You are on page 1of 74

‫حماضرات املدخل إىل الثقافة اإلسالمية‬

‫(‪111‬سلم‪)2-‬‬

‫‪1‬‬
‫احملاضرة األوىل‬

‫التعريف ابلثقافة اإلسالمية‬


‫• العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف الثقافة‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -3‬أمهية دراسة الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬مصادر الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -5‬خصائص الثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫• تعريف الثقافة‪:‬‬
‫الثقافة يف اللغة‪:‬‬
‫الظفر‪ ،‬واحلذق‪ ،‬والفطنة‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والتقومي‪ ،‬وسرعة أخذ العلم‪.‬‬
‫الثقافة يف االصطالح‪:‬‬
‫هي اجملموع الكلي للعادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬واملعتقدات‪ ،‬وطريقة العيش اليت تسري عليها وتتمسك هبا مجاعة‬
‫إنسانية‪.‬‬
‫• مفهوم الثقافة اإلسالمية‪:‬‬
‫عرفت الثقافة اإلسالمية ابعتبارين‪:‬‬
‫ابعتبارها علما وفنا يضاف إىل ابقي العلوم اإلسالمية‪ .‬فهي من هذا املنطلق‪( :‬العلم مبنهاج اإلسالم‬ ‫‪-1‬‬
‫الشمويل يف القيم والنظم والفكر ونقد الرتاث اإلنساين فيها"‬
‫عرفت ابعتبارها مصطلح يعرب عن حياة األمة اإلسالمية‪ ،‬وهويتها الدينية واحلضارية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فمن هذا املنطلق عرفت الثقافة اإلسالمية ابهنا‪( :‬مموعة العقائد واألفكار‪ ،‬والقيم واآلداب‪ ،‬واألخالق‪،‬‬
‫واألعراف والعادات اليت تصدر عن الكتاب والسنة واألحكام املنبثقة منهما أو اليت ال تتعارض معها واليت‬
‫صبغت هبا حياة املسلم)‪.‬‬
‫• أمهية دراسة الثقافة اإلسالمية‪:‬‬
‫دراسة الثقافة اإلسالمية مهمة ألهنا‪:‬‬
‫‪ -1‬تقدم التصور الصحيح والكامل للحياة واإلنسان والكون‪.‬‬
‫‪ -2‬ترفع قدر ومنزلة من يتمسكون هبا‪ ،‬ويلتزمون مببادئها املنبثقة من القرآن الكرمي والسنة املطهر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -3‬تنمي ذخرية الفرد املسلم املعرفية‪ ،‬وجتعله يقف على عظم ما عنده من موروث أصيل صايف‬
‫املصدر‪.‬‬
‫‪ -4‬تربط املسلم مباضيه التليد‪ ،‬وحاضره املعاش‪ ،‬وتضع له معامل مستقبله الزاهي‪.‬‬
‫‪ -5‬توجه العقل الوجهة السليمة‪ ،‬وترشده إىل التدبر والتأمل يف ملكوت هللا عز وجل؛ ليستغل ذلك يف‬
‫عمارة األرض مبا يعود ابخلري على متمعه والبشرية‪.‬‬
‫‪ -6‬تكسب دارسها التوازن مبا تليب من مطالب الروح واجلسد‪ ،‬والفرد واجملتمع‪.‬‬
‫‪ -7‬حتدث أتثرياً ابلغاً يف سلوك وأخالق ومعامالت الفرد املسلم؛ فيصبح حسن السري والسلوك‪،‬‬
‫سامي األخالق‪.‬‬
‫‪ -8‬تكسب الراحة النفسية والفكرية‪ ،‬اليت تعصم دارسها من القلق واالضطراب الفكري‪.‬‬

‫• مصادر الثقافة اإلسالمية‪:‬‬


‫للثقافة اإلسالمية مصادر أصلية وأخرى فرعية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املصادر األصلية‪ ،‬وتتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫وهو كالم هللا تعاىل‪ ،‬املنزل على سيدان حممد ‪ ‬بلفظه ومعناه‪ ،‬واملنقول إلينا ابلتواتر‪.‬‬
‫ك ٱلْكِتاب تِب ينًا لِ ُك ِل َشى ٍء وه ًدى ور ْْحَةً وب ْشرى لِل ِ‬
‫ْم ْسل ِم َ‬
‫ي}‬ ‫ْ َ ُ ََ َُ َ ُ‬ ‫كما قال تعاىل‪َ { :‬ونَ َّزلْنَا َعلَْي َ َ َ ْ َ‬
‫‪ -2‬السنة املطهرة‪:‬‬
‫وهي ما أضيف إىل النيب ‪ ،‬من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو تقرير‪ ،‬أو صفة خلقية أو خلقية‪.‬‬
‫كما روي عن أيب ذر قال‪ :‬تركنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه يف اهلواء إال‬
‫علما‪ ،‬قال‪ :‬فقال صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬ما بقي شيء ِ‬
‫يقرب من اجلنة‪ ،‬ويباعد من‬ ‫وهو يذكران منه ً‬
‫النار إال وقد بُي لكم »صحيح (رواه الطرباين وغريه)‬

‫اثنياً‪ :‬املصادر الفرعية‪ ،‬وجنملها يف‪:‬‬


‫‪ -1‬اإلمجاع‪.‬‬
‫‪ -2‬القياس‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -3‬التاريخ اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -4‬اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -5‬اخلربات والقيم اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -6‬األعراف الكرمية‪.‬‬

‫• خصائص الثقافة اإلسالمية‪:‬‬


‫‪ -1‬الرابنية‪.‬‬
‫فالوحي مصدرها األول‪ ،‬وبناء على ذلك فهي ثقافة دائمة قائمة على احلق والصدق‪.‬‬
‫‪ -2‬الشمول‪.‬‬
‫فهي تستوعب مجيع جوانب احلياة املادي منها واملعنوي‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلجيابية‪.‬‬
‫فهي تلزم املسلم ابلعمل‪ ،‬وحتذره بشدة من التواكل والتخاذل والكسل‪.‬‬
‫‪ -4‬الواقعية‪.‬‬
‫فهي ممكنة التطبيق عمليا على أرض الواقع‪.‬‬
‫‪ -5‬االستمرارية‪.‬‬
‫فهي ابقية ما بقي القرآن والسنة؛ ألن مصادرها حمفوظة قد تعهد هللا حبفظها عن التحريف والتبديل‬
‫والتغيري‪.‬‬
‫‪ -6‬التوازن‪.‬‬
‫ففي الثقافة اإلسالمية انسجام وتناسق بني متطلبات الدنيا واآلخرة‪ ،‬بني رغبات الروح واجلسد‪ ،‬بني‬
‫احلقوق والواجبات‪.‬‬
‫‪ -7‬العاملية‪.‬‬
‫فهي ليست حم صورة يف جنس معني‪ ،‬وال قاصرة على مكان معني؛ بل إهنا تسع مجيع األجناس وتعم مجيع‬
‫األرض‪)1(.‬‬
‫(‪()1‬املرجع‪-‬الثقافة اإلسالمية ختصصاً ومادة وقسماً علمياً أعدها مموعة‬
‫من املختصني يف الثقافة اإلسالمية جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬
‫مطابع اجلامعة ط‪1417/1‬هـ)‬

‫‪4‬‬
‫احملاضرة الثانية‬

‫اإلسالمية‬ ‫العقيدةلعقيدة‬
‫اإلسالمية‬ ‫التعريف اب‬
‫العناصر‪:‬‬
‫العقيدة يف اللغة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫العقيدة اإلسالمية يف االصطالح‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مرادفات مصطلح العقيدة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫العقيدة وآاثرها‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ -5‬حكم معرفة العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -6‬حكم الدعوة إىل العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫• العقيدة يف اللغة‪:‬‬
‫ط‪ ،‬والش ُّ‬
‫َّد بقوة‪.‬‬ ‫الرب ُ‬
‫الع ْقد‪ :‬وهو َّ‬
‫من َ‬
‫وما يصدقه اإلنسان ويدين به يسمى عقيدة‪.‬‬

‫• العقيدة اإلسالمية يف االصطالح‪:‬‬


‫اإلميان اجلازم ابهلل تعاىل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خريه وشره‪ ،‬وبكل ما ثبت من‬
‫أصول الدين‪ ،‬وأمور الغيب وأخباره‪.‬‬

‫‪ -1‬األمساء املرادفة ملصطلح العقيدة اإلسالمية‪ :‬التوحيد‪ ،‬السنة‪ ،‬اإلميان‪ ،‬أصول الدين‪ ،‬الفقه األكرب‪،‬‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -2‬إذا أطلقت العقيدة اإلسالمية‪ ،‬فإن املراد هبا عقيدة أهل السنة واجلماعة؛ ألهنا هي اإلسالم الذي‬
‫ارتضاه هللا ديناً لعباده‪ ،‬وهي عقيدة القرون الثالثة املفضلة‪.‬‬
‫ي نُ َولِ ِه‬ ‫ِ‬
‫يل ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫ري َسبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي لَهُ ا ْهلَُدى َويَتَّب ْع غَ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫الرس َ ِ‬
‫ول م ْن بَ ْعد َما تَبَ َّ َ‬
‫كما قال هللا تعاىل‪{:‬ومن ي َ ِ‬
‫شاق ِق َّ ُ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫صلِ ِه ج َهنَّم وساء ْ ِ‬
‫ريا} [النساء‪ ،]117 :‬واملراد ابملؤمني عند نزول هذه اآلية‬ ‫ت َمص ً‬ ‫َما تَ َو َّىل َونُ ْ َ َ َ َ َ‬
‫الكرمية الصحابة الكرام ومن التزم طريقهم الذي بينه هلم النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫• العقيدة وآاثرها‪:‬‬
‫العقيدة قسمان‪ :‬عقيدة سليمة‪ ،‬وعقيدة غري سليمة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬العقيدة السليمة‪ ،‬وهي العقيدة اإلسالمية القائمة على التوحيد اخلالص هلل تعاىل‪ ،‬وعلى املتابعة‬
‫لسنة وطريقة نبيه حممد صلى هللا عليه وسلم‪ .‬ومن آاثرها ومثراهتا أهنا‪:‬‬
‫‪ -1‬تعصم الدم واملال يف الدنيا‪ ،‬وحترم االعتداء عليهما وانتهاكهما بغري حق؛ كما جاء يف حديث‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَطُ ُ‬
‫وف‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫ول َِّ‬ ‫اَّللِ بْ ُن عُ َمَر ‪-‬رضي هللا عنهم‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫(رأَيْ ُ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫وعْب ُد َّ‬
‫ابن عباس‪َ -‬‬
‫س ُحمَ َّم ٍد بِيَ ِدهِ‪،‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ِرحيَك‪َ ،‬ما أَ ْعظَ َمك َوأَ ْعظَ َم ُح ْرَمتَك‪َ ،‬والذي نَ ْف ُ‬
‫ِ‬
‫ول‪َ :‬ما أَطْيَ بَك َوأَطْيَ َ‬ ‫ِابلْ َك ْعبَ ِة َويَ ُق ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ََلرمةُ الْم ْؤِم ِن أَ ْعظَم ِعْن َد َِّ‬
‫اَّلل ُح ْرَمةً م ْنك َماله َو َدمه‪َ ،‬وأَ ْن نَظُ َّن به إ َّال َخ ْ ً‬
‫ريا)‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ ُ‬
‫‪ -2‬تنجي من عذاب هللا يوم القيامة؛ لقوله ‪(( :‬من لقي هللا ال يشرك به شيئا؛ دخل اجلنة ))‬
‫(متفق عليه) ‪.‬‬
‫‪ -3‬يكفر هللا هبا اخلطااي؛ لقوله ‪(( :‬قال هللا تعاىل اي ابن آدم! لو أتيتين بقراب األرض خطااي‪ ،‬مث‬
‫لقيتين ال تشرك يب شيئا؛ ألتيتك بقراهبا مغفرة)) (الرتمذي‪ ،‬وحسنه األلباين)‪.‬‬
‫اَلًا ِم ْن ذَ َك ٍر أ َْو أُنْ ثَى‬
‫‪ -4‬تقبل معها األعمال الصاَلة وتنفع صاحبها؛ قال تعاىل‪﴿ :‬من َع ِمل ص ِ‬
‫َْ َ َ‬
‫ِ‬
‫س ِن َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾‪.‬‬ ‫َج َرُه ْم ِِب ْ‬
‫َح َ‬ ‫َو ُه َو ُم ْؤم ٌن فَ لَنُ ْحيِيَ نَّهُ َحيَاةً طَيِبَةً َولَنَ ْج ِزيَن ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫‪ -5‬تكسب أصحاهبا العز والتمكي والظهور‪ ،‬لقوله ‪(( :‬ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على‬
‫اَلق‪ ،‬ال يضرهم من خذهلَم حىت أييت أمر هللا وهم كذلك)) ( رواه مسلم) ‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬العقيدة الفاسدة‪ ،‬وهي العقيدة القائمة ا على الكفر أو الشرك األكرب‪ ،‬واملخالفة للكتاب والسنة‬
‫وما امجع عليه سلف األمة ومن آاثرها‪:‬‬
‫ك َوإِ َىل‬ ‫‪ -1‬حتبط مجيع األعمال إن كانت كفرا أو شركا أكرب؛ كما قال تعاىل‪﴿ :‬ولََق ْد أ ِ‬
‫ُوح َي إِل َْي َ‬ ‫َ‬
‫ك ولَتَ ُكونَ َّن ِمن ْ ِ‬ ‫ين ِم ْن قَ ْبلِ َ‬
‫ك لَئِ ْن أَ ْش َرْك َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين﴾ أو تفسد العمل الذي‬ ‫اخلَاس ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ َ‬ ‫الذ َ‬

‫‪6‬‬
‫قارنته إذا كانت بدعة مل تصل إىل درجة الكفر األكرب لقوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من عمل‬
‫عمالً ليس عليه أمران فهو رد) متّفق عليه‪.‬‬
‫اَّللَ َال يَغْ ِف ُر أَ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َ‬
‫ك‬ ‫‪ -2‬حترم صاحبها من املغفرة والرْحة‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫لِ َم ْن يَ َ‬
‫شاءُ﴾‪.‬‬

‫• حكم معرفة العقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫استَ غْ ِف ْر‬ ‫جيب على كل مسلم أن يتعلم العقيدة اإلسالمية؛ لقوله تعاىل‪﴿ :‬فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ َال إِلَهَ إَِّال َّ‬
‫اَّللُ َو ْ‬
‫ك﴾‪.‬‬‫لِ َذنْبِ َ‬
‫وتعلم علم العقيدة والتوحيد منه ما هو فرض عني‪ ،‬ومنه ما هو فرض كفاية‪ ،‬وهذا شأن العلوم الشرعية‬
‫عامة‪:‬‬
‫ففرض العني من تعلم العقيدة هو‪ :‬ما تصح به عقيدة املسلم يف ربه‪ ،‬من حيث ما جيوز وجيب وميتنع يف‬
‫حق هللا تعاىل‪ ،‬ذاات وأمساء وأفعاالً وصفات‪ ،‬على وجه اإلمجال‪ ،‬وهذا ما يسميه بعض العلماء ابإلميان‬
‫اجململ أو اإلمجايل‪.‬‬
‫وأما فرض الكفاية من تعلم العقيدة فهو‪ :‬ما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل‪ ،‬وحتصيل‬
‫القدرة على رد الشبهات وقوادح األدلة‪ ،‬وإلزام املعاندين وإفحام املخالفني‪ ،‬وهذا ما يسمى ابإلميان‬
‫التفصيلي‪.‬‬
‫• حكم الدعوة إىل العقيدة اإلسالمية‪:‬‬
‫الدعوة إىل العقيدة اإلسالمية واجبة على العامل القادر‪ ،‬وهي فاحتة دعوة الرسل مجيعا؛ كما قال تعاىل‪:‬‬
‫اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ‬
‫وت﴾‪.‬‬ ‫َن اُ ْعبُ ُدوا َّ‬
‫اَّللَ َو ْ‬ ‫﴿ َولََق ْد بَ َعثْ نَا ِيف ُك ِل أ َُّم ٍة َر ُس ً‬
‫وال أ ِ‬
‫فيبدأون ابلدعوة إىل العقيدة قبل الدعوة إىل شيء قبلها من فعل الواجبات وترك احملرمات‪ ،‬حىت تقوم‬
‫هذه العقيدة وتتحقق؛ ألهنا هي األساس املصحح جلميع األعمال‪ ،‬وبدوهنا ال تصح األعمال وال تقبل‬
‫وال يثاب عليها‪)1(.‬‬
‫=============================================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪7‬‬
‫أصول العقيدة اإلسالمية‬

‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريفها‪.‬‬
‫‪ -2‬تعدادها‪.‬‬
‫‪ -3‬أدلتها‪.‬‬
‫‪ -4‬حكم منكرها‪.‬‬

‫• تعريفها‪:‬‬
‫أصول العقيدة اإلسالمية هي‪ :‬أسس العقيدة اإلسالمية وأركاهنا اليت تقوم عليها‪ ،‬وتسمى أركان‬
‫اإلميان الستة‪.‬‬
‫• تعدادها‪:‬‬
‫للعقيدة اإلسالمية ستة أصول‪ ،‬جيب اإلميان هبا‪ ،‬وهي‪ :‬اإلميان ابهلل تعاىل‪ ،‬واملالئكة‪ ،‬والكتب‪ ،‬والرسل‪،‬‬
‫واإلميان ابليوم اآلخر‪ ،‬وابلقدر خريه وشره‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫• أدلتها‪:‬‬
‫َّلل َوالْيَ ْوِم‬
‫ب ولَكِ َّن الِْربَّ من آمن ِاب َِّ‬
‫َْ ََ‬
‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪﴿:‬لَيس الِْربَّ أَ ْن تُولُّوا وج َ ِ‬
‫وه ُك ْم قبَ َل ال َْم ْش ِرق َوال َْمغْ ِر ِ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ْ َ‬
‫ي﴾‪،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّان ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ ْقنَاهُ بَِق َد ٍر﴾‪.‬‬ ‫ْاآل ِخ ِر َوال َْم َالئِ َك ِة َوالْكِتَ ِ‬
‫اب َوالنَّبِيِ َ‬
‫وقال ‪ ‬يف حديث جربيل ملا سئل ما اإلميان؟ قال‪(( :‬اإلميان أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن ابلقدر خريه وشره)) ( رواه مسلم) ‪)1(.‬‬
‫• حكم منكر أصول اإلميان مع بيان خطورة التكفري وشروطه وموانعه‪:‬‬
‫تلكم هي أصول العقيدة اإلسالمية اليت جيب على كل مكلف أن يؤمن هبا على سبيل اإلمجال‪ ،‬ومن‬
‫أنكرها أو بعضها فإ ذا توفرت فيه شروط التكفري وانتفت عنه موانع التكفري فإنه يكفر؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫ض َال ًال بَعِي ًدا﴾ أما إذا اختل شرط‬ ‫َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َوُر ُسلِ ِه َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر فَ َق ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫﴿ومن ي ْك ُفر ِاب َِّ‬
‫ََ ْ َ ْ‬
‫من شروط التكفري أو قام مانع من موانع التكفري فيمن تلبس بشيء من النواقض فإنه ال حيكم عليه‬
‫ابلكفر‪ ،‬وهذا يتضح من خالل معرفة منهج أهل السنة يف مسألة التكفري‪.‬‬
‫• بيان منهج أهل السنة يف مسألة التكفري‪:‬‬
‫كل ما دلّت‬
‫فأهل السنة واجلماعة اتبعون للكتاب والسنة يف أحكام التكفري‪ ،‬فيثبتون يف املك ّفرات ّ‬
‫ُ‬
‫حق األشخاص الذين وقع‬‫النصوص الشرعية على أنّه من موجبات الكفر‪ ،‬ويثبتون موجب ذلك يف ّ‬
‫منهم الكفر إذا حت ّقق فيهم ما دلّت النصوص على اعتباره‪ ،‬فال يقولون ابلتكفري على إطالقه دون ضوابط‬
‫وقيود‪ ،‬بل ال بد من حتقق الشروط‪ ،‬وانتفاء املوانع اليت ثبتت هبا األدلة‪ ،‬فإذا فُقد شرط من الشروط‪ ،‬أو‬
‫وجد مانع من املوانع مل جيز إطالق القول بتكفري الشخص الذي وقع يف الفعل أو القول املك ّفر‪ِ ،‬‬
‫ومن‬ ‫ُ‬
‫التسرع والتساهل يف‬
‫األمهية مبكان أن تكون هذه الشروط واملوانع حاضرة يف األذهان حىت ال حيصل ّ‬
‫الزجر الوارد عن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يف‬ ‫يستحق التكفري مما يوجب الوقوع يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكفري َمن ال‬
‫ال ِأل َِخ ِيه‪َ :‬اي َكافِ ُر‪ ،‬فَ َق ْد َابءَ ِهبَا‬
‫حق‪ ،‬مثل قوله صلى هللا عليه وسلم‪ ):‬أَُّميَا ْام ِر ٍئ قَ َ‬ ‫تكفري املسلم بغري ّ‬
‫ت َعلَْي ِه )‬
‫ال‪َ ،‬وإَِّال َر َج َع ْ‬
‫َح ُد ُمهَا‪ ،‬إِ ْن َكا َن َك َما قَ َ‬
‫أَ‬
‫وميكن إرجاع شروط التكفري إىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ط تتعلق ابلفعل أو القول أو االعتقاد املكفر‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬شرو ٌ‬ ‫•‬
‫‪ .1‬ثبوت أ ّن هذا القول أو الفعل أو االعتقاد أو الرتك كفر مبقتضى داللة الكتاب والسنة على ٍ‬
‫وجه‬
‫ال ُشبهةَ فيه‪ ،‬فإذا كان الفعل أو القول املك ّفر فيه اشتباه أو تفصيل فال يصح التكفري به‪.‬‬
‫يح ال ّداللة‪ ،‬فإن كان اللفظ حيتمل التكفري وحيتمل غريه فال جيوز‬‫ظ املك ّفر صر َ‬‫‪ .2‬أن يكون اللف ُ‬
‫محله على التكفري احتياطاً‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫اثنياً‪ :‬شروط التكفري املتعلقة ابلقائل أو الفاعل‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫•‬

‫الكفر مكلّفاً‪ ،‬فال يصح تكفري الصيب واجملنون‪ ،‬وال َمن زال عقله‬
‫‪ .3‬أن يكون َمن صدر عنه ُ‬
‫إبغماء أو نوم أو ختدير أو بنج‪.‬‬
‫مكره على الكفر وقلبُه مطمئن‬
‫‪ .4‬أن يكون خمتاراً عند صدور ما هو مكفر منه‪ ،‬فال جيوز تكفري َ‬
‫ابإلميان‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يكون قاصداً للفعل أو القول‪ ،‬فال يقع التكفري على املخطئ والناسي واملدهوش‪.‬‬
‫كفر أو معصية‪ .‬فإن‬ ‫‪ .6‬العلم بداللة األلفاظ‪ ،‬أبن يكون عاملاً بداللة اللفظ الذي صدر منه أبنه ٌ‬
‫كان جاهال حبكم القول او الفعل املكفر الذي تلبس به فإنه ال جيوز تكفريه‪.‬‬
‫• اثلثاً‪ :‬ثبوت الفعل أو القول املكفر يف حق املكلف‪ .‬ويكون اإلثبات إما ابإلقرار أو البيِّنَة‬
‫مرد الظن أو الشك فال‪.‬‬
‫املعتربة شرعاً‪ ،‬أما ّ‬
‫أما املوانع اليت يلزم انتفاؤها فهي‪:‬‬ ‫•‬

‫‪ .1‬اجلهل‪ :‬فمن تل ّفظ ابلكفر أو فعل فعالً مكفراً جاهالً؛ فال ُحيكم عليه ابلكفر مطلقاً‪ ،‬حىت ّ‬
‫يبني‬
‫له وتقام عليه احلجة‪.‬‬
‫‪ .2‬اخلطأ‪ :‬فمن تلفظ بكلمة الكفر أو فعل فعالً مكفراً وكان خمطئاً فال يقع عليه ُ‬
‫الكفر‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلكراه‪ :‬فمن أُكره على الكفر‪ :‬فله أن ينطق كلمة الكفر‪ ،‬وال يكفر بذلك‪.‬‬
‫يظن أنه مل خيالف الشريعة‪ ،‬أو‬
‫الفعل املقتضي للكفر وهو ّ‬ ‫‪ .4‬التأول‪ :‬وهو أن يقول َ‬
‫القول أو يفعل َ‬
‫لشبهة قامت عنده‪ ،‬فيقع يف املخالفة دون ٍ‬
‫قصد‪ ،‬فال ُحيكم عليه‬ ‫ٍ‬ ‫النص على غري وجهه؛‬
‫يفهم ّ‬
‫وحيمل كالمه على غري الكفر‪ ،‬ولو كان هذا االحتمال ضعيفاً‪ ،‬ألن اليقني ال يزول‬
‫ابلكفر‪ُ ،‬‬
‫ابلشك‪)2(.‬‬
‫=====================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل بن فوزان‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء ‪1411‬هـ‬
‫التكفري وضوابطه أتليف إبراهيم بن عامر الرحيلي األستاذ يف قسم العقيدة بكلية الدعوة‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأصول الدين ابجلامعة اإلسالمية – دار اإلمام أمحد‬

‫احملاضرة الثالثة‬
‫‪10‬‬
‫شرح‬
‫أصول العقيدة اإلسالمية‬

‫‪11‬‬
‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬معىن اإلميان ابهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬األدلة على وجود هللا تعاىل‪.‬‬

‫• معىن اإلميان ابهلل‪:‬‬


‫التصديق اجلازم بوجود ذات هللا تعاىل‪ ،‬وأنه رب كل شيء ومليكه‪ ،‬وأنه اخلالق‪ ،‬الرازق‪ ،‬احمليي‬
‫املميت‪ ،‬وأنه املستحق ألن يفرد ابلعبادة دون سواه‪ ،‬وأنه املتصف بصفات الكمال‪ ،‬املنزه عن‬
‫كل عيب ونقص‪.‬‬
‫وهذا هو التوحيد أبنواعه الثالثة‪.‬‬

‫• األدلة على وجود هللا تعاىل‪:‬‬


‫األدلة على وجود الرب تعاىل كثرية جداً‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬دليل الفطرة‪:‬‬
‫مفاده‪ :‬إ ّن اإلنسان لو ترك وذاته‪ ،‬بدون معلم أو مريب‪ ،‬فإنّه يشعر يف أعماق نفسه‪ ،‬ومبا أودعه هللا يف‬
‫خلقته أب ّن هلذا الكون خالقا خلقه‪ ،‬ومكوانً كونه‪ ،‬ومبدعاً أبدعه‪ ،‬ومدبراً دبر‪ ،‬لكن قد حيصل للفطرة‬
‫نوع فساد‪ ،‬فيفسد إدراكها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -2‬دليل اخللق أو اَلدوث‪.‬‬
‫ومفاده‪ :‬إن النظر يف العامل وما حيتوي عليه من موجودات متنوعة‪ ،‬وخملوقات عجيبة‪ ،‬يقود ابلضرورة إىل‬
‫اإلميان بوجود خالق هلذا العامل‪ ،‬واستحالة أن تكون هذه املخلوقات قد وجدت من تلقاء نفسها‪.‬‬

‫‪ -3‬دليل الكمال‪:‬‬
‫مفاده‪ :‬إن اإلنسان أكمل حادث موجود يف الكون‪ ،‬حبسب ما نالحظ ونشاهد من موجودات‪.‬‬
‫واإلنسان مل خيلق نفسه حتماً‪ ،‬ومل خيلقه أبوه‪ ،‬وأي شيء دونه ال يستطيع أن خيلقه؛ ألنه فاقد لكماالته‪،‬‬
‫وفاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬إذا فال بد من موجد هو أكمل من اإلنسان‪ ،‬ميلك أن خيلق يف اإلنسان صفة‬
‫العلم‪ ،‬واإلرادة احلرة‪ ،‬وسائر الصفات النفسية‪ ،‬بعد منحه صفة احلياة؛ بل ال بد أن يكون هذا اخلالق‬
‫ذروة يف الكمال كله‪ ،‬وهو هللا سبحانه وتعاىل‪)1(.‬‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪13‬‬
‫اإلسالمية‬
‫العقيدةاإلسالمية‬
‫التوحيد‬ ‫شرح أصولالعقيدة‬
‫أقسام‬
‫ينقسم التوحيد إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد األلوهية‪ ،‬وتوحيد األمساء والصفات‪.‬‬

‫وهو توحيد هللا تعاىل أبفعاله‪ .‬ويستوجب اإلقرار أبن هللا وحده هو اخلالق للعامل‪ ،‬وهو املدبر‪ ،‬وهو احمليي‬
‫املميت‪ ،‬وهو الرزاق‪ ،‬ذو القوة املتني‪.‬‬
‫• األدلة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬اَلمد هلل رب العاملي﴾‪،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وإذا مرضت فهو يشفي﴾‪.‬‬
‫ويف احلديث‪(( :‬احفظ هللا حيفظك‪ ،‬احفظ هللا جتده جتاهك‪ ،‬تعرف إىل هللا يف الرخاء يعرفك يف‬
‫الشدة)) (أمحد‪ ،‬وصححه األلباين)‪(( ،‬إن هللا خالق كل صانع وصنعته)) (البزار‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ُن َّ‬
‫اَّللُ﴾‪.‬‬ ‫‪ -1‬اإلقرار بتوحيد الربوبية مركوز يف الفطر‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَئِ ْن َسأَلْتَ ُه ْم َم ْن َخلَ َق ُه ْم لَيَ ُقول َّ‬
‫‪ -2‬اإلقرار بتوحيد الربوبية ال يكفي العبد يف حصول اإلسالم؛ بل ال بد أن أييت معه بالزمه من توحيد‬
‫األلوهية‪.‬‬
‫‪-‬املنكرون لتوحيد الربوبية يف البشرية‪ :‬من أبرزهم املاديون امللحدون الذين ينكرون وجود هللا تعاىل‪،‬‬
‫كالدهريني قدمياً‪ ،‬والشيوعيني يف عصران هذا‪ ،‬والطبائعيني‪ ،‬والقائلني ابلصدفة‪ ،‬وكذا فرعون أنكره‬
‫ظاهرا‪.)1(.‬‬
‫‪ -‬اإلَلاد املعاصر‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬اإلَلاد لغة ‪:‬هو امليل عن القصد‪ ،‬والعدول عن الشيء‪ ،‬ومصدره حلد‪ ،‬واللحد هو ّ‬
‫الش ُق‪.‬‬
‫‪-‬اإلَلاد اصطالحاً‪ :‬هو مذهب فكري ينفي وجود خالق للكون‪.‬‬
‫• أنواع امللحدين‪:‬‬
‫‪ -‬امللحد‪ :‬هو املنكر للدين ولوجود اإلله‪.‬‬
‫‪ -‬الالديين‪ :‬وهو االسم الذي يفضله كثري من املالحدة مع أن لفظ الالدين يعن من ال يؤمن بدين‬
‫وليس ابلضرورة أن يكون منكراً لإلله‪.‬‬
‫‪ -‬ضد الدين‪ )Antitheist( :‬هو امللحد الذي يتخذ موقفاً عدائياً من اإلله والدين واملتدينني‪.‬‬
‫‪ -‬الربويب‪ )Diest ( :‬هو الذي يؤمن أبن اإلله قد خلق الكون‪ ،‬ولكنه ينكر أن يكون قد تواصل‬
‫مع البشر عن طريق الدايانت‪.‬‬
‫‪ -‬الالأدري‪ )Agnostic( :‬هو الذي يؤمن أبن قضااي األلوهية والغيب ال ميكن إثباهتا وإقامة‬
‫احلجة عليها كما ال ميكن نفيها‪ ،‬ابعتبارها فوق قدرة العقل على اإلدراك‪.‬‬
‫‪ -‬املتشكك‪ )Skeptic( :‬هو الذي يرى أن براهني األلوهية ال تكفي إلقناعه‪ ،‬ويف نفس الوقت ال‬
‫ميكن جتاهلها‪.‬‬
‫• أسباب الوقوع يف اإلَلاد والتأثر ابمللحدين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ضعف املناعة اإلميانية واجلفاف الروحي‪ ،‬فيصادف اإلحلاد قلبا خاواي َّ‬
‫فيتمكن منه‪ ،‬كما هو احلال‬
‫عند نقص املناعة اجلسدية‪ ،‬فإن اجلسم يكون بسبب ذلك عرضة لإلصابة ابلفريوسات املوبوءة واألمراض‬
‫الفتاكة‪ ،‬لضعف جهاز املناعة عن مقاومة هذه األمراض‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ضعف العلم والثقافة اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬فاألمية الدينية ٌ‬
‫خطر كبري‪ ،‬وخاصة يف ظل االنفتاح‬
‫الثقايف ووسائل العوملة وثورة التقنيات احلديثة واالتصاالت السريعة‪ ،‬اليت أدت إىل سرعة انتشار املعلومات‬

‫‪15‬‬
‫واألخبار بغثها ومسينها‪ ،‬وقرهبا من متناول األيدي‪ ،‬مع كثرة املواقع املشبوهة‪ ،‬وكثرة ما يبث من شبهات‬
‫عرب مواقع تواصل عاملية‪ ،‬تساهلت حىت مع الشتم البذيء واالزدراء الفاحش الذي يصدر من املتهجمني‬
‫على الذات العلية وعلى ذوات األنبياء واملرسلني‪ ،‬وكما أن اإلحلاد قد يصادف قلبا خاواي فيتمكن منه‬
‫فقد يصادف أيضا ع قال خاواي فيفتك به‪ ،‬وقد يقع الشاب بسبب ضعف املناعة العلمية ضحية ألفكار‬
‫متهد لإلحلاد أو تقود إليه أو توقع فيه‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬املعلومات املغلوطة والتصورات اخلاطئة اليت ترتسم يف ذهن الشخص حول قضااي معينة‪ ،‬سواء فيما‬
‫يتعلق ابلذات اإلهلية أو مسائل القضاء والقدر ووجود الشرور واآلالم أو مسائل الوعيد والعقاب‬
‫األخروي أو حقيقة الدين وأحكامه وتشريعاته أو الفهم اخلاطئ لبعض جوانب العلم احلديث أو غري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬عوامل نفسية وشخصية‪ ،‬وهي كثرية‪ ،‬مثل اإلفراط يف تقدير الذات‪ ،‬وحماولة الشخص إشباع رغبته‬
‫ابلشعور أبنه األفضل‪ ،‬وأنه فوق الناس يف عقله وذكائه وعبقريته‪ ،‬وأن الناس دونه‪ ،‬فيجد يف اإلحلاد‬
‫وسيلة إلشباع هذه الرغبة‪ ،‬حماوال إقناع نفسه أبن اإلحلاد قمة العبقرية والنخبوية‪ ،‬وأنه ال يبلغه إال‬
‫أصحاب العقول الفريدة‪ ،‬وأنه منهم‪ ،‬وأن كل من حوله مساكني رجعيون‪ ،‬ألهنم يؤمنون ابلقوى الغيبية‪،‬‬
‫ويتعب ون أنفسهم ابلعبادات‪ ،‬وحيرموهنا اللذائذ واملتع اجلنسية وغريها‪ ،‬ومثل هذا النوع يتصف بسالطة‬
‫اللسان وكثرة السخرية واالستهزاء واالزدراء ابآلخر واالستعالء ابلنفس‪ ،‬ومن هذه العوامل أيضا اإلفراط‬
‫يف احلرية الفردية إىل درجة التكرب‪ ،‬ورفض مبدأ األمر والنهي‪ ،‬والرغبة يف التحلل من التكاليف الدينية‬
‫والقيود االجتماعية‪ ،‬واالنسياق وراء اهلوى والالمباالة‪ ،‬واضطراابت الشخصية‪ ،‬واألمراض النفسية‪،‬‬
‫والوسواس القهري‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫ومن العوامل النفسية أيضا حماولة التخلص من عقدة النقص والشعور ابلدونية واليت تتسلل إىل الشخص‬
‫نتيجة اهلزمية النفسية ‪ ،‬وتنجم عن املقارانت اخلاطئة بني بعض اجملتمعات اإلسالمية وغريها‪ ،‬وخاصة يف‬
‫مضمار العلوم احلديثة‪ ،‬فتجده يربط كل نقص وختلف جيده عند بعض املسلمني ابإلسالم‪ ،‬ويربط كل‬
‫جناح وتطور جيده يف الغرب أو الشرق ابإلحلاد‪ ،‬وإذا وجد عند املسلمني تطورا وازدهارا حاول أن يوهم‬
‫ن فسه أبنه نتاج الليربالية والعلمانية وغريها‪ ،‬وليس انبعا من دينهم‪ ،‬ليقنع نفسه أبن اإلسالم ال ميكن أن‬
‫يُنتج تطورا وازدهارا‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬التطرف اأاي كان نوعه؛ دينيا أو اجتماعيا أو غري ذلك‪ ،‬واإلفراط يف جلد الذات‪ ،‬والتضييق على‬
‫النفس‪ ،‬واالنغالق العقلي‪ ،‬بعيدا عن الشرع والعقل والفطرة‪ ،‬مما يوقع النفس يف النفرة‪ ،‬فيأيت اإلحلاد كردة‬

‫‪16‬‬
‫فعل ساخطة‪ ،‬ومن فقد بوصلة االعتدال فقد تودي به الرايح يف أي اجتاه يكون‪ ،‬ويف احلديث‪« :‬هلك‬
‫املتنطعون» أي‪ :‬املتشددون‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬أمناط التفكري السلبية‪ ،‬مثل االندفاع والتسرع يف تبن اآلراء‪ ،‬والسطحية يف التفكري‪ ،‬والغلو يف‬
‫الشك واضطراده يف كل شيء‪ ،‬وإسقاط اليقينيات‪ ،‬والغلو يف احلس والتجربة واملادة‪ ،‬إىل درجة تعطيل‬
‫العقل‪ ،‬وخمالفة الضرورايت والبديهيات‪ ،‬وهناك مواقف كثرية ملالحدة تُظهر أثر الغلو احلسي يف تعطيل‬
‫العقل وخمالفة الضرورايت اليت ال خيتلف فيها العقالء‪ ،‬ومن ذلك أيضا تقديس علماء العلوم الطبيعية‪،‬‬
‫والغلو فيهم‪ ،‬واالستعداد لقبول أي فكرة صادرة من أحد منهم ولو كانت حمض فرضية تقارب اخلرافة‬
‫واخليال وتناقض العقل الصحيح وتصادم معطيات العلم احلديث‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬طريقة التعامل مع الشبهات والتساؤالت الكربى‪ ،‬وعدم التعامل السديد مع املستشكلني‪،‬‬
‫وسنفصل ذلك عند الكالم على العالج‪.‬‬
‫اثمناً‪ :‬املصاحل واألغراض‪ ،‬كمن يرى يف اإلحلاد وسيلة له لتحقيق مكاسب دنيوية ما‪.‬‬
‫اتسعاً‪ :‬مؤثرات خارجية‪ ،‬مثل رفقاء السوء‪ ،‬وسلوكيات بعض املتدينني‪ ،‬واملمارسات اإلجرامية لإلرهابيني‪،‬‬
‫ونشاطات امللحدين‪ ،‬وضعف األمة‪ ،‬واخلطاب الدين املنحرف‪.‬‬
‫عاشراً‪ :‬احلرب النفسية اليت تُشن لبث اإلحلاد‪ ،‬مثل اإلرهاب الفكري‪ ،‬والتشكيك يف عقيدة املؤمنني‪،‬‬
‫والسخرية منها‪ ،‬واالزدراء هبا‪ ،‬وتضخيم اإلحلاد‪ ،‬واملبالغة يف تكثري عدد امللحدين‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫• أضرار اإلَلاد وآاثره على الفرد‪:‬‬
‫‪ -1‬غياب تفسري للحياة والوجود ‪:‬‬
‫فامللحد ينظر للحياة على أهنا حتصيل حاصل‪ ،‬ال غاية وال حكمة من الوجود فيها‪ ،‬وإمنا هي مرد‬
‫الصدفة وتطور الطبيعة‪ ،‬مما سبب ذلك يف انتحار الكثريين من املالحدة‪.‬‬
‫‪-2‬القلق والصراع النفسي‪ :‬إن من اآلاثر اليت خيلفها اإلحلاد يف نفوس األفراد هو القلق واحلرية‬
‫واالضطراب والصراع النفسي‪ ،‬واخلوف من املستقبل‪.‬‬
‫‪-3‬األاننية النفعية‪ ،‬والنزعة الفردية‪:‬‬
‫إن الفرغ الروحي‪ ،‬ونزعة املادية املعرفية‪ ،‬واالنفالت الشهواين للغريزة‪ ،‬هي احملصلة من اإلحلاد واالنسالخ‬
‫من الدين‪ ،‬وهي النتيجة احلتمية للقلق النفسي واخلوف من األايم‪ ،‬وهي اجتاه اإلنسان حنو الفردية‬
‫واألاننية‪ ،‬ونعن ابألاننية اجتاه اإلنسان خلدمة مصاحله اخلاصة وعدم التفكري يف اآلخرين‪ ،‬فالدين الذي‬

‫‪17‬‬
‫حيث اإلنسان على بذل املعروف لآلخر واإلحسان للناس ابتغاء مرضاة هللا ابحنساره عن حياة اإلنسان‪،‬‬
‫حل مكانه التفكري يف النفس فقط وبذلك بدأ الناس يف عصور اإلحلاد املظلمة ال أيهبون لغريهم من بن‬
‫البشر‪ ،‬وشيئاً فشيئاً قلت العناية ابلفقراء واحملتاجني مث ابألهل واألقربني مث ابلوالدين وأيضاً ابلزوجة‬
‫واألوالد‪.‬‬
‫‪-4‬فقد الوازع والنزوع إىل اإلجرام‪:‬‬
‫خيوف اإلنسان من إله قوي يراقب تصرفاته‪ ،‬فإن اإلنسان امللحد يغرق‬
‫يريب النفس‪ ،‬وال ّ‬
‫ألن اإلحلاد ال ّ‬
‫يف الشهوات واملخدرات ويتغلّب على من أمامه إما ابحليلة أو ابملكر أو ابلقوة‪.‬‬
‫ال يبقى أمام امللحد من وازع إال القانون البشري أو ظروفه الواقعية وهذه أمور ميكن التغلب عليها بصور‬
‫كثرية وخاصة يف اجملتمع املعاصر الذي تفنن اإلنسان فيه يف طرق اإلجرام والتهرب من القوانني‪.‬‬
‫‪-5‬انفالت الغريزة الشهوانية‪:‬‬
‫اإلحلاد يقطع صلة اإلنسان ابآلخرة‪ ،‬واإلميان ابجلنة كدار نعيم وحمل استكمال النعم وامللذات‪ ،‬فال يبقى‬
‫للملحد منظور هلذه الدنيا إال املتعة وحتصيل الشهوات‪ ،‬فيصبح كل جهده مبذول هلذه الغاية دون النظر‬
‫لقيم أو أخالق‪ ،‬وكان نتيجة ذلك أنه مل يشهد اجلنس البشري ثورة للغرائز البشرية كما شهدها يف عصر‬
‫اإلحلاد املعاصر‪ ،‬حىت جتاوز األمر إىل الشذوذ اجلنسي واإلعالن به حىت بلغ األمر مرحلة التقنني‪.‬‬
‫طرق مدافعة الوسوسة يف اإلميان والعقيدة‪:‬‬
‫الطريقة األوىل‪ :‬وقائية‪ :‬وهي االحرتاز من الوسوسة قبل حصوهلا‪ ,‬وذلك ابلتحصن ابلعلم والعكوف‬
‫على مسائل التوحيد واإلميان‪ ,‬دراسة ومذاكرة‪ ,‬أل ّن الشيطان ال جيد السبيل سالكاً لتشكيك أهل العلم‬
‫ابإلمي ان‪ ,‬فكلما أراد عدو هللا أن يصرعهم صرعوه‪ ,‬وإذا شغب عليهم بوساوسه‪ ,‬ردوها عليه مبا عندهم‬
‫ِ‬
‫من اهلدى والعلم ورمجوه‪َ ( ،‬ولَعال ٌم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد)‪َ ،‬‬
‫ومن عرف هللا ‪ -‬تعاىل‬
‫‪ -‬من خالل صفاته وخملوقاته‪ ,‬عظّم ربه حق التعظيم‪ ,‬وقَدَّره كل التقدير‪ ,‬وال يزال أبداً حيسن الظن‬
‫يلقاه‪.‬‬ ‫حىت‬ ‫مبواله‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬إذا وقعت الوسوسة يف النفس‪ ،‬دفعها املسلم املدرك‪ ،‬وأبطلها بستة أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬الكف عن االسرتسال يف الوسوسة‪ ،‬واالنتهاء عنها بقطع حباهلا ومتعلقاهتا‪ ،‬مستعيناً لذلك‬

‫‪18‬‬
‫ابالستعاذة ابهلل من شر الشيطان الرجيم‪ ،‬وذلك ملا يف احلديث عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬أييت الشيطان أحدكم فيقول‪ :‬من خلق كذا وكذا حىت‬
‫يقول له‪ :‬من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ ابهلل ولينته)‪ ،‬واملعىن‪ :‬إذا عرض له هذا الوسواس‪،‬‬
‫فليلجأ إىل هللا ‪-‬تعاىل‪-‬يف دفع شره‪ ،‬وليعرض عن الفكر يف ذلك‪ ،‬وليعلم أ ّن هذا اخلاطر من وسوسة‬
‫الشيطان‪ ،‬وهو أن يسعى ابلفساد واإلغواء‪ ،‬فليعرض عن اإلصغاء إىل وسوسته وليبادر إىل قطعها‪،‬‬
‫يم‬‫َّلل إِنَّه َِمس ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ان نَزغٌ فَاستَعذ ِاب ُ ٌ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َّك ِم َن َّ‬
‫الشيطَ ِ‬ ‫ابالشتغال عنها‪ .‬وهذا كما قال ‪-‬تعاىل‪َ ( :-‬وإِ َّما يَ َنزغَن َ‬
‫ان تَ َذ َّكروا فَِإذَا ُهم ٌّم ِ‬
‫بص ُرو َن)‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الشيطَ ِ‬ ‫ف ِم َن َّ‬
‫س ُهم طَائِ ٌ‬
‫ين اتَّ َقوا إِذَا َم َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫* إِ َّن الذ َ‬
‫األمر الثاين‪ :‬ال يسأل أسئلة صرحية عن هذه الوساوس اليت تدور خباطره‪ ،‬أي ال يصرح بشيء من‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه يف عافية‪ ،‬مادامت الوساوس حمصورة يف قلبه مل تنتقل بعد إىل لسانه‪ ،‬عن أيب هريرة ‪-‬رضي‬
‫هللا عنه ‪-‬قال‪ :‬قال رسول هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬إن هللا جتاوز ألميت عما وسوست أو حدثت‬
‫به أنفسها ما مل تعمل أو تتكلم)‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬أن يقول إذا وجد الوسوسة بثبات جنان ونطق لسان‪" :‬آمنت ابهلل" وذلك حلديث‪( :‬ال‬
‫يزال الناس يتساءلون حىت يقال‪ :‬هذا‪ ،‬خلق هللا اخللق‪ .‬فمن خلق هللا؟ فمن وجد من ذلك شيئاً‬
‫فليقل‪ :‬آمنت ابهلل)‪ ،‬ومن املعلوم أ ّن اإلميان به ‪-‬تعاىل‪-‬هو ركن اإلميان األول ابلغيب‪ ،‬ومنه ينطلق‬
‫اإلميان ببقية األركان‪ ،‬فالتأكيد عليه ابلنطق كذلك تذكري ابهلل ‪-‬تعاىل‪-‬وطرد للشيطان‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬أال خياف من هذه الوساوس وال حيكم على نفسه حبكم غليظ فإهنا قد وقعت للصحابة‬
‫الكرام وهم بني يدي النيب صلى هللا عليه وسلم فقد ورد أنه جاء انس من أصحاب النيب ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬فسألوه‪" :‬إان جند يف أنفسنا ما يتعاظم أحدان أن يتكلم به"‪ ،‬قال‪" :‬وقد وجدمتوه؟"‪،‬‬
‫قالوا‪" :‬نعم"‪ ،‬قال‪" :‬ذاك صريح اإلميان"‪ .‬قال اإلمام النووي يف شرح صحيح مسلم‪( :‬استعظامكم‬
‫الكالم به هو صريح اإلميان؛ فإن استعظام هذا وشدة اخلوف منه ومن النطق به فضال عن اعتقاده إمنا‬
‫يكون ملن استكمل اإلميان استكماال حمققا‪ ،‬وانتفت عنه الريبة والشكوك‪).‬‬
‫األمر اخلامس‪ :‬االلتجاء إىل هللا ‪-‬تعاىل‪-‬ابلدعاء‪ ،‬وطلب تثبيت القلب على اإلميان‪ .‬ولذلك كان النيب‬
‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬كثرياً ما يدعو فيقول‪(( :‬اي مقلب القلوب ثبت قليب على دينك)‪ .‬وكان يقول‬

‫‪19‬‬
‫أيضاً‪( :‬إن اإلميان يبلى يف جوف أحدكم كما يبلى الثوب فاسألوا هللا أن جيدد إميانكم)‪ ،‬مث االبتهال‬
‫جب ٍّد‪ ،‬يف العبادة والعمل امتثاالً ألمر هللا‪ ،‬وابتغاء مرضاته‪ ،‬فمن فعل ذلك جناه هللا ووقاه من وساوس‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫يرد ما يُشكل عليه ويؤرقه‪ ،‬ويكدر صفو‬ ‫األمر السادس‪ :‬إذا استمرت الوساوس‪ ،‬فما عليه إال أن َّ‬
‫الذك ِر إِن ُكنتُم الَ تَعلَ ُمو َن)‪.‬‬ ‫اعتقاده بربه ويزعزعه‪ ،‬إىل أهل العلم‪ ،‬لقول هللا‪-‬تعاىل‪( :-‬فَاسأَلُوا أَهل ِ‬
‫َ‬
‫ول َوإِ َىل أ ِ‬
‫ُوِل‬ ‫اعوا بِ ِه َولَو َردٌّوهُ إِ َىل َّ‬
‫الر ُس ِ‬ ‫وقوله سبحانه‪( :‬وإِذَا جاءهم أَمر ِمن األَمنِ أَ ِو اخلَ ِ‬
‫وف أَذَ ُ‬ ‫َ َ ُ ٌ َ‬
‫الشيطَا َن إِالَّ‬ ‫األَم ِر ِمنهم لَعلِمه الَّ ِذين يستنبِطُونَه ِمنهم ولَوالَ فَضل ِ‬
‫اَّلل َعلَي ُكم َوَرْحَتُهُ الَتَّبَعتُ ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ َ َُ‬
‫قَلِيالً)‪)2(.‬‬
‫===============================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬
‫(‪ )2‬مليشيا اإلحلاد أتليف عبدهللا صاحل العجريي‬

‫‪20‬‬
‫احملاضرة الرابعة‬

‫وهو إفراد هللا تعاىل جبميع أنواع العبادة‪.‬‬

‫• ما هي العبادة؟‬
‫العبادة‪ :‬اسم جامع لكل ما حيبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلج‪ ،‬وصدق احلديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة‬
‫األرحام‪ ،‬وأمثال ذلك من العبادة‪ .‬وكذلك حب هللا ورسوله‪ ،‬وإخالص الدين له‪ ،‬والصرب حلكمه‪ ،‬وأمثال‬
‫ذلك‪.‬‬

‫• األدلة‪:‬‬
‫ين ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم ل ََعلَّ ُك ْم تَتَّ ُقو َن﴾‪،‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس ا ْعبُ ُدوا َربَّ ُك ْم الذي َخلَ َق ُك ْم َوالذ َ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿:‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫اَّللَ َوال تُ ْش ِرُكوا بِ ِه َش ْيئاً﴾‪.‬‬
‫وقوله‪َ ﴿:‬وا ْعبُ ُدوا َّ‬
‫وعن معاذ ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنت رديف النيب ‪ ‬على محار فقال يل‪(( :‬اي معاذ أتدري ما حق‬
‫هللا على العباد؟ وما حق العباد على هللا؟))‪ ،‬قلت‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪.‬قال‪(( :‬حق هللا على العباد أن‬
‫يعبدوه وال يشركوا به شيئاً‪ ،‬وحق العباد على هللا أن ال يعذب من ال يشرك به شيئاً))‪ .‬قلت‪ :‬أفال‬
‫أبشر الناس؟‪ .‬قال‪(( :‬ال تبشرهم فيتكلوا)) (متفق عليه)‪.‬‬
‫• أمهية توحيد (األلوهية) العبادة‪:‬‬
‫‪ -1‬توحيد العبادة‪ :‬هو أساس دعوة الرسل مجيعا‪ ،‬كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ولََق ْد بَ َعثْ نَا ِيف ُك ِل أ َُّم ٍة َر ُس ً‬
‫وال‬
‫وت﴾‪.‬‬‫اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ‬ ‫أِ‬
‫َن اُ ْعبُ ُدوا َّ‬
‫اَّللَ َو ْ‬
‫‪ -1‬توحيد العبادة‪ :‬هو أعظم أصول الدين‪ ،‬وأفرضها‪ ،‬فهو الغاية اليت من أجلها خلقت اخلليقة‪ ،‬كما‬
‫اإلنْس إَِّال لِي ْعب ُد ِ‬ ‫قال هللا تعاىل‪﴿ :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫ت ا ْجل َّن َو ِْ َ َ ُ‬ ‫ََ‬

‫‪21‬‬
‫‪ -2‬توحيد العبادة‪ :‬أول واجب على املكلف‪ ،‬والسلف متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد‬
‫الشهاداتن‪ ،‬كما قال املصطفي ‪ ‬ملعاذ عندما بعثه إىل اليمن‪( :‬فليكن أول ما تدعهم إليه شهادة أن‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬وأن حممدا رسول هللا) (متفق عليه)‪ ،‬ويف رواية‪( :‬أن يوحدوا هللا) (رواه البخاري) ‪.‬‬
‫‪ -3‬توحيد العبادة‪ :‬هو مفرق الطرق بني املوحدين واملشركني كما قال تعاىل‪ ( :‬قُ ْل َاي أَيُّ َها الْ َكافِ ُرو َن‬
‫(‪َ )1‬ال أَ ْعبُ ُد َما تَ ْعبُ ُدو َن (‪َ )2‬وَال أَنْ تُ ْم َعابِ ُدو َن َما أَ ْعبُ ُد (‪َ )3‬وَال أ ََان َعابِ ٌد َما َعبَ ْد ُُْت (‪َ )4‬وَال أَنْ تُ ْم‬
‫ِل ِدي ِن(‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعاب ُدو َن َما أَ ْعبُ ُد (‪ )5‬لَ ُك ْم دينُ ُك ْم َوِ َ‬
‫‪ -4‬توحيد العبادة‪ :‬علقت به السعادة والنجاة يوم القيامة‪ ،‬كما قال املصطفي ‪( :‬من كان آخر‬
‫كالمه من الدنيا ال إله إال هللا دخل اجلنة) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪ -1‬يسمى توحيد األلوهية ِبمساء أخرى‪ ،‬منها‪ :‬توحيد العبادة‪ ،‬وتوحيد اإلرادة والقصد‪ ،‬وتوحيد‬
‫الطلب‪.‬‬
‫‪ -2‬األلوهية والربوبية‪ :‬اترة يذكران معا فيفرتقان يف املعىن ويكون أحدمها قسيما لآلخر؛ كما يف قوله‬
‫َّاس إِل َِه الن ِ‬ ‫َّاس * ملِ ِ‬
‫ك الن ِ‬ ‫َعوذُ بِر ِ‬
‫َّاس﴾‪.‬‬ ‫ب الن ِ َ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬قُ ْل أ ُ َ‬
‫فيكون معىن الرب‪ :‬املالك املتصرف يف اخللق‪ ،‬ويكون معىن اإلله‪ :‬املعبود حبق املستحق للعبادة وحده‪.‬‬
‫واترة يذكر أحدمها مفردا عن اآلخر‪ ،‬فيجتمعان يف املعىن؛ كما يف قول امللكني للميت يف القرب‪ :‬من‬
‫ين أُ ْخ ِر ُجوا ِم ْن ِد َاي ِرِه ْم بِغَ ِْري َح ٍق إَِّال أَ ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫ربك؟ ومعناه‪ :‬من إهلك وخالقك؟ وكما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬الذ َ‬
‫يَ ُقولُوا َربُّنَا َّ‬
‫اَّللُ﴾‪ ،‬فالربوبية يف هذه اآلايت هي اإلهلية‪.‬‬
‫‪ -3‬املنكرون لتوحيد األلوهية من اخللق كثرة؛ وقد جحده املشركون قدميا وحديثا‪ ،‬وجحودهم له‬
‫يتمثل بـصرف العبادة لغري هللا تعاىل من األشجار‪ ،‬واألحجار‪ ،‬واألصنام‪ ،‬وغريها ابعتقاد النفع واخلري‬
‫فيهم من دون هللا عز وجل‪)1(.‬‬
‫============================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬ه‬

‫‪22‬‬
‫أوالً‪ :‬عالقة توحيد اإلهلية بتوحيد الربوبية والعكس‪:‬‬
‫عالقة أحد النوعني ابآلخر‪ :‬أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد اإلهلية‪ ،‬مبعىن أن اإلقرار بتوحيد الربوبية‬
‫يوجب ويستلزم اإلقرار بتوحيد اإلهلية والقيام به‪.‬‬
‫فمن عرف أن هللا ربه وخالقه ومدبر أموره؛ وجب عليه أن يعبده وحده ال شريك له‪.‬‬
‫وتوحيد األلوهية متضمن لتوحيد الربوبية؛ مبعىن أن توحيد الربوبية يدخل ضمن توحيد األلوهية؛ فمن عبد‬
‫هللا وحده ومل يشرك به شيئا؛ فال بد أن يكون قد اعتقد أنه هو ربه وخالقه‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬أساليب القرآن يف الدعوة إىل توحيد اإلهلية‪:‬‬


‫تنوعت أساليب القرآن يف الدعوة إىل توحيد اإلهلية؛ فمن ذلك‪:‬‬
‫اَّللَ َوَال تُ ْش ِرُكوا بِ ِه‬
‫‪ .1‬أمره سبحانه بعبادته وترك عبادة ما سواه؛ كما يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وا ْعبُ ُدوا َّ‬

‫‪23‬‬
‫َش ْي ئًا﴾‪.‬‬
‫س إَِّال‬ ‫ِ‬ ‫‪ .2‬إخباره سبحانه أنه خلق اخللق لعبادته؛ كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت ا ْجل َّن َو ْاإلنْ َ‬ ‫ََ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫لِي ْعب ُد ِ‬
‫َُ‬
‫‪ .3‬إخباره سبحانه أنه أرسل مجيع الرسل ابلدعوة إىل عبادته والنهي عن عبادة ما سواه؛ كقوله تعاىل‪:‬‬
‫وت﴾‪.‬‬‫اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ‬ ‫َن اُ ْعبُ ُدوا َّ‬
‫اَّللَ َو ْ‬ ‫﴿ َولََق ْد بَ َعثْ نَا ِيف ُك ِل أ َُّم ٍة َر ُس ً‬
‫وال أ ِ‬
‫‪ .4‬االستدالل على وجوب عبادته سبحانه ابنفراده بصفات الكمال وانتفاء ذلك عن آهلة املشركني؛‬
‫اصطَِ ْرب لِعِبَ َ‬
‫ادتِِه َه ْل تَ ْعلَ ُم لَهُ َِمسيًّا﴾‪.‬‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فَا ْعبُ ْدهُ َو ْ‬
‫‪ .5‬ضربه سبحانه أمثلة كثرية يف القرآن يتضح هبا بطالن الشرك‪ ،‬من ذلك قوله سبحانه‪َ ﴿ :‬وَم ْن‬
‫ان َس ِح ٍ‬
‫الريح ِيف م َك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّلل فَ َكأَََّّنَا َخ َّر ِمن َّ ِ‬
‫ي ْش ِر ْك ِاب َِّ‬
‫يق﴾‪.‬‬ ‫الس َماء فَتَ ْخطَُفهُ الطَّ ْريُ أ َْو ََتْ ِوي بِه ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫اثلثاً‪ :‬حدوث الشرك يف توحيد األلوهية‪:‬‬


‫كان بني آدم ونوح عشرة قرون؛ كلهم على اإلسالم‪ ،‬وأول ما حدث الشرك يف األرض يف قوم نوح حني‬
‫وث َويَعُو َق َونَ ْس ًرا﴾‪.‬‬
‫اعا َوَال يَغُ َ‬ ‫غلوا يف الصاحلني‪﴿ :‬وقَالُوا َال تَ َذر َّن ِ‬
‫آهلَتَ ُك ْم َوَال تَ َذ ُر َّن َودًّا َوَال ُس َو ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال البخاري يف "صحيحه"عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪" :‬هذه أمساء رجال صاحلون من قوم نوح‪،‬‬
‫فلما هلكوا؛ أوحى الشيطان إىل قومهم أن انصبوا إىل مالسهم اليت كانوا جيلسون فيها أنصااب‪ ،‬ومسوها‬
‫أبمسائهم‪ ،‬ففعلوا فلم تعبد‪ ،‬حىت إذا هلك أولئك ونسي العلم؛ عبدت"‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬خطر الشرك ووجوب اَلذر منه بتجنب أسبابه‪:‬‬
‫الشرك أعظم الذنوب‪:‬‬
‫ك‬ ‫اَّللَ َال يَغْ ِف ُر أَ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َ‬
‫ألن هللا تعاىل أخرب أنه ال مغفرة ملن مل يتب منه‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫شاءُ﴾‪.‬‬ ‫لِ َم ْن يَ َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه ا ْجلَنَّةَ‬ ‫وألنه سبحانه حرم على صاحبه اجلنة وتوعده ابلنار‪﴿ :‬إِنَّه من ي ْش ِر ْك ِاب َِّ‬
‫َّلل فَ َق ْد َح َّرَم َّ‬ ‫ُ َْ ُ‬
‫صا ٍر﴾‪.‬‬ ‫ومأْواه النَّار وما لِلظَّالِ ِم ِ‬
‫ي م ْن أَنْ َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ُ ُ ََ‬
‫وذلك يوجب للعبد شدة احلذر من الشرك‪ ،‬وحيمله على معرفته الوسائل املوصلة إليه لتوقيها‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬الوسائل املفضية إىل الشرك‪:‬‬


‫هي وسائل قولية وفعلية هنى عنها رسول هللا ‪ ‬ألهنا تفضي إىل الشرك‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬النهي عن التلفظ ابأللفاظ اليت فيها التسوية بني هللا وبني خلقه؛ مثل‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬لوال هللا‬

‫‪24‬‬
‫وأنت‪ ...‬وأمر أبن يقال بدل ذلك‪ :‬ما شاء هللا مث شئت؛ ألن الواو تقتضي التسوية‪ ،‬ومث تقتضي‬
‫الرتتيب‪ ،‬وهذه التسوية يف اللفظ شرك أصغر‪ ،‬وهو وسيلة إىل الشرك األكرب‪.‬‬
‫‪ -2‬النهي عن الغلو يف تعظيم القبور ابلبناء عليها‪ ،‬وإسراجها وجتصيصها والكتابة عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬النهي عن اختاذ القبور مساجد للصالة عندها؛ ألن ذلك وسيلة لعبادهتا‪.‬‬
‫‪ -4‬النهي عن الصالة عند طلوع الشمس وعند غروهبا؛ ملا يف ذلك من التشبه ابلذين يسجدون هلا يف‬
‫هذه األوقات‪.‬‬
‫‪ -5‬النهي عن السفر إىل أي مكان من األمكنة بقصد التقرب إىل هللا فيه ابلعبادة؛ إال إىل املساجد‬
‫الثالثة‪ :‬املسجد احلرام‪ ،‬واملسجد النبوي‪ ،‬واملسجد األقصى‪.‬‬
‫‪ -6‬النهي عن الغلو يف مدح النيب ‪.‬‬
‫‪ -7‬النهي الغلو يف الصاحلني‪ ،‬برفعهم فوق منزلتهم اليت أنزهلم هللا إىل ما ال جيوز إال هلل؛ من االستغاثة‬
‫هبم يف الشدائد‪ ،‬والطواف بقبورهم‪ ،‬والتربك برتبتهم‪ ،‬وذبح القرابني ألضرحتهم‪ ،‬وطلب املدد منهم‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬الشرك‪ ،‬وأنواعه‪:‬‬


‫الشرك هو كل ما انقض التوحيد‪ ،‬أو قدح فيه‪ ،‬مما ورد يف الكتاب أو السنة تسميته شركا‪ ،‬وينقسم إىل‬
‫قسمني‪( :‬أكرب‪ ،‬وأصغر)‪)1(.‬‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬ه ـ‬

‫‪25‬‬
‫احملاضرة اخلامسة‬

‫وهو تسوية غري هللا ابهلل فيما هو من خصائص هللا‪.‬‬


‫حكمه‪ :‬الشرك األكرب خيرج من امللة إذا توفرت فيمن وقع يف الشرك شروط التكفري وانتفت عنه موانعه‬
‫كما ذكر سابقا يف شروط التكفري وموانعه‪ ،‬ويف اآلخرة خملد يف النار إذا مات على شركه األكرب ومل يتب‬
‫منه‪.‬‬
‫• أنواع الشرك األكرب‪.‬‬
‫له أنواع كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الشرك يف اخلوف‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن خياف العبد من غري هللا كخوفه من هللا‪ .‬سواء كان خوفه من وثن‪ ،‬أو طاغوت‪ ،‬أو ميت‪ ،‬أو‬
‫غائب‪ ،‬من جن أو إنس أن يصيبه مبا يكره‪.‬‬
‫س‪-‬ما ضابط اخلوف الذي يوقع صاحبه يف الشرك؟‬
‫ج‪-‬ضابطه‪ :‬أن يكون خوفا انجتا عن اعتقاد فاسد‪ ،‬كأن يعتقد أهنم يضرون وينفعون من دون هللا تعاىل؛‬
‫فهذا اعتقاد فاسد وشركي كحال املشركني الذين يعتقدون يف آهلتهم ذلك االعتقاد‪ ،‬حىت خوفوا هبا‬
‫اك‬ ‫ول إِالَّ ا ْع ََ‬
‫َت َ‬ ‫الناس‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل حكاية لقول قوم هود عليه السالم خيوفونه آبهلتهم‪﴿:‬إِ ْن نَ ُق ُ‬
‫وء ﴾‪.‬‬ ‫آهلتِنا بِس ٍ‬ ‫بع ِ‬
‫ض ََ ُ‬ ‫َْ ُ‬
‫وه ْم‬
‫وهذا النوع من اخلوف من أهم أنواع العبادة‪ ،‬جيب إخالصه هلل وحده؛ قال تعاىل‪﴿:‬فَ َال ََتَافُ ُ‬
‫ش ْو ِن﴾ فمن صرفه لغري هللا وقع يف الشرك‬ ‫ِ‬ ‫و َخافُ ِ‬
‫ش ْو ُه ْم َوا ْخ َ‬ ‫ون إِ ْن ُك ْن تُ ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫ي﴾‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬فَ َال ََتْ َ‬ ‫َ‬
‫األكرب‪.‬‬
‫أما اخلوف الطبيعي الذي له سبب معروف كما خياف اإلنسان من كل ما يتوقع ضرره‪ ،‬كالسبع واحلية‪،‬‬
‫فهذا خوف جبلي وطبيعي‪ ،‬ال يؤاخذ به اخلائف ما مل يؤد إىل ارتكاب حمرم‪ ،‬وينبغي دفعه مبا يشرع من‬
‫األسباب‪ ،‬من ذكر هللا تعاىل‪ ،‬ودعائه‪ ،‬والتوكل عليه كخوف موسى عليه السالم املذكور يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫﴿فَ َخر ِ‬
‫ب﴾‪.‬‬‫َتقَّ ُ‬
‫ج منْ َها َخائ ًفا يَ ََ‬
‫ََ‬
‫وهناك خوف حممود كمن خاف وعيد هللا‪ ،‬فحال خوفه بينه وبني الوقوع فيما حرم هللا‪ ،‬وكان خوفه‬

‫‪26‬‬
‫مقروان ابلرجاء واحملبة؛ كان خوفا حمموداً‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬الشرك يف احملبة‪:‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن حيب العبد غري هللا حمبة خاصة‪ ،‬وهي حمبة العبودية املستلزمة للذل‪ ،‬واخلضوع‪ ،‬والتعظيم‪،‬‬
‫وكمال الطاعة‪ ،‬وإيثار احملبوب على غريه‪ ،‬وهذه احملبة ال جيوز تعلقها بغري هللا‪ ،‬ومىت أحب العبد هبا غريه‬
‫ب َِّ‬ ‫ادا ُِحيبُّ َ‬
‫وهنُ ْم َك ُح ِ‬ ‫ون َِّ‬‫َّخ ُذ ِمن ُد ِ‬
‫َّاس من ي ت ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‬ ‫اَّلل أَنْ َد ً‬ ‫ْ‬ ‫كان مشركا شركا أكرب قال تعاىل‪َ ﴿:‬وم َن الن ِ َ ْ َ‬
‫والَّ ِذين آمنُوا أَ َش ُّد حبًّا َِِّ‬
‫َّلل﴾‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫احملبة املباحة اليت ال تكون شركاً ثالثة أنواع‪:‬‬
‫حمبة طبيعية‪ ،‬كمحبة اجلائع للطعام والظمآن للماء وحنو ذلك‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫حمبة رمحة وإشفاق‪ ،‬كمحبة الوالد لولده‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫حمبة أنس وإلف‪ ،‬وهي حمبة املشرتكني يف صناعة أو علم أو مرافقة أو جتارة أو سفر لبعضهم‬ ‫ت‪-‬‬
‫بعضاً‪ ،‬وكمحبة اإلخوة بعضهم بعضاً‪ .‬وكمحبة الزوج لزوجته واهل بيته‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬الشرك يف التوكل‪:‬‬


‫ومعناه‪ :‬أن يعتمد العبد اعتمادا كليا على غري هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬كالتوكل على األموات‬
‫والغائبني وحنوهم يف حتقيق املطالب‪ ،‬من النصر واحلفظ والرزق أو الشفاعة؛ فهذا شرك أكرب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال هللا تعاىل‪﴿ :‬و َعلَى َِّ‬
‫ي﴾؛ فأمر هللا سبحانه ابلتوكل عليه وحده‪ ،‬وجعل‬ ‫اَّلل فَ تَ َوَّكلُوا إِ ْن ُك ْن تُ ْم ُم ْؤمنِ َ‬ ‫َ‬
‫التوكل عليه شرطا يف اإلميان‪.‬‬

‫‪ -1‬التوكل على احلي القادر يف األسباب الظاهرة ال خيرج من اإلسالم؛ ألنه اعتماد على الشخص‪،‬‬
‫كمن يتوكل على شخص حي قادر فيما أقدره هللا من عطاء أو دفع أذى وحنو ذلك وقد عده بعض‬
‫العلماء من الشرك اخلفي‪.‬‬
‫‪ -2‬التوكل الذي هو إانبة اإلنسان من يقوم بعمل نيابة عنه مما يقدر عليه كبيع وشراء؛ فهذا جائز‪.‬‬
‫‪ -3‬األخذ ابألسباب الصحيحة ال ينايف التوكل على هللا تعاىل‪ ،‬كالسعي يف طلب الرزق وأخذ الدواء‬
‫للمرض‪ ،‬والتعلم للحصول على شهادات وأعمال ومهارات ومهن توفر له عيشاً كرمياً‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫رابعاً‪ :‬الشرك يف الطاعة‪:‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن يطيع غري هللا ذاالً خاضعاً معظماً خائفاً راجياً يف حتليل ما حرم هللا من احملرمات القطعية‪ ،‬أو‬
‫حترمي ما أحل هللا عن رضا واطمئنان قلب‪.‬‬
‫يح ابْ َن َم ْرَميَ َوَما أ ُِم ُروا إَِّال لِيَ ْعبُ ُدوا‬ ‫ِ‬ ‫ون َِّ‬
‫اَّلل َوال َْمس َ‬
‫َحبار ُهم ورْهب َاهنُم أَراباب ِمن ُد ِ‬
‫قال هللا تعاىل‪َّ ﴿ :‬اَتَ ُذوا أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ ْ َ ً ْ‬
‫إِ َهلا و ِ‬
‫اح ًدا َال إِلَهَ إَِّال ُه َو ُس ْب َحانَهُ َع َّما يُ ْش ِرُكو َن﴾‪.‬‬ ‫ً َ‬
‫ويف احلديث‪ :‬أن النيب ‪ ‬تال هذه اآلية على عدي بن حامت الطائي‪ ،‬فقال اي رسول هللا! إان لسنا‬
‫نعبدهم! قال‪( :‬أليس حيرمون ما أحل هللا فتحرمونه‪ ،‬وحيلون ما حرم هللا فتستحلونه؟) قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪(:‬فتلك عبادَتم) (الطرباين‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫وهو كل ما هنى عنه الشرع مما هو ذريعة إىل الشرك األكرب وجاء يف النصوص تسميته شركا‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬حمرم‪ ،‬بل أكرب الكبائر بعد الشرك األكرب‪ ،‬لكنه ال خيرج من ارتكبه من ملة اإلسالم‪.‬‬
‫• أنواع الشرك األصغر‪ :‬له أنواع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الشرك يف النيات واملقاصد‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬الرايء‪ ،‬والسمعة‪ ،‬وإرادة اإلنسان بعمله الدنيا‪.‬‬
‫‪-1‬الرايء والسمعة‪.‬‬
‫الرايء‪ :‬فهو ملا يرى من العمل كالصالة‪.‬‬
‫وأما السمعة‪ :‬فلما يسمع كالقراءة‪ ،‬والوعظ والذكر‪.‬‬
‫حكمهما‪ :‬الرايء والسمعة إن دخال يف أساس العمل مبعىن أنه مل أيت أبصل العبادة من صالة أو قراءة‬
‫أو ذكر إال أل جل الرايء والسمعة فهو شرك أكرب‪ ،‬وهو شرك املنافقني‪ ،‬وإن دخل الرايء والسمعة يف‬
‫حتسني العمل فقط فهو شرك أصغر؛ ولذا ورد التحذير منهما يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬فَمن َكا َن ي رجو لَِقآء ربِ ِه فَ لْي ْعمل َعمالً صلِحاً والَ ي ْش ِر ْك بِعِب َ ِ ِ‬
‫ادة َربِه أ َ‬
‫َح َدا﴾‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َْ َ َ َ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫وقال ‪(( :‬من مسع مسع هللا به‪ ،‬ومن يرائي يرائي هللا به)) (البخاري)‪.‬‬
‫‪ -2‬إرادة اإلنسان بعمله الدنيا‪.‬‬
‫وإرادة اإلنسان بعمله الدنيا ينقسم من حيث األصل إىل أقسام كثرية‪ ،‬أمهها‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -1‬أن ال يريد ابلعبادة إال الدنيا وحدها‪ ،‬كمن حيج ليأخذ املال‪ ،‬وكمن يطلب العلم الشرعي من أجل‬
‫الشهادة والوظيفة وال يريد بذلك كله وجه هللا البتة‪ ،‬فلم خيطر بباله احتساب األجر عند هللا تعاىل‪ ،‬وهذا‬
‫القسم حمرم‪.‬‬

‫ومن األدلة على حترمي هذا القسم وأنه يبطل العمل الذي يصاحبه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سو َن‬‫يها الَ يُ ْب َخ ُ‬ ‫أ‪-‬قوله تعاىل‪َ (:‬من َكا َن يُ ِري ُد ا َْلَيَاةَ الدُّنْ يَا َوِزينَ تَ َها نُ َوف إِل َْي ِه ْم أَ ْع َما َهلُ ْم ف َ‬
‫يها َو ُه ْم ف َ‬
‫يها َوَاب ِط ٌل َّما َكانُواْ‬ ‫ِ‬ ‫َّار َو َحبِ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أُولَئِ َ َّ ِ‬
‫صنَ عُواْ ف َ‬ ‫ط َما َ‬ ‫س َهلُ ْم ِيف اآلخ َرة إِالَّ الن ُ‬ ‫ين ل َْي َ‬
‫ك الذ َ‬ ‫ْ‬
‫يَ ْع َملُو َن) (هود‪.)16:‬‬
‫ب‪-‬حديث عمر رضي هللا عنه مرفوعاً‪(:‬إمنا األعمال ابلنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت‬
‫هجرته إىل هللا ورسوله فهجرته إىل هللا ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته إىل دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها‬
‫فهجرته إىل ما هاجر إليه) (رواه البخاري ومسلم)‬
‫ج‪-‬حديث أيب هريرة رضي هللا عنه مرفوعاً‪( :‬من تعلم علماً مما يبتغى به وجه هللا ال يتعلمه إال ليصيب‬
‫به عرضاً من الدنيا مل جيد عرف اجلنة ( يعن رحيها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يريد ابلعبادة وجه هللا والدنيا معاً‪ ،‬كمن حيج لوجه هللا وللتجارة‪ ،‬وكمن يقاتل ابتغاء وجه هللا‬
‫وللدنيا‪ ،‬وكمن يصوم لوجه هللا وللعالج‪ ،‬وكمن يتوضأ للصالة وللتربد‪ ،‬وكمن يطلب العلم لوجه هللا‬
‫وللوظيفة‪ ،‬فهذا األقرب أنه مباح؛ ألن الوعيد إمنا ورد يف حق من طلب ابلعبادة الدنيا وحدها‪ ،‬وألن هللا‬
‫اَّللَ َْجي َعل لَّهُ ََمَْر ًجا‬
‫رتب على كثري من العبادات منافع دنيوية عاجلة‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪َ (:‬وَمن يَت َِّق َّ‬
‫استَ غْ ِف ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َكا َن‬
‫ْت ْ‬
‫ب) (الطالق‪ ،)3 ،2 :‬وكما يف قوله تعاىل‪ (:‬فَ ُقل ُ‬ ‫ِ‬
‫ث ال َْحيتَس ُ‬ ‫َويَ ْرُزقْهُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ي وَْجيعل لَّ ُكم جن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارا يُ ْر ِس ِل َّ‬
‫َّات َوَْجي َعل لَّ ُك ْم‬ ‫ْ َ‬ ‫الس َماء َعلَْي ُكم م ْد َر ًارا َوميُْد ْد ُك ْم ِِب َْم َو ٍال َوبَن َ َ َ‬ ‫غَ َّف ً‬
‫ارا) (نوح‪ ، )12-10 :‬والنصوص يف هذا املعىن كثرية‪ ،‬فهذه النصوص تدل على جواز إرادة وجه هللا‬ ‫أ َْهنَ ً‬
‫وهذه املنافع الدنيوية معاً ابلعبادة؛ ألن هذه املنافع الدنيوية ذكرت على سبيل الرتغيب يف هذه‬
‫العبادات‪.‬‬
‫وهذا القسم ال يبطل العمل الذي يصاحبه‪ ،‬ولكن أجر هذه العبادة ينقص منه بقدر ما خالط نيته‬
‫الصاحلة من إرادة الدنيا‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬الشرك يف األلفاظ‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬اَللف بغري هللا‪ ،‬كقول الرجل‪ :‬وحيايت‪ ،‬وحياتك‪ ،‬والنيب‪ ،‬ابألمانة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫حكمه‪ :‬من الشرك األصغر إذا مل يعتقد تعظيم من حلف به وكان عاملا احلكم‪ ،‬فإن كان جاهال علم‪،‬‬
‫فإن أصر فهو والعامل سواء‪ ،‬كل منهما وقع يف الشرك أصغر‪.‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬فَال َجتْعلُوا َِِّ‬
‫َّلل أَنْ َداداً َوأَنْ تُ ْم تَ ْعلَ ُمون﴾ وقال ‪(( :‬من حلف بغري هللا فقد كفر أو‬ ‫َ‬
‫أشرك)) (أمحد‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫‪ -2‬قول‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬ولوال هللا وأنت‪ ،‬وحنومها مما فيه مساواة بني اخلالق واملخلوق‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫إذا مل يقم بقلبه تعظيم لذلك املسوى بينه وبني هللا وهو عامل ابلنهي فهو شرك أصغر‪ ،‬فإن كان جاهال‪،‬‬
‫علم‪ ،‬فإن أصر فهو ومن علم احلكم سواء‪ ،‬كل منهما وقع يف الشرك أصغر‪.‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬فَال َجتْعلُوا َِِّ‬
‫َّلل أَنْ َداداً َوأَنْ تُ ْم تَ ْعلَ ُمون﴾‪ ،‬وقال ‪(( :‬ال تقولوا ما شاء هللا وشاء فالن‪،‬‬ ‫َ‬
‫ولكن قولوا‪ :‬ما شاء هللا مث شاء فالن)) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪ -3‬سب الدهر والريح‪.‬‬


‫قال ‪ (( :‬قال هللا تعاىل يؤذيين ابن آدم؛ يسب الدهر‪ ،‬وأان الدهر‪ ،‬أقلب الليل والنهار))‬
‫(البخاري)‪ ،‬ويف رواية‪(( :‬ال تسبوا الدهر؛ فإن هللا هو الدهر)) (البخاري)‪.‬‬
‫فدل احلديث على أن من سب الدهر‪ ،‬كقوهلم‪ :‬اي خيبة الدهر؛ فقد آذى هللا سبحانه؛ ألن السب يتجه‬
‫إىل مدبر احلوادث والوقائع وخالقها‪ ،‬والدهر إمنا هو ظرف وحمل وخلق مدبر ليس له شيء من التدبري‪،‬‬
‫وهلذا قال هللا‪" :‬وأان الدهر‪ ،‬أقلب الليل والنهار"‪.‬‬
‫ويف النهي عن سب الريح قال رسول هللا ‪(( :‬ال تسبوا الريح))‪ ،‬مث أرشد فقال‪(( :‬فإذا رأيتم ما‬
‫تكرهون؛ فقولوا اللهم! إان نسألك من خري هذه الريح وخري ما فيها وخري ما أمرت به‪ ،‬ونعوذ بك‬
‫من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به)) (الرتمذي‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫وذلك ألن الريح إمنا هتب أبمر هللا وتدبريه؛ ألنه هو الذي أوجدها وأمرها؛ فمسبتها مسبة للفاعل‪.‬‬
‫‪ -4‬لبس اَللقة واخليط وحنومها بقصد رفع البالء أو دفعه‪.‬‬
‫وذلك من فعل اجلاهلية‪ ،‬وهو من الشرك األصغر‪ ،‬فعن عمران بن حصني رضي هللا عنه‪ :‬أن رسول هللا‬
‫‪ ‬رأى رجال يف يده حلقة من صفر‪ ،‬فقال‪(( :‬ما هذا؟))‪ ،‬قال من الواهنة‪ ،‬فقال‪(( :‬انزعها؛ فإهنا ال‬
‫تزيدك إال وهنا؛ فإنك لو مت وهي عليك؛ ما أفلحت أبدا)) (رواه أمحد بسند ال أبس به‪ ،‬وصححه‬
‫ابن حبان واحلاكم وأقره الذهيب)‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -5‬تعليق التمائم‪.‬‬
‫وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أوالدها يتقون هبا العني‪ ،‬ويتلمحون من امسها أن يتم هللا هلم‬
‫مقصودهم‪.‬‬
‫وقد تكون التمائم من عظام‪ ،‬أو من كتابة وغري ذلك‪ ،‬وهذا شرك‪ ،‬قال ‪(( :‬من علق متيمة؛ فقد‬
‫أشرك)) (أمحد‪ ،‬وصححه األلباين)‪ .‬واملراد الشرك األصغر الذي ال خيرج من امللة‪.‬‬
‫وقد يكون املعلق من القرآن؛ فإذا كان من القرآن؛ فقد اختلف العلماء يف جوازه وعدم جوازه‪.‬‬
‫‪ -6‬التربك ابألشجار واألحجار واآلاثر والبناايت‪.‬‬
‫والتربك معناه‪ :‬طلب الربكة ورجاؤها واعتقادها يف تلك األشياء‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه شرك؛ ألنه تعلق على غري هللا سبحانه يف حصول الربكة‪.‬‬
‫وعباد األواثن إمنا كانوا يطلبون الربكة منها؛ فالتربك بقبور الصاحلني كالتربك ابلالت‪ ،‬والتربك ابألشجار‬
‫واألحجار كالتربك ابلعزى ومناة‪.‬‬
‫وعن أيب واقد الليثي؛ قال‪ :‬خرجنا مع رسول هللا ‪ ‬إىل حنني وحنن حداثء عهد بكفر‪ ،‬وللمشركني‬
‫سدرة يعكفون عندها وينوطون هبا أسلحتهم‪ ،‬يقال هلا‪ :‬ذات أنواط‪ ،‬فمرران بسدرة‪ ،‬فقلنا‪ :‬اي رسول هللا!‬
‫اجعل لنا ذات أنواط كما هلم ذات أنواط‪ .‬فقال رسول هللا ‪( :‬هللا أكرب‪ ،‬إهنا السنن‪ ،‬قلتم والذي‬
‫ال إِنَّ ُك ْم قَ ْوٌم َجتْ َهلُو َن﴾‬ ‫نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل ملوسى‪﴿:‬اجعل لَّنَا إِلَ هاً َكما َهلم ِ‬
‫آهلَةٌ قَ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َْ‬
‫لَتكنب سنن من كان قبلكم) (صحيح ابن حبان‪ ،‬وصحح إسناده شعيب)‪.‬‬
‫‪-7‬السحر‪:‬‬
‫وهو عبارة عن عزائم ورقى وكالم يتكلم به وأدوية وتدخينات‪ ،‬ومنه ما يؤثر يف القلوب واألبدان‪،‬‬
‫فيمرض‪ ،‬ويقتل‪ ،‬ويفرق بني املرء وزوجه‪ ،‬إبذن هللا‪.‬‬
‫وهو داخل يف الشرك ملا فيه من استخدام الشياطني والتعلق هبم‪ ،‬ورمبا التقرب إليهم مبا حيبونه ليقوموا‬
‫خبدمته‪ .‬وملا فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة هللا يف ذلك‪ ،‬وهذا كفر وضالل‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬اجتنبوا السبع املوبقات))‪ ،‬قالوا‪ :‬اي رسول هللا! وما هن؟ قال‪(( :‬الشرك ابهلل‪،‬‬
‫والسحر‪( ))...‬البخاري)‪.‬‬
‫‪-8‬الكهانة‪.‬‬
‫وهي ادعاء علم الغيب؛ كاإلخبار مبا سيقع يف األرض مع االستناد إىل سبب هو اسرتاق السمع؛ حيث‬
‫يسرتق اجلن الكلمة من كالم املالئكة‪ ،‬فيلقيها يف أذن الكاهن‪ ،‬فيكذب معها مئة كذبة‪ ،‬فيصدقه الناس‬
‫بسبب تلك الكلمة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وهللا هو املتفرد بعلم الغيب؛ فمن ادعى مشاركته يف شيء من ذلك بكهانة أو غريها أو صدق من‬
‫يدعي ذلك؛ فقد جعل هلل شريكا فيما هو من خصائصه‪ ،‬وهو مكذب هلل ولرسوله‪.‬‬
‫والكهانة شرك من جهة دعوى مشاركة هللا يف علمه الذي اختص به‪ ،‬ومن جهة التقرب إىل غري هللا‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬من أتى عرافا‪ ،‬فسأله عن شيء‪ ،‬مل تقبل له صالة أربعي يوما)) (مسلم)‪.‬‬
‫وقال ‪ (( :‬من أتى كاهنا‪ ،‬فصدقه مبا يقول؛ فقد كفر مبا أنزل على حممد)) (الطيالسي‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين)‪.‬‬

‫‪-9‬التطري‪.‬‬
‫وهو التشاؤم ابلطيور واألمساء واأللفاظ والبقاع واألشخاص وغري ذلك‪.‬‬
‫فإذا عزم شخص على أمر فرأى أو مسع ما يكره؛ أثر فيه لك أحد أمرين‪:‬‬
‫إما الرجوع عما كان عازما عليه تطريا وأتثرا مبا رأى أو مسع‪ ،‬فيعلق قلبه بذلك املكروه‪ ،‬ويؤثر ذلك على‬
‫إميانه‪ ،‬وخيل بتوحيده وتوكله على هللا‪.‬‬
‫وإما أن ال يرجع عما عزم عليه‪ ،‬ولكن يبقى يف قلبه أثر ذلك التطري من احلزن واألمل واهلم والوساوس‬
‫والضعف‪.‬‬
‫والتطري شرك؛ لكونه تعلق على غري هللا‪ ،‬واعتقاد حبصول الضرر من خملوق ال ميلك لنفسه ضرا وال نفعا‪،‬‬
‫ولكونه من إلقاء الشيطان ووسوسته‪ ،‬ولكونه يصدر عن القلب خوفا وخشية وهو ينايف التوكل‪ .‬قال ‪‬‬
‫حمذرا من التطري ‪(( :‬ال عدوى وال طرية وال هامة وال صفر)) (البخاري)‪.‬‬
‫وقال يف كفارته‪(( :‬من ردته الطرية عن حاجته؛ فقد أشرك))‪ ،‬قالوا‪ :‬فما كفارة ذلك؟ قال‪(( :‬أن‬
‫تقول‪ :‬اللهم! ال خري إال خريك‪ ،‬وال طري إال طريك‪ ،‬وال إله غريك)) (أمحد‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫‪-10‬التنجيم‪.‬‬
‫وهو االستدالل ابألحوال الفلكية على احلوادث األرضية؛ كأوقات هبوب الرايح وميء املطر‪ ،‬وظهور‬
‫احلر والربد‪ ،‬وتغري األسعار‪ ،‬أو حدوث األمراض والوفيات‪ ،‬أو السعود والنحوس‪.‬‬
‫وهذا ما يسمى بعلم التأثري‪ ،‬وهو على نوعي‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬أن يدعي املنجم أن الكواكب فاعلة خمتارة‪ ،‬وأن احلوادث جتري بتأثريها‪ ،‬وهذا كفر إبمجاع‬
‫املسلمني؛ ألنه اعتقاد أن هناك خالق غري هللا‪ ،‬وأن أحدا يتصرف يف ملكه بغري مشيئته وتقديره سبحانه‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬االستدالل مبسري الكواكب واجتماعها وافرتاقها على حدوث احلوادث‪ ،‬وهذا ال شك يف‬

‫‪32‬‬
‫حترميه؛ ألنه من ادعاء علم الغيب‪ ،‬وهو من السحر أيضا‪ ،‬كما قال النيب ‪( :‬من اقتبس علما من‬
‫النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من السحر؛ زاد ما زاد) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪ -1‬من اخلرافات الباطلة ما يروجه الدجالون يف بعض الصحف واجملالت من ذكر البخت والنحوس‬
‫والسعود‪ ،‬ويعلقون ذلك حبساابت الربوج والنجوم‪.‬‬
‫‪ -2‬مما ال أبس به االستدالل ابلنجوم ملعرفة االجتاه يف األسفار يف الرب والبحر‪ ،‬وكذلك تعلم منازل‬
‫الشمس والقمر؛ لالستدالل بذلك على القبلة وأوقات الصلوات والفصول ومعرفة الزوال‪ ،‬كله جائز‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك نوع آخر من التنجيم‪ :‬وهو أن اإلنسان يستدل بطلوع النجوم على األوقات‪ ،‬واألزمنة‪،‬‬
‫والفصول‪ ،‬فهذا ال أبس به وال حرج فيه‪ ،‬مثل أن نقول إذا دخل جنم فالن فإنه يكون قد دخل موسم‬
‫األمطار‪ ،‬أو قد دخل وقت نضوج الثمار وما أشبه ذلك‪ ،‬فهذا ال أبس به وال حرج فيه‪.‬‬

‫اثمناً‪ :‬بيان ألفاظ ال جيوز أن تقال يف حق هللا تعاىل تعظيما لشأنه‪.‬‬


‫من هذه األلفاظ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يقال‪ :‬السالم على هللا‪.‬‬
‫ألن السالم دعاء للمسلم عليه بطلب السالمة له من الشرور‪ ،‬وهللا سبحانه يطلب منه ذلك وال يطلب‬
‫له‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬ال تقولوا السالم على هللا؛ فإن هللا هو السالم)) (البخاري)؛ أي‪ :‬إن هللا سامل من كل‬
‫نقص‪.‬‬
‫‪ -2‬ال يقال‪ :‬اللهم اغفر ِل إن شئت‪.‬‬
‫ألن طلب احلاجة من هللا ال يعلق على املشيئة‪ ،‬وإمنا جيزم به‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬ال يقل أحدكم‪ :‬اللهم! اغفر ِل إن شئت‪ ،‬اللهم! ارْحين إن شئت‪ ،‬ليعزم املسألة؛ فإن‬
‫هللا ال مكره له)) (البخاري)‪.‬‬
‫‪ -3‬ال يقال‪ :‬وهللا ال يغفر هللا لفالن‪.‬‬
‫ألن فيه سوء أدب مع هللا‪ ،‬وحكم عليه وقطع أنه ال يغفر لفالن املذنب‪.‬‬
‫قال رسول هللا ‪(( :‬قال رجل‪ :‬وهللا ال يغفر هللا لفالن‪ ،‬فقال هللا عز وجل‪ :‬من ذا الذي يتأىل علي‬

‫‪33‬‬
‫أال أغفر لفالن؟‪ ،‬إين قد غفرت له وأحبطت عملك)) (مسلم)‪)1( .‬‬
‫=========================================‬
‫‪-)1( )1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور‬
‫صاحل بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار‬
‫العلماء ‪1411‬هـ‬

‫احملاضرة السادسة‬

‫‪34‬‬
‫وهو إثبات ما أثبته هللا لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال‪ ،‬ونفي ما نفاه هللا عن نفسه أو نفاه‬
‫عنه رسوله من صفات النقص‪.‬‬
‫• األدلة‪:‬‬
‫َمسَائِِه‬ ‫يف إثبات األمساء قال تعاىل‪﴿ :‬وَِِّ‬
‫َّلل ْاأل َْمسَاء ا َْلسىن فَا ْدعُوهُ ِهبا وذَروا الَّ ِذينَ ي ل ِ‬
‫ْح ُدو َن ِيف أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َُْ‬ ‫َ‬
‫َسيُ ْج َزْو َن َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾‪.‬‬
‫وقال ‪(( :‬إن هلل تسعةً وتسعي امسًا‪ ،‬مائة إال واح ًدا‪ ،‬من أحصاها دخل اجلنة)) (البخاري)‪.‬‬
‫ك ذُو ا ْجلَ ِ‬
‫الل َوا ِإل ْك َر ِام﴾‪.‬‬ ‫ويف إثبات الصفات قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ويَ ْب َقى َو ْجهُ َربِ َ‬
‫فيختم‬
‫ُ‬ ‫رجال على سرية‪ ،‬وكان يقرأ ألصحابه يف صالهتم‪،‬‬
‫بعث ً‬
‫وعن عائشة رضي هللا عنها‪ :‬أن النيب ‪َ ‬‬
‫يفعل ذلك؟))‪،‬‬
‫َح ٌد﴾ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنيب ‪ ،‬فقال‪(( :‬سلوه ألي شيء ُ‬ ‫بـ ﴿قُ ْل ُه َو َّ‬
‫اَّللُ أ َ‬
‫فسألوه‪ ،‬فقال‪:‬ألهنا صفةُ الرمحن‪ ،‬وأان أحب أن أقرأ هبا‪ ،‬فقال النيب ‪(( :‬أخربوه أن هللا حيبه))‬
‫(البخاري)‪.‬‬

‫‪ -1‬أول من عرف عنه إنكار الصفات بعض مشركي العرب‪ ،‬وقد عطلها أو أتول معناها بعد ذلك‬
‫اجلهمية وتالميذهم من املعتزلة واألشاعرة‪ ،‬على تباين فيما بينهم يف إنكار او أتويل األمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد األمساء والصفات داخل يف توحيد الربوبية‪ ،‬لكن ملا كثر منكروه‪ ،‬والذين ابتدعوا فيه وروجوا‬
‫الشبه حوله؛ أفرد ابلبحث‪ ،‬وجعل قسما مستقال‪ ،‬وألفت فيه املؤلفات الكثرية‪.‬‬
‫‪ -3‬نصوص الصفات من احملكم ال من املتشابه‪ ،‬يقرؤها املسلمون ويتدارسوهنا ويفهمون معناها وال‬
‫ينكرون منها شيئا؛ فمن نسب إىل السلف أهنم يفوضون معاين األمساء والصفات وجيعلون نصوصها من‬
‫املتشابه الذي استأثر هللا بعلم معناه؛ فقد كذب عليهم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫أوال‪ :‬وجوب احَتام أمساء هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫َمسَائِِه َسيُ ْج َزْو َن َما َكانُوا‬ ‫قال هللا تعاىل‪﴿ :‬وَِِّ‬
‫َّلل ْاأل َْمسَاء ا َْلسىن فَا ْدعُوهُ ِهبا وذَروا الَّ ِذين ي ل ِ‬
‫ْح ُدو َن ِيف أ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َُْ‬ ‫َ‬
‫يَ ْع َملُو َن﴾‪.‬‬
‫خيرب تعاىل أن أمساءه حسىن؛ أي‪ :‬حسان‪ ،‬قد بلغت الغاية يف احلسن‪ ،‬فال أحسن منها؛ ملا تدل عليه‬
‫من صفات الكمال ونعوت اجلالل؛ فهي أحسن األمساء وأكملها‪.‬‬
‫ومعىن (يلحدون يف أمسائه)‪ :‬مييلون هبا وحبقائقها ومعانيها عن احلق الثابت هلا‪.‬‬

‫• أنواع اإلَلاد ِبمساء هللا‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يسمى هبا األصنام‬
‫كتسميتهم الالت من اإلله‪ ،‬والعزى من العزيز‪ ،‬وتسميتهم الصنم إهلا‪.‬‬
‫‪ -2‬تسميته مبا ال يليق جبالله‪.‬‬
‫كتسمية النصارى له أاب‪ ،‬وتسمية الفالسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة ابلطبع‪.‬‬
‫‪ -3‬وصفه مبا يتعاىل عنه ويتقدس من النقائص‪.‬‬
‫كقول اليهود‪ :‬إنه فقري‪ ،‬وإنه اسرتاح يوم السبت‪ ،‬وقوهلم‪ :‬يد هللا مغلولة‪.‬‬
‫‪ -4‬تعطيل أمساء هللا احلسىن عن معانيها وجحد حقائقها‪.‬‬
‫كقول اجلهمية وأتباعهم‪ :‬إهنا ألفاظ مردة ال تتضمن صفات وال معاين‪ ،‬فيطلقون عليه اسم السميع‬
‫البصري‪ ،‬ويقولون‪ :‬ال مسع له وال بصر مثال‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫• من صور احَتام أمساء هللا تعاىل‪ ،‬ما أييت‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال يسمى هبا غريه‪.‬‬
‫فعن أيب شريح‪ :‬أنه كان يكىن أاب احلكم‪ ،‬فقال النيب ‪(( :‬إن هللا هو اَلكم‪ ،‬وإليه اَلكم))‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن قومي كانوا إذا اختلفوا يف شيء؛ أتوين‪ ،‬فحكمت بينهم‪ ،‬فرضي كال الفريقني‪ :‬فقال‪(( :‬ما أحسن‬
‫هذا! فما لك من الولد؟))‪ ،‬قلت‪ :‬شريح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وعبد هللا‪ ،‬قال‪(( :‬فمن أكربهم؟))‪ ،‬قلت‪ :‬شريح‪،‬‬
‫قال‪(( :‬فأنت أبو شريح)) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪ -2‬أن ال يقول ململوكه‪ :‬عبدي وأميت‪.‬‬


‫قال ‪(( :‬ال يقل أحدكم أطعم ربك! وضيء ربك! وليقل سيدي وموالي‪ ،‬وال يقل أحدكم عبدي‬
‫وأميت‪ ،‬وليقل فتاي وفتايت وغالمي)) (متفق عليه)‪.‬‬

‫‪ -3‬أن ال يرد من سأل ابهلل‪.‬‬


‫قال ‪(( :‬من استعاذ ابهلل؛ فأعيذوه‪ ،‬ومن سأل ابهلل؛ فأعطوه)) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪ -4‬أن ال يسأل بوجه هللا تعاىل إال اجلنة‪.‬‬


‫قال ‪(( :‬ال يسأل بوجه هللا إال اجلنة)) (أبو داود‪ ،‬وقال األلباين ضعيف‪ ،‬وعلى فرض صحته فهو‬
‫حممول على سؤال األمور احلقرية)‪.‬‬

‫‪ -5‬أن ال يكثر اَللف هبا‪.‬‬


‫قال ‪(( :‬ثالثة ال يكلمهم هللا وال يزكيهم وهلم عذاب أليم أشيمط زان‪ ،‬وعائل مستكرب‪ ،‬ورجل‬
‫جعل هللا بضاعته ال يشَتي إال بيمينه وال يبيع إال بيمينه)) (الطرباين‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬منهج أهل السنة واجلماعة يف أمساء هللا وصفاته‪.‬‬


‫منهج السلف الصاحل أهل السنة واجلماعة ‪-‬الذين هم الفرقة الناجية‪-‬يف أمساء هللا وصفاته إثباهتا كما‬
‫جاءت يف الكتاب والسنة مع اعتقاد ما دلت عليه وأهنا على ظاهرها‪.‬‬
‫وال يلزم من إثباهتا تشبيه هللا خبلقه تعاىل هللا عن ذلك؛ ألن صفات اخلالق ختصه وتليق به‪ ،‬وصفات‬

‫‪37‬‬
‫املخلوقني تليق هبم وختصهم‪ ،‬وال تشابه بني الصفتني؛ كما أنه ال تشابه بني ذات اخلالق سبحانه وذات‬
‫املخلوق‪.‬‬
‫ومذهب أهل السنة واجلماعة يف ذلك ينبن على أسس سليمة وقواعد مستقيمة‪ ،‬فمن هذه األسس ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أمساء هللا وصفاته توقيفية‪.‬‬
‫مبعىن أهنم ال يثبتون هلل إال ما أثبته لنفسه يف كتابه أو أثبته له رسوله يف سنته من األمساء والصفات‪ ،‬وال‬
‫يثبتون شيئا مبقتضى عقوهلم وتفكريهم‪ ،‬وال ينفون عن هللا إال ما نفاه عن نفسه يف كتابه أو نفاه عنه‬
‫رسوله يف سنته‪ ،‬ال ينفون عنه مبوجب عقوهلم وأفكارهم‪.‬‬

‫‪ -2‬أن صفات هللا تعاىل على ظاهرها‪.‬‬


‫فهي من حيث املعىن معلومة جيب اعتقادها‪ ،‬ومن حيث الكيف مهولة لنا ال يعلمها إال هللا تعاىل‪.‬‬

‫‪ -3‬إثبات الصفات بال متثيل بصفات املخلوقي؛ ألن هللا تعاىل ليس كمثله شيء‪.‬‬

‫‪ -4‬إثبات الصفات على وجه يليق جبالل الرب تعاىل‪ ،‬وال يشبهونه خبلقه‪.‬‬
‫فهم ينزهونه عن النقائص والعيوب تنزيها ال يفضي هبم إىل التعطيل بتأويل معانيها أو حتريف ألفاظها‬
‫عن مدلوهلا حبجة التنزيه‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلمجال يف النفي والتفصيل يف اإلثبات‪.‬‬
‫الس ِميع الْب ِ‬
‫صريُ﴾‪.‬‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫ْ َ‬
‫يع‬ ‫فأمجل يف النفي‪ ،‬وهو قوله‪﴿ :‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء﴾‪ ،‬وفصل يف اإلثبات‪ ،‬وهو قوله‪﴿ :‬و ُهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌْ‬ ‫َ‬
‫الْب ِ‬
‫صريُ﴾‪.‬‬ ‫َ‬
‫وكل نفي يف صفات هللا؛ فإنه يتضمن إثبات الكمال‪ ،‬وليس هو نفيا حمضا؛ ألن النفي احملض ليس فيه‬
‫مدح؛ ألنه عدم حمض‪ ،‬والعدم ليس بشيء‪.‬‬
‫َح ًدا﴾؛ أي‪ :‬لكمال عدله‬ ‫ومن أمثلة النفي املتضمن إلثبات الكمال‪ :‬قوله تعاىل‪َ { :‬وَال يَظْلِ ُم َربُّ َ‬
‫ك أَ‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬املخالفون للسلف يف ابب األمساء والصفات والرد عليهم‪.‬‬


‫خالف يف ذلك املشبهة واملعطلة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -1‬املشبهة‪.‬‬
‫وهم الذين شبهوا هللا خبلقه‪ ،‬وجعلوا صفاته من جنس صفات املخلوقني‪ ،‬ولذلك مسوا ابملشبهة‪.‬‬
‫وأول من قال هذه املقالة هو هشام بن احلكم الرافضي وبيان بن مسعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية‬
‫من غالية الشيعة‪.‬‬

‫الرد عليهم‪:‬‬
‫س َك ِمثْلِ ِه‬
‫يقال أن هللا تعاىل نفى يف كتابه مشاهبته خللقه وهنى عن ضرب األمثال له؛ فقال سبحانه‪﴿ :‬لَْي َ‬
‫ال﴾‪.‬‬ ‫ض ِربوا َِِّ‬
‫َّلل ْاأل َْمثَ َ‬ ‫َش ْيءٌ﴾‪﴿ ،‬فَ َال تَ ْ ُ‬
‫فمن شبه صفات هللا بصفات خلقه؛ مل يكن عابدا هلل يف احلقيقة‪ ،‬وإمنا يعبد وثنا صوره له خياله وحنته له‬
‫فكره؛ فهو من عباد األواثن ال من عباد الرمحن‪.‬‬

‫حكم املشبه‪:‬‬
‫قال نعيم بن محاد شيخ البخاري رمحهما هللا‪" :‬من شبه هللا خبلقه؛ فقد كفر‪ ،‬ومن نفى ما وصف به‬
‫نفسه أو وصفه به رسوله؛ فقد كفر‪ ،‬وليس فيما وصف هللا به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه"‪ .‬وهنا‬

‫‪39‬‬
‫البد من استحضار شروط التكفري وموانعه اليت ذكرت سابقا قبل اجلكم على أحد ممن وقع يف التشبيه‬
‫أو التعطيل الكامل ابلكفر فقد يكون من وقع فيهما جاهال أو مكرها أو خمطئا أو متأوال بسبب شبهة ‪،‬‬
‫فهنا الجيوز التسرع والتساهل يف التكفري ‪.‬‬

‫‪ -2‬املعطلة‪:‬‬
‫وهم الذين نفوا عن هللا ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال‪ ،‬وهم ثالث طوائف‪:‬‬
‫‪ -1‬اجلهمية‪ ،‬وينفون األمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ -2‬املعتزلة‪ ،‬ويثبتون األمساء مردة عن معانيها وينفون الصفات‪.‬‬
‫‪ -3‬األشاعرة‪ ،‬ويثبتون األمساء وسبع صفات فقط هي‪ :‬العلم‪ ،‬واحلياة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والسمع‪،‬‬
‫والبصر‪ ،‬والكالم‪ ،‬وينفون بقية الصفات‪.‬‬
‫شبهتهم‪:‬‬
‫شبهة اجلميع فيما نفوه من الصفات‪ :‬أن إثباهتا يقتضي التشبيه والتجسيم بزعمهم؛ ألنه ال يشاهد‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ﴾؛ فتعني نفي الصفات وتعطيلها تنزيها هلل عن‬
‫موصوف هبا إال هذه األجسام‪ ،‬وهللا ﴿ل َْي َ‬
‫التشبيه بزعمهم‪ ،‬وهلذا يسمون من أثبتها مشبها‪.‬‬
‫ولذا كان موقفهم من النصوص الدالة على إثباهتا‪ :‬إما أتويلها عن ظاهرها‪ ،‬وإما تفويض معانيها‪.‬‬

‫الرد عليهم‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هللا سبحانه أثبت لنفسه األمساء والصفات وأثبتهما له رسوله ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه ال يلزم من وجود هذه الصفات يف املخلوقني املشاهبة بني هللا وخلقه‪ ،‬فإن هلل أمساء وصفات‬
‫ختصه وللمخلوق أمساء وصفات ختصه‪ ،‬واالشرتاك يف االسم واملعىن ال يوجب االشرتاك يف احلقيقة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الذي ليس له صفات كمال ال يصلح أن يكون إهلاً‪.‬‬
‫‪ -4‬أن إثبات الصفات كمال ونفيها نقص وهللا منزه عن القص‪.‬‬
‫‪ -5‬أن أتويل الصفات عن ظاهرها ابطل ‪ ,‬وتفويض معناها يلزم منه أن هللا خاطبنا مبا ال نفهم معناه‬
‫وهذا ابطل‪)1( .‬‬
‫====================================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل بن فوزان الفوزان‬
‫األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء ‪1411‬هـ‬

‫‪40‬‬
‫احملاضرة السابعة‬

‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬معىن اإلميان ابملالئكة‪.‬‬
‫‪ -2‬األدلة‪.‬‬
‫‪ -3‬أعمال املالئكة‪.‬‬
‫‪ -4‬أعظم املالئكة‪.‬‬

‫• معىن اإلميان ابملالئكة‪:‬‬


‫التصديق اجلازم أبن هلل مالئكة موجودين‪ ،‬خملوقني من نور‪ ،‬وأهنم عباد مكرمون يسبحون هللا يف الليل‬
‫والنهار ال يفرتون‪ ،‬وأهنم ال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ ،‬مث أهنم ليسوا كالبشر‪ ،‬فهم ال‬
‫أيكلون وال يشربون وال ينامون وال يتناسلون وأهنم قائمون بوظائف متنوعة أوكل هللا تعاىل إليهم القيام‬
‫هبا‪.‬‬

‫• األدلة‪:‬‬
‫َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َوُر ُسلِ ِه﴾‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬كلٌّ آمن ِاب َِّ‬
‫ََ‬
‫وقال ‪ ‬ملا سئل عن اإلميان‪(( :‬اإلميان‪ :‬أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪،‬‬
‫وتؤمن ابلقدر خريه وشره)) (مسلم)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫• أعمال املالئكة‪:‬‬
‫وكل املالئكة أبعمال كثرة‪:‬‬
‫ك فَ ْوقَ ُه ْم يَ ْوَمئِ ٍذ ََثَانِيَةٌ﴾‪.‬‬ ‫‪ -1‬فمنهم محلة العرش‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَْحي ِم ُل َع ْر َ‬
‫ش َربِ َ‬
‫صو َن َّ‬
‫اَّللَ َما أ ََم َرُه ْم َويَ ْف َعلُو َن‬ ‫‪ -2‬منهم املوكلون ابلنار‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿:‬علَي ها م َالئِ َكةٌ ِغ َال ٌ ِ‬
‫ظ ش َدا ٌد َال يَ ْع ُ‬ ‫َْ َ‬
‫َما يُ ْؤَم ُرو َن﴾‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ات ِم ْن بَْ ِ‬
‫ي يَ َديْ ِه َوم ْن َخل ِْف ِه َْحي َفظُونَهُ‬ ‫‪ -3‬منهم املوكلون حبفظ بن آدم يف الدنيا؛ قال تعاىل‪﴿ :‬لَهُ ُم َع ِقبَ ٌ‬
‫ِمن أَم ِر َِّ‬
‫اَّلل﴾‪.‬‬ ‫ْ ْ‬
‫‪ -4‬منهم املوكلون حبفظ أعمال العباد وكتابتها؛ قال تعاىل‪﴿ :‬وإِ َّن َعلَي ُكم ََلافِ ِظ ِ‬
‫ي ﴾‪.‬‬ ‫ي ك َر ًاما َكاتِبِ َ‬ ‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت تَ َوفَّ ْتهُ ُر ُسلُنَا َو ُه ْم َال‬ ‫‪ -5‬منهم املوكلون بقبض األرواح؛ قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّىت إِذَا َجاءَ أ َ‬
‫َح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ‬
‫يُ َف ِرطُو َن﴾‪.‬‬
‫‪ -6‬منهم املوكل ابلرحم وشأن النطفة؛ كما يف حديث ابن مسعود رضي هللا عنه‪(( :‬إن أحدكم جيمع‬
‫خلقه يف بطن أمه أربعي يوما نطفة‪ ،‬مث يكون علقة مثل ذلك‪ ،‬مث يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬مث يرسل‬
‫إليه امللك‪ ،‬فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر ِبربع كلمات؛ يكتب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشقي أو سعيد))‬
‫(البخاري) ‪.‬‬
‫أعظم املالئكة‪:‬‬ ‫•‬
‫ي نَ َز َل بِ ِه‬
‫ب ال َْعال َِم َ‬
‫أعظمهم جربيل عليه السالم‪ ،‬وهو أمني الوحي؛ كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِنَّهُ لَتَ ْن ِزيل َر ِ‬
‫ُ‬
‫ي﴾‪.‬‬ ‫ك لِتَ ُكو َن ِمن الْمْن ِذ ِرين بِلِس ٍ‬
‫ان َع َرٍِيب ُمبِ ٍ‬ ‫ي َعلَى قَ ْلبِ َ‬ ‫ِ‬
‫وح ْاألَم ُ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫الر ُ‬
‫ُّ‬
‫وقد أعطى هللا املالئكة قدرة على التشكل أبشكال خمتلفة؛ فكان جربيل أييت إىل النيب ‪ ‬يف صفات‬
‫متعددة‪ :‬اترة أييت يف صورة دحية الكليب‪ ،‬واترة يف صورة أعرايب‪ ،‬واترة يف صورته اليت خلق عليها‪)1(.‬‬
‫=========================================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪42‬‬
‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬معىن اإلميان ابلكتب‪.‬‬
‫األدلة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫احلكمة من إنزال الكتب‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الكتب املنزلة‪ ،‬وحكم اإلميان هبا‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ما اختص به القرآن‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫• معىن اإلميان ابلكتب‪:‬‬


‫التصديق اجلازم أبن هلل تعاىل كتبا أنزهلا على أنبيائه ورسله‪ ،‬وأهنا حق وصدق‪ ،‬وأهنا كالم هللا حقيقة؛ فيها‬
‫اهلدى والنور والكفاية ملن أنزلت عليهم‪.‬‬

‫• األدلة‪:‬‬
‫ول ِمبَا أُنْ ِز َل إِلَي ِه ِمن ربِ ِه والْم ْؤِمنُو َن ُكلٌّ آمن ِاب َِّ‬
‫َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه﴾‪.‬‬ ‫الر ُس ُ‬
‫آم َن َّ‬
‫ََ‬ ‫ْ ْ َ َ ُ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿:‬‬
‫وقال ‪ ‬ملا سئل عن اإلميان‪(( :‬اإلميان‪ :‬أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪،‬‬
‫وتؤمن ابلقدر خريه وشره)) (مسلم)‪.‬‬

‫• اَلكمة من إنزال الكتب‪:‬‬


‫إنزال هللا الكتب رمحة بعباده حلاجة البشرية إليها؛ ألن عقل اإلنسان حمدود‪ ،‬ال يدرك تفاصيل النفع‬
‫والضرر‪.‬‬
‫والعقل اإلنساين أيضا تغلب عليه الشهوات‪ ،‬وتلعب به األغراض واألهواء؛ فلو وكلت البشرية إىل عقوهلا‬

‫‪43‬‬
‫القاصرة؛ لضلت واتهت‪ ،‬فاقتضت حكمة هللا ورمحته أن ينزل هذه الكتب على املصطفني من رسله؛‬
‫آد َم إِ َّما‬
‫ليبينوا للناس ما تدل عليه هذه الكتب وما تتضمنه من أحكامه العادلة قال تعاىل‪َ ﴿ :‬اي بَِين َ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُه ْم َْحي َزنُو َن﴾‪.‬‬ ‫آايِيت فَ َم ِن اتَّ َقى َوأ ْ‬
‫َصلَ َح فَ َال َخ ْو ٌ‬ ‫َأيْتِيَ نَّ ُك ْم ُر ُس ٌل ِم ْن ُك ْم يَ ُق ُّ‬
‫صو َن َعلَْي ُك ْم َ‬

‫• الكتب املنزلة‪ ،‬وحكم اإلميان هبا‪:‬‬


‫الكتب املنزلة‪ :‬القرآن‪ ،‬والتوراة‪ ،‬واإلجنيل‪ ،‬والزبور‪.‬‬
‫واإلميان هبا جيب إمجاالً فيما أمجل وتفصيالً فيما فصل‪.‬‬
‫اَّللُ ِم ْن كِتَ ٍ‬
‫اب﴾‪.‬‬ ‫ت ِمبَا أَنْ َز َل َّ‬
‫آم ْن ُ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وقُ ْل َ‬

‫• ما اختص به القرآن‪:‬‬
‫مما اختص هللا به القرآن الكرمي‪ :‬أنه أنزله لكل األجيال من األمم يف كل األوطان إىل يوم القيامة‪ ،‬وتوىل‬
‫الذ ْك َر َوإِ َّان لَهُ ََلَافِظُو َن﴾‪)1(.‬‬
‫هللا تعاىل حفظه بنفسه؛ كما قال تعاىل‪{ :‬إِ َّان َْحنن نَ َّزلْنَا ِ‬
‫ُ‬
‫=========================================‬
‫(‪-)1( )1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور‬
‫صاحل بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار‬
‫العلماء ‪1411‬هـ‬

‫‪44‬‬
‫احملاضرة الثامنة‬

‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬معناه‪.‬‬
‫‪ -2‬األدلة‪.‬‬
‫‪ -3‬احلكمة من إرسال الرسل‪.‬‬
‫‪ -4‬الرسل الذين ذكروا يف القرآن‪ ،‬وحكم اإلميان هبا‪.‬‬
‫‪ -5‬الفرق بني النيب والرسول‪.‬‬
‫تفاضل الرسل‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫النبوة اصطفاء‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫دالئل النبوة‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫الفرق بني دالئل النبوة وخوارق السحرة والكهان واملخرتعات الصناعية‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬دين األنبياء واحد‪.‬‬
‫‪ -11‬خصائص النيب حممد عليه الصالة والسالم عن غريه من األنبياء‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫• معىن اإلميان ابلرسل‪:‬‬
‫التصديق برسالتهم‪ ،‬واإلقرار بنبوهتم‪ ،‬وأهنم صادقون فيما أخربوا به عن هللا‪ ،‬وقد بلغوا الرساالت‪ ،‬وبينوا‬
‫للناس ما ال يسع أحدا جهله‪.‬‬
‫• األدلة‪:‬‬
‫ول ِمبَا أُنْ ِز َل إِلَي ِه ِمن ربِ ِه والْم ْؤِمنُو َن ُكلٌّ آمن ِاب َِّ‬
‫َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه﴾‪.‬‬ ‫الر ُس ُ‬
‫آم َن َّ‬
‫ََ‬ ‫ْ ْ َ َ ُ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿:‬‬
‫وملا سأل النيب ‪ ‬جربيل عن اإلميان‪ ،‬قال‪(( :‬اإلميان أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬والقدر كله خريه وشره)) (مسلم)‪.‬‬
‫• اَلكمة من إرسال الرسل‪:‬‬
‫حاجة البشرية إليهم ؛ فال تنتظم هلم حال وال يستقيم هلم دين إال هبم‪ ،‬وقد جعلهم هللا وسائط بينه وبني‬
‫خلقه يف تعريفهم بنفسه ومبا ينفعهم وما يضرهم‪ ،‬ويف تفصيل الشرائع واألمر والنهي واإلابحة‪ ،‬وبيان ما‬
‫حيبه هللا وما يكرهه‪.‬‬
‫• الرسل الذين ذكروا يف القرآن‪ ،‬وحكم اإلميان هبم‪:‬‬
‫الرسل الذين ذكر هللا أمساءهم يف القرآن مخسة وعشرون‪ ،‬جيب اإلميان أبعياهنم‪.‬‬
‫وأما من مل يسم يف القرآن من الرسل؛ وجب اإلميان به إمجاال‪.‬‬
‫ك ﴾‪.‬‬
‫ص ُه ْم َعلَْي َ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ورس ًال قَ ْد قَصصناهم علَي َ ِ‬
‫ص ْ‬
‫ك م ْن قَ ْب ُل َوُر ُس ًال َملْ نَ ْق ُ‬ ‫َ َْ ُ ْ َ ْ‬ ‫َُ ُ‬
‫• الفرق بي النيب والرسول‪:‬‬
‫الرسول‪ :‬هو من أوحي إليه بشرع جديد‪ ،‬والنيب‪ :‬هو املبعوث لتقرير شرع من قبله من الرسل‪ ،‬وأيضا‬
‫الرسول أفضل من النيب‪.‬‬
‫• تفاضل الرسل‪:‬‬
‫ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬
‫ض ﴾‪.‬‬ ‫الر ُس ُل فَ َّ‬
‫ضلْنَا بَ ْع َ‬ ‫والرسل يتفاضلون؛ قال تعاىل‪﴿ :‬تِل َ‬
‫ْك ُّ‬
‫وأفضل الرسل أولو العزم‪ ،‬وهم مخسة‪ :‬نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحممد عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وهم‬
‫يسى‬ ‫ِ‬ ‫ك وِمن نُ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫املذكورون يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْذ أَ َخ ْذ َان ِمن النَّبِيِ ِ‬
‫وسى َوع َ‬
‫يم َوُم َ‬
‫وح َوإبْ َراه َ‬ ‫ي ميثَاقَ ُه ْم َوم ْن َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ابْ ِن َم ْرَميَ َوأَ َخ ْذ َان ِم ْن ُه ْم ِميثَاقًا غَلِيظًا﴾‪.‬‬
‫وأفضل أولو العزم‪ :‬اخلليالن إبراهيم وحممد عليهما السالم‪.‬‬
‫وأفضل اخلليلني حممد ‪.‬‬
‫• النبوة اصطفاء‪:‬‬
‫ليست النبوة كسبا يناله العبد ابجلد‪ ،‬واالجتهاد‪ ،‬وإمنا هي تفضُّل واختيار من هللا تعاىل؛ كما قال تعاىل‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫صطَِفي ِم َن ال َْم َالئِ َك ِة ُر ُس ًال َوِم َن الن ِ‬
‫َّاس﴾‪.‬‬ ‫( َّ‬
‫اَّللُ يَ ْ‬
‫• دالئل النبوة‪:‬‬
‫هي األدلة اليت تعرف هبا نبوة النيب الصادق‪ ،‬ويعرف هبا كذب املدعي للنبوة من املتنبئني الكذبة‪.‬‬
‫ودالئل النبوة كثرية ومتنوعة وغري حمصورة؛ فمنها‪:‬‬
‫‪ -1‬املعجزات‪ :‬وهي أمر خارق للعادة جيريه هللا على يد من خيتاره لنبوته ليدل على صدقه وصحة‬
‫رسالته‪.‬‬
‫‪ -2‬إخبارهم األمم مبا سيكون من انتصارهم وخذالن أعدائهم‪ ،‬فوقع كما أخربوا‪.‬‬
‫‪ -3‬ما جاءوا به من الشرائع واألخبار يف غاية اإلحكام واإلتقان‪.‬‬
‫‪ -4‬أن هللا يؤيدهم أتييدا مستمرا‪.‬‬
‫‪ -5‬أن طريقتهم واحدة فيما أيمرون به‪.‬‬
‫• الفرق بي دالئل النبوة وخوارق السحرة والكهان واملخَتعات الصناعية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أخبار األنبياء ال يقع فيها ختلف وال غلط؛ خبالف أخبار الكهنة واملنجمني؛ فالغالب عليها‬
‫الكذب‪.‬‬
‫‪ -2‬أن السحر والكهانة واالخرتاع أمور معتادة معروفة يناهلا اإلنسان بكسبه وتعلمه‪ ،‬وميكن معارضتها‬
‫مبثلها؛ خبالف آايت األنبياء‪.‬‬
‫‪ -3‬أن األنبياء مؤمنون مسلمون‪ ،‬وأما السحرة والكهان واملتنبئون الكذبة؛ فال يكونون يف الغالب إال‬
‫متلبسني ابلشرك والتكذيب ببعض ما أنزل هللا‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الفطر والعقول توافق ما جاء به األنبياء عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ -5‬أن معجزات األنبياء ال حتصل أبفعاهلم هم‪ ،‬وإمنا يفعلها هللا عز وجل آية وعالمة هلم‪ ،‬وأما خوارق‬
‫السحرة والكهان واملخرتعات الصناعية؛ فإهنا حتصل أبفعال اخللق‪.‬‬
‫• دين األنبياء واحد‪:‬‬
‫دين األنبياء عليهم الصالة والسالم هو دين اإلسالم القائم على األركان الستة وهي اإلميان ابهلل‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خريه وشره وإن تنوعت شرائعهم العملية العبادية‪.‬‬
‫ك وما و َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع لَ ُكم ِمن ِ‬
‫الدي ِن ما و َّ ِ‬
‫يم‬
‫ص ْي نَا به إبْ َراه َ‬ ‫صى بِه نُ ً‬
‫وحا َوالَّذي أ َْو َح ْي نَا إِل َْي َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ش َر َ ْ َ‬
‫ين َوَال تَتَ َف َّرقُوا فِ ِيه﴾‪.‬وقال النيب ‪(( :‬األنبياء أخوة لعالت‪ ،‬أمهاَتم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يموا الد َ‬
‫يسى أَ ْن أَق ُ‬
‫وسى َوع َ‬
‫َوُم َ‬
‫شىت‪ ،‬ودينهم واحد)) (البخاري)‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫• خصائص النيب حممد عليه الصالة والسالم عن غريه من األنبياء‪:‬‬
‫وآخر املرسلني؛ لقوله تعاىل‪َ ﴿:‬ولَكِ ْن‬
‫‪ .1‬ختم النبوة به‪ ،‬فإنَّه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬خامت النبيني ِ‬
‫ول َِّ‬
‫وص َّح عن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬قوله‪:‬‬ ‫ي ﴾[األحزاب‪َ ،]40 :‬‬ ‫اُتَ النَّبِيِ َ‬
‫اَّلل َو َخ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن‬ ‫نيب وال رسول‪َ ،‬‬ ‫"و ُختم يب النبيُّون"‪ .‬وإذا ُختمت النبوة ُختمت الرسالة‪ ،‬فال يُبعث بعده ٌّ‬
‫أن عيسى ابن مرمي‬ ‫لكن جاءت النصوص الثابتة َّ‬ ‫بعده نيب أو رسول فقد ك َفر‪ْ ،‬‬ ‫اعتقد أنَّه يُ َبعث َ‬
‫وحاكما بشريعته‪،‬‬
‫ً‬ ‫عليه السالم ينزل يف آخر الزمان خليفةً للنيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬يف َّأمته‪،‬‬
‫ويضع اجلزية‪ ،‬وال يقبَل إال اإلسالم"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫"فيقتُل الدجال‪ ،‬ويكسر الصليب‪ ،‬ويقتُل اخلنزير‪َ ،‬‬
‫‪ .2‬عُموم رسالته جلميع املكلَّفي منذ بعثَه هللا وإىل أ ْن أييت هللا أبمره‪ ،‬فيجب على ِ‬
‫املنتسبني للشرائع‬ ‫َ‬
‫السابقة وأتباع مجيع النبيني اإلميا ُن برسالته وتصدي ُقه واتِّباعه‪.‬‬
‫آخر‪" :‬سيِد‬ ‫ٍ‬
‫‪ .3‬أنَّه سيِد املرسلي؛ لقوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪" :-‬أان سيِد الناس"‪ ،‬ويف حديث َ‬
‫ولد آدم"‪.‬‬
‫‪ .4‬ولصالة النبيني واملرسلني خل َفه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬ليلةَ اإلسراء واملعراج يف املسجد األقصى‪،‬‬
‫احهم يف مثال أجسادهم‪ ،‬وصلُّوا خلف رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪،-‬‬ ‫فقد مجَع هللا تعاىل أرو َ‬
‫السالم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مجيعا الصالةُ و ُ‬ ‫مؤمتّني به عليهم ً‬
‫ك َال‬ ‫وعمومها جلميع الناس؛ لقوله تعاىل‪ ﴿:‬فَ َال َوَربِ َ‬ ‫يؤمن برسالته ُ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .5‬أنَّه ال ُّ‬
‫يتم إميا ُن عبد حىت َ‬
‫ي ْؤِمنُو َن ح َّىت ُحيكِم َ ِ‬
‫كل نيب من أنبياء هللا‬ ‫أخذ ُّ‬ ‫يما َش َج َر بَ ْي نَ ُه ْم ﴾ [النساء‪ ،]65 :‬ولقد َ‬ ‫وك ف َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ث فيكم حمم ٌد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ورسله عليهم الصالة والسالم على قومه‪" ،‬أ ْن إذا بُعِ َ‬
‫اَّللُ ِميثَا َق‬‫أخذ هللا عليه من امليثاق بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ أَ َخ َذ َّ‬ ‫لتؤمنن به ولتتبعنَّه"؛ حتقي ًقا ملا َ‬
‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ول م ِ ِ‬ ‫اب و ِحك ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫صد ٌق ل َما َم َع ُك ْم لَتُ ْؤمنُ َّن بِه َولَتَ ْن ُ‬
‫ص ُرنَّهُ‬ ‫ي ل ََما آتَ ْي تُ ُك ْم م ْن كتَ ٍ َ َ‬
‫ْمة ُمثَّ َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ُ َ‬ ‫النَّبِيِ َ‬
‫﴾[آل عمران‪.]81 :‬‬
‫اك إَِّال َكافَّةً لِلن ِ‬
‫َّاس ﴾[سبأ‪ ،]28 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل‬ ‫‪ .6‬عموم رسالته كما قال تعاىل‪َ ﴿:‬وَما أ َْر َسلْنَ َ‬
‫مج ًيعا ﴾ [األعراف‪ ،]158 :‬وقوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل إِلَْي ُكم َِ‬ ‫َّاس إِِين َر ُس ُ‬
‫ْ‬ ‫َايأَيُّ َها الن ُ‬

‫‪48‬‬
‫عامة"‪ ،‬وقال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫عثت إىل الناس َّ‬
‫خاصة‪ ،‬وبُ ُ‬ ‫بعث إىل قومه َّ‬ ‫النيب يُ َ‬
‫"وكان ُّ‬
‫يهودي وال نصراينٌّ مث ال ي ِ‬
‫ؤمن يب إال د َخل النار"‪.‬‬ ‫يسمع يب‬
‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫‪":‬والذي نفسي بيده ال َ‬
‫ظمى اليت‬
‫بشفاعته‪ ،‬وهي الشفاعة العُ َ‬ ‫قضى بني الناس إال َ‬ ‫‪ .7‬أنَّه صاحب الشفاعة العُظمى‪ ،‬فال يُ َ‬
‫الرسل حىت تنتَ ِهي إليه‪ ،‬فيشفع فيُش ِّفعه هللا‪ ،‬وأييت للفصل بني عِباده‪.‬‬
‫يتخلَّى عنها أولو العزم من ُّ‬
‫وأول َمن يد ُخلها‪ ،‬ال يدخل أح ٌد قبلَه‪.‬‬
‫يستفتح ابب اجلنَّة فيفتح له‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫‪ .8‬أنَّه َّأول َمن‬
‫ِ‬
‫ب لواء اَلمد حيمله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬يوم القيامة‪ ،‬ويكون احلامدون حتته؛‬ ‫‪ .9‬أنَّه صاح ُ‬
‫فمن سواه‪ ،‬إال حتت لوائي"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫نيب يومئذ‪ ،‬آدم َ‬ ‫حلديث‪" :‬وبيدي لواءُ اَلمد وال فَخر‪ ،‬وما من ٍ‬
‫‪ .10‬أنَّه صاحب املقام احملمود ؛ أي‪ :‬العمل الذي حيمده عليه اخلالق واملخلوق‪ ،‬وهذا املقام هو ما‬
‫حيصل من مناقبه يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ .11‬وأيضا فهو صاحب الوسيلة‪ ،‬وهي املنزلة العالية يف اجلنَّة‪ ،‬ال تنبغي إال ٍ‬
‫لعبد؛ قال‪-‬صلى هللا‬ ‫ً‬
‫يوم‬
‫ت له الشفاعة َ‬ ‫فمن سأل هللا ِل الوسيلةَ َحلَّ ْ‬
‫عليه وسلم ‪" :-‬وأرجو أ ْن أكون أان هو‪َ ،‬‬
‫القيامة"(‪)1‬‬

‫======================================‬

‫(‪-)1( )1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور‬
‫صاحل بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار‬
‫العلماء ‪1411‬هـ‬

‫‪49‬‬
‫احملاضرة التاسعة‬

‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬معىن اإلميان ابليوم اآلخر‪.‬‬
‫‪ -2‬األدلة‪.‬‬
‫‪ -3‬أمساؤه‪.‬‬
‫‪ -4‬أمور يتضمنها اإلميان ابليوم اآلخر‪.‬‬

‫• معىن اإلميان ابليوم اآلخر‪.‬‬


‫التصديق اجلازم بوقوع هذا اليوم‪ ،‬وهو يوم القيامة الذي ال يوم بعده‪ ،‬والذي تعاد فيه األرواح إىل‬
‫األجساد‪ ،‬وتبعث فيه اخلالئق للجزاء واحلساب‪.‬‬

‫• األدلة‪:‬‬
‫َّلل َوالْيَ ْوِم‬
‫ب ولَكِ َّن الِْربَّ من آمن ِاب ِ‬
‫َْ ََ‬
‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿:‬لَّيس الِْربَّ أَن تُولُّواْ وج َ ِ‬
‫وه ُك ْم قبَ َل ال َْم ْش ِرق َوال َْمغْ ِر ِ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫اآلخ ِر َوال َْمآلئِ َك ِة َوالْكِتَ ِ‬
‫اب َوالنَّبِيِ َ‬
‫ي ﴾‪.‬‬
‫وملا سأل النيب ‪ ‬جربيل عن اإلميان؟ قال‪(( :‬اإلميان أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬والقدر كله خريه وشره)) (مسلم)‪.‬‬

‫• أمساؤه‪:‬‬
‫كثرية‪ ،‬منها‪ :‬يوم البعث‪ ،‬يوم القيامة‪ ،‬يوم الدين‪ ،‬يوم احلشر‪ ،‬يوم اخللود‪ ،‬يوم التغابن‪ ،‬يوم التناد‪ ،‬احلاقة‪،‬‬
‫القارعة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫• األمور اليت يتضمنها اإلميان ابليوم اآلخر‪:‬‬
‫يتضمن اإلميان ابليوم اآلخر ثالثة أمور‪:‬‬
‫اإلميان أبشراط الساعة اليت هي من مقدماته‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلميان ابلربزخ وما جيري فيه إذ هو أول منازل اآلخرة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اإلميان ابلبعث بعد املوت وما بعده‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪51‬‬
‫وهي العالمات اليت تسبق اليوم اآلخر‪ ،‬وتدل على قرب وقوعه‪ ،‬واإلميان هبا واجب‪.‬‬

‫• األدلة‪:‬‬
‫اعةَ أَ ْن ََتْتِيَ ُه ْم بَغْتَةً‬ ‫ش َّق الْ َق َم ُر﴾‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬فَ َه ْل يَ ْنظُُرو َن إَِّال َّ‬
‫الس َ‬ ‫اعةُ َوانْ َ‬
‫الس َ‬
‫ت َّ‬‫قال تعاىل‪﴿ :‬اق ََْتب ِ‬
‫ََ‬
‫فَ َق ْد َجاءَ أَ ْش َراطُ َها﴾‪.‬‬
‫وقال ‪(( :‬بعثت أان والساعة كهاتي)) وأشار ابلسبابة والوسطى (ابن حبان‪ ،‬وصححه شعيب)‪.‬‬

‫• أقسام أشراط الساعة‪:‬‬


‫تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬قسم ظهر وانقضى‪ :‬وهو األمارات البعيدة‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬
‫بعثة النيب ‪ ،‬وموته‪ ،‬وفتح بيت املقدس‪ ،‬طاعون عامواس‪ ،‬ومقتل أمري املؤمنني عثمان رضي هللا عنه‪،‬‬
‫وظهور الفرق الضالة كاخلوارج والرافضة‪ ،‬وخروج مدعي النبوة‪ ،‬وخروج انر احلجاز‪.‬‬
‫‪ -2‬قسم ظهر ومل ينقض بل ال يزال يف زايدة‪( ،‬األمارات املتوسطة)‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬
‫التباهي ابملساجد‪ ،‬انتفاخ األهلة‪ ،‬اختاذ املساجد طرقا‪ ،‬تضييع األمانة‪ ،‬ومنها ما جاء يف قوله ‪(( :‬إن‬
‫من أشراط ا لساعة‪ :‬أن يرفع العلم‪ ،‬ويكثر اجلهل‪ ،‬ويكثر الزىن‪ ،‬ويكثر شرب اخلمر‪ ،‬ويقل الرجال‪،‬‬
‫ويكثر النساء؛ حىت يكون خلمسي امرأة القيم الواحد)) (البخاري)‪.‬‬
‫‪ -3‬قسم منتظر‪ ،‬وهو األمارات الكبرية اليت تعقبها الساعة‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬ما جاء يف حديث حذيفة بن أسيد الغفاري‪ ،‬قال‪ :‬كنا قعودا نتحدث يف ظل غرفة لرسول‬
‫هللا ‪ ،‬فذكران الساعة‪ ،‬فارتفعت أصواتنا‪ ،‬فقال رسول هللا ‪(( :‬لن تكون أو لن تقوم الساعة حىت‬
‫يكون قبلها عشر آايت‪ :‬طلوع الشمس من مغرهبا‪ ،‬وخروج الدابة‪ ،‬وخروج أيجوج ومأجوج‪،‬‬
‫والدجال‪ ،‬وعيسى ابن مرمي‪ ،‬والدخان‪ ،‬وثالثة خسوف‪ :‬خسف ابملغرب‪ ،‬وخسف ابملشرق‪،‬‬
‫وخسف جبزيرة العرب‪ ،‬وآخر ذلك َترج انر من اليمن من قعر عدن تسوق الناس إىل احملشر)) (أبو‬
‫داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪..‬‬

‫‪52‬‬
‫وتفصيل ما ورد يف اَلديث‪:‬‬
‫‪ -1‬ظهور املهدي‪.‬‬
‫صحاحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قال ‪(( :‬يف آخر أميت املهدي يسقيه هللا الغيث‪ ،‬وَترج األرض نباَتا‪ ،‬ويعطى املال‬
‫حججا)) (احلاكم‪ ،‬وصححه األلباين)‪..‬‬
‫ً‬ ‫سبعا أو َثاين يعين‬
‫وتكثر املاشية‪ ،‬وتعظم األمة‪ ،‬يعيش ً‬
‫‪ -2‬خروج الدجال‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬إن خيرج وأان فيكم فأان حجيجه دونكم‪ ،‬وإن خيرج ولست فيكم؛ فامرؤ حجيج نفسه‪،‬‬
‫وهللا خ ليفيت على كل مسلم‪ ،‬فمن أدركه منكم؛ فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإهنا جواركم من‬
‫فتنته))‪( .‬أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫وقد تواترت األحاديث خبروج الدجال‪ ،‬وبينت صفته‪ ،‬ومكان خروجه‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬وعظم فتنته‪ ،‬واالستعاذة‬
‫منه‪ ،‬وما يقي منه‪ ،‬ومهلكه‪.‬‬
‫‪ -3‬نزول عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫حكما عدالً‪ ،‬فيكسر الصليب‬ ‫قال ‪(( :‬والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مرمي ً‬
‫خريا‬
‫ويقتل اخلنزير‪ ،‬ويضع اَلرب ويفيض املال حىت ال يقبله أحد‪ ،‬حىت تكون السجدة الواحدة ً‬
‫اب إَِّال لَيُ ْؤِمنَ نَّبِ ِه قَ ْب َل‬
‫من الدنيا وما فيها))‪ ،‬مث يقول أبو هريرة‪ :‬واقرأوا إن شئتم‪َ ﴿ :‬وإِ ْن ِم ْن أ َْه ِل الْكِتَ ِ‬
‫َم ْوتِِه َويَ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة يَ ُكو ُن َعلَْي ِه ْم َش ِهي ًدا﴾ (متفق عليه)‪.‬‬
‫‪ -4‬خروج أيجوج ومأجوج‪.‬‬
‫جاء يف احلديث إن هللا تعاىل يوحي إىل عيسى ابن مرمي عليه السالم بعد قتله الدجال‪(( :‬إين قد‬
‫فحرز عبادي إىل الطور‪ ،‬ويبعث هللا أيجوج ومأجوج وهم‬
‫عبادا ِل ال يدان ألحد بقتاهلم‪َّ ،‬‬
‫أخرجت ً‬
‫ومير آخرهم فيقولون‪ :‬لقد‬
‫فيمر أوائلهم على حبرية طربية فيشربون ما فيها‪ُّ ،‬‬
‫من كل حدب ينسلون‪ُّ :‬‬
‫كان هبذه مرة ماء‪ ،‬وحيضر نيب هللا عيسى وأصحابه إىل األرض فال جيدون يف األرض موضع شرب إال‬
‫طريا كأعناق البخت‪،‬‬
‫مأله زمههم ونتنهم‪ ،‬فريغب نيب هللا عيسى وأصحابه إىل هللا‪ ،‬فريسل هللا ً‬
‫فتحملهم فتطرحهم حيث شاءهللا)) (مسلم)‪.‬‬
‫‪ -5‬خروج الدابة‪.‬‬
‫خروجا‪ :‬طلوع الشمس من مغرهبا‪ ،‬وخروج الدابة على الناس ضحى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قال ‪(( :‬أول اآلايت‬
‫وأيتهما كانت قبل صاحبتها فاألخرى على إثرها قريبًا)) (مسلم)‪.‬‬
‫‪ -6‬طلوع الشمس من مغرهبا‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫قال ‪ (( :‬ال تقوم الساعة حىت تطلع الشمس من مغرهبا؛ فإذا رآها الناس؛ آمن من عليها؛ فذاك‬
‫حي ال ينفع نفسا إمياهنا مل تكن آمنت من قبل)) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫وقد تواترت النصوص بطلوع الشمس من مغرهبا‪ ،‬وفيها دليل على أن من أحدث إمياان وتوبة بعد طلوع‬
‫الشمس من مغرهبا ال تقبل منه‪.‬‬
‫‪ -7‬الدخان‪.‬‬
‫السماء بِ ُد َخ ٍ‬
‫ان ُمبِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب أليم﴾‪.‬‬
‫َّاس َه َذا َع َذ ٌ‬
‫شى الن َ‬
‫ي * يَغْ َ‬ ‫ب يَ ْوَم ََتِْيت َّ َ ُ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬فَ ْارتَق ْ‬
‫ذهب كثري من العلماء سلفا وخلفا إىل أن الدخان هو من اآلايت املنتظرة اليت مل أتت بعد‪ ،‬وسيقع قرب‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 10-8‬اخلسوفات الثالث‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬سيكون بعدي خسف ابملشرق وخسف ابملغرب وخسف يف جزيرة العرب))‪ ،‬قلت‪ :‬اي‬
‫رسول هللا أخيسف ابألرض وفيها الصاحلون؟ قال‪(( :‬إذا أكثر أهلها اخلبث)) (الطرباين‪ ،‬وقال اهليثمي‪،‬‬
‫فيه حكيم بن انفع‪ ،‬وثقه ابن معني‪ ،‬وضعفه غريه‪ ،‬وبقية رجاله ثقات)‪)1(.‬‬
‫==================================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪54‬‬
‫احملاضرة العاشرة‬

‫وهو ما بني الدنيا واآلخرة قبل احلشر‪ ،‬من وقت املوت إىل البعث‪.‬‬
‫• األدلة‪:‬‬
‫ت َك َّال إِ َّهنَا‬ ‫ون لَعلِي أَ ْعمل ِ ِ‬
‫ال ر ِ ِ ِ‬
‫يما تَ َرْك ُ‬
‫صاَلًا ف َ‬
‫َُ َ‬ ‫ب ْارجعُ َ‬ ‫ت قَ َ َ‬ ‫َح َد ُه ُم ال َْم ْو ُ‬‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّىت إِذَا َجاءَ أ َ‬
‫خ إِ َىل يَ ْوِم يُ ْب َعثُو َن﴾‪.‬‬
‫َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها َوِم ْن َوَرائِ ِه ْم بَ ْرَز ٌ‬
‫• مفردات الربزخ كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬سؤال امللكي‪.‬‬
‫ويسمى بفتنة القرب‪ ،‬وهي االمتحان واالختبار للميت حني يسأله امللكان‪.‬‬
‫ِ‬
‫اَّللُ الظَّال ِم َ‬ ‫ت ِيف ا َْلياةِ الدُّنْ يا وِيف ْاآل ِخرةِ وي ِ‬
‫ض ُّل َّ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنُوا ِابلْ َقو ِل الثَّابِ ِ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬يُثَبِ ُ‬
‫ي‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ت َُّ َ َ‬
‫شاءُ﴾‪ ،‬قال ‪(( :‬يف القرب‪ ،‬إذا قيل له‪ :‬من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟))‬ ‫َويَ ْف َع ُل َّ‬
‫اَّللُ َما يَ َ‬
‫(الرتمذي‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫وقد تواترت األحاديث عن النيب ‪ ‬هبذه الفتنة من حديث الرباء بن عازب‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأيب‬
‫هريرة‪ ،‬وغريهم رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫وقد بني النيب ‪ ‬صفة السؤال بقوله‪(( :‬إن امليت إذا وضع يف قربه‪ ،‬وتوىل عنه أصحابه؛ إنه ليسمع‬
‫خفق نعاهلم؛ أاته ملكان‪ ،‬فيقعدانه‪ ،‬فيقوالن له ما كنت تقول يف هذا الرجل حممد؟ فأما املؤمن‬
‫فيقول أشهد أنه عبد هللا ورسوله قال فيقول انظر إىل مقعدك من النار؛ قد أبدلك هللا به مقعدا من‬
‫اجلنة))‪.‬‬
‫قال رسول هللا ‪(( :‬فريامها مجيعا))‪.‬‬
‫قال‪(( :‬فأما الكافر واملنافق؛ فيقوالن له‪ :‬ما كنت تقول يف هذا الرجل؟ فيقول‪ :‬ال أدري! كنت‬
‫أقول ما يقول الناس‪ .‬فيقوالن له‪ :‬ال دريت وال تليت‪ .‬مث يضرب مبطارق من حديد بي أذنيه‪،‬‬
‫فيصيح صيحة‪ ،‬فيسمعها من عليها غري الثقلي)) (متفق عليه)‪.‬‬
‫‪ -2‬عذاب القرب ونعيمه‪.‬‬
‫إذا مات امليت فإنه يكون يف نعيم أو عذاب‪ ،‬وأن ذلك حيصل لروحه وبدنه‪ ،‬وأن الروح تبقى بعد مفارقة‬
‫البدن منعمة أو معذبة‪ ،‬وأهنا تتصل ابلبدن أحياان‪ ،‬وحيصل له معها النعيم أو العذاب‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫اعةُ أَ ْد ِخلُوا‬
‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫ِ‬
‫ضو َن َعلَْي َها غُ ُدواً َو َعشياً َويَ ْوَم تَ ُق ُ‬
‫َّار يُ ْع َر ُ‬
‫قال تعاىل يف شأن املعذبني يف قبورهم‪﴿ :‬الن ُ‬
‫اب﴾‪.‬‬‫آل فِ ْر َع ْو َن أَ َش َّد ال َْع َذ ِ‬
‫َ‬
‫وقد مر النيب ‪ ‬بقربين‪ ،‬فقال‪ (( :‬إهنما ليعذابن‪ ،‬وما يعذابن يف كبري أما أحدمها؛ فكان ال يستربئ‬
‫من البول‪ ،‬وأما اآلخر؛ فكان ميشي ابلنميمة مث دعا جبريدة‪ ،‬فشقها نصفي‪ ،‬فقال لعله خيفف عنهما‬
‫ما مل ييبسا)) (ابن ماجة‪ ،‬وحسنه األلباين)‪.‬‬
‫استَ َق ُاموا تَتَ نَ َّز ُل َعلَْي ِه ُم ال َْمالئِ َكةُ‬ ‫َّ ِ‬
‫وقال تعاىل يف شأن املنعمني يف قبورهم‪﴿ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫ين قَالُوا َربُّنَا َّ‬
‫اَّللُ ُمثَّ ْ‬
‫أ ََّال ََتَافُوا َوال َحتْ َزنُوا َوأَبْ ِش ُروا ِاب ْجلَن َِّة الَِّيت ُك ْن تُ ْم تُ َ‬
‫وع ُدو َن﴾‪.‬‬
‫وقال ‪(( :‬ملا أُصيب إخوانكم ِبُ ُحد جعل هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬أرواحهم يف أجواف طري خضر‪ ،‬ترد أهنار‬
‫اجلنة َتكل من َثارها‪ ،‬وَتوي إىل قناديل من ذهب يف ظل العرش)) (أمحد‪ ،‬وصحح إسناده أمحد شاكر)‪.‬‬
‫ومما حيسن التنبيه إليه‪ :‬أن عذاب القرب وسؤال امللكني يناالن كل من مات‪ ،‬فاملصلوب واحملرق واملغرق‬
‫وأكيل السباع والطيور له من عذاب الربزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله‪ ،‬وإن تنوعت أسباب‬
‫النعيم والعذاب وكيفيا هتما‪.‬‬
‫‪ -3‬املنكرون لعذاب القرب ونعيمه‪.‬‬
‫أنكرت املالحدة والزاندقة عذاب القرب ونعيمه‪.‬‬
‫شبهتهم‪:‬‬
‫أهنم يكشفون القرب‪ ،‬فال جيدون فيه مالئكة يضربون املوتى‪ ،‬وال حيات‪ ،‬وال ثعابني‪ ،‬وال نريان أتجج!‬
‫وكيف يفسح له مد بصره أو يضيق عليه وحنن جنده حباله وجند مساحته على حد ما حفرانه له ومل يزد‬
‫ومل ينقص؟‬
‫وكيف يصري القرب روضة من رايض اجلنة أو حفرة من حفر النار؟‬
‫الرد عليهم‪:‬‬
‫نرد عليهم أبن عذاب القرب من علم الغيب الذي يعتمد فيه على النصوص الصحيحة‪ ،‬وليس للعقل وال‬
‫الفكر دخل فيه‪ ،‬وأحوال اآلخرة ال تقاس أبحوال الدنيا‪ ،‬وعدم إدراك اإلنسان للشيء ال يدل على عدم‬
‫وجوده‪.‬‬
‫‪ -4‬أسباب عذاب القرب‪:‬‬
‫األسباب اليت يعذب هبا أصحاب القبور على قسمني‪ :‬جممل ومفصل‪:‬‬
‫أما اجململ؛ فإهنم يعذبون على جهلهم ابهلل وعدم إطاعتهم ألمره وارتكاهبم معاصيه‪.‬‬
‫وأما املفصل؛ فقد أخرب رسول هللا ‪ ‬عن الرجلني اللذين رآمها يعذابن يف قبورمها‪ :‬أن أحدمها كان‬

‫‪56‬‬
‫ميشي ابلنميمة بني الناس‪ ،‬واآلخر كان ال يسترت من البول‪ ،‬مث ذكر من يعذب لكونه صلى بغري طهور‪،‬‬
‫ومن يقرأ القرآن مث ينام عنه ابلليل وال يعمل به يف النهار‪ ،‬وتعذيب الزانة والزواين‪ ،‬وأكلة الراب‪ ،‬والذين‬
‫تتث اقل رؤوسهم عن صالة الفجر‪ ،‬وتعذيب الذين مينعون الزكاة‪ ،‬والذين يوقدون الفتنة بني الناس‪،‬‬
‫واملتكربين واملرائني واهلمازين واللمازين‪.‬‬

‫قبل البعث يكون النفخ يف الصور أوال‪ ،‬وهو قرن أوكل هللا تعاىل به ملكاً قد التقمه؛ لينفخ فيه نفخيت‬
‫الصعق والبعث‪.‬‬
‫اَّللُ ُمثَّ نُِف َخ فِ ِيه‬
‫ض إَِّال َم ْن َشاءَ َّ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َوَم ْن ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫صع َق َم ْن ِيف َّ َ َ‬
‫َ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُِف َخ ِيف ُّ‬
‫الصوِر فَ ِ‬
‫ِ‬
‫أُ ْخ َرى فَِإذَا ُه ْم قيَ ٌ‬
‫ام يَ ْنظُُرو َن﴾‪.‬‬
‫وقال ‪(( :‬إن الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فأكون أول من يفيق‪ ،‬فإذا أان مبوسى آخذ بقائمة من‬
‫قوائم العرش فال أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟)) (البخاري)‪.‬‬
‫وأما البعث‪ ،‬فمعناه‪:‬‬
‫إعادة اخللق الفاين‪ ،‬كما كان عليه يف الدنيا حياً‪ ،‬بعد النفخة الثانية يف الصور‪.‬‬
‫ب فِ ِيه﴾‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اَّللُ ال إِلَهَ إِال ُه َو لَيَ ْج َم َعنَّ ُك ْم إِ َىل يَ ْوم الْقيَ َامة ال َريْ َ‬
‫قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫حديث جربيل عليه السالم ملا سأل النيب ‪ ‬ما اإلميان‪ ،‬قال‪((:‬تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪،‬‬
‫والبعث بعد املوت)) (أمحد‪ ،‬وصححه األلباين)‪)1(.‬‬
‫=================================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬ه‬

‫‪57‬‬
‫احملاضرة اَلادية عشرة‬

‫يوم القيامة هو يوم قيام الناس لرب العاملني بعد البعث‪ ،‬ومقداره مخسون ألف سنة‪ ،‬ويقع فيه أمور‬
‫عظيمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬اَلساب‪.‬‬
‫وهو تعريف هللا سبحانه اخلالئق مقادير اجلزاء على أعماهلم‪.‬‬
‫ريا يَ َرهُ َوَم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْ َق َ‬
‫ال ذَ َّرةٍ َش ًّرا يَ َرهُ﴾‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬فَمن ي عمل ِمثْ َق َ ٍ‬
‫ال ذَ َّرة َخ ْ ً‬ ‫َ ْ َْ َ ْ‬
‫ومن احلساب إجراء القصاص بني العباد‪ ،‬فيقتص للمظلوم من الظامل؛‪(( :‬لَتُؤد َّ‬
‫ُّن اَلقوق إىل أهلها يوم‬

‫‪58‬‬
‫القيامة حىت يقاد للشاة اجللحاء من الشاة القرانء)) (مسلم)‪.‬‬
‫واحلساب متفاوت؛ فمنه احلساب العسري‪ ،‬ومنه احلساب اليسري‪.‬‬
‫وأول ما حياسب عليه العبد صالته‪ ،‬وأول ما يقضى بني الناس يف الدماء‪.‬‬
‫‪ -2‬إعطاء الصحائف‪.‬‬
‫وهي الكتب اليت كتبتها املالئكة وأحصوا فيها ما فعله كل إنسان يف احلياة الدنيا من األعمال القولية‬
‫والفعلية‪.‬‬
‫ورا اق َْرأْ كِتَابَ َ‬
‫ك‬ ‫شً‬ ‫ِج لَهُ يَ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة كِتَ ًااب يَ ْل َقاهُ َم ْن ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬وُك َّل إِنْ ٍ‬
‫سان أَل َْزْمنَاهُ طَائ َرهُ ِيف ُعنُقه َو ُُنْر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َح ِسيبًا﴾‪ .‬قال العلماء‪ :‬طائره‪ :‬عمله‪.‬‬ ‫ك الْيَ ْوَم َعلَْي َ‬‫َك َفى بِنَ ْف ِس َ‬
‫ومنهم من يعطى كتابه بيمينه‪ ،‬ومنهم من يعطى كتابه بشماله‪.‬‬
‫‪ -3‬وزن األعمال‪:‬‬
‫يوزن يوم القيامة العامل‪ ،‬والعمل‪ ،‬وصحيفة العمل‪ ،‬مبيزان حقيقي له لسان وكفتان‪.‬‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن َوَم ْن َخ َّف ْ‬
‫ت َم َوا ِزينُهُ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال َْوْز ُن يَ ْوَمئِ ٍذ ا َْلَ ُّق فَ َم ْن ثَ ُقلَ ْ‬
‫ت َم َوا ِزينُهُ فَأُولَئِ َ‬
‫س ُه ْم ِمبَا َكانُوا ِِب َايتِنَا يَظْلِ ُمو َن﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ين َخس ُروا أَنْ ُف َ‬
‫فَأُولَئِ َ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬
‫‪ -4‬املرور على الصراط‪:‬‬
‫وهو جسر ينصب على منت جهنم يوم القيامة‪ ،‬أدق من الشعر‪ ،‬وأحد من السيف‪ ،‬دحض مزلة‪ ،‬عليه‬
‫كالليب مثل شوك السعدان‪ ،‬يرده األولون واآلخرون حسب أعماهلم فناج مسلم‪ ،‬وانج خمدوش‪،‬‬
‫ومكدوس يف النار‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬يضرب الصراط بي ظهري جهنم‪ ،‬فأكون أان وأميت أول من جييز)) (مسلم)‪.‬‬
‫‪ -5‬اَلوض‪.‬‬
‫احلوض ممع املاء‪ ،‬وحوض النيب ‪ ‬حوض حقيقي خملوق ‪ ،‬وله صفات معينة‪.‬‬
‫قال ‪((:‬إن ِل حوضا ما بي أيلة إىل صنعاء‪ ،‬عرضه كطوله‪ ،‬فيه ميزاابن ينثعبان من اجلنة أحدمها‬
‫من ورق‪ ،‬واآلخر من ذهب‪ ،‬أحلى من العسل‪ ،‬وأبرد من الثلج‪ ،‬وأبيض من اللنب‪ ،‬من شرب منه مل‬
‫يظمأ حىت يدخل اجلنة‪ ،‬فيه أابريق عدد جنوم السماء)) (داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬
‫‪ -6‬الشفاعة‪.‬‬
‫وهي سؤال اخلري للغري‪.‬‬
‫والشفاعة حق إذا حتققت شروطها‪ ،‬وهي‪ :‬أن تكون إبذن هللا تعاىل‪ ،‬ورضاه عن املشفوع له‪.‬‬
‫اعتُ ُه ْم َش ْي ئًا إَِّال ِم ْن بَ ْع ِد أَ ْن َأيْذَ َن َّ‬
‫اَّللُ لِ َم ْن‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َال تُغْ ِين َش َف َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬وَك ْم م ْن َملَك ِيف َّ َ َ‬

‫‪59‬‬
‫ضى ﴾ ‪.‬‬
‫شاءُ َويَ ْر َ‬
‫يَ َ‬
‫وقد أعطي نبينا ‪ ‬الشفاعة‪ ،‬فيشفع ملن أذن هللا له فيه‪ ،‬وله ‪ ‬ثالث شفاعات‪:‬‬
‫‪ -1‬الشفاعة ألهل املوقف حىت يقضى بينهم‪.‬‬
‫‪ -2‬الشفاعة ألهل اجلنة أن يدخلوا اجلنة‪.‬‬
‫وهااتن الشفاعتان خاصتان له‪.‬‬
‫‪ -3‬الشفاعة فيمن استحق النار‪ ،‬وهذه الشفاعة له ولسائر النبيني والصديقني وغريهم‪ ،‬فيشفع‬
‫فيمن استحق النار أن ال يدخلها‪ ،‬ويشفع فيمن دخلها أن خيرج منها‪.‬‬
‫‪ -7‬اجلنة والنار‪.‬‬
‫ومها الداران العظيمتان اللتان ال تفنيان؛ فاجلنة دار املتقني‪ ،‬والنار دار الكافرين‪.‬‬
‫ار ل َِفي َج ِح ٍيم﴾‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ْاألَبْ َر َار لَفي نَع ٍيم َوإِ َّن الْ ُف َّج َ‬
‫ومها خملوقتان موجوداتن اآلن‪.‬‬
‫ي﴾‪.‬‬ ‫َّت لِل ِ‬ ‫ِ‬
‫ْمتَّق َ‬‫قال تعاىل يف اجلنة‪﴿ :‬أُعد ْ ُ‬
‫ُعد ْ ِ ِ‬ ‫وقال سبحانه يف النار‪﴿ :‬أ ِ‬
‫ين﴾‪)1(..‬‬ ‫َّت ل ْل َكاف ِر َ‬
‫=================================‬
‫‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪60‬‬
‫العناصر‪:‬‬
‫‪ -1‬معىن اإلميان ابلقضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -2‬األدلة‪.‬‬
‫‪ -3‬مراتب القدر‪.‬‬
‫‪ -4‬أنواع التقدير‪.‬‬
‫‪ -5‬مثرات اإلميان ابلقضاء والقدر‪.‬‬

‫• معىن اإلميان ابلقضاء والقدر‪.‬‬


‫تعلق علم هللا ابلكائنات وإرادته هلا أزال قبل وجودها؛ فال حيدث شيء إال وقد علمه هللا وقدره وأراده‪.‬‬
‫• األدلة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّان ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ ْقنَاهُ بَِق َد ٍر﴾‪.‬‬
‫وقال ‪(( :‬اإلميان أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وابلقدر خريه وشره))‬
‫(مسلم)‪.‬‬
‫• مراتب القدر‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم‪.‬‬
‫‪ -2‬الكتابة‪.‬‬
‫ك َعلَى َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫اب إِ َّن ذَلِ َ‬
‫ك ِيف كِتَ ٍ‬ ‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬
‫ض إِ َّن ذَلِ َ‬ ‫اَّللَ يَ ْعلَ ُم َما ِيف َّ‬
‫َن َّ‬‫قال تعاىل‪﴿ :‬أََملْ تَ ْعلَ ْم أ َّ‬
‫يَ ِسريٌ﴾‪ ،‬هذا دليل على املرتبتني‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ -3‬املشيئة‪.‬‬
‫ب ال َْعال َِم َ‬
‫ي ﴾‪.‬‬ ‫اَّللُ َر ُّ‬ ‫شاءُو َن إَِّال أَ ْن يَ َ‬
‫شاءَ َّ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما تَ َ‬
‫‪ -4‬اخللق‪.‬‬
‫اَّللُ َخالِ ُق ُك ِل َش ْي ٍء﴾‪.‬‬
‫قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬

‫• أنواع التقدير‪:‬‬
‫‪ -1‬تقدير عام شامل لكل كائن‪ ،‬وهو املكتوب يف اللوح احملفوظ‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬أول ما خلق هللا القلم‪ ،‬قال له اكتب!‪ ،‬قال‪ :‬وما أكتب؟ قال‪ :‬اكتب مقادير ِ‬
‫كل شيء‬
‫حىت تقوم الساعة)) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين) ‪.‬‬
‫‪ -2‬تقدير مفصل للتقدير العام‪ ،‬وهو أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬التقدير العمري‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬التقدير احلويل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التقدير اليومي‪.‬‬

‫• َثرات اإلميان ابلقضاء والقدر‪:‬‬


‫‪ -1‬صحة إميان الشخص بتكامل أركان اإلميان‪.‬‬
‫‪ -2‬طمأنينة القلب وارتياحه وعدم القلق يف هذه احلياة عندما التعرض ملشاق احلياة‪.‬‬
‫‪ -3‬الثبات عند مواجهة األزمات‪.‬‬
‫‪ -4‬حتويل احملن إىل منح‪ ،‬واملصائب إىل أجر‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل واإلنتاج والقوة‪.‬‬
‫‪ -6‬توفر اإلنتاج والثراء‪)1(.‬‬
‫==================================‬
‫‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪62‬‬
‫احملاضرة الثانية عشرة‬

‫القضيىة األوىل ‪ ( :‬ما يناقض اإلميان )‬


‫يناقض اإلميان كل اعتقاد أو قول أو عمل من أنواع الشرك األكرب ‪ ،‬والكفر األكرب ‪ ،‬والنفاق األكرب‪.‬‬
‫وقد بينا سابقا الشرك األكرب وأبرز صوره ‪.‬‬
‫أما الكفر األكرب فيكون ابالعتقاد‪ ،‬وابلقول‪ ،‬وابلفعل‪ ،‬وابلشك والريب‪ ،‬وابلرتك‪ ،‬وابإلعراض‪،‬‬
‫وابالستكبار‪.‬‬
‫وهلذا فإن الكفر أنواع كثرية؛ من لقي هللا تعاىل بواحد منها ال يغفر له‪ ،‬وال تنفعه الشفاعة يوم القيامة‪.‬‬
‫أنواع الكفر‪:‬‬
‫‪-1‬كفر التكذيب ‪ ،‬وهو اعتقاد كذب الرسل عليهم السالم‪ ،‬فمن كذهبم فيما جاؤوا به ظاهرا أو ابطنا‬
‫فقد كفر‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬ومن أَظْلَم ِممَّ ِن افْ ََتى َعلَى َِّ‬
‫اَّلل َك ِذ ًاب أ َْو َك َّذ َ ِ‬
‫ب اب َْلَِق لَما َجاءَهُ أَل َْي َ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ين} [العنكبوت‪.]68:‬‬ ‫ِيف َج َهن َ‬
‫َّم َمثْ ًوى ل ْل َكاف ِر َ‬
‫‪ –2‬كفر اإلابء واالستكبار‪ ،‬وذلك أبن يكون عاملا بصدق الرسول‪ ،‬وأنه جاء ابحلق من عند هللا‪ ،‬لكن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ُج ُدوا‬ ‫ال ينقاد حلكمه وال يذعن ألمره‪ ،‬استكبارا وعنادا‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪َ { :‬وإِ ْذ قُ لْنَا لل َْمالئِ َكة ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين} [البقرة‪.]34:‬‬ ‫ْرب َوَكا َن م َن الْ َكاف ِر َ‬ ‫استَك ََ‬ ‫يس أ َََب َو ْ‬
‫س َج ُدوا إال إبْل َ‬ ‫آل َد َم فَ َ‬
‫‪-3‬كفر الشك‪ ،‬وهو الرتدد‪ ،‬وعدم اجلزم بصدق الرسل‪ ،‬ويقال له كفر الظن‪ ،‬وهو ضد اجلزم واليقني‪.‬‬
‫الساعةَ‬
‫َ‬ ‫والدليل قوله تعاىل‪َ { :‬و َد َخ َل َجنَّتَهُ َو ُه َو ظَ ِاملٌ لِنَ ْف ِس ِه قَ َ‬
‫ال َما أَظُ ُّن أَ ْن تَبِي َد َه ِذهِ أَبَ ًدا َوَما أَظُ ُّن‬
‫ت ِابلَّ ِذي‬ ‫ال لَه ص ِ‬
‫احبُهُ َو ُه َو ُحيَا ِو ُرهُ أَ َك َف ْر َ‬ ‫ألج َد َّن َخ ِ‬ ‫ت إِ َىل رِيب ِ‬ ‫قَائِ َمةً َولَئِ ْن ُرِد ْد ُ‬
‫ريا م ْن َها ُم ْن َقلَبًا قَ َ ُ َ‬ ‫ًْ‬ ‫َ‬
‫َح ًدا} [الكهف‪:‬‬ ‫اَّللُ َرِيب َوال أُ ْش ِر ُك بَِرِيب أ َ‬‫واك َر ُج ًال لَكِنا ُه َو َّ‬ ‫اب ُمثَّ ِم ْن نُطْ َف ٍة ُمثَّ َس َ‬‫ك ِم ْن تُر ٍ‬
‫َ‬ ‫َخلَ َق َ‬
‫‪.]38-35‬‬
‫‪-4‬كفر اإلعراض ‪ ،‬واملراد اإلعراض الكلي عن الدين‪ ،‬أبن يعرض بسمعه وقلبه وعلمه عما جاء به‬
‫ين َك َف ُروا َعما أُنْ ِذ ُروا ُم ْع ِر ُ‬
‫ضو َن} [األحقاف‪:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪َ { :‬والذ َ‬
‫‪.]3‬‬

‫‪63‬‬
‫وأما النفاق األكرب‪ ،‬فاملراد به النفاق االعتقادي أبن يظهر اإلميان ويبطن الكفر‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪:‬‬
‫آمنُوا ُمثَّ َك َف ُروا فَطُبِ َع َعلَى قُ لُوهبِِ ْم فَ ُه ْم ال يَ ْف َق ُهو َن} [املنافقون‪.]3:‬‬ ‫{ذَلِ َ‬
‫ك ِِب ََّهنُ ْم َ‬
‫القضية الثانية‪( :‬التعامل مع أتباع الدايانت األخرى)‪:‬‬
‫بداية البد أن نعلم أن التعامل مع أتباع الدايانت األخرى ال جيوز أن يتعارض مع عقيدة الوالء والرباء‪.‬‬
‫بشرط أن تقوم هذه العقيدة يف نفس املؤمن على وجه االعتدال والوسطية اليت هي مسة مجيع العقائد‬
‫واالحكام اإلسالمية‪.‬‬
‫ومعىن الوالء والرباء يف الشرع‪ ،‬هو احلب يف هللا‪ ،‬والبغض يف هللا؛ أي‪ :‬حب هللا ومجيع حمبوابته؛ كالرسل‪،‬‬
‫واملالئكة‪ ،‬والقرآن الكرمي‪ ،‬والصالة‪ ،‬واحلجاب‪ ،‬وبـُغْض مجيع مبغوضاته؛ كالشرك‪ ،‬والكفر‪ ،‬والبدع‪،‬‬
‫ف َأيِْيت َّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫س ْو َ‬ ‫آمنُوا َم ْن يَ ْرتَ َّد م ْن ُك ْم َع ْن دينه فَ َ‬ ‫ين َ‬ ‫واملعاصي؛ قال ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ ﴿ -:‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫بَِقوٍم ُِحيبُّ هم و ُِحيبُّونَه أ َِذلَّ ٍة َعلَى الْم ْؤِمنِ ِ ٍ‬
‫ين ﴾ [املائدة‪ ،]54 :‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪-:‬‬ ‫ي أَع َّزة َعلَى الْ َكاف ِر َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ين َم َعهُ إِ ْذ قَالُوا لَِق ْوِم ِه ْم إِ َّان بُ َرآءُ ِم ْن ُك ْم َوِممَّا تَ ْعبُ ُدو َن‬ ‫اه َّ ِ‬
‫يم َوالذ َ‬
‫ِ ِ‬
‫سنَةٌ ِيف إبْ َر َ‬
‫ُس َوةٌ َح َ‬
‫ت لَ ُك ْم أ ْ‬ ‫﴿ قَ ْد َكانَ ْ‬
‫ضاء أَب ًدا ح َّىت تُ ْؤِمنُوا ِاب َِّ‬ ‫ون َِّ‬ ‫ِمن ُد ِ‬
‫َّلل َو ْح َدهُ ﴾‬ ‫اَّلل َك َف ْرَان بِ ُك ْم َوبَ َدا بَ ْي نَ نَا َوبَ ْي نَ ُك ُم ال َْع َد َاوةُ َوالْبَ غْ َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫اَلب يف هللا والبغض يف هللا)؛ أي‪:‬‬ ‫[املمتحنة‪ ،]4 :‬وقال‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬أوثق ُع َرى اإلميان ُّ‬
‫أقوى أصول اإلميان وبناء على هذا فإن التعامل مع غري املسلمني ال يعن الرضا ابلكفر أو الشرك مطلقاً‪.‬‬
‫وي قوم التعامل مع غري املسلمني من أتباع الدايانت األخرى ممن مل يعتدوا ومل حياربوا املسلمني على الصور‬
‫التالية بناء على اإلقرار ابألداين السماوية أو الكتابية مجيعها مع االعتقاد اجلازم أبن دين اإلسالم هو‬
‫الدين احلق الذي ارتضاه هللا للناس مجيعا وانسخ جلميع تلك األداين السابقة (‪)1‬‬

‫==================================‬
‫‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل‬
‫بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء‬
‫‪1411‬هـ‬

‫‪64‬‬
‫أوالً‪ :‬حوار الدعوة‪:‬‬
‫واملقصود به يف ‪-‬املفهوم اإلسالمي‪ :-‬احلوار مع أتباع األداين األخرى لبيان صحة هذا الدين‪ ،‬وأنه‬
‫انسخ لكل األداين السابقة‪ ،‬وإيضاح صحة نبوة حممد وحماسن اإلسالم العظيمة‪ ،‬وبيان ما هم عليه من‬
‫اخلطأ ‪ ,‬وهذا احلوار مطلوب شرعا‪ ,‬تدل عليه كل اآلايت واألحاديث الدالة على فضيلة الدعوة إىل هللا‬
‫ك ِاب َْلِكْم ِة والْمو ِعظَ ِة ا َْلسنَ ِة وج ِ‬
‫اد ْهلُ ْم‬ ‫وبيان احلق ورد الباطل ومنها قوله تعاىل‪{ :‬ا ْدعُ إِ َىل َسبِ ِ‬
‫يل َربِ َ‬
‫ََ ََ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين} [النحل‪.]125 :‬‬ ‫ض َّل َع ْن َسبيله َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِابل ُْم ْهتَد َ‬ ‫ك ُه َو أَ ْعلَ ُم ِمبَ ْن َ‬‫س ُن إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ِابلَِّيت ه َي أ ْ‬
‫َح َ‬
‫اب إِالَّ‬ ‫ادلُوا أ َْهل الْكِتَ ِ‬ ‫وقد أمر هللا تعاىل مبجادلة أهل الكتاب ابألسلوب احلسن يف قوله تعاىل‪{ :‬وال ُجتَ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫آمنَّا ِابلَّ ِذي أُنْ ِز َل إِل َْي نَا َوأُنْ ِز َل إِل َْي ُك ْم َوإِ َهلُنَا َوإِ َهلُ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ظَلَ ُموا م ْن ُه ْم َوقُولُوا َ‬ ‫س ُن إَالَّ الذ َ‬ ‫ِابلَِّيت ه َي أ ْ‬
‫َح َ‬
‫اح ٌد َوَْحن ُن لَهُ ُم ْسلِ ُمو َن} [العنكبوت‪]46:‬‬ ‫وِ‬
‫َ‬
‫وهنا ضوابط مهمة البد من مراعاَتا‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫‪-1‬حتديد اهلدف من احلوار معهم‪ ،‬واهلدف الرابين يف احلوار هو دعوهتم إىل هللا تعاىل‪ ،‬ومتن هدايتهم‬
‫لإلسالم واحلرص على تصوير اإلسالم هلم كما أمر هللا به‪ ،‬وتوضيح نقائه وصفائه هلم‪.‬‬
‫‪-2‬عدم التصدي للحوار بدون علم بدين اإلسالم‪ :‬أو عدم القدرة على توضيح غاايته بصورة صحيحة‪،‬‬
‫فليس احلوار مطلوب من كل أحد‪ ،‬بل هو مطلوب من أهل القدرة علماً وبياانً‪ ،‬أما غريهم فليس‬
‫مطلوب منه احلوار‪ ،‬إال إذا كان بشكل مبدئي يف احلث على فضائل هذا الدين‪ ،‬أو كان املخاطب‬
‫الكتايب عامي ميكن التأثري عليه دون علم دقيق مبناهج اجلدل واملناقشة‪ ،‬فهذا يدخل يف الدعوة العامة إىل‬
‫دين اإلسالم الذي هو مطلوب من كل مسلم‪.‬‬
‫‪-3‬االستفادة مما لدى أهل الكتاب من اإلقرار بوجود هللا تعاىل وصحة وجود النبوة ‪-‬يف اجلملة‪ ،-‬واليوم‬
‫اآلخر وحنوها للبناء عليها يف بيان احلق هلم‪ ،‬وينبغي مراعاة الفروق الفردية والطائفية يف دعوهتم فيوجد‬
‫فيهم من يقر بنبوة حممد صلى هللا عليه وسلم ولكنه يقصرها على العرب فمناقشة هذا ودعوته أسهل من‬
‫املنكر هلا ابجلملة‪.‬‬
‫‪-4‬إقامة األدلة العقلية على صحة نبوة حممد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ :-‬فإقراره بنبوته يقتضي ابلضرورة‬
‫إقامة األدلة العقلية على صحة نبوة حممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -5‬الدراسة الدقيقة ملنهج األنبياء يف حوار أقوامهم‪ :‬وابلذات منهج الرسالة اخلامتة للرساالت كلها وأخذ‬
‫األصول العلمية يف احلوار مع أقوامهم ودعوهتم إىل هللا تعاىل‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -6‬دراسة مناهج علماء السنة يف مناقشاهتم وحوارهم مع أهل الكتاب‪ :‬مع ضرورة التنبه إىل املناهج‬
‫البدعية يف حوار بعض أصحاب البدع مع الكتابيني مما سبب يف وجود مناهج منحرفة يف الفكر‬
‫اإلسالمي ظهرت فيما بعد على شكل فرق ضالة‪.‬‬
‫‪-7‬إثبات دين اإلسالم ابألدلة الصحيحة واملناهج القرآنية والنبوية املعتربة بعيداً عن مناهج أهل األهواء‬
‫والبدع‪ :‬ومن ذلك إثبات صحة القرآن والنبوة ابألدلة احلسية اليت تضمنتها‪ ،‬مثل‪ :‬اإلخبار ابملغيبات‬
‫ويل للنص القرآين أو النبوي‪.‬‬ ‫ومبوافقة الكشوف العلمية الثابتة دون تعسف َ‬
‫‪ -8‬البد من مراعاة حسن التعامل واملناقشة‪ :‬ليكون للدعوة قبول دون خمالفة شرعية‪ ،‬كالقول إبقرارهم‬
‫على اعتبار دينهم والثناء عليهم مبثل ذلك ابسم احرتام اآلخر‪ ،‬وال يصح التسفيه له إذا طمع الداعية يف‬
‫هدا يته‪ ،‬فاحلق وسط بني تفريط من يردد عدم اإلقصائية ويقول ابحرتام دين اآلخر‪ ،‬وكأن اخلالف هو‬
‫يف وجهات النظر ال يف أصل الدين‪ ،‬وبني اإلفراط الذي جيعل من إمكان هداية احملاور أمر يف غاية‬
‫الصعوبة‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬حوار التعايش وحكمه‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬املقصود حبوار التعايش هو‪ :‬احلوار الذي "يهدف إىل حتسني مستوى العالقة بني شعوب أو‬
‫طوائف‪ ،‬ورمبا تكون أقليات دينيّة‪ ،‬ويُعىن ابلقضااي اجملتمعيّة كاإلمناء‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والسالم‪ ،‬وأوضاع‬
‫املهجرين‪ ،‬والالجئني وحنو ذلك‪ ،‬ومن أمثلة هذا اللون من احلوار‪( :‬احلوار العريب األورويب)‪ ،‬و (حوار‬
‫ّ‬
‫الشمال واجلنوب)"‪ ،‬وقد يسمي البعض هذا النوع (التسامح)‪ ،‬وهذا التعريف هو معىن التعايش ابملفهوم‬
‫العام‪ ،‬الذي يؤخذ من داللة الكلمة دون ارتباطات ابملفاهيم الالحقة‪.‬‬
‫وهذا املفهوم العام ال يزيد على حسن املعاملة‪ ،‬والعيش بصورة مالئمة بني كافة اجملتمعات مع االختالف‬
‫الدين والفكري والثقايف‪ ،‬والتعايش هبذا املعىن بني اتباع األداين املختلفة ال يرفضه اإلسالم‪ ،‬ويدل عليه‬
‫اَّلل َع ِن الَّ ِذين َمل ي َقاتِلُوُكم ِيف ِ‬
‫الدي ِن‬ ‫ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫معىن الرب واإلحسان والقسط الوارد يف مثل قوله تعاىل‪{ :‬ال يَ ْن َها ُك ُم َُّ‬
‫ِِ‬ ‫وه ْم َوتُ ْق ِسطُوا إِل َْي ِه ْم إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ي}[املمتحنة‪.]8:‬‬ ‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫اَّللَ ُِحي ُّ‬ ‫َوَملْ ُخيْ ِر ُجوُكم من ِد َاي ِرُك ْم أَن تَ َربُّ ُ‬
‫وهلذا املفهوم ثالثة ضوابط‪:‬‬
‫‪-1‬مراعاة أنه ال تالزم بي اإلحسان والعيش الكرمي والتسامح يف املعاملة مع أصحاب الدايانت‬
‫األخرى وبي الرباءة من كفرهم وعدم الرضا به‪.‬‬
‫‪-2‬إقامة العدل‪ :‬واإلنصاف مع كل الناس‪ ،‬فالعدل أساس عظيم يف مناء اجملتمعات واستقرارها‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪-3‬التزام اَلكمة يف املعاملة‪ :‬وهي وضع األمر يف موضعه ومقامه الصحيح الالئق به‪ ،‬املوافق للمنهج‬
‫الرابين‪ ،‬ولطبيعة النفس اإلنسانية‪)1(.‬‬
‫===========================================‬
‫(‪)1‬أصول احلوار وآدابه يف اإلسالم أتليف الشيخ الدكتور صاحل بن محيد‬

‫‪67‬‬
‫اثلثاً‪ :‬حفظ مطلق اَلقوق الثابتة لغري املسلم يف بالد املسلمي‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم إكراهه على دين اإلسالم كما قال تعاىل‪{ :‬ال إكراه يف الدين قد تبي الرشد من الغي}‬
‫(البقرة‪.)256 :‬‬
‫‪ -2‬احرتام التكرمي اإلهلي لإلنسان على أاي كانت داينته كما قال تعاىل‪[:‬ولقد كرمنا بين آدم وْحلناهم‬
‫يف الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كث ٍري ممن خلقنا تفضيالً] (اإلسراء‪:‬‬
‫‪.)70‬‬
‫وأكد نبينا صلى هللا عليه وسلم وصحبه احرتام النفس اإلنسانية‪ ،‬ففي اخلرب أن سهل بن حنيف وقيس‬
‫بن سعد كاان قاعدين ابلقادسية‪ ،‬فمروا عليهما جبنازة فقاما‪ ،‬فقيل هلما‪ :‬إهنا من أهل األرض‪ ،‬أي من‬
‫أهل الذمة فقاال‪ :‬إن النيب صلى هللا عليه وسلم مرت به جنازة فقام‪ .‬فقيل له‪ :‬إهنا جنازة يهودي؟!‬
‫فقال‪( :‬أليست نفساً)‬
‫‪ -3‬حسن العشرة واملعاملة احلسنة لغري احملارب واملعتدي من غري املسلمني فقد أمر هللا يف القرآن الكرمي‬
‫املسلمني برب خمالفيهم يف الدين‪ ،‬الذين مل يتعرضوا هلم ابألذى والقتال‪ ،‬فقال‪[ :‬ال ينهاكم هللا‬
‫عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين ومل خيرجوكم من دايركم أن تربوهم وتقسطوا إليهم إن هللا‬
‫حيب املقسطي] (املمتحنة‪.)8 :‬‬
‫قال الطربي‪" :‬عىن بذلك ال ينهاكم هللا عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين من مجيع أصناف امللل واألداين‬
‫أن تربوهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم‪ .‬وقوله‪{ :‬إن هللا حيب املقسطي} يقول‪ :‬إن هللا حيب املنصفني‬
‫الذين ينصفون الناس ويعطوهنم احلق والعدل من أنفسهم‪ ،‬فيربون من برهم‪ ،‬وحيسنون إىل من أحسن‬
‫إليهم"‪.‬‬
‫‪-4‬العدل يف معاملتهم ورفع الظلم عنهم قال تعاىل‪[ :‬اي أيها الذين آمنوا كونوا قوامي هلل شهداء‬
‫ابلقسط وال جيرمنكم شنآن قوم على أن ال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى] (املائدة‪.)8 :‬‬
‫قال البيضاوي‪" :‬ال حيملنكم شدة بغضكم للمشركني على ترك العدل فيهم‪ ،‬فتعتدوا عليهم ابرتكاب ما‬
‫ال حيل‪ ،‬كمثلة وقذف وقتل نساء ِ‬
‫وصبية ونقض عهد‪ ،‬تشفياً مما يف قلوبكم [اعدلوا هو أقرب للتقوى]‬ ‫ُ‬
‫أي‪ :‬العدل أقرب للتقوى‪.‬‬
‫‪-5‬حرمة دماء وأموال غري املسلمني من املعاهدين والذميني واملسـتأمنني فقد حرم اإلسالم االعتداء‬
‫عليهم وذلك يف أحاديث كثرية من سنة النيب صلى هللا عليه وسلم منها‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬من قتل معاهدا مل يرح‬
‫رائحة اجلنة‪ ،‬وإن رحيها توجد من مسرية أربعي عاما"‬
‫وعن عبد هللا بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من قتل قتيال من أهل الذمة مل‬
‫جيد ريح اجلنة‪ ،‬وإن رحيها ليوجد من مسرية أربعي عاماً)‪)1(.‬‬

‫=======================================‬
‫(‪)1‬حقوق غري املسلمني يف بالد اإلسالم أتليف أ‪.‬د‪ .‬صاحل بن حسني العابر‪-‬وكالة‬
‫املطبوعات والبحث العلمي وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد اململكة العربية‬
‫السعودية ‪1429‬هـ‬

‫‪69‬‬
‫‪ -‬مسألة دعوى تقارب األداين‪:‬‬
‫التقارب بني األداين أمر نسيب‪ ،‬وأييت على صورتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬التقارب الذي يعن االندماج الكامل والوحدة التامة بني األداين املبن على االعتقاد بصحة مجيع‬
‫املعتقدات الدينيّة‪ ،‬وصواب مجيع العبادات‪ ،‬وهذا الشكل من التقارب ال ميكن حصوله مطلقا‪ .‬وال جتوز‬
‫الدعوة إليه مطلقا؛ ألن اخلالف بني دين اإلسالم وبني غريه من األداين يتعلق أبصول ال ميكن أن يكون‬
‫احلق فيها إال واحدا وهو ما قرره اإلسالم من وحدانية هللا تعاىل ونبذ الشرك‪ .‬كما قال تعاىل مبينا لرسوله‬
‫اب تَ َعال َْوا إِ َىل َكلِ َم ٍة َس َو ٍاء بَ ْي نَ نَا‬
‫ما جيب أن يكون عليه احلوار الدين مع أهل الكتاب‪{:‬قُ ْل َاي أ َْهل الْكِتَ ِ‬
‫َ‬
‫ون ا َِّ‬ ‫ضنَا ب ْعضاً أَرابابً ِمن ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّلل فَِإ ْن تَ َولَّْوا‬ ‫َْ ْ‬ ‫اَّللَ َوال نُ ْش ِر َك بِه شيئاً َوال يَتَّخ َذ بَ ْع ُ َ‬
‫َوبَ ْي نَ ُك ْم أَالَّ نَ ْعبُ َد إِالَّ َّ‬
‫فَ ُقولُوا ا ْش َه ُدوا ِِب ََّان ُم ْسلِ ُمو َن} [آل عمران‪.]64 :‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬التقارب الذي ال يصل إىل درجة الوحدة بني األداين‪ ،‬وال يدعي صحة مجيع األداين‪،‬‬
‫وإمنا تكون الدعوة فيه إىل‪:‬‬
‫‪- .1‬التعرف على اآلخر‪.‬‬
‫‪- .2‬إبراز أوجه االتفاق لتحقيق قدر كاف من التعايش‪.‬‬
‫‪- .3‬التعاون على حتقيق القيم املشرتكة مثل‪:‬‬
‫أ‪-‬التعاون لصد اإلحلاد يف العقيدة‪.‬‬
‫ب‪-‬الوقوف ضد دعاة اإلابحية‪.‬‬
‫ج‪-‬التعاون حول قضااي العدل واملستضعفني‪ ،‬والشعوب املضطهدة واألوطان احملتلة‪ ،‬والفقر واملرض‪...‬‬
‫اخل‪.‬‬
‫د‪-‬االعرتاف ابآلخر وحفظ حقوقه‪ ،‬واحرتام مقدساته‪ .‬وهذه الصور من دعوة التقريب قريبة جدا من‬
‫حوار التعايش‪)1(.‬‬
‫======================================‬
‫(‪)1‬خمتصر دعوة التقريب بني األداين دراسة نقدية يف ضوء العقيدة اإلسالمية أتليف أمحد‬
‫عبدالرمحن عثمان القاضي‬

‫‪70‬‬
‫‪-‬القضيىة الثالثة‪ :‬حكم أهل املعاصي‪:‬‬
‫عند أهل السنة أن العاصي يف الدنيا ال خيرج عن اسم اإلسالم واإلميان‪ ،‬ويقال له مؤمن إبميانه فاسق‬
‫بكبريته‪ .‬ومؤمن انقص اإلميان‪.‬‬
‫وأما يف اآلخرة فحكمه إىل هللا تعاىل إن شاء غفر له بفضله‪ ،‬وإن شاء عاقبه بعدله وال خيلد يف النار مثل‬
‫سائر الكفار إن دخلها‪ ،‬وهذا هو الذي جتتمع عليه النصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫خبالف اخلوارج الذين يرون أنه كافر يف الدنيا وخملد يف اآلخرة يف النار‪.‬‬
‫وخبالف املعتزلة الذين يرون أنه يف منزلة بني املنزلتني يف الدنيا فال هو مؤمن وال هو كافر ولكنه يف اآلخرة‬
‫خملد يف النار‪.‬‬
‫وخبالف املرجئة الذين حكموا إبميانه إمياانً كامالً يف الدنيا وهو يف اآلخرة مع النبيني الصديقني‬
‫والشهداء‪.‬‬
‫وحجة اجلميع تتفق يف أهنم يرون أن اإلميان شيء واحد ال يتبعض فال يزيد وال ينقص‪ ،‬فإما يكون‬
‫الشخص عاصياً والعاصي ليس مبؤمن‪ ،‬وإما أن يكون طائعاً وهو املؤمن‪.‬‬

‫احملاضرة الثالثة عشرة‬

‫البدعة لغة‪ :‬االخرتاع على غري مثال سابق‪.‬‬


‫ويف االصطالح‪ :‬ما أُحدث يف الدين على خالف ما كان عليه النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه من‬
‫عقيدةٍ أو عمل‪.‬‬
‫شئت فقل‪" :‬التعبُّد‬
‫شرعا ضابطها‪" :‬التعبد هلل مبا مل يَشرعه هللا"‪ ،‬وإن َ‬
‫وعرفها ابن عثيمني بقوله‪ :‬البدعة ً‬ ‫َّ‬
‫فكل َمن تعبَّد هلل بشيء مل‬
‫هلل تعاىل مبا ليس عليه النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال خلفاؤه الراشدون"‪ُّ ،‬‬
‫يشرعه هللا‪ ،‬أو بشيء مل يكن عليه النيب صلى هللا عليه وسلم وخلفاؤه الر ِاشدون‪ ،‬فهو م ِ‬
‫بتدع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫• أقسام االبتداع‪:‬‬
‫‪ -1‬ابتداع يف العادات‪ ،‬كابتداع املخرتعات احلديثة‪ ،‬وهذا مباح؛ ألن األصل يف العادات اإلابحة‪.‬‬
‫‪ -2‬ابتداع يف الدين‪ ،‬وهذا حمرم؛ ألن األصل يف الدين والعبادات التوقيف؛ قال ‪(( :‬من أحدث‬

‫‪71‬‬
‫يف أمران هذا ما ليس منه؛ فهو رد)) (متفق عليه)‪.‬‬
‫• أنواع البدع الدينية‪:‬‬
‫تتنوع البدعة إىل بدعة اعتقادية وبدعة قولية وبدعة عملية‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪ .1‬البدعة االعتقاديَّة‪ :‬وهي اعتقاد الشيء على خالف ما جاء عن ِّ‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم؛‬
‫ظهرت‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫كبِدعة اجلهميَّة‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬و َّ ِ‬
‫الرافضة‪ ،‬وسائر الفَرق الضالة‪ ،‬ويَدخل يف ذلك الفَر ُق اليت َ‬
‫حديثًا؛ كالقاداينيَّة‪ ،‬والبهائيَّة‪.‬‬
‫قول مل ِ‬
‫أتت به الشريعةُ؛ كالقول خبَلق‬ ‫قول جاءت به الشريعة‪ ،‬أو ابتداع ٍ‬ ‫‪ .2‬البدعة القولية‪ :‬تغيري ٍ‬
‫القرآن‪ ،...‬وغريه‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ .3‬البدعة العمليَّة‪ :‬العمل الذي خيالف َ‬
‫أمر هللا‪ ،‬وهي أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬بِدعة يف أصل العِبادة‪ ،‬فيُحدث عبادةً ليس هلا أصل يف الشَّرع؛ كأن ُحي ِدث صالة غري‬
‫أعيادا غري مشروعة؛ كأعياد املوالد وغريها‪.‬‬
‫صياما غري مشروع‪ ،‬أو ً‬ ‫مشروعة‪ ،‬أو ً‬
‫الزايدة على العِبادة املشروعة‪ ،‬كما لو زاد ركعةً خامسة يف صالة الظهر أو‬ ‫النوع الثاين‪ :‬ما يكون من ِّ‬
‫العصر تعبدا هلل مثالً‪.‬‬
‫يؤديها على ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صفة غري مشروعة‪ ،‬وكذلك أداء‬ ‫النوع الثالث‪ :‬ما يكون يف صفة أداء العبادة املشروعة؛ أبن ّ‬
‫ات مجاعيَّة مطربة‪ ،‬وكالتعبُّد ابلتشديد على النَّفس يف العبادات إىل ح ٍّد ُخيرج عن‬
‫األذكار املشروعة أبصو ٍ‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم يسألون عن‬ ‫قصة الثالثة الذين جاؤوا إىل بيوت أزواج ِّ‬ ‫السنَّة‪ ،‬ومن أمثلته‪َّ :‬‬
‫النيب صلَّى هللا عليه وسلم؛ قد َغفر هللاُ له ما‬ ‫َّ ُّ‬
‫عبادته‪ ،‬فلما أُخربوا هبا كأهنم تقالوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأين حنن من ِّ‬
‫َّهر وال أفطر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أبدا‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أان أصوم الد َ‬ ‫الليل ً‬
‫أتخر؟! قال أحدهم‪َّ :‬أما أان فأصلّي َ‬
‫تقدَّم من ذنبه وما َّ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪(( :‬أنتم الذين‬
‫أبدا‪ ،‬فجاء ُ‬ ‫وقال آخر‪ :‬أان أعتزل النساءَ فال أتزوج ً‬
‫أفطر‪ ،‬وأصلِّي وأرقد‪ ،‬و َّ‬
‫أتزوج‬ ‫لكن أصوم و ِ‬
‫ُ‬ ‫إين ألخشاكم هلل‪ ،‬وأتقاكم له؛ ِّ‬
‫ِ‬
‫قُلتم كذا وكذا؟ أَما وهللا ِّ‬
‫ِ‬
‫النساء؛ فمن َرغب عن سنَّيت فليس ِّ‬
‫من))‪.‬‬
‫خيصصه الشرعُ؛ كتخصيص يوم النِّصف من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫النوع الرابع‪ :‬ما يكون بتخصيص وقت للعبادة املشروعة مل ّ‬
‫فإن أصل الصيام والقيام مشروع‪ ،‬ولكن ختصيصه بوقت من األوقات حيتاج‬ ‫شعبان بصيام‪ ،‬وليلته بقيام؛ َّ‬
‫إىل دليل‪.‬‬
‫• حكم االبتداع يف الدين‪:‬‬
‫االبتداع يف الدين حمرم وضاللة؛ لقوله ‪(( :‬وإايكم وحمداثت األمور؛ فإن كل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫بدعة ضاللة)) (أبو داود‪ ،‬وصححه األلباين)‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ولكن التحرمي يتفاوت حبسب نوعية البدعة‪ ،‬فقد يكون كفرا‪ ،‬أو وسيلة من وسائل الشرك‪ ،‬أو فسقا‬
‫اعتقاداي‪ ،‬أو معصية‪ ،‬أو خطأ‪.‬‬
‫• أسباب ظهور البدع يف املسلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬اجلهل أبحكام الدين‪.‬‬
‫‪ -2‬اتباع اهلوى‪.‬‬
‫‪ -3‬التعصب لآلراء والرجال‪.‬‬
‫‪ -4‬التشبه ابلكفار‪.‬‬
‫• موقف أهل السنة واجلماعة من املبتدعة ومنهجهم يف الرد عليهم‪.‬‬
‫ينكرون عليهم‪ ،‬ويردون عليهم‪.‬‬
‫ومنهجهم يف الرد على أهل البدع مبن على الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وهو املنهج املقنع املفحم؛ حيث يوردون شبه املبتدعة وينقضوهنا‪ ،‬ويستدلون ابلكتاب والسنة على‬
‫وجوب التمسك ابلسنن والنهي عن البدع واحملداثت‪.‬‬
‫وهلم يف ذلك مؤلفات كثرية‪.‬‬
‫• بدع معاصرة‪:‬‬
‫البدع املعاصرة كثرية حبكم أتخر الزمن‪ ،‬وقلة العلم‪ ،‬وكثرة الدعاة إىل البدع واملخالفات‪ ،‬وسراين التشبه‬
‫ابلكفار يف عاداهتم وطقوسهم؛ ولعل من أبرز هذه البدع‪ ،‬اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬االحتفال ابملولد النبوي‪.‬‬
‫ال جيوز‪ ،‬وهو بدعة؛ ألنه ال أصل له يف الكتاب والسنة وعمل السلف الصاحل والقرون املفضلة‪ ،‬وإمنا‬
‫حدث متأخرا بعد القرن الرابع اهلجري‪ ،‬أحدثه الفاطميون الشيعة‪.‬‬
‫وقد يصحبه بعض املنكرات والشركيات من الغلو يف مدح النيب ‪ ،‬ودعائه من دون هللا تعاىل‪،‬‬
‫واالستغاثة به‪ .‬وقد قال النيب ‪(( :‬كل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة)) (أبو داود‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين)‪.‬‬
‫‪-2‬التربك ابألماكن واآلاثر واألشخاص أحياءً وأموااتً‪.‬‬
‫ال جيوز‪ ،‬وهو بدعة؛ ألنه إما شرك إن اعتقد أن ذلك الشيء مينح الربكة‪ ،‬أو وسيلة إىل الشرك إن اعتقد‬
‫أن زايرته ومالمسته والتمسح به سبب حلصوهلا من هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وأما ما كان يفعله الصحابة من التربك بشعر النيب ‪ ‬وريقه وما انفصل من جسمه ‪‬؛ فذلك خاص به‬

‫‪73‬‬
‫يف حال حياته؛ بدليل أهنم مل يكونوا يتربكون حبجرته وقربه بعد موته‪ ،‬وال كانوا يقصدون األماكن اليت‬
‫صلى فيها أو جلس فيها ليتربكوا هبا‪.‬‬
‫‪-3‬البدع يف جمال العبادات والتقرب إىل هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وهي عبادات مل يدل عليها دليل‪ ،‬وقد عد العلماء منها‪:‬‬
‫اجلهر ابلنية للصالة؛ والذكر اجلماعي بعد الصالة؛ وطلب قراءة الفاحتة يف املناسبات وبعد الدعاء‬
‫لألموات‪ ،‬وإقامة املآمت على األموات وصناعة األطعمة واستئجار املقرئني‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬االحتفال ابملناسبات الدينية كمناسبة اإلسراء واملعراج‪ ،‬ومناسبة اهلجرة النبوية‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬العمرة الرجبية‪ ،‬واألذكار الصوفية املخالفة لألذكار املشروعة‪ ،‬وختصيص ليلة النصف من شعبان‬
‫بقيام ويوم النصف من شعبان بصيام‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬البناء على القبور‪ ،‬واختاذها مساجد‪ ،‬وزايرهتا ألجل التربك هبا والتوسل ابملوتى وغري ذلك من‬
‫األغراض الشركية‪ ،‬وزايرة النساء هلا‪)1( .‬‬
‫=============================‬
‫(‪-)1‬اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد ‪-‬الدكتور صاحل بن فوزان الفوزان‬
‫األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء ‪1411‬هـ‬

‫انتهى وابهلل التوفيق‬

‫‪74‬‬

You might also like