You are on page 1of 3

‫الفرع األ ول‪ :‬التحكيم ‪ARBITRAGE‬‬

‫التعريف السائد في االصطالح القانوني الدولي‪ ،‬هو ذلك الذي سبق وتضمنته المادة ‪ 37‬من اتفاقية الهاي للتسوية السلمية للنزاعات‬
‫الدولية التي توصل اليها مؤتمر السالم الدولي الثاني الذي عقد في الهاي عام ‪ 1907‬حيث قررت هذه المادة أن موضوع التحكيم‬
‫الدولي هو تسوية النزاعات بين الدول بواسطة قضاة من اختيارها وعلى أساس احت ارم القانون و أن اللجوء الى التحكيم ينطوي‬
‫على تعهد (‪ ) 1‬بالخضوع بحسن نية للحكم ‪ .‬ويتضح من هذا التعريف أن للتحكيم الدولي عناصر ثالثة تميزه عن غيره من وسائل‬
‫التسوية ‪ ) 2( :‬هي أوال‪ :‬انه تسوية للنزاع بو اسطة قضاة ) محكمين( من اختيار أطراف النزاع ثانيا‪ :‬انه تسوية للنزاع على أساس‬
‫حكم القانون ثالثا‪ :‬أن الحكم الذي يصدر ملزم ألطراف النزاع من التعريف السابق للتحكيم يتبين لنا انه إذ ما نظرنا الى نظام التحكيم‬
‫على المستوى الدولي بصفة عامة‪ ،‬نجد أن التحكيم في حقيقته نظام طوعي اختياري حيث يقوم على قاعدة أساسية وهي االتفاق بين‬
‫أطراف النزاع‪ ،‬وعلى ذلك فإن التسوية بطريق التحكيم ألي نزاع إنما تأتي على اثر عمل إرادي ألطراف هذا النزاع‪ ،‬ويبلور هذا‬
‫العمل اإلرادي االتفاق الذي ينص على تعهد األطراف باللجوء الى التحكيم لتسوية النزاع‪ ،‬فإذا كان هذا االتفاق الحقا لنشوء النزاع بين‬
‫األطراف‪ ،‬فإن هذا االتفاق يتخذ شكل اتفاق أو مشارطة التحكيم ‪ ،COMPROMISE‬و الغالب أن يضم هذا االتفاق تنظيما لكيفية تشكيل‬
‫المحكمة وكيفية سير اإلجراءات‪ ،‬ولكن قد ال ينص فيه على ذلك ويقتصر على اإلحالة الى اتفاق الحق يحدد فيه (‪ )1‬األطراف تنظيما‬
‫لهذه المسائل ‪ .‬اما إذ كان االتفاق سابقا على نشوء اي نزاع بين األطراف فإنه قد يتخذ اما صورة شرط لجوء الى التحكيم منصوصا‬
‫عليه في اتفاق تجار ة أو تشجيع استثمار أو تعاون فني أو مالي مثال‪ ،‬أو عقد من عقود المقاوالت أو التشغيل أو اي عقد من العقود‬
‫التي يكون أطرافها كلهم أو احدهم من أشخاص القانون الخاص‪ ،‬وا أشخاص قانون دولي‪ ،‬بمعني اتفاقية ليس لها اي موضوع ما‬
‫صورة اتفاقية تحكيم دائمة بين سوى التحكيم‪ ،‬وفي هذه الصورة األخيرة يظل إلرادة األطراف كقاعدة عامة دورها الرئيس في كل‬
‫حالة يثور فيها نزاع يراد تطبيق التعهد األصلي بالتحكيم ألجل تسويته‪ ،‬ويتمثل هذا الدور في ضرورة إبرام اتفاق تحكيم خاص يهدف‬
‫الى إحالة النزاع الذي نشأ على التحكيم‪ ،‬وان يتضمن هذا االتفاق تنظيما لسير ج ارءاته التحكيم وا (‪ . )2‬تتشكل محاكم التحكيم‬
‫بانتداب أعضاء كمحكمين من الدول المتنازعة في حالة االتفاق المسبق على التسوية بين الطرفين على أن يتم االلتجاء الى شخص‬
‫ثالث محايد ويجب مراعاة أن يكون المحكمين من األشخاص الذين لهم د ارية بالقانون الدولي وقواعده أو ممن درسوه اي من ذوي‬
‫الخبرة والكفاءة كما يجوز عرض النز اع على محكمة التحكيم الدائمة و الموجود مقرها في الهاي ‪ ،‬إذا كانت الدول المتنازعة قد‬
‫وقعت على اتفاقية انشاء المحكمة‪ ،‬غير أن البعض من فقهاء القانون الدولي يرى بان االختصاص ينعقد للمحكمة الدائمة لتحكيم في‬
‫حالة اتفاق الخصوم على عرض النزاع عليها و إذ لم يكن طرفي من الدول غير الموقعة على ميثاق انشاء المحكمة‪ ،‬كما انه في حال‬
‫قيام طرف بتقديم مستندات للمحكمة فإنالمحكمة تقوم بإرسال نسخة من هذه المستندات الى الخصم األخر اللطالع عليها و الرد أن‬
‫استلزم (‪ ) 1‬ذلك ‪ .‬يتم التحكيم عن طريق شخص واحد أو عن طريق هيئة ثالثية أو خماسية اي أن العدد فردي وذلك الن قرارات‬
‫التحكيم تصدر باألغلبية وحتى ال يحدث تعادل في أصوات المحكمين مما يزيد الوضع تعقيدا لذلك يكون العدد فرديا ليكون الصوت‬
‫الثالث أو الخامس هو الفيصل في ترجيح كفة اآلراء (‪ . )2‬ومن أمثلة النزاعات الدولية التي تم فيها اللجوء الى التحكيم الدولي بغرض‬
‫تسويتها‪ ،‬قضية جزيرة حنيش إذ دار النزاع بين اليمن واريتريا حول جزيرة تقع بين البلدين في البحر األحمر حيث استخدمت القوة‬
‫العسكرية من قبل الدولتين من اجل السيطرة على هذه الجزيرة‪ ،‬وبتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ 1996‬تم إبرام اتفاق بين الدولتين في باريس‬
‫بشان عرض النزاع على هيئة تحكيم دولي لتتولى الفصل في النزاع وتسويته‪ ،‬وفعال تم تشكيل محكمة بالخصوص تكونت من خمس‬
‫محكمين اختار كل طرف من أطراف حكمين وتم اختيار المحكم الخامس باالتفاق بين طرفي الن ازع‪ ،‬وبعد نظر المحكمة للدعوى‬
‫وفحص المستندات المقدمة من الخصوم وعقد عدة جلسات واالستماع للمرافعات الشفوية واالطالع على المرافعات والمذكرات‬
‫المكتوبة ‪ ،‬قامت هيئة التحكيم بإصدار حكمها في أكتوبر ‪ 1998‬والذي قضى بملكية اليمن بالجزر المتنازع عليها (‪ )3‬والتزمت ار‬
‫تيريا بتنفيذ الحكم وقامت بتسليم الجزيرة الى اليمن ‪ .‬يحدث أحيانا أن يستغرق اتفاق األط ارف على إحالة الن ازع إلى التحكيم‪،‬‬
‫تطبيقا لنص اتفاق بعض س ارئيل حول مواضع بعض س ارئيل حول مواضع بعض الوقت ولعل من أبرز األمثلة على ذلك ما حدث‬
‫بشأن الخالف بين مصر واسرائيل حول مواضع بعض العالمات الحدودية والذي اتفق بموجب اتفاقية السالم ‪1979‬على انه خط‬
‫الحدود الدولية المعترف به (‪ ) 1‬العالمات الحدودية قليم فلسطين تحث اال بين مصر وا نتداب والذي كان يتعين تسويته طبقا للمادة‬
‫السابعة من معاهدة السالم عن طريق التحكيم‪ ،‬وعلى الرغم من اتفاق الطرفين في ‪25‬أفريل ‪1982‬على وجوب تسوية نهائية طبقا (‬
‫‪ ) 2‬للمادة السابعة من معاهدة السالم ‪ .‬إن وزير الخارجية اإلسرائيلي كتب إلي نائب ورئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري "ردا‬
‫على الخطاب الذي تلقاه منه مطالب بتنفيذ اتفاق ‪25‬أفريل ‪1982‬وضرورة اللجوء إلى التحكيم لتسوية المشكلة "بأن الخطوة التي‬
‫ينبغي أن تلي مرحلة المفاوضات هي التوفيق وليس عرض النزا ع على التحكيم‪ )3( ،‬باعتبار أن التوفيق هو الخيار األول وفقا للمادة‬
‫ال سابعة من معاهدة السالم فضال عن أنه يتيح تسوية (‪ )4‬النز اع في إطار ومناخ ودي ‪ .‬وبعد جوالت متعددة من المفاوضات و الو‬
‫اساطات توصلت الدولتان إلى االتفاق على عرض النز اع على التحكيم‪ .‬حيث أصدرت الحكومة اإلسرائيلية في ‪13‬جانفي‬
‫‪1986‬قرارا بقبول وجهة نظر المصرية ‪،‬ومن هذا (‪ )5‬بعرض النز اع‪ ،‬على التحكيم الدولي حيث انتقلت الدولتان إلى مرحلة‬
‫صياغة مشارطة التحكيم كله تمت اتفاق على االعتراف بوجوب ع ودة من قبل الدول لالهتمام مجددا بالتحكيم بعد حقبة من قلة (‪)6‬‬
‫األهمية النسبية وهكذا أخضعت للتحكيم في مجال الحدود مثال تحديد لعدة قضايا ومن أمثلتها ‪- :‬تحديد الجرف القاري بين فرنسا‬
‫والمملكة المتحدة ق ارر ‪30‬جوان ‪ 1977‬مارس ‪1978‬‬
‫أصدرت المحكمة الدائمة للتحكيم قرارها بشأن الحدود الجغرافية لمنطقة‬
‫أبيي المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه‪ ،‬وقالت إن الحدود الشرقية والغربية‬
‫للمنطقة بحاجة إلعادة ترسيم‪.‬‬

‫وحسب قرار المحكمة الذي أعلن اليوم في الهاي بهولندا فإن حدود منطقة أبيي الغنية‬
‫بالنفط من جهتي الشرق والغرب بحاجة إلى إعادة ترسيم بما سيجعل مساحات غنية‬
‫بالنفط تابعة للشمال‪.‬‬

‫وكان مطلوبا من المحكمة أن تحدد ما إذا كان الخبراء قد تجاوزوا التفويض الممنوح‬
‫لهم وفق بروتوكوالت أبيي المصاحبة التفاقية نيفاشا للسالم الموقعة بين الشمال‬
‫والجنوب عام ‪ ،2005‬وأضافوا مساحة جديدة إلى منطقة أبيي شمال الحدود التي‬
‫تركها االستعمار حين خروجه عام ‪.1956‬‬

‫كما كان مطلوبا من المحكمة أن تقدم رؤيتها لحدود أبيي وفق الوثائق التي قدمها‬
‫الطرفان المتنازعان‪.‬‬

‫وخلصت المحكمة إلى أن الخبراء تجاوزوا جزئيا تفويضهم بشأن الحدود الشمالية ولم‬
‫يتجاوزوه بشأن الحدود الجنوبية فيما تجاوزوا ذلك التفويض بشأن الحدود الشرقية‬
‫والغربية‪ ،‬ما جعل المحكمة تعيد ترسيم تلك الحدود‪.‬‬

‫من جهة أخرى أقرت المحكمة بحقوق الرعي والحقوق الثانوية للقبائل في منطقة‬
‫أبيي ودعت شريكي الحكم في السودان وهما المؤتمر الوطني والحركة الشعبية‬
‫لتحرير السودان إلى االلتزام بالحكم‪ .‬وقد رحبت الحكومة السودانية بقرار محكمة‬
‫التحكيم الدولية وأكدت التزامها به‪.‬‬

‫وقبل صدور الحكم كانت حالة من الترقب والخوف تسود في السودان‪ ،‬فيما‬
‫أكدت اإلدارة المؤقتة لمنطقة أبيي أنها ستتخذ إجراءات أمنية مشددة للحفاظ على‬
‫األمن واالستقرار فى المنطقة‪.‬‬
‫أما أشرف قاضي ممثل األمين العام لألمم المتحدة بالسودان فقد قال في وقت سابق‬
‫إن بعثته لن تدع األمن ينفلت في المنطقة‪ ،‬وأشار إلى وضع االحتياطات الالزمة‬
‫لضمان سالمة المواطنين‪.‬‬

‫وأكد للصحفيين أن المجموعات المسلحة التي كانت ترابط خارج المنطقة التي تنتمي‬
‫للجيش الشعبي لتحرير السودان بدأت انسحابها من المنطقة قبل يومين من القرار‬
‫القضائي بشأن ترسيم حدود هذه المنطقة المختلف عليها بين الشمال والجنوب‪.‬‬

‫وأشار إلى اتخاذ كل التدابير لضمان إفراغ المنطقة من هذه العناصر‪ ،‬وأبدى ثقة كامل ة ب أن ق ادة الج انبين الحرك ة الش عبية‬
‫والمؤتمر الوطني متمسكون بتطبيق سلمي للقرار سواء كانوا راض ين عن ه أم ال‪ ،‬ورغم ذل ك أرس لت تعزي زات أممي ة إلى‬
‫المنطقة‪.‬‬

You might also like