You are on page 1of 6

‫بحث مقرر النظرية السياسية‬

‫اعداد الطالب ‪ :‬زياد سيد عبد هللا‪.‬‬


‫الفرقة ‪ :‬الثالثة ‪.‬‬

‫قسم ‪ :‬العلوم السياسية‪.‬‬

‫الشعبة ‪ :‬عربي‪.‬‬

‫التخصص الفرعي ‪ :‬اإلدارة‪.‬‬

‫تحت اشراف ‪ :‬أ‪.‬د‪ /‬محمد صفار‪.‬‬


‫معيد‪ /‬انجي خالد‪.‬‬
‫المقدمة‪:‬‬

‫تعد مقدمة ابن خلدون من اهم المؤلفات العربية التي تدرس من جوانب الحياة االقتصادية و‬
‫التاريخية و االجتماعية و السياسية و غيرها الكثير ‪ ،‬وفي هذا التقرير سوف نتناول‬
‫فصلين من الفصول الهامة في المقدمة و هذا لما تتناوله من جانب هام ‪ ،‬الفصل السادس و‬
‫الثالثون بعنوان " في ان كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل " و الذي يتناول ازمة‬
‫التعليم و يسلط الضوء على مشكلة من المشاكل الهامة في هذا الجانب و هو اثر االكثار من‬
‫المؤلفات العلمية في موضوع او اكثر على االستيعاب و الفهم و هو من األمور الهامة في‬
‫عملية التعليم و التعلم فهي تؤثر فيه بشكل مباشر و يمكن ان تعطي انطاعا خداعا للهولة‬
‫األولى ‪ ،‬و يتحدث ابن خلدون عن العلماء و ممارسة السياسة في الفصل الثالث و‬
‫االربعون من الجزء الثاني في المقدمة و ما اذا كان العلماء مؤهلين لدخول الساحة السياسية‬
‫و ممارسة السياسة ام انها منطقة شائكة و غير مناسبة للعلماء و هو ما سنلقي الضوء عليه‬
‫في هذا التقرير ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الفصل السادس و الثالثون من الجزء الثاني ‪.‬‬


‫يتحدث ابن خلدون في هذا الفصل عن عملية التعليم بشكل مختلف ‪ ،‬فهو ال يتحد عن أجزاء عملية‬
‫التعليم و كيفيتها بشكل تقني وال يتحدث عن اشكال و أنواع عمليات التعلم ‪ ،‬ولكن يتحدث عن جزء‬
‫معين مهم جدا في عملية التعليم و التعلم و هي المادة العليمة ‪ ،‬فهو يتحدث عن المؤلفات العلمية التي‬
‫يدرسها طالب العلم و يسلط الضوء على مشكلة في غاية الخطورة و ليس من السهل ان يالحظها الكثير‬
‫من الناس ‪ ،‬اال و هي مشكلة كثر المؤلفات العلمية ‪.‬‬
‫من البديهي عند الكثيرين انه وجود عدد كبير من المؤلفات يعني وجود فائدة اكثر و هو مبدأ بديهي عند‬
‫كثير من البشر ‪ )١(،‬مثل ان فالنا ً من الناس حينما يمتلك أمواال اكثر يعني انه يزداد في الثراء و هو‬
‫امر بديهي ‪ ،‬ولكن ما طرحه ابن خلدون عكس هذا االعتقاد ‪ ،‬فقد سلّط الضوء على أهمية القيمة ‪ ،‬قيمة‬
‫األشياء ‪ ،‬فكما ذكرت في المثال (‪ ) ١‬انه كلما ازدادت األموال التي يمتلكها فالن من الناس كلما ازداد‬
‫ثرائه ولكن اذا وضعا فرضية ان النقود التي جمعها هذا الشخص أصبحت بال قيمة ‪ ،‬حينها لن يزداد هذا‬
‫الشخص ثرا ًء فإن ما عنده ما هي اال حزمة أوراق او معادن ليست ذات قيمة ‪ ،‬و هذا ما طرحه ابن‬
‫خلدون في هذا الفصل‪ ،‬فقد أوضح ان وجود الكثير من المؤلفات تعوق عن تحصيل المعلومات و فهمها‬
‫بشكل جيد ‪.‬‬
‫قد استهل ابن خلدون حديثه في الفصل قائال انه ما أوقع الضرر بالناس في الفهم و التعلم الصحيح هو‬
‫وجود الكثير من " التآليف " التي تختلف طرق كتابتها و مصطلحاتها على الرغم من انها يمكن تتحدث‬
‫كلها عن نفس الموضوع و هذه المؤلفات التي يجب على طالب العلم ان يعلمها و يتعلمها و يحفظها كلها‬
‫و هو ما ذكره بإستنكار و تعجب من امر انه في حالة لم يستطع الطالب ان يتذكر كل هذه المعلومات‬
‫فيتم الحكم عليه انه قد وقع في قصور و اهمال ‪ ،‬و قد قسم ابن خلدون في هذا لفصل بين نوعين من‬
‫المؤلفات او الموضوعات و هي المؤلفات او الموضوعات المساعدة و هي التي تمثل " آلة " او وسيلة‬
‫تساعد على فهم النوع الثاني من الموضوعات او المؤلفات و هي الموضوعات الرئيسية و األساسية و‬
‫التي يلزم لدراستها و فهمها و دراستها و تفسيرها وجود أدوات تساعد على فهمها فهما صحيحا ‪ ،‬و قد‬
‫تطرق ابن خلدون الى ان االمر اصبح تنافسي بين العلماء فقد الفّوا العديد من المؤلفات في الموضوعات‬
‫المساعدة حتى كثر عدد المؤلفات في هذه الموضوعات في حين وجود عدد اقل من المؤلفات في‬
‫الموضوع الرئيسي و هو ما استنكره ابن خلدون و تعجب منه ‪ ،‬فكيف يكون هناك العديد من المؤلفات‬
‫عن الموضوعات الفرعية و اهمال الموضوعات الرئيسية ! اذا ما هو الموضوع المهم و الرئيسي ؟‬
‫و قد ضرب ابن خلدون مثال اللغة العربية حيث انه يوجد العديد من المؤلفات في اللغة العربية و الكثير‬
‫من الشروحات و العديد من الطرق في الكتابة باللغة العربية و في النهاية اللغة العربية موضوع مساعد‬
‫او بمعنى ادق هي وسيلة لفهم و تفسير الموضوعات الرئيسية ‪.‬‬
‫و قد طرح مثاال آخر في الفقه في المذهب المالكي و ما كتب من الشروحات في المؤلفات المختلفة في‬
‫الطرق لكن لم تختلف كثيرا في أساس الموضوع ‪ ،‬فيكون على الطالب التفريق بين كل طريقة و الثانية‬
‫و حفظهم جميعا و في النها ية يكون التحصيل من المعلومات قليل و في النهاية ينقضي عمر الطالب في‬
‫طريقة واحدة ‪ .‬فتكون النتيجة ان المعلومات كثيرة لكن قيمة االستفادة ليست كبيرة فالعدد يزيد من‬
‫المعلومات لكن القيمة تبقى كما هي ‪ ،‬و هو ما عكس امر انه ليست الفائدة في الكم بل في الكيف ‪.‬‬

‫التطبيق ‪:‬‬
‫ان ما ذكره ابن خلدون في هذا الفصل يمكن تطبيقه في الواقع الحالي ‪ ،‬ان ما ذكره ابن خلدون يطلق‬
‫عليه في عصرنا الحديث " اإلغراق المعلوماتي " ‪.‬‬
‫اإلغراق المعلوماتي هي ظاهرة هي ظاهرة مذكورة غالبًا في مجتمعنا المعولم وقد حلل العلماء هذه‬
‫الظاهرة منذ عقو د‪ .‬تم إجراء كل من البحث الكمي والنوعي حول األسباب واألعراض والتدابير‬
‫المضادة‪ 1‬حيث انه يعبر عن وجود الكثير من المعلومات مع قلة التحصيل ‪ ،‬فال يتم االستفادة من قيمة‬
‫هذا الكم من المعلومات اال قليل ‪ ،‬بل انه في أوقات كثيرة يسبب الضرر بتشتيت العقل و تعطيل بعض‬
‫العمليات ‪ ،‬و يمكن القول ان " اإلغراق المعلوماتي هو وصف للحالة المتمثلة بالتعرض لكمية كبيرة من‬
‫المعلومات غير المفيدة مما يؤدي إلى تحفيز الدماغ بشكل زائد عن الحاجة" ‪ ، 2‬و من االضرار التي‬
‫يسببها اإلغراق المعلوماتي‪: 3‬‬
‫• زيادة ضغط الدم‪.‬‬
‫• سوء المزاج وقلة الطاقة‪.‬‬
‫• انخفاض القدرة اإلدراكية مما يؤثر في اتخاذ القرارات‪.‬‬
‫• وجود صعوبة في التركيز‪.‬‬
‫• قلة االنتاجية‪.‬‬
‫• ضعف في النظر‪.‬‬
‫• رغبة مستمرة في التحقق من البريد االلكتروني والرسائل والهاتف‪.‬‬
‫• األرق‪.‬‬
‫• اإلرهاق‪.‬‬

‫بالتطبيق على الواقع السياسي فإن ظاهرة اإلغراق المعلوماتي قد لعبت دورا كبيرا فيما يسمى بـ فشل‬
‫علم السياسة في مصر‪ ،‬حيث ان علم السياسة و على الرغم من وجود الكثير من المعلومات و االخبار‬
‫السياسية بسبب التطور التكنولوجي او الطفرة التكنولوجية التي حدثت في العصر الحديث ‪ ،‬فكان متاح‬
‫العديد من مصادر المعلومات و كم هائل من المعلومات ولكن قد فشل السياسيون في التنبؤ بوقوع‬
‫احداث الخامس و العشرين من يناير و سقوط النظام الذي استمر لمدة ثالثون عاما ً ‪ ،‬و هنا لعب‬

‫‪1‬‬ ‫)‪(Thomas Rachfall, Elizabeth A. Williamson, Bryan Temple 2014‬‬


‫‪2‬‬ ‫تقرير المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية ‪، ٢٠١٨ ،‬‬
‫‪http://ncmh.org.sa/index.php/pages/psychologicalD/263‬‬
‫المصدر السابق ‪3‬‬
‫االستغراق المعلوماتي دورا كبيرا في تشتيت السياسيين ‪ ،‬فلم يتم االستفادة بالكم الهائل من المعلومات و‬
‫هذا ما ذكرته رئيسة الجامعة االمريكية بالقاهرة الدكتورة ليزا اندرسون في تفسيرها لفشل علم السياسة‬
‫في مصر‪4.‬‬

‫ثانيا الفصل الثالث و االربعون من الجزء الثاني ( في أن العلماء من‬


‫بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها )‬
‫يتحدث ابن خلدون في هذا الفصل عن العلماء و طبيعة عملهم و طرق التفكير القائمة عليها أعمالهم و عن‬
‫كيفية تأثرهم بها ‪ ،‬فيقول ابن خلدون في بداية الفصل ان العلماء بطبيعة عملهم معتادون على " النظر‬
‫الفكري" و في هذه الجملة هو يفسر لنا طبيعة العمل السائدة للعلماء و هي الطبيعة النظرية و الفكرية ‪،‬‬
‫فهم ليسوا من ذوي المهن العملية التي تتطلب العديد الحركة ‪ ،‬قم اكمل قائال انهم أيضا معتادون على "‬
‫الغوص على المعاني و انتزاعها من المحسوسات " و هو ما يبين فيه انهم ال يكتفون بالمعنى الواضح او‬
‫المحسوس الذي يمكن فهمه من مجرد القراءة ولكنهم يكملون و يبتعدون عن االحاسيس الى ان يصلو الى‬
‫معاني الكلمات فينتزعوها من الشك الى اليقين ‪ ،‬و يكمل ابن خلدون وصفه انهم ال يقفون عند هذا الحد بل‬
‫انهم يجردوا هذه المعاني الى أمورا كلية عمومية شاملة جميع الجوانب فهي ليست مختصة بأمر شخص‬
‫او قبيلة او دولة او امة بل انها عابرة حدود كل هذه األمور لتشمل دائرة الكل ثم يتم العمل بها و تطبيقها‬
‫على الحاالت التي تدرس ‪ ،‬ثم يذكر ابن خلدون عمليات يقوم بها العلماء مثل القياس و هي عملية االتيان‬
‫بحاله سابقة مشابهة للحالة المراد اخذ قرار فيها او حلها او دراستها ألخذها كنموذج استرشادي ‪ ،‬ثم يذكر‬
‫امر هاما و هو ان العلماء ال يعملوا على ان يتناسب القرار او اإلجراءات مع الواقع بل العكس ‪ ،‬حيث‬
‫انهم يجعلون الواقع متطابق مع ما ليدهم مثل محاولة تعديل السلوك اإلنساني ليتناسب ما احكام الشريعة و‬
‫الفقه الديني و هي آلية كان يعمل بها العلماء ‪ ،‬وقد فصل بين العلوم النظرية و التطبيقية فقد ذكر ان علماء‬
‫العلوم التطبيقية يعملون عكس ما يعمل به علماء العلم النظري في عملية تناسب اإلجراءات مع الواقع ‪.‬‬
‫ثم يذكر ابن خلدون صفات يرى انه من الضروري توافرها في السياسيين و هي غير موجودة في العلماء‬
‫ان لم تكن عكس ما يتوافر لدى العلماء من إمكانيات ‪ ،‬فيذكر لنا ان األمور السياسية تختلف عن المسائل‬
‫العلمية فهي ال يمكن تطبيق عملية القياس عليها فال يوجد مسألة سياسية تتشابه بنسبة مئة بالمئة بـ مسألة‬
‫سياسية سابقة ‪ ،‬و يضيف انه ال تتشابه الدول او المجتمعات السياسية فإذا تشابهت في امر واحد اختلفت‬
‫في باقي األمور و هذا االمر يلغي أي احتمال لتطبيق عملية القياس التي قد ذكرناها من قبل و هذا ما‬
‫يجعل العلماء في حيرة من امرهم ال يعلمون ما العمل الصواب فيقون في الخطأ ‪ ،‬ثم يكمل حديثه قائال انه‬
‫نظرا إلختالف المجاالت فإنهم يقعون فريسة سهلة ألهل السياسة الذين ال يقلون براعة عن العلماء في‬
‫مجالهم ‪ ،‬ثم يذكر ان العامة من الناس يصعب ان يبتعدوا كثيرا بذهنهم و ان يصلوا الى الحد الذي يجعلهم‬
‫ي يجد انه يفضل ان يبقى في اختصاصه و اال يفكر‬ ‫يفكروا في األمور مثل اهل السياسة ‪ ،‬فيرى ان العام ّ‬
‫ابعد عن الموجودات المادية فال يستغرق في التفكير فيكون مثل السباح الذي ال يبتعد عن الساحل القريب‬
‫حتى ال يقع في ازمة او مشكلة ‪ ،‬فينظر ابن خلدون الى ان السياسة بإعتبراها مجال به الكثير من الخبايا و‬
‫الكثير من االسرار التي تتعدى الماديات و الموجودات ‪ ،‬فهي منطقة غير مأمونة في نظره للعلماء ‪ ،‬و‬

‫‪4‬‬ ‫محمد صفار‪ ،‬فشل علم السياسة في مصر ‪ ،‬جريدة االهرام األسبوعي ‪٢٠١٣ ،‬‬
‫نقله ايمن الحسيني على موقع ‪:‬‬
‫‪https://www.ida2at.com/muhammed-soffar-writes-politics-science-failure-in-egypt/‬‬
‫يمكن تلخيص ما جاء به ابن خلدون في انه ذكر ابن خلدون رؤيته في العالقة بين العلماء والسياسة‪،‬‬
‫والتي قامت على فهم وإدراك طبيعة عمل العلماء‪ ،‬بطبيعة السياسة وما تتطلبه من مهارات وفنون خاصة‬
‫‪.‬بها‬
‫يبين بن خلدون أن العلماء "معتادون النظر الفكري والغوص على المعاني‪ ،‬وانتزاعها من المحسوسات‬
‫وتجريدها في الذهن‪ ،‬أمورا ً كليه عامة‪ ،‬ليحكم بأمر على العموم‪ ،‬ال بخصوص مادة وال شخص وال جيل‬
‫‪".‬وال أمة وال صنف من الناس‪ ،‬ويطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيات‬
‫كما أنهم كما ذكر بن خلدون "يقيسون األمور على أشباهها وأمثالها‪ ،‬بما اعتادوه من القياس الفقهي‪ ،‬فال‬
‫تزال أحكامهم وأن ظارهم كلها في الذهن‪ ،‬وال تصير إلى المطابقة إال بعد الفراغ من البحث والنظر‪ ،‬أو ال‬
‫تصير بالجملة إلى مطابقة‪ ،‬وإنما يخرج ما في الخارج عما في الذهن من ذلك‪ ،‬كاألحكام الشرعية‪ ،‬فإنها‬
‫فروع عما في المحفوظ من أدلة الكتاب والسنة‪ ،‬فتطلب مطابقة ما في الخارج لها‪ ،‬عكس النظر في العلوم‬
‫‪..".‬العقلية‪ ،‬التي يطلب في صحتها مطابقتها لما في الخارج‬
‫ثم يخلص بن خلدون‪ ،‬إلى وصف طبيعة العلماء بقوله‪" :‬فهم متعودون في سائر أنظارهم األمور الذهنية‬
‫واألنظار الفكرية ال يعرفون سواها‪ ،‬والسياسة يحتاج صاحبها إلى مراعاة ما في الخارج وما يلحقها من‬
‫األ حوال ويتبعها‪ ،‬فإنها خفية‪ ،‬ولعل أن يكون فيها ما يمنع من إلحاقها بشبه أو مثال‪ ،‬وينافي الكلي الذي‬
‫‪".‬يحاول تطبيقه عليها‬
‫يميز بن خلدون بين ممارسة العلماء كطبيعة ذهنية مجردة‪ ،‬قائمة على االستنتاج العقلي في جوانب كثيرة‪،‬‬
‫وما يقوم على ذلك من استدالالت تقوم على القياس‪ ،‬في حين أن السياسة كما ذكر بن خلدون‪ ،‬تتطلب‬
‫‪.‬معرفة ما يحدث من الوقائع‪ ،‬ومعرفة أصلها‬

‫التطيبق ‪:‬‬
‫في محاولة تطبيق ما ذكره ابن خلدون على الواقع تنقسم الرؤيا الى قسمين األول هو مناقضة ابن‬
‫خلدون و الثاني هو توافق حديث ابن خلدون و عدم تناقضه ‪ ،‬حالة ثالثة عن التناسب الجزئي‬
‫األول‪ :‬حينما نطبق ما قاله ابن خلدون في عصره نجد ان ابن خلدون قد ناقض نفسه ‪ ،‬حيث انه تحدث‬
‫عن العلماء و عن المعوقات التي تمنع دخول العلماء الى الساحة السياسية‪ ،‬وقد تحدث عن انه العلماء‬
‫من الصعب دخولهم الى الساحة السياسية لجلهم بالمجال السياسي و قد اغفل ان التعلم في هذا العصر‬
‫هو تعلم موسوعي وليس اختصاصي ‪ ،‬فقد يدرس العالم العديد من المجاالت العلمية و يستطيع الدخول‬
‫الى أي مجال مما درسه نظرا ألنه قد درسه و تعلمه ‪ ،‬فكان العلماء يدرسون العديد من المجاالت التي‬
‫يمكن اال تتقاطع ببعضها البعض مثل العالم ابن سينا الذي درس الميتافيزيقيا و الرياضيات و الطب و‬
‫الفلك و الفلسفة و غيرها من العلوم و قد الف العديد من المؤلفات في كل مجال بل انه قد عمل في‬
‫العديد من المجاالت و قد عين وزيرا لألمير شمس الدين البويهي ‪ ، 5‬و هناك العديد من األمثلة على‬
‫علماء قد تولوا العديد من المناصب السياسية و كانوا من الناجحين في هذا المجال ‪ ،‬و اقرب مثال هو‬
‫ابن خلدون ذاته‪ ،‬حيث درس القرآن الكريم و حفظه و درس القانون و التاريخ و قد تولى العديد من‬
‫المناصب السياسية و عمل بالسياسة و برع فيها ‪.6‬‬
‫فمن الصعب ان نقول ان العلماء ابعد الناس عن السياسة في العصور القديمة مثل عصر ابن خلدون لما‬
‫تمتاز به العملية التعليمية بالموسوعية الشاملة ‪.‬‬

‫الرؤيا الثانية ‪ :‬حيث ان ما تحدث به ابن خلدون في هذا الفصل ليس خطأ ً و انما هو يتوافق مع الكثير‬
‫من الحاالت في العصر ا لحديث الذي يمتاز بتخصصية المجاالت ‪ ،‬فقد يكون العلماء ابعد الناس عن‬

‫‪5‬‬ ‫‪ https://www.hindawi.org/contributors/40974719/‬بحث مؤسسة هنداوي‪ -‬لينك‬


‫‪6‬‬ ‫فخري حميد المهداوي ‪ ،‬السكة كما ذكرها ابن خلدون في مقدمته ‪ ،‬مجلة كلية الشريعة ‪ ،‬العدد الرابع ‪،‬‬
‫المجال السياسي بسبب وجوب التخصص في المجاالت ‪ ،‬فقد أصبح المجال السياسي للمتخصصين و قد‬
‫أنشأت العديد من الكليات على مستوى العالم لتدريس علم السياسة و تخريج متخصصين في هذا العلم ‪،‬‬
‫فـ اقتصر تدخل العلماء في علم السياسة على مبدأ التخصص مثل وجود وزارات علمية يرأسها وزراء‬
‫من علماء التخصص مثل وزارة الصحة و غيرها من الوزارات ‪.‬‬
‫و الحالة البينية للعلماء في االشتراك في السياسة او في المجال السياسي و هي تقديم االستشارات‬
‫النظرية و تعيين مستشارين علميين للسياسيين او صناع القرار ‪ ،‬فهنا تكون وظيفة العالم نظرية ولكنه‬
‫في نفس الوقت يشترك في وضع السياسات او في الممارسة السياسية ‪ ،‬و التأكيد على ما تحدث به ابن‬
‫خلدون في هذا الفصل هو مثال للعالم ألبرت آينشتاين الذي رفض رئاسة إسرائيل حينما تم عرض‬
‫المنصب عليه‪ ، 7‬فهو مثاال حي على بعد العلماء عن السياسة ‪ ،‬فقدت أدت التخصصية في العصر‬
‫الحالي على وجوب تولي كل شخص ما تخصص فيه ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫في الخاتمة نجد ان ابن خلدون قد طرح أمورا هامة مثل التعليم و أسباب عدم استيعاب الكثير من الناس‬
‫للمعلومات و االستفادة منها على الرغم من وجودها بوفرة كبيرة و هو ما عرفناه فيما بعد بـ " اإلغراق‬
‫المعلوماتي " ‪ ،‬أيضا قد طرح قضية العلماء و السياسة و مدى قرب و بعد العلماء عن السياسة و قد‬
‫استنتجت ان ما تحدث عنه ابن خلدون في هذا الفصل لم يكن مناسبا في عصره بسبب موسوعية عملية‬
‫التعلم و ه و ما كان يمتاز به هذا العصر في الجانب التعليمي و هذا ما جعل حديث ابن خلدون غير منطقي‬
‫‪ ،‬ولكن على الجانب االخر وجدنا ان ما تحدث به ابن خلدون منطقي في العصر الحالي و متناسبا جدا مع‬
‫مبدأ تخصصية التعليم و االختصاص في المجاالت ‪ ،‬و لكن في الحالتين سواء كان حديث ابن خلدون‬
‫منطقي او حكمه بمعنى ادق منطقيا او ال فهذا ال ينفي انه قد طرح موضوعين في غاية الخطورة و‬
‫األهمية ‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫ايمان ماهر ‪ ،‬قصة ألبرت آينشتاين الذي رفض رئاسة إسرائيل ‪ ،‬جريدة الدستور ‪٢٠١٨ ،‬‬

You might also like