفة بم��ا تعرض من
برامج وصور مخلة فاضحة ،أو تصور األفعال المش��ينة والعالقات المحرمة
وح ِّر ّية!.
وتحضر وتقدّ م ُ
ّ على أهنا بطوالت
أث��ر على أخ�لاق صاحبه ،فإذا 2-2قرن��اء الس��وء؛ فم��ن المعل��وم َّ
أن الصاحب له ٌ
الخ ُلق فإنه يعدي بس��وء ُخلقه صاحبه ،فالطبع يعدي ،والصاحب
كان س��يء ُ
ِّ
هون من شأهنا يف نظر صاحبه ،ولذا
فمن كان متهاونًا يف ش��أن العفة ّ
س��احبَ ،
أمر اهلل بصحبة األخيار َّ
وحذر من مصاحبة األش��رار ،فقال س��بحانه :ﮋ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ
[الكهف.]٢٨ :
هم بعض الن��اس جمع المال م��ن أي طريق؛ حتى
3-3ع��دم القناعة؛ فق��د أصبح ُّ
وإن كان الطريق محرمًا ،مما دعا البعض إلى أن يس��أل الناس من غير حاجة،
«ما َيز َُال
ف��أراق م��اء وجهه يف الدنيا ليمزق لحمه يف اآلخرة؛ يق��ول النبي ﷺَ :
��أ ُل النَّاس ،حتَّى ي ْأتِي ي��وم ا ْل ِقيام ِة و َليس فِي وج ِه ِ
��ه ُم ْز َع ُة َل ْحم»(،)1 الر ُج ُل َي ْس َ
َ ْ َ َ َ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َّ
فأين من يستكثرون المال بسؤال الناس عن هذا الحديث؟!.
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)1474ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1040عن عبداهلل
بن عمر .
38
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
39
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
واصطالح��ًا :اإلقدام عل��ى المكاره ،من األقوال واألفع��ال عند الحاجة إلى
ذلك ،وثبات الجأش ،واالستهانة بالخوف(.)1
وعك��س الش��جاعة الجبن ،فالجبن ه��و الخوف مما ال ينبغ��ي الخوف منه ال
قو ً
ال وال فعالً ،فالجبان ال يظفر بما يريد ،وال يساعده الصرب على ذلك.
والشجاعة صنفان:
أحدهما :الش��جاعة الحربي��ة ،وهي اإلقدام على مواقع القت��ال ،والثبات عند
مالقاة األعداء.
وثانيهما :الشجاعة المعنوية؛ كاإلقدام على اتخاذ القرار ،وقول الحق ،وإبداء
الرأي والنصيحة.
* *الفرق بين الشجاعة والقوة:
يظن البعض ّ
أن هناك تشاهبًا بين الشجاعة والقوة ،وهما يف الحقيقة متغايران،
فالش��جاعة ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البدن أو البطش ،يقول ابن
الصدِّ يق أش��جع األمة بعد رسول اهلل ﷺ ،وكان عمر
القيم رحمه اهلل“ :وكان ِّ
وغي��ره أق��وى منه ،ولكن ب��رز على الصحابة كله��م بثبات قلب��ه يف كل موطن من
المواط��ن التي تزلزل الجب��ال ،وهو يف ذلك ثابت القلب ،ربي��ط الجأش ،يلوذ به
شجعان الصحابة وأبطالهم ،فيثبتهم ،ويشجعهم»(.)2
أم��ا القوة فقد تكون قوة النفس وهي من الش��جاعة ،وقد تكون قوة الجس��د،
جسد شجاع ،لذلك كان هناك ٌ
فرق بين الشجاعة والقوة. ٍ وليس كل قوي
40
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)2908وال َف َرس ال ُع ْري هو :الذي ليس عليه َس ْرج .ينظر :الصحاح،
للجوهري ،)2424/6( :وقوله« :لم تُراعوا» هي كلمة تقال عند تس���كني الروع تأنيس���اً ،وإظهاراً للرفق
َ
باخملاطب ،ومعناها :ال تخافوا .ينظر :فتح الباري ،البن حجر.)457/10( :
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6370عن سعد بن أبي وقاص .
41
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فوائد ال�شجاعة:
الشجاعة لها فوائد متعددة؛ منها:
1-1أهنا س��بب النش��راح الصدر .قال ابن القيم رحمه اهللّ :
“إن الش��جاع منش��رح
الصدر ،واسع البطان ،متسع القلب ،والجبان أضيق الناس صدر ًا ،وأحصرهم
قلب��ًا ،ال فرحة له وال س��رور ،وال َّ
لذة ل��ه وال نعيم إال من جن��س ما للحيوان
فم َح َّر ٌم على كل البهيم��ي ،وأما س��رور الروح َّ
ولذهت��ا ،ونعيمها ،وابتهاجه��اُ ،
جبان ،كما هو محرم على كل بخيل ،وعلى كل معرض عن اهلل سبحانه غافل
عن ذكره ،جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه ،متعلق القلب بغيره»(.)1
2-2أهنا تحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي األخالق ِّ
والش�� َيم .قال ابن
القيم“ :والش��جاعة تحمله على عزة النفس ،وإيثار معالي االخالق والش��يم،
وعلى البذل والندى ،الذي هو ش��جاعة النفس وقوهتا على إخراج المحبوب
والح ْلم؛ فإنه بقوة نفس��ه وش��جاعته حم ُل��ه عل��ى كظم الغي��ظِ ، ومفارقت��ه ،و َت ِ
ُ
يمس��ك عناهنا ،ويكبحه��ا بلجامها عن الن��زغ والبطش ،كما ق��ال ﷺَ « :ل ْي َس
ب»( ،)2وهو حقيقة ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ
الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْم ِل ُ
الص َر َع ِة ،إِن ََّما َّ َّ ِ
الشديدُ بِ ُّ
الشجاعة ،وهي َم َل َك ٌة يقتدر هبا العبد على قهر خصمه”(.)3
3-3الشجاع يحسن الظن باهلل تعالى .قال ابن القيم رحمه اهلل“ :الجبن خلق مذموم
عن��د جمي��ع الخلق ،وأهل الجبن :هم أهل س��وء الظن باهلل ،وأهل الش��جاعة
والجود هم أهل حس��ن الظن باهلل؛ كما قيل :الش��جاعة وقاية ،والجبن مقتلة،
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6114ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)2609
42
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الكوارث واألزمات.
فإن مِن أعظم مظاهر الشجاعة حضور
2-2استجماع العقل والرشد عند الشدائدَّ ،
الذهن عند الشدائد ،وثبات القلب ،فالشجاع إذا صادفه أمر جلل قابله برزانة
وثبات ،فيتصرف بذهن حاضر ،وعقل غير ُمشتَّت ،وقلب قوي غير َف ِزع.
3-3الشجاعة األدبية ،وتتمثل يف إبداء اإلنسان رأيه وتوضيح ما يعتقد أنه حق ،مهما
43
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ظ��ن الناس به ،فيقول الحق بأدب ،وإن تأ َّلم منه الناس ،ويعرتف بالخطأ ،وإن
نالته عقوبة ،ويرفض قلب الحقائق ،ويتخذ القرار الصحيح ولو ث َّبطه َمن حوله.
غضب اإلنس��ان ،فالذي َي ْق َوى على ضبط نفسه 4-4ضبط النفس حين حصول ما ي ِ
ُ
عند الغضب وير ُّدها عنه هو القوي الشديد ،فمجاهدة النفس شجاعة ،بل هي
أش��د من مجاهدة العدو؛ َّ
ألن النبي ﷺ جعل للذي يملك نفس��ه عند الغضب
من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم(.)1
وسائل اكتساب الشجاعة:
إن كل ُخ ُلق حسن يمكن اكتسابه ،والشجاعة يمكن اكتساهبا بما يلي:
َّ
1-1اإليمان باهلل وحسن التوكل عليه ،قال تعالى :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [آل عم��ران:
.]160
2-2ترس��يخ عقيدة اإليم��ان بالقضاء والقدر ،وأنه لن يصيب اإلنس��ان إال ما كتب
اهلل ل��ه ،ق��ال تعال��ى :ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﭼ [التوبة.]51 :
3-3اللج��وء إلى اهلل بالدعاء ،واإلكثار من ذكر اهلل تعالى ،قال عز وجل :ﮋ ﯩ
ﯪﯫﯬ ﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﮊ
[األنفال.]45 :
4-4التنش��ئة عل��ى الش��جاعة من الصغ��ر له تأثي��ر كبير يف إكس��اب الم��رء مفاهيم
((( ينظر :شرح صيح البخاري ،البن بطال ،)296/9( :ويشهد لهذا :احلديث املتفق على صحته ،والذي
يل ُ
ِك نَف َْس ُه الش���دِ ي ُد ا َّلذِ ي مَ ْ ِالص َر َعةِ ،إ مَّ َ
ِنا َّ س َّ
الش���دِ ي ُد ب ُّ س���بق تخريجه قريبا ،وفيه يقول النبي ﷺ« :لَيْ َ
ِعنْ َد ال َغ َ
ض ِب».
44
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
45
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أهمية العدل:
أرسل اهلل تعالى الرسل -عليهم السالم -للدعوة لعبادته وحده وإقامة العدل
يف جمي��ع األم��ور؛ ق��ال تعال��ى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [الحدي��د .]25 :يق��ول اب��ن القيم -رحمه
اهللَّ :-
«إن اهلل أرس��ل رس��له وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقس��ط ،وه��و العدل الذي
قامت به األرض والسموات ،فإذا ظهرت أمارات العدل ،وأسفر وجهه بأي طريق
كان ،ف َثم َشرع اهلل ِ
ودينُه”(.)1 َّ ْ ُ
والعدل تتوقف عليه سعادة وطمأنينة المجتمع ،فإذا اتصف المجتمع بالعدل
قام��ت المحب��ة بينهم ،و َأمِنوا على أمواله��م وأعراضهم ،فإذا ما َأمِن الناس س ِ
��عدَ َ َ
المجتمع بالعدل وعمل الفرد فيه بِ ُح ِّر َّي ٍة ونش��اط ،فيزداد اإلنتاج ويس��تقر األفراد،
وإذا انعدم العدل يف المجتمع سادت الفوضى ،وتفشى الظلم والعدوان ،وانعدمت
األخ�لاق ،واضطرب نظام المجتمع بأس��ره ،وقد أمر اهلل عز وجل بالعدل ضمن
مجموعة من التوجيهات الربانية التي لو امتثل لها البشر لسعدوا يف الدنيا واآلخرة،
ق��ال تعال��ى :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [النحل.]90 :
الفرق بني العدل والإن�صاف:
اإلنصاف :إعطاء النصف من الشيء وأخذ النصف ،من غير زيادة أو نقصان،
تق��ول :أنصف من نفس��ه إذا أعطى من دون زيادة أو نق��صَ ،أ َّما العدل :فيكون يف
كالح ْك��م مثالً ،فنقول للس��ارق إذا ُقطِ َعت َيدُ ه :أنه
اإلنص��اف ويف غير اإلنصاف؛ ُ
46
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
47
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
َل َق َط ْع ُ
ت َيدَ َها»(.)1
3-3العدل يف الش��هادة حتى ولو كانت عل��ى ذوي القربى ،قال تعالى :ﮋ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [األنعام.]152 :
4-4الع��دل مع النف��س ،وذلك بعدم تكليفها ماال تطيق ،ق��ال تعالىﮋ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [البق��رة ،]286 :والنب��ي ﷺ يق��ولَ « :فإِ َّن لِجس ِ
��د َك َع َل ْي َ
ك َ َ
َح ًّقا»(.)2
5-5الع��دل بي��ن الزوجات ،وقد جعل اهلل تعالى العدل ش��رطًا لتع��دد الزوجات؛
فقال عز وجل :ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [النس��اء،]3 :
َت َل ُه
��ن كَان ْ
«م ْوح��ذر النبي ﷺ من الميل لزوج��ة من دون الزوجات ،فقالَ : َّ
َان َف َم َال إِ َلى إِ ْحدَ ُاه َماَ ،جا َء َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َو ِش ُّق ُه َمائِ ٌل»(.)3
ْام َر َأت ِ
6-6العدل بين األوالد ،فال يفاضل بينهم إال بس��بب مقبول ش��رعًا؛ ألن التفضيل
بال س��بب يوق��ع الع��داوة والبغض��اء بينهم؛ فع��ن النعمان بن بش��ير قال:
َ
رسول اهلل «أعطاين َأبِي َعطِ ّيةً ،فقالت َع ْم َر ُة بنت رواحة :ال أرضى حتى ُت ِ
شهدَ
رسول اهلل ﷺ ،فقال :إين أعطيت ابني مِن َع ْم َر َة بنت رواحة عطِ ّيةً، َ ﷺ ،فأتى
ت َسائِ َر َو َل ِد َك ِم ْث َل َه َذا؟»، ش��هدَ ك يا رس��ول اهلل ،قال ﷺَ :
«أ ْع َط ْي َ َفأ َم َرتني أن ُأ ِ
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)3475ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1688عن عائشة
رضي اهلل عنها.
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)1975ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1159عن عبداهلل
بن عمرو .
48
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
قال :ال ،قالَ « :فا َّت ُقوا اهَّللَ َوا ْع ِد ُلوا َب ْي َن َأ ْوال َِدك ُْم» ،قال :فرجع َف َر َّد عطِ َّيتَه» (.)1
7-7العدل يف الكيل والوزن وكل المعامالت المالية ،فقد أمر اهلل بإيفاء الكيل والوزن،
قال تعالى :ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [الش��عراء ،]181 :وأهلك اهلل
بس��بب تكذيبه��م ،وتطفيفهم الكيل وال��وزن ،وبخس الناس قوم ش��عيب
أش��ياءهم .قال تعالى :ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍﭼ [األعراف.]85 :
8-8العدل مع األعداء والخصوم ،فالنفس البش��رية قد تكره و ُتعادي ،وقد يدفعها
ذل��ك للظلم ،فأمر اهلل بالعدل يف هذه الح��ال بقوله :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [المائدة.]8 :
ويف العدل مع الناس -س��واء كانوا محبوبين أم ال ،وس��واء كانوا مس��لمين أم
وتأليف لقلوهبم ،واس��تمال ٌة له��م لهذا الدين،
ٌ تقريب لنفوس��هم،
ٌ غير مس��لمين-
وليعلموا أنه دين عدل ال ُيظلم فيه أحد.
فوائد العدل:
إن البشرية إذا قامت بالعدل كما أمر اهلل تعالى فإهنا ستجني ثمار ًا طيبة وفوائد
َّ
حسنة ،منها:
1-1نوال محبة اهلل تعالى؛ قال تعالى :ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ[الممتحنة.]8 :
2-2ش��يوع األم��ن يف األوط��ان ،فتحص��ل ب��ه طمأنين��ة النف��وس ،ويش��عر الناس
باالس��تقرار ،وبذلك يقضي على المشكالت االجتماعية واالضطرابات التي
تحدث بسبب الظلم.
49
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
50
الوحدة الثالثة:
•اإلخالص.
• الحياء.
• الشكر.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
يوضح الطالب كيفية تحقق ُخ ُلق اإلخالص.
1 -1أن ِّ
2 -2أن يبين الطالب مكانة ُخ ُلق الحياء من الدِّ ين اإلسالمي.
3 -3أن يعدد الطالب أنواع الشكر وفوائده.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1توضيح كيفية تحقق ُخ ُلق اإلخالص.
2 -2تبيين مكانة ُخ ُلق الحياء من الدِّ ين اإلسالمي.
3 -3تعداد أنواع الشكر وفوائده.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اإلخالص لغة :مشتق من مادة (خلص) التي تدل على تنقية الشيء وهتذيبه(.)1
واصطالح��ًا :ه��و إفراد اهلل عز وج��ل بالقصد والطاعة ،وتنقي��ة األعمال من
الشرك والرياء.
الرس��ل ،وأنزل به جميع الكتب ،وا ّتفق
كل ّواإلخالص هو الذي بعث اهلل به َّ
أئمة أهل اإليمان ،وهذا هو خالصة الدّ عوة النّبو ّية ،وهو قطب القرآن ا ّلذي
علي��ه ّ
تدور عليه رحاه(.)2
لذل��ك كان اإلخالص ش��رطًا من ش��روط قب��ول العمل ،فمن جع��ل عبادته
خالصة لوجه اهلل ،ثم أحسن االقتداء بالنبي ﷺ فيها ،فقد ح َّقق َش ْر َطي قبول تلك
العب��ادة ،وال تصح عبادة بدون اإلخالص هلل والمتابعة لرس��ول اهلل ﷺ ،قال
تعالى :ﮋﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﮊ [الكهف.]110 :
وأن َمن لم ُي ْخلِص فقد فس��د عمله، وب َّي��ن النب��ي ﷺ أثر النية يف قبول العملَّ ،
َت ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى اهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه
فقال ﷺ« :األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِةَ ،ولِك ُِّل ْامرِ ٍئ َما ن ََوىَ ،ف َم ْن كَان ْ
��ر َأ ٍة َي َتز ََّو ُج َها، ِ َف ِهجرتُ��ه إِ َلى اهَّلل ِ ورس��ولِ ِه ،وم��ن كَان ْ ِ
َت ه ْج َر ُت ُه لدُ ْن َي��ا ُيصي ُب َهاَ ،أ ِو ْام َ ََ ْ ََ ُ ْ َ ُ
اج َر إِ َل ْي ِه»(.)3َف ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى َما َه َ
َص الق��رآن الكريم ،قال تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وإخ�لاص العمل هلل واجب بن ِّ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [الزمر.]12-11 :
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)54وبنحوه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1907عن عمر بن اخلطاب .
53
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وق��د جعل اهلل اإلخالص يف أش��رف مكان يف اإلنس��ان وه��و القلب الذي هو
محل نظر اهلل س��بحانه وتعالى ،قال النبي ﷺ« :إِ َّن اهلل لاَ ينْ ُظر إِ َلى َأجس ِ
ادك ُْمَ ،ولاَ ْ َ َ َ ُ
إِ َلى ُص َو ِرك ُْمَ ،و َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َلى ُق ُلوبِ ُكم»(.)1
كيف يتحقق الإخال�ص؟
َّ
إن تحقيق اإلخالص هلل ﷺ يف العبادة يكون باستكمال ثالثة أمور:
األول :تنقي��ة العم��ل من التف��ات القلب إلى غي��ر اهلل ،فال يريد بعمل��ه رئاء الناس
ومدحهم ،أو نيل شيء من حظوظ الدنيا؛ كالمال أو الجاه ونحوهما ،بل يكون
مراده مرضاة اهلل فحسب.
الث��اين :احتقار عمله مع بذله مجهوده فيه ،فال يعجب بطاعته وعمله فيكون ذلك
سببًا لحبوطه وبطالنه.
الثال��ث :موافق��ة العمل له��دي النب��ي ﷺ ،إ ْذ كل عمل ليس عل��ى هدية ﷺ فهو
«م ْن َع ِم َل َع َملاً َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»( ،)2أي:
مردود على صاحبه؛ قال ﷺَ :
مردود عليه ال يقبل منه.
ق��ال ابن القيم رحمه اهلل -بعد ذكره هذه الثالث��ة« :-فهذه األركان الثالثة
ه��ي أركان الس��ير ،وأص��ول الطري��ق التي َم ْن ل��م َي ْب ِن عليها س��لوكه وس��يره فهو
فس ْي ُر ُه إ َّما إلى عكس جهة مقصودة ،وإ َّما َس ْير ا ْل ُمق َعد مقطوعْ ،
وإن ظ َّن أنه س��ائرَ ،
وا ْل ُمق َّيد ،وإما َس�� ْير صاحب الدابة الجموح ،كلما َم َش��ت خطوة إلى قدام َر َج َعت
فإن ُع ِدم اإلخالص والمتابعة انعكس س��يره إلى خلف ،وإن عش��رة إلى الخلفْ ،
ويوحد طلبه سار َس ْير ا ْل ُمق َّيد ،وإن اجتمعت له الثالثة فذلك الذي
ِّ لم يبذل جهده
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)2564عن أبي هريرة .
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1718عن عائشة رضي اهلل عنها.
54
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ال ُيج��ارى يف مضم��ار َس�� ْيره ،وذلك فض��ل اهلل يؤتيه م��ن يش��اء ،واهلل ذو الفضل
العظيم»(.)1
ومما يعني على الإخال�ص ما يلي:
ب ال ُق ُل ِ
وب ولَ :يا ُم َق ِّل َ ��ول اهللِ ﷺ ُي ْكثِ ُر َأ ْن َي ُق َ
َان َر ُس ُ
1-1اإلكثار من الدعاء ،فقد «ك َ
��ت َق ْلبِي َع َل��ى ِدينِك»( ،)2وقال أويس الق��رين« :إذا قمت فادع اهلل أن يصلح َث ِّب ْ
لك قلبك ونيتك ،فلن ُتعال ِ َج شيئًا أشدَّ عليك منهما»(.)3
فإن النفس تحب مدح اآلخري��ن وثناءهم ،لذا 2-2التغل��ب على حظوظ النف��س؛ ّ
فسد عليه النية والعمل ،قال يجب على المس��لم مدافعة هذا الخاطر حتى ال ي ِ
ُ
ألن أكثر الناس يحبون ابن الجوزي رحمه اهلل« :ما أقل من يعمل هلل خالصًا؛ َّ
ظهور عباداهتم»(.)4
3-3إخف��اء العبادات غير المش��اهدة ،واإلكث��ار منها ،كقيام الليل ،وصدقة الس��ر،
والبكاء من خشية اهلل خاليًا.
4-4الخ��وف من الش��رك بنو َع ْية ،والدع��اء بك َّفارة الرياء ،ففي حدي��ث الوقاية من
ك ِم ْن َأ ْن ن ُْشرِ َك بِ َ
ك الله َّم إِنَّا َن ُعو ُذ بِ َ
الشرك ورد عن النبي ﷺ أنه قالُ « :قو ُلواُ :
َش ْيئًا َن ْع َل ُم ُهَ ،ون َْس َتغ ِْف ُر َك لِ َما اَل َن ْع َل ُم»(.)5
((( رواه الترمذي يف سننه برقم( ،)3522عن أنس بن مالك ،وقال األلباني :حديث صحيح.
((( تفسير التستري ،لسهل بن عبداهلل التستري ،)141/1(:وصفة الصفوة البن اجلوزي.)55/2(:
((( رواه أحم���د يف املس���ند ،برق���م( .)19622وقال الهيثمي يف مجمع الزوائ���د :رواه أحمد والطبراني يف
«الكبير» و»األوسط» ،ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي علي ،ووثقه ابن حبان.)224/10(:
55
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
جماالت الإخال�ص:
ينبغي للمس��لم أن يس��تحضر نية اإلخالص يف جميع أعماله الصالحة ،سواء
كان��ت تلك األعمال عب��ادات محضة؛ كالصالة ،والصي��امِّ ،
والذكر ،ونحوها ،أو
كانت مما له عالقة بتعامله مع اآلخرين ،بل وحتى المباحات التي يفعلها المسلم،
تحول تلك المباحات إلى عبادات. ّ
فإن النية الصالحة الخالصة ِّ
قوادح الإخال�ص وعالجها:
�إ َّن من �أبرز ما يقدح يف الإخال�ص ما يلي:
1-1تعل��ق القل��ب بغير اهلل حب��ًا وخوفًا ورج��ا ًء ،وعالج��ه باليأس مم��ا يف أيدي
الن��اس ،وتعليق القل��ب باهلل وحده ،والت��وكل عليه ،والرغبة فيم��ا عندهْ ،
وأن
أن المم��دوح حقًا هو م��ن رضي اهلل عن��ه وأح َّبه ْ
وإن ذ َّم��ه الناس ،قال يعل��م َّ
بعض الس��لف« :منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحه��م ولم أحزن على ذ ِّم ِهم،
فحامدهم ُم َف ِّرط ،وذا ُّمهم ُم َف ِّرط»(.)1
2-2الرياء ،وعالجه يكون بقول الدعاء المذكور سابقًا ،ويقينه َّ
أن الخلق ال ينفعون
يضرون حقيقة ،فال يشغل نفسه بِ ِهم فيتعب ،ويضر دينه ،ويحبط عمله.وال ُّ
ب بالعمل يقود إلى الكرب ورؤية ِّ
حظ النفس والغفلة 3-3اإلعجاب بالعمل ،فال ُع ْج ُ
عن إخالص العمل هلل تعال��ى ،ويدفع لتزكية النفس أو احتقار اآلخرين ،واهلل
تعالى يقول:ﮋﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ [النجم ،]32 :ويقول سبحانه:
ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ [النس��اء:
،]49وعالج اإلعجاب بالعمل :أن يعلم العبد أن قيامه بالعمل الصالح ٌ
فضل
من اهلل تعالى عليه ،فيشكره على توفيقه إياه ،ويسأله الثبات عليه.
((( روى هذه املقولة أبو نعيم األصبهاني يف كتابه حلية األولياء ،)372/2(:عن مالك بن دينار.
56
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ثمرات الإخال�ص:
اإلخالص كشجرة كل ثمارها نافعة ،ومن ثمرات اإلخالص ما يلي:
1-1إجابة الدعاء عند التوس��ل بالعمل الصالح الخال��ص هلل تعالى؛ كقصة الثالثة
الذي��ن انطبقت عليهم الصخرة يف الغار ،فعندما دع��وا اهلل بأعمال أخلصوا له
فيها نجوا من الهالك وانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون(.)1
2-2نيل ش��فاعة النبي ﷺ؛ فعن أبي هريرة قال :قلت :يا رسول اهللَ ،م ْن َأ ْس َعدُ
��أ َلنِي
ْت َيا َأ َبا ُه َر ْي َرةََ ،أ ْن الَ َي ْس َ
الناس بش��فاعتك يوم القيامة؟ ،فق��الَ « :ل َقدْ َظنَن ُ
ك ع َلى الح ِد ِ
يثَ ،أ ْس َعدُ ْك ،لِما ر َأي ُ ِ ِ ِ ِ عن ه َذا ِ ِ
َ ت م ْن ح ْرص َ َ الحديث َأ َحدٌ َأ َّو ُل من َ َ َ ْ َ َ ْ َ
الق َي َام ِة َم ْن َق َال :الَ إِ َل َه إِ اَّل اهَّللَُ ،خالِ ًصا ِم ْن ِق َب ِل َن ْف ِس ِه»(.)2
َّاس بِ َش َفاعتِي يوم ِ
َ َْ َ الن ِ
3-3قب��ول التوبة ودخ��ول الجنة ،قال تعال��ى :ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﮊ
[النساء.]146 :
4-4تحويل العادات والمعامالت إلى عبادات ،فينش��ط المس��لم لمزيد من العمل
َّ��ك َل ْن ُتن ِْف َق َن َف َق ًة
الصال��ح وفعل الخي��ر الخالِص لوجه اهلل ،قال النبي ﷺ« :إِن َ
ك»(.)3 َت ْبت َِغي بِ َها َو ْج َه اهَّلل ِ إِ اَّل ُأ ِج ْر َت َع َل ْي َهاَ ،حتَّى َما ت َْج َع ُل فِي َف ِم ْام َر َأتِ َ
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم ( ،)56وبنحوه مس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)1628عن س���عد بن أبي
وقاص .
57
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( ينظر :موسوعة فتح امللهم بشرح صحيح اإلمام مسلم ،للشيخ شبير العثماني ،ص(.)565
((( رواه اب���ن ماج���ه يف س���ننه ،برق���م( ،)4181وصحح���ه األلبان���ي مبجم���وع طريقي���ه يف «الصحيحة»،
برقم(.)940
58
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
والحي��اء صف��ة من صفات اهلل تعالى ،فقد ثبت ع��ن النبي ﷺ أنه قال« :إِ َّن اهَّللَ
ِ ِ
عز وجل َحيِ ٌّي ست ٌِّير ُيح ُّ
ب ا ْل َح َيا َء َو َّ
الست َْر»(.)1
��ار َك َو َت َعا َلى َحيِ ٌّي وع��ن س��لمان قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :إِ َّن َر َّبك ْ
ُ��م َت َب َ
يمَ ،ي ْست َْحيِي ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع َيدَ ْي ِه إِ َل ْي ِهَ ،أ ْن َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا»(.)2 َكرِ ٌ
ان»(،)3 وهو ش��عبة من ش��عب اإليمان ،فقد قال ﷺ« :وا ْلحياء ُشعب ٌة مِن الإْ ِ يم ِ
َ َ ََ ُ َْ َ
فالحياء يقطع صاحبه من المعاصي ،ويحجزه عنها ،فصار بذلك من اإليمان.
ِ
َّاسوالحياء ُخ ُل ٌق محمو ٌد يف كل الشرائع السماوية؛ قال ﷺ« :إِ َّن م َّما َأ ْد َر َك الن ُ
ْت»(.)4 اصن َْع َما ِشئ َ ِ
م ْن َكالَ ِم النُّ ُب َّوة ،إِ َذا َل ْم ت َْست َْح ِي َف ْ
ِ
وكان نبين��ا محمد ﷺ أش��دَّ الناس حيا ًء؛ فقد وصف��ه الصحابة – رضوان اهلل
اء فِي ِخدْ ِر َها»(.)5 َان النَّبِي ﷺ َأ َشدَّ حياء ِمن الع ْذر ِ
ََ ً َ َ َ ُّ عليهم -بقولهم« :ك َ
حث النب��ي ﷺ َأ ْتباعه عل��ى التخ ُّلق بخل��ق الحياء م��ن اهلل تعالى ،فعن وق��د َّ
اء». عبداهلل بن مس��عود قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :اس��تَحيوا ِمن اهَّلل ِ ح َّق الحي ِ
َ َ َ ْ ْ ُ َ
اكَ ،و َلكِ َّن اِال ْستِ ْح َيا َء
الح ْمدُ ل ِ َّل ِهَ ،ق َالَ « :ل ْي َس َذ َ َق َالُ :ق ْلنَا :يا رس َ ِ
ول اهَّلل إِنَّا ن َْست َْحيِي َو َ َ َ ُ
((( رواه أب���و داود يف س���ننه ،برق���م( ،)4012وصحح���ه األلبان���ي .وحي���اء اهلل تعال���ى من عب���ده ال يجوز
(إن اهلل حيي) ،فعيل من احلياء ،أي كثير
تكييفه أو تش���بيهه بحياء البش���ر؛ قال املباركفوري« :قولهّ :
ووصفُ��� ُه تعال���ى باحلياء يُحمل على ما يليق له كس���ائر صفاته ،نؤمن به���ا وال نُك ِّيفها» .حتفة
احلي���اءْ ،
األحوذي.)544/9(:
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)1488والترمذي يف سننه ،برقم ( ،)3556وصححه األلباني.
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6102ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)2320عن أبي سعيد اخلدري
.
59
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ِ ِ ِ
الم ْو َتالر ْأ َس َو َما َو َعىَ ،وال َب ْط َن َو َما َح َوىَ ،و ْلت َْذ ُكرِ َ الح َياء َأ ْن ت َْح َف َظ َّ
��ن اهَّلل َح َّق َ
م َ
ك َف َقدْ ْاس��ت َْح َيا ِم َن اهَّلل ِ َح َّق
اآلخ َر َة ت ََر َك ِزينَ َة الدُّ ْن َياَ ،ف َم ْن َف َع َل َذلِ َ
والبِ َل��ى ،ومن َأراد ِ
ََ ْ َ َ َ
الح َياءِ»(.)1
َ
فف��ي ه��ذا الحدي��ث بيان واض��ح َّ
أن الحياء يش��مل جميع األعم��ال الظاهرة
والباطنة.
والحياء خ ُل ٌّق يسمو به الرجال والنساء على َحدٍّ سواء ،وإن كان الحياء يف حق
النس��اء أكمل ،وإذا و ِصفت المرأة بالحياء فذلك ِ
الق َّمة يف حس��ن ُخ ُلقها ،فالحياء ُ
ه��و حامي الفضيلة ،وحارس��ها م��ن االنحدار نح��و الرذيلة ،وقد ذك��ر اهلل موقِفًا
يتجلى فيه حياء المرأة الصالحة ،فقال س��بحانه –عن إحدى الفتاتين اللتين س��قى
:-ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ لهم��ا موس��ى
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ [القص��ص ،]25 :وهن��ا لفت��ة ربانية لتتأ َّمل كل النس��اء حال هذه
الفت��اة الحيِ َّية العفيفة ،حيث إهن��ا كانت يف الحالتين محافظة على حيائها ،فالقارئ
عندم��ا يقف على كلمة (اس��تحياء) يف قول��ه :ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ،
أهنا يف أدب وعفة وحياء ،أ َّما إذا وقف يبين حال الفتاة حين مشيتها إلى موسى
على كلمة (تمش��ي) ثم اس��تأنف القراءة من قوله تعال��ى :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ ،فهن��ا يب ِّين حال الفتاة حينما بدأت تتكلم مع
،فكالمها كان على اس��تحياء ،وهذا من بالغة الق��رآن حيث ب َّين حال موس��ى
الفتاة يف مش��يتها وكالمها أهنا حيية عفيف��ة بأخصر العبارات ،قال مجاهد« :يعني:
بخراجة وال ولاَّ جة»( ،)2وقال الط�بريَ :
«فأ َت ْت ُه واضع��ة ثوهبا على وجهها ليس��ت َّ
60
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
61
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فيح ْو ُل بينه وبين فِ ْع ِل ما ُيس�� َت ْق َبح ،فال يظهر منه إال ��ب َ
أفعال صاحبهُ ، 3-3أن��ه ُيط ِّي ُ
الخير والصالح ،قال ﷺ« :ا ْل َح َيا ُء اَل َي ْأتِي إِ اَّل بِخَ ْير»(.)1
من مظاهر انعدام احلياء �أو ِق َّل ِت ِه:
مظاهر كثيرةٌ؛ منها ما يلي:
ُ يدل على انعدام الحياء أو ق ّلته لدى البعض
ُّ
والجرأة على 1-1المجاه��رة بالمعاصي ،بإعالهنا وإظهارها للناس ،والتفاخر هباُ ،
ذل��ك ،وعدم الخوف من اهلل عز وج��ل ،وقد قال النبي ﷺ« :ك ُُّل ُأ َّمتِي ُم َعا ًفى
اهرِي��ن ،وإِ َّن ِم��ن المج ِ إِ اَّل المج ِ
��ل َع َملاً ُ ،ث َّم ُي ْصبِ َح اه َرة َأ ْن َي ْع َم َل َّ
الر ُج ُل بِال َّل ْي ِ َ ُ َ َ َ َ ُ َ
ت ال َب ِ
ار َح َة ك ََذا َوك ََذاَ ،و َقدْ َب َ
ات َي ْست ُُر ُه ولَ :يا ُفال َُنَ ،ع ِم ْل ُ َو َقدْ َست ََر ُه اهَّللُ َع َل ْي ِهَ ،ف َي ُق َ
ف ِست َْر اهَّلل ِ َعنْه»(.)2 َر ُّب ُهَ ،و ُي ْصبِ ُح َيك ِْش ُ
2-2كش��ف الع��ورات ،وعدم الح��رص على س�ترها ،و ُيلحق بذلك ت�برج المرأة
وسفورها أمام الرجال األجانب.
3-3تش�� ُّبه الرجال بالنس��اء ،س��واء يف الملبس أو قصات الشعر أو وس��ائل الزينة،
وكذلك تش�� ُّبه النس��اء بالرجال ،ومن ذلك :لبس بعض النس��اء المالبس التي
تصف األجسام ،أو تكون كهيئة مالبس الرجال.
4-4إيذاء اآلخرين ،س��واء باألقوال أو األفعال ،ومن ذل��ك مثالً :التلفظ باأللفاظ
البذيئ��ة ورف��ع الصوت يف بعض األماكن ،كاألس��واق والميادي��ن العامة ،فقد
اح ًشاسئلت عائشة رضي اهلل عنها عن ُخ ُل ِق رسول اهلل ﷺ فقالتَ « :لم يكُن َف ِ
ْ َ ْ
الس ِّي َئةََ ،و َلكِ ْن َي ْع ُفو ِ
��و ِاقَ ،والَ َي ْج ِزي بِ َّ
الس ِّيئَة َّ
ِ
َوالَ ُم َت َف ِّح ًش��ا َوالَ َصخَّ ا ًبا في األَ ْس َ
َو َي ْص َف ُح»(.)3
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم ( ، )6117ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)37
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6069ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)2990عن أبي هريرة .
((( رواه الرتمذي يف سننه ،برقم( ،)2016وصححه األلباين.
62
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
5-5إفش��اء األس��رار الزوجية واألمور الخاصة التي تحصل بين األزواج يف فراش
َّاس ِعنْدَ اهلل ِ َمن ِْز َل ًة َي ْو َم
��ر الن ِ ِ
صح عن النبي ﷺ قوله« :إِ َّن م ْن َأ َش ِّ الزوجية ،وقد َّ
الر ُج َل ُي ْف ِضي إِ َلى ْام َر َأتِ ِهَ ،و ُت ْف ِضي إِ َل ْي ِهُ ،ث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(.)1 ِ ِ
ا ْلق َي َامةَّ ،
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1437عن أبي سعيد الخدري .
((( ينظر :جامع العلوم يف اصطالحات الفنون ،حملمد علي الفاروقي.)223/2( :
63
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( ينظر :كتاب احلمد يف القرآن الكرمي والسنة النبوية للدكتور عبدالرحمن الغريبي ،ص(.)23-21
64
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ [لقمان،]14 :
ويلحق هبم :العلماء ،والمع ِّلمون ،والحكام العدول ،وكل من له فضل يستمر مع
اإلنسان طيلة حياته.
الثالث :ش��كر كل من يقدم لإلنسان خدمة ،ولو كان هذا الشكر بالدعاء ،قال
َجدُ وا َما ُتكَافِئُو َن ُهَ ،فا ْد ُعوا َل ُه
«و َم ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا َفكَافِئُو ُهَ ،فإِ ْن َل ْم ت ِ
النبي ﷺَ :
يعود نفس��ه ُش�� ْك َر الناس على إحساهنم َحتَّى ت ََر ْوا َأ َّنك ُْم َقدْ كَا َف ْأت ُُمو ُه»( .)1والذي ال ِّ
َّاس اَل َي ْشك ُُر اهَّلل»(.)2 إليه ال ُي َو َّف ُق لشكر اهلل تعالى ،قال النبي ﷺَ :
«م ْن اَل َي ْشك ُُر الن َ
فوائد ال�شكر:
لخ ُلق الشكر فوائد يف اآلخرة والدنيا ،ومن تلك الفوائد ما يلي:
ُ
1-1أنه ينجي من عذاب اهلل تعالى إذا اقرتن مع اإليمان ،قال تعالى :ﮋﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ [النساء.]147 :
2-2رض��ا اهلل عمن يحمده ويش��كره ،قال تعال��ى :ﮋﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ[الزمر،]7 :
أن الحمد والش��كر بمعنى واحد ،يقول النبي ﷺ« :إِ َّن اهللَ َل َي ْر َضى وهذا إذا اعتربنا َّ
َع ِن ا ْل َع ْب ِد َأ ْن َي ْأك َُل الأْ َ ْك َل َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها َأ ْو َي ْش َر َب َّ
الش ْر َب َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها»(.)3
3-3دوام النع��م وزيادهتا ،قال تعال��ى :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [إبراهيم.]7 :
65
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
موانع ال�شكر:
إن مِن أبرز ما يث ِّبط الناس عن الشكر بكل أنواعه ،ما يلي:
َّ
1-1الش��يطان ،فهو أكرب المرتبصين باإلنس��ان؛ يصرفه عن كل خير ،ويدعوه لكل
ش��ر ،ويحول بينه وبين الش��كر؛ كما أخرب اهلل عز وجل عن الشيطان أنه تو َّعد
اإلن��س بصرفهم عن ش��كر رهب��م ،فق��ال :ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األعراف.]17 :
2-2األم��ن مكر اهلل ،فرتى كثير ًا من ضعاف اإليمان ينظر إلى الكفرة والطغاة وهم
يرفل��ون يف النعم مع ما ه��م عليه من الكفر والطغيان ،فيأمن على نفس��ه؛ ألنه
يرى أنه أحس��ن حا ً
ال منهم ،واهلل يق��ول :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [األعراف.]99 :
3-3االغرتار بكثرة النعم ،إذ يتق َّلب اإلنسان يف نعم كثيرة ،ولم يذق لوعة الحرمان
منها س��اعة ،فيظن أهنا لن تزول ،فينس��ى شكر ربه ،وقد يكون كفراهنا سببًا يف
زواله��ا .قال تعالى :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [إبراهيم.]7 :
4-4الك�بر والغرور ولؤم الطبع ،إذ ّ
إن بعض الناس ال يرى ألحد من الخلق فضالً
علي��ه مهما فعلوا ،فيأخذ منهم وال يعطيهم ،وينتف��ع هبم وال ينفع أحد ًا منهم،
وما ذاك إال لخبث النفوس ،ودناءة األخالق ،ولؤم الطباع.
5-5النظر لمن هو فوقه يف النعم ،فيحتقر ما عنده فال يشكرها ،وقد جاء النهي عن
المطهرة؛ فعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل ﷺ« :ا ْن ُظ ُروا َّ الس��نّة ذلك يف ُّ
ُ��مَ ،ف ُه َو َأ ْجدَ ُر َأ ْن اَل َت ْز َد ُروا ِ
إِ َلى َم ْن َأ ْس�� َف َل منْك ُْمَ ،و اَل َتنْ ُظ ُروا إِ َلى َم ْن ُه َو َف ْو َقك ْ
نِ ْع َم َة اهلل ِ َع َل ْيك ُْم»(.)1
66
الوحدة الرابعة :أصول مساوئ األخالق
•الجهل.
• الظلم.
•الشهوة.
•الغضب.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
يتعرف الطالب على أصول األخالق السيئة.
1 -1أن ّ
2 -2أن يوضح الطالب أثر أصول مساوئ األخالق على بقية األخالق.
3 -3أن يعدد الطالب أسباب تخ ّلق بعض الناس بأصول مساوئ األخالق.
4 -4أن يبين الطالب طرق التخلص من أصول األخالق السيئة.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1تعداد أصول األخالق السيئة.
2 -2توضيح أثر أصول مساوئ األخالق على بقية األخالق.
3 -3ذكر أسباب تخ ُّلق بعض الناس بأصول مساوئ األخالق.
4 -4تبيين طرق التخ ُّلص مِن أصول األخالق السيئة.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
أن لِم ِ
ال تقوم عليها ،فكذلك مس��اوئ حاس��ن األخ�لاق أصو ً تبين فيما س��بق ّ َ
األخ�لاق لها أصول تؤ ِّثر فيها ،وكل َذن ٍ
ْب يقرتفه اإلنس��ان -كبير ًا كان أو صغير ًا-
ّ
فإن له أصو ً
ال من األخالق السيئة.
فمتى ا ّتصف اإلنس��ان بواحدة من أصول األخالق السيئة فإنه سيكون ُع ْر َض ًة
للتخلق ببقية األخالق المذمومة ،وفيما يلي ٌ
بيان ألصول مساوئ األخالق.
�أ�صول م�ساوئ الأخالق:
ذك��ر ابن القيم-رحمه اهللَّ -
أن األخالق المذمومة منش��ؤها من أربعة أخالق
ُ
«ومنش��أ جميع األخالق الس��افلة، ال لمس��اوئ األخالق؛ حيث قال:تعت�بر أصو ً
وبِ ُ
ناؤه��ا على أربعة أركان :الجهل ،والظلم ،والش��هوة ،والغضب»( ،)1وفيما يلي
ٌ
حديث -بشيء من التفصيل -عن هذه األخالق:
األصل األول :الجهل
69
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخ���اري يف صحيحه ،برقم( ،)100ومس���لم يف صحيحه ،برق���م( ،)2673عن عبداهلل بن عمرو
.
70
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
71
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ومن العلوم الش��رعية ما ال يس��ع المسلم جهلة؛ كأصول الدين وأحكام بعض
لتصح بذلك عقيدته وعبادته.
َّ العبادات ،فينبغي له الحرص على تع ُّلمه؛
5-5تجزئة الشريعة ،وذلك باإليمان ببعضها والعمل به دون البعض اآلخر ،وهذا
الجه��ل ليس له َحدٌّ ،فم��ن َير ُّد بعض نصوص الش��ريعة بدعوى أهنا ال تصلح
النبي َّ
لهذا الزمان أو يطالب باالكتفاء بالقرآن وترك الس��نة؛ كالذين حذر منهم ُّ
ي��ه الأْ َ ْم ُر ِم َّما َأ َم ْر ُت بِ ِهَ ،أ ْو
«ل ُأ ْل ِفين َأحدَ كُم متَّكِئًا ع َلى َأ ِريكَتِ ِه ،ي ْأتِ ِ
َ َ ﷺ بقول��ه :اَ َ َّ َ ْ ُ
َاب اهَّلل ِ ا َّت َب ْعنَا ُه»(.)1
ول :اَل َأ ْد ِريَ ،ما َو َجدْ نَا فِي كِت ِ ت َع ْن ُهَ ،ف َي ُق ُ
ن ََه ْي ُ
�أ�سباب اجلهل:
للجهل أسباب يمكن إرجاعها إلى نوعين:
النوع الأول� :أ�سباب ذاتية ،ومن هذه الأ�سباب ما يلي:
ب الرئاس��ة والتص��دُّ ر ،وهذا من أكرب أس��باب الجه��ل التي تجعل ِ
وح ُّ
��ر ُ
1-1الك ْب ُ
فيتمسك
َّ صاحبها ال يقبل أن يكون مخطئًا حتى ال تسقط مكانته وتتأثر منزلته،
برأيه وإن كان غير صحيح.
2-2الكس��ل وتثاقل طلب العل��م ،والعلم ال ُينال بالراحة والنعي��م ،فالعلم يحتاج
إلى َج َلد ،وذلك ببذل الجهد يف طلبه ،وال يتوصل إليه إال الصابرون األفذاذ،
عرض عن العلم بسبب المشقة وطول الوقت الذي يستغرقه وكثير من الناس ُي ِ
تحصيل العلم.
3-3ع��دم تقدي��ر العلم والعلم��اء ،وهذا ال يكون ع��ادة إال مم��ن كان َج ْه ُل ُه جهالً
همه االنتصار مركب��ًا ،فال يتب��ع الدليل الصحيح ،وال يقدِّ ر آراء العلم��اء؛ َّ
ألن َّ
((( رواه اب���ن ماج���ه يف س���ننه ،برق���م( ،)13والترم���ذي يف س���ننه ،برق���م( ،)2663وأب���و داود يف س���ننه،
برقم( ،)4605وصححه األلباني.
72
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
لذاته ورأيه.
أن الخجل يمنع صاحبه من السؤال 4-4الخجل ،وهو من أس��باب الجهل ،وذلك َّ
عما ُيشكِ ُل عليه يف دينه ودنياه ،فيبقى يف جهله ،فال تعلم علمًا صحيحًا ،وال
َّ
طبق شرعًا أكيد ًا.
النوع الثاين� :أ�سباب خارجية ،ومن تلك الأ�سباب ما يلي:
1-1كيد أعداء اإلسالم؛ فإنه َل ّما َعلِ َم أعدا ُء اإلسالم َّ
أن قوة اإلسالم تكمن يف العلم
وهونوا
والعلماء ،قاموا بالتالعب يف مناهج التعليم يف كثير من بالد المسلمينَّ ،
من شأن تع ُّلم القرآن الكريم والسنة النبوية والتاريخ اإلسالمي الصحيح ،كما
قاموا التش��كيك يف شريعة المس��لمين وحضارهتم وإثارة الشبهات حول ذلك
كله.
ٌ
إحداث يف دي��ن اهلل ،وإهمال 2-2جه��ود أهل الب��دع يف تجهي��ل األ ْتباع ،فالبدع��ة
للسنن وإحالل البدع ،ونشر للخرافة والجهل.
3-3النظري��ات الفكري��ة الضال��ة ،فقد أب��رز التق��دم العلمي الذي ظه��ر يف الغرب
نظريات تخالف الدين وال تؤمن بالغيب ،كالداروينية ،والوجودية ،وغيرهما
من النظريات التي تناقض ما يقرره اإلس�لام بش��أن بداية الخلق ،والغاية منه،
فار َت َك َس يف ضالالت الجهل والغواية.
وتأ َّثر هبا البعض ْ
73
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ل بالظالم حت��ى وإن طال به األمد ،فف��ي الصحيح عن العقوب��ة األكي��دة التي َت ُح ُّ
أبي موس��ى قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :إِ َّن اهَّللَ َل ُي ْم ِلي لِل َّظالِ ِم َحتَّى إِ َذا َأ َخ َذ ُه َل ْم
ُي ْف ِل ْت ُه» ،ث��م قرأ ﷺ :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ
[هود.)5( ]102 :
74
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أق�سام الظلم:
ينقسم الظلم إلى قسمين رئيسين ،وهما كما يلي:
الأول :ظلم الإن�سان لنف�سه ،ومن �أبرز �أنواعه ما يلي:
1الكفر والش��رك ،وهو أعظم أنواع ظلم اإلنسان لنفسه؛ كما قال تعالى ﮋ -1
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ
[لقمان.]13 :
2 -2الك��ذب عل��ى اهلل ،وهو أن يفرتي كالمًا من عند نفس��ه وينس��به إلى اهلل
،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮊ [األنعام.]21 :
حرم اهلل فقد أح��ل اهلل ،أو َّ
أحل ما َّ حرم ما َّ
3 -3التع��دي على حدود اهلل ،فمن َّ
ارتك��ب ظلمًا عظيمًا ،قال تعالى :ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ
[البقرة.]229 :
فمن َكت ََم الح��ق أو غ َّير فيه وأظهر ِض��دَّ ُه ،فهو ظالم ،قال َ 4 -4كت ُ
ْ��م الش��هادةَ ،
تعالى :ﮋﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ [البقرة.]140 :
الث ��اين :ظلم الإن�س ��ان لغريه من النا�س ،وقد تو َّع ��د اهلل َمن َظلَ َم النا�س
بالع ��ذاب الألي ��م ،فق ��ال تع ��اىل :ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [الش��ورى .]42 :وم��ن أبرز أنواع ظلم اإلنس��ان
لغيره ما يلي:
حرم قتل النفوس إال بحق ،فقال سبحانه: 1 -1قتل النفس بغير حقَّ ،
فإن اهلل تعالى َّ
ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ [اإلس��راء ،]33 :وق��ال
75
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ول اهللِ، ��هدُ َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ َو َأنِّي َر ُس ُ ��لمٍَ ،ي ْش َ ح ُّل دم امرِ ٍئ مس ِ
َُ ْ ُ ْ
ﷺ« :لاَ ي ِ
َ
ار ُقَّار ُك لِ ِدين ِ ِه ا ْل ُم َف ِ
سَ ،والت ِ ب الزَّانِيَ ،والنَّ ْف ُس بِالنَّ ْف ِ ٍ
إِ اَّل بِإِ ْحدَ ى َثلاَ ث :ال َّث ِّي ُ
ِ ِ
اهدً ا«م ْن َقت ََل ُم َع َ عاهدَ :- ل ْل َج َما َعة»( )1وقال ﷺ أيضًا -يف حق الكافر ا ْل ُم َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين َع ًاما»()2؛ بل جاء ُوجدُ م ْن َمس َيرة َأ ْر َبع َ يح َها ت َ الجنَّةَ ،وإِ َّن ِر َ َل ْم َيرِ ْح َرائ َح َة َ
ت الوعيد لِمن قتل الحيوان عمد ًا بغير س��بب أو حاجة؛ فقال ﷺُ « :ع ِّذب ِ
َ َ
ال ِه َي َأ ْط َع َمت َْها ِ ِ ِ ٍ
��جنَت َْها َحتَّى َما َت ْتَ ،فدَ َخ َل ْت ف َيها الن َ
َّ��ارَ ، ��ر َأ ٌة في ه َّرة َس َ ا ْم َ
ض»(.)3 ��اش األَ ْر ِ ال ِهي َت َر َكت َْها َت ْأك ُُل مِ ْن َخ َش ِ َ ِْ َ َ
َوال َس��قت َْها ،إذ َح َب َس��ت َْهاَ ،و َ
حرمه اهلل ،س��واء 2 -2أخ��ذ أم��وال الن��اس بغير حق ،وه��ذا من الظل��م الذي َّ
كان ذل��ك بالس��رقة ،أو الغ��ش ،أو التدلي��س ،أو التعدي عل��ى األمالك
ض ُط ِّو َق ُه ِم ْن «م ْن َظ َل َم ِقيدَ ِش�� ْبرٍ ِم َن األَ ْر ِ والحق��وق ،فقد قال النبي ﷺَ :
ِ
ين»(.)4َس ْب ِع َأ َرض َ
النب��ي ﷺ ،فعن أبي هريرة ذلك من ر الض َع َفة مِ��ن الناس ،فقد َّ
حذ 3 -3ظل��م َّ
ُّ
الض ِعي َف ْي ِن :ا ْل َيتِيمِ، ��ر ُج َح َّق َّ قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :ال َّل ُه َّم إِنِّي ُأ َح ِّ
َوا ْل َم ْر َأة»(.)5وقدقالتعالىيفشأنحقاليتيم:ﮋﮄﮅﮆﮇﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [النس��اء.]10 :
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)3482وبنحوه مس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)2242عن عبداهلل بن
عمر .
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)2453ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1612عن عائشة
رضي اهلل عنها.
76
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
4 -4الظلم الواقع يف األس��ر ،وله ص��ور عديدة منها :ظل��م األوالد لوالديهم
بالعق��وق ،وظل��م الوالدي��ن ألوالده��م بعدم القي��ام بحقوقه��م ،وظلم
األزواج لزوجاهتم يف النفقة والمبيت وس��وء العش��رة ،وظلم الزوجات
��ر ِة أو عدم القيام بحقوقهم ،وظلم البنات بعدم ِ
ألزواجهن بكفران الع ْش َ
تزويجه��ن ،أو بتزويجهن بغير الكفء ،وظلم األخ��وات بحرماهنن من
الميراث ،وغير ذلك من صور الظلم األسري.
حكم معاونة الظامل:
لق��د أمر اهلل تعال��ى بالتعاون على الخي��ر وهنى عن التعاون على الش��ر؛ فقال
تعال��ى :ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﯾ ﯿ ﮊ [المائ��دة ،]2 :وم��ن أع��ان ظالمًا فقد ش��اركه يف اإلث��م والعدوان،
«م ْن
ومستحق لسخط اهلل ،فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
ط اهَّلل ِ َحتَّى َين ِْز َع»(.)1
ان ع َلى ُخصوم ٍة بِ ُظ ْلمٍَ ،أو ي ِعين ع َلى ُظ ْلمٍَ ،لم يز َْل فِي سخَ ِ
َ ْ َ ْ ُ ُ َ ُ َ َأ َع َ َ
هل للظامل توبة؟
ٍ
عاص إذا ح َّقق ش��روط التوبة ،قال تعالى :ﮋ ﭮ ﭯ ب��اب التوبة مفتوح لكل
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [المائدة.]39 :
و�شروط التوبة من الظلم �أربعة:
الكف عن الظلم.
ُّ 1-1
2-2الندم على فعله.
3-3العزم على عدم العودة له.
4-4رد ما أخذ بالظلم ،أو طلب العفو والمسامحة من المظلوم.
77
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
78
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
79
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( البيت للبوصيري ،وهو ضمن قصيدته املشهورة (البُردة) ،ينظر :البردة شرحا وإعرابا وبالغة ،ص(.)35
80
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
81
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
82
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)4800وصححه األلباني ،ومعنىَ « :ربَض اجلنة» :أي نواحيها وجوانبها.
ينظر :عون املعبود شرح سنن أبي داود.)108/13( :
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6114ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)2609
83
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
84
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
عالج الغ�ضب:
إذا غضب اإلنس��ان لس��بب ما فينبغي له تذكُّر اإلرش��ادات التي تعينه بإذن اهلل
أهم تلك اإلرشادات ما يلي: ِ على التغ ُّلب على س ِ
ورة الغضب التي ا ْنتَا َبتْه ،ومن ِّ
َ َ
1-1تغيير الحال ،فإن كان الغاضب واقفًا جلس ،وإن كان جالسًا اضطجع ،يقول
ِ ِ ِ
ب َوإِ اَّل ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم َف ْل َي ْجل ْسَ ،فإِ ْن َذ َه َ
ب َعنْ ُه ا ْلغ ََض ُ النبي ﷺ« :إِ َذا َغض َ
َف ْل َي ْض َط ِ
ج ْع»(.)1
2-2االس��تعاذة باهلل من الش��يطان الرجي��م ،ألن كل غضب وراءه ش��يطان ،فحين
يس��تعاذ منه يذهب الغضب ،وقد تش��اتم رجالن أم��ام النبي ﷺ ،فاحمر وجه
ب َعنْ ُه َما َي ِ ِ
جدُ َ ،ل ْو َق َال: أحدهما فقال النبي ﷺ« :إِنِّي لأَ َ ْع َل ُم كَل َم ًة َل ْو َقا َل َها َذ َه َ
جدُ »(.)2 ب َعنْ ُه َما َي ِانَ ،ذ َه َ َأ ُعو ُذ بِاهَّلل ِ ِم َن َّ
الش ْي َط ِ
3-3كظ��م الغي��ظ ،وق��د ق��ال اهلل تعال��ى يف كتاب��ه :ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ [آل عمران:
ب»
،]134وهذا ما أرش��د له النبي ﷺ َمن طلب من��ه الوصية؛ قال« :الَ َتغ َْض ْ
ِ
ب»(.)3 َف َر َّد َد م َر ًاراَ ،ق َال« :الَ َتغ َْض ْ
4-4ضب��ط النف��س ،وذلك ب��أن ي ُك َّفها عن مس��ببات الغضبْ ،
فإن َش�� َع َر بالغضب
تصرف؛ حتى ال يقع منه ما
أي قرار أو ُّ
فعليه أن يحاول ضبط نفسه ،فال يتخذ َّ
يندم عليه.
والتح ُّلم ،وذلك بأن ُي ِّ
روض نفس��ه مرة بعد أخرى على ضبط النفس، َ 5-5التص ُّب��ر
((( أخرجه أبو داود يف مسنده ،برقم( ،)4782عن أبي ذر ،وصححه األلباني.
85
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ج َّي ٍة راس��خة ،كما جاء عن أبي الدرداء أنه قال: حتى يتحول ذلك إلى س ِ
َ
«إِنَّما ا ْل ِع ْلم بِال َّتع ُّل ِم ،وا ْل ِ
ح ْل ُم بِالت ََّح ُّل ِمَ ،و َم ْن َيت ََح َّر ا ْل َخ ْي َر ُي ْع َط ُهَ ،و َم ْن َيت ََو َّق َّ
الش َّر َ ُ َ َ
ُي َو َّقه»(.)1
86
الوحدة الخامسة:
•الكبر.
•البذاءة.
•الكسل.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
لخ ُلق الكِ ْبر.
1 -1أن يتعرف الطالب على اآلثار السيئة ُ
2 -2أن يعدد الطالب الوسائل المعينة على ترك البذاءة.
3 -3أن يبين الطالب أقسام الكسل بحسب متع َّل ِقه.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
لخ ُلق الكِ ْبر.
1 -1تذكُّر اآلثار السيئة ُ
2 -2تعداد الوسائل المعينة على ترك البذاءة.
3 -3تبيين أقسام الكسل بحسب متع َّل ِقه.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الك ْبر
النموذج األولِ :
والتج ُّبر(.)1
َ يف اللغة الكِ ْبر والكربياء :العظمة
عرفه النبي ﷺ بقوله« :ا ْلكِ ْب ُر َب َط ُر ا ْل َح ِّقَ ،و َغ ْم ُط الن ِ
َّاس»(.)2 وشرعًا :كما َّ
غمط الناس :أي احتقارهم. ومعنى ب َطر الحق :أي ر ُّده وإنكاره تر ُّفعًا ،ومعنى ْ
��زة مِن صف��ات اهلل تعال��ى ال ينبغي أن يتصف هبا اإلنس��ان؛ قال والكِب��ر ِ
والع َّ ْ ُ
تعال��ى :ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الجاثي��ة،]37 :
ول اهَّللُ ُس ْب َحا َن ُه :ا ْلكِ ْبرِ َيا ُء ِر َدائِي،
«ي ُق ُ
وعن ابن عباس قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
احدً ا ِمن ُْه َما َأ ْل َق ْي ُت ُه فِي النَّار»(.)3
َاريَ ،فمن نَا َزعنِي و ِ
َ ْ َ َ َوا ْل َع َظ َم ُة إِز ِ
89
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الث��اين :التك ُّب��ر عل��ى النبي ﷺ ،ويك��ون ذلك باالمتن��اع عن ا ِّتباع��ه وطاعته،
«أن رجالً أكل عند رس��ول اهلل ﷺ واألَ َن َف��ة عن امتثال ُس��نَّتِ ِه وطريقتِه ،وق��د ثبت َّ
«ل ْاس�� َت َط ْع َ
ت»َ ،ما يع .قال ﷺ :اَ ِ
ك» قال :ال َأ ْس��تَط ُ بش��ماله ،فقال ﷺ« :ك ُْل بِ َي ِمين ِ َ
يه”(.)2منَعه إِلاَّ ا ْلكِبرَ ،ق َال(َ :)1فما ر َفعها إِ َلى فِ ِ
َ َ ََ ُْ َ َُ
قال النووي“ :ويف هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي
بال عذر ،وفيه األمر بالمعروف والنهي عن النكر يف كل حال حتى يف حال األكل،
آداب األَ ْك ِل إذا خالفه”(.)3 ِ
واستحباب تعليم اآلك ِل َ
الثالث :التك ُّبر على العباد ،وذلك بأن يستعظم نفسه ،ويحتقر غيره ،وهذا إثم
عظي��م ،وفاعل��ه يدخل يف وعيد النبي ﷺ الذي قال في��ه« :ل َيدْ ُخ ُل ا ْل َجنَّ َة َم ْن ك َ
َان
فِي َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َذ َّر ٍة ِم ْن كِ ْبرٍ»(.)4
الك رْب:
�آثار ِ
��ز ِي يف الدنيا واآلخرة، أن للكِبر آثار ًا س��يئة تعود على صاحبها ِ
بالخ ْ ال ش��ك َّ ْ
ومن تك اآلثار:
1-1الكِ ْب��ر َي ُصدُّ صاحبه ع��ن قبول الحق والهدى ،وقد تق��دم ذكر قول النبي ﷺ:
«ا ْلكِ ْب ُر َب َط ُر ا ْل َح ِّقَ ،و َغ ْم ُط الن ِ
َّاس»( ،)5فالمتك ِّبر ال يقبل الحق وال يحرتم الخلق.
اهلل قلوب المتك ِّبرين عن االعتب��ار باآليات ،قال تعالى :ﮋ ﭶ ﭷ
2-2يص��رف ُ
((( أي :راوي احلديث ،وهو سلمة بن األكوع .
90
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ [األعراف.]146 :
��ض الناس واحتقارهم للمتك ِّبر ،فالمتك ِّبر يتعالى على الناس ،ويظن أنه ذو ُ 3-3ب ْغ ُ
��و ٍة عنده��م بِ َت َك ُّب ِر ِه ،والناس ينظ��رون إليه كما ينظر إليهم ،ث��م يوم القيامة َح ْظ َ
الم َت َك ِّب ُر َ
ون َي ْو َم «ي ْح َش ُر ُ
ْس العمل؛ يقول النبي ﷺُ : يكون الجزاء أيضًا مِن ِجن ِ
َان»(.)1الذ ُّل ِم ْن ك ُِّل َمك ٍ
اه ُم ُّ الذر فِي ُص َو ِر الر َج ِ
ال َيغ َْش ُ ِّ
ِ ِ
الق َي َامة َأ ْم َث َال َّ ِّ
- 4الوعي��د بدخ��ول النار ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ
ال ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َأ ْه ِل
ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ [الزمر .]72 :ويقول النبي ﷺَ « :أ َ
َّار :ك ُُّل ُعت ٍُّل ،جو ٍ
اظ ُم ْس َت ْكبِ ٍر»(.)2 الن ِ
َ َّ
ُ - 5ب ْغ ُض اهلل للمتك ِّبرين ،قال تعالى :ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [النحل]23 :؛
لذل��ك كان الكِ ْبر من أعظم الذنوب عند اهلل تعالى ،وبس��ببه غضب اهلل تعالى
عل��ى إبليس لما تك َّب��ر على َأ ْم ِر اهلل حي��ن َأ َم َره بالس��جود آلدم فأبى،
وكان مانِ ُع�� ُه مِن ذلك الكرب ،قال تعالى :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [البقرة.]34 :
الك رْب وعالجه:
�أ�سباب ِ
عالج أيضًا ،ويمكن
ٌ للكِبِر أس��باب توقع صاحبها يف هذا ُ
الخ ُلق الس�� ِّيئ ،وله
إجمال أسباب الكِرب وعالج كل سبب فيما يلي:
وسلطانِه،
وعلو َقدْ ِره ُ
ِّ وقوته
1-1الجهل باهلل ،ويكون بعدم استحضار عظمة تعالى َّ
فمن استهان باهلل نازعه يف كربيائه وعظمته ،واستكرب عن طاعته وعبادته.
((( رواه البخ���اري يف صحيح���ه ،برقم( ،)4918ومس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)2853ع���ن َحارِ ثَ َة بْ َن َو ْه ٍب
َاع َّي . ا ُ
خلز ِ
91
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وع�لاج ذلك يك��ون بإعمار القلب ِ
بالع ْل ِم باهلل عز وج��ل ،وتوحيده ،ومعرفة
أس��مائه وصفاته ،ودوام النظر والتأمل يف بديع صنعه ِ
وح َكم أقداره ،قال تعالى ﮋ ّ
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [الزمر.]67-65 :
وقوتِ��ه؛ حيث يظ ُّن َّ
أن ما هو في��ه من مال وجاه ِِ ِِ
2-2اغ�ترار اإلنس��ان بِماله وجاهه َّ
وق��وة إنما هي مِن ك َْس��بِه وجه��ده ،كما فعل قارون حين أغ�تر بما عنده فقال:
اهلل تعالى يف
ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ [القصص ،]78 :فكان عقابه ما ب ّينه ُ
قول��ه :ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮊ [القصص.]81 :
وعالج هذا النوع من الكرب يكون باإليمان يقينًا ّ
بأن كل نعمة ُيؤتاها اإلنس��ان
فإنم��ا هي من فض��ل اهلل تعالى وإنعامه؛ كما قال س��بحانه :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿﮊ [النح��ل ،]53 :كما يكون بتذكر ّ
أن المال يفنى ،والجس��م يبلى ،والدنيا إلى
زوال.
��ب بم��ا م َّيزه اهلل به ،فقد يعجب اإلنس��ان بما نال م��ن العلم أو الطاعة أو
3-3ال ُع ْج ُ
علو الحسب؛ فيتعالى بذلك ويتك ّبر على الناس.
المال أو جمال الصورة أو ِّ
وعالج هذا النوع من الكرب يكون بأن يوقن اإلنسان أن ما يتك َّبر به على الناس
ِ ِ
إنما هو يف األصل نعم ٌة ومنَّ ٌة من اهلل سبحانه وتعالى؛ فليس بجهده َّ
حصل اإليمان
والطاعة أو اختار الصورة والنسب ،بل اهلل الذي منحه ذلك ليبتليه ،كما قال تعالى:
ﮋﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﮊ
وأن اهلل تعالى لو ش��اء لسلبه هذه النعمة وأوقعه يف المش ّقة؛ كما
[األنعامّ ،]165 :
قال سبحانه :ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [البقرة.]220 :
92
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
93
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)4833والترمذي يف سننه ،برقم( ،)2378وحسنه.
((( رواه الترمذي يف سننه ،برقم ( ،)2002عن أبي الدرداء ،وصححه األلباني.
94
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
كل أحد؛ لذا ينبذه الناس ويجتنبون مجالسته ل ِ َش ِّره وسوء سلوكه ،فعن عائشة
َّ��اسَ ،أ ْو َو َد َع ُه أن النبي ﷺ قال« :إِ َّن َش َّ
��ر الن ِ
َّ��اس َم ْن ت ََر َك ُه الن ُ رض��ي اهلل عنه��ا َّ
َّاس ،ا ِّت َقا َء ُف ْح ِش ِه»(.)1
الن ُ
الو�سائل املعينة على ترك البذاءة:
كل ُخ ُل ٍق قبيحٍ يمكن لإلنس��ان أن يتخلص منه باتباع الوسائل المعينة على
إن َّ
َّ
ذلك ،ومن أبرز ما يعين على التخلص من البذاءة ما يلي:
1-1اإلمس��اك عن الكالم فيما ال يعني ،فإن اس��تطاع اإلنسان التحكم يف نفسه فلم
وح ُس�� َن إس�لا ُم ُه؛ لقول النبي ﷺ:
يتكلم إال فيما يعنيه فقد ملك زمام نفس��هَ ،
«م ْن ُح ْس ِن إِ ْسالَ ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما الَ َي ْعن ِ ِيه»(.)2
ِ
فإن طول الصمت وق َّلة الكالم مِن أعظم أس��باب عما ال ينفعَّ ، 2-2ل��زوم الصمت َّ
ألن اإلنسان محاسب عن كل ما ينطق به لسانه، السالمة من البذاءة والفحش؛ َّ
قال تعال��ى :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [اإلسراء.]36 :
3-3اس��تبدال الكالم الفاحش القبيح بالحس��ن الط ِّيب ،فيتخ َّير المس��لم من العبارات
ال مِن َل ْعن ِ ِه
السب والشتم بالدعاء ،ويسأل اهلل الهداية للمخطئ بد ً َّ أفضلها ،ويستبدل
ال من السخرية والبذاءة ،فقد أرشد النبي ﷺ والدعاء عليه ،ويستغفر اهلل ويذكره بد ً
ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ اهَّلل ِ»(.)3
َمن اسرتش��ده إلى كثرة ذكر اهلل؛ فقال ﷺ« :الَ َيز َُال لِ َس��ان َ
((( رواه الترم���ذي يف س���ننه ،برق���م ( ،)2317وابن ماجه يف س���ننه ،برقم ( ،)3976ع���ن أبي هريرة ،
وصححه األلباني.
95
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
96
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أق�سام الك�سل:
ينق�سم الك�سل بح�سب ُم َت َع َّل ِق ِة �إىل ق�سمني:
٭ ٭القسم األول :الكسل عن أمور الدين ،وهذا أخطر قِ ْس َمي الكسل؛ َّ
ألن ضرره
يمتد إلى ِ
اآلخ َرة ،وهو على نوعين:
1 -1األول :الكس��ل الدائم يف كل األوقات وعن جميع الطاعات ،وهذا حال
المنافقين الذين قال اهلل عنهم :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊ
ﮋ ﮊ [النس��اء ،]142 :وهنا لفتة مهمة ،وهيّ :
أن المنافقين لم يرتكوا
الصالة ،وإنّما أ ّدوها بكسل فذ ّمهم اهلل ،فكيف بمن لم يؤ ِّدها؟!.
فت��ور ع��ن بع��ض الطاع��ات يف بعض
ٌ 2 -2الث��اين :الكس��ل الع��ارض ،وه��و
ُ��ر ٍه له��ا ،ويحص��ل هذا مع نق��ص اإليم��ان ،حيث َّ
إن األحايي��ن ،دون ك ْ
اإليم��ان يزي��د وينقصْ ،
ف��إن زاد اإليمان ازداد المس��لم نش��اطًا للعبادة
ال على الطاعة ،وإن نقص تقاصر عن بعضها ،والواجب عليه تف ُّقد
وإقب��ا ً
إيمان��ه ومع��اودة نش��اطه وإال هلك ،فعن عب��داهلل بن عم��رو بن العاص
ْ��رةٌَ ،ف َم ْن كَان ْ أن النب��ي ﷺ قال« :لِك ُِّل عم ٍل ِش��رةٌ ،ولِك ُِّل ِش ٍ ّ
َت ��رة َفت َ
َّ َّ َ َ َ
ك»(.)1 َ��ت إِ َلى َغ ْيرِ َذلِ َ
ك َف َق��دْ َه َل َ َفت َْرتُ�� ُه إِ َلى ُس��نَّتِيَ ،ف َق��دْ َأ ْف َل َحَ ،و َم ْن كَان ْ
٭ ٭القس��م الثاين :الكس��ل عن أعمال الدنياَّ ،
فإن اإلنس��ان محتاج يف دنياه للسعي
حمله اهلل تعالى من مسؤوليات ،فعن وكسب الرزق وإعفاف نفسه والقيام بما َّ
اء إِ َلى اهَّلل ِ
��مي قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :و َأحب الأْ َس��م ِِ ٍ ْ
َ َ ُّ ْ َ أبي َو ْهب ال ُج َش ِّ
((( رواه أحم���د يف مس���نده ،برق���م( ،)6958وصحح إس���ناده األلباني يف «صحيح الترغي���ب والترهيب»،
برقم(.)56
97
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ثَ ،و َه َّما ٌمَ ،و َأ ْق َب ُح َها َح ْر ٌب َو ُم َّرةُ»(،)1 الر ْح َم ِنَ ،و َأ ْصدَ ُق َها َح ِ
ار ٌ ِ
َع ْب��دُ اهَّللَ ،و َع ْبدُ َّ
وهمام؛ ألهنا تدلاَّ ن على حقيقة فب َّين ﷺ َّ
أن أصدق األس��ماء البش��رية حارث َّ
والهمام :المريد ،فاإلنس��ان الس��وي يسعى
َّ اإلنس��ان ،فالحارث :الكاس��ب،
دائم��ًا للكس��ب بطبعهِ ،
وه ّم ُت ُه ال تتوق��ف عن إرادة ذلك والس��عي إليه ،ومن
خالف ذلك فقد خالف طبيعته البشرية.
�أبرز �أ�سباب الك�سل:
للكس��ل أس��باب توقِ ُع صاحبها يف هذا ُ
الخ ُلق الس�� ِّيئ ،ومن تلك األسباب ما
يلي:
ف إيما ُن ُه وغفل عن
فإن اإلنسان متى َض ُع َ1-1ضعف اإليمان والغفلة عن اآلخرة؛ َّ
اآلخرة لم ِ
يبال بفوات الطاعات ،ولم َين َْش ْط لها ،و َمن كان هذا حا ُله فقد أشبه
َ
حال المنافقين الذين ال يأتون الصالة إال وهم كسالى.
والمسوف ينتقل من ِّ 2-2التسويف؛ وهو تأخير امتثال األوامر والقيام بالواجبات،
ُأمنية إلى أخرى دون أن ينجز شيئًا من عم ِل ٍ
دين أو ُدنيا ،فيقضي عمره ُي َمنِّي نفسه
ٍ
بغد ،ويقول :غد ًا سأفعل ،غد ًا سأفعل ،فت َُم ُّر األوقات دون أن يحرك ساكنًا!.
ف��إن اهلل تعال��ى فطر النفس البش��رية عل��ى اليقظة هن��ار ًا والنوم
3-3طول الس��هر؛ َّ
اإلنس��ان الفطر َة بالس��هر أرهق جس��ده وتم َّكن منه الخمول
ُ ليالًْ ،
فإن عارض
والكس��ل ،فال يستطيع القيام بمس��ؤولياته على الوجه الصحيح أبد ًا ،وقد كان
النبي ﷺ يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها( )2ألجل ذلك.
98
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
99
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فيه ،وتبذر بذور الكس��ل والخم��ول يف النفوس ا ْل ُمت َْر َفة ،حتى تس��تثقل قضاء
حاجاهتا بنفس��ها .قال ابن القيم رحمه اهلل“ :العل��م والعمل توأمان ُأ ُّم ُهما ُع ُل ُّو
ا ْل ِه َّمة ،والجهل والبطالة توأمان ُأ ُّم ُهما إيثار الكسل”(.)1
الو�سائل املعينة على ال�سالمة من الك�سل:
هناك وس��ائل تعين -بإذن اهلل -على السالمة من الكسل والتخلص منه ،ومن
هذه الوسائل:
1-1اللجوء إلى اهلل واالس��تعاذة من الكسل ،كما كان النبي ﷺ ُي ْكثِ ُر يف دعائه
الحز َِنَ ،وال َع ْج ِز َوالك ََس ِل.)2(»...، يقول« :ال َّلهم إِنِّي َأعو ُذ بِ َ ِ
اله ِّم َو َ
ك م َن َ ُ ُ َّ
2-2المحافظة على الصلوات يف أوقاهتا؛ كما أمر اهلل تعالى بذلك ،فقال :ﮋ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ [البق��رة ،]238 :وق��ال
تعالى :ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ [النساء.]103 :
3-3مجالس��ه أصحاب ِ
اله َمم العالية ،فهذه من أبرز الدوافع للجد وترك الكس��ل؛
فإن جالس الجا ِّدين َج��دَّ واجتهدْ ،
وإن جالس ألن اإلنس��ان يتأثر بمن حولهْ ،
َّ
الكسالى كسل وهتاون.
4-4النظر يف س��ير الجا ِّدين قديمًا وحديثًا ،فكلما سمعنا عن همم من كانوا قبلنا،
وأن ا ْل ِه َّم�� َة وراء كل
أن النعي��م ال ُيدْ رك بالنعي��مَّ ،
وم��ن يعيش��ون بينن��ا ،علمنا َّ
نج��اح ،والنج��اح الحقيقي ما يبقى أثره ويمتد نفع��ه ،وال يبقى إال ما كان اهلل،
كما قال اإلمام مالك بن أنس« :ما كان هلل بقي» (.)3
100
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
101
الوحدة السادسة:
•التشاؤم
•الحسد
•الغفلة
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1 -1أن يوضح الطالب خطر التشاؤم على العقيدة.
2 -2أن يعدِّ د الطالب الوسائل الوقائية من حسد الحاسدين.
3 -3أن يب َّين الطالب الفرق بين الغفلة والنسيان.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1توضيح خطر التشاؤم على العقيدة.
2 -2تعداد الوسائل الوقائية من حسد الحاسدين.
3 -3تبيين الفرق بين الغفلة والنسيان.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ورج ٌل مش��ؤوم على ق��وم ،أيَ :ج َّر ِ التش��اؤم لغة :من ُّ
(الش��ؤم) ض��دُّ ال ُي ْمنُ ،
الشؤم عليهم( ،)1فالتشاؤم ضد التفاؤل ،وهو مأخوذ من الشؤم والتط ُّير.
ويمكن تعريف التش��اؤم اصطالحًا بأنهُ :خ ُل ٌق يقوم على َت َو ُّق ِع َّ
الش ِّر بسبب ما
يراه اإلنسان أو يسمعه مما ال ُي ِ
عجبه.
ٍ
شيء َّما سببًا مشؤومًا ،أي :اعتقاد أن يكون وجود
فالتش��اؤم :هو عَدُّ الشيء ُ
ِ
وجود ما ُي ْح ِز ُن و َي ُض ُّر(.)2 يف
والتشاؤم ُخ ُل ٌق جاهلي ،فقد كانت العرب يف الجاهلية تتشاءم من أشياء مرئية
وأش��ياء مس��موعة ،أو أزمنة معينة ،أو أمكنة معينة ،فربما تشاءموا بصوت ال ُبوم أو
الغراب من المس��موعات ،أو تش��اءموا برؤية األعور أو المجذوم من المرئيات،
ونحو ذلك؛ كأن يذهب أحدهم ليفتح َمت َْج َره يف الصباح ،فيجد يف طريقة شخصًا
أعور ،فيتشاءم به ،فيعود وال يفتح المحل!.
ومِ ْث ُل ُه التشاؤم باألمكنة ،أو األزمنة ،فقد كانوا يتشاءمون بيوم األربعاء ،وبشهر
يعقدُ ون فيه النكاح ،ويقولون :الزواج صفر ،وكذلك يتش��اءمون بشهر ش��وال فال ِ
ضتعمد مخالفة أهل الجاهلية لِنَ ْق ِ ُّ يف ش��وال َش ٌّر!؛ ولذلك ورد عن الصحابة
ُم ْع َت َق ِد ِه��م الباط��ل ،فكانت عائش��ة رض��ي اهلل عنه��ا إذا َج َّهزت امرأ ًة م��ن قريباهتا
لل��زواج تجع��ل العرس يف ش��وال نِكاي ًة يف اعتق��اد أهل الجاهلية ،وقالت عائش��ة
الَ ،ف َأي نِس ِ
اء الَ ،و َبنَى بِي فِي َش َّو ٍ ول اهللِ ﷺ فِي َش َّو ٍ
رضي اهلل عنهاَ « :ت َز َّو َجنِي َر ُس ُ
ُّ َ
105
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ول اهللِ ﷺ ك َ
َان َأ ْح َظى ِعنْدَ ُه مِنِّي؟»( ،)1أي :لو كان شوال شر ًا ما كنت أنا هبذه رس ِ
َ ُ
المنزلة ،وال كان ذلك الزواج المبارك.
ولم ينقطع التشاؤم من الناس يف العصر الحديث؛ بل منهم اآلن من يتشاءمون
بالرق��م ( ،)13وهذا موجود عند بعض الغربيين اليوم ،على تقدمهم التكنولوجي
وتطوره��م المادي ،فبعض ش��ركات الطي��ران العالمي��ة ال ُت َر ِّقم المقاع��د بالرقم
( ،)13وكذلك أرقام المصاعد يف ناطحات السحاب ال ُت َر ِّقم بذلك الرقم!.
ب��ل الزال التش��اؤم -ولألس��ف -حتى عن��د بعض المس��لمين الي��وم؛ فإهنم
يتش��اءمون برؤي��ة صورة الش��خص غير الحس��نة ،وح��وادث الس��يارات ،وموت
األشخاص أو مرضهم ،فيجعلوهنا أمار ًة على شؤ ِم ما أرادوا اإلقدام على فعله!.
الفرق بني الت�شا�ؤم والتفا�ؤل:
يمكن التفريق بين التشاؤم والتفاؤل بما يلي:
- 1التشاؤم تو ُّقع الشر ،أما التفاؤل فهو توقع للخير.
- 2التش��اؤم يتضم��ن س��وء الظن باهلل فيم��ا ُي َقدِّ ر عل��ى العبد ،أما التف��اؤل ففيه
إحس��ان َظ ٍّن به س��بحانه ،ويف الحديث اإللهي يقول اهلل تعال��ىَ « :أنَا ِعنْدَ َظ ِّن
َع ْب ِدي بِي»(.)2
- 3التش��اؤم ِش ْ��ر ٌك ممنوع ،والتفاؤل ُخ ُل ٌق مش��روع؛ فعن عبداهلل بن مسعود
��ر ٌكَ ،ثلاَ ًثاَ ،و َما ِمنَّا إِ اَّل َو َلكِ َّن ِ ِ
عن رس��ول اهلل ﷺ قال« :ال ِّط َي َر ُة ش ْر ٌك ،ال ِّط َي َر ُة ش ْ
((( متف���ق علي���ه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)7405ومس���لم يف صحيح���ه ،برقم( ،)2675عن أبي
هريرة .
106
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف سننه ،عن عبداهلل بن مسعود ،برقم( ،)0193وصححه األلباني.
107
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
108
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�آثار الت�شا�ؤم:
للتشاؤم آثار سلبية على َمن يتخ َّلق به ،ومن تلك اآلثار ما يلي:
فإن التشاؤم ناتِ ٌج عن خلل يف إيمان العبد بالقضاء والقدر؛ 1-1الوقوع يف الشركَّ ،
ألنه يتضمن َش ّكًا يف وجود ُم َؤ ِّث ٍر يف الكون مع اهلل سبحانه وتعالى.
2-2ت��رك بعض األعمال النافعة أو الرتدد يف بعض القرارات ذات األهمية بس��بب
التشاؤم.
ُّ
ويشك يف كل من يتعامل معه أو 3-3النُّفرة من الناس ،فالمتش��ائم ينفر من الناس،
يقابله.
4-4القل��ق واالضط��راب والخ��وف الدائ��م؛ ألنه يتوقع الس��وء والمك��روه يف كل
أحواله.
5-5أنه يؤدي بالمتش��ائم للوسوسة ،فما يرى شيئًا أو يسمعه إال ويتوقع أن يصيبه
البالء والشر ،فيفتح على نفسه بابًا يفسد عليه راحته و ُينَ ِّغ ُ
ص حياته.
6-6أنه قد يوقع يف اإلصابة ببعض األمراض النفسية التي يحتاج عالجها إلى وقت
طويل.
عالج الت�شا�ؤم:
من ابتلي بداء التشاؤم فعليه با ِّتباع أسباب عالج هذا الداء ،ومن تلك األسباب
ما يلي:
ُ 1-1حس��ن الظن باهلل ،فكلما قوي إيمان العبد وحس��ن ظنه برب��ه زال عنه كل داء،
ومنه التشاؤم.
109
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
2-2الت��وكل على اهلل ،فمن توكل على اهلل كفاه ووقاه وعافاه وهداه ،وقد قال ﷺ:
«و َلكِ َّن اهَّللَ ُي ْذ ِه ُب ُه بِالت ََّوك ُِّل»(.)1
َ
3-3المضي فيما كان ينوي القيام به ،فهذا من أقوى عالجات الخواطر التشاؤمية.
4-4الدعاء بك َّفارة التش��اؤم؛ فعن عبداهلل بن عمرو قال :قال رس��ول اهلل ﷺ:
«من رد ْته ال ِّطير ُة ِمن ح ٍ
��ر َك» .قالوا :يا رسول اهلل ،وما كفارة ذلك؟ اجة َف َقدْ َأ ْش َ َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ
��ر َكَ ،والَ إِ َل َه ��ول َأ َحدُ ُه ْم :ال َّل ُه َّم الَ َخ ْي َ
��ر إِالَّ َخ ْي ُر َك َوالَ َط ْي َر إِالَّ َط ْي ُ ق��الَ :
«أ ْن َي ُق َ
َغ ْي ُر َك»(.)2
5-5إحي��اء التف��اؤل يف النف��س وتعويده��ا علي��ه ،مع التغاف��ل عن التش��اؤم وعدم
االلتفات لخطراته.
ب��أن الحي��اة ال تصفو أبد ًا؛ فاهلل خلق اإلنس��ان يف َك َب��د ،فالبد أن يعرتيه
6-6العل��م َّ
الهم وال َكدَ ر ،ومن ِّغصات الحياة ،وتبدُّ ل األحوال ،فال يجعل المؤمن من ذلك
ُّ
سببًا للتشاؤم.
110
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الح ِّقَ ،و َر ُج ٍل آتَا ُه اهَّللُ ِحك َْمةًَ ،ف ُه َو ِِ ِ
ا ْثنَ َت ْي ِنَ :ر ُج ٍل آتَا ُه اهَّللُ َم اًالَ ،ف َس َّل َط ُه َع َلى َه َلكَته في َ
111
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
َي ْق ِضي بِ َها َو ُي َع ِّل ُم َها»()1؛ فالمقصود بالحسد يف هذا الحديث :الحسد غير المذموم
ِ
(الغ ْب َطة) ،وقد َّ
فس��ره النووي عند ش��رحه لهذا الحديث بقوله“ :هو أن يتمنى مثل
النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها”(.)2
وأ َّما المنافس��ة فهي :المش�� َّقة من أجل الفوز دون تمني زوال النعم عن الغير،
وق��د َّ
حث اهلل س��بحانه وتعالى على التنافس الش��ريف بقوله :ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﭼ [المطففين.]26 :
�أ�سباب احل�سد:
1-1العداوة والبغضاء ،وهي من أش��د أسباب الحسد ،فمن كره إنسانًا ألي سبب
كان ،امتأل قلبه عليه حقد ًا ،فيحسده على ما أتاه اهلل ،ويرتبص به ليوقعه يف كل
مكروه.
2-2التعالي والتك ُّبر ،وهو أن يجد يف نفسه تكرب ًا على من زاد عنه يف علم أو منصب
فيدب الحسد إلى نفسه بسبب ذلك.
ُّ أو مال،
3-3الخ��وف على فوات المقص��ود ،وهو أن يتنافس مجموعة على أمر واحد ،فال
ُبدَّ أن يكون ذلك األمر لش��خص واحد منهم ،عندها قد يقع الحس��د لمن نال
ذلك األمر بسبب َس ْب ِق ِه لغيره.
��ث النفس وكرهها الخير للناس ،وهذا دا ٌء ُع َض ٌالَّ ،
فإن هناك أن ُفس��ًا خبيثة ُ 4-4خ ْب ُ
َه ُّم َها َت َت ُّب ُع نِ َع ِم اهلل على الناس وكراهتها لهم وتمني زوالها عنهم!.
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)9041ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)862عن عبداهلل
بن مسعود .
112
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
113
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اه َ
ك.)1(»... ت َُج َ
2-2الت��وكل عل��ى اهلل ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮊ [الطالق،]3 :
التحصن
ُّ وليعلم المس��لم َّ
أن التوكل ال ينايف األخذ باألس��باب ،ومن ضمنها:
باألذكار المشروعة ،واالستعاذة باهلل من شر الحاسدين.
ب األسباب هو اهلل 3-3تحقيق التوحيد يف النفس ،وذلك بأن يوقِن المسلم َّ
أن ُم َس ِّب َ
وأن الحاسد ال يضر وال ينفع إال بإذن اهلل ،قال تعالى :ﮋﯯ ﯰ ﯱ وحدهَّ ،
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ [األنعام.]17 :
4-4االس��تعاذة باهلل من شر الحاس��دين؛ َّ
ألن اهلل تعالى يقول ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [الفلق.]5-1 :
5-5اإلحس��ان إلى الحاسدَّ ،
فإن اإلحسان إليه يطفئ نار الحسد يف قلبه ،فيسلم ذو
شره.
النِّعمة -بإذن اهلل -من أذى الحاسد ومن ِّ
114
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( املفردات يف غريب القرآن ،للراغب األصفهاني ،ص( ،)573والتعريفات ،للجرجاني ،ص(.)261
((( رواه ابن ماجه يف سننه ،برقم( ،)3402عن أبي ذر ،وصححه األلباني.
115
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)568عن عبداهلل بن عمر وأبي هريرة رضي اهلل عنهما.
116
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
5-5طول األمل ،فمن نسي الموت ،وأطلق لألمل العنان ،فسيكون من الغافلين ،قال
تعالى :ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [الحجر.]3 :
6-6كثرة الضحك ،وقد انتشر الضحك وكثرت وسائله ،حتى أصبح بعض الناس
يبحث عنه يف كل مكان ،بمناس��بة أو غير مناس��بة ،مم��ا أدى إلى موت القلب
ك،ح َالض ِ
«و اَل ُتكْثِرِ َّ وتحكم الغفلة ،قال النبي ﷺ يف وصيته ألبي هريرة َ :
��ب» ( ،)1ويف الحديث اآلخ��ر يقول النبي ﷺ: ك ت ُِم ُ
يت ال َق ْل َ
ح ِ
الض ِ
َف��إِ َّن َك ْث َ
��ر َة َّ
ون ما َأع َلمَ ،لب َكيتُم كَثِيرا و َل َض ِ
ح ْكت ُْم َق ِليل»(.)2 ٍ ِِ ِ
«وا َّلذي َن ْف ُس ُم َح َّمد بِ َيدهَ ،ل ْو َت ْع َل ُم َ َ ْ ُ َ ْ ْ ً َ َ
عالج الغفلة:
غفلة القلب داء عضال ،يؤدي باإلنسان للمهلكة ،فيخسر الدنيا واآلخرة ،ﮋﮂ
وإن مِ��ن أهم طرق النجاة من الغفلة ما يلي:
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الزم��رَّ ،]15 :
1-1العل��م ،والمراد به معرفة العبد لربه وأس��مائه وصفاته ومعانيها ،ومعرفة النبي
وسنَّتِ ِه ،ومعرفة اإلسالم وشرائعه ،فمن عرف أصول دينه باألدلة الشرعيةﷺ ُ
حق الخش��ية ،ق��ال تعالى :ﮋ ﯞ
زالت عنه الغفلة ،وأصبح ممن يخش��ى اهلل َّ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [فاطر.]18 :
2-2كثرة ذكر اهلل تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وغيرها ،والمحافظة
على أذكار المناسبات؛ كأذكار الصباح والمساء ،والدخول والخروج...إلخ،
سيذك ُُر ُه اهلل و ُي َذك ُِّر ُه ،قال تعالى :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ
فإن لذاكر لربه ْ
َّ
ﯬ ﯭ ﯮﮊ [البقرة.]152 :
3-3حضور مجالس الذكر ،أو االس��تماع لها عرب الوس��ائل الحديثة ،فالتذكير مما
117
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اهلل تعالى ويبارك فيها ،فقد ِ يدفع الغفلة عن اإلنسان؛ َّ
ألن هذه المجالس يح ُّبها ُ
«ما َأ ْج َل َس��ك ُْم؟» َقا ُلواَ :ج َل ْس��نَا ِ ٍ ِ
النبي ﷺ َع َلى َح ْل َقة م ْن َأ ْص َحابِهَ ،ف َق َالَ : خ َر َج ُّ
َ
اهلل َون َْح َمدُ ُه َع َلى َما َهدَ انَا لِلإْ ِ ْسلاَ ِمَ ،و َم َّن بِ ِه َع َل ْينَاَ ،ق َال« :آهَّلل ِ َما َأ ْج َل َسك ُْمن َْذك ُُر َ
«أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْس��ت َْح ِل ْفك ُْم ت ُْه َم ًة
اكَ ،ق َالَ : اك؟» َقا ُل��واَ :واهللِ َما َأ ْج َل َس��نَا إِلاَّ َذ َ إِ اَّل َذ َ
اهي بِك ُُم ا ْل َملاَ ئِ َكةَ»(.)1 يل َف َأ ْخبرنِيَ ،أ َّن اهلل ع َّز وج َّل يب ِ
َ َ َ َ َُ ََ َلك ُْمَ ،و َلكِ َّن ُه َأتَانِي ِج ْبرِ ُ
4-4ق��راءة القرآن الكريم ،فالق��رآن هو أعظم عالج للنفس م��ن كل أدوائها ،ومن
ذلك داء الغفلة ،قال تعالى :ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ [اإلس��راء ،]82 :فينبغ��ي للمس��لم أن يجعل له ِو ْرد ًا
قل ،فإنه سيجد أثر ذلك يف ِر ّق ِة قلبه.
من القرآن يقرؤه كل يوم ولو ّ
فإن فيهم��ا تجديد ًا للعه��د مع اهلل ،وإحي��ا ًءا للقلوب من
5-5التوب��ة واالس��تغفارَّ ،
غفلته��اَّ ،
وإن ب��اب التوبة مفتوح ،واهلل تعالى يفرح بتوب��ة عبده إذا تاب ورجع
إليه ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [الزم��ر ،]53 :وق��ال تعالى :ﮋ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [ط��ه ،]82 :وقال س��بحانه :ﮋ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﮊ [الحجر.]49 :
6-6الدعاء ،وس��ؤال اهلل تعالى ص�لاح القلب ،فالدعاء س�لاح المؤمن ،وهو مما
يس��تعين به العبد يف النجاة من كل ما يخاف الهالك بس��ببه ،لذلك فإن من أراد
أن ينج��و م��ن الغفلة فعليه بالدعاء ،فقد ق��ال اهلل تعالى :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﮊ [البقرة.]186 :
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1072عن معاوية بن أبي سفيان .
118