You are on page 1of 19

‫دولة اإلمارات العربيـــة المتحدة‬

‫جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا ‪.‬‬


‫كلية القانون‬

‫بحث عن‬

‫إعداد الطالب‬
‫الرقم الجامعي ‪201210666 :‬‬ ‫عبد الكريم تويلي الحرسوسي‬
‫الرقم الجامعي ‪201311275 :‬‬ ‫مبارك محمد سعيد الراشدي‬

‫المادة ‪ :‬الثقافة االسالمية‬

‫العام الدراسي‬
‫‪2013/2014‬‬

‫الفهرس‬
‫‪3‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪4‬‬ ‫البعث والجزاء‬

‫‪4‬‬ ‫تعريف البعث‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ختلف أهل الكالم هل اإلعادة عن عدم‪ ،‬أم عن تفريق على‬

‫‪6‬‬ ‫والقول بأن المبعوث جسم آخر‪ ،‬أو خلق جديد‪ ،‬قول باطل‪ ،‬ويدل على بطالنه عدة أمور‬

‫‪6‬‬ ‫الشبه التي تمسك بها منكرو البعث‪:‬‬

‫‪8‬‬ ‫الدليل األول‪ :‬ما ورد في سورة يونس من تأكيد هذه القضية بتعدد األساليب‬

‫‪9‬‬ ‫الدليل الثاني‪ :‬االستدالل ببدء الخلق على إعادته‬

‫‪12‬‬ ‫الدليل الثالث‪ :‬إن حكمة الرب تعالى وعدلـه تقتضي أن البعث والجزاء‪:‬‬

‫‪13‬‬ ‫الدليل الرابع‪ :‬نفي أن يكون هللا تعالى خلق الخلق عبثًا‪:‬‬

‫‪13‬‬ ‫الدليل الخامس‪ :‬إحياء األرض الميتة بالنبات‪:‬‬

‫‪14‬‬ ‫الدليل السادس‪ :‬االستدالل على البعث بوقوع المتضادات‪ ،‬وخلق هللا تعالى لها ‪:‬‬

‫‪15‬‬ ‫الدليل السابع‪ :‬التنبيه بخلق األعلى على األدنى‪:‬‬

‫‪17‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪18‬‬ ‫المراجع‬

‫المقدمة‬
‫إن اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬وما اشتمل عليه من أهوال ومشاهد‪ ،‬ابتداًء بحياة البرزخ إلى ما بع د‬
‫ذل ك من بعث‪ ،‬وحش ر‪ ،‬وحس اب‪ ،‬وجن ة‪ ،‬ون ار ‪ ،..‬ض رورة حتمي ة‪ ،‬إذ ه و من مقتض يات‬
‫اإليمان بحكمة هللا تع الى وعدل ه ق ال تع الى‪ً( :‬أْم َحِس َب اَّل ِذ يَن اْج َتَر ُح وا الَّس ِّيَئاِت ّأن َّنْج َع َلُهْم‬
‫َك اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َع ِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َس َو اء َّم ْح َي اُهم َو َمَم اُتُهْم َس اء َم ا َيْح ُك ُم وَن {‪[ )}21‬الجاثي ة‪:‬‬
‫‪. ]21‬‬
‫والعاقل يرى في هذه الحياة‪ ،‬الطائعين القائمين بما أمر هللا به وافترض عليهم‪ ،‬وبالمقابل يرى‬
‫المكذبين ألمر هللا المعرضين عن أوامره‪ ،‬ومع هذا فق د ال يحصل أح ٌد منهم على جزائ ه في‬
‫الدنيا‪ ،‬وحكمة هللا تعالى تأبى أن تجعلهما متساويين‪َ( :‬أَفَنْج َع ُل اْلُم ْس ِلِم يَن َك اْلُم ْج ِر ِم يَن {‪َ }35‬م ا‬
‫َلُك ْم َك ْيَف َتْح ُك ُم وَن {‪[ )}36‬القلم‪.]36-35:‬‬
‫والمتأمل لهذا الكون العظيم‪ ،‬بما اشتمل عليه من دالئل الربوبي ة واأللوهي ة‪ ،‬يعلم علم ًا يقيني ًا‬
‫بأن هذا لم يخلق عبثًا وال سدى ‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ( :‬أَفَح ِس ْبُتْم َأَّنَم ا َخ َلْقَناُك ْم َع َبثًا َو َأَّنُك ْم ِإَلْيَنا اَل ُتْر َج ُعوَن {‪[ )}115‬المؤمنون‪. ]115:‬‬
‫واإليمان باليوم اآلخر من اإليمان بالغيب الذي مدح هللا تعالى المتصفين ب ه في قول ه تع الى‪:‬‬
‫(الم{‪َ }1‬ذ ِلَك اْلِكَتاُب َال َر ْيَب ِفيِه ُه ًدى ِّلْلُم َّتِقيَن {‪ }2‬اَّل ِذ يَن ُيْؤ ِم ُن وَن ِب اْلَغْيِب َو ُيِقيُم وَن الَّص الَة‬
‫َو ِمَّم ا َر َز ْقَناُهْم ُينِفُقوَن {‪[ )}3‬البقرة‪. ]3-1:‬‬
‫واليوم اآلخر عالم آخ ر في ه أم ور عظيم ة‪ ،‬وأه وال جس يمة‪ ،‬ال ينجو منها إال من نجاه هللا‬
‫فأسعده بطاعته‪ ،‬ولهذا كثرت أس ماؤه وتع ددت في الق رآن الك ريم‪ ،‬فمنها ي وم البعث‪ ،‬وي وم‬
‫الجمع‪ ،‬ويوم الفزع األكبر‪ ،‬ويوم التناد‪ ،‬وي وم ال دين‪ ،‬وي وم الحس رة‪ ،‬ي وم الفصل‪ ،‬الواقع ة‪،‬‬
‫والحاقة‪ ،‬والطامة‪ ،‬ويوم الحشر ‪ ..‬إلخ‬

‫البعث والجزاء‬

‫إن اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬وما اشتمل عليه من أهوال ومشاهد‪ ،‬ابتداًء بحياة البرزخ إلى ما بعد ذلك من‬
‫بعث‪ ،‬وحشر‪ ،‬وحساب‪ ،‬وجنة‪ ،‬ونار ‪ ،..‬ضرورة حتمية‪ ،‬إذ هو من مقتضيات اإليمان بحكمة اهلل تعالى‬
‫وعدله قال تعالى‪ً( :‬أْم َح ِس َب اَّلِذ يَن اْج َتَر ُحوا الَّسِّيَئاِت ّأن َّنْج َع َلُهْم َك اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َع ِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َس َو اء‬
‫َّم ْح َياُهم َو َمَم اُتُهْم َس اء َم ا َيْح ُك ُم وَن {‪[ )}21‬الجاثية‪. ]21:‬‬

‫والعاقل يرى في هذه الحياة‪ ،‬الطائعين القائمين بما أمر اهلل به وافترض عليهم‪ ،‬وبالمقابل يرى المكذبين‬
‫ألمر اهلل المعرضين عن أوامره‪ ،‬ومع هذا فقد ال يحصل أحٌد منهم على جزائه في الدنيا‪ ،‬وحكمة اهلل‬
‫تعالى تأبى أن تجعلهما متساويين‪َ( :‬أَفَنْج َع ُل اْلُم ْس ِلِم يَن َك اْلُم ْج ِر ِم يَن {‪َ }35‬م ا َلُك ْم َكْيَف َتْح ُك ُم وَن {‬
‫‪[ )}36‬القلم‪.]36-35:‬‬

‫والمتأمل لهذا الكون العظيم‪ ،‬بما اشتمل عليه من دالئل الربوبية واأللوهية‪ ،‬يعلم علمًا يقينيًا بأن هذا لم‬
‫يخلق عبثًا وال سدى‪. 1‬‬

‫قال تعالى‪َ( :‬أَفَحِس ْبُتْم َأَّنَم ا َخ َلْقَناُك ْم َع َبثًا َو َأَّنُك ْم ِإَلْيَنا اَل ُتْر َج ُعوَن {‪[ )}115‬المؤمنون‪. ]115:‬‬

‫واإليمان باليوم اآلخر من اإليمان بالغيب الذي مدح اهلل تعالى المتصفين به في قوله تعالى‪(:‬الم{‪َ }1‬ذ ِلَك‬
‫اْلِكَتاُب َال َر ْيَب ِفيِه ُهًدى ِّلْلُم َّتِقيَن {‪ }2‬اَّلِذ يَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِباْلَغْيِب َو ُيِقيُم وَن الَّصالَة َوِمَّم ا َر َز ْقَناُهْم ُينِفُقوَن {‬
‫‪[ )}3‬البقرة‪. ]3-1:‬‬

‫واليوم اآلخر عالم آخر فيه أمور عظيمة‪ ،‬وأهوال جسيمة‪ ،‬ال ينجو منها إال من نجاه اهلل فأسعده بطاعته‪،‬‬
‫ولهذا كثرت أسماؤه وتعددت في القرآن الكريم‪ ،‬فمنها يوم البعث‪ ،‬ويوم الجمع‪ ،‬ويوم الفزع األكبر‪ ،‬ويوم‬
‫التناد‪ ،‬ويوم الدين‪ ،‬ويوم الحسرة‪ ،‬يوم الفصل‪ ،‬الواقعة‪ ،‬والحاقة‪ ،‬والطامة‪ ،‬ويوم الحشر ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬

‫تعريف البعث‪:‬‬

‫البعث في اللغة‪ :‬اإلرسال يقال‪" :‬بعثه وابتعثه بمعنًى ‪ ،‬أي أرسله‪ ،‬فانبعث" ‪.‬‬

‫ويأتي بمعنى اإلسراع يقال‪" :‬انبعث في السير أي أسرع" ‪.‬‬

‫ويأتي بمعنى اإلحياء بعد الموت ‪ ،‬ويأتي بمعنى اإلثارة‪ ،‬والنشر‪ ،‬والتحريك ‪.‬‬

‫أما في اصطالح الشرع‪:‬‬

‫فيراد به البعث بعد الموت‪ ،‬بإحياء األجساد‪ ،‬وعودة األرواح إليها‪ ،‬وذلك بعد النفخ في الصور‪ ،‬النفخة‬
‫الثانية‪.‬‬

‫‪ 1‬الجواهر الكالمية في العقيدة االسالمية ‪ -‬الشيخ طاهر الجزائري‪-‬ترجمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز عز الدين السيروان‪ -‬الناشر‪ :‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع تاريخ النشر‪ -01/01/1986 :‬الطبعة‪ 1 :‬مجلدات‪1 :‬‬
‫قال ابن كثير – رحمه اهلل – ‪" :‬البعث وهو المعاد‪ ،‬وقيام األرواح‪ ،‬واألجساد يوم القيامة" ‪.‬‬

‫وقال الشيخ عبدالعزيز السلمان – حفظه اهلل – في تعريف البعث هو‪" :‬إعادة األبدان وإ دخال األرواح فيها‬
‫فيخرجون من األجداث أحياء مهطعين إلى الداعي" ا‪.‬هـ ‪.‬‬

‫وهذه التعاريف تدل على اشتمال البعث على بعث األجساد واألرواح‪ ،‬إذ المعاد الجسماني هو‪" :‬المتبادر‬
‫عند اإلطالق‪ ،‬ويجب اإليمان به واعتقاده ويكفر منكره" ‪.‬‬

‫وأيضًا تعاد هذه األبدان‪ ،‬بأعيانها وأعراضها قال القرطبي – رحمه اهلل – ‪" :‬وعند أهل السنة أن تلك‬
‫األجساد الدنياوية تعاد بأعيانها وأعراضها بال خالف بينهم" ‪.‬‬

‫وقال ابن حزم – رحمه اهلل – ‪" :‬أجمع جميع المسلمين على أن اهلل تعالى يبعث األجساد يوم القيامة‪ ،‬فيرد‬
‫إليها أرواحها" ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫بل معاد األجساد أمر متفق عليه عند أصحاب الملل‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية – رحمه اهلل – ‪" :‬ومعاد األبدان متفق عليه عند المسلمين واليهود والنصارى"‬
‫ا‪.‬هـ ‪.‬‬

‫وقال صاحب المواقف‪" :‬أجمع أهل الملل عن آخرهم على جوازه ووقوعه" ا‪.‬هـ ‪.‬‬

‫واختلف أهل الكالم هل اإلعادة عن عدم‪ ،‬أم عن تفريق على قولين‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن اإلعادة عن عدم‪ ،‬بمعنى أن األجساد تعدم‪ ،‬ثم تعاد خلقًا آخر‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إن اإلعادة عن تفريق‪ ،‬بمعنى أن أجزاء الميت تتفرق‪ ،‬ثم يجمعها اهلل تعالى بعد ذلك‪ ،‬وينفخ فيها‬

‫‪ 2‬الجواهر الكالمية في العقيدة االسالمية ‪ -‬الشيخ طاهر الجزائري‪-‬ترجمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز عز الدين السيروان‪ -‬الناشر‪ :‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع تاريخ النشر‪ -01/01/1986 :‬الطبعة‪ 1 :‬مجلدات‪:‬‬
‫الروح‪ ،‬وقال به بعض المعتزلة‪.‬‬

‫ورجحه القرطبي ‪ ،‬ومال إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وتلميذه ابن القيم ‪ ،‬وتوقف فيه األيجي – رحمهم‬
‫اهلل – ‪.‬‬

‫واختلفوا أيضًا هل المبعوث الجسم األول بعينه‪ ،‬أو غيره على قولين أيضًا ‪.‬‬

‫والذي عليه سلف األمة أن األجساد تستحيل ترابًا كما كانت ‪ ،‬عدا عجب الذنب كما في الحديث عن أبي‬
‫هريرة – رضي اهلل عنه – أن رسول اهلل صلى هللا عليه وسلم قال‪":‬كل ابن آدم يأكله التراب إال عجب‬
‫الذنب‪ ،‬منه خلق وفيه يركب" ‪ ،‬وهذه االستحالة ليست أمرًا مستحيًال فها هي النطفة تستحيل علقة‪ ،‬ثم‬
‫مضغة‪ ،‬ثم تكتمل بشرًا سويًا‪ ،‬وكذلك في أثناء حياته فهو يبدأ طفًال ثم شابًا‪ ،‬ثم كهًال‪ ،‬وهكذا اإلعادة‪ ،‬يعاد‬
‫الخلق بعد أن استحالوا ترابًا ‪.‬‬

‫والقول بأن المبعوث جسم آخر‪ ،‬أو خلق جديد‪ ،‬قول باطل‪ ،‬ويدل على بطالنه عدة أمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما دَّل عليه الحديث السابق‪ ،‬ولقولـه صلى هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح "كان رجل يسرف‬
‫على نفسه‪ ،‬فلما حضره الموت قال لبنيه‪ :‬إذا أنا مت فأحرقوني‪ ،‬ثم اطحنوني‪ ،‬ثم ذروني في الريح‪ ،‬فواهلل‬
‫لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا‪ ،‬فلما مات فعل به ذلك‪ ،‬فأمر اهلل األرض‪ ،‬فقال‪:‬ا جمعي ما‬
‫‪3‬‬
‫فيك منه‪ ،‬ففعلت‪ ،‬فإذا هو قائم‪ ،‬فقال‪ :‬ما حملك على ما صنعت؟ قال‪ :‬يا رب خشيت‪ ،‬فغفر له" ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إن قولهم هذا قوى شبهة الفالسفة في نفي المعاد الجسماني‪ ،‬حيث أن اهلل تعالى يخلق جسمًا آخر‬
‫تتنعم فيه الروح أو تتعذب‪ ،‬فهي – أي الروح – المقصودة بالعذاب أو النعيم‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن اإلعادة التي ذكرها اهلل تعالى في كتابه‪ ،‬هي اإلعادة التي فهمها المسلمون والمشركون‪ ،‬وهي‬
‫تقتضي إعادة المخلوق من المادة التي استحال منها بعد فنائه‪ ،‬من الفرق بين النشأة األولى والثانية‪،‬‬

‫‪ 3‬المختار من كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات ‪ -‬أبي علي عمر بن محمد بن خليل السكوني المالكي – مكتبة الشارقة‬
‫والجسد هو األول بعينه ‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬إن هذا القول لو كان صحيحًا‪ ،‬لم يكن هناك ما يدعو الكفار إلى التعجب وإ نكار البعث‪ ،‬ألنهم‬
‫يرون خلق البشر يومًا بعد يوم ماثًال للعيان‪ ،‬وإ نما إنكارهم وتعجبهم أن تعود تلك األجسام واألرواح كما‬
‫كانت قال تعالى‪َ( :‬أِئَذ ا ِم ْتَنا َو ُكَّنا ُتَر ابًا َو ِع َظامًا َأِئَّنا َلَم ْبُعوُثوَن {‪[)}16‬الصافات‪.]16:‬‬

‫الخامس‪ :‬إن هذا القول يلزم منه‪ ،‬أال يسمى البعث بهذا االسم‪ ،‬وإ نما يسمى خلقًا جديدًا‪ ،‬وهذا باطل ‪.‬‬

‫ومع اتفاق الشرائع على اإلخبار بالبعث تأكيده‪ ،‬فقد أنكره قوم‪ ،‬وتأولـه آخرون على المعاد الروحاني‪،‬‬
‫دون الجسماني‪ ،‬اعتمادًا على استحالة ذلك في عقولهم القاصرة‪ ،‬والخالصة أَّن الناس في البعث على‬
‫أربع طوائف‪:‬‬

‫األول‪ :‬إثبات المعاد للبدن والروح جميعًا‪ ،‬وهو قول سلف األمة من الصحابة والتابعين ومن سار على‬
‫نهجهم‪ ،‬بل على ذلك أيضًا اتفق المسلمون‪ ،‬وغيرهم من أهل الملل كاليهود والنصارى‪،‬كما سبق بيان ذلك‬
‫‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إنكار المعاد لألبدان واألرواح‪ ،‬كما هو اعتقاد مشركي العرب‪ ،‬واليونان والهند‪ ،‬وهو مذكور في‬
‫القرآن‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬قول من يثبت المعاد لألبدان فقط‪ ،‬ونسب شيخ اإلسالم – رحمه اهلل – هذا القول إلى كثير من‬
‫المتكلمين من الجهمية والمعتزلة‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬المعاد لألرواح فقط دون األبدان وهو قول الفالسفة أتباع أرسطو من أمثال ابن سينا ‪ ،‬والفارابي‬
‫‪ ،‬وغيرهما من المنافقين‪ ،‬والصابئين‪ ،‬والمجوس‪ ،‬والباطنية ‪. ...‬‬

‫وقد صرح ابن سينا وغيره من الفالسفة بإنكار البعث الجسماني‪ ،‬وإ ن كان ُنقل عن ابن سينا أقوال‬
‫بإثباته لكن ال يعول عليها لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬تصريحه بنفي البعث الجسماني في مصنفاته‪ ،‬وخاصة في الرسالة األضحوية كما سيأتي‪.‬‬

‫‪ -2‬إن هذا األمر من الخطورة بمكان‪ ،‬إذ هو إنكار ما ثبت عند المسلمين‪ ،‬بالسمع والعقل والفطرة‪ ،‬فلو‬
‫رجع عن ذلك األمر لصَّر ح بنقض رأيه السابق‪.‬‬

‫‪ -3‬إنه من الباطنية‪ ،‬الذين يظهرون غير ما يبطنون‪ ،‬فقد يكون تصريحه هذا نفاقًا وتقية كما ذكر ذلك‬
‫ابن القيم – رحمه اهلل – ‪.‬‬

‫ومن تصريحه بنفي المعاد قولـه‪" :‬فإذا أبطل أن يكون المعاد للبدن وحده‪ ،‬وبطل أن يكون للبدن والنفس‬
‫‪4‬‬
‫جميعًا وبطل أن يكون للنفس على سبيل التناسخ فالمعاد إذن للنفس وحدها على ما تقرر"‬

‫الشبه التي تمسك بها منكرو البعث‪:‬‬

‫تمسك منكرو البعث بشبه ثالث كلها باطلة‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أن الميت إذا مات تفتتت أجزاؤه‪ ،‬واختلطت بالتراب على وجه ال يمكن تمييزه وقالوا "أنت إذا‬
‫تأملت وتدبرت‪ ،‬ظهر لك أن الغالب على ظاهر التربة المعمورة جثث الموتى المتربة‪ ،‬وقد حرق فيها‬
‫وزرع‪ ،‬وتكون منها األغذية‪ ،‬وتغّذ ى باألغذية جثث أخرى‪ ،‬فأنى يمكن بعث مادة كانت حاملة لصورتي‬
‫إنسانين في وقتين لهما جميعًا في وقت واحد‪ ،‬بال قسمة" ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إن البعث ال عالقة له بالقدرة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن البعث والحشر أمر ال فائدة منه‪ ،‬وال تقتضيه الحكمة والحكمة بقاء النوع اإلنساني وتجدده ‪.‬‬

‫وهناك شبه أخرى‪ ،‬أعرضت عنها ألنها تعود إلى ما سبق ‪.‬‬

‫وهذا الضالل منشؤه القياس الفاسد‪ ،‬فقد قاسوا بعقولهم قدرة الرب تعالى بقدرة البشر‪ ،‬فاعتقدوا‬

‫‪ .1 4‬الدرة الوضية في توحيد رب البرية المحدث السيد محمد الحوت البيروتي منشورات المكتبة العصرية‬
‫استحالة ذلك‪ ،‬ولهذا نجد أن القرآن الكريم في تقريره لقضية البعث‪ ،‬يركز على ثالثة أصول‪:‬‬

‫األول‪ :‬تقرير كمال العلم‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َم ا َتُك وُن ِفي َش ْأٍن َو َم ا َتْتُلو ِم ْنُه ِم ن ُقْر آٍن َو َال َتْع َم ُلوَن ِم ْن َع َم ٍل ِإَّال‬
‫ُكَّنا َع َلْيُك ْم ُش ُهودًا ِإْذ ُتِفيُضوَن ِفيِه َو َم ا َيْع ُز ُب َعن َّر ِّبَك ِم ن ِّم ْثَقاِل َذ َّر ٍة ِفي اَألْر ِض َو َال ِفي الَّس َم اء َو َال َأْص َغ َر‬
‫ِم ن َذ ِلَك َو ال َأْك َبَر ِإَّال ِفي ِكَتاٍب ُّم ِبيٍن {‪[)}61‬يونس‪ ]61:‬وهذه اآلية جاءت بعد اآليات التي فيها إثبات‬
‫‪5‬‬
‫البعث‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضًا قوله تعالى‪َ ( :‬و َض َر َب َلَنا َم َثًال َو َنِس َي َخ ْلَقُه َقاَل َم ْن ُيْح ِيي اْلِع َظاَم َو ِهَي َر ِم يٌم {‪ُ }78‬قْل‬
‫ُيْح ِييَها اَّلِذ ي َأنَش َأَها َأَّو َل َم َّر ٍة َو ُهَو ِبُك ِّل َخ ْلٍق َع ِليٌم {‪[ )}79‬يس‪. ]79-78:‬‬

‫الثاني‪ :‬تقرير كمال القدرة كما في قوله تعالى‪َ( :‬أَو َلْي َس اَّلِذ ي َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر َض ِبَقاِد ٍر َع َلى َأْن‬
‫َيْخ ُلَق ِم ْثَلُهم َب َلى َو ُهَو اْلَخ اَّل ُق اْلَع ِليُم {‪ِ }81‬إَّنَم ا َأْمُر ُه ِإَذ ا َأَر اَد َش ْي ئًا َأْن َيُقوَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن {‪[ )}82‬يس‪-81:‬‬
‫‪. ]82‬‬

‫الثالث‪ :‬تقرير كمال الحكمة قال تعالى‪َ( :‬أَفَحِس ْبُتْم َأَّنَم ا َخ َلْقَناُك ْم َع َبثًا َو َأَّنُك ْم ِإَلْيَنا اَل ُتْر َج ُعوَن {‪)}115‬‬
‫[المؤمنون‪ ]115:‬وقوله‪َ( :‬أَيْح َس ُب اِإْل نَس اُن َأن ُيْتَر َك ُسًدى{‪[) }36‬القيامة‪. .. ]36:‬‬

‫وأدلة إثبات البعث والرد على منكريه كثيرة جدًا‪ ،‬منها ما يتعلق باإلمكان ومنها ما يتعلق بالوقوع كما‬
‫قصه اهلل تعالى علينا في القرآن الكريم كما في قوله تعالى‪َ ( :‬أَلْم َتَر ِإَلى اَّلِذ يَن َخ َر ُجوْا ِم ن ِدَياِر ِهْم َو ُهْم‬
‫ُأُلوٌف َح َذ َر اْلَم ْو ِت َفَقاَل َلُهُم ُهّللا ُم وُتوْا ُثَّم َأْح َياُهْم ِإَّن َهّللا َلُذ و َفْض ٍل َع َلى الَّناِس َو َلـِكَّن َأْكَثَر الَّناِس َال‬
‫َيْشُك ُروَن {‪[)}243‬البقرة‪. ]243:‬‬

‫وقوله تعالى‪َ( :‬أْو َك اَّلِذ ي َم َّر َع َلى َقْر َيٍة َو ِهَي َخاِو َيٌة َع َلى ُعُروِش َها َقاَل َأَّنَى ُيْح ِيـي َهَـِذِه ُهّللا َبْع َد َم ْو ِتَها َفَأَم اَتُه‬
‫ُهّللا ِم َئَة َعاٍم ُثَّم َبَع َثُه َقاَل َك ْم َلِبْثَت َقاَل َلِبْثُت َيْو مًا َأْو َبْع َض َيْو ٍم َقاَل َبل َّلِبْثَت ِم َئَة َعاٍم َفانُظْر ِإَلى َطَع اِم َك‬
‫َو َش َر اِبَك َلْم َيَتَس َّنْه َو انُظْر ِإَلى ِح َم اِر َك َو ِلَنْج َع َلَك آَيًة ِّللَّناِس َو انُظْر ِإَلى الِع َظاِم َكْيَف ُننِش ُز َها ُثَّم َنْك ُسوَها َلْح مًا‬
‫َفَلَّم ا َتَبَّيَن َلُه َقاَل َأْع َلُم َأَّن َهّللا َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِد يٌر{‪[)}259‬البقرة‪]259:‬‬

‫وقوله تعالى في شأن أصحاب الكهف‪َ( :‬و َك َذ ِلَك َبَع ْثَناُهْم ِلَيَتَس اءُلوا َبْيَنُهْم َقاَل َقاِئٌل ِّم ْن ُهْم َك ْم َلِبْثُتْم َقاُلوا َلِبْثَنا‬
‫َيْو مًا َأْو َبْعَض َيْو ٍم َقاُلوا َر ُّبُك ْم َأْع َلُم ِبَم ا َلِبْثُتْم ) [الكهف‪. ]19:‬‬

‫وغير ذلك وبيان ذلك في مواطنه ‪ ،‬وقد تعددت أساليب القرآن الكريم وتنوعت طرقه في إثبات قضية‬
‫البعث‪ ،‬بل لم يتناول القرآن الكريم – بعد اإليمان باهلل – أمرًا من أمور العقيدة أبلغ مما تناول أمر البعث‬
‫ومن خالل هذه األدلة يأتي الرد على منكري البعث‪ ،‬وباهلل التوفيق ومنه أستمد العون‪.‬‬

‫‪ .1 5‬الدرة الوضية في توحيد رب البريةالمحدث السيد محمد الحوت البيروتي منشورات المكتبة العصرية‬
‫الدليل األول‪ :‬ما ورد في سورة يونس من تأكيد هذه القضية بتعدد األساليب‪ ،‬وتنوعها ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬نفي الشك عن وقوع البعث‪ ،‬بحيث يصبح قضية مسَّلمة‪ ،‬ال جدال فيها قال تعالى‪ِ( :‬إَلْيِه َم ْر ِج ُع ُك ْم‬
‫َجِم يعًا َو ْع َد ِهّللا َح ّقًا ِإَّنُه َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُيِع يُد ُه) [يونس‪.]4:‬‬

‫َّلِذ‬
‫‪ -2‬توبيخ المكذبين بالبعث‪ ،‬وبيان حالهم يوم القيامة‪ ،‬وما هم فيه من الذل والندامة‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬إَّن ا يَن‬
‫ِئ‬ ‫ِت ِف‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِة‬ ‫ِل‬
‫َال َيْر ُج وَن َقاءَنا َو َر ُض وْا ِباْلَح يا الُّد ْن َيا َو اْط َم َأُّنوْا ِبَها َو ا يَن ُهْم َعْن آَيا َنا َغ ا ُلوَن {‪ُ }7‬أْو َلـ َك َم ْأَو اُهُم الُّناُر‬
‫ِبَم ا َك اُنوْا َيْك ِس ُبوَن {‪[ )}8‬يونس‪. ]8-7:‬‬

‫وقوله‪َ( :‬يا َأُّيَها الَّناُس ِإَّنَم ا َبْغ ُيُك ْم َع َلى َأنُفِس ُك م َّم َتاَع اْلَحَياِة الُّد ْنَيا ُثَّم ِإَليَنا َم ْر ِج ُع ُك ْم َفُنَنِّبُئُك م ِبَم ا ُك نُتْم ‪َ6‬تْع َم ُلوَن {‪2‬‬
‫‪[ )}3‬يونس‪.]23:‬‬

‫َيْح ُش ُه َك َأن َّل ْل ُثوْا ِإَّال ا ًة ِّم الَّن اِر َت ا ُفو َبْيَن َقْد َخ ِس اَّلِذ ي َك َّذ وْا ِبِلَقاء الّلِه‬
‫َن ُب‬ ‫َر‬ ‫َس َع َن َه َي َع َر َن ُهْم‬ ‫ْم َي َب‬ ‫ُر ْم‬ ‫وقوله‪َ ( :‬و َيْو َم‬
‫َو َم ا َك اُنوْا ُمْهَتِد يَن {‪َ }45‬و ِإَّم ا ُنِر َيَّنَك َبْعَض اَّلِذ ي َنِع ُدُهْم َأْو َنَتَو َّفَيَّنَك َفِإَلْيَنا َمْر ِج ُعُهْم ُثَّم الّلُه َش ِه يٌد َع َلى َم ا‬
‫َيْفَع ُلوَن {‪[ )}46‬يونس‪. ]46-45:‬‬

‫ِذ‬ ‫ِج‬ ‫ِإ‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫ِه ِذ‬ ‫ِإ َّلِذ‬


‫وقوله‪ُ( :‬قْل َّن ا يَن َيْفَتُر وَن َع َلى الّل اْلَك َب َال ُيْف ُح وَن {‪َ }69‬م َتاٌع ي الُّد ْن َيا ُثَّم َلْيَنا َمْر ُعُهْم ُثَّم ُن يُقُهُم‬
‫اْلَعَذ اَب الَّش ِد يَد ِبَم ا َك اُنوْا َيْك ُفُر وَن {‪[)}70‬يونس‪. ]70-69:‬‬

‫وقولـه‪ِ( :‬إَّن اَّلِذ يَن َح َّقْت َع َلْيِهْم َك ِلَم ُت َر ِّبَك َال ُيْؤ ِم ُنوَن {‪َ }96‬و َلْو َج اءْتُهْم ُك ُّل آَيٍة َح َّتى َيَر ُو ْا اْلَع َذ اَب اَألِليَم {‬
‫‪[ )}97‬يونس‪. ]97-96:‬‬

‫وهذه اآليات وغيرها فيها من الوعيد‪ ،‬والتهديد‪ ،‬وبيان حال المكذبين ما من شأنه أن يوقظ القلب الغافل‪،‬‬
‫لإليمان باهلل تعالى واليوم اآلخر‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان عجز اآللهة عن إعادة الخلق‪ ،‬فدل ذلك على أن من مقتضى الكمال هلل تعالى القدرة على‬
‫إعادة الخلق بعد موتهم‪.‬‬

‫قال تعالى‪ُ( :‬قْل َهْل ِم ن ُش َر َك آِئُك م َّم ن َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُيِع يُد ُه ُقِل ُهّللا َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُيِع يُد ُه َفَأَّنى ُتْؤ َفُك وَن {‬
‫‪[ )}34‬يونس‪. ]34:‬‬

‫ويقول تعالى في سورة الفرقان‪َ( :‬و اَّتَخ ُذ وا ِم ن ُدوِنِه آِلَهًة اَّل َيْخ ُلُقوَن َش ْيئًا َو ُهْم ُيْخ َلُقوَن َو اَل َيْمِلُك وَن َأِلنُفِس ِهْم‬
‫َض ّر ًا َو اَل َنْفعًا َو اَل َيْمِلُك وَن َم ْو تًا َو اَل َح َياًة َو اَل ُنُش ورًا{‪[ )}3‬الفرقان‪. ]3:‬‬

‫‪ 6‬الجواهر الكالمية في العقيدة االسالمية ‪ -‬الشيخ طاهر الجزائري‪-‬ترجمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز عز الدين السيروان‪ -‬الناشر‪ :‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع تاريخ النشر‪ -01/01/1986 :‬الطبعة‪ 1 :‬مجلدات‪:‬‬
‫‪ -4‬ما ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية مما يعقب البعث من حشر وعرض وحساب وجزاء‬
‫وجنة ونار كل ذلك من أدلة البعث‪ ،‬إذ ال يمكن حصول ذلك إال بالبعث‪ ،‬وعلى هذا فمنكر البعث‪ ،‬البد أن‬
‫يكون منكرًا لكل هذه العقائد‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ( :‬و َيْو َم َنْح ُش ُر ُهْم َجِم يعًا ُثَّم َنُقوُل ِلَّلِذ يَن َأْش َر ُك وْا َم َكاَنُك ْم َأنُتْم َو ُش َر َكآُؤ ُك ْم َفَز َّيْلَنا َبْيَنُهْم َو َقاَل‬
‫ُش َر َك آُؤُهم َّم ا ُك نُتْم ِإَّياَنا َتْعُبُد وَن {‪َ }28‬فَكَفى ِباِهّلل َش ِهيدًا َبْيَنَنا َو َبْيَنُك ْم ِإن ُكَّنا َع ْن ِعَباَد ِتُك ْم َلَغاِفِليَن {‪ُ }29‬هَناِلَك‬
‫َتْبُلو ُك ُّل َنْفٍس َّم ا َأْس َلَفْت َو ُر ُّد وْا ِإَلى ِهّللا َم ْو َالُهُم اْلَح ِّق َو َض َّل َع ْنُهم َّم ا َك اُنوْا َيْفَتُروَن {‪[ )}30‬يونس‪-28:‬‬
‫‪.]30‬‬

‫ويقول تعالى‪َ( :‬و َيْو َم َيْح ُش ُر ُهْم َك َأن َّلْم َيْلَبُثوْا ِإَّال َس اَع ًة ِّم َن الَّنَهاِر َيَتَع اَر ُفوَن َبْيَنُهْم َقْد َخ ِس َر اَّلِذ يَن َك َّذ ُبوْا ِبِلَقاء‬
‫ِهّللا َو َم ا َك اُنوْا ُم ْهَتِد يَن {‪)}45‬‬

‫[يونس‪. ]45:‬‬

‫وغير ذلك من اآليات الكثيرة‪ ،‬التي تبين ما بعد البعث من أهوال مما يصعب حصره واستقصاؤه‪.‬‬

‫‪ -5‬اإلنذار من عذاب اآلخرة‪:‬‬

‫إذ المؤمن يعمل الصالحات امتثاًال لما أمره اهلل به‪ ،‬وتأهبًا ليوم البعث والنشور‪ ،‬وهو في تلك الحال‬
‫موعود بالجنة‪،‬وعليه فهو ناج‪ ،‬أما الكافر فهو ُم عٍر ٌض عن أمر اهلل تعالى‪ ،‬مستكبر عن عبادته‪ ،‬واهلل‬
‫تعالى قد توعده وأنذره‪ ،‬فتبين أن االحتياط – وهذا على سبيل التنزل مع الخصم – هو اإليمان بالمعاد‪ ،‬إذ‬
‫غاية ما في الباب فوات بعض اللذات الجسدية‪ ،‬والعاقل ال يأبه لها لعدة أسباب‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -1‬أن في الحالل غنية وكفاية عن الحرام‪.‬‬

‫‪ -2‬زوالها وسرعة انقطاعها‪.‬‬

‫‪ -3‬أن هذه اللذات تشترك معه في االلتذاذ بها سائر البهائم‪ ،‬والمخلوقات وعليه فليست غاية ‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ( :‬فَلَّم ا َأنَج اُهْم ِإَذ ا ُهْم َيْبُغ وَن ِفي اَألْر ِض ِبَغْيِر اْلَح ِّق َيا َأُّيَها الَّناُس ِإَّنَم ا َبْغ ُيُك ْم َع َلى َأنُفِس ُك م َّم َتاَع‬

‫‪ 7‬المختار من كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات ‪ -‬أبي علي عمر بن محمد بن خليل السكوني المالكي – مكتبة الشارقة‬
‫اْلَحَياِة الُّد ْنَيا ُثَّم ِإَليَنا َم ْر ِج ُع ُك ْم َفُنَنِّبُئُك م ِبَم ا ُك نُتْم َتْع َم ُلوَن {‪[ )}23‬يونس‪.]23:‬‬

‫ويقول تعالى في سورة النساء‪َ( :‬و َم اَذ ا َع َلْيِهْم َلْو آَم ُنوْا ِباِهّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َأنَفُقوْا ِمَّم ا َر َز َقُهُم ُهّللا َو َك اَن ُهّللا‬
‫ِبِهم َع ِليمًا{‪[ )}39‬النساء‪. ]39:‬‬

‫‪ -6‬اإلخبار عن قرب موعده‪:‬‬

‫كما في قوله تعالى‪َ( :‬و َيُقوُلوَن َم َتى َهـَذ ا اْلَو ْعُد ِإن ُك نُتْم َص اِدِقيَن {‪ُ }48‬قل َّال َأْمِلُك ِلَنْفِس ي َض ّر ًا َو َال َنْفعًا ِإَّال‬
‫َم ا َش اء ُهّللا ِلُك ِّل ُأَّمٍة َأَج ٌل ِإَذ ا َج اء َأَج ُلُهْم َفَال َيْسَتْأِخ ُروَن َس اَع ًة َو َال َيْسَتْقِدُم وَن {‪ُ }49‬قْل َأَر َأْيُتْم ِإْن َأَتاُك ْم َع َذ اُبُه‬
‫َبَياتًا َأْو َنَهارًا َّم اَذ ا َيْسَتْع ِج ُل ِم ْنُه اْلُم ْج ِر ُم وَن {‪[ )}50‬يونس‪.]50-48:‬‬

‫قال ابن كثير – رحمه اهلل – ‪" :‬وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار اآلخرة كقولـه‪َ( :‬قاَل‬
‫َك ْم َلِبْثُتْم ِفي اَأْلْر ِض َعَدَد ِس ِنيَن {‪َ }112‬قاُلوا َلِبْثَنا َيْو مًا َأْو َبْع َض َيْو ٍم َفاْس َأْل اْلَع اِّد يَن {‪[ )}113‬المؤمنون‪:‬‬
‫‪ ]113-112‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬

‫ويقول تعالى في سورة المعارج‪َ( :‬فاْص ِبْر َص ْبرًا َج ِم يًال{‪ِ }5‬إَّنُهْم َيَر ْو َنُه َبِع يدًا{‪َ }6‬و َنَر اُه َقِريبًا{‬
‫‪[ )}7‬المعارج‪. ]7-5:‬‬

‫‪ -7‬أمر النبي – صلى اهلل عليه وسلم – باإلقسام على وقوعه (‪:)42‬‬

‫قال تعالى‪َ( :‬و َيْسَتنِبُئوَنَك َأَح ٌّق ُهَو ُقْل ِإي َو َر ِّبي ِإَّنُه َلَح ٌّق َو َم ا َأنُتْم ِبُم ْع ِج ِز يَن {‪[ )}53‬يونس‪. ]53:‬‬

‫ونظير ذلك في سورتي سبأ والتغابن في قوله تعالى‪َ( :‬و َقاَل اَّلِذ يَن َكَفُروا اَل َتْأِتيَنا الَّس اَع ُة ُقْل َبَلى َو َر ِّبي‬
‫َلَتْأِتَيَّنُك ْم َعاِلِم اْلَغْيِب اَل َيْع ُز ُب َع ْنُه ِم ْثَقاُل َذ َّر ٍة ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَل ِفي اَأْلْر ِض َو اَل َأْص َغ ُر ِم ن َذ ِلَك َو اَل َأْك َبُر ِإاَّل‬
‫ِفي ِكَتاٍب ُّم ِبيٍن {‪[ )}3‬سبأ‪. ]3:‬‬

‫وقوله‪َ( :‬ز َع َم اَّلِذ يَن َكَفُروا َأن َّلن ُيْبَع ُثوا ُقْل َبَلى َو َر ِّبي َلُتْبَع ُثَّن ُثَّم َلُتَنَّبُؤَّن ِبَم ا َع ِم ْلُتْم َو َذ ِلَك َع َلى ِهَّللا َيِس يٌر{‬
‫‪[ )}7‬التغابن‪. ]7:‬‬

‫الدليل الثاني‪ :‬االستدالل ببدء الخلق على إعادته‪ ،‬فمن بدأ الخلق من العدم فهو قادر على اإلعادة قال‬
‫تعالى‪ِ ( :‬إَلْيِه َم ْر ِج ُع ُك ْم َج ِم يعًا َو ْع َد ِهّللا َح ّقًا ِإَّنُه َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُيِع يُد ُه ِلَيْج ِزَي اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َو َع ِم ُلوْا الَّصاِلَح اِت‬
‫ِباْلِقْس ِط َو اَّلِذ يَن َكَفُروْا َلُهْم َش َر اٌب ِّم ْن َحِم يٍم َو َع َذ اٌب َأِليٌم ِبَم ا َك اُنوْا َيْكُفُروَن {‪[ )}4‬يونس‪ ]4:‬اآلية‪.‬‬

‫ويقول تعالى في سورة الحج‪َ( :‬يا َأُّيَها الَّناُس ِإن ُك نُتْم ِفي َر ْي ٍب ِّم َن اْلَبْع ِث َفِإَّنا َخ َلْقَناُك م ِّم ن ُتَر اٍب ُثَّم ِم ن‬
‫ُّنْط َفٍة ُثَّم ِم ْن َع َلَقٍة ُثَّم ِم ن ُّم ْض َغ ٍة ُّم َخ َّلَقٍة َو َغْي ِر ُم َخ َّلَقٍة ّل ِ‪ُ8‬نَبِّيَن َلُك ْم َو ُنِقُّر ِفي اَأْلْر َح اِم َم ا َنَش اء ِإَلى َأَج ٍل ُّم َس ًّم ى‬

‫‪ 8‬المختار من كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات ‪ -‬أبي علي عمر بن محمد بن خليل السكوني المالكي – مكتبة الشارقة‬
‫ُثَّم ُنْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْفًال ُثَّم ِلَتْب ُلُغوا َأُش َّد ُك ْم َو ِم نُك م َّم ن ُيَتَو َّفى َو ِم نُك م َّم ن ُيَر ُّد ِإَلى َأْر َذ ِل اْلُعُم ِر ) [الحج‪ ]5:‬اآلية‪.‬‬

‫وبيان وجه االستدالل على بدء الخلق بإعادته أن اإلنسان يمر في خلقه بعدة مراحل‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬كونه ترابًا‪ ،‬إذ إن أصل اإلنسان آدم عليه السالم‪ ،‬وقد خلقه اهلل تعالى من تراب‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬كونه نطفة وهو الماء اليسير‪ ،‬الذي هو ناتج من األغذية التي يتناولها الشخص‪ ،‬ثم‬
‫يحفظها اهلل ويودعها في الرحم‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬كونه علقة وهي قطعة الدم الجامد‪ ،‬فقد كانت ماًء ثم تحولت إلى قطعة دم عالقة بجدار‬
‫الرحم‪ ،‬ومعلوم ما بين الماء والدم من تفاوت‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬كونه مضغة وهي القطعة من اللحم قدر ما يمضغ‪.‬‬

‫المرحلة الخامسة‪ :‬خروجه طفًال كامل األعضاء‪.‬‬

‫المرحلة السادسة‪ :‬بلوغه سن الشباب والقوة والفتوة‪ ،‬بعد الضعف‪.‬‬

‫المرحلة السابعة‪ :‬عودته ببلوغه سن الشيخوخة والعجز‪ ،‬فتعود تلك القوة ضعفًا وربما بلغ سنًا ال يعلم‬
‫فيها شيئًا كما قال تعالى‪:‬‬

‫(َو ِم نُك م َّم ن ُيَر ُّد ِإَلى َأْر َذ ِل اْلُع ُم ِر ِلَكْياَل َيْع َلَم ِم ن َبْع ِد ِع ْلٍم َش ْيئًا ( [الحج‪.]5:‬‬
‫‪9‬‬
‫والشك أن من قدر على ذلك‪ ،‬قادر على اإلعادة‪ ،‬إذ هي من باب أولى ‪.‬‬

‫قال ابن القيم – رحمه اهلل – ‪" :‬خلق اإلنسان فإنه من أعظم األدلة على التوحيد والمعاد‪ ،‬وأي دليل أوضح‬
‫من تركيب هذه الصورة اآلدمية بأعضائها وقواها وصفاتها‪ ،‬وما فيها من اللحم والعظم والعروق‬
‫واألعصاب والعلوم واإلرادات والصناعات كل ذلك من نطفة ماء"ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬إن حكمة الرب تعالى وعدلـه تقتضي أن البعث والجزاء‪:‬‬

‫ِل ِت ِق ِط َّلِذ‬ ‫ِم‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِع ِل‬


‫قال تعالى‪ِ( :‬إَّنُه َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُي يُد ُه َيْج ِز َي ا يَن آَم ُنوْا َو َع ُلوْا الَّصا َح ا ِباْل ْس َو ا يَن َكَفُر وْا َلُهْم‬
‫َش َر اٌب ِّم ْن َح ِم يٍم َو َع َذ اٌب َأِليٌم ِبَم ا َك اُنوْا َيْك ُفُر وَن {‪[ )}4‬يونس‪. ]4:‬‬

‫فاهلل تعالى خلق العباد وأمرهم ونهاهم‪ ،‬ووعدهم على امتثال أوامره وتوعدهم على ترك األمر‪ ،‬فلو لم‬

‫‪ 9‬الجواهر الكالمية في العقيدة االسالمية ‪ -‬الشيخ طاهر الجزائري‪-‬ترجمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز عز الدين السيروان‪ -‬الناشر‪ :‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع تاريخ النشر‪ -01/01/1986 :‬الطبعة‪ 1 :‬مجلدات‪:‬‬
‫يكن هناك بعث وجزاء لكان هذا األمر والنهي والوعد والوعيد عبثًا‪ ،‬وهذا ينزه عنه البارئ جل وعال‪.‬‬

‫قال ابن القيم – رحمه اهلل – ‪" :‬لهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع‪ ،‬وأن كمال الرب‬
‫تعالى‪ ،‬وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه ‪ ..‬ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫"فلو لم يكن لإلنسان عاقبة ينتهي إليها غير هذه الحياة الخسيسة المملوءة نصبًا وهمًا وحزنًا وال يكون‬
‫بعدها حال مغبوطة لكان أخس الحيوانات أحسن حاًال من اإلنسان" ‪.‬‬

‫وقال تعالى‪َ( :‬و َلَقْد َأْهَلْك َنا اْلُقُروَن ِم ن َقْبِلُك ْم َلَّم ا َظَلُم وْا َو َج اءْتُهْم ُرُس ُلُهم ِباْلَبِّيَناِت َو َم ا َك اُنوْا ِلُيْؤ ِم ُنوْا َك َذ ِلَك‬
‫َنْج ِز ي اْلَقْو َم اْلُم ْج ِر ِم يَن {‪)}13‬‬

‫[يونس‪.]13:‬‬

‫وقال تعالى‪ِ( :‬إَّن َهّللا َال َيْظ ِلُم الَّناَس َش ْيئًا َو َلـِكَّن الَّناَس َأنُفَس ُهْم َيْظ ِلُم وَن {‪[ )}44‬يونس‪.]44:‬‬

‫ويقول تعالى‪َ( :‬فَو َر ِّبَك َلَنْس َأَلَّنُهْم َأْج َم ِع ْيَن {‪َ }92‬ع َّم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن {‪[ )}93‬الحجر‪.]93-92:‬‬

‫ويقول جل ذكره‪َ( :‬م ن َج اء ِباْلَح َس َنِة َفَلُه َخ ْيٌر ِّم ْنَها َو َم ن َج اء ِبالَّسِّيَئِة َفاَل ُيْج َز ى اَّلِذ يَن َع ِم ُلوا الَّسِّيَئاِت ِإاَّل َم ا‬
‫َك اُنوا َيْع َم ُلوَن {‪)}84‬‬

‫[القصص‪.]84:‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬نفي أن يكون اهلل تعالى خلق الخلق عبثًا‪:‬‬


‫‪10‬‬
‫والقول بإنكار البعث‪ ،‬يؤدي إلى ذلك‪:‬‬

‫قال تعالى‪ِ( :‬إَّن ِفي اْخ ِتَالِف الَّلْيِل َو الَّنَهاِر َو َم ا َخ َلَق ُهّللا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَألْر ِض آلَياٍت ِّلَقْو ٍم َيَّتُقوَن {‪َ }6‬إَّن‬
‫اَّلِذ يَن َال َيْر ُجوَن ِلَقاءَنا َو َر ُضوْا ِباْلَح ياِة الُّد ْنَيا َو اْط َم َأُّنوْا ِبَها َو اَّلِذ يَن ُهْم َع ْن آَياِتَنا َغاِفُلوَن {‪ُ }7‬أْو َلـِئَك َم ْأَو اُهُم‬
‫الُّناُر ِبَم ا َك اُنوْا َيْك ِس ُبوَن {‪[ )}8‬يونس‪. ]8-6:‬‬

‫فغفلتهم عن آيات اهلل تعالى الكونية‪ ،‬وعظيم خلقه الذي يستحيل أن يخلقه عبثًا‪ ،‬جعلهم يركنون إلى الحياة‬
‫الدنيا‪ ،‬وينسون البعث والجزاء‪ ،‬ولهذا قال تعالى مشيرًا إلى ذلك في سورة ق بعد أن ذكر إنكارهم‬
‫للبعث‪َ( :‬أَفَلْم َينُظُروا ِإَلى الَّس َم اء َفْو َقُهْم َكْيَف َبَنْيَناَها َو َز َّيَّناَها َو َم ا َلَها ِم ن ُفُروٍج{‪َ }6‬و اَأْلْر َض َم َد ْد َناَها‬
‫َو َأْلَقْيَنا ِفيَها َر َو اِس َي َو َأنَبْتَنا ِفيَها ِم ن ُك ِّل َز ْو ٍج َبِهيٍج{‪َ }7‬تْبِص َر ًة َو ِذ ْك َر ى ِلُك ِّل َع ْبٍد ُّمِنيٍب{‪[ )}8‬ق‪.]8-6:‬‬

‫‪ 10‬المختار من كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات ‪ -‬أبي علي عمر بن محمد بن خليل السكوني المالكي – مكتبة الشارقة‬
‫الدليل الخامس‪ :‬إحياء األرض الميتة بالنبات‪:‬‬

‫قال تعالى‪ِ( :‬إَّنَم ا َم َثُل اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َك َم اء َأنَز ْلَناُه ِم َن الَّس َم اِء َفاْخ َتَلَط ِبِه َنَباُت اَألْر ِض ِمَّم ا َيْأُك ُل الَّناُس َو اَألْنَع اُم‬
‫َح َّتَى ِإَذ ا َأَخ َذ ِت اَألْر ُض ُزْخ ُر َفَها َو اَّز َّيَنْت َو َظَّن َأْهُلَها َأَّنُهْم َقاِد ُروَن َع َلْيَها َأَتاَها َأْم ُرَنا َلْيًال َأْو َنَهارًا َفَجَع ْلَناَها‬
‫َحِص يدًا َك َأن َّلْم َتْغ َن ِباَألْم ِس َك َذ ِلَك ُنَفِّص ُل اآلَياِت ِلَقْو ٍم َيَتَفَّك ُروَن {‪[ )}24‬يونس‪. ]24:‬‬

‫ويقول تعالى في سورة األعراف‪َ( :‬و ُهَو اَّلِذ ي ُيْر ِس ُل الِّر َياَح ُبْش رًا َبْيَن َيَد ْي َر ْح َم ِتِه َح َّتى ِإَذ ا َأَقَّلْت َسَح ابًا‬
‫ِثَقاًال ُس ْقَناُه ِلَبَلٍد َّم ِّيٍت َفَأنَز ْلَنا ِبِه اْلَم اء َفَأْخ َر ْج َنا ِبِه ِم ن ُك ِّل الَّثَم َر اِت َك َذ ِلَك ُنْخ ِر ُج اْلمْو َتى َلَع َّلُك ْم َتَذَّك ُروَن {‬
‫‪[ )}57‬األعراف‪. ]57:‬‬

‫ويقول تعالى في سورة الحج‪َ( :‬و َتَر ى اَأْلْر َض َهاِم َد ًة َفِإَذ ا َأنَز ْلَنا َع َلْيَها اْلَم اء اْهَتَّزْت َو َرَبْت َو َأنَبَتْت ِم ن ُك ِّل‬
‫َز ْو ٍج َبِهيٍج{‪َ }5‬ذ ِلَك ِبَأَّن َهَّللا ُهَو اْلَح ُّق َو َأَّنُه ُيْح ِيي اْلَم ْو َتى َو َأَّنُه َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِد يٌر{‪[ )}6‬الحج‪. ]6-5:‬‬

‫وبيان داللة إحياء األرض على البعث تتبين من خالل ما يلي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬صعود الماء إلى السماء ثم نزولـه على هيئة مطر‪ ،‬دليل القدرة‪ ،‬إذ الماء ثقيل بطبعه‪ ،‬وصعوده إلى‬
‫أعلى خالف المألوف‪ ،‬فمن قدر على تغيير طبيعة الماء‪ ،‬فهو قادر على أن يعيد الحياة إلى الجسم الذي‬
‫‪11‬‬
‫بلي‪ ،‬وأصبح ترابًا‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إن الماء بعد تبخره تتفرق أجزاؤه‪ ،‬ثم يجمعها الرب عز وجل مرة أخرى فتنزل مجتمعة‪ ،‬فمن‬
‫جمعها فال شك أنه قادر على جمع ما تفرق من أجزاء اإلنسان بعد موته‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬إن خروج النبات من األرض‪ ،‬إنما هو لحاجة العباد إليه في معاشهم‪ ،‬وكذلك تسيير السحاب‬
‫والرياح إنما هو لمصلحة العباد‪ ،‬فكذلك بعثهم وحشرهم إنما هو لمصلحتهم‪ ،‬ولمجازاتهم بما عملوا‪ ،‬إن‬
‫خيرًا فخير‪ ،‬وإ ن شرًا فشر‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬إن إنكارهم للبعث ناتج عن قصور إدراكهم عن إعادة اإلنسان بعد موته‪ ،‬وبعد أن أصبح رميمًا‪،‬‬
‫فلفت الحق جل وعال أنظارهم إلى األرض اليابسة فهي أشد جمودًا وخمودًا‪ ،‬ومع ذلك تفتقت بالنبات‬
‫األخضر وأينعت أطرافها‪ ،‬وعادت لها الحياة والنمو‪ ،‬فكذلك اإلنسان ‪.‬‬

‫الدليل السادس‪ :‬االستدالل على البعث بوقوع المتضادات‪ ،‬وخلق اهلل تعالى لها ‪:‬‬

‫قال تعالى‪ُ( :‬هَو ُيْح ِيي َو ُيِم يُت َو ِإَلْيِه ُتْر َج ُعوَن {‪[ )}56‬يونس‪. ]56:‬‬

‫ويقول تعالى في سورة النجم‪َ( :‬و َأَّنُه ُهَو َأْض َح َك َو َأْبَك ى{‪َ }43‬و َأَّنُه ُهَو َأَم اَت َو َأْح َيا{‪َ }44‬و َأَّنُه َخ َلَق‬

‫‪ 11‬الدرة الوضية في توحيد رب البريةالمحدث السيد محمد الحوت البيروتي منشورات المكتبة العصرية‬
‫الَّز ْو َج ْيِن الَّذ َك َر َو اُأْلنَثى{‪[)}45‬النجم‪.]45-43:‬‬

‫فالذي أمات بعد الحياة‪ ،‬قادر على اإلحياء بعد الممات‪ ،‬وهذا ظاهر الداللة‪.‬‬

‫وكذلك خلقه تعالى للمتضادات‪ ،‬فيه دليل على وقوع البعث‪ ،‬إذ إن منكريه يستبعدون عودة الحياة إلى‬
‫عظام قد بليت وأصبحت رفاتًا‪.‬‬

‫الدليل السابع‪ :‬التنبيه بخلق األعلى على األدنى‪:‬‬

‫ومن ذلك لفت النظر إلى خلق السماوات واألرض‪ ،‬وخلق األفالك والكواكب‪ ،‬على ما اشتملت عليه من‬
‫العظمة التي تعلو على خلق اإلنسان أضعافًا مضاعفة‪ ،‬ولهذا عقب اهلل تعالى بعد ذكره لخلق السماوات‬
‫واألرض في ستة أيام‪ ،‬بقولـه تعالى‪ِ( :‬إَلْي ِه َمْر ِج ُعُك ْم َج ِم يعًا َو ْعَد الّلِه َح ّقًا ِإَّنُه َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُيِع يُد ُه) [يونس‪:‬‬
‫‪. ]4‬‬

‫ويقول جل ذكره‪َ( :‬أال ِإَّن ِهّلِل َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَألْر ِض َأَال ِإَّن َو ْع َد ِهّللا َح ٌّق َو َلـِكَّن َأْكَثَر ُهْم َال َيْع َلُم وَن {‪}55‬‬
‫ُهَو ُيْح ِيي َو ُيِم يُت َو ِإَلْيِه ُتْر َج ُعوَن {‪[ )}56‬يونس‪. ]56-55:‬‬

‫ويقول أيضًا‪ُ( :‬قِل انُظُروْا َم اَذ ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَألْر ِض َو َم ا ُتْغ ِني اآلَياُت َو الُّنُذ ُر َعن َقْو ٍم َّال ُيْؤ ِم ُنوَن {‬
‫‪[ )}101‬يونس‪. ]101:‬‬

‫ويقول تعالى‪َ ( :‬أَو َلْيَس اَّلِذ ي َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر َض ِبَقاِد ٍر َع َلى َأْن َيْخ ُلَق ِم ْثَلُهم َبَلى َو ُهَو اْلَخ اَّل ُق‬
‫‪12‬اْلَعِليُم {‪[) }81‬يس‪. ]81:‬‬

‫وبّين شيخ اإلسالم – رحمه اهلل – إمكان االستدالل بالدليل العقلي على البعث من خالل هذه األدلة‬
‫بقوله‪" :‬اإلنسان يعلم اإلمكان الخارجي تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة بعلمه بوجود نظيره‪ ،‬وتارة بعلمه‬
‫بوجود ما الشيء أولى بالوجود منه‪ ،‬فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولى باإلمكان منه‪ ،‬ثم‬
‫إنه إذا تبين كون الشيء ممكنًا فالبد من بيان قدرة الرب على ذلك ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫ثم أثبت – رحمه اهلل – البعث على ضوء هذا االستدالل إذ خلق السماوات واألرض أبلغ من خلق‬
‫اإلنسان‪َ( :‬لَخ ْلُق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َأْك َبُر ِم ْن َخ ْلِق الَّناِس َو َلِكَّن َأْكَثَر الَّناِس اَل َيْع َلُم وَن {‪[ )}57‬غافر‪:‬‬
‫‪. ]57‬‬

‫وكذلك البدء أشق من اإلعادة‪َ( :‬و ُهَو اَّلِذ ي َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُيِع يُد ُه َو ُهَو َأْهَو ُن َع َلْيِه َو َلُه اْلَم َثُل اَأْلْع َلى ِفي‬

‫‪12‬‬
‫الدرة الوضية في توحيد رب البريةالمحدث السيد محمد الحوت البيروتي منشورات المكتبة العصرية‬
‫الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو ُهَو اْلَع ِز يُز اْلَحِكيُم {‪[ )}27‬الروم‪. ]27:‬‬
‫‪13‬‬
‫وهذه األمور موجودة‪ ،‬ومعلومة‪.‬‬

‫وكونه – أي البعث – ممكنًا ألنه داخل في القدرة الربانية‪ ،‬فثبت صحة االستدالل عليه بالدليل العقلي‬

‫وبهذه األدلة مجتمعة‪ ،‬وغيرها مما ورد في القرآن الكريم‪ ،‬تبطل دعاوي منكري البعث والنشور‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫كانت هن اك فض ائل وال رذائ ل‪ ،‬فالحي اة فوض ى‪ ,‬والمصير مجهول‪ ,‬وال وازع نفس ي‪ ,‬وال‬
‫ضمير حي‪.‬‬
‫إذًا فال عجب إن رأينا اإلسالم يهتم بذكر اليوم اآلخر‪ ,‬ويحث على اإليمان به‪ ,‬ويجعله من أهم‬
‫القضايا األساسية التي ال يمكن أن يسمى الشخص مؤمنًا إال إذا ج اء بها‪ ,‬معتق دًا ص حتها في‬
‫قرارة نفسه‪.‬‬
‫فاإلسالم خاتم الديانات ورسوله خاتم المرس لين‪ ،‬وال عجب كذلك حينم ا ن رى ونق رأ حق ائق‬
‫وتفاصيل عن اليوم اآلخر لم تكن معلومة عند أهل الديانات السابقة‪.‬‬
‫وهذا هو الذي حمل بعض الفالسفة ومن سار على طريقهم على الق ول بأن ه لم يفصح بمع اد‬
‫األبدان إال نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم ‪... ،‬‬
‫‪ 13‬الجواهر الكالمية في العقيدة االسالمية ‪ -‬الشيخ طاهر الجزائري‪-‬ترجمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز عز الدين السيروان‪ -‬الناشر‪ :‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع تاريخ النشر‪ -01/01/1986 :‬الطبعة‪ 1 :‬مجلدات‪:‬‬
‫وألن تلك التفاصيل لم تكن معلومة لدى الكفار من قريش وغيرهم؛ نرى أن اإلسالم ق د س لك‬
‫مسالك شتى وطرقًا متعددة في إقناع الكفار باإليمان باليوم اآلخ ر‪ ،‬مبين ًا أن ه ذا الك ون الب د‬
‫وأن ينتهي ويزول كل أثر له‪ ،‬وأنه لم يخلق عبثًا دون حساب وجزاء‬

‫المراجع‬
‫‪ .1‬الجواهر الكالمية في العقيدة االسالمية ‪ -‬الشيخ طاهر الجزائري‪-‬ترجمة‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد العزيز عز الدين السيروان‪ -‬الناشر‪ :‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع تاريخ النشر‪ -01/01/1986 :‬الطبعة‪ 1 :‬مجلدات‪1 :‬‬
‫‪ .2‬المختار من كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات‪ -‬أبي علي عمر بن‬
‫محمد بن خليل السكوني المالكي – مكتبة الشارقة‬
‫المحدث السيد محمد الحوت البيروتي‬ ‫‪ .3‬الدرة الوضية في توحيد رب البرية‬
‫منشورات المكتبة العصرية‬

You might also like