Professional Documents
Culture Documents
(111سلم)2-
1
احملاضرة األوىل
• تعريف الثقافة:
الثقافة يف اللغة:
الظفر ،واحلذق ،والفطنة ،والتهذيب ،والتقومي ،وسرعة أخذ العلم.
الثقافة يف االصطالح:
هي اجملموع الكلي للعادات ،والتقاليد ،واملعتقدات ،وطريقة العيش اليت تسري عليها وتتمسك هبا مجاعة
إنسانية.
• مفهوم الثقافة اإلسالمية:
عرفت الثقافة اإلسالمية ابعتبارين:
ابعتبارها علما وفنا يضاف إىل ابقي العلوم اإلسالمية .فهي من هذا املنطلق( :العلم مبنهاج اإلسالم -1
الشمويل يف القيم والنظم والفكر ونقد الرتاث اإلنساين فيها"
عرفت ابعتبارها مصطلح يعرب عن حياة األمة اإلسالمية ،وهويتها الدينية واحلضارية. -2
فمن هذا املنطلق عرفت الثقافة اإلسالمية ابهنا( :مموعة العقائد واألفكار ،والقيم واآلداب ،واألخالق،
واألعراف والعادات اليت تصدر عن الكتاب والسنة واألحكام املنبثقة منهما أو اليت ال تتعارض معها واليت
صبغت هبا حياة املسلم).
• أمهية دراسة الثقافة اإلسالمية:
دراسة الثقافة اإلسالمية مهمة ألهنا:
-1تقدم التصور الصحيح والكامل للحياة واإلنسان والكون.
-2ترفع قدر ومنزلة من يتمسكون هبا ،ويلتزمون مببادئها املنبثقة من القرآن الكرمي والسنة املطهر.
2
-3تنمي ذخرية الفرد املسلم املعرفية ،وجتعله يقف على عظم ما عنده من موروث أصيل صايف
املصدر.
-4تربط املسلم مباضيه التليد ،وحاضره املعاش ،وتضع له معامل مستقبله الزاهي.
-5توجه العقل الوجهة السليمة ،وترشده إىل التدبر والتأمل يف ملكوت هللا عز وجل؛ ليستغل ذلك يف
عمارة األرض مبا يعود ابخلري على متمعه والبشرية.
-6تكسب دارسها التوازن مبا تليب من مطالب الروح واجلسد ،والفرد واجملتمع.
-7حتدث أتثرياً ابلغاً يف سلوك وأخالق ومعامالت الفرد املسلم؛ فيصبح حسن السري والسلوك،
سامي األخالق.
-8تكسب الراحة النفسية والفكرية ،اليت تعصم دارسها من القلق واالضطراب الفكري.
3
-3التاريخ اإلسالمي.
-4اللغة العربية.
-5اخلربات والقيم اإلنسانية.
-6األعراف الكرمية.
4
احملاضرة الثانية
اإلسالمية العقيدةلعقيدة
اإلسالمية التعريف اب
العناصر:
العقيدة يف اللغة. -1
العقيدة اإلسالمية يف االصطالح. -2
مرادفات مصطلح العقيدة اإلسالمية. -3
العقيدة وآاثرها. -4
-5حكم معرفة العقيدة اإلسالمية.
-6حكم الدعوة إىل العقيدة اإلسالمية.
• العقيدة يف اللغة:
ط ،والش ُّ
َّد بقوة. الرب ُ
الع ْقد :وهو َّ
من َ
وما يصدقه اإلنسان ويدين به يسمى عقيدة.
-1األمساء املرادفة ملصطلح العقيدة اإلسالمية :التوحيد ،السنة ،اإلميان ،أصول الدين ،الفقه األكرب،
الشريعة.
5
-2إذا أطلقت العقيدة اإلسالمية ،فإن املراد هبا عقيدة أهل السنة واجلماعة؛ ألهنا هي اإلسالم الذي
ارتضاه هللا ديناً لعباده ،وهي عقيدة القرون الثالثة املفضلة.
ي نُ َولِ ِه ِ
يل ال ُْم ْؤمنِ َ
ري َسبِ ِ ِ
ي لَهُ ا ْهلَُدى َويَتَّب ْع غَ ْ َ
ِ الرس َ ِ
ول م ْن بَ ْعد َما تَبَ َّ َ
كما قال هللا تعاىل{:ومن ي َ ِ
شاق ِق َّ ُ ََ ْ ُ
صلِ ِه ج َهنَّم وساء ْ ِ
ريا} [النساء ،]117 :واملراد ابملؤمني عند نزول هذه اآلية ت َمص ً َما تَ َو َّىل َونُ ْ َ َ َ َ َ
الكرمية الصحابة الكرام ومن التزم طريقهم الذي بينه هلم النيب صلى هللا عليه وسلم.
• العقيدة وآاثرها:
العقيدة قسمان :عقيدة سليمة ،وعقيدة غري سليمة.
أوالً :العقيدة السليمة ،وهي العقيدة اإلسالمية القائمة على التوحيد اخلالص هلل تعاىل ،وعلى املتابعة
لسنة وطريقة نبيه حممد صلى هللا عليه وسلم .ومن آاثرها ومثراهتا أهنا:
-1تعصم الدم واملال يف الدنيا ،وحترم االعتداء عليهما وانتهاكهما بغري حق؛ كما جاء يف حديث
اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَطُ ُ
وف صلَّى َّ ول َِّ اَّللِ بْ ُن عُ َمَر -رضي هللا عنهم ،قَ َ
اَّلل َ ت َر ُس َ (رأَيْ ُ
الَ : وعْب ُد َّ
ابن عباسَ -
س ُحمَ َّم ٍد بِيَ ِدهِ، ِ َّ ِ ِ ِ
ب ِرحيَكَ ،ما أَ ْعظَ َمك َوأَ ْعظَ َم ُح ْرَمتَكَ ،والذي نَ ْف ُ
ِ
ولَ :ما أَطْيَ بَك َوأَطْيَ َ ِابلْ َك ْعبَ ِة َويَ ُق ُ
ِِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ََلرمةُ الْم ْؤِم ِن أَ ْعظَم ِعْن َد َِّ
اَّلل ُح ْرَمةً م ْنك َماله َو َدمهَ ،وأَ ْن نَظُ َّن به إ َّال َخ ْ ً
ريا) ُ ُْ َ ُ
-2تنجي من عذاب هللا يوم القيامة؛ لقوله (( :من لقي هللا ال يشرك به شيئا؛ دخل اجلنة ))
(متفق عليه) .
-3يكفر هللا هبا اخلطااي؛ لقوله (( :قال هللا تعاىل اي ابن آدم! لو أتيتين بقراب األرض خطااي ،مث
لقيتين ال تشرك يب شيئا؛ ألتيتك بقراهبا مغفرة)) (الرتمذي ،وحسنه األلباين).
اَلًا ِم ْن ذَ َك ٍر أ َْو أُنْ ثَى
-4تقبل معها األعمال الصاَلة وتنفع صاحبها؛ قال تعاىل﴿ :من َع ِمل ص ِ
َْ َ َ
ِ
س ِن َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾. َج َرُه ْم ِِب ْ
َح َ َو ُه َو ُم ْؤم ٌن فَ لَنُ ْحيِيَ نَّهُ َحيَاةً طَيِبَةً َولَنَ ْج ِزيَن ُ
َّه ْم أ ْ
-5تكسب أصحاهبا العز والتمكي والظهور ،لقوله (( :ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على
اَلق ،ال يضرهم من خذهلَم حىت أييت أمر هللا وهم كذلك)) ( رواه مسلم) .
اثنياً :العقيدة الفاسدة ،وهي العقيدة القائمة ا على الكفر أو الشرك األكرب ،واملخالفة للكتاب والسنة
وما امجع عليه سلف األمة ومن آاثرها:
ك َوإِ َىل -1حتبط مجيع األعمال إن كانت كفرا أو شركا أكرب؛ كما قال تعاىل﴿ :ولََق ْد أ ِ
ُوح َي إِل َْي َ َ
ك ولَتَ ُكونَ َّن ِمن ْ ِ ين ِم ْن قَ ْبلِ َ
ك لَئِ ْن أَ ْش َرْك َ َّ ِ
ين﴾ أو تفسد العمل الذي اخلَاس ِر َ َ ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ َ الذ َ
6
قارنته إذا كانت بدعة مل تصل إىل درجة الكفر األكرب لقوله صلى هللا عليه وسلم( :من عمل
عمالً ليس عليه أمران فهو رد) متّفق عليه.
اَّللَ َال يَغْ ِف ُر أَ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َ
ك -2حترم صاحبها من املغفرة والرْحة .قال تعاىل﴿ :إِ َّن َّ
لِ َم ْن يَ َ
شاءُ﴾.
7
أصول العقيدة اإلسالمية
العناصر:
-1تعريفها.
-2تعدادها.
-3أدلتها.
-4حكم منكرها.
• تعريفها:
أصول العقيدة اإلسالمية هي :أسس العقيدة اإلسالمية وأركاهنا اليت تقوم عليها ،وتسمى أركان
اإلميان الستة.
• تعدادها:
للعقيدة اإلسالمية ستة أصول ،جيب اإلميان هبا ،وهي :اإلميان ابهلل تعاىل ،واملالئكة ،والكتب ،والرسل،
واإلميان ابليوم اآلخر ،وابلقدر خريه وشره.
8
• أدلتها:
َّلل َوالْيَ ْوِم
ب ولَكِ َّن الِْربَّ من آمن ِاب َِّ
َْ ََ
ِ قال تعاىل﴿:لَيس الِْربَّ أَ ْن تُولُّوا وج َ ِ
وه ُك ْم قبَ َل ال َْم ْش ِرق َوال َْمغْ ِر ِ َ َ ُُ ْ َ
ي﴾،وقال تعاىل﴿ :إِ َّان ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ ْقنَاهُ بَِق َد ٍر﴾. ْاآل ِخ ِر َوال َْم َالئِ َك ِة َوالْكِتَ ِ
اب َوالنَّبِيِ َ
وقال يف حديث جربيل ملا سئل ما اإلميان؟ قال(( :اإلميان أن تؤمن ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه،
ورسله ،واليوم اآلخر ،وتؤمن ابلقدر خريه وشره)) ( رواه مسلم) )1(.
• حكم منكر أصول اإلميان مع بيان خطورة التكفري وشروطه وموانعه:
تلكم هي أصول العقيدة اإلسالمية اليت جيب على كل مكلف أن يؤمن هبا على سبيل اإلمجال ،ومن
أنكرها أو بعضها فإ ذا توفرت فيه شروط التكفري وانتفت عنه موانع التكفري فإنه يكفر؛ لقوله تعاىل:
ِ
ض َال ًال بَعِي ًدا﴾ أما إذا اختل شرط َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َوُر ُسلِ ِه َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر فَ َق ْد َ
ض َّل َ ﴿ومن ي ْك ُفر ِاب َِّ
ََ ْ َ ْ
من شروط التكفري أو قام مانع من موانع التكفري فيمن تلبس بشيء من النواقض فإنه ال حيكم عليه
ابلكفر ،وهذا يتضح من خالل معرفة منهج أهل السنة يف مسألة التكفري.
• بيان منهج أهل السنة يف مسألة التكفري:
كل ما دلّت
فأهل السنة واجلماعة اتبعون للكتاب والسنة يف أحكام التكفري ،فيثبتون يف املك ّفرات ّ
ُ
حق األشخاص الذين وقعالنصوص الشرعية على أنّه من موجبات الكفر ،ويثبتون موجب ذلك يف ّ
منهم الكفر إذا حت ّقق فيهم ما دلّت النصوص على اعتباره ،فال يقولون ابلتكفري على إطالقه دون ضوابط
وقيود ،بل ال بد من حتقق الشروط ،وانتفاء املوانع اليت ثبتت هبا األدلة ،فإذا فُقد شرط من الشروط ،أو
وجد مانع من املوانع مل جيز إطالق القول بتكفري الشخص الذي وقع يف الفعل أو القول املك ّفرِ ،
ومن ُ
التسرع والتساهل يف
األمهية مبكان أن تكون هذه الشروط واملوانع حاضرة يف األذهان حىت ال حيصل ّ
الزجر الوارد عن النيب -صلى هللا عليه وسلم -يف يستحق التكفري مما يوجب الوقوع يف ّ ّ تكفري َمن ال
ال ِأل َِخ ِيهَ :اي َكافِ ُر ،فَ َق ْد َابءَ ِهبَا
حق ،مثل قوله صلى هللا عليه وسلم ):أَُّميَا ْام ِر ٍئ قَ َ تكفري املسلم بغري ّ
ت َعلَْي ِه )
الَ ،وإَِّال َر َج َع ْ
َح ُد ُمهَا ،إِ ْن َكا َن َك َما قَ َ
أَ
وميكن إرجاع شروط التكفري إىل ثالثة أنواع:
ط تتعلق ابلفعل أو القول أو االعتقاد املكفر ،وهي:
أوالً :شرو ٌ •
.1ثبوت أ ّن هذا القول أو الفعل أو االعتقاد أو الرتك كفر مبقتضى داللة الكتاب والسنة على ٍ
وجه
ال ُشبهةَ فيه ،فإذا كان الفعل أو القول املك ّفر فيه اشتباه أو تفصيل فال يصح التكفري به.
يح ال ّداللة ،فإن كان اللفظ حيتمل التكفري وحيتمل غريه فال جيوزظ املك ّفر صر َ .2أن يكون اللف ُ
محله على التكفري احتياطاً.
9
اثنياً :شروط التكفري املتعلقة ابلقائل أو الفاعل ،وهي: •
الكفر مكلّفاً ،فال يصح تكفري الصيب واجملنون ،وال َمن زال عقله
.3أن يكون َمن صدر عنه ُ
إبغماء أو نوم أو ختدير أو بنج.
مكره على الكفر وقلبُه مطمئن
.4أن يكون خمتاراً عند صدور ما هو مكفر منه ،فال جيوز تكفري َ
ابإلميان.
.5أن يكون قاصداً للفعل أو القول ،فال يقع التكفري على املخطئ والناسي واملدهوش.
كفر أو معصية .فإن .6العلم بداللة األلفاظ ،أبن يكون عاملاً بداللة اللفظ الذي صدر منه أبنه ٌ
كان جاهال حبكم القول او الفعل املكفر الذي تلبس به فإنه ال جيوز تكفريه.
• اثلثاً :ثبوت الفعل أو القول املكفر يف حق املكلف .ويكون اإلثبات إما ابإلقرار أو البيِّنَة
مرد الظن أو الشك فال.
املعتربة شرعاً ،أما ّ
أما املوانع اليت يلزم انتفاؤها فهي: •
.1اجلهل :فمن تل ّفظ ابلكفر أو فعل فعالً مكفراً جاهالً؛ فال ُحيكم عليه ابلكفر مطلقاً ،حىت ّ
يبني
له وتقام عليه احلجة.
.2اخلطأ :فمن تلفظ بكلمة الكفر أو فعل فعالً مكفراً وكان خمطئاً فال يقع عليه ُ
الكفر.
.3اإلكراه :فمن أُكره على الكفر :فله أن ينطق كلمة الكفر ،وال يكفر بذلك.
يظن أنه مل خيالف الشريعة ،أو
الفعل املقتضي للكفر وهو ّ .4التأول :وهو أن يقول َ
القول أو يفعل َ
لشبهة قامت عنده ،فيقع يف املخالفة دون ٍ
قصد ،فال ُحيكم عليه ٍ النص على غري وجهه؛
يفهم ّ
وحيمل كالمه على غري الكفر ،ولو كان هذا االحتمال ضعيفاً ،ألن اليقني ال يزول
ابلكفرُ ،
ابلشك)2(.
=====================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل بن فوزان ()1
الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء 1411هـ
التكفري وضوابطه أتليف إبراهيم بن عامر الرحيلي األستاذ يف قسم العقيدة بكلية الدعوة ()2
وأصول الدين ابجلامعة اإلسالمية – دار اإلمام أمحد
احملاضرة الثالثة
10
شرح
أصول العقيدة اإلسالمية
11
العناصر:
-1معىن اإلميان ابهلل.
-2األدلة على وجود هللا تعاىل.
12
-2دليل اخللق أو اَلدوث.
ومفاده :إن النظر يف العامل وما حيتوي عليه من موجودات متنوعة ،وخملوقات عجيبة ،يقود ابلضرورة إىل
اإلميان بوجود خالق هلذا العامل ،واستحالة أن تكون هذه املخلوقات قد وجدت من تلقاء نفسها.
-3دليل الكمال:
مفاده :إن اإلنسان أكمل حادث موجود يف الكون ،حبسب ما نالحظ ونشاهد من موجودات.
واإلنسان مل خيلق نفسه حتماً ،ومل خيلقه أبوه ،وأي شيء دونه ال يستطيع أن خيلقه؛ ألنه فاقد لكماالته،
وفاقد الشيء ال يعطيه ،إذا فال بد من موجد هو أكمل من اإلنسان ،ميلك أن خيلق يف اإلنسان صفة
العلم ،واإلرادة احلرة ،وسائر الصفات النفسية ،بعد منحه صفة احلياة؛ بل ال بد أن يكون هذا اخلالق
ذروة يف الكمال كله ،وهو هللا سبحانه وتعاىل)1(.
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411هـ
13
اإلسالمية
العقيدةاإلسالمية
التوحيد شرح أصولالعقيدة
أقسام
ينقسم التوحيد إىل ثالثة أقسام:
توحيد الربوبية ،وتوحيد األلوهية ،وتوحيد األمساء والصفات.
وهو توحيد هللا تعاىل أبفعاله .ويستوجب اإلقرار أبن هللا وحده هو اخلالق للعامل ،وهو املدبر ،وهو احمليي
املميت ،وهو الرزاق ،ذو القوة املتني.
• األدلة:
قال تعاىل﴿ :اَلمد هلل رب العاملي﴾،وقال تعاىل﴿ :وإذا مرضت فهو يشفي﴾.
ويف احلديث(( :احفظ هللا حيفظك ،احفظ هللا جتده جتاهك ،تعرف إىل هللا يف الرخاء يعرفك يف
الشدة)) (أمحد ،وصححه األلباين)(( ،إن هللا خالق كل صانع وصنعته)) (البزار ،وصححه األلباين).
14
ُن َّ
اَّللُ﴾. -1اإلقرار بتوحيد الربوبية مركوز يف الفطر ،كما قال تعاىلَ ﴿ :ولَئِ ْن َسأَلْتَ ُه ْم َم ْن َخلَ َق ُه ْم لَيَ ُقول َّ
-2اإلقرار بتوحيد الربوبية ال يكفي العبد يف حصول اإلسالم؛ بل ال بد أن أييت معه بالزمه من توحيد
األلوهية.
-املنكرون لتوحيد الربوبية يف البشرية :من أبرزهم املاديون امللحدون الذين ينكرون وجود هللا تعاىل،
كالدهريني قدمياً ،والشيوعيني يف عصران هذا ،والطبائعيني ،والقائلني ابلصدفة ،وكذا فرعون أنكره
ظاهرا.)1(.
-اإلَلاد املعاصر:
تعريفه :اإلَلاد لغة :هو امليل عن القصد ،والعدول عن الشيء ،ومصدره حلد ،واللحد هو ّ
الش ُق.
-اإلَلاد اصطالحاً :هو مذهب فكري ينفي وجود خالق للكون.
• أنواع امللحدين:
-امللحد :هو املنكر للدين ولوجود اإلله.
-الالديين :وهو االسم الذي يفضله كثري من املالحدة مع أن لفظ الالدين يعن من ال يؤمن بدين
وليس ابلضرورة أن يكون منكراً لإلله.
-ضد الدين )Antitheist( :هو امللحد الذي يتخذ موقفاً عدائياً من اإلله والدين واملتدينني.
-الربويب )Diest ( :هو الذي يؤمن أبن اإلله قد خلق الكون ،ولكنه ينكر أن يكون قد تواصل
مع البشر عن طريق الدايانت.
-الالأدري )Agnostic( :هو الذي يؤمن أبن قضااي األلوهية والغيب ال ميكن إثباهتا وإقامة
احلجة عليها كما ال ميكن نفيها ،ابعتبارها فوق قدرة العقل على اإلدراك.
-املتشكك )Skeptic( :هو الذي يرى أن براهني األلوهية ال تكفي إلقناعه ،ويف نفس الوقت ال
ميكن جتاهلها.
• أسباب الوقوع يف اإلَلاد والتأثر ابمللحدين:
أوال :ضعف املناعة اإلميانية واجلفاف الروحي ،فيصادف اإلحلاد قلبا خاواي َّ
فيتمكن منه ،كما هو احلال
عند نقص املناعة اجلسدية ،فإن اجلسم يكون بسبب ذلك عرضة لإلصابة ابلفريوسات املوبوءة واألمراض
الفتاكة ،لضعف جهاز املناعة عن مقاومة هذه األمراض.
اثنيا :ضعف العلم والثقافة اإلسالمية الصحيحة ،فاألمية الدينية ٌ
خطر كبري ،وخاصة يف ظل االنفتاح
الثقايف ووسائل العوملة وثورة التقنيات احلديثة واالتصاالت السريعة ،اليت أدت إىل سرعة انتشار املعلومات
15
واألخبار بغثها ومسينها ،وقرهبا من متناول األيدي ،مع كثرة املواقع املشبوهة ،وكثرة ما يبث من شبهات
عرب مواقع تواصل عاملية ،تساهلت حىت مع الشتم البذيء واالزدراء الفاحش الذي يصدر من املتهجمني
على الذات العلية وعلى ذوات األنبياء واملرسلني ،وكما أن اإلحلاد قد يصادف قلبا خاواي فيتمكن منه
فقد يصادف أيضا ع قال خاواي فيفتك به ،وقد يقع الشاب بسبب ضعف املناعة العلمية ضحية ألفكار
متهد لإلحلاد أو تقود إليه أو توقع فيه.
اثلثاً :املعلومات املغلوطة والتصورات اخلاطئة اليت ترتسم يف ذهن الشخص حول قضااي معينة ،سواء فيما
يتعلق ابلذات اإلهلية أو مسائل القضاء والقدر ووجود الشرور واآلالم أو مسائل الوعيد والعقاب
األخروي أو حقيقة الدين وأحكامه وتشريعاته أو الفهم اخلاطئ لبعض جوانب العلم احلديث أو غري
ذلك.
رابعاً :عوامل نفسية وشخصية ،وهي كثرية ،مثل اإلفراط يف تقدير الذات ،وحماولة الشخص إشباع رغبته
ابلشعور أبنه األفضل ،وأنه فوق الناس يف عقله وذكائه وعبقريته ،وأن الناس دونه ،فيجد يف اإلحلاد
وسيلة إلشباع هذه الرغبة ،حماوال إقناع نفسه أبن اإلحلاد قمة العبقرية والنخبوية ،وأنه ال يبلغه إال
أصحاب العقول الفريدة ،وأنه منهم ،وأن كل من حوله مساكني رجعيون ،ألهنم يؤمنون ابلقوى الغيبية،
ويتعب ون أنفسهم ابلعبادات ،وحيرموهنا اللذائذ واملتع اجلنسية وغريها ،ومثل هذا النوع يتصف بسالطة
اللسان وكثرة السخرية واالستهزاء واالزدراء ابآلخر واالستعالء ابلنفس ،ومن هذه العوامل أيضا اإلفراط
يف احلرية الفردية إىل درجة التكرب ،ورفض مبدأ األمر والنهي ،والرغبة يف التحلل من التكاليف الدينية
والقيود االجتماعية ،واالنسياق وراء اهلوى والالمباالة ،واضطراابت الشخصية ،واألمراض النفسية،
والوسواس القهري ،وغريها.
ومن العوامل النفسية أيضا حماولة التخلص من عقدة النقص والشعور ابلدونية واليت تتسلل إىل الشخص
نتيجة اهلزمية النفسية ،وتنجم عن املقارانت اخلاطئة بني بعض اجملتمعات اإلسالمية وغريها ،وخاصة يف
مضمار العلوم احلديثة ،فتجده يربط كل نقص وختلف جيده عند بعض املسلمني ابإلسالم ،ويربط كل
جناح وتطور جيده يف الغرب أو الشرق ابإلحلاد ،وإذا وجد عند املسلمني تطورا وازدهارا حاول أن يوهم
ن فسه أبنه نتاج الليربالية والعلمانية وغريها ،وليس انبعا من دينهم ،ليقنع نفسه أبن اإلسالم ال ميكن أن
يُنتج تطورا وازدهارا.
خامساً :التطرف اأاي كان نوعه؛ دينيا أو اجتماعيا أو غري ذلك ،واإلفراط يف جلد الذات ،والتضييق على
النفس ،واالنغالق العقلي ،بعيدا عن الشرع والعقل والفطرة ،مما يوقع النفس يف النفرة ،فيأيت اإلحلاد كردة
16
فعل ساخطة ،ومن فقد بوصلة االعتدال فقد تودي به الرايح يف أي اجتاه يكون ،ويف احلديث« :هلك
املتنطعون» أي :املتشددون.
سادساً :أمناط التفكري السلبية ،مثل االندفاع والتسرع يف تبن اآلراء ،والسطحية يف التفكري ،والغلو يف
الشك واضطراده يف كل شيء ،وإسقاط اليقينيات ،والغلو يف احلس والتجربة واملادة ،إىل درجة تعطيل
العقل ،وخمالفة الضرورايت والبديهيات ،وهناك مواقف كثرية ملالحدة تُظهر أثر الغلو احلسي يف تعطيل
العقل وخمالفة الضرورايت اليت ال خيتلف فيها العقالء ،ومن ذلك أيضا تقديس علماء العلوم الطبيعية،
والغلو فيهم ،واالستعداد لقبول أي فكرة صادرة من أحد منهم ولو كانت حمض فرضية تقارب اخلرافة
واخليال وتناقض العقل الصحيح وتصادم معطيات العلم احلديث.
سابعاً :طريقة التعامل مع الشبهات والتساؤالت الكربى ،وعدم التعامل السديد مع املستشكلني،
وسنفصل ذلك عند الكالم على العالج.
اثمناً :املصاحل واألغراض ،كمن يرى يف اإلحلاد وسيلة له لتحقيق مكاسب دنيوية ما.
اتسعاً :مؤثرات خارجية ،مثل رفقاء السوء ،وسلوكيات بعض املتدينني ،واملمارسات اإلجرامية لإلرهابيني،
ونشاطات امللحدين ،وضعف األمة ،واخلطاب الدين املنحرف.
عاشراً :احلرب النفسية اليت تُشن لبث اإلحلاد ،مثل اإلرهاب الفكري ،والتشكيك يف عقيدة املؤمنني،
والسخرية منها ،واالزدراء هبا ،وتضخيم اإلحلاد ،واملبالغة يف تكثري عدد امللحدين ،وغري ذلك.
• أضرار اإلَلاد وآاثره على الفرد:
-1غياب تفسري للحياة والوجود :
فامللحد ينظر للحياة على أهنا حتصيل حاصل ،ال غاية وال حكمة من الوجود فيها ،وإمنا هي مرد
الصدفة وتطور الطبيعة ،مما سبب ذلك يف انتحار الكثريين من املالحدة.
-2القلق والصراع النفسي :إن من اآلاثر اليت خيلفها اإلحلاد يف نفوس األفراد هو القلق واحلرية
واالضطراب والصراع النفسي ،واخلوف من املستقبل.
-3األاننية النفعية ،والنزعة الفردية:
إن الفرغ الروحي ،ونزعة املادية املعرفية ،واالنفالت الشهواين للغريزة ،هي احملصلة من اإلحلاد واالنسالخ
من الدين ،وهي النتيجة احلتمية للقلق النفسي واخلوف من األايم ،وهي اجتاه اإلنسان حنو الفردية
واألاننية ،ونعن ابألاننية اجتاه اإلنسان خلدمة مصاحله اخلاصة وعدم التفكري يف اآلخرين ،فالدين الذي
17
حيث اإلنسان على بذل املعروف لآلخر واإلحسان للناس ابتغاء مرضاة هللا ابحنساره عن حياة اإلنسان،
حل مكانه التفكري يف النفس فقط وبذلك بدأ الناس يف عصور اإلحلاد املظلمة ال أيهبون لغريهم من بن
البشر ،وشيئاً فشيئاً قلت العناية ابلفقراء واحملتاجني مث ابألهل واألقربني مث ابلوالدين وأيضاً ابلزوجة
واألوالد.
-4فقد الوازع والنزوع إىل اإلجرام:
خيوف اإلنسان من إله قوي يراقب تصرفاته ،فإن اإلنسان امللحد يغرق
يريب النفس ،وال ّ
ألن اإلحلاد ال ّ
يف الشهوات واملخدرات ويتغلّب على من أمامه إما ابحليلة أو ابملكر أو ابلقوة.
ال يبقى أمام امللحد من وازع إال القانون البشري أو ظروفه الواقعية وهذه أمور ميكن التغلب عليها بصور
كثرية وخاصة يف اجملتمع املعاصر الذي تفنن اإلنسان فيه يف طرق اإلجرام والتهرب من القوانني.
-5انفالت الغريزة الشهوانية:
اإلحلاد يقطع صلة اإلنسان ابآلخرة ،واإلميان ابجلنة كدار نعيم وحمل استكمال النعم وامللذات ،فال يبقى
للملحد منظور هلذه الدنيا إال املتعة وحتصيل الشهوات ،فيصبح كل جهده مبذول هلذه الغاية دون النظر
لقيم أو أخالق ،وكان نتيجة ذلك أنه مل يشهد اجلنس البشري ثورة للغرائز البشرية كما شهدها يف عصر
اإلحلاد املعاصر ،حىت جتاوز األمر إىل الشذوذ اجلنسي واإلعالن به حىت بلغ األمر مرحلة التقنني.
طرق مدافعة الوسوسة يف اإلميان والعقيدة:
الطريقة األوىل :وقائية :وهي االحرتاز من الوسوسة قبل حصوهلا ,وذلك ابلتحصن ابلعلم والعكوف
على مسائل التوحيد واإلميان ,دراسة ومذاكرة ,أل ّن الشيطان ال جيد السبيل سالكاً لتشكيك أهل العلم
ابإلمي ان ,فكلما أراد عدو هللا أن يصرعهم صرعوه ,وإذا شغب عليهم بوساوسه ,ردوها عليه مبا عندهم
ِ
من اهلدى والعلم ورمجوهَ ( ،ولَعال ٌم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد)َ ،
ومن عرف هللا -تعاىل
-من خالل صفاته وخملوقاته ,عظّم ربه حق التعظيم ,وقَدَّره كل التقدير ,وال يزال أبداً حيسن الظن
يلقاه. حىت مبواله
الطريقة الثانية :إذا وقعت الوسوسة يف النفس ،دفعها املسلم املدرك ،وأبطلها بستة أمور:
األمر األول :الكف عن االسرتسال يف الوسوسة ،واالنتهاء عنها بقطع حباهلا ومتعلقاهتا ،مستعيناً لذلك
18
ابالستعاذة ابهلل من شر الشيطان الرجيم ،وذلك ملا يف احلديث عن أيب هريرة -رضي هللا عنه -قال:
قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ( :-أييت الشيطان أحدكم فيقول :من خلق كذا وكذا حىت
يقول له :من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ ابهلل ولينته) ،واملعىن :إذا عرض له هذا الوسواس،
فليلجأ إىل هللا -تعاىل-يف دفع شره ،وليعرض عن الفكر يف ذلك ،وليعلم أ ّن هذا اخلاطر من وسوسة
الشيطان ،وهو أن يسعى ابلفساد واإلغواء ،فليعرض عن اإلصغاء إىل وسوسته وليبادر إىل قطعها،
يمَّلل إِنَّه َِمس ِ
ِ ِ
ان نَزغٌ فَاستَعذ ِاب ُ ٌ
يع َعل ٌ َّك ِم َن َّ
الشيطَ ِ ابالشتغال عنها .وهذا كما قال -تعاىلَ ( :-وإِ َّما يَ َنزغَن َ
ان تَ َذ َّكروا فَِإذَا ُهم ٌّم ِ
بص ُرو َن). ُ
الشيطَ ِ ف ِم َن َّ
س ُهم طَائِ ٌ
ين اتَّ َقوا إِذَا َم َّ َّ ِ
* إِ َّن الذ َ
األمر الثاين :ال يسأل أسئلة صرحية عن هذه الوساوس اليت تدور خباطره ،أي ال يصرح بشيء من
ذلك ،فإنه يف عافية ،مادامت الوساوس حمصورة يف قلبه مل تنتقل بعد إىل لسانه ،عن أيب هريرة -رضي
هللا عنه -قال :قال رسول هللا-صلى هللا عليه وسلم ( :-إن هللا جتاوز ألميت عما وسوست أو حدثت
به أنفسها ما مل تعمل أو تتكلم).
األمر الثالث :أن يقول إذا وجد الوسوسة بثبات جنان ونطق لسان" :آمنت ابهلل" وذلك حلديث( :ال
يزال الناس يتساءلون حىت يقال :هذا ،خلق هللا اخللق .فمن خلق هللا؟ فمن وجد من ذلك شيئاً
فليقل :آمنت ابهلل) ،ومن املعلوم أ ّن اإلميان به -تعاىل-هو ركن اإلميان األول ابلغيب ،ومنه ينطلق
اإلميان ببقية األركان ،فالتأكيد عليه ابلنطق كذلك تذكري ابهلل -تعاىل-وطرد للشيطان.
األمر الرابع :أال خياف من هذه الوساوس وال حيكم على نفسه حبكم غليظ فإهنا قد وقعت للصحابة
الكرام وهم بني يدي النيب صلى هللا عليه وسلم فقد ورد أنه جاء انس من أصحاب النيب -صلى هللا
عليه وسلم -فسألوه" :إان جند يف أنفسنا ما يتعاظم أحدان أن يتكلم به" ،قال" :وقد وجدمتوه؟"،
قالوا" :نعم" ،قال" :ذاك صريح اإلميان" .قال اإلمام النووي يف شرح صحيح مسلم( :استعظامكم
الكالم به هو صريح اإلميان؛ فإن استعظام هذا وشدة اخلوف منه ومن النطق به فضال عن اعتقاده إمنا
يكون ملن استكمل اإلميان استكماال حمققا ،وانتفت عنه الريبة والشكوك).
األمر اخلامس :االلتجاء إىل هللا -تعاىل-ابلدعاء ،وطلب تثبيت القلب على اإلميان .ولذلك كان النيب
-صلى هللا عليه وسلم-كثرياً ما يدعو فيقول(( :اي مقلب القلوب ثبت قليب على دينك) .وكان يقول
19
أيضاً( :إن اإلميان يبلى يف جوف أحدكم كما يبلى الثوب فاسألوا هللا أن جيدد إميانكم) ،مث االبتهال
جب ٍّد ،يف العبادة والعمل امتثاالً ألمر هللا ،وابتغاء مرضاته ،فمن فعل ذلك جناه هللا ووقاه من وساوس
الشيطان.
يرد ما يُشكل عليه ويؤرقه ،ويكدر صفو األمر السادس :إذا استمرت الوساوس ،فما عليه إال أن َّ
الذك ِر إِن ُكنتُم الَ تَعلَ ُمو َن). اعتقاده بربه ويزعزعه ،إىل أهل العلم ،لقول هللا-تعاىل( :-فَاسأَلُوا أَهل ِ
َ
ول َوإِ َىل أ ِ
ُوِل اعوا بِ ِه َولَو َردٌّوهُ إِ َىل َّ
الر ُس ِ وقوله سبحانه( :وإِذَا جاءهم أَمر ِمن األَمنِ أَ ِو اخلَ ِ
وف أَذَ ُ َ َ ُ ٌ َ
الشيطَا َن إِالَّ األَم ِر ِمنهم لَعلِمه الَّ ِذين يستنبِطُونَه ِمنهم ولَوالَ فَضل ِ
اَّلل َعلَي ُكم َوَرْحَتُهُ الَتَّبَعتُ ُم َّ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َُ
قَلِيالً))2(.
===============================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411هـ
( )2مليشيا اإلحلاد أتليف عبدهللا صاحل العجريي
20
احملاضرة الرابعة
• ما هي العبادة؟
العبادة :اسم جامع لكل ما حيبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة.
ومن أمثلة ذلك :الصالة ،والزكاة ،والصيام ،واحلج ،وصدق احلديث ،وأداء األمانة ،وبر الوالدين ،وصلة
األرحام ،وأمثال ذلك من العبادة .وكذلك حب هللا ورسوله ،وإخالص الدين له ،والصرب حلكمه ،وأمثال
ذلك.
• األدلة:
ين ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم ل ََعلَّ ُك ْم تَتَّ ُقو َن﴾، َّ ِ َّ ِ
َّاس ا ْعبُ ُدوا َربَّ ُك ْم الذي َخلَ َق ُك ْم َوالذ َ
قال تعاىلَ ﴿:اي أَيُّ َها الن ُ
اَّللَ َوال تُ ْش ِرُكوا بِ ِه َش ْيئاً﴾.
وقولهَ ﴿:وا ْعبُ ُدوا َّ
وعن معاذ -رضي هللا عنه -قال :كنت رديف النيب على محار فقال يل(( :اي معاذ أتدري ما حق
هللا على العباد؟ وما حق العباد على هللا؟)) ،قلت :هللا ورسوله أعلم.قال(( :حق هللا على العباد أن
يعبدوه وال يشركوا به شيئاً ،وحق العباد على هللا أن ال يعذب من ال يشرك به شيئاً)) .قلت :أفال
أبشر الناس؟ .قال(( :ال تبشرهم فيتكلوا)) (متفق عليه).
• أمهية توحيد (األلوهية) العبادة:
-1توحيد العبادة :هو أساس دعوة الرسل مجيعا ،كما قال سبحانهَ ﴿ :ولََق ْد بَ َعثْ نَا ِيف ُك ِل أ َُّم ٍة َر ُس ً
وال
وت﴾.اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ أِ
َن اُ ْعبُ ُدوا َّ
اَّللَ َو ْ
-1توحيد العبادة :هو أعظم أصول الدين ،وأفرضها ،فهو الغاية اليت من أجلها خلقت اخلليقة ،كما
اإلنْس إَِّال لِي ْعب ُد ِ قال هللا تعاىل﴿ :وما َخلَ ْق ُ ِ
ون﴾. ت ا ْجل َّن َو ِْ َ َ ُ ََ
21
-2توحيد العبادة :أول واجب على املكلف ،والسلف متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد
الشهاداتن ،كما قال املصطفي ملعاذ عندما بعثه إىل اليمن( :فليكن أول ما تدعهم إليه شهادة أن
ال إله إال هللا ،وأن حممدا رسول هللا) (متفق عليه) ،ويف رواية( :أن يوحدوا هللا) (رواه البخاري) .
-3توحيد العبادة :هو مفرق الطرق بني املوحدين واملشركني كما قال تعاىل ( :قُ ْل َاي أَيُّ َها الْ َكافِ ُرو َن
(َ )1ال أَ ْعبُ ُد َما تَ ْعبُ ُدو َن (َ )2وَال أَنْ تُ ْم َعابِ ُدو َن َما أَ ْعبُ ُد (َ )3وَال أ ََان َعابِ ٌد َما َعبَ ْد ُُْت (َ )4وَال أَنْ تُ ْم
ِل ِدي ِن( ِ ِ
َعاب ُدو َن َما أَ ْعبُ ُد ( )5لَ ُك ْم دينُ ُك ْم َوِ َ
-4توحيد العبادة :علقت به السعادة والنجاة يوم القيامة ،كما قال املصطفي ( :من كان آخر
كالمه من الدنيا ال إله إال هللا دخل اجلنة) (أبو داود ،وصححه األلباين).
-1يسمى توحيد األلوهية ِبمساء أخرى ،منها :توحيد العبادة ،وتوحيد اإلرادة والقصد ،وتوحيد
الطلب.
-2األلوهية والربوبية :اترة يذكران معا فيفرتقان يف املعىن ويكون أحدمها قسيما لآلخر؛ كما يف قوله
َّاس إِل َِه الن ِ َّاس * ملِ ِ
ك الن ِ َعوذُ بِر ِ
َّاس﴾. ب الن ِ َ تعاىل﴿ :قُ ْل أ ُ َ
فيكون معىن الرب :املالك املتصرف يف اخللق ،ويكون معىن اإلله :املعبود حبق املستحق للعبادة وحده.
واترة يذكر أحدمها مفردا عن اآلخر ،فيجتمعان يف املعىن؛ كما يف قول امللكني للميت يف القرب :من
ين أُ ْخ ِر ُجوا ِم ْن ِد َاي ِرِه ْم بِغَ ِْري َح ٍق إَِّال أَ ْن َّ ِ
ربك؟ ومعناه :من إهلك وخالقك؟ وكما يف قوله تعاىل﴿ :الذ َ
يَ ُقولُوا َربُّنَا َّ
اَّللُ﴾ ،فالربوبية يف هذه اآلايت هي اإلهلية.
-3املنكرون لتوحيد األلوهية من اخللق كثرة؛ وقد جحده املشركون قدميا وحديثا ،وجحودهم له
يتمثل بـصرف العبادة لغري هللا تعاىل من األشجار ،واألحجار ،واألصنام ،وغريها ابعتقاد النفع واخلري
فيهم من دون هللا عز وجل)1(.
============================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411ه
22
أوالً :عالقة توحيد اإلهلية بتوحيد الربوبية والعكس:
عالقة أحد النوعني ابآلخر :أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد اإلهلية ،مبعىن أن اإلقرار بتوحيد الربوبية
يوجب ويستلزم اإلقرار بتوحيد اإلهلية والقيام به.
فمن عرف أن هللا ربه وخالقه ومدبر أموره؛ وجب عليه أن يعبده وحده ال شريك له.
وتوحيد األلوهية متضمن لتوحيد الربوبية؛ مبعىن أن توحيد الربوبية يدخل ضمن توحيد األلوهية؛ فمن عبد
هللا وحده ومل يشرك به شيئا؛ فال بد أن يكون قد اعتقد أنه هو ربه وخالقه.
23
َش ْي ئًا﴾.
س إَِّال ِ .2إخباره سبحانه أنه خلق اخللق لعبادته؛ كما يف قوله تعاىل﴿ :وما َخلَ ْق ُ ِ
ت ا ْجل َّن َو ْاإلنْ َ ََ
ون﴾. لِي ْعب ُد ِ
َُ
.3إخباره سبحانه أنه أرسل مجيع الرسل ابلدعوة إىل عبادته والنهي عن عبادة ما سواه؛ كقوله تعاىل:
وت﴾.اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ َن اُ ْعبُ ُدوا َّ
اَّللَ َو ْ ﴿ َولََق ْد بَ َعثْ نَا ِيف ُك ِل أ َُّم ٍة َر ُس ً
وال أ ِ
.4االستدالل على وجوب عبادته سبحانه ابنفراده بصفات الكمال وانتفاء ذلك عن آهلة املشركني؛
اصطَِ ْرب لِعِبَ َ
ادتِِه َه ْل تَ ْعلَ ُم لَهُ َِمسيًّا﴾. كما يف قوله تعاىل﴿ :فَا ْعبُ ْدهُ َو ْ
.5ضربه سبحانه أمثلة كثرية يف القرآن يتضح هبا بطالن الشرك ،من ذلك قوله سبحانهَ ﴿ :وَم ْن
ان َس ِح ٍ
الريح ِيف م َك ٍ ِ َّلل فَ َكأَََّّنَا َخ َّر ِمن َّ ِ
ي ْش ِر ْك ِاب َِّ
يق﴾. الس َماء فَتَ ْخطَُفهُ الطَّ ْريُ أ َْو ََتْ ِوي بِه ِ ُ َ َ ُ
24
وأنت ...وأمر أبن يقال بدل ذلك :ما شاء هللا مث شئت؛ ألن الواو تقتضي التسوية ،ومث تقتضي
الرتتيب ،وهذه التسوية يف اللفظ شرك أصغر ،وهو وسيلة إىل الشرك األكرب.
-2النهي عن الغلو يف تعظيم القبور ابلبناء عليها ،وإسراجها وجتصيصها والكتابة عليها.
-3النهي عن اختاذ القبور مساجد للصالة عندها؛ ألن ذلك وسيلة لعبادهتا.
-4النهي عن الصالة عند طلوع الشمس وعند غروهبا؛ ملا يف ذلك من التشبه ابلذين يسجدون هلا يف
هذه األوقات.
-5النهي عن السفر إىل أي مكان من األمكنة بقصد التقرب إىل هللا فيه ابلعبادة؛ إال إىل املساجد
الثالثة :املسجد احلرام ،واملسجد النبوي ،واملسجد األقصى.
-6النهي عن الغلو يف مدح النيب .
-7النهي الغلو يف الصاحلني ،برفعهم فوق منزلتهم اليت أنزهلم هللا إىل ما ال جيوز إال هلل؛ من االستغاثة
هبم يف الشدائد ،والطواف بقبورهم ،والتربك برتبتهم ،وذبح القرابني ألضرحتهم ،وطلب املدد منهم.
25
احملاضرة اخلامسة
26
مقروان ابلرجاء واحملبة؛ كان خوفا حمموداً.
اثنياً :الشرك يف احملبة:
ومعناه :أن حيب العبد غري هللا حمبة خاصة ،وهي حمبة العبودية املستلزمة للذل ،واخلضوع ،والتعظيم،
وكمال الطاعة ،وإيثار احملبوب على غريه ،وهذه احملبة ال جيوز تعلقها بغري هللا ،ومىت أحب العبد هبا غريه
ب َِّ ادا ُِحيبُّ َ
وهنُ ْم َك ُح ِ ون ََِّّخ ُذ ِمن ُد ِ
َّاس من ي ت ِ ِ
اَّلل اَّلل أَنْ َد ً ْ كان مشركا شركا أكرب قال تعاىلَ ﴿:وم َن الن ِ َ ْ َ
والَّ ِذين آمنُوا أَ َش ُّد حبًّا َِِّ
َّلل﴾. ُ َ َ َ
احملبة املباحة اليت ال تكون شركاً ثالثة أنواع:
حمبة طبيعية ،كمحبة اجلائع للطعام والظمآن للماء وحنو ذلك. أ-
حمبة رمحة وإشفاق ،كمحبة الوالد لولده. ب-
حمبة أنس وإلف ،وهي حمبة املشرتكني يف صناعة أو علم أو مرافقة أو جتارة أو سفر لبعضهم ت-
بعضاً ،وكمحبة اإلخوة بعضهم بعضاً .وكمحبة الزوج لزوجته واهل بيته.
-1التوكل على احلي القادر يف األسباب الظاهرة ال خيرج من اإلسالم؛ ألنه اعتماد على الشخص،
كمن يتوكل على شخص حي قادر فيما أقدره هللا من عطاء أو دفع أذى وحنو ذلك وقد عده بعض
العلماء من الشرك اخلفي.
-2التوكل الذي هو إانبة اإلنسان من يقوم بعمل نيابة عنه مما يقدر عليه كبيع وشراء؛ فهذا جائز.
-3األخذ ابألسباب الصحيحة ال ينايف التوكل على هللا تعاىل ،كالسعي يف طلب الرزق وأخذ الدواء
للمرض ،والتعلم للحصول على شهادات وأعمال ومهارات ومهن توفر له عيشاً كرمياً.
27
رابعاً :الشرك يف الطاعة:
ومعناه :أن يطيع غري هللا ذاالً خاضعاً معظماً خائفاً راجياً يف حتليل ما حرم هللا من احملرمات القطعية ،أو
حترمي ما أحل هللا عن رضا واطمئنان قلب.
يح ابْ َن َم ْرَميَ َوَما أ ُِم ُروا إَِّال لِيَ ْعبُ ُدوا ِ ون َِّ
اَّلل َوال َْمس َ
َحبار ُهم ورْهب َاهنُم أَراباب ِمن ُد ِ
قال هللا تعاىلَّ ﴿ :اَتَ ُذوا أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ ْ َ ً ْ
إِ َهلا و ِ
اح ًدا َال إِلَهَ إَِّال ُه َو ُس ْب َحانَهُ َع َّما يُ ْش ِرُكو َن﴾. ً َ
ويف احلديث :أن النيب تال هذه اآلية على عدي بن حامت الطائي ،فقال اي رسول هللا! إان لسنا
نعبدهم! قال( :أليس حيرمون ما أحل هللا فتحرمونه ،وحيلون ما حرم هللا فتستحلونه؟) قال :بلى.
قال(:فتلك عبادَتم) (الطرباين ،وصححه األلباين).
وهو كل ما هنى عنه الشرع مما هو ذريعة إىل الشرك األكرب وجاء يف النصوص تسميته شركا.
حكمه :حمرم ،بل أكرب الكبائر بعد الشرك األكرب ،لكنه ال خيرج من ارتكبه من ملة اإلسالم.
• أنواع الشرك األصغر :له أنواع ،منها:
أوالً :الشرك يف النيات واملقاصد.
ومن ذلك :الرايء ،والسمعة ،وإرادة اإلنسان بعمله الدنيا.
-1الرايء والسمعة.
الرايء :فهو ملا يرى من العمل كالصالة.
وأما السمعة :فلما يسمع كالقراءة ،والوعظ والذكر.
حكمهما :الرايء والسمعة إن دخال يف أساس العمل مبعىن أنه مل أيت أبصل العبادة من صالة أو قراءة
أو ذكر إال أل جل الرايء والسمعة فهو شرك أكرب ،وهو شرك املنافقني ،وإن دخل الرايء والسمعة يف
حتسني العمل فقط فهو شرك أصغر؛ ولذا ورد التحذير منهما يف الكتاب والسنة.
قال تعاىل﴿ :فَمن َكا َن ي رجو لَِقآء ربِ ِه فَ لْي ْعمل َعمالً صلِحاً والَ ي ْش ِر ْك بِعِب َ ِ ِ
ادة َربِه أ َ
َح َدا﴾. َ ََ َ َْ َ َ َ ُ َْ ُ َ
وقال (( :من مسع مسع هللا به ،ومن يرائي يرائي هللا به)) (البخاري).
-2إرادة اإلنسان بعمله الدنيا.
وإرادة اإلنسان بعمله الدنيا ينقسم من حيث األصل إىل أقسام كثرية ،أمهها:
28
-1أن ال يريد ابلعبادة إال الدنيا وحدها ،كمن حيج ليأخذ املال ،وكمن يطلب العلم الشرعي من أجل
الشهادة والوظيفة وال يريد بذلك كله وجه هللا البتة ،فلم خيطر بباله احتساب األجر عند هللا تعاىل ،وهذا
القسم حمرم.
ومن األدلة على حترمي هذا القسم وأنه يبطل العمل الذي يصاحبه:
ِ ِ ِ
سو َنيها الَ يُ ْب َخ ُ أ-قوله تعاىلَ (:من َكا َن يُ ِري ُد ا َْلَيَاةَ الدُّنْ يَا َوِزينَ تَ َها نُ َوف إِل َْي ِه ْم أَ ْع َما َهلُ ْم ف َ
يها َو ُه ْم ف َ
يها َوَاب ِط ٌل َّما َكانُواْ ِ َّار َو َحبِ َ ِ ِ أُولَئِ َ َّ ِ
صنَ عُواْ ف َ ط َما َ س َهلُ ْم ِيف اآلخ َرة إِالَّ الن ُ ين ل َْي َ
ك الذ َ ْ
يَ ْع َملُو َن) (هود.)16:
ب-حديث عمر رضي هللا عنه مرفوعاً(:إمنا األعمال ابلنيات ،وإمنا لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت
هجرته إىل هللا ورسوله فهجرته إىل هللا ورسوله ،ومن كانت هجرته إىل دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها
فهجرته إىل ما هاجر إليه) (رواه البخاري ومسلم)
ج-حديث أيب هريرة رضي هللا عنه مرفوعاً( :من تعلم علماً مما يبتغى به وجه هللا ال يتعلمه إال ليصيب
به عرضاً من الدنيا مل جيد عرف اجلنة ( يعن رحيها.
-2أن يريد ابلعبادة وجه هللا والدنيا معاً ،كمن حيج لوجه هللا وللتجارة ،وكمن يقاتل ابتغاء وجه هللا
وللدنيا ،وكمن يصوم لوجه هللا وللعالج ،وكمن يتوضأ للصالة وللتربد ،وكمن يطلب العلم لوجه هللا
وللوظيفة ،فهذا األقرب أنه مباح؛ ألن الوعيد إمنا ورد يف حق من طلب ابلعبادة الدنيا وحدها ،وألن هللا
اَّللَ َْجي َعل لَّهُ ََمَْر ًجا
رتب على كثري من العبادات منافع دنيوية عاجلة ،كما يف قوله تعاىلَ (:وَمن يَت َِّق َّ
استَ غْ ِف ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َكا َن
ْت ْ
ب) (الطالق ،)3 ،2 :وكما يف قوله تعاىل (:فَ ُقل ُ ِ
ث ال َْحيتَس ُ َويَ ْرُزقْهُ ِم ْن َح ْي ُ
ي وَْجيعل لَّ ُكم جن ٍ ِ ِ ِ ارا يُ ْر ِس ِل َّ
َّات َوَْجي َعل لَّ ُك ْم ْ َ الس َماء َعلَْي ُكم م ْد َر ًارا َوميُْد ْد ُك ْم ِِب َْم َو ٍال َوبَن َ َ َ غَ َّف ً
ارا) (نوح ، )12-10 :والنصوص يف هذا املعىن كثرية ،فهذه النصوص تدل على جواز إرادة وجه هللا أ َْهنَ ً
وهذه املنافع الدنيوية معاً ابلعبادة؛ ألن هذه املنافع الدنيوية ذكرت على سبيل الرتغيب يف هذه
العبادات.
وهذا القسم ال يبطل العمل الذي يصاحبه ،ولكن أجر هذه العبادة ينقص منه بقدر ما خالط نيته
الصاحلة من إرادة الدنيا.
اثنياً :الشرك يف األلفاظ.
ومن ذلك:
-1اَللف بغري هللا ،كقول الرجل :وحيايت ،وحياتك ،والنيب ،ابألمانة.
29
حكمه :من الشرك األصغر إذا مل يعتقد تعظيم من حلف به وكان عاملا احلكم ،فإن كان جاهال علم،
فإن أصر فهو والعامل سواء ،كل منهما وقع يف الشرك أصغر.
قال تعاىل﴿ :فَال َجتْعلُوا َِِّ
َّلل أَنْ َداداً َوأَنْ تُ ْم تَ ْعلَ ُمون﴾ وقال (( :من حلف بغري هللا فقد كفر أو َ
أشرك)) (أمحد ،وصححه األلباين).
-2قول :ما شاء هللا وشئت ،ولوال هللا وأنت ،وحنومها مما فيه مساواة بني اخلالق واملخلوق.
حكمه:
إذا مل يقم بقلبه تعظيم لذلك املسوى بينه وبني هللا وهو عامل ابلنهي فهو شرك أصغر ،فإن كان جاهال،
علم ،فإن أصر فهو ومن علم احلكم سواء ،كل منهما وقع يف الشرك أصغر.
قال تعاىل﴿ :فَال َجتْعلُوا َِِّ
َّلل أَنْ َداداً َوأَنْ تُ ْم تَ ْعلَ ُمون﴾ ،وقال (( :ال تقولوا ما شاء هللا وشاء فالن، َ
ولكن قولوا :ما شاء هللا مث شاء فالن)) (أبو داود ،وصححه األلباين).
30
-5تعليق التمائم.
وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أوالدها يتقون هبا العني ،ويتلمحون من امسها أن يتم هللا هلم
مقصودهم.
وقد تكون التمائم من عظام ،أو من كتابة وغري ذلك ،وهذا شرك ،قال (( :من علق متيمة؛ فقد
أشرك)) (أمحد ،وصححه األلباين) .واملراد الشرك األصغر الذي ال خيرج من امللة.
وقد يكون املعلق من القرآن؛ فإذا كان من القرآن؛ فقد اختلف العلماء يف جوازه وعدم جوازه.
-6التربك ابألشجار واألحجار واآلاثر والبناايت.
والتربك معناه :طلب الربكة ورجاؤها واعتقادها يف تلك األشياء.
وحكمه :أنه شرك؛ ألنه تعلق على غري هللا سبحانه يف حصول الربكة.
وعباد األواثن إمنا كانوا يطلبون الربكة منها؛ فالتربك بقبور الصاحلني كالتربك ابلالت ،والتربك ابألشجار
واألحجار كالتربك ابلعزى ومناة.
وعن أيب واقد الليثي؛ قال :خرجنا مع رسول هللا إىل حنني وحنن حداثء عهد بكفر ،وللمشركني
سدرة يعكفون عندها وينوطون هبا أسلحتهم ،يقال هلا :ذات أنواط ،فمرران بسدرة ،فقلنا :اي رسول هللا!
اجعل لنا ذات أنواط كما هلم ذات أنواط .فقال رسول هللا ( :هللا أكرب ،إهنا السنن ،قلتم والذي
ال إِنَّ ُك ْم قَ ْوٌم َجتْ َهلُو َن﴾ نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل ملوسى﴿:اجعل لَّنَا إِلَ هاً َكما َهلم ِ
آهلَةٌ قَ َ َ ُْ َْ
لَتكنب سنن من كان قبلكم) (صحيح ابن حبان ،وصحح إسناده شعيب).
-7السحر:
وهو عبارة عن عزائم ورقى وكالم يتكلم به وأدوية وتدخينات ،ومنه ما يؤثر يف القلوب واألبدان،
فيمرض ،ويقتل ،ويفرق بني املرء وزوجه ،إبذن هللا.
وهو داخل يف الشرك ملا فيه من استخدام الشياطني والتعلق هبم ،ورمبا التقرب إليهم مبا حيبونه ليقوموا
خبدمته .وملا فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة هللا يف ذلك ،وهذا كفر وضالل.
قال (( :اجتنبوا السبع املوبقات)) ،قالوا :اي رسول هللا! وما هن؟ قال(( :الشرك ابهلل،
والسحر( ))...البخاري).
-8الكهانة.
وهي ادعاء علم الغيب؛ كاإلخبار مبا سيقع يف األرض مع االستناد إىل سبب هو اسرتاق السمع؛ حيث
يسرتق اجلن الكلمة من كالم املالئكة ،فيلقيها يف أذن الكاهن ،فيكذب معها مئة كذبة ،فيصدقه الناس
بسبب تلك الكلمة.
31
وهللا هو املتفرد بعلم الغيب؛ فمن ادعى مشاركته يف شيء من ذلك بكهانة أو غريها أو صدق من
يدعي ذلك؛ فقد جعل هلل شريكا فيما هو من خصائصه ،وهو مكذب هلل ولرسوله.
والكهانة شرك من جهة دعوى مشاركة هللا يف علمه الذي اختص به ،ومن جهة التقرب إىل غري هللا.
قال (( :من أتى عرافا ،فسأله عن شيء ،مل تقبل له صالة أربعي يوما)) (مسلم).
وقال (( :من أتى كاهنا ،فصدقه مبا يقول؛ فقد كفر مبا أنزل على حممد)) (الطيالسي ،وصححه
األلباين).
-9التطري.
وهو التشاؤم ابلطيور واألمساء واأللفاظ والبقاع واألشخاص وغري ذلك.
فإذا عزم شخص على أمر فرأى أو مسع ما يكره؛ أثر فيه لك أحد أمرين:
إما الرجوع عما كان عازما عليه تطريا وأتثرا مبا رأى أو مسع ،فيعلق قلبه بذلك املكروه ،ويؤثر ذلك على
إميانه ،وخيل بتوحيده وتوكله على هللا.
وإما أن ال يرجع عما عزم عليه ،ولكن يبقى يف قلبه أثر ذلك التطري من احلزن واألمل واهلم والوساوس
والضعف.
والتطري شرك؛ لكونه تعلق على غري هللا ،واعتقاد حبصول الضرر من خملوق ال ميلك لنفسه ضرا وال نفعا،
ولكونه من إلقاء الشيطان ووسوسته ،ولكونه يصدر عن القلب خوفا وخشية وهو ينايف التوكل .قال
حمذرا من التطري (( :ال عدوى وال طرية وال هامة وال صفر)) (البخاري).
وقال يف كفارته(( :من ردته الطرية عن حاجته؛ فقد أشرك)) ،قالوا :فما كفارة ذلك؟ قال(( :أن
تقول :اللهم! ال خري إال خريك ،وال طري إال طريك ،وال إله غريك)) (أمحد ،وصححه األلباين).
-10التنجيم.
وهو االستدالل ابألحوال الفلكية على احلوادث األرضية؛ كأوقات هبوب الرايح وميء املطر ،وظهور
احلر والربد ،وتغري األسعار ،أو حدوث األمراض والوفيات ،أو السعود والنحوس.
وهذا ما يسمى بعلم التأثري ،وهو على نوعي:
النوع األول :أن يدعي املنجم أن الكواكب فاعلة خمتارة ،وأن احلوادث جتري بتأثريها ،وهذا كفر إبمجاع
املسلمني؛ ألنه اعتقاد أن هناك خالق غري هللا ،وأن أحدا يتصرف يف ملكه بغري مشيئته وتقديره سبحانه
وتعاىل.
النوع الثاين :االستدالل مبسري الكواكب واجتماعها وافرتاقها على حدوث احلوادث ،وهذا ال شك يف
32
حترميه؛ ألنه من ادعاء علم الغيب ،وهو من السحر أيضا ،كما قال النيب ( :من اقتبس علما من
النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من السحر؛ زاد ما زاد) (أبو داود ،وصححه األلباين).
-1من اخلرافات الباطلة ما يروجه الدجالون يف بعض الصحف واجملالت من ذكر البخت والنحوس
والسعود ،ويعلقون ذلك حبساابت الربوج والنجوم.
-2مما ال أبس به االستدالل ابلنجوم ملعرفة االجتاه يف األسفار يف الرب والبحر ،وكذلك تعلم منازل
الشمس والقمر؛ لالستدالل بذلك على القبلة وأوقات الصلوات والفصول ومعرفة الزوال ،كله جائز.
-3هناك نوع آخر من التنجيم :وهو أن اإلنسان يستدل بطلوع النجوم على األوقات ،واألزمنة،
والفصول ،فهذا ال أبس به وال حرج فيه ،مثل أن نقول إذا دخل جنم فالن فإنه يكون قد دخل موسم
األمطار ،أو قد دخل وقت نضوج الثمار وما أشبه ذلك ،فهذا ال أبس به وال حرج فيه.
33
أال أغفر لفالن؟ ،إين قد غفرت له وأحبطت عملك)) (مسلم))1( .
=========================================
-)1( )1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور
صاحل بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار
العلماء 1411هـ
احملاضرة السادسة
34
وهو إثبات ما أثبته هللا لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال ،ونفي ما نفاه هللا عن نفسه أو نفاه
عنه رسوله من صفات النقص.
• األدلة:
َمسَائِِه يف إثبات األمساء قال تعاىل﴿ :وَِِّ
َّلل ْاأل َْمسَاء ا َْلسىن فَا ْدعُوهُ ِهبا وذَروا الَّ ِذينَ ي ل ِ
ْح ُدو َن ِيف أ ْ ُ َ َ ُ ُ َُْ َ
َسيُ ْج َزْو َن َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾.
وقال (( :إن هلل تسعةً وتسعي امسًا ،مائة إال واح ًدا ،من أحصاها دخل اجلنة)) (البخاري).
ك ذُو ا ْجلَ ِ
الل َوا ِإل ْك َر ِام﴾. ويف إثبات الصفات قال تعاىلَ ﴿ :ويَ ْب َقى َو ْجهُ َربِ َ
فيختم
ُ رجال على سرية ،وكان يقرأ ألصحابه يف صالهتم،
بعث ً
وعن عائشة رضي هللا عنها :أن النيب َ
يفعل ذلك؟))،
َح ٌد﴾ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنيب ،فقال(( :سلوه ألي شيء ُ بـ ﴿قُ ْل ُه َو َّ
اَّللُ أ َ
فسألوه ،فقال:ألهنا صفةُ الرمحن ،وأان أحب أن أقرأ هبا ،فقال النيب (( :أخربوه أن هللا حيبه))
(البخاري).
-1أول من عرف عنه إنكار الصفات بعض مشركي العرب ،وقد عطلها أو أتول معناها بعد ذلك
اجلهمية وتالميذهم من املعتزلة واألشاعرة ،على تباين فيما بينهم يف إنكار او أتويل األمساء والصفات.
-2توحيد األمساء والصفات داخل يف توحيد الربوبية ،لكن ملا كثر منكروه ،والذين ابتدعوا فيه وروجوا
الشبه حوله؛ أفرد ابلبحث ،وجعل قسما مستقال ،وألفت فيه املؤلفات الكثرية.
-3نصوص الصفات من احملكم ال من املتشابه ،يقرؤها املسلمون ويتدارسوهنا ويفهمون معناها وال
ينكرون منها شيئا؛ فمن نسب إىل السلف أهنم يفوضون معاين األمساء والصفات وجيعلون نصوصها من
املتشابه الذي استأثر هللا بعلم معناه؛ فقد كذب عليهم.
35
أوال :وجوب احَتام أمساء هللا سبحانه وتعاىل.
َمسَائِِه َسيُ ْج َزْو َن َما َكانُوا قال هللا تعاىل﴿ :وَِِّ
َّلل ْاأل َْمسَاء ا َْلسىن فَا ْدعُوهُ ِهبا وذَروا الَّ ِذين ي ل ِ
ْح ُدو َن ِيف أ ْ َ ُ َ َ ُ ُ َُْ َ
يَ ْع َملُو َن﴾.
خيرب تعاىل أن أمساءه حسىن؛ أي :حسان ،قد بلغت الغاية يف احلسن ،فال أحسن منها؛ ملا تدل عليه
من صفات الكمال ونعوت اجلالل؛ فهي أحسن األمساء وأكملها.
ومعىن (يلحدون يف أمسائه) :مييلون هبا وحبقائقها ومعانيها عن احلق الثابت هلا.
36
• من صور احَتام أمساء هللا تعاىل ،ما أييت:
-1أن ال يسمى هبا غريه.
فعن أيب شريح :أنه كان يكىن أاب احلكم ،فقال النيب (( :إن هللا هو اَلكم ،وإليه اَلكم)) ،فقال:
إن قومي كانوا إذا اختلفوا يف شيء؛ أتوين ،فحكمت بينهم ،فرضي كال الفريقني :فقال(( :ما أحسن
هذا! فما لك من الولد؟)) ،قلت :شريح ،ومسلم ،وعبد هللا ،قال(( :فمن أكربهم؟)) ،قلت :شريح،
قال(( :فأنت أبو شريح)) (أبو داود ،وصححه األلباين).
37
املخلوقني تليق هبم وختصهم ،وال تشابه بني الصفتني؛ كما أنه ال تشابه بني ذات اخلالق سبحانه وذات
املخلوق.
ومذهب أهل السنة واجلماعة يف ذلك ينبن على أسس سليمة وقواعد مستقيمة ،فمن هذه األسس :
-1أن أمساء هللا وصفاته توقيفية.
مبعىن أهنم ال يثبتون هلل إال ما أثبته لنفسه يف كتابه أو أثبته له رسوله يف سنته من األمساء والصفات ،وال
يثبتون شيئا مبقتضى عقوهلم وتفكريهم ،وال ينفون عن هللا إال ما نفاه عن نفسه يف كتابه أو نفاه عنه
رسوله يف سنته ،ال ينفون عنه مبوجب عقوهلم وأفكارهم.
-3إثبات الصفات بال متثيل بصفات املخلوقي؛ ألن هللا تعاىل ليس كمثله شيء.
-4إثبات الصفات على وجه يليق جبالل الرب تعاىل ،وال يشبهونه خبلقه.
فهم ينزهونه عن النقائص والعيوب تنزيها ال يفضي هبم إىل التعطيل بتأويل معانيها أو حتريف ألفاظها
عن مدلوهلا حبجة التنزيه.
-5اإلمجال يف النفي والتفصيل يف اإلثبات.
الس ِميع الْب ِ
صريُ﴾. كما يف قوله تعاىل﴿ :لَي ِ ِ ِ
س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ
ْ َ
يع فأمجل يف النفي ،وهو قوله﴿ :ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء﴾ ،وفصل يف اإلثبات ،وهو قوله﴿ :و ُهو َّ ِ
السم ُ َ َ ٌْ َ
الْب ِ
صريُ﴾. َ
وكل نفي يف صفات هللا؛ فإنه يتضمن إثبات الكمال ،وليس هو نفيا حمضا؛ ألن النفي احملض ليس فيه
مدح؛ ألنه عدم حمض ،والعدم ليس بشيء.
َح ًدا﴾؛ أي :لكمال عدله ومن أمثلة النفي املتضمن إلثبات الكمال :قوله تعاىلَ { :وَال يَظْلِ ُم َربُّ َ
ك أَ
سبحانه.
38
-1املشبهة.
وهم الذين شبهوا هللا خبلقه ،وجعلوا صفاته من جنس صفات املخلوقني ،ولذلك مسوا ابملشبهة.
وأول من قال هذه املقالة هو هشام بن احلكم الرافضي وبيان بن مسعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية
من غالية الشيعة.
الرد عليهم:
س َك ِمثْلِ ِه
يقال أن هللا تعاىل نفى يف كتابه مشاهبته خللقه وهنى عن ضرب األمثال له؛ فقال سبحانه﴿ :لَْي َ
ال﴾. ض ِربوا َِِّ
َّلل ْاأل َْمثَ َ َش ْيءٌ﴾﴿ ،فَ َال تَ ْ ُ
فمن شبه صفات هللا بصفات خلقه؛ مل يكن عابدا هلل يف احلقيقة ،وإمنا يعبد وثنا صوره له خياله وحنته له
فكره؛ فهو من عباد األواثن ال من عباد الرمحن.
حكم املشبه:
قال نعيم بن محاد شيخ البخاري رمحهما هللا" :من شبه هللا خبلقه؛ فقد كفر ،ومن نفى ما وصف به
نفسه أو وصفه به رسوله؛ فقد كفر ،وليس فيما وصف هللا به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه" .وهنا
39
البد من استحضار شروط التكفري وموانعه اليت ذكرت سابقا قبل اجلكم على أحد ممن وقع يف التشبيه
أو التعطيل الكامل ابلكفر فقد يكون من وقع فيهما جاهال أو مكرها أو خمطئا أو متأوال بسبب شبهة ،
فهنا الجيوز التسرع والتساهل يف التكفري .
-2املعطلة:
وهم الذين نفوا عن هللا ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال ،وهم ثالث طوائف:
-1اجلهمية ،وينفون األمساء والصفات.
-2املعتزلة ،ويثبتون األمساء مردة عن معانيها وينفون الصفات.
-3األشاعرة ،ويثبتون األمساء وسبع صفات فقط هي :العلم ،واحلياة ،والقدرة ،واإلرادة ،والسمع،
والبصر ،والكالم ،وينفون بقية الصفات.
شبهتهم:
شبهة اجلميع فيما نفوه من الصفات :أن إثباهتا يقتضي التشبيه والتجسيم بزعمهم؛ ألنه ال يشاهد
س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ﴾؛ فتعني نفي الصفات وتعطيلها تنزيها هلل عن
موصوف هبا إال هذه األجسام ،وهللا ﴿ل َْي َ
التشبيه بزعمهم ،وهلذا يسمون من أثبتها مشبها.
ولذا كان موقفهم من النصوص الدالة على إثباهتا :إما أتويلها عن ظاهرها ،وإما تفويض معانيها.
الرد عليهم:
-1أن هللا سبحانه أثبت لنفسه األمساء والصفات وأثبتهما له رسوله .
-2أنه ال يلزم من وجود هذه الصفات يف املخلوقني املشاهبة بني هللا وخلقه ،فإن هلل أمساء وصفات
ختصه وللمخلوق أمساء وصفات ختصه ،واالشرتاك يف االسم واملعىن ال يوجب االشرتاك يف احلقيقة.
-3أن الذي ليس له صفات كمال ال يصلح أن يكون إهلاً.
-4أن إثبات الصفات كمال ونفيها نقص وهللا منزه عن القص.
-5أن أتويل الصفات عن ظاهرها ابطل ,وتفويض معناها يلزم منه أن هللا خاطبنا مبا ال نفهم معناه
وهذا ابطل)1( .
====================================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل بن فوزان الفوزان
األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء 1411هـ
40
احملاضرة السابعة
العناصر:
-1معىن اإلميان ابملالئكة.
-2األدلة.
-3أعمال املالئكة.
-4أعظم املالئكة.
• األدلة:
َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َوُر ُسلِ ِه﴾.
قال تعاىلُ ﴿ :كلٌّ آمن ِاب َِّ
ََ
وقال ملا سئل عن اإلميان(( :اإلميان :أن تؤمن ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر،
وتؤمن ابلقدر خريه وشره)) (مسلم).
41
• أعمال املالئكة:
وكل املالئكة أبعمال كثرة:
ك فَ ْوقَ ُه ْم يَ ْوَمئِ ٍذ ََثَانِيَةٌ﴾. -1فمنهم محلة العرش ،قال تعاىلَ ﴿ :وَْحي ِم ُل َع ْر َ
ش َربِ َ
صو َن َّ
اَّللَ َما أ ََم َرُه ْم َويَ ْف َعلُو َن -2منهم املوكلون ابلنار ،قال تعاىلَ ﴿:علَي ها م َالئِ َكةٌ ِغ َال ٌ ِ
ظ ش َدا ٌد َال يَ ْع ُ َْ َ
َما يُ ْؤَم ُرو َن﴾.
ِ ات ِم ْن بَْ ِ
ي يَ َديْ ِه َوم ْن َخل ِْف ِه َْحي َفظُونَهُ -3منهم املوكلون حبفظ بن آدم يف الدنيا؛ قال تعاىل﴿ :لَهُ ُم َع ِقبَ ٌ
ِمن أَم ِر َِّ
اَّلل﴾. ْ ْ
-4منهم املوكلون حبفظ أعمال العباد وكتابتها؛ قال تعاىل﴿ :وإِ َّن َعلَي ُكم ََلافِ ِظ ِ
ي ﴾. ي ك َر ًاما َكاتِبِ َ ْ ْ َ َ َ
ت تَ َوفَّ ْتهُ ُر ُسلُنَا َو ُه ْم َال -5منهم املوكلون بقبض األرواح؛ قال تعاىلَ ﴿ :ح َّىت إِذَا َجاءَ أ َ
َح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ
يُ َف ِرطُو َن﴾.
-6منهم املوكل ابلرحم وشأن النطفة؛ كما يف حديث ابن مسعود رضي هللا عنه(( :إن أحدكم جيمع
خلقه يف بطن أمه أربعي يوما نطفة ،مث يكون علقة مثل ذلك ،مث يكون مضغة مثل ذلك ،مث يرسل
إليه امللك ،فينفخ فيه الروح ،ويؤمر ِبربع كلمات؛ يكتب رزقه ،وأجله ،وعمله ،وشقي أو سعيد))
(البخاري) .
أعظم املالئكة: •
ي نَ َز َل بِ ِه
ب ال َْعال َِم َ
أعظمهم جربيل عليه السالم ،وهو أمني الوحي؛ كما قال تعاىلَ ﴿ :وإِنَّهُ لَتَ ْن ِزيل َر ِ
ُ
ي﴾. ك لِتَ ُكو َن ِمن الْمْن ِذ ِرين بِلِس ٍ
ان َع َرٍِيب ُمبِ ٍ ي َعلَى قَ ْلبِ َ ِ
وح ْاألَم ُ
َ ُ َ َ الر ُ
ُّ
وقد أعطى هللا املالئكة قدرة على التشكل أبشكال خمتلفة؛ فكان جربيل أييت إىل النيب يف صفات
متعددة :اترة أييت يف صورة دحية الكليب ،واترة يف صورة أعرايب ،واترة يف صورته اليت خلق عليها)1(.
=========================================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411هـ
42
العناصر:
-1معىن اإلميان ابلكتب.
األدلة. -2
احلكمة من إنزال الكتب. -3
الكتب املنزلة ،وحكم اإلميان هبا. -4
ما اختص به القرآن. -5
• األدلة:
ول ِمبَا أُنْ ِز َل إِلَي ِه ِمن ربِ ِه والْم ْؤِمنُو َن ُكلٌّ آمن ِاب َِّ
َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه﴾. الر ُس ُ
آم َن َّ
ََ ْ ْ َ َ ُ قال تعاىلَ ﴿:
وقال ملا سئل عن اإلميان(( :اإلميان :أن تؤمن ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر،
وتؤمن ابلقدر خريه وشره)) (مسلم).
43
القاصرة؛ لضلت واتهت ،فاقتضت حكمة هللا ورمحته أن ينزل هذه الكتب على املصطفني من رسله؛
آد َم إِ َّما
ليبينوا للناس ما تدل عليه هذه الكتب وما تتضمنه من أحكامه العادلة قال تعاىلَ ﴿ :اي بَِين َ
ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُه ْم َْحي َزنُو َن﴾. آايِيت فَ َم ِن اتَّ َقى َوأ ْ
َصلَ َح فَ َال َخ ْو ٌ َأيْتِيَ نَّ ُك ْم ُر ُس ٌل ِم ْن ُك ْم يَ ُق ُّ
صو َن َعلَْي ُك ْم َ
• ما اختص به القرآن:
مما اختص هللا به القرآن الكرمي :أنه أنزله لكل األجيال من األمم يف كل األوطان إىل يوم القيامة ،وتوىل
الذ ْك َر َوإِ َّان لَهُ ََلَافِظُو َن﴾)1(.
هللا تعاىل حفظه بنفسه؛ كما قال تعاىل{ :إِ َّان َْحنن نَ َّزلْنَا ِ
ُ
=========================================
(-)1( )1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور
صاحل بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار
العلماء 1411هـ
44
احملاضرة الثامنة
العناصر:
-1معناه.
-2األدلة.
-3احلكمة من إرسال الرسل.
-4الرسل الذين ذكروا يف القرآن ،وحكم اإلميان هبا.
-5الفرق بني النيب والرسول.
تفاضل الرسل. -6
النبوة اصطفاء. -7
دالئل النبوة. -8
الفرق بني دالئل النبوة وخوارق السحرة والكهان واملخرتعات الصناعية. -9
-10دين األنبياء واحد.
-11خصائص النيب حممد عليه الصالة والسالم عن غريه من األنبياء.
45
• معىن اإلميان ابلرسل:
التصديق برسالتهم ،واإلقرار بنبوهتم ،وأهنم صادقون فيما أخربوا به عن هللا ،وقد بلغوا الرساالت ،وبينوا
للناس ما ال يسع أحدا جهله.
• األدلة:
ول ِمبَا أُنْ ِز َل إِلَي ِه ِمن ربِ ِه والْم ْؤِمنُو َن ُكلٌّ آمن ِاب َِّ
َّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه﴾. الر ُس ُ
آم َن َّ
ََ ْ ْ َ َ ُ قال تعاىلَ ﴿:
وملا سأل النيب جربيل عن اإلميان ،قال(( :اإلميان أن تؤمن ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم
اآلخر ،والقدر كله خريه وشره)) (مسلم).
• اَلكمة من إرسال الرسل:
حاجة البشرية إليهم ؛ فال تنتظم هلم حال وال يستقيم هلم دين إال هبم ،وقد جعلهم هللا وسائط بينه وبني
خلقه يف تعريفهم بنفسه ومبا ينفعهم وما يضرهم ،ويف تفصيل الشرائع واألمر والنهي واإلابحة ،وبيان ما
حيبه هللا وما يكرهه.
• الرسل الذين ذكروا يف القرآن ،وحكم اإلميان هبم:
الرسل الذين ذكر هللا أمساءهم يف القرآن مخسة وعشرون ،جيب اإلميان أبعياهنم.
وأما من مل يسم يف القرآن من الرسل؛ وجب اإلميان به إمجاال.
ك ﴾.
ص ُه ْم َعلَْي َ قال تعاىل﴿ :ورس ًال قَ ْد قَصصناهم علَي َ ِ
ص ْ
ك م ْن قَ ْب ُل َوُر ُس ًال َملْ نَ ْق ُ َ َْ ُ ْ َ ْ َُ ُ
• الفرق بي النيب والرسول:
الرسول :هو من أوحي إليه بشرع جديد ،والنيب :هو املبعوث لتقرير شرع من قبله من الرسل ،وأيضا
الرسول أفضل من النيب.
• تفاضل الرسل:
ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ
ض ﴾. الر ُس ُل فَ َّ
ضلْنَا بَ ْع َ والرسل يتفاضلون؛ قال تعاىل﴿ :تِل َ
ْك ُّ
وأفضل الرسل أولو العزم ،وهم مخسة :نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحممد عليهم الصالة والسالم ،وهم
يسى ِ ك وِمن نُ ٍ ِ ِ ِ املذكورون يف قوله تعاىل﴿ :وإِ ْذ أَ َخ ْذ َان ِمن النَّبِيِ ِ
وسى َوع َ
يم َوُم َ
وح َوإبْ َراه َ ي ميثَاقَ ُه ْم َوم ْن َ َ ْ
َ َ َ
ابْ ِن َم ْرَميَ َوأَ َخ ْذ َان ِم ْن ُه ْم ِميثَاقًا غَلِيظًا﴾.
وأفضل أولو العزم :اخلليالن إبراهيم وحممد عليهما السالم.
وأفضل اخلليلني حممد .
• النبوة اصطفاء:
ليست النبوة كسبا يناله العبد ابجلد ،واالجتهاد ،وإمنا هي تفضُّل واختيار من هللا تعاىل؛ كما قال تعاىل:
46
صطَِفي ِم َن ال َْم َالئِ َك ِة ُر ُس ًال َوِم َن الن ِ
َّاس﴾. ( َّ
اَّللُ يَ ْ
• دالئل النبوة:
هي األدلة اليت تعرف هبا نبوة النيب الصادق ،ويعرف هبا كذب املدعي للنبوة من املتنبئني الكذبة.
ودالئل النبوة كثرية ومتنوعة وغري حمصورة؛ فمنها:
-1املعجزات :وهي أمر خارق للعادة جيريه هللا على يد من خيتاره لنبوته ليدل على صدقه وصحة
رسالته.
-2إخبارهم األمم مبا سيكون من انتصارهم وخذالن أعدائهم ،فوقع كما أخربوا.
-3ما جاءوا به من الشرائع واألخبار يف غاية اإلحكام واإلتقان.
-4أن هللا يؤيدهم أتييدا مستمرا.
-5أن طريقتهم واحدة فيما أيمرون به.
• الفرق بي دالئل النبوة وخوارق السحرة والكهان واملخَتعات الصناعية:
-1أن أخبار األنبياء ال يقع فيها ختلف وال غلط؛ خبالف أخبار الكهنة واملنجمني؛ فالغالب عليها
الكذب.
-2أن السحر والكهانة واالخرتاع أمور معتادة معروفة يناهلا اإلنسان بكسبه وتعلمه ،وميكن معارضتها
مبثلها؛ خبالف آايت األنبياء.
-3أن األنبياء مؤمنون مسلمون ،وأما السحرة والكهان واملتنبئون الكذبة؛ فال يكونون يف الغالب إال
متلبسني ابلشرك والتكذيب ببعض ما أنزل هللا.
-4أن الفطر والعقول توافق ما جاء به األنبياء عليهم السالم.
-5أن معجزات األنبياء ال حتصل أبفعاهلم هم ،وإمنا يفعلها هللا عز وجل آية وعالمة هلم ،وأما خوارق
السحرة والكهان واملخرتعات الصناعية؛ فإهنا حتصل أبفعال اخللق.
• دين األنبياء واحد:
دين األنبياء عليهم الصالة والسالم هو دين اإلسالم القائم على األركان الستة وهي اإلميان ابهلل
ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خريه وشره وإن تنوعت شرائعهم العملية العبادية.
ك وما و َّ ِ ِ ِ ِ ِ ع لَ ُكم ِمن ِ
الدي ِن ما و َّ ِ
يم
ص ْي نَا به إبْ َراه َ صى بِه نُ ً
وحا َوالَّذي أ َْو َح ْي نَا إِل َْي َ َ َ َ َ َ قال تعاىلَ ﴿ :ش َر َ ْ َ
ين َوَال تَتَ َف َّرقُوا فِ ِيه﴾.وقال النيب (( :األنبياء أخوة لعالت ،أمهاَتم ِ ِ ِ
يموا الد َ
يسى أَ ْن أَق ُ
وسى َوع َ
َوُم َ
شىت ،ودينهم واحد)) (البخاري).
47
• خصائص النيب حممد عليه الصالة والسالم عن غريه من األنبياء:
وآخر املرسلني؛ لقوله تعاىلَ ﴿:ولَكِ ْن
.1ختم النبوة به ،فإنَّه -صلى هللا عليه وسلم -خامت النبيني ِ
ول َِّ
وص َّح عن النيب -صلى هللا عليه وسلم-قوله: ي ﴾[األحزابَ ،]40 : اُتَ النَّبِيِ َ
اَّلل َو َخ َ َر ُس َ
ِ ِ
ومن نيب وال رسولَ ، "و ُختم يب النبيُّون" .وإذا ُختمت النبوة ُختمت الرسالة ،فال يُبعث بعده ٌّ
أن عيسى ابن مرمي لكن جاءت النصوص الثابتة َّ بعده نيب أو رسول فقد ك َفرْ ، اعتقد أنَّه يُ َبعث َ
وحاكما بشريعته،
ً عليه السالم ينزل يف آخر الزمان خليفةً للنيب -صلى هللا عليه وسلم -يف َّأمته،
ويضع اجلزية ،وال يقبَل إال اإلسالم". ِ
"فيقتُل الدجال ،ويكسر الصليب ،ويقتُل اخلنزيرَ ،
.2عُموم رسالته جلميع املكلَّفي منذ بعثَه هللا وإىل أ ْن أييت هللا أبمره ،فيجب على ِ
املنتسبني للشرائع َ
السابقة وأتباع مجيع النبيني اإلميا ُن برسالته وتصدي ُقه واتِّباعه.
آخر" :سيِد ٍ
.3أنَّه سيِد املرسلي؛ لقوله -صلى هللا عليه وسلم " :-أان سيِد الناس" ،ويف حديث َ
ولد آدم".
.4ولصالة النبيني واملرسلني خل َفه -صلى هللا عليه وسلم -ليلةَ اإلسراء واملعراج يف املسجد األقصى،
احهم يف مثال أجسادهم ،وصلُّوا خلف رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ،- فقد مجَع هللا تعاىل أرو َ
السالم. ِ
مجيعا الصالةُ و ُ مؤمتّني به عليهم ً
ك َال وعمومها جلميع الناس؛ لقوله تعاىل ﴿:فَ َال َوَربِ َ يؤمن برسالته ُ ٍ .5أنَّه ال ُّ
يتم إميا ُن عبد حىت َ
ي ْؤِمنُو َن ح َّىت ُحيكِم َ ِ
كل نيب من أنبياء هللا أخذ ُّ يما َش َج َر بَ ْي نَ ُه ْم ﴾ [النساء ،]65 :ولقد َ وك ف َ َ َ ُ ُ
ث فيكم حمم ٌد -صلى هللا عليه وسلم - ورسله عليهم الصالة والسالم على قومه" ،أ ْن إذا بُعِ َ
اَّللُ ِميثَا َقأخذ هللا عليه من امليثاق بقوله تعاىلَ ﴿ :وإِ ْذ أَ َخ َذ َّ لتؤمنن به ولتتبعنَّه"؛ حتقي ًقا ملا َ
َّ
ِ ِ ول م ِ ِ اب و ِحك ٍ ِ ِ
صد ٌق ل َما َم َع ُك ْم لَتُ ْؤمنُ َّن بِه َولَتَ ْن ُ
ص ُرنَّهُ ي ل ََما آتَ ْي تُ ُك ْم م ْن كتَ ٍ َ َ
ْمة ُمثَّ َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ُ َ النَّبِيِ َ
﴾[آل عمران.]81 :
اك إَِّال َكافَّةً لِلن ِ
َّاس ﴾[سبأ ،]28 :وقوله تعاىل ﴿ :قُ ْل .6عموم رسالته كما قال تعاىلَ ﴿:وَما أ َْر َسلْنَ َ
مج ًيعا ﴾ [األعراف ،]158 :وقوله -صلى هللا عليه وسلم:- ول َِّ
اَّلل إِلَْي ُكم َِ َّاس إِِين َر ُس ُ
ْ َايأَيُّ َها الن ُ
48
عامة" ،وقال -صلى هللا عليه وسلم - عثت إىل الناس َّ
خاصة ،وبُ ُ بعث إىل قومه َّ النيب يُ َ
"وكان ُّ
يهودي وال نصراينٌّ مث ال ي ِ
ؤمن يب إال د َخل النار". يسمع يب
ُ ٌّ ":والذي نفسي بيده ال َ
ظمى اليت
بشفاعته ،وهي الشفاعة العُ َ قضى بني الناس إال َ .7أنَّه صاحب الشفاعة العُظمى ،فال يُ َ
الرسل حىت تنتَ ِهي إليه ،فيشفع فيُش ِّفعه هللا ،وأييت للفصل بني عِباده.
يتخلَّى عنها أولو العزم من ُّ
وأول َمن يد ُخلها ،ال يدخل أح ٌد قبلَه.
يستفتح ابب اجلنَّة فيفتح لهَّ ،
ُ .8أنَّه َّأول َمن
ِ
ب لواء اَلمد حيمله -صلى هللا عليه وسلم-يوم القيامة ،ويكون احلامدون حتته؛ .9أنَّه صاح ُ
فمن سواه ،إال حتت لوائي". ٍ
نيب يومئذ ،آدم َ حلديث" :وبيدي لواءُ اَلمد وال فَخر ،وما من ٍ
.10أنَّه صاحب املقام احملمود ؛ أي :العمل الذي حيمده عليه اخلالق واملخلوق ،وهذا املقام هو ما
حيصل من مناقبه يوم القيامة.
.11وأيضا فهو صاحب الوسيلة ،وهي املنزلة العالية يف اجلنَّة ،ال تنبغي إال ٍ
لعبد؛ قال-صلى هللا ً
يوم
ت له الشفاعة َ فمن سأل هللا ِل الوسيلةَ َحلَّ ْ
عليه وسلم " :-وأرجو أ ْن أكون أان هوَ ،
القيامة"()1
======================================
(-)1( )1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور
صاحل بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار
العلماء 1411هـ
49
احملاضرة التاسعة
العناصر:
-1معىن اإلميان ابليوم اآلخر.
-2األدلة.
-3أمساؤه.
-4أمور يتضمنها اإلميان ابليوم اآلخر.
• األدلة:
َّلل َوالْيَ ْوِم
ب ولَكِ َّن الِْربَّ من آمن ِاب ِ
َْ ََ
ِ قال تعاىل ﴿:لَّيس الِْربَّ أَن تُولُّواْ وج َ ِ
وه ُك ْم قبَ َل ال َْم ْش ِرق َوال َْمغْ ِر ِ َ َ ُُ ْ َ
ِ
اآلخ ِر َوال َْمآلئِ َك ِة َوالْكِتَ ِ
اب َوالنَّبِيِ َ
ي ﴾.
وملا سأل النيب جربيل عن اإلميان؟ قال(( :اإلميان أن تؤمن ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم
اآلخر ،والقدر كله خريه وشره)) (مسلم).
• أمساؤه:
كثرية ،منها :يوم البعث ،يوم القيامة ،يوم الدين ،يوم احلشر ،يوم اخللود ،يوم التغابن ،يوم التناد ،احلاقة،
القارعة.
50
• األمور اليت يتضمنها اإلميان ابليوم اآلخر:
يتضمن اإلميان ابليوم اآلخر ثالثة أمور:
اإلميان أبشراط الساعة اليت هي من مقدماته. -1
اإلميان ابلربزخ وما جيري فيه إذ هو أول منازل اآلخرة. -2
اإلميان ابلبعث بعد املوت وما بعده. -3
51
وهي العالمات اليت تسبق اليوم اآلخر ،وتدل على قرب وقوعه ،واإلميان هبا واجب.
• األدلة:
اعةَ أَ ْن ََتْتِيَ ُه ْم بَغْتَةً ش َّق الْ َق َم ُر﴾ ،وقال تعاىل﴿ :فَ َه ْل يَ ْنظُُرو َن إَِّال َّ
الس َ اعةُ َوانْ َ
الس َ
ت َّقال تعاىل﴿ :اق ََْتب ِ
ََ
فَ َق ْد َجاءَ أَ ْش َراطُ َها﴾.
وقال (( :بعثت أان والساعة كهاتي)) وأشار ابلسبابة والوسطى (ابن حبان ،وصححه شعيب).
52
وتفصيل ما ورد يف اَلديث:
-1ظهور املهدي.
صحاحا،
ً قال (( :يف آخر أميت املهدي يسقيه هللا الغيث ،وَترج األرض نباَتا ،ويعطى املال
حججا)) (احلاكم ،وصححه األلباين)..
ً سبعا أو َثاين يعين
وتكثر املاشية ،وتعظم األمة ،يعيش ً
-2خروج الدجال.
قال (( :إن خيرج وأان فيكم فأان حجيجه دونكم ،وإن خيرج ولست فيكم؛ فامرؤ حجيج نفسه،
وهللا خ ليفيت على كل مسلم ،فمن أدركه منكم؛ فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإهنا جواركم من
فتنته))( .أبو داود ،وصححه األلباين).
وقد تواترت األحاديث خبروج الدجال ،وبينت صفته ،ومكان خروجه ،وأتباعه ،وعظم فتنته ،واالستعاذة
منه ،وما يقي منه ،ومهلكه.
-3نزول عيسى عليه السالم.
حكما عدالً ،فيكسر الصليب قال (( :والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مرمي ً
خريا
ويقتل اخلنزير ،ويضع اَلرب ويفيض املال حىت ال يقبله أحد ،حىت تكون السجدة الواحدة ً
اب إَِّال لَيُ ْؤِمنَ نَّبِ ِه قَ ْب َل
من الدنيا وما فيها)) ،مث يقول أبو هريرة :واقرأوا إن شئتمَ ﴿ :وإِ ْن ِم ْن أ َْه ِل الْكِتَ ِ
َم ْوتِِه َويَ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة يَ ُكو ُن َعلَْي ِه ْم َش ِهي ًدا﴾ (متفق عليه).
-4خروج أيجوج ومأجوج.
جاء يف احلديث إن هللا تعاىل يوحي إىل عيسى ابن مرمي عليه السالم بعد قتله الدجال(( :إين قد
فحرز عبادي إىل الطور ،ويبعث هللا أيجوج ومأجوج وهم
عبادا ِل ال يدان ألحد بقتاهلمَّ ،
أخرجت ً
ومير آخرهم فيقولون :لقد
فيمر أوائلهم على حبرية طربية فيشربون ما فيهاُّ ،
من كل حدب ينسلونُّ :
كان هبذه مرة ماء ،وحيضر نيب هللا عيسى وأصحابه إىل األرض فال جيدون يف األرض موضع شرب إال
طريا كأعناق البخت،
مأله زمههم ونتنهم ،فريغب نيب هللا عيسى وأصحابه إىل هللا ،فريسل هللا ً
فتحملهم فتطرحهم حيث شاءهللا)) (مسلم).
-5خروج الدابة.
خروجا :طلوع الشمس من مغرهبا ،وخروج الدابة على الناس ضحى، ً قال (( :أول اآلايت
وأيتهما كانت قبل صاحبتها فاألخرى على إثرها قريبًا)) (مسلم).
-6طلوع الشمس من مغرهبا.
53
قال (( :ال تقوم الساعة حىت تطلع الشمس من مغرهبا؛ فإذا رآها الناس؛ آمن من عليها؛ فذاك
حي ال ينفع نفسا إمياهنا مل تكن آمنت من قبل)) (أبو داود ،وصححه األلباين).
وقد تواترت النصوص بطلوع الشمس من مغرهبا ،وفيها دليل على أن من أحدث إمياان وتوبة بعد طلوع
الشمس من مغرهبا ال تقبل منه.
-7الدخان.
السماء بِ ُد َخ ٍ
ان ُمبِ ٍ ِ
اب أليم﴾.
َّاس َه َذا َع َذ ٌ
شى الن َ
ي * يَغْ َ ب يَ ْوَم ََتِْيت َّ َ ُ
قال تعاىل﴿ :فَ ْارتَق ْ
ذهب كثري من العلماء سلفا وخلفا إىل أن الدخان هو من اآلايت املنتظرة اليت مل أتت بعد ،وسيقع قرب
يوم القيامة.
10-8اخلسوفات الثالث.
قال (( :سيكون بعدي خسف ابملشرق وخسف ابملغرب وخسف يف جزيرة العرب)) ،قلت :اي
رسول هللا أخيسف ابألرض وفيها الصاحلون؟ قال(( :إذا أكثر أهلها اخلبث)) (الطرباين ،وقال اهليثمي،
فيه حكيم بن انفع ،وثقه ابن معني ،وضعفه غريه ،وبقية رجاله ثقات))1(.
==================================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411هـ
54
احملاضرة العاشرة
وهو ما بني الدنيا واآلخرة قبل احلشر ،من وقت املوت إىل البعث.
• األدلة:
ت َك َّال إِ َّهنَا ون لَعلِي أَ ْعمل ِ ِ
ال ر ِ ِ ِ
يما تَ َرْك ُ
صاَلًا ف َ
َُ َ ب ْارجعُ َ ت قَ َ َ َح َد ُه ُم ال َْم ْو ُقال تعاىلَ ﴿ :ح َّىت إِذَا َجاءَ أ َ
خ إِ َىل يَ ْوِم يُ ْب َعثُو َن﴾.
َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها َوِم ْن َوَرائِ ِه ْم بَ ْرَز ٌ
• مفردات الربزخ كثرية ،منها:
-1سؤال امللكي.
ويسمى بفتنة القرب ،وهي االمتحان واالختبار للميت حني يسأله امللكان.
ِ
اَّللُ الظَّال ِم َ ت ِيف ا َْلياةِ الدُّنْ يا وِيف ْاآل ِخرةِ وي ِ
ض ُّل َّ اَّلل الَّ ِذين آمنُوا ِابلْ َقو ِل الثَّابِ ِ قال تعاىل﴿ :يُثَبِ ُ
ي َ َُ َ َ ََ ْ ت َُّ َ َ
شاءُ﴾ ،قال (( :يف القرب ،إذا قيل له :من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟)) َويَ ْف َع ُل َّ
اَّللُ َما يَ َ
(الرتمذي ،وصححه األلباين).
وقد تواترت األحاديث عن النيب هبذه الفتنة من حديث الرباء بن عازب ،وأنس بن مالك ،وأيب
هريرة ،وغريهم رضي هللا عنهم.
وقد بني النيب صفة السؤال بقوله(( :إن امليت إذا وضع يف قربه ،وتوىل عنه أصحابه؛ إنه ليسمع
خفق نعاهلم؛ أاته ملكان ،فيقعدانه ،فيقوالن له ما كنت تقول يف هذا الرجل حممد؟ فأما املؤمن
فيقول أشهد أنه عبد هللا ورسوله قال فيقول انظر إىل مقعدك من النار؛ قد أبدلك هللا به مقعدا من
اجلنة)).
قال رسول هللا (( :فريامها مجيعا)).
قال(( :فأما الكافر واملنافق؛ فيقوالن له :ما كنت تقول يف هذا الرجل؟ فيقول :ال أدري! كنت
أقول ما يقول الناس .فيقوالن له :ال دريت وال تليت .مث يضرب مبطارق من حديد بي أذنيه،
فيصيح صيحة ،فيسمعها من عليها غري الثقلي)) (متفق عليه).
-2عذاب القرب ونعيمه.
إذا مات امليت فإنه يكون يف نعيم أو عذاب ،وأن ذلك حيصل لروحه وبدنه ،وأن الروح تبقى بعد مفارقة
البدن منعمة أو معذبة ،وأهنا تتصل ابلبدن أحياان ،وحيصل له معها النعيم أو العذاب.
55
اعةُ أَ ْد ِخلُوا
الس َ
وم َّ ِ
ضو َن َعلَْي َها غُ ُدواً َو َعشياً َويَ ْوَم تَ ُق ُ
َّار يُ ْع َر ُ
قال تعاىل يف شأن املعذبني يف قبورهم﴿ :الن ُ
اب﴾.آل فِ ْر َع ْو َن أَ َش َّد ال َْع َذ ِ
َ
وقد مر النيب بقربين ،فقال (( :إهنما ليعذابن ،وما يعذابن يف كبري أما أحدمها؛ فكان ال يستربئ
من البول ،وأما اآلخر؛ فكان ميشي ابلنميمة مث دعا جبريدة ،فشقها نصفي ،فقال لعله خيفف عنهما
ما مل ييبسا)) (ابن ماجة ،وحسنه األلباين).
استَ َق ُاموا تَتَ نَ َّز ُل َعلَْي ِه ُم ال َْمالئِ َكةُ َّ ِ
وقال تعاىل يف شأن املنعمني يف قبورهم﴿ :إِ َّن الذ َ
ين قَالُوا َربُّنَا َّ
اَّللُ ُمثَّ ْ
أ ََّال ََتَافُوا َوال َحتْ َزنُوا َوأَبْ ِش ُروا ِاب ْجلَن َِّة الَِّيت ُك ْن تُ ْم تُ َ
وع ُدو َن﴾.
وقال (( :ملا أُصيب إخوانكم ِبُ ُحد جعل هللا -عز وجل -أرواحهم يف أجواف طري خضر ،ترد أهنار
اجلنة َتكل من َثارها ،وَتوي إىل قناديل من ذهب يف ظل العرش)) (أمحد ،وصحح إسناده أمحد شاكر).
ومما حيسن التنبيه إليه :أن عذاب القرب وسؤال امللكني يناالن كل من مات ،فاملصلوب واحملرق واملغرق
وأكيل السباع والطيور له من عذاب الربزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله ،وإن تنوعت أسباب
النعيم والعذاب وكيفيا هتما.
-3املنكرون لعذاب القرب ونعيمه.
أنكرت املالحدة والزاندقة عذاب القرب ونعيمه.
شبهتهم:
أهنم يكشفون القرب ،فال جيدون فيه مالئكة يضربون املوتى ،وال حيات ،وال ثعابني ،وال نريان أتجج!
وكيف يفسح له مد بصره أو يضيق عليه وحنن جنده حباله وجند مساحته على حد ما حفرانه له ومل يزد
ومل ينقص؟
وكيف يصري القرب روضة من رايض اجلنة أو حفرة من حفر النار؟
الرد عليهم:
نرد عليهم أبن عذاب القرب من علم الغيب الذي يعتمد فيه على النصوص الصحيحة ،وليس للعقل وال
الفكر دخل فيه ،وأحوال اآلخرة ال تقاس أبحوال الدنيا ،وعدم إدراك اإلنسان للشيء ال يدل على عدم
وجوده.
-4أسباب عذاب القرب:
األسباب اليت يعذب هبا أصحاب القبور على قسمني :جممل ومفصل:
أما اجململ؛ فإهنم يعذبون على جهلهم ابهلل وعدم إطاعتهم ألمره وارتكاهبم معاصيه.
وأما املفصل؛ فقد أخرب رسول هللا عن الرجلني اللذين رآمها يعذابن يف قبورمها :أن أحدمها كان
56
ميشي ابلنميمة بني الناس ،واآلخر كان ال يسترت من البول ،مث ذكر من يعذب لكونه صلى بغري طهور،
ومن يقرأ القرآن مث ينام عنه ابلليل وال يعمل به يف النهار ،وتعذيب الزانة والزواين ،وأكلة الراب ،والذين
تتث اقل رؤوسهم عن صالة الفجر ،وتعذيب الذين مينعون الزكاة ،والذين يوقدون الفتنة بني الناس،
واملتكربين واملرائني واهلمازين واللمازين.
قبل البعث يكون النفخ يف الصور أوال ،وهو قرن أوكل هللا تعاىل به ملكاً قد التقمه؛ لينفخ فيه نفخيت
الصعق والبعث.
اَّللُ ُمثَّ نُِف َخ فِ ِيه
ض إَِّال َم ْن َشاءَ َّ السماو ِ
ات َوَم ْن ِيف ْاأل َْر ِ صع َق َم ْن ِيف َّ َ َ
َ قال تعاىلَ ﴿ :ونُِف َخ ِيف ُّ
الصوِر فَ ِ
ِ
أُ ْخ َرى فَِإذَا ُه ْم قيَ ٌ
ام يَ ْنظُُرو َن﴾.
وقال (( :إن الناس يصعقون يوم القيامة ،فأكون أول من يفيق ،فإذا أان مبوسى آخذ بقائمة من
قوائم العرش فال أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟)) (البخاري).
وأما البعث ،فمعناه:
إعادة اخللق الفاين ،كما كان عليه يف الدنيا حياً ،بعد النفخة الثانية يف الصور.
ب فِ ِيه﴾. ِ ِ ِ
اَّللُ ال إِلَهَ إِال ُه َو لَيَ ْج َم َعنَّ ُك ْم إِ َىل يَ ْوم الْقيَ َامة ال َريْ َ
قال تعاىلَّ ﴿ :
حديث جربيل عليه السالم ملا سأل النيب ما اإلميان ،قال((:تؤمن ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله،
والبعث بعد املوت)) (أمحد ،وصححه األلباين))1(.
=================================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411ه
57
احملاضرة اَلادية عشرة
يوم القيامة هو يوم قيام الناس لرب العاملني بعد البعث ،ومقداره مخسون ألف سنة ،ويقع فيه أمور
عظيمة ،منها:
-1اَلساب.
وهو تعريف هللا سبحانه اخلالئق مقادير اجلزاء على أعماهلم.
ريا يَ َرهُ َوَم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْ َق َ
ال ذَ َّرةٍ َش ًّرا يَ َرهُ﴾. قال تعاىل﴿ :فَمن ي عمل ِمثْ َق َ ٍ
ال ذَ َّرة َخ ْ ً َ ْ َْ َ ْ
ومن احلساب إجراء القصاص بني العباد ،فيقتص للمظلوم من الظامل؛(( :لَتُؤد َّ
ُّن اَلقوق إىل أهلها يوم
58
القيامة حىت يقاد للشاة اجللحاء من الشاة القرانء)) (مسلم).
واحلساب متفاوت؛ فمنه احلساب العسري ،ومنه احلساب اليسري.
وأول ما حياسب عليه العبد صالته ،وأول ما يقضى بني الناس يف الدماء.
-2إعطاء الصحائف.
وهي الكتب اليت كتبتها املالئكة وأحصوا فيها ما فعله كل إنسان يف احلياة الدنيا من األعمال القولية
والفعلية.
ورا اق َْرأْ كِتَابَ َ
ك شً ِج لَهُ يَ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة كِتَ ًااب يَ ْل َقاهُ َم ْن ُ ِِ ِ قال تعاىل﴿ :وُك َّل إِنْ ٍ
سان أَل َْزْمنَاهُ طَائ َرهُ ِيف ُعنُقه َو ُُنْر ُ َ َ
ك َح ِسيبًا﴾ .قال العلماء :طائره :عمله. ك الْيَ ْوَم َعلَْي ََك َفى بِنَ ْف ِس َ
ومنهم من يعطى كتابه بيمينه ،ومنهم من يعطى كتابه بشماله.
-3وزن األعمال:
يوزن يوم القيامة العامل ،والعمل ،وصحيفة العمل ،مبيزان حقيقي له لسان وكفتان.
ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن َوَم ْن َخ َّف ْ
ت َم َوا ِزينُهُ قال تعاىلَ ﴿ :وال َْوْز ُن يَ ْوَمئِ ٍذ ا َْلَ ُّق فَ َم ْن ثَ ُقلَ ْ
ت َم َوا ِزينُهُ فَأُولَئِ َ
س ُه ْم ِمبَا َكانُوا ِِب َايتِنَا يَظْلِ ُمو َن﴾. ِ
ين َخس ُروا أَنْ ُف َ
فَأُولَئِ َ َّ ِ
ك الذ َ
-4املرور على الصراط:
وهو جسر ينصب على منت جهنم يوم القيامة ،أدق من الشعر ،وأحد من السيف ،دحض مزلة ،عليه
كالليب مثل شوك السعدان ،يرده األولون واآلخرون حسب أعماهلم فناج مسلم ،وانج خمدوش،
ومكدوس يف النار.
قال (( :يضرب الصراط بي ظهري جهنم ،فأكون أان وأميت أول من جييز)) (مسلم).
-5اَلوض.
احلوض ممع املاء ،وحوض النيب حوض حقيقي خملوق ،وله صفات معينة.
قال ((:إن ِل حوضا ما بي أيلة إىل صنعاء ،عرضه كطوله ،فيه ميزاابن ينثعبان من اجلنة أحدمها
من ورق ،واآلخر من ذهب ،أحلى من العسل ،وأبرد من الثلج ،وأبيض من اللنب ،من شرب منه مل
يظمأ حىت يدخل اجلنة ،فيه أابريق عدد جنوم السماء)) (داود ،وصححه األلباين).
-6الشفاعة.
وهي سؤال اخلري للغري.
والشفاعة حق إذا حتققت شروطها ،وهي :أن تكون إبذن هللا تعاىل ،ورضاه عن املشفوع له.
اعتُ ُه ْم َش ْي ئًا إَِّال ِم ْن بَ ْع ِد أَ ْن َأيْذَ َن َّ
اَّللُ لِ َم ْن السماو ِ
ات َال تُغْ ِين َش َف َ ٍ ِ
قال هللا تعاىلَ ﴿ :وَك ْم م ْن َملَك ِيف َّ َ َ
59
ضى ﴾ .
شاءُ َويَ ْر َ
يَ َ
وقد أعطي نبينا الشفاعة ،فيشفع ملن أذن هللا له فيه ،وله ثالث شفاعات:
-1الشفاعة ألهل املوقف حىت يقضى بينهم.
-2الشفاعة ألهل اجلنة أن يدخلوا اجلنة.
وهااتن الشفاعتان خاصتان له.
-3الشفاعة فيمن استحق النار ،وهذه الشفاعة له ولسائر النبيني والصديقني وغريهم ،فيشفع
فيمن استحق النار أن ال يدخلها ،ويشفع فيمن دخلها أن خيرج منها.
-7اجلنة والنار.
ومها الداران العظيمتان اللتان ال تفنيان؛ فاجلنة دار املتقني ،والنار دار الكافرين.
ار ل َِفي َج ِح ٍيم﴾. ِ ِ
قال تعاىل﴿ :إِ َّن ْاألَبْ َر َار لَفي نَع ٍيم َوإِ َّن الْ ُف َّج َ
ومها خملوقتان موجوداتن اآلن.
ي﴾. َّت لِل ِ ِ
ْمتَّق َقال تعاىل يف اجلنة﴿ :أُعد ْ ُ
ُعد ْ ِ ِ وقال سبحانه يف النار﴿ :أ ِ
ين﴾)1(.. َّت ل ْل َكاف ِر َ
=================================
-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411هـ
60
العناصر:
-1معىن اإلميان ابلقضاء والقدر.
-2األدلة.
-3مراتب القدر.
-4أنواع التقدير.
-5مثرات اإلميان ابلقضاء والقدر.
61
-3املشيئة.
ب ال َْعال َِم َ
ي ﴾. اَّللُ َر ُّ شاءُو َن إَِّال أَ ْن يَ َ
شاءَ َّ قال تعاىلَ ﴿ :وَما تَ َ
-4اخللق.
اَّللُ َخالِ ُق ُك ِل َش ْي ٍء﴾.
قال تعاىلَّ ﴿ :
• أنواع التقدير:
-1تقدير عام شامل لكل كائن ،وهو املكتوب يف اللوح احملفوظ.
قال (( :أول ما خلق هللا القلم ،قال له اكتب! ،قال :وما أكتب؟ قال :اكتب مقادير ِ
كل شيء
حىت تقوم الساعة)) (أبو داود ،وصححه األلباين) .
-2تقدير مفصل للتقدير العام ،وهو أنواع:
األول :التقدير العمري.
الثاين :التقدير احلويل.
الثالث :التقدير اليومي.
62
احملاضرة الثانية عشرة
63
وأما النفاق األكرب ،فاملراد به النفاق االعتقادي أبن يظهر اإلميان ويبطن الكفر ،والدليل قوله تعاىل:
آمنُوا ُمثَّ َك َف ُروا فَطُبِ َع َعلَى قُ لُوهبِِ ْم فَ ُه ْم ال يَ ْف َق ُهو َن} [املنافقون.]3: {ذَلِ َ
ك ِِب ََّهنُ ْم َ
القضية الثانية( :التعامل مع أتباع الدايانت األخرى):
بداية البد أن نعلم أن التعامل مع أتباع الدايانت األخرى ال جيوز أن يتعارض مع عقيدة الوالء والرباء.
بشرط أن تقوم هذه العقيدة يف نفس املؤمن على وجه االعتدال والوسطية اليت هي مسة مجيع العقائد
واالحكام اإلسالمية.
ومعىن الوالء والرباء يف الشرع ،هو احلب يف هللا ،والبغض يف هللا؛ أي :حب هللا ومجيع حمبوابته؛ كالرسل،
واملالئكة ،والقرآن الكرمي ،والصالة ،واحلجاب ،وبـُغْض مجيع مبغوضاته؛ كالشرك ،والكفر ،والبدع،
ف َأيِْيت َّ ِ ِِ ِ َّ ِ
اَّللُ س ْو َ آمنُوا َم ْن يَ ْرتَ َّد م ْن ُك ْم َع ْن دينه فَ َ ين َ واملعاصي؛ قال -سبحانه وتعاىل َ ﴿ -:اي أَيُّ َها الذ َ
ِ بَِقوٍم ُِحيبُّ هم و ُِحيبُّونَه أ َِذلَّ ٍة َعلَى الْم ْؤِمنِ ِ ٍ
ين ﴾ [املائدة ،]54 :وقال -سبحانه -: ي أَع َّزة َعلَى الْ َكاف ِر َ ُ َ ُْ َ ُ ْ
ين َم َعهُ إِ ْذ قَالُوا لَِق ْوِم ِه ْم إِ َّان بُ َرآءُ ِم ْن ُك ْم َوِممَّا تَ ْعبُ ُدو َن اه َّ ِ
يم َوالذ َ
ِ ِ
سنَةٌ ِيف إبْ َر َ
ُس َوةٌ َح َ
ت لَ ُك ْم أ ْ ﴿ قَ ْد َكانَ ْ
ضاء أَب ًدا ح َّىت تُ ْؤِمنُوا ِاب َِّ ون َِّ ِمن ُد ِ
َّلل َو ْح َدهُ ﴾ اَّلل َك َف ْرَان بِ ُك ْم َوبَ َدا بَ ْي نَ نَا َوبَ ْي نَ ُك ُم ال َْع َد َاوةُ َوالْبَ غْ َ ُ َ َ ْ
اَلب يف هللا والبغض يف هللا)؛ أي: [املمتحنة ،]4 :وقال-صلى هللا عليه وسلم( :-أوثق ُع َرى اإلميان ُّ
أقوى أصول اإلميان وبناء على هذا فإن التعامل مع غري املسلمني ال يعن الرضا ابلكفر أو الشرك مطلقاً.
وي قوم التعامل مع غري املسلمني من أتباع الدايانت األخرى ممن مل يعتدوا ومل حياربوا املسلمني على الصور
التالية بناء على اإلقرار ابألداين السماوية أو الكتابية مجيعها مع االعتقاد اجلازم أبن دين اإلسالم هو
الدين احلق الذي ارتضاه هللا للناس مجيعا وانسخ جلميع تلك األداين السابقة ()1
==================================
-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل
بن فوزان الفوزان األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء
1411هـ
64
أوالً :حوار الدعوة:
واملقصود به يف -املفهوم اإلسالمي :-احلوار مع أتباع األداين األخرى لبيان صحة هذا الدين ،وأنه
انسخ لكل األداين السابقة ،وإيضاح صحة نبوة حممد وحماسن اإلسالم العظيمة ،وبيان ما هم عليه من
اخلطأ ,وهذا احلوار مطلوب شرعا ,تدل عليه كل اآلايت واألحاديث الدالة على فضيلة الدعوة إىل هللا
ك ِاب َْلِكْم ِة والْمو ِعظَ ِة ا َْلسنَ ِة وج ِ
اد ْهلُ ْم وبيان احلق ورد الباطل ومنها قوله تعاىل{ :ا ْدعُ إِ َىل َسبِ ِ
يل َربِ َ
ََ ََ َ َ َْ
ِ ِ ِِ ِ
ين} [النحل.]125 : ض َّل َع ْن َسبيله َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِابل ُْم ْهتَد َ ك ُه َو أَ ْعلَ ُم ِمبَ ْن َس ُن إِ َّن َربَّ َ ِابلَِّيت ه َي أ ْ
َح َ
اب إِالَّ ادلُوا أ َْهل الْكِتَ ِ وقد أمر هللا تعاىل مبجادلة أهل الكتاب ابألسلوب احلسن يف قوله تعاىل{ :وال ُجتَ ِ
َ
َ
آمنَّا ِابلَّ ِذي أُنْ ِز َل إِل َْي نَا َوأُنْ ِز َل إِل َْي ُك ْم َوإِ َهلُنَا َوإِ َهلُ ُك ْم ِ َّ ِ ِ
ين ظَلَ ُموا م ْن ُه ْم َوقُولُوا َ س ُن إَالَّ الذ َ ِابلَِّيت ه َي أ ْ
َح َ
اح ٌد َوَْحن ُن لَهُ ُم ْسلِ ُمو َن} [العنكبوت]46: وِ
َ
وهنا ضوابط مهمة البد من مراعاَتا .ومنها:
-1حتديد اهلدف من احلوار معهم ،واهلدف الرابين يف احلوار هو دعوهتم إىل هللا تعاىل ،ومتن هدايتهم
لإلسالم واحلرص على تصوير اإلسالم هلم كما أمر هللا به ،وتوضيح نقائه وصفائه هلم.
-2عدم التصدي للحوار بدون علم بدين اإلسالم :أو عدم القدرة على توضيح غاايته بصورة صحيحة،
فليس احلوار مطلوب من كل أحد ،بل هو مطلوب من أهل القدرة علماً وبياانً ،أما غريهم فليس
مطلوب منه احلوار ،إال إذا كان بشكل مبدئي يف احلث على فضائل هذا الدين ،أو كان املخاطب
الكتايب عامي ميكن التأثري عليه دون علم دقيق مبناهج اجلدل واملناقشة ،فهذا يدخل يف الدعوة العامة إىل
دين اإلسالم الذي هو مطلوب من كل مسلم.
-3االستفادة مما لدى أهل الكتاب من اإلقرار بوجود هللا تعاىل وصحة وجود النبوة -يف اجلملة ،-واليوم
اآلخر وحنوها للبناء عليها يف بيان احلق هلم ،وينبغي مراعاة الفروق الفردية والطائفية يف دعوهتم فيوجد
فيهم من يقر بنبوة حممد صلى هللا عليه وسلم ولكنه يقصرها على العرب فمناقشة هذا ودعوته أسهل من
املنكر هلا ابجلملة.
-4إقامة األدلة العقلية على صحة نبوة حممد -صلى هللا عليه وسلم :-فإقراره بنبوته يقتضي ابلضرورة
إقامة األدلة العقلية على صحة نبوة حممد صلى هللا عليه وسلم.
-5الدراسة الدقيقة ملنهج األنبياء يف حوار أقوامهم :وابلذات منهج الرسالة اخلامتة للرساالت كلها وأخذ
األصول العلمية يف احلوار مع أقوامهم ودعوهتم إىل هللا تعاىل.
65
-6دراسة مناهج علماء السنة يف مناقشاهتم وحوارهم مع أهل الكتاب :مع ضرورة التنبه إىل املناهج
البدعية يف حوار بعض أصحاب البدع مع الكتابيني مما سبب يف وجود مناهج منحرفة يف الفكر
اإلسالمي ظهرت فيما بعد على شكل فرق ضالة.
-7إثبات دين اإلسالم ابألدلة الصحيحة واملناهج القرآنية والنبوية املعتربة بعيداً عن مناهج أهل األهواء
والبدع :ومن ذلك إثبات صحة القرآن والنبوة ابألدلة احلسية اليت تضمنتها ،مثل :اإلخبار ابملغيبات
ويل للنص القرآين أو النبوي. ومبوافقة الكشوف العلمية الثابتة دون تعسف َ
-8البد من مراعاة حسن التعامل واملناقشة :ليكون للدعوة قبول دون خمالفة شرعية ،كالقول إبقرارهم
على اعتبار دينهم والثناء عليهم مبثل ذلك ابسم احرتام اآلخر ،وال يصح التسفيه له إذا طمع الداعية يف
هدا يته ،فاحلق وسط بني تفريط من يردد عدم اإلقصائية ويقول ابحرتام دين اآلخر ،وكأن اخلالف هو
يف وجهات النظر ال يف أصل الدين ،وبني اإلفراط الذي جيعل من إمكان هداية احملاور أمر يف غاية
الصعوبة.
اثنياً :حوار التعايش وحكمه:
تعريفه :املقصود حبوار التعايش هو :احلوار الذي "يهدف إىل حتسني مستوى العالقة بني شعوب أو
طوائف ،ورمبا تكون أقليات دينيّة ،ويُعىن ابلقضااي اجملتمعيّة كاإلمناء ،واالقتصاد ،والسالم ،وأوضاع
املهجرين ،والالجئني وحنو ذلك ،ومن أمثلة هذا اللون من احلوار( :احلوار العريب األورويب) ،و (حوار
ّ
الشمال واجلنوب)" ،وقد يسمي البعض هذا النوع (التسامح) ،وهذا التعريف هو معىن التعايش ابملفهوم
العام ،الذي يؤخذ من داللة الكلمة دون ارتباطات ابملفاهيم الالحقة.
وهذا املفهوم العام ال يزيد على حسن املعاملة ،والعيش بصورة مالئمة بني كافة اجملتمعات مع االختالف
الدين والفكري والثقايف ،والتعايش هبذا املعىن بني اتباع األداين املختلفة ال يرفضه اإلسالم ،ويدل عليه
اَّلل َع ِن الَّ ِذين َمل ي َقاتِلُوُكم ِيف ِ
الدي ِن ْ َ ُْ معىن الرب واإلحسان والقسط الوارد يف مثل قوله تعاىل{ :ال يَ ْن َها ُك ُم َُّ
ِِ وه ْم َوتُ ْق ِسطُوا إِل َْي ِه ْم إِ َّن َّ ِ
ي}[املمتحنة.]8: ب ال ُْم ْقسط َ اَّللَ ُِحي ُّ َوَملْ ُخيْ ِر ُجوُكم من ِد َاي ِرُك ْم أَن تَ َربُّ ُ
وهلذا املفهوم ثالثة ضوابط:
-1مراعاة أنه ال تالزم بي اإلحسان والعيش الكرمي والتسامح يف املعاملة مع أصحاب الدايانت
األخرى وبي الرباءة من كفرهم وعدم الرضا به.
-2إقامة العدل :واإلنصاف مع كل الناس ،فالعدل أساس عظيم يف مناء اجملتمعات واستقرارها.
66
-3التزام اَلكمة يف املعاملة :وهي وضع األمر يف موضعه ومقامه الصحيح الالئق به ،املوافق للمنهج
الرابين ،ولطبيعة النفس اإلنسانية)1(.
===========================================
()1أصول احلوار وآدابه يف اإلسالم أتليف الشيخ الدكتور صاحل بن محيد
67
اثلثاً :حفظ مطلق اَلقوق الثابتة لغري املسلم يف بالد املسلمي ،ومنها:
-1عدم إكراهه على دين اإلسالم كما قال تعاىل{ :ال إكراه يف الدين قد تبي الرشد من الغي}
(البقرة.)256 :
-2احرتام التكرمي اإلهلي لإلنسان على أاي كانت داينته كما قال تعاىل[:ولقد كرمنا بين آدم وْحلناهم
يف الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كث ٍري ممن خلقنا تفضيالً] (اإلسراء:
.)70
وأكد نبينا صلى هللا عليه وسلم وصحبه احرتام النفس اإلنسانية ،ففي اخلرب أن سهل بن حنيف وقيس
بن سعد كاان قاعدين ابلقادسية ،فمروا عليهما جبنازة فقاما ،فقيل هلما :إهنا من أهل األرض ،أي من
أهل الذمة فقاال :إن النيب صلى هللا عليه وسلم مرت به جنازة فقام .فقيل له :إهنا جنازة يهودي؟!
فقال( :أليست نفساً)
-3حسن العشرة واملعاملة احلسنة لغري احملارب واملعتدي من غري املسلمني فقد أمر هللا يف القرآن الكرمي
املسلمني برب خمالفيهم يف الدين ،الذين مل يتعرضوا هلم ابألذى والقتال ،فقال[ :ال ينهاكم هللا
عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين ومل خيرجوكم من دايركم أن تربوهم وتقسطوا إليهم إن هللا
حيب املقسطي] (املمتحنة.)8 :
قال الطربي" :عىن بذلك ال ينهاكم هللا عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين من مجيع أصناف امللل واألداين
أن تربوهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم .وقوله{ :إن هللا حيب املقسطي} يقول :إن هللا حيب املنصفني
الذين ينصفون الناس ويعطوهنم احلق والعدل من أنفسهم ،فيربون من برهم ،وحيسنون إىل من أحسن
إليهم".
-4العدل يف معاملتهم ورفع الظلم عنهم قال تعاىل[ :اي أيها الذين آمنوا كونوا قوامي هلل شهداء
ابلقسط وال جيرمنكم شنآن قوم على أن ال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى] (املائدة.)8 :
قال البيضاوي" :ال حيملنكم شدة بغضكم للمشركني على ترك العدل فيهم ،فتعتدوا عليهم ابرتكاب ما
ال حيل ،كمثلة وقذف وقتل نساء ِ
وصبية ونقض عهد ،تشفياً مما يف قلوبكم [اعدلوا هو أقرب للتقوى] ُ
أي :العدل أقرب للتقوى.
-5حرمة دماء وأموال غري املسلمني من املعاهدين والذميني واملسـتأمنني فقد حرم اإلسالم االعتداء
عليهم وذلك يف أحاديث كثرية من سنة النيب صلى هللا عليه وسلم منها:
68
عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما ،عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال ":من قتل معاهدا مل يرح
رائحة اجلنة ،وإن رحيها توجد من مسرية أربعي عاما"
وعن عبد هللا بن عمرو ،قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :من قتل قتيال من أهل الذمة مل
جيد ريح اجلنة ،وإن رحيها ليوجد من مسرية أربعي عاماً))1(.
=======================================
()1حقوق غري املسلمني يف بالد اإلسالم أتليف أ.د .صاحل بن حسني العابر-وكالة
املطبوعات والبحث العلمي وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد اململكة العربية
السعودية 1429هـ
69
-مسألة دعوى تقارب األداين:
التقارب بني األداين أمر نسيب ،وأييت على صورتني:
األوىل :التقارب الذي يعن االندماج الكامل والوحدة التامة بني األداين املبن على االعتقاد بصحة مجيع
املعتقدات الدينيّة ،وصواب مجيع العبادات ،وهذا الشكل من التقارب ال ميكن حصوله مطلقا .وال جتوز
الدعوة إليه مطلقا؛ ألن اخلالف بني دين اإلسالم وبني غريه من األداين يتعلق أبصول ال ميكن أن يكون
احلق فيها إال واحدا وهو ما قرره اإلسالم من وحدانية هللا تعاىل ونبذ الشرك .كما قال تعاىل مبينا لرسوله
اب تَ َعال َْوا إِ َىل َكلِ َم ٍة َس َو ٍاء بَ ْي نَ نَا
ما جيب أن يكون عليه احلوار الدين مع أهل الكتاب{:قُ ْل َاي أ َْهل الْكِتَ ِ
َ
ون ا َِّ ضنَا ب ْعضاً أَرابابً ِمن ُد ِ ِ ِ
َّلل فَِإ ْن تَ َولَّْوا َْ ْ اَّللَ َوال نُ ْش ِر َك بِه شيئاً َوال يَتَّخ َذ بَ ْع ُ َ
َوبَ ْي نَ ُك ْم أَالَّ نَ ْعبُ َد إِالَّ َّ
فَ ُقولُوا ا ْش َه ُدوا ِِب ََّان ُم ْسلِ ُمو َن} [آل عمران.]64 :
الصورة الثانية :التقارب الذي ال يصل إىل درجة الوحدة بني األداين ،وال يدعي صحة مجيع األداين،
وإمنا تكون الدعوة فيه إىل:
- .1التعرف على اآلخر.
- .2إبراز أوجه االتفاق لتحقيق قدر كاف من التعايش.
- .3التعاون على حتقيق القيم املشرتكة مثل:
أ-التعاون لصد اإلحلاد يف العقيدة.
ب-الوقوف ضد دعاة اإلابحية.
ج-التعاون حول قضااي العدل واملستضعفني ،والشعوب املضطهدة واألوطان احملتلة ،والفقر واملرض...
اخل.
د-االعرتاف ابآلخر وحفظ حقوقه ،واحرتام مقدساته .وهذه الصور من دعوة التقريب قريبة جدا من
حوار التعايش)1(.
======================================
()1خمتصر دعوة التقريب بني األداين دراسة نقدية يف ضوء العقيدة اإلسالمية أتليف أمحد
عبدالرمحن عثمان القاضي
70
-القضيىة الثالثة :حكم أهل املعاصي:
عند أهل السنة أن العاصي يف الدنيا ال خيرج عن اسم اإلسالم واإلميان ،ويقال له مؤمن إبميانه فاسق
بكبريته .ومؤمن انقص اإلميان.
وأما يف اآلخرة فحكمه إىل هللا تعاىل إن شاء غفر له بفضله ،وإن شاء عاقبه بعدله وال خيلد يف النار مثل
سائر الكفار إن دخلها ،وهذا هو الذي جتتمع عليه النصوص الكتاب والسنة.
خبالف اخلوارج الذين يرون أنه كافر يف الدنيا وخملد يف اآلخرة يف النار.
وخبالف املعتزلة الذين يرون أنه يف منزلة بني املنزلتني يف الدنيا فال هو مؤمن وال هو كافر ولكنه يف اآلخرة
خملد يف النار.
وخبالف املرجئة الذين حكموا إبميانه إمياانً كامالً يف الدنيا وهو يف اآلخرة مع النبيني الصديقني
والشهداء.
وحجة اجلميع تتفق يف أهنم يرون أن اإلميان شيء واحد ال يتبعض فال يزيد وال ينقص ،فإما يكون
الشخص عاصياً والعاصي ليس مبؤمن ،وإما أن يكون طائعاً وهو املؤمن.
71
يف أمران هذا ما ليس منه؛ فهو رد)) (متفق عليه).
• أنواع البدع الدينية:
تتنوع البدعة إىل بدعة اعتقادية وبدعة قولية وبدعة عملية:
ِ
.1البدعة االعتقاديَّة :وهي اعتقاد الشيء على خالف ما جاء عن ِّ
النيب صلى هللا عليه وسلم؛
ظهرت ِ َّ ِ كبِدعة اجلهميَّة ،واملعتزلة ،و َّ ِ
الرافضة ،وسائر الفَرق الضالة ،ويَدخل يف ذلك الفَر ُق اليت َ
حديثًا؛ كالقاداينيَّة ،والبهائيَّة.
قول مل ِ
أتت به الشريعةُ؛ كالقول خبَلق قول جاءت به الشريعة ،أو ابتداع ٍ .2البدعة القولية :تغيري ٍ
القرآن ،...وغريه.
ِ
.3البدعة العمليَّة :العمل الذي خيالف َ
أمر هللا ،وهي أنواع:
النوع األول :بِدعة يف أصل العِبادة ،فيُحدث عبادةً ليس هلا أصل يف الشَّرع؛ كأن ُحي ِدث صالة غري
أعيادا غري مشروعة؛ كأعياد املوالد وغريها.
صياما غري مشروع ،أو ً مشروعة ،أو ً
الزايدة على العِبادة املشروعة ،كما لو زاد ركعةً خامسة يف صالة الظهر أو النوع الثاين :ما يكون من ِّ
العصر تعبدا هلل مثالً.
يؤديها على ٍ ِ ِ
صفة غري مشروعة ،وكذلك أداء النوع الثالث :ما يكون يف صفة أداء العبادة املشروعة؛ أبن ّ
ات مجاعيَّة مطربة ،وكالتعبُّد ابلتشديد على النَّفس يف العبادات إىل ح ٍّد ُخيرج عن
األذكار املشروعة أبصو ٍ
النيب صلى هللا عليه وسلم يسألون عن قصة الثالثة الذين جاؤوا إىل بيوت أزواج ِّ السنَّة ،ومن أمثلتهَّ :
النيب صلَّى هللا عليه وسلم؛ قد َغفر هللاُ له ما َّ ُّ
عبادته ،فلما أُخربوا هبا كأهنم تقالوها ،فقالوا :وأين حنن من ِّ
َّهر وال أفطر، ِ
أبدا ،وقال آخر :أان أصوم الد َ الليل ً
أتخر؟! قال أحدهمَّ :أما أان فأصلّي َ
تقدَّم من ذنبه وما َّ
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال(( :أنتم الذين
أبدا ،فجاء ُ وقال آخر :أان أعتزل النساءَ فال أتزوج ً
أفطر ،وأصلِّي وأرقد ،و َّ
أتزوج لكن أصوم و ِ
ُ إين ألخشاكم هلل ،وأتقاكم له؛ ِّ
ِ
قُلتم كذا وكذا؟ أَما وهللا ِّ
ِ
النساء؛ فمن َرغب عن سنَّيت فليس ِّ
من)).
خيصصه الشرعُ؛ كتخصيص يوم النِّصف من ِ ٍ
النوع الرابع :ما يكون بتخصيص وقت للعبادة املشروعة مل ّ
فإن أصل الصيام والقيام مشروع ،ولكن ختصيصه بوقت من األوقات حيتاج شعبان بصيام ،وليلته بقيام؛ َّ
إىل دليل.
• حكم االبتداع يف الدين:
االبتداع يف الدين حمرم وضاللة؛ لقوله (( :وإايكم وحمداثت األمور؛ فإن كل حمدثة بدعة ،وكل
بدعة ضاللة)) (أبو داود ،وصححه األلباين).
72
ولكن التحرمي يتفاوت حبسب نوعية البدعة ،فقد يكون كفرا ،أو وسيلة من وسائل الشرك ،أو فسقا
اعتقاداي ،أو معصية ،أو خطأ.
• أسباب ظهور البدع يف املسلمي:
-1اجلهل أبحكام الدين.
-2اتباع اهلوى.
-3التعصب لآلراء والرجال.
-4التشبه ابلكفار.
• موقف أهل السنة واجلماعة من املبتدعة ومنهجهم يف الرد عليهم.
ينكرون عليهم ،ويردون عليهم.
ومنهجهم يف الرد على أهل البدع مبن على الكتاب والسنة.
وهو املنهج املقنع املفحم؛ حيث يوردون شبه املبتدعة وينقضوهنا ،ويستدلون ابلكتاب والسنة على
وجوب التمسك ابلسنن والنهي عن البدع واحملداثت.
وهلم يف ذلك مؤلفات كثرية.
• بدع معاصرة:
البدع املعاصرة كثرية حبكم أتخر الزمن ،وقلة العلم ،وكثرة الدعاة إىل البدع واملخالفات ،وسراين التشبه
ابلكفار يف عاداهتم وطقوسهم؛ ولعل من أبرز هذه البدع ،اآليت:
-1االحتفال ابملولد النبوي.
ال جيوز ،وهو بدعة؛ ألنه ال أصل له يف الكتاب والسنة وعمل السلف الصاحل والقرون املفضلة ،وإمنا
حدث متأخرا بعد القرن الرابع اهلجري ،أحدثه الفاطميون الشيعة.
وقد يصحبه بعض املنكرات والشركيات من الغلو يف مدح النيب ،ودعائه من دون هللا تعاىل،
واالستغاثة به .وقد قال النيب (( :كل حمدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة)) (أبو داود ،وصححه
األلباين).
-2التربك ابألماكن واآلاثر واألشخاص أحياءً وأموااتً.
ال جيوز ،وهو بدعة؛ ألنه إما شرك إن اعتقد أن ذلك الشيء مينح الربكة ،أو وسيلة إىل الشرك إن اعتقد
أن زايرته ومالمسته والتمسح به سبب حلصوهلا من هللا سبحانه وتعاىل.
وأما ما كان يفعله الصحابة من التربك بشعر النيب وريقه وما انفصل من جسمه ؛ فذلك خاص به
73
يف حال حياته؛ بدليل أهنم مل يكونوا يتربكون حبجرته وقربه بعد موته ،وال كانوا يقصدون األماكن اليت
صلى فيها أو جلس فيها ليتربكوا هبا.
-3البدع يف جمال العبادات والتقرب إىل هللا سبحانه وتعاىل.
وهي عبادات مل يدل عليها دليل ،وقد عد العلماء منها:
اجلهر ابلنية للصالة؛ والذكر اجلماعي بعد الصالة؛ وطلب قراءة الفاحتة يف املناسبات وبعد الدعاء
لألموات ،وإقامة املآمت على األموات وصناعة األطعمة واستئجار املقرئني.
ومنها :االحتفال ابملناسبات الدينية كمناسبة اإلسراء واملعراج ،ومناسبة اهلجرة النبوية.
ومنها :العمرة الرجبية ،واألذكار الصوفية املخالفة لألذكار املشروعة ،وختصيص ليلة النصف من شعبان
بقيام ويوم النصف من شعبان بصيام.
ومنها :البناء على القبور ،واختاذها مساجد ،وزايرهتا ألجل التربك هبا والتوسل ابملوتى وغري ذلك من
األغراض الشركية ،وزايرة النساء هلا)1( .
=============================
(-)1اإلرشاد إيل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد -الدكتور صاحل بن فوزان الفوزان
األستاذ ابملعهد العايل للقضاء ابلرايض وعضو هيئة كبار العلماء 1411هـ
74