Professional Documents
Culture Documents
شبكة الألوكة
شبكة الألوكة
مقاالت متعلقة
الزيارات18575 :
الخطبة األولى
الحمد هلل العلِّي األعلى ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،له األسماء الحسنى ،والصفات العال ،وأشهد
أن محمًد ا عبده ورسوله ،ذو الُخ لق األسمى ،صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى ،وسلم تسليًم ا
كثيًر ا؛ أما بعد:
﴿ َيا َأ ُّي َه ا اَّلِذ يَن آَم ُن وا اَّتُق وا اَهَّلل َو ُق وُلوا َق ْو اًل َس ِد يًد ا * ُي ْص ِل ْح َلُكْم َأ ْع َم اَلُكْم َو َي ْغ ِف ْر َلُكْم ُذ ُن وَب ُكْم َو َم ْن ُي ِط ِع اَهَّلل
َو َر ُس وَلُه َف َق ْد َف اَز َف ْو ًز ا َع ِظ يًم ا ﴾ [األحزاب.]71 ،70 :
أخرج اإلمام مسلم عن سعد بن هشام ،قال(( :دخلت على عائشة رضي اهلل عنهافقلت :يا أم المؤمنين ،أنبئيني
عن ُخ ُلِق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قالت :ألسَت تقرأ القرآن؟ قلت :بلى ،قالت :فإن ُخ ُلَق نبِّي اهلل صلى
اهلل عليه وسلم كان القرآن))؛ قال ربنا عز وجلَ ﴿ :و ِإ َّن َك َلَع َلى ُخ ُلٍق َع ِظ يٍم ﴾ [القلم.]4 :
يخُز ن لسانه إال فيما يعنيه ،وُي كِر م كريم كل قوم ويوليهُ ،ي حسن الحسن ويقويه ،وُي قبح القبيح ويوهيه.
وأوَلى الناس بُخ ُلِق ه العظيم وإحسانه الكريم أقربهم إليه :زوجاته وأهل بيته؛ وكان يقول(( :خيُر كم خيُر كم
ألهله ،وأنا خيُر كم ألهلي)).
ولما َح َكْت عائشة رضي اهلل عنها عن أِّم َز ْر ٍع في زوجها حين قالت(( :زوجي أبو زرع ،فما أبو زرع؟ أَن اَس من
ُح ِّلٍّي ُأ ُذ نَّي ،ومأل من َش ْح ٍم َع ُض َد َّي ،وبَّج حني فَب ِج حْت إلَّي نفسي ،وجدني في أهل غنيمة بَش ٍّق ،فجعلني في أهل
َص ِه يٍل وأِط يٍط وداِئٍس وَم نٍّق ،فعنده أقول فال ُأ قَّب ح ،وأرقد فأتصَّب ح ،وأشرب فأتقَّن ح ،فقال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم لعائشة :كنت لِك كأبي زرع ألِّم زرع)).
بل هو عليه الصالة والسالم أفضل من أبي زرع وأكرم؛ فقد كان في بيته أفضَل األزواج ،دائم السرور واالبتهاج،
يمأل البيت ُأ نًس ا ومزاحا ،وِب شًر ا وأفراًح ا ،طيب الشذى ،عديم األذى ،لطيف المحَش ِر ،جميل المظهر ،طيب المخبر،
ال يعاتب وال يغاضب ،وال يطالب وال يضارب ،يؤِث ر الَّص ْف َح على العتاب ،والِح لم على الِّس باب ،ومن حبه للبنات،
وعطفه على الضعيفات ،يحمل أمامة ،وهو في اإلمامة ،فإذا سجد وضعها ،وإذا قام رفعها ،وكان يقوم لفاطمة
الزهراء ،والدرة الغراء ،وُي جلسها مكانه ،ويطأ لها أركاَن ه ،فكأَّن سرور الحياة ُص َّب عليها ،وكأن الدنيا ُو ضعت بين
يديها.
أال فاستوصوا بالنساء خيًر ا ،فإنما هن َع وان عندكم ،وقد أخذتموهن بأمان اهلل ،وإن من حكمة الرجل وأناته أن
يحلم حين تجهل عليه المرأة أو تصخب ،فإنما ُخ لقت من ضلع ،وإن أعوج ما في الضلع أعاله ،فإن ذهبت تقيمه
كسرته ،وإن تركته لم َي َز ْل أعوَج .
واألب قوام األسرة ومنه تتلقى القدوة والتربية ،فالبيت من بنين وبنات ترتقب أفعاله ،وتستُّن بأخالقه ،وما
تصنعه من تعامل وأخالق مع الزوجة سيخلق طابًع ا لهم بعد الزواج ،فلتكن أخالقنا مرآَت نا ،وقيمنا تنُب ع من
تعامالتنا(( :وما كان الرفق في شيء إال زانه ،وال ُي نَز ع من شيء إال َش اَن ُه )).
﴿ َو َع اِش ُر وُه َّن ِب اْلَم ْع ُر وِف َف ِإ ْن َكِر ْه ُت ُم وُه َّن َف َع َس ى َأ ْن َت ْكَر ُه وا َش ْي ًئ ا َو َي ْج َع َل اُهَّلل ِف يِه َخ ْي ًر ا َكِث يًر ا ﴾ [النساء.]19 :
وما جعل اهلل الِق وامة للرجل؛ إال ِل ما فيه التعُّق ل وضبط النفس ،وعدم مؤاخذة المرأة حين تراجعه أو تقاطعه؛
قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه(( :كنا -معشَر قريش -قوًم ا نغِل ب النساء ،فلما قِد منا المدينة ،وجدنا قوًم ا
تغِل بهم نساؤهم ،فطِف ق نساؤنا يتعلْم َن من نسائهم ،قال :فتغضبت يوًم ا على امرأتي ،فإذا هي تراِج عني ،فأنكرُت
أن تراجعني ،فقالت :ما تنِك ر أن أراِج َع ك ،فواهلل إن أزواج النبي صلى اهلل عليه وسلم َلُي راِج ْع َن ه ،وتهُج ره إحداهن
اليوم إلى الليل))؛ [متفق عليه].
ُل
والرج الَّش ْه ُم ال ينتظر رضاه باعتذار زوجته ،بل ﴿ اْد َف ْع ِب اَّلِت ي ِه َي َأ ْح َس ُن َف ِإ َذ ا اَّلِذ ي َب ْي َن َك َو َب ْي َن ُه َع َد اَو ٌة َكَأَّن ُه َو ِل ٌّي
َح ِم يٌم ﴾ [فصلت.]34 :
والتغاُف ُل سْت ُر البيوت ،والتناُص ح ِق وام األسر ،واألبوان أركان البيت ،فمتى ما كانا متماسَكيِن متعاوَن يِن تجَّم لت
وتعَّط فت وبَّر ت أروقته من بنين وبنات ،ودام عُّز ها وبقَي ذخُر ها.
إنه ال يستفيد من تزعُز ِع األسرة والبيت إال اإلعالم الذي ينتظر هاربات البيوت؛ ليصنعهن خنجًر ا في خاصرة
المجتمع ،لينزف ما بقَي من حيائه وَغ يرته وقوامته.
توجهات تنشطت في قلب الِق َي م ،وَع ْكِس المفاهيم ،وتحويل العالقات العائلية إلى وظيفة رتيبة أشبه بمحاِض َن
تفريخَ ،ع َز َف الرجال عن الزواج لوجود الُّس ُب ِل المحرمة ،وتشويه سمعة الرجل ليكن الزواج شبًح ا أمام البنت،
بينما يريها اإلعالم الخادع أن تأمين مستقبلها ،وأمان حياتها ،هي وحدتها ،والعيش من كِّد يدها ،وإرهاق حياتها،
فال سكن للمرأة إال بزوج تأوي إليهَ ﴿ :و ِم ْن آَياِتِه َأ ْن َخ َلَق َلُكْم ِم ْن َأْنُف ِس ُكْم َأْز َو اًج ا ِل َت ْس ُكُن وا ِإ َلْي َه ا َو َج َع َل َب ْي َن ُكْم
َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة ِإ َّن ِف ي َذ ِل َك آَل َياٍت ِل َق ْو ٍم َيَت َف َّكُر وَن ﴾ [الروم.]21 :
بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ،ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ،وأستغفر اهلل لي ولكم وللمسلمين
والمسلمات؛ فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية
الحمد هلل رِّب العالمين ،والصالة والسالم على سيد المرسلين ،وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:
فعن عائشة ،قالت :قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :إني ألعلم إذا كنت عني راضيًة ،وإذا كنت علَّي
َغ ضبى ،قالت :فقلت :ومن أين تعرف ذلك؟ قال :أما إذا كنت عني راضيًة ،فإنك تقولين :ال ورِّب محمد ،وإذا كنت
غضبى ،قلت :ال ورب إبراهيم ،قالت :قلت :أجل ،واهلل يا رسول اهلل ،ما أهُج ر إال اسمك)).
ما أكرمها وأكرم منِط قها! حين تطيب النفوس تطيب معها األقوال والِف عال.
فحين ُي ؤَم ر الرجل بالتغاُف والِح لم واألناة عن أهل بيته ،ويطاَلب بحسن المعشر والرفق واإلنفاقَ ﴿ ،و َلُه َّن ِم ْث ُل
ِل
اَّلِذ ي َع َلْي ِه َّن ِب اْلَم ْع ُر وِف ﴾ [البقرة.]228 :
فإن المرأة الحصيفة الرزينة َم ن تدِر ك عناء زوجها ،وكَّد ه ،وعمله؛ من أجل أن يفُر َش ألسرته ِب ساط العيش
والعزة والكرامة ،فتنِط ق في الغضب كما نطقت الِّص ِّد يقة ،فال تهُج ر إال اسمه ،وال تعيره بما يرِّو جه األسافل.
متى قدرت المرأة تحمل زوجها ديون من أجل مسكن وافر يُكُّن ها ،وعيش طيب رغيد؛ فإنها ال تخاصمه إذا أَم َر ،
وال تنازعه إذا َق َّر ر؛ تدرك ِس َّر قول اهلل عز وجل ﴿ :الِّر َج اُل َق َّو اُم وَن َع َلى الِّن َس اِء ِب َم ا َف َّض َل اُهَّلل َبْع َض ُه ْم َع َلى َبْع ٍض
َو ِب َم ا َأْنَف ُق وا ِم ْن َأ ْم َو اِل ِه ْم ﴾ [النساء.]34 :
المرأة الوفَّي ة َم ن تمسح عناء شقاء الحياة من جبين زوجها بلطيف قولها ،وجميل منطقها.
ا على جدران المرأة الوفية من تشُكر نعمة ربها ،وال َت ُم ُّد عينها إلى خارج أسوار بيتها ،وتَق ُّر في بيتها؛ حفاًظ
الَّص اَل َة َو آِت يَن مسكنها أن يتصدع؛ ممتثلًة قول ربهاَ ﴿ :و َق ْر َن ِف ي ُب ُي وِت ُكَّن َو اَل َت َب َّر ْج َن َت َب ُّر َج اْلَج اِه ِل َّي ِة اُأْلوَلى َو َأ ِق ْم َن
َج َع َل َلُكْم ِم ْن الَّز َكاَة َو َأ ِط ْع َن اَهَّلل َو َر ُس وَلُه ﴾ [األحزاب ،]33 :والبيت سكن واستقرار ،وعيش وهناء؛ ﴿ َو اُهَّلل
ُب ُي وِت ُكْم َس َكًن ا ﴾ [النحل.]80 :
المرأة الحصينة العفيفة من َتَغ اُر على نفسها أن تختلط بالرجال ،أو ُت ذهب حياءها من أجل نزهة أو مجاراة في
محل مأكل أو مشرب ،ترى قدوَت ها أسماَء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما ،في فعلها حين قالت" :كنت أنُق ل الَّن وى
على رأسي ،فمر بي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومعه نفر من األنصار ،فأناخ بعيًر ا ليحِم َلني ،فاستْح َي ْي ُت أن
أسير مع الرجال ،وذكرُت َغ يرة الزبير فوَّليُت ،وكان أْغ يَر الناس".
اللهم أصِل ح قلوبنا وأعمالنا وذرَّي اتنا ،وَه ْب لنا من لدنك رحمة وعلًم ا ،واجَم ْع نا بصحابة نبيك مع النبيين
والصديقين ،والشهداء والصالحين.