Professional Documents
Culture Documents
الفجوة
الفجوة
باسم موسى
مدخل إلى الفجوة
عزيزي القارئ ،هل أنت من هؤالء؟
الذين يعانون صعوبة تطبيق ما تعلموا أثناء الدراسة الجامعية أو غيرها على مهامهم في العمل؟
هل تعتقد أنك قد درس,ت أو م,ازلت ت,درس الغزي,ر من المعلوم,ات ولكن أكثره,ا ال يفي,د في الحي,اة
العملية بسبب انفصالها عن الواقع العملي بطريقة ما؟ أو أن بعض الم,,واد الدراس,,ية ال تفي,,د عملي,,ا -
وفق تصورك -وتفضيلك الشخصي وال تستخدم في مجال العمل؟
إنها ليست مشكلتك وحدك ،بل مشكلتنا جميعا ،فتعال نتناقش حول تلك الظاهرة لعلن,,ا نكتش,,ف بعض
أسبابها وبعض طرق التغلب عليها ،حتى ال نشعر بتلك الفجوة.
نظرة معكوسة
من النظرية السابقة عزيزي القارئ نستنبط أن لكل مادة دراسية فائدة (متشعبة) حتى وإلم ن,,ك ن,,رى
ذلك .فإذا أحببنا أن نكون عقالنيين منطقيين ينبغي أن نعكس موضع انطالق نظرنا ،بمعنى أن ننحي
جانبا فكرة انتفاء الجدوى عن مواد دراس,ية بعينه,ا ونب,دأ ب,دال من ذل,ك في البحث عن الفوائ,د ال,تي
تقدمها دراسة هذه المادة .ولكن دعني أفاجئك بتحذير ،وهو أال نح,,اول البحث عن م,,ا ق,,د تفي,,دنا في,,ه
المادة الدراسية نحن كأشخاص بل فيما قد تفي,دنا في,ه كأص,حاب التخص,ص بش,كل ع,ام أو المجتم,ع
بشكل أعم.
ولتتخي,,ل معي مثال طالب كلي,,ات الطب ال,,بيطري وهم يدرس,,ون م,,واد غ,,ير طبي,,ة تتعل,,ق بتحس,,ين
السالالت الحيوانية ،ثم تجد أغلبهم ينتقد وض,,ع ه,,ذه الم,,واد ض,,من اإلط,ار الدراس,,ي ،ثم يتخرج,,ون
ويعمل بعض,,هم في معاه,,د أبح,,اث الس,,الالت على مش,,روع تولي,,د س,,اللة مقاوم,,ة لبعض األم,,راض
المستوطنة في بيئتنا ،إنه مجال إنتاج عاِلم جديد يبني فائدة جليل,,ة ،حينه,,ا سيس,,عد ه,,ذا الع,,اِلم الجدي,,د
بالمواد التي درسها وسيكون ممتنا لمن وضعها باإلطار الدراسي ولمن درسها له .ثم نمتن نحن لهذا
العاِلم لما قدمه من ساللة قوية توفر الجهد والمال وتدر الربح وتكون نظيفة من بقايا متراكمة ألدوية
قد تضر بصحتنا وصحة ذوينا .وقس على ذلك المثال مئات األمثلة في كل مجال آخر.
لست أنا العاِلم
قد تقول لي عزيزي القارئ أنا ال أعد نفسي لكي أكون عالما في مجالي ،بل يكفيني ما يجعل,,ني أب,,دأ
وأرتقي في سلمي الوظيفي والمالي ،وأرد عليك بأال تحجم عنوة من قدراتك وأال تجع,,ل مس,,ارك في
الحياة نحو باطن األرض بدال من عنان السماء ،ال تنتف ريش طموحك وتبقى في محل,,ك قانع,,ا ،فن,,ا
زال نهر الحياة يجري وما زلت ال محالة نادم بعد سنّيات قليلة على رضاك بالقناة المذموم,,ة ،وعلى
كل فإن لك الحق في السكن في المنطقة العملية التي تريد ولكن ،..دعني ألقي عليك بدوري سؤاال،
لماذا ندفع أبناءنا نحو القراءة في مجاالت متعددة ،لماذا نقول دوما اعرف شيئا عن كل شيء؟ أليس
األحرى بنا أن نطبق أوال على أنفسنا؟! أليس ذلك واجب التطبيق في مجال دراس,,تنا من ب,,اب أولى؟
أليس من المنطقي أن نعرف شيئا عن كل شيء يتعلق بمجال دراستنا؟!
كسر الدائرة
س,,أترك ل,,ك اإلجاب,,ة ،ولكن أدع,,وك أن تك,,ون منص,,فا حيادي,,ا وأنت تجيب ،وال تنس,,ى أن أخص,,ائي
األشعة الطبي,ة ق,,د يوجه,,ك إلى أخص,,ائي المخ واألعص,,اب ،وأن أخص,,ائي الباطن,,ة ق,,د يوجه,,ك إلى
أخصائي الرمد ،وهكذا ،فلو لم تكن لكل منهما معرفة عامة بتخصص,,ات اآلخ,,رين ووّجه,,ك ل,,دخلت
إلى عيادات التخصصات جميعا بحثا عن عالج صداعك مجهول المصدر ،أو المغص الذي يحرمك
من النوم الهانئ ،ولما كسرت دائرة البحث عن عالج واختص,,رت الطري,,ق متوجه,,ا إلى من ب,,دائرة
تخصصه حل مشكلتك دون إهدار الجهد والمال والوقت مطعونا بالمعاناة ونمو اليأس.
غذاء عقلي
عزيزي القارئ ،لقد أثبت العلم أن العقل هو العضو الوحيد الذي كلما استعملته زادت قوته ب,,اطراد،
فكلما غذيته بالمعلومات اتسعت قدراته ونط,,اق مدارك,,ه ،وكلم,,ا فك,,رت زادت ح,,دة بص,,يرته الثاقب,,ة
وحكمته في قهر المشكالت .وال ش,ك أن ك,,ل م,,ادة دراس,ية تقتبس من العلم ال,ذي تقدم,,ه لن,,ا تنظيم,,ا
مختلفا وتتابعا فريدا للمعلومات والمشكالت المنطقية وطرق الوص,,ول للحل,,ول ،وبالت,,الي ف,,إن تن,,وع
طرق التفكير والتعامل م,ع اإلش,كاليات يعطي,ك خ,برة ال ب,أس به,ا في التعام,ل عموم,ا م,ع مطب,ات
الحياة ،والتعامل بالسياسات المجتمعية العامة واختصار الطرق مثال شاهدين على ذلك.
الفجوة
بعد أن ألقيت لك األضواء العامة على أهمية كل م,,ا ن,,درس ،تع,,ال نتعم,,ق قليال في فلس,,فة م,,ا نعتق,,د
فائدته العملية بعد التخرج .إننا ندرس هذه المواد ونتمتع ونحفظ ونتقن ونتف,,وق ،ثم بع,,د التخ,,رج ق,,د
نفشل مهنيا ،أو على األقل نتقدم ببطء غير مبرر ،فلماذا؟
إن اإلجاب,,ة باختص,,ار هي أن هن اك ف رق بين العلم وتط بيق العلم .إن العلم ق,,د أعطان,,ا أساس,,يات
التعامل المنطقي مع أشهر المواقف التطبيقية المنطقية ،أم,,ا عن,,دما ينح,,رف المس,,ار قليال أو تت,,داخل
مشكالته أو يتعثر في معضلة لم تكن في الكتاب ،فإن هذه طارئة لن يتعامل معها إال مخزون الخبرة
،والخبرة لن تنشأ وتنمو وتتطور إال من خالل الممارس,,ة ،و دع,,ني أمث,,ل ل,,ك ال,,دور العاش,,ر ال,,ذي
يحتاج التسعة السابقة له لكي يقام ،وتحت,,اج جميعه,,ا لألس,,اس لكي يثبت قيامه,,ا وتتمكن من مواجه,,ة
التحديات من اهتزازات ورياح وضغط وتغير الحرارة إلخ ،إن األمر مشابه من بعض الوجوه.
هيا نقترب
واآلن هيا عزيزي القارئ نقترب معا من عمق الفجوة كي نستطيع التعام,,ل مع,,ه بإيجابي,,ة فنقل,ل من
حجمها أو من مقدار تأثيرها السلبي علينا ،وكتوجيهات مبدئية لتقليل حجمها اقترح اآلتي:
- 1حرص مصممي المناهج على اختيار منهج علمي متدرج مرن التفاصيل ،حيث يتم اإلسهاب في
شرح وتبيين المبادئ العلمية والمعتادات (الروتينات) والمشكالت الشائعة ،وص,,عود س,,لمها بس,,رعة
منطقية محسوبة.
-2التطبيق العملي المتالزم مع الدرس النظري ،فال يعقل أن يكون الج,,زء العملي منهج,,ا منفص,,ال،
ويكون الجزء النظري في معزل ال يرى فيه دارس شمس التطبيق والتقييم والتقويم والتصويب.
-3أن يكون تطبيق كل جزء عملي متتال مع الجزء النظري ،ح,تى يرب,,ط الط,الب بين الكلم,,ة وبين
تطبيقها بصورة صحيحة قبل االنتقال إلى دراسة التالي ،وحتى يواجه أخطاءه أم,,ام معلم,,ه فيكتس,,ب
طريقة التعامل اإليجابي مع المشكالت.
-4ال يشترط في الكليات العملي,,ة أن ن,,درس ت,,اريخ العلم تفص,,يال ،فأن,,ا كط,بيب مثال ال يهم,,ني ولن
يؤثر على كفاءتي عدم معرفة الطريقة القديمة إلجراء تل,,ك العملي,,ة الجراحي,,ة ولن يض,,ير مريض,,ي
عدم معرفتي بالطرق البائدة إلجراء تحليل ما ،فنا يهم هو الطريقة األم,,ثر كف,,اءة في الحص,,ول على
أعلى مستوى عالجي.
-5يجب أن يكون هناك اهتمام فعلي في كل الكليات بسنوات االمتياز والعملي الميداني (أو أي,,ا ك,,ان
مسماها) بعد إنه,اء الس,نوات ذات الدراس,ة األكاديمي,ة ،ف,ذلك ه,و المي,دان الدراس,ي الفعلي المؤه,ل
لتطبيق المعلومات في مواضعها المستهدفة خارج نطاق الحيز الدراسي.
-6كم,,ا تل,,زم الش,,ركات أنفس,,ها ببرن,,امج ص,,يانة للمنتج ،نحت,,اج إلى ص,,يانة ألعظم منتج ،العلم
المدروس القابل للتطبيق ،لذلك أق,,ترح أن يظ,,ل المتخ,,رج على ص,,لة بكليت,,ه م,,دة ثالثي,,ة أو خماس,,ية
السنوات لعرض المشكالت العملية وتلقي اإلرشادات والحل,,ول ،وك,,ذلك لتلقي ت,,دريب عملي قص,,ير
كل نصف عام أو عام ،تعرض فيه مستجدات العلم والمشكالت ال,تي واجهت غالبي,ة ال,زمالء وعق,د
ورش عمل لحلها ،وفوائد ذلك كبيرة ومتعددة وتفصيلها يحتاج إلى مقال خاص.
دعائم االقتراب
بهذه االقتراحات قارئي العزيز نكون قد عرضنا نواة لسد الفجوة ،قد يدعمها أدوات أخرى مثل:
-البحث على اإلنترنت.
-قنوات اليوتيوب والتلجرام.
-تطبيقات التدريب على الحاسب والهاتف.
-تطبيقات االستشارات المهنية المتخصصة.
-مجموعات التخصصات المختلفة على مواقع التواصل االجتماعي.
-الكتب المهنية التخصصية الحديثة.
-الدورات التدريبية وورش العمل في الشركات ومراكز التدريب الموثوقة والمعاهد والجامعات.
-الندوات والمؤتمرات.
-الدوريات والمجالت العلمية والملخصات البحثية.
-التواصل الفعال مع الزمالء وبخاصة المتميزين.
وغيرها من األدوات المعززة لهذا الهدف.
إّن صب اإلنتباه بإخالص عزيزي القارئ يدعم بال شك سد الفجوة ولكنه يحتاج إلى عزم ومواص,,لة
وتنويع في استخدام األدوات وتقييم فائدة كل أداة وفاعليتها للعموم والخصوص.
بداية الطريق
ولكنن,,ا بالش,,ك لكي نس,,رع الخطى ونختص,,ر على األق,,ل نص,,ف الطري,,ق الب,,د لن,,ا أن نب,,دأ بالبداي,,ة
المنطقية ،أال وهي الهيئة الدراسية سواًء كانت مدرسة أو معهد أو أكاديمية أو جامعة ،وال شك أكثر
حين نقول أن المعلم الكفء هو أول طريق الوصول للهدف ،وهذه جملة تحتاج إلى كتب ،فم,,ا أك,,ثر
ما ينبع منها من أفكار .فكلمة كفء هي بحر إحدى ُس ُفِنه سفينة النظر الثاقب لما يفيد الطالب عملي,,ا،
وكلمة الهدف هي عنوان كتاب أحد فصوله تحديد تفاصيل الهدف المفيد عمليا.
نصيحة ال تنفصل
هي لك عزيزي القارئ إن كنت طالبا ،وأيضا إن كنت متخرجا تسير على طريق التم,,يز ،ومغزاه,,ا
أن تتعامل مع معلوماتك الدراسية كمعلومة نظرية و معلوم,,ة عملي,,ة في ذات ال,,وقت .فم,,ا أجم,,ل أن
تخصص دفترا تناقش فيه مع نفسك وزمالئك النقاط العملية ،فيصير لك بعد التخرج ما يشبه مرجعا
عمليا قابال للنمو مع كل تطبيق أو مناقشة أو استخدام األدوات المذكورة بعاليه.
خاتمة
عزيزي القارئ ،أذكر نفسي وأنت تسمع بانتفاء انتفاء الجدوى ،وأهمية التعامل مع الم,,واد ال,تي ال
نحبها بنفس الطريقة التي نتبعها مع تلك المحبوب,,ة ،وأن نح,,اول الت,,درب على االس,,تفادة العملي,,ة من
كلتا الفئتين ،فبما أننا ال نعرف المستقبل فمنطقي أاّل نتأكد ما سنحتاج من العلوم التي ندرسها في كل
يوم من حياتنا العملية ،كما أَذ ِّك ُر نا سويا بأن ندرس بروح التطبيق باستخدام األدوات المناسبة ،ونحن
إن كنا قد فقدنا عنوة في أح,,د مح,,ال دراس,,تنا المعلم ذو الرؤي,,ة الص,,ائبة فم,,ا زال ل,,دينا علم,,ه لنعي,,د
صياغته بأنفسنا بطريقة تطبيقية من خالل مهام العمل ،وما زالت لدينا فرصة التتلمذ على ي,,د غ,,يره
في منصات غير جامعية أو كتب أو منصات إلكترونية.
ما بعد الخاتمة
أنتظر من نفسي ومنك عزي زي أن نب دأ في ه ذه اللحظ ة خطواتن ا على طري ق التط بيق اإليج ابي
للعلم ،ولنتس ابق وليتف وق ك ل من ا على نفس ه قب ل اآلخ رين .واآلن مض طر أن ا لالنص راف فق د
وضعت بحماس قدمي األولى على موضع الخطوة األولى فالحق بي وال تتوانى.