Professional Documents
Culture Documents
(األخالق والقيم)
�إعداد جلنة من ق�سم الثقافة الإ�سالمية
كلية ال�شريعة والأنظمة -جامعة الطائف
�إ�شراف
د .عبدالرحمن بن عابد الغريبي
رئي�س ق�سم الثقافة الإ�سالمية
الإ�صدار الرابع 2020-1441م
عبدالرحمن بن عابد الغريبي 1441هـ ح
رق���م الإي���������داع1441/556:
ردمك978-603 - 91145 - 2 - 9:
5
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
امل�ؤ ِّلفون
6
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
محتوى الكتاب
7
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
8
القسم األول :الأخالق الإ�سالمية
وفيه:
- 1تعري��ف األخالق ،ومكانته��ا ،وعالقتها بالعقيدة والعب��ادات والمعامالت،
الخ ُلق واألدب.
والفرق بين ُ
- 2خصائ��ص األخ�لاق يف اإلس�لام ،النظري��ة األخالقية عند األم��م يف القديم
والحديث.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1-1أن يب ّين الطالب المعنى الصحيح لألخالق يف اإلسالم.
2-2أن يذكر الطالب عالقة األخالق بكل من :العقيدة ،والعبادات ،والمعامالت.
3-3أن يعدد الطالب خصائص األخالق يف اإلسالم.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1-1تبين المعنى الصحيح لألخالق يف اإلسالم.
2-2ذكر عالقة األخالق بكل من :العقيدة ،والعبادات ،والمعامالت.
3-3تعداد خصائص األخالق يف اإلسالم.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
تعريف الأخالق:
ِ
والسج َّية(.)1 والخ ُلق هو :الطبع
األخالق يف اللغة :جمع ُخلقُ ،
ذات ٍ
آثار يف ويف االصط�لاح“ :صفة مس��تقرة يف النف��س ،فطرية أو مكتس��بةُ ،
السلوك ،محمودة أو مذمومة”(.)2
واألخالق تعك��س مجموعة من التصورات األساس��ية الت��ي يعتنقها الناس،
ويصوغ��ون حوله��ا منظوم��ات أخالقي��ة نابع��ة م��ن نف��س التص��ورات ،تش�� ِّكل
الممارسات الخلقية.
والديانات الس��ماوية ج��اءت جميعها بالحث على التزام األخالق الحس��نة،
واجتناب األخالق السيئة؛ لذا يمكننا تعريف األخالق اإلسالمية اصطالحًا بأهنا:
مجموع��ة المب��ادئ والقواعد الت��ي يحدِّ دها الوحي لتنظيم س��لوك اإلنس��ان
نحو يحقق الغاية مِن وجوده يف هذا العالم على أكمل وتحديد عالقته بغيره ،على ٍ
وجه(.)3
واألخ�لاق ه��ي جوهر الدي��ن الح��ق ،ورس��ولنا ﷺ وصفه ر ُّب��ه بقوله:
ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ [القلم ،]٤ :وقد «كان النبي ﷺ أحسن الناس ُخ ُلقًا»(،)4
��ت ألُت َِّم َم َصالِ َح
ويوض��ح ﷺ أهمي��ة األخالق يف دين اإلس�لام فيقول« :إن ََّما ُب ِع ْث ُ
ِّ
((( ينظر :مقاييس اللغة ،البن فارس ،)214/2(:ولسان العرب ،البن منظور. )86/10(:
((( ينظر :التربية األخالقية اإلسالمية ،ملقداد ياجلن ،ص( ،)75وموسوعة نضرة النعيم.)66-59/1(:
((( متفق عليه من حديث أنس بن مالك ،رواه البخاري ،برقم( ،)6203ومسلم ،برقم(.)659
13
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
األَ ْخ�َل�اَ ق»( ،)1ويف رواية « َم ِ
كارم األخالق» ،ففي هذا الحديث جعل ﷺ الغرض
من بعثته هو إتمام األخالق والعمل على تقويمها وإشاعة مكارمها.
�صلة الأخالق بالعقيدة والعبادات واملعامالت:
قو َّي ٍة بأص��ول الدين َلم��ا كان لألخ�لاق أهمي��ة كبيرة فإنّ��ا نجدها ذات ِص َل ٍ
��ة ِ َّ
وفروعه ،فقد ارتبطت األخالق بالعقيدة ارتباطًا وثيقًا ،وكثير ًا ما يأيت يف كالم اهلل
سبحانه وتعالى وكالم رسوله ﷺ ذكر العالقة بين اإليمان وحسن الخلق.
فحين يأمر اهلل تعالى بعبادته وينهى عن اإلشراك بهُ ،ي ْتبِ ُع ذلك بذكر مجموعة
من األوام��ر األخالقية التي يجمعها رابط اإلحس��ان؛ فيقول تعالى :ﮋ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ [النساء،]36 :
ومن أوضح األد ّلة على ارتباط العقيدة باألخالق أنَّها –أي األخالق الفاضلة-
انيم ُب اإليمان؛ فعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل ﷺ« :الإْ ِ َ ُج ِعلت مِن ُش َع ِ
َاها إِ َما َط ُة -أ ْو بِ ْض ٌع َو ِست َ
ُّونُ -ش ْع َبةًَ ،ف َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللَُ ،و َأ ْدن َ ون َ بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ
ِ
��ان»( ،)2فقد عُدَّ الحياء وإماطة األذى يم ِ يقَ ،وا ْل َح َيا ُء ُش�� ْع َب ٌة م َن الإْ ِ َ
الأْ َ َذى َع ِن ال َّطرِ ِ
عن الطريق من ش��عب اإليمان ،وهما ُخ ُلقان من ضمن األخالق الحس��نة التي قد
يكون بعضها أيضًا من شعب اإليمان كذلك!.
وكم��ا نج��د الصلة بي��ن األخ�لاق واإليم��ان ،نجده��ا كذلك بي��ن األخالق
14
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
15
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
16
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
17
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه الترمذي ،برقم( ،)1162وأبو داود ،برقم( ،)4682عن أبي هريرة ،وحسنه األلباني يف صحيح
سنن الترمذي.)340/1(:
18
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ش و اَل الب ِذ ِ ِ الم ْؤ ِم ُن بِال َّط َّع ِ
��ان َو اَل ال َّل َّع ِ
يء»( ،)1والنصوص ان َو اَل ال َفاح ِ َ َ ﷺَ « :ل ْي َس ُ
ِّ
وتحذر من مس��اوئها كثيرة ،وس��يتم الش��رعية التي تحث على محاس��ن األخالق
ٍ
شيء منها يف صفحات هذا الكتاب. استعراض
جماالت ُح�سن ُ
اخل ُلق:
الخ ْل ِق
خاص بمعاملة َ��ق ٌّ الخ ُل ِ إن كثي��ر ًا من الناس يذهب فهمه إلى ّ
أن ُح ْس�� َن ُ ّ
الخ ُلق كما يكون يف معاملة دو َن معاملة الخال ِ ِق ،ولكن هذا الفهم ِ
قاصرّ ,
فإن ُح ْس َن ُ ُْ
الخ ُل ِق إ َذ ْن :معاملة الخالِق
��ن ُالخلق ,يكون أيضًا يف معاملة الخالق ,فموضوع ُح ْس ِ
الخ ْلق.
عز وجل ,ومعاملة َ
الخ ُلق يف معاملة الخالق ،وهو يجمع ثالثة أمور:
أوالًُ :ح ْس ُن ُ
األول :تلقي أخبار اهلل تعالى بالتصديق.
والثاين :تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
والثالث :تلقي أقداره بالصرب والرضا.
فهذه ثالثة أشياء عليها مدار ُح ْس ِن ُ
الخ ُلق مع اهلل تعالى.
كف األذىُ ,
وبذل بعضهم بأنهُّ : الخ ْلقّ ،
وعرفه ُ الخ ُلق يف معاملة َ
ثانيًاُ :ح ْس�� ُن ُ
النّدى ،وطالق ُة الوجه .وقيل :هو التخلي مِن الرذائل ،والتحلي بالفضائل(.)2
الخ ْل��ق ال ينفك عن المجال ّ
األول الذي هو الخ ُلق يف معاملة َ
ومجال ُحس��ن ُ
تطبيق ل ِ ُمراد اهلل تعالى ،الذي وسعت
ٌ ُحس��ن ا ُلخ ُلق يف معاملة الخالق ؛ بل إنه
الخ ُلق مع خلق��ه ،فيتخ ّلق المس��لم باألخالق
بحس��ن ُ
رحمت��ه كل ش��يء ،وأمرنا ُ
((( رواه الترمذي يف سننه ،برقم( ،)1977وصححه العالمة األلباني يف «صحيح اجلامع» ،برقم(.)5381
19
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الحس��نة ويجتنب األخالق الس��يئة ،ابتغاء رضوان اهلل ،ورج��اء ثوابه ،وحذر ًا مِن
عجلة. ٍ ٍ عقابه ،ال ل ِ َذ ْو ٍ
شخصي ،أو ُع ْرف اجتماعي ،أو مصلحة ُم ِّّ ق
اجل ِب َّلة واالكت�ساب:
الأخالق بني ِ
األخالق عمومًا ليس��ت مكتس��بة على إطالقها ،وليس��ت ِجبِ ِّل َّي�� ًة فِطر َّي ًة على
جان��ب مِن
ٍ َّح��د الفط��رة الس��ليمة مع العق��ل الس��ليم يف تقرير إطالقه��ا ،وإنم��ا تت ِ
األخ�لاق ،ثم يأيت دور الش��رع ل ُي َك ِّم��ل الفطرة ،ويحمي العق��ل ،ويضع الضوابط
العامة التي ترقى بالفرد والمجتمع اللتزام أسمى األخالق.
ومن خالل ما سبق يتبين لنا ّ
أن األخالق تنقسم إلى قسمين:
الق�سم الأول :الأخالق الفطرية:
وهي :ما ُو ِجدَ يف أصل تكوين اإلنسان مِن األخالق.
أن مِن األخالق ما هو فطري يتفاضل به الناس يف أصل
فقد جاءت األدلة على ّ
َّاسأن النبي ﷺ قال« :الن ُ تكوينهم الفطري ،ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة ّ
اه ِل َّي ِة ِخ َي ُار ُه ْم فِي الإْ ِ ْس�َل�اَ ِم إِ َذا
بِ ،خياره��م فِي ا ْلج ِ
َ الذ َه ِ َ ُ ُ ْ ��اد ِن ا ْل ِف َّض ِة َو َّ
��اد ُن كَمع ِ
َ َ
مع ِ
َ َ
ف»(.)1 اخ َت َل َفَ ،و َما َتنَاك ََر ِمن َْها ْ ف ِمن َْها ا ْئ َت َل َاح ُجنُو ٌد ُم َجنَّدَ ةٌَ ،ف َما َت َع َار َ َف ُق ُهواَ ،والأْ َ ْر َو ُ
الهب ِ ِ
ات الفطرية الخلقية ،وفيه يثبت الرس��ول ﷺ فروق ِ َ فه��ذا الحديث دليل على
الخ ُلقي يرافق اإلنسان ويصاحبه أكر ُم ُهم ُخ ُلقًا ،وهذا التكوين ُ َّ ِ
يار الناس ُه ْم َ أن خ َ
يف جميع أحواله.
��ن ي ِ ��س« :إِ َّن فِ َ لألش��ج؛ َأ َش��ج َعب ِ
��د ا ْل َق ْي ِ
ح ُّب ُه َما اهللُ: ي��ك َخ ْص َل َت ْي ِ ُ ِّ ْ وقد قال ﷺ َ ِّ
ح ْل ُمَ ،والأْ َنَاةُ»( .)2ويف بعض روايات هذا الحديث -الواردة بأس��انيد ُأخرى -أنه ا ْل ِ
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)17عن ابن عباس رضي اهلل عنهما.
20
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اهَّلل َج َب َلنِي َع َل ْي ِه َما؟َ ،ق َال ﷺَ « :ب ِل اهَّللُ َج َب َل َ َق َال :يا رس َ ِ
ك ��ول اهَّلل َأنَا َأ َت َخ َّل ُق بِ ِه َما َأ ِم ُ َ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َع َل ْي ِه َما»َ ،ق َال :ا ْل َح ْمدُ ل َّله ا َّلذي َج َب َلني َع َلى َخ َّل َت ْي ِن ُيح ُّب ُه َما ُ
اهَّلل َو َر ُس��و ُل ُه( .)1فقوله
أن ِمن األخالق ما يك��ون يف فِ ْط َر ِة بعض ��ك َع َل ْي ِه َما» ي��دل على ّ ﷺَ « :ب ِ
��ل اهَّللُ َج َب َل َ
الناس ِهب ًة ِمن اهلل تعالى منذ أن َخ َل َقه.
الق�سم الثاين :الأخالق املكت�سبة:
وهي :األخالق التي اكتسبها اإلنسان بجهد شخصي أو مؤثرات خارجية.
أن يكتسب بعض األخالق ،سواء كان ذلك بتس ُّب ٍ
ب منه ،أو ٍ
إنسان ْ فبإمكان أي
بوجود مؤ ِّثرات خارجة عنه ،والناس يف ذلك متفاوتون بمدى س��بقهم وارتقائهم
يف ُس َّل ِم الفضائل ،فكل إنسان يستطيع بما وهبه اهلل من استعداد أن يتعلم نسب ًة من
ٍ
عملية من المهارات ،أو ُخ ُل ٍق من األخالق. ٍ
مهارة أي
العلوم والفنون ،وأن يكتسب ّ
وأعظم طرق اكتس��اب األخالق الحسنة هو سؤال اهلل تعالى الهداية لها؛ فقد
«...و ْاه ِدنِي
َ أن من أدعي��ة النبي ﷺ الت��ي كان يدعو هبا قول��ه: ثب��ت يف الصحي��ح ّ
ف َعنِّي ف َعنِّي َس ِّيئ ََها اَل َي ْصرِ ُ
اصرِ ْ ��ن الأْ َ ْخلاَ ِق اَل َي ْه ِدي لأِ َ ْح َسن ِ َها إِ اَّل َأن َ
ْتَ ،و ْ لأِ َ ْح َس ِ
ْت.)2(»... َس ِّيئ ََها إِ اَّل َأن َ
وهن��اك أس��باب أخرى لكس��ب األخ�لاق الحس��نة؛ كمجاه��دة النفس على
التحلي هب��ا ،وتذكُّر فضائلها وأجورها ،ومصاحبة أه��ل األخالق الفاضلة ،وغير
ذلك من األسباب(.)3
((( رواه أبو داود يف س���ننه ،برقم( ،)5225وحس���نه األلباني يف صحيح وضعيف س�ن�ن أبي داود ،بنفس
الرقم.
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)771عن علي بن أبي طالب .
((( ينظر يف ذلك كتاب :األسباب املفيدة يف اكتساب األخالق احلميدة ،للدكتور :محمد إبراهيم احلمد.
21
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ِ وإذا تق��رر لدين��ا ّ ِ
��بي ،فإنّه ينبغي
ري ومنها ما هو ك َْس ٌّ أن من األخالق ما هو ف ْط ٌّ ّ
التن ّب��ه إلى خطأ يعتقده بع��ض الناس حول فِ ْط ِر َّي ِة األخ�لاق؛ فقد زعم بعضهم ّ
أن
أخالق اإلنس��ان فِ ْط ِر َّي ٌة فقط ،وال يمكن اكتس��اهبا! ،وهذا ا ّدعاء ي��ر ُّده الواقع؛ فلو
كانت األخالق ال َت ْقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى ،ولم يكن للرتبية
والتهذي��ب واألمر هبما معن��ى ،ولم يكن للحدود والزواجر الش��رعية عن اقرتاف
اآلثام إ َذ ْن معنى!.
خ�صائ�ص الأخالق يف الإ�سالم:
لألخالق اإلسالمية خصائص تتم ّيز هبا عن غيرها؛ ومن تلك الخصائص ما يلي:
�أو ًال :ربانية امل�صدر:
األخالق اإلس�لامية مصدرها كتاب اهلل س��بحانه وتعالى وس��نة نبيه ﷺ ،وال
مدخ��ل فيها ل�لآراء البش��رية ،أو النظم الوضعي��ة ،أو النظريات الفلس��فية ،وهذه
الخصيصة هي أعظم خصائص األخالق يف اإلسالم؛ فكوهنا ربانية المصدر يعني
اتصافها بكل صفات الخير والحق والجمال ،وكل خصائص األخالق اإلسالمية
فرع عن هذه الخصيصة ،فما دامت األخالق اإلس�لامية ر َّبانية بع��د ذلك إنما هي ٌ
��م ِة الخل��ود والصدق والصح��ة؛ ّ
ألن ر ّبنا تب��ارك وتعالى ِ
��م بِس َ
ِ
المصدر فهي َتتَّس ُ
ارتضاها لنا مِن ُج ْم َل ِة ِدينِنا الذي َأك َْم َله ،وأنعم علينا به.
ثانياً :ال�شمول والتكامل:
األخالق يف اإلس�لام ش��املة لكل الجوانب التي يكون لإلنسان فيها سلوك،
وهي تس��تمد شموليتها من ش��مولية الدين نفسه ،فنجد األخالق فيه تشمل عالقة
اإلنس��ان بر ِّب��ه وعالقت��ه بخلقه ،وتش��مل خيري الدني��ا واآلخرة ،وتش��مل ضبط
اإلنس��ان لنفسه ،ولتعامله مع اآلخرين ،وتش��مل عالقته مع القريب والبعيد ،ومع
22
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الرئيس والمرؤوس ،ومع المس��لم وغيره ،ومع الصديق والعدو ،ويف حال الرضا
والغض��ب ،والس��لم والح��رب ،والرخاء ِّ
والش��دَّ ة ،بل وتش��مل كيفي��ة تعامله مع
الحيوان والنبات والبيئة ،يف منظومة متكاملة ،ال يتعارض فيها ُخ ُل ٌق مع ُخ ُل ٍق آخر،
وال يتقدّ م فيها شي ٌء على ما هو أولى منه.
ثالثاً :التوازن:
األخ�لاق اإلس�لامية ال ُتغ ِّلب جان ًب��ا على جانب ،فكل األخالق اإلس�لامية
مطلوب��ة دون تغليب بعضها وإغفال البعض ،وإال س��تكون الش��خصية مضطربة،
فإن َغ َل َبت على الش��خص صفات القوة والش��جاعة إلى درجة القسوة ،أ ّدى ذلك
إلى عدوانه وجربوته وتك ُّبره ،وإن غلبت عليه صفات العفو والسماحة إلى درجة
الضعف ،ربما ُوجدت فيه ش��خصية الذليل المس��تكين ،فاألخالق اإلسالمية مع
تكاملها متوازنة ،تدعو إلى العزة والتواضع ،كما تدعو إلى االنتصار والعفو ،فيها
الصراح��ة واالح�ترام ،وفيها الكرم واالقتصاد ،وهي ش��جاعة بغير هتور ،ولين يف
غير ضعف ،هذه بعض معالم الشخصية اإلسالمية ذات األخالق المتوازنة(.)1
رابعاً� :صاحلة لكل زمان ومكان:
وص�لاح األخالق اإلس�لامية لكل زمان ويف أي مكان نابِ ٌ
��ع من كوهنا ر ّبانية؛
ف��اهلل ّ
ج��ل وعال الذي جعل هذه الش��ريعة خاتمة الش��رائع أودعه��ا هذه األخالق
العظيم��ة الت��ي بلغت الغاي��ة يف الكمال؛ لتبقى ُمنَ ِّظ َم ًة للس��لوك اإلنس��اين إلى قيام
الس��اعة ،نظر ًا لم��ا تتميز به من خصائص ثابت��ة ال تتغير وال تتبدل ،ولما تت َِّس��م به
قي يف التعامل ،والتكريم لبني اإلنسان ،والرحمة بكل المخلوقات ،إضاف ًة
الر ِّ
من ُّ
إلى ما تتضمنه تلك األخالق من الس��هولة واليسر ،وعدم المشقة ،ورفع الحرج،
23
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
24
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
25
الـــوحــــدة الثانية:
•الصبر.
•العفة.
•الشجاعة.
• العدل.
* الأهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1 -1أن يوضح الطالب أهمية معرفة أصول األخالق الحسنة يف اإلسالم.
2 -2أن يع��دد الطال��ب األخ�لاق األربع��ة الت��ي عُدَّ ت أص��و ً
ال لألخالق
الحسنة.
3 -3أن يبين الطالب كيفية اكتساب أصول األخالق الحسنة.
* نواجت التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1توضيح أهمية معرفة أصول األخالق الحسنة يف اإلسالم.
2 -2تعداد األخالق األربعة التي عُدَّ ت أصو ً
ال لألخالق الحسنة.
3 -3تبيين كيفية اكتساب أصول األخالق الحسنة.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
أن األخالق الحس��نة لها أصول أربعة تقوم عليها، ذكر ابن القيم-رحمه اهللّ -
تصو ُر قيا ُم س��اقِ ِه إال عليها:
الخ ُلق يق��وم على أربع��ة أركان ،ال ُي َّ
“وح ْس�� ُن ُ
فق��الُ :
الصرب ،والعفة ،والش��جاعة ،والعدل”( ،)2وبي��ان كل أصل من هذه األصول على
النحو التالي:
النفس على أداء الطاعات ،واجتناب المنهيات ،وتق ُّبل البالء برضا وتسليم.
وه��ذا التعري��ف أدق التعريف��ات ،إذ َّ
إن باع��ث الهوى قد يدفع اإلنس��ان إلى
التكاس��ل ع��ن أداء الطاع��ات ،أو فع��ل المنهي��ات ،أو إلى الضج��ر والجزع عند
29
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( يقال :أقذع فالن لفالن إقذاعاً ،إذ شتمه شتماً يُستفحش ،وهو القذع .تهذيب اللغة.)144/1(:
30
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أنواع ال�صرب:
للصرب ثالثة أنواع ذكرها العلماء وذلك باعتبار متعلقة ،وهي:
الأول :ال�صرب على امتثال �أوامر اهلل تعاىل:
إن مِن طبيعة النفس البشرية أهنا تحب الراحة والسكون ،وتستصعب ما يقطع
ّ
تلك الراحة ،وإنما تأيت األوامر الربانية مخالفة لشهوات النفوس ليتحقق االبتالء؛
ِ ِ
فم ْن آ َث َر ُمرا َد اهلل على هوى نفس��ه فهو المؤمن ،و َم ْن َقدَّ م هواه َخس َ
��ر مرضاة اهلل، َ
واتخ��ذ إلهه هواه ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ [الجاثية.]23 :
فالص�لاة المفروض��ة مثالً ق��د تأيت يف أوقات راحة اإلنس��ان؛ ولكن المس��لم
يص�بر على ه��ذه الطاعة فيقوم بتأديتها يف وقتها ،ويس��مع الم��ؤذن يكرر يف صالة
راش�� ُه ،ويقوم ليؤدي فريضة من الفج��ر( :الصالة خير من النوم) ،فيرتك المؤمن فِ َ
«م ْن َص َّلى ال َب ْر َد ْي ِن َد َخ َل
أعظم أسباب دخول الجنة بعد التوحيد ،يقول النبي ﷺَ :
الجنَّةَ»( ،)1والربدان :الفجر ،والعصر.
َ
ب جمعة وكنزه ،وإخراج زكاته طيب ًة هبا نفسه، والتغ ُّلب على شهوة المال ُ
وح ِّ
أش��ق الطاعات عل��ى النفوس،وب��ذل الصدق��ة والمع��روف للناس ،كل ذلك مِن ِّ
خاص��ة إذا علمنا أن اهلل تعالى جعل المال محبوبًا للنفوس ُم َز َّينًا لها ،قال تعالى:
ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ
[آل عمران.]١٤ :
والصوم الذي يكون فيه حبس النفس عن الطعام والشراب وسائر المفطرات
س��اعات طويل��ة ابتغ��اء األجر من اهلل تعالى ه��و الصرب بعينه؛ لذا جع��ل اهلل تعالى
((( متفق عليه ،فقد رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)574ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)635
31
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ن آ َد َم ُي َضا َع ُ
ف، ج��زاءه عظيم��ًا ال يعلم قدره إال اهلل ،كما ق��ال ﷺ« :ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِ
الص ْو َمَ ،فإِ َّن ُه لِي ِ ِ ٍ
��ر َأ ْم َثال َها إِ َلى َس�� ْبعمائَة ض ْعفَ ،ق َال اهلل عز وجل :إِ اَّل َّ
ِ
ا ْل َح َس��نَ ُة َع ْش ُ
َو َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِهَ ،يدَ ُع َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه ِم ْن َأ ْج ِلي»(.)1
وكذلك س��ائر العبادات والقربات ،كالحج ،وبِ ِّر الوالدين ،واألمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ،وصلة الرحم ،والتزام النساء بالحجاب...إلخ ،كل ذلك مفتقر
للصرب ،وال يستطيع العبد القيام به إال بالتحلي بالصرب ابتغاء ثواب اهلل تعالى.
الثاين :ال�صرب عن ما حرم اهلل:
لق��د خلق اهلل الجن��ة وح َّفها بالم��كاره؛ أي ال ُيوصل إلى الجن��ة إال بحصول
بعض المكاره ،وخلق النار وح َّفها بالش��هوات ،فع��ن أنس بن مالك قال :قال
الشهو ِ ِ ت ا ْلجنَّ ُة بِا ْلمك ِ ِ
رسول اهلل ﷺ « :ح َّف ِ
ات»( ،)2والشهوات: َارهَ ،و ُح َّفت الن َُّار بِ َّ َ َ َ َ ُ
كل م��ا تس��تَلِ ُّذه النفس وهت��واه ،والمقصود هبا هنا الش��هوات ا ْل ُم َح َّرم��ة؛ كالغيبة،
والنميمة ،والنظر المحرم ،والس��ماع المحرم ،والزن��ا ،وأكل المال الحرام ،وغير
ذلك من المحرمات(.)3
ّ
وإن الصرب يف الدنيا عن المحرمات أسهل من الصرب لحظة واحدة على عذاب
النار ،فقد نظر جربيل إلى النار وما ُح َّفت به من الش��هوات فقال مخاطبًا ربه:
��يت َأ ْن لاَ َين ُْج َو مِن َْها َأ َحدٌ إِلاَّ َد َخ َل َها»()4؛ ل ِ َما رأى من الش��هوات
«و ِع َّزتِ َك َل َقدْ َخ ِش ُ
َ
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم ( ،)1151عن أبي هريرة .
32
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الت��ي ُتوقِ ُع الناس فيها ،وكلها محبوبة مرغوب��ة ،فلن ينجو منها إال َمن َق ِو َي إيمانُه
وأخذ نفسه بالصرب عن شهواته المحرمة ابتغا َء األجر مِن ربه وخشي ًة مِن عقابه.
الثالث :ال�صرب على �أقدار اهلل:
ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ [البل��د ،]٤ :وم��ا أكث��ر َك َبدَ الدنيا
وعناءها؛ ِ
فمن ِوالدة اإلنسان إلى مماته وهو يتقلب بين نعم اهلل وأقداره ،وقد ب َّين
المولى عز وجل َّ
أن الخير والش��ر فتنة؛ حيث قال س��بحانه :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﮊ [األنبي��اء ،]٣٥ :فال يظن اإلنس��ان َّ
أن الفتنة يف الش��ر فق��ط؛ بل حتى الخير
فإنه من الفتنة والبالء الذي يحتاج من اإلنسان صرب ليؤ ِّدي حق اهلل فيه ،فالمال قد
يطغي باإلنس��ان ،وكذلك الصحة والفراغ ،فكلها تحتاج إلى صرب الس��تعمالها يف
طاعة اهلل .
والش��ر كذلك فتنة؛ فالفقر والمرض فتن��ة ،والحروب والكوارث فتنة ،وفقد
األحباب-خاصة الولد -فتنة ،فيحتاج اإلنسان للصرب ،يقول النبي ﷺ« :إِ َذا َم َ
ات
ولَ :ق َب ْضت ُْم��مَ ،ف َي ُق ُ ��ال اهَّللُ لِ َملاَ ئِكَتِ ِهَ :ق َب ْضت ُْم َو َل��دَ َع ْب ِديَ ،ف َي ُقو ُل َ
ونَ :ن َع ْ َو َل��دُ ال َع ْب ِد َق َ
ونَ :ح ِمدَ َك َو ْاس��ت َْر َج َع، ولَ :ما َذا َق َال َع ْب ِدي؟ َف َي ُقو ُل َ اد ِهَ ،ف َي ُقو ُل َ
ونَ :ن َع ْمَ ،ف َي ُق ُ َثمر َة ُف َؤ ِ
ََ
الح ْم ِد»(.)1ت َ الجن َِّةَ ،و َس ُّمو ُه َب ْي َ ِ ِ ِ
ول اهَّللُ :ا ْبنُوا ل َع ْبدي َب ْيتًا في َ َف َي ُق ُ
33
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)1469ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1053عن أبي سعيد اخلدري .
34
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فوائد العفة:
ال ثم المجتمع ،ثم األمة ،ومن أبرزها: للعفة فوائد عدة يجنيها الفرد أو ً
1-1تجع��ل صاحبها من الس��بعة الذي��ن يظلهم اهلل يف ظِ ِّله ي��وم القيامة ،يقول النبي
اب ن ََش َأ ِ «س�� ْب َع ٌة يظِ ُّل ُه ُم اهَّلل فِي ظِ ِّل ِه ،ي ْو َم الَ ظِ َّل إِ اَّل ظِ ُّل ُهِ :
اإل َما ُم ال َعاد ُلَ ،و َش ٌّ َ ُ ُ ﷺَ :
ِ ِ فِ��ي ِعباد ِة رب ِه ،ورج ٌل َق ْلبه مع َّل ٌق فِي المس ِ ِ
اجت ََم َعا ��اجدَ ،و َر ُجال َِن ت ََحا َّبا في اهَّلل ْ َ َ ُُ ُ َ َ َ َ ِّ َ َ ُ
اف الَ ،ف َق َال :إِنِّي َأ َخ ُ ب َو َجم ٍ
َ ات َمن ِْص ٍ ��ر َأ ٌة َذ ُ ِ ِ
َع َل ْي��ه َو َت َف َّر َقا َع َل ْيهَ ،و َر ُج ٌل َط َل َب ْت ُه ْام َ
ِ ِ ِ
اهَّللََ ،و َر ُج ٌل ت ََصدَّ َقَ ،أ ْخ َفى َحتَّى الَ َت ْع َل َم ش َ
��ما ُل ُه َما ُتنْف ُق َيمينُ ُهَ ،و َر ُج ٌل َذك ََر اهَّللَ
ت َع ْينَا ُه»(.)1 اض ْ َخالِ ًيا َف َف َ
ُ 2-2تنج��ي صاحبها حي��ن الوقوع يف االبت�لاء ،ويدل لذلك حدي��ث الثالثة الذين
يتوس��ل إلى اهلل عز وجل بما
أطبق��ت عليهم الصخرة يف الغار ،فكان أحدهم ّ
كان منه مِن ِع َّفتِ ِه عن الوقوع يف الحرام مع ابنة عمه(.)2
((( متف���ق علي���ه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)660ومس���لم يف صحيحه���ن برقم( ،)1031عن أبي
هريرة .
ونصه :أَ َّن َعبْ َد اللهَّ ِ بْ َن ُع َم َر َر ِض َي اللهَّ ُ َعنْ ُه َماَ ،قا َلَ :سمِ ْع ُت َر ُسو َل اللهَّ ِ ((( رواه البخاري ،برقم (ُّ ،)2272
صخْ َرةٌ مِ َن ِيت ِإلَى َغ ٍارَ ،ف َد َخلُوهُ َفانْ َح َد َر ْت َ م ْن َكا َن َقبْل َ ُك ْم َحتَّى أَ َو ْوا املَب َ ﷺ يَقُو ُل" :انْ َطل َ َق ثَ َ
الثَ ُة َر ْه ٍط مِ َّ
َ
الصخْ َر ِة ِإ َّلا أَ ْن تَ ْد ُعوا اللهَّ ب َ
ِصال ِِح أَ ْع َما ِل ُك ْم، جلبَلِ َ ،ف َس َّد ْت َعلَيْهِ ُم ال َغا َرَ ،ف َقالُواِ :إ َّن ُه ال َ يُن ِْجي ُك ْم مِ ْن َهذِ ِه َّ
ا َ
َف َقا َل َر ُج ٌل مِ نْ ُه ْم :اللَّ ُه َّم َكا َن لِي أَبَ َوانِ َشيْ َخانِ َكبِي َرانِ َ ،و ُكن ُْت الَ أَ ْغ ِب ُق َقبْل َ ُه َما أَ ْهلًاَ ،وال َ َما ًلا َفنَ َأى بِي فيِ
َطل َ ِب َش ْيءٍ يَ ْو ًماَ ،فل َ ْم أُرِ ْح َعلَيْهِ َما َحتَّى نَا َماَ ،ف َحلَبْ ُت لَ ُه َما َغبُو َق ُه َماَ ،ف َو َج ْدتُ ُه َما نَا ِئ َمينْ ِ َو َكرِ ْه ُت أَ ْن أَ ْغ ِب َق
استَيْ َق َظاَ ،ف َشرِ بَا اظ ُه َما َحتَّى بَ َر َق ال َف ْج ُرَ ،ف ْ َقبْل َ ُه َما أَ ْهلًا أَ ْو َمالًاَ ،فل َ ِبثْ ُت َوال َق َد ُح َعلَى يَ َد َّي ،أَنْت َِظ ُر ْ
استِي َق َ
الصخْ َرةَِ ،فانْ َف َر َج ْت ِك ابْ ِت َغا َء َو ْجهِ َكَ ،ف َف ِّر ْج َعنَّا َما نَ ْح ُن فِ يهِ مِ ْن َهذِ ِه َّ
َغبُو َق ُه َما ،اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت َذل َ
اآلخ ُر :اللَّ ُه��� َّم َكانَ ْت لِي ِبن ُْت َع��� ٍّمَ ،كانَ ْت أَ َح َّب
ِ���ي ﷺَ " :و َقا َل َخل��� ُرو َج "َ ،ق���ا َل ال َّنب ُّ َش���يْ ًئا الَ يَ ْس���ت َِطي ُعو َن ا ُ
الس��� ِننيََ ،ف َجا َءتْنِيَ ،ف َأ ْع َطيْتُ َهاَّاس ِإلَ َّيَ ،ف َأ َر ْدتُ َها َع ْن نَف ِْس��� َهاَ ،فا ْمتَنَ َع ْت مِ نِّي َحتَّى أَلمَ َّ ْت ِب َها َس َ���ن ٌة مِ َن ِّ
الن ِ
َ���ار َعلَى أَ ْن ت َُخلِّ َي بَيْنِي َوبَينْ َ نَف ِْس��� َهاَ ،ف َف َعل َ ْت َحتَّى ِإ َذا َق��� َد ْر ُت َعلَيْ َهاَ ،قالَ ْت :الَ أ ُ ِح ُّل
ِع ْش���رِ ي َن َومِ ائَ��� َة دِ ين ٍ
ْت َعنْ َها َو ِه َي أَ َح ُّب الن ِ
َّاس ِإلَ َّي= ، وع َعلَيْ َهاَ ،فانْ َ
ص َرف ُ ات ِإ َّلا ب َ
ِح ِّقهِ َ ،فت ََح َّر ْج ُت مِ َن ال ُو ُق ِ ���ك أَ ْن تَف َّ
ُ���ض ا َ
خل مَ َ لَ َ
35
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
3-3يعي��ن اهلل صاحب العفة ويحقق له مراده ،يقول النبي ﷺَ « :ثلاَ َث ٌة ح ٌّق ع َلى اهَّلل ِ
َ َ
َب ا َّل ِذي ُيرِي��دُ األَ َدا َءَ ،والنَّاكِ ُح ا َّل ِذي اهدُ فِي س��بِ ِ ِ
عونُهم :المج ِ
المكَات ُ
يل اهَّللَ ،و ُ َ َْ ُ ْ ُ َ
اف»(.)1ُيرِيدُ ال َع َف َ
مجتمع
ٌ 4-4س�لامة المجتم��ع من الفواح��ش؛ فالمجتم��ع الخالي من الفواح��ش
��مت أخالقه وارتق��ى أفراده؛ ألن الفاحش��ة منب��وذة دينًا و ُع ْرف��ًا ،فالذوق َس َ
َف مِن الفاحشة َأ ّيًا كانت.
اإلنساين ْيأن ُ
�أنواع العفة:
تتنوع العفة �إىل �أنواع؛ مِ ن �أبرزها:
1-1عف��ة اللس��ان ،وتكون بحفظ��ه عن ألفاظ الش��رك ،وق��ول ال��زور ،والكذب،
والغيبة ،والنميمة ،واالستهزاء ،والسخرية ،ونحو ذلك من حصائد األلسنة.
أن2-2عف��ة ال َف ْرج ،وتك��ون بحفظه عن الزنى واللواط؛ فعن س��هل بن س��عد ّ
��ه وما بين ِرج َلي ِ
��ه َأ ْض َم ْن َل ُه ِ رس��ول اهلل ﷺ ق��ال« :من ي ْضم ِ
��ن لي َما َب ْي َن َل ْح َي ْي َ َ َ ْ َ ْ ْ
َ ْ َ َ ْ
الجنَّةَ»(.)2
َ
���ب ا َّلذِ ي أَ ْع َطيْتُ َه���ا ،اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت ابْ ِت َغا َء َو ْجهِ َكَ ،فافْ��� ُر ْج َعنَّا َما نَ ْح ُن فِ يهِ َ ،فانْ َف َر َج ِت
الذ َه َ = َوتَ َر ْك ُ
���ت َّ
اس َ���ت ْأ َج ْر ُت
خل ُرو َج مِ نْ َها "َ ،قا َل ال َّنب ُِّي ﷺَ " :و َقا َل ال َّثالِثُ :اللَّ ُه َّم ِإ ِّني ْ الصخْ َرةُ َغيْ َر أَ َّن ُه ْم الَ يَ ْس َ���ت ِطي ُعو َن ا ُ
َّ
اح ٍد تَ َر َك ا َّلذِ ي لَ ُه َو َذ َه َبَ ،فثَ َّم ْر ُت أَ ْج َرهُ َحتَّى َكثُ َر ْت مِ نْ ُه األَ ْم َوا ُل،أ ُ َج َرا َءَ ،ف َأ ْع َطيْتُ ُه ْم أَ ْج َر ُه ْم َغيْ َر َر ُج ٍل َو ِ
َف َجا َءنِ���ي بَ ْع��� َد ِح ٍني َف َقا َل :يَا َعبْ َد اللهَّ ِ أَ ِّد ِإلَ َّي أَ ْج���رِ يَ ،ف ُقل ْ ُت لَهُُ :ك ُّل َما تَ َرى مِ ْن أَ ْجرِ َك مِ َن ا ِإلبِلِ َوال َب َقرِ
اس���تَا َقهُ، َوال َغن َِم َوال َّرقِ يقِ َ ،ف َقا َل :يَا َعبْ َد اللهَّ ِ الَ ت َْس َ���ت ْهزِ ئُ بِيَ ،ف ُقل ْ ُتِ :إ ِّني ال َ أَ ْس َ���ت ْهزِ ئُ ب َ
ِكَ ،ف َأ َخ َذهُ ُكلَّهَُ ،ف ْ
ِك ابْ ِت َغ���ا َء َو ْجهِ َكَ ،فا ْف ُر ْج َعنَّا َما نَ ْح��� ُن فِ يهِ َ ،فانْ َف َر َج ِتَفلَ��� ْم يَتْ��� ُر ْك مِ نْ ُه َش���يْ ًئا ،اللَّ ُه َّم َف��� ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت َذل َ
ي ُشونَ".
الصخْ َرةَُ ،ف َخ َر ُجوا مَ ْ
َّ
((( رواه الترمذي ،برقم ( ،)1655عن أبي هريرة ،وقال الترمذي :هذا حديث حسن.
36
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
3-3عف��ة البطن ،وتكون بالح��رص على أكل الحالل؛ ق��ال تعالى :ﮋ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ
[المائدة.]٨٨ – ٨٧ :
4-4عف��ة البص��ر ،وتك��ون بحفظه ع��ن النظر إل��ى ما ح��رم اهلل ،ق��ال تعالىﮋ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [النور:
.]٣١ – ٣٠
5-5عفة الس��مع ،وتكون بحفظه عن س��ماع ال ُكفر ،وال ُفحش ،والغيبة ،والكذب،
والبهتان ،واالس��تهزاء ،وكل ما حرم اهلل ،ق��ال اهلل تعالى :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴ ﯵﯶﯷ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ
ﰈ ﰉ ﮊ [النساء.]١٤٠ :
6-6العف��ة ع��ن المال الح��رام ،وتك��ون بالحذر من الكس��ب الح��رام؛ فعن خولة
األنصارية رضي اهلل عنها قالت :سمعت النبي ﷺ يقول« :إِ َّن ِر َج اًال َيتَخَ َّو ُض َ
ون
ال اهَّلل ِ بِ َغيرِ ح ٍّقَ ،ف َلهم النَّار يوم ِ
الق َي َام ِة»(.)1 فِي م ِ
ُ ُ ُ َْ َ ْ َ َ
موانع العفة:
ّ
إن التزام العفة أمر ش��اق بطبعه على النفوس ،فإن انضاف إلى ذلك من يدعو
للتس��اهل هبا وهتوين ش��أهنا أو انتقاص المتعففين ووصفهم بما ين ِّفر من صنيعهم
كان ذلك أشد على النفوس وأعظم ،ومن أبرز تلك الموانع والمثبطات ما يلي:
37
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
1-1وسائل اإلعالم غير المنضبطة؛ فغالب وسائل اإلعالم يف هذا الزمن ال تراعي
فكثير مما يعرض
ٌ العفة وال تدعوا إليها؛ بل َّ
إن أكثرها يس��عى للحيلولة دوهنا؛
على شاشات القنوات الفضائية ،ومما تحتويه الشبكة العنكبوتية (االنرتنت)،
وم��ا تب ّثه بع��ض المواق��ع اإلباحية ،يعد من أك�بر موانع العفة بم��ا تعرض من
برامج وصور مخلة فاضحة ،أو تصور األفعال المش��ينة والعالقات المحرمة
وح ِّر ّية!.
وتحضر وتقدّ م ُ
ّ على أهنا بطوالت
أث��ر على أخ�لاق صاحبه ،فإذا 2-2قرن��اء الس��وء؛ فم��ن المعل��وم َّ
أن الصاحب له ٌ
الخ ُلق فإنه يعدي بس��وء ُخلقه صاحبه ،فالطبع يعدي ،والصاحب
كان س��يء ُ
ِّ
هون من شأهنا يف نظر صاحبه ،ولذا
فمن كان متهاونًا يف ش��أن العفة ّ
س��احبَ ،
أمر اهلل بصحبة األخيار َّ
وحذر من مصاحبة األش��رار ،فقال س��بحانه :ﮋ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ
[الكهف.]٢٨ :
هم بعض الن��اس جمع المال م��ن أي طريق؛ حتى
3-3ع��دم القناعة؛ فق��د أصبح ُّ
وإن كان الطريق محرمًا ،مما دعا البعض إلى أن يس��أل الناس من غير حاجة،
«ما َيز َُال
ف��أراق م��اء وجهه يف الدنيا ليمزق لحمه يف اآلخرة؛ يق��ول النبي ﷺَ :
��أ ُل النَّاس ،حتَّى ي ْأتِي ي��وم ا ْل ِقيام ِة و َليس فِي وج ِه ِ
��ه ُم ْز َع ُة َل ْحم»(،)1 الر ُج ُل َي ْس َ
َ ْ َ َ َ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َّ
فأين من يستكثرون المال بسؤال الناس عن هذا الحديث؟!.
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)1474ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1040عن عبداهلل
بن عمر .
38
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
39
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
واصطالح��ًا :اإلقدام عل��ى المكاره ،من األقوال واألفع��ال عند الحاجة إلى
ذلك ،وثبات الجأش ،واالستهانة بالخوف(.)1
وعك��س الش��جاعة الجبن ،فالجبن ه��و الخوف مما ال ينبغ��ي الخوف منه ال
قو ً
ال وال فعالً ،فالجبان ال يظفر بما يريد ،وال يساعده الصرب على ذلك.
والشجاعة صنفان:
أحدهما :الش��جاعة الحربي��ة ،وهي اإلقدام على مواقع القت��ال ،والثبات عند
مالقاة األعداء.
وثانيهما :الشجاعة المعنوية؛ كاإلقدام على اتخاذ القرار ،وقول الحق ،وإبداء
الرأي والنصيحة.
* *الفرق بين الشجاعة والقوة:
يظن البعض ّ
أن هناك تشاهبًا بين الشجاعة والقوة ،وهما يف الحقيقة متغايران،
فالش��جاعة ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البدن أو البطش ،يقول ابن
الصدِّ يق أش��جع األمة بعد رسول اهلل ﷺ ،وكان عمر
القيم رحمه اهلل“ :وكان ِّ
وغي��ره أق��وى منه ،ولكن ب��رز على الصحابة كله��م بثبات قلب��ه يف كل موطن من
المواط��ن التي تزلزل الجب��ال ،وهو يف ذلك ثابت القلب ،ربي��ط الجأش ،يلوذ به
شجعان الصحابة وأبطالهم ،فيثبتهم ،ويشجعهم»(.)2
أم��ا القوة فقد تكون قوة النفس وهي من الش��جاعة ،وقد تكون قوة الجس��د،
جسد شجاع ،لذلك كان هناك ٌ
فرق بين الشجاعة والقوة. ٍ وليس كل قوي
40
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)2908وال َف َرس ال ُع ْري هو :الذي ليس عليه َس ْرج .ينظر :الصحاح،
للجوهري ،)2424/6( :وقوله« :لم تُراعوا» هي كلمة تقال عند تس���كني الروع تأنيس���اً ،وإظهاراً للرفق
َ
باخملاطب ،ومعناها :ال تخافوا .ينظر :فتح الباري ،البن حجر.)457/10( :
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6370عن سعد بن أبي وقاص .
41
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فوائد ال�شجاعة:
الشجاعة لها فوائد متعددة؛ منها:
1-1أهنا س��بب النش��راح الصدر .قال ابن القيم رحمه اهللّ :
“إن الش��جاع منش��رح
الصدر ،واسع البطان ،متسع القلب ،والجبان أضيق الناس صدر ًا ،وأحصرهم
قلب��ًا ،ال فرحة له وال س��رور ،وال َّ
لذة ل��ه وال نعيم إال من جن��س ما للحيوان
فم َح َّر ٌم على كل البهيم��ي ،وأما س��رور الروح َّ
ولذهت��ا ،ونعيمها ،وابتهاجه��اُ ،
جبان ،كما هو محرم على كل بخيل ،وعلى كل معرض عن اهلل سبحانه غافل
عن ذكره ،جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه ،متعلق القلب بغيره»(.)1
2-2أهنا تحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي األخالق ِّ
والش�� َيم .قال ابن
القيم“ :والش��جاعة تحمله على عزة النفس ،وإيثار معالي االخالق والش��يم،
وعلى البذل والندى ،الذي هو ش��جاعة النفس وقوهتا على إخراج المحبوب
والح ْلم؛ فإنه بقوة نفس��ه وش��جاعته حم ُل��ه عل��ى كظم الغي��ظِ ، ومفارقت��ه ،و َت ِ
ُ
يمس��ك عناهنا ،ويكبحه��ا بلجامها عن الن��زغ والبطش ،كما ق��ال ﷺَ « :ل ْي َس
ب»( ،)2وهو حقيقة ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ
الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْم ِل ُ
الص َر َع ِة ،إِن ََّما َّ َّ ِ
الشديدُ بِ ُّ
الشجاعة ،وهي َم َل َك ٌة يقتدر هبا العبد على قهر خصمه”(.)3
3-3الشجاع يحسن الظن باهلل تعالى .قال ابن القيم رحمه اهلل“ :الجبن خلق مذموم
عن��د جمي��ع الخلق ،وأهل الجبن :هم أهل س��وء الظن باهلل ،وأهل الش��جاعة
والجود هم أهل حس��ن الظن باهلل؛ كما قيل :الش��جاعة وقاية ،والجبن مقتلة،
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6114ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)2609
42
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الكوارث واألزمات.
فإن مِن أعظم مظاهر الشجاعة حضور
2-2استجماع العقل والرشد عند الشدائدَّ ،
الذهن عند الشدائد ،وثبات القلب ،فالشجاع إذا صادفه أمر جلل قابله برزانة
وثبات ،فيتصرف بذهن حاضر ،وعقل غير ُمشتَّت ،وقلب قوي غير َف ِزع.
3-3الشجاعة األدبية ،وتتمثل يف إبداء اإلنسان رأيه وتوضيح ما يعتقد أنه حق ،مهما
43
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ظ��ن الناس به ،فيقول الحق بأدب ،وإن تأ َّلم منه الناس ،ويعرتف بالخطأ ،وإن
نالته عقوبة ،ويرفض قلب الحقائق ،ويتخذ القرار الصحيح ولو ث َّبطه َمن حوله.
غضب اإلنس��ان ،فالذي َي ْق َوى على ضبط نفسه 4-4ضبط النفس حين حصول ما ي ِ
ُ
عند الغضب وير ُّدها عنه هو القوي الشديد ،فمجاهدة النفس شجاعة ،بل هي
أش��د من مجاهدة العدو؛ َّ
ألن النبي ﷺ جعل للذي يملك نفس��ه عند الغضب
من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم(.)1
وسائل اكتساب الشجاعة:
إن كل ُخ ُلق حسن يمكن اكتسابه ،والشجاعة يمكن اكتساهبا بما يلي:
َّ
1-1اإليمان باهلل وحسن التوكل عليه ،قال تعالى :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [آل عم��ران:
.]160
2-2ترس��يخ عقيدة اإليم��ان بالقضاء والقدر ،وأنه لن يصيب اإلنس��ان إال ما كتب
اهلل ل��ه ،ق��ال تعال��ى :ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﭼ [التوبة.]51 :
3-3اللج��وء إلى اهلل بالدعاء ،واإلكثار من ذكر اهلل تعالى ،قال عز وجل :ﮋ ﯩ
ﯪﯫﯬ ﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﮊ
[األنفال.]45 :
4-4التنش��ئة عل��ى الش��جاعة من الصغ��ر له تأثي��ر كبير يف إكس��اب الم��رء مفاهيم
((( ينظر :شرح صيح البخاري ،البن بطال ،)296/9( :ويشهد لهذا :احلديث املتفق على صحته ،والذي
يل ُ
ِك نَف َْس ُه الش���دِ ي ُد ا َّلذِ ي مَ ْ ِالص َر َعةِ ،إ مَّ َ
ِنا َّ س َّ
الش���دِ ي ُد ب ُّ س���بق تخريجه قريبا ،وفيه يقول النبي ﷺ« :لَيْ َ
ِعنْ َد ال َغ َ
ض ِب».
44
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
45
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أهمية العدل:
أرسل اهلل تعالى الرسل -عليهم السالم -للدعوة لعبادته وحده وإقامة العدل
يف جمي��ع األم��ور؛ ق��ال تعال��ى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [الحدي��د .]25 :يق��ول اب��ن القيم -رحمه
اهللَّ :-
«إن اهلل أرس��ل رس��له وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقس��ط ،وه��و العدل الذي
قامت به األرض والسموات ،فإذا ظهرت أمارات العدل ،وأسفر وجهه بأي طريق
كان ،ف َثم َشرع اهلل ِ
ودينُه”(.)1 َّ ْ ُ
والعدل تتوقف عليه سعادة وطمأنينة المجتمع ،فإذا اتصف المجتمع بالعدل
قام��ت المحب��ة بينهم ،و َأمِنوا على أمواله��م وأعراضهم ،فإذا ما َأمِن الناس س ِ
��عدَ َ َ
المجتمع بالعدل وعمل الفرد فيه بِ ُح ِّر َّي ٍة ونش��اط ،فيزداد اإلنتاج ويس��تقر األفراد،
وإذا انعدم العدل يف المجتمع سادت الفوضى ،وتفشى الظلم والعدوان ،وانعدمت
األخ�لاق ،واضطرب نظام المجتمع بأس��ره ،وقد أمر اهلل عز وجل بالعدل ضمن
مجموعة من التوجيهات الربانية التي لو امتثل لها البشر لسعدوا يف الدنيا واآلخرة،
ق��ال تعال��ى :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [النحل.]90 :
الفرق بني العدل والإن�صاف:
اإلنصاف :إعطاء النصف من الشيء وأخذ النصف ،من غير زيادة أو نقصان،
تق��ول :أنصف من نفس��ه إذا أعطى من دون زيادة أو نق��صَ ،أ َّما العدل :فيكون يف
كالح ْك��م مثالً ،فنقول للس��ارق إذا ُقطِ َعت َيدُ ه :أنه
اإلنص��اف ويف غير اإلنصاف؛ ُ
46
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
47
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
َل َق َط ْع ُ
ت َيدَ َها»(.)1
3-3العدل يف الش��هادة حتى ولو كانت عل��ى ذوي القربى ،قال تعالى :ﮋ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [األنعام.]152 :
4-4الع��دل مع النف��س ،وذلك بعدم تكليفها ماال تطيق ،ق��ال تعالىﮋ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [البق��رة ،]286 :والنب��ي ﷺ يق��ولَ « :فإِ َّن لِجس ِ
��د َك َع َل ْي َ
ك َ َ
َح ًّقا»(.)2
5-5الع��دل بي��ن الزوجات ،وقد جعل اهلل تعالى العدل ش��رطًا لتع��دد الزوجات؛
فقال عز وجل :ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [النس��اء،]3 :
َت َل ُه
��ن كَان ْ
«م ْوح��ذر النبي ﷺ من الميل لزوج��ة من دون الزوجات ،فقالَ : َّ
َان َف َم َال إِ َلى إِ ْحدَ ُاه َماَ ،جا َء َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َو ِش ُّق ُه َمائِ ٌل»(.)3
ْام َر َأت ِ
6-6العدل بين األوالد ،فال يفاضل بينهم إال بس��بب مقبول ش��رعًا؛ ألن التفضيل
بال س��بب يوق��ع الع��داوة والبغض��اء بينهم؛ فع��ن النعمان بن بش��ير قال:
َ
رسول اهلل «أعطاين َأبِي َعطِ ّيةً ،فقالت َع ْم َر ُة بنت رواحة :ال أرضى حتى ُت ِ
شهدَ
رسول اهلل ﷺ ،فقال :إين أعطيت ابني مِن َع ْم َر َة بنت رواحة عطِ ّيةً، َ ﷺ ،فأتى
ت َسائِ َر َو َل ِد َك ِم ْث َل َه َذا؟»، ش��هدَ ك يا رس��ول اهلل ،قال ﷺَ :
«أ ْع َط ْي َ َفأ َم َرتني أن ُأ ِ
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)3475ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1688عن عائشة
رضي اهلل عنها.
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)1975ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1159عن عبداهلل
بن عمرو .
48
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
قال :ال ،قالَ « :فا َّت ُقوا اهَّللَ َوا ْع ِد ُلوا َب ْي َن َأ ْوال َِدك ُْم» ،قال :فرجع َف َر َّد عطِ َّيتَه» (.)1
7-7العدل يف الكيل والوزن وكل المعامالت المالية ،فقد أمر اهلل بإيفاء الكيل والوزن،
قال تعالى :ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [الش��عراء ،]181 :وأهلك اهلل
بس��بب تكذيبه��م ،وتطفيفهم الكيل وال��وزن ،وبخس الناس قوم ش��عيب
أش��ياءهم .قال تعالى :ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍﭼ [األعراف.]85 :
8-8العدل مع األعداء والخصوم ،فالنفس البش��رية قد تكره و ُتعادي ،وقد يدفعها
ذل��ك للظلم ،فأمر اهلل بالعدل يف هذه الح��ال بقوله :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [المائدة.]8 :
ويف العدل مع الناس -س��واء كانوا محبوبين أم ال ،وس��واء كانوا مس��لمين أم
وتأليف لقلوهبم ،واس��تمال ٌة له��م لهذا الدين،
ٌ تقريب لنفوس��هم،
ٌ غير مس��لمين-
وليعلموا أنه دين عدل ال ُيظلم فيه أحد.
فوائد العدل:
إن البشرية إذا قامت بالعدل كما أمر اهلل تعالى فإهنا ستجني ثمار ًا طيبة وفوائد
َّ
حسنة ،منها:
1-1نوال محبة اهلل تعالى؛ قال تعالى :ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ[الممتحنة.]8 :
2-2ش��يوع األم��ن يف األوط��ان ،فتحص��ل ب��ه طمأنين��ة النف��وس ،ويش��عر الناس
باالس��تقرار ،وبذلك يقضي على المشكالت االجتماعية واالضطرابات التي
تحدث بسبب الظلم.
49
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
50
الوحدة الثالثة:
•اإلخالص.
• الحياء.
• الشكر.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
يوضح الطالب كيفية تحقق ُخ ُلق اإلخالص.
1 -1أن ِّ
2 -2أن يبين الطالب مكانة ُخ ُلق الحياء من الدِّ ين اإلسالمي.
3 -3أن يعدد الطالب أنواع الشكر وفوائده.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1توضيح كيفية تحقق ُخ ُلق اإلخالص.
2 -2تبيين مكانة ُخ ُلق الحياء من الدِّ ين اإلسالمي.
3 -3تعداد أنواع الشكر وفوائده.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اإلخالص لغة :مشتق من مادة (خلص) التي تدل على تنقية الشيء وهتذيبه(.)1
واصطالح��ًا :ه��و إفراد اهلل عز وج��ل بالقصد والطاعة ،وتنقي��ة األعمال من
الشرك والرياء.
الرس��ل ،وأنزل به جميع الكتب ،وا ّتفق
كل ّواإلخالص هو الذي بعث اهلل به َّ
أئمة أهل اإليمان ،وهذا هو خالصة الدّ عوة النّبو ّية ،وهو قطب القرآن ا ّلذي
علي��ه ّ
تدور عليه رحاه(.)2
لذل��ك كان اإلخالص ش��رطًا من ش��روط قب��ول العمل ،فمن جع��ل عبادته
خالصة لوجه اهلل ،ثم أحسن االقتداء بالنبي ﷺ فيها ،فقد ح َّقق َش ْر َطي قبول تلك
العب��ادة ،وال تصح عبادة بدون اإلخالص هلل والمتابعة لرس��ول اهلل ﷺ ،قال
تعالى :ﮋﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﮊ [الكهف.]110 :
وأن َمن لم ُي ْخلِص فقد فس��د عمله، وب َّي��ن النب��ي ﷺ أثر النية يف قبول العملَّ ،
َت ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى اهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه
فقال ﷺ« :األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِةَ ،ولِك ُِّل ْامرِ ٍئ َما ن ََوىَ ،ف َم ْن كَان ْ
��ر َأ ٍة َي َتز ََّو ُج َها، ِ َف ِهجرتُ��ه إِ َلى اهَّلل ِ ورس��ولِ ِه ،وم��ن كَان ْ ِ
َت ه ْج َر ُت ُه لدُ ْن َي��ا ُيصي ُب َهاَ ،أ ِو ْام َ ََ ْ ََ ُ ْ َ ُ
اج َر إِ َل ْي ِه»(.)3َف ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى َما َه َ
َص الق��رآن الكريم ،قال تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وإخ�لاص العمل هلل واجب بن ِّ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [الزمر.]12-11 :
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)54وبنحوه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1907عن عمر بن اخلطاب .
53
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وق��د جعل اهلل اإلخالص يف أش��رف مكان يف اإلنس��ان وه��و القلب الذي هو
محل نظر اهلل س��بحانه وتعالى ،قال النبي ﷺ« :إِ َّن اهلل لاَ ينْ ُظر إِ َلى َأجس ِ
ادك ُْمَ ،ولاَ ْ َ َ َ ُ
إِ َلى ُص َو ِرك ُْمَ ،و َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َلى ُق ُلوبِ ُكم»(.)1
كيف يتحقق الإخال�ص؟
َّ
إن تحقيق اإلخالص هلل ﷺ يف العبادة يكون باستكمال ثالثة أمور:
األول :تنقي��ة العم��ل من التف��ات القلب إلى غي��ر اهلل ،فال يريد بعمل��ه رئاء الناس
ومدحهم ،أو نيل شيء من حظوظ الدنيا؛ كالمال أو الجاه ونحوهما ،بل يكون
مراده مرضاة اهلل فحسب.
الث��اين :احتقار عمله مع بذله مجهوده فيه ،فال يعجب بطاعته وعمله فيكون ذلك
سببًا لحبوطه وبطالنه.
الثال��ث :موافق��ة العمل له��دي النب��ي ﷺ ،إ ْذ كل عمل ليس عل��ى هدية ﷺ فهو
«م ْن َع ِم َل َع َملاً َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»( ،)2أي:
مردود على صاحبه؛ قال ﷺَ :
مردود عليه ال يقبل منه.
ق��ال ابن القيم رحمه اهلل -بعد ذكره هذه الثالث��ة« :-فهذه األركان الثالثة
ه��ي أركان الس��ير ،وأص��ول الطري��ق التي َم ْن ل��م َي ْب ِن عليها س��لوكه وس��يره فهو
فس ْي ُر ُه إ َّما إلى عكس جهة مقصودة ،وإ َّما َس ْير ا ْل ُمق َعد مقطوعْ ،
وإن ظ َّن أنه س��ائرَ ،
وا ْل ُمق َّيد ،وإما َس�� ْير صاحب الدابة الجموح ،كلما َم َش��ت خطوة إلى قدام َر َج َعت
فإن ُع ِدم اإلخالص والمتابعة انعكس س��يره إلى خلف ،وإن عش��رة إلى الخلفْ ،
ويوحد طلبه سار َس ْير ا ْل ُمق َّيد ،وإن اجتمعت له الثالثة فذلك الذي
ِّ لم يبذل جهده
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)2564عن أبي هريرة .
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1718عن عائشة رضي اهلل عنها.
54
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ال ُيج��ارى يف مضم��ار َس�� ْيره ،وذلك فض��ل اهلل يؤتيه م��ن يش��اء ،واهلل ذو الفضل
العظيم»(.)1
ومما يعني على الإخال�ص ما يلي:
ب ال ُق ُل ِ
وب ولَ :يا ُم َق ِّل َ ��ول اهللِ ﷺ ُي ْكثِ ُر َأ ْن َي ُق َ
َان َر ُس ُ
1-1اإلكثار من الدعاء ،فقد «ك َ
��ت َق ْلبِي َع َل��ى ِدينِك»( ،)2وقال أويس الق��رين« :إذا قمت فادع اهلل أن يصلح َث ِّب ْ
لك قلبك ونيتك ،فلن ُتعال ِ َج شيئًا أشدَّ عليك منهما»(.)3
فإن النفس تحب مدح اآلخري��ن وثناءهم ،لذا 2-2التغل��ب على حظوظ النف��س؛ ّ
فسد عليه النية والعمل ،قال يجب على المس��لم مدافعة هذا الخاطر حتى ال ي ِ
ُ
ألن أكثر الناس يحبون ابن الجوزي رحمه اهلل« :ما أقل من يعمل هلل خالصًا؛ َّ
ظهور عباداهتم»(.)4
3-3إخف��اء العبادات غير المش��اهدة ،واإلكث��ار منها ،كقيام الليل ،وصدقة الس��ر،
والبكاء من خشية اهلل خاليًا.
4-4الخ��وف من الش��رك بنو َع ْية ،والدع��اء بك َّفارة الرياء ،ففي حدي��ث الوقاية من
ك ِم ْن َأ ْن ن ُْشرِ َك بِ َ
ك الله َّم إِنَّا َن ُعو ُذ بِ َ
الشرك ورد عن النبي ﷺ أنه قالُ « :قو ُلواُ :
َش ْيئًا َن ْع َل ُم ُهَ ،ون َْس َتغ ِْف ُر َك لِ َما اَل َن ْع َل ُم»(.)5
((( رواه الترمذي يف سننه برقم( ،)3522عن أنس بن مالك ،وقال األلباني :حديث صحيح.
((( تفسير التستري ،لسهل بن عبداهلل التستري ،)141/1(:وصفة الصفوة البن اجلوزي.)55/2(:
((( رواه أحم���د يف املس���ند ،برق���م( .)19622وقال الهيثمي يف مجمع الزوائ���د :رواه أحمد والطبراني يف
«الكبير» و»األوسط» ،ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي علي ،ووثقه ابن حبان.)224/10(:
55
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
جماالت الإخال�ص:
ينبغي للمس��لم أن يس��تحضر نية اإلخالص يف جميع أعماله الصالحة ،سواء
كان��ت تلك األعمال عب��ادات محضة؛ كالصالة ،والصي��امِّ ،
والذكر ،ونحوها ،أو
كانت مما له عالقة بتعامله مع اآلخرين ،بل وحتى المباحات التي يفعلها المسلم،
تحول تلك المباحات إلى عبادات. ّ
فإن النية الصالحة الخالصة ِّ
قوادح الإخال�ص وعالجها:
�إ َّن من �أبرز ما يقدح يف الإخال�ص ما يلي:
1-1تعل��ق القل��ب بغير اهلل حب��ًا وخوفًا ورج��ا ًء ،وعالج��ه باليأس مم��ا يف أيدي
الن��اس ،وتعليق القل��ب باهلل وحده ،والت��وكل عليه ،والرغبة فيم��ا عندهْ ،
وأن
أن المم��دوح حقًا هو م��ن رضي اهلل عن��ه وأح َّبه ْ
وإن ذ َّم��ه الناس ،قال يعل��م َّ
بعض الس��لف« :منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحه��م ولم أحزن على ذ ِّم ِهم،
فحامدهم ُم َف ِّرط ،وذا ُّمهم ُم َف ِّرط»(.)1
2-2الرياء ،وعالجه يكون بقول الدعاء المذكور سابقًا ،ويقينه َّ
أن الخلق ال ينفعون
يضرون حقيقة ،فال يشغل نفسه بِ ِهم فيتعب ،ويضر دينه ،ويحبط عمله.وال ُّ
ب بالعمل يقود إلى الكرب ورؤية ِّ
حظ النفس والغفلة 3-3اإلعجاب بالعمل ،فال ُع ْج ُ
عن إخالص العمل هلل تعال��ى ،ويدفع لتزكية النفس أو احتقار اآلخرين ،واهلل
تعالى يقول:ﮋﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ [النجم ،]32 :ويقول سبحانه:
ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ [النس��اء:
،]49وعالج اإلعجاب بالعمل :أن يعلم العبد أن قيامه بالعمل الصالح ٌ
فضل
من اهلل تعالى عليه ،فيشكره على توفيقه إياه ،ويسأله الثبات عليه.
((( روى هذه املقولة أبو نعيم األصبهاني يف كتابه حلية األولياء ،)372/2(:عن مالك بن دينار.
56
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ثمرات الإخال�ص:
اإلخالص كشجرة كل ثمارها نافعة ،ومن ثمرات اإلخالص ما يلي:
1-1إجابة الدعاء عند التوس��ل بالعمل الصالح الخال��ص هلل تعالى؛ كقصة الثالثة
الذي��ن انطبقت عليهم الصخرة يف الغار ،فعندما دع��وا اهلل بأعمال أخلصوا له
فيها نجوا من الهالك وانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون(.)1
2-2نيل ش��فاعة النبي ﷺ؛ فعن أبي هريرة قال :قلت :يا رسول اهللَ ،م ْن َأ ْس َعدُ
��أ َلنِي
ْت َيا َأ َبا ُه َر ْي َرةََ ،أ ْن الَ َي ْس َ
الناس بش��فاعتك يوم القيامة؟ ،فق��الَ « :ل َقدْ َظنَن ُ
ك ع َلى الح ِد ِ
يثَ ،أ ْس َعدُ ْك ،لِما ر َأي ُ ِ ِ ِ ِ عن ه َذا ِ ِ
َ ت م ْن ح ْرص َ َ الحديث َأ َحدٌ َأ َّو ُل من َ َ َ ْ َ َ ْ َ
الق َي َام ِة َم ْن َق َال :الَ إِ َل َه إِ اَّل اهَّللَُ ،خالِ ًصا ِم ْن ِق َب ِل َن ْف ِس ِه»(.)2
َّاس بِ َش َفاعتِي يوم ِ
َ َْ َ الن ِ
3-3قب��ول التوبة ودخ��ول الجنة ،قال تعال��ى :ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﮊ
[النساء.]146 :
4-4تحويل العادات والمعامالت إلى عبادات ،فينش��ط المس��لم لمزيد من العمل
َّ��ك َل ْن ُتن ِْف َق َن َف َق ًة
الصال��ح وفعل الخي��ر الخالِص لوجه اهلل ،قال النبي ﷺ« :إِن َ
ك»(.)3 َت ْبت َِغي بِ َها َو ْج َه اهَّلل ِ إِ اَّل ُأ ِج ْر َت َع َل ْي َهاَ ،حتَّى َما ت َْج َع ُل فِي َف ِم ْام َر َأتِ َ
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم ( ،)56وبنحوه مس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)1628عن س���عد بن أبي
وقاص .
57
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( ينظر :موسوعة فتح امللهم بشرح صحيح اإلمام مسلم ،للشيخ شبير العثماني ،ص(.)565
((( رواه اب���ن ماج���ه يف س���ننه ،برق���م( ،)4181وصحح���ه األلبان���ي مبجم���وع طريقي���ه يف «الصحيحة»،
برقم(.)940
58
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
والحي��اء صف��ة من صفات اهلل تعالى ،فقد ثبت ع��ن النبي ﷺ أنه قال« :إِ َّن اهَّللَ
ِ ِ
عز وجل َحيِ ٌّي ست ٌِّير ُيح ُّ
ب ا ْل َح َيا َء َو َّ
الست َْر»(.)1
��ار َك َو َت َعا َلى َحيِ ٌّي وع��ن س��لمان قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :إِ َّن َر َّبك ْ
ُ��م َت َب َ
يمَ ،ي ْست َْحيِي ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع َيدَ ْي ِه إِ َل ْي ِهَ ،أ ْن َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا»(.)2 َكرِ ٌ
ان»(،)3 وهو ش��عبة من ش��عب اإليمان ،فقد قال ﷺ« :وا ْلحياء ُشعب ٌة مِن الإْ ِ يم ِ
َ َ ََ ُ َْ َ
فالحياء يقطع صاحبه من المعاصي ،ويحجزه عنها ،فصار بذلك من اإليمان.
ِ
َّاسوالحياء ُخ ُل ٌق محمو ٌد يف كل الشرائع السماوية؛ قال ﷺ« :إِ َّن م َّما َأ ْد َر َك الن ُ
ْت»(.)4 اصن َْع َما ِشئ َ ِ
م ْن َكالَ ِم النُّ ُب َّوة ،إِ َذا َل ْم ت َْست َْح ِي َف ْ
ِ
وكان نبين��ا محمد ﷺ أش��دَّ الناس حيا ًء؛ فقد وصف��ه الصحابة – رضوان اهلل
اء فِي ِخدْ ِر َها»(.)5 َان النَّبِي ﷺ َأ َشدَّ حياء ِمن الع ْذر ِ
ََ ً َ َ َ ُّ عليهم -بقولهم« :ك َ
حث النب��ي ﷺ َأ ْتباعه عل��ى التخ ُّلق بخل��ق الحياء م��ن اهلل تعالى ،فعن وق��د َّ
اء». عبداهلل بن مس��عود قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :اس��تَحيوا ِمن اهَّلل ِ ح َّق الحي ِ
َ َ َ ْ ْ ُ َ
اكَ ،و َلكِ َّن اِال ْستِ ْح َيا َء
الح ْمدُ ل ِ َّل ِهَ ،ق َالَ « :ل ْي َس َذ َ َق َالُ :ق ْلنَا :يا رس َ ِ
ول اهَّلل إِنَّا ن َْست َْحيِي َو َ َ َ ُ
((( رواه أب���و داود يف س���ننه ،برق���م( ،)4012وصحح���ه األلبان���ي .وحي���اء اهلل تعال���ى من عب���ده ال يجوز
(إن اهلل حيي) ،فعيل من احلياء ،أي كثير
تكييفه أو تش���بيهه بحياء البش���ر؛ قال املباركفوري« :قولهّ :
ووصفُ��� ُه تعال���ى باحلياء يُحمل على ما يليق له كس���ائر صفاته ،نؤمن به���ا وال نُك ِّيفها» .حتفة
احلي���اءْ ،
األحوذي.)544/9(:
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)1488والترمذي يف سننه ،برقم ( ،)3556وصححه األلباني.
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6102ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)2320عن أبي سعيد اخلدري
.
59
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ِ ِ ِ
الم ْو َتالر ْأ َس َو َما َو َعىَ ،وال َب ْط َن َو َما َح َوىَ ،و ْلت َْذ ُكرِ َ الح َياء َأ ْن ت َْح َف َظ َّ
��ن اهَّلل َح َّق َ
م َ
ك َف َقدْ ْاس��ت َْح َيا ِم َن اهَّلل ِ َح َّق
اآلخ َر َة ت ََر َك ِزينَ َة الدُّ ْن َياَ ،ف َم ْن َف َع َل َذلِ َ
والبِ َل��ى ،ومن َأراد ِ
ََ ْ َ َ َ
الح َياءِ»(.)1
َ
فف��ي ه��ذا الحدي��ث بيان واض��ح َّ
أن الحياء يش��مل جميع األعم��ال الظاهرة
والباطنة.
والحياء خ ُل ٌّق يسمو به الرجال والنساء على َحدٍّ سواء ،وإن كان الحياء يف حق
النس��اء أكمل ،وإذا و ِصفت المرأة بالحياء فذلك ِ
الق َّمة يف حس��ن ُخ ُلقها ،فالحياء ُ
ه��و حامي الفضيلة ،وحارس��ها م��ن االنحدار نح��و الرذيلة ،وقد ذك��ر اهلل موقِفًا
يتجلى فيه حياء المرأة الصالحة ،فقال س��بحانه –عن إحدى الفتاتين اللتين س��قى
:-ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ لهم��ا موس��ى
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ [القص��ص ،]25 :وهن��ا لفت��ة ربانية لتتأ َّمل كل النس��اء حال هذه
الفت��اة الحيِ َّية العفيفة ،حيث إهن��ا كانت يف الحالتين محافظة على حيائها ،فالقارئ
عندم��ا يقف على كلمة (اس��تحياء) يف قول��ه :ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ،
أهنا يف أدب وعفة وحياء ،أ َّما إذا وقف يبين حال الفتاة حين مشيتها إلى موسى
على كلمة (تمش��ي) ثم اس��تأنف القراءة من قوله تعال��ى :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ ،فهن��ا يب ِّين حال الفتاة حينما بدأت تتكلم مع
،فكالمها كان على اس��تحياء ،وهذا من بالغة الق��رآن حيث ب َّين حال موس��ى
الفتاة يف مش��يتها وكالمها أهنا حيية عفيف��ة بأخصر العبارات ،قال مجاهد« :يعني:
بخراجة وال ولاَّ جة»( ،)2وقال الط�بريَ :
«فأ َت ْت ُه واضع��ة ثوهبا على وجهها ليس��ت َّ
60
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
61
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فيح ْو ُل بينه وبين فِ ْع ِل ما ُيس�� َت ْق َبح ،فال يظهر منه إال ��ب َ
أفعال صاحبهُ ، 3-3أن��ه ُيط ِّي ُ
الخير والصالح ،قال ﷺ« :ا ْل َح َيا ُء اَل َي ْأتِي إِ اَّل بِخَ ْير»(.)1
من مظاهر انعدام احلياء �أو ِق َّل ِت ِه:
مظاهر كثيرةٌ؛ منها ما يلي:
ُ يدل على انعدام الحياء أو ق ّلته لدى البعض
ُّ
والجرأة على 1-1المجاه��رة بالمعاصي ،بإعالهنا وإظهارها للناس ،والتفاخر هباُ ،
ذل��ك ،وعدم الخوف من اهلل عز وج��ل ،وقد قال النبي ﷺ« :ك ُُّل ُأ َّمتِي ُم َعا ًفى
اهرِي��ن ،وإِ َّن ِم��ن المج ِ إِ اَّل المج ِ
��ل َع َملاً ُ ،ث َّم ُي ْصبِ َح اه َرة َأ ْن َي ْع َم َل َّ
الر ُج ُل بِال َّل ْي ِ َ ُ َ َ َ َ ُ َ
ت ال َب ِ
ار َح َة ك ََذا َوك ََذاَ ،و َقدْ َب َ
ات َي ْست ُُر ُه ولَ :يا ُفال َُنَ ،ع ِم ْل ُ َو َقدْ َست ََر ُه اهَّللُ َع َل ْي ِهَ ،ف َي ُق َ
ف ِست َْر اهَّلل ِ َعنْه»(.)2 َر ُّب ُهَ ،و ُي ْصبِ ُح َيك ِْش ُ
2-2كش��ف الع��ورات ،وعدم الح��رص على س�ترها ،و ُيلحق بذلك ت�برج المرأة
وسفورها أمام الرجال األجانب.
3-3تش�� ُّبه الرجال بالنس��اء ،س��واء يف الملبس أو قصات الشعر أو وس��ائل الزينة،
وكذلك تش�� ُّبه النس��اء بالرجال ،ومن ذلك :لبس بعض النس��اء المالبس التي
تصف األجسام ،أو تكون كهيئة مالبس الرجال.
4-4إيذاء اآلخرين ،س��واء باألقوال أو األفعال ،ومن ذل��ك مثالً :التلفظ باأللفاظ
البذيئ��ة ورف��ع الصوت يف بعض األماكن ،كاألس��واق والميادي��ن العامة ،فقد
اح ًشاسئلت عائشة رضي اهلل عنها عن ُخ ُل ِق رسول اهلل ﷺ فقالتَ « :لم يكُن َف ِ
ْ َ ْ
الس ِّي َئةََ ،و َلكِ ْن َي ْع ُفو ِ
��و ِاقَ ،والَ َي ْج ِزي بِ َّ
الس ِّيئَة َّ
ِ
َوالَ ُم َت َف ِّح ًش��ا َوالَ َصخَّ ا ًبا في األَ ْس َ
َو َي ْص َف ُح»(.)3
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم ( ، )6117ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)37
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6069ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)2990عن أبي هريرة .
((( رواه الرتمذي يف سننه ،برقم( ،)2016وصححه األلباين.
62
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
5-5إفش��اء األس��رار الزوجية واألمور الخاصة التي تحصل بين األزواج يف فراش
َّاس ِعنْدَ اهلل ِ َمن ِْز َل ًة َي ْو َم
��ر الن ِ ِ
صح عن النبي ﷺ قوله« :إِ َّن م ْن َأ َش ِّ الزوجية ،وقد َّ
الر ُج َل ُي ْف ِضي إِ َلى ْام َر َأتِ ِهَ ،و ُت ْف ِضي إِ َل ْي ِهُ ،ث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(.)1 ِ ِ
ا ْلق َي َامةَّ ،
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1437عن أبي سعيد الخدري .
((( ينظر :جامع العلوم يف اصطالحات الفنون ،حملمد علي الفاروقي.)223/2( :
63
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( ينظر :كتاب احلمد يف القرآن الكرمي والسنة النبوية للدكتور عبدالرحمن الغريبي ،ص(.)23-21
64
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ [لقمان،]14 :
ويلحق هبم :العلماء ،والمع ِّلمون ،والحكام العدول ،وكل من له فضل يستمر مع
اإلنسان طيلة حياته.
الثالث :ش��كر كل من يقدم لإلنسان خدمة ،ولو كان هذا الشكر بالدعاء ،قال
َجدُ وا َما ُتكَافِئُو َن ُهَ ،فا ْد ُعوا َل ُه
«و َم ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا َفكَافِئُو ُهَ ،فإِ ْن َل ْم ت ِ
النبي ﷺَ :
يعود نفس��ه ُش�� ْك َر الناس على إحساهنم َحتَّى ت ََر ْوا َأ َّنك ُْم َقدْ كَا َف ْأت ُُمو ُه»( .)1والذي ال ِّ
َّاس اَل َي ْشك ُُر اهَّلل»(.)2 إليه ال ُي َو َّف ُق لشكر اهلل تعالى ،قال النبي ﷺَ :
«م ْن اَل َي ْشك ُُر الن َ
فوائد ال�شكر:
لخ ُلق الشكر فوائد يف اآلخرة والدنيا ،ومن تلك الفوائد ما يلي:
ُ
1-1أنه ينجي من عذاب اهلل تعالى إذا اقرتن مع اإليمان ،قال تعالى :ﮋﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ [النساء.]147 :
2-2رض��ا اهلل عمن يحمده ويش��كره ،قال تعال��ى :ﮋﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ[الزمر،]7 :
أن الحمد والش��كر بمعنى واحد ،يقول النبي ﷺ« :إِ َّن اهللَ َل َي ْر َضى وهذا إذا اعتربنا َّ
َع ِن ا ْل َع ْب ِد َأ ْن َي ْأك َُل الأْ َ ْك َل َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها َأ ْو َي ْش َر َب َّ
الش ْر َب َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها»(.)3
3-3دوام النع��م وزيادهتا ،قال تعال��ى :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [إبراهيم.]7 :
65
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
موانع ال�شكر:
إن مِن أبرز ما يث ِّبط الناس عن الشكر بكل أنواعه ،ما يلي:
َّ
1-1الش��يطان ،فهو أكرب المرتبصين باإلنس��ان؛ يصرفه عن كل خير ،ويدعوه لكل
ش��ر ،ويحول بينه وبين الش��كر؛ كما أخرب اهلل عز وجل عن الشيطان أنه تو َّعد
اإلن��س بصرفهم عن ش��كر رهب��م ،فق��ال :ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األعراف.]17 :
2-2األم��ن مكر اهلل ،فرتى كثير ًا من ضعاف اإليمان ينظر إلى الكفرة والطغاة وهم
يرفل��ون يف النعم مع ما ه��م عليه من الكفر والطغيان ،فيأمن على نفس��ه؛ ألنه
يرى أنه أحس��ن حا ً
ال منهم ،واهلل يق��ول :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [األعراف.]99 :
3-3االغرتار بكثرة النعم ،إذ يتق َّلب اإلنسان يف نعم كثيرة ،ولم يذق لوعة الحرمان
منها س��اعة ،فيظن أهنا لن تزول ،فينس��ى شكر ربه ،وقد يكون كفراهنا سببًا يف
زواله��ا .قال تعالى :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [إبراهيم.]7 :
4-4الك�بر والغرور ولؤم الطبع ،إذ ّ
إن بعض الناس ال يرى ألحد من الخلق فضالً
علي��ه مهما فعلوا ،فيأخذ منهم وال يعطيهم ،وينتف��ع هبم وال ينفع أحد ًا منهم،
وما ذاك إال لخبث النفوس ،ودناءة األخالق ،ولؤم الطباع.
5-5النظر لمن هو فوقه يف النعم ،فيحتقر ما عنده فال يشكرها ،وقد جاء النهي عن
المطهرة؛ فعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل ﷺ« :ا ْن ُظ ُروا َّ الس��نّة ذلك يف ُّ
ُ��مَ ،ف ُه َو َأ ْجدَ ُر َأ ْن اَل َت ْز َد ُروا ِ
إِ َلى َم ْن َأ ْس�� َف َل منْك ُْمَ ،و اَل َتنْ ُظ ُروا إِ َلى َم ْن ُه َو َف ْو َقك ْ
نِ ْع َم َة اهلل ِ َع َل ْيك ُْم»(.)1
66
الوحدة الرابعة :أصول مساوئ األخالق
•الجهل.
• الظلم.
•الشهوة.
•الغضب.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
يتعرف الطالب على أصول األخالق السيئة.
1 -1أن ّ
2 -2أن يوضح الطالب أثر أصول مساوئ األخالق على بقية األخالق.
3 -3أن يعدد الطالب أسباب تخ ّلق بعض الناس بأصول مساوئ األخالق.
4 -4أن يبين الطالب طرق التخلص من أصول األخالق السيئة.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1تعداد أصول األخالق السيئة.
2 -2توضيح أثر أصول مساوئ األخالق على بقية األخالق.
3 -3ذكر أسباب تخ ُّلق بعض الناس بأصول مساوئ األخالق.
4 -4تبيين طرق التخ ُّلص مِن أصول األخالق السيئة.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
أن لِم ِ
ال تقوم عليها ،فكذلك مس��اوئ حاس��ن األخ�لاق أصو ً تبين فيما س��بق ّ َ
األخ�لاق لها أصول تؤ ِّثر فيها ،وكل َذن ٍ
ْب يقرتفه اإلنس��ان -كبير ًا كان أو صغير ًا-
ّ
فإن له أصو ً
ال من األخالق السيئة.
فمتى ا ّتصف اإلنس��ان بواحدة من أصول األخالق السيئة فإنه سيكون ُع ْر َض ًة
للتخلق ببقية األخالق المذمومة ،وفيما يلي ٌ
بيان ألصول مساوئ األخالق.
�أ�صول م�ساوئ الأخالق:
ذك��ر ابن القيم-رحمه اهللَّ -
أن األخالق المذمومة منش��ؤها من أربعة أخالق
ُ
«ومنش��أ جميع األخالق الس��افلة، ال لمس��اوئ األخالق؛ حيث قال:تعت�بر أصو ً
وبِ ُ
ناؤه��ا على أربعة أركان :الجهل ،والظلم ،والش��هوة ،والغضب»( ،)1وفيما يلي
ٌ
حديث -بشيء من التفصيل -عن هذه األخالق:
األصل األول :الجهل
69
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخ���اري يف صحيحه ،برقم( ،)100ومس���لم يف صحيحه ،برق���م( ،)2673عن عبداهلل بن عمرو
.
70
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
71
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ومن العلوم الش��رعية ما ال يس��ع المسلم جهلة؛ كأصول الدين وأحكام بعض
لتصح بذلك عقيدته وعبادته.
َّ العبادات ،فينبغي له الحرص على تع ُّلمه؛
5-5تجزئة الشريعة ،وذلك باإليمان ببعضها والعمل به دون البعض اآلخر ،وهذا
الجه��ل ليس له َحدٌّ ،فم��ن َير ُّد بعض نصوص الش��ريعة بدعوى أهنا ال تصلح
النبي َّ
لهذا الزمان أو يطالب باالكتفاء بالقرآن وترك الس��نة؛ كالذين حذر منهم ُّ
ي��ه الأْ َ ْم ُر ِم َّما َأ َم ْر ُت بِ ِهَ ،أ ْو
«ل ُأ ْل ِفين َأحدَ كُم متَّكِئًا ع َلى َأ ِريكَتِ ِه ،ي ْأتِ ِ
َ َ ﷺ بقول��ه :اَ َ َّ َ ْ ُ
َاب اهَّلل ِ ا َّت َب ْعنَا ُه»(.)1
ول :اَل َأ ْد ِريَ ،ما َو َجدْ نَا فِي كِت ِ ت َع ْن ُهَ ،ف َي ُق ُ
ن ََه ْي ُ
�أ�سباب اجلهل:
للجهل أسباب يمكن إرجاعها إلى نوعين:
النوع الأول� :أ�سباب ذاتية ،ومن هذه الأ�سباب ما يلي:
ب الرئاس��ة والتص��دُّ ر ،وهذا من أكرب أس��باب الجه��ل التي تجعل ِ
وح ُّ
��ر ُ
1-1الك ْب ُ
فيتمسك
َّ صاحبها ال يقبل أن يكون مخطئًا حتى ال تسقط مكانته وتتأثر منزلته،
برأيه وإن كان غير صحيح.
2-2الكس��ل وتثاقل طلب العل��م ،والعلم ال ُينال بالراحة والنعي��م ،فالعلم يحتاج
إلى َج َلد ،وذلك ببذل الجهد يف طلبه ،وال يتوصل إليه إال الصابرون األفذاذ،
عرض عن العلم بسبب المشقة وطول الوقت الذي يستغرقه وكثير من الناس ُي ِ
تحصيل العلم.
3-3ع��دم تقدي��ر العلم والعلم��اء ،وهذا ال يكون ع��ادة إال مم��ن كان َج ْه ُل ُه جهالً
همه االنتصار مركب��ًا ،فال يتب��ع الدليل الصحيح ،وال يقدِّ ر آراء العلم��اء؛ َّ
ألن َّ
((( رواه اب���ن ماج���ه يف س���ننه ،برق���م( ،)13والترم���ذي يف س���ننه ،برق���م( ،)2663وأب���و داود يف س���ننه،
برقم( ،)4605وصححه األلباني.
72
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
لذاته ورأيه.
أن الخجل يمنع صاحبه من السؤال 4-4الخجل ،وهو من أس��باب الجهل ،وذلك َّ
عما ُيشكِ ُل عليه يف دينه ودنياه ،فيبقى يف جهله ،فال تعلم علمًا صحيحًا ،وال
َّ
طبق شرعًا أكيد ًا.
النوع الثاين� :أ�سباب خارجية ،ومن تلك الأ�سباب ما يلي:
1-1كيد أعداء اإلسالم؛ فإنه َل ّما َعلِ َم أعدا ُء اإلسالم َّ
أن قوة اإلسالم تكمن يف العلم
وهونوا
والعلماء ،قاموا بالتالعب يف مناهج التعليم يف كثير من بالد المسلمينَّ ،
من شأن تع ُّلم القرآن الكريم والسنة النبوية والتاريخ اإلسالمي الصحيح ،كما
قاموا التش��كيك يف شريعة المس��لمين وحضارهتم وإثارة الشبهات حول ذلك
كله.
ٌ
إحداث يف دي��ن اهلل ،وإهمال 2-2جه��ود أهل الب��دع يف تجهي��ل األ ْتباع ،فالبدع��ة
للسنن وإحالل البدع ،ونشر للخرافة والجهل.
3-3النظري��ات الفكري��ة الضال��ة ،فقد أب��رز التق��دم العلمي الذي ظه��ر يف الغرب
نظريات تخالف الدين وال تؤمن بالغيب ،كالداروينية ،والوجودية ،وغيرهما
من النظريات التي تناقض ما يقرره اإلس�لام بش��أن بداية الخلق ،والغاية منه،
فار َت َك َس يف ضالالت الجهل والغواية.
وتأ َّثر هبا البعض ْ
73
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ل بالظالم حت��ى وإن طال به األمد ،فف��ي الصحيح عن العقوب��ة األكي��دة التي َت ُح ُّ
أبي موس��ى قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :إِ َّن اهَّللَ َل ُي ْم ِلي لِل َّظالِ ِم َحتَّى إِ َذا َأ َخ َذ ُه َل ْم
ُي ْف ِل ْت ُه» ،ث��م قرأ ﷺ :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ
[هود.)5( ]102 :
74
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أق�سام الظلم:
ينقسم الظلم إلى قسمين رئيسين ،وهما كما يلي:
الأول :ظلم الإن�سان لنف�سه ،ومن �أبرز �أنواعه ما يلي:
1الكفر والش��رك ،وهو أعظم أنواع ظلم اإلنسان لنفسه؛ كما قال تعالى ﮋ -1
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ
[لقمان.]13 :
2 -2الك��ذب عل��ى اهلل ،وهو أن يفرتي كالمًا من عند نفس��ه وينس��به إلى اهلل
،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮊ [األنعام.]21 :
حرم اهلل فقد أح��ل اهلل ،أو َّ
أحل ما َّ حرم ما َّ
3 -3التع��دي على حدود اهلل ،فمن َّ
ارتك��ب ظلمًا عظيمًا ،قال تعالى :ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ
[البقرة.]229 :
فمن َكت ََم الح��ق أو غ َّير فيه وأظهر ِض��دَّ ُه ،فهو ظالم ،قال َ 4 -4كت ُ
ْ��م الش��هادةَ ،
تعالى :ﮋﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ [البقرة.]140 :
الث ��اين :ظلم الإن�س ��ان لغريه من النا�س ،وقد تو َّع ��د اهلل َمن َظلَ َم النا�س
بالع ��ذاب الألي ��م ،فق ��ال تع ��اىل :ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [الش��ورى .]42 :وم��ن أبرز أنواع ظلم اإلنس��ان
لغيره ما يلي:
حرم قتل النفوس إال بحق ،فقال سبحانه: 1 -1قتل النفس بغير حقَّ ،
فإن اهلل تعالى َّ
ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ [اإلس��راء ،]33 :وق��ال
75
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ول اهللِ، ��هدُ َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ َو َأنِّي َر ُس ُ ��لمٍَ ،ي ْش َ ح ُّل دم امرِ ٍئ مس ِ
َُ ْ ُ ْ
ﷺ« :لاَ ي ِ
َ
ار ُقَّار ُك لِ ِدين ِ ِه ا ْل ُم َف ِ
سَ ،والت ِ ب الزَّانِيَ ،والنَّ ْف ُس بِالنَّ ْف ِ ٍ
إِ اَّل بِإِ ْحدَ ى َثلاَ ث :ال َّث ِّي ُ
ِ ِ
اهدً ا«م ْن َقت ََل ُم َع َ عاهدَ :- ل ْل َج َما َعة»( )1وقال ﷺ أيضًا -يف حق الكافر ا ْل ُم َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين َع ًاما»()2؛ بل جاء ُوجدُ م ْن َمس َيرة َأ ْر َبع َ يح َها ت َ الجنَّةَ ،وإِ َّن ِر َ َل ْم َيرِ ْح َرائ َح َة َ
ت الوعيد لِمن قتل الحيوان عمد ًا بغير س��بب أو حاجة؛ فقال ﷺُ « :ع ِّذب ِ
َ َ
ال ِه َي َأ ْط َع َمت َْها ِ ِ ِ ٍ
��جنَت َْها َحتَّى َما َت ْتَ ،فدَ َخ َل ْت ف َيها الن َ
َّ��ارَ ، ��ر َأ ٌة في ه َّرة َس َ ا ْم َ
ض»(.)3 ��اش األَ ْر ِ ال ِهي َت َر َكت َْها َت ْأك ُُل مِ ْن َخ َش ِ َ ِْ َ َ
َوال َس��قت َْها ،إذ َح َب َس��ت َْهاَ ،و َ
حرمه اهلل ،س��واء 2 -2أخ��ذ أم��وال الن��اس بغير حق ،وه��ذا من الظل��م الذي َّ
كان ذل��ك بالس��رقة ،أو الغ��ش ،أو التدلي��س ،أو التعدي عل��ى األمالك
ض ُط ِّو َق ُه ِم ْن «م ْن َظ َل َم ِقيدَ ِش�� ْبرٍ ِم َن األَ ْر ِ والحق��وق ،فقد قال النبي ﷺَ :
ِ
ين»(.)4َس ْب ِع َأ َرض َ
النب��ي ﷺ ،فعن أبي هريرة ذلك من ر الض َع َفة مِ��ن الناس ،فقد َّ
حذ 3 -3ظل��م َّ
ُّ
الض ِعي َف ْي ِن :ا ْل َيتِيمِ، ��ر ُج َح َّق َّ قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :ال َّل ُه َّم إِنِّي ُأ َح ِّ
َوا ْل َم ْر َأة»(.)5وقدقالتعالىيفشأنحقاليتيم:ﮋﮄﮅﮆﮇﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [النس��اء.]10 :
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)3482وبنحوه مس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)2242عن عبداهلل بن
عمر .
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)2453ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1612عن عائشة
رضي اهلل عنها.
76
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
4 -4الظلم الواقع يف األس��ر ،وله ص��ور عديدة منها :ظل��م األوالد لوالديهم
بالعق��وق ،وظل��م الوالدي��ن ألوالده��م بعدم القي��ام بحقوقه��م ،وظلم
األزواج لزوجاهتم يف النفقة والمبيت وس��وء العش��رة ،وظلم الزوجات
��ر ِة أو عدم القيام بحقوقهم ،وظلم البنات بعدم ِ
ألزواجهن بكفران الع ْش َ
تزويجه��ن ،أو بتزويجهن بغير الكفء ،وظلم األخ��وات بحرماهنن من
الميراث ،وغير ذلك من صور الظلم األسري.
حكم معاونة الظامل:
لق��د أمر اهلل تعال��ى بالتعاون على الخي��ر وهنى عن التعاون على الش��ر؛ فقال
تعال��ى :ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﯾ ﯿ ﮊ [المائ��دة ،]2 :وم��ن أع��ان ظالمًا فقد ش��اركه يف اإلث��م والعدوان،
«م ْن
ومستحق لسخط اهلل ،فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
ط اهَّلل ِ َحتَّى َين ِْز َع»(.)1
ان ع َلى ُخصوم ٍة بِ ُظ ْلمٍَ ،أو ي ِعين ع َلى ُظ ْلمٍَ ،لم يز َْل فِي سخَ ِ
َ ْ َ ْ ُ ُ َ ُ َ َأ َع َ َ
هل للظامل توبة؟
ٍ
عاص إذا ح َّقق ش��روط التوبة ،قال تعالى :ﮋ ﭮ ﭯ ب��اب التوبة مفتوح لكل
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [المائدة.]39 :
و�شروط التوبة من الظلم �أربعة:
الكف عن الظلم.
ُّ 1-1
2-2الندم على فعله.
3-3العزم على عدم العودة له.
4-4رد ما أخذ بالظلم ،أو طلب العفو والمسامحة من المظلوم.
77
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
78
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
79
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( البيت للبوصيري ،وهو ضمن قصيدته املشهورة (البُردة) ،ينظر :البردة شرحا وإعرابا وبالغة ،ص(.)35
80
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
81
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
82
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)4800وصححه األلباني ،ومعنىَ « :ربَض اجلنة» :أي نواحيها وجوانبها.
ينظر :عون املعبود شرح سنن أبي داود.)108/13( :
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6114ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)2609
83
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
84
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
عالج الغ�ضب:
إذا غضب اإلنس��ان لس��بب ما فينبغي له تذكُّر اإلرش��ادات التي تعينه بإذن اهلل
أهم تلك اإلرشادات ما يلي: ِ على التغ ُّلب على س ِ
ورة الغضب التي ا ْنتَا َبتْه ،ومن ِّ
َ َ
1-1تغيير الحال ،فإن كان الغاضب واقفًا جلس ،وإن كان جالسًا اضطجع ،يقول
ِ ِ ِ
ب َوإِ اَّل ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم َف ْل َي ْجل ْسَ ،فإِ ْن َذ َه َ
ب َعنْ ُه ا ْلغ ََض ُ النبي ﷺ« :إِ َذا َغض َ
َف ْل َي ْض َط ِ
ج ْع»(.)1
2-2االس��تعاذة باهلل من الش��يطان الرجي��م ،ألن كل غضب وراءه ش��يطان ،فحين
يس��تعاذ منه يذهب الغضب ،وقد تش��اتم رجالن أم��ام النبي ﷺ ،فاحمر وجه
ب َعنْ ُه َما َي ِ ِ
جدُ َ ،ل ْو َق َال: أحدهما فقال النبي ﷺ« :إِنِّي لأَ َ ْع َل ُم كَل َم ًة َل ْو َقا َل َها َذ َه َ
جدُ »(.)2 ب َعنْ ُه َما َي ِانَ ،ذ َه َ َأ ُعو ُذ بِاهَّلل ِ ِم َن َّ
الش ْي َط ِ
3-3كظ��م الغي��ظ ،وق��د ق��ال اهلل تعال��ى يف كتاب��ه :ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ [آل عمران:
ب»
،]134وهذا ما أرش��د له النبي ﷺ َمن طلب من��ه الوصية؛ قال« :الَ َتغ َْض ْ
ِ
ب»(.)3 َف َر َّد َد م َر ًاراَ ،ق َال« :الَ َتغ َْض ْ
4-4ضب��ط النف��س ،وذلك ب��أن ي ُك َّفها عن مس��ببات الغضبْ ،
فإن َش�� َع َر بالغضب
تصرف؛ حتى ال يقع منه ما
أي قرار أو ُّ
فعليه أن يحاول ضبط نفسه ،فال يتخذ َّ
يندم عليه.
والتح ُّلم ،وذلك بأن ُي ِّ
روض نفس��ه مرة بعد أخرى على ضبط النفس، َ 5-5التص ُّب��ر
((( أخرجه أبو داود يف مسنده ،برقم( ،)4782عن أبي ذر ،وصححه األلباني.
85
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ج َّي ٍة راس��خة ،كما جاء عن أبي الدرداء أنه قال: حتى يتحول ذلك إلى س ِ
َ
«إِنَّما ا ْل ِع ْلم بِال َّتع ُّل ِم ،وا ْل ِ
ح ْل ُم بِالت ََّح ُّل ِمَ ،و َم ْن َيت ََح َّر ا ْل َخ ْي َر ُي ْع َط ُهَ ،و َم ْن َيت ََو َّق َّ
الش َّر َ ُ َ َ
ُي َو َّقه»(.)1
86
الوحدة الخامسة:
•الكبر.
•البذاءة.
•الكسل.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
لخ ُلق الكِ ْبر.
1 -1أن يتعرف الطالب على اآلثار السيئة ُ
2 -2أن يعدد الطالب الوسائل المعينة على ترك البذاءة.
3 -3أن يبين الطالب أقسام الكسل بحسب متع َّل ِقه.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
لخ ُلق الكِ ْبر.
1 -1تذكُّر اآلثار السيئة ُ
2 -2تعداد الوسائل المعينة على ترك البذاءة.
3 -3تبيين أقسام الكسل بحسب متع َّل ِقه.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الك ْبر
النموذج األولِ :
والتج ُّبر(.)1
َ يف اللغة الكِ ْبر والكربياء :العظمة
عرفه النبي ﷺ بقوله« :ا ْلكِ ْب ُر َب َط ُر ا ْل َح ِّقَ ،و َغ ْم ُط الن ِ
َّاس»(.)2 وشرعًا :كما َّ
غمط الناس :أي احتقارهم. ومعنى ب َطر الحق :أي ر ُّده وإنكاره تر ُّفعًا ،ومعنى ْ
��زة مِن صف��ات اهلل تعال��ى ال ينبغي أن يتصف هبا اإلنس��ان؛ قال والكِب��ر ِ
والع َّ ْ ُ
تعال��ى :ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الجاثي��ة،]37 :
ول اهَّللُ ُس ْب َحا َن ُه :ا ْلكِ ْبرِ َيا ُء ِر َدائِي،
«ي ُق ُ
وعن ابن عباس قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
احدً ا ِمن ُْه َما َأ ْل َق ْي ُت ُه فِي النَّار»(.)3
َاريَ ،فمن نَا َزعنِي و ِ
َ ْ َ َ َوا ْل َع َظ َم ُة إِز ِ
89
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الث��اين :التك ُّب��ر عل��ى النبي ﷺ ،ويك��ون ذلك باالمتن��اع عن ا ِّتباع��ه وطاعته،
«أن رجالً أكل عند رس��ول اهلل ﷺ واألَ َن َف��ة عن امتثال ُس��نَّتِ ِه وطريقتِه ،وق��د ثبت َّ
«ل ْاس�� َت َط ْع َ
ت»َ ،ما يع .قال ﷺ :اَ ِ
ك» قال :ال َأ ْس��تَط ُ بش��ماله ،فقال ﷺ« :ك ُْل بِ َي ِمين ِ َ
يه”(.)2منَعه إِلاَّ ا ْلكِبرَ ،ق َال(َ :)1فما ر َفعها إِ َلى فِ ِ
َ َ ََ ُْ َ َُ
قال النووي“ :ويف هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي
بال عذر ،وفيه األمر بالمعروف والنهي عن النكر يف كل حال حتى يف حال األكل،
آداب األَ ْك ِل إذا خالفه”(.)3 ِ
واستحباب تعليم اآلك ِل َ
الثالث :التك ُّبر على العباد ،وذلك بأن يستعظم نفسه ،ويحتقر غيره ،وهذا إثم
عظي��م ،وفاعل��ه يدخل يف وعيد النبي ﷺ الذي قال في��ه« :ل َيدْ ُخ ُل ا ْل َجنَّ َة َم ْن ك َ
َان
فِي َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َذ َّر ٍة ِم ْن كِ ْبرٍ»(.)4
الك رْب:
�آثار ِ
��ز ِي يف الدنيا واآلخرة، أن للكِبر آثار ًا س��يئة تعود على صاحبها ِ
بالخ ْ ال ش��ك َّ ْ
ومن تك اآلثار:
1-1الكِ ْب��ر َي ُصدُّ صاحبه ع��ن قبول الحق والهدى ،وقد تق��دم ذكر قول النبي ﷺ:
«ا ْلكِ ْب ُر َب َط ُر ا ْل َح ِّقَ ،و َغ ْم ُط الن ِ
َّاس»( ،)5فالمتك ِّبر ال يقبل الحق وال يحرتم الخلق.
اهلل قلوب المتك ِّبرين عن االعتب��ار باآليات ،قال تعالى :ﮋ ﭶ ﭷ
2-2يص��رف ُ
((( أي :راوي احلديث ،وهو سلمة بن األكوع .
90
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ [األعراف.]146 :
��ض الناس واحتقارهم للمتك ِّبر ،فالمتك ِّبر يتعالى على الناس ،ويظن أنه ذو ُ 3-3ب ْغ ُ
��و ٍة عنده��م بِ َت َك ُّب ِر ِه ،والناس ينظ��رون إليه كما ينظر إليهم ،ث��م يوم القيامة َح ْظ َ
الم َت َك ِّب ُر َ
ون َي ْو َم «ي ْح َش ُر ُ
ْس العمل؛ يقول النبي ﷺُ : يكون الجزاء أيضًا مِن ِجن ِ
َان»(.)1الذ ُّل ِم ْن ك ُِّل َمك ٍ
اه ُم ُّ الذر فِي ُص َو ِر الر َج ِ
ال َيغ َْش ُ ِّ
ِ ِ
الق َي َامة َأ ْم َث َال َّ ِّ
- 4الوعي��د بدخ��ول النار ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ
ال ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َأ ْه ِل
ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ [الزمر .]72 :ويقول النبي ﷺَ « :أ َ
َّار :ك ُُّل ُعت ٍُّل ،جو ٍ
اظ ُم ْس َت ْكبِ ٍر»(.)2 الن ِ
َ َّ
ُ - 5ب ْغ ُض اهلل للمتك ِّبرين ،قال تعالى :ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [النحل]23 :؛
لذل��ك كان الكِ ْبر من أعظم الذنوب عند اهلل تعالى ،وبس��ببه غضب اهلل تعالى
عل��ى إبليس لما تك َّب��ر على َأ ْم ِر اهلل حي��ن َأ َم َره بالس��جود آلدم فأبى،
وكان مانِ ُع�� ُه مِن ذلك الكرب ،قال تعالى :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [البقرة.]34 :
الك رْب وعالجه:
�أ�سباب ِ
عالج أيضًا ،ويمكن
ٌ للكِبِر أس��باب توقع صاحبها يف هذا ُ
الخ ُلق الس�� ِّيئ ،وله
إجمال أسباب الكِرب وعالج كل سبب فيما يلي:
وسلطانِه،
وعلو َقدْ ِره ُ
ِّ وقوته
1-1الجهل باهلل ،ويكون بعدم استحضار عظمة تعالى َّ
فمن استهان باهلل نازعه يف كربيائه وعظمته ،واستكرب عن طاعته وعبادته.
((( رواه البخ���اري يف صحيح���ه ،برقم( ،)4918ومس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)2853ع���ن َحارِ ثَ َة بْ َن َو ْه ٍب
َاع َّي . ا ُ
خلز ِ
91
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وع�لاج ذلك يك��ون بإعمار القلب ِ
بالع ْل ِم باهلل عز وج��ل ،وتوحيده ،ومعرفة
أس��مائه وصفاته ،ودوام النظر والتأمل يف بديع صنعه ِ
وح َكم أقداره ،قال تعالى ﮋ ّ
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [الزمر.]67-65 :
وقوتِ��ه؛ حيث يظ ُّن َّ
أن ما هو في��ه من مال وجاه ِِ ِِ
2-2اغ�ترار اإلنس��ان بِماله وجاهه َّ
وق��وة إنما هي مِن ك َْس��بِه وجه��ده ،كما فعل قارون حين أغ�تر بما عنده فقال:
اهلل تعالى يف
ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ [القصص ،]78 :فكان عقابه ما ب ّينه ُ
قول��ه :ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮊ [القصص.]81 :
وعالج هذا النوع من الكرب يكون باإليمان يقينًا ّ
بأن كل نعمة ُيؤتاها اإلنس��ان
فإنم��ا هي من فض��ل اهلل تعالى وإنعامه؛ كما قال س��بحانه :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿﮊ [النح��ل ،]53 :كما يكون بتذكر ّ
أن المال يفنى ،والجس��م يبلى ،والدنيا إلى
زوال.
��ب بم��ا م َّيزه اهلل به ،فقد يعجب اإلنس��ان بما نال م��ن العلم أو الطاعة أو
3-3ال ُع ْج ُ
علو الحسب؛ فيتعالى بذلك ويتك ّبر على الناس.
المال أو جمال الصورة أو ِّ
وعالج هذا النوع من الكرب يكون بأن يوقن اإلنسان أن ما يتك َّبر به على الناس
ِ ِ
إنما هو يف األصل نعم ٌة ومنَّ ٌة من اهلل سبحانه وتعالى؛ فليس بجهده َّ
حصل اإليمان
والطاعة أو اختار الصورة والنسب ،بل اهلل الذي منحه ذلك ليبتليه ،كما قال تعالى:
ﮋﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﮊ
وأن اهلل تعالى لو ش��اء لسلبه هذه النعمة وأوقعه يف المش ّقة؛ كما
[األنعامّ ،]165 :
قال سبحانه :ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [البقرة.]220 :
92
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
93
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)4833والترمذي يف سننه ،برقم( ،)2378وحسنه.
((( رواه الترمذي يف سننه ،برقم ( ،)2002عن أبي الدرداء ،وصححه األلباني.
94
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
كل أحد؛ لذا ينبذه الناس ويجتنبون مجالسته ل ِ َش ِّره وسوء سلوكه ،فعن عائشة
َّ��اسَ ،أ ْو َو َد َع ُه أن النبي ﷺ قال« :إِ َّن َش َّ
��ر الن ِ
َّ��اس َم ْن ت ََر َك ُه الن ُ رض��ي اهلل عنه��ا َّ
َّاس ،ا ِّت َقا َء ُف ْح ِش ِه»(.)1
الن ُ
الو�سائل املعينة على ترك البذاءة:
كل ُخ ُل ٍق قبيحٍ يمكن لإلنس��ان أن يتخلص منه باتباع الوسائل المعينة على
إن َّ
َّ
ذلك ،ومن أبرز ما يعين على التخلص من البذاءة ما يلي:
1-1اإلمس��اك عن الكالم فيما ال يعني ،فإن اس��تطاع اإلنسان التحكم يف نفسه فلم
وح ُس�� َن إس�لا ُم ُه؛ لقول النبي ﷺ:
يتكلم إال فيما يعنيه فقد ملك زمام نفس��هَ ،
«م ْن ُح ْس ِن إِ ْسالَ ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما الَ َي ْعن ِ ِيه»(.)2
ِ
فإن طول الصمت وق َّلة الكالم مِن أعظم أس��باب عما ال ينفعَّ ، 2-2ل��زوم الصمت َّ
ألن اإلنسان محاسب عن كل ما ينطق به لسانه، السالمة من البذاءة والفحش؛ َّ
قال تعال��ى :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [اإلسراء.]36 :
3-3اس��تبدال الكالم الفاحش القبيح بالحس��ن الط ِّيب ،فيتخ َّير المس��لم من العبارات
ال مِن َل ْعن ِ ِه
السب والشتم بالدعاء ،ويسأل اهلل الهداية للمخطئ بد ً َّ أفضلها ،ويستبدل
ال من السخرية والبذاءة ،فقد أرشد النبي ﷺ والدعاء عليه ،ويستغفر اهلل ويذكره بد ً
ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ اهَّلل ِ»(.)3
َمن اسرتش��ده إلى كثرة ذكر اهلل؛ فقال ﷺ« :الَ َيز َُال لِ َس��ان َ
((( رواه الترم���ذي يف س���ننه ،برق���م ( ،)2317وابن ماجه يف س���ننه ،برقم ( ،)3976ع���ن أبي هريرة ،
وصححه األلباني.
95
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
96
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�أق�سام الك�سل:
ينق�سم الك�سل بح�سب ُم َت َع َّل ِق ِة �إىل ق�سمني:
٭ ٭القسم األول :الكسل عن أمور الدين ،وهذا أخطر قِ ْس َمي الكسل؛ َّ
ألن ضرره
يمتد إلى ِ
اآلخ َرة ،وهو على نوعين:
1 -1األول :الكس��ل الدائم يف كل األوقات وعن جميع الطاعات ،وهذا حال
المنافقين الذين قال اهلل عنهم :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊ
ﮋ ﮊ [النس��اء ،]142 :وهنا لفتة مهمة ،وهيّ :
أن المنافقين لم يرتكوا
الصالة ،وإنّما أ ّدوها بكسل فذ ّمهم اهلل ،فكيف بمن لم يؤ ِّدها؟!.
فت��ور ع��ن بع��ض الطاع��ات يف بعض
ٌ 2 -2الث��اين :الكس��ل الع��ارض ،وه��و
ُ��ر ٍه له��ا ،ويحص��ل هذا مع نق��ص اإليم��ان ،حيث َّ
إن األحايي��ن ،دون ك ْ
اإليم��ان يزي��د وينقصْ ،
ف��إن زاد اإليمان ازداد المس��لم نش��اطًا للعبادة
ال على الطاعة ،وإن نقص تقاصر عن بعضها ،والواجب عليه تف ُّقد
وإقب��ا ً
إيمان��ه ومع��اودة نش��اطه وإال هلك ،فعن عب��داهلل بن عم��رو بن العاص
ْ��رةٌَ ،ف َم ْن كَان ْ أن النب��ي ﷺ قال« :لِك ُِّل عم ٍل ِش��رةٌ ،ولِك ُِّل ِش ٍ ّ
َت ��رة َفت َ
َّ َّ َ َ َ
ك»(.)1 َ��ت إِ َلى َغ ْيرِ َذلِ َ
ك َف َق��دْ َه َل َ َفت َْرتُ�� ُه إِ َلى ُس��نَّتِيَ ،ف َق��دْ َأ ْف َل َحَ ،و َم ْن كَان ْ
٭ ٭القس��م الثاين :الكس��ل عن أعمال الدنياَّ ،
فإن اإلنس��ان محتاج يف دنياه للسعي
حمله اهلل تعالى من مسؤوليات ،فعن وكسب الرزق وإعفاف نفسه والقيام بما َّ
اء إِ َلى اهَّلل ِ
��مي قال :قال رس��ول اهلل ﷺ« :و َأحب الأْ َس��م ِِ ٍ ْ
َ َ ُّ ْ َ أبي َو ْهب ال ُج َش ِّ
((( رواه أحم���د يف مس���نده ،برق���م( ،)6958وصحح إس���ناده األلباني يف «صحيح الترغي���ب والترهيب»،
برقم(.)56
97
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ثَ ،و َه َّما ٌمَ ،و َأ ْق َب ُح َها َح ْر ٌب َو ُم َّرةُ»(،)1 الر ْح َم ِنَ ،و َأ ْصدَ ُق َها َح ِ
ار ٌ ِ
َع ْب��دُ اهَّللَ ،و َع ْبدُ َّ
وهمام؛ ألهنا تدلاَّ ن على حقيقة فب َّين ﷺ َّ
أن أصدق األس��ماء البش��رية حارث َّ
والهمام :المريد ،فاإلنس��ان الس��وي يسعى
َّ اإلنس��ان ،فالحارث :الكاس��ب،
دائم��ًا للكس��ب بطبعهِ ،
وه ّم ُت ُه ال تتوق��ف عن إرادة ذلك والس��عي إليه ،ومن
خالف ذلك فقد خالف طبيعته البشرية.
�أبرز �أ�سباب الك�سل:
للكس��ل أس��باب توقِ ُع صاحبها يف هذا ُ
الخ ُلق الس�� ِّيئ ،ومن تلك األسباب ما
يلي:
ف إيما ُن ُه وغفل عن
فإن اإلنسان متى َض ُع َ1-1ضعف اإليمان والغفلة عن اآلخرة؛ َّ
اآلخرة لم ِ
يبال بفوات الطاعات ،ولم َين َْش ْط لها ،و َمن كان هذا حا ُله فقد أشبه
َ
حال المنافقين الذين ال يأتون الصالة إال وهم كسالى.
والمسوف ينتقل من ِّ 2-2التسويف؛ وهو تأخير امتثال األوامر والقيام بالواجبات،
ُأمنية إلى أخرى دون أن ينجز شيئًا من عم ِل ٍ
دين أو ُدنيا ،فيقضي عمره ُي َمنِّي نفسه
ٍ
بغد ،ويقول :غد ًا سأفعل ،غد ًا سأفعل ،فت َُم ُّر األوقات دون أن يحرك ساكنًا!.
ف��إن اهلل تعال��ى فطر النفس البش��رية عل��ى اليقظة هن��ار ًا والنوم
3-3طول الس��هر؛ َّ
اإلنس��ان الفطر َة بالس��هر أرهق جس��ده وتم َّكن منه الخمول
ُ ليالًْ ،
فإن عارض
والكس��ل ،فال يستطيع القيام بمس��ؤولياته على الوجه الصحيح أبد ًا ،وقد كان
النبي ﷺ يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها( )2ألجل ذلك.
98
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
99
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فيه ،وتبذر بذور الكس��ل والخم��ول يف النفوس ا ْل ُمت َْر َفة ،حتى تس��تثقل قضاء
حاجاهتا بنفس��ها .قال ابن القيم رحمه اهلل“ :العل��م والعمل توأمان ُأ ُّم ُهما ُع ُل ُّو
ا ْل ِه َّمة ،والجهل والبطالة توأمان ُأ ُّم ُهما إيثار الكسل”(.)1
الو�سائل املعينة على ال�سالمة من الك�سل:
هناك وس��ائل تعين -بإذن اهلل -على السالمة من الكسل والتخلص منه ،ومن
هذه الوسائل:
1-1اللجوء إلى اهلل واالس��تعاذة من الكسل ،كما كان النبي ﷺ ُي ْكثِ ُر يف دعائه
الحز َِنَ ،وال َع ْج ِز َوالك ََس ِل.)2(»...، يقول« :ال َّلهم إِنِّي َأعو ُذ بِ َ ِ
اله ِّم َو َ
ك م َن َ ُ ُ َّ
2-2المحافظة على الصلوات يف أوقاهتا؛ كما أمر اهلل تعالى بذلك ،فقال :ﮋ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ [البق��رة ،]238 :وق��ال
تعالى :ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ [النساء.]103 :
3-3مجالس��ه أصحاب ِ
اله َمم العالية ،فهذه من أبرز الدوافع للجد وترك الكس��ل؛
فإن جالس الجا ِّدين َج��دَّ واجتهدْ ،
وإن جالس ألن اإلنس��ان يتأثر بمن حولهْ ،
َّ
الكسالى كسل وهتاون.
4-4النظر يف س��ير الجا ِّدين قديمًا وحديثًا ،فكلما سمعنا عن همم من كانوا قبلنا،
وأن ا ْل ِه َّم�� َة وراء كل
أن النعي��م ال ُيدْ رك بالنعي��مَّ ،
وم��ن يعيش��ون بينن��ا ،علمنا َّ
نج��اح ،والنج��اح الحقيقي ما يبقى أثره ويمتد نفع��ه ،وال يبقى إال ما كان اهلل،
كما قال اإلمام مالك بن أنس« :ما كان هلل بقي» (.)3
100
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
101
الوحدة السادسة:
•التشاؤم
•الحسد
•الغفلة
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1 -1أن يوضح الطالب خطر التشاؤم على العقيدة.
2 -2أن يعدِّ د الطالب الوسائل الوقائية من حسد الحاسدين.
3 -3أن يب َّين الطالب الفرق بين الغفلة والنسيان.
* نواتج التعلم:
قادرا على:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1توضيح خطر التشاؤم على العقيدة.
2 -2تعداد الوسائل الوقائية من حسد الحاسدين.
3 -3تبيين الفرق بين الغفلة والنسيان.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ورج ٌل مش��ؤوم على ق��وم ،أيَ :ج َّر ِ التش��اؤم لغة :من ُّ
(الش��ؤم) ض��دُّ ال ُي ْمنُ ،
الشؤم عليهم( ،)1فالتشاؤم ضد التفاؤل ،وهو مأخوذ من الشؤم والتط ُّير.
ويمكن تعريف التش��اؤم اصطالحًا بأنهُ :خ ُل ٌق يقوم على َت َو ُّق ِع َّ
الش ِّر بسبب ما
يراه اإلنسان أو يسمعه مما ال ُي ِ
عجبه.
ٍ
شيء َّما سببًا مشؤومًا ،أي :اعتقاد أن يكون وجود
فالتش��اؤم :هو عَدُّ الشيء ُ
ِ
وجود ما ُي ْح ِز ُن و َي ُض ُّر(.)2 يف
والتشاؤم ُخ ُل ٌق جاهلي ،فقد كانت العرب يف الجاهلية تتشاءم من أشياء مرئية
وأش��ياء مس��موعة ،أو أزمنة معينة ،أو أمكنة معينة ،فربما تشاءموا بصوت ال ُبوم أو
الغراب من المس��موعات ،أو تش��اءموا برؤية األعور أو المجذوم من المرئيات،
ونحو ذلك؛ كأن يذهب أحدهم ليفتح َمت َْج َره يف الصباح ،فيجد يف طريقة شخصًا
أعور ،فيتشاءم به ،فيعود وال يفتح المحل!.
ومِ ْث ُل ُه التشاؤم باألمكنة ،أو األزمنة ،فقد كانوا يتشاءمون بيوم األربعاء ،وبشهر
يعقدُ ون فيه النكاح ،ويقولون :الزواج صفر ،وكذلك يتش��اءمون بشهر ش��وال فال ِ
ضتعمد مخالفة أهل الجاهلية لِنَ ْق ِ ُّ يف ش��وال َش ٌّر!؛ ولذلك ورد عن الصحابة
ُم ْع َت َق ِد ِه��م الباط��ل ،فكانت عائش��ة رض��ي اهلل عنه��ا إذا َج َّهزت امرأ ًة م��ن قريباهتا
لل��زواج تجع��ل العرس يف ش��وال نِكاي ًة يف اعتق��اد أهل الجاهلية ،وقالت عائش��ة
الَ ،ف َأي نِس ِ
اء الَ ،و َبنَى بِي فِي َش َّو ٍ ول اهللِ ﷺ فِي َش َّو ٍ
رضي اهلل عنهاَ « :ت َز َّو َجنِي َر ُس ُ
ُّ َ
105
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
��ول اهللِ ﷺ ك َ
َان َأ ْح َظى ِعنْدَ ُه مِنِّي؟»( ،)1أي :لو كان شوال شر ًا ما كنت أنا هبذه رس ِ
َ ُ
المنزلة ،وال كان ذلك الزواج المبارك.
ولم ينقطع التشاؤم من الناس يف العصر الحديث؛ بل منهم اآلن من يتشاءمون
بالرق��م ( ،)13وهذا موجود عند بعض الغربيين اليوم ،على تقدمهم التكنولوجي
وتطوره��م المادي ،فبعض ش��ركات الطي��ران العالمي��ة ال ُت َر ِّقم المقاع��د بالرقم
( ،)13وكذلك أرقام المصاعد يف ناطحات السحاب ال ُت َر ِّقم بذلك الرقم!.
ب��ل الزال التش��اؤم -ولألس��ف -حتى عن��د بعض المس��لمين الي��وم؛ فإهنم
يتش��اءمون برؤي��ة صورة الش��خص غير الحس��نة ،وح��وادث الس��يارات ،وموت
األشخاص أو مرضهم ،فيجعلوهنا أمار ًة على شؤ ِم ما أرادوا اإلقدام على فعله!.
الفرق بني الت�شا�ؤم والتفا�ؤل:
يمكن التفريق بين التشاؤم والتفاؤل بما يلي:
- 1التشاؤم تو ُّقع الشر ،أما التفاؤل فهو توقع للخير.
- 2التش��اؤم يتضم��ن س��وء الظن باهلل فيم��ا ُي َقدِّ ر عل��ى العبد ،أما التف��اؤل ففيه
إحس��ان َظ ٍّن به س��بحانه ،ويف الحديث اإللهي يقول اهلل تعال��ىَ « :أنَا ِعنْدَ َظ ِّن
َع ْب ِدي بِي»(.)2
- 3التش��اؤم ِش ْ��ر ٌك ممنوع ،والتفاؤل ُخ ُل ٌق مش��روع؛ فعن عبداهلل بن مسعود
��ر ٌكَ ،ثلاَ ًثاَ ،و َما ِمنَّا إِ اَّل َو َلكِ َّن ِ ِ
عن رس��ول اهلل ﷺ قال« :ال ِّط َي َر ُة ش ْر ٌك ،ال ِّط َي َر ُة ش ْ
((( متف���ق علي���ه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)7405ومس���لم يف صحيح���ه ،برقم( ،)2675عن أبي
هريرة .
106
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف سننه ،عن عبداهلل بن مسعود ،برقم( ،)0193وصححه األلباني.
107
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
108
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�آثار الت�شا�ؤم:
للتشاؤم آثار سلبية على َمن يتخ َّلق به ،ومن تلك اآلثار ما يلي:
فإن التشاؤم ناتِ ٌج عن خلل يف إيمان العبد بالقضاء والقدر؛ 1-1الوقوع يف الشركَّ ،
ألنه يتضمن َش ّكًا يف وجود ُم َؤ ِّث ٍر يف الكون مع اهلل سبحانه وتعالى.
2-2ت��رك بعض األعمال النافعة أو الرتدد يف بعض القرارات ذات األهمية بس��بب
التشاؤم.
ُّ
ويشك يف كل من يتعامل معه أو 3-3النُّفرة من الناس ،فالمتش��ائم ينفر من الناس،
يقابله.
4-4القل��ق واالضط��راب والخ��وف الدائ��م؛ ألنه يتوقع الس��وء والمك��روه يف كل
أحواله.
5-5أنه يؤدي بالمتش��ائم للوسوسة ،فما يرى شيئًا أو يسمعه إال ويتوقع أن يصيبه
البالء والشر ،فيفتح على نفسه بابًا يفسد عليه راحته و ُينَ ِّغ ُ
ص حياته.
6-6أنه قد يوقع يف اإلصابة ببعض األمراض النفسية التي يحتاج عالجها إلى وقت
طويل.
عالج الت�شا�ؤم:
من ابتلي بداء التشاؤم فعليه با ِّتباع أسباب عالج هذا الداء ،ومن تلك األسباب
ما يلي:
ُ 1-1حس��ن الظن باهلل ،فكلما قوي إيمان العبد وحس��ن ظنه برب��ه زال عنه كل داء،
ومنه التشاؤم.
109
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
2-2الت��وكل على اهلل ،فمن توكل على اهلل كفاه ووقاه وعافاه وهداه ،وقد قال ﷺ:
«و َلكِ َّن اهَّللَ ُي ْذ ِه ُب ُه بِالت ََّوك ُِّل»(.)1
َ
3-3المضي فيما كان ينوي القيام به ،فهذا من أقوى عالجات الخواطر التشاؤمية.
4-4الدعاء بك َّفارة التش��اؤم؛ فعن عبداهلل بن عمرو قال :قال رس��ول اهلل ﷺ:
«من رد ْته ال ِّطير ُة ِمن ح ٍ
��ر َك» .قالوا :يا رسول اهلل ،وما كفارة ذلك؟ اجة َف َقدْ َأ ْش َ َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ
��ر َكَ ،والَ إِ َل َه ��ول َأ َحدُ ُه ْم :ال َّل ُه َّم الَ َخ ْي َ
��ر إِالَّ َخ ْي ُر َك َوالَ َط ْي َر إِالَّ َط ْي ُ ق��الَ :
«أ ْن َي ُق َ
َغ ْي ُر َك»(.)2
5-5إحي��اء التف��اؤل يف النف��س وتعويده��ا علي��ه ،مع التغاف��ل عن التش��اؤم وعدم
االلتفات لخطراته.
ب��أن الحي��اة ال تصفو أبد ًا؛ فاهلل خلق اإلنس��ان يف َك َب��د ،فالبد أن يعرتيه
6-6العل��م َّ
الهم وال َكدَ ر ،ومن ِّغصات الحياة ،وتبدُّ ل األحوال ،فال يجعل المؤمن من ذلك
ُّ
سببًا للتشاؤم.
110
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الح ِّقَ ،و َر ُج ٍل آتَا ُه اهَّللُ ِحك َْمةًَ ،ف ُه َو ِِ ِ
ا ْثنَ َت ْي ِنَ :ر ُج ٍل آتَا ُه اهَّللُ َم اًالَ ،ف َس َّل َط ُه َع َلى َه َلكَته في َ
111
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
َي ْق ِضي بِ َها َو ُي َع ِّل ُم َها»()1؛ فالمقصود بالحسد يف هذا الحديث :الحسد غير المذموم
ِ
(الغ ْب َطة) ،وقد َّ
فس��ره النووي عند ش��رحه لهذا الحديث بقوله“ :هو أن يتمنى مثل
النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها”(.)2
وأ َّما المنافس��ة فهي :المش�� َّقة من أجل الفوز دون تمني زوال النعم عن الغير،
وق��د َّ
حث اهلل س��بحانه وتعالى على التنافس الش��ريف بقوله :ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﭼ [المطففين.]26 :
�أ�سباب احل�سد:
1-1العداوة والبغضاء ،وهي من أش��د أسباب الحسد ،فمن كره إنسانًا ألي سبب
كان ،امتأل قلبه عليه حقد ًا ،فيحسده على ما أتاه اهلل ،ويرتبص به ليوقعه يف كل
مكروه.
2-2التعالي والتك ُّبر ،وهو أن يجد يف نفسه تكرب ًا على من زاد عنه يف علم أو منصب
فيدب الحسد إلى نفسه بسبب ذلك.
ُّ أو مال،
3-3الخ��وف على فوات المقص��ود ،وهو أن يتنافس مجموعة على أمر واحد ،فال
ُبدَّ أن يكون ذلك األمر لش��خص واحد منهم ،عندها قد يقع الحس��د لمن نال
ذلك األمر بسبب َس ْب ِق ِه لغيره.
��ث النفس وكرهها الخير للناس ،وهذا دا ٌء ُع َض ٌالَّ ،
فإن هناك أن ُفس��ًا خبيثة ُ 4-4خ ْب ُ
َه ُّم َها َت َت ُّب ُع نِ َع ِم اهلل على الناس وكراهتها لهم وتمني زوالها عنهم!.
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)9041ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)862عن عبداهلل
بن مسعود .
112
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
113
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اه َ
ك.)1(»... ت َُج َ
2-2الت��وكل عل��ى اهلل ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮊ [الطالق،]3 :
التحصن
ُّ وليعلم المس��لم َّ
أن التوكل ال ينايف األخذ باألس��باب ،ومن ضمنها:
باألذكار المشروعة ،واالستعاذة باهلل من شر الحاسدين.
ب األسباب هو اهلل 3-3تحقيق التوحيد يف النفس ،وذلك بأن يوقِن المسلم َّ
أن ُم َس ِّب َ
وأن الحاسد ال يضر وال ينفع إال بإذن اهلل ،قال تعالى :ﮋﯯ ﯰ ﯱ وحدهَّ ،
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ [األنعام.]17 :
4-4االس��تعاذة باهلل من شر الحاس��دين؛ َّ
ألن اهلل تعالى يقول ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [الفلق.]5-1 :
5-5اإلحس��ان إلى الحاسدَّ ،
فإن اإلحسان إليه يطفئ نار الحسد يف قلبه ،فيسلم ذو
شره.
النِّعمة -بإذن اهلل -من أذى الحاسد ومن ِّ
114
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( املفردات يف غريب القرآن ،للراغب األصفهاني ،ص( ،)573والتعريفات ،للجرجاني ،ص(.)261
((( رواه ابن ماجه يف سننه ،برقم( ،)3402عن أبي ذر ،وصححه األلباني.
115
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)568عن عبداهلل بن عمر وأبي هريرة رضي اهلل عنهما.
116
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
5-5طول األمل ،فمن نسي الموت ،وأطلق لألمل العنان ،فسيكون من الغافلين ،قال
تعالى :ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [الحجر.]3 :
6-6كثرة الضحك ،وقد انتشر الضحك وكثرت وسائله ،حتى أصبح بعض الناس
يبحث عنه يف كل مكان ،بمناس��بة أو غير مناس��بة ،مم��ا أدى إلى موت القلب
ك،ح َالض ِ
«و اَل ُتكْثِرِ َّ وتحكم الغفلة ،قال النبي ﷺ يف وصيته ألبي هريرة َ :
��ب» ( ،)1ويف الحديث اآلخ��ر يقول النبي ﷺ: ك ت ُِم ُ
يت ال َق ْل َ
ح ِ
الض ِ
َف��إِ َّن َك ْث َ
��ر َة َّ
ون ما َأع َلمَ ،لب َكيتُم كَثِيرا و َل َض ِ
ح ْكت ُْم َق ِليل»(.)2 ٍ ِِ ِ
«وا َّلذي َن ْف ُس ُم َح َّمد بِ َيدهَ ،ل ْو َت ْع َل ُم َ َ ْ ُ َ ْ ْ ً َ َ
عالج الغفلة:
غفلة القلب داء عضال ،يؤدي باإلنسان للمهلكة ،فيخسر الدنيا واآلخرة ،ﮋﮂ
وإن مِ��ن أهم طرق النجاة من الغفلة ما يلي:
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الزم��رَّ ،]15 :
1-1العل��م ،والمراد به معرفة العبد لربه وأس��مائه وصفاته ومعانيها ،ومعرفة النبي
وسنَّتِ ِه ،ومعرفة اإلسالم وشرائعه ،فمن عرف أصول دينه باألدلة الشرعيةﷺ ُ
حق الخش��ية ،ق��ال تعالى :ﮋ ﯞ
زالت عنه الغفلة ،وأصبح ممن يخش��ى اهلل َّ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [فاطر.]18 :
2-2كثرة ذكر اهلل تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وغيرها ،والمحافظة
على أذكار المناسبات؛ كأذكار الصباح والمساء ،والدخول والخروج...إلخ،
سيذك ُُر ُه اهلل و ُي َذك ُِّر ُه ،قال تعالى :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ
فإن لذاكر لربه ْ
َّ
ﯬ ﯭ ﯮﮊ [البقرة.]152 :
3-3حضور مجالس الذكر ،أو االس��تماع لها عرب الوس��ائل الحديثة ،فالتذكير مما
117
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اهلل تعالى ويبارك فيها ،فقد ِ يدفع الغفلة عن اإلنسان؛ َّ
ألن هذه المجالس يح ُّبها ُ
«ما َأ ْج َل َس��ك ُْم؟» َقا ُلواَ :ج َل ْس��نَا ِ ٍ ِ
النبي ﷺ َع َلى َح ْل َقة م ْن َأ ْص َحابِهَ ،ف َق َالَ : خ َر َج ُّ
َ
اهلل َون َْح َمدُ ُه َع َلى َما َهدَ انَا لِلإْ ِ ْسلاَ ِمَ ،و َم َّن بِ ِه َع َل ْينَاَ ،ق َال« :آهَّلل ِ َما َأ ْج َل َسك ُْمن َْذك ُُر َ
«أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْس��ت َْح ِل ْفك ُْم ت ُْه َم ًة
اكَ ،ق َالَ : اك؟» َقا ُل��واَ :واهللِ َما َأ ْج َل َس��نَا إِلاَّ َذ َ إِ اَّل َذ َ
اهي بِك ُُم ا ْل َملاَ ئِ َكةَ»(.)1 يل َف َأ ْخبرنِيَ ،أ َّن اهلل ع َّز وج َّل يب ِ
َ َ َ َ َُ ََ َلك ُْمَ ،و َلكِ َّن ُه َأتَانِي ِج ْبرِ ُ
4-4ق��راءة القرآن الكريم ،فالق��رآن هو أعظم عالج للنفس م��ن كل أدوائها ،ومن
ذلك داء الغفلة ،قال تعالى :ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ [اإلس��راء ،]82 :فينبغ��ي للمس��لم أن يجعل له ِو ْرد ًا
قل ،فإنه سيجد أثر ذلك يف ِر ّق ِة قلبه.
من القرآن يقرؤه كل يوم ولو ّ
فإن فيهم��ا تجديد ًا للعه��د مع اهلل ،وإحي��ا ًءا للقلوب من
5-5التوب��ة واالس��تغفارَّ ،
غفلته��اَّ ،
وإن ب��اب التوبة مفتوح ،واهلل تعالى يفرح بتوب��ة عبده إذا تاب ورجع
إليه ،ق��ال تعال��ى :ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [الزم��ر ،]53 :وق��ال تعالى :ﮋ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [ط��ه ،]82 :وقال س��بحانه :ﮋ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﮊ [الحجر.]49 :
6-6الدعاء ،وس��ؤال اهلل تعالى ص�لاح القلب ،فالدعاء س�لاح المؤمن ،وهو مما
يس��تعين به العبد يف النجاة من كل ما يخاف الهالك بس��ببه ،لذلك فإن من أراد
أن ينج��و م��ن الغفلة فعليه بالدعاء ،فقد ق��ال اهلل تعالى :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﮊ [البقرة.]186 :
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1072عن معاوية بن أبي سفيان .
118
القسم الثاني:
اآلداب اإلسالمية
121
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
122
الوحدة األولى :اآلداب اإلسالمية العليا
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1 -1أن يب ِّين الطالب أهمية األدب مع اهلل تعالى.
2 -2أن يعدِّ د الطالب ثالثة من مظاهر شكر اهلل تعالى.
يوضح الطالب صور األدب مع القرآن الكريم.
3 -3أن ِّ
* نواتج التعلم:
قادرا على أن:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1تب ِّين أهمية األدب مع اهلل تعالى.
2 -2تعدِّ د ثالثة من مظاهر شكر اهلل تعالى.
توضح صور األدب مع القرآن الكريم.
ِّ 3 -3
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
نعن��ي باآلداب اإلس�لامية العليا تلك اآلداب التي ش��رع اإلس�لام التأ َّدب هبا
��رعت لنا آداب هي يف ج ُّله مما ُأمِر بإجالله؛ فقد ُش ِ
حينما يتعامل المس��لم مع ما ُي ِ
غاي��ة الس��مو والرفعة ،ينبغي أن نتأ َّدب هبا يف تعاملنا م��ع اهلل جل وعال ،ومع كتابه
العظيم ،ومع رسوله الكريم ﷺ ،وفيما يلي التعريف بأهم تلك اآلداب:
أوالً :األدب مع اهلل عز وجل
إن اهلل تعالى هو َأ َح ُّق َمن ُيت ََأ َّد ُب معه ،فح ُّقه س��بحانه آ َكدُ الحقوق ،فهو تعالى
َّ
أه��ل الثناء والمج��د ،وصاحب الج�بروت والملكوت والكربي��اء والعظمة ،وله
الخلق واألمر ،وله الملك وله الحمد وله الدنيا واآلخرة ،وله النعمة ،وله الفضل،
وله الثناء الحس��ن ،وله ا ْل ُم ْلك ك ُّله ،وله الحمد ك ُّله ،وبيده الخير ك ُّله ،وإليه يرجع
وعمت نِ ْع َم ُت ُه ك َُّل
األمر ك ُّله ،ش��ملت قدره ك َُّل ش��يء ،ووسعت رحمته ك َُّل شيءَّ ،
حي ،ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [الرحمن.]٢٩ :
والتأدب مع الخالق جل وعال يكون بأمور؛ من أبرزها:
�أو ً
ال :الإميان به وتوحيده واحلذر من ال�شرك:
فتوحيد اهلل وإخالص العبادة له س��بحانه وعدم الش��رك ب��ه هو رأس األمر يف
تعظي��م اهلل عز وج��ل والتأ ُّدب معه؛ فهو األم��ر الذي مِن َأ ْجلِ ِه َخ َل َ
��ق ا ْل َخ ْلق ،قال
تعالى :ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [الذاريات.]٥٦ :
غيره؛ كما قال النب��ي ﷺَ « :ق َال اهللُ َت َب َار َك وه��و س��بحانه ُّ ِ
أجل من أن ُيعبد معه ُ
الش ْر ِكَ ،م ْن َع ِم َل َع َملاً َأ ْش َر َك فِ ِيه َم ِعي َغ ْيرِي ،ت ََر ْك ُت ُه الشرك ِ
َاء َع ِن ِّ َو َت َعا َلىَ :أنَا َأ ْغنَى ُّ َ
125
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
َو ِش ْر َك ُه»(.)1
حق اهلل على العب��اد؛ فعن معاذ بن وتوحي��د اهلل تعالى وعدم اإلش��راك به هو ُّ
«يا ُم َعا ُذ، ف النَّبِي ﷺ َع َلى ِح َم ٍ
ار ُي َق ُال َل ُه ُع َف ْي ٌرَ ،ف َق َالَ : جب��ل أنه ق��الُ :كن ُْت ِر ْد َ
ِّ
ت :اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم، اد َع َلى اهَّللِ؟»ُ ،ق ْل ُ
العب ِِ ِ ِِ ِ
َه ْل تَدْ ِري َح َّق اهَّلل َع َلى ع َبادهَ ،و َما َح ُّق َ
اد ع َلى اهَّلل ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َق َالَ « :فإِ َّن َح َّق اهَّلل َع َلى الع َباد َأ ْن َي ْع ُبدُ و ُه َوالَ ُي ْش��رِكُوا بِه َش ْيئًاَ ،و َح َّق الع َب َ
َأ ْن الَ ُي َع ِّذ َب َم ْن الَ ُي ْشرِ ُك بِ ِه َش ْيئًا»(.)2
ثانيا� :شكره على نعمة واالعرتاف بف�ضله:
َّ
إن نع��م اهلل تعالى على العبد كثي��رةٌ ،وليس بمقدور الناس جميعًا إحصاؤها؛
كم��ا ق��ال س��بحانه :ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [إبراهيم ،]٣٤ :وإنما
بمقدوره��م أن يقوموا بش��كرها كما أمر بذلك س��بحانه ،فقال :ﮋ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ [البق��رة ،]١٥٢ :وق��ال عز وجل :ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ
[العنكبوت ،]١٧ :ويتحقق شكره سبحانه على نِ َع ِم ِه بأمور؛ منها:
1-1الخض��وع له ،ويكون ذلك بالقلب ،بأن يوقن أهنا من عند اهلل وحده؛ كما
قال تعالى :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ [النحل.]٥٣ :
فإن النف��وس ُجبِ َلت بِ َط ْب ِع َها على
وج ْع ُل َها فوق مح َّب ِة كل أحدَّ ،
َ 2-2م َح َّبتُ�� ُه تعالىَ ،
ب َمن أحسن إليها ،فكيف إذا كان هذا ا ْل ُمن ِْع ُم هو اهلل عز وجل ؟!. ُح ِّ
3-3االع�تراف بِن ِ َع ِم ِه تعال��ى ،ويكون ذلك ب��دوام اإلقرار والحمد باللس��ان؛ قال
تعال��ى :ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣﭼ [الضح��ى ،]١١ :ويكون أيضًا بالجوارح،
وذل��ك بطاعت��ه تعال��ى والبعد ع��ن معاصيه؛ ق��ال س��بحانه :ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ
((( متفق عليه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)2856ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)30
126
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
127
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
العبد هذه األس��ماء وأيق��ن بمقتضاها أورثه ذلك دوام مراقبة اهلل وحس��ن األدب
معه.
وثانيهم��ا :تقوية خش��ية اهلل يف القلب ،بحيث يخ��اف اهلل تعالى ،وأمارة ذلك:
تقدي��م خوفِ ِه مِنْ ُه عل��ى الخوف من غيره؛ ق��ال تعال��ى :ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﮊ [التوبة ،]١٣ :وتكون أيضا بالخوف من عذابه وعقوبته يف اآلخرة؛ كما
قال عز وجل :ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [األنعام.]١٥ :
رابعا :الت�سليم حلكمه و�أمره ونهيه:
ال يتح َّق ُق األدب مع اهلل تعالى إال إذا تل َّقى اإلنسان أحكام اهلل بالقبول والتطبيق
العملي ،فال يرد شيئا من أحكام اهللْ ،
فإن ر َّد شيئًا من أحكام اهلل فقد أساء األدب مع ربه
عز وجل ،سواء ردها إنكارا لها ،أو استكبارا أو هتاونا بالعمل هبا؛ قال تعالى :ﮋﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞﭟﭠ ﮊ [األحزاب.]٣٦ :
والتس��ليم لحك��م اهلل تعالى هو مقتضى طاعته التي ُأمِ��ر هبا المؤمنون؛ كما يف
قول��ه :ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [محم��د ،]٣٣ :وق��د وص��ف
كل ُح ْك ٍ
��م يخالف ُح ْك َم ُه بأنه ُح ْك ُ
��م الجاهلية ،فقال :ﮋ ﯾ ﯿ اهلل تعال��ى َّ
ﰀ ﮊ [المائدة .]٥٠ :قال ابن س��عدي رحمه اهلل :ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ أي:
ٍ
حكم خالف ما أنزل َأ َف َي ْط ُل ُبون بِت ََو ِّليهم وإعراضهم عنك حكم الجاهلية؟ ،وهو كل
ثم إال ُح ْكم اهلل ورسوله ،أو ُح ْكم الجاهلية ،فمن أعرض عن
اهلل على رسوله؛ فال َّ
األول ابتلي بالثاين المبني على الجهل والظلم والغي ،ولهذا أضافه اهلل للجاهلية،
وأ َّم��ا حكم اهلل تعالى فمبني على العلم والعدل والقس��ط والنور والهدى ،ﮋ ﰂ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [المائ��دة ،]٥٠ :فالموق��ن هو الذي يعرف
الف��رق بين الحكمي��ن ويميز -بإيقانه -م��ا يف حكم اهلل من الحس��ن والبهاء ،وأنه
128
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
129
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ي َر ِّب ا ْغ ِف ْر لِي َذ ْنبِيَ ،ف َق َال َت َب َار َك َو َت َعا َلىَ :ع ْب ِدي ��الَ :أ ْ
َبَ ،ف َق َ ْ��بُ ،ث َّم َعا َد َف َأ ْذن َالذن ِ بِ َّ
يَب َف َق َالَ :أ ْ ��م َعا َد َف َأ ْذن َ ْبُ ،ث َّ الذن ِْبَ ،و َي ْأ ُخ ُذ بِ َّ ��م َأ َّن َل ُه َر ًّبا َيغ ِْف ُر َّ
الذن َ
ِ
َأ ْذن َ
َ��ب َذ ْن ًباَ ،ف َعل َ
َ��ب َع ْب ِدي َذ ْن ًباَ ،ف َع ِل َم َأ َّن َل�� ُه َر ًّبا َيغ ِْف ُر ��ر لِ��ي َذ ْنبِيَ ،ف َق َ
��ال َت َب َار َك َو َت َعا َلىَ :أ ْذن َ
ِ
َر ِّب ا ْغف ْ
ك»(.)1 ْت َف َقدْ َغ َف ْر ُت َل َ ْب ،ا ْع َم ْل َما ِشئ َ الذن ِ ْبَ ،و َي ْأ ُخ ُذ بِ َّ َّ
الذن َ
�ساد�سا :ح�سن الظن به:
ُح ْس�� ُن الظن باهلل تعالى هو :اعتقاد ما يليق باهلل ،واليقين بأنه ال ُي َقدِّ ُر ش��ي ًئا يف
الكون إال وفيه الحكمة والخير لعباده.
وح ْس ُن الظن باهلل عز وجل من أجل العبادات القلبية ،وهو واجب يف األمور
ُ
كلها ،واهلل تعالى عند ظن عبده به؛ فعن أبي هريرة قال :قال النبي ﷺ« :يقول
اهلل تعالىَ :أنَا ِعنْدَ َظ ِّن َع ْب ِدي بِي»(.)2
ففي هذا الحديث القدس��ي ترغيب من اهلل لعباده بتحس��ين ظنوهنم ،وأنه
يعاملهم على حس��بها ،فمن ظ�� َّن به خيرا أفاض عليه جزيل خيراته ،وأس��بل عليه
تفضالته ،ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ َعطِ َّياتهَ ،ومن لم يكن فِي َظنِّه جميل ُّ
هك��ذا لم يكن اهلل تعال��ى له هكذا ،وهذا هو معنى كونه س��بحانه وتعالى عند ظن
عبده ،فعلى العبد أن يكون َح َس َن ال َّظ ِّن بِ ِّربِ ِه يف جميع حاالته(.)3
ويتأكد حس��ن الظ��ن باهلل يف حال الش��دائد ،وخاصة عند الم��وت؛ ف َع ْن َجابِ ٍر
«ل َي ُموت ََّن َأ َحدُ ك ُْم إِ اَّل َو ُه َو َ ،ق َال :س ِمع ُت النَّبِي ﷺَ ،قب َل و َفاتِ ِه بِ َثلاَ ٍ
ثَ ،ي ُق ُ
ول :اَ ْ َ َّ َ ْ
((( متف���ق علي���ه ،رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)7405ومس���لم يف صحيح���ه ،برقم( ،)2675عن أبي
هريرة .
((( ينظر :حتفة الذاکرین بعدة احلصن احلصني من كالم سيد املرسلني ،ص(.)12
130
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
131
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
132
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
133
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
إن إن��زال الق��رآن مِنَّ�� ٌة ُعظمى على هذه األم��ة؛ فقد أنزله اهلل س��بحانه وتعالى
َّ
اله��دى ،ومن َج ِ
ور ��رج الن��اس به من الظلمات إل��ى النور ،ومن الضاللة إلى ُ ل ُي ْخ ِ
األديان إلى عدل اإلس�لام ،ومن ِضيق الدنيا إلى سعة الدنيا واآلخرة؛ قال تعالى:
ﮋ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ [إبراهي��م ،]١ :وق��ال س��بحانه :ﮋ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [النحل.]٨٩ :
وح َّج ُت ُه البالغة على الناس جميعا ،ختم اهلل به
والق��رآن هو كتاب اهلل الخالدُ ،
وض ّمنَ ُه مِنهاجًا کامالً وشريعة
الكتب الس��ماوية ،وأنزله هداية ورحمة للعالمينَ ،
تامة للحياة ،قال تعالى :ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ [اإلسراء.]٩ :
ومنزل��ة ه��ذا الكت��اب المبارك تحت��م علينا النصيح��ة له؛ والنب��ي ﷺ يقول:
��ول ِ ِهَ ،ولأِ َئِ َّم ِة ا ْل ُم ْس��لِ ِم ْي َن ِ ِ ِ ِ ِ ِ
��ن النَّص ْي َحةُ» ،قلن��ا لمن؟ قال« :هللَ ،ولكتَابِهَ ،ول َر ُس ْ
«الدِّ ْي ُ
َو َعا َّمتِ ِه��م»( .)1وال تك��ون النصيحة للقرآن إال بعد معرف��ة حقوقه وما ينبغي له من
اآلداب ثم التأ ُّد ُب هبا؛ وفيما يلي ذكر ألبرز تلك اآلداب:
�أوال :الإميان به:
إن��ه ال يكون العبد ُم ْس��لِمًا إال إذا آمن بالقرآن الكريم ،وق��د تكررت األوامر
اإللهية بذلك ،مبينة أنه من أوجب الواجبات؛ قال تعالى :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [النس��اء:
134
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
،]١٣٦وال شك ّ
أن الكتاب الذي نزل على رسوله هو القرآن(.)1
اهلل تعالى على َمن َّ
كذب بالقرآن؛ إذ ال ُح ّجة له مع ظهور دالئل صدقه وأن َك َر ُ
وبركته؛ قال سبحانه :ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [األنبياء.]٥٠ :
ويتحقق اإليمان بالقرآن العظيم بأمور؛ منها:
1-1االعتق��اد بأنه كالم اهلل تعالى؛ حرو ُفه ومعانيه ،تك َّل��م اهلل به حقيقة ،وأنه منزل
عل��ى نبينا محمد ﷺ ،وأنه غير مخلوق .قال تعالى :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ [التوبة.]6 :
2-2اعتق��اد صحة أخباره وعدل أحكامه ،قال تعالى :ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ [األنع��ام ،]١١٥ :وق��ال ع��ز وج��ل :
ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [البقرة.]٢ :
3-3اعتقاد عموم دعوته وش��مول ش��ريعته الت��ي جاء هبا لعم��وم الثقلين ،منذ نزل
��ع أحد ًا من الجن واإلنس إال
وإلى أن يرفعه اهلل تعالى إليه آخر الدهر ،فال َي َس ُ
اإليمان به وبما اشتمل عليه ،و َأ ْن يعبدوا اهلل بشريعته؛ قال تعالى :ﮋ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [الفرقان.]١ :
4-4اعتقاد نس��خه لجميع الكتب السابقة ،فيجب على أهل الكتاب وغيرهم –بعد
نزول القرآنَ -أ ْن َي ِدينوا بدين اإلسالم الحق الذي جاءت أحكامه ُمب َّين ًة يف هذا
القرآن ،فال ِدين إال ما جاء به ،وال شريعة إال ما شرع اهلل فيه؛ إذ هو آخر الكتب
نزوال ،فهو خاتمها ،والشاهد والحاكم عليها؛ قال تعالى :ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [المائدة.]48 :
((( ينظر :اجلامع ألحكام القرآن ،للقرطبي ( ،)394 /5ومعالم التنزيل ،للبغوي ( ،) 299/1وفتح القدير،
للشوكاني (.)791 /1
135
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
5-5أن��ه أعظم آي��ات االنبياء والمرس��لين -عليهم الصالة والس�لام -كما ثبت يف
��اء َنبِ ٌّي إِ اَّل ُأ ْعطِ َي َما ِم ْثل ُه َآم َن َع َل ْي ِه
أن النبي ﷺ قال« :ما ِمن األَ ْنبِي ِ
َ َ َ الصحيحي��ن ّ
��يَ ،ف َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ
ُون َأ ْك َث َر ُه ْم ِ َ َان ا َّل ِذي ُأوتِ ُ
يت َو ْح ًيا أ ْو َحا ُه اهَّللُ إ َل َّ ��رَ ،وإِن ََّم��ا ك َ
ال َب َش ُ
الق َي َام ِة»(.)1
تَابِعا يوم ِ
ً َْ َ
��ه ،قال تعالى :ﮋ ﮗ ﮘ ح ْفظِ ِ أن الق��رآن هو الكت��اب الوحيد الذي تك َّف َل اهلل بِ ِ َّ 6-6
ُ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر.]٩ :
7-7أنه اش��تمل عل��ى التحدِّ ي به ،ب��ل هو اآلي��ة ال ُعظمى التي أعج��ز اهلل هبا الجن
واإلنس أن يأتوا بمثلها ولو اجتمعوا على ذلك ،قال تعالى :ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟﭠ ﭡﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬﭭ
ﭮﮊ [اإلسراء.]٨٨ :
ثانيا :تالوته:
ِّ
بالحث على تالوة الق��رآن الكريم واإلكثار ج��اءت األدلة من القرآن والس��نة
منها؛ فقد أمر اهلل هبا نبيه ﷺ والخطاب له وألمته؛ فقال تعالى :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [الكهف ،]٢٧ :وأمر اهلل تعالى رس��وله ﷺ بأوامر ومن ضمنها
ت�لاوة القرآن ،وجعل تالوة القرآن طريقًا إلى الدعوة إليه؛ فقال س��بحانه :ﮋ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ [النم��ل“ .]٩٢ – ٩١ :أي :أواظ��ب عل��ى تالوته لتنكش��ف
لي حقائقه الرائعة المخزونة يف تضاعيفه ش��يئا فش��يئا ،أو على تالوته على الناس
بطري��ق تكري��ر الدعوة وتثنية اإلرش��اد فيكون ذل��ك تنبيها على كفايت��ه يف الهداية
((( متف���ق علي���ه؛ رواه البخ���اري يف صحيحه ،برقم( ،)4981ومس���لم يف صحيحه ،برق���م( ،)152عن أبي
هريرة .
136
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه الترمذي يف سننه ،برقم( ،)2910عن عبداهلل بن مسعود ،وصححه األلباني.
137
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
فينبغ��ي للمس��لم أن يحرص على تالوة كت��اب اهلل تعالى ،وأن يك��ون له ِو ْر ٌد
يوم��ي يقرأ فيه القرآن الكريم ،مراعيا آداب الت�لاوة التي ذكرها العلماء ،وأهمها:
ٌّ
اإلخ�لاص هلل تعال��ى عن��د الت�لاوة ،والطه��ارة الحس��ية والمعنوية ،واالس��تعاذة
والبس��ملة قب��ل الق��راءة ،وتحس��ين الص��وت بالق��رآن ،والعناية بأح��كام التالوة
وترس��ل ،وتفريغ النف��س أثناء التالوة من الش��واغل
والتجوي��د ،والق��راءة برتتيل ُّ
المانعة من التدبر؛ إلى غير ذلك من اآلداب(.)1
ثالثا :تع ُّلمه وتعليمه:
ال ري��بَّ ،
أن تعلم القرآن الكريم وتعليمه من أفضل األعمال وأجل القربات،
يحظ��ى ُم َت َع ِّلم��ه و ُم َع ِّلمه بالفضل والخير يف الدنيا واآلخ��رة؛ فعن عثمان بن عفان
آن َو َع َّل َم ُه»(.)2
«خ ْي ُرك ُْم َم ْن َت َع َّل َم ال ُق ْر َ ّ
أن رسول اهلل ﷺ قالَ :
وق��د ح��ث النبي ﷺ عل��ى تع ُّلم الق��رآن العظيم بقوله مخاطب��ا صحابته
ِ
ان، ��و ٍم إِ َلى ُب ْط َح َ ��ب َأ ْن َي ْغدُ َو ك َُّل َي ْ
«أ ُّيك ُْم ُيح ُّ -والخط��اب يش��مل األمة بعدهمَ :-
يقَ ،ف َي ْأتِ َي ِمنْ ُه بِنَا َق َت ْي ِن ك َْو َم َاو ْي ِن فِي َغ ْيرِ إِ ْثمٍَ ،و اَل َق ْط ِع َر ِحمٍ؟»َ ،ف ُق ْلنَاَ :يا َأ ْو إِ َل��ى ا ْل َع ِق ِ
ج ِد َف َي ْع َل ُمَ ،أ ْو َي ْق َر ُأ َآي َت ْي ِن«أ َفلاَ َي ْغدُ و َأ َحدُ ك ُْم إِ َلى ا ْل َم ْس ِ
كَ .ق َالَ : ب َذلِ َ رس َ ِ ِ
��ول اهلل نُح ُّ َ ُ
ثَ ،و َأ ْر َب ٌع َخ ْي ٌر َل ُه ث َخير َله ِمن َثلاَ ٍ ِ ِمن كِت ِ ِ
َاب اهلل َع َّز َو َج َّلَ ،خ ْي ٌر َل ُه م ْن نَا َق َت ْي ِنَ ،و َثلاَ ٌ ْ ٌ ُ ْ ْ
اد ِه َّن ِم َن الإْ ِ بِ ِل»(.)3
ِمن َأربعٍ ،و ِمن َأعدَ ِ
ْ َْ َ ْ ْ
((( لالستزادة يف معرفة آداب التالوة ينظر كتاب :التبيان يف آداب حملة القرآن ،لإلمام النووي.
((( رواه مس���لم ،برقم ( ،)803و(بطحان) اس���م موضع بقرب املدينة ،و(العقيق) ٍ
واد باملدينة ،و(كوماوين)
الكوماء من اإلبل :العظيمة السنام .ينظر :شرح صحيح مسلم للنووي.)89/6( :
138
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وتعليم القرآن ف��رض كفاية كما قال اإلمام النووي“ :تعليم المتع ِّلمين فرض
كفاية ،فإن لم يكن من َيص ُل ُح إال واحد َت َع َّي َن ،وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم
ببعضهم ،فإن امتنعوا ك ُّلهم َأثِ ُموا ،وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين»(.)1
والث��واب الجزيل ،ويحصل
ُ العميم
ُ والخير
ُ العظيم
ُ األج��ر
ُ ويف تعلي��م القرآن
ذل��ك لم��ن ع َّلم ولو آيات مع��دودة من الق��رآن ،فقد َح َّض النب��ي ﷺ على تبليغه
بقولهَ « :ب ِّلغُوا َعنِّي َو َل ْو َآيةً»(.)2
وتعلي��م الق��رآن والتذكير به باب عظيم من أبواب الدع��وة إلى اهلل تعالى ،قال
س��بحانه :ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ ،وق��ال :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ [فصل��ت ،]٣٣ :ق��ال الحاف��ظ ابن
حجر رحمه اهلل“ :الدعاء إلى اهلل يقع بأمور شتى ،من جملتها :تعليم القرآن ،وهو
أشرف الجميع»(. )3
تي�سر منه:
رابعا :حفظه �أو حفظ ما َّ
��ر لهم حفظ كالمه واستظهاره؛ يقول مِ ْن َف ْض ِل ال-له تعالى على عباده ْ
أن َي َّس َ
ج��ل وع�لا :ﮋ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ [القمر .]١٧ :وجاء عن
يس َر ُه على لسان اآلدميين ،ما استطاع
ابن عباس رضي اهلل عنهما قوله« :لوال أن اهلل َّ
أحدٌ من الخلق أن يتك ّلم بكالم اهلل عز وجل ”( ،)4وهذا التيسير من خصائص هذا
الشكر ،وذلك بحفظة القرآن أو حفظ ما َت َی َّسر
ب ُّ الكتاب المبارك ،وهو نِ ْعم ٌة ُت ِ
وج ُ َ
139
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)5033ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)۷۹۱عن أبي موسى األشعري
.
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)4937عن عائشة رضي اهلل عنها.
((( ينظر :منهج السلف يف العناية بالقرآن الكرمي ،للدكتور /بدر البدر ،ص(.)46
((( ينظر :تفسير ابن كثير ،)501/1(:والتبيان يف أقسام القرآن :ص( ،)145وتفسير السعدي :ص(.)15
140
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اهلل بتدبر القرآن الكريم ،وب َّين لنا أنه إنَّما أنزله لنتد َّب َر آياتِ ِه؛ ف ُي ْث ِمر ذلك
وقد َأ َم َر ُ
التد ُّب��ر اال ِّتعاظ هبا ،فقال س��بحانه :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﮊ [ص ،]٢٩ :وج��اء التوبي��خ لم��ن غفل عن التدبر؛ فق��ال اهلل تعالى:
ﮋﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ [النساء.]٨٢ :
وبين اهلل عز وجل سبب اإلعراض عن تد ُّبر كتابه الكريم ،فقال :ﮋﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ [محم��د .]٢٤ :ق��ال الش��نقيطي رحمه اهلل“ :وما
َت َض َّمنَتْ�� ُه هذه اآلية الكريمة من التوبيخ واإلن��كار على َمن أعرض عن تد ُّبر كتاب
أن كل َم ْن لم يش��تغل بتدبر آيات هذا اهلل ،جاء ُم َو َّض ًحا يف آيات كثيرة ،...ومعلو ٌم َّ
الق��رآن العظيم وت َف ُّه ِمها ،وإدراك معانيها والعمل هب��ا فإنه ُم ْع ِر ٌض عنها غير متدبر
لها ،فيس��تحق اإلنكار والتوبيخ المذكور يف اآليات إن كان اهلل أعطاه فهما يقدر به
وتفهمه وتع ُّلمه عل��ى التدبر ،...وهذه اآليات المذك��ورة ُّ
تدل على َّ
أن تد ُّبر القرآن ُّ
كثير من األقطار عن النظر يف كتاب والعمل به أمر ال بد منه للمس��لمين ،فإعراض ٍ
وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المب ِّينة له من أعظم المناكر وأشنعها»(.)1 اهلل ُّ
الق��ار ُئ قل َب ُه بالتف ُّكر يف معانيه ،ويعتقد ِ ويكون تدبر القرآن الكريم بأن ي ْش ِ
��غ َل ُ ُّ
بآية فيها ِذك ُْر الرحمة :استبشر وسأل ،وإذا قرأ آي ًة فيها ِذك ُْر قبول ذلك كله ،فإذا مر ٍ
َ َّ
ٍ ِ
تضرع وطلب. وتعوذ ،وإذا َم َّر بآية َتن ِْز ْيهَّ :نزه وع َّظم ،أو فيها دعاءَّ : العذاب :أشفق َّ
«ص َّل ْي ُت َم َع وهك��ذا كانت قراءة رس��ول اهلل ﷺ ،فعن حذيفة بن اليم��ان قالَ :
��م َم َضىَ ،ف ُق ْل ُت: ِ ِ ِ ات َلي َل ٍ ِ
��تَ :ي ْرك َُع عنْدَ ا ْلمائَةُ ،ث َّ ��ةَ ،فا ْف َتت ََح ا ْل َب َق َرةََ ،ف ُق ْل ُ ��ي ﷺ َذ َ ْ النَّب ِّ
ُي َص ِّلي بِ َها فِي َر ْك َع ٍةَ ،ف َم َضىَ ،ف ُق ْل ُتَ :ي ْرك َُع بِ َهاُ ،ث َّم ا ْف َتت ََح الن َِّس��ا َءَ ،ف َق َر َأ َهاُ ،ث َّم ا ْف َتت ََح
يح س َّب َحَ ،وإِ َذا مر بِس َؤ ٍ ٍ ِ َآل ِع ْم َر َ
ال َس َأ َل، َ َّ ُ انَ ،ف َق َر َأ َهاَ ،ي ْق َر ُأ ُمت ََر ِّسلاً ،إِ َذا َم َّر بِآ َية ف َيها َت ْسبِ ٌ َ
141
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه ابن جرير بلفظه يف تفسيره ،)80/1( :وقال الشيخ أحمد شاكر( :هذا إسناد صحيح متصل).
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)223عن أبي مال ٍِك األَش َعرِ ِّي .
142
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
س��بحانه :ﮋﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﮊ
[الواقع��ة ،]٨٠ – ٧٥ :وقال :ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﮊ
[الحجر.]٨٧ :
ول��ذا فم��ن الواجب علينا تعظيم ه��ذا الكتاب المب��ارك وإجالله؛ ومن صور
تعظيم القرآن ما يلي:
1-1اإلنصات عن��د تالوته ،لقوله تعال��ى :ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [األعراف.]٢٠٤ :
والتخش��ع عند تالوته ،فقد م��دح اهلل تعالى المخبتين الذين إذا ُق ِر َئ
ُّ 2-2اإلخبات
القرآن الكريم خش��عوا وتأ َّث ُروا؛ فقال سبحانه :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ [المائ��دة ،]٨٣ :وقال تعالى :ﮋ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮊ
[الس��جدة ،]١٥ :وأثنى اهلل س��بحانه وتعالى على التَّالِين لكتابه ،والمستمعين
له؛ الذين يخش��عون عند س��ماعه وتخبت ل��ه قلوهبم ،فق��ال تعالى :ﮋ ﭨ ﭩ
ﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [الزم��ر .]٢٣ :وب ّين اهلل تعالى ِع َ
ظ َم تأثير القرآن بقوله :ﮋ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [الحش��ر .]٢١ :وعن عبداهلل بن مسعود قال« :قال
ل��ي النبي ﷺ« :اِ ْق َر ْأ َع َل َّي» ،قلت :يا رس��ول اهلل ،أقرأ علي��ك ،وعليك ُأن ِْزل؟،
ق��ال« :نع��م» ،فقرأت س��ورة النس��اء حتى أتي��ت إلى هذه اآلي��ة :ﮋ ﮇ ﮈ
143
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
144
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
والثاين :هجر العمل به والوقوف عند حالله وحرامه وإِ ْن َق َر َأ ُه وآمن به.
َوال َّثالِث :هجر تحكيمه والتحاكم إِليه يف أصول الدين وفروعه واعتقاد َأنه ال
ِ يفيد اليقين َّ ِ
حصل العلم. وأن َأد َّلته لفظ َّي ٌة ال ُت ِّ
وتفه ِم ِه ومعرفة ما أراد المتك ِّلم به منه. ِ
الرابِع :هجر تد ُّب ِره ُّ َو َّ
االستِش��فاء والتداوي به يف جميع أمراض القلب وأدوائها؛ والخامس :هجر ْ
داخ ٌل فِي َق ْوله :ﮋ ﯘ وكل هذا ِ اوي بِ ِ
��ه ُّ فيطلب ِش��فاء دائه مِن غيره ،ويهجر التَّدَ ِ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [الفرقان.)1(”]٣٠ :
145
الوحدة الثانية:
149
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
[األع��راف .]١٥٨ :واإليم��ان ب��ه ﷺ ه��و اإلق��رار بِنُبوتِ ِ
��ه ،وأن��ه خات��م األنبياء ُ َّ
والمرس��لينَّ ،
وأن اهلل تعال��ى أرس��له للثقلي��ن بش��يرا ونذي��را ،وتصدي��ق م��ا جاء
ب��ه وم��ا أخ�بر عن��ه ،ول��زوم تطاب��ق القل��ب واللس��ان عل��ى ذل��ك ،ف��إن اجتم��ع
تصدي��ق القل��ب ونط��ق اللس��ان مع تطبي��ق ذل��ك بالعمل فقد ت��م اإليم��ان به(.)1
ثانيا :طاعته ﷺ:
َّ
ف��إن طاعته ﷺ نتيجة واجبة لإليمان ب��ه وتصديقه ،قال تعالى ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ [األنف��ال ،]٢٠ :وق��ال ع��ز وج��ل :ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ [الحش��ر ،]٧ :وق��ال س��بحانه :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [النور.]٥٤ :
ألحد م��ن ُأ َّمتِ ِه إلى دخول الجنة إال بطاعت��ه وا ِّتباعه ﷺ؛ فعن أبي ٍ وال س��بيل
اع اهَّللََ ،و َم ْن َع َصانِي ِ
«م ْن َأ َطا َعن��ي َف َقدْ َأ َط َ
هريرة أنه قال :قال رس��ول اهلل ﷺَ :
الجنَّ َة
ون َ َف َق��دْ َع َص��ى اهَّلل»( ،)2وعنه قال :قال رس��ول اهللﷺ « :ك ُُّل ُأ َّمتِي َيدْ ُخ ُل َ
ِ إِ اَّل من َأبى»َ ،قا ُلوا :يا رس َ ِ
ول اهَّللَ ،و َم ْن َي ْأ َبى؟ َق َالَ « :م ْن َأ َطا َعني َد َخ َل َ
الجنَّةََ ،و َم ْن َ َ ُ َ ْ َ
َع َصانِي َف َقدْ َأ َبى»(.)3
ثالثا :ا ِّتباعه واالقتداء به واالهتداء بهديه:
ق��ال اهلل تعال��ى –آمِر ًا نب َّي��ه ﷺ أن يب ِّلغ الن��اس :-ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [آل عمران ،]٣١ :وهو ﷺ القدوة العظمى للمسلمين؛
ولهذا قال س��بحانه ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم ،)۷۱۳۷(،ومسلم يف صحيحه ،برقم ،)1835(،عن أبي هريرة .
150
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)5063ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)1401عن أنس بن مالك .
151
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
152
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وراء الحج��رات ،ولكن بلقبه المع َّظم مثل :يا نبي اهلل ،ويا رس��ول اهلل ،مع التوقير
والتواض��ع وخف��ض الص��وت ،أو :ال تجعلوا دعاءه عليكم كدع��اء بعضكم على
ستجاب(.)1
ٌ ب و ُم فإن دعاءه م ِ
وج ٌ بعض فال تبالوا بسخطه؛ َّ
ُ
�ساد�سا :ال�صالة وال�سالم عليه ﷺ:
ق��ال اهلل تعال��ى :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ [األح��زاب« ،]٥٦ :والص�لاة على النب��ي ﷺ ،تكون من اهلل
بالرحمة والمغفرة ،ومن المالئكة بالدعاء ،ومن الناس بالثناء عليه وإظهار ش��رفه
وفضله وحرمته»(.)2
وقد بين النبي ﷺ فضل الصالة عليه ،فقال ﷺَ « :م ْن َص َّلى َع َل َّي َصلاَ ًة َص َّلى
��وراَ ،و اَل ت َْج َع ُلوا َق ْبرِي ِعيدً ا،
«ل ت َْج َع ُلوا ُب ُيو َتك ُْم ُق ُب ً
��را»( ،)3وقال :اَ ِ
اهلل َع َل ْيه بِ َها َع ْش ً
ث ُكنْت ُْم»(.)4 َو َص ُّلوا َع َل َّي َفإِ َّن َصلاَ َتك ُْم َت ْب ُلغُنِي َح ْي ُ
والصالة والسالم عليه ﷺ مشروعة يف كل األوقات ،وتتأكَّد يف مواطن كثيرة
ذك��ر منها اإلمام ابن القيم رحمه اهلل واحد ًا وأربعين موطنا يف كتابه (جالء األفهام
يف الصالة والس�لام على خير األنام) ،ومنها على س��بيل المثال :الصالة والسالم
عليه عند دخول المسجد ،وعند الخروج منه ،وبعد إجابة المؤذن ،وعند اإلقامة،
وعند الدعاء ،ويف التش��هد يف الصالة ،ويف صالة الجنازة ،ويف الصباح والمس��اء،
كخ ْط َبتَي
الخ َطب؛ ُ
ويف يوم الجمعة وليلتها ،وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم ،ويف ُ
((( رواه أبو داود يف سننه ،برقم( ،)۲۰4۲عن أبي هريرة ،وصححه األلباني.
153
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ص�لاة الجمعة ،وعن��د كتابة اس��مه ﷺ ،ويف أثناء صالة العيدين بي��ن التكبيرات،
وآخ��ر دعاء القنوت ،وعلى الصفا والم��روة ،وعند الوقوف على قربه ،وعند الهم
والش��دائد ،وعند طلب المغفرة ،وعقب الذن��ب إذا أراد أن ُي َك َّفر عنه ،وغير ذلك
من المواطن التي ذكرها –رحمه اهلل -يف كتابه ذلك.
بح ْك ِم ِه ﷺ:
�سابعا :التحاكم �إليه والر�ضى ُ
ح ْك ِم نب ِّيه ﷺ ،فقال سبحانه :ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ِ
أوجب اهلل تعالى التسليم ل ُ
ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭ
ِ
ﯮ ﯯ ﮊ [النس��اء .]٦٥ :ق��ال ابن كثير رحمه اهلل يف معنى هذه اآليةُ « :ي ْقس ُ
��م
تعالى بنفسه الكريمة المقدَّ سة أنه ال يؤمِ ُن أحدٌ حتى يح ِّكم الرسول ﷺ يف جميع
األم��ور ،فما َح َك َم به فهو ُّ
الحق الذي يج��ب االنقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال:
ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ [النس��اء ،]٦٥ :أي:
إذا ح َّكموك يطيعونك يف بواطنهم فال يجدون يف أنفس��هم َح َرجًا مما َح َك ْم َت به،
وينقادون له يف الظاهر والباطن؛ فيس��لمون لذلك تس��ليما كليا من غير ممانعة وال
مدافعة وال منازعة”(.)1
والتحاكم المراد هنا يكون إليه ﷺ يف حياته ،وإلى ُسنَّتِ ِه وشريعته بعد موته.
ثامنا� :إنزاله مكانته ﷺ بال غلو وال جفاء:
فهو ﷺ َع ْبدُ اهللِ ورس��و ُل ُه ،وهو أفضل األنبياء والمرسلين ،وهو سيد األولين
واآلخري��ن ،وهو صاحب المقام الحم��ود ،والحوض الم��ورود ،ولكنه مع ذلك
بش��ر ال يملك لنفس��ه وال لغيره ضرا وال نفعا إال ما شاء اهلل؛ كما قال تعالى :ﮋﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ
154
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
155
الوحدة الثالثة :آداب المهنة
آداب المهنة
المهنة لغةِ :
الح ْذق بالخدمة والعمل ونحوه(.)1
واصطالح��ًا :مجموع�� ٌة مِن األعمال تتطلب مهارات معين��ة يؤديها الفرد من
خالل ممارسات تدريبية(.)2
وآداب المهنة ه��ي :مجموعة القيم والنظم المحققة للمعايير اإليجابية العليا
المطلوبة يف أداء األعمال الوظيفية والتخصصية ،ويف أس��اليب التعامل داخل بيئة
العمل ،ومع المستفيدين ،ويف المحافظة على صحة اإلنسان ،وسالمة البيئة(.)3
والمقصود بالقيم :الصفات النفسية والسلوكية الحسنة للعامل والمهني.
والنظ��م :الضوابط والش��روط الفنية التي تحك��م األداء الوظيفي والمهني يف
صورة لوائح وقوانين.
والمعايير :المواصفات المحددة لألساليب العملية والسلوكية يف أداء العمل.
�أهمية معرفة �آداب املهنة:
وجوه ِعدَّ ة؛ منها ما يلي:
ٍ تظهر أهمية معرفة آداب المهنة مِن
1-1عظمة مكانة األخالق يف اإلس�لام ،وش��مولها لجميع جوان��ب الحياة ،ومنها
يتق��رب به صاحب
المه��ن؛ إذ يعت�بر وجود األخ�لاق يف المهن عمال صالحا َّ
المهن��ة إل��ى ر ِّبه ويرج��و المثوبة عليه ،فلي��س الهدف من ممارس��ة المهنة هو
الكسب المادي فحسب بعيد ًا عن أحكام الدين الجليلة وأخالقه العظيمة.
((( الثقافة اإلسالمية املستوى الرابع ،جملموعة مؤلفني بجامعة امللك عبدالعزيز ،ص(.)۱08
159
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
2-2الحاج��ة إل��ى تقوية العالق��ة بي��ن العاملين؛ فعندم��ا تكون األخالق الحس��نة
-كالص��دق والتع��اون واالح�ترام واألمانة -ه��ي األخالقيات المنتش��رة بين
العاملي��ن مع بعضهم َّ
فإن هذا يؤدي إلى قوة العالقة بينهم ،مما يكون له األثر
اإليجابي الصالح العمل ،بينما إذا كانت األخالق السيئة -كالخداع والخيانة
والكذب واإلساءة -هي المنتشرة بينهم َّ
فإن العالقة بينهم ستسوء ويؤثر ذلك
على جودة العمل وإتقانه.
3-3تثبي��ت أخالقيات العم��ل يف المنظم��ات والمؤسس��ات واإلدارات ،ووجود
قوانين تساعد على الحدِّ مِن االختالف ،وهتدئة االضطرابات التي تنشأ داخل
بيئ��ات العمل؛ فوج��ود قائمة باألخ�لاق المهنية يس��اعد على جع��ل الطريق
واضحا لدى صاحب المهنة والعامل فيها والمستفيد منها على َحدٍّ سواء.
4-4تغ ُّي��ر كثير م��ن األنماط المعهودة يف المهن مع التط��ور الكبير الذي طرأ عليها
خاص��ة مع دخ��ول التقني��ات الحديثة ،والذي أ َّث��ر كثيرا على م��ا كان ُمت ََأ ِّصالً
يف النف��وس من أخ�لاق مهنية مصاحبة للمهن واألعم��ال ،حتى أضحت هذه
األخالق منفصلة عن المهن ،ال ُي ْؤ َب ُه بتطبيقها أو اش�تراطها يف مزاولة المهن؛
فصارت الحاجة داعية للرتكيز على تع ُّلم وتعليم أخالقيات المهنة.
�ضوابط املهن يف الإ�سالم:
إن ضوابط ممارس��ة العمل المهني والوظيفي هي يف الحقيقة أحكا ٌم ش��رعي ٌة َّ
َي ْل َز ُم ا ْل ُم ْسلِ َم التخ ُّلق هبا ،وأبرز هذه الضوابط ما يلي:
احة.
ال�ضابط الأول� :أن تكون املهنة ُم َب َ
يجب أن يكون العمل الذي يمتهنه المس��لم ُمباحًا ش��رعًا ،فالحالل الطيب
هو األس��اس الذي يقوم عليه طلب الرزق ،قال تعالى :ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
160
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
161
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه ابن ماجه يف سننه ،برقم( ،)2341وقال األلباين :صحيح لغيره.
162
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه أبو داود يف س���ننه ،برقم( ،)3535والترمذي يف س���ننه ،برقم( ،)1264وقال الترمذي :هذا حديث
حسن غريب.
163
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
164
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الض ِعي ِ ِ
ف»( ،)1والعموم يف الحديث يدل على جميع أنواع القوة؛ فالمؤمن الم ْؤم ِن َّ ْ
ُ
خي��ر مِن غيره من
القوي َج َس��د ًا والمؤم��ن القوي عقالً ،والمؤم��ن القوي إيمانًا ٌ
المؤمنين الضعفاء يف هذه الجوانب أو َأ َح ِدها.
والقوة بالنسبة للموظف أو العامل نوعان :جسدية ،ومعنوية؛ فالجسدية :هي
قدرت��ه عل��ى القيام بالعمل بحي��ث ال يوجد فيه م��ا يمنعه من القي��ام به من مرض
أو عاه��ة .والمعنوي��ة :تعن��ي الق��وة العلمية ،التي تش��مل التمك��ن يف التخصص،
واس��تغالل القدرات واإلمكان��ات ،ومتابع��ة التطوير والتجديد ،وه��ذا النوع من
القوة ُم َقدَّ ٌم على القوة الجسدية.
-٣العدل.
تقدَّ م تعري��ف العدل وذكر أهميته ومكانته يف اإلس�لام وصوره عند الحديث
عنه كأص ٍل من أصول األخالق الحسنة.
مفهوم العدل يف الوظيفة:
َّ
إن للعدل يف أداء الوظيفة أربعة جوانب ،هي:
األول :العدل يف تعامل الرئيس مع مرؤوسيه؛ ومن ذلك :العدل يف التوظيف،
والتقوي��م ،والحوافز ،وإعطاء كل ذي حق حقه ،ومعامل��ة الجميع بنفس الدرجة
من االحرتام وتطبيق األنظمة ،ونحو ذلك.
الثاين :العدل يف تعامل الموظفين مع رئيس��هم؛ ومن ذلك :عدم تتبع سلبيات
رؤس��ائهم واإلعراض عن حسناهتم ،أو غيبتهم ،أو تحميل أفعالهم وأقوالهم غير
ما تحتمل ،وتفس��يرها وفق أهوائهم ،أو التقليل من ش��أهنم ،أو طاعتهم يف معصية
اهلل تعالى ،أو رفعهم فوق منزلتهم.
((( رواه مسلم يف صحيحه ،برقم(.)2664
165
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الثال��ث :الع��دل بي��ن الموظفي��ن بعضهم مع بع��ض؛ وذلك بأن يك��ون بينهم
االحرتام المتبادل ،وال يتح َّيز بعضهم لبعض دون بقية الزمالء ،وأن ينجز الموظف
ما يكلف به من أعمال ،وال يتدخل يف ش��ؤون غيره من الموظفين ،وأن يبتعد عن
ب الظهور على حساب غيره من زمالء العمل. األنانية أو ُح ِّ
فإن مِن الواجب «أن يت َِّس َم الموظف
الرابع :عدل الموظف مع المس��تفيدين؛ َّ
حق ح َّقه ،فال
بالع��دل بين جميع عمالئه على َحدٍّ س��واء ،بحيث يعطي ل��كل ذي ٍّ
اآلخر ،لتجنب المحس��وبية ،وال يجوز للموظف أن يم ِّي��ز َأ َحدَ المراجعين عل��ى َ
يق��دم أقرباءه أو أصدقاءه عل��ى المراجعين اآلخري��ن ،ال يف العطاء وال يف الدور،
وال يف أي مظهر من مظاهر التمييز»(. )1
-4الإتقان.
اإلتقان لغة :اإلحكام(.)2
واصطالحا :األداء المتكامل لشخص محرتف يف أي مجال عملي(.)3
إن اإلتق��ان والج��ودة يف األداء المهني م��ن األمور التي َّ
حث عليها اإلس�لام َّ
واحتفى هبا ،وهو سبيل للفوز بحب اهلل تعالى.
أن النبي ومِن األدلة على فضل اإلتقان وأهميته ما روته عائشة رضي اهلل عنها َّ
��ب إِ َذا َع ِم َل َأ َحدُ ك ُْم َع َملاَ َأ ْن ُيت ِْقنَ ُه»( ،)4وعن ش��داد بن أوس ِ
ﷺ ق��ال« :إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ
��ى ٍءَ ،فإِ َذا َق َت ْلت ُْم َف َأ ْح ِسنُوا
��ان َع َلى ك ُِّل َش ْ َب ِ
اإل ْح َس َ أن النبي ﷺ قال« :إِ َّن اهَّللَ َكت َ َّ
((( ينظر :لسان العرب ،البن منظور ،)۷۳/۱۳(:والقاموس احمليط ،للفيروز آبادي ،ص(.)867
((( رواه البيهقي يف شعب اإلميان ،برقم( .)5313وصححه األلباني يف السلسلة الصحيحة ،برقم(.)۱۱۱۳
166
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ِ ا ْل ِق ْت َلةََ ،وإِ َذا َذ َب ْحت ُْم َف َأ ْح ِسنُوا َّ
الذ ْب َحَ ،و ْل ُيحدَّ َأ َحدُ ك ُْم َش ْف َر َت ُه؛ َف ْل ُيرِ ْح َذبِ َ
يح َت ُه»(.)1
وأس��اس اإلتقان االتصاف بصفتَي الحفظ والعلم ،وهما اللتان اعتربهما نبي
مؤهال له أن يتولى خزائ��ن مصر يف حينه ،حيث قال مخاطبا ملك اهلل يوس��ف
مصر :ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [يوس��ف ،]٥٥ :أي :حفيظ للذي
أتولاَّ ه ،فال يضيع منه شيء يف غير محله ،وضابط للداخل والخارج ،عليم بكيفية
التدبي��ر واإلعطاء والمنع ،والتصرف يف جميع أنواع التصرفات( ،)2وهذه هي أهم
أسباب اإلتقان يف العمل ،أما أسباب ضعفه فتتلخص فيما يأيت:
1-1ضعف تعظيم اهلل عز وجل ومراقبته.
2-2جهل العامل بمتطلبات العمل ومس��تلزماته ،ف�لا يتمكن من أدائه على الوجه
المطلوب.
3-3إسناد العمل لغير أهله(.)3
-4التعاون.
العون لغة :هو الظهير ،ورجل معوان :كثير المعونة للناس(.)4
والتعاون اصطالحا :المساعدة على الحق ابتغاء األجر من اهلل سبحانه(.)5
ولقد أمر اهلل تعالى عباده بالتعاون على الخير ،وهناهم عن التعاون على الشر؛
فق��ال تعال��ى :ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [المائدة.]٢ :
167
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ق��ال الماوردي رحمه اهلل“ :نَدَ َب اهلل تعالى إلى التع��اون و َق َرنَه بالتقوى له؛ فقال:
ألن يف التقوى رضى اهلل تعالى ،ويف البِ ِّر رضى الناس، ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰﮊ ؛ َّ
وعمت نعمته"(.)1
تمت سعادته َّ
ومن جمع بين رضى اهلل تعالى ورضى الناس فقد َّ
وقد أنكر اإلس�لام النزعة الفردية واألثرة واألنانية ،فاإليمان ما ْ
إن يس��تقر يف
خيرة نحو اآلخرين؛ ليكونوا كالجس��د قل��ب المؤمن حت��ى يع ِّبر عن ذاته بحرك��ة ِّ
��ن لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن ِ
أن النب��ي ﷺ ق��ال« :ا ْل ُم ْؤم َ
الواح��د ،فعن أبي موس��ى األش��عري َّ
كَا ْل ُبنْ َي ِ
ان َي ُشدُّ َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا»(.)2
ومن �أبرز �أمثلة التعاون يف الأعمال املهنية:
1-1استفادة كل فرد من خربات وتجارب اآلخرين وإفادهتم بما عنده منها.
2-2تقاسم األعمال المهنية لتخفيف العبء وتوزيع الجهد فيما بين أفراد العمل؛
مم��ا يؤدي إلى س��هولة إنجاز األعم��ال الكبي��رة التي ال يقدر عليها اإلنس��ان
بمفرده.
3-3مساعدة الشخص المقتدر لمن يعجز عن أداء مهامه لضعف فيه أو لكثرة تلك
المهام وصعوبة إنجازها.
4-4قيام البعض بأداء مهام الزميل الغائب أو العاجز المرض ونحوه.
ف� ��إذا انت�ش ��ر خل ��ق التع ��اون يف البيئ ��ة املهني ��ة ف�إنه ��ا جتني فوائ ��د كثرية؛
منها(:)3
1-1القضاء على األنانية وحب الذات.
168
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ب الخير
2-2يزيل الضغائن والحقد والحس��د من القلوب ويكس��ب الموظفين ُح َّ
للغير.
3-3يدف��ع العاملين لبذل المزيد من الجهد يف العمل ،وس��رعة تنفي��ذ المهام التي
ُيك َّل ُفون هبا.
َ 4-4ي ُحدُّ من االزدواجية يف العمل ،ويورث القوة والتماسك بين جميع العاملين.
5-5يساعد على استثمار ا ْل َم َل َكات والطاقات المهدرة بما يعود بالخير والمصلحة
على الفرد والمجتمع.
6-6يجعل جميع األفراد يشعرون بالسعادة.
169
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
تقدم َّ
أن التصرفات البشرية منها المحمود ،ومنها المذموم ،وقد سبق الحديث
عن أبرز األخالق واآلداب المحمودة يف المهن ،وجاء وقت الحديث عن األفعال
والتصرف��ات المذمومةِ ،
وذكْر نم��اذج منها للتحذير من االتصاف هبا ،وبيان طرق
الخالص منها ،ومن أبرز تلك األخالق المذمومة يف المهن ما يلي:
أوال :الفساد اإلداري
الفس��اد اإلداري :ه��و المتاجرة بالوظيف��ة وامتيازاهتا ،واس��تغالل النفوذ لغير
األغراض القانونية الموجودة من أجلها(.)1
ويعد الفس��اد اإلداري من أش��د ما يصيب الدوائر والمؤسسات ،إ ْذ هو مؤشر
على ضعف القيم األخالقية ،ومنذر بخطر عظيم على المجتمعات.
�أنواع الف�ساد الإداري:
ُيقس��م الفساد اإلداري إلى أربع مجموعات حسب نوع االنحراف الحاصل؛
وهي كالتالي:
)1االنحراف��ات التنظيمي��ة؛ ويقصد بها :المخالفات الت��ي تصدر عن الموظف يف
أثناء تأديته لمهمات وظيفته ،والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل ،ومن أهمها:
1 -1عدم احرتام العمل ،أو امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه.
2 -2الرتاخ��ي يف تنفي��ذ أوامر الرؤس��اء والت َل ُّك��ؤ عن تقديم م��ا يجب من
األعمال والمهام.
3 -3السلبية وعدم تحمل المسؤولية.
170
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
171
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
اآلتية:
1-1ترس��يخ أخالقي��ات المهن��ة الت��ي س��بق الحديث عنه��ا ،ومن أهمه��ا يف تولي
الواليات (القوة واألمانة)؛ فيك َّلف باإلدارة القوي األمين ،قال تعالى :ﮋ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [القصص.]٢٦ :
2-2التأكيد على قيمة تعظيم اهلل تعالى ،واستحضار مراقبته يف التزام هذه األخالق
والتذكي��ر بفضل هذه األخ�لاق وعظيم ثواهبا ،وكوهنا س��عادة للمرء يف الدنيا
واآلخرة.
3-3وضع األنظمة واللوائح واألس��اليب الموضحة لمجال المراقبة والمحاسبة،
والمساءلة ،ونشر الشفافية والنزاهة ،وكذلك يجب تحديد العقوبات الرادعة
لمن يخالف ذلك ،ثم تطبيقها بكل حزم وعدل(.)1
ثانيًا :السرقة
��ر ًزا أو ما قيمته نصاب ُ -م ْل ًكا
الس��رقة هي أخذ العاقل المال البالغ نصابا ُم ْح َ
للغير -ال شبهة له فيه ،على وجه الخفية(.)2
وه��ي ُم َح َّرمة وم��ن كبائر الذنوب؛ ففيها اعتداء على أم��وال الناس بغير حق،
وقد ذكر اهلل عقوبة السارق يف الدنيا ،وهي قطع اليد ،قال تعالى :ﮋﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ [المائدة.]٣٨ :
ارق ،)3(»..وقال يف شأن الس ِ
أن النبي ﷺ قالَ « :ل َع َن اهَّللُ َّ
وعن أبي هريرة َّ
«وا َّل ِذي َن ْف ِس��ي بِ َي ِد ِه َل ْو َأ َّن
الم��رأة المخزومية التي س��رقت وجاؤوا ليش��فعوا لهاَ :
((( ينظر :كشاف القناع ،)129/9(:واملغني ،البن قدامة ،)240/8(:واملوسوعة الفقهية الكويتية.)220/19(:
172
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
تح��ت يده من ممتل��كات جهة العمل( ،)2أو َمنْحِ غيره ش��يئًا م��ن األموال النقدية
أو العيني��ة الخاص��ة بجهة عمله بغير وجه حق ،والش��ك َّ
أن ذلك كله من الس��رقة
المتو َّع��د صاحبها بالعذاب ،وقد يكون بعضه من (ال ُغ ُلول) الذي َّ
حرمه اإلس�لام
أيضا وب َّين عظيم إثمه ،وعلى َمن قارف ش��يئًا من ذلك سرعة التوبة إلى اهلل تعالى
ور ُّد ما سرق أو َغ َّل إلى خزينة الجهة التي أخذ المال منها بغير حق.
ثالثًا :أخذ الرشوة
حق ،أو إحقاق باطل(.)3 ِ
إلبطال ٍّ والرشوة هي :ما ُيعطى
والرشوة ُأ ُّم الفس��اد اإلداري ،ومن أعظم الجرائم المتفشية يف العالم ،وتزداد
خطورهتا كلما َّ
احتل المرتش��ي منصبا قياديا كبيرا؛ ألنه بفساده يفسد من تحته من
��ح ٌت ،وقد قال اهلل تعالى
محرمة ومن كبائر الذنوب ،فهي ُس ْ
المرؤوس��ين ،وه��ي َّ
ع��ن اليه��ود :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﮊ [المائ��دة ،]٤٢ :وقال
َت الن َُّار َأ ْو َلى بِ ِه»( ،)4والراش��ي
ت إِلاَّ كَان ِ
النب��ي ﷺ« :لاَ يربو َلح��م َنب َت مِن س��ح ٍ
ْ ُ ْ َْ ُ ْ ٌ َ
والمرتش��ي ملعون��ان بِن ِّ
َ��ص حدي��ث رس��ول اهلل ﷺ ،فعن عبد اهلل ب��ن عمرو
((( رواه الترمذي يف سننه ،برقم( ،)614وصححه األلباني يف صحيح الترغيب والترهيب.)۳۲۰/۲(:
173
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
174
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( ينظ���ر :التدابير الزجرية والوقائية يف التش���ريع اإلس�ل�امي وأس���لوب تطبيقه���ا ،أحمد عبد الرحمن
إبراهيم ،ص(.)460
175
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
رابعا :الغش
الغش :ضدُّ النُّصح ،و ُيطلق يف أصله على خلط الرديء بالج ِّيد؛ بغرض إظهار
الشيء على غير حقيقته؛ لتحقيق منفعة شخصية(. )1
كل ُص َو ِر ِه ،وقد تو َّعد النبي ﷺ َّ
الغاش بالتربُّؤ منه؛ فقد روى محرم يف ِّ
والغش َّ
أن َّ
الغاش يرتكب «م ْن َغ َّش َف َل ْي َس ِمنِّى»( ،)2وذلك َّ
أن النبي ﷺ قالَ :أبو هريرة َّ
عدة جرائ��م أخالقية يتعدَّ ى ضررها لألخرين؛ فيضي��ع األمانة ،وال يفي بالعقود،
فقد الثقة بين الناس ،ويأكل الخبيث من الكس��ب ،والغش ينايف النصيحة ألئمة وي ِ
ُ
المسلمين وعامتهم.
�أمثلة الغ�ش يف املهن والوظائف:
1-1الغ��ش يف االختب��ارات الدراس��ية والوظيفي��ة والرض��ى به؛ فيحص��ل الغاش
يتبو ُأ هبا منصبًا وهو ليس أهالً له .قال الش��يخ
على ش��هادة ال يس��تحقها ،وقد َّ
عب��د العزيز بن ب��از رحمه اهلل“ :الغ��ش محرم يف االختب��ارات ،كما أنه محرم
يف المعام�لات ،فلي��س ألحد أن يغش يف االختبارات يف أي��ة مادة ،وإذا رضي
األستاذ بذلك فهو شريكه يف اإلثم والخيانة”(.)3
الم��زورة ألي جهة من الجه��ات ،أو تزوي��ر أوراق أو
َّ 2-2اس��تخراج الش��هادات
مس��تندات أو وثائق رس��مية ،أو الحصول على ش��هادات علمي��ة غير حقيقية
يزاحم هبا المتميزين.
3-3كتاب��ة التقاري��ر الطبية الت��ي ال تتفق مع الواق��ع ،أو منح اإلج��ازات العادية أو
176
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
177
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
178
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
179
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
وس��ت ُْر عيوبه وعورات��ه؛ كما روى ابن ذل��كِ :س��تْر اهلل لصاحبه يف الدنيا واآلخرةِ ،
ُ
��ل ًما َس��ت ََر ُه اهَّللُ فِ��ي الدُّ ْن َيا
أن النبي ﷺ قال« :ومن س��تَر مس ِ
ََ ْ َ َ ُ ْ عم��ر رض��ي اهلل عنهما َّ
اآلخ َر ِة»(.)2
و ِ
َ
��ر إال إذا كان يف إفش��ائه مصلحة ش��رعية راجح��ة ،أو أن ِ
وال يج��وز إفش��اء س ٍّ
180
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
مضرة على أحد ،ككتم الش��هادة ونحوه؛ بل ُي َعدُّ إفش��اء السر خيانة
يكون يف كتمه َّ
لألمان��ة ،واهلل تعالى يق��ول :ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [األنفال.]٢٧ :
�إف�شاء �أ�سرار العمل الوظيفي :
العم��ل الوظيف��ي أمانة تج��ب رعايتها ،وكل وظيف��ة لها أس��رار يؤتمن عليها
يحرمها
الموظف ،فإذا أفش��ى ش��يئا من أس��رارها كان هذا نوعا من الخيان��ة التي ِّ
وتجرمها األنظمة.
ِّ الشرع
��ر َّية أحيانا ِ فيج��ب عل��ى الموظف أن يعل��م َّ ِ
أن م��ن المعلومات م��ا تكون س ِّ
��ر َّية بس��بب صدور قرارات بذل��ك ،ويف كلتا الحالتين ِ
بطبيعته��ا ،وأحيانا تكون س ِّ
��ر َّيتها .ومع التقدم العلمي وس��هولة تواصل ِ َّ
فإن على الموظف المحافظة على س ِّ
الناس عرب وس��ائل التواصل االجتماعي الحديثة َّ
فإن مس��ألة إفشاء األسرار تأخذ
صور ًا جديدة غالبا ما تكون أس��وأ أثر ًا وأش��د خطرا؛ ولذلك َّ
ألن إعطاء الموظف
أي معلومة لوس��ائل اإلعالم -مثال -أو نش��ره لصور أو خطابات ِسرية بدون ٍ
إذن ِّ َّ َّ
مِن صاحب الصالحية يف عمله ،قد ترتتب عليه أضرار كبيرة على مصلحة العمل
وسمعة المنشأة أو الوطن بأكمله ،وهذا نوع من الخيانة وتضييع األمانة بال شك!.
عالج م�شكلة �إف�شاء �أ�سرار العمل:
يكون عالج مشكلة إفشاء األسرار الوظيفية من جانبين:
األول :التوعي��ة َّ
ب��أن الش��ريعة اإلس�لامية أمرت بحف��ظ األس��رار وكتماهنا،
ف��إن ذلك أدوم لألُ ْل َف��ة ،وأدوم لحقوق األف��راد والجماعات؛ وحظرت إفش��اءها َّ
وم��ن ذلك ما رواه أبو س��عيد الخ��دري عن النبي ﷺ أنه ق��ال« :إِ َّن ِم ْن َأ ْع َظ ِم
181
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الر ُج َل ُي ْف ِضى إِ َلى ْام َر َأتِ ِه َو ُت ْف ِضى إِ َل ْي ِه ُث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(.)1 ِ ِ ِ ِ ِ
األَ َمانَة عنْدَ اهَّلل َي ْو َم ا ْلق َي َامةَّ :
فينبغي للمسلم أن يكون حافظا لألسرار التي ي َّطلِع عليها ،سواء اؤتمن عليها
ِ ِ ِ
��ر العمل م��ن ق َب ِل َمن َأ َس َّ
��رها إلي��ه ،أو َع َرفها بحك��م وظيفته ،وال يقتصر حفظ س ِّ
فق��ط أثن��اء تأدية الخدمة ،بل يتع��دَّ اه إلى ما بعد ترك العمل بالتقاعد أو االس��تقالة
أو غيرهما.
تورطه يف إفش��اء األس��رار
حق َمن يثبت ُّ
الثاين :تطبيق األنظمة والعقوبات يف ِّ
الوظيفي��ة وإعالن هذه العقوبات حتى يكون يف ذلك عربة لمن يتهاون هبذا األمر؛
ليتم الحدُّ من هذا الفعل المش��ين الذي يؤ ِّثر على المجتمعات َبأ ْس ِرها ،فضال عن
َّ
تأثيره على األفراد والمؤسسات.
182
الق َيم اإلسالمية
القسم الثالثِ :
التعريف بالقيم
أوالً :تعريف ِ
الق َيم اإلسالمية
ِ الس ْل َعةََ :ث َّمنْتُها(،)1 ِ
«والق َيا ُم الق َيم جمع قيمة ،والقيمة يف اللغة :القدر .و َق َّو ْم ُت ِّ
والق َوا ُم :اس��م لما يقوم به الش��يء ويثبته كالعماد والس��ناد لما يعمد ويسند به»(.)2 ِ
وتع��رف القي��م يف االصطالح بأهن��ا :مجموعة الصفات العلي��ا ،التي يتميز هبا
َّ
البش��ر ،وتق��وم عليه��ا الحياة االجتماعي��ة ،ويتم التعبي��ر عنها باس��تخدام األقوال
واألفعال.
والقيم بمعناها االصطالحي الشامل تعني( :مجموعة معايير تتكون كقناعات
ل��دى الفرد تم ِّكنه م��ن تحقيق هدفه يف الحياة) ،وقيل أيض��ا :القيم هي (مجموعة
المب��ادئ والقواعد والمثل العليا التي يتخذ منها الناس ميزانًا ِيزنُون هبا أعمالهم،
ويحكم��ون هبا على تصرفاهتم المادية والمعنوية)؛ فالقيم إذ ًا هي مقياس أو معيار
نحك��م بمقتض��اه أو نقيس به ،أو ه��ي القواعد التي تق��وم عليها الحياة اإلنس��انية
تصو ِرها للقيم.
وتختلف هبا عن الحياة الحيوانية؛ لذا تختلف الحضارات بحسب ُّ
و َل َّما كانت القيم والمبادئ العليا قد حدَّ دها الوحي بالفعل ،فإنه يمكننا أن ُن َع ِّرف
القيم يف المفهوم اإلس�لامي بأهنا :مجموعة من األخ�لاق الفاضلة التي اعتمدت
على المنهج اإلس�لامي يف توجيه السلوك البشري نحو طلب الحق وفعل الخير.
بني منهج الإ�سالم ومنهج الغرب:
ترج��ع بع��ض القي��م اإلنس��انية إلى وضع البش��ر ،وذل��ك من خ�لال تعايش
المجتمع��ات وتالقح أفكارها ،ويكون بعض هذه القيم إيجابيًا وبعضها س��لبيًا،
187
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
بخ�لاف القيم الس��ماوية الت��ي كلها إيجابي��ة ،وقد ترجع بعض القي��م إلى عصور
قديم��ة؛ كبعض القيم العربية اإليجابي��ة ،مثل :النخوة والش��جاعة والكرم وإغاثة
الملهوف ،أو بعض القيم السلبية؛ كالعصبية القبلية.
ويف العص��ر الحاضر أصبحت المجتمعات-بس��ب االنفتاح العالمي -تأخذ
الكثير من القيم عن غيرها ،فتتأثر الشعوب الضعيفة بقيم الشعوب القوية حتى لو
كانت تلك القيم سلبية!.
ومما ال ش��ك فيه َّ
أن طريقة الغرب يف بحث القي��م كان وال يزال مختلفًا عما
صور الغرب القيم من خالل مفهومين منفصلين
بحثه المس��لمون األوائل ،حيث َّ
تقريبًا :مفهوم مادي (الحضارة الغربية) ،ومفهوم روحي (الدين والضمير) ،ولم
يتصورها من الجانبين معًا(.)1
ويف المقابل كان تصور المس��لمين للقيم من الجانبين معًا (مادي وروحي)؛
أن القيم جاءت جزء ًا من التصور اإلسالمي لإلنسان كإنسان (روح ومادة،
بمعنى َّ
دين ودنيا) ،وليس كما هو الحال يف الفكر الغربي.
لذا س��ندرس القيم وفق تصور المس��لمين لها ،وليس وفق المصادر المعرفية
الغربي��ة ،ومع ذلك ال ننك��ر جهد الفكر الغربي يف إعادة تبوي��ب القيم أو تصنيفها
بطريق��ة أيس��ر حتى من الفكر اإلس�لامي ،الذي جاء فيه مبحث القي��م متناثر ًا عرب
نصوص الرتاث كما ب َّينَّا ،وهذا طبيعي يف استفادة الالحق من السابق ،فالفكر الغربي
اس��تفاد م��ن التصنيف العلمي الذي ترك��ه قبله الفكر اليوناين والفكر اإلس�لامي.
((( اإلسالم بني الشرق والغرب ،علي عزت بيجوفتش ،ترجمة محمد يوسف عدس ،ص(.)27
188
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
189
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
والصرب والش��كر والحياء والنصح والرحمة وغيرها فال يخفى ما فيها من مصالح
تقوي روابط المجتمع وتزكِّي قيم التعاون واالحرتام،
للفرد والمجتمع معا ،فهي ِّ
ومما ال ش��ك فيه َّ
أن المجتمع الذي تس��وده تلك القيم ُي َعدُّ مجتمعًا مطمئنًا تكثر
فيه الفضيلة وتتضاءل فيه الرذيلة ،وهذه غاية نبيلة.
190
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ولم��ا كان القرآن الكريم والس��نة النبوي��ة هما مصدرا هذا الدي��ن العظيم كانا
بالتالي مصدَ َري القيم يف اإلس�لام ،إضافة إلى ما نتج عنهما من تش��ريع وأحكام؛
وبالتال��ي َّ
فإن مصادر القيم عند المس��لمين ه��ي :القرآن الكريم ،والس��نة النبوية،
والتشريع اإلسالمي بكل مكوناته المعرفية وأدواته االستنتاجية.
امل�صدر الأول :القر�آن الكرمي:
الق��رآن الكري��م هو المصدر األساس��ي للقيم اإلس�لامية ،والت��ي تنتظم فيما
يلي(:)1
•قيم اعتقادية؛ تتع َّلق بما يجب على المك َّلف اعتقاده يف اهلل ،ومالئكته ،وكتبه،
ورسله ،واليوم اآلخر ،وال َقدَ ر ،وغير ذلك من األمور التي يجب اعتقادها.
•قي��م ُخ ُلقي��ة؛ تتع َّلق بما يجب عل��ى المك َّل��ف أن يتح َّلى به م��ن الفضائل وما
يتخلى عنه من الرذائل.
•قيم َع َملِ َّية؛ تتع َّلق بما يصدر عن المك َّلف من أقوال وأفعال وعقود وتصرفات،
وهي على نوعين:
-أالعبادات؛ ويقصد هبا :تنظيم عالقة اإلنسان بربه.
-بالمعامالت؛ ويقصد هبا :تنظيم عالقات المك َّلفين ببعضهم.
فنجد القرآن الكريم قد اعتنى -أ َّيما عناية -بإرساء القيم اإليجابية يف النفوس
يف كل ما يتع َّلق باألنواع السابقة ِّ
الذكر.
ومم��ا يالح��ظ يف طريقة ع��رض الق��رآن للقيم َّ
أن القي��م المتعلق��ة بالعبادات
واألحوال الشخصية من المعامالت ُم ْل ِز َم ٌة ثابِ َت ٌة ألهنا تتعلق بأمر تع ُّبدي ،ال مجال
((( ينظر :القيم بني اإلسالم والغرب ،د .مانع املانع ،ص(.)184
191
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
بتطور البيئات(.)1
يتطور َّ
للعقل فيه وال َّ
أ َّما فيما عدا العبادات واألحوال الش��خصية من المعامالت فتأيت القيم عا َّمة،
يتعرض القرآن الكريم لتفصيلها أو اإللزام بأحكام مع َّينة يف كل جزئياهتا؛ ألنَّها
لم َّ
تتطور تبعًا لتغ َّير البيئات والمصالح.
َّ
امل�صدر الثاين :ال�سنة النبوية:
إذا كان القرآن الكريم قد دعا إلى تمس��ك اإلنسان بقيم عديدة ،فالسنة النبوية
التي هي المصدر الثاين من مصادر اإلسالم تشريعًا ومنهجًا وطريقًا لم تخل هي
أيضًا من شرح وبيان وتفصيل لكثير من هذه القيم التي جاءت يف القرآن الكريم،
فسرت السنة وبينت ُمرا َد القرآن منها؛ بل كما أنه جاءت يف السنة تشريعات لم
فقد َّ
قيم لم ينص عليها القرآن مباشرة؛ مثل قيمة ِ
تأت يف القرآن فكذلك جاءت يف السنة ٌ
االستش��فاء ،فالقرآن لم ينص صراحة على طلب االستش��فاء؛ لكن جاء يف الس��نة
النبوية عدد من األحاديث تطالب المس��لم باالهتمام بصحته وأن يبذل لذلك كل
اهلل َع َّز َو َج َّل َل ْم ُين َِّز ْل َدا ًء ،إِلاَّ ِ ِ
ما يمكنه؛ مثل قول النبي ﷺَ « :تدَ َاو ْوا ع َبا َد اهلل؛ َفإِ َّن َ
إن التداوي من التوكُّل. َأن َْز َل َم َع ُه ِش َفا ًء)2(»...،؛ لذا قال العلماءَّ :
وس��نرى يف حديثن��ا التفصيل��ي عن القيم العلي��ا أو القيم الحضاري��ة كثير ًا من
األحاديث التي تشرح بعض القيم اإلسالمية وتب ِّينها.
امل�صدر الثالث :الفقه الإ�سالمي وقواعده و�أ�صوله:
يع��دُّ الفقه اإلس�لامي مصدر ًا من مص��ادر القيم بما أنتجه م��ن قواعد أصولية
وفقهي��ة َت َر َّبى عليها المس��لمون عصر ًا بعد عصر؛ إذ القواع��د الك ِّل َّية والفرعية قِ َي ٌم
((( ينظر :املرجع السابق ،ص(.)185-184
192
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها ،د .صالح غامن السدالن ،ص(.)9
193
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
194
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
لح ِّقه وحاجته المعنوية أو المادية؛ ولكن دون إسراف أو اعتداء ،كما يف قوله
تعال��ى :ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [اإلس��راء،]٣٤ – ٣٣ :
فاآلي��ة األولى –من هاتي��ن اآليتين -تراعي الواقعي��ة يف الحق المعنوي ،وهو
ٍ
ألحد مجاوزة ح��ب النفس ألخ��ذ الحق والمجازاة بالمثل؛ لكن ه��ذا ال يربِّر ُّ
الح��د يف ذل��ك ،أو َت َط ُّل َب ُه بطرق غير مش��روعة ،واآلية الثانية ِّ
تق��رر الواقعية يف
ٍ
ش��يء منه يعينه على الح��ق المادي ،وذلك يف تط ُّلع الق ِّيم على مال اليتيم إلى
رعاية ذلك المال ،لذا أباحت له الشريعة إذا كان فقير ًا أن يأخذ منه بالمعروف
ٍ
إهدار لمال اليتيم. دون ظلم وال
كذلك جعلت للم��رأة الحق يف طلب الطالق متى وجدت ظلمًا من زوجها،
عض َل المرأة ،وال َع ْضل فيه تضييق عليها، ولم تجعل لرجل -أبا كان أم زوجًا -أن َي ُ
وكذلك يف ال َك َّفارات نظر اإلسالم إلى حال اإلنسان ،ففي ال ِّظهار ُج ِعلت ال َك َّفارة
تب��دأ من عت��ق رقبة ،فمن لم يجد فعليه صيام ش��هرين متتابعين ،فمن لم يس��تطع
فيطعم ستين مسكينًا ،وذلك حسب حال ا ْلم ِ
ظاهر وإمكاناته ،فمن لم يستطع أداء ُ
واحدة ُج ِعلت له غيرها ،حيث يقول اهلل تعالى :ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [المجادل��ة ،]٤ :وغير ذلك كثير من
التدرج الذي يراعي الواقع اإلنساين.
أمثلة ُّ
5-5إيجابي��ة؛ فالقي��م اإلس�لامية كلها قيم إيجابي��ة من حيث كوهنا تدعو المس��لم
للتع��اون والتكافل مع الناس أجمعين ،ويظهر ذلك يف ش��عائرها؛ كالصالة يف
جماعة ،ويف الحج ،ويف الزكاة ،ويف كل أعمال البِ ِّر؛ ليس هذا فحسب ،بل هي
195
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6009ومسلم يف صحيحه ،برقم(.)2244
196
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
197
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
التي يؤمن هبا المتد ِّين؛ فكلما كانت القيم عميقه عنده كانت األخالق متينة.
٭ ٭ثاني��ًا :من ناحي��ة المصدر؛ فمصدر القيم الش��خص ثم الجماع��ة ،أ َّما مصدر
األخالقفهوالدِّ ينوا ْل ُم ْع َت َقد؛فاألخالقكلهامؤسسةعلىدينأوشريعةحاكمة،
من مجتمع و ُع ْرف ،أما القيم فهي يف األس��اس اختيار اإلنس��ان قبل االعتقاد.
٭ ٭ثالث��ًا :من ناحية الثبات والتغيير؛ فالقيم ثابتة عند من يؤمن هبا وال يطرأ عليها
تغيير مهما كانت الظروف واألحوال؛ ألهنا يف األساس معتقدات قلبية وليست
سلوكية كاألخالق ،أ َّما األخالق فقد تتغير مع تغ ُّير أحوال اإلنسان دون تغيير
عقيدته أو قيمه العليا؛ ألهنا ليس��ت معتقدات ،بل هي ممارس��ة س��لوكية ،فقد
يتغير الخلوق لسبب عارض ،فقد يغضب الحليم مثالً ،وال يتغ َّير وصفه بخلق
الحل��م ،بينما القيم إذا تغيرت يتغ َّير معها اإلنس��ان نفس��ه م��ن ثقافة إلى غيرها
حسب مجموعة القيم التي تغ َّيرت عنده.
٭ ٭رابعًا :من ناحية األثر؛ فالقيم لها أثر على مس��تقبل الش��عوب ،بينما األخالق
لها أثر على حاضرها؛ فتؤ ِّثر األخالق على األفراد فينتفعوا بالصادق واألمين
والودود والرحيم من خالل التعامل المباشر معه ،وتأثير القيم على األمم أكرب
من تأثير األخالق؛ لذا يميل الناس ناحية األمم ذات القيم الثابتة لينتموا إليها.
198
الوحــــدة الثانية
٭ ٭العبادة.
٭ ٭ الحق.
٭ ٭ اإلحســـان.
٭ ٭ الحكمة.
٭ ٭ الرحمة.
٭ ٭الصدق.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
يفرق الطالب بين القيم العليا يف اإلسالم واألمم األخرى.
1 -1أن ِّ
يوضح الطالب أهمية القيم يف حياته العملية.
2 -2أن ِّ
3 -3ان يميز الطالب بين القيم العليا والقيم الحضارية.
* نواتج التعلم:
قادرا على أن:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1تفرق بين القيم العليا يف اإلسالم واألمم األخرى.
2 -2توضح أهمية القيم يف حياته العملية.
3 -3تميز بين القيم العليا والقيم الحضارية.
المقص��ود بالقي��م العليا هنا هي مجموع��ة القيم التي يؤمن هبا كل البش��ر من
جان��ب ،وله��ا تأثيرها على غيرها من المنظومة القيمي��ة من جانب ثان ،وال يوجد
اختالف يف قبولها بين كل األعراف والش��عوب من جانب ثالث؛ فهي ليست قيما
فرعية تختلف حس��ب األعراف والمجتمعات أو حسب الرؤى السياسية أو القيم
الحضارية أو غيرها؛ فمثال :الحق ليس قيمة فرعية أو يمكن إنكارها من أي إنسان،
والخالف ليس حول إثبات الحقوق كمبادئ عليا؛ إنما الخالف بين الش��عوب يف
مصدرية تلك الحقوق وكيفية العمل هبا وفق األطر العامة للمجتمعات واألمم.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
يتف��ق العقالء على أنه ليس هناك ُأ َّم ٌة َخ َلت مِن َج ْع�� ِل العبادة قيمة واعتبارها
أح��د أه��م مكوناهت��ا الفكريةُّ ،
فكل البش��ر يع ِّظم��ون م��ن يعب��دون و ُي َق ِّي ُمونه؛ أي
ُي َقدِّ ُرونه ويعتربونه أعظم ش��يء يف حياهتم ،وسيكون حديثنا عن العبادة كقيمة من
خالل التفصيل التالي:
�أوال :العبادة لغة وا�صطالحا:
العبادة يف اللغة هي االنقياد والخضوع والتذ ُّلل ،والفاعل عابد ،والجمع ُع َّبا ٌد
و َع َبدَ ٌة(.)1
والعبادة يف االصطالح العام تعني( :الدين والمعتقد والتش��ريع) ،وعليه ندرك
َّ
أن العب��ادة بمعن��ى المعتق��د ال يكاد يخلو منها إنس��ان؛ فكل إنس��ان يعبد ما يعتقد
صحة كونه إلها ويحبه ِ
ويج ُّله بطريقتهَ ،أ ًّيا كان هذا المعبود.
ثانيا :مفهوم العبادة يف الإ�سالم:
العبادة هي الغاية التي خلق اهلل الخلق ألجلِها؛ قال سبحانه :ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [الذاري��ات ،]٥٦ :والعبادة تكون بكل وس��يلة مش��روعة
ُت ِّ
قرب إلى اهلل تعالى ،فكل ما يدعو إلى طاعة اهلل من أعمال القلوب والجوارح ُيعدُّ
جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه
ٌ «اس��م
ٌ عبادة؛ فالعبادة يف اصطالح المس��لمين هي
م��ن األق��وال واألعمال الباطنة والظاه��رة»()2؛ فالصالة وال��زكاة والصيام والحج
والصدق واألمانة وبِ ُّر الوالدين وصلة األرحام والوفاء بالعهود واإلحس��ان للجار
203
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
واليتيم والمس��كين وابن السبيل واإلحسان إلى الكائنات الحية والبيئة وغير ذلك
مما يقوم به اإلنسان ابتغاء األجر من اهلل ،كل ذلك عبادة.
والعب��ادة كقيمة يقدِّ س��ها اإلنس��ان احرتام��ًا لعقيدت��ه ودينه ال��ذي يم ِّيزه بين
الناس ،فيتمايز الناس بدينهم قبل كل شيء ،وال يوجد أغلى عند اإلنسان من دينه
ج ُّل شيئًا كما ُي ِ
ج ُّل دينه ،بل يغ ِّير كثير ًا من قناعاته من أجل التوافق ومعتقده ،فال ُي ِ
م��ع معتقده ،والمس��لم أولى الناس بذل��ك؛ َّ
ألن عبادته قائمة عل��ى قناعته بصحة
مصدرها وهو الوحي السماوي.
وم��ن هن��ا ُتبنى العبادة يف اإلس�لام على أصلين؛ هما :غاي��ة الحب هلل تعالى،
وغاية الخضوع له عز وجل .
ثالثا� :أنواع العبادة:
1-1العب��ادة الكونية ،وتعني الخضوع ألمر اهلل تعالى الكوين ،وهي ش��املة لجميع
الخالئ��ق مؤمنه��م وكافره��م؛ كم��ا ق��ال اهلل :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ [مريم ،]٩٣ :فال يس��تطيع كائن يف الكون
الخروج عن أمر اهلل تعالى.
2-2العب��ادة الش��رعية ،وتعني الخضوع ألوام��ر اهلل تعالى التي جاءت هبا الرس��ل
عليهم الس�لام؛ ق��ال تعال��ى :ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ ﮊ [األنفال ،]٢٤ :وتلك هي العبادة التي ُيطا َلب هبا اإلنسان
ؤجر عليها.
و ُي َ
رابعا� :شروط العبادة يف الإ�سالم:
تختلف ش��روط العبادة يف اإلس�لام عن غيره��ا؛ إليمان المس��لم بمراقبة اهلل
204
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
205
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
206
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ُي َع��دُّ الحق قيم ًة عليا حي��ث ُتبنى عليه الحقوق التي ُت َم ِّك��ن الناس من العيش
يف أمن وس�لام ،و(الحق) اس��م من أسماء اهلل تعالى ،والش��يء الحق أي :الثابت،
ويستعمل يف الصدق والصواب أيضًا ،يقال :قول حق ،يعني :صواب.
�أوال :احلق يف اللغة واال�صطالح:
الحق :يف اللغة هو الثابت الذي ال يسوغ إنكاره( ،)1ويف اصطالح أهل المعاين:
ه��و الحكم المطابق للواقع ،يطلق على األقوال والعقائد والمذاهب ،الش��تمالها
على ذلك ،ويقابله الباطل(.)2
ويف اصطالح ،الفقهاء هو “ما ثبت بإقرار الشرع وأضفى عليه حمايته”(.)3
ثانيا :م�صدر احلق:
يجع��ل الغربي��ون مص��در الحق��وق االنتخ��اب الح��ر المباش��ر (Souvrage
،)universaelوما يرتتب عليه من برلمانات وهيئات؛ يف حين يجعل المس��لمون
مصدر الحق هو ش��رع اهلل تعالى وحده ،ويقصرون دور الهيئات العلمية والفقهية
وغيرها على فهم مراد اهلل وحسن تطبيقه.
الفرق بني قيمة احلق عند امل�سلمني وغريهم:
عل��ى الرغ��م من تعظي��م قيمة الحق عن��د جميع األمم إال أن��ه ثمة خالف بين
المس��لمين وغيرهم يف مصدر قيمة الحق كما س��بق ،فالمس��لمون ينس��بون الحق
207
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
يف التش��ريع هلل وحده ،وغيرهم ينس��ب الحق يف التشريع لإلنس��ان ،فيجعلون كل
م��ا يتفق��ون عليه حقًا ،فلو اتفقوا على زواج المثليين أو الش��ذوذ جعلوه حقًا ،يف
المقابل ال يرى المسلمون مصدرا للحق إال ما جاء عن الوحي.
والحق يف الشريعة اإلسالمية يكون معنويًا وماديًا ،وهو مادي فقط يف غيرها،
فالشريعة اإلس�لامية كفلت يف مبادئها الراسخة حقوقا ومبادئ كربى أو ما يسمى
بالكليات الخمس ،وهي:
1-1حف��ظ الدي��ن ،وهو ما يس��مى عد الغربيين ح��ق التدين أو حري��ة التدين ،وإن
س��ار يف طريق مختلف تمامًا عن طريق اإلسالم ،الذي لم يهدم بِ َي ِع النصارى
ومعابد اليهود وتراث الفراعنة ،ولم يحتقر تراث الشعوب ،ولم يحرق مكتبة
ولم يهدم صومعة ولم يقتل راهبا ولم يمس عابدا.
2-2حفظ العقل ،ويكون ذلك يف اإلسالم بتحريم كل ما يذهب العقل أو يضعفه،
وهو ما ال يكاد يوجد له تش��ريع مماثل عند غير المس��لمين اليوم؛ لذا ضاعت
كثي��ر م��ن العق��ول بتن��اول المس��كرات والمخدرات ،رغ��م حدي��ث المادية
المعاصرة عن أهمية العقل ،بل تمجيدها له لدرجة اعتباره مصدرا للتشريع!؛
فلم يحفظوا العقل من جهة بقاء وجوده ،ولم يحفظوه بوقوفه عند حدوده.
3-3حف��ظ النفس ،أو ما يطلق عليه الغربيون اليوم حق الحياة ،ومع ذلك لم يصل
حق الحياة إلى النظر يف حياة الجنين ولم يوضع له تش��ريع مناسب يف األنظمة
الوضعية حتى عصرنا هذا!.
4-4حف��ظ النس��ل ،الذي يطلق عليه الغربيون اليوم ح��ق اإلنجاب أو حفظ النوع،
وإن طالت��ه ي��د العبث بقبول حقوق ال تقدم لإلنس��انية إال اله�لاك ،مثل إباحة
الفواحش ،وإقرار حقوق الشواذ ،وغير ذلك.
208
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
5-5حف��ظ المال ،ويطلق عليه المعاص��رون حق التملك ،وإن كان االتجاه يف حق
التملك قد س��ار مغاير ًا لما يرتضيه ضمير اإلنس��ان ،فزادت الفجوة بين الفقير
والغني يف عصر الرأسمالية المتوحشة.
ثالثا� :أق�سام احلقوق يف الإ�سالم:
للحقوق يف الإ�سالم �أق�سام �أربعة:
القس��م األول :حقوق اهلل تعالى ،وهي الحقوق التي تتعلق بواجبات العبادة،
وال س��يما الحدود التي ش��رعها اهلل ،وقد ذكرنا بعضا من تلك الحقوق يف مبحث
األدب مع اهلل تعالى.
القس��م الثاين :حق��وق العباد ،وذل��ك كالديون واألمالك وح��ق الوراثة وغير
ذلك مما يتعلق باألموال نقالً وبقا ًء ،فهذه كلها حقوق البشر فيما بينهم ،فاالعتداء
عليها ظلم ،وال يقبل اهلل تعالى توبة عبد قد أكل حقًا من تلك الحقوق إال إذا أ َّداه
أو أسقطه صاحبه وعفا(.)1
القس��م الثال��ث :هو ما يعرب عنه بالحقوق المش�تركة بين حق��وق اهلل وحقوق
العباد ،وهي ما اجتمع فيها حق اهلل وحق العبد ،وهي قسمان:
حق اهلل ه��و الغالب فيها؛ ومن ذلك مثال ح��دُّ القذف ،فهو من جهة
1-1م��ا يكون ُّ
أن المقذوف قد ا ُّت ِهم يف
أن في��ه إيذاء للمخلوق فهو ح��ق هلل تعالى ،ومن جهة َّ
َّ
ِع ْر ِض��ه فهو حق له ،وكذلك ِعدَّ ة المطلقة ،فحق اهلل فيها صيانة األنس��اب عن
االختالط ،وأما حق العبد فيها فهو المحافظة على النسب.
2-2ومنه��ا ما يك��ون حق العباد ه��و الغالب فيه��ا؛ مثل حق القص��اص وعقوبات
فصل اإلمام الشاطبي يف كتابه (الموافقات)
الدماء بش��كل عام كالديات ،وقد َّ
((( أصول الفقه ،للشيخ محمد أبو زهرة ،ص(.)324
209
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
تلك الحقوق(.)1
القسم الرابع :حقوق العباد بعضهم على بعض ،ولهذا القسم أنواع كثيرة منها:
• حقوق دينية يقبلها معظم البشر بعضهم للبعض اآلخر ،فالمسلم مع يقينه بأن
دين��ه هو دين اهلل وأنه الطريق القويم ال يجوز له أن يس��ب أو يس��تهزئ بعقيدة
غير المسلم؛ قال اهلل تعالى :ﮋﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ
[األنعام“ ،]١٠٨ :فال يحل للمسلم أن يسب دينهم وال صلباهنم وال يتعرض
إلى ما يؤدي إلى ذلك”(.)2
•حقوق ش��خصية تكفلها الشريعة اإلس�لامية للمسلمين وغير المسلمين؛ مثل
عادات الشعوب وتقاليد وأعراف المجتمعات.
•حقوق وطني��ة يتفق عليها المواطنون وفق نظام سياس��ي أو اجتماعي يرتضيه
عقالؤه��م ،وال تصبح الحق��وق الوطنية قيمًا إال إذا تس��اوى فيها المواطنون
أمام القانون.
•حق��وق اجتماعية؛ مث��ل التعاون والتكاف��ل والرتاحم وح��ق الطريق وحقوق
مزاولة المهن وغيرها من الحقوق التي يش��عر أف��راد المجتمع بحاجتهم لها،
وأهنا وسيلتهم يف الرتابط واالجتماع.
• حقوق سياسية؛ مثل حقوق الحاكم وحقوق الرعية ،وقد ب َّينت األدلة الشرعية
م��ا يجب على كل م��ن الحاكم والمحكوم م��ن واجبات وما ل��كل منهما من
حقوق.
210
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)4۷۷۷ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)9عن أبي هريرة .
211
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
212
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
213
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
214
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
215
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( ينظر :الصحاح ،للجوهري ،)1929/5(:ومقاييس اللغة ،البن فارس ،)498/2(:ولس���ان العرب ،البن
منظور ،)230/12(:ومختار الصحاح ،للرازي ،ص(.)120
216
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
يرحمكُم من فِي السم ِ
اء»(.)1 َّ َ َْ َ ْ ْ َ ْ
ثالثا :مناذج لقيمة الرحمة يف الإ�سالم.
نماذج قيمة الرحمة يف اإلسالم ال تكاد تحصى كثرة؛ ومن تلك النماذج على
سبيل المثال:
1-1رحم��ة النبي ﷺ بأمته عموما التي أش��ار إليه القرآن الكريم يف قول اهلل تعالى:
ﮋﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [آل عم��ران:
.]١٥٩
2-2الرحمة باألطفال ،ومن أمثلة ذلك ما ثبت من حديث أبي ُه َر ْي َر َة َ ق َالَ :ق َّب َل
يم ُّي َجالِ ًساَ ،ف َق َال
س الت َِّم ِ الح َس َن ْب َن َع ِلي َو ِعنْدَ ُه األَ ْق َر ُع ْب ُن َحابِ ٍ رس ُ ِ
ٍّ ��ول اهَّلل ﷺ َ َ ُ
ول اهَّلل ِ ﷺ ُث َّمت ِمن ُْه ْم َأ َحدً اَ ،فنَ َظ َر إِ َل ْي ِه َر ُس ُ
الو َل ِد َما َق َّب ْل ُ ِ ِ
األَ ْق َر ُع :إِ َّن لي َع َش َر ًة م َن َ
َق َالَ :
«م ْن الَ َي ْر َح ُم الَ ُي ْر َح ُم»(.)2
3-3الرحم��ة باألم ،فكان النبي ﷺ يخ ِّفف الصالة التي يريد إطالتها عندما يس��مع
ب��كاء صبي مخافة حصول المش�� َّقة أل ِّم الصبي؛ إ ْذ يق��ول ﷺ« :إِنِّي لأَ َ ُقو ُم فِي
الصال َِة ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َطو َل فِيهاَ ،ف َأسمع بكَاء الصبِيَ ،ف َأتَجو ُز فِي صالَتِي كَر ِ
اه َي َة َأ ْن َ َ َ َّ ْ َ ُ ُ َ َّ ِّ َ ِّ َّ
َأ ُش َّق َع َلى ُأ ِّم ِه»(.)3
4-4الرحمة بالخدم؛ فقد جاء يف الحديث الشريف قول النبي ﷺ موصيا بالرحمة
ت ت َأ ْي ِديك ُْمَ ،ف َم ْن َج َع َل اهَّللُ َأ َخا ُه ت َْح َ ُ��مَ ،ج َع َل ُه ُم اهَّللُ ت َْح َ «ه ْم إِ ْخ َوا ُنك ْ بالخدمُ :
َي ِد ِهَ ،ف ْل ُي ْط ِع ْم ُه ِم َّما َي ْأك ُُلَ ،و ْل ُي ْلبِ ْس ُه ِم َّما َي ْل َب ُسَ ،والَ ُي َك ِّل ُف ُه ِم َن ال َع َم ِل َما َيغ ِْل ُب ُهَ ،فإِ ْن
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)707من حديث أبي قتادة .
217
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
218
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
219
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)6094ومس���لم يف صحيحه ،برقم( ،)2607من حديث عبداهلل
بن مسعود .
220
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
((( أخرج���ه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)2110ومس���لم يف صحيحه ،برق���م( ،)1532من حديث حكيم
بن حزام .
221
الوحدة الثالثة
٭ ٭االستخالف.
٭ ٭المسؤولية.
٭ ٭ النظام واالنضباط.
٭ ٭النظافة.
٭ ٭التفاؤل.
* األهداف التعليمية:
هتدف هذه الوحدة إلى:
1 -1أن يعدد الطالب خمسا من القيم اإلسالمية الحضارية.
2 -2أن يوضح الطالب دور التزام النظام واالنضباط يف رقي المجتمع.
3 -3أن يذكر الطالب أدلة عناية اإلسالم بقيمة النظافة.
* نواتج التعلم:
قادرا على أن:
عزيزي الطالب :يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً
1 -1تعدد خمسا من القيم اإلسالمية الحضارية.
2 -2توضح دور التزام النظام واالنضباط يف رقي المجتمع.
3 -3تذكر أدلة عناية اإلسالم بقيمة النظافة.
القي��م الحضارية هي تلك القيم التي تس��اعد اإلنس��ان يف الرتقي الحضاري،
فلم��ا كانت القيم العليا ال يس��تغني عنها اإلنس��ان لكي يتصف باإلنس��انية ،كانت
َّ
القي��م الحضاري��ة ضرورية لكي يرتقى اإلنس��ان يف الس��لم الحض��اري ،ومن هنا
فالقي��م الحضارية تأيت يف الدرجة الثانية من حي��ث األهمية؛ فلو لم نجد قيما عليا
فال يمكن أن نبحث عن قيم حضارية.
فإذا قلنا َّ
أن القيم العليا يف مقام الضرورات بالنس��بة للوجود البش��ري ،فالقيم
الحضارية يف مقام الحاجيات التي تساعد المجتمع على التقدم والرقي ،فال يمكن
أن نتقدم من غير فهم دور البشر يف االستخالف وما يتبعه من إقامة نظم اجتماعية
وسياسية ،تعتمد على فهم دور ومسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع ،كذلك تبين
تل��ك القيم حرص المجتمع على النظافة والتف��اؤل والثقة بين أفراده ،لهذا جعلنا
محور حديثنا يف هذه الوحدة عن القيم الحضارية مثل :االس��تخالف والمسؤولية
والنظ��ام والنظاف��ة والتفاؤل ،وذلك لك��ي نبين دور اإليمان هب��ذه القيم يف صناعة
النهض��ة الحضارية لألمم عموما و ُأ َّمة اإلس�لام خصوصا من جانب ،ومن جانب
ثان لكي نثبت كيف دعا اإلسالم المسلمين إلى تبنِّي هذه القيم يف أحسن صورة.
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
االستخالف يف اللغة يعني :مجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه ،ومنه الخلف:
الع��وض ع��ن ش��يء فائ��ت ،ومن��ه الخالف��ة .واالس��تخالف :جع��ل الخلف عن
الشيء(.)1
ويف الق��رآن الكري��م ورد لفظ االس��تخالف س��ت م��رات ،ووردت من نفس
المجال ألفاظ الخليفة والخلفاء والخالئف تسع مرات ،ومع أن عدد ورود اللفظ
قليل إال أن دالالته على قدر كبير من األهمية.
فاالس��تخالف يعن��ي :الوجود اإلنس��اين على األرض ،الذي أعل��م اهلل تعالى
ب��ه المالئك��ة؛ كما يف قول��ه س��بحانه :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙﭼ [البقرة.]٣٠ :
،ليكون و ُي َع��دُّ هذا تش��ريفًا عظيمًا أن يس��جد المالئكة األب��رار آلدم
ه��ذا الس��جود محور ًا لما س��يجري على األرض م��ن أمور عظيم��ة ،أهمها حمل
الرسالة وأداء األمانة ،ثم الوعد بالتمكين لمن حقق شروطه المذكورة يف قول اهلل
تعالى :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [النور.]٥٥ :
وم��ن خ�لال هذه الش��روط نتبين َّ
أن اس��تخالف اإلنس��ان يف االرض لم يكن
مطلق��ًا ،وحقيقة االس��تخالف كم��ا أراده اهلل عز وجل هي أنه اس��تخالف بقصد
إصالح األرض وعمارهتا ،ال بقصد إفسادها وخراهبا.
((( ينظر :مقاييس اللغة ،)210/2(:ولسان العرب.)89/9(:
226
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
227
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
228
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
أف��راد المجتمع وهدده بالعق��اب إذا علِم ولم ُيصلِح ،ولو كان صالحًا يف نفس��ه؛
فقال تعالى :ﮋﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [األنفال.)1(]٢٥ :
ونعى على من لم يتحمل المس��ؤولية وجعل من تخلى عنها مس��تحقا للطرد
من رحم��ة اهلل؛ فقال تعال��ى :ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [المائدة.]٧٨ :
فالمس��ؤولية ه��ي العام��ل الرئي��س يف وجود نظ��ام وقان��ون ،وإذا ُع ِدمت
عمت الفوضى وانتش��ر الفس��اد؛ «ذلك أنه إذا لم ي ُعدْ هن��اك إلزام فلن تكون هناك
َّ
مس��ؤولية ،وإذا ُع ِدمت المس��ؤولية ،فال يمك��ن أن تعود العدالة؛ وحينئذ تتفش��ى
الفوضى ،ويفسد النظام ،وتعم الهمجية ،ال يف مجال الواقع فحسب ،بل يف مجال
أيضا»(.)2
القانون ً
229
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
230
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
�صورة ( )2اجلهات املعنية بخدمة احلجاج جتعلهم ي�سريون بنظام؛ ليتم �أداء الفري�ضة على الوجه الأكمل.
�أنواع النظم:
ال ي��كاد ُيذك��ر مجال عمل��ي أو تربوي أو مؤسس��ي إال ويك��ون له نظامه
الخاص ،لذا نجد عدد ًا هائالً من األنظمة بعضها ينسب إلى النظام االجتماعي ،أو
النظام السياسي ،أو النظم القضائي ،أو النظام الرتبوي ،فتتنوع قيمة النظام حسب
231
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
المؤسس��ة أو المشروع أو المنهج أو البيئة ،لكن أشهر األنظمة على اإلطالق هي
النظام السياسي والقضائي واالجتماعي ،حيث يحدد األول شكل الدولة ،والثاين
يحدد منظومة الحقوق والواجبات ،والثالث يحدد نظام األسرة.
االن�ضباط:
ه...،وض ْب ُط الش ِ ُ
َ وح ْب ُس االنضباط يف اللغة مأخوذ من الضبط ،وهو «ل ُزو ُم َّ ْ
��يء َ
الش ْي ِءِ :ح ْف ُظه بِا ْل َح ْز ِم»(.)1
َّ
نع��رف االنضب��اط يف االصطالح بأن��ه :تطبيق األنظم��ة واألوامر ويمك��ن أن ِّ
والتعليمات والحزم يف االلتزام هبا.
وال تنف��رد قيم��ة االنضباط عن قيم��ة النظام ،غير أنه ال يمك��ن أن يكون هناك
انضباط إال إذا كان هناك نظام يحدد طرق االنضباط حتى يسير عليه السائرون.
ومن أهم فوائد االنضباط ما يلي:
1-1حفظ حقوق األفراد يف المجتمع ،وحماية الضعيف منهم مِن سلب حقوقه.
2-2تحقيق العدل بين أفراد المجتم��ع؛ فعند تطبيق النظام واالنضباط على جميع
األفراد ال يشعر أحد بأفضلية لآلخرين عليه ،مما يحافظ على ترابط الجميع.
3-3أداء األعمال بالشكل األفضل وعلى أحسن وجه ،فعند تطبيق النظام يستطيع
الفرد اإلبداع واالبتكار يف ظل األمان وحفظ الحقوق.
4-4الق��درة على الس��يطرة على المجتم��ع وأف��راده ،وتحديد صالحي��ات كل فرد أو
مجموعة ،وحماية المجتمع من الفوضى؛ فمثالً اإلس�لام نظام ،لكن طريقة أدائه
تحتاج إلى انضباط ،فال يمكن –على سبيل المثال -أن يدخل أكثر من (مليون مسلم)
المس��جد الحرام ويخرجوا بسالم وطمأنينة وس��كينة من غير االنضباط والنظام.
((( لسان العرب ،البن منظور.)340/7(:
232
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
ف��إن كان��ت بعض األدي��ان قد َأ ْو َل��ت النظافة ج��زء ًا من اهتمامه��ا فقد جعلها
اإلس�لام من اإليمان ،كما جعلها شرطًا لبعض العبادات ،فقد قال ﷺ« :ال ُّط ُه ُ
ور
ان»( ،)2فجعل النب��ي ﷺ النظافة يف هذا الحديث نصف اإليمان ،ويرد َش�� ْط ُر الإْ ِ َ
يم ِ
هذا الحديث على من يعتقدون أن النظافة والطهارة إنما هي من ابتكار الغرب!.
وقيم��ة النظافة يف اإلس�لام عامة ،فال تقتصر على المظاهر المادية بل تش��مل
المعنوية؛ فاإلنسان الذي ال يكذب يوصف بأنه نظيف اللسان ،والذي ال تمتد يده
إلى حق غيره يوصف بأنه نظيف اليد ،وهذه نظافة معنوية.
233
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
والمتأمل حال الطهارة والنظافة يف القرآن الكريم يجد أن اهلل سبحانه وتعالى
ُيعاقِب على عدم االلتزام هبا أشد وأبلغ عقاب ،وقد أهلك اهلل سبحانه وتعالى ُأ َّمة
.
كاملة لنجاستهم وعدم طهارهتم ،وهم قوم لوط
ومما يعلي من شأن قيمة النظافة أهنا ُج ِعلت سببًا لحب اهلل تعالى؛ قال تعالى:
ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ [البقرة.]٢٢٢ :
الصال َِةَ ،ف َأ ْسبِ ِغ
ت إِ َلى َّ
كما حث النبي ﷺ على إس��باغ الوضوء ،فقال« :إِ َذا ُق ْم َ
الو ُضو َء»(.)1
ُ
وأوجب اإلسالم غسل جميع البدن بعد الجماع وبعد الحيض والنفاس وغير
ذلك من المواطن التي يلزم معها الغس��ل ،وحث اإلس�لام على االغتسال وندب
كالجمع والعيدين؛
إليه يف مناس��بات عدة وخاصة مواطن االجتم��اع واالزدحام؛ ُ
الج ُم َعةََ ،ف ْل َي ْغت َِس ْل»(.)2
فقال رسول اهلل ﷺ« :إِ َذا َجا َء َأ َحدُ ك ُُم ُ
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)667ومسلم يف صحيحه ،برقم( ،)397عن أبي هريرة .
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)887وبنحوه مسلم يف صحيحه ،برقم( ،)844عن ابن عمر رضي
اهلل عنهما.
234
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
235
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الق��رآن موقف الرس��ول ﷺ مخاطبًا صاحبه وهو يف ح��ال يملؤها التفاؤل والثقة
ب��اهلل ،فق��ال تعال��ى :ﮋ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜﮊ [التوبة ،]٤٠ :وهذا مبلغ عظيم من التفاؤل وإحسان الظن باهلل جل وعال.
ويظهر نشره ﷺ للتفاؤل وتطمينه للمصاب يف قوله –عليه الصالة والسالم-
ور إِ ْن َشا َء اهَّلل»(.)1
ال َب ْأ َسَ ،ط ُه ٌ
إذا دخل على مريض يعودهَ « :
فينبغ��ي للمس��لم أن يكون دائ��م الثقة باهلل مس��تمد ًا العون من��ه متفائالً بالخير
والتيسير؛ مهما كانت العقبات.
وهناك فوائد كثرية لقيمة التفا�ؤل؛ منها:
•التفاؤل يزيح الهم من قلب اإلنسان.
•التفاؤل ينير درب اإلنسان ،فيعرف كيف يسير نحو هدفه.
•التفاؤل س��بب يف حص��ول الخير؛ فالمتفائ��ل بالخير س��يحصد الخير يف هناية
الطريق بإذن اهلل.
•التفاؤل يدفع باإلنسان نحو العطاء والتقدم والعمل والنجاح.
•التفاؤل يدفع اإلنسان لتجاوز المحن.
•التفاؤل تدريب للنفس على الثقة باهلل والرضا بقضائه.
يعود المؤمن على النظرة اإليجابية لكل محنة.
•التفاؤل ِّ
•التفاؤل دليل على التوكل على اهلل عز وجل .
***
((( رواه البخاري يف صحيحه ،برقم( ،)3616عن ابن عباس رضي اهلل عنهما.
236
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
حديث ال ُي ُّ
مل؛ كيف ٌ َّ
إن الحديث ع��ن األخالق واآلداب والقيم اإلس�لامية
ال وه��ذه األمور من صل��ب ديننا الحنيف الذي ختم اهلل به األديان وجاء إلس��عاد
البشرية يف كل زمان ومكان ،ومن واجب المسلمين امتثال هذه األخالق واآلداب
والقي��م ،وإبراز تميزها يف اإلس�لام عن غي��ره ،ودعوة الناس إليها بع��د أن يتم َّثلها
المسلمون واقعًا يف حياهتم ليكونوا قدوة حسنة لغيرهم.
له��ذا اجته��دَ ت لجنة التأليف أن تق��دِّ م مادة علمية تأ ُم ُلأن تكون مناس��بة من
حيث الموضوعات وسهولة طرحها ،وكذلك من حيث األفكار وتقريب وصولها
إل��ى أبنائنا الط�لاب وبناتنا الطالبات يف ه��ذه المرحلة العمري��ة المهمة ،رجاء أن
ُيو َّف ُق��وا إل��ى ترس��يخ المفاهي��م الصحيح��ة يف قضاي��ا األخ�لاق واآلداب والقيم
اإلسالمية وتطبيقها بعد ذلك يف واقع حياهتم.
ٍ
لش��يء عن هذه القضايا الثالث المطروحة ،وكاشفًا وجاء هذا الكتاب مب ِّينًا
لمدى صلتها بالدين الحنيف ،وموضحًا لكيفية تطبيقها بالشكل الصحيح ،ونافيًا
للبعض المفاهيم الخاطئة حولها.
زمالؤنا أعضاء هيئ��ة التدريس يف تبصير أبنائنا
ُ راجين م��ن اهلل تعالى أن يو َّفق
وبناتن��ا هب��ذه القضايا عل��ى الوجه األكمل ،وه��م جديرون أن يضيف��وا إلى المادة
العلمي��ة يف ه��ذا الكت��اب كثي��ر ًا م��ن األف��كار والفوائد الرتبوي��ة التي ق��د تنقصه،
واألساليب وطرق التدريس التي ُيؤ َّدى هبا.
واهلل نسأل التوفيق والسداد للجميع؛ إنه سميع قريب ،وآخر دعوانا أن الحمد
َ
هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وس��لم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
لهم بإحسان إلى يوم الدين.
237
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
238
الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)
الصفحات املوضوع
239
185 القسم الثالث :القيم اإلسالمية.
الوح���دة األولى :تعريف القيم اإلس�ل�امية ،ومصادرها ،وخصائصها،
187
والفرق بينها وبني األخالق.
الوح���دة الثانية :القيم اإلس�ل�امية العليا( :العبادة ،احلق ،اإلحس���ان،
201
احلكمة ،الرحمة ،الصدق).
الوحدة الثالثة :القيم اإلسالمية احلضارية( :االستخالف ،املسؤولية،
225
النظام واالنضباط ،النظافة ،التفاؤل).
241 فهرس احملتويات