You are on page 1of 240

‫الثقافة اإلسالمية‬

‫(األخالق والقيم)‬
‫�إعداد جلنة من ق�سم الثقافة الإ�سالمية‬
‫كلية ال�شريعة والأنظمة ‪ -‬جامعة الطائف‬

‫�إ�شراف‬
‫د‪ .‬عبدالرحمن بن عابد الغريبي‬
‫رئي�س ق�سم الثقافة الإ�سالمية‬
‫الإ�صدار الرابع ‪2020-1441‬م‬
‫عبدالرحمن بن عابد الغريبي ‪1441‬هـ‬ ‫ح‬

‫فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر‬


‫الغريبي‪ ،‬عبدالرحمن بن عابد‬
‫الأخالق والقيم ‪ -‬الثقافة الإ�سالمية‪ /.‬عبدالرحمن بن عابد‬
‫الغريبي ‪ -‬الطائف ‪1441‬هـ‪.‬‬
‫‪� --‬ص؛ ‪� 24 × 17‬سم‬
‫ردمك‪978 - 603 - 91142 - 2 - 9 :‬‬
‫‪ -1‬الأخالق والقيم ‪ -2‬الثقافة الإ�سالمية �أ‪ .‬العنوان‬
‫‪1441/556‬‬ ‫ديوي ‪----‬‬

‫رق���م الإي���������داع‪1441/556:‬‬
‫ردمك‪978-603 - 91145 - 2 - 9:‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬


‫ال يس��مح بإعادة نشر أي جزء من هذا الكتاب بأي شكل من األشكال‪ ،‬وبأي‬
‫وسيلة‪ ،‬سواء كانت آلية أو الكرتونية‪ ،‬بما يف ذلك التصوير والتسجيل‪ ،‬أو اإلدخال يف‬
‫نظام حفظ المعلومات أو استعادهتا بدون الحصول على موافقة خطية من المؤلف‪.‬‬

‫الطبعة الرابعة ‪1441‬هــ – ‪2020‬م‪.‬‬


‫‪� Dr.Aasg99@gmail.com‬أو ‪Dr.ab.eidan@gmail.com‬‬ ‫للتوا�صل واالقرتاحات‪:‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والس�لام على أشرف األنبياء والمرسلين‪،‬‬


‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬ثم أ ّما بعد‪:‬‬
‫أن البش��رية بحاجة ماس��ة لألخالق الحس��نة يف كل زم��ان ومكان‪،‬‬ ‫فال ش��ك ّ‬
‫ٍ‬
‫حسن كانت حيا ًة بائس ًة‬ ‫ٍ‬
‫س��لوك‬ ‫الخ ُلق‪ ،‬وإذا َخ َل ْت حيا ٌة مِن‬ ‫ِ‬
‫الحياة ُح ْس�� ُن ُ‬ ‫ُ‬
‫فجمال‬
‫عرض ًة لالهنيار‪ ،‬وإنما تقوى األمم وترقى إذا كانت حضارهتا مبن ّية على األخالق‬
‫ُم َّ‬
‫الكريمة‪.‬‬
‫وتعليمها؛‬
‫ُ‬ ‫وألهمية األخ�لاق أصبح لزامًا على كافة أفراد المجتم��ع تع ُّلمها‬
‫حتى ُيعرف التطبيق الصحيح لها‪.‬‬
‫ومِ��ن ُمنطلق االهتمام بغرس األخالق والقي��م يف النفوس ورعايتها كان هذا‬
‫الجهد‪ ،‬حيث نقدم هذا الكتاب الذي بعنوان‪ :‬الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‪،‬‬
‫راجين من اهلل تعالى أن يكون وسيلة نافعة لفهم المنظومة العامة لألخالق والقيم‬
‫ثان‪ِ -‬حصنًا أمينًا ألبنائنا‬
‫جانب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫واآلداب اإلس�لامية من جان��ب‪ ،‬وأن يكون‪-‬من‬
‫ٍ‬
‫مغلوط لرتاثنا وحاضرنا‪.‬‬ ‫أي ٍ‬
‫فهم‬ ‫ِ‬
‫وبناتنا من ِّ‬
‫ٍ‬
‫أخالقي‬ ‫ٍ‬
‫سلوك‬ ‫ومن خالل فهم منظومة القيم اإلس�لامية ِ‬
‫وجدِّ ية العمل هبا يف‬
‫ٍ‬
‫رش��يد يرتق��ي أبناؤن��ا وبناتن��ا بأخالقه��م‪ ،‬ليكونوا صالحي��ن يف أنفس��هم‪ ،‬وقدو ًة‬
‫لغيرهم‪ ،‬ونافعين يف مجتمعاهتم‪ ،‬وعناصر بِ ٍ‬
‫ناء لوطنهم‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص أهم أهداف مقرر (الثقافة اإلسالمية‪ :‬األخالق والقيم) فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬تكوين التصورات الصحيحة عن األخالق والقيم واآلداب اإلسالمية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪2-2‬ترس��يخ ا ْل ُم ُث��ل العليا لألخ�لاق والقي��م واآلداب اإلس�لامية يف النفوس‪ ،‬مع‬


‫مقارنتها مع مثيالهتا يف الثقافات األخرى‪.‬‬
‫‪3-3‬إبراز أوجه تم ّيز األخالق والقيم واآلداب يف اإلسالم عن غيره‪.‬‬
‫‪4-4‬تحويل األخالق والقيم واآلداب اإلسالمية إلى واقع عملي ُم َط ّب ٍق يف الحياة‪.‬‬
‫المرجو َة منه‪ ،‬وأن يوفق اهلل‬
‫َّ‬ ‫األهداف‬
‫َ‬ ‫سائلين اهلل تعالى أن يحقق هذا الكتاب‬
‫الجميع إلى كل خير‪ ،‬وأن يهدينا جميعًا ألحس��ن األخالق ويصرف عنّا س�� ِّي َئها؛‬
‫إنه سميع مجيب‪.‬‬
‫وباهلل التوفيق‪ ،‬وعليه التُّكالن‪ ،‬وهو ا ْل ُمس��تعان‪ ،‬وآخر دعوانا ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﭼ [يونس‪.]١٠ :‬‬

‫امل�ؤ ِّلفون‬

‫‪6‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫محتوى الكتاب‬

‫يحتوي هذا الكتاب على ثالثة أقسام‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬األخالق اإلسالمية‪ ،‬وفيه ست وحدات‪:‬‬
‫الوحدة األولى‪ :‬مدخل إلى األخالق يف اإلسالم‪ ،‬وتحتوي على‪:‬‬
‫‪1-1‬تعريف األخالق‪ ،‬ومكانتها من الدين‪ ،‬وأهميتها‪ ،‬وعالقتها بالعقيدة والعبادات‬
‫والمعامالت‪ ،‬والفرق بين الخلق واألدب‪.‬‬
‫‪2-2‬خصائ��ص األخ�لاق يف اإلس�لام‪ ،‬النظري��ة األخالقية عن��د األم��م يف القديم‬
‫والحديث‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬أصول محاسن األخالق‪ :‬الصرب‪ ،‬العفة‪ ،‬الشجاعة‪ ،‬العدل‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬نماذج من األخالق الفاضلة‪ :‬اإلخالص‪ ،‬الحياء‪ ،‬الشكر‪.‬‬
‫الوحدة الرابعة‪ :‬أصول مساوئ األخالق‪ :‬الجهل‪ ،‬الظلم‪ ،‬الشهوة‪ ،‬الغضب‪.‬‬
‫الوحدة الخامسة‪ :‬نماذج من األخالق الرذيلة‪ :‬الكرب‪ ،‬البذاءة‪ ،‬الكسل‪.‬‬
‫الوحدة السادسة‪ :‬تابع نماذج من األخالق الرذيلة‪ :‬التشاؤم‪ ،‬الحسد‪ ،‬الغفلة‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬اآلداب اإلسالمية‪ ،‬وفيه ثالث وحدات‪:‬‬
‫الوحدة األولى‪ :‬اآلداب اإلس�لامية العليا‪ :‬األدب مع اهلل عز وجل ‪ -‬األدب‬
‫مع القرآن الكريم‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬تابع اآلداب اإلسالمية العليا‪ :‬األدب مع النبي ﷺ‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬آداب المهنة‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬القيم اإلسالمية‪ ،‬وفيه ثالث وحدات‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الوحدة األولى‪ :‬تعريف القيم اإلس�لامية‪ ،‬ومصادرها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬والفرق‬


‫بينها وبين األخالق‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬القيم اإلس�لامية العليا‪( :‬العبادة‪ ،‬الحق‪ ،‬اإلحس��ان‪ ،‬الحكمة‪،‬‬
‫الرحمة‪ ،‬الصدق)‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬القيم اإلسالمية الحضارية‪( :‬االستخالف‪ ،‬المسؤولية‪ ،‬النظام‬
‫واالنضباط‪ ،‬النظافة‪ ،‬التفاؤل)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫القسم األول‪ :‬الأخالق الإ�سالمية‬

‫الوحدة الأوىل‪ :‬مدخل �إىل الأخالق يف الإ�سالم‪ ،‬وتحتوي على‪:‬‬


‫‪ – 1‬تعري��ف األخالق‪ ،‬مكانتها من الدي��ن‪ ،‬أهميتها‪ ،‬عالقتها بالعقيدة والعبادات‬
‫والمعامالت‪ ،‬الفرق بين الخلق واألدب‪.‬‬
‫‪ - 2‬خصائ��ص األخ�لاق يف اإلس�لام‪ ،‬النظري��ة األخالقية عند األم��م يف القديم‬
‫والحديث‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪� :‬أ�صول حما�سن الأخالق‪ :‬الصرب‪ ،‬العفة‪ ،‬الشجاعة‪ ،‬العدل‪.‬‬
‫الوح��دة الثالث��ة‪ :‬من��اذج من الأخ�لاق الفا�ضل��ة‪ :‬اإلخ�لاص‪ ،‬الحياء‪،‬‬
‫الشكر‪.‬‬
‫الوح��دة الرابع��ة‪� :‬أ�ص��ول م�س��اوئ الأخالق‪ :‬الجه��ل‪ ،‬الظلم‪ ،‬الش��هوة‪،‬‬
‫الغضب‪.‬‬
‫الوحدة اخلام�سة‪ :‬مناذج من الأخالق الرذيلة‪ :‬الكرب‪ ،‬البذاءة‪ ،‬الكسل‪.‬‬
‫الوحدة ال�ساد�سة‪ :‬تابع‪ :‬مناذج من الأخالق الرذيلة‪ :‬التشاؤم‪ ،‬الحسد‪،‬‬
‫الغفلة‪.‬‬
‫الوحدة األولى‪ :‬مدخل إلى األخالق في اإلسالم‬

‫وفيه‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعري��ف األخالق‪ ،‬ومكانته��ا‪ ،‬وعالقتها بالعقيدة والعب��ادات والمعامالت‪،‬‬
‫الخ ُلق واألدب‪.‬‬
‫والفرق بين ُ‬
‫‪ - 2‬خصائ��ص األخ�لاق يف اإلس�لام‪ ،‬النظري��ة األخالقية عند األم��م يف القديم‬
‫والحديث‪.‬‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪ 1-1‬أن يب ّين الطالب المعنى الصحيح لألخالق يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 2-2‬أن يذكر الطالب عالقة األخالق بكل من‪ :‬العقيدة‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والمعامالت‪.‬‬
‫‪ 3-3‬أن يعدد الطالب خصائص األخالق يف اإلسالم‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪ 1-1‬تبين المعنى الصحيح لألخالق يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 2-2‬ذكر عالقة األخالق بكل من‪ :‬العقيدة‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والمعامالت‪.‬‬
‫‪ 3-3‬تعداد خصائص األخالق يف اإلسالم‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫مدخل إلى األخالق في اإلسالم‬

‫تعريف الأخالق‪:‬‬
‫ِ‬
‫والسج َّية(‪.)1‬‬ ‫والخ ُلق هو‪ :‬الطبع‬
‫األخالق يف اللغة‪ :‬جمع ُخلق‪ُ ،‬‬
‫ذات ٍ‬
‫آثار يف‬ ‫ويف االصط�لاح‪“ :‬صفة مس��تقرة يف النف��س‪ ،‬فطرية أو مكتس��بة‪ُ ،‬‬
‫السلوك‪ ،‬محمودة أو مذمومة”(‪.)2‬‬
‫واألخالق تعك��س مجموعة من التصورات األساس��ية الت��ي يعتنقها الناس‪،‬‬
‫ويصوغ��ون حوله��ا منظوم��ات أخالقي��ة نابع��ة م��ن نف��س التص��ورات‪ ،‬تش�� ِّكل‬
‫الممارسات الخلقية‪.‬‬
‫والديانات الس��ماوية ج��اءت جميعها بالحث على التزام األخالق الحس��نة‪،‬‬
‫واجتناب األخالق السيئة؛ لذا يمكننا تعريف األخالق اإلسالمية اصطالحًا بأهنا‪:‬‬
‫مجموع��ة المب��ادئ والقواعد الت��ي يحدِّ دها الوحي لتنظيم س��لوك اإلنس��ان‬
‫نحو يحقق الغاية مِن وجوده يف هذا العالم على أكمل‬ ‫وتحديد عالقته بغيره‪ ،‬على ٍ‬
‫وجه(‪.)3‬‬
‫واألخ�لاق ه��ي جوهر الدي��ن الح��ق‪ ،‬ورس��ولنا ﷺ وصفه ر ُّب��ه ‪ ‬بقوله‪:‬‬
‫ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ [القلم‪ ،]٤ :‬وقد «كان النبي ﷺ أحسن الناس ُخ ُلقًا»(‪،)4‬‬
‫��ت ألُت َِّم َم َصالِ َح‬
‫ويوض��ح ﷺ أهمي��ة األخالق يف دين اإلس�لام فيقول‪« :‬إن ََّما ُب ِع ْث ُ‬
‫ِّ‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪ ،)214/2(:‬ولسان العرب‪ ،‬البن منظور‪. )86/10(:‬‬

‫((( األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬لعبدالرحمن حسن حبنكة امليداني‪ ،‬ص(‪.)7‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التربية األخالقية اإلسالمية‪ ،‬ملقداد ياجلن‪ ،‬ص(‪ ،)75‬وموسوعة نضرة النعيم‪.)66-59/1(:‬‬
‫((( متفق عليه من حديث أنس بن مالك ‪ ،‬رواه البخاري‪ ،‬برقم(‪ ،)6203‬ومسلم‪ ،‬برقم(‪.)659‬‬

‫‪13‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫األَ ْخ�َل�اَ ق»(‪ ،)1‬ويف رواية « َم ِ‬
‫كارم األخالق»‪ ،‬ففي هذا الحديث جعل ﷺ الغرض‬
‫من بعثته هو إتمام األخالق والعمل على تقويمها وإشاعة مكارمها‪.‬‬
‫�صلة الأخالق بالعقيدة والعبادات واملعامالت‪:‬‬
‫قو َّي ٍة بأص��ول الدين‬ ‫َلم��ا كان لألخ�لاق أهمي��ة كبيرة فإنّ��ا نجدها ذات ِص َل ٍ‬
‫��ة ِ‬ ‫َّ‬
‫وفروعه‪ ،‬فقد ارتبطت األخالق بالعقيدة ارتباطًا وثيقًا‪ ،‬وكثير ًا ما يأيت يف كالم اهلل‬
‫سبحانه وتعالى وكالم رسوله ﷺ ذكر العالقة بين اإليمان وحسن الخلق‪.‬‬
‫فحين يأمر اهلل تعالى بعبادته وينهى عن اإلشراك به‪ُ ،‬ي ْتبِ ُع ذلك بذكر مجموعة‬
‫من األوام��ر األخالقية التي يجمعها رابط اإلحس��ان؛ فيقول تعالى‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ [النساء‪،]36 :‬‬
‫ومن أوضح األد ّلة على ارتباط العقيدة باألخالق أنَّها –أي األخالق الفاضلة‪-‬‬
‫ان‬‫يم ُ‬‫ب اإليمان؛ فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬الإْ ِ َ‬ ‫ُج ِعلت مِن ُش َع ِ‬
‫َاها إِ َما َط ُة‬ ‫‪-‬أ ْو بِ ْض ٌع َو ِست َ‬
‫ُّون‪ُ -‬ش ْع َبةً‪َ ،‬ف َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬ ‫ون َ‬ ‫بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫ِ‬
‫��ان»(‪ ،)2‬فقد عُدَّ الحياء وإماطة األذى‬ ‫يم ِ‬ ‫يق‪َ ،‬وا ْل َح َيا ُء ُش�� ْع َب ٌة م َن الإْ ِ َ‬
‫الأْ َ َذى َع ِن ال َّطرِ ِ‬
‫عن الطريق من ش��عب اإليمان‪ ،‬وهما ُخ ُلقان من ضمن األخالق الحس��نة التي قد‬
‫يكون بعضها أيضًا من شعب اإليمان كذلك!‪.‬‬
‫وكم��ا نج��د الصلة بي��ن األخ�لاق واإليم��ان‪ ،‬نجده��ا كذلك بي��ن األخالق‬

‫((( رواه أحم���د يف املس���ند‪ ,)381/2(:‬واحلاك���م يف املس���تدرك‪ ,)613/2(:‬والبخ���اري يف األدب املف���رد‪،‬‬


‫برقم(‪ ،)273‬وقال الهيثمي يف مجمع الزوائد‪« :)15/9(:‬رواه أحمد‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح»‪ ،‬وصححه‬
‫أيضاً األلباني يف السلسلة الصحيحة‪ ،‬برقم(‪.)45‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)58‬‬

‫‪14‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫روح أخالقية‪ ،‬فمن الغايات الت��ي تحققها عبادة (الصالة)‪:‬‬


‫والعب��ادات‪ ،‬فالعب��ادة ٌ‬
‫أهن��ا تنهى صاحبها عن رذائل األخالق ومنكرات األهواء؛ كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ‬
‫«و َو ْج�� ُه ك َْو ِن الصالة تنهى عن الفحش��اء والمنك��ر‪َّ :‬‬
‫أن العبد‬ ‫[العنكب��وت‪َ ،]45 :‬‬
‫المقيم لها‪ ،‬ا ْل ُمت َِّم َم ألركاهنا وش��روطها وخش��وعها‪ ،‬يس��تنير قلبه‪ ،‬ويتطهر فؤاده‪،‬‬
‫وي��زداد إيمانه‪ ،‬وتقوى رغبته يف الخير‪ ،‬وتقل أو تعدم رغبته يف الش��ر‪ ،‬فبالضرورة‬
‫مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬فهذا مِن‬
‫أعظم مقاصدها وثمراهتا»(‪.)1‬‬
‫وتطهير له مِن األخالق الرذيلة؛‬
‫ٌ‬ ‫و(الزكاة) وسائر الصدقات فيها تزكي ٌة للغني‬
‫��ح‪ ،‬كما ّ‬
‫أن فيها تنمي ًة لألخالق الحس��نة؛ كالجود والكرم والعطف‬ ‫كالبخل ُّ‬
‫والش ّ‬
‫عل��ى الفق��راء والمحتاجين‪ ،‬ولذا يقول اهلل تعالى يف ش��أن ال��زكاة‪ :‬ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [التوبة‪.]103 :‬‬
‫فإن لل��زكاة والصدقة أثر ًا على أخالق الفقير من حيث نزع الحس��د‬ ‫وكذل��ك ّ‬
‫ال��ذي قد يكون يف قلبه لبعض األغني��اء أو الحقد عليهم‪ ،‬ومِن َث َّم يعقب ذلك َقدْ ٌر‬
‫من التحلي بأخالق فاضلة؛ كالشكر والوفاء‪ ،‬والشعور بمعاين الرحمة واإلخاء‪.‬‬
‫أثر بال ٍغ يف هتذيب األخالق‪ ،‬وهذا مِن ِح َك ِم مشروعيته‪ ،‬فقد ب ّين‬
‫و(الصوم) ذو ٍ‬
‫اهلل عز وجل أنه شرع الصيام لتحصيل التقوى التي تضبط جميع سلوك اإلنسان؛‬
‫فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ [البق��رة‪ ،]183 :‬وإذا ل��م يضبط الصائم لس��انه وجوارحه ولم‬
‫ويوضح رسول اهلل‬
‫ِّ‬ ‫يحرص على هتذيب أخالقه فإنه لم يحقق المقصود من صومه؛‬

‫((( تفسير السعدي‪ :‬ص(‪.)632‬‬

‫‪15‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اج ٌة فِي َأ ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫«م ْن َل ْم َيدَ ْع َق ْو َل الز ِ‬


‫ُّور َوال َع َم َل بِه‪َ ،‬ف َل ْي َس ل َّله َح َ‬ ‫ﷺ هذا المعنى فيقول‪َ :‬‬
‫َيدَ َع َط َع َام ُه َو َش َرا َب ُه»(‪ ،)1‬فالصوم مدرسة أخالقية ُتع ِّلم الصرب‪ ،‬وقوة اإلرادة‪ ،‬وضبط‬
‫بشيء مما يعانيه الفقراء‬ ‫ٍ‬ ‫النفس‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والرحمة باآلخرين حين يش��عر الصائم‬
‫والمحتاجون‪ ،‬إلى غير ذلك من األخالق التي يكتسبها المسلم من مدرسة الصيام‪.‬‬
‫الحاج مع غيره‬
‫ّ‬ ‫و(الحج) هو َ‬
‫اآلخر تتّضح فيه األخالق الفاضلة حين يتعامل‬
‫م��ن ضيوف الرحمن‪ ،‬أو م��ع القائمين على خدمتهم‪ ،‬والس��اهرين على راحتهم‪،‬‬
‫فال ينبغي أن يصدر منه إال أحسن مقال‪ ،‬وال يأيت إال ط ِّيب الفعال؛ ويف ذلك يقول‬
‫اهلل تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﮊ[البقرة‪ ،]197 :‬ومن تخ ّلق بما أمره اهلل به يف الحج من اإلخالص هلل تعالى‪،‬‬
‫و َت ْر ِك الر َفث والفس��وق والجدال‪ ،‬اس��تحق الث��واب العظيم من الكبي��ر المتعال‪،‬‬
‫��و ِم َو َلدَ ْت ُه ُأ ُّم ُه»(‪.)2‬‬
‫��ق‪َ ،‬ر َج َع َك َي ْ‬ ‫ﷺ‪«:‬م ْن َح َّج لِ َّل ِه َف َل ْم َي ْر ُف ْ‬
‫ث‪َ ،‬و َل ْم َي ْف ُس ْ‬ ‫َ‬ ‫يق��ول النب��ي‬
‫وهكذا كل العبادات ذات أثر بالغ على تزكية اإلنسان وهتذيب أخالقه‪.‬‬
‫ونج��د عالق��ة األخ�لاق بالمعامالت صورهت��ا أكثر وضوح��ًا‪ ،‬فالمعامالت‬
‫التجاري��ة؛ كالبيع والش��راء مث�لاً‪ ،‬نجد ّ‬
‫أن دينن��ا العظيم يحث فيه��ا على الصدق‪،‬‬
‫والبي��ان‪ ،‬واألمان��ة‪ ،‬والكتاب��ة‪ ،‬واإلش��هاد‪ ،‬والس��ماحة‪ ،‬وغير ذلك م��ن األخالق‬
‫يخرق س��فينة تلك األخالق‪،‬‬ ‫عما ِ‬
‫الفاضل��ة يف التعامل التج��اري‪ ،‬كما نجد النهي َّ‬
‫يسر‪ِ ،‬‬
‫والغش‪،‬‬ ‫ويمزق نزاهة العالقات التجارية‪ ،‬ويتمثل ذلك يف تحريم الربا‪ ،‬وا ْلم ِ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫والن ََّج��ش‪ ،‬والتدليس‪ ،‬والغرر‪ ،‬واالحتكار‪ ،‬وبخ��س الموازين‪ ،‬وبيع الرجل على‬
‫بيع أخيه‪ ،‬وبيعه ما ال يملك‪ ،‬ونحو ذلك من البيوع المنهي عنها‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ، )1903‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1521‬عن أبي هريرة ‪ ‬أيضاً‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫والمعام�لات االجتماعي��ة نجد التوجيهات الش��رعية ك َّلها تس��مو باإلنس��ان‬


‫إل��ى أرقى أنواع التعامل‪ ،‬ويبدو ذل��ك واضحًا يف العناية بما يجب تجاه أصحاب‬
‫الحقوق؛ كبِ ِّر الوالدين‪ ،‬والمعاش��رة بالمعروف‪ُ ،‬‬
‫وحس��ن الرتبي��ة‪ ،‬وصلة الرحم‪،‬‬
‫وحب الخير للغير‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وإكرام الضيف‪ ،‬واإلحسان إلى الجار‪،‬‬
‫ِ‬
‫والمعام�لات اإلنس��انية ل��م ُتغف ْلها الش��ريعة ّ‬
‫الغ��راء‪ ،‬بل أكّ��دت على معالم‬
‫األخالق التي يلتزمها المس��لم حينما يتعامل مع غير المسلم؛ كالعدل‪ ،‬والرحمة‪،‬‬
‫والتكريم اإلنس��اين‪ ،‬وحفظ العه��ود‪ ،‬والوفاء بالعقود‪ ،‬األمر ال��ذي يؤكد على ّ‬
‫أن‬
‫يجسد هذه الروح األخالقية‬ ‫األخالق هي روح اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫وأن التشريع اإلسالمي ِّ‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫�أنواع ُ‬
‫اخللق‪:‬‬
‫الخُ ُلق نوعان‪:‬‬
‫ُخ ُل ٌق حس��ن‪ ،‬وهو ُح ْس�� ُن األدب والفضيلة‪ ،‬وتنتج عنه أق��وال وأفعال جميلة‬
‫شرعًا وعقالً‪.‬‬
‫وخ ُل ٌق س�� ِّيئ‪ ،‬وه��و ُس��وء األدب والرذيلة‪ ،‬وتنت��ج عنه أقوال وأفع��ال قبيحة‬
‫ُ‬
‫شرعًا وعقالً‪.‬‬
‫ولق��د جاءت الدعوة الواضح��ة يف القرآن الكريم والس��نة النبوية إلى التخ ّلق‬
‫باألخ�لاق الحس��نة‪ ،‬والبعد عن األخالق الس��يئة؛ يقول اهلل تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬
‫أن هذه اآلية َأجمع ٍ‬
‫آية يف كتاب اهلل‬ ‫ﮊ ﮋ ﮊ [النحل‪ ،]90 :‬وقد جاء ّ‬
‫ْ َ ُ‬
‫والش��ر‪ ،‬فليس من ُخ ُل ٍق حسن يعمل الناس به ويستحسنونه إال‬
‫ّ‬ ‫تعالى ب ّينت الخير‬
‫أمر اهلل به‪ ،‬وليس من ُخلق س�� ِّي ٍئ يعيبونه إال هنى اهلل عنه‪ ،‬وإنما هنى عن سفاس��ف‬

‫‪17‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫األخالق و َمذا ِّمها(‪.)1‬‬


‫وج��اءت التوجيه��ات النبوي��ة كذل��ك داعي ًة إل��ى األخ�لاق الحس��نة ومب ِّينة‬
‫فضائله��ا‪ ،‬وموضح ًة لمكانة المتخ ِّلقين هبا؛ فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول‬
‫ِِ‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن ِخياركُ��م َأح ِ‬
‫اس��نُك ُْم َأ ْخالَ ًقا»(‪ ،)2‬وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ين إِ َ‬
‫يمانًا‬ ‫الم ْؤمن َ‬ ‫«أك َْم ُ‬
‫��ل ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫َأ ْح َسن ُُه ْم ُخ ُل ًقا»(‪.)3‬‬
‫الخ ُلق من أكرب الوس��ائل للفوز بمحبة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والظفر بقربه‬ ‫وح ْس�� ُن ُ‬
‫ُ‬
‫وأقر َبكُم ِمنِّي مجلس��ًا يوم القيامة‬
‫إلي َ‬‫أح ِّبكُم َّ‬
‫ي��وم القيامة؛ إذ يق��ول ﷺ‪ِ ّ :‬‬
‫«إن م ْن َ‬
‫أحاسنكُم أخالقًا»(‪.)4‬‬
‫ويف المقابل جاءت النصوص من الكتاب والسنة بالنهي عن األخالق السيئة‪،‬‬
‫والتحذير منها‪ ،‬وبيان عقوباهتا‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭖﭗﭘ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ [الحجرات‪ ،]١٢ – ١١ :‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [المطففي��ن‪ ،]5 – 1 :‬وق��ال النبي‬

‫((( ينظر‪ :‬تفسير الطبري‪.)280/17( :‬‬

‫هلل بْنِ َع ْم ٍرو ‪.‬‬


‫((( رواه البخ���اري يف صحيح���ه‪ ،‬برق���م(‪ ،)6035‬ومس���لم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2321‬عن َعبْ���دِ ا ِ‬

‫((( رواه الترمذي‪ ،‬برقم(‪ ،)1162‬وأبو داود‪ ،‬برقم(‪ ،)4682‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وحسنه األلباني يف صحيح‬
‫سنن الترمذي‪.)340/1(:‬‬

‫((( رواه الترمذي‪ ،‬برقم(‪ ،)2019‬وصححه األلباني يف صحيح سنن الترمذي‪.)196/2(:‬‬

‫‪18‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫ش و اَل الب ِذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْؤ ِم ُن بِال َّط َّع ِ‬
‫��ان َو اَل ال َّل َّع ِ‬
‫يء»(‪ ،)1‬والنصوص‬ ‫ان َو اَل ال َفاح ِ َ َ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬ل ْي َس ُ‬
‫ِّ‬
‫وتحذر من مس��اوئها كثيرة‪ ،‬وس��يتم‬ ‫الش��رعية التي تحث على محاس��ن األخالق‬
‫ٍ‬
‫شيء منها يف صفحات هذا الكتاب‪.‬‬ ‫استعراض‬
‫جماالت ُح�سن ُ‬
‫اخل ُلق‪:‬‬
‫الخ ْل ِق‬
‫خاص بمعاملة َ‬‫��ق ٌّ‬ ‫الخ ُل ِ‬ ‫إن كثي��ر ًا من الناس يذهب فهمه إلى ّ‬
‫أن ُح ْس�� َن ُ‬ ‫ّ‬
‫الخ ُلق كما يكون يف معاملة‬ ‫دو َن معاملة الخال ِ ِق‪ ،‬ولكن هذا الفهم ِ‬
‫قاصر‪ّ ,‬‬
‫فإن ُح ْس َن ُ‬ ‫ُْ‬
‫الخ ُل ِق إ َذ ْن‪ :‬معاملة الخالِق‬
‫��ن ُ‬‫الخلق‪ ,‬يكون أيضًا يف معاملة الخالق‪ ,‬فموضوع ُح ْس ِ‬
‫الخ ْلق‪.‬‬
‫عز وجل ‪ ,‬ومعاملة َ‬
‫الخ ُلق يف معاملة الخالق‪ ،‬وهو يجمع ثالثة أمور‪:‬‬
‫أوالً‪ُ :‬ح ْس ُن ُ‬
‫األول‪ :‬تلقي أخبار اهلل تعالى بالتصديق‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬تلقي أقداره بالصرب والرضا‪.‬‬
‫فهذه ثالثة أشياء عليها مدار ُح ْس ِن ُ‬
‫الخ ُلق مع اهلل تعالى‪.‬‬
‫كف األذى‪ُ ,‬‬
‫وبذل‬ ‫بعضهم بأنه‪ُّ :‬‬ ‫الخ ْلق‪ّ ،‬‬
‫وعرفه ُ‬ ‫الخ ُلق يف معاملة َ‬
‫ثانيًا‪ُ :‬ح ْس�� ُن ُ‬
‫النّدى‪ ،‬وطالق ُة الوجه‪ .‬وقيل‪ :‬هو التخلي مِن الرذائل‪ ،‬والتحلي بالفضائل(‪.)2‬‬
‫الخ ْل��ق ال ينفك عن المجال ّ‬
‫األول الذي هو‬ ‫الخ ُلق يف معاملة َ‬
‫ومجال ُحس��ن ُ‬
‫تطبيق ل ِ ُمراد اهلل تعالى‪ ،‬الذي وسعت‬
‫ٌ‬ ‫ُحس��ن ا ُلخ ُلق يف معاملة الخالق ‪‬؛ بل إنه‬
‫الخ ُلق مع خلق��ه‪ ،‬فيتخ ّلق المس��لم باألخالق‬
‫بحس��ن ُ‬
‫رحمت��ه كل ش��يء‪ ،‬وأمرنا ُ‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)1977‬وصححه العالمة األلباني يف «صحيح اجلامع»‪ ،‬برقم(‪.)5381‬‬

‫((( مكارم األخالق؛ للشيخ محمد ابن عثيمني‪ ،‬ص(‪.)16‬‬

‫‪19‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الحس��نة ويجتنب األخالق الس��يئة‪ ،‬ابتغاء رضوان اهلل‪ ،‬ورج��اء ثوابه‪ ،‬وحذر ًا مِن‬
‫عجلة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عقابه‪ ،‬ال ل ِ َذ ْو ٍ‬
‫شخصي‪ ،‬أو ُع ْرف اجتماعي‪ ،‬أو مصلحة ُم ّ‬‫ِّ‬ ‫ق‬
‫اجل ِب َّلة واالكت�ساب‪:‬‬
‫الأخالق بني ِ‬
‫األخالق عمومًا ليس��ت مكتس��بة على إطالقها‪ ،‬وليس��ت ِجبِ ِّل َّي�� ًة فِطر َّي ًة على‬
‫جان��ب مِن‬
‫ٍ‬ ‫َّح��د الفط��رة الس��ليمة مع العق��ل الس��ليم يف تقرير‬ ‫إطالقه��ا‪ ،‬وإنم��ا تت ِ‬

‫األخ�لاق‪ ،‬ثم يأيت دور الش��رع ل ُي َك ِّم��ل الفطرة‪ ،‬ويحمي العق��ل‪ ،‬ويضع الضوابط‬
‫العامة التي ترقى بالفرد والمجتمع اللتزام أسمى األخالق‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتبين لنا ّ‬
‫أن األخالق تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬الأخالق الفطرية‪:‬‬
‫وهي‪ :‬ما ُو ِجدَ يف أصل تكوين اإلنسان مِن األخالق‪.‬‬
‫أن مِن األخالق ما هو فطري يتفاضل به الناس يف أصل‬
‫فقد جاءت األدلة على ّ‬
‫َّاس‬‫أن النبي ﷺ قال‪« :‬الن ُ‬ ‫تكوينهم الفطري‪ ،‬ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة ‪ّ ‬‬
‫اه ِل َّي ِة ِخ َي ُار ُه ْم فِي الإْ ِ ْس�َل�اَ ِم إِ َذا‬
‫ب‪ِ ،‬خياره��م فِي ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫الذ َه ِ َ ُ ُ ْ‬ ‫��اد ِن ا ْل ِف َّض ِة َو َّ‬
‫��اد ُن كَمع ِ‬
‫َ َ‬
‫مع ِ‬
‫َ َ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫اخ َت َل َ‬‫ف‪َ ،‬و َما َتنَاك ََر ِمن َْها ْ‬ ‫ف ِمن َْها ا ْئ َت َل َ‬‫اح ُجنُو ٌد ُم َجنَّدَ ةٌ‪َ ،‬ف َما َت َع َار َ‬ ‫َف ُق ُهوا‪َ ،‬والأْ َ ْر َو ُ‬
‫الهب ِ‬ ‫ِ‬
‫ات الفطرية الخلقية‪ ،‬وفيه يثبت الرس��ول ﷺ‬ ‫فروق ِ َ‬ ‫فه��ذا الحديث دليل على‬
‫الخ ُلقي يرافق اإلنسان ويصاحبه‬ ‫أكر ُم ُهم ُخ ُلقًا‪ ،‬وهذا التكوين ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫يار الناس ُه ْم َ‬ ‫أن خ َ‬
‫يف جميع أحواله‪.‬‬
‫��ن ي ِ‬ ‫��س‪« :‬إِ َّن فِ َ‬ ‫لألش��ج؛ َأ َش��ج َعب ِ‬
‫��د ا ْل َق ْي ِ‬
‫ح ُّب ُه َما اهللُ‪:‬‬ ‫ي��ك َخ ْص َل َت ْي ِ ُ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫وقد قال ﷺ َ ِّ‬
‫ح ْل ُم‪َ ،‬والأْ َنَاةُ»(‪ .)2‬ويف بعض روايات هذا الحديث ‪-‬الواردة بأس��انيد ُأخرى‪ -‬أنه‬ ‫ا ْل ِ‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2638‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)17‬عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اهَّلل َج َب َلنِي َع َل ْي ِه َما؟‪َ ،‬ق َال ﷺ‪َ « :‬ب ِل اهَّللُ َج َب َل َ‬ ‫َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ك‬ ‫��ول اهَّلل َأنَا َأ َت َخ َّل ُق بِ ِه َما َأ ِم ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َع َل ْي ِه َما»‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْل َح ْمدُ ل َّله ا َّلذي َج َب َلني َع َلى َخ َّل َت ْي ِن ُيح ُّب ُه َما ُ‬
‫اهَّلل َو َر ُس��و ُل ُه(‪ .)1‬فقوله‬
‫أن ِمن األخالق ما يك��ون يف فِ ْط َر ِة بعض‬ ‫��ك َع َل ْي ِه َما» ي��دل على ّ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬ب ِ‬
‫��ل اهَّللُ َج َب َل َ‬
‫الناس ِهب ًة ِمن اهلل تعالى منذ أن َخ َل َقه‪.‬‬
‫الق�سم الثاين‪ :‬الأخالق املكت�سبة‪:‬‬
‫وهي‪ :‬األخالق التي اكتسبها اإلنسان بجهد شخصي أو مؤثرات خارجية‪.‬‬
‫أن يكتسب بعض األخالق‪ ،‬سواء كان ذلك بتس ُّب ٍ‬
‫ب منه‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫إنسان ْ‬ ‫فبإمكان أي‬
‫بوجود مؤ ِّثرات خارجة عنه‪ ،‬والناس يف ذلك متفاوتون بمدى س��بقهم وارتقائهم‬
‫يف ُس َّل ِم الفضائل‪ ،‬فكل إنسان يستطيع بما وهبه اهلل من استعداد أن يتعلم نسب ًة من‬
‫ٍ‬
‫عملية من المهارات‪ ،‬أو ُخ ُل ٍق من األخالق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مهارة‬ ‫أي‬
‫العلوم والفنون‪ ،‬وأن يكتسب ّ‬
‫وأعظم طرق اكتس��اب األخالق الحسنة هو سؤال اهلل تعالى الهداية لها؛ فقد‬
‫«‪...‬و ْاه ِدنِي‬
‫َ‬ ‫أن من أدعي��ة النبي ﷺ الت��ي كان يدعو هبا قول��ه‪:‬‬ ‫ثب��ت يف الصحي��ح ّ‬
‫ف َعنِّي‬ ‫ف َعنِّي َس ِّيئ ََها اَل َي ْصرِ ُ‬
‫اصرِ ْ‬ ‫��ن الأْ َ ْخلاَ ِق اَل َي ْه ِدي لأِ َ ْح َسن ِ َها إِ اَّل َأن َ‬
‫ْت‪َ ،‬و ْ‬ ‫لأِ َ ْح َس ِ‬
‫ْت‪.)2(»...‬‬ ‫َس ِّيئ ََها إِ اَّل َأن َ‬
‫وهن��اك أس��باب أخرى لكس��ب األخ�لاق الحس��نة؛ كمجاه��دة النفس على‬
‫التحلي هب��ا‪ ،‬وتذكُّر فضائلها وأجورها‪ ،‬ومصاحبة أه��ل األخالق الفاضلة‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من األسباب(‪.)3‬‬

‫((( رواه أبو داود يف س���ننه‪ ،‬برقم(‪ ،)5225‬وحس���نه األلباني يف صحيح وضعيف س�ن�ن أبي داود‪ ،‬بنفس‬
‫الرقم‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)771‬عن علي بن أبي طالب ‪.‬‬

‫((( ينظر يف ذلك كتاب‪ :‬األسباب املفيدة يف اكتساب األخالق احلميدة‪ ،‬للدكتور‪ :‬محمد إبراهيم احلمد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫ِ‬ ‫وإذا تق��رر لدين��ا ّ ِ‬
‫��بي‪ ،‬فإنّه ينبغي‬
‫ري ومنها ما هو ك َْس ٌّ‬ ‫أن من األخالق ما هو ف ْط ٌّ‬ ‫ّ‬
‫التن ّب��ه إلى خطأ يعتقده بع��ض الناس حول فِ ْط ِر َّي ِة األخ�لاق؛ فقد زعم بعضهم ّ‬
‫أن‬
‫أخالق اإلنس��ان فِ ْط ِر َّي ٌة فقط‪ ،‬وال يمكن اكتس��اهبا!‪ ،‬وهذا ا ّدعاء ي��ر ُّده الواقع؛ فلو‬
‫كانت األخالق ال َت ْقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى‪ ،‬ولم يكن للرتبية‬
‫والتهذي��ب واألمر هبما معن��ى‪ ،‬ولم يكن للحدود والزواجر الش��رعية عن اقرتاف‬
‫اآلثام إ َذ ْن معنى!‪.‬‬
‫خ�صائ�ص الأخالق يف الإ�سالم‪:‬‬
‫لألخالق اإلسالمية خصائص تتم ّيز هبا عن غيرها؛ ومن تلك الخصائص ما يلي‪:‬‬
‫�أو ًال‪ :‬ربانية امل�صدر‪:‬‬
‫األخالق اإلس�لامية مصدرها كتاب اهلل س��بحانه وتعالى وس��نة نبيه ﷺ‪ ،‬وال‬
‫مدخ��ل فيها ل�لآراء البش��رية‪ ،‬أو النظم الوضعي��ة‪ ،‬أو النظريات الفلس��فية‪ ،‬وهذه‬
‫الخصيصة هي أعظم خصائص األخالق يف اإلسالم؛ فكوهنا ربانية المصدر يعني‬
‫اتصافها بكل صفات الخير والحق والجمال‪ ،‬وكل خصائص األخالق اإلسالمية‬
‫فرع عن هذه الخصيصة‪ ،‬فما دامت األخالق اإلس�لامية ر َّبانية‬ ‫بع��د ذلك إنما هي ٌ‬
‫��م ِة الخل��ود والصدق والصح��ة؛ ّ‬
‫ألن ر ّبنا تب��ارك وتعالى‬ ‫ِ‬
‫��م بِس َ‬
‫ِ‬
‫المصدر فهي َتتَّس ُ‬
‫ارتضاها لنا مِن ُج ْم َل ِة ِدينِنا الذي َأك َْم َله‪ ،‬وأنعم علينا به‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ال�شمول والتكامل‪:‬‬
‫األخالق يف اإلس�لام ش��املة لكل الجوانب التي يكون لإلنسان فيها سلوك‪،‬‬
‫وهي تس��تمد شموليتها من ش��مولية الدين نفسه‪ ،‬فنجد األخالق فيه تشمل عالقة‬
‫اإلنس��ان بر ِّب��ه وعالقت��ه بخلقه‪ ،‬وتش��مل خيري الدني��ا واآلخرة‪ ،‬وتش��مل ضبط‬
‫اإلنس��ان لنفسه‪ ،‬ولتعامله مع اآلخرين‪ ،‬وتش��مل عالقته مع القريب والبعيد‪ ،‬ومع‬

‫‪22‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الرئيس والمرؤوس‪ ،‬ومع المس��لم وغيره‪ ،‬ومع الصديق والعدو‪ ،‬ويف حال الرضا‬
‫والغض��ب‪ ،‬والس��لم والح��رب‪ ،‬والرخاء ِّ‬
‫والش��دَّ ة‪ ،‬بل وتش��مل كيفي��ة تعامله مع‬
‫الحيوان والنبات والبيئة‪ ،‬يف منظومة متكاملة‪ ،‬ال يتعارض فيها ُخ ُل ٌق مع ُخ ُل ٍق آخر‪،‬‬
‫وال يتقدّ م فيها شي ٌء على ما هو أولى منه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التوازن‪:‬‬
‫األخ�لاق اإلس�لامية ال ُتغ ِّلب جان ًب��ا على جانب‪ ،‬فكل األخالق اإلس�لامية‬
‫مطلوب��ة دون تغليب بعضها وإغفال البعض‪ ،‬وإال س��تكون الش��خصية مضطربة‪،‬‬
‫فإن َغ َل َبت على الش��خص صفات القوة والش��جاعة إلى درجة القسوة‪ ،‬أ ّدى ذلك‬
‫إلى عدوانه وجربوته وتك ُّبره‪ ،‬وإن غلبت عليه صفات العفو والسماحة إلى درجة‬
‫الضعف‪ ،‬ربما ُوجدت فيه ش��خصية الذليل المس��تكين‪ ،‬فاألخالق اإلسالمية مع‬
‫تكاملها متوازنة‪ ،‬تدعو إلى العزة والتواضع‪ ،‬كما تدعو إلى االنتصار والعفو‪ ،‬فيها‬
‫الصراح��ة واالح�ترام‪ ،‬وفيها الكرم واالقتصاد‪ ،‬وهي ش��جاعة بغير هتور‪ ،‬ولين يف‬
‫غير ضعف‪ ،‬هذه بعض معالم الشخصية اإلسالمية ذات األخالق المتوازنة(‪.)1‬‬
‫رابعاً‪� :‬صاحلة لكل زمان ومكان‪:‬‬
‫وص�لاح األخالق اإلس�لامية لكل زمان ويف أي مكان نابِ ٌ‬
‫��ع من كوهنا ر ّبانية؛‬
‫ف��اهلل ّ‬
‫ج��ل وعال الذي جعل هذه الش��ريعة خاتمة الش��رائع أودعه��ا هذه األخالق‬
‫العظيم��ة الت��ي بلغت الغاي��ة يف الكمال؛ لتبقى ُمنَ ِّظ َم ًة للس��لوك اإلنس��اين إلى قيام‬
‫الس��اعة‪ ،‬نظر ًا لم��ا تتميز به من خصائص ثابت��ة ال تتغير وال تتبدل‪ ،‬ولما تت َِّس��م به‬
‫قي يف التعامل‪ ،‬والتكريم لبني اإلنسان‪ ،‬والرحمة بكل المخلوقات‪ ،‬إضاف ًة‬
‫الر ِّ‬
‫من ُّ‬
‫إلى ما تتضمنه تلك األخالق من الس��هولة واليسر‪ ،‬وعدم المشقة‪ ،‬ورفع الحرج‪،‬‬

‫((( ينظر‪ :‬هذه أخالقنا حني نكون مؤمنني حقا‪ ،‬ص(‪.)21‬‬

‫‪23‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وعدم التكليف بما ال ُيطاق‪.‬‬


‫خام�ساً‪ :‬امل�س�ؤولية‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مسؤول عن معتقداته وس��لوكه‪ ،‬فإن عمل خير ًا فله ُغنمه‪ ،‬وإن عمل‬ ‫اإلنس��ان‬
‫س��وء ًا فعليه ُغر ُمه؛ ق��ال تعال��ى‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬﭼ [الجاثي��ة‪ .]١٥ :‬واستش��عار ه��ذه المس��ؤولية يحي��ي يف النفس‬
‫لق ال‬ ‫بخ ٍ‬ ‫داعي المراقبة؛ فال يتك ّلم اإلنس��ان بكالم وال يقدم على فِ ْع ٍل وال يتخ ّلق ُ‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬وال يستصغر شيئًا من األقوال السيئة أو األفعال الرذيلة؛ ولهذا‬ ‫ِ‬
‫ُيرضي َ‬
‫ان اهَّللِ‪ ،‬ال ُي ْل ِقي َل َها َب اًال‪َ ،‬ي ْر َف ُع ُه‬
‫يق��ول النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن ال َع ْبدَ َل َي َت َك َّل ُم بِالك َِل َم ِة ِم ْن ِر ْض َو ِ‬
‫ط اهَّللِ‪ ،‬ال ُي ْل ِقي َل َها َب اًال‪َ ،‬ي ْه ِوي‬ ‫ات‪ ،‬وإِ َّن العبدَ َلي َت َك َّلم بِالك َِلم ِة ِمن س��خَ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اهَّلل بِها درج ٍ‬
‫ُ َ ََ َ‬
‫بِه��ا فِي َج َهن ََّم»(‪ ،)1‬ومعنى «ال ُي ْل ِقي لها باالً»‪« :‬أي‪ :‬ال يتأمل بخاطره‪ ،‬وال يتفكر يف‬
‫عاقبتها‪ ،‬وال يظن أنها تؤثر شيئا»(‪.)2‬‬
‫�ساد�ساً‪ :‬الثبات‪:‬‬
‫األخالق يف اإلس�لام ال تتبدّ ل تبعًا لتغ ُّير العالقات االجتماعية‪ ،‬أو الضغوط‬
‫الواقعة‪ ،‬أو األحوال االقتصادية‪ ،‬أو الظروف المعيش��ية‪ ،‬بل هي أصول متينة ثابتة‬
‫ثب��ات الدِّ ين‪ ،‬ولو التزم هبا الن��اس يف كل أحوالهم َل َجنَوا َ‬
‫ثماره��ا اليانعة‪ ،‬وتف ّي ُؤوا‬
‫الوار َفة‪ .‬ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫ظال َلها ِ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ [إبراهيم‪.]٢٥ – ٢٤ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخ ُلق و ُيوج ُب ُه و ُينش ُ‬
‫��ئ النفس عليه‪ ،‬ويجعله يف حماية‬ ‫واإلس�لام ُي َق ِّر ُر ثبات ُ‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6478‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( فتح الباري؛ البن حجر‪.)311/11( :‬‬

‫‪24‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫المجتمع وحراس��ته‪ ،‬وكل العبادات اإلسالمية هي وس��ائل عملية تمنع األخالق‬


‫اإلنس��انية أن تتبدل إذا تبدَّ َلت أحوال الحياة فصعدت بإنساهنا أو نزلت؛ فاإلسالم‬
‫ب أو‬ ‫الخ ُلق تبعًا لحالته التي هو فيها من ُ‬
‫الح ِّ‬ ‫يأبى على كل مس��لم أن يكون متغ َّير ُ‬
‫البغض‪ ،‬ومن الغنى أو الفقر‪ ،‬ومن الصحة أو المرض‪ ،‬ومن المنصب والمكانة أو‬
‫عدمها؛ بل يوجب على كل مسلم أن يلتزم األخالق الحسنة يف جميع أحواله(‪.)1‬‬

‫((( ينظر‪ :‬وحي القلم‪ ،‬للرافعي‪.)62/2(:‬‬

‫‪25‬‬
‫الـــوحــــدة الثانية‪:‬‬

‫أصول محاسن األخالق‬

‫•الصبر‪.‬‬
‫•العفة‪.‬‬
‫•الشجاعة‪.‬‬
‫• العدل‪.‬‬

‫* الأهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪ 1 -1‬أن يوضح الطالب أهمية معرفة أصول األخالق الحسنة يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 2 -2‬أن يع��دد الطال��ب األخ�لاق األربع��ة الت��ي عُدَّ ت أص��و ً‬
‫ال لألخالق‬
‫الحسنة‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬أن يبين الطالب كيفية اكتساب أصول األخالق الحسنة‪.‬‬
‫* نواجت التعلم‪:‬‬
‫قادرا على‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪ 1 -1‬توضيح أهمية معرفة أصول األخالق الحسنة يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 2 -2‬تعداد األخالق األربعة التي عُدَّ ت أصو ً‬
‫ال لألخالق الحسنة‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬تبيين كيفية اكتساب أصول األخالق الحسنة‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫معان؛ منها أنه‪َ :‬ما ُيبنَى َع َل ْي ِه َغ ُيره(‪.)1‬‬


‫ٍ‬ ‫األصل يف اللغة له‬
‫سهل عليه التحلي ببقية األخالق‬
‫حصلها ُ‬ ‫ٌ‬
‫أصول لألخالق الحسنة َمن ّ‬ ‫وهناك‬
‫الحميدة؛ لذا كان لزامًا علينا التعريف بأصول محاسن األخالق فيما يأيت‪.‬‬
‫أصول محاسن األخالق‬

‫أن األخالق الحس��نة لها أصول أربعة تقوم عليها‪،‬‬ ‫ذكر ابن القيم‪-‬رحمه اهلل‪ّ -‬‬
‫تصو ُر قيا ُم س��اقِ ِه إال عليها‪:‬‬
‫الخ ُلق يق��وم على أربع��ة أركان‪ ،‬ال ُي َّ‬
‫“وح ْس�� ُن ُ‬
‫فق��ال‪ُ :‬‬
‫الصرب‪ ،‬والعفة‪ ،‬والش��جاعة‪ ،‬والعدل”(‪ ،)2‬وبي��ان كل أصل من هذه األصول على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫األصل األول ‪ :‬الصبر‬


‫الصرب يف اللغة‪ :‬حبس النفس عن الجزع‪ .‬والتص ُّبر‪ :‬تك ُّلف الصرب(‪.)3‬‬
‫ين يف ُمقاومة الهوى(‪ ،)4‬فهو حمل‬ ‫باع ِ‬
‫ث الدِّ ِ‬ ‫ويف االصط�لاح‪ :‬عبارة عن ثبات ِ‬

‫النفس على أداء الطاعات‪ ،‬واجتناب المنهيات‪ ،‬وتق ُّبل البالء برضا وتسليم‪.‬‬
‫وه��ذا التعري��ف أدق التعريف��ات‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن باع��ث الهوى قد يدفع اإلنس��ان إلى‬
‫التكاس��ل ع��ن أداء الطاع��ات‪ ،‬أو فع��ل المنهي��ات‪ ،‬أو إلى الضج��ر والجزع عند‬

‫((( تاج العروس‪ ،‬للزبيدي‪.)447/27(:‬‬

‫((( مدارج السالكني‪ ،)308/2(:‬وينظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.)55/3(:‬‬

‫((( مختار الصحاح‪ ،‬ص(‪.)149‬‬

‫((( إحياء علوم الدين‪.)65/4(:‬‬

‫‪29‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫االبتالء‪ ،‬فيقاومه باعث الدين‪.‬‬


‫ويف الحدي��ث الصحي��ح يقول النبي ﷺ‪َ « :‬ع َج ًب��ا لأِ َ ْم ِر ا ْل ُم ْؤمِ ِ‬
‫��ن‪ ،‬إِ َّن َأ ْم َر ُه ُك َّل ُه‬
‫ان َخ ْي ًرا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫َخي��ر‪ ،‬و َليس َذ َ لأِ ٍ ِ ِ‬
‫��را ُء َش�� َك َر‪َ ،‬ف�� َك َ‬ ‫اك َ َحد إِلاَّ ل ْل ُم ْؤم ِن‪ ،‬إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َس َّ‬ ‫ْ ٌ َ ْ َ‬
‫ان َخ ْي ًرا َل ُه»(‪.)1‬‬‫َأ َصا َب ْت ُه َض َّرا ُء‪َ ،‬ص َب َر َف َك َ‬
‫وأن اهلل يتو ّلى الصابرين بعنايته؛‬
‫وق��د ب ّين اهلل عز وجل يف كتابه أهم ّية الصرب‪ّ ،‬‬
‫فق��ال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ‬
‫[البق��رة‪ ،]153 :‬ب��ل و ُأمِ��ر به س�� ِّيدُ الخل��ق ﷺ؛ حي��ث خاطبه اهلل تعال��ى بقوله‪:‬‬
‫ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ‬
‫أن الصرب مِن أخالق الرس��ل عليهم الس�لام؛ فقال‬
‫النحل‪ ،١٢٧ :‬وذكر اهلل تعالى ّ‬
‫‪ :‬ﮋﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [األنعام‪.]34 :‬‬
‫والصرب س��بب للف�لاح يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ [آل عمران‪.]200 :‬‬
‫وأخير ًا‪ّ :‬‬
‫فإن الصابرين موعودون بالجنة‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮊ [اإلنسان‪ ،]12 :‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [الفرقان‪.]75 :‬‬
‫وق��د ضرب األنبي��اء ‪-‬عليهم الس�لام‪ -‬أروع األمثلة يف الص�بر‪ ،‬فقد واجهوا‬
‫أش��د أنواع األذى من أعدائهم‪ ،‬بالهمز واللم��ز‪َ ،‬و َو ْص ِف ِهم َبأ ْق َذ ِع(‪ )2‬األوصاف‪ ،‬أو‬
‫بالض��رب أو القتل أو اإلخراج من دياره��م‪ ،‬وهم مع ذلك كله صربوا وثبتوا على‬
‫إيماهنم ودعوهتم إلى اهلل تعالى‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)2999‬‬

‫((( يقال‪ :‬أقذع فالن لفالن إقذاعاً‪ ،‬إذ شتمه شتماً يُستفحش‪ ،‬وهو القذع‪ .‬تهذيب اللغة‪.)144/1(:‬‬

‫‪30‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أنواع ال�صرب‪:‬‬
‫للصرب ثالثة أنواع ذكرها العلماء وذلك باعتبار متعلقة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الأول‪ :‬ال�صرب على امتثال �أوامر اهلل تعاىل‪:‬‬
‫إن مِن طبيعة النفس البشرية أهنا تحب الراحة والسكون‪ ،‬وتستصعب ما يقطع‬
‫ّ‬
‫تلك الراحة‪ ،‬وإنما تأيت األوامر الربانية مخالفة لشهوات النفوس ليتحقق االبتالء؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فم ْن آ َث َر ُمرا َد اهلل على هوى نفس��ه فهو المؤمن‪ ،‬و َم ْن َقدَّ م هواه َخس َ‬
‫��ر مرضاة اهلل‪،‬‬ ‫َ‬
‫واتخ��ذ إلهه هواه‪ ،‬ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ [الجاثية‪.]23 :‬‬
‫فالص�لاة المفروض��ة مثالً ق��د تأيت يف أوقات راحة اإلنس��ان؛ ولكن المس��لم‬
‫يص�بر على ه��ذه الطاعة فيقوم بتأديتها يف وقتها‪ ،‬ويس��مع الم��ؤذن يكرر يف صالة‬
‫راش�� ُه‪ ،‬ويقوم ليؤدي فريضة من‬ ‫الفج��ر‪( :‬الصالة خير من النوم)‪ ،‬فيرتك المؤمن فِ َ‬
‫«م ْن َص َّلى ال َب ْر َد ْي ِن َد َخ َل‬
‫أعظم أسباب دخول الجنة بعد التوحيد‪ ،‬يقول النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫الجنَّةَ»(‪ ،)1‬والربدان‪ :‬الفجر‪ ،‬والعصر‪.‬‬
‫َ‬
‫ب جمعة وكنزه‪ ،‬وإخراج زكاته طيب ًة هبا نفسه‪،‬‬ ‫والتغ ُّلب على شهوة المال ُ‬
‫وح ِّ‬
‫أش��ق الطاعات عل��ى النفوس‪،‬‬‫وب��ذل الصدق��ة والمع��روف للناس‪ ،‬كل ذلك مِن ِّ‬
‫خاص��ة إذا علمنا أن اهلل تعالى جعل المال محبوبًا للنفوس ُم َز َّينًا لها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ‬
‫[آل عمران‪.]١٤ :‬‬
‫والصوم الذي يكون فيه حبس النفس عن الطعام والشراب وسائر المفطرات‬
‫س��اعات طويل��ة ابتغ��اء األجر من اهلل تعالى ه��و الصرب بعينه؛ لذا جع��ل اهلل تعالى‬
‫((( متفق عليه‪ ،‬فقد رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)574‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)635‬‬

‫‪31‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫��ن آ َد َم ُي َضا َع ُ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ج��زاءه عظيم��ًا ال يعلم قدره إال اهلل‪ ،‬كما ق��ال ﷺ‪« :‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِ‬
‫الص ْو َم‪َ ،‬فإِ َّن ُه لِي‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫��ر َأ ْم َثال َها إِ َلى َس�� ْبعمائَة ض ْعف‪َ ،‬ق َال اهلل عز وجل‪ :‬إِ اَّل َّ‬
‫ِ‬
‫ا ْل َح َس��نَ ُة َع ْش ُ‬
‫َو َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِه‪َ ،‬يدَ ُع َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه ِم ْن َأ ْج ِلي»(‪.)1‬‬
‫وكذلك س��ائر العبادات والقربات‪ ،‬كالحج‪ ،‬وبِ ِّر الوالدين‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬والتزام النساء بالحجاب‪...‬إلخ‪ ،‬كل ذلك مفتقر‬
‫للصرب‪ ،‬وال يستطيع العبد القيام به إال بالتحلي بالصرب ابتغاء ثواب اهلل تعالى‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ال�صرب عن ما حرم اهلل‪:‬‬
‫لق��د خلق اهلل الجن��ة وح َّفها بالم��كاره؛ أي ال ُيوصل إلى الجن��ة إال بحصول‬
‫بعض المكاره‪ ،‬وخلق النار وح َّفها بالش��هوات‪ ،‬فع��ن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫الشهو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ا ْلجنَّ ُة بِا ْلمك ِ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪« :‬ح َّف ِ‬
‫ات»(‪ ،)2‬والشهوات‪:‬‬ ‫َاره‪َ ،‬و ُح َّفت الن َُّار بِ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كل م��ا تس��تَلِ ُّذه النفس وهت��واه‪ ،‬والمقصود هبا هنا الش��هوات ا ْل ُم َح َّرم��ة؛ كالغيبة‪،‬‬
‫والنميمة‪ ،‬والنظر المحرم‪ ،‬والس��ماع المحرم‪ ،‬والزن��ا‪ ،‬وأكل المال الحرام‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من المحرمات(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫وإن الصرب يف الدنيا عن المحرمات أسهل من الصرب لحظة واحدة على عذاب‬
‫النار‪ ،‬فقد نظر جربيل إلى النار وما ُح َّفت به من الش��هوات فقال مخاطبًا ربه‪:‬‬
‫��يت َأ ْن لاَ َين ُْج َو مِن َْها َأ َحدٌ إِلاَّ َد َخ َل َها»(‪)4‬؛ ل ِ َما رأى من الش��هوات‬
‫«و ِع َّزتِ َك َل َقدْ َخ ِش ُ‬
‫َ‬
‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)1151‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)2822‬‬

‫اح ُة َفلَا تَ ْدخُ ُل‬


‫ات المْ ُبَ َ‬ ‫((( ينظر‪ :‬ش���رح صحيح مس���لم‪ ،‬للنووي‪ ،)165/17( :‬وفيه قال النووي‪َ « :‬وأَ َّما َّ‬
‫الش َه َو ُ‬
‫ات أَ ْو‬
‫اع ِ‬
‫الط َ‬ ‫ال َّر َمةِ أَ ْو يُ َق ِّس���ي الْ َقل ْ َب أَ ْو يَ ْش َ���غ َل َعنِ َّ‬
‫فيِ َهذِ ِه لَكِ ْن يُ ْك َرهُ الْ ِإ ْكثَا ُر مِ نْ َها َم َخا َف َة أَ ْن يَ ُج َّر ِإلَى مْحُ َ‬
‫يُ ْح َو َج ِإلَى ال ْ‬
‫ِاع ِتنَاءِ بتحصيل الدنيا»‪.‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)2560‬وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الت��ي ُتوقِ ُع الناس فيها‪ ،‬وكلها محبوبة مرغوب��ة‪ ،‬فلن ينجو منها إال َمن َق ِو َي إيمانُه‬
‫وأخذ نفسه بالصرب عن شهواته المحرمة ابتغا َء األجر مِن ربه وخشي ًة مِن عقابه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ال�صرب على �أقدار اهلل‪:‬‬
‫ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ [البل��د‪ ،]٤ :‬وم��ا أكث��ر َك َبدَ الدنيا‬
‫وعناءها؛ ِ‬
‫فمن ِوالدة اإلنسان إلى مماته وهو يتقلب بين نعم اهلل وأقداره‪ ،‬وقد ب َّين‬
‫المولى عز وجل َّ‬
‫أن الخير والش��ر فتنة؛ حيث قال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﮊ [األنبي��اء‪ ،]٣٥ :‬فال يظن اإلنس��ان َّ‬
‫أن الفتنة يف الش��ر فق��ط؛ بل حتى الخير‬
‫فإنه من الفتنة والبالء الذي يحتاج من اإلنسان صرب ليؤ ِّدي حق اهلل فيه‪ ،‬فالمال قد‬
‫يطغي باإلنس��ان‪ ،‬وكذلك الصحة والفراغ‪ ،‬فكلها تحتاج إلى صرب الس��تعمالها يف‬
‫طاعة اهلل ‪.‬‬
‫والش��ر كذلك فتنة؛ فالفقر والمرض فتن��ة‪ ،‬والحروب والكوارث فتنة‪ ،‬وفقد‬
‫األحباب‪-‬خاصة الولد‪ -‬فتنة‪ ،‬فيحتاج اإلنسان للصرب‪ ،‬يقول النبي ﷺ‪« :‬إِ َذا َم َ‬
‫ات‬
‫ول‪َ :‬ق َب ْضت ُْم‬‫��م‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫��ال اهَّللُ لِ َملاَ ئِكَتِ ِه‪َ :‬ق َب ْضت ُْم َو َل��دَ َع ْب ِدي‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪َ :‬ن َع ْ‬ ‫َو َل��دُ ال َع ْب ِد َق َ‬
‫ون‪َ :‬ح ِمدَ َك َو ْاس��ت َْر َج َع‪،‬‬ ‫ول‪َ :‬ما َذا َق َال َع ْب ِدي؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫اد ِه‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َثمر َة ُف َؤ ِ‬
‫ََ‬
‫الح ْم ِد»(‪.)1‬‬‫ت َ‬ ‫الجن َِّة‪َ ،‬و َس ُّمو ُه َب ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول اهَّللُ‪ :‬ا ْبنُوا ل َع ْبدي َب ْيتًا في َ‬ ‫َف َي ُق ُ‬

‫األصل الثاني‪ :‬العفة‪:‬‬


‫الكف عما ال ِ‬
‫يح ُّل وال َي ْج ُمل؛ واالس��تعفاف‪ :‬طلب العفاف‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬
‫الع َّف ُة لغة‪:‬‬
‫ُّ ّ‬
‫تعالى‪ :‬ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭼ [النور‪.)2(]٣٣ :‬‬
‫((( رواه الترمذي يف س���ننه‪ ،‬برقم(‪ ،)1021‬عن أبي موس���ى األش���عري ‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬احملكم واحمليط األعظم البن سيده‪.)102/1(:‬‬

‫‪33‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫واصطالحًا‪ :‬كف النفس عما ال يحسن الوقوع فيه من األقوال واألفعال(‪.)1‬‬


‫ٍ‬
‫بذيء م��ن القول أو الفعل‪ ،‬س��وا ًء كان ذلك‬ ‫فالتعف��ف يك��ون بال ُبعد عن كل‬
‫عالنية أو س��ر ًا‪ ،‬والس��ر هنا هو المقصود؛ ألن الكثير ّ‬
‫يتورع عن الحرام أمام أعين‬
‫عف عن‬ ‫الن��اس‪ ،‬لكن االمتحان األصعب عندما يخلو اإلنس��ان بمحارم اهلل‪ْ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫ذن��وب الخلوات كان له األجر العظيم عند اهلل‪ ،‬ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ [الملك‪.]١٢ :‬‬
‫�صور العفة‪:‬‬
‫للعفة �صو ٌر؛ منها‪:‬‬
‫‪1-1‬الك��ف عن النظ��ر إلى ما حرم اهلل تعالى‪ ،‬قال ع��ز وجل‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [النور‪.]31-٣٠ :‬‬
‫‪2-2‬حفظ الفروج عن الحرام‪ ،‬ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [النور‪.]٣٣ :‬‬
‫‪3-3‬التعفف عن ذل المس��ألة لما يف أيدي الناس‪ ،‬حتى وإن كان يف حاجة ش��ديدة‪،‬‬
‫فيظهر للناس أنه غني من شدة التعفف‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟﮠ ﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨ‬
‫ف ُي ِع َّف ُه اهللُ‪،‬‬
‫«و َم ْن َي ْس�� َت ْع ِف ْ‬
‫ﮩ ﮪ ﮊ [البق��رة‪ ،]٢٧٣ :‬ويق��ول النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫َو َم ْن َي ْس َتغ ِْن ُيغْن ِ ِه اهللُ‪َ ،‬و َم ْن َي ْصبِ ْر ُي َص ِّب ْر ُه اهللُ»(‪.)2‬‬

‫((( ينظر‪ :‬الكليات‪ ،‬للكفوي‪ ،‬ص(‪.)656‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1469‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1053‬عن أبي سعيد اخلدري ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫فوائد العفة‪:‬‬
‫ال ثم المجتمع‪ ،‬ثم األمة‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬ ‫للعفة فوائد عدة يجنيها الفرد أو ً‬
‫‪1-1‬تجع��ل صاحبها من الس��بعة الذي��ن يظلهم اهلل يف ظِ ِّله ي��وم القيامة‪ ،‬يقول النبي‬
‫اب ن ََش َأ‬ ‫ِ‬ ‫«س�� ْب َع ٌة يظِ ُّل ُه ُم اهَّلل فِي ظِ ِّل ِه‪ ،‬ي ْو َم الَ ظِ َّل إِ اَّل ظِ ُّل ُه‪ِ :‬‬
‫اإل َما ُم ال َعاد ُل‪َ ،‬و َش ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِ��ي ِعباد ِة رب ِه‪ ،‬ورج ٌل َق ْلبه مع َّل ٌق فِي المس ِ ِ‬
‫اجت ََم َعا‬ ‫��اجد‪َ ،‬و َر ُجال َِن ت ََحا َّبا في اهَّلل ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُُ ُ َ‬ ‫َ َ َ ِّ َ َ ُ‬
‫اف‬ ‫ال‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي َأ َخ ُ‬ ‫ب َو َجم ٍ‬
‫َ‬ ‫ات َمن ِْص ٍ‬ ‫��ر َأ ٌة َذ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْي��ه َو َت َف َّر َقا َع َل ْيه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َط َل َب ْت ُه ْام َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّللَ‪َ ،‬و َر ُج ٌل ت ََصدَّ َق‪َ ،‬أ ْخ َفى َحتَّى الَ َت ْع َل َم ش َ‬
‫��ما ُل ُه َما ُتنْف ُق َيمينُ ُه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َذك ََر اهَّللَ‬
‫ت َع ْينَا ُه»(‪.)1‬‬ ‫اض ْ‬ ‫َخالِ ًيا َف َف َ‬
‫‪ُ 2-2‬تنج��ي صاحبها حي��ن الوقوع يف االبت�لاء‪ ،‬ويدل لذلك حدي��ث الثالثة الذين‬
‫يتوس��ل إلى اهلل عز وجل بما‬
‫أطبق��ت عليهم الصخرة يف الغار‪ ،‬فكان أحدهم ّ‬
‫كان منه مِن ِع َّفتِ ِه عن الوقوع يف الحرام مع ابنة عمه(‪.)2‬‬
‫((( متف���ق علي���ه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)660‬ومس���لم يف صحيحه���ن برقم(‪ ،)1031‬عن أبي‬
‫هريرة ‪.‬‬

‫ونصه‪ :‬أَ َّن َعبْ َد اللهَّ ِ بْ َن ُع َم َر َر ِض َي اللهَّ ُ َعنْ ُه َما‪َ ،‬قا َل‪َ :‬سمِ ْع ُت َر ُسو َل اللهَّ ِ‬ ‫((( رواه البخاري‪ ،‬برقم (‪ُّ ،)2272‬‬
‫صخْ َرةٌ مِ َن‬ ‫ِيت ِإلَى َغ ٍار‪َ ،‬ف َد َخلُوهُ َفانْ َح َد َر ْت َ‬ ‫م ْن َكا َن َقبْل َ ُك ْم َحتَّى أَ َو ْوا املَب َ‬ ‫ﷺ يَقُو ُل‪" :‬انْ َطل َ َق ثَ َ‬
‫الثَ ُة َر ْه ٍط مِ َّ‬
‫َ‬
‫الصخْ َر ِة ِإ َّلا أَ ْن تَ ْد ُعوا اللهَّ ب َ‬
‫ِصال ِِح أَ ْع َما ِل ُك ْم‪،‬‬ ‫جلبَلِ ‪َ ،‬ف َس َّد ْت َعلَيْهِ ُم ال َغا َر‪َ ،‬ف َقالُوا‪ِ :‬إ َّن ُه ال َ يُن ِْجي ُك ْم مِ ْن َهذِ ِه َّ‬
‫ا َ‬
‫َف َقا َل َر ُج ٌل مِ نْ ُه ْم‪ :‬اللَّ ُه َّم َكا َن لِي أَبَ َوانِ َشيْ َخانِ َكبِي َرانِ ‪َ ،‬و ُكن ُْت الَ أَ ْغ ِب ُق َقبْل َ ُه َما أَ ْهلًا‪َ ،‬وال َ َما ًلا َفنَ َأى بِي فيِ‬
‫َطل َ ِب َش ْيءٍ يَ ْو ًما‪َ ،‬فل َ ْم أُرِ ْح َعلَيْهِ َما َحتَّى نَا َما‪َ ،‬ف َحلَبْ ُت لَ ُه َما َغبُو َق ُه َما‪َ ،‬ف َو َج ْدتُ ُه َما نَا ِئ َمينْ ِ َو َكرِ ْه ُت أَ ْن أَ ْغ ِب َق‬
‫استَيْ َق َظا‪َ ،‬ف َشرِ بَا‬ ‫اظ ُه َما َحتَّى بَ َر َق ال َف ْج ُر‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َقبْل َ ُه َما أَ ْهلًا أَ ْو َمالًا‪َ ،‬فل َ ِبثْ ُت َوال َق َد ُح َعلَى يَ َد َّي‪ ،‬أَنْت َِظ ُر ْ‬
‫استِي َق َ‬
‫الصخْ َرةِ‪َ ،‬فانْ َف َر َج ْت‬ ‫ِك ابْ ِت َغا َء َو ْجهِ َك‪َ ،‬ف َف ِّر ْج َعنَّا َما نَ ْح ُن فِ يهِ مِ ْن َهذِ ِه َّ‬
‫َغبُو َق ُه َما‪ ،‬اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت َذل َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬اللَّ ُه��� َّم َكانَ ْت لِي ِبن ُْت َع��� ٍّم‪َ ،‬كانَ ْت أَ َح َّب‬
‫ِ���ي ﷺ‪َ " :‬و َقا َل َ‬‫خل��� ُرو َج "‪َ ،‬ق���ا َل ال َّنب ُّ‬ ‫َش���يْ ًئا الَ يَ ْس���ت َِطي ُعو َن ا ُ‬
‫الس��� ِننيَ‪َ ،‬ف َجا َءتْنِي‪َ ،‬ف َأ ْع َطيْتُ َها‬‫َّاس ِإلَ َّي‪َ ،‬ف َأ َر ْدتُ َها َع ْن نَف ِْس��� َها‪َ ،‬فا ْمتَنَ َع ْت مِ نِّي َحتَّى أَلمَ َّ ْت ِب َها َس َ���ن ٌة مِ َن ِّ‬
‫الن ِ‬
‫َ���ار َعلَى أَ ْن ت َُخلِّ َي بَيْنِي َوبَينْ َ نَف ِْس��� َها‪َ ،‬ف َف َعل َ ْت َحتَّى ِإ َذا َق��� َد ْر ُت َعلَيْ َها‪َ ،‬قالَ ْت‪ :‬الَ أ ُ ِح ُّل‬
‫ِع ْش���رِ ي َن َومِ ائَ��� َة دِ ين ٍ‬
‫ْت َعنْ َها َو ِه َي أَ َح ُّب الن ِ‬
‫َّاس ِإلَ َّي‪= ،‬‬ ‫وع َعلَيْ َها‪َ ،‬فانْ َ‬
‫ص َرف ُ‬ ‫ات ِإ َّلا ب َ‬
‫ِح ِّقهِ ‪َ ،‬فت ََح َّر ْج ُت مِ َن ال ُو ُق ِ‬ ‫���ك أَ ْن تَف َّ‬
‫ُ���ض ا َ‬
‫خل مَ َ‬ ‫لَ َ‬

‫‪35‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫‪3-3‬يعي��ن اهلل صاحب العفة ويحقق له مراده‪ ،‬يقول النبي ﷺ‪َ « :‬ثلاَ َث ٌة ح ٌّق ع َلى اهَّلل ِ‬
‫َ َ‬
‫َب ا َّل ِذي ُيرِي��دُ األَ َدا َء‪َ ،‬والنَّاكِ ُح ا َّل ِذي‬ ‫اهدُ فِي س��بِ ِ ِ‬
‫عونُهم‪ :‬المج ِ‬
‫المكَات ُ‬
‫يل اهَّلل‪َ ،‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ْ ُ َ‬
‫اف»(‪.)1‬‬‫ُيرِيدُ ال َع َف َ‬
‫مجتمع‬
‫ٌ‬ ‫‪4-4‬س�لامة المجتم��ع من الفواح��ش؛ فالمجتم��ع الخالي من الفواح��ش‬
‫��مت أخالقه وارتق��ى أفراده؛ ألن الفاحش��ة منب��وذة دينًا و ُع ْرف��ًا‪ ،‬فالذوق‬ ‫َس َ‬
‫َف مِن الفاحشة َأ ّيًا كانت‪.‬‬
‫اإلنساين ْيأن ُ‬
‫�أنواع العفة‪:‬‬
‫تتنوع العفة �إىل �أنواع؛ مِ ن �أبرزها‪:‬‬
‫‪1-1‬عف��ة اللس��ان‪ ،‬وتكون بحفظ��ه عن ألفاظ الش��رك‪ ،‬وق��ول ال��زور‪ ،‬والكذب‪،‬‬
‫والغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬واالستهزاء‪ ،‬والسخرية‪ ،‬ونحو ذلك من حصائد األلسنة‪.‬‬
‫أن‬‫‪2-2‬عف��ة ال َف ْرج‪ ،‬وتك��ون بحفظه عن الزنى واللواط؛ فعن س��هل بن س��عد ‪ّ ‬‬
‫��ه وما بين ِرج َلي ِ‬
‫��ه َأ ْض َم ْن َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫رس��ول اهلل ﷺ ق��ال‪« :‬من ي ْضم ِ‬
‫��ن لي َما َب ْي َن َل ْح َي ْي َ َ َ ْ َ ْ ْ‬
‫َ ْ َ َ ْ‬
‫الجنَّةَ»(‪.)2‬‬
‫َ‬

‫���ب ا َّلذِ ي أَ ْع َطيْتُ َه���ا‪ ،‬اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت ابْ ِت َغا َء َو ْجهِ َك‪َ ،‬فافْ��� ُر ْج َعنَّا َما نَ ْح ُن فِ يهِ ‪َ ،‬فانْ َف َر َج ِت‬
‫الذ َه َ‬ ‫= َوتَ َر ْك ُ‬
‫���ت َّ‬
‫اس َ���ت ْأ َج ْر ُت‬
‫خل ُرو َج مِ نْ َها "‪َ ،‬قا َل ال َّنب ُِّي ﷺ‪َ " :‬و َقا َل ال َّثالِثُ ‪ :‬اللَّ ُه َّم ِإ ِّني ْ‬ ‫الصخْ َرةُ َغيْ َر أَ َّن ُه ْم الَ يَ ْس َ���ت ِطي ُعو َن ا ُ‬
‫َّ‬
‫اح ٍد تَ َر َك ا َّلذِ ي لَ ُه َو َذ َه َب‪َ ،‬فثَ َّم ْر ُت أَ ْج َرهُ َحتَّى َكثُ َر ْت مِ نْ ُه األَ ْم َوا ُل‪،‬‬‫أ ُ َج َرا َء‪َ ،‬ف َأ ْع َطيْتُ ُه ْم أَ ْج َر ُه ْم َغيْ َر َر ُج ٍل َو ِ‬
‫َف َجا َءنِ���ي بَ ْع��� َد ِح ٍني َف َقا َل‪ :‬يَا َعبْ َد اللهَّ ِ أَ ِّد ِإلَ َّي أَ ْج���رِ ي‪َ ،‬ف ُقل ْ ُت لَهُ‪ُ :‬ك ُّل َما تَ َرى مِ ْن أَ ْجرِ َك مِ َن ا ِإلبِلِ َوال َب َقرِ‬
‫اس���تَا َقهُ‪،‬‬ ‫َوال َغن َِم َوال َّرقِ يقِ ‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬يَا َعبْ َد اللهَّ ِ الَ ت َْس َ���ت ْهزِ ئُ بِي‪َ ،‬ف ُقل ْ ُت‪ِ :‬إ ِّني ال َ أَ ْس َ���ت ْهزِ ئُ ب َ‬
‫ِك‪َ ،‬ف َأ َخ َذهُ ُكلَّهُ‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِك ابْ ِت َغ���ا َء َو ْجهِ َك‪َ ،‬فا ْف ُر ْج َعنَّا َما نَ ْح��� ُن فِ يهِ ‪َ ،‬فانْ َف َر َج ِت‬‫َفلَ��� ْم يَتْ��� ُر ْك مِ نْ ُه َش���يْ ًئا‪ ،‬اللَّ ُه َّم َف��� ِإ ْن ُكن ُْت َف َعل ْ ُت َذل َ‬
‫ي ُشونَ"‪.‬‬
‫الصخْ َرةُ‪َ ،‬ف َخ َر ُجوا مَ ْ‬
‫َّ‬

‫((( رواه الترمذي‪ ،‬برقم (‪ ،)1655‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)6476‬‬

‫‪36‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪3-3‬عف��ة البطن‪ ،‬وتكون بالح��رص على أكل الحالل؛ ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ‬
‫[المائدة‪.]٨٨ – ٨٧ :‬‬
‫‪4-4‬عف��ة البص��ر‪ ،‬وتك��ون بحفظه ع��ن النظر إل��ى ما ح��رم اهلل‪ ،‬ق��ال تعالىﮋ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [النور‪:‬‬
‫‪.]٣١ – ٣٠‬‬
‫‪5-5‬عفة الس��مع‪ ،‬وتكون بحفظه عن س��ماع ال ُكفر‪ ،‬وال ُفحش‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والكذب‪،‬‬
‫والبهتان‪ ،‬واالس��تهزاء‪ ،‬وكل ما حرم اهلل‪ ،‬ق��ال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴ ﯵﯶﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﮊ [النساء‪.]١٤٠ :‬‬
‫‪6-6‬العف��ة ع��ن المال الح��رام‪ ،‬وتك��ون بالحذر من الكس��ب الح��رام؛ فعن خولة‬
‫األنصارية رضي اهلل عنها قالت‪ :‬سمعت النبي ﷺ يقول‪« :‬إِ َّن ِر َج اًال َيتَخَ َّو ُض َ‬
‫ون‬
‫ال اهَّلل ِ بِ َغيرِ ح ٍّق‪َ ،‬ف َلهم النَّار يوم ِ‬
‫الق َي َام ِة»(‪.)1‬‬ ‫فِي م ِ‬
‫ُ ُ ُ َْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫موانع العفة‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن التزام العفة أمر ش��اق بطبعه على النفوس‪ ،‬فإن انضاف إلى ذلك من يدعو‬
‫للتس��اهل هبا وهتوين ش��أهنا أو انتقاص المتعففين ووصفهم بما ين ِّفر من صنيعهم‬
‫كان ذلك أشد على النفوس وأعظم‪ ،‬ومن أبرز تلك الموانع والمثبطات ما يلي‪:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)3118‬‬

‫‪37‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪1-1‬وسائل اإلعالم غير المنضبطة؛ فغالب وسائل اإلعالم يف هذا الزمن ال تراعي‬
‫فكثير مما يعرض‬
‫ٌ‬ ‫العفة وال تدعوا إليها؛ بل َّ‬
‫إن أكثرها يس��عى للحيلولة دوهنا؛‬
‫على شاشات القنوات الفضائية‪ ،‬ومما تحتويه الشبكة العنكبوتية (االنرتنت)‪،‬‬
‫وم��ا تب ّثه بع��ض المواق��ع اإلباحية‪ ،‬يعد من أك�بر موانع العفة بم��ا تعرض من‬
‫برامج وصور مخلة فاضحة‪ ،‬أو تصور األفعال المش��ينة والعالقات المحرمة‬
‫وح ِّر ّية!‪.‬‬
‫وتحضر وتقدّ م ُ‬
‫ّ‬ ‫على أهنا بطوالت‬
‫أث��ر على أخ�لاق صاحبه‪ ،‬فإذا‬ ‫‪2-2‬قرن��اء الس��وء؛ فم��ن المعل��وم َّ‬
‫أن الصاحب له ٌ‬
‫الخ ُلق فإنه يعدي بس��وء ُخلقه صاحبه‪ ،‬فالطبع يعدي‪ ،‬والصاحب‬
‫كان س��يء ُ‬
‫ِّ‬
‫هون من شأهنا يف نظر صاحبه‪ ،‬ولذا‬
‫فمن كان متهاونًا يف ش��أن العفة ّ‬
‫س��احب‪َ ،‬‬
‫أمر اهلل بصحبة األخيار َّ‬
‫وحذر من مصاحبة األش��رار‪ ،‬فقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ‬
‫[الكهف‪.]٢٨ :‬‬
‫هم بعض الن��اس جمع المال م��ن أي طريق؛ حتى‬
‫‪3-3‬ع��دم القناعة؛ فق��د أصبح ُّ‬
‫وإن كان الطريق محرمًا‪ ،‬مما دعا البعض إلى أن يس��أل الناس من غير حاجة‪،‬‬
‫«ما َيز َُال‬
‫ف��أراق م��اء وجهه يف الدنيا ليمزق لحمه يف اآلخرة؛ يق��ول النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫��أ ُل النَّاس‪ ،‬حتَّى ي ْأتِي ي��وم ا ْل ِقيام ِة و َليس فِي وج ِه ِ‬
‫��ه ُم ْز َع ُة َل ْحم»(‪،)1‬‬ ‫الر ُج ُل َي ْس َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫فأين من يستكثرون المال بسؤال الناس عن هذا الحديث؟!‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1474‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1040‬عن عبداهلل‬
‫بن عمر ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الو�سائل املعينة على العفة‪:‬‬


‫‪1-1‬مراقب��ة اهلل تعال��ى وتقواه يف الس��ر والعالنية؛ فاهلل تعال��ى يقول‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [غاف��ر‪ ،]١٩ :‬ويق��ول ابن عباس رضي اهلل‬
‫فتم ُّر هبم امرأة فينظر إليها‪ ،‬فإذا نظر إليه‬
‫عنهما‪« :‬هو الرجل يكون بين الرجال‪ُ ،‬‬
‫أصحابه غض بصره»(‪.)1‬‬
‫‪ :‬ﮋﮒ ﮓ‬ ‫‪2-2‬سؤال اهلل أن يصرف عنه السوء والفحشاء؛ كما قال يوسف‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [يوس��ف‪ ،]٣٣ :‬وهن��ا يتجلى دور الصرب‬
‫عما حرم اهلل‪ ،‬والعفة عن مقارفة الفواحش‪.‬‬
‫أن الزواج من األمور المعينة على العفة‪،‬‬ ‫‪3-3‬ال��زواج المبكر؛ فقد أخ�بر النبي ﷺ َّ‬
‫��ض لِ ْل َب َصرِ‬
‫اع ال َب��ا َء َة َف ْل َيتَ��ز ََّو ْج‪َ ،‬فإِ َّن ُه َأ َغ ُّ‬
‫اب‪َ ،‬م ِن ْاس�� َت َط َ‬ ‫الش�� َب ِ‬
‫��ر َّ‬‫«يا َم ْع َش َ‬ ‫فقال‪َ :‬‬
‫الص ْو ِم َفإِ َّن ُه َل ُه ِو َجا ٌء»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْح َص ُن ل ْل َف ْرجِ ‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْستَط ْع َف َع َل ْيه بِ َّ‬
‫‪4-4‬القناعة‪ ،‬وهي الرضا بما كتب اهلل للعبد‪ ،‬والزهد عما يف أيدي الناس‪ ،‬والتوكل‬
‫فكل ذلك من التعفف‪ ،‬يقول النبي ﷺ‪َ « :‬قدْ َأ ْف َل َح َم ْن‬
‫على اهلل يف طلب الرزق‪ُّ ،‬‬
‫َأ ْس َل َم‪َ ،‬و ُر ِز َق َك َفا ًفا‪َ ،‬و َق َّن َع ُه اهللُ بِ َما آتَا ُه»(‪.)3‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬الشجاعة‪:‬‬
‫الش��جاعة لغة‪ :‬ش��دة القلب عند الب��أس‪ ،‬وأصل هذه المادة ي��دل على جرأة‬
‫وإقدام(‪.)4‬‬
‫((( تفسير السمعاني ‪.13/5‬‬
‫((( متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)5066‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1400‬عن عبداهلل‬
‫بن مسعود ‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)2054‬عن عبداهلل بن عمرو ‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪.)247/3( :‬‬

‫‪39‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫واصطالح��ًا‪ :‬اإلقدام عل��ى المكاره‪ ،‬من األقوال واألفع��ال عند الحاجة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬وثبات الجأش‪ ،‬واالستهانة بالخوف(‪.)1‬‬
‫وعك��س الش��جاعة الجبن‪ ،‬فالجبن ه��و الخوف مما ال ينبغ��ي الخوف منه ال‬
‫قو ً‬
‫ال وال فعالً‪ ،‬فالجبان ال يظفر بما يريد‪ ،‬وال يساعده الصرب على ذلك‪.‬‬
‫والشجاعة صنفان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الش��جاعة الحربي��ة‪ ،‬وهي اإلقدام على مواقع القت��ال‪ ،‬والثبات عند‬
‫مالقاة األعداء‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬الشجاعة المعنوية؛ كاإلقدام على اتخاذ القرار‪ ،‬وقول الحق‪ ،‬وإبداء‬
‫الرأي والنصيحة‪.‬‬
‫* *الفرق بين الشجاعة والقوة‪:‬‬
‫يظن البعض ّ‬
‫أن هناك تشاهبًا بين الشجاعة والقوة‪ ،‬وهما يف الحقيقة متغايران‪،‬‬
‫فالش��جاعة ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البدن أو البطش‪ ،‬يقول ابن‬
‫الصدِّ يق ‪ ‬أش��جع األمة بعد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان عمر‬
‫القيم رحمه اهلل‪“ :‬وكان ِّ‬
‫وغي��ره أق��وى منه‪ ،‬ولكن ب��رز على الصحابة كله��م بثبات قلب��ه يف كل موطن من‬
‫المواط��ن التي تزلزل الجب��ال‪ ،‬وهو يف ذلك ثابت القلب‪ ،‬ربي��ط الجأش‪ ،‬يلوذ به‬
‫شجعان الصحابة وأبطالهم‪ ،‬فيثبتهم‪ ،‬ويشجعهم»(‪.)2‬‬
‫أم��ا القوة فقد تكون قوة النفس وهي من الش��جاعة‪ ،‬وقد تكون قوة الجس��د‪،‬‬
‫جسد شجاع‪ ،‬لذلك كان هناك ٌ‬
‫فرق بين الشجاعة والقوة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وليس كل قوي‬

‫((( ينظر‪ :‬تهذيب األخالق‪ ،‬املنسوب للجاحظ‪ ،‬ص(‪.)27‬‬

‫((( الفروسية‪ ،‬ص(‪.)500‬‬

‫‪40‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫* *الفرق بين الشجاعة والجراءة‪:‬‬


‫إن أكثر ما يتَّسم به الشجاع هو الثبات‪ ،‬وذلك يف أي موقف كان‪ ،‬أي َّ‬
‫أن الشجاع‬ ‫َّ‬
‫ُي َق��دِّ ُر لألم��ور تقديرها‪ ،‬أما الج��راءة فهي اإلقدام بال مب��االة وال نظر يف العواقب‪،‬‬
‫فالج��ري ق��د يهلك نفس��ه لعدم الثب��ات والحكمة‪ ،‬وقد يس��يء أكث��ر مما يصلح‪.‬‬
‫ال�شجاعة يف الكتاب وال�سنة‪:‬‬
‫لق��د امت��دح اهلل تعالى الش��جاعة وحث عل��ى الثبات يف مواط��ن القتال‪ ،‬وهو‬
‫مظهر من مظاهر الش��جاعة‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [األنفال‪.]١٥ :‬‬
‫وأش��جع الناس هو رس��ول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد ش��هد الصحابة الك��رام مظاهر تلك‬
‫َّاس‪َ ،‬و َأ ْش َج َع‬
‫َان النَّبِ ُّي ﷺ َأ ْح َس َن الن ِ‬
‫الشجاعة‪ ،‬حيث يقول أنس بن مالك ‪“ :‬ك َ‬
‫اس�� َت ْق َب َل ُه ُم النَّبِ ُّي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫َّ��اس‪ ،‬و َل َقدْ َف ِزع َأه ُل ِ ِ‬
‫المدينَة َل ْي َلةً‪َ ،‬فخَ َر ُجوا ن َْح َو َّ‬
‫الص ْوت‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫الن ِ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫و َق��دْ اس�� َتبر َأ الخَ بر‪ ،‬وه��و ع َلى َفر ٍ لأِ‬
‫ف‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫س َبِي َط ْل َح�� َة ُع ْر ٍي‪َ ،‬وفي ُعنُقه َّ‬
‫الس�� ْي ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ‬
‫َي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬ل ْم ت َُرا ُعوا‪َ ،‬ل ْم ت َُرا ُعوا»»(‪.)1‬‬
‫وكان ﷺ يتع��وذ من أربع كلمات دبر كل ص�لاة فيقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ك‬
‫ك‬‫��ك َأ ْن ُأ َر َّد إِ َلى َأ ْر َذ ِل ال ُع ُمرِ‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫الج ْب ِن‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ِم��ن البخْ ِل‪ ،‬و َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫ك م َن ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اب ال َق ْبرِ»(‪.)2‬‬‫ك ِم ْن َع َذ ِ‬‫ِم ْن فِ ْتن َِة الدُّ ْن َيا‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2908‬وال َف َرس ال ُع ْري هو‪ :‬الذي ليس عليه َس ْرج‪ .‬ينظر‪ :‬الصحاح‪،‬‬
‫للجوهري‪ ،)2424/6( :‬وقوله‪« :‬لم تُراعوا» هي كلمة تقال عند تس���كني الروع تأنيس���اً‪ ،‬وإظهاراً للرفق‬
‫َ‬
‫باخملاطب‪ ،‬ومعناها‪ :‬ال تخافوا‪ .‬ينظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.)457/10( :‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6370‬عن سعد بن أبي وقاص ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫فوائد ال�شجاعة‪:‬‬
‫الشجاعة لها فوائد متعددة؛ منها‪:‬‬
‫‪1-1‬أهنا س��بب النش��راح الصدر‪ .‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪ّ :‬‬
‫“إن الش��جاع منش��رح‬
‫الصدر‪ ،‬واسع البطان‪ ،‬متسع القلب‪ ،‬والجبان أضيق الناس صدر ًا‪ ،‬وأحصرهم‬
‫قلب��ًا‪ ،‬ال فرحة له وال س��رور‪ ،‬وال َّ‬
‫لذة ل��ه وال نعيم إال من جن��س ما للحيوان‬
‫فم َح َّر ٌم على كل‬ ‫البهيم��ي‪ ،‬وأما س��رور الروح َّ‬
‫ولذهت��ا‪ ،‬ونعيمها‪ ،‬وابتهاجه��ا‪ُ ،‬‬
‫جبان‪ ،‬كما هو محرم على كل بخيل‪ ،‬وعلى كل معرض عن اهلل سبحانه غافل‬
‫عن ذكره‪ ،‬جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه‪ ،‬متعلق القلب بغيره»(‪.)1‬‬
‫‪2-2‬أهنا تحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي األخالق ِّ‬
‫والش�� َيم‪ .‬قال ابن‬
‫القيم‪“ :‬والش��جاعة تحمله على عزة النفس‪ ،‬وإيثار معالي االخالق والش��يم‪،‬‬
‫وعلى البذل والندى‪ ،‬الذي هو ش��جاعة النفس وقوهتا على إخراج المحبوب‬
‫والح ْلم؛ فإنه بقوة نفس��ه وش��جاعته‬ ‫حم ُل��ه عل��ى كظم الغي��ظ‪ِ ،‬‬ ‫ومفارقت��ه‪ ،‬و َت ِ‬
‫ُ‬
‫يمس��ك عناهنا‪ ،‬ويكبحه��ا بلجامها عن الن��زغ والبطش‪ ،‬كما ق��ال ﷺ‪َ « :‬ل ْي َس‬
‫ب»(‪ ،)2‬وهو حقيقة‬ ‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ‬
‫الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْم ِل ُ‬
‫الص َر َع ِة‪ ،‬إِن ََّما َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الشديدُ بِ ُّ‬
‫الشجاعة‪ ،‬وهي َم َل َك ٌة يقتدر هبا العبد على قهر خصمه”(‪.)3‬‬
‫‪3-3‬الشجاع يحسن الظن باهلل تعالى‪ .‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪“ :‬الجبن خلق مذموم‬
‫عن��د جمي��ع الخلق‪ ،‬وأهل الجبن‪ :‬هم أهل س��وء الظن باهلل‪ ،‬وأهل الش��جاعة‬
‫والجود هم أهل حس��ن الظن باهلل؛ كما قيل‪ :‬الش��جاعة وقاية‪ ،‬والجبن مقتلة‪،‬‬

‫((( زاد املعاد‪.)26/2( :‬‬

‫((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6114‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2609‬‬

‫((( مدارج السالكني‪.)308/2( :‬‬

‫‪42‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أطماع الجبناء يف ظنهم َّ‬


‫أن جبنه��م ينجيهم من القتل‬ ‫َ‬ ‫وق��د َأك َْذ َب ُ‬
‫اهلل س��بحانه‬
‫والم��وت‪ ،‬فق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [األحزاب‪.)1(”]١6 :‬‬
‫‪4-4‬ال تتم مصلحة اإلمارة والسياس��ة إال بالشجاعة‪ .‬قال ابن تيمية‪“ :‬ال تتم رعاية‬
‫الخلق وسياس��تهم إال بالجود الذي هو‪ :‬العطاء‪ ،‬والنجدة التي هي الشجاعة‪،‬‬
‫بل ال يصلح الدين والدنيا إال بذلك”(‪.)2‬‬
‫‪5-5‬الش��جاعة أص��ل كثي��ر م��ن الفضائل‪ ،‬فم��ن يتصف بالش��جاعة يتحل��ى أيضًا‬
‫بالنج��دة‪ ،‬وعظم الهمة‪ ،‬والثبات‪ ،‬والصرب‪ ،‬والحلم وعدم الطيش‪ ،‬والش��هامة‬
‫واحتمال الكد‪.‬‬
‫�صور ال�شجاعة ومظاهرها‪:‬‬
‫‪1-1‬الش��جاعة عن��د القي��ام باألعم��ال التي تحت��اج إل��ى رباطة ج��أش ومخاطرة؛‬
‫كاألعمال العس��كرية التي يكون فيها اإلقدام يف ساحات الوغى‪ ،‬فمتى اضطر‬
‫إلى القتال كان شجاعًا مستهينًا بالموت يف سبيل اهلل‪ ،‬ألجل الدفاع عن الدين‬
‫والعرض والوطن‪ ،‬ويلحق هبذه الصورة أعمال اإلنقاذ واإلغاثة حين‬‫والنفس ِ‬

‫الكوارث واألزمات‪.‬‬
‫فإن مِن أعظم مظاهر الشجاعة حضور‬
‫‪2-2‬استجماع العقل والرشد عند الشدائد‪َّ ،‬‬
‫الذهن عند الشدائد‪ ،‬وثبات القلب‪ ،‬فالشجاع إذا صادفه أمر جلل قابله برزانة‬
‫وثبات‪ ،‬فيتصرف بذهن حاضر‪ ،‬وعقل غير ُمشتَّت‪ ،‬وقلب قوي غير َف ِزع‪.‬‬
‫‪3-3‬الشجاعة األدبية‪ ،‬وتتمثل يف إبداء اإلنسان رأيه وتوضيح ما يعتقد أنه حق‪ ،‬مهما‬

‫((( كتاب الفروسية‪ ،‬ص(‪.)491‬‬

‫((( السياسة الشرعية‪ ،‬ص(‪.)49‬‬

‫‪43‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ظ��ن الناس به‪ ،‬فيقول الحق بأدب‪ ،‬وإن تأ َّلم منه الناس‪ ،‬ويعرتف بالخطأ‪ ،‬وإن‬
‫نالته عقوبة‪ ،‬ويرفض قلب الحقائق‪ ،‬ويتخذ القرار الصحيح ولو ث َّبطه َمن حوله‪.‬‬
‫غضب اإلنس��ان‪ ،‬فالذي َي ْق َوى على ضبط نفسه‬ ‫‪4-4‬ضبط النفس حين حصول ما ي ِ‬
‫ُ‬
‫عند الغضب وير ُّدها عنه هو القوي الشديد‪ ،‬فمجاهدة النفس شجاعة‪ ،‬بل هي‬
‫أش��د من مجاهدة العدو؛ َّ‬
‫ألن النبي ﷺ جعل للذي يملك نفس��ه عند الغضب‬
‫من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم(‪.)1‬‬
‫وسائل اكتساب الشجاعة‪:‬‬
‫إن كل ُخ ُلق حسن يمكن اكتسابه‪ ،‬والشجاعة يمكن اكتساهبا بما يلي‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪1-1‬اإليمان باهلل وحسن التوكل عليه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [آل عم��ران‪:‬‬
‫‪.]160‬‬
‫‪2-2‬ترس��يخ عقيدة اإليم��ان بالقضاء والقدر‪ ،‬وأنه لن يصيب اإلنس��ان إال ما كتب‬
‫اهلل ل��ه‪ ،‬ق��ال تعال��ى‪ :‬ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﭼ [التوبة‪.]51 :‬‬
‫‪3-3‬اللج��وء إلى اهلل بالدعاء‪ ،‬واإلكثار من ذكر اهلل تعالى‪ ،‬قال عز وجل ‪ :‬ﮋ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬ ﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﮊ‬
‫[األنفال‪.]45 :‬‬
‫‪4-4‬التنش��ئة عل��ى الش��جاعة من الصغ��ر له تأثي��ر كبير يف إكس��اب الم��رء مفاهيم‬

‫((( ينظر‪ :‬شرح صيح البخاري‪ ،‬البن بطال‪ ،)296/9( :‬ويشهد لهذا‪ :‬احلديث املتفق على صحته‪ ،‬والذي‬
‫يل ُ‬
‫ِك نَف َْس ُه‬ ‫الش���دِ ي ُد ا َّلذِ ي مَ ْ‬ ‫ِالص َر َعةِ ‪ ،‬إ مَّ َ‬
‫ِنا َّ‬ ‫س َّ‬
‫الش���دِ ي ُد ب ُّ‬ ‫س���بق تخريجه قريبا‪ ،‬وفيه يقول النبي ﷺ‪« :‬لَيْ َ‬
‫ِعنْ َد ال َغ َ‬
‫ض ِب»‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الشجاعة وقوة القلب وتعزيزها‪ ،‬وذلك يكون بأمور؛ منها‪:‬‬


‫•خوض التجارب وتنوعها يجعل العقل يعتا ُد عليها وإن كانت مخيفة‪.‬‬
‫•مواجهة ما حولنا من مخ��اوف بواقعية وا ِّتزان يعزز فينا القوة ورباطة‬
‫الجأش‪.‬‬
‫•تدريب النفس على األمور التي تتطلب الشجاعة‪ ،‬كالغوص‪ ،‬وركوب‬
‫الخيل‪ ،‬والس��ير يف الظالم‪ ،‬ونحوها؛ َّ‬
‫فإن ذلك يقوي القلب ويكسب‬
‫القوة والشجاعة‪.‬‬
‫•اقتن��اع النفس َّ‬
‫بأن معظم مثيرات الجبن ال تعدو كوهنا مجرد أوهام ال‬
‫حقيقة لها‪.‬‬
‫•القدوة الحسنة‪ ،‬وعرض مشاهد الشجعان‪ ،‬وذكر قصصهم ومواقفهم‬
‫يؤثر يف النفوس ويورثها الشجاعة‪.‬‬
‫األصل الرابع‪ :‬العدل‪:‬‬
‫العدل لغة‪ :‬ما قام يف النفوس أنه مستقيم‪ ،‬وهو ضد الجور(‪.)1‬‬
‫واصطالحا‪ :‬وضع كل شيء يف موضعه الالئق به‪ ،‬من غير زيادة وال نقصان(‪.)2‬‬
‫ق��ال ابن ح��زم رحمه اهلل‪« :‬حدُّ العدل أن تعطي من نفس��ك الواجب وتأخذه‪،‬‬
‫وحدُّ الجور أن تأخذه وال تعطيه”(‪.)3‬‬

‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.)430/11 ( :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪.)569/1( :‬‬

‫((( األخالق والسير‪ ،‬ص(‪.)33‬‬

‫‪45‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أهمية العدل‪:‬‬
‫أرسل اهلل تعالى الرسل‪ -‬عليهم السالم‪ -‬للدعوة لعبادته وحده وإقامة العدل‬
‫يف جمي��ع األم��ور؛ ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [الحدي��د‪ .]25 :‬يق��ول اب��ن القيم ‪-‬رحمه‬
‫اهلل‪َّ :-‬‬
‫«إن اهلل أرس��ل رس��له وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقس��ط‪ ،‬وه��و العدل الذي‬
‫قامت به األرض والسموات‪ ،‬فإذا ظهرت أمارات العدل‪ ،‬وأسفر وجهه بأي طريق‬
‫كان‪ ،‬ف َثم َشرع اهلل ِ‬
‫ودينُه”(‪.)1‬‬ ‫َّ ْ ُ‬
‫والعدل تتوقف عليه سعادة وطمأنينة المجتمع‪ ،‬فإذا اتصف المجتمع بالعدل‬
‫قام��ت المحب��ة بينهم‪ ،‬و َأمِنوا على أمواله��م وأعراضهم‪ ،‬فإذا ما َأمِن الناس س ِ‬
‫��عدَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المجتمع بالعدل وعمل الفرد فيه بِ ُح ِّر َّي ٍة ونش��اط‪ ،‬فيزداد اإلنتاج ويس��تقر األفراد‪،‬‬
‫وإذا انعدم العدل يف المجتمع سادت الفوضى‪ ،‬وتفشى الظلم والعدوان‪ ،‬وانعدمت‬
‫األخ�لاق‪ ،‬واضطرب نظام المجتمع بأس��ره‪ ،‬وقد أمر اهلل عز وجل بالعدل ضمن‬
‫مجموعة من التوجيهات الربانية التي لو امتثل لها البشر لسعدوا يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [النحل‪.]90 :‬‬
‫الفرق بني العدل والإن�صاف‪:‬‬
‫اإلنصاف‪ :‬إعطاء النصف من الشيء وأخذ النصف‪ ،‬من غير زيادة أو نقصان‪،‬‬
‫تق��ول‪ :‬أنصف من نفس��ه إذا أعطى من دون زيادة أو نق��ص‪َ ،‬أ َّما العدل‪ :‬فيكون يف‬
‫كالح ْك��م مثالً‪ ،‬فنقول للس��ارق إذا ُقطِ َعت َيدُ ه‪ :‬أنه‬
‫اإلنص��اف ويف غير اإلنصاف؛ ُ‬

‫((( الطرق احلكيمة يف السياسة الشرعية‪ ،‬ص(‪.)19‬‬

‫‪46‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أقيم عليه العدل‪ ،‬وال نقول أقيم عليه اإلنصاف(‪.)1‬‬


‫�صور العدل‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن العدل يدخل يف كل جوانب الحياة‪ ،‬ومن صوره ما يلي‪:‬‬
‫خاصة‪-‬‬
‫‪1-1‬عدل الوالة والحكام‪ ،‬فيجب على الوالي‪-‬سواء كانت واليته عا ّمه أو ّ‬
‫أن يعدل بين من اسرتعاه اهلل من البشر‪ ،‬فاهلل جعل لإلمام العادل مثوبة عظيمة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫«س ْب َع ٌة يظِ ُّل ُه ُم اهَّلل فِي ظِ ِّل ِه‪ ،‬ي ْو َم الَ ظِ َّل إِ اَّل ظِ ُّل ُه‪ِ :‬‬
‫اب‬ ‫اإل َما ُم ال َعاد ُل‪َ ،‬و َش ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يقول ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ن ََش َأ فِي ِعباد ِة رب ِه‪ ،‬ورج ٌل َق ْلبه مع َّل ٌق فِي المس ِ ِ‬
‫اجت ََم َعا‬‫اجد‪َ ،‬و َر ُجال َِن ت ََحا َّبا في اهَّلل ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُُُ َ‬ ‫َ َ َ ِّ َ َ ُ‬
‫اف‬‫ال‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي َأ َخ ُ‬ ‫ب َو َجم ٍ‬
‫َ‬ ‫ات َمن ِْص ٍ‬ ‫��ر َأ ٌة َذ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْي��ه َو َت َف َّر َقا َع َل ْيه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َط َل َب ْت ُه ْام َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّللَ‪َ ،‬و َر ُج ٌل ت ََصدَّ َق‪َ ،‬أ ْخ َفى َحتَّى الَ َت ْع َل َم ش َ‬
‫��ما ُل ُه َما ُتنْف ُق َيمينُ ُه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َذك ََر اهَّللَ‬
‫ت َع ْينَا ُه»(‪ ،)2‬وعليه أن يستعين بأهل العدل‪ ،‬يقول ابن تيمية رحمه‬ ‫اض ْ‬ ‫َخالِ ًيا َف َف َ‬
‫اهلل‪« :‬يج��ب عل��ى كل ولي أمر أن يس��تعين بأهل الصدق والع��دل‪ ،‬وإذا تعذر‬
‫ذلك استعان باألمثل فاألمثل»(‪.)3‬‬
‫‪2-2‬العدل يف الحكم بين المتخاصمين‪ ،‬وهذا من أهم صور العدل‪ ،‬حتى وإن كان‬
‫أح��د المتخاصمين من ذوي القربى؛ َّ‬
‫ألن اهلل أمر بذلك؛ كما يف قوله س��بحانه‬
‫وتعال��ى‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﮊ [النحل‪ ،]58 :‬وكذلك العدل يف تطبيق الحدود والعقوبات الشرعية‪،‬‬
‫ت‬‫ْت ُم َح َّم ٍد َس َر َق ْ‬
‫«وا َّل ِذي َن ْف ُس ُم َح َّم ٍد بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ل ْو َأ َّن َفاطِ َم َة بِن َ‬
‫فقد قال النبي ﷺ‪َ :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬الفروق اللغوية؛ ألبي هالل العسكري‪ ،‬ص(‪.)80‬‬

‫((( سبق تخريجه عند احلديث عن خُ لُق العفة‪.‬‬

‫((( مجموع الفتاوى‪.)67/28(:‬‬

‫‪47‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫َل َق َط ْع ُ‬
‫ت َيدَ َها»(‪.)1‬‬
‫‪3-3‬العدل يف الش��هادة حتى ولو كانت عل��ى ذوي القربى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [األنعام‪.]152 :‬‬
‫‪4-4‬الع��دل مع النف��س‪ ،‬وذلك بعدم تكليفها ماال تطيق‪ ،‬ق��ال تعالىﮋ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [البق��رة‪ ،]286 :‬والنب��ي ﷺ يق��ول‪َ « :‬فإِ َّن لِجس ِ‬
‫��د َك َع َل ْي َ‬
‫ك‬ ‫َ َ‬
‫َح ًّقا»(‪.)2‬‬
‫‪5-5‬الع��دل بي��ن الزوجات‪ ،‬وقد جعل اهلل تعالى العدل ش��رطًا لتع��دد الزوجات؛‬
‫فقال عز وجل ‪ :‬ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [النس��اء‪،]3 :‬‬
‫َت َل ُه‬
‫��ن كَان ْ‬
‫«م ْ‬‫وح��ذر النبي ﷺ من الميل لزوج��ة من دون الزوجات‪ ،‬فقال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫َان َف َم َال إِ َلى إِ ْحدَ ُاه َما‪َ ،‬جا َء َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َو ِش ُّق ُه َمائِ ٌل»(‪.)3‬‬
‫ْام َر َأت ِ‬

‫‪6-6‬العدل بين األوالد‪ ،‬فال يفاضل بينهم إال بس��بب مقبول ش��رعًا؛ ألن التفضيل‬
‫بال س��بب يوق��ع الع��داوة والبغض��اء بينهم؛ فع��ن النعمان بن بش��ير ‪ ‬قال‪:‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫«أعطاين َأبِي َعطِ ّيةً‪ ،‬فقالت َع ْم َر ُة بنت رواحة‪ :‬ال أرضى حتى ُت ِ‬
‫شهدَ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬إين أعطيت ابني مِن َع ْم َر َة بنت رواحة عطِ ّيةً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فأتى‬
‫ت َسائِ َر َو َل ِد َك ِم ْث َل َه َذا؟»‪،‬‬ ‫ش��هدَ ك يا رس��ول اهلل‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ ْع َط ْي َ‬ ‫َفأ َم َرتني أن ُأ ِ‬

‫((( متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)3475‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1688‬عن عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1975‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1159‬عن عبداهلل‬
‫بن عمرو ‪.‬‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)2133‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪َ « :‬فا َّت ُقوا اهَّللَ َوا ْع ِد ُلوا َب ْي َن َأ ْوال َِدك ُْم»‪ ،‬قال‪ :‬فرجع َف َر َّد عطِ َّيتَه» (‪.)1‬‬
‫‪7-7‬العدل يف الكيل والوزن وكل المعامالت المالية‪ ،‬فقد أمر اهلل بإيفاء الكيل والوزن‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [الش��عراء‪ ،]181 :‬وأهلك اهلل‬
‫بس��بب تكذيبه��م‪ ،‬وتطفيفهم الكيل وال��وزن‪ ،‬وبخس الناس‬ ‫قوم ش��عيب‬
‫أش��ياءهم‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍﭼ [األعراف‪.]85 :‬‬
‫‪8-8‬العدل مع األعداء والخصوم‪ ،‬فالنفس البش��رية قد تكره و ُتعادي‪ ،‬وقد يدفعها‬
‫ذل��ك للظلم‪ ،‬فأمر اهلل بالعدل يف هذه الح��ال بقوله‪ :‬ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [المائدة‪.]8 :‬‬
‫ويف العدل مع الناس ‪-‬س��واء كانوا محبوبين أم ال‪ ،‬وس��واء كانوا مس��لمين أم‬
‫وتأليف لقلوهبم‪ ،‬واس��تمال ٌة له��م لهذا الدين‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تقريب لنفوس��هم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫غير مس��لمين‪-‬‬
‫وليعلموا أنه دين عدل ال ُيظلم فيه أحد‪.‬‬
‫فوائد العدل‪:‬‬
‫إن البشرية إذا قامت بالعدل كما أمر اهلل تعالى فإهنا ستجني ثمار ًا طيبة وفوائد‬
‫َّ‬
‫حسنة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ 1-1‬نوال محبة اهلل تعالى؛ قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ[الممتحنة‪.]8 :‬‬
‫‪ 2-2‬ش��يوع األم��ن يف األوط��ان‪ ،‬فتحص��ل ب��ه طمأنين��ة النف��وس‪ ،‬ويش��عر الناس‬
‫باالس��تقرار‪ ،‬وبذلك يقضي على المشكالت االجتماعية واالضطرابات التي‬
‫تحدث بسبب الظلم‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)2587‬‬

‫‪49‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫عم العدل بين الناس‪ -‬حكامًا ومحكومين‪-‬‬


‫‪ 3-3‬نزول الربكة وعموم الخير‪ ،‬فمتى ّ‬
‫انعكس ذلك على البالد بعموم الخير‪ ،‬ونزول الربكة‪ .‬وبالظلم ينقلب الحال‪،‬‬
‫هم الوالي بالعدل‪ ،‬أدخل اهلل الربكات يف‬
‫يق��ول وهب بن ُمنَ ِّبه رحم��ه اهلل‪« :‬إذا َّ‬
‫بالج ْور‪ ،‬أدخل اهلل النقص‬
‫أهل مملكته حتى يف األس��واق واألرزاق‪ ،‬وإذا هم َ‬
‫يف مملكته حتى يف األسواق واألرزاق»(‪.)1‬‬
‫‪ 4-4‬دوام المل��ك‪ ،‬فاهلل يم ِّكن للس��لطان يف واليته متى ما ح َّق��ق العدل بين رعيته‪،‬‬
‫الح ْكم‪« :‬أح��ق الناس ب��دوام الملك وباتصال الوالية أقس��طهم‬
‫وق��د قي��ل يف ُ‬
‫بالعدل يف الرعية‪ ،‬وأخ ُّفهم عنها كَلاَّ ً ومؤونة»(‪.)2‬‬
‫‪ 5-5‬شيوع المحبة بين الناس‪َّ ،‬‬
‫فإن انتشار العدل يف المجتمع يجعله قويًا متماسكًا‪،‬‬
‫فتعم المحبة واإلخاء بين أفراده‪.‬‬

‫((( بدائع السلك‪ ،‬ص(‪.)227‬‬

‫((( املرجع السابق‪ ،‬ص(‪.)231‬‬

‫‪50‬‬
‫الوحدة الثالثة‪:‬‬

‫نماذج من األخالق الحسنة‬

‫•اإلخالص‪.‬‬
‫• الحياء‪.‬‬
‫• الشكر‪.‬‬

‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫يوضح الطالب كيفية تحقق ُخ ُلق اإلخالص‪.‬‬
‫‪ 1 -1‬أن ِّ‬
‫‪ 2 -2‬أن يبين الطالب مكانة ُخ ُلق الحياء من الدِّ ين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬أن يعدد الطالب أنواع الشكر وفوائده‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪ 1 -1‬توضيح كيفية تحقق ُخ ُلق اإلخالص‪.‬‬
‫‪ 2 -2‬تبيين مكانة ُخ ُلق الحياء من الدِّ ين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬تعداد أنواع الشكر وفوائده‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج األول‪ :‬اإلخالص‬

‫اإلخالص لغة‪ :‬مشتق من مادة (خلص) التي تدل على تنقية الشيء وهتذيبه(‪.)1‬‬
‫واصطالح��ًا‪ :‬ه��و إفراد اهلل عز وج��ل بالقصد والطاعة‪ ،‬وتنقي��ة األعمال من‬
‫الشرك والرياء‪.‬‬
‫الرس��ل‪ ،‬وأنزل به جميع الكتب‪ ،‬وا ّتفق‬
‫كل ّ‬‫واإلخالص هو الذي بعث اهلل به َّ‬
‫أئمة أهل اإليمان‪ ،‬وهذا هو خالصة الدّ عوة النّبو ّية‪ ،‬وهو قطب القرآن ا ّلذي‬
‫علي��ه ّ‬
‫تدور عليه رحاه(‪.)2‬‬
‫لذل��ك كان اإلخالص ش��رطًا من ش��روط قب��ول العمل‪ ،‬فمن جع��ل عبادته‬
‫خالصة لوجه اهلل‪ ،‬ثم أحسن االقتداء بالنبي ﷺ فيها‪ ،‬فقد ح َّقق َش ْر َطي قبول تلك‬
‫العب��ادة‪ ،‬وال تصح عبادة بدون اإلخالص هلل ‪ ‬والمتابعة لرس��ول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﮊ [الكهف‪.]110 :‬‬
‫وأن َمن لم ُي ْخلِص فقد فس��د عمله‪،‬‬ ‫وب َّي��ن النب��ي ﷺ أثر النية يف قبول العمل‪َّ ،‬‬
‫َت ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى اهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه‬
‫فقال ﷺ‪« :‬األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة‪َ ،‬ولِك ُِّل ْامرِ ٍئ َما ن ََوى‪َ ،‬ف َم ْن كَان ْ‬
‫��ر َأ ٍة َي َتز ََّو ُج َها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َف ِهجرتُ��ه إِ َلى اهَّلل ِ ورس��ولِ ِه‪ ،‬وم��ن كَان ْ ِ‬
‫َت ه ْج َر ُت ُه لدُ ْن َي��ا ُيصي ُب َها‪َ ،‬أ ِو ْام َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫اج َر إِ َل ْي ِه»(‪.)3‬‬‫َف ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى َما َه َ‬
‫َص الق��رآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫وإخ�لاص العمل هلل واجب بن ِّ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [الزمر‪.]12-11 :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)208/2( :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التحفة العراقية يف أعمال القلوب‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬ص(‪.)58‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)54‬وبنحوه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1907‬عن عمر بن اخلطاب ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وق��د جعل اهلل اإلخالص يف أش��رف مكان يف اإلنس��ان وه��و القلب الذي هو‬
‫محل نظر اهلل س��بحانه وتعالى‪ ،‬قال النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن اهلل لاَ ينْ ُظر إِ َلى َأجس ِ‬
‫ادك ُْم‪َ ،‬ولاَ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫إِ َلى ُص َو ِرك ُْم‪َ ،‬و َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َلى ُق ُلوبِ ُكم»(‪.)1‬‬
‫كيف يتحقق الإخال�ص؟‬
‫َّ‬
‫إن تحقيق اإلخالص هلل ﷺ يف العبادة يكون باستكمال ثالثة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬تنقي��ة العم��ل من التف��ات القلب إلى غي��ر اهلل‪ ،‬فال يريد بعمل��ه رئاء الناس‬
‫ومدحهم‪ ،‬أو نيل شيء من حظوظ الدنيا؛ كالمال أو الجاه ونحوهما‪ ،‬بل يكون‬
‫مراده مرضاة اهلل فحسب‪.‬‬
‫الث��اين‪ :‬احتقار عمله مع بذله مجهوده فيه‪ ،‬فال يعجب بطاعته وعمله فيكون ذلك‬
‫سببًا لحبوطه وبطالنه‪.‬‬
‫الثال��ث‪ :‬موافق��ة العمل له��دي النب��ي ﷺ‪ ،‬إ ْذ كل عمل ليس عل��ى هدية ﷺ فهو‬
‫«م ْن َع ِم َل َع َملاً َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪ ،)2‬أي‪:‬‬
‫مردود على صاحبه؛ قال ﷺ‪َ :‬‬
‫مردود عليه ال يقبل منه‪.‬‬
‫ق��ال ابن القيم رحمه اهلل ‪-‬بعد ذكره هذه الثالث��ة‪« :-‬فهذه األركان الثالثة‬
‫ه��ي أركان الس��ير‪ ،‬وأص��ول الطري��ق التي َم ْن ل��م َي ْب ِن عليها س��لوكه وس��يره فهو‬
‫فس ْي ُر ُه إ َّما إلى عكس جهة مقصودة‪ ،‬وإ َّما َس ْير ا ْل ُمق َعد‬ ‫مقطوع‪ْ ،‬‬
‫وإن ظ َّن أنه س��ائر‪َ ،‬‬
‫وا ْل ُمق َّيد‪ ،‬وإما َس�� ْير صاحب الدابة الجموح‪ ،‬كلما َم َش��ت خطوة إلى قدام َر َج َعت‬
‫فإن ُع ِدم اإلخالص والمتابعة انعكس س��يره إلى خلف‪ ،‬وإن‬ ‫عش��رة إلى الخلف‪ْ ،‬‬
‫ويوحد طلبه سار َس ْير ا ْل ُمق َّيد‪ ،‬وإن اجتمعت له الثالثة فذلك الذي‬
‫ِّ‬ ‫لم يبذل جهده‬
‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2564‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1718‬عن عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ال ُيج��ارى يف مضم��ار َس�� ْيره‪ ،‬وذلك فض��ل اهلل يؤتيه م��ن يش��اء‪ ،‬واهلل ذو الفضل‬
‫العظيم»(‪.)1‬‬
‫ومما يعني على الإخال�ص ما يلي‪:‬‬
‫ب ال ُق ُل ِ‬
‫وب‬ ‫ول‪َ :‬يا ُم َق ِّل َ‬ ‫��ول اهللِ ﷺ ُي ْكثِ ُر َأ ْن َي ُق َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫‪1-1‬اإلكثار من الدعاء‪ ،‬فقد «ك َ‬
‫��ت َق ْلبِي َع َل��ى ِدينِك»(‪ ،)2‬وقال أويس الق��رين‪« :‬إذا قمت فادع اهلل أن يصلح‬ ‫َث ِّب ْ‬
‫لك قلبك ونيتك‪ ،‬فلن ُتعال ِ َج شيئًا أشدَّ عليك منهما»(‪.)3‬‬
‫فإن النفس تحب مدح اآلخري��ن وثناءهم‪ ،‬لذا‬ ‫‪2-2‬التغل��ب على حظوظ النف��س؛ ّ‬
‫فسد عليه النية والعمل‪ ،‬قال‬ ‫يجب على المس��لم مدافعة هذا الخاطر حتى ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫ألن أكثر الناس يحبون‬ ‫ابن الجوزي رحمه اهلل‪« :‬ما أقل من يعمل هلل خالصًا؛ َّ‬
‫ظهور عباداهتم»(‪.)4‬‬
‫‪3-3‬إخف��اء العبادات غير المش��اهدة‪ ،‬واإلكث��ار منها‪ ،‬كقيام الليل‪ ،‬وصدقة الس��ر‪،‬‬
‫والبكاء من خشية اهلل خاليًا‪.‬‬
‫‪4-4‬الخ��وف من الش��رك بنو َع ْية‪ ،‬والدع��اء بك َّفارة الرياء‪ ،‬ففي حدي��ث الوقاية من‬
‫ك ِم ْن َأ ْن ن ُْشرِ َك بِ َ‬
‫ك‬ ‫الله َّم إِنَّا َن ُعو ُذ بِ َ‬
‫الشرك ورد عن النبي ﷺ أنه قال‪ُ « :‬قو ُلوا‪ُ :‬‬
‫َش ْيئًا َن ْع َل ُم ُه‪َ ،‬ون َْس َتغ ِْف ُر َك لِ َما اَل َن ْع َل ُم»(‪.)5‬‬

‫((( مدارج السالكني‪.)97/2( :‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه برقم(‪ ،)3522‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬وقال األلباني‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬

‫((( تفسير التستري‪ ،‬لسهل بن عبداهلل التستري‪ ،)141/1(:‬وصفة الصفوة البن اجلوزي‪.)55/2(:‬‬

‫((( صيد اخلاطر‪ ،‬ص(‪.)249‬‬

‫((( رواه أحم���د يف املس���ند‪ ،‬برق���م(‪ .)19622‬وقال الهيثمي يف مجمع الزوائ���د‪ :‬رواه أحمد والطبراني يف‬
‫«الكبير» و»األوسط»‪ ،‬ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي علي‪ ،‬ووثقه ابن حبان‪.)224/10(:‬‬

‫‪55‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫جماالت الإخال�ص‪:‬‬
‫ينبغي للمس��لم أن يس��تحضر نية اإلخالص يف جميع أعماله الصالحة‪ ،‬سواء‬
‫كان��ت تلك األعمال عب��ادات محضة؛ كالصالة‪ ،‬والصي��ام‪ِّ ،‬‬
‫والذكر‪ ،‬ونحوها‪ ،‬أو‬
‫كانت مما له عالقة بتعامله مع اآلخرين‪ ،‬بل وحتى المباحات التي يفعلها المسلم‪،‬‬
‫تحول تلك المباحات إلى عبادات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فإن النية الصالحة الخالصة ِّ‬
‫قوادح الإخال�ص وعالجها‪:‬‬
‫�إ َّن من �أبرز ما يقدح يف الإخال�ص ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬تعل��ق القل��ب بغير اهلل حب��ًا وخوفًا ورج��ا ًء‪ ،‬وعالج��ه باليأس مم��ا يف أيدي‬
‫الن��اس‪ ،‬وتعليق القل��ب باهلل وحده‪ ،‬والت��وكل عليه‪ ،‬والرغبة فيم��ا عنده‪ْ ،‬‬
‫وأن‬
‫أن المم��دوح حقًا هو م��ن رضي اهلل عن��ه وأح َّبه ْ‬
‫وإن ذ َّم��ه الناس‪ ،‬قال‬ ‫يعل��م َّ‬
‫بعض الس��لف‪« :‬منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحه��م ولم أحزن على ذ ِّم ِهم‪،‬‬
‫فحامدهم ُم َف ِّرط‪ ،‬وذا ُّمهم ُم َف ِّرط»(‪.)1‬‬
‫‪2-2‬الرياء‪ ،‬وعالجه يكون بقول الدعاء المذكور سابقًا‪ ،‬ويقينه َّ‬
‫أن الخلق ال ينفعون‬
‫يضرون حقيقة‪ ،‬فال يشغل نفسه بِ ِهم فيتعب‪ ،‬ويضر دينه‪ ،‬ويحبط عمله‪.‬‬‫وال ُّ‬
‫ب بالعمل يقود إلى الكرب ورؤية ِّ‬
‫حظ النفس والغفلة‬ ‫‪3-3‬اإلعجاب بالعمل‪ ،‬فال ُع ْج ُ‬
‫عن إخالص العمل هلل تعال��ى‪ ،‬ويدفع لتزكية النفس أو احتقار اآلخرين‪ ،‬واهلل‬
‫تعالى يقول‪:‬ﮋﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ [النجم‪ ،]32 :‬ويقول سبحانه‪:‬‬
‫ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ [النس��اء‪:‬‬
‫‪ ،]49‬وعالج اإلعجاب بالعمل‪ :‬أن يعلم العبد أن قيامه بالعمل الصالح ٌ‬
‫فضل‬
‫من اهلل تعالى عليه‪ ،‬فيشكره على توفيقه إياه‪ ،‬ويسأله الثبات عليه‪.‬‬

‫((( روى هذه املقولة أبو نعيم األصبهاني يف كتابه حلية األولياء‪ ،)372/2(:‬عن مالك بن دينار‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثمرات الإخال�ص‪:‬‬
‫اإلخالص كشجرة كل ثمارها نافعة‪ ،‬ومن ثمرات اإلخالص ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬إجابة الدعاء عند التوس��ل بالعمل الصالح الخال��ص هلل تعالى؛ كقصة الثالثة‬
‫الذي��ن انطبقت عليهم الصخرة يف الغار‪ ،‬فعندما دع��وا اهلل بأعمال أخلصوا له‬
‫فيها نجوا من الهالك وانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون(‪.)1‬‬
‫‪2-2‬نيل ش��فاعة النبي ﷺ؛ فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪َ ،‬م ْن َأ ْس َعدُ‬
‫��أ َلنِي‬
‫ْت َيا َأ َبا ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬أ ْن الَ َي ْس َ‬
‫الناس بش��فاعتك يوم القيامة؟‪ ،‬فق��ال‪َ « :‬ل َقدْ َظنَن ُ‬
‫ك ع َلى الح ِد ِ‬
‫يث‪َ ،‬أ ْس َعدُ‬ ‫ْك‪ ،‬لِما ر َأي ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن ه َذا ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ت م ْن ح ْرص َ َ‬ ‫الحديث َأ َحدٌ َأ َّو ُل من َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫الق َي َام ِة َم ْن َق َال‪ :‬الَ إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬خالِ ًصا ِم ْن ِق َب ِل َن ْف ِس ِه»(‪.)2‬‬
‫َّاس بِ َش َفاعتِي يوم ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫الن ِ‬
‫‪3-3‬قب��ول التوبة ودخ��ول الجنة‪ ،‬قال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﮊ‬
‫[النساء‪.]146 :‬‬
‫‪4-4‬تحويل العادات والمعامالت إلى عبادات‪ ،‬فينش��ط المس��لم لمزيد من العمل‬
‫َّ��ك َل ْن ُتن ِْف َق َن َف َق ًة‬
‫الصال��ح وفعل الخي��ر الخالِص لوجه اهلل‪ ،‬قال النبي ﷺ‪« :‬إِن َ‬
‫ك»(‪.)3‬‬ ‫َت ْبت َِغي بِ َها َو ْج َه اهَّلل ِ إِ اَّل ُأ ِج ْر َت َع َل ْي َها‪َ ،‬حتَّى َما ت َْج َع ُل فِي َف ِم ْام َر َأتِ َ‬

‫((( تق ّدم احلديث بطولِهِ عند احلديث عن خُ لُق العفة‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)6570‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)56‬وبنحوه مس���لم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1628‬عن س���عد بن أبي‬
‫وقاص ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج الثاني‪ :‬الحياء‬


‫الحياة لغة‪ :‬ضد الوقاحة‪ ،‬وهو الحش��مة‪ ،‬واالنقباض واالنزواء‪ ،‬فيقال‪َ :‬حيِ َي‬
‫حياء‪ ،‬واستحيا واستحى فهو‪ :‬حيي(‪.)1‬‬
‫واصطالح��ًا‪ :‬خل��ق يبع��ث على اجتن��اب كل ما ه��و قبيح‪ ،‬وما ينايف الش��رع‬
‫الحنيف(‪.)2‬‬
‫وانكس��ار يعرتي اإلنس��ان من خوف م��ا ُيعاب به و ُي َ‬
‫��ذم‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫��ر‬
‫فالحي��اء تغ ُّي ٌ‬
‫انقب��اض للنف��س‪ ،‬يصوهنا عما يعيبها م��ن قول أو فعل‪ ،‬فيدفعها إل��ى ترك القبيح‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ويمنعها من التقصير يف حق كل ذي حق‪.‬‬
‫توسعًا‪ ،‬ولك ْن هناك فروق بينهما‪ ،‬ومن‬
‫وقد يس��تعمل الحياء موضع الخجل ُّ‬
‫الفروق بين الحياء والخجل‪َّ :‬‬
‫أن الحياء يدفع الجتناب القبائح خش��ية اإلثم والذم‬
‫والعيب‪ ،‬أما الخجل فيدفع الجتناب األفعال حسنة كانت أو قبيحة خوفًا وجبنًا‪،‬‬
‫قوي الشخصية‪ ،‬وأما الخجول َف َض ِعي ُفها‪.‬‬
‫فإن الحيِ َّي ُّ‬
‫وأيضًا ّ‬
‫مكانة احلياء من الدين‪:‬‬
‫رفع اإلس�لام ش��أن الحياء‪ ،‬وحث عليه‪ ،‬وجعله أحد الفروع لشجرة اإليمان‬
‫العظيمة‪ ،‬بل ُج ِعل الحيا ُء ُخ ُلقًا تم َّيز به دي ُن اإلس�لام و َأ ْتبا ُعه‪ ،‬فقد روي عن أنس‬
‫ب��ن مالك ‪ ‬أنه ق��ال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن لِك ُِّل ِد ٍ‬
‫ين ُخ ُل ًقا‪َ ،‬و ُخ ُل ُق الإْ ِ ْس�َل�اَ ِم‬
‫ا ْل َح َيا ُء»(‪.)3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬احملكم‪ ،‬البن سيده‪.)399/3(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬موسوعة فتح امللهم بشرح صحيح اإلمام مسلم‪ ،‬للشيخ شبير العثماني‪ ،‬ص(‪.)565‬‬

‫((( رواه اب���ن ماج���ه يف س���ننه‪ ،‬برق���م(‪ ،)4181‬وصحح���ه األلبان���ي مبجم���وع طريقي���ه يف «الصحيحة»‪،‬‬
‫برقم(‪.)940‬‬

‫‪58‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫والحي��اء صف��ة من صفات اهلل تعالى‪ ،‬فقد ثبت ع��ن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عز وجل َحيِ ٌّي ست ٌِّير ُيح ُّ‬
‫ب ا ْل َح َيا َء َو َّ‬
‫الست َْر»(‪.)1‬‬
‫��ار َك َو َت َعا َلى َحيِ ٌّي‬ ‫وع��ن س��لمان ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َر َّبك ْ‬
‫ُ��م َت َب َ‬
‫يم‪َ ،‬ي ْست َْحيِي ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع َيدَ ْي ِه إِ َل ْي ِه‪َ ،‬أ ْن َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا»(‪.)2‬‬ ‫َكرِ ٌ‬
‫ان»(‪،)3‬‬ ‫وهو ش��عبة من ش��عب اإليمان‪ ،‬فقد قال ﷺ‪« :‬وا ْلحياء ُشعب ٌة مِن الإْ ِ يم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ ُ َْ َ‬
‫فالحياء يقطع صاحبه من المعاصي‪ ،‬ويحجزه عنها‪ ،‬فصار بذلك من اإليمان‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّاس‬‫والحياء ُخ ُل ٌق محمو ٌد يف كل الشرائع السماوية؛ قال ﷺ‪« :‬إِ َّن م َّما َأ ْد َر َك الن ُ‬
‫ْت»(‪.)4‬‬ ‫اصن َْع َما ِشئ َ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َكالَ ِم النُّ ُب َّوة‪ ،‬إِ َذا َل ْم ت َْست َْح ِي َف ْ‬
‫ِ‬

‫وكان نبين��ا محمد ﷺ أش��دَّ الناس حيا ًء؛ فقد وصف��ه الصحابة – رضوان اهلل‬
‫اء فِي ِخدْ ِر َها»(‪.)5‬‬ ‫َان النَّبِي ﷺ َأ َشدَّ حياء ِمن الع ْذر ِ‬
‫ََ ً َ َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫عليهم‪ -‬بقولهم‪« :‬ك َ‬
‫حث النب��ي ﷺ َأ ْتباعه عل��ى التخ ُّلق بخل��ق الحياء م��ن اهلل تعالى‪ ،‬فعن‬ ‫وق��د َّ‬
‫اء»‪.‬‬ ‫عبداهلل بن مس��عود ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬اس��تَحيوا ِمن اهَّلل ِ ح َّق الحي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُ َ‬
‫اك‪َ ،‬و َلكِ َّن اِال ْستِ ْح َيا َء‬
‫الح ْمدُ ل ِ َّل ِه‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ل ْي َس َذ َ‬ ‫َق َال‪ُ :‬ق ْلنَا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل إِنَّا ن َْست َْحيِي َو َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫((( رواه أب���و داود يف س���ننه‪ ،‬برق���م(‪ ،)4012‬وصحح���ه األلبان���ي‪ .‬وحي���اء اهلل تعال���ى من عب���ده ال يجوز‬
‫(إن اهلل حيي)‪ ،‬فعيل من احلياء‪ ،‬أي كثير‬
‫تكييفه أو تش���بيهه بحياء البش���ر؛ قال املباركفوري‪« :‬قوله‪ّ :‬‬
‫ووصفُ��� ُه تعال���ى باحلياء يُحمل على ما يليق له كس���ائر صفاته‪ ،‬نؤمن به���ا وال نُك ِّيفها»‪ .‬حتفة‬
‫احلي���اء‪ْ ،‬‬
‫األحوذي‪.)544/9(:‬‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)1488‬والترمذي يف سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)3556‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)58‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)3484‬عن أبي مسعود ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6102‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2320‬عن أبي سعيد اخلدري‬
‫‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْو َت‬‫الر ْأ َس َو َما َو َعى‪َ ،‬وال َب ْط َن َو َما َح َوى‪َ ،‬و ْلت َْذ ُكرِ َ‬ ‫الح َياء َأ ْن ت َْح َف َظ َّ‬
‫��ن اهَّلل َح َّق َ‬
‫م َ‬
‫ك َف َقدْ ْاس��ت َْح َيا ِم َن اهَّلل ِ َح َّق‬
‫اآلخ َر َة ت ََر َك ِزينَ َة الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف َم ْن َف َع َل َذلِ َ‬
‫والبِ َل��ى‪ ،‬ومن َأراد ِ‬
‫ََ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫الح َياءِ»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫فف��ي ه��ذا الحدي��ث بيان واض��ح َّ‬
‫أن الحياء يش��مل جميع األعم��ال الظاهرة‬
‫والباطنة‪.‬‬
‫والحياء خ ُل ٌّق يسمو به الرجال والنساء على َحدٍّ سواء‪ ،‬وإن كان الحياء يف حق‬
‫النس��اء أكمل‪ ،‬وإذا و ِصفت المرأة بالحياء فذلك ِ‬
‫الق َّمة يف حس��ن ُخ ُلقها‪ ،‬فالحياء‬ ‫ُ‬
‫ه��و حامي الفضيلة‪ ،‬وحارس��ها م��ن االنحدار نح��و الرذيلة‪ ،‬وقد ذك��ر اهلل موقِفًا‬
‫يتجلى فيه حياء المرأة الصالحة‪ ،‬فقال س��بحانه –عن إحدى الفتاتين اللتين س��قى‬
‫‪ :-‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫لهم��ا موس��ى‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ [القص��ص‪ ،]25 :‬وهن��ا لفت��ة ربانية لتتأ َّمل كل النس��اء حال هذه‬
‫الفت��اة الحيِ َّية العفيفة‪ ،‬حيث إهن��ا كانت يف الحالتين محافظة على حيائها‪ ،‬فالقارئ‬
‫عندم��ا يقف على كلمة (اس��تحياء) يف قول��ه‪ :‬ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ‪،‬‬
‫أهنا يف أدب وعفة وحياء‪ ،‬أ َّما إذا وقف‬ ‫يبين حال الفتاة حين مشيتها إلى موسى‬
‫على كلمة (تمش��ي) ثم اس��تأنف القراءة من قوله تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ ‪ ،‬فهن��ا يب ِّين حال الفتاة حينما بدأت تتكلم مع‬
‫‪ ،‬فكالمها كان على اس��تحياء‪ ،‬وهذا من بالغة الق��رآن حيث ب َّين حال‬ ‫موس��ى‬
‫الفتاة يف مش��يتها وكالمها أهنا حيية عفيف��ة بأخصر العبارات‪ ،‬قال مجاهد‪« :‬يعني‪:‬‬
‫بخراجة وال ولاَّ جة»(‪ ،)2‬وقال الط�بري‪َ :‬‬
‫«فأ َت ْت ُه‬ ‫واضع��ة ثوهبا على وجهها ليس��ت َّ‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)2458‬وحسنه األلباني‪.‬‬

‫((( تفسير مجاهد‪ ،‬ص(‪.)526‬‬

‫‪60‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫تست َْحيِي منه»(‪.)1‬‬


‫تمشي على استحياء‪ ،‬وهي ْ‬
‫�أق�سام احلياء‪:‬‬
‫المكتس��ب‪ ،‬فهو هبذا ينقس��م إلى‬
‫َ‬ ‫الحي��اء كبقية األخالق؛ منها الفطري ومنها‬
‫قسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الحياء الفطري‪ ،‬وهو الذي يولد مع اإلنس��ان؛ كحياء اإلنس��ان عندما‬
‫تتكش��ف عورته أم��ام الناس ألول مرة‪ ،‬وه��ذا النوع من الحياء مِن َْح�� ٌة أعطاها اهلل‬
‫لعباده‪.‬‬
‫المكتسب‪ ،‬وهو الذي يكت َِس ُبه المسلم من دينه‪ ،‬فيمنعه من فعل‬ ‫َ‬ ‫الثاين‪ :‬الحياء‬
‫ما ُيذ ُّم شرعا مخافة أن يراه اهلل حيث هناه‪ ،‬أو يفقده حيث أمره‪.‬‬
‫فوائد احلياء‪:‬‬
‫لخ ُل��ق الحي��اء فوائ��د وآثار إيجابي��ة تعود عل��ى الفرد والمجتم��ع‪ ،‬ومن تلك‬
‫ُ‬
‫الفوائد واآلثار ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬أن��ه أمارة على إيمان من ا َّتصف به‪ ،‬فعن عب��داهلل بن عمر ضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫َّك َلت َْس��ت َْحيِي‪،‬‬
‫ول‪ :‬إِن َ‬ ‫«مر النَّبِي ﷺ ع َلى رج ٍل‪ ،‬وهو يعاتِب َأ َخاه فِي الحي ِ‬
‫اء‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ َُ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َّ‬
‫الح َيا َء ِم َن‬ ‫��ك‪َ ،‬ف َق َال رس ُ ِ‬ ‫َحتَّ��ى ك ََأنَّ�� ُه َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬قدْ َأ َض َّر بِ َ‬
‫��ول اهَّلل ﷺ‪َ « :‬د ْع ُه‪َ ،‬ف��إِ َّن َ‬ ‫َ ُ‬
‫ان»(‪.)2‬‬ ‫يم ِ‬
‫اإل َ‬‫ِ‬
‫‪2-2‬أن��ه يدف��ع صاحبه لق��ول الحق؛ إذ الس��كوت عن الحق ليس م��ن الحياء‪ ،‬قال‬
‫تعال��ى‪ :‬ﭽﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﭼ [األح��زاب‪ ،]53 :‬ف��اهلل تعال��ى ال يمنع��ه‬
‫الحياء من بيان الحق لعباده‪ ،‬وكذلك ينبغي لعباده أن يكونوا‪.‬‬
‫((( تفسير الطبري‪.)61/20(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6118‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)36‬‬

‫‪61‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫فيح ْو ُل بينه وبين فِ ْع ِل ما ُيس�� َت ْق َبح‪ ،‬فال يظهر منه إال‬ ‫��ب َ‬
‫أفعال صاحبه‪ُ ،‬‬ ‫‪3-3‬أن��ه ُيط ِّي ُ‬
‫الخير والصالح‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬ا ْل َح َيا ُء اَل َي ْأتِي إِ اَّل بِخَ ْير»(‪.)1‬‬
‫من مظاهر انعدام احلياء �أو ِق َّل ِت ِه‪:‬‬
‫مظاهر كثيرةٌ؛ منها ما يلي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يدل على انعدام الحياء أو ق ّلته لدى البعض‬
‫ُّ‬
‫والجرأة على‬ ‫‪1-1‬المجاه��رة بالمعاصي‪ ،‬بإعالهنا وإظهارها للناس‪ ،‬والتفاخر هبا‪ُ ،‬‬
‫ذل��ك‪ ،‬وعدم الخوف من اهلل عز وج��ل ‪ ،‬وقد قال النبي ﷺ‪« :‬ك ُُّل ُأ َّمتِي ُم َعا ًفى‬
‫اهرِي��ن‪ ،‬وإِ َّن ِم��ن المج ِ‬ ‫إِ اَّل المج ِ‬
‫��ل َع َملاً ‪ُ ،‬ث َّم ُي ْصبِ َح‬ ‫اه َرة َأ ْن َي ْع َم َل َّ‬
‫الر ُج ُل بِال َّل ْي ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ت ال َب ِ‬
‫ار َح َة ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬و َقدْ َب َ‬
‫ات َي ْست ُُر ُه‬ ‫ول‪َ :‬يا ُفال َُن‪َ ،‬ع ِم ْل ُ‬ ‫َو َقدْ َست ََر ُه اهَّللُ َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َي ُق َ‬
‫ف ِست َْر اهَّلل ِ َعنْه»(‪.)2‬‬ ‫َر ُّب ُه‪َ ،‬و ُي ْصبِ ُح َيك ِْش ُ‬
‫‪2-2‬كش��ف الع��ورات‪ ،‬وعدم الح��رص على س�ترها‪ ،‬و ُيلحق بذلك ت�برج المرأة‬
‫وسفورها أمام الرجال األجانب‪.‬‬
‫‪3-3‬تش�� ُّبه الرجال بالنس��اء‪ ،‬س��واء يف الملبس أو قصات الشعر أو وس��ائل الزينة‪،‬‬
‫وكذلك تش�� ُّبه النس��اء بالرجال‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬لبس بعض النس��اء المالبس التي‬
‫تصف األجسام‪ ،‬أو تكون كهيئة مالبس الرجال‪.‬‬
‫‪4-4‬إيذاء اآلخرين‪ ،‬س��واء باألقوال أو األفعال‪ ،‬ومن ذل��ك مثالً‪ :‬التلفظ باأللفاظ‬
‫البذيئ��ة ورف��ع الصوت يف بعض األماكن‪ ،‬كاألس��واق والميادي��ن العامة‪ ،‬فقد‬
‫اح ًشا‬‫سئلت عائشة رضي اهلل عنها عن ُخ ُل ِق رسول اهلل ﷺ فقالت‪َ « :‬لم يكُن َف ِ‬
‫ْ َ ْ‬
‫الس ِّي َئةَ‪َ ،‬و َلكِ ْن َي ْع ُفو‬ ‫ِ‬
‫��و ِاق‪َ ،‬والَ َي ْج ِزي بِ َّ‬
‫الس ِّيئَة َّ‬
‫ِ‬
‫َوالَ ُم َت َف ِّح ًش��ا َوالَ َصخَّ ا ًبا في األَ ْس َ‬
‫َو َي ْص َف ُح»(‪.)3‬‬
‫((( رواه البخاري يف صحيحه ‪ ،‬برقم (‪ ، )6117‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)37‬‬
‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6069‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2990‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫((( رواه الرتمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)2016‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪5-5‬إفش��اء األس��رار الزوجية واألمور الخاصة التي تحصل بين األزواج يف فراش‬
‫َّاس ِعنْدَ اهلل ِ َمن ِْز َل ًة َي ْو َم‬
‫��ر الن ِ‬ ‫ِ‬
‫صح عن النبي ﷺ قوله‪« :‬إِ َّن م ْن َأ َش ِّ‬ ‫الزوجية‪ ،‬وقد َّ‬
‫الر ُج َل ُي ْف ِضي إِ َلى ْام َر َأتِ ِه‪َ ،‬و ُت ْف ِضي إِ َل ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْلق َي َامة‪َّ ،‬‬

‫النموذج الثالث‪ :‬الشكر‬


‫الش��كر لغة‪ :‬مصدر شكر يشكر‪ ،‬وهو عرفان اإلحسان ونشره‪ ،‬والشكور كثير‬
‫الش��كر(‪)2‬؛ كما ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ‬
‫[اإلسراء‪.]3 :‬‬
‫وال�شكر ا�صطالحاً‪ :‬الثناء على المْ ُ ْنع ِِم مبا �أعطاك من معروف(‪.)3‬‬
‫الفرق بني ال�شكر واحلمد‪:‬‬
‫ذهب بعض العلماء إلى َّ‬
‫أن الحمد والشكر بمعنى واحد‪ ،‬قال القاضي عياض‪:‬‬
‫«وقيل‪ :‬الشكر والحمد بمعنى»(‪.)4‬‬
‫أعم (أي‪ :‬أوس��ع داللة) مِن اآلخ��ر؛ فقيل‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ومنه��م من ق��ال‪َّ :‬‬
‫إن أحدهم��ا ُّ‬
‫ألن الشكر يكون باللس��ان وبالجوارح والقلب‪ ،‬والحمد‬ ‫الش��كر أ َع ُّم مِن الحمد؛ َّ‬
‫ألن فيه معنى الشكر ومعنى ا ْل َمدْ حِ‬
‫إنما يكون باللسان خاصة‪ ،‬وقيل‪ :‬الحمد أ َع ُّم؛ َّ‬
‫أعم من الشكر‪ ،‬وكذلك الحمد يوضع موضع الشكر‪ ،‬وال يوضع الشكر‬
‫الذي هو ُّ‬
‫موضع الحمد‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1437‬عن أبي سعيد الخدري ‪.‬‬

‫((( تهذيب اللغة ألبي منصور األزهري‪.)10/10( :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬جامع العلوم يف اصطالحات الفنون‪ ،‬حملمد علي الفاروقي‪.)223/2( :‬‬

‫((( مشارق األنوار على صحاح اآلثار‪.)252/2( :‬‬

‫‪63‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أعم من الشكر؛ َّ‬


‫ألن الحمد يكون يف مقابل‬ ‫والراجح‪ :‬أن بينهما فرقًا‪َّ ،‬‬
‫وأن الحمد ُّ‬
‫النعمة ويكون بدوهنا‪ ،‬بخالف الشكر الذي ال يكون إال مقابل النعمة فقط(‪.)1‬‬
‫�أنوا ع ال�شكر‪:‬‬
‫لل�شكر �أنواع ثالثة‪:‬‬
‫عرفه ابن القيم بقوله‪« :‬الش��كر ظهور‬ ‫ِ ِِ‬
‫األول‪ :‬ش��كر اهلل تعالى على ن ًعمه‪ ،‬وقد َّ‬
‫أث��ر نعمة اهلل على لس��ان عبده ثن��ا ًء واعرتافًا‪ ،‬وعل��ى قلبه ش��هود ًا ومحبة‪ ،‬وعلى‬
‫جوارحه انقياد ًا»(‪.)2‬‬
‫ويتحقق شكر العبد لربه بما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬ش��كر القلب‪ ،‬ويكون باليقين َّ‬
‫بأن كل النع��م منه تعالى‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [النح��ل‪ ،]53 :‬وأنّا لو‬
‫أردنا إحصاء نعم اهلل علينا الظاهرة والباطنة ما اس��تطعنا إلى ذلك س��بيالً؛ كما‬
‫قال سبحانه وتعالى‪ :‬ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [إبراهيم‪.]34 :‬‬
‫‪2-2‬شكر اللسان‪ ،‬بأن يتحدَّ ث اإلنسان بنسبة النعم كلها هلل تعالى؛ كما قال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ [الضح��ى‪“ ،]١١ :‬والتحدي��ث‪ :‬اإلخبار‪ ،‬أي أخرب‬
‫بما أنعم اهلل عليك اعرتافا بفضله‪ ،‬وذلك من الشكر»(‪.)3‬‬
‫‪3-3‬ش��كر الجوارح‪ ،‬ويكون بتس��خيرها يف طاعة اهلل عز وجل ومرضاته سبحانه؛‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [سبأ‪.]13 :‬‬
‫الثاين‪ :‬شكر أصحاب الفضل الدائم؛ كالوالدين‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭶ ﭷ‬

‫((( ينظر‪ :‬كتاب احلمد يف القرآن الكرمي والسنة النبوية للدكتور عبدالرحمن الغريبي‪ ،‬ص(‪.)23-21‬‬

‫((( مدارج السالكني‪.)244/2( :‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.)403/30(:‬‬

‫‪64‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ [لقمان‪،]14 :‬‬
‫ويلحق هبم‪ :‬العلماء‪ ،‬والمع ِّلمون‪ ،‬والحكام العدول‪ ،‬وكل من له فضل يستمر مع‬
‫اإلنسان طيلة حياته‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ش��كر كل من يقدم لإلنسان خدمة‪ ،‬ولو كان هذا الشكر بالدعاء‪ ،‬قال‬
‫َجدُ وا َما ُتكَافِئُو َن ُه‪َ ،‬فا ْد ُعوا َل ُه‬
‫«و َم ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا َفكَافِئُو ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم ت ِ‬
‫النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫يعود نفس��ه ُش�� ْك َر الناس على إحساهنم‬ ‫َحتَّى ت ََر ْوا َأ َّنك ُْم َقدْ كَا َف ْأت ُُمو ُه»(‪ .)1‬والذي ال ِّ‬
‫َّاس اَل َي ْشك ُُر اهَّلل»(‪.)2‬‬ ‫إليه ال ُي َو َّف ُق لشكر اهلل تعالى‪ ،‬قال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫«م ْن اَل َي ْشك ُُر الن َ‬
‫فوائد ال�شكر‪:‬‬
‫لخ ُلق الشكر فوائد يف اآلخرة والدنيا‪ ،‬ومن تلك الفوائد ما يلي‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪1-1‬أنه ينجي من عذاب اهلل تعالى إذا اقرتن مع اإليمان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ [النساء‪.]147 :‬‬
‫‪2-2‬رض��ا اهلل عمن يحمده ويش��كره‪ ،‬قال تعال��ى‪ :‬ﮋﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ[الزمر‪،]7 :‬‬
‫أن الحمد والش��كر بمعنى واحد‪ ،‬يقول النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن اهللَ َل َي ْر َضى‬ ‫وهذا إذا اعتربنا َّ‬
‫َع ِن ا ْل َع ْب ِد َأ ْن َي ْأك َُل الأْ َ ْك َل َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها َأ ْو َي ْش َر َب َّ‬
‫الش ْر َب َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها»(‪.)3‬‬
‫‪3-3‬دوام النع��م وزيادهتا‪ ،‬قال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [إبراهيم‪.]7 :‬‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)1672‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ )1954‬وصححه‪ ،‬وصححه أيضاً األلباني‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)2734‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫موانع ال�شكر‪:‬‬
‫إن مِن أبرز ما يث ِّبط الناس عن الشكر بكل أنواعه‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪1-1‬الش��يطان‪ ،‬فهو أكرب المرتبصين باإلنس��ان؛ يصرفه عن كل خير‪ ،‬ويدعوه لكل‬
‫ش��ر‪ ،‬ويحول بينه وبين الش��كر؛ كما أخرب اهلل عز وجل عن الشيطان أنه تو َّعد‬
‫اإلن��س بصرفهم عن ش��كر رهب��م‪ ،‬فق��ال‪ :‬ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األعراف‪.]17 :‬‬
‫‪2-2‬األم��ن مكر اهلل‪ ،‬فرتى كثير ًا من ضعاف اإليمان ينظر إلى الكفرة والطغاة وهم‬
‫يرفل��ون يف النعم مع ما ه��م عليه من الكفر والطغيان‪ ،‬فيأمن على نفس��ه؛ ألنه‬
‫يرى أنه أحس��ن حا ً‬
‫ال منهم‪ ،‬واهلل يق��ول‪ :‬ﮋ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [األعراف‪.]99 :‬‬
‫‪3-3‬االغرتار بكثرة النعم‪ ،‬إذ يتق َّلب اإلنسان يف نعم كثيرة‪ ،‬ولم يذق لوعة الحرمان‬
‫منها س��اعة‪ ،‬فيظن أهنا لن تزول‪ ،‬فينس��ى شكر ربه‪ ،‬وقد يكون كفراهنا سببًا يف‬
‫زواله��ا‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [إبراهيم‪.]7 :‬‬
‫‪4-4‬الك�بر والغرور ولؤم الطبع‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن بعض الناس ال يرى ألحد من الخلق فضالً‬
‫علي��ه مهما فعلوا‪ ،‬فيأخذ منهم وال يعطيهم‪ ،‬وينتف��ع هبم وال ينفع أحد ًا منهم‪،‬‬
‫وما ذاك إال لخبث النفوس‪ ،‬ودناءة األخالق‪ ،‬ولؤم الطباع‪.‬‬
‫‪5-5‬النظر لمن هو فوقه يف النعم‪ ،‬فيحتقر ما عنده فال يشكرها‪ ،‬وقد جاء النهي عن‬
‫المطهرة؛ فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ْن ُظ ُروا‬ ‫َّ‬ ‫الس��نّة‬ ‫ذلك يف ُّ‬
‫ُ��م‪َ ،‬ف ُه َو َأ ْجدَ ُر َأ ْن اَل َت ْز َد ُروا‬ ‫ِ‬
‫إِ َلى َم ْن َأ ْس�� َف َل منْك ُْم‪َ ،‬و اَل َتنْ ُظ ُروا إِ َلى َم ْن ُه َو َف ْو َقك ْ‬
‫نِ ْع َم َة اهلل ِ َع َل ْيك ُْم»(‪.)1‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2963‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الوحدة الرابعة‪ :‬أصول مساوئ األخالق‬

‫•الجهل‪.‬‬
‫• الظلم‪.‬‬
‫•الشهوة‪.‬‬
‫•الغضب‪.‬‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫يتعرف الطالب على أصول األخالق السيئة‪.‬‬
‫‪1 -1‬أن ّ‬
‫‪2 -2‬أن يوضح الطالب أثر أصول مساوئ األخالق على بقية األخالق‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن يعدد الطالب أسباب تخ ّلق بعض الناس بأصول مساوئ األخالق‪.‬‬
‫‪4 -4‬أن يبين الطالب طرق التخلص من أصول األخالق السيئة‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تعداد أصول األخالق السيئة‪.‬‬
‫‪2 -2‬توضيح أثر أصول مساوئ األخالق على بقية األخالق‪.‬‬
‫‪3 -3‬ذكر أسباب تخ ُّلق بعض الناس بأصول مساوئ األخالق‪.‬‬
‫‪4 -4‬تبيين طرق التخ ُّلص مِن أصول األخالق السيئة‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أن لِم ِ‬
‫ال تقوم عليها‪ ،‬فكذلك مس��اوئ‬ ‫حاس��ن األخ�لاق أصو ً‬ ‫تبين فيما س��بق ّ َ‬
‫األخ�لاق لها أصول تؤ ِّثر فيها‪ ،‬وكل َذن ٍ‬
‫ْب يقرتفه اإلنس��ان‪ -‬كبير ًا كان أو صغير ًا‪-‬‬
‫ّ‬
‫فإن له أصو ً‬
‫ال من األخالق السيئة‪.‬‬
‫فمتى ا ّتصف اإلنس��ان بواحدة من أصول األخالق السيئة فإنه سيكون ُع ْر َض ًة‬
‫للتخلق ببقية األخالق المذمومة‪ ،‬وفيما يلي ٌ‬
‫بيان ألصول مساوئ األخالق‪.‬‬
‫�أ�صول م�ساوئ الأخالق‪:‬‬
‫ذك��ر ابن القيم‪-‬رحمه اهلل‪َّ -‬‬
‫أن األخالق المذمومة منش��ؤها من أربعة أخالق‬
‫ُ‬
‫«ومنش��أ جميع األخالق الس��افلة‪،‬‬ ‫ال لمس��اوئ األخالق؛ حيث قال‪:‬‬‫تعت�بر أصو ً‬
‫وبِ ُ‬
‫ناؤه��ا على أربعة أركان‪ :‬الجهل‪ ،‬والظلم‪ ،‬والش��هوة‪ ،‬والغضب»(‪ ،)1‬وفيما يلي‬
‫ٌ‬
‫حديث ‪-‬بشيء من التفصيل‪ -‬عن هذه األخالق‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬الجهل‬

‫الجهل يف اللغة‪ :‬خالف العلم(‪.)2‬‬


‫واصطالحًا هو‪ :‬اعتقاد الشيء خالف ما هو عليه(‪.)3‬‬
‫ُ��و القيامة‪ ،‬قال‬ ‫ويعترب ظهور الجهل وانتش��اره من عالمات قرب الس��اعة َو ُدن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس��ا َعة َأ َّي ًاما‪ُ ،‬ي ْر َف ُع ف َيها الع ْل ُم‪َ ،‬و َين ِْز ُل ف َيها َ‬
‫الج ْه ُل‪َ ،‬و َي ْك ُث ُر‬ ‫النبي ﷺ ‪« :‬إِ َّن َب ْي َن َيدَ ِي َّ‬

‫((( مدارج السالكني‪.)295/2(:‬‬

‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)489/1(:‬‬

‫((( التعريفات‪ ،‬للجرجاني‪ ،‬ص(‪.)80‬‬

‫‪69‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اله ْر ُج‪ :‬ال َقت ُْل(‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫اله ْرج»‪َ ،‬و َ‬
‫ف َيها َ‬
‫ِ‬
‫ولق��د ح َّث��ت أد َّلة الش��ريعة اإلس�لامية عل��ى تع ُّلم العل��م وتعليم��ه‪َ ،‬‬
‫ور َف َعت‬
‫منزل��ة العلماء‪ .‬ق��ال اهلل تعال��ى‪ :‬ﮋ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﮊ‬
‫الج َه َل��ة فقال‪ :‬ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫وفضل اهلل العلماء على َ‬
‫[المجادل��ة‪َّ ،]11 :‬‬
‫ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ [الزم��ر‪ ،]9 :‬وب ّي��ن النب��ي ﷺ عظم المصيبة‬
‫ِ‬
‫الج َّهال؛ فقال‬ ‫بم��وت العلماء وس��ؤال الناس بعد ذلك لم��ن ال ع ْل َم عندهم م��ن ُ‬
‫��اد‪ ،‬و َلكِن ي ْقبِ ُض ِ‬ ‫العب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ الَ َي ْقبِ ُ‬
‫الع ْل َم بِ َق ْب ِ‬
‫ض‬ ‫َ ْ َ‬ ‫��ض الع ْل َم انْتزَا ًعا َينْت َِز ُع ُه م َن َ‬
‫وسا ُج َّه اًال‪َ ،‬ف ُسئِ ُلوا َف َأ ْفت َْوا بِ َغ ْيرِ ِع ْلمٍ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُع َل َماء‪َ ،‬حتَّى إِ َذا َل ْم ُي ْب ِق َعال ًما اتَّخَ َذ الن ُ‬
‫َّاس ُرؤُ ً‬
‫َف َض ُّلوا َو َأ َض ُّلوا»(‪.)2‬‬
‫�أق�سام اجلهل‪:‬‬
‫ينق�سم اجلهل �إىل ق�سمني؛ هما‪:‬‬
‫‪1-1‬الجهل البس��يط‪ ،‬وهو ع��دم العلم بالش��يء أصالً‪ ،‬أو نقص علم��ه عن إدراكه‬
‫كامالً‪ ،‬وهذا يزول بالتع ُّلم‪ ،‬وصاحبه –يف العادة‪ -‬يقبل العلم وال يعانده‪.‬‬
‫‪2-2‬الجهل المركَّب‪ ،‬وهو االعتقاد الجازم بخالف الواقع‪ ،‬فيكون صاحبه مخالفًا‬
‫لمعرفة الشيء‪ ،‬ومعتقد ًا َّ‬
‫أن ما يعلمه هو الحق‪ ،‬وهذا القسم ال يقبل العلم‪ ،‬وال‬
‫يتق َّبل التعليم يف الغالب!‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)6654‬‬

‫((( رواه البخ���اري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)100‬ومس���لم يف صحيحه‪ ،‬برق���م(‪ ،)2673‬عن عبداهلل بن عمرو‬
‫‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أبرز �أمارات اجلهل‪:‬‬


‫خل ُلق اجلهل عالمات تدل على �صاحبه‪ ،‬ومن تلك العالمات ما يلي‪:‬‬
‫ُ‬
‫فإن َمن َعلِ َم شيئًا مِن العلم النافع ينبغي له امتثاله وتطبيقه‬ ‫‪1-1‬ترك العمل ِ‬
‫بالع ْلم‪َّ ،‬‬ ‫ََ‬
‫وح ْمقًا‪ ،‬إذ كيف يع��رف الصواب‬ ‫يف حيات��ه‪ ،‬ف��إن لم يفع��ل كان ذلك َس�� َفهًا ُ‬
‫ويس��تمر يف فعل الخطأ‪ .‬قال ابن مس��عود ‪“ :‬تع َّلموا‪ ،‬تع َّلم��وا‪ ،‬فإذا َعلِمتُم‬
‫فاعملوا»(‪.)1‬‬
‫فإن الذي يستشهد بالدليل‬ ‫‪2-2‬االستدالل بالنصوص الش��رعية يف غير مواضعها‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حرم اهلل بأدلة يف غير‬ ‫بغير علم‪َ ،‬يض ُّل يف َن ْفس��ه و ُيض ُّل الناس‪ ،‬وقد يس��تح ُّل ما َّ‬
‫ان َق ْو ٌم‪ُ ،‬حدَ َثا ُء األَ ْسن ِ‬
‫َان‪،‬‬ ‫آخرِ الز ََّم ِ‬‫موضعها‪ ،‬كما قال عنهم النبي ﷺ‪« :‬ي ْأتِي فِي ِ‬
‫َ‬
‫ون ِم َن ِ‬
‫اإل ْس�لاَ ِم ك ََما َي ْم ُر ُق‬ ‫ون ِم ْن َخ ْيرِ َق ْو ِل ال َبرِ َّي ِة‪َ ،‬ي ْم ُر ُق َ‬
‫ُس�� َف َها ُء األَ ْحالَمِ‪َ ،‬ي ُقو ُل َ‬
‫الر ِم َّية»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الس ْه ُم م َن َّ‬ ‫َّ‬
‫‪3-3‬النزاع يف العلوم والمسائل قبل استكمال العلم‪ ،‬فيظن الجاهل أنه إذا َع َرف من‬
‫طر َف ُه يس��تطيع أن يناقش ويرد على العلماء‪ ،‬فيكون بذلك وقع يف جهل‬ ‫العلم َ‬
‫عظي��م‪ ،‬خاصة إذا كان ذلك يف العلوم الدينية‪ ،‬يق��ول النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن َل ْم‬
‫َين ِْز ْل ُيك َِّذ ُب َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا‪َ ،‬ب ْل ُي َصدِّ ُق َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا‪َ ،‬ف َما َع َر ْفت ُْم ِمنْ ُه‪َ ،‬فا ْع َم ُلوا بِ ِه‪،‬‬
‫َو َما َج ِه ْلت ُْم ِمنْ ُه‪َ ،‬ف ُر ُّدو ُه إِ َلى َعالِ ِم ِه»(‪.)3‬‬
‫‪4-4‬االنصراف الك ِّلي للعلوم الدنيوية وترك علوم الشريعة؛ كما قال اهلل تعالى عن‬
‫المشركين‪ :‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﮊ [الروم‪،]٧ :‬‬

‫((( رواه الدارمي يف السنن‪ ،‬برقم (‪.)366‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)3611‬‬

‫((( رواه أحمد يف املسند برقم(‪ ، ،)6702‬وصحح إسناده محققو املسند‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ومن العلوم الش��رعية ما ال يس��ع المسلم جهلة؛ كأصول الدين وأحكام بعض‬
‫لتصح بذلك عقيدته وعبادته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫العبادات‪ ،‬فينبغي له الحرص على تع ُّلمه؛‬
‫‪5-5‬تجزئة الشريعة‪ ،‬وذلك باإليمان ببعضها والعمل به دون البعض اآلخر‪ ،‬وهذا‬
‫الجه��ل ليس له َحدٌّ ‪ ،‬فم��ن َير ُّد بعض نصوص الش��ريعة بدعوى أهنا ال تصلح‬
‫النبي‬ ‫َّ‬
‫لهذا الزمان أو يطالب باالكتفاء بالقرآن وترك الس��نة؛ كالذين حذر منهم ُّ‬
‫ي��ه الأْ َ ْم ُر ِم َّما َأ َم ْر ُت بِ ِه‪َ ،‬أ ْو‬
‫«ل ُأ ْل ِفين َأحدَ كُم متَّكِئًا ع َلى َأ ِريكَتِ ِه‪ ،‬ي ْأتِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﷺ بقول��ه‪ :‬اَ َ َّ َ ْ ُ‬
‫َاب اهَّلل ِ ا َّت َب ْعنَا ُه»(‪.)1‬‬
‫ول‪ :‬اَل َأ ْد ِري‪َ ،‬ما َو َجدْ نَا فِي كِت ِ‬ ‫ت َع ْن ُه‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ن ََه ْي ُ‬
‫�أ�سباب اجلهل‪:‬‬
‫للجهل أسباب يمكن إرجاعها إلى نوعين‪:‬‬
‫النوع الأول‪� :‬أ�سباب ذاتية‪ ،‬ومن هذه الأ�سباب ما يلي‪:‬‬
‫ب الرئاس��ة والتص��دُّ ر‪ ،‬وهذا من أكرب أس��باب الجه��ل التي تجعل‬ ‫ِ‬
‫وح ُّ‬
‫��ر ُ‬
‫‪1-1‬الك ْب ُ‬
‫فيتمسك‬
‫َّ‬ ‫صاحبها ال يقبل أن يكون مخطئًا حتى ال تسقط مكانته وتتأثر منزلته‪،‬‬
‫برأيه وإن كان غير صحيح‪.‬‬
‫‪2-2‬الكس��ل وتثاقل طلب العل��م‪ ،‬والعلم ال ُينال بالراحة والنعي��م‪ ،‬فالعلم يحتاج‬
‫إلى َج َلد‪ ،‬وذلك ببذل الجهد يف طلبه‪ ،‬وال يتوصل إليه إال الصابرون األفذاذ‪،‬‬
‫عرض عن العلم بسبب المشقة وطول الوقت الذي يستغرقه‬ ‫وكثير من الناس ُي ِ‬
‫تحصيل العلم‪.‬‬
‫‪3-3‬ع��دم تقدي��ر العلم والعلم��اء‪ ،‬وهذا ال يكون ع��ادة إال مم��ن كان َج ْه ُل ُه جهالً‬
‫همه االنتصار‬ ‫مركب��ًا‪ ،‬فال يتب��ع الدليل الصحيح‪ ،‬وال يقدِّ ر آراء العلم��اء؛ َّ‬
‫ألن َّ‬

‫((( رواه اب���ن ماج���ه يف س���ننه‪ ،‬برق���م(‪ ،)13‬والترم���ذي يف س���ننه‪ ،‬برق���م(‪ ،)2663‬وأب���و داود يف س���ننه‪،‬‬
‫برقم(‪ ،)4605‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫لذاته ورأيه‪.‬‬
‫أن الخجل يمنع صاحبه من السؤال‬ ‫‪4-4‬الخجل‪ ،‬وهو من أس��باب الجهل‪ ،‬وذلك َّ‬
‫عما ُيشكِ ُل عليه يف دينه ودنياه‪ ،‬فيبقى يف جهله‪ ،‬فال تعلم علمًا صحيحًا‪ ،‬وال‬
‫َّ‬
‫طبق شرعًا أكيد ًا‪.‬‬
‫النوع الثاين‪� :‬أ�سباب خارجية‪ ،‬ومن تلك الأ�سباب ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬كيد أعداء اإلسالم؛ فإنه َل ّما َعلِ َم أعدا ُء اإلسالم َّ‬
‫أن قوة اإلسالم تكمن يف العلم‬
‫وهونوا‬
‫والعلماء‪ ،‬قاموا بالتالعب يف مناهج التعليم يف كثير من بالد المسلمين‪َّ ،‬‬
‫من شأن تع ُّلم القرآن الكريم والسنة النبوية والتاريخ اإلسالمي الصحيح‪ ،‬كما‬
‫قاموا التش��كيك يف شريعة المس��لمين وحضارهتم وإثارة الشبهات حول ذلك‬
‫كله‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إحداث يف دي��ن اهلل‪ ،‬وإهمال‬ ‫‪2-2‬جه��ود أهل الب��دع يف تجهي��ل األ ْتباع‪ ،‬فالبدع��ة‬
‫للسنن وإحالل البدع‪ ،‬ونشر للخرافة والجهل‪.‬‬
‫‪3-3‬النظري��ات الفكري��ة الضال��ة‪ ،‬فقد أب��رز التق��دم العلمي الذي ظه��ر يف الغرب‬
‫نظريات تخالف الدين وال تؤمن بالغيب‪ ،‬كالداروينية‪ ،‬والوجودية‪ ،‬وغيرهما‬
‫من النظريات التي تناقض ما يقرره اإلس�لام بش��أن بداية الخلق‪ ،‬والغاية منه‪،‬‬
‫فار َت َك َس يف ضالالت الجهل والغواية‪.‬‬
‫وتأ َّثر هبا البعض ْ‬

‫‪73‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫األصل الثاني‪ :‬الظلم‬

‫الضي��اء والنُّور‪ ،‬وه��و ال ُّظلمة‪،‬‬


‫الظل��م يف اللغ��ة ل��ه معني��ان؛ أولهما‪ :‬خ�لاف ِّ‬
‫واآلخر‪ :‬وضع ّ‬
‫الشيء غير موضعه تعدِّ يا(‪.)1‬‬
‫الحق(‪.)2‬‬
‫حق‪ ،‬أو مجاوزة ِّ‬
‫حق الغير بغير ٍّ‬
‫َّصرف يف ِّ‬
‫واصطالحا‪ :‬هو الت ُّ‬
‫ونزه ذاته ‪-‬تب��ارك وتعالى‪-‬‬
‫حرم اهلل تعال��ى الظلم بجميع ص��وره‪َّ ،‬‬
‫ولق��د َّ‬
‫ع��ن الظلم؛ فقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [آل عم��رن‪ ،]108 :‬وقال‬
‫س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﮊ [يون��س‪:‬‬
‫‪ ،]44‬ويف الحدي��ث الصحيح ع��ن َأبِي َذر ‪ ،‬ع ِن النَّبِ��ي ﷺ‪ ،‬فِيما روى ع ِن اهللِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ ْ‬
‫ت ال ُّظ ْل َم َع َلى َن ْف ِس��ي‪َ ،‬و َج َع ْل ُت ُه َب ْينَك ُْم‬ ‫َتب��ار َك و َتعا َلى َأ َّنه َق َال‪« :‬يا ِعب ِ‬
‫��ادي إِنِّي َح َّر ْم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫أن عاقبة الظلم وخيمة يوم القيامة بقوله‬ ‫ُم َح َّر ًم��ا‪َ ،‬فلاَ َت َظا َل ُموا»(‪ ،)3‬وب َّي��ن النبي ﷺ َّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫��م‪َ ،‬ف��إِ َّن ال ُّظ ْل َم ُظ ُل َم ٌ‬
‫ح��ذر النبي ﷺ من‬ ‫��و َم ا ْلق َي َامة» ‪ ،‬كما َّ‬ ‫ات َي ْ‬ ‫ﷺ‪« :‬ا َّت ُق��وا ال ُّظ ْل َ‬
‫(‪)4‬‬

‫��ل بالظالم حت��ى وإن طال به األمد‪ ،‬فف��ي الصحيح عن‬ ‫العقوب��ة األكي��دة التي َت ُح ُّ‬
‫أبي موس��ى ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َل ُي ْم ِلي لِل َّظالِ ِم َحتَّى إِ َذا َأ َخ َذ ُه َل ْم‬
‫ُي ْف ِل ْت ُه»‪ ،‬ث��م قرأ ﷺ‪ :‬ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ‬
‫[هود‪.)5( ]102 :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪.)468/3(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬دليل الفاحلني‪ ،)514/1(:‬وجامع العلوم واحلكم‪ ،‬ص(‪.)211‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2577‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2578‬عن جابر بن عبداهلل ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)4409‬‬

‫‪74‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أق�سام الظلم‪:‬‬
‫ينقسم الظلم إلى قسمين رئيسين‪ ،‬وهما كما يلي‪:‬‬
‫الأول‪ :‬ظلم الإن�سان لنف�سه‪ ،‬ومن �أبرز �أنواعه ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬الكفر والش��رك‪ ،‬وهو أعظم أنواع ظلم اإلنسان لنفسه؛ كما قال تعالى ﮋ‬ ‫‪-1‬‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ‬
‫[لقمان‪.]13 :‬‬
‫‪2 -2‬الك��ذب عل��ى اهلل‪ ،‬وهو أن يفرتي كالمًا من عند نفس��ه وينس��به إلى اهلل‬
‫‪ ،‬ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮊ [األنعام‪.]21 :‬‬
‫حرم اهلل فقد‬ ‫أح��ل اهلل‪ ،‬أو َّ‬
‫أحل ما َّ‬ ‫حرم ما َّ‬
‫‪3 -3‬التع��دي على حدود اهلل‪ ،‬فمن َّ‬
‫ارتك��ب ظلمًا عظيمًا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ‬
‫[البقرة‪.]229 :‬‬
‫فمن َكت ََم الح��ق أو غ َّير فيه وأظهر ِض��دَّ ُه‪ ،‬فهو ظالم‪ ،‬قال‬ ‫‪َ 4 -4‬كت ُ‬
‫ْ��م الش��هادة‪َ ،‬‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ [البقرة‪.]140 :‬‬
‫الث ��اين‪ :‬ظلم الإن�س ��ان لغريه من النا�س‪ ،‬وقد تو َّع ��د اهلل َمن َظلَ َم النا�س‬
‫بالع ��ذاب الألي ��م‪ ،‬فق ��ال تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [الش��ورى‪ .]42 :‬وم��ن أبرز أنواع ظلم اإلنس��ان‬
‫لغيره ما يلي‪:‬‬
‫حرم قتل النفوس إال بحق‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬ ‫‪1 -1‬قتل النفس بغير حق‪َّ ،‬‬
‫فإن اهلل تعالى َّ‬
‫ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ [اإلس��راء‪ ،]33 :‬وق��ال‬

‫‪75‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫��ول اهللِ‪،‬‬ ‫��هدُ َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ َو َأنِّي َر ُس ُ‬ ‫��لمٍ‪َ ،‬ي ْش َ‬ ‫ح ُّل دم امرِ ٍئ مس ِ‬
‫َُ ْ ُ ْ‬
‫ﷺ‪« :‬لاَ ي ِ‬
‫َ‬
‫ار ُق‬‫َّار ُك لِ ِدين ِ ِه ا ْل ُم َف ِ‬
‫س‪َ ،‬والت ِ‬ ‫ب الزَّانِي‪َ ،‬والنَّ ْف ُس بِالنَّ ْف ِ‬ ‫ٍ‬
‫إِ اَّل بِإِ ْحدَ ى َثلاَ ث‪ :‬ال َّث ِّي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهدً ا‬‫«م ْن َقت ََل ُم َع َ‬ ‫عاهد‪َ :-‬‬ ‫ل ْل َج َما َعة»(‪ )1‬وقال ﷺ أيضًا ‪-‬يف حق الكافر ا ْل ُم َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َع ًاما»(‪)2‬؛ بل جاء‬ ‫ُوجدُ م ْن َمس َيرة َأ ْر َبع َ‬ ‫يح َها ت َ‬ ‫الجنَّة‪َ ،‬وإِ َّن ِر َ‬ ‫َل ْم َيرِ ْح َرائ َح َة َ‬
‫ت‬ ‫الوعيد لِمن قتل الحيوان عمد ًا بغير س��بب أو حاجة؛ فقال ﷺ‪ُ « :‬ع ِّذب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ِه َي َأ ْط َع َمت َْها‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫��جنَت َْها َحتَّى َما َت ْت‪َ ،‬فدَ َخ َل ْت ف َيها الن َ‬
‫َّ��ار‪َ ،‬‬ ‫��ر َأ ٌة في ه َّرة َس َ‬ ‫ا ْم َ‬
‫ض»(‪.)3‬‬ ‫��اش األَ ْر ِ‬ ‫ال ِهي َت َر َكت َْها َت ْأك ُُل مِ ْن َخ َش ِ‬ ‫َ‬ ‫ِْ‬ ‫َ َ‬
‫َوال َس��قت َْها‪ ،‬إذ َح َب َس��ت َْها‪َ ،‬و َ‬
‫حرمه اهلل‪ ،‬س��واء‬ ‫‪2 -2‬أخ��ذ أم��وال الن��اس بغير حق‪ ،‬وه��ذا من الظل��م الذي َّ‬
‫كان ذل��ك بالس��رقة‪ ،‬أو الغ��ش‪ ،‬أو التدلي��س‪ ،‬أو التعدي عل��ى األمالك‬
‫ض ُط ِّو َق ُه ِم ْن‬ ‫«م ْن َظ َل َم ِقيدَ ِش�� ْبرٍ ِم َن األَ ْر ِ‬ ‫والحق��وق‪ ،‬فقد قال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ين»(‪.)4‬‬‫َس ْب ِع َأ َرض َ‬
‫النب��ي ﷺ‪ ،‬فعن أبي هريرة‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫ر‬ ‫الض َع َفة مِ��ن الناس‪ ،‬فقد َّ‬
‫حذ‬ ‫‪3 -3‬ظل��م َّ‬
‫ُّ‬
‫الض ِعي َف ْي ِن‪ :‬ا ْل َيتِيمِ‪،‬‬ ‫��ر ُج َح َّق َّ‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي ُأ َح ِّ‬
‫َوا ْل َم ْر َأة»(‪.)5‬وقدقالتعالىيفشأنحقاليتيم‪:‬ﮋﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [النس��اء‪.]10 :‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1676‬عن عبداهلل بن مسعود ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)3166‬عن عبداهلل بن عمرو ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)3482‬وبنحوه مس���لم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2242‬عن عبداهلل بن‬
‫عمر ‪.‬‬

‫((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2453‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1612‬عن عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫((( رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)3678‬وحسنه األلباني‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪4 -4‬الظلم الواقع يف األس��ر‪ ،‬وله ص��ور عديدة منها‪ :‬ظل��م األوالد لوالديهم‬
‫بالعق��وق‪ ،‬وظل��م الوالدي��ن ألوالده��م بعدم القي��ام بحقوقه��م‪ ،‬وظلم‬
‫األزواج لزوجاهتم يف النفقة والمبيت وس��وء العش��رة‪ ،‬وظلم الزوجات‬
‫��ر ِة أو عدم القيام بحقوقهم‪ ،‬وظلم البنات بعدم‬ ‫ِ‬
‫ألزواجهن بكفران الع ْش َ‬
‫تزويجه��ن‪ ،‬أو بتزويجهن بغير الكفء‪ ،‬وظلم األخ��وات بحرماهنن من‬
‫الميراث‪ ،‬وغير ذلك من صور الظلم األسري‪.‬‬
‫حكم معاونة الظامل‪:‬‬
‫لق��د أمر اهلل تعال��ى بالتعاون على الخي��ر وهنى عن التعاون على الش��ر؛ فقال‬
‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﮊ [المائ��دة‪ ،]2 :‬وم��ن أع��ان ظالمًا فقد ش��اركه يف اإلث��م والعدوان‪،‬‬
‫«م ْن‬
‫ومستحق لسخط اهلل‪ ،‬فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ط اهَّلل ِ َحتَّى َين ِْز َع»(‪.)1‬‬
‫ان ع َلى ُخصوم ٍة بِ ُظ ْلمٍ‪َ ،‬أو ي ِعين ع َلى ُظ ْلمٍ‪َ ،‬لم يز َْل فِي سخَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ُ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َأ َع َ َ‬
‫هل للظامل توبة؟‬
‫ٍ‬
‫عاص إذا ح َّقق ش��روط التوبة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯ‬ ‫ب��اب التوبة مفتوح لكل‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [المائدة‪.]39 :‬‬
‫و�شروط التوبة من الظلم �أربعة‪:‬‬
‫الكف عن الظلم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪1-1‬‬
‫‪2-2‬الندم على فعله‪.‬‬
‫‪3-3‬العزم على عدم العودة له‪.‬‬
‫‪4-4‬رد ما أخذ بالظلم‪ ،‬أو طلب العفو والمسامحة من المظلوم‪.‬‬

‫((( رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)2320‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫األصل الثالث‪ :‬الشهوة‬

‫الشهوة لغة‪ :‬مصدر َش َها‪ ،‬وهي‪ُ :‬ح ُّ‬


‫ب الشيء والرغبة فيه(‪.)1‬‬
‫واصطالحًا‪ :‬هي نزوع النفس إلى محبوب ال تتمالك عنه(‪.)2‬‬
‫ٌ‬
‫وانش��غال ع��ن اآلخرة‪ ،‬وهي‬ ‫َّ‬
‫بمل��ذات الدنيا‪،‬‬ ‫والش��هوات يك��ون فيه��ا تع ُّل ٌق‬
‫الطريق إلى ارتكاب كل الخطايا‪ ،‬ففاحش��ة الزنى تبدأ بش��هوة الجس��د‪ ،‬والس��رقة‬
‫تبدأ بشهوة حب المال‪ ،‬والقتل يبدأ بشهوة االنتقام‪ ،‬وهكذا بقية الذنوب؛ ولذلك‬
‫ينبغي لإلنس��ان أن يكبح ش��هواته ويتغلب عليها‪ ،‬حينها َس َي ْس�� َل ُم –بعون اهلل‪ -‬من‬
‫الوقوع يف كثير من المعاصي واألَخالق الرذيلة‪.‬‬
‫إن وا َق َعت َْها‬
‫وينبغي لإلنسان أن يمنع نفسه من الوقوع تحت تأثير شهوته؛ ألهنا ْ‬
‫س��يصعب انفطامها‪ ،‬ولن يس��تطيع على ذلك إال من اس��تعان باهلل على الخلوص‬
‫منها‪.‬‬
‫تتدرج بصاحبها إذا استسلم لها‪ ،‬فتبدأ بالتفكير فيها ثم التعلق هبا‪ ،‬ثم‬
‫والشهوة َّ‬
‫االنقياد لها‪ ،‬ثم التنفيذ‪ ،‬ثم التكرار‪ ،‬حينها يصبح اإلنس��ان عبد ًا لش��هوته‪ ،‬ال يقدر‬
‫على التخلص منها!‪.‬‬
‫وقد يظن البعض أن التخلص من التفكير يف الش��هوة هو أن يس��تمتع هبا حتى‬
‫يس�تريح من طلب النفس لها‪ ،‬وهذا خداع للنف��س؛ َّ‬
‫ألن من طاوع رغبات النفس‬
‫وشهواهتا طالبته بالزيادة وأ َم َر ْته بالسوء‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.)445/14(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬للمناوي‪.)209/1(:‬‬

‫‪78‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أبرز �أنواع ال�شهوات‪:‬‬


‫�إ َّن ال�شهوات التي ُر ِّكب منها الإن�سان �أنواع‪ ،‬ومن �أبرزها‪:‬‬
‫‪1-1‬ش��هوة تعظيم الذات‪ ،‬وهي أقوى الشهوات تأثير ًا على سلوك اإلنسان‪ ،‬حيث‬
‫تدفعه إلى ممارس��ة س��لوكيات غير أخالقي��ة؛ كاإلعجاب بالنف��س‪ ،‬واحتقار‬
‫اآلخرين‪ ،‬والتكرب على الناس والتعالي عليهم‪.‬‬
‫من‬ ‫‪2-2‬ش��هوة التمل��ك وجمع الم��ال‪ ،‬وهي س��بب الخطيئ��ة التي أخرج��ت آدم‬
‫الجنة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﮤﮊ [ط��ه‪ ،]120 :‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ [الفجر‪،]20 :‬‬


‫فح��ب المال فط��رة؛ ولكن ينبغي ضبطه��ا بضابطين‪ِ :‬ص َّحة مصدره‪ ،‬ومش��روعية‬
‫س��بيل صرفه‪ ،‬وهما جواب السؤال عنه يوم القيامة‪ :‬مِن أين اكتسبه‪َ ،‬وفِ ْي َم أنفقه؟‪،‬‬
‫ومع ذلك يجب الحذر من الغفلة عن اهلل واالنشغال بالمال عن عبادته‪.‬‬
‫‪3-3‬ش��هوة ال َف ْرج‪ ،‬وهي غريزة يف الرجال والنس��اء‪ ،‬ومن ِح َك ِم َها‪ :‬استمرار النسل‬
‫البشري إلى قيام الساعة‪ ،‬وقد شرع الحق سبحانه الطريقة الصحيحة لقضائها‬
‫وحذر من الحياد ع��ن ذلك؛ ألن من حاد س��يصبح عبد ًا‬
‫بالن��كاح الصحي��ح‪َّ ،‬‬
‫لش��هوته‪ ،‬متعدِّ يًا حدود ر ِّبه الذي قال ُم َب ِّينًا بعض صفات المؤمنين‪ :‬ﮋ ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [المؤمنون‪.]٧ – ٥ :‬‬
‫وينبغ��ي أن ُيعل��م ّ‬
‫أن الش��رع الحني��ف ال يطل��ب م��ن اإلنس��ان ترك ش��هواته‬
‫واالنخ�لاع م��ن ذاته بالك ِّلية‪ ،‬فه��ذا أمر ال يمكن نيل��ه وال الصرب علي��ه‪ ،‬إنَّما يريد‬
‫هتذيب الشهوات‪ ،‬وال يكون ذلك إال بطاعة اهلل فيها‪ ،‬بامتثال ما شرع والكف عما‬
‫هنى عنه وزجر‪ ،‬والصرب على مكابدهتا احتسابًا لألجر عند اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫و�سائل الوقاية من ال�شهوة‪:‬‬


‫يمكن لإلنس��ان وقاية نفس��ه من الوقوع يف الش��هوات المحرمة أو االنش��غال‬
‫بالمباح منها عن اآلخرة بأمور؛ منها‪:‬‬
‫فإن استحضار القلب لمراقبة اهلل ‪ ‬لعباده يجعل‬ ‫‪1-1‬استحضار مراقبة اهلل تعالى؛ َّ‬
‫العبد خائفًا من ربه أن يراه يف ٍ‬
‫حال ال يرضيه‪ ،‬راجيًا لثوابه حينما يمنع نفس��ه‬
‫عن مواقعة الحرام‪ ،‬ويفتح قلبه إلى حب اهلل تعالى وعبادته‪ ،‬تقربًا إليه(‪.)1‬‬
‫‪2-2‬مجاه��دة ش��هوات النفس‪ ،‬وذل��ك بتهذيبه��ا واالبتعاد عن مواطن الش��هوات‬
‫المحرمة وكل ما يدعو إلى إثارهتا والوقوع فيها؛ قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ [العنكب��وت‪ ،]69 :‬فم��ن‬
‫جاهد نفسه نال هداية اهلل‪ ،‬وكان اهلل ُم ِعينًا له على تحقيق مبتغاه من الخير‪.‬‬
‫‪3-3‬النظ��ر إل��ى عواقب إط�لاق النفس يف ش��هواهتا‪ ،‬وذل��ك بأن يضع نفس��ه أمام‬
‫خيارين‪ :‬إ َّما الوقوع يف الشهوة المحرمة فيكون ذليالً هبا‪ ،‬أو مدافعتها واالبتعاد‬
‫عنها فينال بذلك كرامة الدنيا وأجر اآلخرة‪.‬‬
‫‪4-4‬إش��غال النفس بالنافع المفيد‪ ،‬فالنفس إن ُأ ْه ِم َل ْت تما َد ْت يف طلب الشهوات‪،‬‬
‫فالبد من إشغالها فيما يعود بالنفع عليها يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫ب الرضاع وإن َت ْفطِ ْم�� ُه َينْ َفطِ ِم(‪.)2‬‬ ‫والنف��س كالطفل ْ ِ‬
‫إن ُت ْهم ْل ُه َش َّ‬
‫��ب على *** ُح ِّ‬
‫‪5-5‬التفك��ر فيما أع��دَّ ه اهلل يف اآلخرة لمن ضبط هواه وش��هواته‪ ،‬وذلك بأن يجعل‬
‫((( ألج���ل ه���ذا يجب أن يعتني املس���لمون بتربي���ة النشء على مبدأ تعظيم احل�ل�ال واحلرام‪ ،‬وليس على‬
‫مراعاة العيب؛ ألن من تربى على العيب سيخشى الناس وال يخشى اهلل‪ ،‬ومن تربى على تعظيم احلالل‬
‫واحل���رام‪ ،‬خ���اف اهلل قب���ل أن يخاف من الناس‪ ،‬فيكون ذلك رادعاً له عن كل ش���هوة محرمة‪ ،‬وهذا ما‬
‫يُسمى يف الدراسات احلديثة بالرقابة الذاتية‪.‬‬

‫((( البيت للبوصيري‪ ،‬وهو ضمن قصيدته املشهورة (البُردة)‪ ،‬ينظر‪ :‬البردة شرحا وإعرابا وبالغة‪ ،‬ص(‪.)35‬‬

‫‪80‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫كثي��ر ال ينفد‪ ،‬ويعلم َّ‬


‫أن‬ ‫أن نعي��م الدنيا قليل زائل‪َّ ،‬‬
‫وأن ما عند اهلل ٌ‬ ‫نص��ب عينه َّ‬
‫عذاب اهلل شديد لمن خالف أمره وا َّتبع هواه‪ ،‬وليس بعاق ٍل من باع نعيم الجنة‬
‫بش��هوة س��اعة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [النح��ل‪:‬‬
‫‪.]97-96‬‬

‫‪81‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫األصل الرابع‪ :‬الغضب‬


‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫الغضب لغة‪ :‬يدل على ش��دَّ ة َو ُق َّوة‪ .‬يق��ال‪ :‬إِ َّن ال َغ ْض َبة‪ :‬الصخرة ُّ‬
‫الصلبة‪ .‬ومنه‬
‫الس ْخط(‪.)1‬‬
‫اشت َُّق الغضب؛ ألنه اشتداد ُّ‬
‫وا�صطالحاً‪ :‬هو ثوران دم القلب لق�صد االنتقام(‪.)2‬‬
‫ومن هذا التعريف نجد َّ‬
‫أن الغضب عبارة عن تغير حالة مزاجية دافعة لالنتقام‪،‬‬
‫وغالبًا ما تكون عاقبتها وخيمة‪.‬‬
‫والغض��ب من الصفات الذميمة التي هن��ى عنها النبي ﷺ؛ فعن أبي هريرة‬
‫��ر ًارا‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬‬‫ِ‬ ‫أن َر ُج�لاً ق��ال للنب��ي ﷺ‪َ :‬أ ْو ِصنِي‪ ،‬ق��ال‪َ « :‬‬
‫ال‬ ‫ب» َف َر َّد َد م َ‬
‫ال َت ْغ َض ْ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫وأن ما‬ ‫��ب»(‪ ،)3‬ويف ترديده ﷺ للنهي عن الغضب ٌ‬
‫دليل على ذ ِّم هذه الصفة‪َّ ،‬‬ ‫َت ْغ َض ْ‬
‫يعقبها ٌ‬
‫وبال على صاحبها‪.‬‬
‫�أق�سام الغ�ضب‪:‬‬
‫ينق�سم الغ�ضب �إىل ق�سمني‪:‬‬
‫األول‪ :‬الغض��ب المحمود‪ ،‬وهو أن يك��ون هلل إذا انت ُِه َكت ُح ُرما ُته‪ ،‬والغضب على‬
‫أع��داء اهلل المتج ِّبري��ن‪ ،‬وهذا الغضب أم��ارة على االيمان‪ ،‬وهن��ا ُن َب ِّي ُن َّ‬
‫أن هذا‬
‫الغضب البد أن تصحبه الحكمة‪ ،‬حتى ال تكون النتائج عكس المرجو منها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الغضب المذموم‪ ،‬وهو الغضب لغير ما ُذكِر يف القسم المحمود؛ كالغضب‬
‫انتصار ًا للنفس‪ ،‬أو عدوانًا على اآلخرين‪ ،‬وهو الذي هنى عنه النبي ﷺ وكرر‬
‫ِ‬ ‫ألن هذا الغضب ُي ْخ ِر ُج‬
‫ب»؛ َّ‬
‫صاح َبه عن العقل والرشد‪،‬‬ ‫ال َت ْغ َض ْ‬
‫ذلك بقوله‪َ « :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)428/4( :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاني‪ ،‬ص(‪.)374‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)6116‬‬

‫‪82‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ويدفعه إلى ما ال ُتحمد عقباه‪.‬‬


‫�أ�سباب الغ�ضب‪:‬‬
‫�إن للغ�ضب �أ�سباباً كثرية‪ ،‬ومن �أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬اإلعج��اب بالنفس واالغ�ترار بالذات‪ ،‬فالمغرت بنفس��ه يحتقر الناس وال يقبل‬
‫منهم شيئًا؛ بل يحرج عن طوره ويستشيط غضبًا ألدنى معارضة أو نقاش‪.‬‬
‫ألن ا ْل ُمكثِ َر من‬
‫��را ُء والج��دال‪ ،‬وهذا األمر ق��د يجر صاحبه إلى الغض��ب؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫‪2-2‬ا ْلم َ‬
‫الجدال يرى أنه على صواب‪ ،‬ويريد أن يأطِر الناس على رأيه‪ ،‬فمن لم يستجب‬
‫له غضب عليه‪ ،‬وقد هنى النبي ﷺ عن ذلك‪ ،‬وب َّي َن عاقبة من ترك ا ْل ِمراء بقوله‪:‬‬
‫َان م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت فِي َر َب ِ‬
‫«أنَا ز َِعيم بِبي ٍ‬
‫َ‬
‫ح ًّقا»(‪.)1‬‬ ‫ض ا ْل َجنَّة ل َم ْن ت ََر َك ا ْلم َرا َء َوإِ ْن ك َ ُ‬ ‫ٌ َْ‬
‫‪3-3‬كث��رة الم��زاح‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن الم��زاح يف أصله ليس مذموم��ًا إال إذا تعدى‬
‫الحدود الش��رعية‪ ،‬فالنبي ﷺ كان يمزح ويحب المزح‪ ،‬والصحابة والس��لف‬
‫ِ‬
‫الماز ُح‬ ‫الصال��ح كذل��ك‪ ،‬ولكن إن خ��رج المزاح عن مقص��وده‪ ،‬فاس��تنقص‬
‫َأ َحدَ ُهم أو س��خر منه‪ ،‬أو آ َل َمه َأ َلمًا حس��يًا أو معنويًا‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك قد يؤ ِّدي إلى‬
‫غضب الممزوح معه‪ ،‬فيقتَتِالن‪.‬‬
‫أن س��رعة غضبه واندفاعه إنما هو شجاعة وقوة وعزة‬ ‫‪4-4‬الجهل‪ ،‬فالجاهل يظ ُّن َّ‬
‫خطأ ومن ٍ‬
‫َاف لكالم النبي‬ ‫قادح يف الرجولة‪ ،‬وهذا ٌ ُ‬ ‫أن ترك الغضب ٌ‬ ‫نفس‪ ،‬ويظن َّ‬
‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ‬
‫الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْم ِل ُ‬
‫الص َر َع ِة‪ ،‬إِن ََّما َّ‬ ‫ﷺ حيث يقول‪َ « :‬ليس َّ ِ‬
‫الش��ديدُ بِ ُّ‬ ‫ْ َ‬
‫الغ ََض ِ‬
‫ب»(‪.)2‬‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)4800‬وصححه األلباني‪ ،‬ومعنى‪َ « :‬ربَض اجلنة»‪ :‬أي نواحيها وجوانبها‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬عون املعبود شرح سنن أبي داود‪.)108/13( :‬‬

‫((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6114‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2609‬‬

‫‪83‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أس��باب ال إرادي��ة‪ ،‬فهن��اك أس��باب للغضب ال إرادي��ة‪ ،‬وقد تتحكم بمش��اعر‬


‫ٌ‬ ‫‪5-5‬‬
‫اإلنس��ان وتدفع��ه للغض��ب‪ ،‬وإن كان يف األص��ل حليم��ًا‪ ،‬كأل��م الم��رض‪،‬‬
‫واإلرهاق الجس��دي أو النفس��ي‪ ،‬أو بس��بب التغيرات الهرمونية؛ كما يحدث‬
‫ب أن يراعي‬ ‫ِ‬
‫الغاض ِ‬ ‫للم��رأة أيام حيضها وحملها‪ ،‬فينبغي على َمن يتعام��ل مع‬
‫حالته النفسية‪ ،‬ويف المقابل ينبغي لمن تعرض لمثل هذه المتغيرات أن يضبط‬
‫نفسه قدر المستطاع‪.‬‬
‫�آثار الغ�ضب‪:‬‬
‫آثار سلبية على اإلنسان الغاضب نفسه وعلى غيره‪ ،‬ومن أشهر تلك‬
‫للغضب ٌ‬
‫اآلثار وأكثرها وقوعًا ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬تغير ش��كل اإلنس��ان‪َ ،‬ف َي ْح َم َّر ْ‬
‫وج ُه�� ُه‪ ،‬وتنتفخ أوداج��ه‪ ،‬ويصبح يف صورة غير‬
‫وس َكنَت ُ‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه َ‬
‫حال الغضب لرتك الغضب َ‬ ‫ُ‬
‫الغضبان َ‬ ‫صورته‪ ،‬ولو رأى‬
‫بالسب وسائر األلفاظ التي يستحي‬
‫ِّ‬ ‫‪2-2‬البذاءة والفحش يف الكالم‪ ،‬فينطلق لسانه‬
‫أن يقوله��ا يف هدوئ��ه‪ ،‬وقد يتخذ قرارات يندم عليها طوال حياته‪ ،‬كمن يقس��م‬
‫على قطيعة َر ِح ِمه‪ ،‬أو يط ِّلق زوجته‪.‬‬
‫ب‬‫‪3-3‬األفع��ال المش��ينة‪ ،‬فقد يؤ ِّدي الغض��ب بصاحبه إلى تصرفات س��يئة؛ ك ََض ْر ِ‬
‫��ق ثوبِ��ه‪ ،‬أو االعتداء بالي��د‪ ،‬أو تخريب الممتل��كات‪ ،‬وربما يصل‬ ‫َن ْف ِس ِ‬
‫��ه‪َ ،‬‬
‫وش ِّ‬
‫الغضب بصاحبه إلى القتل‪ ،‬وعندها يندم حين ال ينفع الندم‪.‬‬
‫‪4-4‬انع��كاس الحال‪ ،‬فق��د يرجع أثر الغض��ب على الغضب��ان يف صحته‪ ،‬فيصاب‬
‫ينفجر فيه ِع ْر ٌق‬
‫بمرض الضغط‪ ،‬أو السكري‪ ،‬أو َج ْل َط ٍة ُت ْق ِعدُ ُه عن الحركة‪ ،‬أو ِ‬
‫يموت من لحظته‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫عالج الغ�ضب‪:‬‬
‫إذا غضب اإلنس��ان لس��بب ما فينبغي له تذكُّر اإلرش��ادات التي تعينه بإذن اهلل‬
‫أهم تلك اإلرشادات ما يلي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫على التغ ُّلب على س ِ‬
‫ورة الغضب التي ا ْنتَا َبتْه‪ ،‬ومن ِّ‬
‫َ َ‬
‫‪1-1‬تغيير الحال‪ ،‬فإن كان الغاضب واقفًا جلس‪ ،‬وإن كان جالسًا اضطجع‪ ،‬يقول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َوإِ اَّل‬ ‫ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم َف ْل َي ْجل ْس‪َ ،‬فإِ ْن َذ َه َ‬
‫ب َعنْ ُه ا ْلغ ََض ُ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬إِ َذا َغض َ‬
‫َف ْل َي ْض َط ِ‬
‫ج ْع»(‪.)1‬‬
‫‪2-2‬االس��تعاذة باهلل من الش��يطان الرجي��م‪ ،‬ألن كل غضب وراءه ش��يطان‪ ،‬فحين‬
‫يس��تعاذ منه يذهب الغضب‪ ،‬وقد تش��اتم رجالن أم��ام النبي ﷺ‪ ،‬فاحمر وجه‬
‫ب َعنْ ُه َما َي ِ‬ ‫ِ‬
‫جدُ ‪َ ،‬ل ْو َق َال‪:‬‬ ‫أحدهما فقال النبي ﷺ‪« :‬إِنِّي لأَ َ ْع َل ُم كَل َم ًة َل ْو َقا َل َها َذ َه َ‬
‫جدُ »(‪.)2‬‬ ‫ب َعنْ ُه َما َي ِ‬‫ان‪َ ،‬ذ َه َ‬ ‫َأ ُعو ُذ بِاهَّلل ِ ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫‪3-3‬كظ��م الغي��ظ‪ ،‬وق��د ق��ال اهلل تعال��ى يف كتاب��ه‪ :‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ [آل عمران‪:‬‬
‫ب»‬
‫‪ ،]134‬وهذا ما أرش��د له النبي ﷺ َمن طلب من��ه الوصية؛ قال‪« :‬الَ َتغ َْض ْ‬
‫ِ‬
‫ب»(‪.)3‬‬ ‫َف َر َّد َد م َر ًارا‪َ ،‬ق َال‪« :‬الَ َتغ َْض ْ‬
‫‪4-4‬ضب��ط النف��س‪ ،‬وذلك ب��أن ي ُك َّفها عن مس��ببات الغضب‪ْ ،‬‬
‫فإن َش�� َع َر بالغضب‬
‫تصرف؛ حتى ال يقع منه ما‬
‫أي قرار أو ُّ‬
‫فعليه أن يحاول ضبط نفسه‪ ،‬فال يتخذ َّ‬
‫يندم عليه‪.‬‬
‫والتح ُّلم‪ ،‬وذلك بأن ُي ِّ‬
‫روض نفس��ه مرة بعد أخرى على ضبط النفس‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪5-5‬التص ُّب��ر‬

‫((( أخرجه أبو داود يف مسنده‪ ،‬برقم(‪ ،)4782‬عن أبي ذر ‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( رواه البخاري‪ ،‬برقم(‪ ،)3282‬عن ُسلَيْ َما َن بْنِ ُ‬


‫ص َر ٍد ‪.‬‬

‫((( سبق تخريجه‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫��ج َّي ٍة راس��خة‪ ،‬كما جاء عن أبي الدرداء ‪ ‬أنه قال‪:‬‬ ‫حتى يتحول ذلك إلى س ِ‬
‫َ‬
‫«إِنَّما ا ْل ِع ْلم بِال َّتع ُّل ِم‪ ،‬وا ْل ِ‬
‫ح ْل ُم بِالت ََّح ُّل ِم‪َ ،‬و َم ْن َيت ََح َّر ا ْل َخ ْي َر ُي ْع َط ُه‪َ ،‬و َم ْن َيت ََو َّق َّ‬
‫الش َّر‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ُي َو َّقه»(‪.)1‬‬

‫((( أورده ابن عبدالرب يف (جامع بيان العلم وفضله)‪.)545/1(:‬‬

‫‪86‬‬
‫الوحدة الخامسة‪:‬‬

‫نماذج من األخالق الرذيلة‬

‫•الكبر‪.‬‬
‫•البذاءة‪.‬‬
‫•الكسل‪.‬‬

‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫لخ ُلق الكِ ْبر‪.‬‬
‫‪1 -1‬أن يتعرف الطالب على اآلثار السيئة ُ‬
‫‪2 -2‬أن يعدد الطالب الوسائل المعينة على ترك البذاءة‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن يبين الطالب أقسام الكسل بحسب متع َّل ِقه‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫لخ ُلق الكِ ْبر‪.‬‬
‫‪1 -1‬تذكُّر اآلثار السيئة ُ‬
‫‪2 -2‬تعداد الوسائل المعينة على ترك البذاءة‪.‬‬
‫‪3 -3‬تبيين أقسام الكسل بحسب متع َّل ِقه‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫نماذج من األخالق الرذيلة‬

‫الك ْبر‬
‫النموذج األول‪ِ :‬‬
‫والتج ُّبر(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫يف اللغة الكِ ْبر والكربياء‪ :‬العظمة‬
‫عرفه النبي ﷺ بقوله‪« :‬ا ْلكِ ْب ُر َب َط ُر ا ْل َح ِّق‪َ ،‬و َغ ْم ُط الن ِ‬
‫َّاس»(‪.)2‬‬ ‫وشرعًا‪ :‬كما َّ‬
‫غمط الناس‪ :‬أي احتقارهم‪.‬‬ ‫ومعنى ب َطر الحق‪ :‬أي ر ُّده وإنكاره تر ُّفعًا‪ ،‬ومعنى ْ‬
‫��زة مِن صف��ات اهلل تعال��ى ال ينبغي أن يتصف هبا اإلنس��ان؛ قال‬ ‫والكِب��ر ِ‬
‫والع َّ‬ ‫ْ ُ‬
‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الجاثي��ة‪،]37 :‬‬
‫ول اهَّللُ ُس ْب َحا َن ُه‪ :‬ا ْلكِ ْبرِ َيا ُء ِر َدائِي‪،‬‬
‫«ي ُق ُ‬
‫وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫احدً ا ِمن ُْه َما َأ ْل َق ْي ُت ُه فِي النَّار»(‪.)3‬‬
‫َاري‪َ ،‬فمن نَا َزعنِي و ِ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َوا ْل َع َظ َم ُة إِز ِ‬

‫�أنواع الكرب و�أحكامها‪:‬‬


‫للكرب ثالثة أنواع‪:‬‬
‫كافر ُك ْفر ًا‬ ‫ِ‬
‫األول‪ :‬التك ُّب��ر عل��ى اهلل تعالى‪ ،‬وهو أفحش أنواع الك ْب��ر‪ ،‬وصاحبه ٌ‬
‫أكرب‪ ،‬وإن مات على ذلك فهو خالد مخلد يف نار جهنم‪ ،‬ويكون ذلك باالستنكاف‬
‫وج ْح ِد شرائعه‪ ،‬قال‬
‫واالستكبار عن عبادة اهلل تعالى والخضوع ألمره واجتناب هنيه‪َ ،‬‬
‫سبحانه‪ :‬ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ [النساء‪ ،]173 :‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬


‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ [غاف��ر‪.]60 :‬‬
‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.)129/5(:‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)147‬عن عبداهلل بن مسعود ‪.‬‬

‫((( رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)4175‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الث��اين‪ :‬التك ُّب��ر عل��ى النبي ﷺ‪ ،‬ويك��ون ذلك باالمتن��اع عن ا ِّتباع��ه وطاعته‪،‬‬
‫«أن رجالً أكل عند رس��ول اهلل ﷺ‬ ‫واألَ َن َف��ة عن امتثال ُس��نَّتِ ِه وطريقتِه‪ ،‬وق��د ثبت َّ‬
‫«ل ْاس�� َت َط ْع َ‬
‫ت»‪َ ،‬ما‬ ‫يع‪ .‬قال ﷺ‪ :‬اَ‬ ‫ِ‬
‫ك» قال‪ :‬ال َأ ْس��تَط ُ‬ ‫بش��ماله‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬ك ُْل بِ َي ِمين ِ َ‬
‫يه”(‪.)2‬‬‫منَعه إِلاَّ ا ْلكِبر‪َ ،‬ق َال(‪َ :)1‬فما ر َفعها إِ َلى فِ ِ‬
‫َ َ ََ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َُ‬
‫قال النووي‪“ :‬ويف هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي‬
‫بال عذر‪ ،‬وفيه األمر بالمعروف والنهي عن النكر يف كل حال حتى يف حال األكل‪،‬‬
‫آداب األَ ْك ِل إذا خالفه”(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫واستحباب تعليم اآلك ِل َ‬
‫الثالث‪ :‬التك ُّبر على العباد‪ ،‬وذلك بأن يستعظم نفسه‪ ،‬ويحتقر غيره‪ ،‬وهذا إثم‬
‫عظي��م‪ ،‬وفاعل��ه يدخل يف وعيد النبي ﷺ الذي قال في��ه‪« :‬ل َيدْ ُخ ُل ا ْل َجنَّ َة َم ْن ك َ‬
‫َان‬
‫فِي َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َذ َّر ٍة ِم ْن كِ ْبرٍ»(‪.)4‬‬
‫الك رْب‪:‬‬
‫�آثار ِ‬
‫��ز ِي يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫أن للكِبر آثار ًا س��يئة تعود على صاحبها ِ‬
‫بالخ ْ‬ ‫ال ش��ك َّ ْ‬
‫ومن تك اآلثار‪:‬‬
‫‪1-1‬الكِ ْب��ر َي ُصدُّ صاحبه ع��ن قبول الحق والهدى‪ ،‬وقد تق��دم ذكر قول النبي ﷺ‪:‬‬
‫«ا ْلكِ ْب ُر َب َط ُر ا ْل َح ِّق‪َ ،‬و َغ ْم ُط الن ِ‬
‫َّاس»(‪ ،)5‬فالمتك ِّبر ال يقبل الحق وال يحرتم الخلق‪.‬‬
‫اهلل قلوب المتك ِّبرين عن االعتب��ار باآليات‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭶ ﭷ‬
‫‪2-2‬يص��رف ُ‬
‫((( أي‪ :‬راوي احلديث‪ ،‬وهو سلمة بن األكوع ‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2021‬عن سلمة بن األكوع ‪.‬‬

‫((( شرح صحيح مسلم للنووي‪.)192/13(:‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)91‬عن عبداهلل بن مسعود ‪.‬‬

‫((( سبق تخريجه قريباً‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ [األعراف‪.]146 :‬‬
‫��ض الناس واحتقارهم للمتك ِّبر‪ ،‬فالمتك ِّبر يتعالى على الناس‪ ،‬ويظن أنه ذو‬ ‫‪ُ 3-3‬ب ْغ ُ‬
‫��و ٍة عنده��م بِ َت َك ُّب ِر ِه‪ ،‬والناس ينظ��رون إليه كما ينظر إليهم‪ ،‬ث��م يوم القيامة‬ ‫َح ْظ َ‬
‫الم َت َك ِّب ُر َ‬
‫ون َي ْو َم‬ ‫«ي ْح َش ُر ُ‬
‫ْس العمل؛ يقول النبي ﷺ‪ُ :‬‬ ‫يكون الجزاء أيضًا مِن ِجن ِ‬
‫َان»(‪.)1‬‬‫الذ ُّل ِم ْن ك ُِّل َمك ٍ‬
‫اه ُم ُّ‬ ‫الذر فِي ُص َو ِر الر َج ِ‬
‫ال َيغ َْش ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ ِ‬
‫الق َي َامة َأ ْم َث َال َّ ِّ‬
‫‪ - 4‬الوعي��د بدخ��ول النار‪ ،‬ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ‬
‫ال ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َأ ْه ِل‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ [الزمر‪ .]72 :‬ويقول النبي ﷺ‪َ « :‬أ َ‬
‫َّار‪ :‬ك ُُّل ُعت ٍُّل‪ ،‬جو ٍ‬
‫اظ ُم ْس َت ْكبِ ٍر»(‪.)2‬‬ ‫الن ِ‬
‫َ َّ‬
‫‪ُ - 5‬ب ْغ ُض اهلل للمتك ِّبرين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [النحل‪]23 :‬؛‬
‫لذل��ك كان الكِ ْبر من أعظم الذنوب عند اهلل تعالى‪ ،‬وبس��ببه غضب اهلل تعالى‬
‫عل��ى إبليس لما تك َّب��ر على َأ ْم ِر اهلل حي��ن َأ َم َره ‪ ‬بالس��جود آلدم فأبى‪،‬‬
‫وكان مانِ ُع�� ُه مِن ذلك الكرب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [البقرة‪.]34 :‬‬
‫الك رْب وعالجه‪:‬‬
‫�أ�سباب ِ‬
‫عالج أيضًا‪ ،‬ويمكن‬
‫ٌ‬ ‫للكِبِر أس��باب توقع صاحبها يف هذا ُ‬
‫الخ ُلق الس�� ِّيئ‪ ،‬وله‬
‫إجمال أسباب الكِرب وعالج كل سبب فيما يلي‪:‬‬
‫وسلطانِه‪،‬‬
‫وعلو َقدْ ِره ُ‬
‫ِّ‬ ‫وقوته‬
‫‪1-1‬الجهل باهلل‪ ،‬ويكون بعدم استحضار عظمة تعالى َّ‬
‫فمن استهان باهلل نازعه يف كربيائه وعظمته‪ ،‬واستكرب عن طاعته وعبادته‪.‬‬

‫وحسنه األلباني أيضا‪.‬‬


‫َّ‬ ‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)2492‬وقال‪« :‬هذا حديث حسن»‪،‬‬

‫((( رواه البخ���اري يف صحيح���ه‪ ،‬برقم(‪ ،)4918‬ومس���لم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2853‬ع���ن َحارِ ثَ َة بْ َن َو ْه ٍب‬
‫َاع َّي ‪.‬‬ ‫ا ُ‬
‫خلز ِ‬

‫‪91‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫وع�لاج ذلك يك��ون بإعمار القلب ِ‬
‫بالع ْل ِم باهلل عز وج��ل ‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬ومعرفة‬
‫أس��مائه وصفاته‪ ،‬ودوام النظر والتأمل يف بديع صنعه ِ‬
‫وح َكم أقداره‪ ،‬قال تعالى ﮋ‬ ‫ّ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [الزمر‪.]67-65 :‬‬
‫وقوتِ��ه؛ حيث يظ ُّن َّ‬
‫أن ما هو في��ه من مال وجاه‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫‪2-2‬اغ�ترار اإلنس��ان بِماله وجاهه َّ‬
‫وق��وة إنما هي مِن ك َْس��بِه وجه��ده‪ ،‬كما فعل قارون حين أغ�تر بما عنده فقال‪:‬‬
‫اهلل تعالى يف‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ [القصص‪ ،]78 :‬فكان عقابه ما ب ّينه ُ‬
‫قول��ه‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮊ [القصص‪.]81 :‬‬
‫وعالج هذا النوع من الكرب يكون باإليمان يقينًا ّ‬
‫بأن كل نعمة ُيؤتاها اإلنس��ان‬
‫فإنم��ا هي من فض��ل اهلل تعالى وإنعامه؛ كما قال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﮊ [النح��ل‪ ،]53 :‬كما يكون بتذكر ّ‬
‫أن المال يفنى‪ ،‬والجس��م يبلى‪ ،‬والدنيا إلى‬
‫زوال‪.‬‬
‫��ب بم��ا م َّيزه اهلل به‪ ،‬فقد يعجب اإلنس��ان بما نال م��ن العلم أو الطاعة أو‬
‫‪3-3‬ال ُع ْج ُ‬
‫علو الحسب؛ فيتعالى بذلك ويتك ّبر على الناس‪.‬‬
‫المال أو جمال الصورة أو ِّ‬
‫وعالج هذا النوع من الكرب يكون بأن يوقن اإلنسان أن ما يتك َّبر به على الناس‬
‫ِ ِ‬
‫إنما هو يف األصل نعم ٌة ومنَّ ٌة من اهلل سبحانه وتعالى؛ فليس بجهده َّ‬
‫حصل اإليمان‬
‫والطاعة أو اختار الصورة والنسب‪ ،‬بل اهلل الذي منحه ذلك ليبتليه‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﮊ‬
‫وأن اهلل تعالى لو ش��اء لسلبه هذه النعمة وأوقعه يف المش ّقة؛ كما‬
‫[األنعام‪ّ ،]165 :‬‬
‫قال سبحانه‪ :‬ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [البقرة‪.]220 :‬‬

‫‪92‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج الثاني‪ :‬البذاءة‬


‫والبذاءة لغة‪ :‬خروج الشيء عن الطريقة المحمودة(‪.)1‬‬
‫واصطالحًا هي‪ :‬السفاهة وال ُف ْحش يف ا ْل َمنْطِق وإن كان الكالم صدقًا(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ذميم ُّ‬
‫ي��دل على نقص اإليم��ان‪ ،‬لقول النبي ﷺ‪« :‬لاَ َي ْس��تَق ُ‬
‫يم‬ ‫خلق ٌ‬ ‫والب��ذاءة ٌ‬
‫يم لِ َس��ا ُن ُه»(‪ ،)3‬فمن هذا‬ ‫ِ‬
‫يم َق ْل ُب ُه َحتَّى َي ْس��تَق َ‬
‫ِ‬
‫يم َق ْل ُب ُه‪َ ،‬و اَل َي ْس��تَق ُ‬
‫ِ‬ ‫إِيم ُ ٍ‬
‫ان َع ْبد َحتَّى َي ْس��تَق َ‬ ‫َ‬
‫ص من إيمان العب��د‪ ،‬فيجب على المؤمن‬ ‫ِ‬ ‫الحدي��ث يتضح َّ‬
‫أن الكالم الب��ذيء ُينق ُ‬
‫أن يكون طاهر اللس��ان‪ ،‬بعي��د ًا عن الفحش يف القول والفع��ل‪ ،‬حتى ال يضر ذلك‬
‫بإيمانه‪.‬‬
‫�أ�سباب البذاءة‪:‬‬
‫َخ ُّل ِق اإلنسان ببذاءة اللسان و ُف ْحش القول أسبابًا؛ مِن أبرزها‪:‬‬ ‫َّ‬
‫إن لت َ‬
‫ف��إن مِ�� ْن أبرز ع��ادات الس��فهاء الفحش يف ال��كالم‪ ،‬قال‬ ‫‪1-1‬الجه��ل والس��فاهة‪َّ ،‬‬
‫س��مى س��فيهًا؛ ألن��ه ال تكاد َتت َِّف ُ‬
‫��ق البذاءة إال يف‬ ‫القرطبي‪“ :‬البذيء اللس��ان ُي َّ‬
‫طهر نفس��ه‬
‫ُج َّه��ال الناس وأصحاب العقول الخفيفة”(‪ ،)4‬فينبغي للمؤمن أن ُي ِّ‬
‫ولسانه من كل ُف ْحش‪.‬‬
‫يتعمد الته ُّكم مِن غيره بقصد إيذائه‪،‬‬ ‫‪2-2‬قصد التعدِّ ي واإليذاء‪ِ ّ ،‬‬
‫فإن من الناس َمن َّ‬
‫ف ِ‬
‫غير‬ ‫ضحك من حوله‪ ،‬أو يكون اإليذاء ردة فِع ٍل لتصر ٍ‬‫ح��ش له بالقول لي ِ‬ ‫في ْف ِ‬
‫ُّ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مسؤول يستثير الغضب ويدفع للبذاءة‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)217/1(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬ص(‪.)73‬‬


‫((( رواه أحمد يف مسنده‪ ،‬برقم(‪ ،)13048‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬وحسنه األلباني‪.‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي‪.)386/3(:‬‬

‫‪93‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪3-3‬التأث��ر برفقاء الس��وء‪ ،‬فمن المعلوم َّ‬


‫أن اإلنس��ان يتأثر بم��ن يصاحب يف أقواله‬
‫وأفعاله بل حتى يف أفكاره وتصوراته‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫ين َخ ِل ِيل ِه‪َ ،‬ف ْل َي ْن ُظ ْر َأ َحدُ ك ُْم َم ْن ُيخَ الِل»(‪.)1‬‬
‫«الر ُج ُل َع َلى ِد ِ‬
‫ﷺ‪َّ :‬‬
‫‪4-4‬الرتبية الفاس��دة‪ ،‬فالتنش��ئة األس��رية والمجتمعية غير الصحيح��ة تقود لدناءة‬
‫األخالق وسوء الطباع‪ ،‬ومنها الفحش والبذاءة‪.‬‬
‫�آثار البذاءة‪:‬‬
‫إن للبذاءة آثار ًا على البذيء يف دنياه وآخرته‪ ،‬ومن أبرز تلك اآلثار ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬نقص اإليمان‪ ،‬فليس��ت من صف��ات المؤمن أن يكون بذيء اللس��ان؛ ألنه ال‬
‫يستقيم إيمانه إال باستقامة لسانه‪ ،‬فعن عبداهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫ش والَ الب ِذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ‪َ « :‬ل ْي َس ا ْل ُم ْؤ ِم ُن بِال َّط َّع ِ‬
‫ان َوالَ ال َّل َّع ِ‬
‫يء»(‪.)2‬‬ ‫ان َوالَ ال َفاح ِ َ َ‬
‫‪2-2‬استحقاق العقوبة من اهلل تعالى‪ ،‬فالبذيء الفاحش يستحق عقوبة اهلل يف الدنيا‬
‫ببغض الناس له‪ ،‬ويف اآلخرة بدخول النار‪ ،‬قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل ‪:‬‬
‫َّار إِ اَّل َح َصائِدُ‬
‫وه ِه ْم فِي الن ِ‬
‫ك يا معا ُذ‪ ،‬وه ْل يكِب النَّاس ع َل��ى وج ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُّ‬ ‫« َثكِ َلت َ‬
‫ْ��ك ُأ ُّم َ َ ُ َ‬
‫َأ ْل ِسنَتِ ِه ْم؟!»(‪.)3‬‬
‫«وإِ َّن‬ ‫��ض ك َُّل ِ‬
‫فاح ٍ‬ ‫��ض اهلل للبذيء‪ ،‬فاهلل تعالى ُي ْب ِغ ُ‬ ‫‪ُ 3-3‬ب ْغ ُ‬
‫ش بذيء‪ ،‬قال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫اح َش ال َب ِذي َء»(‪.)4‬‬
‫اهَّلل َليب ِغ ُض ال َف ِ‬
‫َ ُْ‬
‫��ذ الناس له؛ ألن بذيء ال��كالم ال يتورع عن قبيح القول يف كل مجلس ومع‬ ‫‪َ 4-4‬ن ْب ُ‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)4833‬والترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)2378‬وحسنه‪.‬‬

‫((( رواه الترمذي‪ ،‬برقم (‪ ،)1977‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( رواه ابن ماجه يف املسند‪ ،‬برقم (‪ ،)3973‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)2002‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫كل أحد؛ لذا ينبذه الناس ويجتنبون مجالسته ل ِ َش ِّره وسوء سلوكه‪ ،‬فعن عائشة‬
‫َّ��اس‪َ ،‬أ ْو َو َد َع ُه‬ ‫أن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َّن َش َّ‬
‫��ر الن ِ‬
‫َّ��اس َم ْن ت ََر َك ُه الن ُ‬ ‫رض��ي اهلل عنه��ا َّ‬
‫َّاس‪ ،‬ا ِّت َقا َء ُف ْح ِش ِه»(‪.)1‬‬
‫الن ُ‬
‫الو�سائل املعينة على ترك البذاءة‪:‬‬
‫كل ُخ ُل ٍق قبيحٍ يمكن لإلنس��ان أن يتخلص منه باتباع الوسائل المعينة على‬
‫إن َّ‬
‫َّ‬
‫ذلك‪ ،‬ومن أبرز ما يعين على التخلص من البذاءة ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬اإلمس��اك عن الكالم فيما ال يعني‪ ،‬فإن اس��تطاع اإلنسان التحكم يف نفسه فلم‬
‫وح ُس�� َن إس�لا ُم ُه؛ لقول النبي ﷺ‪:‬‬
‫يتكلم إال فيما يعنيه فقد ملك زمام نفس��ه‪َ ،‬‬
‫«م ْن ُح ْس ِن إِ ْسالَ ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما الَ َي ْعن ِ ِيه»(‪.)2‬‬
‫ِ‬

‫فإن طول الصمت وق َّلة الكالم مِن أعظم أس��باب‬ ‫عما ال ينفع‪َّ ،‬‬ ‫‪2-2‬ل��زوم الصمت َّ‬
‫ألن اإلنسان محاسب عن كل ما ينطق به لسانه‪،‬‬ ‫السالمة من البذاءة والفحش؛ َّ‬
‫قال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [اإلسراء‪.]36 :‬‬
‫‪3-3‬اس��تبدال الكالم الفاحش القبيح بالحس��ن الط ِّيب‪ ،‬فيتخ َّير المس��لم من العبارات‬
‫ال مِن َل ْعن ِ ِه‬
‫السب والشتم بالدعاء‪ ،‬ويسأل اهلل الهداية للمخطئ بد ً‬ ‫َّ‬ ‫أفضلها‪ ،‬ويستبدل‬
‫ال من السخرية والبذاءة‪ ،‬فقد أرشد النبي ﷺ‬ ‫والدعاء عليه‪ ،‬ويستغفر اهلل ويذكره بد ً‬
‫ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ اهَّلل ِ»(‪.)3‬‬
‫َمن اسرتش��ده إلى كثرة ذكر اهلل؛ فقال ﷺ‪« :‬الَ َيز َُال لِ َس��ان َ‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6054‬وبنحوه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)73‬‬

‫((( رواه الترم���ذي يف س���ننه‪ ،‬برق���م (‪ ،)2317‬وابن ماجه يف س���ننه‪ ،‬برقم (‪ ،)3976‬ع���ن أبي هريرة ‪،‬‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬

‫هلل بْنِ بُ ْس ٍر ‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬


‫((( رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬برقم (‪ ،)3793‬عن َعبْدِ ا ِ‬

‫‪95‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج الثالث‪ :‬الكسل‬


‫الكسل لغة‪ :‬التّثاقل عن ّ‬
‫الشيء‪ ،‬والقعود عن إتمامه(‪.)1‬‬
‫واصطالحًا‪ :‬هو التثاقل والرتاخي عما ينبغي مع القدرة على القيام به(‪.)2‬‬
‫وقد كان النبي ﷺ يف دعائه يستعيذ باهلل من الكسل فيقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َك ِم َن‬
‫ال»(‪.)3‬‬ ‫الج ْب ِن‪َ ،‬و َض َل ِع الدَّ ي ِن‪َ ،‬و َغ َل َب ِة الر َج ِ‬
‫الحز َِن‪َ ،‬وال َع ْج ِز َوالك ََس ِل‪َ ،‬وال ُبخْ ِل َو ُ‬
‫اله ِّم َو َ‬
‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫ٌ‬
‫مق�ترن بالعج��ز يف أكثر أحواله‪ ،‬ق��ال ابن القيم رحم��ه اهلل‪“ :‬العجز‬ ‫والكس��ل‬
‫والكس��ل قرين��ان‪ ،‬وهما من أس��باب األلم؛ ألهنما يس��تلزمان ف��وات المحبوب‪،‬‬
‫فالعجز يس��تلزم عدم القدرة‪ ،‬والكس��ل يس��تلزم عدم إرادته‪ ،‬فتتأل��م الروح لفواته‬
‫بحس��ب تع ُّلقه��ا به والتذاذها بإدراك��ه لو حصل”(‪ .)4‬فكل ما ف��ات النفس من أمر‬
‫ترغبه فقد حصل لها ألم ذلك الفوات‪.‬‬
‫أن من أسباب طرد الكسل عن الشخص طيلة يومه أداء الصالة‬ ‫والنبي ﷺ ب ّين ّ‬
‫ان‬ ‫«ي ْع ِقدُ َّ‬
‫الش�� ْي َط ُ‬ ‫يف وقتها وما يس��بق ذلك من الوضوء وذكر اهلل تعالى؛ فقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ك َل ْي ٌل َط ِو ٌ‬
‫يل‬ ‫س َأ َح ِدك ُْم إِ َذا ُه َو نَا َم َثال ََث ُع َق ٍد‪َ ،‬ي ْضرِ ُب ك َُّل ُع ْقدَ ٍة َع َل ْي َ‬ ‫َع َل��ى َقافِ َي ِة َر ْأ ِ‬
‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬فإِ ْن َص َّلى‬ ‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬فإِ ْن ت ََو َّض َ‬
‫��أ ان َْح َّل ْ‬ ‫َف ْار ُق��دْ ‪َ ،‬فإِ ِن ْاس�� َت ْي َق َظ َف َذك ََر اهَّللَ‪ ،‬ان َْح َّل ْ‬
‫ِ‬
‫س ك َْسال ََن»(‪.)5‬‬ ‫يث النَّ ْف ِ‬ ‫س َوإِ اَّل َأ ْص َب َح َخبِ َ‬ ‫ب النَّ ْف ِ‬ ‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬ف َأ ْص َب َح نَشي ًطا َط ِّي َ‬ ‫ان َْح َّل ْ‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)178/5(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬فيض القدير‪ ،‬للمناوي‪.)122/2(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2893‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬

‫((( بدائع الفوائد‪.)433/2(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)1091‬‬

‫‪96‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أق�سام الك�سل‪:‬‬
‫ينق�سم الك�سل بح�سب ُم َت َع َّل ِق ِة �إىل ق�سمني‪:‬‬
‫٭ ٭القسم األول‪ :‬الكسل عن أمور الدين‪ ،‬وهذا أخطر قِ ْس َمي الكسل؛ َّ‬
‫ألن ضرره‬
‫يمتد إلى ِ‬
‫اآلخ َرة‪ ،‬وهو على نوعين‪:‬‬
‫‪1 -1‬األول‪ :‬الكس��ل الدائم يف كل األوقات وعن جميع الطاعات‪ ،‬وهذا حال‬
‫المنافقين الذين قال اهلل عنهم‪ :‬ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮊ [النس��اء‪ ،]142 :‬وهنا لفتة مهمة‪ ،‬وهي‪ّ :‬‬
‫أن المنافقين لم يرتكوا‬
‫الصالة‪ ،‬وإنّما أ ّدوها بكسل فذ ّمهم اهلل‪ ،‬فكيف بمن لم يؤ ِّدها؟!‪.‬‬
‫فت��ور ع��ن بع��ض الطاع��ات يف بعض‬
‫ٌ‬ ‫‪2 -2‬الث��اين‪ :‬الكس��ل الع��ارض‪ ،‬وه��و‬
‫ُ��ر ٍه له��ا‪ ،‬ويحص��ل هذا مع نق��ص اإليم��ان‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن‬ ‫األحايي��ن‪ ،‬دون ك ْ‬
‫اإليم��ان يزي��د وينقص‪ْ ،‬‬
‫ف��إن زاد اإليمان ازداد المس��لم نش��اطًا للعبادة‬
‫ال على الطاعة‪ ،‬وإن نقص تقاصر عن بعضها‪ ،‬والواجب عليه تف ُّقد‬
‫وإقب��ا ً‬
‫إيمان��ه ومع��اودة نش��اطه وإال هلك‪ ،‬فعن عب��داهلل بن عم��رو بن العاص‬
‫ْ��رةٌ‪َ ،‬ف َم ْن كَان ْ‬ ‫أن النب��ي ﷺ قال‪« :‬لِك ُِّل عم ٍل ِش��رةٌ‪ ،‬ولِك ُِّل ِش ٍ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫َت‬ ‫��رة َفت َ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫َ��ت إِ َلى َغ ْيرِ َذلِ َ‬
‫ك َف َق��دْ َه َل َ‬ ‫َفت َْرتُ�� ُه إِ َلى ُس��نَّتِي‪َ ،‬ف َق��دْ َأ ْف َل َح‪َ ،‬و َم ْن كَان ْ‬
‫٭ ٭القس��م الثاين‪ :‬الكس��ل عن أعمال الدنيا‪َّ ،‬‬
‫فإن اإلنس��ان محتاج يف دنياه للسعي‬
‫حمله اهلل تعالى من مسؤوليات‪ ،‬فعن‬ ‫وكسب الرزق وإعفاف نفسه والقيام بما َّ‬
‫اء إِ َلى اهَّلل ِ‬
‫��مي ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬و َأحب الأْ َس��م ِ‬‫ِ‬ ‫ٍ ْ‬
‫َ َ ُّ ْ َ‬ ‫أبي َو ْهب ال ُج َش ِّ‬
‫((( رواه أحم���د يف مس���نده‪ ،‬برق���م(‪ ،)6958‬وصحح إس���ناده األلباني يف «صحيح الترغي���ب والترهيب»‪،‬‬
‫برقم(‪.)56‬‬

‫‪97‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ث‪َ ،‬و َه َّما ٌم‪َ ،‬و َأ ْق َب ُح َها َح ْر ٌب َو ُم َّرةُ»(‪،)1‬‬ ‫الر ْح َم ِن‪َ ،‬و َأ ْصدَ ُق َها َح ِ‬
‫ار ٌ‬ ‫ِ‬
‫َع ْب��دُ اهَّلل‪َ ،‬و َع ْبدُ َّ‬
‫وهمام؛ ألهنا تدلاَّ ن على حقيقة‬ ‫فب َّين ﷺ َّ‬
‫أن أصدق األس��ماء البش��رية حارث َّ‬
‫والهمام‪ :‬المريد‪ ،‬فاإلنس��ان الس��وي يسعى‬
‫َّ‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬فالحارث‪ :‬الكاس��ب‪،‬‬
‫دائم��ًا للكس��ب بطبعه‪ِ ،‬‬
‫وه ّم ُت ُه ال تتوق��ف عن إرادة ذلك والس��عي إليه‪ ،‬ومن‬
‫خالف ذلك فقد خالف طبيعته البشرية‪.‬‬
‫�أبرز �أ�سباب الك�سل‪:‬‬
‫للكس��ل أس��باب توقِ ُع صاحبها يف هذا ُ‬
‫الخ ُلق الس�� ِّيئ‪ ،‬ومن تلك األسباب ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫ف إيما ُن ُه وغفل عن‬
‫فإن اإلنسان متى َض ُع َ‬‫‪1-1‬ضعف اإليمان والغفلة عن اآلخرة؛ َّ‬
‫اآلخرة لم ِ‬
‫يبال بفوات الطاعات‪ ،‬ولم َين َْش ْط لها‪ ،‬و َمن كان هذا حا ُله فقد أشبه‬
‫َ‬
‫حال المنافقين الذين ال يأتون الصالة إال وهم كسالى‪.‬‬
‫والمسوف ينتقل من‬ ‫ِّ‬ ‫‪2-2‬التسويف؛ وهو تأخير امتثال األوامر والقيام بالواجبات‪،‬‬
‫ُأمنية إلى أخرى دون أن ينجز شيئًا من عم ِل ٍ‬
‫دين أو ُدنيا‪ ،‬فيقضي عمره ُي َمنِّي نفسه‬
‫ٍ‬
‫بغد‪ ،‬ويقول‪ :‬غد ًا سأفعل‪ ،‬غد ًا سأفعل‪ ،‬فت َُم ُّر األوقات دون أن يحرك ساكنًا!‪.‬‬
‫ف��إن اهلل تعال��ى فطر النفس البش��رية عل��ى اليقظة هن��ار ًا والنوم‬
‫‪3-3‬طول الس��هر؛ َّ‬
‫اإلنس��ان الفطر َة بالس��هر أرهق جس��ده وتم َّكن منه الخمول‬
‫ُ‬ ‫ليالً‪ْ ،‬‬
‫فإن عارض‬
‫والكس��ل‪ ،‬فال يستطيع القيام بمس��ؤولياته على الوجه الصحيح أبد ًا‪ ،‬وقد كان‬
‫النبي ﷺ يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها(‪ )2‬ألجل ذلك‪.‬‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)4950‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫ﷺ‬ ‫ونصه‪َ :‬ع ْن أَبِي بَ ْر َزةَ ‪« ‬أَ َّن َر ُسو َل اللهَّ ِ‬


‫((( احلديث يف ذلك رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ُّ ،)568‬‬
‫َكا َن يَ ْك َرهُ ال َّن ْو َم َقبْ َل العِ َشاءِ َوا َ‬
‫حلدِ يثَ بَ ْع َد َها»‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أبرز �آثار الك�سل‪:‬‬


‫إن الكسل ي ِ‬
‫دخ ُل على اإلنسان أنواعًا من المفاسد والمضار التي من أبرزها‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪1-1‬القعود عن الطاعات؛ فالكس�لان ك َّلما َس��ن ََح ْت له فرص��ة للطاعة أقعده عنها‬
‫كسله‪ ،‬فيفوت عليه الخير الكثير‪.‬‬
‫‪2-2‬قس��وة القلب؛ إذ ْ ُك َّلما زاد كس��ل اإلنس��ان زاد ُب ْعدُ ُه عن اهلل تعالى‪ ،‬وك َّلما زاد‬
‫ُب ْعدُ ُه قسا َق ْل ُب ُه‪.‬‬
‫‪3-3‬الربود عن استشعار المسؤولية الدينية والدنيوية؛ َّ‬
‫فإن بعض الناس أفضى هبم‬
‫الكس��ل إلى عدم استش��عار مسؤوليتهم عن صالح أنفس��هم واستقامة دينهم‪،‬‬
‫ومنه��م من أهمل أمور دنياه فلم يقم بما يج��ب عليه‪ ،‬ومنهم من جمع تضييع‬
‫المسؤوليتين (كلتيهما)‪ ،‬فال دينهم أقاموا وال دنياهم أصلحوا!‪.‬‬
‫‪4-4‬كثرة الكالم وقلة العمل؛ فمن اس��تحكم عليه الكس��ل َجن ََح إلى نقد العامِلِين‬
‫المبادرين‪ ،‬كما فعل المنافقون إ ْذ تكاسلوا عن الخروج مع النبي ﷺ إلى غزوة‬
‫الذين خرجوا للغ��زوة‪ ،‬واالعرتاض‬ ‫تبوك ث��م أخذوا يف انتق��اد الصحابة‬
‫عل��ى توقيت الغزوة ال��ذي اختاره النبي ﷺ للخروج‪ ،‬فق��ال اهلل تعالى عنهم‪:‬‬
‫ﮋﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ [التوبة‪.]82-81 :‬‬
‫‪5-5‬التس��ويف وتضييع األوقات يف غير نفع‪ ،‬فالكس��ول يس��وف لنفسه دائمًا‪ ،‬فال‬
‫ينجز أعماله‪ ،‬وال يقوم بمسؤولياته‪َ ،‬ف ُ‬
‫تضم ُّر األيام والسنون دون إنجاز ُيذكر‪،‬‬
‫فال يزال واقفًا يف مكانه لم يتقدم؛ بل يبادر للتهرب من كل مسؤولية ُي َك َّلف هبا‪.‬‬
‫‪6-6‬البطال��ة؛ َّ‬
‫ف��إن الحياة يف الرغد والرتف والنعيم تقت��ل الحماس للعمل والرغبة‬

‫‪99‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫فيه‪ ،‬وتبذر بذور الكس��ل والخم��ول يف النفوس ا ْل ُمت َْر َفة‪ ،‬حتى تس��تثقل قضاء‬
‫حاجاهتا بنفس��ها‪ .‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪“ :‬العل��م والعمل توأمان ُأ ُّم ُهما ُع ُل ُّو‬
‫ا ْل ِه َّمة‪ ،‬والجهل والبطالة توأمان ُأ ُّم ُهما إيثار الكسل”(‪.)1‬‬
‫الو�سائل املعينة على ال�سالمة من الك�سل‪:‬‬
‫هناك وس��ائل تعين ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬على السالمة من الكسل والتخلص منه‪ ،‬ومن‬
‫هذه الوسائل‪:‬‬
‫‪1-1‬اللجوء إلى اهلل ‪ ‬واالس��تعاذة من الكسل‪ ،‬كما كان النبي ﷺ ُي ْكثِ ُر يف دعائه‬
‫الحز َِن‪َ ،‬وال َع ْج ِز َوالك ََس ِل‪.)2(»...،‬‬ ‫يقول‪« :‬ال َّلهم إِنِّي َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫اله ِّم َو َ‬
‫ك م َن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫‪2-2‬المحافظة على الصلوات يف أوقاهتا؛ كما أمر اهلل تعالى بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ [البق��رة‪ ،]238 :‬وق��ال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ [النساء‪.]103 :‬‬
‫‪3-3‬مجالس��ه أصحاب ِ‬
‫اله َمم العالية‪ ،‬فهذه من أبرز الدوافع للجد وترك الكس��ل؛‬
‫فإن جالس الجا ِّدين َج��دَّ واجتهد‪ْ ،‬‬
‫وإن جالس‬ ‫ألن اإلنس��ان يتأثر بمن حوله‪ْ ،‬‬
‫َّ‬
‫الكسالى كسل وهتاون‪.‬‬
‫‪4-4‬النظر يف س��ير الجا ِّدين قديمًا وحديثًا‪ ،‬فكلما سمعنا عن همم من كانوا قبلنا‪،‬‬
‫وأن ا ْل ِه َّم�� َة وراء كل‬
‫أن النعي��م ال ُيدْ رك بالنعي��م‪َّ ،‬‬
‫وم��ن يعيش��ون بينن��ا‪ ،‬علمنا َّ‬
‫نج��اح‪ ،‬والنج��اح الحقيقي ما يبقى أثره ويمتد نفع��ه‪ ،‬وال يبقى إال ما كان اهلل‪،‬‬
‫كما قال اإلمام مالك بن أنس‪« :‬ما كان هلل بقي» (‪.)3‬‬

‫((( بدائع الفوائد (‪.)324/4‬‬

‫((( سبق تخريجه قريبا‪.‬‬

‫((( ذكرها السيوطي يف كتاب تدريب الراوي‪ ،‬ص(‪.)89‬‬

‫‪100‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫يعودها صاحبها‪،‬‬ ‫‪5-5‬الب��دء بالعمل مع اإلص��رار والعزيمة‪َّ ،‬‬


‫ف��إن النفس على م��ا ِّ‬
‫وتحمل‬
‫ُّ‬ ‫عودها الجد والنشاط‬ ‫عودها الخمول والكس��ل اس��ت َْر َخ ْت‪ْ ،‬‬
‫وإن َّ‬ ‫ْ‬
‫فإن َّ‬
‫المسؤولية صارت قوية جا َّدة‪َّ ،‬‬
‫فإن دواء النفس إلزامها باألعمال والصرب على‬
‫ترتوض ش��يئًا فش��يئًا حتى‬ ‫ذلك ْ‬
‫وإن نفرت منها بادئ األمر‪ ،‬فإهنا مع اإللزام َّ‬
‫ب الصرب ص َّب َح‬‫ب الليل عل��ى نجائِ ِ‬ ‫تعت��اده‪ ،‬قال ابن القيم‪« :‬م��ن َأد َلج يف ِ‬
‫غياه ِ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫من ِْز َل السرور‪ ،‬ومن نام على فراش الكسل أصبح م ْلقى بوادي األسف‪ ،‬ا ْل ِ‬
‫جدُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُك ُّله َح َركَة‪ ،‬والكسل ُك ُّله ُس ُكون”(‪.)1‬‬

‫((( بدائع الفوائد‪.)744/3(:‬‬

‫‪101‬‬
‫الوحدة السادسة‪:‬‬

‫تابع‪ :‬نماذج من األخالق الرذيلة‬

‫•التشاؤم‬
‫•الحسد‬
‫•الغفلة‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪1 -1‬أن يوضح الطالب خطر التشاؤم على العقيدة‪.‬‬
‫‪2 -2‬أن يعدِّ د الطالب الوسائل الوقائية من حسد الحاسدين‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن يب َّين الطالب الفرق بين الغفلة والنسيان‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬توضيح خطر التشاؤم على العقيدة‪.‬‬
‫‪2 -2‬تعداد الوسائل الوقائية من حسد الحاسدين‪.‬‬
‫‪3 -3‬تبيين الفرق بين الغفلة والنسيان‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج الرابع‪ :‬التشاؤم‬

‫ورج ٌل مش��ؤوم على ق��وم‪ ،‬أي‪َ :‬ج َّر‬ ‫ِ‬ ‫التش��اؤم لغة‪ :‬من ُّ‬
‫(الش��ؤم) ض��دُّ ال ُي ْمن‪ُ ،‬‬
‫الشؤم عليهم(‪ ،)1‬فالتشاؤم ضد التفاؤل‪ ،‬وهو مأخوذ من الشؤم والتط ُّير‪.‬‬
‫ويمكن تعريف التش��اؤم اصطالحًا بأنه‪ُ :‬خ ُل ٌق يقوم على َت َو ُّق ِع َّ‬
‫الش ِّر بسبب ما‬
‫يراه اإلنسان أو يسمعه مما ال ُي ِ‬
‫عجبه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شيء َّما سببًا‬ ‫مشؤومًا‪ ،‬أي‪ :‬اعتقاد أن يكون وجود‬
‫فالتش��اؤم‪ :‬هو عَدُّ الشيء ُ‬
‫ِ‬
‫وجود ما ُي ْح ِز ُن و َي ُض ُّر(‪.)2‬‬ ‫يف‬
‫والتشاؤم ُخ ُل ٌق جاهلي‪ ،‬فقد كانت العرب يف الجاهلية تتشاءم من أشياء مرئية‬
‫وأش��ياء مس��موعة‪ ،‬أو أزمنة معينة‪ ،‬أو أمكنة معينة‪ ،‬فربما تشاءموا بصوت ال ُبوم أو‬
‫الغراب من المس��موعات‪ ،‬أو تش��اءموا برؤية األعور أو المجذوم من المرئيات‪،‬‬
‫ونحو ذلك؛ كأن يذهب أحدهم ليفتح َمت َْج َره يف الصباح‪ ،‬فيجد يف طريقة شخصًا‬
‫أعور‪ ،‬فيتشاءم به‪ ،‬فيعود وال يفتح المحل!‪.‬‬
‫ومِ ْث ُل ُه التشاؤم باألمكنة‪ ،‬أو األزمنة‪ ،‬فقد كانوا يتشاءمون بيوم األربعاء‪ ،‬وبشهر‬
‫يعقدُ ون فيه النكاح‪ ،‬ويقولون‪ :‬الزواج‬ ‫صفر‪ ،‬وكذلك يتش��اءمون بشهر ش��وال فال ِ‬

‫ض‬‫تعمد مخالفة أهل الجاهلية لِنَ ْق ِ‬ ‫ُّ‬ ‫يف ش��وال َش ٌّر!؛ ولذلك ورد عن الصحابة‬
‫ُم ْع َت َق ِد ِه��م الباط��ل‪ ،‬فكانت عائش��ة رض��ي اهلل عنه��ا إذا َج َّهزت امرأ ًة م��ن قريباهتا‬
‫لل��زواج تجع��ل العرس يف ش��وال نِكاي ًة يف اعتق��اد أهل الجاهلية‪ ،‬وقالت عائش��ة‬
‫ال‪َ ،‬ف َأي نِس ِ‬
‫اء‬ ‫ال‪َ ،‬و َبنَى بِي فِي َش َّو ٍ‬ ‫ول اهللِ ﷺ فِي َش َّو ٍ‬
‫رضي اهلل عنها‪َ « :‬ت َز َّو َجنِي َر ُس ُ‬
‫ُّ َ‬

‫((( ينظر‪ :‬مختار الصحاح‪ ،)160/1(:‬وتاج العروس‪.)446/32(:‬‬


‫((( ينظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.)66/9(:‬‬

‫‪105‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫��ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان َأ ْح َظى ِعنْدَ ُه مِنِّي؟»(‪ ،)1‬أي‪ :‬لو كان شوال شر ًا ما كنت أنا هبذه‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫المنزلة‪ ،‬وال كان ذلك الزواج المبارك‪.‬‬
‫ولم ينقطع التشاؤم من الناس يف العصر الحديث؛ بل منهم اآلن من يتشاءمون‬
‫بالرق��م (‪ ،)13‬وهذا موجود عند بعض الغربيين اليوم‪ ،‬على تقدمهم التكنولوجي‬
‫وتطوره��م المادي‪ ،‬فبعض ش��ركات الطي��ران العالمي��ة ال ُت َر ِّقم المقاع��د بالرقم‬
‫(‪ ،)13‬وكذلك أرقام المصاعد يف ناطحات السحاب ال ُت َر ِّقم بذلك الرقم!‪.‬‬
‫ب��ل الزال التش��اؤم ‪-‬ولألس��ف‪ -‬حتى عن��د بعض المس��لمين الي��وم؛ فإهنم‬
‫يتش��اءمون برؤي��ة صورة الش��خص غير الحس��نة‪ ،‬وح��وادث الس��يارات‪ ،‬وموت‬
‫األشخاص أو مرضهم‪ ،‬فيجعلوهنا أمار ًة على شؤ ِم ما أرادوا اإلقدام على فعله!‪.‬‬
‫الفرق بني الت�شا�ؤم والتفا�ؤل‪:‬‬
‫يمكن التفريق بين التشاؤم والتفاؤل بما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬التشاؤم تو ُّقع الشر‪ ،‬أما التفاؤل فهو توقع للخير‪.‬‬
‫‪ - 2‬التش��اؤم يتضم��ن س��وء الظن باهلل فيم��ا ُي َقدِّ ر عل��ى العبد‪ ،‬أما التف��اؤل ففيه‬
‫إحس��ان َظ ٍّن به س��بحانه‪ ،‬ويف الحديث اإللهي يقول اهلل تعال��ى‪َ « :‬أنَا ِعنْدَ َظ ِّن‬
‫َع ْب ِدي بِي»(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬التش��اؤم ِش ْ��ر ٌك ممنوع‪ ،‬والتفاؤل ُخ ُل ٌق مش��روع؛ فعن عبداهلل بن مسعود ‪‬‬
‫��ر ٌك‪َ ،‬ثلاَ ًثا‪َ ،‬و َما ِمنَّا إِ اَّل َو َلكِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عن رس��ول اهلل ﷺ قال‪« :‬ال ِّط َي َر ُة ش ْر ٌك‪ ،‬ال ِّط َي َر ُة ش ْ‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)3241‬‬

‫((( متف���ق علي���ه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)7405‬ومس���لم يف صحيح���ه‪ ،‬برقم(‪ ،)2675‬عن أبي‬
‫هريرة ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اهَّللَ ُي ْذ ِه ُب ُه بِالت ََّوك ُِّل»(‪.)1‬‬


‫فيتأ َّول منها ما يدُ ُّل على ُب ْرئِ ِه‪،‬‬ ‫“وأصل الفأل‪ :‬الكلمة الحسنة‪ ،‬يسمعها َعلِ ٌيل َ‬
‫كأ ْن َس ِم َع مناديًا نادى رجالً اسمه (سالم)‪ ،‬وهو َعلِ ٌيل‪َ ،‬فأ ْو َه َم ُه سال َم َت ُه مِن ِع َّلتِ ِه‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكذلك ا ْل ُمض ُّل يس��مع رج�لاً يقول‪( :‬يا واج��د)‪ ،‬فيجد ضا َّلته‪ ،‬وال ِّط َي َ‬
‫��ر ُة مضا َّد ٌة‬
‫للف��أل‪ ،‬وكان��ت العرب مذهبه��ا يف الفأل وال ِّط َ‬
‫ي��رة واحد‪ ،‬فأثب��ت النبي ﷺ الفأل‬
‫واستحسنه‪ ،‬وأبطل الطيرة وهنى عنها”(‪.)2‬‬
‫خطر الت�شا�ؤم على العقيدة‪:‬‬
‫فإن َد َف َع ُه بحس��ن ظنه بر ِّب��ه ويقينه بقضائه‬ ‫ٍ‬
‫إنس��ان َي ْع ِر ُض له التش��اؤم؛ ْ‬ ‫إن ك َُّل‬
‫َّ‬
‫وإن بنى عليه عمالً فر َّده ع��ن مقصده أوقعه ذلك يف المحظور‪،‬‬ ‫و َق��دَ ِر ِه ل��م َي ُض ُّره‪ْ ،‬‬
‫قال ابن القيم‪“ :‬التط ُّير‪ :‬هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع‪ ،‬فإذا استعملها‬
‫اإلنس��ان فرج��ع هبا من س��فره وامتنع هبا مما ع��زم عليه فقد قرع باب الش��رك؛ بل‬
‫َو َل َج ُه‪َ ،‬و َب ِر َئ من التوكل على اهلل‪ ،‬وفتح على نفسه باب الخوف والتع ُّلق بغير اهلل‪،‬‬
‫والتطير مما يراه أو يس��معه‪ ،‬وذلك قاطع له ع��ن مقام ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﮊ [الفاتح��ة‪ ،]5 :‬و ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [هود‪ ،]123 :‬و ﮋ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﮊ [ه��ود‪ ،]88 :‬فيصير قلبه متعلقًا بغير اهلل عباد ًة وتوكالً؛ فيفس��د عليه‬
‫قلبه وإيمانه وحاله‪ ،‬ويبقى هدفًا لسهام الطيرة‪ ،‬ويساق إليه مِن ك ُِّل َأ ْوب‪ ،‬و ُيق ِّيض‬
‫ل��ه الش��يطان من ذلك ما يفس��د عليه دينه ودني��اه‪ ،‬وكم هلك بذلك وخس��ر الدنيا‬
‫الس��ار للقل��وب‪ ،‬المؤ ِّي ِد لآلمال‪ ،‬الفاتح‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الفأل الصالحِ‬ ‫واآلخ��رة؟!‪ ،‬فأين هذا مِن‬
‫ب��اب الرجاء‪ ،‬المس�� ِّكن للخ��وف‪ ،‬الرابط للج��أش‪ ،‬الباعث على االس��تعانة باهلل‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬عن عبداهلل بن مسعود ‪ ،‬برقم(‪ ،)0193‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( تاج العروس‪.)454/21(:‬‬

‫‪107‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫السار لنفسه‪ ،‬فهذا ضد الطيرة‪ ،‬فالفأل‬


‫ِّ‬ ‫المقوي ألمله‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫والتوكل عليه‪ ،‬واالستبش��ار‬
‫يفض��ي بصاحب��ه إلى الطاع��ة والتوحيد‪ ،‬والطي��رة تفضي بصاحبها إل��ى المعصية‬
‫والشرك؛ فلهذا استحب ﷺ الفأل وأبطل الطيرة”(‪.)1‬‬
‫�أ�سباب الت�شا�ؤم‪:‬‬
‫‪1-1‬ضعف اإليمان واليقين بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬فلو رضي بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬واعتقد‬
‫أن كل ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ ،‬لزال عنه التشاؤم‪.‬‬
‫‪2-2‬تعلق القلب بغير اهلل محبة وخوفًا ورجاء‪.‬‬
‫‪3-3‬الجه��ل وضعف العقل‪ ،‬فالجهل داء كله‪ ،‬فال تجد عالِمًا باهلل متش��ائمًا أبد ًا؛‬
‫أن كل ش��يء بق��در اهلل‪ ،‬والعلم نقاء للعقل‪ ،‬فيجعله ِيز ُن‬ ‫ألن العال ِ َم باهلل يعتقد َّ‬
‫َّ‬
‫األمور بميزاهنا الصحيح‪.‬‬
‫ال�شخ�صية املت�شائمة‪:‬‬
‫إذا غلب التش��اؤم على اإلنس��ان فإنه يوصف بالش��خصية المتش��ائمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الش��خصية ذات النزع��ة الذهنية التي تدف��ع لرؤية الجانب الس��لبي والوجه القاتم‬
‫م��ن الحي��اة‪ ،‬فال ي��رى صاحبها إال الس��وء والمرض والش��قاء والفقر والخس��ارة‬
‫والفشل‪....‬الخ‪.‬‬
‫ومن �أبرز �سمات ال�شخ�صية املت�شائمة �أربع �سمات هي‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪1-1‬الخمول الدائم وضعف النشاط‪.‬‬
‫التهرب من تطوير عالقاته مع الناس‪.‬‬
‫‪ُّ 2-2‬‬
‫‪3-3‬كثرة التذ ُّمر من كل شيء ويف كل حال مهما كانت صغيرة ويسيرة‪.‬‬
‫‪4-4‬ال ُع ْز َلة يف أكثر أوقاته‪ ،‬لعدم ثقته يف الناس‪.‬‬

‫((( مفتاح دار السعادة‪.)742-642/2(:‬‬

‫‪108‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�آثار الت�شا�ؤم‪:‬‬
‫للتشاؤم آثار سلبية على َمن يتخ َّلق به‪ ،‬ومن تلك اآلثار ما يلي‪:‬‬
‫فإن التشاؤم ناتِ ٌج عن خلل يف إيمان العبد بالقضاء والقدر؛‬ ‫‪1-1‬الوقوع يف الشرك‪َّ ،‬‬
‫ألنه يتضمن َش ّكًا يف وجود ُم َؤ ِّث ٍر يف الكون مع اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪2-2‬ت��رك بعض األعمال النافعة أو الرتدد يف بعض القرارات ذات األهمية بس��بب‬
‫التشاؤم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ويشك يف كل من يتعامل معه أو‬ ‫‪3-3‬النُّفرة من الناس‪ ،‬فالمتش��ائم ينفر من الناس‪،‬‬
‫يقابله‪.‬‬
‫‪4-4‬القل��ق واالضط��راب والخ��وف الدائ��م؛ ألنه يتوقع الس��وء والمك��روه يف كل‬
‫أحواله‪.‬‬
‫‪5-5‬أنه يؤدي بالمتش��ائم للوسوسة‪ ،‬فما يرى شيئًا أو يسمعه إال ويتوقع أن يصيبه‬
‫البالء والشر‪ ،‬فيفتح على نفسه بابًا يفسد عليه راحته و ُينَ ِّغ ُ‬
‫ص حياته‪.‬‬
‫‪6-6‬أنه قد يوقع يف اإلصابة ببعض األمراض النفسية التي يحتاج عالجها إلى وقت‬
‫طويل‪.‬‬
‫عالج الت�شا�ؤم‪:‬‬
‫من ابتلي بداء التشاؤم فعليه با ِّتباع أسباب عالج هذا الداء‪ ،‬ومن تلك األسباب‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ُ 1-1‬حس��ن الظن باهلل‪ ،‬فكلما قوي إيمان العبد وحس��ن ظنه برب��ه زال عنه كل داء‪،‬‬
‫ومنه التشاؤم‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪2-2‬الت��وكل على اهلل‪ ،‬فمن توكل على اهلل كفاه ووقاه وعافاه وهداه‪ ،‬وقد قال ﷺ‪:‬‬
‫«و َلكِ َّن اهَّللَ ُي ْذ ِه ُب ُه بِالت ََّوك ُِّل»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫‪3-3‬المضي فيما كان ينوي القيام به‪ ،‬فهذا من أقوى عالجات الخواطر التشاؤمية‪.‬‬
‫‪4-4‬الدعاء بك َّفارة التش��اؤم؛ فعن عبداهلل بن عمرو ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«من رد ْته ال ِّطير ُة ِمن ح ٍ‬
‫��ر َك»‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما كفارة ذلك؟‬ ‫اجة َف َقدْ َأ ْش َ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫��ر َك‪َ ،‬والَ إِ َل َه‬ ‫��ول َأ َحدُ ُه ْم‪ :‬ال َّل ُه َّم الَ َخ ْي َ‬
‫��ر إِالَّ َخ ْي ُر َك َوالَ َط ْي َر إِالَّ َط ْي ُ‬ ‫ق��ال‪َ :‬‬
‫«أ ْن َي ُق َ‬
‫َغ ْي ُر َك»(‪.)2‬‬
‫‪5-5‬إحي��اء التف��اؤل يف النف��س وتعويده��ا علي��ه‪ ،‬مع التغاف��ل عن التش��اؤم وعدم‬
‫االلتفات لخطراته‪.‬‬
‫ب��أن الحي��اة ال تصفو أبد ًا؛ فاهلل خلق اإلنس��ان يف َك َب��د‪ ،‬فالبد أن يعرتيه‬
‫‪6-6‬العل��م َّ‬
‫الهم وال َكدَ ر‪ ،‬ومن ِّغصات الحياة‪ ،‬وتبدُّ ل األحوال‪ ،‬فال يجعل المؤمن من ذلك‬
‫ُّ‬
‫سببًا للتشاؤم‪.‬‬

‫((( سبق تخريجه قريبا‪.‬‬

‫((( رواه أحمد يف املسند‪ ،‬برقم(‪ ،)5407‬وصححه الشيخ أحمد شاكر‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج الخامس‪ :‬الحسد‬

‫الحسد يف اللغة‪ :‬تمني َأن تتحول النِّ ْع َمة عن الغير(‪.)1‬‬


‫واصطالحًا‪ :‬كراهة النِّعمة على ا ْل ُمنْ َعم عليه وتمنِّي زوالها عنه(‪.)2‬‬
‫فالحاس��دُ ال يقبل أن يرى َم ْح ُس��و َد ُه يف نِ ْع َم ٍة‪ ،‬فيتمنى أن تزول عنه‪ ،‬حتى وإن‬
‫ِ‬

‫لم يحصل للحاسد مثلها‪.‬‬


‫وقد أمر اهلل تعالى نبيه ﷺ باالس��تعاذة باهلل عز وجل من ش��ر الحاسد يف قوله‬
‫تعال��ى ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [الفل��ق‪ ،]5-1 :‬وهنى‬
‫اس��دُ وا‪َ ،‬والَ تَدَ ا َب ُروا‪َ ،‬وكُونُوا‬ ‫النبي ﷺ عن الحس��د؛ فقال‪« :‬الَ َت َبا َغ ُض��وا‪َ ،‬والَ ت ََح َ‬
‫ِعباد اهَّلل ِ إِ ْخوانًا‪ ،‬والَ ي ِ‬
‫ح ُّل لِ ُم ْس ِل ٍم َأ ْن َي ْه ُج َر َأ َخا ُه َف ْو َق َثالَ َث ِة َأ َّيامٍ»(‪.)3‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫والغ ْب َطة واملناف�سة‪:‬‬
‫الفرق بني احل�سد ِ‬
‫الحس��د ‪-‬كما أسلفنا‪ -‬هو‪ :‬تمني زوال النعمة عن الغير حتى وإن لم يحصل‬
‫ِ‬
‫للحاسد مثل تلك النعمة؛ فهو ُخ ُل ٌق مذموم‪.‬‬
‫الغب َط��ة فهي‪ :‬أن يتمنى اإلنس��ان أن يكون له مثل نِعم ِ‬
‫��ة غيره دون زوالها‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫أ َّم��ا ْ‬
‫عنه؛ فهي ُخ ُل ٌق غير مذموم‪.‬‬
‫ال َح َس��دَ إِ اَّل فِي‬ ‫(الح َس��د) يف مثل قول النبي ﷺ‪َ « :‬‬ ‫وقد وردت الغ ْب َطة بلفظ َ‬
‫ِ‬

‫الح ِّق‪َ ،‬و َر ُج ٍل آتَا ُه اهَّللُ ِحك َْمةً‪َ ،‬ف ُه َو‬ ‫ِِ ِ‬
‫ا ْثنَ َت ْي ِن‪َ :‬ر ُج ٍل آتَا ُه اهَّللُ َم اًال‪َ ،‬ف َس َّل َط ُه َع َلى َه َلكَته في َ‬

‫((( ينظر‪ :‬احملكم واحمليط األعظم‪ ،)671/3(:‬وموسوعة نضرة النعيم‪.)7144/01(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬عمدة القاري‪ ،‬للعيني‪ ،)75/2(:‬والتعريفات‪ ،‬للجرجاني‪ ،‬ص(‪.)78‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)5606‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫َي ْق ِضي بِ َها َو ُي َع ِّل ُم َها»(‪)1‬؛ فالمقصود بالحسد يف هذا الحديث‪ :‬الحسد غير المذموم‬
‫ِ‬
‫(الغ ْب َطة)‪ ،‬وقد َّ‬
‫فس��ره النووي عند ش��رحه لهذا الحديث بقوله‪“ :‬هو أن يتمنى مثل‬
‫النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها”(‪.)2‬‬
‫وأ َّما المنافس��ة فهي‪ :‬المش�� َّقة من أجل الفوز دون تمني زوال النعم عن الغير‪،‬‬
‫وق��د َّ‬
‫حث اهلل س��بحانه وتعالى على التنافس الش��ريف بقوله‪ :‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﭼ [المطففين‪.]26 :‬‬
‫�أ�سباب احل�سد‪:‬‬
‫‪1-1‬العداوة والبغضاء‪ ،‬وهي من أش��د أسباب الحسد‪ ،‬فمن كره إنسانًا ألي سبب‬
‫كان‪ ،‬امتأل قلبه عليه حقد ًا‪ ،‬فيحسده على ما أتاه اهلل‪ ،‬ويرتبص به ليوقعه يف كل‬
‫مكروه‪.‬‬
‫‪2-2‬التعالي والتك ُّبر‪ ،‬وهو أن يجد يف نفسه تكرب ًا على من زاد عنه يف علم أو منصب‬
‫فيدب الحسد إلى نفسه بسبب ذلك‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أو مال‪،‬‬
‫‪3-3‬الخ��وف على فوات المقص��ود‪ ،‬وهو أن يتنافس مجموعة على أمر واحد‪ ،‬فال‬
‫ُبدَّ أن يكون ذلك األمر لش��خص واحد منهم‪ ،‬عندها قد يقع الحس��د لمن نال‬
‫ذلك األمر بسبب َس ْب ِق ِه لغيره‪.‬‬
‫��ث النفس وكرهها الخير للناس‪ ،‬وهذا دا ٌء ُع َض ٌال‪َّ ،‬‬
‫فإن هناك أن ُفس��ًا خبيثة‬ ‫‪ُ 4-4‬خ ْب ُ‬
‫َه ُّم َها َت َت ُّب ُع نِ َع ِم اهلل على الناس وكراهتها لهم وتمني زوالها عنهم!‪.‬‬

‫((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)9041‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)862‬عن عبداهلل‬
‫بن مسعود ‪.‬‬

‫((( شرح النووي‪.)79/6(:‬‬

‫‪112‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الو�سائل املعينة على ترك احل�سد‪:‬‬


‫الغنَى الحقيقي هو القناعة بما َمن ََحن اهلل تعالى؛ فعن‬ ‫فإن ِ‬ ‫‪1-1‬القناعة بما يعطينا اهلل‪َّ ،‬‬
‫ار َم َتك ُْن َأ ْع َبدَ الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬و ْار َض بِ َما َق َس َم‬ ‫الم َح ِ‬
‫أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬ات َِّق َ‬
‫ِ‬ ‫ب لِلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس‪َ ،‬و َأ ْح ِس ْن إِ َلى َج ِ‬
‫ب‬ ‫َّاس َما تُح ُّ‬ ‫ار َك َتك ُْن ُم ْؤمنًا‪َ ،‬و َأح َّ‬ ‫ك َتك ُْن َأ ْغنَى الن ِ‬
‫اهَّللُ َل َ‬
‫ب»(‪.)1‬‬ ‫ك ت ُِم ُ‬
‫يت ال َق ْل َ‬
‫ح ِ‬
‫الض ِ‬
‫ك‪َ ،‬فإِ َّن َك ْث َر َة َّ‬‫ح َ‬‫الض ِ‬
‫��ك َتك ُْن ُم ْس ِل ًما‪َ ،‬و اَل ُتكْثِرِ َّ‬
‫لِ َن ْف ِس َ‬
‫‪2-2‬الرض��ا بقض��اء اهلل وقدره‪ ،‬وليعلم الحاس��د أنه بحس��ده قد ارتك��ب جنايتين؛‬
‫األول��ى‪ :‬الحس��د‪ ،‬والثانية‪ :‬االع�تراض على حك��م اهلل يف تقس��يم رزقه‪ ،‬قال‬
‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﮊ‬
‫[الزخرف‪.]32 :‬‬
‫‪3-3‬غ��ض البصر عما يف أيدي الناس‪َ ،‬ف ُي َع ِّو ُد اإلنس��ان نفس��ه ع��دم النظر إلى ما يف‬
‫أيدي الناس عمالً بقول اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ [طه‪.]131 :‬‬
‫‪4-4‬الدع��اء بال َب َركَة لصاحب النعمة‪ ،‬فال دواء للحس��د أنج��ع وال أنفع من الدعاء‬
‫ألن ذلك َي ْكبِ ُت الشيطان‪ ،‬و ُي ْط ِف ُئ نار الحسد يف القلب‪.‬‬
‫للمحسود بالربكة؛ َّ‬
‫در الحسد ما أعدله‪،‬‬ ‫‪5-5‬اليقين َّ‬
‫بأن الحسد أول ما يضر الحاسد نفسه‪ ،‬فقد قيل‪ :‬هلل ّ‬
‫بدأ بصاحبه فقتله!‪.‬‬
‫الو�سائل الوقائية من ح�سد احلا�سدين‪:‬‬
‫‪1-1‬تق��وى اهلل تعالى‪ ،‬فم��ن ا َّتقى اهلل حفظه َو َوقاه‪ ،‬فقد ق��ال النبي ﷺ موصيًا ابن‬
‫ك‪ ،‬اح َف ِ‬
‫ظ اهَّللَ ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫عباس ‪« :‬يا ُغلاَ م إِنِّي ُأع ِّلم َ ِ ٍ‬
‫َجدْ ُه‬ ‫اح َفظ اهَّللَ َي ْح َف ْظ َ ْ‬
‫ك كَل َمات‪ْ ،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫((( رواه الترمذي‪ ،‬برقم (‪ ،)5032‬وحسنه األلباني‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اه َ‬
‫ك‪.)1(»...‬‬ ‫ت َُج َ‬
‫‪2-2‬الت��وكل عل��ى اهلل‪ ،‬ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮊ [الطالق‪،]3 :‬‬
‫التحصن‬
‫ُّ‬ ‫وليعلم المس��لم َّ‬
‫أن التوكل ال ينايف األخذ باألس��باب‪ ،‬ومن ضمنها‪:‬‬
‫باألذكار المشروعة‪ ،‬واالستعاذة باهلل من شر الحاسدين‪.‬‬
‫ب األسباب هو اهلل‬ ‫‪3-3‬تحقيق التوحيد يف النفس‪ ،‬وذلك بأن يوقِن المسلم َّ‬
‫أن ُم َس ِّب َ‬
‫وأن الحاسد ال يضر وال ينفع إال بإذن اهلل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫وحده‪َّ ،‬‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ [األنعام‪.]17 :‬‬
‫‪4-4‬االس��تعاذة باهلل من شر الحاس��دين؛ َّ‬
‫ألن اهلل تعالى يقول ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [الفلق‪.]5-1 :‬‬
‫‪5-5‬اإلحس��ان إلى الحاسد‪َّ ،‬‬
‫فإن اإلحسان إليه يطفئ نار الحسد يف قلبه‪ ،‬فيسلم ذو‬
‫شره‪.‬‬
‫النِّعمة ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬من أذى الحاسد ومن ِّ‬

‫((( رواه الترمذي‪ ،‬برقم (‪ ،)6152‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫النموذج السادس‪ :‬الغفلة‬


‫الغفلة لغة‪ :‬ترك الشيء سهو ًا‪ ،‬وربما كان عن عمد(‪.)1‬‬
‫واصطالحًا هي‪ :‬عدم تن ُّبه اإلنس��ان لألمور المهمة‪ ،‬فال يخطر الش��يء المهم‬
‫بباله(‪.)2‬‬
‫والغفلة من أخطر األمراض المعنوية التي تصيب قلب اإلنس��ان‪ ،‬وخاصة إذا‬
‫كانت غفلة عما يجب الحرص على تذك ُِّر ِه؛ كغفلة كثير من الناس عن اليوم اآلخر‪،‬‬
‫ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [األنبي��اء‪.]1 :‬‬
‫الفرق بني الغفلة والن�سيان‪:‬‬
‫الغفلة تكون باختيار اإلنس��ان‪ ،‬فيغفل عن األش��ياء التي ال ينبغي الغفلة عنها‪،‬‬
‫وقد يتذكرها ثم يتناس��اها عمد ًا‪ ،‬أما النس��يان فال يكون بقصد من��ه؛ ألنه حين ُينَ َّبه‬
‫يعود عن نس��يانه‪ ،‬فالغافل ُي َعنَّف على غفلته‪ ،‬كما يف قوله‪ :‬ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ [األع��راف‪:‬‬
‫ؤاخذ عليه اإلنس��ان‪ ،‬يقول النبي‬ ‫ألن النس��يان ال ُي َ‬ ‫‪ ،]205‬ول��م يقل من الناس��ين؛ َّ‬
‫ان َو َما ْاس ُت ْكرِ ُهوا َع َل ْي ِه»(‪.)3‬‬
‫ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ قد ت ََج َاو َز َع ْن ُأ َّمتِي ا ْلخَ َط َأ َوالن ِّْس َي َ‬
‫وأ َّما الغفلة المحمودة‪ :‬فهي الغفلة عن القبائح‪ ،‬وقد جاء هذا النوع من الغفلة‬
‫المحم��ودة يف قول��ه تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ [الن��ور‪ ،]23 :‬ق��ال البغوي رحمه اهلل‪« :‬والغافلة عن‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪.)683/4(:‬‬

‫((( املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاني‪ ،‬ص(‪ ،)573‬والتعريفات‪ ،‬للجرجاني‪ ،‬ص(‪.)261‬‬

‫((( رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)3402‬عن أبي ذر ‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الفاحشة‪ :‬التي ال يقع يف قلبها فعل الفاحشة» (‪.)1‬‬


‫ومن مس��اوئ الغفلة أهنا َت ْح ِر ُم إجاب�� َة الدعاء؛ كما ورد عن النبي ﷺ أنه قال‪:‬‬
‫ب َغافِ ٍل‬
‫يب ُد َعا ًء ِم ْن َق ْل ٍ‬ ‫اإل َجا َب ِة‪َ ،‬وا ْع َل ُموا َأ َّن اهَّللَ الَ َي ْست ِ‬
‫َج ُ‬ ‫ُون بِ ِ‬ ‫«ادعوا اهَّلل و َأ ْنتُم م ِ‬
‫وقن َ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫ُْ‬
‫ال ٍَه»(‪.)2‬‬
‫�أ�سباب الغفلة‪:‬‬
‫الغفلة القلب عما يجب التي ُّقظ له � ٌ‬
‫أ�سباب؛ من �أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫غفلة أش��دُّ مِ ْن غفلة من ال يع��رف ربه؟!‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪1-1‬الجه��ل باهلل تعالى؛ فأي ٍ‬
‫ُّ‬
‫ﮋﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [الزمر‪.]9 :‬‬
‫‪2-2‬كث��رة المعاصي مع اإلصرار عليها وع��دم التوبة‪ ،‬فمن أكثر من المعاصي ولم‬
‫يب��ادر بالتوبة أصبح قل ُب ُه غافالً ال يعرف معروفًا‪ ،‬وال ينكر منكر ًا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋﭹﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [المطففين‪.]14 :‬‬
‫‪3-3‬صحبة الغافلين‪ ،‬فمن جالس الغافلين غفل‪ ،‬ثم يندم حين ال ينفع الندم‪ ،‬يقول‬
‫اهلل تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ [الفرقان‪.]28-27 :‬‬
‫الخ ْط َبة‪ ،‬ويكون‬ ‫الج ُم َعة فيها ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الج ُم َعة من ق َب ِل َمن تجب عليه؛ ألن ُ‬ ‫‪4-4‬ت��رك صالة ُ‬
‫فيه��ا تعريض القلوب للموعظة والرتغي��ب والرتهيب فينتبه؛ يقول النبي ﷺ‪:‬‬
‫ات‪َ ،‬أ ْو َل َيخْ تِ َم َّن اهللُ َع َلى ُق ُلوبِ ِه ْم‪ُ ،‬ث َّم َل َيكُون َُّن‬
‫« َلينْت َِهين َأ ْقوام عن ود ِع ِهم ا ْلجمع ِ‬
‫َ َ َّ َ ٌ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫م َن ا ْلغَافل َ‬
‫ين»(‪.)3‬‬

‫((( تفسير البغوي‪.)433/3(:‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)9743‬وحسنه األلباني‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)568‬عن عبداهلل بن عمر وأبي هريرة رضي اهلل عنهما‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪5-5‬طول األمل‪ ،‬فمن نسي الموت‪ ،‬وأطلق لألمل العنان‪ ،‬فسيكون من الغافلين‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [الحجر‪.]3 :‬‬
‫‪6-6‬كثرة الضحك‪ ،‬وقد انتشر الضحك وكثرت وسائله‪ ،‬حتى أصبح بعض الناس‬
‫يبحث عنه يف كل مكان‪ ،‬بمناس��بة أو غير مناس��بة‪ ،‬مم��ا أدى إلى موت القلب‬
‫ك‪،‬‬‫ح َ‬‫الض ِ‬
‫«و اَل ُتكْثِرِ َّ‬ ‫وتحكم الغفلة‪ ،‬قال النبي ﷺ يف وصيته ألبي هريرة ‪َ :‬‬
‫��ب» (‪ ،)1‬ويف الحديث اآلخ��ر يقول النبي ﷺ‪:‬‬ ‫ك ت ُِم ُ‬
‫يت ال َق ْل َ‬
‫ح ِ‬
‫الض ِ‬
‫َف��إِ َّن َك ْث َ‬
‫��ر َة َّ‬
‫ون ما َأع َلم‪َ ،‬لب َكيتُم كَثِيرا و َل َض ِ‬
‫ح ْكت ُْم َق ِليل»(‪.)2‬‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬
‫«وا َّلذي َن ْف ُس ُم َح َّمد بِ َيده‪َ ،‬ل ْو َت ْع َل ُم َ َ ْ ُ َ ْ ْ ً َ‬ ‫َ‬
‫عالج الغفلة‪:‬‬
‫غفلة القلب داء عضال‪ ،‬يؤدي باإلنسان للمهلكة‪ ،‬فيخسر الدنيا واآلخرة‪ ،‬ﮋﮂ‬
‫وإن مِ��ن أهم طرق النجاة من الغفلة ما يلي‪:‬‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الزم��ر‪َّ ،]15 :‬‬
‫‪1-1‬العل��م‪ ،‬والمراد به معرفة العبد لربه وأس��مائه وصفاته ومعانيها‪ ،‬ومعرفة النبي‬
‫وسنَّتِ ِه‪ ،‬ومعرفة اإلسالم وشرائعه‪ ،‬فمن عرف أصول دينه باألدلة الشرعية‬‫ﷺ ُ‬
‫حق الخش��ية‪ ،‬ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﯞ‬
‫زالت عنه الغفلة‪ ،‬وأصبح ممن يخش��ى اهلل َّ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [فاطر‪.]18 :‬‬
‫‪2-2‬كثرة ذكر اهلل تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وغيرها‪ ،‬والمحافظة‬
‫على أذكار المناسبات؛ كأذكار الصباح والمساء‪ ،‬والدخول والخروج‪...‬إلخ‪،‬‬
‫سيذك ُُر ُه اهلل و ُي َذك ُِّر ُه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫فإن لذاكر لربه ْ‬
‫َّ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﮊ [البقرة‪.]152 :‬‬
‫‪3-3‬حضور مجالس الذكر‪ ،‬أو االس��تماع لها عرب الوس��ائل الحديثة‪ ،‬فالتذكير مما‬

‫((( سبق تخريجه قريبا‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪.)7366‬‬

‫‪117‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اهلل تعالى ويبارك فيها‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫يدفع الغفلة عن اإلنسان؛ َّ‬
‫ألن هذه المجالس يح ُّبها ُ‬
‫«ما َأ ْج َل َس��ك ُْم؟» َقا ُلوا‪َ :‬ج َل ْس��نَا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫النبي ﷺ َع َلى َح ْل َقة م ْن َأ ْص َحابِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫خ َر َج ُّ‬
‫َ‬
‫اهلل َون َْح َمدُ ُه َع َلى َما َهدَ انَا لِلإْ ِ ْسلاَ ِم‪َ ،‬و َم َّن بِ ِه َع َل ْينَا‪َ ،‬ق َال‪« :‬آهَّلل ِ َما َأ ْج َل َسك ُْم‬‫ن َْذك ُُر َ‬
‫«أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْس��ت َْح ِل ْفك ُْم ت ُْه َم ًة‬
‫اك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫اك؟» َقا ُل��وا‪َ :‬واهللِ َما َأ ْج َل َس��نَا إِلاَّ َذ َ‬ ‫إِ اَّل َذ َ‬
‫اهي بِك ُُم ا ْل َملاَ ئِ َكةَ»(‪.)1‬‬ ‫يل َف َأ ْخبرنِي‪َ ،‬أ َّن اهلل ع َّز وج َّل يب ِ‬
‫َ َ َ َ َُ‬ ‫ََ‬ ‫َلك ُْم‪َ ،‬و َلكِ َّن ُه َأتَانِي ِج ْبرِ ُ‬
‫‪4-4‬ق��راءة القرآن الكريم‪ ،‬فالق��رآن هو أعظم عالج للنفس م��ن كل أدوائها‪ ،‬ومن‬
‫ذلك داء الغفلة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ [اإلس��راء‪ ،]82 :‬فينبغ��ي للمس��لم أن يجعل له ِو ْرد ًا‬
‫قل‪ ،‬فإنه سيجد أثر ذلك يف ِر ّق ِة قلبه‪.‬‬
‫من القرآن يقرؤه كل يوم ولو ّ‬
‫فإن فيهم��ا تجديد ًا للعه��د مع اهلل‪ ،‬وإحي��ا ًءا للقلوب من‬
‫‪5-5‬التوب��ة واالس��تغفار‪َّ ،‬‬
‫غفلته��ا‪َّ ،‬‬
‫وإن ب��اب التوبة مفتوح‪ ،‬واهلل تعالى يفرح بتوب��ة عبده إذا تاب ورجع‬
‫إليه‪ ،‬ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [الزم��ر‪ ،]53 :‬وق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [ط��ه‪ ،]82 :‬وقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﮊ [الحجر‪.]49 :‬‬
‫‪6-6‬الدعاء‪ ،‬وس��ؤال اهلل تعالى ص�لاح القلب‪ ،‬فالدعاء س�لاح المؤمن‪ ،‬وهو مما‬
‫يس��تعين به العبد يف النجاة من كل ما يخاف الهالك بس��ببه‪ ،‬لذلك فإن من أراد‬
‫أن ينج��و م��ن الغفلة فعليه بالدعاء‪ ،‬فقد ق��ال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﮊ [البقرة‪.]186 :‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1072‬عن معاوية بن أبي سفيان ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬

‫اآلداب اإلسالمية‬

‫الوحدة الأوىل‪ :‬الآداب الإ�سالمية العليا‪ ،‬وتحتوي على‪:‬‬


‫‪1 )1‬الأدب مع اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫‪2 )2‬الأدب مع القر�آن الكرمي ‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬تابع‪ :‬الآداب الإ�سالمية العليا‪ ،‬وتحتوي على‪:‬‬
‫‪3 )3‬الأدب مع النبي ﷺ‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪� :‬آداب املهنة‪ ،‬وتحتوي على‪:‬‬
‫‪1 )1‬تعريف �آداب املهنة‪.‬‬
‫‪�2 )2‬ضوابط املهن يف الإ�سالم‪.‬‬
‫‪�3 )3‬أخالق املهن يف الإ�سالم‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫تعريف الآداب الإ�سالمية‪:‬‬


‫األَ َد َب لغة‪ :‬اس��م مأخوذ من مادة ( َأ ْدب) الت��ي تدل على معنى تجميع الناس‬
‫واآلد ُب ه��و الداعي لذلك‪ ،‬ومِ��ن هذا القياس أيض��ًا‪ :‬األَ َدب؛ ألنه‬
‫ِ‬ ‫إل��ى الطعام‪،‬‬
‫مجمع على استحسانه(‪.)1‬‬
‫��أ ِد ُب الن��اس إلى المحام��د وينهاهم‬
‫��مي أدب��ًا؛ ألنه َي ْ‬
‫«س ِّ‬
‫وق��ال ابن منظور‪ُ :‬‬
‫ع��ن ا ْل َم َقابِح‪ ،‬وأص��ل األدب الدعاء‪ ،‬ومنه قيل للصنيع يدع��ى إليه الناس‪َ :‬مدْ َعاة‬
‫َو َم ْأ ُد َبة»(‪.)2‬‬
‫واألدب اصطالح��ًا‪ :‬رياض��ة النف��وس ومحاس��ن األخالق‪ ،‬ويق��ع على كل‬
‫يتخر ُج هبا اإلنسان يف فضيلة من الفضائل(‪.)3‬‬
‫رياضة محمودة َّ‬
‫استخراج ما يف‬
‫َ‬ ‫الخ ُلق الجميل‪ ،‬ولهذا كان األَ َد ُب‬
‫و»حقيقة األدب‪ :‬استعمال ُ‬
‫القوة إلى الفعل»(‪.)4‬‬
‫الطبيعة من الكمال من َّ‬
‫فاألدب يكون فيه التخ ُّلق بمكارم األخالق‪ ،‬والتزام أحسن األقوال واألفعال‬
‫واألحوال‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬نضرة النعيم‪.)141/2(:‬‬

‫((( لسان العرب‪.)602/1(:‬‬

‫((( ( ) ينظر‪ :‬فيض القدير‪ ،‬للمناوي‪.)85/۳(:‬‬

‫((( مدارج السالكني‪ ،‬البن القيم‪.)163/2(:‬‬

‫‪121‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫من فوائد االلتزام بالأدب(‪:)1‬‬


‫األدب ُك ُّله جمال‪ ،‬وااللتزام به له فوائد كثيرة؛ منها‪:‬‬
‫‪1-1‬أنه يص ِّفي سلوك الفرد مِ َّما يشينه وينتقصه‪.‬‬
‫‪2-2‬أنه يجعل الناس يتح َّلون بالمحامد والمكارم ويبتعدون عن المناقص‪.‬‬
‫اإللهي يف األرض مِ َّما يصلح أحواله‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪3-3‬أنه يجعل اإلنسان يلتزم بالمنهج‬
‫‪4-4‬أن��ه يح ِّق��ق ِّ‬
‫تحريًا للخي��ر‪ ،‬ودعوة إل��ى القيم الرفيع��ة تمنع انفالت اإلنس��ان‬
‫وهبوط��ه إل��ى األدنى‪ ،‬أو ارت��كاب األفعال الهابط��ة‪ ،‬بل تدعوه إلى التَّس��امِي‬
‫وهتذيب الشهوات‪.‬‬
‫‪5-5‬أنه يح ِّقق وحدة دائمة‪ ،‬وانسجامًا يف اإلنسان وسلوكه الفردي واالجتماعي‪.‬‬
‫‪6-6‬أنه يح ِّقق اإليجابِ َّية يف الحياة‪ ،‬وإتاحة الفرصة لإلبداع واالبتكار‪ ،‬والحيو َّية يف‬
‫السلوك‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬نضرة النعيم‪.)071/2(:‬‬

‫‪122‬‬
‫الوحدة األولى‪ :‬اآلداب اإلسالمية العليا‬

‫‪1 )1‬الأدب مع اهلل عز وجل ‪.‬‬


‫‪2 )2‬الأدب مع القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪1 -1‬أن يب ِّين الطالب أهمية األدب مع اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪2 -2‬أن يعدِّ د الطالب ثالثة من مظاهر شكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫يوضح الطالب صور األدب مع القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن ِّ‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تب ِّين أهمية األدب مع اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪2 -2‬تعدِّ د ثالثة من مظاهر شكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫توضح صور األدب مع القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ِّ 3 -3‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫نعن��ي باآلداب اإلس�لامية العليا تلك اآلداب التي ش��رع اإلس�لام التأ َّدب هبا‬
‫��رعت لنا آداب هي يف‬ ‫ج ُّله مما ُأمِر بإجالله؛ فقد ُش ِ‬
‫حينما يتعامل المس��لم مع ما ُي ِ‬
‫غاي��ة الس��مو والرفعة‪ ،‬ينبغي أن نتأ َّدب هبا يف تعاملنا م��ع اهلل جل وعال‪ ،‬ومع كتابه‬
‫العظيم‪ ،‬ومع رسوله الكريم ﷺ‪ ،‬وفيما يلي التعريف بأهم تلك اآلداب‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األدب مع اهلل عز وجل‬
‫إن اهلل تعالى هو َأ َح ُّق َمن ُيت ََأ َّد ُب معه‪ ،‬فح ُّقه س��بحانه آ َكدُ الحقوق‪ ،‬فهو تعالى‬
‫َّ‬
‫أه��ل الثناء والمج��د‪ ،‬وصاحب الج�بروت والملكوت والكربي��اء والعظمة‪ ،‬وله‬
‫الخلق واألمر‪ ،‬وله الملك وله الحمد وله الدنيا واآلخرة‪ ،‬وله النعمة‪ ،‬وله الفضل‪،‬‬
‫وله الثناء الحس��ن‪ ،‬وله ا ْل ُم ْلك ك ُّله‪ ،‬وله الحمد ك ُّله‪ ،‬وبيده الخير ك ُّله‪ ،‬وإليه يرجع‬
‫وعمت نِ ْع َم ُت ُه ك َُّل‬
‫األمر ك ُّله‪ ،‬ش��ملت قدره ك َُّل ش��يء‪ ،‬ووسعت رحمته ك َُّل شيء‪َّ ،‬‬
‫حي‪ ،‬ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [الرحمن‪.]٢٩ :‬‬
‫والتأدب مع الخالق جل وعال يكون بأمور؛ من أبرزها‪:‬‬
‫�أو ً‬
‫ال‪ :‬الإميان به وتوحيده واحلذر من ال�شرك‪:‬‬
‫فتوحيد اهلل وإخالص العبادة له س��بحانه وعدم الش��رك ب��ه هو رأس األمر يف‬
‫تعظي��م اهلل عز وج��ل والتأ ُّدب معه؛ فهو األم��ر الذي مِن َأ ْجلِ ِه َخ َل َ‬
‫��ق ا ْل َخ ْلق‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [الذاريات‪.]٥٦ :‬‬
‫غيره؛ كما قال النب��ي ﷺ‪َ « :‬ق َال اهللُ َت َب َار َك‬ ‫وه��و س��بحانه ُّ ِ‬
‫أجل من أن ُيعبد معه ُ‬
‫الش ْر ِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َملاً َأ ْش َر َك فِ ِيه َم ِعي َغ ْيرِي‪ ،‬ت ََر ْك ُت ُه‬ ‫الشرك ِ‬
‫َاء َع ِن ِّ‬ ‫َو َت َعا َلى‪َ :‬أنَا َأ ْغنَى ُّ َ‬

‫‪125‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫َو ِش ْر َك ُه»(‪.)1‬‬
‫حق اهلل على العب��اد؛ فعن معاذ بن‬ ‫وتوحي��د اهلل تعالى وعدم اإلش��راك به هو ُّ‬
‫«يا ُم َعا ُذ‪،‬‬ ‫ف النَّبِي ﷺ َع َلى ِح َم ٍ‬
‫ار ُي َق ُال َل ُه ُع َف ْي ٌر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫جب��ل ‪ ‬أنه ق��ال‪ُ :‬كن ُْت ِر ْد َ‬
‫ِّ‬
‫ت‪ :‬اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪،‬‬ ‫اد َع َلى اهَّللِ؟»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫العب ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َه ْل تَدْ ِري َح َّق اهَّلل َع َلى ع َباده‪َ ،‬و َما َح ُّق َ‬
‫اد ع َلى اهَّلل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ « :‬فإِ َّن َح َّق اهَّلل َع َلى الع َباد َأ ْن َي ْع ُبدُ و ُه َوالَ ُي ْش��رِكُوا بِه َش ْيئًا‪َ ،‬و َح َّق الع َب َ‬
‫َأ ْن الَ ُي َع ِّذ َب َم ْن الَ ُي ْشرِ ُك بِ ِه َش ْيئًا»(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪� :‬شكره على نعمة واالعرتاف بف�ضله‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن نع��م اهلل تعالى على العبد كثي��رةٌ‪ ،‬وليس بمقدور الناس جميعًا إحصاؤها؛‬
‫كم��ا ق��ال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [إبراهيم‪ ،]٣٤ :‬وإنما‬
‫بمقدوره��م أن يقوموا بش��كرها كما أمر بذلك س��بحانه‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ [البق��رة‪ ،]١٥٢ :‬وق��ال عز وجل ‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ‬
‫[العنكبوت‪ ،]١٧ :‬ويتحقق شكره سبحانه على نِ َع ِم ِه بأمور؛ منها‪:‬‬
‫‪1-1‬الخض��وع له ‪ ،‬ويكون ذلك بالقلب‪ ،‬بأن يوقن أهنا من عند اهلل وحده؛ كما‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ [النحل‪.]٥٣ :‬‬
‫فإن النف��وس ُجبِ َلت بِ َط ْب ِع َها على‬
‫وج ْع ُل َها فوق مح َّب ِة كل أحد‪َّ ،‬‬
‫‪َ 2-2‬م َح َّبتُ�� ُه تعالى‪َ ،‬‬
‫ب َمن أحسن إليها‪ ،‬فكيف إذا كان هذا ا ْل ُمن ِْع ُم هو اهلل عز وجل ؟!‪.‬‬ ‫ُح ِّ‬
‫‪3-3‬االع�تراف بِن ِ َع ِم ِه تعال��ى‪ ،‬ويكون ذلك ب��دوام اإلقرار والحمد باللس��ان؛ قال‬
‫تعال��ى‪ :‬ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣﭼ [الضح��ى‪ ،]١١ :‬ويكون أيضًا بالجوارح‪،‬‬
‫وذل��ك بطاعت��ه تعال��ى والبعد ع��ن معاصيه؛ ق��ال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2985‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2856‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)30‬‬

‫‪126‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﯱﮊ [سبأ‪.]١٣ :‬‬


‫‪4-4‬الثناء على اهلل هبا‪ ،‬ونسبة الفضل له وحده‪ ،‬والتربُّؤ من حول اإلنسان وقوته‪.‬‬
‫‪5-5‬أن يستعمل العبد النعمة فيما يرضي ا ْل ُمن ِْع َم‪ ،‬وال يستعملها يف معصيته‪.‬‬
‫توفيق منه سبحانه يحصل للعبد بأمور؛ من أهمها‪ :‬كثرة‬ ‫والقيام بشكر اهلل تعالى ٌ‬
‫��ول ﷺ‬ ‫دعاء اهلل وطلب اإلعانة منه على ذلك؛ فعن معاذ بن جبل اهلل ‪َ ،‬أ َّن َر ُس َ‬
‫«أ ِ‬
‫وص َ‬
‫يك َيا‬ ‫ك»‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬‬ ‫ك‪َ ،‬واهَّلل ِ إِنِّي لأَ ُ ِح ُّب َ‬
‫«يا ُم َعا ُذ‪َ ،‬واهَّلل ِ إِنِّي لأَ ُ ِح ُّب َ‬ ‫ِِ‬
‫َأ َخ َذ بِ َيده‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذ ْكرِ َك‪َ ،‬و ُش�� ْكرِ َك‪َ ،‬و ُح ْس ِ‬
‫��ن‬ ‫ُم َعا ُذ اَل تَدَ َع َّن فِي ُد ُبرِ ك ُِّل َصلاَ ٍة َت ُق ُ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫ِع َبا َدتِ َ‬
‫جل جال ُله‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬ا�ست�شعار مراقبته َّ‬
‫يج��ب أن يك��ون العبد على يقين دائ��م با ِّطالع اهلل تعالى عل��ى ظاهره وباطنه‬
‫يف جمي��ع أحواله‪ ،‬قال تعال��ى‪ :‬ﮋﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]٢٣٥‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ [غافر‪.]١٩ :‬‬
‫ومتى استش��عر اإلنس��ان مراقبة اهلل له يف كل ٍ‬
‫آن وعلى كل ٍ‬
‫حال َد َف َع ُه ذلك إلى‬
‫وتعاه ِد النية‪ ،‬والثبات على الطاعة‪ ،‬فيع ُبدُ اهلل بأعلى مراتب الدين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إحسان العمل‪،‬‬
‫وهي مرتبة اإلحس��ان‪ ،‬الذي ب َّينه النبي ﷺ حين س��أله جربيل عنه‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫«أ ْن‬
‫َت ْع ُبدَ اهللَ ك ََأن َ‬
‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َتك ُْن ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬
‫اك»(‪.)2‬‬
‫وال تتم مراقبة اهلل تعالى يف قلب العبد إال بأمرين‪:‬‬
‫َّأولهم��ا‪ :‬معرفته عز وجل بأس��مائه وصفاته وما ت��دل عليه من المعاين معرفة‬
‫حقيقية؛ فاهلل تعالى هو الرقيب‪ ،‬والحفيظ‪ ،‬والعليم‪ ،‬والسميع‪ ،‬والبصير‪ ،‬فإذا َعلِ َم‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)1522‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)4777‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)9‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫العبد هذه األس��ماء وأيق��ن بمقتضاها أورثه ذلك دوام مراقبة اهلل وحس��ن األدب‬
‫معه‪.‬‬
‫وثانيهم��ا‪ :‬تقوية خش��ية اهلل يف القلب‪ ،‬بحيث يخ��اف اهلل تعالى‪ ،‬وأمارة ذلك‪:‬‬
‫تقدي��م خوفِ ِه مِنْ ُه عل��ى الخوف من غيره؛ ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﮊ [التوبة‪ ،]١٣ :‬وتكون أيضا بالخوف من عذابه وعقوبته يف اآلخرة؛ كما‬
‫قال عز وجل ‪ :‬ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ [األنعام‪.]١٥ :‬‬
‫رابعا‪ :‬الت�سليم حلكمه و�أمره ونهيه‪:‬‬
‫ال يتح َّق ُق األدب مع اهلل تعالى إال إذا تل َّقى اإلنسان أحكام اهلل بالقبول والتطبيق‬
‫العملي‪ ،‬فال يرد شيئا من أحكام اهلل‪ْ ،‬‬
‫فإن ر َّد شيئًا من أحكام اهلل فقد أساء األدب مع ربه‬
‫عز وجل ‪ ،‬سواء ردها إنكارا لها‪ ،‬أو استكبارا أو هتاونا بالعمل هبا؛ قال تعالى‪ :‬ﮋﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞﭟﭠ ﮊ [األحزاب‪.]٣٦ :‬‬
‫والتس��ليم لحك��م اهلل تعالى هو مقتضى طاعته التي ُأمِ��ر هبا المؤمنون؛ كما يف‬
‫قول��ه‪ :‬ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [محم��د‪ ،]٣٣ :‬وق��د وص��ف‬
‫كل ُح ْك ٍ‬
‫��م يخالف ُح ْك َم ُه بأنه ُح ْك ُ‬
‫��م الجاهلية‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋ ﯾ ﯿ‬ ‫اهلل تعال��ى َّ‬
‫ﰀ ﮊ [المائدة‪ .]٥٠ :‬قال ابن س��عدي رحمه اهلل‪ :‬ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ أي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حكم خالف ما أنزل‬ ‫َأ َف َي ْط ُل ُبون بِت ََو ِّليهم وإعراضهم عنك حكم الجاهلية؟‪ ،‬وهو كل‬
‫ثم إال ُح ْكم اهلل ورسوله‪ ،‬أو ُح ْكم الجاهلية‪ ،‬فمن أعرض عن‬
‫اهلل على رسوله؛ فال َّ‬
‫األول ابتلي بالثاين المبني على الجهل والظلم والغي‪ ،‬ولهذا أضافه اهلل للجاهلية‪،‬‬
‫وأ َّم��ا حكم اهلل تعالى فمبني على العلم والعدل والقس��ط والنور والهدى‪ ،‬ﮋ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [المائ��دة‪ ،]٥٠ :‬فالموق��ن هو الذي يعرف‬
‫الف��رق بين الحكمي��ن ويميز ‪-‬بإيقانه‪ -‬م��ا يف حكم اهلل من الحس��ن والبهاء‪ ،‬وأنه‬

‫‪128‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫يتعين عقال وشرعا ا ِّتباعه”(‪.)1‬‬


‫خام�سا‪ :‬التوبة �إليه‪:‬‬
‫أم��ر اهلل تعال��ى بالتوب��ة إلي��ه فق��ال‪ :‬ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﮊ [الن��ور‪ ،]٣١ :‬ووعد التائبي��ن بالقبول‪ ،‬فق��ال‪ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [الشورى‪.]٢٥ :‬‬
‫وفت��ح لهم أبواب الرجاء يف عفوه ومغفرته‪ ،‬وأمرهم أن يلجؤوا إلى س��احات‬
‫كرم��ه وج��وده‪ ،‬طالبين تكفير الس��يئات وس�تر الع��ورات‪ ،‬وقبول التوب��ة‪ ،‬وأن ال‬
‫يطرده��م من رحمته وال يوصد دوهنم باب��ه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ‬
‫[الزمر‪.]٥٣ :‬‬
‫��ب أهل التوبة الذين يع��ودون إليه كلما أذنبوا؛ قال س��بحانه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واهلل تعال��ى ُيح ُّ‬
‫ﮋﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [البق��رة‪َ ،]٢٢٢ :‬و َص َّح عن النبي ﷺ قوله‪َ « :‬ل َّل ُه َأ َش��دُّ َف َر ًحا‬
‫َت ِمنْ ُه‬‫ض َفلاَ ٍة‪َ ،‬فا ْن َف َلت ْ‬
‫اح َلتِ ِه بِ َأ ْر ِ‬
‫َان ع َلى ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُوب إِ َل ْيه‪ ،‬م ْن َأ َحدك ُْم ك َ َ َ‬ ‫ين َيت ُ‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫بِت َْو َبة َع ْبده ح َ‬
‫اض َط َج َع فِي ظِ ِّل َها‪َ ،‬قدْ َأيِ َس ِم ْن‬ ‫��را ُب ُه‪َ ،‬ف َأيِ َس ِمن َْها‪َ ،‬ف َأتَى َش َج َرةً‪َ ،‬ف ْ‬
‫َو َع َل ْي َها َط َع ُام ُه َو َش َ‬
‫خ َط ِام َها‪ُ ،‬ث َّم َق َال ِم ْن ِش��دَّ ِة‬ ‫ك إِ َذا هو بِها‪َ ،‬قائِم ًة ِعنْدَ ه‪َ ،‬ف َأ َخ َذ بِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫��ه‪َ ،‬ف َب ْينَا ُه َو ك ََذلِ َ‬
‫اح َلتِ ِ‬‫ر ِ‬
‫َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْخ َط َأ ِم ْن ِشدَّ ِة ا ْل َف َرحِ »(‪.)2‬‬ ‫ْت َع ْب ِدي َو َأنَا َر ُّب َ‬‫الله َّم َأن َ‬
‫ا ْل َف َرحِ ‪ُ :‬‬
‫الذنْب؛ بل عليه كلما أذنب‬ ‫وعلى العبد أن ال َي َم َّل من تكرار التوبة ك َّلما تكرر َّ‬
‫الله َّم ا ْغ ِف ْر لِي‬
‫َب َع ْب��دٌ َذ ْن ًبا‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬‬ ‫أن يت��وب؛ فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال‪َ :‬‬
‫«أ ْذن َ‬
‫ْب‪َ ،‬و َي ْأ ُخ ُذ‬ ‫َب َع ْب ِدي َذ ْن ًبا‪َ ،‬ف َع ِل َم َأ َّن َل�� ُه َر ًّبا َيغ ِْف ُر َّ‬
‫الذن َ‬ ‫��ار َك َو َت َعا َلى‪َ :‬أ ْذن َ‬
‫َذ ْنبِ��ي‪َ ،‬ف َق َال َت َب َ‬
‫((( تيسير الكرمي الرحمن يف تفسير كالم املنان‪.)239/1(:‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2747‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ي َر ِّب ا ْغ ِف ْر لِي َذ ْنبِي‪َ ،‬ف َق َال َت َب َار َك َو َت َعا َلى‪َ :‬ع ْب ِدي‬ ‫��ال‪َ :‬أ ْ‬
‫َب‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ْ��ب‪ُ ،‬ث َّم َعا َد َف َأ ْذن َ‬‫الذن ِ‬ ‫بِ َّ‬
‫ي‬‫َب َف َق َال‪َ :‬أ ْ‬ ‫��م َعا َد َف َأ ْذن َ‬ ‫ْب‪ُ ،‬ث َّ‬ ‫الذن ِ‬‫ْب‪َ ،‬و َي ْأ ُخ ُذ بِ َّ‬ ‫��م َأ َّن َل ُه َر ًّبا َيغ ِْف ُر َّ‬
‫الذن َ‬
‫ِ‬
‫َأ ْذن َ‬
‫َ��ب َذ ْن ًبا‪َ ،‬ف َعل َ‬
‫َ��ب َع ْب ِدي َذ ْن ًبا‪َ ،‬ف َع ِل َم َأ َّن َل�� ُه َر ًّبا َيغ ِْف ُر‬ ‫��ر لِ��ي َذ ْنبِي‪َ ،‬ف َق َ‬
‫��ال َت َب َار َك َو َت َعا َلى‪َ :‬أ ْذن َ‬
‫ِ‬
‫َر ِّب ا ْغف ْ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫ْت َف َقدْ َغ َف ْر ُت َل َ‬ ‫ْب‪ ،‬ا ْع َم ْل َما ِشئ َ‬ ‫الذن ِ‬ ‫ْب‪َ ،‬و َي ْأ ُخ ُذ بِ َّ‬ ‫َّ‬
‫الذن َ‬
‫�ساد�سا‪ :‬ح�سن الظن به‪:‬‬
‫ُح ْس�� ُن الظن باهلل تعالى هو‪ :‬اعتقاد ما يليق باهلل‪ ،‬واليقين بأنه ال ُي َقدِّ ُر ش��ي ًئا يف‬
‫الكون إال وفيه الحكمة والخير لعباده‪.‬‬
‫وح ْس ُن الظن باهلل عز وجل من أجل العبادات القلبية‪ ،‬وهو واجب يف األمور‬
‫ُ‬
‫كلها‪ ،‬واهلل تعالى عند ظن عبده به؛ فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪« :‬يقول‬
‫اهلل تعالى‪َ :‬أنَا ِعنْدَ َظ ِّن َع ْب ِدي بِي»(‪.)2‬‬
‫ففي هذا الحديث القدس��ي ترغيب من اهلل ‪ ‬لعباده بتحس��ين ظنوهنم‪ ،‬وأنه‬
‫يعاملهم على حس��بها‪ ،‬فمن ظ�� َّن به خيرا أفاض عليه جزيل خيراته‪ ،‬وأس��بل عليه‬
‫تفضالته‪ ،‬ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ َعطِ َّياته‪َ ،‬ومن لم يكن فِي َظنِّه‬ ‫جميل ُّ‬
‫هك��ذا لم يكن اهلل تعال��ى له هكذا‪ ،‬وهذا هو معنى كونه س��بحانه وتعالى عند ظن‬
‫عبده‪ ،‬فعلى العبد أن يكون َح َس َن ال َّظ ِّن بِ ِّربِ ِه يف جميع حاالته(‪.)3‬‬
‫ويتأكد حس��ن الظ��ن باهلل يف حال الش��دائد‪ ،‬وخاصة عند الم��وت؛ ف َع ْن َجابِ ٍر‬
‫«ل َي ُموت ََّن َأ َحدُ ك ُْم إِ اَّل َو ُه َو‬ ‫‪َ ،‬ق َال‪ :‬س ِمع ُت النَّبِي ﷺ‪َ ،‬قب َل و َفاتِ ِه بِ َثلاَ ٍ‬
‫ث‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ول‪ :‬اَ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬

‫((( رواه مسلم‪ ،‬برقم(‪ ،)2758‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( متف���ق علي���ه‪ ،‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)7405‬ومس���لم يف صحيح���ه‪ ،‬برقم(‪ ،)2675‬عن أبي‬
‫هريرة ‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬حتفة الذاکرین بعدة احلصن احلصني من كالم سيد املرسلني‪ ،‬ص(‪.)12‬‬

‫‪130‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ُي ْح ِس ُن بِاهلل ِ ال َّظ َّن»(‪.)1‬‬


‫و إذا أصي��ب العبد يف الدنيا بِ َبلِ َّية َّ‬
‫فإن ُح ْس�� َن الظن باهلل تعالى يتأ َّكدُ عند ذلك‪،‬‬
‫فيج��ب أن يعلم المبتلى َّ‬
‫أن الذي ابتاله أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين‪ ،‬وأنه‬
‫س��بحانه لم يرس��ل إليه البالء ليهلكه وال ليعذبه به‪ ،‬وإنم��ا ليمتحن إيمانه وصربه‬
‫ورضاه؛ وليس��مع تضرع��ه وابتهال��ه‪ ،‬وليراه طريح��ًا ببابه الئذ ًا بجنابه‪ ،‬مكس��ور‬
‫القلب بين يديه‪ ،‬رافعًا الشكوى إليه(‪.)2‬‬
‫وم��ن حس��ن الظن باهلل أن يوقن المبتلى بأن م��ا أصابه من بالء إنما هو خير له‬
‫وإن ظهر له يف صورة الش��ر‪ ،‬فإن اهلل عز وجل ال يقضي لعباده إال خيرا‪َ ،‬علِ َم ُه َم ْن‬
‫وج ِه َل ُه َمن َج ِه َله‪ ،‬فما يقضيه اهلل من المنع لعبده المؤمن فهو عطاء وإن كان‬ ‫َعلِ َم ُه َ‬
‫يف ص��ورة المنع‪ ،‬ونِ ْع َم ٌة وإن كان يف صورة محنة‪ ،‬وبالؤه عافية وإن كان يف صورة‬
‫بلِ َّي��ة‪ ،‬ولكن ل ِ َج ْه ِل العبد و ُظ ْل ِم ِه وقِ َصر نظره ال َي ُعدُّ العطاء والنعمة والعافية إال ما‬
‫َ��ذ ب��ه يف العاجل وتمتَّع به يف القريب وكان مالئم��ا لطبعه خاليًا من األذى‪ ،‬وما‬ ‫ا ْلت َّ‬
‫أن فيما أصابه مِن بالء ش��حذ ًا لقواه‪ ،‬و ُع ُل ًّوا ل ِ ِه َّمتِه‪ ،‬وتكفير ًا لس��يئاته‪ ،‬ورفعًا‬
‫َعلِ َم َّ‬
‫لدرجاته‪ ،‬ومضاعف ًة لحسناته(‪.)3‬‬
‫وإذا كان ُح ْس�� ُن الظ ِّن باهلل سبحانه وتعالى يعترب مظهر ًا مِن مظاهر األدب معه‬
‫فإن ُس��وء الظ ِّن به تعالى ُي َعدُّ مِن ُس��وء األدب معه جل وعال‪ ،‬و َمن أساء الظ َّن بربه‬
‫َّ‬
‫فإن الجزاء مِن جنس العمل‪ .‬قال الش��يخ الش��نقيطي عند‬ ‫حصل له س��وء العاقبة؛ َّ‬
‫تفسير قوله س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [ص‪:‬‬
‫أن َم��ن ظ َّن باهلل ما ال يلي��ق به جل وعال فله الن��ار‪ ،‬وقد بين‬ ‫ُّ‬
‫“‪...‬ي��دل عل��ى ّ‬ ‫‪:]٢٧‬‬
‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪)2758‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تسلية أهل المصائب‪ ،‬ص(‪.)166‬‬
‫((( ينظر ‪ :‬مدارج السالكين‪.)193-192/2(:‬‬

‫‪131‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫تعال��ى يف موض��ع آخر َّ‬


‫أن َم��ن ظ َّن باهلل ما ال يلي��ق به ْأر َدا ُه وجعله من الخاس��رين‬
‫وجعل النار مثواه‪ ،‬وذلك يف قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﭭ ﭮ ﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [فصلت‪.)1(”]٢٤ – ٢٢ :‬‬
‫�سابعا‪ :‬حمبة اهلل تعاىل وتعظيم ا�سمه‪:‬‬
‫إن مِ��ن األدب مع اهلل تعالى‪ :‬تقديم محبت��ه ‪ ‬على ِّ‬
‫كل محبة؛ فقد جعل اهلل‬ ‫َّ‬
‫تعالى ذلك من أخص صفات المؤمنين‪ ،‬فقال سبحانه وتعالى‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮊ [البقرة‪.]١٦٥ :‬‬
‫وال يمك��ن أن يخل��و قل��ب المؤمن م��ن أصل محب��ة اهلل؛ ألهنا رك��ن العبادة‬
‫الركِين؛ فما دام قلبه مش��تمالً على محبة اهلل فهو يعب��ده و ُيقبِ ُل على طاعته وطاعة‬
‫َّ‬
‫رسوله ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ [آل‬
‫عمران‪.]٣١:‬‬
‫ومنه أيضا‪ :‬تعظيم اس��مه س��بحانه‪ ،‬فكلما نطق أو كتب اس��م اهلل تعالى أتبعه‬
‫بالتعظي��م‪ ،‬مث��ل لفظ‪( :‬تعال��ى) أو (س��بحانه) أو (تب��ارك)‪ ،‬ونحو ذل��ك‪ ،‬وأيضًا‬
‫عدم الدخول بش��يء فيه اس��م اهلل تعالى إلى أماكن النجاسات‪ ،‬إال عند الضرورة‪،‬‬
‫وكذلك عدم إلقاء األوراق التي فيها اس��مه تعالى يف الطرقات أو يف األماكن التي‬
‫ُترمى فيها ا ْل ُم َخ َّلفات‪ ،‬فكل ذلك من تعظيم اهلل ومحبته‪.‬‬

‫((( أضواء البيان‪.)342/6(:‬‬

‫‪132‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫التجمل عند �إرادة الوقوف بني يديه‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫ثامنا‪:‬‬
‫ويتجمل مت��ى أراد الوقوف بين‬
‫َّ‬ ‫إن م��ن األدب م��ع اهلل س��بحانه أن يته َّي َأ العبد‬
‫َّ‬
‫يدي ربه للصالة باللباس الحس��ن والخش��وع التام‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [األعراف‪ .]٣١ :‬قال ابن تيمية‪“ :‬كان لبعض السلف ُح َّل ٌة‬
‫تجم ْل ُت‬ ‫بمبلغ عظيم من المال‪ ،‬وكان يلبس��ها وقت الصالة ويقول‪َ :‬ر ِّبي َأ َح ُّق َم ْن َّ‬
‫ب َأ ْن يرى‬ ‫ِ‬ ‫له يف صاليت!” (‪ ،)1‬وقال ابن القيم‪“ :‬ومعلو ٌم َّ‬
‫أن اهلل سبحانه وتعالى ُيح ُّ‬
‫َأ َث َر نِ ْع َمتِ ِه على عبده‪ ،‬ال سيما إذا وقف بين يديه»(‪.)2‬‬
‫وقال أيضًا‪« :‬ومن األدب مع اهلل يف الوقوف بين يديه يف الصالة‪ :‬وضع ال ُي ْمني‬
‫لمالك عن س��هل بن س��عد‪ :‬أنه من‬ ‫ٍ‬ ‫على ال ُي ْس��رى ح��ال قيام القراءة؛ ففي الموطأ‬
‫ب الوقوف بين يدي الملوك‬ ‫الس��نَّة‪ ،‬وكان الن��اس ُي ْؤ َم ُرون به‪ ،‬وال ريب أنه مِ��ن َأ َد ِ‬
‫ُّ‬
‫فعظيم العظماء أحق به!»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫والعظماء؛‬

‫((( املستدرك على مجموع الفتاوی‪.)65/3(:‬‬

‫((( مدارج السالكني‪.)363/2(:‬‬

‫((( املرجع السابق‪.)364/2(:‬‬

‫‪133‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثانيًا‪ :‬األدب مع القرآن الكريم‬

‫إن إن��زال الق��رآن مِنَّ�� ٌة ُعظمى على هذه األم��ة؛ فقد أنزله اهلل س��بحانه وتعالى‬
‫َّ‬
‫اله��دى‪ ،‬ومن َج ِ‬
‫ور‬ ‫��رج الن��اس به من الظلمات إل��ى النور‪ ،‬ومن الضاللة إلى ُ‬ ‫ل ُي ْخ ِ‬
‫األديان إلى عدل اإلس�لام‪ ،‬ومن ِضيق الدنيا إلى سعة الدنيا واآلخرة؛ قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ [إبراهي��م‪ ،]١ :‬وق��ال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [النحل‪.]٨٩ :‬‬
‫وح َّج ُت ُه البالغة على الناس جميعا‪ ،‬ختم اهلل به‬
‫والق��رآن هو كتاب اهلل الخالد‪ُ ،‬‬
‫وض ّمنَ ُه مِنهاجًا کامالً وشريعة‬
‫الكتب الس��ماوية‪ ،‬وأنزله هداية ورحمة للعالمين‪َ ،‬‬
‫تامة للحياة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ [اإلسراء‪.]٩ :‬‬
‫ومنزل��ة ه��ذا الكت��اب المبارك تحت��م علينا النصيح��ة له؛ والنب��ي ﷺ يقول‪:‬‬
‫��ول ِ ِه‪َ ،‬ولأِ َئِ َّم ِة ا ْل ُم ْس��لِ ِم ْي َن‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫��ن النَّص ْي َحةُ»‪ ،‬قلن��ا لمن؟ قال‪« :‬هلل‪َ ،‬ولكتَابِه‪َ ،‬ول َر ُس ْ‬
‫«الدِّ ْي ُ‬
‫َو َعا َّمتِ ِه��م»(‪ .)1‬وال تك��ون النصيحة للقرآن إال بعد معرف��ة حقوقه وما ينبغي له من‬
‫اآلداب ثم التأ ُّد ُب هبا؛ وفيما يلي ذكر ألبرز تلك اآلداب‪:‬‬
‫�أوال ‪ :‬الإميان به‪:‬‬
‫إن��ه ال يكون العبد ُم ْس��لِمًا إال إذا آمن بالقرآن الكريم‪ ،‬وق��د تكررت األوامر‬
‫اإللهية بذلك‪ ،‬مبينة أنه من أوجب الواجبات؛ قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [النس��اء‪:‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)55‬عن تميم الداري ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪ ،]١٣٦‬وال شك ّ‬
‫أن الكتاب الذي نزل على رسوله هو القرآن(‪.)1‬‬
‫اهلل تعالى على َمن َّ‬
‫كذب بالقرآن؛ إذ ال ُح ّجة له مع ظهور دالئل صدقه‬ ‫وأن َك َر ُ‬
‫وبركته؛ قال سبحانه‪ :‬ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [األنبياء‪.]٥٠ :‬‬
‫ويتحقق اإليمان بالقرآن العظيم بأمور؛ منها‪:‬‬
‫‪1-1‬االعتق��اد بأنه كالم اهلل تعالى؛ حرو ُفه ومعانيه‪ ،‬تك َّل��م اهلل به حقيقة‪ ،‬وأنه منزل‬
‫عل��ى نبينا محمد ﷺ‪ ،‬وأنه غير مخلوق‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ [التوبة‪.]6 :‬‬
‫‪2-2‬اعتق��اد صحة أخباره وعدل أحكامه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ [األنع��ام‪ ،]١١٥ :‬وق��ال ع��ز وج��ل ‪:‬‬
‫ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [البقرة‪.]٢ :‬‬
‫‪3-3‬اعتقاد عموم دعوته وش��مول ش��ريعته الت��ي جاء هبا لعم��وم الثقلين‪ ،‬منذ نزل‬
‫��ع أحد ًا من الجن واإلنس إال‬
‫وإلى أن يرفعه اهلل تعالى إليه آخر الدهر‪ ،‬فال َي َس ُ‬
‫اإليمان به وبما اشتمل عليه‪ ،‬و َأ ْن يعبدوا اهلل بشريعته؛ قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [الفرقان‪.]١ :‬‬
‫‪4-4‬اعتقاد نس��خه لجميع الكتب السابقة‪ ،‬فيجب على أهل الكتاب وغيرهم –بعد‬
‫نزول القرآن‪َ -‬أ ْن َي ِدينوا بدين اإلسالم الحق الذي جاءت أحكامه ُمب َّين ًة يف هذا‬
‫القرآن‪ ،‬فال ِدين إال ما جاء به‪ ،‬وال شريعة إال ما شرع اهلل فيه؛ إذ هو آخر الكتب‬
‫نزوال‪ ،‬فهو خاتمها‪ ،‬والشاهد والحاكم عليها؛ قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [المائدة‪.]48 :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪ ،)394 /5‬ومعالم التنزيل‪ ،‬للبغوي ( ‪ ،) 299/1‬وفتح القدير‪،‬‬
‫للشوكاني (‪.)791 /1‬‬

‫‪135‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪5-5‬أن��ه أعظم آي��ات االنبياء والمرس��لين ‪-‬عليهم الصالة والس�لام‪ -‬كما ثبت يف‬
‫��اء َنبِ ٌّي إِ اَّل ُأ ْعطِ َي َما ِم ْثل ُه َآم َن َع َل ْي ِه‬
‫أن النبي ﷺ قال‪« :‬ما ِمن األَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫الصحيحي��ن ّ‬
‫��ي‪َ ،‬ف َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ‬
‫ُون َأ ْك َث َر ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َان ا َّل ِذي ُأوتِ ُ‬
‫يت َو ْح ًيا أ ْو َحا ُه اهَّللُ إ َل َّ‬ ‫��ر‪َ ،‬وإِن ََّم��ا ك َ‬
‫ال َب َش ُ‬
‫الق َي َام ِة»(‪.)1‬‬
‫تَابِعا يوم ِ‬
‫ً َْ َ‬
‫��ه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ‬ ‫ح ْفظِ ِ‬ ‫أن الق��رآن هو الكت��اب الوحيد الذي تك َّف َل اهلل بِ ِ‬ ‫‪َّ 6-6‬‬
‫ُ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر‪.]٩ :‬‬
‫‪7-7‬أنه اش��تمل عل��ى التحدِّ ي به‪ ،‬ب��ل هو اآلي��ة ال ُعظمى التي أعج��ز اهلل هبا الجن‬
‫واإلنس أن يأتوا بمثلها ولو اجتمعوا على ذلك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠ ﭡﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬﭭ‬
‫ﭮﮊ [اإلسراء‪.]٨٨ :‬‬
‫ثانيا‪ :‬تالوته‪:‬‬
‫ِّ‬
‫بالحث على تالوة الق��رآن الكريم واإلكثار‬ ‫ج��اءت األدلة من القرآن والس��نة‬
‫منها؛ فقد أمر اهلل هبا نبيه ﷺ والخطاب له وألمته؛ فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [الكهف‪ ،]٢٧ :‬وأمر اهلل تعالى رس��وله ﷺ بأوامر ومن ضمنها‬
‫ت�لاوة القرآن‪ ،‬وجعل تالوة القرآن طريقًا إلى الدعوة إليه؛ فقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ [النم��ل‪“ .]٩٢ – ٩١ :‬أي‪ :‬أواظ��ب عل��ى تالوته لتنكش��ف‬
‫لي حقائقه الرائعة المخزونة يف تضاعيفه ش��يئا فش��يئا‪ ،‬أو على تالوته على الناس‬
‫بطري��ق تكري��ر الدعوة وتثنية اإلرش��اد فيكون ذل��ك تنبيها على كفايت��ه يف الهداية‬

‫((( متف���ق علي���ه؛ رواه البخ���اري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)4981‬ومس���لم يف صحيحه‪ ،‬برق���م(‪ ،)152‬عن أبي‬
‫هريرة ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫واإلرشاد من غير حاجة إلى إظهار معجزة أخرى”(‪.)1‬‬


‫وأثن��ى اهلل عل��ى الذي��ن يتلون كتاب��ه وب َّين عظي��م أجورهم بقول��ه‪ :‬ﮋ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭ ﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ‬
‫[فاطر‪ .]٣٠ – ٢٩ :‬ويف هذه إش��اد ٌة بالذي��ن يداومون على تالوة القرآن ويعملون‬
‫بأحكام��ه ووعْ��دٌ لهم َّ‬
‫ب��أن اهلل تعالى س��يوفيهم أجور هذه األعم��ال؛ بل ويزيدهم‬
‫فوق أجورهم من كرمه وإحسانه ‪ ،‬وما ذاك إال لفضل هذه األعمال الصالحة‪،‬‬
‫وأولها ِذكْر ًا‪ :‬تالوة القرآن الكريم‪.‬‬
‫أن الماهر بالقرآن يف َم ِع َّي ِة المالئكة الكرام؛ فعن عائشة رضي‬ ‫وب ّين النبي ﷺ َّ‬
‫الس�� َف َر ِة ا ْلكِ َرا ِم ا ْل َب َر َر ِة‪َ ،‬وا َّل ِذي َي ْق َر ُأ‬ ‫اهلل عنها عن النبي ﷺ قال‪« :‬ا ْلم ِ‬
‫اه ُر بِا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن َم َع َّ‬ ‫َ‬
‫اق‪َ ،‬ل ُه َأ ْج َر ِ‬
‫ان»(‪.)2‬‬ ‫آن َو َي َت َت ْعت َُع فِ ِيه‪َ ،‬و ُه َو َع َل ْي ِه َش ٌّ‬
‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫وحث ﷺ على االجتماع على تالوة القرآن الكريم وتدارس��ه‪ ،‬وب ّين أن ذلك‬
‫ت‬‫س��بب النزول الرحمات وحصول الربكات؛ فقال ﷺ‪« :‬وم��ا اجتَمع َقوم فِي بي ٍ‬
‫َ َ ْ َ َ ْ ٌ َْ‬
‫الس��كِينَةُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫��وت اهللِ‪ ،‬ي ْت ُل َ ِ‬
‫ِم��ن بي ِ‬
‫ت َع َل ْي ِه ِم َّ‬ ‫��م‪ ،‬إِ اَّل َن َز َل ْ‬
‫َاب اهلل‪َ ،‬و َيتَدَ َار ُس��و َن ُه َب ْين َُه ْ‬ ‫ون كت َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُُ‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ُة َو َح َّفت ُْه ُم ا ْل َملاَ ئ َكةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهللُ ف َ‬
‫ِ‬
‫َو َغش َيت ُْه ُم َّ‬
‫الح َسنَ ُة بِ َع ْشرِ َأ ْم َثالِ َها‪ ،‬اَل‬ ‫ِ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬من َقر َأ حر ًفا ِمن كِت ِ ِ‬
‫َاب اهَّلل َف َل ُه بِه َح َسنَةٌ‪َ ،‬و َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫ف»(‪.)4‬‬ ‫يم َح ْر ٌ‬ ‫ف و اَلم حر ٌ ِ‬ ‫ف‪َ ،‬و َلكِ ْن َألِ ٌ‬
‫ول ﭽﭑﭼ َح ْر ٌ‬ ‫َأ ُق ُ‬
‫ف َوم ٌ‬ ‫ف َح ْر ٌ َ ٌ َ ْ‬

‫((( تفسير أبي السعود‪.)306/6(:‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)798‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2699‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)2910‬عن عبداهلل بن مسعود ‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫فينبغ��ي للمس��لم أن يحرص على تالوة كت��اب اهلل تعالى‪ ،‬وأن يك��ون له ِو ْر ٌد‬
‫يوم��ي يقرأ فيه القرآن الكريم‪ ،‬مراعيا آداب الت�لاوة التي ذكرها العلماء‪ ،‬وأهمها‪:‬‬
‫ٌّ‬
‫اإلخ�لاص هلل تعال��ى عن��د الت�لاوة‪ ،‬والطه��ارة الحس��ية والمعنوية‪ ،‬واالس��تعاذة‬
‫والبس��ملة قب��ل الق��راءة‪ ،‬وتحس��ين الص��وت بالق��رآن‪ ،‬والعناية بأح��كام التالوة‬
‫وترس��ل‪ ،‬وتفريغ النف��س أثناء التالوة من الش��واغل‬
‫والتجوي��د‪ ،‬والق��راءة برتتيل ُّ‬
‫المانعة من التدبر؛ إلى غير ذلك من اآلداب(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬تع ُّلمه وتعليمه‪:‬‬
‫ال ري��ب‪َّ ،‬‬
‫أن تعلم القرآن الكريم وتعليمه من أفضل األعمال وأجل القربات‪،‬‬
‫يحظ��ى ُم َت َع ِّلم��ه و ُم َع ِّلمه بالفضل والخير يف الدنيا واآلخ��رة؛ فعن عثمان بن عفان‬
‫آن َو َع َّل َم ُه»(‪.)2‬‬
‫«خ ْي ُرك ُْم َم ْن َت َع َّل َم ال ُق ْر َ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬
‫وق��د ح��ث النبي ﷺ عل��ى تع ُّلم الق��رآن العظيم بقوله مخاطب��ا صحابته‬
‫ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫��و ٍم إِ َلى ُب ْط َح َ‬ ‫��ب َأ ْن َي ْغدُ َو ك َُّل َي ْ‬
‫«أ ُّيك ُْم ُيح ُّ‬ ‫‪-‬والخط��اب يش��مل األمة بعدهم‪َ :-‬‬
‫يق‪َ ،‬ف َي ْأتِ َي ِمنْ ُه بِنَا َق َت ْي ِن ك َْو َم َاو ْي ِن فِي َغ ْيرِ إِ ْثمٍ‪َ ،‬و اَل َق ْط ِع َر ِحمٍ؟»‪َ ،‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬يا‬ ‫َأ ْو إِ َل��ى ا ْل َع ِق ِ‬
‫ج ِد َف َي ْع َل ُم‪َ ،‬أ ْو َي ْق َر ُأ َآي َت ْي ِن‬‫«أ َفلاَ َي ْغدُ و َأ َحدُ ك ُْم إِ َلى ا ْل َم ْس ِ‬
‫ك‪َ .‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ب َذلِ َ‬ ‫رس َ ِ ِ‬
‫��ول اهلل نُح ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫ث‪َ ،‬و َأ ْر َب ٌع َخ ْي ٌر َل ُه‬ ‫ث َخير َله ِمن َثلاَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن كِت ِ ِ‬
‫َاب اهلل َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬خ ْي ٌر َل ُه م ْن نَا َق َت ْي ِن‪َ ،‬و َثلاَ ٌ ْ ٌ ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫اد ِه َّن ِم َن الإْ ِ بِ ِل»(‪.)3‬‬
‫ِمن َأربعٍ‪ ،‬و ِمن َأعدَ ِ‬
‫ْ َْ َ ْ ْ‬

‫((( لالستزادة يف معرفة آداب التالوة ينظر كتاب‪ :‬التبيان يف آداب حملة القرآن‪ ،‬لإلمام النووي‪.‬‬

‫((( رواه البخاري‪ ،‬برقم (‪.)027‬‬

‫((( رواه مس���لم‪ ،‬برقم (‪ ،)803‬و(بطحان) اس���م موضع بقرب املدينة‪ ،‬و(العقيق) ٍ‬
‫واد باملدينة‪ ،‬و(كوماوين)‬
‫الكوماء من اإلبل‪ :‬العظيمة السنام‪ .‬ينظر‪ :‬شرح صحيح مسلم للنووي‪.)89/6( :‬‬

‫‪138‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وتعليم القرآن ف��رض كفاية كما قال اإلمام النووي‪“ :‬تعليم المتع ِّلمين فرض‬
‫كفاية‪ ،‬فإن لم يكن من َيص ُل ُح إال واحد َت َع َّي َن‪ ،‬وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم‬
‫ببعضهم‪ ،‬فإن امتنعوا ك ُّلهم َأثِ ُموا‪ ،‬وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين»(‪.)1‬‬
‫والث��واب الجزيل‪ ،‬ويحصل‬
‫ُ‬ ‫العميم‬
‫ُ‬ ‫والخير‬
‫ُ‬ ‫العظيم‬
‫ُ‬ ‫األج��ر‬
‫ُ‬ ‫ويف تعلي��م القرآن‬
‫ذل��ك لم��ن ع َّلم ولو آيات مع��دودة من الق��رآن‪ ،‬فقد َح َّض النب��ي ﷺ على تبليغه‬
‫بقوله‪َ « :‬ب ِّلغُوا َعنِّي َو َل ْو َآيةً»(‪.)2‬‬
‫وتعلي��م الق��رآن والتذكير به باب عظيم من أبواب الدع��وة إلى اهلل تعالى‪ ،‬قال‬
‫س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ ‪ ،‬وق��ال ‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ [فصل��ت‪ ،]٣٣ :‬ق��ال الحاف��ظ ابن‬
‫حجر رحمه اهلل‪“ :‬الدعاء إلى اهلل يقع بأمور شتى‪ ،‬من جملتها‪ :‬تعليم القرآن‪ ،‬وهو‬
‫أشرف الجميع»(‪. )3‬‬
‫تي�سر منه‪:‬‬
‫رابعا‪ :‬حفظه �أو حفظ ما َّ‬
‫��ر لهم حفظ كالمه واستظهاره؛ يقول‬ ‫مِ ْن َف ْض ِل ال‪-‬له تعالى على عباده ْ‬
‫أن َي َّس َ‬
‫ج��ل وع�لا‪ :‬ﮋ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ [القمر‪ .]١٧ :‬وجاء عن‬
‫يس َر ُه على لسان اآلدميين‪ ،‬ما استطاع‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما قوله‪« :‬لوال أن اهلل َّ‬
‫أحدٌ من الخلق أن يتك ّلم بكالم اهلل عز وجل ”(‪ ،)4‬وهذا التيسير من خصائص هذا‬
‫الشكر‪ ،‬وذلك بحفظة القرآن أو حفظ ما َت َی َّسر‬
‫ب ُّ‬ ‫الكتاب المبارك‪ ،‬وهو نِ ْعم ٌة ُت ِ‬
‫وج ُ‬ ‫َ‬

‫((( التبيان يف آداب حملة القرآن‪ ،‬ص(‪.)44‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)3461‬عن عبداهلل بن عمرو ‪.‬‬

‫((( فتح الباري‪.)79/6(:‬‬

‫((( تفسير ابن كثير‪.)443 /7(:‬‬

‫‪139‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫آن‪َ ،‬ف َوا َّل ِذي َن ْف ِس��ي بِ َي ِد ِه َل ُه َو َأ َش��دُّ‬


‫اهدُ وا ال ُق ْر َ‬
‫وتعاهد المحفوظ‪ ،‬قال ﷺ‪َ « :‬ت َع َ‬ ‫ُ‬ ‫منه‪،‬‬
‫اإلبِ ِل فِي ُع ُق ِل َها»(‪.)1‬‬
‫َت َف ِّص ًيا ِم َن ِ‬

‫وحاف��ظ القرآن َأو َلى بما ُذكِ َر من فضائل التالوة؛ َّ‬


‫ألن الحفظ يش��مل التالوة‪،‬‬
‫ولم��ا يف الحفظ من مش�� َّقة‪ ،‬ولما يتميز به الحافظ م��ن كون الوحي يف صدره يقرأه‬
‫الس�� َف َر ِة‬ ‫ِ‬
‫آن‪َ ،‬و ُه َو َحاف ٌظ َل ُه َم َع َّ‬ ‫��ل ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫«م َث ُ‬‫متى ش��اء‪ ،‬وقد قال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫اهدُ ُه‪َ ،‬و ُه َو َع َل ْي ِه َش ِديدٌ َف َل ُه َأ ْج َر ِ‬
‫ان»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الك َرا ِم ال َب َر َرة‪َ ،‬و َم َث ُل ا َّلذي َي ْق َر ُأ‪َ ،‬و ُه َو َي َت َع َ‬
‫وترغيب فيه‬
‫ٌ‬ ‫وتشجيع عليه‬
‫ٌ‬ ‫حث على حفظ القرآن‬ ‫ولم يرتك النبي ﷺ أمر ًا فيه ٌّ‬
‫فاض ُل بين أصحابه على َقدْ ِر ِح ْفظِ ِهم للقرآن‪ِ ،‬‬
‫فيعقدُ الراية أحيانا‬ ‫إال سلكه؛ فكان ي ِ‬
‫ُ‬
‫ألكثره��م ِح ْف ًظ��ا للقرآن‪ ،‬وإذا بعث بعثا أو أرس��ل وفدا جع��ل إمامهم يف صالهتم‬
‫ِ‬
‫الر ُج َل المرأ َة‬ ‫أكثره��م حفظا للقرآن‪ ،‬و ُي َقدِّ م يف َل ْحد القرب أكثرهم َأ ْخ ًذا له‪ِّ ،‬‬
‫ويزوج َّ‬
‫عل��ى أن يكون مهرها تعليمه إياها ما معه من القرآن؛ إلى غير ذلك‪ ،‬مما يدل على‬
‫فضل حفظ القرآن أو حفظ شيء منه(‪.)3‬‬
‫خام�سا‪ ،‬تد ُّبره‪:‬‬
‫التد ُّبر ه��و‪ :‬النظر يف عاقبة األمر والتف ُّكر فيه(‪ .)4‬وتدبر القرآن هو‪ :‬تفهم معاين‬
‫ألفاظه‪ ،‬والتفكر فيما تدل عليه آياته‪ ،‬واالنتفاع بذلك(‪.)5‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)5033‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)۷۹۱‬عن أبي موسى األشعري‬
‫‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)4937‬عن عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬منهج السلف يف العناية بالقرآن الكرمي‪ ،‬للدكتور‪ /‬بدر البدر‪ ،‬ص(‪.)46‬‬

‫((( ينظر ‪ :‬لسان العرب‪ ،)273/4(:‬والفروق اللغوية‪ ،‬للعسكري‪ :‬ص(‪.)58‬‬

‫((( ينظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،)501/1(:‬والتبيان يف أقسام القرآن‪ :‬ص(‪ ،)145‬وتفسير السعدي‪ :‬ص(‪.)15‬‬

‫‪140‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اهلل بتدبر القرآن الكريم‪ ،‬وب َّين لنا أنه إنَّما أنزله لنتد َّب َر آياتِ ِه؛ ف ُي ْث ِمر ذلك‬
‫وقد َأ َم َر ُ‬
‫التد ُّب��ر اال ِّتعاظ هبا‪ ،‬فقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﮊ [ص‪ ،]٢٩ :‬وج��اء التوبي��خ لم��ن غفل عن التدبر؛ فق��ال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﮋﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ [النساء‪.]٨٢ :‬‬
‫وبين اهلل عز وجل سبب اإلعراض عن تد ُّبر كتابه الكريم‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ [محم��د‪ .]٢٤ :‬ق��ال الش��نقيطي رحمه اهلل‪“ :‬وما‬
‫َت َض َّمنَتْ�� ُه هذه اآلية الكريمة من التوبيخ واإلن��كار على َمن أعرض عن تد ُّبر كتاب‬
‫أن كل َم ْن لم يش��تغل بتدبر آيات هذا‬ ‫اهلل‪ ،‬جاء ُم َو َّض ًحا يف آيات كثيرة‪ ،...‬ومعلو ٌم َّ‬
‫الق��رآن العظيم وت َف ُّه ِمها‪ ،‬وإدراك معانيها والعمل هب��ا فإنه ُم ْع ِر ٌض عنها غير متدبر‬
‫لها‪ ،‬فيس��تحق اإلنكار والتوبيخ المذكور يف اآليات إن كان اهلل أعطاه فهما يقدر به‬
‫وتفهمه وتع ُّلمه‬ ‫عل��ى التدبر‪ ،...‬وهذه اآليات المذك��ورة ُّ‬
‫تدل على َّ‬
‫أن تد ُّبر القرآن ُّ‬
‫كثير من األقطار عن النظر يف كتاب‬ ‫والعمل به أمر ال بد منه للمس��لمين‪ ،‬فإعراض ٍ‬
‫وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المب ِّينة له من أعظم المناكر وأشنعها»(‪.)1‬‬ ‫اهلل ُّ‬
‫الق��ار ُئ قل َب ُه بالتف ُّكر يف معانيه‪ ،‬ويعتقد‬ ‫ِ‬ ‫ويكون تدبر القرآن الكريم بأن ي ْش ِ‬
‫��غ َل‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫بآية فيها ِذك ُْر الرحمة‪ :‬استبشر وسأل‪ ،‬وإذا قرأ آي ًة فيها ِذك ُْر‬ ‫قبول ذلك كله‪ ،‬فإذا مر ٍ‬
‫َ َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تضرع وطلب‪.‬‬ ‫وتعوذ‪ ،‬وإذا َم َّر بآية َتن ِْز ْيه‪َّ :‬نزه وع َّظم‪ ،‬أو فيها دعاء‪َّ :‬‬ ‫العذاب‪ :‬أشفق َّ‬
‫«ص َّل ْي ُت َم َع‬ ‫وهك��ذا كانت قراءة رس��ول اهلل ﷺ‪ ،‬فعن حذيفة بن اليم��ان ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫��م َم َضى‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َلي َل ٍ‬ ‫ِ‬
‫��ت‪َ :‬ي ْرك َُع عنْدَ ا ْلمائَة‪ُ ،‬ث َّ‬ ‫��ة‪َ ،‬فا ْف َتت ََح ا ْل َب َق َرةَ‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫��ي ﷺ َذ َ ْ‬ ‫النَّب ِّ‬
‫ُي َص ِّلي بِ َها فِي َر ْك َع ٍة‪َ ،‬ف َم َضى‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬ي ْرك َُع بِ َها‪ُ ،‬ث َّم ا ْف َتت ََح الن َِّس��ا َء‪َ ،‬ف َق َر َأ َها‪ُ ،‬ث َّم ا ْف َتت ََح‬
‫يح س َّب َح‪َ ،‬وإِ َذا مر بِس َؤ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َآل ِع ْم َر َ‬
‫ال َس َأ َل‪،‬‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َق َر َأ َها‪َ ،‬ي ْق َر ُأ ُمت ََر ِّسلاً ‪ ،‬إِ َذا َم َّر بِآ َية ف َيها َت ْسبِ ٌ َ‬

‫((( أضواء البيان‪.)428/7(:‬‬

‫‪141‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫َوإِ َذا َم َّر بِ َت َع ُّو ٍذ َت َع َّو َذ»(‪.)1‬‬


‫�ساد�سا‪ :‬العمل به‪:‬‬
‫والحقوق األُخرى للقرآن ٌ‬
‫تبع لهذا‬ ‫ُ‬ ‫العم��ل بالقرآن الكريم َأ َه ُّم مقاصد إنزاله‪،‬‬
‫الحق‪ ،‬إذ ال يمكن أن يعمل بالقرآن إال من آمن به وقرأه وتد َّبره‪.‬‬
‫والعمل بالقرآن يكون با ِّتباع أحكامه؛ بِ ِف ْع ِل ما أمر اهلل به فيه‪ ،‬وترك ما هنى اهلل‬
‫عنه؛ ابتغاء مرضاة اهلل وطمعا يف ثوابه وخوفا من عقابه‪ ،‬وعلى هذا س��ار الس��لف‬
‫الصالح ‪ ،y‬فكانوا يتع ّلمون القرآن ويعملون بما جاء فيه‪ ،‬عن عقيدة راس��خة‪ ،‬قال‬
‫أبو عبد الرحمن الس��لمي رحمه اهلل‪« :‬حدثنا الذي��ن كانوا ُي ْق ِر ُؤوننا القرآن‪ :‬عثمان‬
‫ب��ن عف��ان‪ ،‬وعبد اهلل بن مس��عود ‪ ،y‬وغيرهما‪ ،‬أهنم كان��وا إذا تع َّلموا من النبي ﷺ‬
‫عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتع َّلموها وما فيها من العلم والعمل‪ ،‬قالوا‪ :‬فتع َّلمنا‬
‫القرآن والعمل جميعا»(‪.)2‬‬
‫وقد أمر اهلل تعالى عباده بالعمل هبذا القرآن العظيم واتباع هداه‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [األنعام‪.]١٥٥ :‬‬
‫ومن عمل بالقرآن يف الدنيا فس��يكون حجة له وشافعا يوم القيامة‪ ،‬وأما من لم‬
‫ك»(‪.)3‬‬‫ك َأ ْو َع َل ْي َ‬
‫آن ُح َّج ٌة َل َ‬
‫«وا ْل ُق ْر ُ‬
‫يعمل به فسيكون شاهدا عليه؛ قال ﷺ‪َ :‬‬
‫�سابعا‪ :‬تعظيمه و�إجالله‪:‬‬
‫إن لكت��اب اهلل ع��ز وج��ل المكان��ة العظيمة والمنزل��ة الجليل��ة‪َّ ،‬‬
‫وإن تعظيمه‬ ‫َّ‬
‫كرم��ه وع َّظمه؛ فقال‬ ‫وإجالل��ه ٌ‬
‫دلي��ل على تعظي��م اهلل تعال��ى‪ ،‬إذ هو كالمه ال��ذي َّ‬
‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۷۷۲‬‬

‫((( رواه ابن جرير بلفظه يف تفسيره‪ ،)80/1( :‬وقال الشيخ أحمد شاكر‪( :‬هذا إسناد صحيح متصل)‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)223‬عن أبي مال ٍِك األَش َعرِ ِّي ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫س��بحانه‪ :‬ﮋﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﮊ‬
‫[الواقع��ة‪ ،]٨٠ – ٧٥ :‬وقال ‪ :‬ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﮊ‬
‫[الحجر‪.]٨٧ :‬‬
‫ول��ذا فم��ن الواجب علينا تعظيم ه��ذا الكتاب المب��ارك وإجالله؛ ومن صور‬
‫تعظيم القرآن ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬اإلنصات عن��د تالوته‪ ،‬لقوله تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [األعراف‪.]٢٠٤ :‬‬
‫والتخش��ع عند تالوته‪ ،‬فقد م��دح اهلل تعالى المخبتين الذين إذا ُق ِر َئ‬
‫ُّ‬ ‫‪2-2‬اإلخبات‬
‫القرآن الكريم خش��عوا وتأ َّث ُروا؛ فقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ [المائ��دة‪ ،]٨٣ :‬وقال تعالى‪ :‬ﮋ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮊ‬
‫[الس��جدة‪ ،]١٥ :‬وأثنى اهلل س��بحانه وتعالى على التَّالِين لكتابه‪ ،‬والمستمعين‬
‫له؛ الذين يخش��عون عند س��ماعه وتخبت ل��ه قلوهبم‪ ،‬فق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [الزم��ر‪ .]٢٣ :‬وب ّين اهلل تعالى ِع َ‬
‫ظ َم تأثير القرآن بقوله‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [الحش��ر‪ .]٢١ :‬وعن عبداهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪« :‬قال‬
‫ل��ي النبي ﷺ‪« :‬اِ ْق َر ْأ َع َل َّي»‪ ،‬قلت‪ :‬يا رس��ول اهلل‪ ،‬أقرأ علي��ك‪ ،‬وعليك ُأن ِْزل؟‪،‬‬
‫ق��ال‪« :‬نع��م»‪ ،‬فقرأت س��ورة النس��اء حتى أتي��ت إلى هذه اآلي��ة‪ :‬ﮋ ﮇ ﮈ‬

‫‪143‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ [النس��اء‪ ،]٤١ :‬قال‪:‬‬


‫فالتفت إليه‪ ،‬فإذا عيناه َت ْذ ِرفان»(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫اآلن»‪،‬‬
‫ك َ‬ ‫«ح ْس ُب َ‬
‫َ‬
‫‪3-3‬المحافظ��ة عليه من كل ما ُيدَ ن ُِّس�� ُه‪ ،‬والحرص على أال يكون س��ببا يف ا ْمتِ َهانه؛‬
‫كوضعه يف مكان ال يليق به‪ ،‬أو بجوار من ال يعلم به فيجلس عليه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬اال�ست�شفاء به‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ [اإلس��راء‪،]٨٢ :‬‬
‫وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫يستش��فون‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [فصل��ت‪ ،]٤٤ :‬وقد كان الصحابة الكرام‬
‫إن‬‫بالق��رآن؛ فعن أبي س��عيد الخدري ‪ ،‬ق��ال‪ :‬نزلنا منزال‪ ،‬فأتتنا ام��رأة فقالت‪َّ :‬‬
‫اق؟‪ ،‬فقام معه��ا َر َج ٌل مِنَّا‪ ،‬م��ا ُكنَّا َن ُظنُّ ُه‬
‫س�� ِّيد الحي س��ليم‪ُ ،‬ل ِد َغ‪ ،‬فهل فيك��م مِن ر ٍ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َق ْونَا َل َبنًا‪ ،‬فقلنا‪َ :‬أ ُكن َْت‬ ‫ُي ْحس�� ُن ُر ْق َية‪َ ،‬ف َر َقا ُه بِ َفات َحة الكتاب َف َب َر َأ‪ ،‬فأعطوه َغنَمًا‪َ ،‬‬
‫ُت ْح ِس�� ُن ُر ْق َيةً؟ فقال‪ :‬م��ا َر َق ْي ُت ُه إال بفاتحة الكتاب‪ ،‬قال‪ :‬فقل��ت‪ :‬ال ُت َح ِّركُوها حتى‬
‫َان يدْ ِر ِ‬
‫ي��ه َأن ََّها ُر ْق َيةٌ؟‬ ‫«ما ك َ ُ‬ ‫ن��أيت النب��ي ﷺ‪ ،‬فأتينا النبي ﷺ َف َذك َْرن��ا ذلك له‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫اضرِ ُبوا لِي بِ َس ْه ٍم َم َعك ُْم»(‪.)2‬‬ ‫ا ْق ِس ُموا َو ْ‬
‫وينبغي أن يحذر المسلم مِن َه ْجر القرآن؛ بِ َه ْج ِر ِه ما يجب عليه مما ُذكِر تجاه‬
‫القرآن‪ ،‬وألاَّ ُي ْشبِ ُه حا ُله َ‬
‫حال المشركين الذين ذكر اهلل تعالى يف قوله‪ :‬ﮋ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [الفرقان‪.]٣٠ :‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬هجر القرآن أنواع‪:‬‬
‫َأحدها‪ :‬هجر سماعه ِ‬
‫واإليمان به واإلصغاء إِليه‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)5050‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۸۰۰‬‬

‫((( رواه مسلم‪ ،‬برقم(‪.)2201‬‬

‫‪144‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫والثاين‪ :‬هجر العمل به والوقوف عند حالله وحرامه وإِ ْن َق َر َأ ُه وآمن به‪.‬‬
‫َوال َّثالِث‪ :‬هجر تحكيمه والتحاكم إِليه يف أصول الدين وفروعه واعتقاد َأنه ال‬
‫ِ‬ ‫يفيد اليقين َّ ِ‬
‫حصل العلم‪.‬‬ ‫وأن َأد َّلته لفظ َّي ٌة ال ُت ِّ‬
‫وتفه ِم ِه ومعرفة ما أراد المتك ِّلم به منه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرابِع‪ :‬هجر تد ُّب ِره ُّ‬ ‫َو َّ‬
‫االستِش��فاء والتداوي به يف جميع أمراض القلب وأدوائها؛‬ ‫والخامس‪ :‬هجر ْ‬
‫داخ ٌل فِي َق ْوله‪ :‬ﮋ ﯘ‬ ‫وكل هذا ِ‬ ‫اوي بِ ِ‬
‫��ه ُّ‬ ‫فيطلب ِش��فاء دائه مِن غيره‪ ،‬ويهجر التَّدَ ِ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [الفرقان‪.)1(”]٣٠ :‬‬

‫((( الفوائد‪ ،‬ص(‪.)82‬‬

‫‪145‬‬
‫الوحدة الثانية‪:‬‬

‫تابع‪ :‬اآلداب اإلسالمية العليا‬

‫‪3 )3‬الأدب مع النبي ﷺ‪.‬‬


‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪1 -1‬أن يب ِّين الطالب معنى اإليمان بالنبي ﷺ‪.‬‬
‫‪2 -2‬أن يعدِّ د الطالب مظاهر األدب مع النبي ﷺ‪.‬‬
‫يوضح الطالب كيفية توقير النبي ﷺ‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن ِّ‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تب ِّين معنى اإليمان بالنبي ﷺ‪.‬‬
‫‪2 -2‬تعدِّ د مظاهر األدب مع النبي ﷺ‪.‬‬
‫توضح كيفية توقير النبي ﷺ‪.‬‬
‫‪ِّ 3 -3‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثالثًا‪ :‬األدب مع النبي ﷺ‪.‬‬


‫أرس��ل اهلل عز وجل الرس��ل ل ُي ْخ ِر ُجوا الناس مِن ظلمات الكفر والش��رك إلى‬
‫��ح إيمان َأ َح ٍد إال‬ ‫ِ‬
‫ن��ور التوحي��د واإليمان‪ ،‬وجعلهم ُح َّج�� ًة على أقوامهم‪ ،‬وال يص ُّ‬
‫باإليمان هبم جميعًا‪ ،‬وقد امتثلت ُأ َّم ُة محمد ﷺ هذا‪ ،‬وأعلن النبي ﷺ والصحابة‬
‫إيماهنم بجميع األنبياء –عليهم الس�لام‪ -‬ب�لا تفريق بينهم‪ ،‬فأثنى اهلل‬ ‫الك��رام‬
‫عليهم بقول��ه‪ :‬ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ [البقرة‪.]٢٨٥ :‬‬
‫وق��د َم َّن اهلل تعالى عل��ى المؤمنين ببعثة نب ِّيه محمد ﷺ إليهم هاديًا ومبش��ر ًا‬
‫ونذير ًا‪ ،‬وداعيًا إلى اهلل بإذنه وسراجًا منير ًا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ [آل عم��ران‪]١٦٤ :‬؛ ففت��ح اهلل تعال��ى ب��ه‬
‫َأ ْع ُين��ًا ُع ْميًا وآذانًا ُ‬
‫ص ًّما وقلوب��ا ُغ ْلفًا‪ ،‬وجعله رحمة لكل الخالئق؛ فقال‪ :‬ﮋ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األنبياء‪ ،]١٠٧ :‬فوجب على كل مؤمن أن يشكر‬
‫اهلل تعالى على ذلك‪ ،‬وأن يتأدب مع هذا النبي الكريم ﷺ‪.‬‬
‫و� ّإن من �أبرز مظاهر الأدب معه ﷺ ما يلي‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬الإميان به وت�صديقه‪:‬‬
‫أن اإليم��ان بنب ِّين��ا محمد ﷺ هو مِ��ن ُمقتضى ش��هادة ّ‬
‫(أن محمد ًا‬ ‫ش��ك يف َّ‬
‫ال َّ‬
‫رس��ول اهلل)‪ ،‬التي معناها‪ :‬تصديقه فيما أخ�بر‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪ ،‬واجتناب ما هنى‬
‫عنه وزجر‪ ،‬وألاَّ ُيعبد ُ‬
‫اهلل إال بما شرع ﷺ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وق��د أم��ر اهلل تعال��ى عب��اده المؤمني��ن َ‬
‫ب��أ ْن يؤمنُ��وا َّ‬
‫بنب��وة نب ِّين��ا محم��د ﷺ؛‬
‫فق��ال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﮊ‬

‫‪149‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫[األع��راف‪ .]١٥٨ :‬واإليم��ان ب��ه ﷺ ه��و اإلق��رار بِنُبوتِ ِ‬
‫��ه‪ ،‬وأن��ه خات��م األنبياء‬ ‫ُ َّ‬
‫والمرس��لين‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل تعال��ى أرس��له للثقلي��ن بش��يرا ونذي��را‪ ،‬وتصدي��ق م��ا جاء‬
‫ب��ه وم��ا أخ�بر عن��ه‪ ،‬ول��زوم تطاب��ق القل��ب واللس��ان عل��ى ذل��ك‪ ،‬ف��إن اجتم��ع‬
‫تصدي��ق القل��ب ونط��ق اللس��ان مع تطبي��ق ذل��ك بالعمل فقد ت��م اإليم��ان به(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬طاعته ﷺ‪:‬‬
‫َّ‬
‫ف��إن طاعته ﷺ نتيجة واجبة لإليمان ب��ه وتصديقه‪ ،‬قال تعالى ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ [األنف��ال‪ ،]٢٠ :‬وق��ال ع��ز وج��ل ‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ [الحش��ر‪ ،]٧ :‬وق��ال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [النور‪.]٥٤ :‬‬
‫ألحد م��ن ُأ َّمتِ ِه إلى دخول الجنة إال بطاعت��ه وا ِّتباعه ﷺ؛ فعن أبي‬ ‫ٍ‬ ‫وال س��بيل‬
‫اع اهَّللَ‪َ ،‬و َم ْن َع َصانِي‬ ‫ِ‬
‫«م ْن َأ َطا َعن��ي َف َقدْ َأ َط َ‬
‫هريرة ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫الجنَّ َة‬
‫ون َ‬ ‫َف َق��دْ َع َص��ى اهَّلل»(‪ ،)2‬وعنه ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهللﷺ ‪« :‬ك ُُّل ُأ َّمتِي َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ِ‬ ‫إِ اَّل من َأبى»‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل‪َ ،‬و َم ْن َي ْأ َبى؟ َق َال‪َ « :‬م ْن َأ َطا َعني َد َخ َل َ‬
‫الجنَّةَ‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َع َصانِي َف َقدْ َأ َبى»(‪.)3‬‬
‫ثالثا‪ :‬ا ِّتباعه واالقتداء به واالهتداء بهديه‪:‬‬
‫ق��ال اهلل تعال��ى –آمِر ًا نب َّي��ه ﷺ أن يب ِّلغ الن��اس‪ :-‬ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [آل عمران‪ ،]٣١ :‬وهو ﷺ القدوة العظمى للمسلمين؛‬
‫ولهذا قال س��بحانه ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫((( ينظر‪ :‬الشفاء بتعريف حقوق املصطفى ﷺ‪ ،‬للقاضي عياض‪.)539/2(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم‪ ،)۷۱۳۷(،‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم‪ ،)1835(،‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۷۲۸۰‬‬

‫‪150‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ [األح��زاب‪ ،]٢١ :‬ق��ال اب��ن كثي��ر‪« :‬هذه اآلي��ة الكريمة ٌ‬


‫أصل‬
‫كبير يف الت ََّأ ِّس��ي برس��ول اهلل ﷺ فِي أقواله وأفعاله وأحواله»(‪ ،)1‬فيجب السير على‬ ‫ٌ‬
‫ب َع ْن ُسنَّتِي َف َل ْي َس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهدْ یِه والتزام ش��رعه‪ ،‬والحذر من مخالفته‪ ،‬قال ﷺ‪َ « :‬ف َم ْن َرغ َ‬
‫مِنِّ��ي»(‪ ،)2‬وله��ذا ينبغ��ي تع ُّلم َه��دْ ِي النبي ﷺ يف جميع األمور‪ ،‬ودراس��ة س��يرته‬
‫الش��ريفة‪ ،‬والمداومة على قراءة ُس��نَّتِ ِه المباركة‪ ،‬حتى يتبع المسلم َهدْ ي نب ِّيه ﷺ‪،‬‬
‫فيسعد يف دنياه وآخرته‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬حمبته ﷺ‪:‬‬
‫وإن مِن أعظم اإلحس��ان ما فعله‬
‫النفوس مجبول ٌة على محبة المحس��ن إليها‪َّ ،‬‬
‫النب��ي ﷺ ألُ َّمته بإخراجها من ظلمات الش��رك والكفر إلى نور التوحيد ُّ‬
‫والس��نَّة‪،‬‬
‫فوجب��ت محبت��ه ﷺ وتقديمه��ا عل��ى محب��ة غي��ره‪ ،‬فعن أن��س ‪ ‬أنه ق��ال‪ :‬قال‬
‫ب إِ َل ْي ِه ِم ْن َوالِ ِد ِه َو َو َل ِد ِه َوالن ِ‬
‫َّاس‬ ‫رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬الَ ُي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم‪َ ،‬حتَّى َأك َ‬
‫ُون َأ َح َّ‬
‫ِ‬
‫َأ ْج َمع َ‬
‫ين»(‪.)3‬‬
‫ب إِ َل َّي مِ ْن ك ُِّل َش ْي ٍء‬ ‫ولما قال عمر بن الخطاب ‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫��ول اهَّلل‪ ،‬لأَ َن َْت َأ َح ُّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫إِلاَّ مِ ْن َن ْف ِسي‪ ،‬قال له النبي ﷺ‪« :‬الَ‪َ ،‬وا َّل ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه‪َ ،‬حتَّى َأك َ‬
‫ُون َأ َح َّ‬
‫ب إِ َل ْي َ‬
‫إلي مِن نفس��ي‪ ،‬فقال النبي‬ ‫أحب‬ ‫ألنت‬ ‫��ك»‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬فإنه اآلن واهللِ‬ ‫َ‬ ‫َن ْف ِ‬
‫س‬
‫َّ‬ ‫ٌّ‬
‫َ‬
‫«اآلن َيا ُع َم ُر»(‪.)4‬‬ ‫ﷺ‪:‬‬

‫((( تفسير ابن كثير‪.)391/6(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)5063‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1401‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)15‬وبنحوه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)44‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)6632‬‬

‫‪151‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أن مِ��ن عالمات محبت��ه ﷺ‪ :‬إحياء س��نته‪ ،‬والعمل هب��ا‪ ،‬وتعلمها‪،‬‬


‫وال ش��ك َّ‬
‫وتعليمها‪ ،‬والذب عنها‪ ،‬ونشرها‪ ،‬والتخلق بأخالقه الكريمة‪ ،‬وآدابه الجميلة‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬احرتامه ﷺ وتوقريه ون�صرته‪:‬‬
‫ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ [الفت��ح‪.]٩ :‬‬
‫ونصرته ﷺ ومؤازرته وحمايته واجبة يف حال حياته وبعد موته‪ ،‬وتكون بعد موته‬
‫ﷺ بنص��رة دين��ه والدعوة إلي��ه‪ ،‬والدفاع عن س��نّته‪ ،‬والرد على الش��بهات المثارة‬
‫حوله ﷺ وحول سنته وسيرته الشريفة‪.‬‬
‫وم��ن توقيره ﷺ‪ :‬أال يتقدم بي��ن يديه يف حال حياته بأمر وال هني وال إذن وال‬
‫تصرف حتى يأمر أو ينهى أو يأذن‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [الحجرات‪.]١ :‬‬
‫وبعد موته ال ُيتقدم بين يدي س��نته؛ ألن��ه كالتقدم بين يديه يف حياته‪ ،‬وال فرق‬
‫بينهما عند ذي عقل سليم‪.‬‬
‫وم��ن توقي��ره ﷺ أيضا‪ :‬أال ُترفع األص��وات فوق صوته؛ فإنه س��بب لحبوط‬
‫األعم��ال‪ ،‬فم��ا الظ��ن برف��ع اآلراء ونتائج األفكار على س��نته وما ج��اء به؟!‪ .‬قال‬
‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ [الحجرات‪.]٢ :‬‬
‫وم��ن توقي��ره ﷺ‪ :‬أن ال ُيجعل دع��اؤه كدعاء غيره‪ ،‬ق��ال تعالى‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [النور‪ .]٦٣ :‬أي‪ :‬ال تقيسوا دعاءه إياكم‬
‫عل��ى دعاء بعضك��م بعضًا يف ج��واز اإلعراض والتس��اهل يف اإلجاب��ة والرجوع‬
‫بغي��ر إذن‪َّ ،‬‬
‫فإن المبادرة إل��ى إجابته واجبة‪ ،‬والمراجعة بغير إذنه محرمة‪ .‬وقيل‪ :‬ال‬
‫تجعلوا نداءه وتس��ميته كنداء بعضكم بعضًا باس��مه ورفع الصوت به والنداء من‬

‫‪152‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وراء الحج��رات‪ ،‬ولكن بلقبه المع َّظم مثل‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬ويا رس��ول اهلل‪ ،‬مع التوقير‬
‫والتواض��ع وخف��ض الص��وت‪ ،‬أو‪ :‬ال تجعلوا دعاءه عليكم كدع��اء بعضكم على‬
‫ستجاب(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫ب و ُم‬ ‫فإن دعاءه م ِ‬
‫وج ٌ‬ ‫بعض فال تبالوا بسخطه؛ َّ‬
‫ُ‬
‫�ساد�سا‪ :‬ال�صالة وال�سالم عليه ﷺ‪:‬‬
‫ق��ال اهلل تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ [األح��زاب‪« ،]٥٦ :‬والص�لاة على النب��ي ﷺ‪ ،‬تكون من اهلل‬
‫بالرحمة والمغفرة‪ ،‬ومن المالئكة بالدعاء‪ ،‬ومن الناس بالثناء عليه وإظهار ش��رفه‬
‫وفضله وحرمته»(‪.)2‬‬
‫وقد بين النبي ﷺ فضل الصالة عليه‪ ،‬فقال ﷺ‪َ « :‬م ْن َص َّلى َع َل َّي َصلاَ ًة َص َّلى‬
‫��ورا‪َ ،‬و اَل ت َْج َع ُلوا َق ْبرِي ِعيدً ا‪،‬‬
‫«ل ت َْج َع ُلوا ُب ُيو َتك ُْم ُق ُب ً‬
‫��را»(‪ ،)3‬وقال‪ :‬اَ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َع َل ْيه بِ َها َع ْش ً‬
‫ث ُكنْت ُْم»(‪.)4‬‬ ‫َو َص ُّلوا َع َل َّي َفإِ َّن َصلاَ َتك ُْم َت ْب ُلغُنِي َح ْي ُ‬
‫والصالة والسالم عليه ﷺ مشروعة يف كل األوقات‪ ،‬وتتأكَّد يف مواطن كثيرة‬
‫ذك��ر منها اإلمام ابن القيم رحمه اهلل واحد ًا وأربعين موطنا يف كتابه (جالء األفهام‬
‫يف الصالة والس�لام على خير األنام)‪ ،‬ومنها على س��بيل المثال‪ :‬الصالة والسالم‬
‫عليه عند دخول المسجد‪ ،‬وعند الخروج منه‪ ،‬وبعد إجابة المؤذن‪ ،‬وعند اإلقامة‪،‬‬
‫وعند الدعاء‪ ،‬ويف التش��هد يف الصالة‪ ،‬ويف صالة الجنازة‪ ،‬ويف الصباح والمس��اء‪،‬‬
‫كخ ْط َبتَي‬
‫الخ َطب؛ ُ‬
‫ويف يوم الجمعة وليلتها‪ ،‬وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم‪ ،‬ويف ُ‬

‫((( ينظر‪ :‬تفسير البيضاوي‪.)۱۱۱/4(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬جالء األفهام‪ ،‬ص(‪.)161‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)384‬عن عبداهلل بن عمرو ‪.‬‬

‫((( رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)۲۰4۲‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ص�لاة الجمعة‪ ،‬وعن��د كتابة اس��مه ﷺ‪ ،‬ويف أثناء صالة العيدين بي��ن التكبيرات‪،‬‬
‫وآخ��ر دعاء القنوت‪ ،‬وعلى الصفا والم��روة‪ ،‬وعند الوقوف على قربه‪ ،‬وعند الهم‬
‫والش��دائد‪ ،‬وعند طلب المغفرة‪ ،‬وعقب الذن��ب إذا أراد أن ُي َك َّفر عنه‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من المواطن التي ذكرها –رحمه اهلل‪ -‬يف كتابه ذلك‪.‬‬
‫بح ْك ِم ِه ﷺ‪:‬‬
‫�سابعا‪ :‬التحاكم �إليه والر�ضى ُ‬
‫ح ْك ِم نب ِّيه ﷺ‪ ،‬فقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ِ‬
‫أوجب اهلل تعالى التسليم ل ُ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭ‬
‫ِ‬
‫ﯮ ﯯ ﮊ [النس��اء‪ .]٦٥ :‬ق��ال ابن كثير رحمه اهلل يف معنى هذه اآلية‪ُ « :‬ي ْقس ُ‬
‫��م‬
‫تعالى بنفسه الكريمة المقدَّ سة أنه ال يؤمِ ُن أحدٌ حتى يح ِّكم الرسول ﷺ يف جميع‬
‫األم��ور‪ ،‬فما َح َك َم به فهو ُّ‬
‫الحق الذي يج��ب االنقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال‪:‬‬
‫ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ [النس��اء‪ ،]٦٥ :‬أي‪:‬‬
‫إذا ح َّكموك يطيعونك يف بواطنهم فال يجدون يف أنفس��هم َح َرجًا مما َح َك ْم َت به‪،‬‬
‫وينقادون له يف الظاهر والباطن؛ فيس��لمون لذلك تس��ليما كليا من غير ممانعة وال‬
‫مدافعة وال منازعة”(‪.)1‬‬
‫والتحاكم المراد هنا يكون إليه ﷺ يف حياته‪ ،‬وإلى ُسنَّتِ ِه وشريعته بعد موته‪.‬‬
‫ثامنا‪� :‬إنزاله مكانته ﷺ بال غلو وال جفاء‪:‬‬
‫فهو ﷺ َع ْبدُ اهللِ ورس��و ُل ُه‪ ،‬وهو أفضل األنبياء والمرسلين‪ ،‬وهو سيد األولين‬
‫واآلخري��ن‪ ،‬وهو صاحب المقام الحم��ود‪ ،‬والحوض الم��ورود‪ ،‬ولكنه مع ذلك‬
‫بش��ر ال يملك لنفس��ه وال لغيره ضرا وال نفعا إال ما شاء اهلل؛ كما قال تعالى‪ :‬ﮋﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ‬

‫((( تفسير ابن كثير‪.)349/2(:‬‬

‫‪154‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫[األنعام‪ ،]٥٠:‬وقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﮊ [األع��راف‪ ،]١٨٨ :‬وقد هنى ﷺ‬
‫ع��ن ال ُغ ُلو فيه؛ فق��ال‪« :‬ال ُت ْطروين كما َأ ْطر ِ‬
‫ت النصاری اب�� َن مريم؛ فإنما أنا عبدُ ُه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫فقولوا‪ :‬عبدُ اهللِ ورسو ُله»(‪“ .)1‬واإلطراء‪ :‬مجاوزة الحد يف المدح والكذب فيه»(‪.)2‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)3445‬عن عمر بن اخلطاب ‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪.)۱۲۳ /۳(:‬‬

‫‪155‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬آداب المهنة‬

‫٭ ٭تعريف �آداب املهنة‪.‬‬


‫٭ ٭ �ضوابط املهن يف الإ�سالم‪.‬‬
‫٭ ٭ �أخالق املهن يف الإ�سالم‪.‬‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪1 -1‬أن ُي َعدِّ د الطالب ضوابط المهن يف اإلسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أخالق محمودة يف المهن‪.‬‬ ‫‪2 -2‬أن يذكر الطالب خمسة‬
‫يوضح الطالب أثر األخالق المذمومة على األداء المهني‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن ِّ‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تعدِّ د ضوابط المهن يف اإلسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أخالق محمودة يف المهن‪.‬‬ ‫‪2 -2‬تذكر خمسة‬
‫توضح أثر األخالق المذمومة على األداء المهني‪.‬‬
‫‪ِّ 3 -3‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫آداب المهنة‬
‫المهنة لغة‪ِ :‬‬
‫الح ْذق بالخدمة والعمل ونحوه(‪.)1‬‬
‫واصطالح��ًا‪ :‬مجموع�� ٌة مِن األعمال تتطلب مهارات معين��ة يؤديها الفرد من‬
‫خالل ممارسات تدريبية(‪.)2‬‬
‫وآداب المهنة ه��ي‪ :‬مجموعة القيم والنظم المحققة للمعايير اإليجابية العليا‬
‫المطلوبة يف أداء األعمال الوظيفية والتخصصية‪ ،‬ويف أس��اليب التعامل داخل بيئة‬
‫العمل‪ ،‬ومع المستفيدين‪ ،‬ويف المحافظة على صحة اإلنسان‪ ،‬وسالمة البيئة(‪.)3‬‬
‫والمقصود بالقيم‪ :‬الصفات النفسية والسلوكية الحسنة للعامل والمهني‪.‬‬
‫والنظ��م‪ :‬الضوابط والش��روط الفنية التي تحك��م األداء الوظيفي والمهني يف‬
‫صورة لوائح وقوانين‪.‬‬
‫والمعايير‪ :‬المواصفات المحددة لألساليب العملية والسلوكية يف أداء العمل‪.‬‬
‫�أهمية معرفة �آداب املهنة‪:‬‬
‫وجوه ِعدَّ ة؛ منها ما يلي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫تظهر أهمية معرفة آداب المهنة مِن‬
‫‪1-1‬عظمة مكانة األخالق يف اإلس�لام‪ ،‬وش��مولها لجميع جوان��ب الحياة‪ ،‬ومنها‬
‫يتق��رب به صاحب‬
‫المه��ن؛ إذ يعت�بر وجود األخ�لاق يف المهن عمال صالحا َّ‬
‫المهن��ة إل��ى ر ِّبه ويرج��و المثوبة عليه‪ ،‬فلي��س الهدف من ممارس��ة المهنة هو‬
‫الكسب المادي فحسب بعيد ًا عن أحكام الدين الجليلة وأخالقه العظيمة‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،)242/3(:‬ومختار الصحاح‪ ،‬ص(‪.)638‬‬

‫((( أخالقيات العمل‪ ،‬للسكارنة‪ ،‬ص(‪.)۲۷‬‬

‫((( الثقافة اإلسالمية املستوى الرابع‪ ،‬جملموعة مؤلفني بجامعة امللك عبدالعزيز‪ ،‬ص(‪.)۱08‬‬

‫‪159‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪2-2‬الحاج��ة إل��ى تقوية العالق��ة بي��ن العاملين؛ فعندم��ا تكون األخالق الحس��نة‬
‫‪-‬كالص��دق والتع��اون واالح�ترام واألمانة‪ -‬ه��ي األخالقيات المنتش��رة بين‬
‫العاملي��ن مع بعضهم َّ‬
‫فإن هذا يؤدي إلى قوة العالقة بينهم‪ ،‬مما يكون له األثر‬
‫اإليجابي الصالح العمل‪ ،‬بينما إذا كانت األخالق السيئة ‪ -‬كالخداع والخيانة‬
‫والكذب واإلساءة‪ -‬هي المنتشرة بينهم َّ‬
‫فإن العالقة بينهم ستسوء ويؤثر ذلك‬
‫على جودة العمل وإتقانه‪.‬‬
‫‪3-3‬تثبي��ت أخالقيات العم��ل يف المنظم��ات والمؤسس��ات واإلدارات‪ ،‬ووجود‬
‫قوانين تساعد على الحدِّ مِن االختالف‪ ،‬وهتدئة االضطرابات التي تنشأ داخل‬
‫بيئ��ات العمل؛ فوج��ود قائمة باألخ�لاق المهنية يس��اعد على جع��ل الطريق‬
‫واضحا لدى صاحب المهنة والعامل فيها والمستفيد منها على َحدٍّ سواء‪.‬‬
‫‪4-4‬تغ ُّي��ر كثير م��ن األنماط المعهودة يف المهن مع التط��ور الكبير الذي طرأ عليها‬
‫خاص��ة مع دخ��ول التقني��ات الحديثة‪ ،‬والذي أ َّث��ر كثيرا على م��ا كان ُمت ََأ ِّصالً‬
‫يف النف��وس من أخ�لاق مهنية مصاحبة للمهن واألعم��ال‪ ،‬حتى أضحت هذه‬
‫األخالق منفصلة عن المهن‪ ،‬ال ُي ْؤ َب ُه بتطبيقها أو اش�تراطها يف مزاولة المهن؛‬
‫فصارت الحاجة داعية للرتكيز على تع ُّلم وتعليم أخالقيات المهنة‪.‬‬
‫�ضوابط املهن يف الإ�سالم‪:‬‬
‫إن ضوابط ممارس��ة العمل المهني والوظيفي هي يف الحقيقة أحكا ٌم ش��رعي ٌة‬ ‫َّ‬
‫َي ْل َز ُم ا ْل ُم ْسلِ َم التخ ُّلق هبا‪ ،‬وأبرز هذه الضوابط ما يلي‪:‬‬
‫احة‪.‬‬
‫ال�ضابط الأول‪� :‬أن تكون املهنة ُم َب َ‬
‫يجب أن يكون العمل الذي يمتهنه المس��لم ُمباحًا ش��رعًا‪ ،‬فالحالل الطيب‬
‫هو األس��اس الذي يقوم عليه طلب الرزق‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬

‫‪160‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ [البق��رة‪ .]١٧٢ :‬وقال‬


‫َ��ص‬
‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ [المائ��دة‪ .]4 :‬وق��د ن َّ‬
‫العلم��اء على ما َي ْح ُر ُم مِن المعامالت‪ ،‬وهي قليلة إذا م��ا ُق ِ‬
‫ورن َْت بالحالل المباح‬
‫من المعامالت‪.‬‬
‫ال�ضابط الثاين‪� :‬أن تكون نافعة‪.‬‬
‫فإن الهدف من الوظائف والمهن أن ينفع اإلنس��ان نفسه‪ ،‬ومجتمعه‪ ،‬ووطنه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فعن أبي موسى األشعري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ع َلى ك ُِّل ُم ْس ِل ٍم َصدَ َقةٌ»‪،‬‬
‫«ي ْع َم ُل بِ َي ِد ِه َف َينْ َف ُع َن ْف َس ُه َو َيت ََصدَّ ُق»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬فإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َقا ُلوا‪َ :‬يا َنبِ َّي اهَّلل‪َ :‬ف َم ْن َل ْم َيجدْ ؟ َق َال‪َ :‬‬
‫وف»‪َ .‬قا ُل��وا‪َ « :‬فإِ ْن َلم َي ِ‬
‫جدْ ؟ َق َال‪َ « :‬ف ْل َي ْع َم ْل‬ ‫ْ‬ ‫اج ِة ا ْل َم ْل ُه َ‬
‫ين َذا ا ْل َح َ‬
‫جدْ ؟ َق َال‪ِ :‬‬
‫«يع ُ‬ ‫ُ‬
‫َل��م َي ِ‬
‫ْ‬
‫الش ِّر؛ َفإِن ََّها َل ُه َصدَ َقةٌ»(‪.)1‬‬ ‫ك َع ْن َّ‬ ‫وف َو ْل ُي ْم ِس ْ‬ ‫بِا ْلمعر ِ‬
‫َ ُْ‬
‫والنفع أبوابه كثيرة؛ منها‪ :‬الديني‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬واألخالقي‪.‬‬
‫ضارة‪ ،‬والضرر يشمل‪ :‬الضرر‬ ‫وال خير يف وظيفة ال نفع فيها؛ فضالً عن كوهنا َّ‬
‫المعن��وي‪ ،‬واألخالق��ي‪ ،‬وا ْل ِ‬
‫ح ِّس��ي؛ فالضرر المعن��وي منه‪ :‬ما يتضم��ن اإلضرار‬
‫بعقيدة اإلنسان وفكره؛ كإنتاج برامج أو إصدارات مسموعة أو مرئية أو إلكرتونية‬
‫تش ِّكك يف العقيدة اإلسالمية‪ ،‬أو تنشر اإللحاد وتدعو للديانات ا ْل ُم َح َّرفة‪ ،‬أو ُّ‬
‫تبث‬
‫األفكار الضا َّلة‪ ،‬أو طباعة الكتب والنشرات التي تتناول ذلك‪.‬‬
‫واألخالق��ي‪ :‬ما يفس��د أخالق المجتمع؛ كعمل ش��ركات اإلع�لام التي فيها‬
‫محارب��ة للفضيلة ونش��ر للرذيل��ة‪ ،‬وإش��اعة للفواحش‪ ،‬وكذلك مواق��ع االنرتنت‬
‫اإلباحية‪ ،‬ونحوها‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1445‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۱۰۰۸‬‬

‫‪161‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫إضرار باألنفس والبيئة؛ كاإلضرار بالجسد والصحة‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫والحس��ي‪ :‬ما يكون فيه‬
‫وذل��ك بالعمل أو المس��اهمة يف ش��ركات تصنيع الخمور‪ ،‬أو زراع��ة المخدرات‬
‫أو تصنيعه��ا‪ ،‬أو صناع��ة األدوية المق َّلدة والمغشوش��ة‪ ،‬أو تس��ويق وإنتاج المواد‬
‫الضارة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الغذائية المط َّعمة بالعناصر‬
‫تضمنت ضرر ًا متي َّقنًا على النفس‪ ،‬أو المجتمع‪،‬‬ ‫وخالصة القول‪َّ :‬‬
‫أن المهنة إذا َّ‬
‫منصوص على تحريمه يف الش��رع‪ ،‬فعن ابن عباس‬ ‫ٌ‬ ‫أو البل��د‪َ ،‬ح ُر َم��ت؛ َّ‬
‫ألن الضرر‬
‫«ل َض َر َر َو اَل ِض َر َار»(‪.)1‬‬ ‫رضي اهلل عنهما َّ‬
‫أن النبي ﷺ قال‪ :‬اَ‬
‫م َّر ٍم �شرعاً‪.‬‬ ‫ال�ضابط الثالث‪� :‬أن ال ُت ِ‬
‫ف�ضي املهن �إىل ارتكاب حُ َ‬
‫��رم؛ َف ُر َّبما يكون العمل يف أصله‬ ‫ّ ِ‬
‫إن م��ن ش��روط أي عمل أن ال يؤ ّدي إلى ُم َح َّ‬
‫مش��روعًا‪ ،‬لكنه ُيفضي إل��ى ُم َح َّرم؛ كبيع العنب لمن يجعله خمر ًا‪ ،‬وبيع الس�لاح‬
‫الرعب واإلخالل باألمن‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫لمن يحارب به اآلمنين أو يستخدمه يف إشاعة ُّ‬
‫فإذا تو َّفرت هذه الضوابط يف المهن كانت تلك المهن ُق ْر َب ًة َّ‬
‫يتقرب المسلم هبا‬
‫إلى اهلل تعالى ويرجو ثواهبا عنده‪ ،‬وينتفع هبا يف ذات الوقت وينفع غيره‪.‬‬

‫((( رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)2341‬وقال األلباين‪ :‬صحيح لغيره‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أقسام األخالق المهنية‬

‫تنقسم األخالق والتصرفات المهنية إلى قسمين؛ محمودة‪ ،‬ومذمومة‪ ،‬وفيما‬


‫يلي بيان ذلك‪:‬‬
‫�أو ً‬
‫ال‪ :‬الأخالق املحمودة يف ا ِمل َهن‪:‬‬
‫تقرب إلى‬
‫األخالق المحمودة هي التي حث عليها الشرع‪ ،‬والتخلق هبا عبادة ِّ‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬ولها أثر يف نجاح المهن‪ ،‬وفيما يلي ٌ‬
‫بيان ألبرز تلك األخالق‪:‬‬
‫‪ -١‬الأمانة‪.‬‬
‫األمانة لغة‪ :‬ضد الخيانة(‪.)1‬‬
‫واألمانة يف جانبها النفسي‪ :‬خلق ثابت يف النفس يعف به اإلنسان عما ليس له‬
‫به حق‪ ،‬ويؤدي به ما عليه(‪.)2‬‬
‫مكانة الأمانة يف الإ�سالم‪:‬‬
‫األمانة صفة رئيس��ة من صف��ات عباد اهلل المؤمنين‪ ،‬ق��ال اهلل تعالى يف وصف‬
‫عباده المؤمني��ن‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [المؤمنون‪ ،٨ :‬والمعارج‪:‬‬
‫َك‪َ ،‬و اَل تَخُ ْن َم ْن َخان َ‬
‫َك»(‪.)3‬‬ ‫‪ ،]32‬وأمر هبا النبي ﷺ؛ فقال‪َ :‬‬
‫«أ ِّد الأْ َ َما َن َة إِ َلى َم ِن ا ْئت ََمن َ‬
‫عمن ال أمانة له؛ فعن أنس بن مالك ‪ ‬أنه‬ ‫وقد نفى النبي ﷺ كمال اإليمان َّ‬
‫ين لِ َم ْن‬ ‫ِ‬
‫��ن اَل َأ َما َن َة َل ُه‪َ ،‬و اَل د َ‬
‫«ل إِيم َ ِ‬
‫ان ل َم ْ‬ ‫ق��ال‪ :‬ق َّلما َخ َط َبنا رس��ول اهلل ﷺ إلاَّ قال‪ :‬اَ َ‬

‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪.)۱۳۳/1(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬لعبدالرحمن حبنكة امليداني‪ ،‬ص(‪.)645‬‬

‫((( رواه أبو داود يف س���ننه‪ ،‬برقم(‪ ،)3535‬والترمذي يف س���ننه‪ ،‬برقم(‪ ،)1264‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اَل َع ْهدَ َل ُه»(‪.)1‬‬


‫ومن �أبرز �أمثلة الأمانة يف الأعمال املهنية ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬االلتزام بأوقات العمل الوظيفي حضورا وانصرافا‪ ،‬وحس��ن اس��تثمارها فيما‬
‫يحقق مصلحة العمل‪.‬‬
‫‪2-2‬الت��زام الموظف بالتقي��د بتعليمات إدارة العمل فيما ال يتعارض مع الش��ريعة‬
‫واألنظمة اإلدارية المعتربة‪.‬‬
‫‪3-3‬االلت��زام بحفظ األس��رار المهنية التي يطل��ع عليها الموظف بن��اء على طبيعة‬
‫عمله‪.‬‬
‫َص عليه عقد العمل من شروط وبنود‪.‬‬
‫‪4-4‬التزام الموظف ووفاؤه بما ن َّ‬
‫‪5-5‬التزام الموظف بحفظ مال الجهة التي يعمل هبا‪ ،‬وعدم التصرف يف ش��يء منه‬
‫– مهما كان يسيرا ‪ -‬بدون إذن صاحب الصالحية يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -٢‬القوة‪.‬‬
‫الضعف‪.‬‬ ‫القوة لغة‪ :‬الطاقة على العمل(‪ .)2‬وهي ضدُّ َّ‬
‫واصطالحًا‪ :‬التم ُّكن مِن األفعال الشاقة على الغير عادة(‪.)3‬‬
‫و ُيعت�بر ُخ ُل��ق القوة –مع ُخ ُلق األمانة‪َّ -‬‬
‫أهم المؤه�لات للقيام بأعمال المهن‬
‫والوظائف‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [القصص‪،]٢٦ :‬‬
‫ي َخ ْي ٌر َو َأ ُّحب إلى اهلل ِ ِمن‬ ‫ِ‬
‫وقد أشاد النبي ﷺ بالمؤمن القوي‪ ،‬فقال‪« :‬المؤم ُن ال َق ِو ُّ‬

‫((( رواه أحمد يف املسند‪ ،‬برقم(‪ ،)12567‬وقال احملققون‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املعجم الوسيط‪.)768/2(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التعريفات؛ للجرجاني‪ ،‬ص(‪ ،)179‬والتحرير والتنوير؛ البن عاشور‪.)99/9(:‬‬

‫‪164‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫الض ِعي ِ‬ ‫ِ‬
‫ف»(‪ ،)1‬والعموم يف الحديث يدل على جميع أنواع القوة؛ فالمؤمن‬ ‫الم ْؤم ِن َّ ْ‬
‫ُ‬
‫خي��ر مِن غيره من‬
‫القوي َج َس��د ًا والمؤم��ن القوي عقالً‪ ،‬والمؤم��ن القوي إيمانًا ٌ‬
‫المؤمنين الضعفاء يف هذه الجوانب أو َأ َح ِدها‪.‬‬
‫والقوة بالنسبة للموظف أو العامل نوعان‪ :‬جسدية‪ ،‬ومعنوية؛ فالجسدية‪ :‬هي‬
‫قدرت��ه عل��ى القيام بالعمل بحي��ث ال يوجد فيه م��ا يمنعه من القي��ام به من مرض‬
‫أو عاه��ة‪ .‬والمعنوي��ة‪ :‬تعن��ي الق��وة العلمية‪ ،‬التي تش��مل التمك��ن يف التخصص‪،‬‬
‫واس��تغالل القدرات واإلمكان��ات‪ ،‬ومتابع��ة التطوير والتجديد‪ ،‬وه��ذا النوع من‬
‫القوة ُم َقدَّ ٌم على القوة الجسدية‪.‬‬
‫‪ -٣‬العدل‪.‬‬
‫تقدَّ م تعري��ف العدل وذكر أهميته ومكانته يف اإلس�لام وصوره عند الحديث‬
‫عنه كأص ٍل من أصول األخالق الحسنة‪.‬‬
‫مفهوم العدل يف الوظيفة‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن للعدل يف أداء الوظيفة أربعة جوانب‪ ،‬هي‪:‬‬
‫األول‪ :‬العدل يف تعامل الرئيس مع مرؤوسيه؛ ومن ذلك‪ :‬العدل يف التوظيف‪،‬‬
‫والتقوي��م‪ ،‬والحوافز‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬ومعامل��ة الجميع بنفس الدرجة‬
‫من االحرتام وتطبيق األنظمة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬العدل يف تعامل الموظفين مع رئيس��هم؛ ومن ذلك‪ :‬عدم تتبع سلبيات‬
‫رؤس��ائهم واإلعراض عن حسناهتم‪ ،‬أو غيبتهم‪ ،‬أو تحميل أفعالهم وأقوالهم غير‬
‫ما تحتمل‪ ،‬وتفس��يرها وفق أهوائهم‪ ،‬أو التقليل من ش��أهنم‪ ،‬أو طاعتهم يف معصية‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬أو رفعهم فوق منزلتهم‪.‬‬
‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2664‬‬

‫‪165‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الثال��ث‪ :‬الع��دل بي��ن الموظفي��ن بعضهم مع بع��ض؛ وذلك بأن يك��ون بينهم‬
‫االحرتام المتبادل‪ ،‬وال يتح َّيز بعضهم لبعض دون بقية الزمالء‪ ،‬وأن ينجز الموظف‬
‫ما يكلف به من أعمال‪ ،‬وال يتدخل يف ش��ؤون غيره من الموظفين‪ ،‬وأن يبتعد عن‬
‫ب الظهور على حساب غيره من زمالء العمل‪.‬‬ ‫األنانية أو ُح ِّ‬
‫فإن مِن الواجب «أن يت َِّس َم الموظف‬
‫الرابع‪ :‬عدل الموظف مع المس��تفيدين؛ َّ‬
‫حق ح َّقه‪ ،‬فال‬
‫بالع��دل بين جميع عمالئه على َحدٍّ س��واء‪ ،‬بحيث يعطي ل��كل ذي ٍّ‬
‫اآلخر‪ ،‬لتجنب المحس��وبية‪ ،‬وال يجوز للموظف أن‬ ‫يم ِّي��ز َأ َحدَ المراجعين عل��ى َ‬
‫يق��دم أقرباءه أو أصدقاءه عل��ى المراجعين اآلخري��ن‪ ،‬ال يف العطاء وال يف الدور‪،‬‬
‫وال يف أي مظهر من مظاهر التمييز»(‪. )1‬‬
‫‪ -4‬الإتقان‪.‬‬
‫اإلتقان لغة‪ :‬اإلحكام(‪.)2‬‬
‫واصطالحا‪ :‬األداء المتكامل لشخص محرتف يف أي مجال عملي(‪.)3‬‬
‫إن اإلتق��ان والج��ودة يف األداء المهني م��ن األمور التي َّ‬
‫حث عليها اإلس�لام‬ ‫َّ‬
‫واحتفى هبا‪ ،‬وهو سبيل للفوز بحب اهلل تعالى‪.‬‬
‫أن النبي‬ ‫ومِن األدلة على فضل اإلتقان وأهميته ما روته عائشة رضي اهلل عنها َّ‬
‫��ب إِ َذا َع ِم َل َأ َحدُ ك ُْم َع َملاَ َأ ْن ُيت ِْقنَ ُه»(‪ ،)4‬وعن ش��داد بن أوس‬ ‫ِ‬
‫ﷺ ق��ال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ‬
‫��ى ٍء‪َ ،‬فإِ َذا َق َت ْلت ُْم َف َأ ْح ِسنُوا‬
‫��ان َع َلى ك ُِّل َش ْ‬ ‫َب ِ‬
‫اإل ْح َس َ‬ ‫أن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َكت َ‬ ‫‪َّ ‬‬

‫((( التزام املوظف‪ ،‬ص(‪.)45‬‬

‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،)۷۳/۱۳(:‬والقاموس احمليط‪ ،‬للفيروز آبادي‪ ،‬ص(‪.)867‬‬

‫((( ينظر‪ :‬الوجيز يف أخالقيات العمل‪ ،‬ص(‪.)96‬‬

‫((( رواه البيهقي يف شعب اإلميان‪ ،‬برقم(‪ .)5313‬وصححه األلباني يف السلسلة الصحيحة‪ ،‬برقم(‪.)۱۱۱۳‬‬

‫‪166‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫ِ‬ ‫ا ْل ِق ْت َلةَ‪َ ،‬وإِ َذا َذ َب ْحت ُْم َف َأ ْح ِسنُوا َّ‬
‫الذ ْب َح‪َ ،‬و ْل ُيحدَّ َأ َحدُ ك ُْم َش ْف َر َت ُه؛ َف ْل ُيرِ ْح َذبِ َ‬
‫يح َت ُه»(‪.)1‬‬
‫وأس��اس اإلتقان االتصاف بصفتَي الحفظ والعلم‪ ،‬وهما اللتان اعتربهما نبي‬
‫مؤهال له أن يتولى خزائ��ن مصر يف حينه‪ ،‬حيث قال مخاطبا ملك‬ ‫اهلل يوس��ف‬
‫مصر‪ :‬ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [يوس��ف‪ ،]٥٥ :‬أي‪ :‬حفيظ للذي‬
‫أتولاَّ ه‪ ،‬فال يضيع منه شيء يف غير محله‪ ،‬وضابط للداخل والخارج‪ ،‬عليم بكيفية‬
‫التدبي��ر واإلعطاء والمنع‪ ،‬والتصرف يف جميع أنواع التصرفات(‪ ،)2‬وهذه هي أهم‬
‫أسباب اإلتقان يف العمل‪ ،‬أما أسباب ضعفه فتتلخص فيما يأيت‪:‬‬
‫‪1-1‬ضعف تعظيم اهلل عز وجل ومراقبته‪.‬‬
‫‪2-2‬جهل العامل بمتطلبات العمل ومس��تلزماته‪ ،‬ف�لا يتمكن من أدائه على الوجه‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫‪3-3‬إسناد العمل لغير أهله(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬التعاون‪.‬‬
‫العون لغة‪ :‬هو الظهير‪ ،‬ورجل معوان‪ :‬كثير المعونة للناس(‪.)4‬‬
‫والتعاون اصطالحا‪ :‬المساعدة على الحق ابتغاء األجر من اهلل سبحانه(‪.)5‬‬
‫ولقد أمر اهلل تعالى عباده بالتعاون على الخير‪ ،‬وهناهم عن التعاون على الشر؛‬
‫فق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [المائدة‪.]٢ :‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)1955‬‬

‫((( تفسير السعدي‪.)4۰۰/۱(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬الوجيز يف أخالقيات العمل‪ ،‬ص(‪.)96‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التعريفات‪ ،‬ص(‪ ،)51‬ولسان العرب‪.)299/13(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬موسوعة األخالق‪ ،‬للخراز‪ ،‬ص(‪.)441‬‬

‫‪167‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ق��ال الماوردي رحمه اهلل‪“ :‬نَدَ َب اهلل تعالى إلى التع��اون و َق َرنَه بالتقوى له؛ فقال‪:‬‬
‫ألن يف التقوى رضى اهلل تعالى‪ ،‬ويف البِ ِّر رضى الناس‪،‬‬ ‫ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰﮊ ؛ َّ‬
‫وعمت نعمته"(‪.)1‬‬
‫تمت سعادته َّ‬
‫ومن جمع بين رضى اهلل تعالى ورضى الناس فقد َّ‬
‫وقد أنكر اإلس�لام النزعة الفردية واألثرة واألنانية‪ ،‬فاإليمان ما ْ‬
‫إن يس��تقر يف‬
‫خيرة نحو اآلخرين؛ ليكونوا كالجس��د‬ ‫قل��ب المؤمن حت��ى يع ِّبر عن ذاته بحرك��ة ِّ‬
‫��ن لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن‬ ‫ِ‬
‫أن النب��ي ﷺ ق��ال‪« :‬ا ْل ُم ْؤم َ‬
‫الواح��د‪ ،‬فعن أبي موس��ى األش��عري ‪َّ ‬‬
‫كَا ْل ُبنْ َي ِ‬
‫ان َي ُشدُّ َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا»(‪.)2‬‬
‫ومن �أبرز �أمثلة التعاون يف الأعمال املهنية‪:‬‬
‫‪1-1‬استفادة كل فرد من خربات وتجارب اآلخرين وإفادهتم بما عنده منها‪.‬‬
‫‪2-2‬تقاسم األعمال المهنية لتخفيف العبء وتوزيع الجهد فيما بين أفراد العمل؛‬
‫مم��ا يؤدي إلى س��هولة إنجاز األعم��ال الكبي��رة التي ال يقدر عليها اإلنس��ان‬
‫بمفرده‪.‬‬
‫‪3-3‬مساعدة الشخص المقتدر لمن يعجز عن أداء مهامه لضعف فيه أو لكثرة تلك‬
‫المهام وصعوبة إنجازها‪.‬‬
‫‪4-4‬قيام البعض بأداء مهام الزميل الغائب أو العاجز المرض ونحوه‪.‬‬
‫ف� ��إذا انت�ش ��ر خل ��ق التع ��اون يف البيئ ��ة املهني ��ة ف�إنه ��ا جتني فوائ ��د كثرية؛‬
‫منها(‪:)3‬‬
‫‪1-1‬القضاء على األنانية وحب الذات‪.‬‬

‫((( أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص(‪.)146‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)481‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2585‬‬

‫((( ينظر‪ :‬موسوعة األخالق اإلسالمية‪.)۱۳۲/1(:‬‬

‫‪168‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ب الخير‬
‫‪2-2‬يزيل الضغائن والحقد والحس��د من القلوب ويكس��ب الموظفين ُح َّ‬
‫للغير‪.‬‬
‫‪3-3‬يدف��ع العاملين لبذل المزيد من الجهد يف العمل‪ ،‬وس��رعة تنفي��ذ المهام التي‬
‫ُيك َّل ُفون هبا‪.‬‬
‫‪َ 4-4‬ي ُحدُّ من االزدواجية يف العمل‪ ،‬ويورث القوة والتماسك بين جميع العاملين‪.‬‬
‫‪5-5‬يساعد على استثمار ا ْل َم َل َكات والطاقات المهدرة بما يعود بالخير والمصلحة‬
‫على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪6-6‬يجعل جميع األفراد يشعرون بالسعادة‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثانيًا‪ :‬األخالق المذمومة في المهن‬

‫تقدم َّ‬
‫أن التصرفات البشرية منها المحمود‪ ،‬ومنها المذموم‪ ،‬وقد سبق الحديث‬
‫عن أبرز األخالق واآلداب المحمودة يف المهن‪ ،‬وجاء وقت الحديث عن األفعال‬
‫والتصرف��ات المذمومة‪ِ ،‬‬
‫وذكْر نم��اذج منها للتحذير من االتصاف هبا‪ ،‬وبيان طرق‬
‫الخالص منها‪ ،‬ومن أبرز تلك األخالق المذمومة يف المهن ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الفساد اإلداري‬
‫الفس��اد اإلداري‪ :‬ه��و المتاجرة بالوظيف��ة وامتيازاهتا‪ ،‬واس��تغالل النفوذ لغير‬
‫األغراض القانونية الموجودة من أجلها(‪.)1‬‬
‫ويعد الفس��اد اإلداري من أش��د ما يصيب الدوائر والمؤسسات‪ ،‬إ ْذ هو مؤشر‬
‫على ضعف القيم األخالقية‪ ،‬ومنذر بخطر عظيم على المجتمعات‪.‬‬
‫�أنواع الف�ساد الإداري‪:‬‬
‫ُيقس��م الفساد اإلداري إلى أربع مجموعات حسب نوع االنحراف الحاصل؛‬
‫وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ )1‬االنحراف��ات التنظيمي��ة؛ ويقصد بها‪ :‬المخالفات الت��ي تصدر عن الموظف يف‬
‫أثناء تأديته لمهمات وظيفته‪ ،‬والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫‪1 -1‬عدم احرتام العمل‪ ،‬أو امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه‪.‬‬
‫‪2 -2‬الرتاخ��ي يف تنفي��ذ أوامر الرؤس��اء والت َل ُّك��ؤ عن تقديم م��ا يجب من‬
‫األعمال والمهام‪.‬‬
‫‪3 -3‬السلبية وعدم تحمل المسؤولية‪.‬‬

‫((( أخالقيات الوظيفة العامة‪ ،‬ص(‪.)۷۳‬‬

‫‪170‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪4 -4‬إفشاء أسرار العمل‪.‬‬


‫‪ )2‬االنحرافات السلوكية؛ ويقصد بها‪ :‬المخالفات اإلدارية التي يرتكبها الموظف‬
‫وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفاته‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬أع��دم المحافظ��ة عل��ى كرامة الوظيف��ة؛ ومن ص��ور ذل��ك‪ :‬ارتكاب‬
‫الموظف ل ِ ِفع�� ٍل م ِ‬
‫خ ٍّل بالحياء يف العمل؛ كاس��تعمال المخدرات‪ ،‬أو‬ ‫ْ ُ‬
‫التورط يف شيء من الجرائم األخالقية‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ -‬بس��وء اس��تعمال الس��لطة؛ ومن صورها‪ :‬تقديم المصالح الشخصية‪،‬‬
‫وتج��اوز اعتب��ارات العدال��ة الموضوعي��ة يف منح أق��ارب أو معارف‬
‫المسؤولين أشياء ُي ْح َر ُم منها غيرهم‪.‬‬
‫‪ )3‬االنحرافات المالية؛ ويقصد بها‪ :‬المخالفات المالية واإلدارية التي تتصل بسير‬
‫العمل المنوط بالموظف‪ ،‬وتتمثل هذه المخالفات فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أمخالفة القواعد واألحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة‪.‬‬
‫‪ -‬باإلسراف يف استخدام المال العام؛ ومن صوره‪ :‬تبديد األموال العامة‬
‫يف اإلنف��اق على األبنية واألث��اث‪ ،‬والمبالغة يف اس��تخدام المقتنيات‬
‫العامة يف األمور الشخصية‪ ،‬وإقامة الحفالت ببذخ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ )4‬االنحرافات الجنائية؛ ومن أكثرها‪ :‬الرشوة‪ ،‬واختالس المال العام‪ ،‬والتزوير‪.‬‬
‫عالج الف�ساد الإداري‪:‬‬
‫ال يش��ك م��ن يطل��ع على قط��اع المهن والوظائ��ف يف كثير من بل��دان العالم‬
‫أن الفس��اد اإلداري ضارب أطنابه فيها ولألس��ف‪ ،‬وصار كثي��ر من الناس ضحية‬
‫له‪ ،‬وظهرت المش��اريع والمنجزات بصورة أقل م��ن المأمول‪ ،‬ولهذا وجب على‬
‫العق�لاء تدارس كيفية معالجة هذا الفس��اد‪ ،‬ويكمن أن يلخ��ص العالج يف النقاط‬

‫‪171‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫اآلتية‪:‬‬
‫‪1-1‬ترس��يخ أخالقي��ات المهن��ة الت��ي س��بق الحديث عنه��ا‪ ،‬ومن أهمه��ا يف تولي‬
‫الواليات (القوة واألمانة)؛ فيك َّلف باإلدارة القوي األمين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [القصص‪.]٢٦ :‬‬
‫‪2-2‬التأكيد على قيمة تعظيم اهلل تعالى‪ ،‬واستحضار مراقبته يف التزام هذه األخالق‬
‫والتذكي��ر بفضل هذه األخ�لاق وعظيم ثواهبا‪ ،‬وكوهنا س��عادة للمرء يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫‪3-3‬وضع األنظمة واللوائح واألس��اليب الموضحة لمجال المراقبة والمحاسبة‪،‬‬
‫والمساءلة‪ ،‬ونشر الشفافية والنزاهة‪ ،‬وكذلك يجب تحديد العقوبات الرادعة‬
‫لمن يخالف ذلك‪ ،‬ثم تطبيقها بكل حزم وعدل(‪.)1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬السرقة‬
‫��ر ًزا أو ما قيمته نصاب ‪ُ -‬م ْل ًكا‬
‫الس��رقة هي أخذ العاقل المال البالغ نصابا ُم ْح َ‬
‫للغير‪ -‬ال شبهة له فيه‪ ،‬على وجه الخفية(‪.)2‬‬
‫وه��ي ُم َح َّرمة وم��ن كبائر الذنوب؛ ففيها اعتداء على أم��وال الناس بغير حق‪،‬‬
‫وقد ذكر اهلل عقوبة السارق يف الدنيا‪ ،‬وهي قطع اليد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ [المائدة‪.]٣٨ :‬‬
‫ارق‪ ،)3(»..‬وقال يف شأن‬ ‫الس ِ‬
‫أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ل َع َن اهَّللُ َّ‬
‫وعن أبي هريرة ‪َّ ‬‬
‫«وا َّل ِذي َن ْف ِس��ي بِ َي ِد ِه َل ْو َأ َّن‬
‫الم��رأة المخزومية التي س��رقت وجاؤوا ليش��فعوا لها‪َ :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬اإلدارة والسلوك األخالقي يف العمل‪ ،‬ص(‪ 65‬وما بعدها)‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬كشاف القناع‪ ،)129/9(:‬واملغني‪ ،‬البن قدامة‪ ،)240/8(:‬واملوسوعة الفقهية الكويتية‪.)220/19(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)۳۲۸۸‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۱6۸۸‬‬

‫‪172‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫َفاطِ َم َة َف َع َل ْت َذل ِ َك َل َق َط ْع ُت َيدَ َها»(‪.)1‬‬


‫��ر َق ِة أو االختِ ِ‬
‫الس مما‬ ‫الس ِ‬
‫ويف قطاع المهن واألعمال قد يتس��اهل البعض يف َّ‬
‫ِ‬

‫تح��ت يده من ممتل��كات جهة العمل(‪ ،)2‬أو َمنْحِ غيره ش��يئًا م��ن األموال النقدية‬
‫أو العيني��ة الخاص��ة بجهة عمله بغير وجه حق‪ ،‬والش��ك َّ‬
‫أن ذلك كله من الس��رقة‬
‫المتو َّع��د صاحبها بالعذاب‪ ،‬وقد يكون بعضه من (ال ُغ ُلول) الذي َّ‬
‫حرمه اإلس�لام‬
‫أيضا وب َّين عظيم إثمه‪ ،‬وعلى َمن قارف ش��يئًا من ذلك سرعة التوبة إلى اهلل تعالى‬
‫ور ُّد ما سرق أو َغ َّل إلى خزينة الجهة التي أخذ المال منها بغير حق‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أخذ الرشوة‬
‫حق‪ ،‬أو إحقاق باطل(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫إلبطال ٍّ‬ ‫والرشوة هي‪ :‬ما ُيعطى‬
‫والرشوة ُأ ُّم الفس��اد اإلداري‪ ،‬ومن أعظم الجرائم المتفشية يف العالم‪ ،‬وتزداد‬
‫خطورهتا كلما َّ‬
‫احتل المرتش��ي منصبا قياديا كبيرا؛ ألنه بفساده يفسد من تحته من‬
‫��ح ٌت‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‬
‫محرمة ومن كبائر الذنوب‪ ،‬فهي ُس ْ‬
‫المرؤوس��ين‪ ،‬وه��ي َّ‬
‫ع��ن اليه��ود‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﮊ [المائ��دة‪ ،]٤٢ :‬وقال‬
‫َت الن َُّار َأ ْو َلى بِ ِه»(‪ ،)4‬والراش��ي‬
‫ت إِلاَّ كَان ِ‬
‫النب��ي ﷺ‪« :‬لاَ يربو َلح��م َنب َت مِن س��ح ٍ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫َْ ُ ْ ٌ َ‬
‫والمرتش��ي ملعون��ان بِن ِّ‬
‫َ��ص حدي��ث رس��ول اهلل ﷺ‪ ،‬فعن عبد اهلل ب��ن عمرو ‪‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)4783‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)1687‬‬


‫((( أج َرت ش���ركة «بيبر ميت» ‪-‬لألدوات املكتبية‪ -‬اس���تطالعاً للرأي حول الس���رقات التي تتم يف الشركة‬
‫أن جميع املوظفني –دون اس���تثناء‪ -‬أق ُّروا بأنهم س���رقوا (قلماً) على‬
‫من قبل موظفيها‪ ،‬وكانت املفاجأة َّ‬
‫األقل من مقر العمل!‪ .‬ينظر‪ :‬مقال‪( :‬املوظف اللص‪..‬أسباب السرقة الفعلية من العمل)‪ ،‬حتت الرابط‬
‫‪ :https//www.qallwdall.com‬على الشبكة العنكبوتية (االنترنت)‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬موسوعة نضرة النعيم‪.)4542/10(:‬‬

‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)614‬وصححه األلباني يف صحيح الترغيب والترهيب‪.)۳۲۰/۲(:‬‬

‫‪173‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الم ْرت َِش َي»(‪ .)1‬ويف الرشوة ٌ‬


‫أكل ألموال الناس‬ ‫��ول اهلل ِ ﷺ ِ‬
‫قال‪َ « :‬ل َع َن َر ُس ُ‬
‫��ي َو ُ‬
‫الراش َ‬
‫َّ‬
‫بالباطل‪ ،‬وقد قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [البقرة‪.]١٨٨ :‬‬
‫وقد ُتقدَّ م الرشوة للموظف أو صاحب المهنة يف قالب الهدية‪ ،‬فت َّ‬
‫ُسمى الرشوة‬
‫العمال والموظفين قبول الهدايا التي تكون‬ ‫حرم اإلسالم على َّ‬ ‫بغير اس��مها؛ ولذا َّ‬
‫��اع ِد ِّي‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫أثن��اء فرتة عملهم‪ ،‬فف��ي الصحيحين من حديث َع��ن َأبِي حمي ٍد الس ِ‬
‫ُ َ ْ َّ‬ ‫ْ‬
‫ات َبنِي ُس�� َل ْي ٍم‪ُ ،‬يدْ َعى ا ْب�� َن ال ُّل ْتبِ َّي ِة‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫��ول اهَّللِ ﷺ رجلاً َع َلى صدَ َق ِ‬ ‫اس�� َت ْع َم َل َر ُس ُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫��ت‬‫��ول اهَّلل ﷺ‪َ « :‬ف َهلاَّ َج َل ْس َ‬ ‫ِ‬ ‫��ذا َما ُل ُك ْم َو َه َذا َه ِد َّيةٌ‪َ .‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫اس�� َب ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ه َ‬ ‫َج��ا َء َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ��ك إِ ْن ُكن َ‬ ‫ك َه ِد َّيت َ‬ ‫ك‪َ ،‬حتَّى ت َْأتِ َي َ‬ ‫يك َو ُأ ِّم َ‬ ‫ت َأبِ َ‬ ‫فِ��ي بي ِ‬
‫ْت َصاد ًقا»‪ُ ،‬ث َّم َخ َط َبنَا‪َ ،‬ف َحمدَ اهَّللَ‬ ‫َْ‬
‫الر ُج َل ِمنْك ُْم َع َلى ال َع َم ِل ِم َّما َو اَّلنِي‬ ‫ِ‬
‫«أ َّما َب ْعدُ ‪َ ،‬فإِنِّي َأ ْس�� َت ْعم ُل َّ‬ ‫َو َأ ْثنَى َع َل ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫ت َأبِ ِيه َو ُأ ِّم ِه‬ ‫ت لِي‪َ ،‬أ َفالَ ج َلس فِي بي ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ول‪َ :‬ه َذا َما ُلك ُْم َو َه َذا َه ِد َّي ٌة ُأ ْه ِد َي ْ‬ ‫اهَّللُ‪َ ،‬ف َي ْأتِ��ي َف َي ُق ُ‬
‫��ي اهَّللَ َي ْح ِم ُل ُه َي ْو َم‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬
‫َحتَّ��ى تَأت َي�� ُه َهد َّي ُت ُه‪َ ،‬واهَّلل الَ َيأ ُخ ُذ أ َحدٌ منْك ُْم َش�� ْيئًا بِ َغ ْيرِ َح ِّقه إ اَّل َلق َ‬
‫الق َي َامة‪.)2(»...‬‬ ‫ِ‬

‫عالج ال�سرقة والر�شوة يف الإ�سالم‪:‬‬


‫لق��د عالجت الش��ريعة اإلس�لامية جريمت��ي الس��رقة والرش��وة وغيرهما من‬
‫الجرائم المالية من جهتين‪:‬‬
‫األول��ى‪ :‬اتخ��اذ التدابي��ر الوقائية‪ ،‬وس��د الذرائع التي ت��ؤدي إلى الوق��وع يف هذه‬
‫الجرائم األخالقية المنكرة‪ ،‬ومن تلك التدابير‪:‬‬
‫عما فيما أيدي الناس‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫‪1 -1‬الحث على الكسب المشروع‪ ،‬والزهد َّ‬
‫ﮋﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ [النساء‪.]٣٢ :‬‬
‫((( رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)۱۳۳۷‬وقال عنه‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم (‪ ،)6979‬وبنحوه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)1832‬‬

‫‪174‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪2 -2‬الح��ث عل��ى تأمين حاج��ات المحتاجين من المس��لمين من أم��وال الزكاة‬


‫والصدقات‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪3 -3‬بي��ان وج��وب حفظ األموال وصيانتها عن الس��رقة‪ ،‬واالس��تعانة على ذلك‬
‫بالوسائل الحديثة المتاحة كآالت التصوير والمراقبة ونحوها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬مش��روعية الح��دود والتعزيزات؛ فإذا ثبتت الس��رقة أو الرش��وة ونحوهما‬
‫م��ن الجرائم المالية على أحد فقد اس��توجب العقوبة الش��رعية الدنيوية‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الش��ريعة وضعت َحدًّ ا للس��رقة‪ ،‬وش��رعت عقوبات تعزيرية عل��ى غيرها من‬
‫الجرائم المالية بضوابط معلومة؛ ومنها(‪:)1‬‬
‫‪ -‬أمص��ادرة كل م��ا ثب��ت أنه ُأ ِخذ بغي��ر حق‪ ،‬س��واء كان هذا المأخ��وذ ماال أو‬
‫وج ْع ُلها يف األموال العامة‪ ،‬قال ابن بطال‪« :‬هدايا العمال ُتجعل يف‬
‫َع َرض��ًا‪َ ،‬‬
‫وأن العامل ال يملكها إال ْ‬
‫إن طلبها له اإلمام»(‪.)2‬‬ ‫بيت المال‪َّ ،‬‬
‫��راق والمرتشين والمختلس��ين من وظائفهم‪ ،‬وتجريدهم من كل‬
‫الس َّ‬
‫‪ -‬بإعفاء ُّ‬
‫حقوقهم الوظيفية‪.‬‬
‫‪ -‬جتطبي��ق األح��كام الش��رعية والنظامية عليهم يف ح��ال ثبوت التُّه��م بحقهم‪،‬‬
‫وكذلك على جميع الش��ركاء؛ الراشي‪ ،‬والمرتشي‪ ،‬والوسيط بينهما‪ ،‬وعدم‬
‫تغليب جانب الشفقة والرحمة؛ بل تجب حماية المصلحة العامة‪.‬‬

‫((( ينظ���ر‪ :‬التدابير الزجرية والوقائية يف التش���ريع اإلس�ل�امي وأس���لوب تطبيقه���ا‪ ،‬أحمد عبد الرحمن‬
‫إبراهيم‪ ،‬ص(‪.)460‬‬

‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،)۲۲۱/5(:‬وفيض القدير‪ ،‬للمناوي‪.)353/6(:‬‬

‫‪175‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫رابعا‪ :‬الغش‬
‫الغش‪ :‬ضدُّ النُّصح‪ ،‬و ُيطلق يف أصله على خلط الرديء بالج ِّيد؛ بغرض إظهار‬
‫الشيء على غير حقيقته؛ لتحقيق منفعة شخصية(‪. )1‬‬
‫كل ُص َو ِر ِه‪ ،‬وقد تو َّعد النبي ﷺ َّ‬
‫الغاش بالتربُّؤ منه؛ فقد روى‬ ‫محرم يف ِّ‬
‫والغش َّ‬
‫أن َّ‬
‫الغاش يرتكب‬ ‫«م ْن َغ َّش َف َل ْي َس ِمنِّى»(‪ ،)2‬وذلك َّ‬
‫أن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬‫أبو هريرة ‪َّ ‬‬
‫عدة جرائ��م أخالقية يتعدَّ ى ضررها لألخرين؛ فيضي��ع األمانة‪ ،‬وال يفي بالعقود‪،‬‬
‫فقد الثقة بين الناس‪ ،‬ويأكل الخبيث من الكس��ب‪ ،‬والغش ينايف النصيحة ألئمة‬ ‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫المسلمين وعامتهم‪.‬‬
‫�أمثلة الغ�ش يف املهن والوظائف‪:‬‬
‫‪1-1‬الغ��ش يف االختب��ارات الدراس��ية والوظيفي��ة والرض��ى به؛ فيحص��ل الغاش‬
‫يتبو ُأ هبا منصبًا وهو ليس أهالً له‪ .‬قال الش��يخ‬
‫على ش��هادة ال يس��تحقها‪ ،‬وقد َّ‬
‫عب��د العزيز بن ب��از رحمه اهلل‪“ :‬الغ��ش محرم يف االختب��ارات‪ ،‬كما أنه محرم‬
‫يف المعام�لات‪ ،‬فلي��س ألحد أن يغش يف االختبارات يف أي��ة مادة‪ ،‬وإذا رضي‬
‫األستاذ بذلك فهو شريكه يف اإلثم والخيانة”(‪.)3‬‬
‫الم��زورة ألي جهة من الجه��ات‪ ،‬أو تزوي��ر أوراق أو‬
‫َّ‬ ‫‪2-2‬اس��تخراج الش��هادات‬
‫مس��تندات أو وثائق رس��مية‪ ،‬أو الحصول على ش��هادات علمي��ة غير حقيقية‬
‫يزاحم هبا المتميزين‪.‬‬
‫‪3-3‬كتاب��ة التقاري��ر الطبية الت��ي ال تتفق مع الواق��ع‪ ،‬أو منح اإلج��ازات العادية أو‬

‫((( ينظر‪ :‬تهذيب اللغة‪ ،)6/8(:‬والتوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬ص(‪.)۲5۲‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۱۰۲‬‬

‫((( مجموع فتاوى ومقاالت ابن باز‪.)397/6(:‬‬

‫‪176‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫المرضية لمن ليس مستحقا لها‪.‬‬


‫‪4-4‬المصادقة على المخططات اإلنش��ائية أو الصناعية التي لم تس��توف الشروط‬
‫المطلوبة‪.‬‬
‫وأمثلة الغش يف التعام�لات المهنية والوظيفية كثيرة جدا؛ لكن على صاحب‬
‫المهنة أن يتقي اهلل تعالى‪ ،‬ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه من تعامالت‪ ،‬ويرجع‬
‫إلى اللوائح المنظمة لمجال عمله وال يتجاوزها أو يحتال عليها بأي طريقة كانت‪.‬‬
‫عالج م�شكلة الغ�ش‪:‬‬
‫يكون عالج مشكلة الغش يف قطاع المهن والوظائف من جهتين‪:‬‬
‫األول��ى‪ :‬التوعي��ة بحكمه الش��رعي؛ فقد َّ‬
‫ح��ذر النبي ﷺ من الغ��ش يف البيع‬
‫«م ْن‬
‫أن رس��ول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫والش��راء‪ ،‬واألقوال واألعم��ال؛ فعن أبي هريرة ‪َّ ‬‬
‫َغ َّش َف َل ْي َس ِمنِّى»(‪ .)1‬قال الخطابي‪“ :‬معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا‪ ،‬يريد َّ‬
‫أن َمن‬
‫َّ‬
‫غش أخاه وترك مناصحته‪ ،‬فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي”(‪.)2‬‬
‫ُص على إيقاع العقوبات على من تثبت‬
‫الثانية‪ :‬تطبيق اللوائح واألنظمة التي تن ُّ‬
‫ممارسته الغش والتدليس‪ ،‬وإظهار هذه العقوبات وإشهارها‪ ،‬وبيان أوجه احتيال‬
‫أصحاهبا ليحذر الناس من أساليبهم‪ ،‬ويعترب هبم غيرهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الوساطة المذمومة‬
‫ٍ‬
‫إعفاء‬ ‫الوس��اطة المذمومة‪ :‬هي المساعدة للحصول على أمر غير ُمست ََح ٍّق‪ ،‬أو‬
‫مِن ٍّ‬
‫حق يجب عليه الوفاء به(‪.)3‬‬
‫((( سبق تخريجه قريباً‪.‬‬

‫((( معالم السنن‪.)118/3(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬أخالقيات العمل‪ ،‬ص(‪.)284‬‬

‫‪177‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫والوس��اطة داخلة يف معنى الشفاعة ‪-‬حسنة كانت أو سيئة‪ -‬المذكورة يف قوله‬


‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﮊ [النس��اء‪ .]٨٥ :‬فف��ي هذه اآلية إخبار من اهلل تعالى َّ‬
‫بأن َمن يش��فع ش��فاعة‬
‫ٍ‬
‫ألحد يف قض��اء حاجته َّ‬
‫فإن له‬ ‫يتوس��ط‬ ‫ٍ‬
‫بحق‪ ،‬أو َّ‬
‫مطال��ب ٍّ‬ ‫فيض��م صوته مع‬
‫ُّ‬ ‫حس��نة‬
‫نصيب��ًا م��ن األجر والمثوبة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن َمن يش��فع ش��فاعة س��يئة؛ كأن َيؤ ِّيد باطالً أو‬
‫شر أو ترك معروف‪ ،‬فإنه يكون عليه نصيب من الوزر(‪.)1‬‬
‫يتوسط يف فعل ٍّ‬
‫َّ‬
‫ومما ُي َف َّر ُق به بني ال�شفاعة احل�سنة وال�شفاعة ال�سيئة �أمران‪:‬‬
‫‪1-1‬الش��فاعة الحس��نة تكون فيما أذن به الشرع‪ ،‬والش��فاعة المذمومة بضدِّ ذلك‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬الش��فاعة الحسنة وضابطها‪ :‬ما َأ ِذ َن فيه الشرع دون ما لم يأذن‬
‫فيه”(‪.)2‬‬
‫‪2-2‬الشفاعة الحسنة ال يرتتب عليها ضرر لآلخرين أو إخالل باألنظمة المتبعة يف‬
‫البلد أو الجهة ذات العالقة‪ ،‬والشفاعة المذمومة بضدِّ ذلك‪.‬‬
‫ومن �أمثلة ال�شفاعة ال�سيئة‪:‬‬
‫يتوسط اإلنسان لشخص يعلم أنه ال يستطيع القيام بالعمل‪.‬‬
‫•أن َّ‬
‫يتوسط لشخص ألنه قد دفع له رشوة‪.‬‬
‫•أن َّ‬
‫أن توظيفه أو ترقيته فيها مخالفة للنظام‪.‬‬ ‫يتوسط لشخص مع علمه َّ‬ ‫•أن َّ‬
‫ف مِن ترقية‪ ،‬مع أنه‬
‫حرمان مو َّظ ٍ‬
‫ُ‬ ‫يتوس��ط لشخص ويرت َّتب على الوس��اطة‬ ‫•أن َّ‬
‫ف مِن ح ِّقه‪.‬‬
‫أكفأ ممن توسط له‪ ،‬أو منْع مو َّظ ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫حكم الو�ساطة املذمومة‪:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬أيسر التفاسير‪.)518/1(:‬‬

‫((( فتح الباري‪.)451/10(:‬‬

‫‪178‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫محرم��ة‪ ،‬وذل��ك ألثرها الس�� ِّيئ عل��ى الفرد‬ ‫الش��ك َّ‬


‫أن الوس��اطة المذموم��ة َّ‬
‫والمجتمع‪ ،‬قال النووي‪« :‬وأما الشفاعة يف الحدود فحرام‪ ،‬وكذا الشفاعة يف تتميم‬
‫باطل‪ ،‬أو إبطال حق‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهي حرام»(‪.)1‬‬
‫التوس��ط حرمان من هو أولى وأح��ق باألمر من جهة الكفاية‬
‫ُّ‬ ‫ف��إذا تر َّتب على‬
‫العلمية التي تتعلق بالعمل‪ ،‬والقدرة على تحمل أعبائه والنهوض بأعماله فالشفاعة‬
‫أحق هبا‪ ،‬وظلم لإلدارات والمنش��آت والمس��ؤولين‬ ‫محرم��ة؛ ألهن��ا ظلم لمن هو ُّ‬
‫َّ‬
‫فيه��ا بس��بب حرماهنم م��ن عمل األَكْف��اء وخدمتهم له��م‪ ،‬ومعونته��م إياهم على‬
‫النه��وض بمرفق من مرافق الحي��اة‪ ،‬وكذلك فيها اعتداء عل��ى األُ َّمة بحرماهنا من‬
‫ينجز أعمالها‪ ،‬ويقوم بش��ؤوهنا على أحس��ن حال‪ ،‬ثم هي مع ذلك ُت َو ِّلد الضغائن‬
‫وظنون السوء‪ ،‬و ُم ْف ِسد ٌة للمجتمع‪.‬‬
‫أ َّم��ا إذا ل��م يرتتب على الوس��اطة ضياع حق ألحد أو نقصان��ه فهي جائزة‪ ،‬بل‬
‫ب فيها ش��رعا‪ ،‬و ُي ْؤ َج ُر عليها الش��فيع إذا احتس��ب األجر‪ ،‬فق��د ثبت عن أبي‬ ‫ُم َر َّغ ٌ‬
‫«اش�� َف ُعوا ت ُْؤ َج ُروا َوي ْق ِضي اهَّللُ َع َلى لِ َس ِ‬
‫ان‬ ‫موس��ى األشعري ‪َّ ‬‬
‫أن النبي ﷺ قال‪ْ :‬‬
‫َ‬
‫َنبِ ِّي ِه ﷺ َما َشا َء»(‪.)3()2‬‬
‫عالج م�شكلة الو�ساطة املذمومة(‪:)4‬‬
‫لكي تتم محاربة الوس��اطة المذمومة والقضاء عليها ينبغي أن ُتتَّبع الخطوات‬
‫التالية‪:‬‬

‫((( شرح النووي على صحيح مسلم‪.)۱۷۸-۱۷۷/۱6(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)1432‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2627‬‬

‫((( ينظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة‪.)290-289/25(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬الواسطة‪ ،‬مفهومها‪ ،‬حكمها‪ ،‬أسبابها‪ ،‬آثارها‪ ،‬ص(‪.)۲۲‬‬

‫‪179‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الس ِّر وال َع َلن؛ قال تعالى ﮋ ﭑ ﭒ‬


‫‪1-1‬استش��عار المسلم مراقبة اهلل تعالى له يف ِّ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﮊ [البقرة‪.]٧٧ :‬‬
‫بتح��ري الدِّ َّق��ة يف اختي��ار العاملي��ن معه��م بعي��د ًا ع��ن‬
‫ِّ‬ ‫‪1-1‬تذكي��ر المس��ؤولين‬
‫المجامالت؛ قال تعالى‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﮊ [النساء‪.]١٣٥ :‬‬
‫‪2-2‬التوعية المستمرة بأضرار الوساطة السيئة على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪3-3‬تطبيق األنظمة بشفافية‪ ،‬وإتاحة الفرص لكل من يستحق‪.‬‬
‫‪4-4‬تشديد العقوبة على من يثبت تورطه يف وساطة سيئة‪.‬‬
‫‪5-5‬المراجعة المس��تمرة لألنظمة ومواكبة التطور للحد من صالحيات المسؤول‬
‫يف التفرد باتخاذ القرار‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬إفشاء أسرار العمل‬
‫السر‪ :‬هو ما يخفيه اإلنسان يف نفسه أو يفضي به إلى آخر‪ُ ،‬م ْس َت ْكتِمًا إِ َّياه(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬
‫��ر يف اإلس�لام أمانة من ضمن األمانات التي جعل اهلل ِح ْف َظها‬ ‫ِ‬
‫و ُي َعدُّ ح ْف ُظ ِّ‬
‫الس ِّ‬
‫م��ن صفات عباده المؤمني��ن؛ فقال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ‬
‫ظ األس��رار أجورا عظيمة؛ ومن‬ ‫[المؤمنون‪ ،٨ :‬والمعارج‪ ،]32 :‬ور ّتب على ِح ْف ِ‬

‫وس��ت ُْر عيوبه وعورات��ه؛ كما روى ابن‬ ‫ذل��ك‪ِ :‬س��تْر اهلل لصاحبه يف الدنيا واآلخرة‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫��ل ًما َس��ت ََر ُه اهَّللُ فِ��ي الدُّ ْن َيا‬
‫أن النبي ﷺ قال‪« :‬ومن س��تَر مس ِ‬
‫ََ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫عم��ر رض��ي اهلل عنهما َّ‬
‫اآلخ َر ِة»(‪.)2‬‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫��ر إال إذا كان يف إفش��ائه مصلحة ش��رعية راجح��ة‪ ،‬أو أن‬ ‫ِ‬
‫وال يج��وز إفش��اء س ٍّ‬

‫((( ينظر‪ :‬الكليات‪ ،‬للكفوي‪ ،‬ص(‪ ،)514‬وموسوعة األخالق اإلسالمية‪.)۱۳6 /۲(:‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2442‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)۲5۸۰‬‬

‫‪180‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫مضرة على أحد‪ ،‬ككتم الش��هادة ونحوه؛ بل ُي َعدُّ إفش��اء السر خيانة‬
‫يكون يف كتمه َّ‬
‫لألمان��ة‪ ،‬واهلل تعالى يق��ول‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [األنفال‪.]٢٧ :‬‬
‫�إف�شاء �أ�سرار العمل الوظيفي ‪:‬‬
‫العم��ل الوظيف��ي أمانة تج��ب رعايتها‪ ،‬وكل وظيف��ة لها أس��رار يؤتمن عليها‬
‫يحرمها‬
‫الموظف‪ ،‬فإذا أفش��ى ش��يئا من أس��رارها كان هذا نوعا من الخيان��ة التي ِّ‬
‫وتجرمها األنظمة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الشرع‬
‫��ر َّية أحيانا‬ ‫ِ‬ ‫فيج��ب عل��ى الموظف أن يعل��م َّ ِ‬
‫أن م��ن المعلومات م��ا تكون س ِّ‬
‫��ر َّية بس��بب صدور قرارات بذل��ك‪ ،‬ويف كلتا الحالتين‬ ‫ِ‬
‫بطبيعته��ا‪ ،‬وأحيانا تكون س ِّ‬
‫��ر َّيتها‪ .‬ومع التقدم العلمي وس��هولة تواصل‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫فإن على الموظف المحافظة على س ِّ‬
‫الناس عرب وس��ائل التواصل االجتماعي الحديثة َّ‬
‫فإن مس��ألة إفشاء األسرار تأخذ‬
‫صور ًا جديدة غالبا ما تكون أس��وأ أثر ًا وأش��د خطرا؛ ولذلك َّ‬
‫ألن إعطاء الموظف‬
‫أي معلومة لوس��ائل اإلعالم ‪-‬مثال‪ -‬أو نش��ره لصور أو خطابات ِسرية بدون ٍ‬
‫إذن‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َّ‬
‫مِن صاحب الصالحية يف عمله‪ ،‬قد ترتتب عليه أضرار كبيرة على مصلحة العمل‬
‫وسمعة المنشأة أو الوطن بأكمله‪ ،‬وهذا نوع من الخيانة وتضييع األمانة بال شك!‪.‬‬
‫عالج م�شكلة �إف�شاء �أ�سرار العمل‪:‬‬
‫يكون عالج مشكلة إفشاء األسرار الوظيفية من جانبين‪:‬‬
‫األول‪ :‬التوعي��ة َّ‬
‫ب��أن الش��ريعة اإلس�لامية أمرت بحف��ظ األس��رار وكتماهنا‪،‬‬
‫ف��إن ذلك أدوم لألُ ْل َف��ة‪ ،‬وأدوم لحقوق األف��راد والجماعات؛‬ ‫وحظرت إفش��اءها َّ‬
‫وم��ن ذلك ما رواه أبو س��عيد الخ��دري ‪ ‬عن النبي ﷺ أنه ق��ال‪« :‬إِ َّن ِم ْن َأ ْع َظ ِم‬

‫‪181‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الر ُج َل ُي ْف ِضى إِ َلى ْام َر َأتِ ِه َو ُت ْف ِضى إِ َل ْي ِه ُث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األَ َمانَة عنْدَ اهَّلل َي ْو َم ا ْلق َي َامة‪َّ :‬‬
‫فينبغي للمسلم أن يكون حافظا لألسرار التي ي َّطلِع عليها‪ ،‬سواء اؤتمن عليها‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫��ر العمل‬ ‫م��ن ق َب ِل َمن َأ َس َّ‬
‫��رها إلي��ه‪ ،‬أو َع َرفها بحك��م وظيفته‪ ،‬وال يقتصر حفظ س ِّ‬
‫فق��ط أثن��اء تأدية الخدمة‪ ،‬بل يتع��دَّ اه إلى ما بعد ترك العمل بالتقاعد أو االس��تقالة‬
‫أو غيرهما‪.‬‬
‫تورطه يف إفش��اء األس��رار‬
‫حق َمن يثبت ُّ‬
‫الثاين‪ :‬تطبيق األنظمة والعقوبات يف ِّ‬
‫الوظيفي��ة وإعالن هذه العقوبات حتى يكون يف ذلك عربة لمن يتهاون هبذا األمر؛‬
‫ليتم الحدُّ من هذا الفعل المش��ين الذي يؤ ِّثر على المجتمعات َبأ ْس ِرها‪ ،‬فضال عن‬
‫َّ‬
‫تأثيره على األفراد والمؤسسات‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)1437‬‬

‫‪182‬‬
‫الق َيم اإلسالمية‬
‫القسم الثالث‪ِ :‬‬

‫الوح��دة الأوىل‪ :‬تعري��ف القي��م الإ�س�لامية‪ ،‬وأنواعه��ا‪ ،‬ومصادره��ا‪،‬‬


‫وخصائصها‪ ،‬والفرق بينها وبين األخالق‪.‬‬
‫الوح��دة الثاني��ة‪ :‬القيم الإ�س�لامية العلي��ا‪( :‬العبادة‪ ،‬الحق‪ ،‬اإلحس��ان‪،‬‬
‫الحكمة‪ ،‬الرحمة‪ ،‬الصدق)‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬القيم الإ�سالمية احل�ضارية‪( :‬االستخالف‪ ،‬المسؤولية‪،‬‬
‫النظام واالنضباط‪ ،‬النظافة‪ ،‬التفاؤل)‪.‬‬
‫الوحــــدة األولــى‬

‫التعريف بالقيم‬

‫٭ ٭تعريف القيم اإلسالمية‪.‬‬


‫٭ ٭مصادر القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫٭ ٭ خصائص القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫٭ ٭ الفرق بين القيم واألخالق‪.‬‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪1 -1‬أن يب ِّين الطالب أهمية القيم عند المسلمين‪.‬‬
‫‪2 -2‬أن يعدِّ د الطالب مصادر القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن يذكر الطالب خصائص القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تب ِّين أهمية القيم عند المسلمين‪.‬‬
‫‪2 -2‬تعدِّ د مصادر القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫‪3 -3‬تذكر خصائص القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أوالً‪ :‬تعريف ِ‬
‫الق َيم اإلسالمية‬
‫ِ‬ ‫الس ْل َعةَ‪َ :‬ث َّمنْتُها(‪،)1‬‬ ‫ِ‬
‫«والق َيا ُم‬ ‫الق َيم جمع قيمة‪ ،‬والقيمة يف اللغة‪ :‬القدر‪ .‬و َق َّو ْم ُت ِّ‬
‫والق َوا ُم‪ :‬اس��م لما يقوم به الش��يء ويثبته كالعماد والس��ناد لما يعمد ويسند به»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬

‫وتع��رف القي��م يف االصطالح بأهن��ا‪ :‬مجموعة الصفات العلي��ا‪ ،‬التي يتميز هبا‬
‫َّ‬
‫البش��ر‪ ،‬وتق��وم عليه��ا الحياة االجتماعي��ة‪ ،‬ويتم التعبي��ر عنها باس��تخدام األقوال‬
‫واألفعال‪.‬‬
‫والقيم بمعناها االصطالحي الشامل تعني‪( :‬مجموعة معايير تتكون كقناعات‬
‫ل��دى الفرد تم ِّكنه م��ن تحقيق هدفه يف الحياة)‪ ،‬وقيل أيض��ا‪ :‬القيم هي (مجموعة‬
‫المب��ادئ والقواعد والمثل العليا التي يتخذ منها الناس ميزانًا ِيزنُون هبا أعمالهم‪،‬‬
‫ويحكم��ون هبا على تصرفاهتم المادية والمعنوية)؛ فالقيم إذ ًا هي مقياس أو معيار‬
‫نحك��م بمقتض��اه أو نقيس به‪ ،‬أو ه��ي القواعد التي تق��وم عليها الحياة اإلنس��انية‬
‫تصو ِرها للقيم‪.‬‬
‫وتختلف هبا عن الحياة الحيوانية؛ لذا تختلف الحضارات بحسب ُّ‬
‫و َل َّما كانت القيم والمبادئ العليا قد حدَّ دها الوحي بالفعل‪ ،‬فإنه يمكننا أن ُن َع ِّرف‬
‫القيم يف المفهوم اإلس�لامي بأهنا‪ :‬مجموعة من األخ�لاق الفاضلة التي اعتمدت‬
‫على المنهج اإلس�لامي يف توجيه السلوك البشري نحو طلب الحق وفعل الخير‪.‬‬
‫بني منهج الإ�سالم ومنهج الغرب‪:‬‬
‫ترج��ع بع��ض القي��م اإلنس��انية إلى وضع البش��ر‪ ،‬وذل��ك من خ�لال تعايش‬
‫المجتمع��ات وتالقح أفكارها‪ ،‬ويكون بعض هذه القيم إيجابيًا وبعضها س��لبيًا‪،‬‬

‫((( ينظر‪ :‬القاموس احمليط‪.)168/4(:‬‬

‫((( املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاني‪ ،‬ص(‪.)690‬‬

‫‪187‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫بخ�لاف القيم الس��ماوية الت��ي كلها إيجابي��ة‪ ،‬وقد ترجع بعض القي��م إلى عصور‬
‫قديم��ة؛ كبعض القيم العربية اإليجابي��ة‪ ،‬مثل‪ :‬النخوة والش��جاعة والكرم وإغاثة‬
‫الملهوف‪ ،‬أو بعض القيم السلبية؛ كالعصبية القبلية‪.‬‬
‫ويف العص��ر الحاضر أصبحت المجتمعات‪-‬بس��ب االنفتاح العالمي‪ -‬تأخذ‬
‫الكثير من القيم عن غيرها‪ ،‬فتتأثر الشعوب الضعيفة بقيم الشعوب القوية حتى لو‬
‫كانت تلك القيم سلبية!‪.‬‬
‫ومما ال ش��ك فيه َّ‬
‫أن طريقة الغرب يف بحث القي��م كان وال يزال مختلفًا عما‬
‫صور الغرب القيم من خالل مفهومين منفصلين‬
‫بحثه المس��لمون األوائل‪ ،‬حيث َّ‬
‫تقريبًا‪ :‬مفهوم مادي (الحضارة الغربية)‪ ،‬ومفهوم روحي (الدين والضمير)‪ ،‬ولم‬
‫يتصورها من الجانبين معًا(‪.)1‬‬
‫ويف المقابل كان تصور المس��لمين للقيم من الجانبين معًا (مادي وروحي)؛‬
‫أن القيم جاءت جزء ًا من التصور اإلسالمي لإلنسان كإنسان (روح ومادة‪،‬‬
‫بمعنى َّ‬
‫دين ودنيا)‪ ،‬وليس كما هو الحال يف الفكر الغربي‪.‬‬
‫لذا س��ندرس القيم وفق تصور المس��لمين لها‪ ،‬وليس وفق المصادر المعرفية‬
‫الغربي��ة‪ ،‬ومع ذلك ال ننك��ر جهد الفكر الغربي يف إعادة تبوي��ب القيم أو تصنيفها‬
‫بطريق��ة أيس��ر حتى من الفكر اإلس�لامي‪ ،‬الذي جاء فيه مبحث القي��م متناثر ًا عرب‬
‫نصوص الرتاث كما ب َّينَّا‪ ،‬وهذا طبيعي يف استفادة الالحق من السابق‪ ،‬فالفكر الغربي‬
‫اس��تفاد م��ن التصنيف العلمي الذي ترك��ه قبله الفكر اليوناين والفكر اإلس�لامي‪.‬‬

‫((( اإلسالم بني الشرق والغرب‪ ،‬علي عزت بيجوفتش‪ ،‬ترجمة محمد يوسف عدس‪ ،‬ص(‪.)27‬‬

‫‪188‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫�أنواع القيم الإ�سالمية‬


‫إن أب��رز القيم اإلس�لامية يمكن أن ُت��درج تحت ٍّ‬
‫أي من النوعي��ن التاليين من‬
‫القيم‪:‬‬
‫الن��وع األول‪ :‬قيم عليا؛ مثل‪( :‬العبادة‪ ،‬الحق‪ ،‬اإلحس��ان‪ ،‬الحكمة‪ ،‬الرحمة‪،‬‬
‫الصدق)‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬قيم حضارية؛ مثل‪( :‬االستخالف‪ ،‬المسؤولية‪ ،‬النظام واالنضباط‪،‬‬
‫النظافة‪ ،‬التفاؤل)‪.‬‬
‫�أهمية القيم عند الب�شرية‬
‫للقي��م أهمية عظيمة يف حياة المجتم��ع بكل أطرافه‪ ،‬فالمجتمع الملتزم بالقيم‬
‫مجتم��ع ٍ‬
‫راق َت ُس��و ُد ُه الطمأنينة واالحرتام‪ ،‬وم��ا ذاك إال ثمرة من الثمار‬ ‫ٌ‬ ‫اإليجابي��ة‬
‫الطيبة للقيم‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن القيم العليا وهي (العبادة والحق والعدل واإلحسان والحكمة والصدق)‬
‫تجعل من الفرد يف مجتمعه إنس��انًا س��ويًا‪ ،‬مطمئن النف��س‪ ،‬راقي الطباع‪ ،‬ملتزمًا‬
‫بالحق��وق‪ ،‬قائم��ًا بحق اهلل تعالى وحق عباده‪ ،‬وهذا ‪-‬بال ريب‪ -‬من أهم أس��باب‬
‫استقرار النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫أ َّم��ا القي��م الحضارية وهي (االس��تخالف والمس��ؤولية والنظ��ام واالنضباط‬
‫والنظافة والتفاؤل) فهي تكش��ف ع��ن الجانب الحض��اري يف المجتمع‪ ،‬وتضبط‬
‫س��لوك األفراد تجاه مجتمعهم؛ فالتزام كل طرف منهم هبذه القيم ينش��ر السالم يف‬
‫المجتمع‪ ،‬ويجعله قويًا متماسكًا متعاطفًا غيور ًا على مصالح الوطن‪.‬‬
‫الخ ُلقي��ة؛ كالصدق والرب واألمانة والتعاون والوفاء‬
‫وأ َّم��ا التزام األفراد بالقيم ُ‬

‫‪189‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫والصرب والش��كر والحياء والنصح والرحمة وغيرها فال يخفى ما فيها من مصالح‬
‫تقوي روابط المجتمع وتزكِّي قيم التعاون واالحرتام‪،‬‬
‫للفرد والمجتمع معا‪ ،‬فهي ِّ‬
‫ومما ال ش��ك فيه َّ‬
‫أن المجتمع الذي تس��وده تلك القيم ُي َعدُّ مجتمعًا مطمئنًا تكثر‬
‫فيه الفضيلة وتتضاءل فيه الرذيلة‪ ،‬وهذه غاية نبيلة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مصادر القيم اإلسالمية‬


‫َل َّما كان الدِّ ين قيم ًة عليا يف َحدِّ ذاته‪ ،‬فإنَّه ال يدعو إلى القيم فقط؛ وإنما يدعو‬
‫الناس إلى اختياره طريقًا ومنهجًا كقيمة عليا أو ً‬
‫ال‪ ،‬ومن ثم تصبح عناصره الكلية‬
‫ومبادئ��ه الس��امية قيمًا فرعية؛ فالعب��ادة قيمة من قيم الدي��ن‪ ،‬والعدل قيمة من قيم‬
‫الدين والدعوة إلى مكارم األخالق قيمة من قيم الدين‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فدين اإلس�لام ُي ْه ِدي إلى من يعتنقه مجموع ًة من القيم ُت َم ِّثل َّ‬
‫كل قيم اإلنسان‬
‫واألخوة‬
‫َّ‬ ‫العلي��ا؛ كالحق والخي��ر والجمال والرحمة واإلحس��ان والرب والتع��اون‬
‫اإلنس��انية والعدل والحرية وغيرها؛ ففي قوله تعالى ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮊ [النح��ل‪ ،]٩٠ :‬ن��رى ه��ذه اآلي��ة ق��د جمعت قيم الع��دل والح��ق والخير‬
‫واإلحس��ان والجم��ال والتع��اون والبِ ِّ‬
‫��ر والبعد ع��ن الفواحش الت��ي تقضي على‬
‫جماليات الحياة‪.‬‬
‫فلما‬ ‫ِ‬
‫وجاء يف الس��نة النبوية كثي��ر من هذه القيم التي كان ُي ْعليه��ا بعض الناس َّ‬
‫النبي‬ ‫َّ‬
‫ش��عر أن الدين الجديد يدعو إليها أس��لم؛ فقد جاء ( َع ْم ُرو ْب ُن َع َب َس��ةَ) يسأل َّ‬
‫«أ ْر َس َلنِي بِ ِص َل ِة الأْ َ ْر َحامِ‪َ ،‬وك َْسرِ‬
‫عما أرس��له به ر ُّبه‪ ،‬فأجاب النبي الكريم ﷺ‪َ :‬‬ ‫ﷺ َّ‬
‫ان‪َ ،‬و َأ ْن ُي َو َّحدَ اهللُ اَل ُي ْش َر ُك بِ ِه َش ْي ٌء»(‪.)1‬‬‫الأْ َ ْو َث ِ‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)1380‬‬

‫‪190‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ولم��ا كان القرآن الكريم والس��نة النبوي��ة هما مصدرا هذا الدي��ن العظيم كانا‬
‫بالتالي مصدَ َري القيم يف اإلس�لام‪ ،‬إضافة إلى ما نتج عنهما من تش��ريع وأحكام؛‬
‫وبالتال��ي َّ‬
‫فإن مصادر القيم عند المس��لمين ه��ي‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬والس��نة النبوية‪،‬‬
‫والتشريع اإلسالمي بكل مكوناته المعرفية وأدواته االستنتاجية‪.‬‬
‫امل�صدر الأول‪ :‬القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫الق��رآن الكري��م هو المصدر األساس��ي للقيم اإلس�لامية‪ ،‬والت��ي تنتظم فيما‬
‫يلي(‪:)1‬‬
‫•قيم اعتقادية؛ تتع َّلق بما يجب على المك َّلف اعتقاده يف اهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وال َقدَ ر‪ ،‬وغير ذلك من األمور التي يجب اعتقادها‪.‬‬
‫•قي��م ُخ ُلقي��ة؛ تتع َّلق بما يجب عل��ى المك َّل��ف أن يتح َّلى به م��ن الفضائل وما‬
‫يتخلى عنه من الرذائل‪.‬‬
‫•قيم َع َملِ َّية؛ تتع َّلق بما يصدر عن المك َّلف من أقوال وأفعال وعقود وتصرفات‪،‬‬
‫وهي على نوعين‪:‬‬
‫‪ -‬أالعبادات؛ ويقصد هبا‪ :‬تنظيم عالقة اإلنسان بربه‪.‬‬
‫‪ -‬بالمعامالت؛ ويقصد هبا‪ :‬تنظيم عالقات المك َّلفين ببعضهم‪.‬‬
‫فنجد القرآن الكريم قد اعتنى ‪-‬أ َّيما عناية‪ -‬بإرساء القيم اإليجابية يف النفوس‬
‫يف كل ما يتع َّلق باألنواع السابقة ِّ‬
‫الذكر‪.‬‬
‫ومم��ا يالح��ظ يف طريقة ع��رض الق��رآن للقيم َّ‬
‫أن القي��م المتعلق��ة بالعبادات‬
‫واألحوال الشخصية من المعامالت ُم ْل ِز َم ٌة ثابِ َت ٌة ألهنا تتعلق بأمر تع ُّبدي‪ ،‬ال مجال‬

‫((( ينظر‪ :‬القيم بني اإلسالم والغرب‪ ،‬د‪ .‬مانع املانع‪ ،‬ص(‪.)184‬‬

‫‪191‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫بتطور البيئات(‪.)1‬‬
‫يتطور َّ‬
‫للعقل فيه وال َّ‬
‫أ َّما فيما عدا العبادات واألحوال الش��خصية من المعامالت فتأيت القيم عا َّمة‪،‬‬
‫يتعرض القرآن الكريم لتفصيلها أو اإللزام بأحكام مع َّينة يف كل جزئياهتا؛ ألنَّها‬
‫لم َّ‬
‫تتطور تبعًا لتغ َّير البيئات والمصالح‪.‬‬
‫َّ‬
‫امل�صدر الثاين‪ :‬ال�سنة النبوية‪:‬‬
‫إذا كان القرآن الكريم قد دعا إلى تمس��ك اإلنسان بقيم عديدة‪ ،‬فالسنة النبوية‬
‫التي هي المصدر الثاين من مصادر اإلسالم تشريعًا ومنهجًا وطريقًا لم تخل هي‬
‫أيضًا من شرح وبيان وتفصيل لكثير من هذه القيم التي جاءت يف القرآن الكريم‪،‬‬
‫فسرت السنة وبينت ُمرا َد القرآن منها؛ بل كما أنه جاءت يف السنة تشريعات لم‬
‫فقد َّ‬
‫قيم لم ينص عليها القرآن مباشرة؛ مثل قيمة‬ ‫ِ‬
‫تأت يف القرآن فكذلك جاءت يف السنة ٌ‬
‫االستش��فاء‪ ،‬فالقرآن لم ينص صراحة على طلب االستش��فاء؛ لكن جاء يف الس��نة‬
‫النبوية عدد من األحاديث تطالب المس��لم باالهتمام بصحته وأن يبذل لذلك كل‬
‫اهلل َع َّز َو َج َّل َل ْم ُين َِّز ْل َدا ًء‪ ،‬إِلاَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما يمكنه؛ مثل قول النبي ﷺ‪َ « :‬تدَ َاو ْوا ع َبا َد اهلل؛ َفإِ َّن َ‬
‫إن التداوي من التوكُّل‪.‬‬ ‫َأن َْز َل َم َع ُه ِش َفا ًء‪)2(»...،‬؛ لذا قال العلماء‪َّ :‬‬
‫وس��نرى يف حديثن��ا التفصيل��ي عن القيم العلي��ا أو القيم الحضاري��ة كثير ًا من‬
‫األحاديث التي تشرح بعض القيم اإلسالمية وتب ِّينها‪.‬‬
‫امل�صدر الثالث‪ :‬الفقه الإ�سالمي وقواعده و�أ�صوله‪:‬‬
‫يع��دُّ الفقه اإلس�لامي مصدر ًا من مص��ادر القيم بما أنتجه م��ن قواعد أصولية‬
‫وفقهي��ة َت َر َّبى عليها المس��لمون عصر ًا بعد عصر؛ إذ القواع��د الك ِّل َّية والفرعية قِ َي ٌم‬
‫((( ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص(‪.)185-184‬‬

‫((( رواه أحمد يف املسند‪ ،‬برقم(‪ ،)18455‬عن أ ُ َسا َم َة بْنِ َشرِ ٍ‬


‫يك ‪ ،‬وصحح إسناده مح ِّققو املسند‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ومبادئ يسير عليها الفقيه المسلم‪.‬‬


‫فالقواع��د الك ِّلية الكربى مث��ل‪ :‬قاعدة (األمور بمقاصدها)‪ ،‬و(اليقين ال يزال‬
‫بالش��ك)‪ ،‬و(العادة ُم َح َّكمة)‪ ،‬و(المشقة تجلب التيسير)‪ ،‬و(ال ضرر وال ضرار)‪،‬‬
‫َّفق‬
‫والمش��رع‪ ،‬بل هذه القواعد مت ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ُت َعدُّ هذه القواعد وأمثالها قيمًا مهمة عند الفقيه‬
‫عليها عند المذاهب األربعة(‪ ،)1‬فال يس��تطيع أح��دٌ تجاوزها يف بناء حكم فقهي أو‬
‫ش��رعي‪ ،‬وهي ‪-‬من جانب آخر‪ -‬قيم إنس��انية رائعة‪ ،‬يحافظ هبا اإلنسان‪ -‬لو عمل‬
‫مشرعًا أو فقيهًا‪ -‬على حقوق الناس أجمعين يف التقاضي ويف التشريع‬
‫قاضيًا أو ِّ‬
‫ويف الفتوى‪.‬‬
‫والقواعد ال َف ْر ِع َّية مثل‪ :‬قاعدة (ال ُينس��ب لس��اكت قول)‪ ،‬و(ما ُأبيح لضرورة‬
‫يتقدَّ ر بقدرها)‪ ،‬و(ما جاز لعذر بطل بزواله)‪ ،‬و(األصل براءة ِّ‬
‫الذ َّمة)‪ ،‬و(المعروف‬
‫بين التجار كالمش��روط بينهم)‪ ،‬و(درء المفاس��د أولى من جلب المصالح)؛ فكل‬
‫تلك القواعد وغيرها ُت َعدُّ قيما عليا ‪-‬بال ش��ك‪ -‬للمس��لمين عمومًا‪ ،‬ولمن يتولى‬
‫أمور التشريع وصياغة أحكام الفقه بصفة أخص‪.‬‬
‫وكذلك م��ا نتج عن تلك القواعد من فقه وفهم لعلماء المس��لمين المعتربين‬
‫يعد أيضًا مصدر ًا للقيم عند المس��لمين‪ ،‬فالمسلم يحرتم ويقدر العلماء العاملين‬
‫والمربين الواعين الذين أناروا بالفهم الصحيح لإلسالم الطريق أمام جهور اآلمة‪،‬‬
‫فكانوا ‪-‬بال ريب‪ -‬قدوة ومثالً يحتذى يف الممارسة والتطبيق بعد المصطفى ﷺ‪.‬‬

‫((( القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها‪ ،‬د‪ .‬صالح غامن السدالن‪ ،‬ص(‪.)9‬‬

‫‪193‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثالثًا‪ :‬خصائص القيم اإلسالمية‬


‫تنفرد القيم اإلسالمية بمجموعة من الخصائص تميزها عن غيرها؛ ومن تلك‬
‫الخصائص أهنا‪:‬‬
‫‪1-1‬ربانية؛ فالقيم يف اإلسالم ُت ْست ََمدُّ من القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫‪2-2‬فطري��ة؛ فقد جاء اإلس�لام يف مج��ال القيم بما يالئم الفطرة والطبيعة البش��رية‬
‫ويكملها‪ ،‬ال بما يضادها ويصدمها‪ ،‬ومن هنا اعرتف اإلسالم بالكائن اإلنساين‬
‫ِّ‬
‫كما خلقه اهلل بدوافعه النفسية وميوله الفطرية‪.‬‬
‫‪3-3‬إنس��انية؛ فتكري��م اإلنس��ان وحفظ دينه ونفس��ه وعرضه وماله ُيعدُّ من أس��س‬
‫��ض النظر عن دين اإلنس��ان ولونه ونس��به يجب حفظ‬‫القي��م اإلس�لامية‪َ ،‬فبِ َغ ِّ‬
‫الس��لم‪ ،‬ومع َّ‬
‫أن اإلس�لام يأمر المس��لمين أن يقاتلوا‬ ‫حيات��ه وتكريمه يف حالة ِّ‬
‫ِ‬
‫المحارب س��يفه أصبح واجبًا على المس��لمين‬ ‫من يقاتلهم‪ ،‬إال أنه متى وضع‬
‫حماية حياته وصون عرضه ومعالجته إن كان جريحًا وإطعامه إن كان جائعًا‪،‬‬
‫ومسالمته إن طلب سالمًا‪ .‬يقول اهلل عز وجل ‪ :‬ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [األنفال‪.]٦١ :‬‬
‫‪4-4‬واقعي��ة؛ فالقي��م اإلس�لامية قي��م ال تح ِّل��ق يف الخي��ال النظري الفلس��في‪ ،‬بل‬
‫ه��ي واقعية‪ ،‬فعندما تدع��و للتعاون والتكاف��ل تأمر أن يبدأ التع��اون باألقرب‬
‫ِّ‬
‫المبذرين‬ ‫واألح��وج واألضعف‪ ،‬ويف ذات الوقت تأم��ر ا ْل ُمن ِْفق بأال يكون من‬
‫يتس��ول هو‬
‫َّ‬ ‫حتى يف اإلنفاق ذاته‪ ،‬وذلك ليرتك لنفس��ه وولده ما يقتات به‪ ،‬وال‬
‫بعد ذلك اإلنفاق؛ يقول اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [اإلسراء‪ ،]٢٦ :‬وكذلك نرى الواقعية يف قيمة تكريم اإلنسان‬
‫ومراعاة حاجاته؛ فعلى س��بيل المثال أباحت الشريعة اإلسالمية َأ ْخ َذ اإلنسان‬

‫‪194‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫لح ِّقه وحاجته المعنوية أو المادية؛ ولكن دون إسراف أو اعتداء‪ ،‬كما يف قوله‬
‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [اإلس��راء‪،]٣٤ – ٣٣ :‬‬
‫فاآلي��ة األولى –من هاتي��ن اآليتين‪ -‬تراعي الواقعي��ة يف الحق المعنوي‪ ،‬وهو‬
‫ٍ‬
‫ألحد مجاوزة‬ ‫ح��ب النفس ألخ��ذ الحق والمجازاة بالمثل؛ لكن ه��ذا ال يربِّر‬ ‫ُّ‬
‫الح��د يف ذل��ك‪ ،‬أو َت َط ُّل َب ُه بطرق غير مش��روعة‪ ،‬واآلية الثانية ِّ‬
‫تق��رر الواقعية يف‬
‫ٍ‬
‫ش��يء منه يعينه على‬ ‫الح��ق المادي‪ ،‬وذلك يف تط ُّلع الق ِّيم على مال اليتيم إلى‬
‫رعاية ذلك المال‪ ،‬لذا أباحت له الشريعة إذا كان فقير ًا أن يأخذ منه بالمعروف‬
‫ٍ‬
‫إهدار لمال اليتيم‪.‬‬ ‫دون ظلم وال‬
‫كذلك جعلت للم��رأة الحق يف طلب الطالق متى وجدت ظلمًا من زوجها‪،‬‬
‫عض َل المرأة‪ ،‬وال َع ْضل فيه تضييق عليها‪،‬‬ ‫ولم تجعل لرجل ‪-‬أبا كان أم زوجًا‪ -‬أن َي ُ‬
‫وكذلك يف ال َك َّفارات نظر اإلسالم إلى حال اإلنسان‪ ،‬ففي ال ِّظهار ُج ِعلت ال َك َّفارة‬
‫تب��دأ من عت��ق رقبة‪ ،‬فمن لم يجد فعليه صيام ش��هرين متتابعين‪ ،‬فمن لم يس��تطع‬
‫فيطعم ستين مسكينًا‪ ،‬وذلك حسب حال ا ْلم ِ‬
‫ظاهر وإمكاناته‪ ،‬فمن لم يستطع أداء‬ ‫ُ‬
‫واحدة ُج ِعلت له غيرها‪ ،‬حيث يقول اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [المجادل��ة‪ ،]٤ :‬وغير ذلك كثير من‬
‫التدرج الذي يراعي الواقع اإلنساين‪.‬‬
‫أمثلة ُّ‬
‫‪5-5‬إيجابي��ة؛ فالقي��م اإلس�لامية كلها قيم إيجابي��ة من حيث كوهنا تدعو المس��لم‬
‫للتع��اون والتكافل مع الناس أجمعين‪ ،‬ويظهر ذلك يف ش��عائرها؛ كالصالة يف‬
‫جماعة‪ ،‬ويف الحج‪ ،‬ويف الزكاة‪ ،‬ويف كل أعمال البِ ِّر؛ ليس هذا فحسب‪ ،‬بل هي‬

‫‪195‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وجار ُه جائع‪ ،‬فهي إيجابية تنسجم‬


‫ُ‬ ‫تجعل المس��لم ال يس��تطيع أن ينام ش��بعان‬
‫مع فطرة اإلنس��ان وروحه‪ ،‬فال يمكن أن يرى خطر ًا على إنس��ان أو حيوان أو‬
‫نبات أو طريق ويمش��ي بال مباالة‪ ،‬فجعل اإلسالم المروءة والنجدة من قيمه‪،‬‬
‫والش��جاعة والتف��اين يف خدمة الغير م��ن أخالقه‪ ،‬بل المس��لم إيجابي حتى يف‬
‫نظرته إلى الحيوان والنبات‪ ،‬بل مع البيئة التي تحيط به؛ فقد أخرب النبي ﷺ َّ‬
‫أن‬
‫أن رس��ول اهلل‬ ‫كلب س��قاه؛ كما يف حديث أبي هريرة ‪َّ ‬‬ ‫رجالً دخل الجنة يف ٍ‬
‫يق ْاشتَدَّ َع َل ْي ِه ا ْل َع َط ُش‪َ ،‬ف َو َجدَ بِئ ًْرا‪َ ،‬ف َنز ََل فِ َيها‬ ‫ﷺ قال‪َ « :‬ب ْين ََما َر ُج ٌل َي ْم ِش��ي بِ َطرِ ٍ‬
‫ِ‬
‫ش‪َ ،‬ف َق َال َّ‬
‫الر ُج ُل َل َقدْ‬ ‫ث َي ْأك ُُل ال َّث َرى م َ‬
‫��ن ا ْل َع َط ِ‬ ‫ب َي ْل َه ُ‬‫َف َش��رِ َب‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج َفإِ َذا َك ْل ٌ‬
‫َان َب َلغَ ِمنِّي‪َ ،‬ف َنز ََل ا ْلبِئ َْر َف َم أَل َ ُخ َّف ُه َما ًء‪،‬‬
‫ش ِم ْث ُل ا َّل ِذي ك َ‬ ‫ب ِم َن ا ْل َع َط ِ‬ ‫َب َل��غَ َه َذا ا ْل َك ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َف َشك ََر اهللُ َل ُه َف َغ َف َر َل ُه»(‪.)1‬‬‫ُث َّم َأ ْم َس َك ُه بِفيه َحتَّى َرق َي َف َس َقى ا ْل َك ْل َ‬

‫((( متفق عليه؛ رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6009‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2244‬‬

‫‪196‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫رابعًا‪ :‬الفرق بين القيم واألخالق‬


‫ال يم ِّيز كثير من الناس بين األخالق والقيم‪ ،‬بل حتى بعض المنش��غلين هبذا‬
‫المج��ال نجدهم يخلط��ون أحيانًا بين األخالق التي هي تكاليف ش��رعية وأوامر‬
‫ديني��ة يف المقام األول‪ ،‬وبين القيم التي هي اختيارات اإلنس��ان قبل أن يختار دينه‬
‫أو ق��د تكون ه��ي قواعد دينه الكربى؛ فمثالً قد كفل ديننا الحنيف لإلنس��ان ُح ِّرية‬
‫اختي��ار أن يكون مس��لمًا أو ال يكون‪ ،‬لكن اإلنس��ان إذا اختار ه��ذا أو ذاك وجب‬
‫عليه أن يعلم أنه مسؤول عن نتيجة اختياراته تلك؛ لذا جاء قول اهلل تعالى ‪ُ -‬م َج ِّليًا‬
‫هذا المعنى يف أوضح بي��ان‪ :-‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [الكه��ف‪]٢٩ :‬؛ فقول��ه تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﮊ‬
‫ألن اختي��ار الكفر فيه ُظ ْل ُم‬
‫الحق س��بحانه بقوله‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ ؛ َّ‬ ‫َأ ْت َب َع��ه ُّ‬
‫اإلنسان لنفسه‪ ،‬وسيصلى النار عقوب ًة لذلك االختيار‪.‬‬
‫ومن أمثل��ة القيم الحس��نة‪ :‬طلب الحق‪ ،‬واإلحس��ان‪ ،‬والحكم��ة‪ ،‬والرحمة‪،‬‬
‫والصدق‪ ،‬والمس��ؤولية‪ ،‬والنظ��ام واالنضباط‪ ،‬والنظافة وغيره��ا؛ فهذه القيم هي‬
‫مبادئ يختارها اإلنسان‪ ،‬و ُت َش ِّكل ‪-‬حسب وعيه وفهمه لمقتضياهتا‪ُ -‬ط ُر َق تفكيره‪،‬‬
‫وتؤثر يف اختياراته يف شؤون حياته كلها‪.‬‬
‫ويمك��ن أن نزي��د توضيح الفرق بين األخالق والقيم بذك��ر تم ُّيز ٍّ‬
‫كل منهما يف‬
‫النواحي التالية‪:‬‬
‫٭ ٭أو ً‬
‫ال‪ :‬م��ن ناحي��ة التعريف؛ فالقيم ه��ي‪ :‬مبادئ عليا وس��مات جليلة يختارها‬
‫اإلنس��ان‪ ،‬فالدين ذاته هو قيمة عليا عند اإلنس��ان‪ ،‬ثم إذا اختار اإلنس��ان دينه‬
‫فس��وف يك ِّلفه بقيم فرعية كثي��رة‪ ،‬أ َّما األخالق فهي الممارس��ة العملية للقيم‬

‫‪197‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫التي يؤمن هبا المتد ِّين؛ فكلما كانت القيم عميقه عنده كانت األخالق متينة‪.‬‬
‫٭ ٭ثاني��ًا‪ :‬من ناحي��ة المصدر؛ فمصدر القيم الش��خص ثم الجماع��ة‪ ،‬أ َّما مصدر‬
‫األخالقفهوالدِّ ينوا ْل ُم ْع َت َقد؛فاألخالقكلهامؤسسةعلىدينأوشريعةحاكمة‪،‬‬
‫من مجتمع و ُع ْرف‪ ،‬أما القيم فهي يف األس��اس اختيار اإلنس��ان قبل االعتقاد‪.‬‬
‫٭ ٭ثالث��ًا‪ :‬من ناحية الثبات والتغيير؛ فالقيم ثابتة عند من يؤمن هبا وال يطرأ عليها‬
‫تغيير مهما كانت الظروف واألحوال؛ ألهنا يف األساس معتقدات قلبية وليست‬
‫سلوكية كاألخالق‪ ،‬أ َّما األخالق فقد تتغير مع تغ ُّير أحوال اإلنسان دون تغيير‬
‫عقيدته أو قيمه العليا؛ ألهنا ليس��ت معتقدات‪ ،‬بل هي ممارس��ة س��لوكية‪ ،‬فقد‬
‫يتغير الخلوق لسبب عارض‪ ،‬فقد يغضب الحليم مثالً‪ ،‬وال يتغ َّير وصفه بخلق‬
‫الحل��م‪ ،‬بينما القيم إذا تغيرت يتغ َّير معها اإلنس��ان نفس��ه م��ن ثقافة إلى غيرها‬
‫حسب مجموعة القيم التي تغ َّيرت عنده‪.‬‬
‫٭ ٭رابعًا‪ :‬من ناحية األثر؛ فالقيم لها أثر على مس��تقبل الش��عوب‪ ،‬بينما األخالق‬
‫لها أثر على حاضرها؛ فتؤ ِّثر األخالق على األفراد فينتفعوا بالصادق واألمين‬
‫والودود والرحيم من خالل التعامل المباشر معه‪ ،‬وتأثير القيم على األمم أكرب‬
‫من تأثير األخالق؛ لذا يميل الناس ناحية األمم ذات القيم الثابتة لينتموا إليها‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫الوحــــدة الثانية‬

‫القيم اإلسالمية العليا‬

‫٭ ٭العبادة‪.‬‬
‫٭ ٭ الحق‪.‬‬
‫٭ ٭ اإلحســـان‪.‬‬
‫٭ ٭ الحكمة‪.‬‬
‫٭ ٭ الرحمة‪.‬‬
‫٭ ٭الصدق‪.‬‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫يفرق الطالب بين القيم العليا يف اإلسالم واألمم األخرى‪.‬‬
‫‪1 -1‬أن ِّ‬
‫يوضح الطالب أهمية القيم يف حياته العملية‪.‬‬
‫‪2 -2‬أن ِّ‬
‫‪3 -3‬ان يميز الطالب بين القيم العليا والقيم الحضارية‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تفرق بين القيم العليا يف اإلسالم واألمم األخرى‪.‬‬
‫‪2 -2‬توضح أهمية القيم يف حياته العملية‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬تميز بين القيم العليا والقيم الحضارية‪.‬‬
‫المقص��ود بالقي��م العليا هنا هي مجموع��ة القيم التي يؤمن هبا كل البش��ر من‬
‫جان��ب‪ ،‬وله��ا تأثيرها على غيرها من المنظومة القيمي��ة من جانب ثان‪ ،‬وال يوجد‬
‫اختالف يف قبولها بين كل األعراف والش��عوب من جانب ثالث؛ فهي ليست قيما‬
‫فرعية تختلف حس��ب األعراف والمجتمعات أو حسب الرؤى السياسية أو القيم‬
‫الحضارية أو غيرها؛ فمثال‪ :‬الحق ليس قيمة فرعية أو يمكن إنكارها من أي إنسان‪،‬‬
‫والخالف ليس حول إثبات الحقوق كمبادئ عليا؛ إنما الخالف بين الش��عوب يف‬
‫مصدرية تلك الحقوق وكيفية العمل هبا وفق األطر العامة للمجتمعات واألمم‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫القيمة األولى‪ :‬العبادة‬

‫يتف��ق العقالء على أنه ليس هناك ُأ َّم ٌة َخ َلت مِن َج ْع�� ِل العبادة قيمة واعتبارها‬
‫أح��د أه��م مكوناهت��ا الفكرية‪ُّ ،‬‬
‫فكل البش��ر يع ِّظم��ون م��ن يعب��دون و ُي َق ِّي ُمونه؛ أي‬
‫ُي َقدِّ ُرونه ويعتربونه أعظم ش��يء يف حياهتم‪ ،‬وسيكون حديثنا عن العبادة كقيمة من‬
‫خالل التفصيل التالي‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬العبادة لغة وا�صطالحا‪:‬‬
‫العبادة يف اللغة هي االنقياد والخضوع والتذ ُّلل‪ ،‬والفاعل عابد‪ ،‬والجمع ُع َّبا ٌد‬
‫و َع َبدَ ٌة(‪.)1‬‬
‫والعبادة يف االصطالح العام تعني‪( :‬الدين والمعتقد والتش��ريع)‪ ،‬وعليه ندرك‬
‫َّ‬
‫أن العب��ادة بمعن��ى المعتق��د ال يكاد يخلو منها إنس��ان؛ فكل إنس��ان يعبد ما يعتقد‬
‫صحة كونه إلها ويحبه ِ‬
‫ويج ُّله بطريقته‪َ ،‬أ ًّيا كان هذا المعبود‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مفهوم العبادة يف الإ�سالم‪:‬‬
‫العبادة هي الغاية التي خلق اهلل الخلق ألجلِها؛ قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ [الذاري��ات‪ ،]٥٦ :‬والعبادة تكون بكل وس��يلة مش��روعة‬
‫ُت ِّ‬
‫قرب إلى اهلل تعالى‪ ،‬فكل ما يدعو إلى طاعة اهلل من أعمال القلوب والجوارح ُيعدُّ‬
‫جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه‬
‫ٌ‬ ‫«اس��م‬
‫ٌ‬ ‫عبادة؛ فالعبادة يف اصطالح المس��لمين هي‬
‫م��ن األق��وال واألعمال الباطنة والظاه��رة»(‪)2‬؛ فالصالة وال��زكاة والصيام والحج‬
‫والصدق واألمانة وبِ ُّر الوالدين وصلة األرحام والوفاء بالعهود واإلحس��ان للجار‬

‫((( ينظر‪ :‬الصحاح‪ ،‬للجوهري‪ ،)503/2(:‬واملصباح املنير‪.)389/2(:‬‬

‫((( الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪.)154/5(:‬‬

‫‪203‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫واليتيم والمس��كين وابن السبيل واإلحسان إلى الكائنات الحية والبيئة وغير ذلك‬
‫مما يقوم به اإلنسان ابتغاء األجر من اهلل‪ ،‬كل ذلك عبادة‪.‬‬
‫والعب��ادة كقيمة يقدِّ س��ها اإلنس��ان احرتام��ًا لعقيدت��ه ودينه ال��ذي يم ِّيزه بين‬
‫الناس‪ ،‬فيتمايز الناس بدينهم قبل كل شيء‪ ،‬وال يوجد أغلى عند اإلنسان من دينه‬
‫ج ُّل شيئًا كما ُي ِ‬
‫ج ُّل دينه‪ ،‬بل يغ ِّير كثير ًا من قناعاته من أجل التوافق‬ ‫ومعتقده‪ ،‬فال ُي ِ‬
‫م��ع معتقده‪ ،‬والمس��لم أولى الناس بذل��ك؛ َّ‬
‫ألن عبادته قائمة عل��ى قناعته بصحة‬
‫مصدرها وهو الوحي السماوي‪.‬‬
‫وم��ن هن��ا ُتبنى العبادة يف اإلس�لام على أصلين؛ هما‪ :‬غاي��ة الحب هلل تعالى‪،‬‬
‫وغاية الخضوع له عز وجل ‪.‬‬
‫ثالثا‪� :‬أنواع العبادة‪:‬‬
‫‪1-1‬العب��ادة الكونية‪ ،‬وتعني الخضوع ألمر اهلل تعالى الكوين‪ ،‬وهي ش��املة لجميع‬
‫الخالئ��ق مؤمنه��م وكافره��م؛ كم��ا ق��ال اهلل ‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ [مريم‪ ،]٩٣ :‬فال يس��تطيع كائن يف الكون‬
‫الخروج عن أمر اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪2-2‬العب��ادة الش��رعية‪ ،‬وتعني الخضوع ألوام��ر اهلل تعالى التي جاءت هبا الرس��ل‬
‫عليهم الس�لام؛ ق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﮊ [األنفال‪ ،]٢٤ :‬وتلك هي العبادة التي ُيطا َلب هبا اإلنسان‬
‫ؤجر عليها‪.‬‬
‫و ُي َ‬
‫رابعا‪� :‬شروط العبادة يف الإ�سالم‪:‬‬
‫تختلف ش��روط العبادة يف اإلس�لام عن غيره��ا؛ إليمان المس��لم بمراقبة اهلل‬

‫‪204‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أن بعض ال ُع َّباد من غير المسلمين يظنون َّ‬


‫أن معبودهم‬ ‫تعالى يف كل عمل‪ ،‬يف حين َّ‬
‫يستجيب لهم تارة و ُيهملهم تارة أخرى؛ لذا قد ال يلجؤون إليه إال عند االضطرار‪،‬‬
‫كم��ا كان يفعل مش��ركو مكة مثالً‪ ،‬وللعبادة يف اإلس�لام ش��رطان ضروريان هما‪:‬‬
‫اإلخالص واالتباع‪ ،‬واإلخالص يكون هلل تعالى وحده‪ ،‬ومعنى اال ِّتباع‪ :‬التس��ليم‬
‫لمنهج اهلل تعالى والطريقة التي سار عليها النبي ﷺ يف تع ُّبده‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬خ�صائ�ص العبادة يف الإ�سالم‪:‬‬
‫للعبادة يف اإلسالم خصائص كثيرة‪ ،‬وسنقتصر على ذكر الخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ 1-1‬أهنا ربانية؛ أي هي من عند اهلل تعالى‪ ،‬وليس ألحد من البشر تشريع ما لم يأ َذن‬
‫به اهلل‪.‬‬
‫‪ 2-2‬أهنا مس��تطاعه؛ وال ي ُك َّلف اإلنس��ان إال بما يطيقه منها‪ ،‬فال حرج على مريض‬
‫أو مسافر أو مضطر إلى اتخاذ رخصة الشرع يف حالته‪.‬‬
‫‪ 3-3‬أهنا دائمة؛ فهي مستمرة يف كل أوقات وحاالت اإلنسان طيلة حياته‪.‬‬
‫‪ 4-4‬أهنا شاملة؛ تشمل جميع مجاالت حياة اإلنسان وسلوكياته‪.‬‬
‫‪5-5‬أهن��ا مع َّلل��ة بالحكمة غالبا؛ فق��د َأ ْط َلعنا اهلل على بعض ِ‬
‫الح َك��م من العبادات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فالتق��وى غاي��ة الصيام‪ ،‬وغاية الن ُُّس��ك كذلك‪ ،‬كم��ا أن غاية ال��زكاة والصدقة‬
‫التطهير والسكينة‪ ،‬والخشوع هو غاية العبادات القلبية؛ إلى غير ذلك‪.‬‬
‫�ساد�سا‪ :‬بع�ض مظاهر االنحراف يف مفهوم العبادة وتطبيقها‪:‬‬
‫االنحراف يف مفهوم العبادة وتطبيقها له صور كثيرة؛ ومما له عالقة باألخالق‬
‫والقيم منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1-1‬قص��ر مفهوم العبادة على بعض أنواعه��ا الظاهرة‪ ،‬من صالة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وزكاة‪،‬‬
‫وح��ج‪ ،‬وق��راءة للقرآن‪ ،‬ونح��و ذلك فحس��ب‪ ،‬واعتبار َّ‬
‫أن ما س��وى ذلك من‬

‫‪205‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫معام�لات‪ ،‬وأخالقيات ومباح��ات وغيرها كل ذلك ال يدخل يف العبادة‪ ،‬وال‬


‫ش��ك أن هذا مفهوم قاصر وخاطئ للعبادة التي هي يف الحقيقة تش��مل جميع‬
‫جوانب حياة اإلنسان وتصرفاته‪.‬‬
‫فالواج��ب عل��ى كل مس��لم أن يعل��م َّ‬
‫أن وقته يج��ب أن يكون كل��ه يف عبادة؛‬
‫س��واء ما كان منه يف الش��عائر التعبدية المحضة‪ ،‬أو ما كان يف غيرها من معامالت‪،‬‬
‫وس��لوكيات وأخالقيات‪ ،‬بل ما يمارسه العبد يف أمور الحياة كلها يجب أن يكون‬
‫مصحوبًا بالش��عور بالعبادة هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فيراقب ربه يف كل أعماله‪ ،‬وينوي‬
‫ب��كل عمل التق��رب إليه عز وجل ؛ كم��ا قال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [األنع��ام‪١٦٢ :‬‬
‫– ‪.]١٦٣‬‬
‫‪2-2‬تح��ول العب��ادة إلى مجرد ٍ‬
‫أداء للش��عائر التعبدية‪ ،‬فأصبح��ت العبادة عند كثير‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫مج��رد أداء لواجبات‬
‫َّ‬ ‫م��ن المس��لمين مفرغة من أعم��ال القلوب‪ ،‬وإنم��ا هي‬
‫ومستحبات أو امتناع عن محرمات ومكروهات‪ ،‬دون استشعار لدافع التقوى‬
‫والمراقبة‪ ،‬والرغبة والرهبة‪ ،‬وحب اهلل عز وجل‪.‬‬
‫فنجد بعض ال ُع َّباد يردد األذكار دون أن يستشعر قلبه عظمة اهلل تعالى‪ ،‬ونجده‬
‫يصلي ويصوم على سبيل العادة‪ ،‬دون أن يكون لهذه العبادات وأمثالها أثر واضح‬
‫على س��لوكه؛ إذ ينبغي للمس��لم أن تكون عبادته محققة للتق��وى‪ ،‬زائدة لإليمان‪،‬‬
‫مزكي��ة للنف��س‪ ،‬وال يكون حظه من هذه العبادة مج��رد التعب والنصب‪ ،‬أو يكون‬
‫من ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ [الكهف‪.!]١٠٤ :‬‬

‫‪206‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫القيمة الثانية ‪ :‬الحق‬

‫ُي َع��دُّ الحق قيم ًة عليا حي��ث ُتبنى عليه الحقوق التي ُت َم ِّك��ن الناس من العيش‬
‫يف أمن وس�لام‪ ،‬و(الحق) اس��م من أسماء اهلل تعالى‪ ،‬والش��يء الحق أي‪ :‬الثابت‪،‬‬
‫ويستعمل يف الصدق والصواب أيضًا‪ ،‬يقال‪ :‬قول حق‪ ،‬يعني‪ :‬صواب‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬احلق يف اللغة واال�صطالح‪:‬‬
‫الحق‪ :‬يف اللغة هو الثابت الذي ال يسوغ إنكاره(‪ ،)1‬ويف اصطالح أهل المعاين‪:‬‬
‫ه��و الحكم المطابق للواقع‪ ،‬يطلق على األقوال والعقائد والمذاهب‪ ،‬الش��تمالها‬
‫على ذلك‪ ،‬ويقابله الباطل(‪.)2‬‬
‫ويف اصطالح‪ ،‬الفقهاء هو “ما ثبت بإقرار الشرع وأضفى عليه حمايته”(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬م�صدر احلق‪:‬‬
‫يجع��ل الغربي��ون مص��در الحق��وق االنتخ��اب الح��ر المباش��ر (‪Souvrage‬‬
‫‪ ،)universael‬وما يرتتب عليه من برلمانات وهيئات؛ يف حين يجعل المس��لمون‬
‫مصدر الحق هو ش��رع اهلل تعالى وحده‪ ،‬ويقصرون دور الهيئات العلمية والفقهية‬
‫وغيرها على فهم مراد اهلل وحسن تطبيقه‪.‬‬
‫الفرق بني قيمة احلق عند امل�سلمني وغريهم‪:‬‬
‫عل��ى الرغ��م من تعظي��م قيمة الحق عن��د جميع األمم إال أن��ه ثمة خالف بين‬
‫المس��لمين وغيرهم يف مصدر قيمة الحق كما س��بق‪ ،‬فالمس��لمون ينس��بون الحق‬

‫((( ينظر‪ :‬معجم الفروق اللغوية؛ ألبي هالل العسكري‪ ،‬ص(‪.)193‬‬

‫((( ينظر‪ :‬كتاب التعريفات؛ للجرجاني‪ ،‬ص(‪.)89‬‬

‫((( امللكية يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لعلي اخلفيف‪ ،‬ص(‪.)6‬‬

‫‪207‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫يف التش��ريع هلل وحده‪ ،‬وغيرهم ينس��ب الحق يف التشريع لإلنس��ان‪ ،‬فيجعلون كل‬
‫م��ا يتفق��ون عليه حقًا‪ ،‬فلو اتفقوا على زواج المثليين أو الش��ذوذ جعلوه حقًا‪ ،‬يف‬
‫المقابل ال يرى المسلمون مصدرا للحق إال ما جاء عن الوحي‪.‬‬
‫والحق يف الشريعة اإلسالمية يكون معنويًا وماديًا‪ ،‬وهو مادي فقط يف غيرها‪،‬‬
‫فالشريعة اإلس�لامية كفلت يف مبادئها الراسخة حقوقا ومبادئ كربى أو ما يسمى‬
‫بالكليات الخمس‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1-1‬حف��ظ الدي��ن‪ ،‬وهو ما يس��مى عد الغربيين ح��ق التدين أو حري��ة التدين‪ ،‬وإن‬
‫س��ار يف طريق مختلف تمامًا عن طريق اإلسالم‪ ،‬الذي لم يهدم بِ َي ِع النصارى‬
‫ومعابد اليهود وتراث الفراعنة‪ ،‬ولم يحتقر تراث الشعوب‪ ،‬ولم يحرق مكتبة‬
‫ولم يهدم صومعة ولم يقتل راهبا ولم يمس عابدا‪.‬‬
‫‪ 2-2‬حفظ العقل‪ ،‬ويكون ذلك يف اإلسالم بتحريم كل ما يذهب العقل أو يضعفه‪،‬‬
‫وهو ما ال يكاد يوجد له تش��ريع مماثل عند غير المس��لمين اليوم؛ لذا ضاعت‬
‫كثي��ر م��ن العق��ول بتن��اول المس��كرات والمخدرات‪ ،‬رغ��م حدي��ث المادية‬
‫المعاصرة عن أهمية العقل‪ ،‬بل تمجيدها له لدرجة اعتباره مصدرا للتشريع!؛‬
‫فلم يحفظوا العقل من جهة بقاء وجوده‪ ،‬ولم يحفظوه بوقوفه عند حدوده‪.‬‬
‫‪3-3‬حف��ظ النفس‪ ،‬أو ما يطلق عليه الغربيون اليوم حق الحياة‪ ،‬ومع ذلك لم يصل‬
‫حق الحياة إلى النظر يف حياة الجنين ولم يوضع له تش��ريع مناسب يف األنظمة‬
‫الوضعية حتى عصرنا هذا!‪.‬‬
‫‪4-4‬حف��ظ النس��ل‪ ،‬الذي يطلق عليه الغربيون اليوم ح��ق اإلنجاب أو حفظ النوع‪،‬‬
‫وإن طالت��ه ي��د العبث بقبول حقوق ال تقدم لإلنس��انية إال اله�لاك‪ ،‬مثل إباحة‬
‫الفواحش‪ ،‬وإقرار حقوق الشواذ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪5-5‬حف��ظ المال‪ ،‬ويطلق عليه المعاص��رون حق التملك‪ ،‬وإن كان االتجاه يف حق‬
‫التملك قد س��ار مغاير ًا لما يرتضيه ضمير اإلنس��ان‪ ،‬فزادت الفجوة بين الفقير‬
‫والغني يف عصر الرأسمالية المتوحشة‪.‬‬
‫ثالثا‪� :‬أق�سام احلقوق يف الإ�سالم‪:‬‬
‫للحقوق يف الإ�سالم �أق�سام �أربعة‪:‬‬
‫القس��م األول‪ :‬حقوق اهلل تعالى‪ ،‬وهي الحقوق التي تتعلق بواجبات العبادة‪،‬‬
‫وال س��يما الحدود التي ش��رعها اهلل‪ ،‬وقد ذكرنا بعضا من تلك الحقوق يف مبحث‬
‫األدب مع اهلل تعالى‪.‬‬
‫القس��م الثاين‪ :‬حق��وق العباد‪ ،‬وذل��ك كالديون واألمالك وح��ق الوراثة وغير‬
‫ذلك مما يتعلق باألموال نقالً وبقا ًء‪ ،‬فهذه كلها حقوق البشر فيما بينهم‪ ،‬فاالعتداء‬
‫عليها ظلم‪ ،‬وال يقبل اهلل تعالى توبة عبد قد أكل حقًا من تلك الحقوق إال إذا أ َّداه‬
‫أو أسقطه صاحبه وعفا(‪.)1‬‬
‫القس��م الثال��ث‪ :‬هو ما يعرب عنه بالحقوق المش�تركة بين حق��وق اهلل وحقوق‬
‫العباد‪ ،‬وهي ما اجتمع فيها حق اهلل وحق العبد‪ ،‬وهي قسمان‪:‬‬
‫حق اهلل ه��و الغالب فيها؛ ومن ذلك مثال ح��دُّ القذف‪ ،‬فهو من جهة‬
‫‪1-1‬م��ا يكون ُّ‬
‫أن المقذوف قد ا ُّت ِهم يف‬
‫أن في��ه إيذاء للمخلوق فهو ح��ق هلل تعالى‪ ،‬ومن جهة َّ‬
‫َّ‬
‫ِع ْر ِض��ه فهو حق له‪ ،‬وكذلك ِعدَّ ة المطلقة‪ ،‬فحق اهلل فيها صيانة األنس��اب عن‬
‫االختالط‪ ،‬وأما حق العبد فيها فهو المحافظة على النسب‪.‬‬
‫‪2-2‬ومنه��ا ما يك��ون حق العباد ه��و الغالب فيه��ا؛ مثل حق القص��اص وعقوبات‬
‫فصل اإلمام الشاطبي يف كتابه (الموافقات)‬
‫الدماء بش��كل عام كالديات‪ ،‬وقد َّ‬
‫((( أصول الفقه‪ ،‬للشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬ص(‪.)324‬‬

‫‪209‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫تلك الحقوق(‪.)1‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬حقوق العباد بعضهم على بعض‪ ،‬ولهذا القسم أنواع كثيرة منها‪:‬‬
‫• حقوق دينية يقبلها معظم البشر بعضهم للبعض اآلخر‪ ،‬فالمسلم مع يقينه بأن‬
‫دين��ه هو دين اهلل وأنه الطريق القويم ال يجوز له أن يس��ب أو يس��تهزئ بعقيدة‬
‫غير المسلم؛ قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ‬
‫[األنعام‪“ ،]١٠٨ :‬فال يحل للمسلم أن يسب دينهم وال صلباهنم وال يتعرض‬
‫إلى ما يؤدي إلى ذلك”(‪.)2‬‬
‫•حقوق ش��خصية تكفلها الشريعة اإلس�لامية للمسلمين وغير المسلمين؛ مثل‬
‫عادات الشعوب وتقاليد وأعراف المجتمعات‪.‬‬
‫•حقوق وطني��ة يتفق عليها المواطنون وفق نظام سياس��ي أو اجتماعي يرتضيه‬
‫عقالؤه��م‪ ،‬وال تصبح الحق��وق الوطنية قيمًا إال إذا تس��اوى فيها المواطنون‬
‫أمام القانون‪.‬‬
‫•حق��وق اجتماعية؛ مث��ل التعاون والتكاف��ل والرتاحم وح��ق الطريق وحقوق‬
‫مزاولة المهن وغيرها من الحقوق التي يش��عر أف��راد المجتمع بحاجتهم لها‪،‬‬
‫وأهنا وسيلتهم يف الرتابط واالجتماع‪.‬‬
‫• حقوق سياسية؛ مثل حقوق الحاكم وحقوق الرعية‪ ،‬وقد ب َّينت األدلة الشرعية‬
‫م��ا يجب على كل م��ن الحاكم والمحكوم م��ن واجبات وما ل��كل منهما من‬
‫حقوق‪.‬‬

‫((( املوافقات‪ ،‬للشاطبي‪ ،‬ص(‪.)40‬‬

‫((( احملرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.)332/2(:‬‬

‫‪210‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫القيمة الثالثة‪ :‬اإلحسان‬

‫�أوال‪ :‬تعريف الإح�سان لغة وا�صطالحا‪:‬‬


‫اإلح َس��ان يف اللغ��ة ِض��دُّ اإلس��اءة‪ .‬مصدر أحس��ن؛ أي جاء بفعل حس��ن(‪،)1‬‬
‫ْ‬
‫أم��ا اإلحس��ان يف االصط�لاح فهو‪ :‬اإلتق��ان يف العم��ل‪ ،‬وله ‪-‬كما يق��ول الراغب‬
‫األصفه��اين‪ -‬وجه��ان؛ أحدهم��ا‪ :‬اإلنع��ام على الغي��ر‪ ،‬والثاين‪ :‬إحس��ان يف فعله‪،‬‬
‫وذلك إذا َعلِ َم ِع ْلمًا حسنًا‪ ،‬أو َع ِم َل َع َمالً حسنًا(‪.)2‬‬
‫واإلحس��ان ُيعدُّ من القيم العليا يف اإلس�لام؛ َّ‬
‫ألن وج��وده تتحقق به كل القيم‬
‫التالية له‪ ،‬فمن لم يحسن يف عبادته ال قيمة ُتذكر لعبادته‪ ،‬وصاحب المروءة والعفة‬
‫والحكمة ال يمكن أن تكون قِ َي ُم ُه تلك ذات جدوى إال إذا أحسن يف تطبيقها‪.‬‬
‫فاإلحس��ان يعني إتق��ان العمل وتأديته على أكمل وجه‪ ،‬ويف س��نة نبينا محمد‬
‫عليه الصالة والس�لام ُع ِّرف اإلحسان بأنه عبادة اهلل « ك ََأن ََّك َت َرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َت ُك ْن َت َرا ُه‬
‫َفإِ َّن ُه َي َر َ‬
‫اك»(‪.)3‬‬
‫وق��د ب َّين اهلل تعالى أن جزاء اإلحس��ان هو اإلحس��ان؛ فقال جل وعال‪ :‬ﮋﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [الرحم��ن‪ ،]٦٠ :‬وي��وم القيام��ة يج��ازي اهلل‬
‫المحسنين بالجنة والنظر إلى اهلل ‪ ،‬وهذا أعظم الجزاء‪.‬‬

‫((( الفروق اللغوية‪ ،‬للعسكري‪.)193/1(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املفردات‪ ،‬للراغب األصفهاني‪ ،‬ص(‪.)236‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)4۷۷۷‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)9‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثانيا‪� :‬أق�سام الإح�سان(‪:)1‬‬


‫يمكن تقسيم اإلحسان إلى قسمين‪:‬‬
‫القس��م األول‪ :‬اإلحس��ان يف عب��ادة الخال��ق عز وج��ل ‪ ،‬وهو ِ‬
‫الج��دُّ يف القيام‬
‫بحقوق اهلل تعالى على وجه النُّصح‪ ،‬والتَّكميل لها‪ .‬قال س��بحانه‪ :‬ﮋ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [المائدة‪.]٩٣ :‬‬
‫الخ ْلق‪ ،‬وهو بذل جمي��ع المنافع مِن أي‬ ‫ٌ‬
‫اإلحس��ان يف حقوق َ‬ ‫‪-‬القس��م الثاين‪:‬‬
‫المحس��ن إليهم‪ ،‬وح ِّقهم‬
‫َ‬ ‫ن��و ٍع كان ألي مخلوق يك��ون؛ ولكنَّه يتف��اوت بتفاوت‬
‫اإلح َس��ان‪ ،‬وعظ��م موقعه‪ ،‬وعظي��م نفعه‪ ،‬وبحس��ب إيمان‬
‫ومقامه��م‪ ،‬وبحس��ب ْ‬
‫والسبب الدَّ اعي له إلى ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المحسن وإخالصه‪َّ ،‬‬
‫ومن �صور الإح�سان يف حقوق اخللق ما يلي‪:‬‬
‫•اإلحس��ان يف التعام��ل مع الوالدي��ن؛ وذلك ب�بر الوالدي��ن وطاعتهما‪ ،‬وعدم‬
‫التأفف منهما‪ ،‬ومعاملتهما برفق ورحمة‪ ،‬وخاصة عند كربهما‪.‬‬
‫• اإلحس��ان إل��ى اليتامى والمس��اكين‪ ،‬وذلك بالرفق هب��م‪ ،‬وتعليمهم‪ ،‬والعمل‬
‫على مساعدهتم‪ ،‬والمحافظة على حقوقهم‪.‬‬
‫•اإلحس��ان يف المعام�لات‪ ،‬فق��د أمرن��ا اهلل س��بحانه وتعال��ى باإلحس��ان يف‬
‫المعامالت التجارية وغيرها‪ ،‬وهو وسيلة لتحقيق االتزان والتعاون والثقة بين‬
‫أفراد المجتمع؛ كالس��ماحة يف البيع والش��راء واس��تيفاء الحقوق‪ ،‬أو اإلمهال‬
‫والتيسير يف القروض‪.‬‬
‫•اإلحس��ان يف ال��كالم عامة والج��دال خاصة‪ ،‬ويك��ون باختي��ار أفضل الكالم‬

‫((( ينظر‪ :‬بهجة قلوب األبرار‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص(‪ )204‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وأحس��ن العب��ارات‪ ،‬ويتأكَّ��د ذلك عند ح��وار اآلخري��ن ومجادلته��م؛ لقوله‬


‫تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [اإلس��راء‪ ،]٥٣ :‬وقوله‪ :‬ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ [النحل‪.]١٢٥ :‬‬
‫• اإلحس��ان إل��ى الم��رأة والرتفق هبا ومراع��اة ضعفها‪ ،‬فال يعضله��ا وال يضيق‬
‫عليها وال يؤذيها‪.‬‬
‫• اإلحس��ان إلى الجار أيًا كان دينه أو لونه وجنس��ه‪ ،‬فيت��ودد إليه بكل معروف‬
‫وبِ ٍّر ورحمة‪.‬‬
‫• اإلحسان إلى ذوي الحاجات من البشر‪ ،‬فيساعد الضعيف ويعين المحتاج‪.‬‬
‫• اإلحسان إلى البيئة‪ ،‬فمثال‪ :‬ال يجوز قضاء الحاجة يف الماء الجاري‪ ،‬أو تحت‬
‫الظل أو يف قارعة الطريق‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫• اإلحسان إلى الحيوانات‪ ،‬فال يكلفها ما ال تطيق‪ ،‬ويحسن ذبح ما أحل اهلل له‬
‫منها‪.‬‬
‫•اإلحس��ان يف المهنة‪ ،‬بأن يراقب اهلل فيها‪ ،‬فال يفس��د وال يرتشي وال يخون وال‬
‫يسرق‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫القيمة الرابعة‪ :‬الحكمة‬

‫�أوال‪ :‬احلكمة لغة وا�صطالحا‪:‬‬


‫الح َك َمة‪ -‬بفتح الكاف والمي��م‪ -‬وهو اللجام‬
‫الحكم��ة يف اللغ��ة مأخوذة م��ن َ‬
‫ال��ذي يوضع للدابة كي يذلله��ا لراكبها‪ ،‬فيمنع جموحها؛ ومنه اش��تقت ِ‬
‫الح ْكمة‪،‬‬ ‫ُ ُ‬
‫قالوا‪ :‬ألهنا تمنع صاحبها من أخالق األراذل(‪.)1‬‬
‫والحكم��ة يف االصطالح‪ :‬وضع األش��ياء يف مواضعها م��ن األقوال واألفعال‬
‫وسائر التصرفات‪ ،‬وهذا يعني أن الحكمة هي مدار االتزان من األفعال‪ ،‬وهي بال‬
‫شك عكس السفه والطيش والتهور والجبن‪ ،‬فهي فضيلة بين رذيلتين‪ ،‬وهما التهور‬
‫والجبن‪ ،‬لذا نجد من مرادفاهتا‪ :‬النبوة‪ ،‬والهدى‪ ،‬والرشاد‪ ،‬والعدل‪ ،‬والعلم(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفرق بني احلكمة واملعرفة‪:‬‬
‫تمت��از الحكم��ة بأهنا مزيج ما بي��ن المعرفة والخربة والفهم العميق للتس��امح‬
‫والت��وازن‪ ،‬وتمت��از الحكمة أيضا بكوهنا ش��املة لكل الخربات اإلنس��انية التي تم‬
‫التع��رف عليها منذ القدم‪ ،‬ولكن على الرغم من هذا فليس��ت كل التجارب مؤدية‬
‫إل��ى الحكمة؛ ألن الحكمة تكون ناتجًا لجمي��ع العمليات العاطفية واالجتماعية‬
‫والمعرفية والعلمية‪ ،‬التي تعزز عملية تحويل الخربة إلى عمل حكيم‪.‬‬
‫والحكمة هي أعلى وسام يطلبه الناس‪ ،‬ولما كان األنبياء تأتيهم الحكمة من‬
‫الحكيم الخبير سبحانه‪ ،‬كانوا اشرف الناس؛ ألن اهلل اصطفاهم هبذه الحكمة‪ .‬ويف‬
‫تفسير قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬

‫((( املصباح املنير‪ ،‬ص(‪.)56‬‬

‫((( مفهوم احلكمة يف الدعوة‪ ،‬د‪ .‬صالح بن عبداهلل بن حميد‪ ،‬ص(‪.)9‬‬

‫‪214‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [البق��رة‪« ،]٢٦٩ :‬ق��ال اب��ن عباس‪ :‬الحكمة هي‬


‫المعرفة بالقرآن‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬الحكمة‪ :‬الفقه يف القرآن»(‪.)1‬‬
‫وذكر العلماء ّ‬
‫أن الحكمة هي السنة النبوية‪ ،‬وقيل‪ :‬الحكمة فهم الدين عمومًا‪،‬‬
‫وهو الفقه بالدين وأحكامه‪.‬‬
‫ثالثا‪� :‬أق�سام احلكمة‪:‬‬
‫ُق ِّس��مت الحكمة إلى قسمين؛ قس��م خاص بالنظر إلى التعامل مع اهلل تعالى‪،‬‬
‫وقسم خاصة بالنظر إلى التعامل مع المخلوقين‪.‬‬
‫القس��م األول‪ :‬التعام��ل مع اهلل تعال��ى‪ ،‬وأهم صور هذا القس��م هو مخافة اهلل‬
‫تعال��ى‪ ،‬فقد قال بعض المفس��رين “العلم رأس الخش��ية»‪ ،‬وعن ابن مس��عود ‪‬‬
‫ق��ال‪« :‬خش��ية اهلل رأس كل حكم��ة»‪ ،‬ويف رواي��ة «رأس الحكم��ة مخاف��ة اهلل»(‪،)2‬‬
‫وكذلك تعظيمه تعالى ومحبته فوق كل حب‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬التعامل مع المخلوقين‪ ،‬ولهذا القسم صور كثيرة منها‪:‬‬
‫‪1-1‬الحكمة يف فهم األمور وحسن تقديرها ويف الحوار والتلطف فيه‪.‬‬
‫‪ 2-2‬الحكمة يف طلب الحق والبحث عن الرزق‪.‬‬
‫‪ 3-3‬الحكمة يف مزاولة العمل ومع زمالء المهنة‪.‬‬
‫‪ 4-4‬الحكمة يف احرتام الكبير والعطف على الصغير‪.‬‬
‫‪ 5-5‬الحكمة يف التثبت من األخبار وعدم بث اإلشاعات الكاذبة‪.‬‬
‫‪ 6-6‬الحكمة يف كظم الغيظ والعفو عند المقدرة‪.‬‬

‫((( املرجع السابق‪.)364/1(:‬‬

‫((( رواه البيهقي يف شعب اإلميان‪ ،‬حديث رقم(‪.)729‬‬

‫‪215‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫القيمة الخامسة‪ :‬الرحمة‬

‫�أوال‪ :‬الرحمة يف اللغة واال�صطالح‪.‬‬


‫رق له‪ ،‬وتع َّطف عليه‪ ،‬وهي ُّ‬
‫تدل‬ ‫يرح ُمه‪ ،‬إذا َّ‬ ‫ِ‬
‫الرحم��ة يف اللغة تأيت من َرح َم��ه َ‬
‫الرقة والعطف والرأفة(‪.)1‬‬
‫على ِّ‬
‫فالر ْح َم��ة‪ِ :‬ر َّق��ة تقتضي اإلحس��ان إل��ى ا ْل َم ْر ُح��و ِم‪ ،‬وقد‬
‫أم��ا يف االصط�لاح‪َّ ،‬‬
‫الر َّقة(‪.)2‬‬
‫المجرد عن ِّ‬
‫َّ‬ ‫المجردة‪ ،‬وتارة يف اإلحسان‬
‫َّ‬ ‫الر َّقة‬
‫تستعمل تار ًة يف ِّ‬
‫ثانيا‪� :‬أهمية قيمة الرحمة يف الإ�سالم‪.‬‬
‫ُتعد الرحمة من القيم العظيمة التي إذا اتصفت هبا أمة من األمم مالت إلى تلك‬
‫األمة س��ائر األمم؛ ألهنا بمثابة الدواء الذي يحتاجه البش��ر والس��كينة التي يحتاج‬
‫إليه��ا كل مجتم��ع‪ ،‬فالخلق بحاجة إلى من يرحمهم ويحن��و عليهم ويتلطف هبم‪.‬‬
‫أن جعل الرحمة هي عنوان رسالته‪ ،‬حتى ّ‬
‫إن‬ ‫ومن جماليات الدين اإلسالمي ْ‬
‫الحق تعالى قد حصر رس��الة محمد ﷺ فيه��ا‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [األنبياء‪ ،]١٠٧ :‬وقد كتبها اهلل على نفس��ه؛ فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ [األنعام‪.]١٢ :‬‬
‫وإنم��ا يتص��ف بالرحمة أصح��اب القلوب اللطيف��ة التي ت��رق آلالم الخلق‪،‬‬
‫س��بب عظيم لنَيل رحمة اهلل تعالى؛‬ ‫ٌ‬ ‫وتتجاوز عن أخطائهم‪ ،‬وتحس��ن إليهم‪ ،‬وهذا‬
‫الر ْح َم ُن ْار َح ُموا َأ ْه َل الأْ َ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫كم��ا جاء يف حديث النبي ﷺ‪« :‬الر ِ‬
‫ون َي ْر َح ُم ُه ُم َّ‬
‫اح ُم َ‬ ‫َّ‬

‫((( ينظر‪ :‬الصحاح‪ ،‬للجوهري‪ ،)1929/5(:‬ومقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪ ،)498/2(:‬ولس���ان العرب‪ ،‬البن‬
‫منظور‪ ،)230/12(:‬ومختار الصحاح‪ ،‬للرازي‪ ،‬ص(‪.)120‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املفردات‪ ،‬للراغب األصفهاني‪.)347/1(:‬‬

‫‪216‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬
‫يرحمكُم من فِي السم ِ‬
‫اء»(‪.)1‬‬ ‫َّ َ‬ ‫َْ َ ْ ْ َ ْ‬
‫ثالثا‪ :‬مناذج لقيمة الرحمة يف الإ�سالم‪.‬‬
‫نماذج قيمة الرحمة يف اإلسالم ال تكاد تحصى كثرة؛ ومن تلك النماذج على‬
‫سبيل المثال‪:‬‬
‫‪1-1‬رحم��ة النبي ﷺ بأمته عموما التي أش��ار إليه القرآن الكريم يف قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﮋﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [آل عم��ران‪:‬‬
‫‪.]١٥٩‬‬
‫‪2-2‬الرحمة باألطفال‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما ثبت من حديث أبي ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َّب َل‬
‫يم ُّي َجالِ ًسا‪َ ،‬ف َق َال‬
‫س الت َِّم ِ‬ ‫الح َس َن ْب َن َع ِلي َو ِعنْدَ ُه األَ ْق َر ُع ْب ُن َحابِ ٍ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ٍّ‬ ‫��ول اهَّلل ﷺ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ ُث َّم‬‫ت ِمن ُْه ْم َأ َحدً ا‪َ ،‬فنَ َظ َر إِ َل ْي ِه َر ُس ُ‬
‫الو َل ِد َما َق َّب ْل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األَ ْق َر ُع‪ :‬إِ َّن لي َع َش َر ًة م َن َ‬
‫َق َال‪َ :‬‬
‫«م ْن الَ َي ْر َح ُم الَ ُي ْر َح ُم»(‪.)2‬‬
‫‪3-3‬الرحم��ة باألم‪ ،‬فكان النبي ﷺ يخ ِّفف الصالة التي يريد إطالتها عندما يس��مع‬
‫ب��كاء صبي مخافة حصول المش�� َّقة أل ِّم الصبي؛ إ ْذ يق��ول ﷺ‪« :‬إِنِّي لأَ َ ُقو ُم فِي‬
‫الصال َِة ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َطو َل فِيها‪َ ،‬ف َأسمع بكَاء الصبِي‪َ ،‬ف َأتَجو ُز فِي صالَتِي كَر ِ‬
‫اه َي َة َأ ْن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ َ ُ ُ َ َّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫َأ ُش َّق َع َلى ُأ ِّم ِه»(‪.)3‬‬
‫‪4-4‬الرحمة بالخدم؛ فقد جاء يف الحديث الشريف قول النبي ﷺ موصيا بالرحمة‬
‫ت‬ ‫ت َأ ْي ِديك ُْم‪َ ،‬ف َم ْن َج َع َل اهَّللُ َأ َخا ُه ت َْح َ‬ ‫ُ��م‪َ ،‬ج َع َل ُه ُم اهَّللُ ت َْح َ‬ ‫«ه ْم إِ ْخ َوا ُنك ْ‬ ‫بالخدم‪ُ :‬‬
‫َي ِد ِه‪َ ،‬ف ْل ُي ْط ِع ْم ُه ِم َّما َي ْأك ُُل‪َ ،‬و ْل ُي ْلبِ ْس ُه ِم َّما َي ْل َب ُس‪َ ،‬والَ ُي َك ِّل ُف ُه ِم َن ال َع َم ِل َما َيغ ِْل ُب ُه‪َ ،‬فإِ ْن‬

‫((( أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬برقم(‪ ،)4941‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)5997‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)707‬من حديث أبي قتادة ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫َك َّل َف ُه َما َيغ ِْل ُب ُه َف ْل ُي ِع ْن ُه َع َل ْي ِه»(‪.)1‬‬


‫رابعا‪ :‬من �آثار قيمة الرحمة‪.‬‬
‫اآلثار اإليجابية لقيمة الرحمة كثيرة وعظيمة‪ ،‬ويكفي هنا أن نشير إلى ّ‬
‫أن قيمة‬
‫الرحمة هي التي جعلت حروب المسلمين مختلفة عن حروب غيرهم‪ ،‬فال يحق‬
‫للمس��لم من هذه الناحية أن يقتل طفالً أو شيخًا أو امرأة أو أن يقطع شجرة أو أن‬
‫يهدم صومعة أو بيعة‪ ،‬وتلك وصية الصدِّ يق ‪ ‬لقائد جيش��ه يزيد بن أبي سفيان‪:‬‬
‫��ج ًرا ُم ْث ِم ًرا‪َ ،‬و اَل تُخَ ِّر َب َّن‬
‫��ن ْام َر َأةً‪َ ،‬و اَل َصبِ ًّيا‪َ ،‬و اَل َكبِ ًيرا َهرِ ًما‪َ ،‬و اَل َت ْق َط َع َّن َش َ‬
‫«ل َت ْق ُت َل َّ‬ ‫اَ‬
‫ع ِامرا‪ ،‬و اَل َتع ِقر َّن َش��اةً‪ ،‬و اَل ب ِعيرا‪ ،‬إِ اَّل لِم ْأ َك َل ٍ‬
‫��ة‪َ ،‬و اَل ت َْحرِ َق َّن ن َْحلاً ‪َ ،‬و اَل ُتغ َِّر َقنَّ ُه‪َ ،‬و اَل‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً‬ ‫َ ً َ ْ َ‬
‫��ل َو اَل ت َْج ُب ْن»(‪ .)2‬وعلى هذا المنوال كانت فتوحات المس��لمين دون تخريب‬ ‫َت ْغ ُل ْ‬
‫بالد أو قتل أبرياء؛ فلم يعرف التاريخ فاتحًا أرحم من المسلمين!‪.‬‬
‫وم��ن األثار العظيم��ة لقيمة الرحمة أهنا تظه��ر كثير ًا من أخ�لاق الرب والصلة‬
‫والتع��اون واالئت�لاف وال��ود والتواصل االجتماع��ي والتواص��ل الفكري‪ ،‬وهي‬
‫الجمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫عنوان التعارف وحسن الجوار ولين الكالم‪ ،‬إلى غير ذلك من الفوائد‬
‫خام�سا‪ :‬جماالت الرحمة‪.‬‬
‫للرحمة آثار ومجاالت تطبيقية كثيرة ال يمكن أن نعدها هنا؛ لكن نكتفي بذكر‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪1-1‬الرحمة بالوالدين واألقارب‪.‬‬
‫‪2-2‬الرحمة بالزوجة واألوالد‪.‬‬
‫‪3-3‬الرحمة بالضعيف والفقير والمسكين وابن السبيل‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6050‬من حديث أبي ذر ‪.‬‬

‫((( اخرجه اإلمام مالك يف املوطأ‪.)247/2(:‬‬

‫‪218‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪4-4‬الرحمة باألرملة واليتيم‪.‬‬


‫‪5-5‬الرحمة بطالب العلم‪.‬‬
‫‪6-6‬الرحمة بالمرضى وذوي الحاجات‪.‬‬
‫‪7-7‬الرحمة بالحيوان‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫القيمة السادسة‪ :‬قيمة الصدق‬

‫�أوال‪ :‬ال�صدق لغة وا�صطالحا‪.‬‬


‫قوة يف ّ‬
‫الشيء قوال أو‬ ‫الصدق يف اللغة مأخوذ من مادة (صدق) ا ّلتي ّ‬
‫تدل على ّ‬
‫قوة‬ ‫ّ‬
‫وألن الكذب ال ّ‬ ‫لقوته يف نفس��ه‪،‬‬
‫الصدق خالف الكذب ّ‬
‫غي��ر قول‪ ،‬ومن ذلك ِّ‬
‫له‪ ،‬وهو باطل‪ ،‬وأصل هذا من قولهم‪ :‬شيء صدق‪ ،‬أي صلب(‪.)1‬‬
‫الضمي��ر والمخ َبر عن��ه معًا‪ ،‬ومتى‬ ‫ِ‬
‫الق��ول‬ ‫والص��دق اصطالح��ا‪ :‬هو مطابقة‬
‫َ‬
‫انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تا ًّما(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬منزلة ال�صدق يف الإ�سالم وف�ضائله‪.‬‬
‫منزلة الصدق يف اإلس�لام عظيمة‪ ،‬وقد أم��ر اهلل تعالى أهل اإليمان أن يكونوا‬
‫م��ع الصادقين؛ فق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ‬
‫[التوب��ة‪ ،]١١٩ :‬وم��ن هن��ا كان الصدق من أخص صف��ات المؤمنين‪ ،‬يف حين ّ‬
‫أن‬
‫غيره��م يتج��رأ عل��ى افرتاء الك��ذب؛ كما ق��ال اهلل س��بحانه‪ :‬ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [النح��ل‪.]105 :‬‬
‫والصدق طريق إلى الجنة‪ ،‬بينما الكذب طريق إلى النار؛ فقد قال رس��ول اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّ��ة‪َ ،‬وإِ َّن َّ‬
‫الر ُج َل َل َي ْصدُ ُق‬ ‫الص��دْ َق َي ْه��دي إِ َلى البِ ِّر‪َ ،‬وإِ َّن البِ َّر َي ْهدي إِ َلى َ‬
‫ﷺ‪« :‬إِ َّن ِّ‬
‫ور َي ْه ِدي إِ َلى الن ِ‬
‫َّار‪،‬‬ ‫ُون ِصدِّ ي ًقا‪َ .‬وإِ َّن الك َِذ َب َي ْه ِدي إِ َلى ال ُف ُج ِ‬
‫ور‪َ ،‬وإِ َّن ال ُف ُج َ‬ ‫َحتَّ��ى َيك َ‬
‫َب ِعنْدَ اهَّلل ِ ك ََّذا ًبا»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َوإِ َّن َّ‬
‫الر ُج َل َل َيكْذ ُب َحتَّى ُي ْكت َ‬
‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪.)196/10(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املفردات‪ ،‬للراغب‪.)277( ،‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)6094‬ومس���لم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2607‬من حديث عبداهلل‬
‫بن مسعود ‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫فالص��دق من الصف��ات التي ينبغي أن تالزم المس��لم يف جمي��ع أحواله‪ ،‬فهو‬


‫صادق النية‪ ،‬صادق القول‪ ،‬صادق الفعل‪ ،‬صادق مع نفسه‪ ،‬وصادق مع غيره‪ ،‬بل‬
‫َّ‬
‫إن قيمة الصدق تس��تلزم غيرها من القيم األخالقي��ة؛ كاألمانة‪ ،‬والعدل‪ ،‬والوفاء‪،‬‬
‫والنُّصح‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫أن النبي ﷺ‬ ‫والصدق س��بب لحل��ول الربكات والخيرات؛ فف��ي الصحيحين َّ‬
‫ور َك َل ُه َما فِ��ي َب ْي ِع ِه َما‪َ ،‬وإِ ْن‬
‫ار َما َل ْم َي َت َف َّر َقا‪َ ،‬ف��إِ ْن َصدَ َقا َو َب َّينَا ُب ِ‬ ‫��ان بِ ِ‬
‫الخ َي ِ‬ ‫ق��ال‪« :‬ال َب ِّي َع ِ‬
‫ت َب َر َك ُة َب ْي ِع ِه َما»(‪.)1‬‬ ‫ح َق ْ‬‫ك ََذبا و َكتَما م ِ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫يعم فيه الصدق تس��ود بين أفراده المودة والثقة‪ ،‬كما يحظى‬
‫والمجتمع الذي ُّ‬
‫بثقة المجتمعات األخرى واطمئناهنا عند التعامل مع أفراده‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الفرق بني ُخ ُلق ال�صدق وقيمة ال�صدق‪.‬‬
‫ُخ ُل��ق الص��دق خاص بكل فرد على ِح��دَ ة‪ ،‬أ َّما قيمة الص��دق فهي قيمة لألمة‬
‫كامل��ة‪ ،‬فالفرق يكم��ن يف َّ‬
‫أن قيمة الصدق تكون صفة لألم��ة التي عنواهنا الصدق‬
‫يف منهجها ويف وس��ائلها‪ ،‬بينما ُخ ُلق الصدق ينس��ب إلى فعل وسلوك فرد ما‪ ،‬لهذا‬
‫عندم��ا يص��در الصدق من فرد يك��ون خلقًا له‪ ،‬وعندما يصدر م��ن جماعة يصبح‬
‫قيمة؛ أي عنوانًا لهم‪.‬‬

‫((( أخرج���ه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)2110‬ومس���لم يف صحيحه‪ ،‬برق���م(‪ ،)1532‬من حديث حكيم‬
‫بن حزام ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الوحدة الثالثة‬

‫القيم اإلسالمية الحضارية‬

‫٭ ٭االستخالف‪.‬‬
‫٭ ٭المسؤولية‪.‬‬
‫٭ ٭ النظام واالنضباط‪.‬‬
‫٭ ٭النظافة‪.‬‬
‫٭ ٭التفاؤل‪.‬‬
‫* األهداف التعليمية‪:‬‬
‫هتدف هذه الوحدة إلى‪:‬‬
‫‪1 -1‬أن يعدد الطالب خمسا من القيم اإلسالمية الحضارية‪.‬‬
‫‪2 -2‬أن يوضح الطالب دور التزام النظام واالنضباط يف رقي المجتمع‪.‬‬
‫‪3 -3‬أن يذكر الطالب أدلة عناية اإلسالم بقيمة النظافة‪.‬‬
‫* نواتج التعلم‪:‬‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫عزيزي الطالب‪ :‬يرجى بعد دراستك لهذه الوحدة أن تكون ً‬
‫‪1 -1‬تعدد خمسا من القيم اإلسالمية الحضارية‪.‬‬
‫‪2 -2‬توضح دور التزام النظام واالنضباط يف رقي المجتمع‪.‬‬
‫‪3 -3‬تذكر أدلة عناية اإلسالم بقيمة النظافة‪.‬‬
‫القي��م الحضارية هي تلك القيم التي تس��اعد اإلنس��ان يف الرتقي الحضاري‪،‬‬
‫فلم��ا كانت القيم العليا ال يس��تغني عنها اإلنس��ان لكي يتصف باإلنس��انية‪ ،‬كانت‬
‫َّ‬
‫القي��م الحضاري��ة ضرورية لكي يرتقى اإلنس��ان يف الس��لم الحض��اري‪ ،‬ومن هنا‬
‫فالقي��م الحضارية تأيت يف الدرجة الثانية من حي��ث األهمية؛ فلو لم نجد قيما عليا‬
‫فال يمكن أن نبحث عن قيم حضارية‪.‬‬
‫فإذا قلنا َّ‬
‫أن القيم العليا يف مقام الضرورات بالنس��بة للوجود البش��ري‪ ،‬فالقيم‬
‫الحضارية يف مقام الحاجيات التي تساعد المجتمع على التقدم والرقي‪ ،‬فال يمكن‬
‫أن نتقدم من غير فهم دور البشر يف االستخالف وما يتبعه من إقامة نظم اجتماعية‬
‫وسياسية‪ ،‬تعتمد على فهم دور ومسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع‪ ،‬كذلك تبين‬
‫تل��ك القيم حرص المجتمع على النظافة والتف��اؤل والثقة بين أفراده‪ ،‬لهذا جعلنا‬
‫محور حديثنا يف هذه الوحدة عن القيم الحضارية مثل‪ :‬االس��تخالف والمسؤولية‬
‫والنظ��ام والنظاف��ة والتفاؤل‪ ،‬وذلك لك��ي نبين دور اإليمان هب��ذه القيم يف صناعة‬
‫النهض��ة الحضارية لألمم عموما و ُأ َّمة اإلس�لام خصوصا من جانب‪ ،‬ومن جانب‬
‫ثان لكي نثبت كيف دعا اإلسالم المسلمين إلى تبنِّي هذه القيم يف أحسن صورة‪.‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أوالً‪ :‬قيمة االستخالف‬

‫االستخالف يف اللغة يعني‪ :‬مجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه‪ ،‬ومنه الخلف‪:‬‬
‫الع��وض ع��ن ش��يء فائ��ت‪ ،‬ومن��ه الخالف��ة‪ .‬واالس��تخالف‪ :‬جع��ل الخلف عن‬
‫الشيء(‪.)1‬‬
‫ويف الق��رآن الكري��م ورد لفظ االس��تخالف س��ت م��رات‪ ،‬ووردت من نفس‬
‫المجال ألفاظ الخليفة والخلفاء والخالئف تسع مرات‪ ،‬ومع أن عدد ورود اللفظ‬
‫قليل إال أن دالالته على قدر كبير من األهمية‪.‬‬
‫فاالس��تخالف يعن��ي‪ :‬الوجود اإلنس��اين على األرض‪ ،‬الذي أعل��م اهلل تعالى‬
‫ب��ه المالئك��ة؛ كما يف قول��ه س��بحانه‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭼ [البقرة‪.]٣٠ :‬‬
‫‪ ،‬ليكون‬ ‫و ُي َع��دُّ هذا تش��ريفًا عظيمًا أن يس��جد المالئكة األب��رار آلدم‬
‫ه��ذا الس��جود محور ًا لما س��يجري على األرض م��ن أمور عظيم��ة‪ ،‬أهمها حمل‬
‫الرسالة وأداء األمانة‪ ،‬ثم الوعد بالتمكين لمن حقق شروطه المذكورة يف قول اهلل‬
‫تعالى‪ :‬ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [النور‪.]٥٥ :‬‬
‫وم��ن خ�لال هذه الش��روط نتبين َّ‬
‫أن اس��تخالف اإلنس��ان يف االرض لم يكن‬
‫مطلق��ًا‪ ،‬وحقيقة االس��تخالف كم��ا أراده اهلل عز وجل هي أنه اس��تخالف بقصد‬
‫إصالح األرض وعمارهتا‪ ،‬ال بقصد إفسادها وخراهبا‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،)210/2(:‬ولسان العرب‪.)89/9(:‬‬

‫‪226‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وم��ن أه��م عناصر قيمة االس��تخالف‪ :‬الش��عور بالمس��ؤولية نحو اإلنس��انية‬


‫بدعوهتا إلى اهلل تعالى واتباع ش��رعه‪ ،‬وكذلك الش��عور بالمسؤولية نحو الكائنات‬
‫الحية‪ ،‬بل نحو النباتات والجمادات بحسن التصرف فيها وعدم تعريضها للفساد‬
‫الذي يضيع على األجيال القادمة اإلفادة المرجوة منها‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثانيًا‪ :‬قيمة المسؤولية‬


‫كلمة مسؤولية يف اللغة هي حال َأو صفة من ُي ْس َأل َعن َأمر تقع عليه َتبِ َعتُه(‪.)1‬‬
‫وهناك مسؤوليات كثيرة؛ منها‪:‬‬
‫•المسؤولية األخالقية‪ ،‬وهي التزام الشخص بما يصدر عنه قو ً‬
‫ال أو عمالً‪.‬‬
‫•المسؤولية الجماعية‪ ،‬وهي التزام تتحمله الجماعة‪.‬‬
‫•المس��ؤولية القانوني��ة‪ ،‬وه��ي التزام بإصالح الخط��أ الواقع عل��ى الغير‪ ،‬طبقًا‬
‫للقانون(‪.)2‬‬
‫�أما الالم�س�ؤولية‪ ،‬فتعني �شعور املرء ب�أنه غري ملزم بعواقب �أعماله‪.‬‬
‫وتعد قيمة المس��ؤولية من المسائل التي يغفل عن أهميتها كثير ممن يدعونا اليوم‬
‫إل��ى الدخول إل��ى عالم التقدم والحرية‪ ،‬فاللحاق برك��ب األمم المتطورة يف مجاالت‬
‫مهمة كالعلم والتقدم التقني والمادي ال ينكر أهميته أحد‪ ،‬لكن األمر األكثر أهمية ونحن‬
‫نريد اللحاق بركب األمم هو أنه يجب أن ال نغفل اس��تلهام القيم والمبادئ التي عاش‬
‫هبا س��لفنا الصالح يف الوقت الذي نس��عى للحصول على هذا التقدم‪ ،‬علمًا بأن األمم‬
‫المتقدمة قد حافظت وهي يف طريقها لتحصيل وس��ائل التق��دم على هويتها التاريخية‬
‫واس��تمرت يف إنجازاهت��ا العلمية والحضارية بمدارس��ة ماضيها ولي��س بالتخلي عنه‪.‬‬
‫وق��د وجه اإلس�لام الطاق��ة العقلي��ة لمراقبة نظ��ام الحياة االجتماعي��ة مراقبة‬
‫توجيه وإصالح لكي تس��ير األمور على منهج صحي��ح‪ ،‬فقال اهلل تعالى يف محكم‬
‫التنزي��ل‪ :‬ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ‬
‫حمل اإلس�لام المس��ؤولية كل فرد من‬
‫ﮤ ﮥ ﮊ [آل عم��ران‪ ،]١٠٤ :‬بل َّ‬

‫((( ينظر‪ :‬املعجم الوسيط‪.)411/1(:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫أف��راد المجتمع وهدده بالعق��اب إذا علِم ولم ُيصلِح‪ ،‬ولو كان صالحًا يف نفس��ه؛‬
‫فقال تعالى‪ :‬ﮋﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ [األنفال‪.)1(]٢٥ :‬‬
‫ونعى على من لم يتحمل المس��ؤولية وجعل من تخلى عنها مس��تحقا للطرد‬
‫من رحم��ة اهلل؛ فقال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [المائدة‪.]٧٨ :‬‬
‫فالمس��ؤولية ه��ي العام��ل الرئي��س يف وجود نظ��ام وقان��ون‪ ،‬وإذا ُع ِدمت‬
‫عمت الفوضى وانتش��ر الفس��اد؛ «ذلك أنه إذا لم ي ُعدْ هن��اك إلزام فلن تكون هناك‬
‫َّ‬
‫مس��ؤولية‪ ،‬وإذا ُع ِدمت المس��ؤولية‪ ،‬فال يمك��ن أن تعود العدالة؛ وحينئذ تتفش��ى‬
‫الفوضى‪ ،‬ويفسد النظام‪ ،‬وتعم الهمجية‪ ،‬ال يف مجال الواقع فحسب‪ ،‬بل يف مجال‬
‫أيضا»(‪.)2‬‬
‫القانون ً‬

‫((( ينظر‪ :‬نقض أصول العقالنيني‪ ،‬سليمان بن صالح اخلراشي‪.)24/3(:‬‬

‫((( دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬د‪ .‬محمد عبداهلل دراز‪ ،‬ص(‪.)21‬‬

‫‪229‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫ثالثًا‪ :‬قيمة النظام واالنضباط‬


‫النظام‪:‬‬
‫النظام يف اللغة مأخوذ من النَّ ْظم‪ ،‬وهو «تأليف ش��يء وتكثيفه‪ ،‬وتقول نظمت‬
‫الخرز نظما‪ ،‬ونظمت الشعر وغيره‪ ،‬والنظام‪ :‬الخيط يجمع الخرز»(‪.)1‬‬
‫والنظ��ام يف االصطالح‪ :‬هو «مجموعة من األج��زاء التي تتفاعل وتتكامل مع‬
‫بعضها البعض ومع بيئتها لتحقيق أهداف معينة»(‪.)2‬‬
‫والنظام يف اإلسالم يراه الناظر يف ممارسة العبادة واضحًا جليًا؛ فاالصطفاف‬
‫يف الصالة‪ ،‬واالنسياب يف الطواف والسعي‪ ،‬وتقديم األولويات يف األحكام وغيره‬
‫يجعل غير المسلمين يدهشون بل يدخلون اإلسالم من هذا الباب‪.‬‬
‫ويعم��ل النظ��ام عل��ى تقوي��ة بع��ض العناص��ر المتفرق��ة‪ ،‬بحيث تظه��ر كقوة‬
‫متجانس��ة؛ فمثالً عندما تنظر إلى الحرم المكي والمش��اعر المقدس��ة وقت الحج‬
‫تجد تعاونا كبيرا بين عناصر األمن والمسؤولين عن إدارة الحشود وبين الحجاج‬
‫أنفسهم إلنجاح موسم الحج‪.‬‬

‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)443/5(:‬‬

‫((( نظم املعلومات اإلدارية مدخل إداري‪ ،‬إبراهيم سلطان‪ ،‬ص(‪.)11‬‬

‫‪230‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫وهذه مجموعة صور معربة عن النظام عند المسلمين‪:‬‬

‫�صورة (‪ )1‬انتظام �صفوف امل�صلني حول الكعبة امل�شرفة‪.‬‬

‫�صورة (‪ )2‬اجلهات املعنية بخدمة احلجاج جتعلهم ي�سريون بنظام؛ ليتم �أداء الفري�ضة على الوجه الأكمل‪.‬‬
‫�أنواع النظم‪:‬‬
‫ال ي��كاد ُيذك��ر مجال عمل��ي أو تربوي أو مؤسس��ي إال ويك��ون له نظامه‬
‫الخاص‪ ،‬لذا نجد عدد ًا هائالً من األنظمة بعضها ينسب إلى النظام االجتماعي‪ ،‬أو‬
‫النظام السياسي‪ ،‬أو النظم القضائي‪ ،‬أو النظام الرتبوي‪ ،‬فتتنوع قيمة النظام حسب‬

‫‪231‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫المؤسس��ة أو المشروع أو المنهج أو البيئة‪ ،‬لكن أشهر األنظمة على اإلطالق هي‬
‫النظام السياسي والقضائي واالجتماعي‪ ،‬حيث يحدد األول شكل الدولة‪ ،‬والثاين‬
‫يحدد منظومة الحقوق والواجبات‪ ،‬والثالث يحدد نظام األسرة‪.‬‬
‫االن�ضباط‪:‬‬
‫ه‪...،‬وض ْب ُط‬ ‫الش ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫وح ْب ُس‬ ‫االنضباط يف اللغة مأخوذ من الضبط‪ ،‬وهو «ل ُزو ُم َّ ْ‬
‫��يء َ‬
‫الش ْي ِء‪ِ :‬ح ْف ُظه بِا ْل َح ْز ِم»(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫نع��رف االنضب��اط يف االصطالح بأن��ه‪ :‬تطبيق األنظم��ة واألوامر‬ ‫ويمك��ن أن ِّ‬
‫والتعليمات والحزم يف االلتزام هبا‪.‬‬
‫وال تنف��رد قيم��ة االنضباط عن قيم��ة النظام‪ ،‬غير أنه ال يمك��ن أن يكون هناك‬
‫انضباط إال إذا كان هناك نظام يحدد طرق االنضباط حتى يسير عليه السائرون‪.‬‬
‫ومن أهم فوائد االنضباط ما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬حفظ حقوق األفراد يف المجتمع‪ ،‬وحماية الضعيف منهم مِن سلب حقوقه‪.‬‬
‫‪2-2‬تحقيق العدل بين أفراد المجتم��ع؛ فعند تطبيق النظام واالنضباط على جميع‬
‫األفراد ال يشعر أحد بأفضلية لآلخرين عليه‪ ،‬مما يحافظ على ترابط الجميع‪.‬‬
‫‪3-3‬أداء األعمال بالشكل األفضل وعلى أحسن وجه‪ ،‬فعند تطبيق النظام يستطيع‬
‫الفرد اإلبداع واالبتكار يف ظل األمان وحفظ الحقوق‪.‬‬
‫‪4-4‬الق��درة على الس��يطرة على المجتم��ع وأف��راده‪ ،‬وتحديد صالحي��ات كل فرد أو‬
‫مجموعة‪ ،‬وحماية المجتمع من الفوضى؛ فمثالً اإلس�لام نظام‪ ،‬لكن طريقة أدائه‬
‫تحتاج إلى انضباط‪ ،‬فال يمكن –على سبيل المثال‪ -‬أن يدخل أكثر من (مليون مسلم)‬
‫المس��جد الحرام ويخرجوا بسالم وطمأنينة وس��كينة من غير االنضباط والنظام‪.‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.)340/7(:‬‬

‫‪232‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫رابعًا‪ :‬قيمة النظافة‬


‫تع��د قيم��ة النظافة من ك�برى ميزات الدين اإلس�لامي‪ ،‬فالنظاف��ة هي مدخل‬
‫الص�لاة‪ ،‬حي��ث ال صالة من غير وضوء وطهارة‪ ،‬وهذا ي��دل على العناية بالنظافة‬
‫ويربز مكانتها من الدِّ ين‪.‬‬
‫وقيمة النظافة من أهم القيم اإلس�لامية‪ ،‬واإلسالم ينظر إليها على أهنا جزء ال‬
‫يتجزأ من اإليمان‪ ،‬األمر الذي جعلها تحظى باهتمام بالغ يف الش��ريعة اإلسالمية؛‬
‫اهتم��ام ال يداني��ه اهتمام يف الش��رائع األخرى‪ ،‬فلم يعد ينظ��ر إليها على أهنا مجرد‬
‫سلوك مرغوب فيه أو متعارف عليه اجتماعيًا‪ ،‬يحظى صاحبه بالقبول االجتماعي‬
‫فقط؛ بل جعلها اإلسالم قضية تتصل بالعقيدة‪ ،‬يثاب فاعلها ويأثم تاركها يف بعض‬
‫ان بِ ْض ٌع َو َس�� ْب ُع َ‬
‫ون‬ ‫مظاهرها‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ﷺ‪« :‬الإْ ِ َ‬
‫يم ُ‬
‫ُّون ‪ُ -‬ش�� ْع َبةً‪َ ،‬ف َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة الأْ َ َذى َع ِن‬ ‫‪َ -‬أ ْو بِ ْض ٌع َو ِس��ت َ‬
‫ِ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫يم ِ‬ ‫يق‪َ ،‬وا ْل َح َيا ُء ُش ْع َب ٌة م َن الإْ ِ َ‬
‫ال َّطرِ ِ‬

‫ف��إن كان��ت بعض األدي��ان قد َأ ْو َل��ت النظافة ج��زء ًا من اهتمامه��ا فقد جعلها‬
‫اإلس�لام من اإليمان‪ ،‬كما جعلها شرطًا لبعض العبادات‪ ،‬فقد قال ﷺ‪« :‬ال ُّط ُه ُ‬
‫ور‬
‫ان»(‪ ،)2‬فجعل النب��ي ﷺ النظافة يف هذا الحديث نصف اإليمان‪ ،‬ويرد‬ ‫َش�� ْط ُر الإْ ِ َ‬
‫يم ِ‬
‫هذا الحديث على من يعتقدون أن النظافة والطهارة إنما هي من ابتكار الغرب!‪.‬‬
‫وقيم��ة النظافة يف اإلس�لام عامة‪ ،‬فال تقتصر على المظاهر المادية بل تش��مل‬
‫المعنوية؛ فاإلنسان الذي ال يكذب يوصف بأنه نظيف اللسان‪ ،‬والذي ال تمتد يده‬
‫إلى حق غيره يوصف بأنه نظيف اليد‪ ،‬وهذه نظافة معنوية‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)58‬‬


‫((( رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)223‬عن أبي مالك األشعري ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫والمتأمل حال الطهارة والنظافة يف القرآن الكريم يجد أن اهلل سبحانه وتعالى‬
‫ُيعاقِب على عدم االلتزام هبا أشد وأبلغ عقاب‪ ،‬وقد أهلك اهلل سبحانه وتعالى ُأ َّمة‬
‫‪.‬‬
‫كاملة لنجاستهم وعدم طهارهتم‪ ،‬وهم قوم لوط‬
‫ومما يعلي من شأن قيمة النظافة أهنا ُج ِعلت سببًا لحب اهلل تعالى؛ قال تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ [البقرة‪.]٢٢٢ :‬‬
‫الصال َِة‪َ ،‬ف َأ ْسبِ ِغ‬
‫ت إِ َلى َّ‬
‫كما حث النبي ﷺ على إس��باغ الوضوء‪ ،‬فقال‪« :‬إِ َذا ُق ْم َ‬
‫الو ُضو َء»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫وأوجب اإلسالم غسل جميع البدن بعد الجماع وبعد الحيض والنفاس وغير‬
‫ذلك من المواطن التي يلزم معها الغس��ل‪ ،‬وحث اإلس�لام على االغتسال وندب‬
‫كالجمع والعيدين؛‬
‫إليه يف مناس��بات عدة وخاصة مواطن االجتم��اع واالزدحام؛ ُ‬
‫الج ُم َعةَ‪َ ،‬ف ْل َي ْغت َِس ْل»(‪.)2‬‬
‫فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َجا َء َأ َحدُ ك ُُم ُ‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)667‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)397‬عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)887‬وبنحوه مسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)844‬عن ابن عمر رضي‬
‫اهلل عنهما‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫خامسًا‪ :‬قيمة التفاؤل‬


‫التفاؤل يصنع المجد ويدفع اإلنسان إلى العال‪ ،‬فيه تحل المشكالت‪ ،‬وتفلك‬
‫المعضالت‪ ،‬وهذا ما حصل مع رس��ول اهلل ﷺ عندما تفاءل وتعلق برب األرض‬
‫والسماوات‪ ،‬فجعل اهلل له من كل المكائد والشرور والكرب فرجًا ومخرجًا‪.‬‬
‫والتف��اؤل عكس خلق التش��اؤم ال��ذي يعد من األخالق الرذيل��ة التي تقضي‬
‫على االستقرار النفسي لإلنسان(‪.)1‬‬
‫ثم َّ‬
‫إن المتفائل ال يبني من المصيبة س��جنًا يحبس فيه نفس��ه؛ بل يتطلع للفرج‬
‫ال��ذي يعق��ب كل ضيق‪ ،‬والمتفائل أس��عد الناس‪ ،‬فهو يرى الحي��اة جميلة بعكس‬
‫المتشائم الذي ال يرى شيئًا جميالً يف الحياة!‪.‬‬
‫كم��ا َّ‬
‫أن المتفائلين هم أفضل الناس صحة؛ ألن الش��عور بالس��عادة والتفاؤل‬
‫يعكس آثار ًا إيجابية على صحة اإلنسان‪.‬‬
‫ونب ُّين��ا ﷺ كان م��ن صفات��ه المالزم��ة‪ :‬التف��اؤل‪ ،‬وكان يح��ب الف��أل ويكره‬
‫التشاؤم؛ ففي الحديث الصحيح عن أنس ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬ال َعدْ وى‪ ،‬وال‬
‫ج ُبنِي ال َف ْأ ُل الصالِ ُح‪ :‬الكلمة الحس��نة»(‪ .)2‬فهذا الحديث يجعل المسلم‬
‫وي ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َي َرةَ‪ُ ،‬‬
‫مطمئنًا إلى ربه أ ّيًا كان األمر‪ ،‬واثقًا من فضله وعدله‪ ،‬مما يربط على قلبه ويعينه‬
‫على أداء واجباته وتحمل مسؤولياته‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى أقوال النبي ﷺ وس��يرته العطِرة نجدها مملوءة بالتفاؤل؛ ومن‬
‫صور‬
‫ذل��ك مثالً ما حصل له ولصاحبه أبي بكر ‪ ‬وهما يف طريق الهجرة‪ ،‬حيث ّ‬
‫((( ينظر‪ :‬الوحدة اخلامسة من القسم الثاني من هذا الكتاب‪ ،‬وعنوانها‪( :‬مناذج ممن األخالق الرذيلة)‪،‬‬
‫ومنها التشاؤم‪ ،‬وهو ضد التفاؤل‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)5776‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪.)2224‬‬

‫‪235‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الق��رآن موقف الرس��ول ﷺ مخاطبًا صاحبه وهو يف ح��ال يملؤها التفاؤل والثقة‬
‫ب��اهلل‪ ،‬فق��ال تعال��ى‪ :‬ﮋ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﮊ [التوبة‪ ،]٤٠ :‬وهذا مبلغ عظيم من التفاؤل وإحسان الظن باهلل جل وعال‪.‬‬
‫ويظهر نشره ﷺ للتفاؤل وتطمينه للمصاب يف قوله –عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫ور إِ ْن َشا َء اهَّلل»(‪.)1‬‬
‫ال َب ْأ َس‪َ ،‬ط ُه ٌ‬
‫إذا دخل على مريض يعوده‪َ « :‬‬
‫فينبغ��ي للمس��لم أن يكون دائ��م الثقة باهلل مس��تمد ًا العون من��ه متفائالً بالخير‬
‫والتيسير؛ مهما كانت العقبات‪.‬‬
‫وهناك فوائد كثرية لقيمة التفا�ؤل؛ منها‪:‬‬
‫•التفاؤل يزيح الهم من قلب اإلنسان‪.‬‬
‫•التفاؤل ينير درب اإلنسان‪ ،‬فيعرف كيف يسير نحو هدفه‪.‬‬
‫•التفاؤل س��بب يف حص��ول الخير؛ فالمتفائ��ل بالخير س��يحصد الخير يف هناية‬
‫الطريق بإذن اهلل‪.‬‬
‫•التفاؤل يدفع باإلنسان نحو العطاء والتقدم والعمل والنجاح‪.‬‬
‫•التفاؤل يدفع اإلنسان لتجاوز المحن‪.‬‬
‫•التفاؤل تدريب للنفس على الثقة باهلل والرضا بقضائه‪.‬‬
‫يعود المؤمن على النظرة اإليجابية لكل محنة‪.‬‬
‫•التفاؤل ِّ‬
‫•التفاؤل دليل على التوكل على اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫***‬

‫((( رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬برقم(‪ ،)3616‬عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫حديث ال ُي ُّ‬
‫مل؛ كيف‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن الحديث ع��ن األخالق واآلداب والقيم اإلس�لامية‬
‫ال وه��ذه األمور من صل��ب ديننا الحنيف الذي ختم اهلل به األديان وجاء إلس��عاد‬
‫البشرية يف كل زمان ومكان‪ ،‬ومن واجب المسلمين امتثال هذه األخالق واآلداب‬
‫والقي��م‪ ،‬وإبراز تميزها يف اإلس�لام عن غي��ره‪ ،‬ودعوة الناس إليها بع��د أن يتم َّثلها‬
‫المسلمون واقعًا يف حياهتم ليكونوا قدوة حسنة لغيرهم‪.‬‬
‫له��ذا اجته��دَ ت لجنة التأليف أن تق��دِّ م مادة علمية تأ ُم ُلأن تكون مناس��بة من‬
‫حيث الموضوعات وسهولة طرحها‪ ،‬وكذلك من حيث األفكار وتقريب وصولها‬
‫إل��ى أبنائنا الط�لاب وبناتنا الطالبات يف ه��ذه المرحلة العمري��ة المهمة‪ ،‬رجاء أن‬
‫ُيو َّف ُق��وا إل��ى ترس��يخ المفاهي��م الصحيح��ة يف قضاي��ا األخ�لاق واآلداب والقيم‬
‫اإلسالمية وتطبيقها بعد ذلك يف واقع حياهتم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لش��يء عن هذه القضايا الثالث المطروحة‪ ،‬وكاشفًا‬ ‫وجاء هذا الكتاب مب ِّينًا‬
‫لمدى صلتها بالدين الحنيف‪ ،‬وموضحًا لكيفية تطبيقها بالشكل الصحيح‪ ،‬ونافيًا‬
‫للبعض المفاهيم الخاطئة حولها‪.‬‬
‫زمالؤنا أعضاء هيئ��ة التدريس يف تبصير أبنائنا‬
‫ُ‬ ‫راجين م��ن اهلل تعالى أن يو َّفق‬
‫وبناتن��ا هب��ذه القضايا عل��ى الوجه األكمل‪ ،‬وه��م جديرون أن يضيف��وا إلى المادة‬
‫العلمي��ة يف ه��ذا الكت��اب كثي��ر ًا م��ن األف��كار والفوائد الرتبوي��ة التي ق��د تنقصه‪،‬‬
‫واألساليب وطرق التدريس التي ُيؤ َّدى هبا‪.‬‬
‫واهلل نسأل التوفيق والسداد للجميع؛ إنه سميع قريب‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد‬
‫َ‬
‫هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وس��لم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين‬
‫لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫‪238‬‬
‫الثقافة اإلسالمية (األخالق والقيم)‬

‫الصفحات‬ ‫املوضوع‬

‫‪9‬‬ ‫القسم األول‪ :‬األخالق اإلسالمية‪.‬‬


‫الوحدة األولى‪ :‬مدخل إلى األخالق يف اإلسالم‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -1‬تعريف األخالق‪ ،‬ومكانتها من الدين‪ ،‬وأهميتها‪ ،‬وعالقتها بالعقيدة‬
‫والعبادات واملعامالت‪ ،‬والفرق بني اخللق واألدب‪.‬‬
‫‪ -2‬خصائص األخالق يف اإلس�ل�ام‪ ،‬النظرية األخالقية عند األمم يف‬
‫‪22‬‬
‫القدمي واحلديث‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬أصول محاس���ن األخالق‪ :‬الصبر‪ ،‬العفة‪ ،‬الش���جاعة‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫العدل‪.‬‬
‫الوح���دة الثالث���ة‪ :‬من���اذج من األخ�ل�اق الفاضلة‪ :‬اإلخ�ل�اص‪ ،‬احلياء‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫الشكر‪.‬‬
‫الوح���دة الرابع���ة‪ :‬أصول مس���اوئ األخالق‪ :‬اجلهل‪ ،‬الظلم‪ ،‬الش���هوة‪،‬‬
‫‪67‬‬
‫الغضب‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الوحدة اخلامسة‪ :‬مناذج من األخالق الرذيلة‪ :‬الكبر‪ ،‬البذاءة‪ ،‬الكسل‪.‬‬
‫الوحدة السادس���ة‪ :‬تابع مناذج من األخالق الرذيلة‪ :‬التشاؤم‪ ،‬احلسد‪،‬‬
‫‪103‬‬
‫الغفلة‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬اآلداب اإلسالمية‪.‬‬
‫الوح���دة األولى‪ :‬اآلداب اإلس�ل�امية العليا‪ :‬األدب مع اهلل عز وجل ‪-‬‬
‫‪123‬‬
‫األدب مع القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫الوح���دة الثانية‪ :‬تابع اآلداب اإلس�ل�امية العليا‪ :‬األدب مع النبي ﷺ‪.‬‬

‫‪157‬‬ ‫الوحدة الثالثة‪ :‬آداب املهنة‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫‪185‬‬ ‫القسم الثالث‪ :‬القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫الوح���دة األولى‪ :‬تعريف القيم اإلس�ل�امية‪ ،‬ومصادرها‪ ،‬وخصائصها‪،‬‬
‫‪187‬‬
‫والفرق بينها وبني األخالق‪.‬‬
‫الوح���دة الثانية‪ :‬القيم اإلس�ل�امية العليا‪( :‬العبادة‪ ،‬احلق‪ ،‬اإلحس���ان‪،‬‬
‫‪201‬‬
‫احلكمة‪ ،‬الرحمة‪ ،‬الصدق)‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬القيم اإلسالمية احلضارية‪( :‬االستخالف‪ ،‬املسؤولية‪،‬‬
‫‪225‬‬
‫النظام واالنضباط‪ ،‬النظافة‪ ،‬التفاؤل)‪.‬‬
‫‪241‬‬ ‫فهرس احملتويات‬

You might also like