You are on page 1of 67

u• lI=I LP :; I o

y,Jia

ci.l -1 __...••,........a...
· _r I
oJ.o'LnJI oJ.?J. ..-1J..-, AJ!ll .:ll'I wluJIJ.l 1.., • lJ
‫القيادة‪ :‬ست دراسات في‬
‫االستراتيجية العالمية‬

‫ملخص كتاب‬
‫املؤلف‪ :‬هرني كيسنجر‬
‫عن املؤلف‬
‫شــغل الدكتــور هــري ألفــرد كيســنجر منصــب وزيــر خارجيــة الواليــات املتحــدة‬
‫ــي ‪ 1973‬و‪ 1977‬كــا شــغل منصــب مســاعد الرئيــس لشــؤون‬ ‫األمريكيــة بــن عا َم ْ‬
‫األمــن القومــي األمريــي مــن عــام ‪ 1969‬إىل عــام ‪ .1975‬وتــوىل هذيــن املنصبــن‬
‫إداريَت الرئيــس ريتشــارد نيكســون‪ ،‬والرئيــس جريالــد فــورد‪ .‬ويف عــام ‪،1973‬‬
‫خــال َ‬
‫حصــل عــى جائــزة نوبــل للســام باالش ـراك مــع يل دوك ثــو‪ ،‬مــن فيتنــام الشــالية؛‬
‫تقدي ًرا لجهودهام يف التفاوض عىل تسوية للحرب الفيتنامية‪.‬‬
‫رئيســا لرشكــة كيســنجر أسوشــيتس ‪Kissinger‬‬ ‫يعمــل الدكتــور كيســنجر حال ًّيــا ً‬
‫‪ ،.Associates, Inc‬وهــي رشكــة استشــارية دوليــة‪ .‬وقــد كتــب العديــد مــن الكتــب‬
‫واملقــاالت عــن السياســة الخارجيــة األمريكية والشــؤون الدوليــة والتاريــخ الدبلومايس‪.‬‬
‫كــا أجــرى العديــد مــن املقابــات يف وســائل اإلعــام؛ أشــهرها كان عــن آرائــه حــول‬
‫عالقات الواليات املتحدة األمريكية مع روسيا والصني‪.‬‬
‫أهمية الكتاب‬
‫يحلــل كيســنجر يف هــذا الكتــاب حيــاة ســتة قــادة اســتثنائيني‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬
‫االس ـراتيجيات املتميــزة لفــن الحكــم واإلدارة‪ ،‬ويق ـ ّدم مجموعــة رائعــة مــن دراســة‬
‫والسـ َـر السياســية التــي متــزج بــن األحــداث والشــخصية القياديــة‬‫الحالــة التاريخيــة ِّ‬
‫بسالســة‪ .‬والقــادة الســتة هــم‪ :‬كونـراد أدينــاور‪ ،‬وشــارل ديغــول‪ ،‬وريتشــارد نيكســون‪،‬‬
‫وأنــور الســادات‪ ،‬ويل كــوان يــو‪ ،‬ومارغريــت تاتــر‪ .‬وقــد بــرز جميــع هــؤالء القــادة‬
‫يف فــرة انهــارت فيهــا املؤسســات القامئــة يف جميــع أنحــاء أوروبــا‪ ،‬وأفســحت الهيــاكل‬
‫االســتعامرية املجــال للــدول املســتقلة يف آســيا وأفريقيــا‪ ،‬وكان ال بــد مــن إقامــة نظــام‬
‫دويل جديــد مــن بقايــا النظــام القديــم‪ .‬وألن كيســنجر كان عــى معرفــة بــكل موضــوع‬
‫مــن املواضيــع التــي يتناولهــا وشــارك يف العديــد مــن األحــداث التــي يصفهــا‪ ،‬فإنــه‬
‫يضفــي اإلدراك التاريخــي والخــرة العامــة واملعرفــة الشــخصية عــى كل هــذه‬
‫الدراســات‪ .‬ويذخــر الكتــاب بالــرؤى الحصيفــة واألحــكام التــي ال ميكــن أن يــأيت بهــا‬
‫شــخص ســوى كيســنجر‪ ،‬ويختتــم بتأمالتــه حــول النظــام العاملــي واســتحالة االســتغناء‬
‫عن القيادة والحنكة السياسية يف فن الحكم اليوم‪.‬‬
‫ملخص تنفيذي‬
‫خصوصــا يف أوقــات االنتقــال وعــدم اليقني‪.‬‬
‫ً‬ ‫•يناقــش كيســنجر دور القيــادة يف املجتمــع‪،‬‬
‫ويؤكــد أن القيــادة أم ـ ٌر رضوري لتوجيــه أ ّي مجتمــع بــن ماضيــه ومســتقبله‪ ،‬ولس ـ ِّد‬
‫الفجــوة بــن القيــم الراســخة والطموحــات الجديــدة‪ .‬ويُنظــر إىل القــادة عــى أنهــم‬
‫ُص َّنــاع ق ـرار ينبغــي لهــم تحليــل تاريــخ املجتمــع وظروفــه وقدراتــه لــي يتخــذوا‬
‫خيــارات تح ـ ِّرك تط ـ ّور املجتمــع وتو ِّجهــه‪ ،‬ويوازنــون املعرفــة املســتقاة مــن املــايض‬
‫مع الرؤى الحدسية حول املستقبل من أجل وضع األهداف واالسرتاتيجيات‪.‬‬
‫•يُقــال إن القيــادة الفاعلــة تتطلــب شــجاعة وشــخصية قويــة‪ ،‬وال بــد مــن توافــر‬
‫الشــجاعة التخــاذ الق ـرارات الصعبــة واختيــار التوجهــات‪ .‬والشــخصية القويــة‬
‫تحافــظ عــى االلت ـزام بالقيــم عــى م ـ ّر الزمــن‪ .‬ويس ـلّط الكتــاب الضــوء عــى‬
‫أهمية التواصل والقدرة عىل حفز الناس وحشد الدعم بينهم‪.‬‬
‫•يعمــل القــادة ضمــن إطــار مــن القيــود‪ ،‬مبــا فيهــا نــدرة املــوارد‪ ،‬ومحدوديــة الوقــت‪،‬‬
‫واملنافســة‪ .‬وتتضمــن عمليــة القيــادة اتخــاذ قـرارات اسـراتيجية يف ظــل هــذه القيــود‪،‬‬
‫وكثـ ًرا مــا تُتَّخــذ هــذه القـرارات بنــا ًء عــى معلومــات محــدودة‪ ،‬مــا يجعــل القــدرة‬
‫عــى إدارة املخاطــر أمـ ًرا رضوريًّــا‪ .‬ويشـ ّبه الكتــاب القيــادة االسـراتيجية بالســر عــى‬
‫حبــل مشــدود بــن يقينيــات املــايض ومجاهيــل املســتقبل‪ .‬ويؤكــد رضورة أن يتكيــف‬
‫القادة ويتخذوا قرارات حتى يف الحاالت التي تنعدم فيها املعلومات‪.‬‬
‫•يناقــش هــذا القســم تأثــر الظــروف التاريخيــة يف حيــاة ســتة أشــخاص بارزيــن‬
‫ويف قدراتهــم القياديــة‪ ،‬وهــم‪ :‬كونــراد أدينــاور‪ ،‬وشــارل ديغــول‪ ،‬وريتشــارد‬
‫نيكســون‪ ،‬وأنــور الســادات‪ ،‬ويل كــوان يــو‪ ،‬ومارغريــت تاتــر‪ .‬وقــد صنعــت‬
‫هــؤالء القــادة األوقــاتُ املضطربــة التــي عاشــوا فيهــا‪ ،‬مبــا فيهــا نتائــج الحربــن‬
‫العامليتني األوىل والثانية‪.‬‬
‫ــن مميزيــن مــن القيــادة‪ :‬رجــل الدولــة‪ ،‬والنبــي‪ .‬ويؤكــد أن‬
‫•يناقــش الكتــاب نو َع ْ‬
‫حدثــون تحــوالت يف أوقــات‬ ‫معظــم القــادة إداريــون‪ ،‬يف حــن أن بعــض القــادة يُ ِ‬
‫األزمات‪ .‬وللنوعني من القادة‪ ،‬رجال الدولة واألنبياء‪ ،‬مقاربات وأولويات مختلفة‪.‬‬
‫•يتصــف رجــال الدولــة بالرباغامتيــة والرتكيــز عــى الحفــاظ عــى مجتمعهــم مــن‬
‫خــال التك ّيــف مــع الظــروف وتشــجيع التطــور التدريجــي‪ .‬إنهــم يتب ّنــون التغيــر‬
‫مــع الحفــاظ عــى جوهــر مجتمعهــم‪ ،‬كــا أنهــم حــذرون ويدركــون القيــود‬
‫تصميــا جيــ ًدا‪ .‬ويعملــون داخــل إطــار‬
‫ً‬ ‫املحيطــة‪ ،‬حتــى بالخطــط املص َّم َمــة‬
‫التاريــخ ويهدفــون إىل تحريــك مجتمعاتهــم إىل األمــام ونقــل القيــم األساســية إىل‬
‫األجيال القادمة يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫•أمــا األنبيــاء‪ ،‬فإنهــم قــادة رؤيويــون يَتَ َحــ َّدون الوضــع القائــم ويهدفــون إىل‬
‫إعــادة تعريــف مــا هــو ممكــن‪ ،‬ويســعون إىل تغيــر جــذري‪ ،‬وكثـ ًرا مــا يتغاضون‬
‫عــن التــد ّرج يف ســعيهم إىل تحقيــق رؤيتهــم‪ .‬ويُلغــي القــادة النبويــون املــايض‬
‫لــي يضعــوا األســاس ملشــاريعهم الجديــدة‪ .‬إنهــم يركّــزون عــى املعايــر املطلقــة‬
‫ومستعدون لتح ُّمل شتى أنواع املعاناة من أجل تحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫•يناقــش الكتــاب التحــدي املتواصــل الــذي يواجهــه القــادة‪ ،‬أال وهــو‪َ :‬منـ ُع املطالــب‬
‫الحاليــة مــن أن تطغــى عــى التطلعــات املســتقبلية‪ ،‬وين ّقــب يف الجــدال التاريخــي‬
‫حــول العالقــة بــن اإلرادة البرشيــة واألحــداث الحتميــة‪ .‬وقــد بــرز يف العــامل الغريب‬
‫ٍ‬
‫أدوات‬ ‫منظــور يــرى أن األحــداث تح ّركهــا عمليــات ضخمــة‪ ،‬مــا يجعــل األف ـراد‬
‫بــداًلً مــن مبدعــن‪ .‬وكان علــاء‪ ،‬مثــل فرينانــد براوديــل‪ ،‬قــد رأوا األفـراد وترصفاتهم‬
‫مبثابة اضطرابات سطحية يف بحر امل ّد والجزر التاريخي األوسع‪.‬‬
‫ملخص تفصييل‬
‫الفصل األول‪ :‬كونراد أديناور – اسرتاتيجية التواضع‬
‫•يناقــش الكتــاب تداعيــات الحــرب العامليــة الثانيــة يف أملانيــا والتحديــات التــي‬
‫واجههــا القــادة خــال تلــك الفــرة‪ .‬ويق ـ ّدم تفصيـ ًـا لتاريــخ الحكــم يف أملانيــا‪،‬‬
‫مــن امللكيــة إىل الجمهوريــة إىل الدولــة الشــمولية‪ .‬ويف نهايــة الحــرب العامليــة‬
‫الثانيــة‪ ،‬خــرت أملانيــا رشعيتهــا واســتقرارها‪ ،‬ووقَ َعــت مســؤولية اســرداد‬
‫الكرامة والرشعية عىل كونراد أديناور‪ ،‬الذي عمل عمد ًة ملدينة كولونيا‪.‬‬
‫• يصــف املؤلــف حيــاة كونـراد أدينــاور املبكــرة ومســرته السياســية التــي أفضــت‬
‫إىل دوره قائـ ًدا خــال الحــرب العامليــة الثانيــة وبعدهــا‪ .‬فقــد كان والــد أدينــاور‪،‬‬
‫يوهــان‪ ،‬ضابــط صــف ســابقًا‪ ،‬ووالدتــه املنحــدرة مــن عائلــة مرصفيــة‪ ،‬عاز َمـ ْـن‬
‫عــى توفــر فــرص تعليميــة لــه‪ .‬وتضمنــت تنشــئة أدينــاور القيــم الكاثوليكيــة‪،‬‬
‫بالتشديد عىل الخطيئة واملسؤولية االجتامعية‪.‬‬
‫•أصبحــت معارضــة أدينــاور لصعــود هتلــر إىل الســلطة واضحــة ومتجســدة يف‬
‫أفعــال وترصفــات مختلفــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك التصويــت ضــد قانــون التمكــن وإزالــة‬
‫األعــام النازيــة مــن املعــامل التاريخيــة العامــة‪ .‬وبعــد فصلــه مــن منصبــه بعــد‬
‫انتخــاب هتلــر‪ ،‬بحــث عــن ملجــأ يف أحــد األديــرة؛ حيــث درس املنشــورات‬
‫البابوية التي تتوافق مع قناعاته السياسية‪.‬‬
‫•يف ديســمرب ‪ ،1945‬حــر أدينــاور اجتام ًعــا لتكويــن حــزب جديــد أصبــح يف‬
‫النهايــة حــزب االتحــاد الدميقراطــي املســيحي‪ ،‬الــذي جمــع أعضــاء ســابقني يف‬
‫حــزب الوســط الكاثوليــي وحــزب الشــعب الوطنــي األملــاين املحافــظ‪ ،‬والحــزب‬
‫الدميقراطــي األملــاين اللي ـرايل‪ .‬وســاعد أدينــاور يف صياغــة الفلســفة السياســية‬
‫لحــزب االتحــاد الدميقراطــي املســيحي‪ ،‬التــي تؤكــد عــى الدميقراطيــة واملحافظــة‬
‫االجتامعية والتكامل األورويب‪ ،‬وترفض مايض أملانيا القريب ونظامها الشمويل‪.‬‬
‫•ر ّوجــت خطابــات أدينــاور العامــة للمحاســبة الذاتيــة وات ّبــاع نهــج متواضــع‬
‫ـداًل مــن االنغــاس يف النزعــة‬ ‫تجــاه مــايض أملانيــا‪ .‬ودعــا إىل مســتقبل أورويب بـ ً‬
‫ـرة عــى الــذات‪ .‬وكان أســلوب أدينــاور يف القيــادة عــى النقيــض‬ ‫القوميــة املتحـ ِّ‬
‫مــن أســلوب هتلــر؛ حيــث كان يطمــح إىل إقامــة حكــم مســامل وآ ِمــن‪ .‬وقــد‬
‫جعلتــه ســمعته والثقــة التــي اكتســبها بالنــأي بنفســه عــن هتلــر‪ ،‬خيــا ًرا طبيع ًّيــا‬
‫لقيادة حزب االتحاد الدميقراطي املسيحي‪.‬‬
‫•أكــد خطــاب قبــول أدينــاور عــى تكويــن اتحــاد أورويب حقيقــي للتغلــب عــى‬
‫النزعــة القوميــة‪ ،‬وقــدم موجـ ًزا إلقامــة رشاكــة يف مجــال السياســة الخارجيــة مــع‬
‫القــوى األجنبيــة املحتلــة وتحالــف مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬وكان نهــج‬
‫رشا إىل تحـ ُّول عميــق يف دور أملانيــا يف تشــكيل‬‫أدينــاور الرباغــايت والرؤيــوي مــؤ ً‬
‫أوروبــا جديــدة مــن خــال اإلجــاع وتوافــق اآلراء‪ ،‬حتــى مــع بقــاء أملانيــا تحــت‬
‫املراقبة واالختبار يف نظر جريانها‪.‬‬
‫خصوصــا‬
‫ً‬ ‫•كانــت أولويــة أدينــاور تتمثــل يف تقويــة العالقــات مــع الغــرب‪،‬‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬مــن أجــل اســتعادة مكانــة أملانيــا يف العــامل‪ .‬وكان‬
‫يهــدف إىل دمــج أملانيــا يف أوروبــا الغربيــة وإعطــاء األولويــة للتعــاون والتصالــح‬
‫بشأن إعادة توحيد الدولة املنقسمة‪.‬‬
‫•تب ّنــى أدينــاور خطــة مارشــال‪ ،‬بوصفهــا وســيلة لتحقيــق الوحــدة الفيدراليــة‬
‫والتعــاون األوروب َّيـ ْـن‪ ،‬ووافــق عــى اتفاقيــة (الــرور) كجــزء مــن هــذه العمليــة؛‬
‫فرَّسهــا عــى أنهــا خطــوة نحــو نظــام اقتصــادي جديــد يف أوروبــا الغربيــة‪.‬‬
‫حيــث َّ‬
‫وكان توجهــه هــو الخضــوع لســيطرة الحلفــاء مؤقتًــا مــن أجــل تحقيــق املســاواة‬
‫عىل املدى الطويل‪.‬‬
‫•رأى االتحــاد الســوفيتي يف إعــادة بنــاء اقتصــاد أملانيــا الغربيــة وبنــاء مؤسســاتها‬
‫رشا‪ .‬ففــي عــام ‪ ،1948‬حــارص االتحــاد الســوفيتي طــرق‬ ‫السياســية تحديًــا مبــا ً‬
‫الوصــول إىل برلــن‪ ،‬متحديًــا اتفاقيــة القــوى األربــع الخاصــة بحكــم املدينــة بعــد‬
‫را جويًّــا‬‫الحــرب العامليــة الثانيــة‪ .‬وأقامــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة جــ ً‬
‫للتغلــب عــى الحصــار‪ .‬وأنهــى االتحــاد الســوفيتي حصــار برلــن يف عــام ‪،1949‬‬
‫لكنــه أنشــأ جمهوريــة أملانيــا الدميقراطيــة (أملانيــا الرشقيــة) يف منطقتهــا وأ ْح َكــم‬
‫تقسيم أملانيا‪.‬‬
‫خصوصــا فرنســا‪ ،‬والدعــوة إىل‬
‫ً‬ ‫•ســعى أدينــاور إىل مصالحــة أملانيــا مــع جريانهــا‪،‬‬
‫التكامــل األورويب‪ .‬وتــم اقـراح جامعــة الدفــاع األوروبيــة‪ ،‬التــي تضمنــت إدمــاج‬
‫وحــدة عســكرية أملانيــة‪ .‬وواجــه أدينــاور معارضــة مــن فرنســا ومــن برملــان‬
‫أملاين ِ‬
‫منقسم‪.‬‬
‫•نجــح أدينــاور يف إعــادة بنــاء القــوات املســلحة األملانيــة‪ ،‬مــا أدى إىل الحصــول‬
‫عــى العضويــة الكاملــة يف حلــف الناتــو وإنهــاء قانــون االحتــال يف عــام ‪.1955‬‬
‫ومــن خــال اسـراتيجية التواضــع والتصالــح‪ ،‬حـ ّول أدينــاور أملانيــا الغربيــة مــن‬
‫حالــة التقســيم مــا بعــد الحــرب إىل االندمــاج الكامــل يف أوروبــا وحلــف الناتــو‪،‬‬
‫محققًــا بذلــك األهــداف التــي حددهــا خــال تنصيبــه مستشــا ًرا لجمهوريــة‬
‫أملانيا االتحادية‪.‬‬
‫خصوصــا فيــا يتعلــق‬
‫ً‬ ‫•كان نهــج أدينــاور األخالقــي يف السياســة الخارجيــة‪،‬‬
‫بتعامــل أملانيــا مــع الشــعب اليهــودي‪ ،‬مع َّق ـ ًدا بســبب الجرائــم النازيــة التــي‬
‫ارت ُ ِكبــت يف حــق اليهــود خــال الهولوكوســت‪ .‬وأقــ َّر بالواجــب األخالقــي‬
‫واملصلحــة الذاتيــة الوطنيــة األملانيــة يف تقديــم تعويضــات للناجــن وورثــة‬
‫الفظائــع النازيــة الوحشــية‪ ،‬غــر أن التزامــه باجتثــاث النازيــة‪ ،‬حينــا كان أيضً ــا‬
‫رئيســا لحــزب االتحــاد الدميقراطــي املســيحي‪ ،‬شـكَّل الكثــر مــن التحديــات ألنــه‬
‫ً‬
‫أث ّر يف جزء كبري من الناخبني‪.‬‬
‫•ركّــز أدينــاور عــى املصالحــة الداخليــة وتعويــض الناجــن مــن الهولوكوســت‬
‫ـداًل مــن االنتقــام‪ .‬ويف عــام ‪ 1951‬طلبــت إرسائيــل تعويضــات قدرهــا ‪ 1.5‬مليــار‬ ‫بـ ً‬
‫دوالر مــن قــوى االحتــال والحكومتــن األملانيتــن‪ .‬ور ّد أدينــاور نيابــة عــن‬
‫الجمهوريــة االتحاديــة‪ ،‬معرتفًــا بالجرائــم املر ّوعــة التــي ارتُ ِكبــت وواجــب أملانيــا‬
‫األخالقي واملادي أن تق ّدم تعويضات‪.‬‬
‫•اتســمت زيــارة أدينــاور إلرسائيــل بالتوتــر بينــه وبــن ورئيــس الــوزراء اإلرسائيــي‪،‬‬
‫ليفــي إشــكول‪ .‬فقــد أكــد إشــكول أن العالقــات األملانية‪-‬اإلرسائيليــة ال ميكــن أن‬
‫تكــون طبيعيــة؛ بســبب الهولوكوســت‪ ،‬يف حــن أكــد أدينــاور ُح ْسـ َن نيــة أملانيــا‪.‬‬
‫ويف أعقــاب اســتعادة أملانيــا لســيادتها واندماجهــا يف النظــام األورويب والــدويل‪،‬‬
‫برزت تحديات جديدة أمام املستشار أديناور‪.‬‬
‫•يتأمــل كيســنجر تجاربــه وتفاعالتــه مــع املستشــار أدينــاور‪ .‬وكان كيســنجر قــد‬
‫هــرب مــن أملانيــا النازيــة مــع عائلتــه وأصبــح فيــا بعــد أكادمي ًّيــا ومستشــا ًرا‬
‫لــدى البيــت األبيــض يف عهــد الرئيــس كينيــدي‪ .‬ويف أواخــر خمســينيات القــرن‬
‫العرشيــن‪ ،‬تعامــل مــع مســؤويل حكومــات أجنبيــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك إدارة أدينــاور؛‬
‫بهــدف صياغــة السياســة األمريكيــة تجــاه أملانيــا التــي أصبحــت جــز ًءا مــن‬
‫حلف الناتو‪.‬‬
‫•وعــى الرغــم مــن إعجــاب كيســنجر بقيــادة أدينــاور‪ ،‬فقــد ظــل قل ًقــا بشــأن‬
‫التأثــر النفــي لتاريــخ أملانيــا العنيــف عــى عمليــة صنــع الق ـرار خــال حقبــة‬
‫الحــرب البــاردة‪ .‬وأشــار إىل اآلثــار النفســية العميقــة يف أملانيــا التــي أفرزتهــا‬
‫خســارة حربَـ ْـن عامليتــن‪ ،‬والثــورات التــي مـ ّرت بهــا‪ ،‬وارتــكاب جرائــم يف الحقبــة‬
‫النازيــة‪ .‬والحــظ ج ـ ًّوا مــن الهســترييا والترصفــات غــر املتّزنــة‪ ،‬ووصــف أملانيــا‬
‫بأنها مرشحة لإلصابة بانهيار عصبي‪.‬‬
‫• يف هــذا القســم مــن الكتــاب (أكتوبــر ‪ ،)1957‬يــرد املؤلــف محادثــة أجراهــا‬
‫مــع املستشــار أدينــاور حــول العالقــات الدوليــة والــردع النــووي‪ ،‬حيــث أكــد‬
‫أدينــاور عــى الطابــع الجوهــري والدائــم للــراع بــن الغــرب واالتحــاد‬
‫الســوفيتي‪ ،‬وحـذّر مــن تقديــم تنــازالت للســوفييت أو األملانيــن الرشقيــن‪ ،‬وأكــد‬
‫ِ‬
‫املنقسم ميكن ت َ َق ُّبله عىل الرغم من التحديات‪.‬‬ ‫أن وضع برلني‬
‫•ناقــش أدينــاور أيضً ــا االنشــقاق املحت َمــل بــن الصــن وروســيا‪ ،‬مل ّم ًحــا إىل أن‬
‫املراقبــن الجاديــن يعتقــدون أن حدوثــه وشــيك‪ .‬ونبّــه إىل أن الوحــدة الغربيــة‬
‫رضوريــة وأن النزاعــات بــن الحلفــاء ينبغــي تج ّنبهــا‪ ،‬يف مواجهــة التحديــات‬
‫ـب أدينــاور وجهــة النظــر هــذه إىل املؤلــف‪ ،‬عــى الرغــم‬ ‫العامليــة املتطــورة‪ .‬ون ََسـ َ‬
‫مــن أن االنشــقاق الصيني‪-‬الســوفيتي مل يكــن متوقَّ ًعــا عــى نطــاق واســع يف ذلــك‬
‫الوقت‪.‬‬
‫•كان الرتكيــز األســايس للمحادثــة منصبًّــا عــى موثوقيــة الضــان النــووي األمريــي‪.‬‬
‫وقــد عـ ّـر أدينــاور عــن قلقــه تجــاه مــا إذا كانــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬
‫ســتجازف حقًّــا بالدمــار النــووي دفا ًعــا عــن حلفائهــا‪ .‬وطــ َرح ســيناريوهات‬
‫افرتاضيــة الختبــار العزميــة الرئاســية األمريكيــة‪ ،‬مثــل املخاطــرة بدمــار نــووي يف‬
‫األشــهر األخــرة مــن واليــة أي رئاســة أو بعــد انفجــار قنبلــة هيدروجينيــة يف‬
‫مدينة أمريكية كربى‪.‬‬
‫•يصــف املؤلــف محادثــة جــرت يف ‪ 18‬مايــو ‪ 1961‬مــع املستشــار أدينــاور‪ ،‬عــى‬
‫خلفيــة مشــهد ســيايس متغــر‪ .‬فقــد مثَّــل جــون إف كينيــدي‪ ،‬الرئيــس األمريــي‬
‫الجديــد‪ ،‬فاصـ ًـا بــن األجيــال وكان يجابــه تحديــات إدارة األهــداف العامليــة‪ ،‬مبــا‬
‫فيها طأمنة أملانيا املهزومة‪.‬‬
‫•ســعى أدينــاور وكينيــدي إىل تحقيــق أهــداف مهمــة‪ ،‬ولكــن منه َجيْهــا كانــا‬
‫مركَّ َزيْــن يف نقــاط انطــاق مختلفــة‪ .‬فقــد تــوىل أدينــاور منصبــه عندمــا كانــت‬
‫أملانيــا يف أدىن وضــع لهــا‪ ،‬وكان يســعى إلعــادة بنــاء القيــم الدميقراطيــة وســط‬
‫فــوىض االستســام غــر املــروط‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬جــاءت رئاســة كينيــدي يف ذروة‬
‫القــوة األمريكيــة والثقــة بالنفــس‪ ،‬مــع إميــان صــارم باملهمــة اإللهيــة للواليــات‬
‫املتحدة األمريكية القامئة عىل القيم الدميقراطية والقوة املهيمنة‪.‬‬
‫•ملعالجــة مخــاوف أدينــاور‪ ،‬تــم ترتيــب جلســة إحاطــة خاصــة‪ ،‬ترأّســها املؤلــف‪،‬‬
‫تركِّــز عــى السياســة األمنيــة األمريكيــة والقــدرات النوويــة‪ .‬لقــد تغـ ّـر موقــف‬
‫أدينــاور‪ ،‬املتشــكك يف البدايــة؛ بســبب اإلحاطــة التــي أكــدت قــوة القــوات‬
‫النوويــة األمريكيــة الســاحقة‪ ،‬مقارنــة بالســوفييت‪ .‬وتغـ ّـرت نظرتــه وأعـ َرب عــن‬
‫امتنانه لقوة الواليات املتحدة األمريكية يف الدفاع عن الحرية‪.‬‬
‫•وجــد الشــعب األملــاين نفســه منقسـ ًـا بعــد الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬بتقســيم‬
‫البــاد إىل أملانيــا الرشقيــة الشــيوعية وأملانيــا الغربيــة الدميقراطية‪ .‬وكانت سياســة‬
‫أدينــاور تقــوم عــى التعامــل مــع هــذا التقســيم عــى أنــه مؤقّــت‪ ،‬متوق ًعــا‬
‫توحيــد البلديــن يف نهايــة املطــاف مــن خــال تفكيــك دائــرة النفــوذ الســوفيتي‪،‬‬
‫والنمــو االقتصــادي للجمهوريــة االتحاديــة‪ ،‬وقــوة الحلــف األطلــي‪ ،‬والتوت ـرات‬
‫الداخليــة داخــل حلــف وارســو‪ .‬لقــد ظــل توحيــد األملانيتَـ ْـن قضيــة سياســية‬
‫رئيســية يف أملانيــا الغربيــة‪ ،‬وأدت الضغــوط الســوفيتية باســتخدام وعــد التوحيــد‬
‫إىل تعقيد الوضع‪.‬‬
‫•تهــدف سياســة أدينــاور إىل الحفــاظ عــى عالقــات وثيقــة مــع الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة‪ ،‬واالندمــاج يف أوروبــا‪ ،‬وتقويــة الحلــف األطلــي‪ .‬وكان يعتقــد أن‬
‫وضــع برلــن‪ ،‬بوصفهــا العاصمــة التاريخيــة ألملانيــا‪ ،‬ال ينبغــي التفــاوض حولــه‬
‫عــى حســاب التقســيم املؤقَّــت‪ .‬لكــن الحــزب الدميقراطــي االش ـرايك األملــاين‪،‬‬
‫الــذي يواجــه هزائــم انتخابيــة ويتأثــر مبنــاورات خروتشــوف‪ ،‬بــدأ يغـ ّـر موقفــه‬
‫تجــاه املفاوضــات مــع أوروبــا الرشقيــة وأملانيــا الرشقيــة‪ ،‬وكان هــذا إيذانًــا‬
‫ببداية اسرتاتيجية السياسة الرشقية ‪.Ostpolitik‬‬
‫•يــدرس القســم الــذي عنوانــه «املحادثــات النهائيــة» منظــور أدينــاور مــا بعــد‬
‫تن ّحيــه عــن منصــب املستشــار‪ ،‬وأفــكاره حــول مســتقبل أملانيــا‪ ،‬والقيــادة‪ ،‬وحرب‬
‫فيتنــام‪ ،‬وأهميــة الحلــف األطلــي‪ :‬تن ّحــى أدينــاور يف عــام ‪ 1963‬بعــد ‪ 14‬عا ًمــا‬
‫أمضاهــا يف منصــب املستشــار‪ .‬وعــى العكــس مــن بعــض القــادة الذيــن ظلــوا‬
‫مرتبطــن بأدوارهــم الســابقة‪ ،‬بــدا أدينــاور منفصـ ًـا عــن القضايــا املبــارشة وأكــر‬
‫تركي ًزا عىل االتجاهات الطويلة األجل يف أملانيا‪.‬‬
‫•كان أدينــاور قــد ناقــش مخاوفــه بشــأن تصــ ّور أملانيــا لذاتهــا واســتمراريتها‬
‫التاريخيــة‪ ،‬وذلــك خــال محادثــة يف ينايــر ‪ ،1967‬قبــل وقــت قصــر مــن وفاتــه‪.‬‬
‫وكان يعتقــد أن أملانيــا كانــت مضطربــة ليــس فقــط بســبب ماضيهــا النــازي‪ ،‬بــل‬
‫أيضً ــا بســبب غيــاب الرؤيــة والوعــي التاريخــي‪ .‬وتوقّــع أن ردود أفعــال أملانيــا‬
‫عىل التطورات الطارئة يف التاريخ ميكن أن تؤدي إىل عدم استقرار دائم‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬شارل ديغول ‪ -‬اسرتاتيجية‬
‫اإلرادة‬
‫•عندمــا زار نيكســون باريــس‪ ،‬رحــب بــه الرئيــس الفرنــي‪ ،‬شــارل ديغــول‪،‬‬
‫شــخصيًّا يف املطــار ورفــع املناســبة إىل مســتوى زيــارة رســمية‪ .‬وركّــز ديغــول يف‬
‫كلمتــه الرتحيبيــة عــى املصلحــة الوطنيــة الفرنســية واحرتامــه الشــخيص‬
‫لنيكســون‪ ،‬مــن دون أن يذكــر العبــارات التــي كانــت ســائدة بــن القــادة اآلخرين‬
‫يف العواصــم األوروبيــة‪ ،‬مثــل حلــف الناتــو أو الســوق املشــركة‪ .‬وخــال حفــل‬
‫اســتقبال يف اإلليزيــه‪ ،‬واجــه ديغــول نيكســون بشــأن حــرب فيتنــام‪ ،‬وتحــ َّول‬
‫حديثهام إىل املصداقية األمريكية الدولية والرشق األوسط‪.‬‬
‫•اختلفــت مبــادئ ديغــول عــن مبــادئ الرؤســاء األمريكيــن الســابقني‪ ،‬باعرتاضهــا‬
‫عــى السياســات األطلســية‪ .‬ودعــا نيكســون أســتاذًا للتاريــخ للتعليــق‪ ،‬مــا أدى إىل‬
‫مناقشــة حــول بســارك وهيمنــة أملانيــا يف أوروبــا‪ .‬ويف عــام ‪ ،1940‬بعــد هزميــة‬
‫القــوات الفرنســية يف الرنويــج‪ ،‬حـ ّـل بــول رينــو محـ ّـل إدوارد داالديــه يف رئاســة‬
‫الــوزراء‪ .‬ومتــت ترقيــة ديغــول‪ ،‬الــذي كان آنــذاك عســكريًّا محرتفًــا غــر معــروف‬
‫وكياًل لوزارة الدفاع‪.‬‬
‫إال لقليل من الناس‪ ،‬واختاره رينو ً‬
‫•عندمــا واجهــت فرنســا الغــزو األملــاين‪ ،‬طــار ديغــول إىل لنــدن يف ‪ 18‬يونيــو ‪1940‬؛‬
‫حيــث ألقــى خطابًــا جريئًــا عــى الـــ (يب يب يس) أعلــن فيه تشــكيل حركــة مقاومة‬
‫ضــد سياســات الحكومــة الفرنســية‪ .‬ودفــع استســام فرنســا ديغــول إىل الســعي‬
‫الستعادة السيادة الفرنسية من خالل حركة الفرنسيني األحرار‪.‬‬
‫•يف ‪ 23‬يونيــو‪ ،‬خاطــب ديغــول املارشــال بيتــان‪ ،‬رئيــس فرنســا الفيشــية‪ ،‬منتق ـ ًدا‬
‫وقــف إطــاق النــار ومنفصـ ًـا رســم ًّيا عــن الحكومــة الفرنســية‪ .‬واعــرف ترششــل‬
‫زعيــا للفرنســيني األحــرار يف ‪ 28‬يونيــو‪ ،‬األمــر الــذي عــ ّزز العالقــة‬
‫ً‬ ‫بديغــول‬
‫وســمح للفرنســيني األح ـرار بالعمــل عــى نحــو مســتقل تحــت القيــادة العليــا‬
‫الربيطانية أو القيادة العليا للحلفاء‪.‬‬
‫•شـكّل االعـراف نقطــة تحــول يف قيــادة ديغــول لحركــة الفرنســيني األحـرار وم ّهــد‬
‫الطريق لجهودهم من أجل استعادة سيادة فرنسا واملشاركة يف تحرير البالد‪.‬‬
‫•يصــف الكتــاب حيــاة شــارل ديغــول املبكــرة وخرباتــه‪ ،‬موض ًحــا دوره كجنــدي‬
‫ماهــر ومحلــل اسـراتيجي قبــل عــام ‪ .1940‬فقــد أصيــب خــال الحــرب العامليــة‬
‫األوىل وأُ ِرِس الح ًقــا‪ .‬وعندمــا كان يف الســجن‪ ،‬تعلّــم اللغــة األملانيــة ودرس الصحف‬
‫األملانية وانخرط يف نقاشات حول االسرتاتيجية العسكرية‪.‬‬
‫•تضمنــت رؤى ديغــول التنبُّ ِئيّــة خــال الحــرب توقُّ َعــه مشــاركة الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة يف النهايــة واالعـراف بأهميــة االصطفــاف مــع القــوى املنتــرة‪ .‬وكان‬
‫الوحيد بني أقرانه العسكريني الفرنسيني يف صحة تحليله‪.‬‬
‫•ط ـ ّور ديغــول أســلوبًا تحويليًّــا يف القيــادة يتميــز باســتحضار الــرؤى املتجــاوزة‬
‫للواقــع وإقنــاع اآلخريــن بقبولهــا‪ .‬وكان يــرى أن السياســة ليســت فــن املمكــن‪،‬‬
‫بل فن اإلرادة‪.‬‬
‫•بعــد ذلــك يناقــش كيســنجر قيــادة ديغــول وأفعالــه خــال الحــرب العامليــة‬
‫الثانيــة‪ ،‬بوصفــه قائـ ًدا للفرنســيني األحـرار‪ .‬ويف صيــف عــام ‪ ،1940‬عندمــا أخضــع‬
‫هتلــر أوروبــا وكانــت فرنســا تحــت االحتــال األملــاين‪ ،‬أعلــن ديغــول نفســه قائـ ًدا‬
‫يجســد الوحــدة الوطنيــة يف‬
‫لفرنســا الحــرة‪ .‬وجــاءت رشعيتــه مــن اقتناعــه بأنــه ّ‬
‫أوقات الخطر‪.‬‬
‫•كانــت ثقــة ديغــول بنفســه قــد مكّنتــه مــن التفــاوض مــع قــادة‪ ،‬مثــل ترششــل‬
‫وروزفلــت وســتالني؛ لتأمــن مكانــة فرنســا يف أوروبــا امل ُعاد تشــكيلُها‪ .‬وباالســتعانة‬
‫مبجموعــة صغــرة مــن املستشــارين وقــوة عســكرية محــدودة‪ ،‬ركّــز ديغــول عــى‬
‫إنشــاء قاعــدة للرشعيــة مــن خــال اســتقطاب قــوات اإلمرباطوريــة الفرنســية‬
‫املقاتلــة للوقــوف إىل جانــب الفرنســيني األحــرار‪ ،‬وكان يهــدف إىل تحريــر‬
‫املســتعمرات مــن ســيطرة فيــي لــي يضــع األســاس لنهــوض فرنســا يف حقبــة‬
‫السالم ما بعد الحرب‪.‬‬
‫•كان ســلوك ديغــول ناب ًعــا مــن مفهــوم «العظمــة» لديــه؛ وهــو داف ـ ٌع للتفــوق‬
‫صبــغ الســلوك الفرنــي عــر التاريــخ‪ .‬ويوضــح القســم التــايل الرصاعــات املع َّقــدة‬
‫عــى الســلطة واملنــاورات السياســية التــي انخرطــت فيهــا شــخصيات فرنســية‬
‫مختلفــة خــال وبعــد غــزو الحلفــاء لشــال أفريقيــا يف نوفمــر ‪ 1942‬يف عمليــة‬
‫ُعرفت باسم «عملية الشُّ علة» يف الحرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫ـي املغــرب‬‫•بعــد ذلــك الغــزو‪ ،‬هبطــت القــوات األمريكيــة والربيطانيــة يف دولتَـ ْ‬
‫والجزائــر الفرنســيتني‪ .‬وأدت األهميــة االسـراتيجية للجزائــر إىل بــروز أســئلة عــن‬
‫إدارة فرنســا نفســها‪ .‬وا ّدعــى شــارل ديغــول‪ ،‬زعيــم الفرنســيني األحـرار‪ ،‬القيــادة‪،‬‬
‫غــر أن الحلفــاء مل يخــروه بخططهــم وجــاؤوا ُمبنا ِفــس ممكــن‪ ،‬الج ـرال هــري‬
‫جريو‪ ،‬إىل الجزائر‪.‬‬
‫•عندمــا هبــط الحلفــاء يف الــر الفرنــي الرئيــي يف عــام ‪ ،1944‬تحـ ّول ديغــول مــن‬
‫زعيــم مه َّمــش إىل الشــخصية التــي ال نــزاع حولهــا لقيــادة الفرقــة العســكرية‬
‫الفرنســية التابعــة للحلفــاء والزعيــم املحت َمــل للحكومــة‪ ،‬وكانــت فراســته وعزميتــه‬
‫السياسيتان عامل َْنْي محوريَّ ْنْي يف صوغ مسار فرنسا خالل هذه الفرتة الحرجة‪.‬‬
‫•ينتقــل الكتــاب إىل مناقشــة الفــرة املحيطــة بتحريــر فرنســا خــال الحــرب‬
‫العامليــة الثانيــة‪ ،‬بالرتكيــز عــى جهــود الج ـرال شــارل ديغــول لتثبيــت ســلطته‬
‫السياســية وصياغــة رسديــة تحريــر فرنســا‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن الحلفــاء الغربيني‬
‫تق ّبلــوا ســيطرة ديغــول عــى الجيــش الفرنــي املوجــود‪ ،‬فقــد كانــوا مرتدديــن يف‬
‫معاملتــه كرشيــك عــى قَــ َدم املســاواة يف تحديــد شــكل الحكومــة الفرنســية‬
‫املستقبلية‪.‬‬
‫•يف يونيــو ‪ ،1944‬قــام ديغــول بزيــارة سياســية إىل نورمانــدي‪ ،‬بعــد وقــت قصــر‬
‫مــن هبــوط الحلفــاء فيهــا؛ بهــدف ترســيخ وجــوده واســتحداث مكانـ ٍة النتصــار‬
‫فرنــي منقطــع النظــر‪ .‬وقــد قلَّــل مــن قيمــة إســهامات القــوات الربيطانيــة‬
‫واألمريكية ليؤكد عىل الدور الفرنيس‪.‬‬
‫•مــن خــال الخُطــب واألفعــال خــال تحريــر باريــس‪ ،‬عــ ّزز ديغــول رشعيتــه‬
‫بوصفــه قائـ ًدا‪ .‬وتـ ّم دمــج املقاومــة يف الحكومــة املؤقتــة الجديــدة‪ ،‬مــا يعكــس‬
‫هــدف ديغــول املتمثــل يف تحقيــق الوحــدة الوطنيــة‪ .‬وكان إميانــه بأهميــة‬
‫الوحــدة لتعــايف فرنســا مــا بعــد الحــرب قــد دفعــه إىل تركيــز جهــوده لتأســيس‬
‫دولة قوية موحدة‪.‬‬
‫•ينتقــل الكتــاب إىل وصــف أفعــال الجـرال شــارل ديغــول ومفاوضاتــه بعــد إقامــة‬
‫حكومتــه املؤقتــة يف فرنســا بعــد تحريرهــا يف عــام ‪ .1944‬وســارع ديغــول إىل‬
‫تأســيس النظــام يف فرنســا؛ حيــث وا َز َن بــن األفعــال الثأريــة ضــد قــادة فيــي‬
‫واملتعاطفــن مــع النازيــة وأعــال العفــو‪ .‬وكان يهــدف إىل إيجــاد نظــام رئــايس‬
‫قوي يستطيع توحيد األمة مبا يتجاوز انقسامات الجمهورية الثالثة‪.‬‬
‫•كان ســفر ديغــول إىل موســكو يف نوفمــر ‪ 1944‬يهــدف إىل اســتعادة النفــوذ‬
‫الدبلومــايس الــدويل لفرنســا‪ ،‬والســعي إىل توطيــد فرنســا‪ ،‬بصفتهــا دولــة فاعلــة‬
‫متوســل يحــاول الدخــول يف‬ ‫مســتقلة لهــا خياراتهــا الخاصــة‪ ،‬وليســت مجــرد ِّ‬
‫املؤمت ـرات الدوليــة‪ .‬ويف املناقشــات مــع ســتالني‪ ،‬اقــرح ديغــول إعــادة تشــكيل‬
‫أوروبا الوسطى‪ ،‬مبا فيها األرايض األملانية التي ت ّم التنازل عنها لفرنسا‪.‬‬
‫•يصــف هــذا القســم قيــادة شــارل ديغــول لفرنســا الحــرة وجهــوده إلعــادة بنــاء‬
‫دولــة فرنســية قويــة ورشعيــة‪ .‬وكان هــدف ديغــول هــو اســتعادة النظــام بعــد‬
‫التحريــر‪ ،‬وترســيخ فرنســا كرشيــك عــى قَ ـ َدم املســاواة مــع الحلفــاء‪ ،‬وتأمــن‬
‫هويــة فرنســية قويــة‪ .‬وكان يؤمــن مبفهــوم الدولــة‪ ،‬بوصفهــا ميثاقًــا بــن األجيــال‪،‬‬
‫يف ترديــد لفكــرة إدمونــد بــرك عــن املجتمــع‪ ،‬بوصفــه رشاكــة بــن أجيــال املــايض‬
‫والحارض واملستقبل‪.‬‬
‫•كانــت قيــادة ديغــول خــال الحــرب‪ ،‬وتأكيــده عــى وجــود بديــل فرنــي دويل‬
‫للدولــة الفيشــية وتصميمــه عــى القتــال مــن أجــل الهويــة الفرنســية‪ ،‬عوامــل‬
‫أســهمت يف أســطورة االســتمرارية بتصويــر فرنســا الحــرة عــى أنهــا اســتمرار‬
‫حقيقــي للدولــة الفرنســية‪ .‬وقلّــل مــن أهميــة فيــي‪ ،‬األمــر الــذي مكّنــه مــن‬
‫تفكيك الجامعات املتشددة وإقامة نظام عدالة أكرث اتساقًا‪.‬‬
‫•يف املســائل العســكرية‪ ،‬أعطــى ديغــول األولويــة لالعتبــارات السياســية أكــر مــن‬
‫االعتبــارات العســكرية امل َ ْحضَ ــة‪ .‬وعــا َر َض ســحب القــوات الفرنســية مــن‬
‫سرتاســبورغ حتــى عندمــا أوىص الحلفــاء بــه؛ وذلــك بســبب األهميــة التاريخيــة‬
‫للمدينــة‪ .‬وقــد تــ ّم حــل هــذا النــزاع مبوافقــة أيزنهــاور عــى الســاح ببقــاء‬
‫تحسن الظروف العسكرية‪.‬‬ ‫القوات الفرنسية يف املدينة وبفضل ّ‬
‫•فُوجــئ الكثــرون باســتقالة ديغــول يف ينايــر ‪ .1946‬وكان قـراره بتقديــم اســتقالته‬
‫متأثـ ًرا باحتقــاره للحكــم الــذي تهمــن عليــه األحـزاب ورغبتــه يف تحقيــق رؤيتــه‬
‫املتمثلــة يف إقامــة ســلطة مركزيــة ذات رشعيــة واســعة‪ .‬وأعــرب عــن أملــه يف أن‬
‫يــؤدي تنحيــه إىل دفــع القيــادة السياســية إىل االعـراف بأنــه شــخص ال غنــى عنــه‬
‫وأن تُصلِح أساليبها‪.‬‬
‫•كانــت اســتقالة ديغــول املفاجئــة‪ ،‬بعــد قيادتــه لفرنســا الحــرة‪ ،‬قــد أكــدت‬
‫اســتعداده لقطــع عالقتــه مــع فرنســا الرســمية إذا مل تَ ُعــد قناعاتــه متامشــي ًة مــع‬
‫توجههــا‪ ،‬لذلــك كان اختيــاره أن «أنســحب مــن األحــداث قبــل أن تنســحب‬
‫بواســوري» يف كومونــة‬
‫منــي»‪ .‬واســتقر يف منــزل ريفــي بســيط يســمى «ال ّ‬
‫كولومبــي يل دي زغليــز‪ ،‬بعي ـ ًدا عــن مركــز الســلطة السياســية‪ .‬وكانــت صــورة‬
‫ديغــول كرجــل اختــاره الق ـ َدر وزاهـ ٍـد يف الســلطة يف ح ـ ِّد ذاتهــا‪ ،‬تتــاىش مــع‬
‫حياته املعزولة خالل هذه الفرتة‪.‬‬
‫•يناقــش الكتــاب تجربتــن مهمتــن بعــد الحــرب اختربتــا نفــوذ الجمهوريــة الرابعة‬
‫وموقفهــا تجــاه مجــاالت االهتــام الجيوســيايس الســابقة بالنســبة إىل فرنســا‪.‬‬
‫فقــد اســتعمرت فرنســا الهنــد الصينيــة خــال الفــرة مــن عــام ‪ 1862‬إىل عــام‬
‫‪ ،1907‬وأصبحــت خــال الحــرب العامليــة الثانيــة تحــت اإلدارة اليابانيــة‬
‫والفيشــية‪ .‬وح ـذّر ديغــول الواليــات املتحــدة األمريكيــة الح ًقــا مــن التدخــل يف‬
‫رصح بــأن فرنســا لــن تعــارض التدخــل األمريــي‬ ‫املنطقــة بنــا ًء عــى تجربتــه‪ ،‬و ّ‬
‫ولكنها لن تشارك ما مل تندلع حرب عاملية‪.‬‬
‫•يف عــام ‪ ،1956‬اســتوىل جــال عبــد النــارص عــى الســلطة يف مــر‪ ،‬مــا أدى إىل‬
‫زيــادة العالقــات املرصية‪-‬الســوفيتية وتأميــم قنــاة الســويس اململوكــة لفرنســا‬
‫وســ َعت بريطانيــا إىل اســتعادة عالقتهــا املتميــزة مــع الواليــات‬ ‫وبريطانيــا‪َ .‬‬
‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬يف حــن تنامــى إحبــاط فرنســا‪ ،‬األمــر الــذي أحـ َدثَ َص ْد ًعــا‬
‫داخــل الحلــف األطلــي اســتمر حتــى عــودة ديغــول‪ .‬ويســلط الكتــاب الضــوء‬
‫عــى الديناميكيــات املعقَّــدة املحيطــة بالجزائــر وعــودة شــارل ديغــول إىل‬
‫السلطة يف فرنسا‪.‬‬
‫خاصــا بــن األقاليــم‬
‫عطيــت وض ًعــا ًّ‬ ‫•احتلــت فرنســا الجزائــر يف عــام ‪ 1830‬وأُ ِ‬
‫الفرنســية الخارجيــة‪ .‬وبحلــول خمســينيات القــرن العرشيــن‪ ،‬كانــت الجزائــر‬
‫تضــم نحــو مليــون مســتوطن‪ ،‬معظمهــم مــن أصــل فرنــي وجنــوب أورويب‪.‬‬
‫وكان يُنظَــر إىل الجزائــر يف البدايــة عــى أنهــا تجســيد إلب ـراز القــوة الفرنســية‪،‬‬
‫ولك ـ ّن َوض َعهــا تغـ ّـر عندمــا بــدأت جبهــة التحريــر الوطنــي الجزائريــة تش ـ ّن‬
‫هجــات بطريقــة حــرب العصابــات مــن أجــل إقامــة دولــة مســتقلة‪ .‬وأعلــن‬
‫رئيــس الــوزراء منديــس فرانــس‪ ،‬ارتبــاط الجزائــر املتكامــل بفرنســا‪ ،‬لكــن التمــرد‬
‫اشــتد‪ ،‬وغضــب املســتوطنون مــن عــدم قــدرة الحكومــة الفرنســية يف باريــس‬
‫عــى حاميتهــم‪ ،‬فش ـكّلوا مجموعــات حراســة أهليــة‪ ،‬وحــدث اســتياء عســكري‬
‫وازداد االستقطاب‪.‬‬
‫•اتخــذ ديغــول موض ًعــا لنفســه بطريقــة ماهــرة؛ حيــث مل يســتو ِل عــى الســلطة‬
‫ومل يصطـ ّـف مــع أي فصيــل بعينــه‪ .‬فقــد كان يريــد إقامــة دولــة دســتورية قويــة‬
‫ميكنهــا اســتعادة النظــام وإعــادة الجيــش إىل الثكنــات‪ .‬ونــا َو َر الفصائــل املختلفــة‬
‫حتــى أقنعهــا بــأن ترشــيحه هــو الحــل األفضــل إلزالــة مخاوفهــا‪ .‬وقــام الرئيــس‬
‫رينيــه كــويت بدعــوة ديغــول ليصبــح آخــر رئيــس وزراء يف الجمهوريــة الرابعــة‪.‬‬
‫فوضــع ديغــول دســتو ًرا جديـ ًدا وحــدد رؤيتــه لفرنســا‪ :‬إصــاح دســتوري‪ ،‬وحــل‬
‫القضايــا االســتعامرية‪ ،‬وصياغــة اســراتيجية عســكرية ودبلوماســية قويــة‪،‬‬
‫خصوصا الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحامية هذه االسرتاتيجية ضد الحلفاء‪،‬‬
‫•يل ّخــص الكتــاب نهــج شــارل ديغــول االس ـراتيجي تجــاه الجزائــر وجهــوده إلعــادة‬
‫صياغــة الحكــم الفرنــي والعالقــات االســتعامرية‪ .‬فقــد حــدد ديغــول ثالثــة عوامــل‬
‫تغــر النظــام الســيايس الفاقــد للمصداقــة‪،‬‬
‫رئيســية الســتعادة االســتقرار‪ ،‬هــي‪ّ :‬‬
‫واستعادة مبدأ الطاعة العسكرية‪ ،‬ووضع نفسه يف موضع وسيط التغيري‪.‬‬
‫•عندمــا تــوىل ديغــول منصبــه‪ ،‬كان ال بــد مــن تحويــل غموضــه التكتيــي األ ّويل إىل‬
‫خطــة اسـراتيجية‪ .‬وكانــت اإلدارة الفرنســية املع َّقــدة يف الجزائــر والحــرب الدائرة‬
‫قــد حتّمــت إحــداث تح ـ ّول تدريجــي‪ ،‬وليــس تغي ـرات مفاجئــة‪ .‬وأدى الت ـزام‬
‫الجيــش بالحفــاظ عــى الجزائــر الفرنســية إىل وصولــه إىل الســلطة‪ ،‬وكان يعتقــد‬
‫أن إرجاع الجيش إىل مبادئ السياسة الوطنية يتطلب عملية تدريجية‪.‬‬
‫•أدخــل ديغــول مفهــوم «املجتمــع الفرنــي» ملعالجــة الجــداالت الدســتورية بــن‬
‫القــادة األفارقــة‪ .‬وميكــن للمســتعمرات االنضــام إىل هــذا املجتمــع‪ ،‬أو االحتفــاظ‬
‫بروابــط مــع فرنســا‪ ،‬أو اختيــار االســتقالل الفــوري‪ .‬واختــار معظمهــا البقــاء يف‬
‫املجتمــع الفرنــي‪ ،‬مــا ع ـ ّزز النفــوذ الفرنــي‪ .‬وانخــرط ديغــول يف حملــة عــر‬
‫القارات يف عام ‪ 1958‬لتأمني الدعم األفريقي لهذا املفهوم‪.‬‬
‫•يف عــام ‪ ،1959‬حــدد ديغــول خيــارات الجزائــر عــى التلفزيــون‪ ،‬وهي‪ :‬االســتقالل‪،‬‬
‫و»الف ْرنَســة» (االندمــاج)‪ ،‬وحكومــة يقودهــا الجزائريــون مبســاعدة فرنســية‬
‫(مشــاركة)‪ .‬وكان يفضِّ ــل الخيــار الثالــث‪ ،‬مــع االعــراف بإمكانيــة االنفصــال‬
‫الكامــل للجزائــر‪ .‬ووا َج ـ َه معارضــة مــن املســتعمرين الفرنســيني وكابَ ـ َد أحداثًــا‬
‫مثل متاريس الجزائر العاصمة‪ ،‬ومحاولة انقالبية يف عام ‪.1961‬‬
‫•ظهــرت قيــادة ديغــول الكاريزميــة عندمــا أمــر بإزالــة املتاريــس وه ـ َّدأ الوضــع‪.‬‬
‫رسا عــى اتفاقيــات إيفيــان بــن الــوزراء الفرنســيني‬ ‫ويف عــام ‪ 1962‬تــم التفــاوض ًّ‬
‫وممثِّــي جبهــة التحريــر الوطنــي الجزائريــة‪ ،‬مــا أدى إىل اســتقالل الجزائــر‪.‬‬
‫وحظيــت االتفاقيــات بالتأييــد يف اســتفتاء أُجــري يف فرنســا والجزائــر‪ ،‬ولكــن‬
‫حقوق املعادن املوعودة مل تتحقق‪.‬‬
‫•يف ســبتمرب ‪ ،1958‬اتخــذ شــارل ديغــول خطــوة مهمــة يف إعــادة صياغــة العالقــات‬
‫الفرنســية‪-‬األملانية‪ ،‬وذلــك بعــد ثالثــة أشــهر فقــط مــن تولّيــه منصــب رئيــس‬
‫الــوزراء‪ .‬فمــن الناحيــة التاريخيــة‪ ،‬كانــت فرنســا وأملانيــا عد َّويْــن تقليديــن‪،‬‬
‫ولكــن ديغــول ابتــدر تغيـ ًرا بتوجيــه دعوة إىل املستشــار األملــاين‪ ،‬كونـراد أديناور‪،‬‬
‫بواســوري» يف كومونــة كولومبــي يل‬ ‫لزيــارة رسيعــة غــر مســبوقة يف مقــره «ال ّ‬
‫دي زغليز‪.‬‬
‫•ســعى ديغــول إىل تغيــر كامــل تجــاه العــداوة التاريخيــة بــن بلديهــا‪ ،‬بــداًلً مــن‬
‫الرتكيــز عــى اتفاقيــات معينــة‪ .‬واقــرح تقديــم الدعــم الفرنــي إلعــادة تأهيــل‬
‫أملانيــا وســعيها المتــاك هويــة أوروبيــة‪ .‬ويف مقابــل ذلــك‪ ،‬طالَــب أملانيــا بقبــول‬
‫الحــدود األوربيــة القامئــة‪ ،‬وإنهــاء ســعي أملانيــا إىل الهيمنــة عــى أوروبــا‪،‬‬
‫باإلضافــة إىل رشوط أخــرى‪ ،‬مثــل حســن النيــة يف العالقــات مــع الــرق‪ ،‬ونبــذ‬
‫األسلحة الذرية‪ ،‬والتمهل بشأن إعادة توحيد أملانيا‪.‬‬
‫•كانــت نظــرة ديغــول إىل العالقــات الدوليــة مختلفــة اختالفًــا ملحوظًــا بســبب‬
‫تجــارب فرنســا التاريخيــة‪ ،‬فقــد رأى أن التعــاون بــن الــدول يشء غــر طبيعــي؛‬
‫متأصــل‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن واشــنطن ســعت إىل‬ ‫إميانًــا منــه بــأن املنافســة أمـ ٌر ِّ‬
‫إقامــة كيــان تحالفــي لتشــجيع العمــل املشـرَك والحــد مــن املبــادرات املســتقلة‪،‬‬
‫فقــد أكــد ديغــول أهميــة الحفــاظ عــى حريــة العمــل الفرنســية والهويــة‬
‫الفرنسية‪ ،‬حتى داخل أوروبا املو َّحدة‪.‬‬
‫•كان موقــف ديغــول الحــازم نتا ًجــا للثقــة الشــخصية‪ ،‬والوعــي التاريخــي‪ ،‬وضعف‬
‫فرنســا‪ .‬وقــد تشـكّك فيــا إذا كان بإمــكان الواليــات املتحــدة األمريكيــة االلتـزام‬
‫خصوصــا فيــا يتعلــق باألســلحة النوويــة‪.‬‬‫ً‬ ‫بالدفــاع األورويب إىل مــا ال نهايــة‪،‬‬
‫ورفــض اقرتاحــات االنســحاب املتناســق للقــوات األمريكيــة مــن أوروبــا الوســطى؛‬
‫ألن ذلك سيرتك فرنسا ُعرض ًة للخطر‪.‬‬
‫ـويّل ديغــول منصبــه‪ ،‬أعطــى األولويــة لتطويــر الربنامــج النــووي العســكري‬ ‫•فــور تـ ّ‬
‫الفرنــي‪ ،‬واقــرح إعــادة تنظيــم اسـراتيجية حلــف الناتــو النوويــة‪ ،‬داع ًيــا إىل ترتيــب‬
‫ثــايث بــن فرنســا وبريطانيــا والواليــات املتحــدة األمريكيــة؛ بحيــث مينــح هــذا‬
‫الرتتيــب كل دولــة حـ ّـق النقــض بشــأن اســتخدام األســلحة النوويــة مــا مل تكــن ر ًّدا‬
‫عــى هجــوم مبــارش‪ ،‬وتقــوم إدارة هــذا الرتتيــب بوضــع اسـراتيجية مشــركة ملناطــق‬
‫خارج أوروبا‪ ،‬إال أن هذا االقرتاح مل يجد أ َّي ر ٍّد من أيزنهاور وماكميالن‪.‬‬
‫•ســعى ديغــول إىل بنــاء رادع نــووي مســتقل لتقويــة مكانــة فرنســا يف العــامل‪.‬‬
‫وكان يؤمــن بأنــه مــن املهــم لفرنســا أن تكــون قويــة وأن تحافــظ عــى ســيادتها‪،‬‬
‫خصوصــا يف مواجهــة التهديــدات املحت َملــة‪ .‬وبحلــول عــام ‪ ،1968‬أجــرت فرنســا‬
‫ً‬
‫أول اختبار نووي حراري لها‪ ،‬األمر الذي ع ّزز مكانتها كقوة نووية مكتملة‪.‬‬
‫•أدى ظهــور األســلحة النوويــة إىل تغيــر األهــداف التقليديــة للتحالفــات‪ ،‬فالــدول‬
‫التــي تعتمــد عــى الضامنــات النوويــة‪ ،‬مثــل تلــك التــي تعتمــد عــى الضامنــات‬
‫األمريكيــة‪ ،‬مل تجــد حاجــة إىل نــر قــوات إضافيــة وجعلــت مــن مصداقيــة هــذه‬
‫الضامنــات محــو ًرا ألمنهــا‪ .‬واجتــاز ديغــول حــاالت الغمــوض وانعــدام اليقــن يف‬
‫هذا املشهد الجديد‪.‬‬
‫•ســعى ديغــول إىل إنشــاء رادع نــووي فرنــي مســتقل؛ ألنــه يؤمــن بــأن القيــادة‬
‫تتطلّــب اســتخالص الهــدف الوطنــي مــن عالقــات القــوة والســياق التاريخــي‪.‬‬
‫وكان رأي ديغــول يف االلتزامــات الدوليــة‪ ،‬أنهــا التزامــات طارئــة؛ بســبب عــدم‬
‫املتغرِّية‪.‬‬
‫القدرة عىل التنبؤ باألحداث والظروف ِّ‬
‫•بحلــول أواخــر ســتينيات القــرن العرشيــن‪ ،‬نجــح شــارل ديغــول يف إحيــاء فرنســا‬
‫وإنعاشــها‪ ،‬وأعــاد مؤسســاتها‪ ،‬وجعــل منهــا الع ًبــا رئيسـ ًّيا يف نظــام أورويب جديــد‪.‬‬
‫لقــد مــارس أســلوبًا يف فــن الحكــم يُذكّــر بأســلوب الكاردينــال ريشــيليو يف القــرن‬
‫الســابع عــر‪ .‬وبعــد أن أمــى عقــ ًدا يف منصــب الرئاســة‪ ،‬بــدأت حامســته‬
‫تضعــف‪ ،‬وظهــرت تكهنــات عــن اســتقالته‪ .‬ويف عــام ‪ 1968‬كانــت االحتجاجــات‬
‫واإلرضابات الواسعة االنتشار تبدو نذي ًرا بنهاية رئاسته‪.‬‬
‫–وبرغــم أنــه رمبــا كان متعجرفًــا وبــار ًدا‪ ،‬فــإن حدســه االسـراتيجي جعلــه متميـ ًزا‪.‬‬
‫وبرغــم صدامــات مــع أقــران مــن قبيــل ترششــل وروزفلــت وكينيــدي‪ ،‬فــإن‬
‫تقييــات ديغــول بشــأن املســائل االسـراتيجية الرئيســية اتســمت بالصــواب دامئًــا‪.‬‬
‫ويتســم إرث ديغــول بأنــه مصــدر إلهــام أكــر منــه عقائــد جامــدة‪ ،‬فهــو دليــل‬
‫عــى أن القــادة أصحــاب الرؤيــة يشـكّلون التاريــخ مــن خــال دورهــم كقــدوة‪ .‬وال‬
‫تزال السياسة الخارجية الفرنسية متأثرة به‪ ،‬ما يجعل إرثه استثنائيًّا‪.‬‬
‫–كان لديغــول أهــداف رؤيويــة‪ ،‬لكنــه كان يســتخدم أســلوب رجــل الدولــة‬
‫املتــأين‪ .‬وكان كثــ ًرا مــا يتــرف مــن طــرف واحــد‪ ،‬وكان يفــاوض عــى‬
‫تعديــات عــى أهدافــه وليــس تغيــرات عليهــا‪ .‬وكان ترششــل يســلِّم‬
‫بإمكانــات ديغــول القياديــة‪ ،‬وكان يدعمــه برغــم الرصاعــات‪ .‬وكان ترششــل‬
‫يعتــر القيــادة عمليــة تاريخيــة‪ ،‬يف حــن أن ديغــول كان يعتربهــا واجبًــا‬
‫يتولــد مــن عــبء العظمــة‪ .‬كالهــا أنقــذ مجتمعــه‪ ،‬بيــد أن أســلوب‬
‫ترششــل نبــع مــن التقاليــد‪ ،‬يف حــن أن ديغــول كان متمي ـ ًزا ويســتند إىل‬
‫املبادئ‪.‬‬
‫–يــرز شــارل ديغــول كشــخصية متفــردة يف التاريــخ؛ حيــث يتميــز باالنعـزال‬
‫والشــجاعة وااللت ـزام بقيمــه ورؤيتــه‪ .‬وبرغــم انفصالــه الظاهــر‪ ،‬فإنــه كان‬
‫يحمــل مخزونًــا مــن العاطفــة واللطــف‪ ،‬يظهــر بوضــوح يف عالقتــه مــع‬
‫ابنتــه املعاقــة «آن»‪ .‬فقــد كان وجــود «آن» مصــدر إلهــام بالنســبة إليــه‪،‬‬
‫وقد تأثر بوفاتها أشد التأثر‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ريتشارد نيكسون‪ :‬اسرتاتيجية‬
‫التوازن‬
‫•كان ريتشــارد نيكســون الرئيــس األكــر مثــا ًرا للجــدل يف التاريــخ األمريــي‪،‬‬
‫والرئيــس الوحيــد الــذي اضطــر إىل االســتقالة مــن منصبــه‪ .‬كان لــه تأثــر كبــر‬
‫عــى السياســة الخارجيــة أثنــاء فرتتــه ويف أعقابهــا‪ ،‬كرئيــس أعــاد تشــكيل نظــام‬
‫عاملي فاشل يف ذروة الحرب الباردة‪.‬‬
‫ورســخ مكانــة الواليــات املتحــدة‪،‬‬
‫•أنهــى نيكســون التــورط األمريــي يف فيتنــام‪َّ ،‬‬
‫ـكاًل ثالث ًّيــا‬
‫بوصفهــا القــوة الخارجيــة املهيمنــة يف الــرق األوســط‪ ،‬وفــرض هيـ ً‬
‫عــى الحــرب البــاردة الثنائيــة القطــب ســابقًا مــن خــال االنفتــاح عــى الصــن‪،‬‬
‫ما ق َّوض يف نهاية املطاف املركز االسرتاتيجي لالتحاد السوفيتي‪.‬‬
‫•شــغل هــري كيســنجر منصــب مستشــار األمــن القومــي لنيكســون يف الفــرة مــن‬
‫عــام ‪ 1968‬إىل عــام ‪1974‬؛ حيــث شــارك عــن قــرب يف قيادتــه ومــا اتخــذه مــن‬
‫قــرارات‪ .‬ويف األشــهر الســابقة عــى االنتخابــات الرئاســية لعــام ‪ ،1968‬بــدأت‬
‫التحديــات التــي تواجــه رئاســته تتضــح يف ثالثــة مســارح اســراتيجية‪ ،‬هــي‪:‬‬
‫أوروبا‪ ،‬والرشق األوسط‪ ،‬ورشق آسيا‪.‬‬
‫•عندمــا جــاء نيكســون إىل الحكــم يف عــام ‪ ،1969‬كانــت الحــرب البــاردة قــد‬
‫دخلــت مرحلــة النضــج الكامــل‪ .‬وكان الـراع الداخــي حــول فيتنــام يقــرب مــن‬
‫ذروتــه؛ حيــث تعالــت نــداءات يف بعــض األوســاط مــن أجــل االنســحاب األمرييك‬
‫عــى املســتويني العســكري والســيايس‪ .‬وكانــت الواليــات املتحــدة واالتحــاد‬
‫الســوفيتي عاك َفـ ْـن عــى نــر صواريــخ ذات أحــال أكــر وأكــر دقــة وأبعــد‬
‫مدى (عرب القارات)‪.‬‬
‫•بحلــول أغســطس ‪ ،1969‬احتــل االتحــاد الســوفيتي‪ ،‬ومعــه دول أوروبــا الرشقيــة‬
‫التــي تــدور يف فلكــه‪ ،‬تشيكوســلوفاكيا‪ .‬ويف أملانيــا‪ ،‬اســتمر التهديــد الســوفيتي‬
‫لربلــن الغربيــة؛ حيــث الح مــن حــن آلخــر مــن خــال تهديــد موســكو بتضييــق‬
‫ـارَصة‪ .‬وبــدأت أوروبــا واليابــان‪ ،‬وكلتاهــا تعافــت مــن‬
‫الخنــاق عــى املدينــة املحـ َ‬
‫دمــار الحــرب تحــت املظلــة األمنيــة للواليــات املتحــدة‪ ،‬منافســ َة الواليــات‬
‫املتحــدة اقتصاديًّــا واعتــاد تصوراتهــا الخاصــة‪ ،‬واملتباينــة أحيانًــا‪ ،‬للنظــام‬
‫العاملــي الناشــئ‪ .‬ويف الوقــت نفســه أصبحــت جمهوريــة الصــن الشــعبية خامــس‬
‫بلد ميتلك أسلحة نووية‪.‬‬
‫•يف هــذه األثنــاء‪ ،‬واجــه نيكســون وض ًعــا متأز ًمــا يف الــرق األوســط‪ .‬وبرغــم‬
‫املكانــة التاريخيــة البــارزة لــكل مــن فرنســا وبريطانيــا يف الــرق األوســط‪ ،‬فــإن‬
‫كلتيهــا أصبحــت بالتدريــج أقـ َّـل قــدرة عــى بســط قوتهــا هنــاك بعد اســتنزافهام‬
‫يف حربــن عامليتــن‪ .‬يف البدايــة‪ ،‬شــهدت املنطقــة ثــورات محليــة أ َّججتهــا حــركات‬
‫معاديــة لالســتعامر‪ ،‬تحولــت فيــا بعــد إىل رصاعــات أكــر داخــل العــامل العــريب‪،‬‬
‫وبني الدول العربية ودولة إرسائيل‪.‬‬
‫•إضاف ـ ًة إىل جميــع هــذه الشــواغل‪ ،‬تزا َم ـ َن وصــول نيكســون إىل الحكــم مــع املــأزق‬
‫الدمــوي يف فيتنــام‪ .‬وكانــت إدارة جونســون الســابقة قــد أرســلت ‪ 500‬ألــف جنــدي‬
‫أمريــي إىل فيتنــام‪ ،‬يف حــن أن ‪ 50‬ألفًــا آخريــن كانــوا يف الطريــق وقــت تنصيــب‬
‫نيكســون‪ .‬وكان عــى نيكســون إخـراج الواليــات املتحــدة مــن حــرب ال ميكــن حســمها‪،‬‬
‫وذلك وسط اضطرابات داخلية مل تشهدها الواليات املتحدة منذ الحرب األهلية‪.‬‬
‫•كان املوقــف الــذي يواجهــه نيكســون غــر مســبوق مــن حيــث إنــه للمــرة األوىل‬
‫ظهــرت نخبــة وطنيــة تؤمــن بــأن الهزميــة يف الحــرب حتميّــة مــن الناحيــة‬
‫االســراتيجية ومرغوبــة يف الوقــت نفســه مــن الناحيــة األخالقيــة‪ .‬وكان هــذا‬
‫االعتقــاد ميثــل انهيــار اإلجــاع القائــم منــذ قــرون‪ ،‬الــذي مفــاده‪ ،‬أن املصلحــة‬
‫القومية متثل غاية مرشوعة‪ ،‬بل وأخالقية‪.‬‬
‫•مــن بعــض النواحــي‪ ،‬تتزامــن هــذه املجموعــة مــن املعتقــدات مــع عــودة اتجــاه‬
‫انفصــايل ســابق ال يُعتــر مبقتضــاه «تــو ّرط» أمريــكا يف األزمــات الخارجيــة أم ـ ًرا‬
‫غــر مرغــوب فيــه مــن أجــل رفــاه البلــد فحســب‪ ،‬وإمنــا أمـ ٌر يقـ ّوض شــخصيتها‬
‫أيضً ــا‪ .‬فقــد كانــت هــذه النزعــة االنعزاليــة الجديــدة تقــوم عــى أن أمريــكا‬
‫نفســها أصبحــت غارقــة يف الفســاد؛ بحيــث إنهــا مل تعــ ْد قــادرة عــى العمــل‬
‫كمرشــد أخالقــي يف الخــارج‪ .‬ومل يكــن أنصــار هــذا املوقــف ينظــرون إىل مأســاة‬
‫ـر‬ ‫فيتنــام ضمــن إطــار جيوســيايس‪ ،‬وال عــى أنهــا رصاع أيديولوجــي‪ ،‬وإمنــا كمبـ ِّ‬
‫بتنفيس وطني من شأنه إطالق تح ّول طال انتظاره نحو الداخل‪.‬‬
‫•كان نيكســون يؤمــن بــأن أمريــكا تقــع عليهــا مســؤولية خاصــة للدفــاع عــن‬
‫وخصوصــا حريــة حلفــاء أمريــكا‬
‫ً‬ ‫قضيــة الحريــة عــى الصعيــد الــدويل‪،‬‬
‫الدميقراطيــن‪ .‬وكان مدفو ًعــا لــدى الســعي إىل إنهــاء ال ـراع يف فيتنــام‪ ،‬الــذي‬
‫ورثــه‪ ،‬باألثــر املحت َمــل لالنســحاب األمريــي عــى مصداقيــة البلــد كحليــف‪،‬‬
‫وكذلك كقوة وحضور يف العامل كله‪.‬‬
‫•اعــرض نيكســون عــى االفرتاضــات األمريكيــة الســائدة يف مجــال السياســة‬
‫الخارجيــة‪ .‬التــي كانــت مدرســة فكريــة يف ذلــك الوقــت‪ ،‬كــا هــي الحــال اآلن‪،‬‬
‫تــرى أن االســتقرار والســام هــا الحالــة الطبيعيــة للشــؤون الدوليــة‪ ،‬يف حــن أن‬
‫الـراع هــو نتيجــة إمــا لســوء الفهــم أو للــر‪ .‬ومبجــرد هزميــة القــوى العدائيــة‬
‫عــى نحــو حاســم‪ ،‬يعــود التناغــم أو الثقــة املتأصلــة إىل الظهــور‪ .‬وكان نيكســون‬
‫ـش والفضفــاض بــن القــوى العظمــى‪ ،‬وهــو‬ ‫يَعتــر الســام حالــة مــن التــوازن الهـ ّ‬
‫رصا أساس ًّيا يف االستقرار العاملي‪.‬‬
‫توازن يشكّل بدوره عن ً‬
‫•ســعى نيكســون إىل اســتعادة مفهــوم تــوازن القــوى‪ ،‬واعتــر أن املصلحــة القوميــة‬
‫هــي الهــدف الرئيــي الــذي يجــب أن تســعى االس ـراتيجية الوطنيــة والسياســة‬
‫وانطاًلقــا مــن مبــدأ أن املصالــح القوميــة كثـ ًرا مــا تكــون‬
‫ً‬ ‫الخارجيــة إىل تحقيقــه‪.‬‬
‫متضاربــة وال تنطبــق عليهــا دامئًــا نتيجــة «الــكل رابــح»‪ ،‬فقــد كان يعتــر أن مهمــة‬
‫رجــل الدولــة تكمــن يف اســتبانة تلــك الخالفــات وإدارتهــا‪ ،‬وهــو مــا ميكــن تحقيقه‬
‫إما بتخفيف حدتها أو‪ ،‬لدى االقتضاء وكمالذ أخري‪ ،‬بالتغلب عليها بالقوة‪.‬‬
‫•كانــت سياســة نيكســون الخارجيــة تقــوم عــى تو ُّجــه ذي رك َنـ ْـن تجــاه األعــداء‪:‬‬
‫وخصوصــا التحالــف األطلــي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أولهــا‪ ،‬هــو بنــاء القــوة واألحــاف األمريكيــة‪،‬‬
‫والثــاين‪ ،‬هــو الحفــاظ عــى قنــوات الحــوار مــع األعــداء‪ ،‬مثــل االتحــاد الســوفيتي‬
‫والصني‪ ،‬من خالل «حقبة املفاوضات»‪.‬‬
‫•إن الجمــود الدبلومــايس بــن كبــار القــادة يُع ِّقــد أي ضبــط ضمــن الحوكمــة الداخلية‬
‫لــكال الجانبــن‪ ،‬وهــو ســبب آخــر يســتدعي أن تُعالَــج املســائل التفصيليــة عــى‬
‫املســتويات األدىن؛ حيــث تكــون الخــرة الفنيــة أكــر تركي ـ ًزا ويكــون التوفيــق أقـ َّـل‬
‫تهدي ـ ًدا عــى املســتوى الشــخيص‪ .‬وكانــت قــوة نيكســون كرجــل دولــة تكمــن يف‬
‫طــريَفَ ْ االســراتيجية الجيوسياســية؛ أي القــوة التحليليــة يف التصميــم‪ ،‬والجــرأة‬
‫العظيمــة يف التنفيــذ‪ .‬كان أداؤه يبلــغ ذروتــه يف الحــوارات بشــأن األهــداف الطويلــة‬
‫املدى ويف جهوده إلقناع نظريه يف املسائل ذات البُعد االسرتاتيجي‪.‬‬
‫•ســعى نيكســون‪ ،‬مــن خــال مزيــج مــن الدبلوماســية والضغــط‪ ،‬إىل إقنــاع‬
‫موســكو بوقــف دعمهــا لهانُــوي يف مقابــل تنــازالت تق ّدمهــا إدارتــه للفيتناميــن‬
‫الشــاليني‪ ،‬رمبــا عــن طريــق موســكو‪ .‬وعــى نحــو متزامــن‪ ،‬كانــت توضــع‬
‫أساســا مــن فــرض حصــار‬ ‫خيــارات مــن أجــل التصعيــد العســكري‪ ،‬تتألــف ً‬
‫واســتئناف القصــف يف إطــار عمليــة ‪ .Duck Hook‬وإذا رفضــت موســكو‬
‫العرض‪ ،‬كان نيكسون سيسعى لفرضه بالقوة العسكرية‪.‬‬
‫•مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬كان نيكســون يــرى أن عــى الواليــات املتحــدة «تفــادي‬
‫السياســات مــن النــوع الــذي جعــل الــدول اآلســيوية شــديدة االعتــاد علينــا؛‬
‫بحيــث إننــا ننجـ ّر إىل رصاعــات مــن قبيــل الـراع الــذي نخوضــه يف فيتنــام»‪.‬‬
‫وأصبحــت تلــك النظريــة ت ُعــرف باســم «عقيــدة نيكســون» التــي تتضمــن‬
‫ثالثــة مبــادئ رئيســية‪ ،‬هــي‪ )1( :‬التـزام الواليــات املتحــدة بجميــع التزاماتهــا‬
‫أي‬
‫أي قــوة نوويــة حريــة ّ‬‫التعاهديــة‪ )2( .‬توفــر الــدرع الواقــي إذا هــددت ّ‬
‫بلــد حليــف أو بلــد ت َعتــر الواليــات املتحــدة أن بقــاءه أمـ ٌر حيــوي بالنســبة‬
‫إىل أمــن الواليــات املتحــدة أو أمــن املنطقــة كلهــا‪ )3( .‬يف الحــاالت التــي‬
‫تنطــوي عــى أشــكال أخــرى مــن االعتــداء (أي االعتــداء باألســلحة التقليديــة‬
‫مــن جانــب قــوى غــر نوويــة)‪ ،‬توفــر املســاعدة العســكرية واالقتصاديــة‬
‫عند الطلب‪.‬‬
‫•يف خضــم تحقيقــات (ووترجيــت)‪ ،‬مل يكــن الجمهــور امل ُ ْج َهــد ليدعــم رصاعــات‬
‫إضافيــة يف آســيا‪ .‬فقــد قلّــص الكونغــرس املســاعدات االقتصاديــة والعســكرية إىل‬
‫جنــوب فيتنــام بواقــع النصــف‪ .‬وأشــعلت حــرب فيتنــام انقســا ًما داخليًّــا يف‬
‫املجتمــع األمريــي دامــت آثــاره إىل اليــوم‪ .‬فقــد أشــعل الـراع نو ًعــا مــن الجدل‬
‫العام ال يركّز عىل الجوهر بقدر ما يركّز عىل الدوافع والهويات السياسية‪.‬‬
‫أساســا‪ .‬فبعــد‬
‫•تكمــن أهميــة نيكســون كرجــل دولــة يف تو ُّجهــه الجيوسـراتيجي ً‬
‫ـتهل جولتــه بهجــوم‬
‫الرحلــة التــي قــام بهــا إىل أوروبــا يف أوائــل عــام ‪ ،1969‬اسـ ّ‬
‫دبلومــايس إلضعــاف ســيطرة موســكو عــى توابعهــا يف أوروبــا الرشقيــة مــن‬
‫خالل جذبهم إىل مدار الدبلوماسية األمريكية‪.‬‬
‫•كان هــدف نيكســون االس ـراتيجي يكمــن يف زيــادة التكلفــة التــي ســيتكبدها‬
‫الســوفييت مــن ج ـراء احتفاظهــم بإمرباطوريتهــم األوروبيــة؛ بحيــث يســتدعي‬
‫استمرارهم يف ذلك تحويل األموال واالنتباه عن أهداف رئيسية أخرى‪.‬‬
‫•عــى مــدى الفــرة املتبقيــة مــن رئاســة نيكســون‪ ،‬أُقيمــت اتصــاالت مبــارشة مــع‬
‫موســكو مــن خــال مــا ُس ـ ِّم َي «القنــاة»‪ ،‬وهــي قنــاة بــن كيســنجر ودوبرينــن‬
‫(الســفري الســوفيتي لــدى الواليــات املتحــدة) أُنشــئت بــن نيكســون والقيــادة‬
‫الســوفيتية‪ .‬وتبـ ّـن أن أحــد املواضيــع الرئيســية هــو أثــر املخزونــات الكبــرة مــن‬
‫األســلحة النوويــة لــدى البلديــن عــى النظــام العاملــي وكيفيــة تج ّنــب وقــوع‬
‫كارثة عاملية‪ ،‬سواء عىل نحو استباقي أو ضمن رصاع متفا ِقم بينهام‪.‬‬

‫•أصبحــت مســألة مبكــرة بالنســبة إىل نيكســون تتمثــل فيــا إذا كان يجــب املُـ ُّ‬
‫ـي‬
‫يف مفاوضــات الحــد مــن التســلح مــع الســوفييت مــن األســاس‪ .‬ومل يوافــق‬
‫نيكســون يف نهايــة املطــاف عــى إطــاق مفاوضــات الحــد مــن األســلحة‬
‫االســراتيجية مــع الســوفييت إال بعــد أن اســتقر عــى اســراتيجية بخصــوص‬
‫فيتنــام أثنــاء قمــة موســكو يف عــام ‪ .1972‬ومتخّضــت القمــة عــن أول اتفــاق‬
‫شــامل للحـ ّد مــن األســلحة االسـراتيجية خــال الفــرة النوويــة‪ .‬وقــى االتفــاق‬
‫بقــر الدفــاع بالصواريــخ البالســتية عــى موقعــن (معاهــدة حظــر األســلحة‬
‫البالســتية)‪ ،‬وبوقــف أعــداد األســلحة االس ـراتيجية الهجوميــة عنــد املســتويات‬
‫ســباًل ملعالجــة األحــداث التــي تطــرأ يف البحــر‬
‫القامئــة (ســولت ‪ ،)1‬وأرســت ً‬
‫والحوادث النووية‪.‬‬
‫•كتــب نيكســون‪ ،‬قبــل وصولــه إىل ســدة الرئاســة يف عــام ‪ ،1967‬مقالــة يف مجلــة‬
‫‪ ،Foreign Affairs‬أشــار فيهــا إىل عــدم إمكانيــة تــرك الصــن إىل األبــد خــارج‬
‫األرسة الدوليــة‪ ،‬وأكــد أن الســام العاملــي سيســتفيد إذا أمكــن أن تكبــح الصــن‬
‫دعمهــا لحــركات التمــرد حــول العــامل وأن تقيــم يو ًمــا عالقــات دبلوماســية مــع‬
‫الغــرب‪ .‬وبعــد سلســلة مــن االتصــاالت الرسيــة عــن طريــق مبعوث من واشــنطن‬
‫إىل العاصمــة الباكســتانية إســام أبــاد‪ ،‬ومــن ثــم مــن باكســتان إىل بكــن‪ ،‬مــع‬
‫اتبــاع الصــن املســار نفســه يف الــرد‪ُ ،‬و ِّجهــت دعــوة إىل نيكســون لزيــارة الصــن‬
‫يف عام ‪ 1971‬ملناقشة مسألة تايوان ومسائل مل ّحة أخرى‪.‬‬
‫•تض َّمــن بيــان شــنغهاي‪ ،‬الــذي صــدر يف نهايــة زيارتــه‪ ،‬اتفاقًــا بــن الطرفــن يقــي‬
‫مبعاملــة تايــوان باعتبارهــا مســتقلة يف املســتقبل املنظــور‪ .‬ويقـ ُّر الطرفــان مببــدأ‬
‫الصــن الواحــدة‪ ،‬وتٌحجــم الواليــات املتحــدة عــن إصــدار بيانــات توحــي بوجــود‬
‫أي من الطرفني إىل فرض تفضيالته‪.‬‬ ‫بلدين يف الصني‪ ،‬وال يسعى ٌّ‬
‫•وعــى مــدى عرشيــن عا ًمــا بعــد زيــارة نيكســون‪ ،‬اتّبعــت الواليــات املتحــدة‬
‫والصــن سياســة تعاونيــة واســعة النطــاق الحتــواء االتحــاد الســوفيتي‪ .‬وخــال‬
‫تلــك الفــرة‪ ،‬شــمل التعــاون بــن الواليــات املتحــدة والصــن املجــال االســتخبارايت‪،‬‬
‫وإن كان عــى نطــاق محــدود‪ .‬ومثَّــل بنــاء عالقــة تعــاون مــع الصــن ملواجهــة‬
‫االتحــاد الســوفيتي مصلحــة أمريكيــة طاغيــة أثنــاء الحــرب البــاردة‪ .‬أمــا اليــوم‪،‬‬
‫فــإن أي سياســة أمريكيــة تجــاه الصــن يجــب أن تراعــي اقتصــاد الصــن الهائــل‪،‬‬
‫الــذي يقــرب مــن االقتصــاد األمريــي‪ ،‬وقوتهــا العســكرية املتصاعــدة‪ ،‬ومهاراتهــا‬
‫الدبلوماســية التــي تتجــى مــن خــال الحفــاظ عــى آالف الســنني مــن الثقافــة‬
‫املتميزة‪.‬‬
‫•ويف الوقــت الــذي بــدأ فيــه االتحــاد الســوفيتي يستكشــف ســبل التعايــش مــع‬
‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬كانــت املســاعدات واألســلحة تتدفــق مــن موســكو إىل الــدول‬
‫العربيــة الحليفــة لهــا‪ ،‬مــا زاد مــن احتــاالت وقــوع مواجهــة جديــدة‪ .‬ويف عــام‬
‫‪ ،1972‬واصــل الرئيــس املــري أنــور الســادات اتبــاع اسـراتيجية ســابقه القامئــة‬
‫عــى االعتــاد عــى الســوفييت لجعــل الواليــات املتحــدة تضغــط عــى إرسائيــل‬
‫لالنســحاب مــن ســيناء‪ .‬لكــن يف ذلــك الصيــف‪ ،‬طــرد الســادات عــى نحــو‬
‫مفاجــئ أكــر مــن ‪ 20‬ألــف مستشــار عســكري ســوفيتي كانــوا قــد نُــروا يف‬
‫مــر‪ ،‬وأمــر باالســتيالء عــى منشــآتهم ومعداتهــم الثقيلــة‪ .‬ويف فربايــر ‪،1973‬‬
‫أرســل مستشــاره األمنــي حافــظ إســاعيل إىل البيــت األبيــض الستكشــاف موقف‬
‫أمريكا إزاء مفاوضات جديدة‪.‬‬
‫•أبلــغ نيكســون حافــظ إســاعيل أن الواليــات املتحــدة ســتطلق مجهــو ًدا جديـ ًدا‬
‫مــن أجــل الســام بعــد االنتخابــات اإلرسائيليــة يف نوفمــر‪ ،‬لكــن بالنســبة إىل‬
‫ـااًل ينطــوي عــى قــدر كبــر مــن عــدم اليقــن‪ .‬ويف ‪6‬‬
‫الســادات كان ذلــك احتـ ً‬
‫أكتوبــر‪ ،‬املصــادف ليــوم الغفـران‪ ،‬وهــو أقــدس يــوم يف الرزنامــة اليهوديــة؛ حيث‬
‫يكــون اليهــود كافــة يف الكنيــس‪ ،‬أطلــق الســادات مفاجــأة صادمــة لــكل مــن‬
‫ــرت القــوات املرصيــة قنــاة الســويس‪،‬‬ ‫إرسائيــل والواليــات املتحــدة‪ .‬فقــد َع َ‬
‫وتق ّدمــت القــوات الســورية يف مرتفعــات الجــوالن‪ .‬ومل يكــن اإلرسائيليــون‪،‬‬
‫وكذلك األمريكيون والعامل‪ ،‬مدركني للهجوم املفاجئ أو مستعدين له‪.‬‬
‫•يف هــذه األثنــاء‪ ،‬كان نيكســون يتعامــل مــع فضيحــة (ووترجيــت) ونتائجهــا‪.‬‬
‫واضطلعــت الواليــات املتحــدة‪ ،‬برغــم هــذا املسلســل مــن الكــوارث السياســية‬
‫الداخليــة‪ ،‬بــدور رئيــي يف التوصــل إىل وقــف إلطــاق النــار وإطــاق عمليــة‬
‫خل نيكســون‬‫ســام يف الــرق األوســط دامــت عــى مــدى العقــود القادمــة‪ .‬ومل يَتَ َّ‬
‫مطل ًقــا عــن األهــداف االسـراتيجية الرئيســية‪ ،‬وهــي مواصلــة اتبــاع دبلوماســية‬
‫إبداعيــة مــع الــدول العربيــة‪ ،‬والحفــاظ عــى أمــن إرسائيــل‪ ،‬وإضعــاف موقــف‬
‫االتحــاد الســوفيتي‪ ،‬والخــروج مــن الحــرب بدبلوماســية أمريكيــة مســتدامة‬
‫تعمل نحو تحقيق السالم‪.‬‬
‫•يف النصــف الثــاين مــن القــرن العرشيــن‪ ،‬بــدأت الحضــارات اآلســيوية التقليديــة‪،‬‬
‫مثــل الهنــد والصــن‪ ،‬الدخــول يف النظــام العاملــي كقــوى عظمــى ذات جــدارة؛‬
‫حيــث أبــدت قــدرة عــى تحــدي التــوازن العاملــي عــى نحــو مســتقل‪ .‬واندلعــت‬
‫أزمــة سياســية يف باكســتان ج ـراء املطالــب البنغاليــة باســتقالل رشق باكســتان‪،‬‬
‫وهــي مطالِــب أبرزتهــا نتائــج االنتخابــات العامــة التــي أُجريــت يف ديســمرب‬
‫‪ .1970‬وأ ّدت األزمــة الالحقــة‪ ،‬التــي جــ َّرت شــبه القــارة إىل رصاع اســتمر مــن‬
‫مــارس إىل ديســمرب ‪ ،1971‬إىل حــرب بــن الهنــد وباكســتان‪ ،‬وانتهــت بتحــ ّول‬
‫الجناح الرشقي من باكستان إىل دولة بنغالديش الوليدة‪.‬‬
‫أساســا يف جنــوب آســيا بــن باكســتان‬
‫•ورسعــان مــا أدت االضطرابــات اإلقليميــة ً‬
‫والهنــد إىل تد ُّخــل الواليــات املتحــدة والصــن وروســيا‪ .‬وبذلــك مثّلــت املشــكلة‬
‫املســت ِج َّدة يف رشق باكســتان تطــو ًرا غــر مســبوق؛ حيــث تحولــت إىل أزمــة‬
‫تتدخــل فيهــا ثــاث قــوى عظمــى متتلــك أســلحة نوويــة‪ ،‬جميعهــا كمتنافســن‬
‫متســاوين وذوي ســيادة‪ .‬وكان نيكســون واق ًعــا تحــت ضغــط داخــي كبــر‬
‫للوقــوف بجانــب الهنــد التــي كان النظــام الدميقراطــي لديهــا يحظــى بإعجــاب‬
‫واسع النطاق‪.‬‬
‫•مثّلــت األزمــة يف بنغالديــش خطــوة رئيســية يف تحــ ّول الحــرب البــاردة مــن‬
‫هيــكل جامــد ثنــايئ القطــب إىل تــوازن عاملــي أكــر تعقيـ ًدا يضــم آســيا كعنــر‬
‫صاعــد‪ .‬وبفضــل اجتــاع الدبلوماســية والتهــور وضبــط النفــس ومامرســة كل‬
‫منهــا يف اللحظــات املناســبة‪ ،‬تحولــت احتــاالت وقــوع حــرب عامليــة بســبب‬
‫بنغالديــش مــن يشء ممكــن إىل يشء غــر متصـ َّور‪ .‬ويف نهايــة املطــاف‪ ،‬جنــى كل‬
‫قليــا يف حالــة باكســتان)؛‬
‫طــرف مشــارِك يف األزمــة نصي ًبــا كاف ًيــا (أو خــر ً‬
‫املتوصــل إليــه عــى مــدى‬
‫َّ‬ ‫بحيــث إن البلــدان الكــرى مل يُخـ َّـل أحدهــا بالرتتيــب‬
‫عقود الحقة‪.‬‬
‫•كان نيكســون يعمــل انطالقًــا مــن االعتقــاد بــأن الســام هــو النتيجــة الهشــة‬
‫والعابــرة عــى نحــو خطــر للعمــل الــدؤوب للحنكــة السياســية يف عــامل يــكاد‬
‫فيــه التوتــر وال ـراع أن يكونــا قــد ًرا محتو ًمــا‪ .‬وتجلّــت رؤيتــه للســام أيضً ــا يف‬
‫الطريقــة التــي أعــاد بهــا تشــكيل النظــام العاملــي مــن خــال دمــج التعدديــة‬
‫القطبيــة يف النظــام العاملــي مــن خــال االنفتــاح عــى الصــن‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‬
‫السعي إىل تحقيق املصالح األمريكية واالستقرار الشامل‪.‬‬
‫•كان نيكســون ناج ًحــا لبعــض الوقــت مــن خــال تعديــل دور أمريــكا‪ ،‬مــن‬
‫الهيمنــة املتعــرة إىل القيــادة اإلبداعيــة‪ ،‬لكــن مأســاة ووترجيــت‪ ،‬مقرتن ًة بســقوط‬
‫ســايغون بعــد ذلــك بثامنيــة أشــهر‪ ،‬حالــت دون أن يحقــق نهجــه يف مجــال‬
‫السياســة الخارجيــة التأثــر الــذي يســتحقه عــى التفكــر األمريــي‪ .‬وفُ ِه ـ َم أن‬
‫مركــز أمريــكا االســتثنايئ يُعـ َزى إىل املامرســة الحاذقــة واملحســوبة لقوتهــا الكامنة‬
‫ِبقَدر ما يُع َزى إىل عزمها عىل تحقيق مبادئها التأسيسية‪.‬‬
‫•تتطلّــب إدارة النظــام العاملــي مراعــاة أمريكيــة دقيقــة لألحــداث املســت ِج َّدة‬
‫والغامضــة يف أحيــان كثــرة‪ .‬وهــي تتطلــب أيضً ــا التحــي بقــدرة عــى تحديــد‬
‫األولويــات االسـراتيجية‪ .‬وعلينــا أن نســأل أنفســنا‪ :‬مــا هــي التهديــدات والفــرص‬
‫التــي تتطلــب حلفــاء؟ وأيُّهــا كبــرة األهميــة بالنســبة إىل مصالــح أمريــكا وأمنهــا‬
‫القومــي؛ بحيــث إننــا ســنتعامل معهــا وحدنــا عنــد الــرورة؟ وعنــد أي مرحلــة‬
‫يق ـ ّوض االلت ـزام املتعــدد األط ـراف القــوة‪ ،‬ومتــى يــؤدي إىل مضاعفــة األصــوات‬
‫املعارِضــة؟ ومــن أجــل تحقيــق هــدف الســام‪ ،‬ال بــد أن تفســح األشــكال‬
‫التصادمية املجال للمنافسة لقدر من املرشوعية املشرتكة‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬أنور السادات‪ :‬اسرتاتيجية‬
‫التجاوز‬
‫ـي ‪ 1970‬و‪- 1981‬‬ ‫•كانــت انتصــارات أنــور الســادات ‪ -‬رئيــس مــر مــا بــن عامـ ْ‬
‫مفاهيميـ ًة بطبيعتهــا‪ ،‬وقــد أدى اغتيالــه إىل اختزالهــا‪ .‬ولكــن ورثتــه اإلقليميــن ‪-‬‬
‫وهــم قليلــو العــدد ‪ -‬مل يعتمــدوا مــن جهــوده ســوى الجوانــب العمليــة‪ ،‬وليــس‬
‫الرؤيويــة‪ ،‬ومل يتحلــوا مثلــه بالشــجاعة الراســخة التــي بعثهــا فيهــم‪ .‬ونتيجــة‬
‫لذلــك‪ ،‬فــإن إنجــازه العظيــم ‪ -‬أال وهــو إرســاء الســام مــع إرسائيــل ‪ -‬مل يَ ُع ـ ْد‬
‫يتذكــره إ َّاَّل قليلــون‪ ،‬كــا أن غايتــه األخالقيــة األعمــق يــكاد الجميــع يتجاهلونهــا‪،‬‬
‫رغــم أنهــا هــي التــي شــكلت األســاس ملــا جــاء بعدهــا‪ ،‬مثــل اتفاقــات أوســلو‬
‫بــن اإلرسائيليــن والفلســطينيني‪ ،‬واتفاق الســام بــن إرسائيــل واألردن‪ ،‬واالتفاقات‬
‫اإلبراهيمية لعام ‪.2020‬‬
‫•لقــد طــرح الســادات مفهــوم الســام‪ ،‬وهــو مــا ي ـزال ُحلـ ًـا مل يخــرج إىل ح ّيــز‬
‫الوجــود‪ .‬وال توجــد شــخصية معــارصة أخــرى يف الــرق األوســط كان لديهــا‬
‫طموحــات مشــابهة‪ ،‬أو أبــدت القــدرة عــى تحقيقهــا‪ .‬إن مهمــة الســادات‬
‫الرئيســية ‪ -‬ســواء قبــل رئاســته أو أثناءهــا ‪ -‬جــاءت تعب ـ ًرا عــن تطلــع األمــة‬
‫املرصية إىل تحقيق االستقالل الدائم‪.‬‬
‫•مــا تجــدر اإلشــارة إليــه‪ ،‬أن الســادات‪ ،‬كرئيــس ملــر‪ ،‬مل يعمــل تحــت رايــة‬
‫واحــدة شــأن أغلــب معارصيــه اإلقليميــن مــن القــادة الوطنيــن املخلصــن يف‬
‫ســعيهم لتوحيــد الــرق األوســط وشــال أفريقيــا‪ .‬بــل إن الســادات ‪ -‬بعــد‬
‫تحليــل توجهاتهــم إزاء النظــام الــدويل ‪ -‬تحـ ّول كُلّيّـ ًة نحــو أســاليب الدبلوماســية‬
‫كــا هــي مامرســة يف الغــرب‪ ،‬مبعنــى أن اسـراتيجيته لتحقيــق الســيادة الوطنيــة‬
‫كانــت مقرتن ـ ًة باالصطفــاف مــع الواليــات املتحــدة‪ ،‬وقــد جعــل لهــا األولويــة‬
‫ـي القوميــة العربيــة وعــدم االنحيــاز‪ ،‬اللذيْــن كانــا يطغيــان عــى‬ ‫عــى اتجاهـ ْ‬
‫العاملنْي العريب واإلسالمي يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫ْ‬
‫•يف فــرة شــبابه‪ ،‬بــدأت ميولــه الوطنيــة تتحــول إىل فلســفة سياســية وشــعور‬
‫بالــذات‪ .‬كان يؤمــن مبــر اإلســامية‪ ،‬وكان مــن أشــد املعجبــن بالشــيخ حســن‬
‫البنــا‪ ،‬مؤســس جامعــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬الــذي كان يتخــذ موق ًفــا صار ًمــا بشــأن‬
‫تحقيــق االســتقالل الحقيقــي‪ .‬ومــن ثــم فــإن مشــاعر الســادات املناهضــة‬
‫للربيطانيــن قادتــه إىل طريــق العنــف الثــوري‪ ،‬فأمــى فــرات متقطعــة يف‬
‫ـي ‪ 1942‬و‪ ،1948‬بســبب إدانتــه بتهمــة التــورط يف اغتيــال‬ ‫الســجن مــا بــن عامـ ْ‬
‫وزير املالية املوايل للربيطانيني آنذاك أمني عثامن‪.‬‬
‫•نتيجــة إلقامــة دولــة إرسائيــل يف ‪ 14‬مايــو ‪ ،1948‬واعــراف الرئيــس األمريــي‬
‫هــاري ترومــان الفــوري بهــا‪ ،‬تدخلــت الــدول العربية املجــاورة يف الحــرب األهلية‬
‫التــي كانــت دائــرة بــن العــرب واليهــود يف فلســطني تحــت االنتــداب‪ .‬وأعقبــت‬
‫ذلك فرتة من الحروب املتقطعة دامت خمسة وعرشين عا ًما‪.‬‬
‫•شــكلت هزميــة مــر يف حــرب عــام ‪ 1948‬مأزقًــا بالنســبة لجامعــة الــدول‬
‫العربيــة؛ بســبب إخفاقهــا يف التنســيق بــن الجيــوش الوطنيــة املتفرقــة ألعضائهــا‪.‬‬
‫ـي ‪ 1948‬و‪ - 1949‬مبــن فيهــم الرئيســان املقبــان محمــد‬ ‫كان قدامــى حــرب عامـ ْ‬
‫نجيــب وعبــد النــارص ‪ -‬يؤمنــان بــأن الهزميــة ســببها غيــاب الوحــدة العربيــة‪.‬‬
‫وقــد أســفر ذلــك األمــر عــن بــزوغ مــروع جديــد للقوميــة العربيــة‪ ،‬يقــوم عــى‬
‫تكويــن اتحــاد عســكري بــن الــدول العربيــة‪ ،‬مهمتــه األساســية مواجهــة إرسائيــل‬
‫ومحاربة التأثري الغريب‪.‬‬
‫•عندمــا خــرج الســادات مــن الســجن وانضــم إىل مجموعــة «الضبــاط األح ـرار»‪،‬‬
‫ـداًل مــن أن تفــر همته يف حبســه االنفـرادي‪،‬‬
‫كان قــد مــر مبرحلــة تحــول كبــر‪ .‬فبـ ً‬
‫تولَّــد عنــده مــا أســاه الح ًقــا «قــوة داخليــة»‪ .‬صحيـ ٌ‬
‫ـح أنــه ظــل مخلصــا للقضيــة‬
‫الثوريــة‪ ،‬لكنــه مل يَ ُع ـ ْد يتقيــد تَ َق ُّي ـ ًدا أعمــى بأفــكار زمالئــه‪ ،‬بــل أصبــح لديــه‬
‫القدرة عىل إعادة التفكري يف معتقداته السابقة‪.‬‬
‫•بعــد احتجاجــات «الســبت األســود» يف عــام ‪ ،1952‬التــي أفضــت إىل تشــكيل‬
‫وحــل ثــاث حكومــات متتابعــة‪ ،‬رأى الضبــاط األحــرار أن املوقــف قــد بلــغ‬
‫نقطــة حاســمة‪ ،‬كان فيهــا الشــعب ُمتَ َحفّــ ًزا والحكومــة بائســة‪ .‬وعــى أمــل‬
‫«تحييــد الربيطانيــن»‪ ،‬عــن طريــق إقنــاع حليــف بريطانيــا األمريــي باألمــر‬
‫الواقــع‪ ،‬بعــث الضبــاط األح ـرار برســالة إىل الســفري األمريــي بــأن تحــركًا كب ـ ًرا‬
‫أصبــح وشــيك الحــدوث‪ .‬ويف ‪ 23‬يوليــو ‪ ،1952‬قامــوا بانقــاب ناجــح ضــد امللــك‬
‫فــاروق‪ ،‬الــذي اضطُــر إىل التنــازل عــن العــرش ملصلحــة ابنــه القــارص امللــك فــؤاد‬
‫الثــاين‪ .‬وكان الســادات هــو مــن صــاغ بيــان تنــازل امللــك‪ ،‬وهــو مــن أعلــن انتصار‬
‫الضباط عرب املذياع‪.‬‬
‫• ُعـ ِّـن مجلــس وصايــة إلدارة اململكــة‪ ،‬كــا جــرت العــادة يف حالــة امللــوك ال ُقـرَّ ‪.‬‬
‫لكــن الســلطة الحقيقيــة كانــت تكمــن يف يــد مجلــس قيــادة الثــورة الــذي كان‬
‫يرأســه آنــذاك اللــواء محمــد نجيــب‪ .‬ويف عــام ‪ ،1953‬قــام مجلــس قيــادة الثــورة‬
‫بإلغــاء ال َملَ ِك َّيــة‪ ،‬وأعلــن النظــام الجمهــوري يف مــر‪ .‬ويف عــام ‪ ،1954‬انتُخــب‬
‫رئيسا‪ ،‬وأصبح السادات نائبًا للرئيس يف عام ‪.1969‬‬ ‫جامل عبد النارص ً‬
‫•أدت حــرب األيــام الســتة إىل مضاعفــة إرسائيــل أراضيهــا بأكــر مــن ثالثــة أمثالها‪،‬‬
‫ومتكنــت مــن نــر قواتهــا عــى الضفــة الرشقيــة لقنــاة الســويس‪ ،‬موجهـ ًة بذلــك‬
‫إهانــة إىل جريانهــا العــرب‪ .‬حــاول عبــد النــارص رد اعتبــاره واســتعادة مجــد مــر‬
‫الســابق عــن طريــق شــن حــرب استنــزاف ضــد إرسائيــل‪ .‬لكــن تــورط مــر يف‬
‫حــرب اليمــن‪ ،‬ثــم يف حــرب األيــام الســتة‪ ،‬ومــن بعدهــا حــرب االســتنزاف (التــي‬
‫اســتمرت حتــى عــام ‪ ،)1970‬كل ذلــك كان لــه أثــر تراكمــي مَتَ ثَّــل يف استنـ ـزاف‬
‫موارد مرص‪ ،‬وأدى إىل زيادة اعتامدها عىل االتحاد السوفيتي‪.‬‬
‫•بعــد وفــاة عبــد النــارص يف عــام ‪ ،1970‬وصــل الســادات إىل ُسـ َّدة الحكــم‪ .‬وقــد‬
‫تبــن لــه مــن حــرب األيــام الســتة خطــورة تقديــم القوميــة العربيــة عــى‬ ‫ّ‬
‫املصلحــة الوطنيــة‪ ،‬وأراد انضــام مــر الكامــل إىل النظــام العاملــي‪ .‬كان توســيع‬
‫نطــاق التواصــل مــع العــامل العــريب مجــرد التــزام تكتيــي‪ ،‬ومل يكــن التزا ًمــا‬
‫حضاريًا‪.‬‬
‫•نظ ـ ًرا لطبيعتــه الهادئــة‪ ،‬والصداقــة التــي كانــت تربطــه بعبــد النــارص‪ ،‬مل يكــن‬
‫لــدى الســادات حافــز لبنــاء قاعدتــه السياســية الخاصــة‪ .‬وكان ميــي الجــزء‬
‫األكــر مــن وقتــه يف التأمــل والصــاة أكــر مــن الوقــوف عــى منصــات الخطابــة‪.‬‬
‫وكان هنــاك الكثــر مــن املرصيــن يعتقــدون أن الســادات لــن يكــون أكــر مــن‬
‫مجــرد قائــد انتقــايل‪ ،‬بــل إن زمــاءه يف مجلــس قيــادة الثــورة كانــوا يتصــورون‬
‫أيضً ــا أن التحكــم فيــه أمــر ســهل‪ .‬وأدرك الســادات أن عليــه‪ ،‬قبــل كل يشء‪،‬‬
‫ترسيخ مكانته‪.‬‬
‫•يف غضــون ســتة أشــهر مــن انتخابــه‪ ،‬اتخــذ الســادات عــد ًدا مــن القــرارات‬
‫الفرديــة التــي تتناقــض مــع آراء مــن كانــوا يســعون إىل معارضتــه‪ .‬فقــد أصــدر‬
‫مرســو ًما بإلغــاء مصــادرة املمتلــكات الخاصــة‪ ،‬وأعطــى تلميحــات بإمكانيــة‬
‫إقامــة ســام مــع إرسائيــل‪ ،‬وأعلــن عــن قيــام اتحــاد بــن كل مــن مــر وســوريا‬
‫وليبيــا‪ .‬هــذه التحــركات الجريئــة أحدثــت قل ًقــا لــدى كل مــن رئيــس الــوزراء‬
‫الســابق عــي صــري‪ ،‬ونائــب رئيــس الــوزراء الســابق شــعراوي جمعــة‪ ،‬اللذيْــن‬
‫ُصعقــا مــن تحــركات الرئيــس الجديــد خــارج نطــاق ‪ ،‬وت َ َو َّجســا مــن تراجــع‬
‫قوتهــا داخــل مجلــس األمــة‪ ،‬فرشعــا يف التخطيــط النقــاب عســكري‪ .‬ويف غضون‬
‫أربــع وعرشيــن ســاعة‪ ،‬وفيــا أصبــح يُعــرف الح ًقــا باســم «ثــورة التصحيــح»‪،‬‬
‫ألقــى الســادات معظــم املتآمريــن يف الســجن‪ ،‬وأُحيــل واحــد وتســعون منهــم‬
‫ـح أن هــذا الحــزم مل يكــن واض ًحــا يف املراحــل األوىل مــن مشــوار‬
‫للمحاكمــة‪ .‬صحيـ ٌ‬
‫السادات‪ ،‬لكنه بعد ذلك أصبح السمة املميزة لرئاسته‪.‬‬
‫•رســخت ثــورة التصحيــح ســلطة الســادات‪ ،‬لكنــه يف ســبيل الحصول عــى الرشعية‬
‫الشــعبية‪ ،‬كان عليــه الحفــاظ عــى نهــج عبــد النــارص‪ ،‬مــع تحويلــه يف اتجــاه‬
‫جديــد‪ .‬ويف خطــاب أمــام مجلــس الشــعب‪ ،‬أكــد الســادات عــى التزامــه بسياســة‬
‫وخصوصــا تجــاه إرسائيــل‪ ،‬وأضــاف أنــه سيســعى إىل‬
‫ً‬ ‫عبــد النــارص الخارجيــة‪،‬‬
‫تحريــر األرايض العربيــة مــن االحتــال اإلرسائيــي‪ ،‬وتعزيــز الوحــدة العربيــة‪.‬‬
‫ورغــم أن السياســة الداخليــة لهــا دامئًــا دور كبــر يف اســتعادة دور مــر‬
‫التاريخــي‪ ،‬فــإن الســادات كان مقتن ًعــا بــأن قدرتــه عــى إحيــاء مــر املســتقلة‬
‫سيعتمد يف النهاية عىل سياسته الخارجية‪.‬‬
‫•يف يوليــو ‪ ،1972‬اتخــذ الســادات خطــوة جريئــة‪ ،‬حيــث طــرد نحــو ‪ 20‬ألــف‬
‫مستشــار عســكري ســوفيتي مــن مــر دون إخطــار موســكو‪ .‬ومــن خــال طــرد‬
‫الخ ـراء الســوفييت مــن مــر يكــون الســادات قــد أزال عقبــة رئيســية أمــام‬
‫املشــاركة األمريكيــة يف إرســاء عمليــة ســام‪ .‬ومــع تراجــع النفــوذ الســوفيتي‪ ،‬بــدا‬
‫أن املســار الدبلومــايس عــن طريــق أمريــكا ســيكون هــو املســار الطبيعــي يف‬
‫املرحلــة القادمــة‪ .‬ويف فربايــر ‪ ،1973‬ويف إطــار تواصــل الســادات مــع الواليــات‬
‫املتحــدة يف املراحــل املبكــرة‪ ،‬زار مستشــاره لألمــن القومــي حافــظ إســاعيل‬
‫واشــنطن‪ .‬وأوضــح حافــظ إســاعيل معنــى طــرد الســادات للســوفييت‪ ،‬أال وهــو‬
‫أن مرص مستعدة لتطبيع العالقات مع الواليات املتحدة‪.‬‬
‫•كان الســادات قــد أعلــن يف مرحلــة مبكــرة‪ ،‬وتحديـ ًدا يف يوليــو ‪ ،1971‬يف جلســة‬
‫لالتحــاد االش ـرايك العــريب‪ ،‬أنــه لــن يقبــل «حالــة الالســلم والالحــرب»‪ .‬ويف عــام‬
‫‪ ،1972‬قــرر تغيــر اســراتيجيته والتوجــه إىل الحــرب‪ .‬وبحلــول خريــف عــام‬
‫‪ ،1973‬كان الســادات قــد أمــى نحــو ‪ 18‬شــه ًرا يف تهيئــة املشــهد الــدويل للـراع‬
‫الوشيك‪ .‬ويف أكتوبر ‪ ،1973‬شنت مرص وسوريا هجو ًما منسقًا عىل إرسائيل‪.‬‬
‫•تقدمــت مــر نحــو عــرة أميــال داخــل ســيناء‪ ،‬واســتعادت بعــض األرايض التــي‬
‫كانــت إرسائيــل قــد اســتولت عليهــا يف عــام ‪ .1967‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬اخرتقــت‬
‫القــوات الســورية املواقــع اإلرسائيليــة يف مرتفعــات الجــوالن‪ .‬ومــع تقــدم‬
‫أساســا‪ ،‬تكبــدت إرسائيــل‬
‫الجيشــن العربيــن‪ ،‬املجهزيــن بأســلحة ســوفيتية ً‬
‫خســائر كبــرة يف األرواح واملعــدات‪ ،‬شــملت املئــات مــن الدبابــات والطائ ـرات‪.‬‬
‫وتعهــد الرئيــس نيكســون بتقديــم الدعــم لتعويــض الخســائر اإلرسائيليــة‪،‬‬
‫وإرسال معونات طارئة عىل أساس يومي‪.‬‬
‫•قــرر الســادات التوغــل يف ســيناء بفرقتــن مدرعتــن‪ .‬وســواء كان هــذا الق ـرار‬
‫ناب ًعــا مــن الثقــة املفرطــة يف قدراتــه العســكرية بعــد عبــور القنــاة‪ ،‬أو مــن‬
‫الرغبــة يف تخفيــف الضغــط عــى حليفــه األســد‪ ،‬فــإن املجازفــة بالخــروج عــن‬
‫املناطــق التــي يغطيهــا حائــط صواريــخ «ســام» أســفر عــن انتكاســة كارثيــة‪ .‬فــا‬
‫بــن ســاح الجــو اإلرسائيــي ‪ -‬بعــد أن تحـ ّرر مــن قيــود حائــط الصواريــخ ‪ -‬وبــن‬
‫الهجــات املضــادة بالدبابــات اإلرسائيليــة‪ ،‬تــم تدمــر نحــو ‪ 250‬مــن الدبابــات‬
‫املرصيــة‪ .‬ومــن ثــم متكّنــت الدبابــات اإلرسائيليــة مــن صــد الجيــش الثالــث‬
‫املــري‪ ،‬ودفعــه إىل االنســحاب باتجــاه القنــاة‪ .‬ويف غضــون يومــن مــن تلــك‬
‫املعركــة‪ ،‬ويف خضــم قتــال عنيــف‪ ،‬عــرت القــوات اإلرسائيليــة القنــاة إىل الناحيــة‬
‫األخــرى‪ ،‬وبــدأت يف تدمــر مواقــع صواريــخ ســام الســوفيتية الصنــع عــى الضفــة‬
‫الغربيــة للقنــاة‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬توغلــت القــوات املدرعــة اإلرسائيليــة‪ ،‬التــي‬
‫زاد عددهــا عــى عــرة آالف جنــدي‪ ،‬خلــف الجيش الثالــث‪ ،‬وهــددت بتطويقه‪،‬‬
‫بل وهددت بالوصول إىل مشارف القاهرة‪.‬‬
‫•يف ‪ 18‬أكتوبــر‪ ،‬ومــع انســحاب فرقتــن مرصيتــن مــن ســيناء‪ ،‬دعــا الســادات فجأة‬
‫إىل وقــف إلطــاق النــار‪ .‬فمــع تحــول مجريــات الحــرب ضــده‪ ،‬كان بحاجــة إىل‬
‫اســراحة‪ ،‬بينــا ال يــزال يحتفــظ مبوطــئ قــدم يف ســيناء‪ .‬ويف الوقــت الــذي‬
‫التمــس فيــه وقــف إطــاق النــار‪ ،‬زعــم أنــه حقــق «انتصــا ًرا نفسـ ًيا»‪ .‬فقــد قــال‬
‫إن العــدو فقــد توازنــه وال يـزال فاقـ ًدا لتوازنــه إىل هــذه اللحظــة‪ ،‬وقــال إن األمــة‬
‫الجريحــة اســتعادت رشفهــا‪ ،‬وتغــرت الخريطــة السياســية للــرق األوســط‪ .‬بيــد‬
‫أن األزمــة كانــت بالفعــل قــد أصابــت االقتصــاد العاملــي يف عمومــه‪ ،‬عندمــا‬
‫أعلنــت منظمــة األوبــك‪ ،‬يف ‪ 17‬أكتوبــر‪ ،‬حظــر بيــع النفــط‪ ،‬بهدف إرغــام الواليات‬
‫املتحــدة وحلفائهــا األوروبيــن عــى دفــع إرسائيــل باتجــاه تســوية‪ .‬وزاد ســعر‬
‫برميل النفط حينذاك بنسبة ‪ 400‬يف املائة مقارن ًة مبستواه قبل األزمة‪.‬‬
‫•يف اليــوم التــايل‪ ،‬بــدأ الســفري الســوفيتي أناتــويل دوبرينــن وهــري كيســنجر‬
‫يصوغــان نــص اتفــاق وقــف إطــاق النــار الــذي قُــدم إىل مجلــس األمــن يف ‪22‬‬
‫أكتوبــر‪ ،‬وتــم اعتــاده باإلجــاع‪ .‬وحســبام هــو معــروف‪ ،‬فإنــه منــذ هدنــة‬
‫عامــي ‪ 1948‬و‪ 1949‬مل يحــدث أن تفــاوض مســؤولون مرصيــون وإرسائيليــون‬ ‫ْ‬
‫وج ًهــا لوجــه‪ .‬ولكــن عــى نحــو مل تتوقعــه األطــراف كافــة‪ ،‬أبلــغ الســادات‬
‫اإلرسائيليــن بأنــه سريســل ضباطًــا عســكريني إىل الكيلومــر ‪ 80‬مــن طريــق‬
‫القاهرة‪-‬الســويس ملناقشــة تفاصيــل ق ـرار مقــرح مــن األمــم املتحــدة بوقــف‬
‫إطــاق النــار‪ .‬ومل يكــن ذلــك يعنــي اعرتافًــا رســميًا أو دبلوماسـيًا بإرسائيــل‪ ،‬وإمنــا‬
‫كان رم ًزا لعزم السادات عىل توجيه مرص يف مسار جديد‪.‬‬
‫•يف نوفمــر ‪ ،1973‬التقــى وزيــر الخارجيــة هــري كيســنجر الســادات شــخص ًيا‬
‫ألول مــرة يف قــر الطاهــرة بالقاهــرة‪ .‬واقــرح الســادات خطــة مــن ســت نقــاط‬
‫ســاها «خطــة كيســنجر»‪ ،‬تضمنــت فــك االشــتباك بــن القــوات اإلرسائيليــة‬
‫واملرصيــة‪ ،‬واســتعادة العالقــات الدبلوماســية األمريكية‪-‬املرصيــة‪ .‬كان هــدف‬
‫الســادات هــو إنهــاء الـراع مــع إرسائيــل‪ ،‬وهــو الـراع الــذي اســتنزف طاقــة‬
‫مــر وثقتهــا منــذ حــرب يونيــو ‪ ،1967‬إذ إن وجــود إرسائيــل يف حــد ذاتــه مل‬
‫يكن هو الذي يشكل تهدي ًدا لوجود مرص‪ ،‬وإمنا الحرب معها‪.‬‬
‫•كان مــن املفــرض أن تــأيت الخطــوة املنطقيــة تجــاه الســام مــع إرسائيــل عــى‬
‫شــكل اتفــاق بشــأن الضفــة الغربيــة لنهــر األردن‪ ،‬التــي احتلتهــا إرسائيــل يف‬
‫أعقــاب حــرب يونيــو ‪ .1967‬لكــن هــذا الخيــار اسـتُبعد بســبب املشــهد الســيايس‬
‫الداخــي العــريب‪ .‬ويف أكتوبــر ‪ ،1974‬اتخــذت جامعــة الــدول العربيــة قــرا ًرا‬
‫باعتبــار «منظمــة التحريــر الفلســطينية» املمثــل الرشعــي الوحيــد للفلســطينيني‪.‬‬
‫وكان هــذا يعنــي أن أي محاولــة إرسائيليــة لالنفصــال عــن الضفــة الغربيــة‪ ،‬عــن‬
‫طريــق التفــاوض مــع امللــك حســن ملــك األردن‪ ،‬ســوف تقــود عــى الفــور إىل‬
‫رصاع أهــي يف العــامل العــريب‪ .‬ومل تكــن إرسائيــل مســتعدة آنــذاك للتعامــل مــع‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية العازمة عىل تدمري إرسائيل‪.‬‬
‫• يف الوقــت نفســه‪ ،‬وصلــت قيــادة جديــدة إىل البيــت األبيــض‪ ،‬حيــث أدى جريالــد‬
‫فــورد اليمــن الدســتورية كرئيــس يف أعقــاب اســتقالة نيكســون‪ .‬وبالتــوازي مــع‬
‫ذلــك‪ ،‬أدى إســحاق رابــن اليمــن الدســتورية بوصفــه رئيــس الــوزراء اإلرسائيــي‬
‫الجديــد‪ .‬وتجــدر اإلشــارة إىل أن رابــن‪ ،‬وهــو أحــد القــادة الســابقني يف الجيــش‬
‫اإلرسائيــي أثنــاء حــرب عــام ‪ ،1967‬كان لديــه قناعــة بــأن وضــع إرسائيــل الهــش‬
‫عــى مــدى تاريخهــا ال ميكــن تجــاوزه إاَّلَّ مــن خــال ربــط الشــعب اإلرسائيــي‬
‫بجريانــه العــرب‪ .‬كان رابــن حاصـ ًـا عــى تعليــم جيــد‪ ،‬ولديــه درجــة عاليــة مــن‬
‫الــذكاء‪ ،‬وكان ينظــر إىل عمليــة التفــاوض مــن خــال منظــور تحليــي‪ .‬وبالنســبة‬
‫لــه‪ ،‬كان يفضــل النهــج التدريجــي‪ ،‬وقــد عـ َّـر عنــه مبقولــة‪« :‬قطعــة مــن األرض‬
‫مقابل قطعة من السالم»‪.‬‬
‫•يف عــام ‪ ،1975‬بــدأ الســادات ورابــن يستكشــفان مفاوضــات ســام تجريبيــة‪ .‬كان‬
‫الرجــان ملتزمـ ْـن بفكــرة الســام‪ ،‬واتفقــا عــى نهــج تدريجــي ومتعــدد املراحــل‪.‬‬
‫كان املفهــوم املطــروح عــى الطاولــة يقــوم عــى انســحاب إرسائيــي آخــر مقابــل‬
‫إعــان مــري بعــدم االعتــداء‪ .‬ويف عــام ‪ 1975‬بــدا يف األفــق يشء مــن االتفــاق‪،‬‬
‫أقامــت مــر وإرسائيــل مبوجبــه توازنًــا بــن الــرورات العســكرية واألوضــاع‬
‫السياسية‪.‬‬
‫•يف أبريــل ‪ ،1977‬قــدم الســادات إىل الرئيــس األمريــي جيمــي كارتــر ‪ -‬الــذي‬
‫جــرى تنصيبــه حديثًــا ‪ -‬خطــة ســام‪ ،‬تدعــو إىل إقامــة دولــة فلســطينية‪ ،‬مــع‬
‫االنســحاب اإلرسائيــي إىل حــدود مــا قبــل عــام ‪ .1967‬وقــال الســادات إنــه‬
‫مســتعد أيضً ــا لالعــراف رســميًا بإرسائيــل‪ ،‬وإنــه لــن يعــرض عــى املســاعدة‬
‫األمريكيــة أو الضامنــات املقدمــة للدولــة الفلســطينية املرتقبــة‪ .‬بيــد أن رئيــس‬
‫الــوزراء اإلرسائيــي ‪ -‬املنتخــب حديثًــا أيضً ــا ‪ -‬اســتبعد التوصــل إىل «ســام ُملْـزِم»‬
‫مع مرص إذا كان يتضمن االنسحاب إىل حدود ما قبل عام ‪.1967‬‬
‫أظهــرت الســنوات األربــع التاليــة أن مــا قــام بــه الســادات خلــق أمــام الطرفــن‬
‫كثـ ًرا مــن العقبــات‪ .‬جــاءت أوىل االتهامــات مــن العــامل العــريب‪ ،‬حيــث شــعر القــادة‬
‫العــرب أن الســادات خانهــم شــخص ًيا مــن خــال عــدم تشــاوره معهــم‪ .‬ويف مؤمتــر‬
‫ُعقــد يف طرابلــس الغــرب يف ديســمرب ‪ ،1977‬وصفــت ســوريا والجزائــر واليمــن الجنويب‬
‫وليبيــا ومنظمــة التحريــر الفلســطينية ترصفــات الســادات بأنهــا «خيانــة عظمــى»‪،‬‬
‫واتفقــت عــى فــرض إجـراءات مقاطعــة عقابيــة ضــد أي مؤسســات مرصيــة تتعامــل‬
‫تجاريًــا مــع إرسائيــل‪ .‬وعــى إثــر ذلــك بوقــت قصــر‪ ،‬قطعــت مــر عالقاتهــا مــع‬
‫خمس دول عربية‪ ،‬إىل جانب منظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬
‫•يف العــام التــايل‪ ،‬تعــرت خطــوات بيغــن والســادات نحــو الســام‪ ،‬مــا ســبّب‬
‫إزعا ًجــا للســادات الــذي طلــب مــن كارتــر االنضــام إىل طاولــة املفاوضــات‪.‬‬
‫اســتجاب الرئيــس األمريــي إىل هــذا االقـراح‪ ،‬وأرســل دعــوة إىل ك ٍُّل من الســادات‬
‫وبيغــن لالجتــاع يف كامــب ديفيــد يف ســبتمرب ‪ .1978‬يف هــذا االجتــاع اتفــق‬
‫الطرفــان عــى نبــذ اســتخدام القــوة‪ ،‬وعــى تطبيــع العالقــات‪ ،‬وتوقيــع معاهــدة‬
‫ســام ثنائيــة‪ ،‬والســاح باســتمرار وجــود قــوات األمــم املتحــدة حــول قنــاة‬
‫الســويس‪ .‬ويف هــذا االجتــاع أيضً ــا وافقــت إرسائيــل عــى االنســحاب مــن ســيناء‬
‫بكاملها‪.‬‬
‫•قوبلــت اتفاقيــة كامــب ديفيــد بالرفــض مــن أبــرز القــادة العــرب؛ لفشــلها يف‬
‫تســوية الوضــع النهــايئ للضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬وعــدم إرشاك منظمــة‬
‫التحريــر الفلســطينية يف املفاوضــات‪ .‬وأســهمت املعارضــة العربيــة الخارجيــة يف‬
‫تغذية العداء للسادات داخل مرص‪.‬‬
‫•يُذكــر أنــه يف عــام ‪ ،1974‬بــدأ الســادات الرتويــج لسياســات االنفتــاح االقتصــادي‬
‫من خالل ترشيع قوانني حررت االقتصاد املرصي‪.‬‬
‫•يف ينايــر ‪ ،1977‬عندمــا حــاول الســادات رفــع الدعــم عــن املــواد الغذائيــة‬
‫األساســية مثــل الخبــز‪ ،‬اندلعــت أعــال شــغب يف جميــع أنحــاء البــاد‪ ،‬وبلــغ‬
‫عــدد املتظاهريــن ‪ 30‬ألــف شــخص يف القاهــرة وحدهــا‪ .‬كان مــن أقــوى خصومــه‬
‫يف تلــك املرحلــة جامعــة التكفــر والهجــرة‪ ،‬التــي كرســت جهودهــا ملحاربــة‬
‫النفــوذ الغــريب والصهيونيــة‪ ،‬وعارضــت جهــود الســام التــي بذلهــا الســادات‪.‬‬
‫ورسعــان مــا تحولــت املعارضــة إىل العنــف‪ ،‬حيــث قامــت الجامعــة األصوليــة‬
‫باختطاف أحد وزراء السادات السابقني وإعدامه يف يوليو ‪.1977‬‬
‫•يف ‪ 6‬أكتوبــر ‪ ،1981‬احتفلــت مــر بالذكــرى الثامنــة لحــرب أكتوبــر‪ .‬كان‬
‫جالســا عــى املنصــة يشــاهد العــرض العســكري‪ ،‬عندمــا توقفــت فجــأة‬
‫الســادات ً‬
‫إحــدى الشــاحنات‪ ،‬وأطلــق أحــد املتشــددين املســلحني النــار عــى الســادات‪،‬‬
‫فقتلــه مــع عــرة أشــخاص آخريــن‪ .‬وهكــذا تحــول طريــق الســادات مــن‬
‫السعي لتحقيق حلم املصالحة التاريخية إىل طريق لنيل الشهادة‪.‬‬
‫•كان الســادات يعتقــد أن حريــة مــر ســتتحقق أواًلً مــن خــال االســتقالل‪ ،‬ثــم‬
‫مــن خــال املصالحــة التاريخيــة‪ .‬وكان هدفــه إحيــاء حــوار قديــم بــن اليهــود‬
‫والعــرب‪ ،‬بنــا ًء عــى فهمــه أن بينهــا تاري ًخــا مشــركًا‪ .‬وهــذا اإلميــان يف إمكانيــة‬
‫التوافــق والتعايــش بــن املجتمعــات ذات العقائــد الدينيــة املختلفــة هــو األمــر‬
‫الذي مل يحتمله خصومه‪.‬‬
‫•كانــت رؤيــة الســادات ملــر أنهــا «دولــة إســامية مســاملة»‪ ،‬متتلــك مــن القــوة‬
‫ـداًل مــن الخضــوع لهيمنتهــا‬‫مــا ميكنهــا مــن إبـرام رشاكــة مــع عدوتهــا الســابقة‪ ،‬بـ ً‬
‫أو محاولــة الهيمنــة عليهــا‪ .‬وقــد أدرك أن الســام العــادل ال ميكــن أن تفرضــه‬
‫قــوى خارجيــة‪ ،‬وأنــه لــن يتحقــق إ َّاَّل مــن خــال التقــدم واالع ـراف باملصالــح‬
‫املشــركة‪ .‬ولكــن رؤيتــه كانــت بعيــدة كل البعــد عــن رؤيــة أقرانــه ومعارصيــه‪،‬‬
‫يبــق منهــا بعــد مرصعــه إ َّاَّل العنــارص‬
‫مــا جعــل تطبيقهــا صع ًبــا عليــه‪ .‬ومل َ‬
‫العملية التي كان يعتربها رسيعة الزوال‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬يل كوان يو‪ ،‬أول رئيس وزراء‬
‫لسنغافورة (‪.)1990 -1959‬‬
‫•يف عــام ‪ ،1968‬ذهــب يل كــوان يــو‪ ،‬رئيــس وزراء ســنغافورة‪ ،‬إىل جامعــة هارفــارد‬
‫لقضــاء إجــازة مدتهــا شــهر‪ .‬كان يل معروفًــا بقيادتــه لحــزب شــبه اشــرايك يف‬
‫دولــة حديثــة التأســيس يف حقبــة مــا بعــد االســتعامر‪ .‬ويف اجتــاع مــع أعضــاء‬
‫هيئــة التدريــس بجامعــة هارفــارد‪ ،‬قــال يل إن ســنغافورة تعتمــد عــى الواليــات‬
‫املتحــدة األمريكيــة لضــان أمنهــا‪ ،‬يف مواجهــة هجــات العصابــات الشــيوعية‬
‫التي تدعمها الصني يف جنوب رشق آسيا‪.‬‬
‫•مل يُ َح ِّمــل يل الواليــات املتحــدة األمريكيــة مســؤولية التحديــات التــي تواجههــا‬
‫ســنغافورة‪ ،‬بــل ســعى للحصــول عــى وعــود منهــا مبســاعدة ســنغافورة يف تحقيق‬
‫النمــو االقتصــادي وضــان األمــن‪ .‬وشــدد عــى أن املــورد الرئيــي لســنغافورة‬
‫دعــا أمريكيًــا ملواجهــة التحديــات التــي ميثلهــا‬
‫ً‬ ‫هــو شــعبها‪ ،‬ولكنــه طلــب‬
‫انســحاب القــوات الربيطانيــة مــن ســنغافورة‪ .‬وقــد أظهــر منهجــه أنــه رجــل‬
‫دولــة‪ ،‬ميتلــك القــدرة عــى تحليــل األمــور بشــكل واضــح‪ ،‬ويتحــى بالشــجاعة‬
‫الالزمة للسري عكس التيار السائد‪.‬‬
‫•يبـ ّـن كيســنجر أن إحــدى الصفــات األساســية لرجــل الدولــة هــي قدرتــه عــى‬
‫مقاومــة االنج ـراف مــع التيــار الســائد‪ .‬ويذكــر أن مشــاركة يل يف تلــك النــدوة‬
‫الدراســية بجامعــة هارفــارد كانــت مفيــدة‪ ،‬ليــس فقــط مــن أجــل وصولــه إىل‬
‫تحليــل واضــح ملكانــة كل مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة وســنغافورة يف العامل‪،‬‬
‫بل أيضً ا ألنها أمدته مبزيد من الشجاعة الالزمة للوقوف ضد التيار‪.‬‬
‫•كانــت إنجــازات يل كــوان يــو مختلفــة عــن إنجــازات القــادة اآلخريــن املذكوريــن‬
‫يف الكتــاب‪ .‬فالقــادة اآلخــرون كانــوا ميثلــون دو ًاًل ذات تاريــخ ثــري‪ ،‬بينــا كان يل‬
‫قائـ ًدا لســنغافورة الدولــة املســتقلة حديثًــا‪ .‬ولكــن يل أصبــح رجــل دولــة عامليًــا‪،‬‬
‫ومستشــا ًرا لقــادة بعــض القــوى العظمــى‪ ،‬مثــل ريتشــارد نيكســون ومارغريــت‬
‫تاترش‪.‬‬
‫•إن نجــاح القــادة ‪ -‬مثــل يل ‪ -‬يُقــاس مــن خــال توظيفهــم لتاريــخ مجتمعهــم‬
‫و ِق َيمــه‪ ،‬للوصــول بــه إىل مســتقبل ناجــح‪ .‬فقــد اســتطاع يل تحويــل ســنغافورة‬
‫مــن كيــان ســيايس ال وجــود لــه إىل دولــة ديناميكيــة‪ ،‬تتميــز بتنــوع عرقــي‪،‬‬
‫ومتتلــك اقتصــا ًدا عامل ًيــا‪ ،‬عــى الرغــم مــن صغــر حجمهــا وافتقارهــا إىل املــوارد‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫•بســبب افتقارهــا إىل العمــق التاريخــي‪ ،‬كان بقــاء ســنغافورة يعتمــد عــى أن‬
‫تحقــق أدا ًء عال ًيــا‪ .‬وقــد شـ ّدد يل عــى الحاجــة إىل التميــز لضــان بقاء ســنغافورة‬
‫ـتنْي ‪ -‬الداخليــة والخارجيــة ‪ -‬للحفاظ‬
‫ونجاحهــا‪ .‬وكان أثنــاء قيادتــه يُ َو ِّجــه السياسـ ْ‬
‫عــى النمــو االقتصــادي وتعزيــز التامســك املحــي والعالقــات الخارجيــة‪ .‬كان‬
‫لديــه وعــي تاريخــي بالتحديــات التــي تواجــه الــدول الصغــرة املكونــة مــن‬
‫مدينة واحدة‪ ،‬ومقتن ًعا برضورة التحسني املستمر‪.‬‬
‫•شــملت رؤيــة يل الســعي لتحقيــق التميــز عــى مســتوى املجتمــع‪ ،‬وتشــجيع‬
‫النجــاح املشــرك‪ ،‬وعــدم القبــول بــاألداء املتوســط‪ .‬كان يؤمــن بإمكانــات شــعبه‪،‬‬
‫ويعمــل عــى تعزيــز الثقــة بــه محل ًيــا ودول ًيــا‪ .‬وقــد درســت الصــن نهــج يل‪،‬‬
‫وطبقتــه مــن خــال اإلصالحــات التــي نفذتهــا بعــد رؤيــة نجــاح ســنغافورة‪.‬‬
‫ـي عــن الذكــر أن زيــارة الرئيــس الصينــي دينــج شــياو بينــج لســنغافورة عــام‬
‫وغنـ ٌّ‬
‫‪ ،1978‬ومــا رآه فيهــا‪ ،‬كان لــه تأثــر مبــارش عــى اإلصالحــات التــي حدثــت يف‬
‫الصني يف حقبة ما بعد ماو تيس تونج‪.‬‬
‫• ُولِ ـ َد يل كــوان يــو يف عــام ‪ ،1923‬بعــد أكــر مــن قــرن عــى تأســيس ســنغافورة‬
‫كمركــز تجــاري عــى يــد الســر ســتامفورد رافلــز‪ ،‬نائــب حاكــم املســتعمرة‬
‫الربيطانيــة يف ســومطرة‪ .‬وقــد منــت ســنغافورة التــي أسســها رافلــز يف عــام ‪1819‬‬
‫منـ ًوا رسي ًعــا بســبب التجــارة واملــوارد الطبيعيــة‪ ،‬واســتقرت فيهــا مجموعــات عرقيــة‬
‫متنوعــة‪ ،‬ثــم أصبــح العــرق الصينــي أغلبيــة‪ .‬حــن ُولِـ َد يل‪ ،‬كانــت ســنغافورة متثــل‬
‫أهميــة حيويــة لالسـراتيجية العســكرية الربيطانيــة يف آســيا‪ .‬وقــد ازدهــرت عائلــة‬
‫يل يف عرشينيات القرن املايض‪ ،‬وتأثرت تربيته بتأثريات صينية وإنجليزية‪.‬‬
‫•عــى الرغــم مــن أن يل درس باللغــة اإلنجليزيــة‪ ،‬فقــد كانــت تربيتــه صينيــة‬
‫تقليديــة‪ ،‬وتأثــر بالقيــم الكونفوشيوســية‪ .‬عــاىن والــدا يل مــن الكســاد الكبــر يف‬
‫عــام ‪ ،1929‬ومــع ذلــك فقــد أعطيــا األولويــة لتعليــم أطفالهــا‪ .‬كان يل متفوقًــا‬
‫يف دراســته‪ ،‬ودرس القانــون يف ســنغافورة‪ ،‬ثــم حصــل عــى منحــة مــن امللكــة‬
‫للدراســة يف إنجلــرا‪ .‬بعــد ذلــك‪ ،‬خــال الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وعــى يــد‬
‫االحتــال اليابــاين‪ ،‬تحطمــت لــدى يل وغــره مــن الســنغافوريني صــورة بريطانيــا‬
‫التــي ال ت ُقهــر‪ .‬وكان لــدروس البقــاء العمليــة التــي تعلمهــا يل خــال فــرة‬
‫االحتالل أث ٌر كب ٌري عىل نهجه يف الحكم بعد ذلك‪.‬‬
‫•بعــد الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬تــزوج يل مــن كــوا جيــوك تشــو‪ ،‬التــي كان لهــا‬
‫تأثــر فكــري كبــر يف حياتــه‪ .‬كانــت آراء يل خــال فــرة تعليمــه العــايل يف‬
‫كامربيــدج متيــل نحــو االشـراكية ومناهضــة لالســتعامر‪ ،‬ومســتمدة مــن حــركات‬
‫االســتقالل العامليــة‪ .‬بــدأ يل مشــاركته يف الحيــاة العامــة أثنــاء وجــوده يف بريطانيا‪،‬‬
‫حيــث أيــد الحكــم الــذايت للاماليــا‪ ،‬وطالــب باالســتقالل التعــاوين والتدريجــي‬
‫بشكل يحقق منفعة متبادلة مع القوة املستعمرة‪.‬‬
‫•بعــد الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وأثنــاء وجــود يل يف إنجل ـرا‪ ،‬واجهــت ســنغافورة‬
‫اضطرابــات‪ ،‬وصلــت إىل حــد تقنــن الطعــام‪ ،‬يف ظــل انتشــار مــرض الســل‪ .‬وقــد‬
‫تقلَّــد يل منصــب رئيــس الــوزراء يف فــرة شــهدت فيهــا بــاده تغيـرات دســتورية‪.‬‬
‫فقــام بإنشــاء مجلــس اإلســكان والتعمــر لبنــاء مســاكن ميســورة التكلفــة‬
‫والقضــاء عــى نقــص املســاكن‪ ،‬وقــى عــى الفســاد مــن خــال ســن قوانــن‬
‫صارمة تم تطبيقها بحزم‪.‬‬
‫•كانــت سياســات يل تربــط الرخــاء الفــردي باســتقرار الدولــة‪ ،‬الــذي تعــزز نتيجــة‬
‫ملكافحــة الفســاد‪ .‬كــا أكــد عــى النظــام العــام والوئــام املجتمعــي‪ ،‬معت ـ ًرا أن‬
‫الدولــة املنظمــة ضــان للحريــة‪ .‬واســتثمر يف التعليــم والصحــة والخدمــات‬
‫العامــة‪ ،‬مــا أحــدث تحــواًلً يف جــودة الحيــاة يف ســنغافورة‪ .‬أنشــأ يل أيضً ــا‬
‫مؤسســات شــبه سياســية لتعزيــز املشــاركة العامــة‪ ،‬ودمــج حــزب العمــل‬
‫الشــعبي يف مؤسســات الدولــة‪ .‬وحافــظ حــزب العمــل الشــعبي عــى هيمنتــه‬
‫من خالل املناورات السياسية والنظام االنتخايب واإلجراءات القانونية‪.‬‬
‫•بعــد انفصــال ســنغافورة عــن ماليزيــا يف عــام ‪ ،1965‬أصبحــت ســنغافورة وحيدة‪،‬‬
‫وثــارت مخــاوف بشــأن قدرتهــا عــى البقــاء‪ .‬ولكــن شــعور يل بوضــع ســنغافورة‬
‫الصعب زاد من تصميمه عىل أن تحقق بالده أدا ًء متمي ًزا لضامن البقاء‪.‬‬
‫•يف ســبعينيات القــرن املــايض‪ ،‬توقــع أرنولــد توينبــي أن حجــم ســنغافورة الصغــر‬
‫ســيعوق قدرتهــا عــى البقــاء كدولــة ذات ســيادة‪ .‬ولكــن يل أثبــت عكــس ذلــك‪،‬‬
‫وســعى إىل إنشــاء أمــة موحــدة مــن أعراقهــا املتنوعــة‪ ،‬حيــث قــال يف عــام ‪:1963‬‬
‫«إن عظمــة األمــة ال تكمــن يف حجمهــا فقــط‪ ،‬بــل يف إرادة شــعبها ومتاســكه‬
‫وانضباطــه‪ ،‬وقدرتــه عــى التحمــل‪ ،‬ونوعيــة قادتــه‪ ،‬وهــذا مــا يضمــن لهــا مكانــة‬
‫مرشفة يف التاريخ»‪.‬‬
‫•يــرى يل أن الشــعب املرتابــط بشــدة‪ ،‬الــذي لديــه شــعور باالنتــاء املشــرك‬
‫والقــدرة عــى التكيــف‪ ،‬ســيكون قــاد ًرا عــى مواجهــة أصعــب التحديــات‪ .‬وقــد‬
‫أدرك أن ســنغافورة تفتقــر إىل مكونــات األمــة ‪ -‬وهــي اللغــة والثقافــة واملصــر‬
‫املشرتك ‪ -‬فركز عىل وحدة األعراق واألديان لبناء أمة سنغافورية‪.‬‬
‫•مل يلجــأ يل إىل أســلوب تحريــض األعـراق املتنوعــة بعضهــا ضــد بعــض‪ ،‬بــل قــام‬
‫بتوجيــه التنــوع وإدارتــه‪ .‬وشــملت سياســته اللغويــة تعليـ ًـا ثنــايئ اللغــة‪ ،‬مــا‬
‫جعــل اللغــة اإلنجليزيــة قاسـ ًـا مشــركًا‪ ،‬وأســهم يف تحقيــق فوائــد اقتصاديــة‬
‫وإبراز انفتاح البالد‪.‬‬
‫•كان بنــاء الجيــش ميثــل أولويــة لــردع أي عــدوان؛ نظــ ًرا لعــدم وجــود قــوات‬
‫مواليــة بعــد االنفصــال عــن ماليزيــا‪ .‬وقــد حصــل يل عــى مســاعدة عســكرية مــن‬
‫إرسائيــل‪ ،‬ولكنــه كان يشــر إىل املستشــارين اإلرسائيليــن بكلمــة «املكســيكيني»‪،‬‬
‫لــي يتجنــب أي رد فعــل عنيــف‪ .‬ومــن هنــا أصبــح النمــوذج األمني يف ســنغافورة‬
‫يعكــس نظــره يف إرسائيــل‪ ،‬حيــث متتلــك البــاد جيشً ــا صغـ ًرا‪ ،‬ولكنــه محــرف‪،‬‬
‫ولديهــا قــدرات احتياطيــة‪ .‬يعتقــد يل أن الخدمــة الوطنيــة عــززت الوحــدة‬
‫واملســاواة االجتامعيــة بــن املجموعــات العرقيــة‪ .‬وأصبحــت القــوات املســلحة‬
‫السنغافورية ذات قدرات عالية خالل جيل واحد‪.‬‬
‫•االنفصــال عــن ماليزيــا أدى إىل تحــول نهــج يل االشــرايك نحــو النمــو االقتصــادي‬
‫العمــي واملشــاركة العادلــة‪ ،‬حيــث أدرك أنــه ال يوجــد دليــل إرشــادي جاهــز لبنــاء أمة‬
‫مــن مهاجريــن متنوعــن‪ .‬وشــكلت تجاربــه خــال الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬والنضــاالت‬
‫السياســية‪ ،‬وانفصــال ماليزيــا‪ ،‬كل ذلــك شـكّل قناعاتــه املتعلقــة بالحكــم‪ .‬كــا أثــرت‬
‫رحالته الكثرية وأحاديثه مع القادة األجانب عىل آرائه حول أداء األمة‪.‬‬
‫•رفــض يل الشــيوعية؛ ألنهــا حســب رؤيتــه تعنــي تفكيــك املؤسســات القامئــة التــي‬
‫كانــت تعمــل جيـ ًدا‪ .‬وجــاء تفضيلــه القتصــاد الســوق بنــاء عــى مالحظتــه بأنــه‬
‫يحقــق معــدالت منــو أعــى‪ .‬وســعت سياســته املتعلقــة بالهجــرة إىل إقنــاع‬
‫األجانــب املوهوبــن باالســتقرار يف ســنغافورة‪ .‬مل يكــن الغــرض مــن ذلــك تنفيــذ‬
‫أفــكار نظريــة حــول فوائــد التعدديــة الثقافيــة‪ ،‬بــل كان تلبيــة ملتطلبــات منــو‬
‫سنغافورة وتركيبتها السكانية‪ .‬كام أنه أدخل النساء يف القوى العاملة‪.‬‬
‫•كان يل يعتقــد أن عظمــة األمــة تكمــن يف تالحمهــا وانضباطهــا وقدرتهــا عــى التحمل‬
‫ونوعيــة قيادتهــا‪ .‬وأصبحــت مقولــة «دع التاريــخ يحكــم» هــي املبــدأ الــذي يُ َو ِّجــه‬
‫يل يف اتخــاذ القــرارات‪ ،‬حيــث تب َّنــى سياســات هجــرة تهــدف لتحقيــق النمــو يف‬
‫ســنغافورة‪ ،‬وال تكتفــي مبجــرد التعدديــة الثقافيــة النظريــة‪ .‬كان لتفكــره جانــب‬
‫نفعــي قــوي يهــدف إىل تحقيــق أقــى قــدر مــن الرفاهيــة والتقــدم للمواطنــن‪.‬‬
‫وأجرى مفاضلة بني أنظمة الحكم لتحديد أكرثها فاعلية لرفاهية األمة‪.‬‬
‫•يف عــام ‪ ،1968‬قــررت بريطانيــا إنهــاء وجودهــا العســكري يف ســنغافورة‪ ،‬مــا‬
‫شــكل تهدي ـ ًدا القتصادهــا‪ .‬حينــذاك طلــب يل املشــورة مــن الخبــر االقتصــادي‬
‫ألــرت وينســيميوس‪ ،‬الــذي نصحــه بالتصنيــع‪ ،‬وخفــض األجــور‪ ،‬واالعتــاد عــى‬
‫التكنولوجيــا‪ .‬قــام يل ووزيــر ماليتــه ‪ -‬جــوه كينــج ســوي ‪ -‬بإعــادة تصميــم‬
‫االقتصــاد‪ ،‬والرتحيــب بالــركات متعــددة الجنســيات‪ ،‬والرتكيــز عــى مهــارة‬
‫القــوى العاملــة‪ .‬كــا تــم تنفيــذ مشــاريع لتخضــر املــدن‪ ،‬وتوفــر خدمــات عاليــة‬
‫الجودة‪ ،‬وإطالق مبادرات لجذب االستثامرات األجنبية‪.‬‬
‫•بحلــول عــام ‪ ،1971‬كان اقتصــاد ســنغافورة ينمــو مبعــدل يفــوق ‪ 8%‬ســنويًا‪،‬‬
‫وكان أكــر مــن نصــف القــوة العاملــة يعمــل يف رشكات متعــددة الجنســيات‪.‬‬
‫وبحلــول عــام ‪ ،1973‬أصبحــت ســنغافورة مركـ ًزا رئيسـ ًيا لتكريــر النفــط‪ ،‬وجذبت‬
‫اســتثامرات أجنبيــة كبــرة‪ .‬عــى الرغــم مــن املخــاوف األوليــة‪ ،‬اســتطاعت‬
‫ســنغافورة أن متتــص الصدمــة االقتصاديــة الناتجــة عــن مغــادرة القــوات‬
‫الربيطانيــة‪ ،‬وذلــك بفضــل قــدرة يل عــى التكيــف‪ .‬وقــد أعطــى يل األولويــة‬
‫للتعليــم‪ ،‬وعمــل عــى زيــادة اإلنتاجيــة ورفــع األهــداف الصناعيــة واالجتامعيــة‪.‬‬
‫وخــال ثالثــة عقــود‪ ،‬قــاد يل مســرة التنميــة يف ســنغافورة‪ ،‬انطالقًــا مــن مرحلــة‬
‫الكفــاف‪ ،‬ووصـواًلً إىل مرحلــة االبتــكار واســتخدام التكنولوجيــا العاليــة‪ .‬وبحلــول‬
‫عــام ‪ ،1990‬كانــت ســنغافورة تحــت قيــادة يل قــد حققــت نجا ًحــا اقتصاديًــا‬
‫ت ُحسد عليه‪ ،‬متجاوزة كل التوقعات‪.‬‬
‫•خــال زيارتــه لجامعــة هارفــارد يف عــام ‪ ،1968‬دافــع يل كــوان يــو عــن تدخــل‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف الهنــد الصينيــة‪ ،‬وظــل يدافــع عنــه لســنوات‪،‬‬
‫مؤكــ ًدا عــى دور واشــنطن يف مســتقبل آســيا‪ .‬كانــت تحليــات يل تحظــى‬
‫باالح ـرام بســبب دقتهــا‪ ،‬وبســبب قدرتــه عــى فهــم جوهــر األمــور املعقــدة‪،‬‬
‫فقــد كان يســعى إىل ترســيخ النظــام العاملــي واملحافظــة عــى التــوازن بــن القوى‬
‫العظمــى‪ .‬وكان يق ـ ّدر كــرم الواليــات املتحــدة األمريكيــة وانفتاحهــا‪ ،‬ويعــرف‬
‫بدورها يف نرش االستقرار يف فرتة ما بعد الحرب‪.‬‬
‫•أدرك يل أن ك ًُاًل مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة والصــن تلعبــان دو ًرا محوريًــا‬
‫يف بقــاء ســنغافورة ومكانتهــا يف العــامل‪ ،‬ولكنــه كان يــرى أن الــدور األمريــي أكــر‬
‫رضور ًة للمحافظــة عــى التــوازن يف جنــوب رشق آســيا‪ .‬فنصــح الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة باملوازنــة بــن ُمثُلهــا العليــا وبــن الوقائــع االسـراتيجية‪ ،‬محــذ ًرا إياهــا‬
‫من االنعزالية الجديدة‪.‬‬
‫•بعــد تنحيــه عــن رئاســة الــوزراء‪ ،‬ظــل يل يُ َذكّــر الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬
‫مبســؤولياتها العامليــة وأهميــة الحفــاظ عــى التــوازن‪ .‬كان يحــرم الواليــات‬
‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬ولكــن مواقفهــا املتقلبــة كانــت تُشــعره بعــدم االرتيــاح‪ .‬كــا‬
‫كان يحــرم الصــن ويخشــاها بســبب ســعيها املســتمر لتحقيــق أهدافهــا‪ .‬كانــت‬
‫رؤيــة يل الجيوسياســية تتمحــور حــول ضــان ازدهــار ســنغافورة مــن خــال‬
‫إقامة عالقات متوازنة مع القوى العظمى‪.‬‬
‫•توقــع يل كــوان يــو قــدرة الصــن عــى الهيمنــة يف آســيا‪ ،‬وأدرك تصميمهــا عــى‬
‫ذلــك‪ .‬كــا توقــع صعــود الصــن يف نهايــة املطــاف عــى الرغــم مــن تخلفهــا‬
‫االقتصــادي حينــذاك‪ ،‬ولكنــه توقــع أيضً ــا أن تبقــى ضعيفــة يف املــدى املتوســط‪،‬‬
‫بســبب نظامهــا الشــيوعي وافتقارهــا إىل املعرفــة العمليــة‪ .‬وقــد تغــرت نظرتــه‬
‫بشــأن صعــود الصــن‪ ،‬فتحولــت مــن االحـرام املمــزوج بالخــوف إىل إدراك أنهــا‬
‫باتــت متثــل التحــدي الرئيــي يف تلــك الحقبــة‪ .‬كان يل يــرى أن ميــول الصــن‬
‫اإلمربياليــة عــر تاريخهــا ميكــن أن تدفعهــا نحــو الهيمنــة‪ ،‬فحــرص عــى أن تكــون‬
‫ســنغافورة دولــة مســتقلة يف عالقاتهــا مــع كل مــن الصــن والقوتـ ْـن العظميـ ْـن‬
‫األخرينْي (الواليات املتحدة األمريكية واالتحاد السوفيتي يف ذلك الوقت)‪.‬‬‫ْ‬
‫•رحــب يل بالزعيــم الصينــي دينــج شــياو بينــج يف زيارتــه لســنغافورة عــام ‪،1978‬‬
‫يف محاولــة لتخفيــف ميــل السياســة الصينيــة نحــو الهيمنــة‪ .‬وتجــدر اإلشــارة هنــا‬
‫إىل أن هــذه الزيــارة قــد ع ـ ّززت مــن قناعــة دينــج بــرورة إج ـراء إصالحــات‬
‫اقتصاديــة يف الصــن‪ ،‬وأدت إىل تب ِّنيــه سياســات االنفتــاح االقتصــادي‪ .‬كان يل يُدرك‬
‫قــدرة دينــج عــى تغيــر سياســات مــاو‪ ،‬ورأى يف انهيــار االتحــاد الســوفيتي دليـ ًـا‬
‫عىل عدم فهم غورباتشوف لألوضاع الدولية‪.‬‬
‫•كان تحذيــر يل كــوان يــو بشــأن صعــود الصــن مقلقًــا للواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة‪ ،‬حيــث توقــع أن تســعى الصــن إىل مشــاركة الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة يف الهيمنــة عــى العــامل‪ ،‬مــا ســيؤدي إىل اضطـراب التــوازن العاملــي‪.‬‬
‫وشــدد عــى رضورة وجــود عالقــة متوازنــة ووديــة بــن الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة والصــن؛ مــن أجــل تقــدم ســنغافورة‪ .‬كــا حــث الجيــل الصاعــد يف‬
‫الصــن عــى التواضــع‪ ،‬وحــث الواليــات املتحــدة األمريكيــة عــى إرشاك الصــن يف‬
‫املجتمع الدويل‪.‬‬
‫•رأى يل يف احتــال نشــوب حــرب بــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة والصــن أمــ ًرا‬
‫مرع ًبــا‪ ،‬وشــدد عــى رضورة التـزام البلديــن بضبــط النفــس‪ .‬وتوقــع أن يــؤدي صعــود‬
‫الصــن إىل ظهــور تحديــات بالنســبة لهــا وللواليــات املتحــدة األمريكيــة عــى الســواء‪،‬‬
‫وتساءل عام إذا كان بإمكانهام تحويل السلوك العدايئ إىل تعايش سلمي‪.‬‬
‫جانبــي املحيــط الهــادي‪ ،‬وميثــل ضمــر‬
‫ْ‬ ‫•كان يل قائــ ًدا يحظــى باالحــرام عــى‬
‫العــامل‪ ،‬وكان يدعــو إىل الحكمــة وضبــط النفــس ملنــع وقــوع كارثــة عامليــة‪ .‬ويــرى‬
‫كيســنجر أن مصــر العــامل الحديــث يعتمــد عــى قــدرة الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكية والصني ‪ -‬م ًعا ‪ -‬عىل التعايش وتجنب االنزالق نحو الرصاع‪.‬‬
‫•اســتقال يل كــوان يــو مــن منصــب رئيــس الــوزراء يف عــام ‪ ،1990‬ونــأى بنفســه‬
‫تدريجيًــا عــن شــؤون الحكــم‪ .‬ولكــن ينبغــي االع ـراف بــأن الفضــل يعــود إليــه‬
‫يف منــو نصيــب الفــرد مــن الناتــج املحــي اإلجــايل يف ســنغافورة‪ ،‬مــن ‪ 517‬دوال ًرا‬
‫يف عــام ‪ ،1965‬إىل ‪ 60‬ألــف دوالر يف عــام ‪ ،2020‬مــع منــو الناتــج املحــي اإلجــايل‬
‫مبعــدل ‪ 8%‬ســنويًا‪ .‬وكان النهــج الــذي اتبعــه لتحقيــق النمــو االقتصــادي يقــوم‬
‫عــى التجــارة الحــرة والرأســالية وتنفيــذ عقــود األعــال‪ .‬كــا رأى يف التنــوع‬
‫العرقــي ميــزة‪ ،‬وعمــل عــى منــع التدخــل الخارجــي يف النزاعــات املحليــة‪ .‬وكان‬
‫ـداًل‬
‫يعتقــد أن األيديولوجيــات السياســية غــر مهمــة لتطــور املجتمــع‪ ،‬مشــد ًدا بـ ً‬
‫من ذلك عىل أهمية الثقافة والتعايش‪.‬‬
‫•ســار خلفــاء يل عــى نهجــه‪ ،‬وظــل نظــام الحكــم يف ســنغافورة اســتبداديًا‪ ،‬مــع‬
‫اســتخدام االنتخابــات لتقييــم األداء‪ .‬فقــد رأى يل أن تركيــز ســنغافورة عــى‬
‫الدميقراطيــة يف البدايــة رمبــا كان ســيؤدي إىل ترســيخ االنقســامات العرقيــة‬
‫وتعزيــز السياســات القامئــة عــى الهويــة‪ .‬ولذلــك ركــز عــى اإلدارة العمليــة‬
‫والكفاءة الفنية لخدمة املواطنني‪.‬‬
‫•يتمثــل التحــدي الــذي يواجــه ســنغافورة يف املســتقبل يف املوازنــة بــن التقــدم‬
‫االقتصــادي وبــن التحــول الدميقراطــي واإلنســاين املحتمــل‪ .‬كان يل يجــرب‬
‫باســتمرار‪ ،‬ويتبنــى السياســات التــي يثبــت نجاحهــا‪ .‬وهكــذا أســس دولــة‪،‬‬
‫ووضــع نه ًجــا لتنميتهــا‪ ،‬وأوضــح دور الحكــم الرشــيد يف تحديــد طبيعة ســنغافورة‬
‫وكتابة تاريخها‪.‬‬
‫•كان يل كــوان يــو يعــزو خصالــه الشــخصية إىل نشــأته الصينيــة التقليديــة‪ ،‬ويعتــر‬
‫نفســه كونفوشيوسـيًا بالفطــرة‪ .‬كان يؤمــن بإعطــاء األولويــة للمجتمــع عــى املصالــح‬
‫الفرديــة‪ ،‬وهــذا بالطبــع يتعــارض مــع املبــادئ األمريكيــة‪ .‬كان يل يســعى ألن يكــون‬
‫مخلصــا ومســؤواًلً وفــق املُثُــل الكونفوشيوســية‪ .‬وكان يركــز عــى التقــدم‬
‫مواط ًنــا ً‬
‫ويكره إضاعة الوقت‪ ،‬ويعمل دامئًا عىل تحقيق أهداف املجتمع‪.‬‬
‫•أدت صداقــة يل مــع كيســنجر إىل مناقشــات متنوعــة بينهــا‪ .‬واســتمرت عالقتــه‬
‫القويــة مــع زوجتــه تشــو حتــى وفاتهــا بعــد إصابتهــا بســكتة دماغيــة‪ .‬وبعــد‬
‫وفاتهــا تضاءلــت طاقتــه‪ ،‬ولكنــه ظــل يعمــل بإخــاص‪ .‬ومــا يـزال إرثــه متمثّـ ًـا يف‬
‫التقــدم والتفاهــم والتعايــش والقيــادة االســترشافية‪ .‬كان يشــدد عــى نوعيــة‬
‫الشــعب وأهميــة القيــادة يف تقريــر مصــر املجتمــع‪ .‬ومــا ي ـزال إرثــه واض ًحــا‬
‫وملهاًم يف عامل اليوم الحافل باالضطرابات اإلقليمية والرصاعات عىل النفوذ‪.‬‬‫ً‬
‫عامي ‪ 1979‬و‪1990‬‬
‫•الفصل السادس‪ :‬مارغريت تاترش‪ ،‬رئيسة وزراء بريطانيا بني ْ‬
‫ـي ‪ 1979‬و‪ 1990‬معــامل حقبــة بكاملهــا‬ ‫•رســمت قيــادة مارغريــت تاتــر بــن عامـ ْ‬
‫يف اململكــة املتحــدة‪ .‬فقــد عملــت عــى التخلــص مــن قيــود املــايض والحنــن إىل‬
‫أمجــاد اإلمرباطوريــة‪ .‬وحولــت بريطانيــا تحــت قيادتهــا إىل أمــة واثقــة بقدراتهــا‪.‬‬
‫يف البدايــة‪ ،‬كانــت هنــاك شــكوك يف إمكانيــة نجاحهــا بســبب جنســها‪ ،‬وضعــف‬
‫رأســالها الســيايس‪ ،‬ومكانتهــا االجتامعيــة‪ .‬فقــد كانــت أول امــرأة تتــوىل رئاســة‬
‫الــوزراء يف اململكــة املتحــدة‪ ،‬وواحــدة مــن قلــة مــن السياســيني املنتمــن إىل‬
‫الطبقة الوسطى الذين تولوا قيادة حزب املحافظني‪.‬‬
‫•متيــزت قيــادة تاتــر بالثبــات الشــخيص والنهــج الفريــد‪ .‬ومتيــزت إصالحاتهــا‬
‫بالحــزم والشــجاعة السياســية‪ .‬وارتبــط كيســنجر بعالقــة صداقــة قويــة معهــا‬
‫استمرت ما يقرب من أربعة عقود‪.‬‬
‫•تُ َعـ ُّد معرفــة النظــام الســيايس الربيطــاين أمـ ًرا بالــغ األهميــة لفهــم أبعــاد صعــود‬
‫مارغريــت تاتــر وســقوطها‪ .‬فعــى عكــس منــط القيــادة الفــردي الســائد يف‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬تضطلــع األح ـزاب السياســية يف اململكــة املتحــدة‬
‫بــأدوار مؤسســية‪ ،‬حيــث يــؤدي فــوز الحــزب يف االنتخابــات إىل هيمنتــه عــى‬
‫الربملان‪ ،‬وعندها يصبح بإمكانه تعيني رئيس وزراء جديد‪.‬‬
‫•ينتمــي رئيــس الــوزراء يف اململكــة املتحــدة إىل الحــزب الســيايس الفائــز‪ ،‬ويتبــع‬
‫لــه إىل َحــ ٍّد مــا‪ ،‬عــى عكــس النظــام الرئــايس األمريــي‪ .‬والنظــام الــوزاري يف‬
‫اململكــة املتحــدة يرفــع مــن شــأن الــوزراء‪ ،‬ويــوزع الســلطة بــن رئيــس الــوزراء‬
‫والــوزراء‪ .‬وتعتمــد ســلطة رئيــس الــوزراء عــى انضبــاط حزبــه وحفاظــه عــى‬
‫األغلبية الربملانية وثقة أعضاء الحزب فيه‪.‬‬
‫•مســألة الفصــل بــن الســلطات أقــل وضو ًحــا يف اململكــة املتحــدة‪ ،‬حيــث تندمــج‬
‫الســلطتان الترشيعيــة والتنفيذيــة‪ .‬والتوافــق بــن رئيــس الــوزراء وبــن الحــزب‪،‬‬
‫ومتتعهــا بالتأييــد الشــعبي‪ ،‬هــا اللــذان يضمنــان حســن ســر العمــل‪ .‬ويف حالــة‬
‫انحـراف رئيــس الــوزراء عــن األصــول املتعــارف عليهــا‪ ،‬أو ظهــوره مبظهــر ضعيف‪،‬‬
‫يحتاج إىل دعم مجلس الوزراء والحزب‪.‬‬
‫•يف نظــام اململكــة املتحــدة‪ ،‬يحتــاج قائــد الحــزب إىل الثبــات واإلميــان والرباعــة‬
‫وقــوة اإلقنــاع ليحافــظ عــى منصبــه‪ .‬يف عــام ‪ ،1974‬تحــدت مارغريــت تاتــر‬
‫إدوارد هيــث عــى قيــادة حــزب املحافظــن‪ .‬وش ـكّل فوزهــا عليــه بشــكل غــر‬
‫متوقــع تحـواًلً يف مســرة الحــزب‪ .‬كانــت معتقــدات تاتــر األساســية تقــوم عــى‬
‫املجتمــع الحــر‪ ،‬وتوزيــع الســلطة‪ ،‬وتأييــد املِلْ ِكيَّــة الخاصــة‪ .‬وأســهمت هــذه‬
‫املعتقــدات يف بلــورة سياســاتها خــال فــرة توليهــا رئاســة الــوزراء مــن عــام ‪1979‬‬
‫إىل عام ‪.1990‬‬
‫•عندمــا تولــت تاتــر منصبهــا يف عــام ‪ ،1979‬واجهــت تحديــات املصاعــب‬
‫االقتصاديــة وتدهــور مكانــة البــاد‪ .‬فبعــد الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬تضــاءل نفــوذ‬
‫اململكــة املتحــدة حــول العــامل مــع صعــود القــوة األمريكيــة‪ .‬ولذلــك اقــرح‬
‫ترششــل إقامــة عالقــة خاصــة مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة تســمح للمملكــة‬
‫املتحدة باملحافظة عىل نفوذ عاملي‪.‬‬
‫•يف عــام ‪ ،1956‬أظهــرت أزمــة قنــاة الســويس تراجــع قــوة اململكــة املتحــدة‪،‬‬
‫واعتامدهــا عــى الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬وأدت املشــكالت االقتصاديــة‬
‫وانتهــاء االســتعامر إىل إضعــاف مكانتهــا يف العــامل‪ .‬ونشــأ رصاع هويــة يف‬
‫اململكــة املتحــدة بــن التوجــه نحــو تعزيــز الروابــط مــع الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة‪ ،‬وبــن الرغبــة يف توثيــق العالقــات مــع أوروبــا‪ .‬ويُذكــر أن إدوارد‬
‫هيــث كان يســعى إىل تعزيــز التوجــه نحــو أوروبــا‪ ،‬مــا تس ـبّب يف ت َ َوتُّــر‬
‫العالقــات بــن اململكــة املتحــدة والواليــات املتحــدة األمريكية‪ .‬كان نيكســون‬
‫يُفضّ ــل هيــث‪ ،‬يف حــن كان هيــث يســعى إىل تقليــص العالقــات مــع‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة؛ مــن أجــل املحافظــة عــى صــورة جيــدة لبالده‬
‫يف أوروبا‪.‬‬
‫•األزمــة الداخليــة األمريكيــة (ووترجيــت‪ )،‬والتحــركات الســوفيتية‪ ،‬أســهام يف‬
‫تعقيــد العالقــات بــن اململكــة املتحــدة والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬وعانــت‬
‫اململكــة املتحــدة يف الســبعينيات مــن رصاعــات اقتصاديــة وتضخــم ونزاعــات‬
‫عامليــة‪ .‬وشــهد شــتاء ‪ 1979 -1978‬إرضابــات شــديدة‪ ،‬أدت إىل أزمــة ونقــص يف‬
‫الســلع‪ ،‬فيــا كانــت القيــادة الربيطانيــة الســابقة منشــغلة بالرتكيــز عــى مســألة‬
‫إدارة تدهور مكانة بريطانيا‪ ،‬مام أوجد حاجة إىل قائد مختلف‪.‬‬
‫•تنحــدر مارغريــت روبرتــس‪ ،‬املولــودة عــام ‪ 1925‬يف جرانثــام‪ ،‬مــن عائلــة متدينة‪،‬‬
‫تقــدر العمــل الجــاد والكتــاب املقــدس‪ .‬كانــت متفوقــة يف دراســتها‪ ،‬وقــادت‬
‫رابطــة أكســفورد للمحافظــن‪ ،‬ثــم حصلــت عــى مقعــد يف الربملــان يف عــام ‪.1959‬‬
‫يف أول خطــاب لهــا يف مجلــس العمــوم عــام ‪ ،1960‬أيــدت اطــاع الجمهــور عــى‬
‫مجريات اجتامعات الحكومة املحلية‪.‬‬
‫•متيــزت تاتــر بكفاءتهــا والتزامهــا‪ ،‬مــا مكنهــا مــن صعــود الســلم الســيايس‪.‬‬
‫رشا‪ ،‬وتعطــي األولويــة للمبــادئ‬ ‫كانــت تحمــل ِق َيـ ًـا محافظــة‪ ،‬وتتبــع أســلوبًا مبــا ً‬
‫عــى الوعــود‪ .‬كان لديهــا الشــجاعة والقناعــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن التوقعــات بــأن‬
‫قيادتهــا للحــزب ســتكون وجيــزة‪ .‬وقــد أســهمت نشــأة تاتــر و ِق َي ُمهــا والتزامهــا‬
‫يف بلورة نهجها يف القيادة‪.‬‬
‫•ســعت تاتــر إىل إحــداث تحــول يف البــاد‪ ،‬ووضعــت سياســات واضحــة‪ ،‬وآمنــت‬
‫بالعالقــة الخاصــة مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬وامتــدت عالقتهــا مــع‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة إىل مــا بعــد تركهــا ملنصبهــا‪ ،‬حيــث ســعت إىل إجـراء‬
‫مناقشات بشأن رؤيتها وخياراتها‪.‬‬
‫•تبلــورت وجهــات نظــر تاتــر بشــأن السياســة الخارجيــة مــن خــال الدراســة‬
‫الدؤوبــة‪ ،‬وعقــد نــدوات مــع املفكريــن‪ .‬كانــت شــديدة اإلميــان مبســألة عــدم‬
‫انتهــاك ســيادة الــدول‪ ،‬وبحــق املواطنــن يف اختيــار حكومتهــم‪ .‬كانــت الســيادة‬
‫الربيطانيــة مرتبطــة بالتاريــخ والجغرافيــا واالســتقالل‪ .‬وكانــت تاتــر تحــرم‬
‫القانون الدويل‪ ،‬ولكنها مل تكن تريد إرشاك األمم املتحدة دون رضورة‪.‬‬
‫•كانــت تاتــر تؤمــن بــرورة امتــاك نظــام دفاعــي وطنــي قــوي ورادع؛ مــن‬
‫أجــل املحافظــة عــى الســام والســيادة‪ .‬كان لديهــا قناعــة قويــة مناهضــة‬
‫للشــيوعية‪ ،‬وروجــت بقــوة للدميقراطيــة الليرباليــة باعتبارهــا متفوقــة أخالق ًيــا‪.‬‬
‫وبغــض النظــر عــن مبادئهــا‪ ،‬فــإن وجــود اتحــاد ســوفيتي مســلح نوويًــا كان‬
‫يعنــي أن دفــاع اململكــة املتحــدة ال بُـ َّد أن يعتمــد عــى الرشاكــة مــع الواليــات‬
‫املتحدة األمريكية‪.‬‬
‫•شــملت العالقــة الخاصــة مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة مشــاورات وثيقــة‬
‫وصداقــة تاريخيــة‪ .‬كانــت تاتــر معجبــة بالواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وتؤمــن‬
‫بالحاجــة إىل تنفيــذ مــروع مشــرك إلحيــاء التحالــف الغــريب‪ .‬وكان نهجهــا يف‬
‫القيــادة يــوازن بــن املبــادئ والقــدرة عــى التكيــف‪ ،‬ويعتمــد عــى جاذبيتهــا‬
‫وقــوة قيادتهــا‪ .‬وكانــت تقبــل النتائــج املنقوصــة باعتبارهــا مرحلــة يف عمليــة‬
‫أطول‪ ،‬وتفضل العمل عىل التقاعس‪.‬‬
‫•ركــزت تاتــر بصــورة أساســية عــى اإلصــاح الداخــي‪ ،‬إىل جانــب مــا كانــت‬
‫تتمتــع بــه أيضً ــا مــن حضــور دويل بــارز‪ .‬مل يكــن فوزهــا يف عــام ‪ 1979‬مضمونًــا‪،‬‬
‫ولكــن دراســتها لالقتصــاد مكنتهــا مــن اقتنــاص الفــرص‪ .‬كان برنامــج تاتــر‬
‫االقتصادي يهدف إىل مكافحة التضخم‪ ،‬فرفعت أسعار الفائدة إىل ‪.17%‬‬
‫•عــى الرغــم مــن االنتقــادات‪ ،‬فــإن إصالحــات تاتــر االقتصاديــة اســتطاعت‬
‫تغيــر بريطانيــا‪ ،‬حيــث تــم رفــع الضوابــط املفروضــة عــى أســعار الــرف‪،‬‬
‫وفُتحــت البورصــة‪ ،‬ومتــت خصخصــة الــركات اململوكــة للدولــة‪ .‬كــا نفــذت‬
‫«برنامــج حــق ال ـراء»‪ ،‬الــذي ح ـ ّول املســتأجرين إىل أصحــاب منــازل‪ ،‬وأســفر‬
‫عن تكوين قواعد انتخابية جديدة‪.‬‬
‫•ونجحــت إصالحاتهــا االقتصاديــة‪ ،‬حيــث تراجعــت معــدالت التضخــم والبطالــة‪،‬‬
‫وارتفــع الدخــل‪ ،‬وانخفــض عــدد أيــام العمــل الضائعــة بســبب النزاعــات‬
‫العامليــة‪ .‬وقــد اســتمر تأثــر تاتــر االقتصــادي‪ ،‬حيــث أثّــر نهجهــا عــى حكومــة‬
‫حــزب العــال الجديــدة برئاســة تــوين بلــر‪ ،‬ودفعهــا لتبنــي سياســات ذات ميــول‬
‫ميينيــة‪ .‬وعــى الرغــم مــن اضطـرار تاتــر إىل تــرك منصبهــا‪ ،‬فــإن إرثهــا قــد دفــع‬
‫َخلَ َفيْهــا ‪ -‬بلــر وبــراون ‪ -‬لدعوتهــا إىل ‪ 10‬داونينــج ســريت لتنــاول الشــاي‬
‫معهام‪ ،‬مام يثبت استمرار تأثريها عىل الوسط السيايس‪.‬‬
‫•كان مــن واجــب تاتــر الدفــاع عــن املصالــح الربيطانيــة حــول العــامل والحفــاظ‬
‫عــى حلــف الناتــو‪ .‬وشـكّلت أزمــة جــزر فوكالنــد اختبــا ًرا لقــوة عزميتهــا‪ ،‬عندمــا‬
‫غــزت األرجنتــن الجــزر عــام ‪ .1982‬ومــن املعــروف أن األمــم املتحدة قــد طعنت‬
‫يف دفــاع تاتــر عــن الســيادة الربيطانيــة‪ ،‬حيــث نظــرت بعــض الــدول إىل غــزو‬
‫األرجنتــن للجــزر عــى أنــه إنهــاء لالســتعامر‪ .‬بينــا أيــد الرئيــس الفرنــي ميـران‬
‫موقف تاترش‪.‬‬
‫•وازنــت تاتــر بــن املبــادئ وبــن الدبلوماســية يف أزمــة فوكالنــد‪ ،‬وأدى ترصفهــا‬
‫الحــازم إىل إنشــاء مجموعــة عمــل بحريــة عــى الرغــم مــن الشــكوك‪ .‬يف البدايــة‬
‫رسا‬
‫كانــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة مــرددة‪ ،‬ولكنهــا ســاعدت بريطانيــا ً‬
‫وزودتهــا بإمــدادات عســكرية‪ .‬وقــد أدى انتصــار بريطانيــا يف حــرب جــزر‬
‫فوكالنــد إىل رفــع مكانتهــا الدوليــة‪ .‬وكانــت تاتــر تفصــل يف نهجهــا بــن شــؤون‬
‫املستعمرات وبني القضايا االسرتاتيجية‪.‬‬
‫•بعــد حــرب فوكالنــد‪ ،‬واجهــت تاتــر تحــدي مســتقبل هونــغ كونــغ‪ .‬كانــت‬
‫هونــغ كونــغ مســتعمرة بريطانيــة منــذ عــام ‪ ،1842‬ولكــن املناطــق الجديــدة‬
‫املحيطــة بهــا كانــت ُمســتأجرة حتــى عــام ‪ .1997‬رفضــت الصــن املزاعــم‬
‫التاريخيــة لربيطانيــا‪ ،‬وأرصت عــى عــودة هونــغ كونــغ إىل الســيادة الصينيــة‬
‫بحلــول عــام ‪ .1997‬طلبــت تاتــر تعهـ ًدا مــن الصــن باســتمرار اإلدارة الربيطانية‬
‫لهونــغ كونــغ‪ ،‬ولكــن الصــن رفضــت الســيادة واإلدارة الربيطانيــة‪ ،‬ومتســكت‬
‫مبوقف غري قابل للتفاوض يف هذا الشأن‪.‬‬
‫•كانــت بكــن تريــد إبقــاء النظــام الرأســايل يف هونــغ كونــغ تحــت ســيطرتها‪ .‬ومل‬
‫يكــن العمــل العســكري ممك ًنــا بالنســبة لتاتــر‪ .‬وهكــذا قادتهــا املحادثــات إىل‬
‫التفــاوض حــول املناطــق الجديــدة‪ .‬وقــد نــص اإلعــان الصينــي الربيطــاين الصــادر‬
‫عــام ‪ 1984‬عــى نقــل الســيادة يف عــام ‪ ،1997‬مــع اســتمرار الحكــم الــذايت ملــدة‬
‫خمســن عا ًمــا‪ .‬وهكــذا أســهمت تاتــر مــن خــال املفاوضــات يف دعــم الحكــم‬
‫الذايت لهونغ كونغ‪.‬‬
‫•كان للــراع يف أيرلنــدا الشــالية تأثــر شــديد عــى تاتــر‪ ،‬وأضعــف ثقتهــا‬
‫بنفســها‪ .‬ولكنهــا قاومــت تكتيــكات الرتهيــب التــي اتبعهــا الجيــش الجمهــوري‬
‫األيرلنــدي‪ ،‬وســعت إىل إق ـرار الســام مــن خــال املســار الدبلومــايس‪ .‬توصلــت‬
‫تاتــر إىل االتفاقيــة اإلنجليزيــة األيرلنديــة يف عــام ‪ 1985‬إلنهــاء االضطرابــات‪،‬‬
‫ولكنهــا كانــت متعاطفــة مــع أغلبيــة ســكان أيرلنــدا الشــالية الذيــن يريــدون‬
‫الوحــدة‪ .‬عــى الرغــم مــن هجــات الجيــش الجمهــوري األيرلنــدي‪ ،‬تابعــت‬
‫تاتــر مفاوضــات الســام مــع أيرلنــدا‪ ،‬ومل يفلــح تفجــر برايتــون يف عــام ‪1984‬‬
‫يف إضعاف عزميتها‪.‬‬
‫•وافقــت تاتــر عــى إجــراء محادثــات للتوصــل إىل االتفاقيــة اإلنجليزيــة‬
‫األيرلنديــة‪ ،‬التــي منحــت بعــض الســلطة للجانــب األيرلنــدي‪ ،‬مــع الحفــاظ عــى‬
‫الســيادة الربيطانيــة‪ .‬وعــى الرغــم مــن احتجاجــات الوحدويــن التــي أعقبــت‬
‫إب ـرام االتفاقيــة‪ ،‬تحســنت العالقــات بــن الطرفــن‪ ،‬وإن كان نهجهــا مل يوقــف‬
‫متا ًمــا عنــف الجيــش الجمهــوري األيرلنــدي‪ ،‬حتــى إبــرام اتفاقيــة الجمعــة‬
‫العظيمــة عــام ‪ 1998‬التــي حققــت الســام يف نهايــة املطــاف‪ .‬ويتســم إرث‬
‫تاتــر والجهــود التــي بذلتهــا إلحــال الســام يف أيرلنــدا بأهميــة كبــرة‪ ،‬حيــث‬
‫إن رؤيتها مهدت الطريق لتهدئة نسبية يف أيرلندا الشاملية‪.‬‬
‫•كان تأثــر تاتــر عــى الحــرب البــاردة نتيجــة ملزيــج مــن الواقعيــة واملثاليــة‪.‬‬
‫فقــد كانــت تُشــدد عــى فكــرة الدفــاع الوطنــي والــردع النــووي والتنســيق بــن‬
‫الحلفــاء‪ .‬وتطــورت سياســتها لتشــمل التعايــش مــع االتحــاد الســوفيتي‪ ،‬ولكــن‬
‫مــع عــدم الســعي إىل اســرضائه‪ .‬كــا أنهــا دعمــت الدبلوماســية العامــة‬
‫واملفاوضــات البنــاءة‪ ،‬ولكنهــا انتقــدت الهيمنــة واأليديولوجيــة الســوفيتية‪،‬‬
‫مؤكــدة عــى كرامــة اإلنســان‪ .‬ودافعــت عــن التضامــن الربيطــاين األمريــي‬
‫والعالقات عرب األطليس‪.‬‬
‫•وازنــت تاتــر بــن العالقــات مــع الحلفــاء‪ ،‬ودعمــت زيــادة اإلنفــاق الدفاعــي‪.‬‬
‫وشــددت عــى أهميــة امتــاك بريطانيــا قــوة نوويــة رادعــة مســتقلة‪ ،‬مــع‬
‫التأكيــد عــى التعــاون األمريــي الربيطــاين مــن خــال اتفاقيــة الدفــاع املتبــادل‪.‬‬
‫ويُذكــر يف هــذا الصــدد أن موقــف القــوة النوويــة الربيطانيــة يف مقاومــة االبتـزاز‬
‫النــووي‪ ،‬وتأثــر تاتــر عــى مناقشــات الحــد مــن التســلح‪ ،‬ومصداقيــة الناتــو‪،‬‬
‫كل ذلك كان له تأثري حاسم خالل هذه الفرتة‪.‬‬
‫•ســعت تاتــر إىل تعزيــز العالقــات الربيطانيــة األمريكيــة‪ ،‬والدفــاع يف الوقــت‬
‫نفســه عــن املصالــح الربيطانيــة‪ .‬ولكــن التدخــل العســكري األمريــي يف غرينــادا‬
‫‪ -‬دون استشــارة تاتــر ‪ -‬أدى إىل توتــر هــذه العالقــات؛ ويعــود الســبب إىل‬
‫أهميــة غرينــادا كمســتعمرة بريطانيــة ســابقة يف الكومنولــث‪ .‬وقــد رفضــت‬
‫تاتــر اعتــذار ريغــان‪ ،‬وانتقــدت الغــزو عل ًنــا‪ ،‬وذكّــرت اإلدارة األمريكيــة بــأن‬
‫تأييد بريطانيا لها مل يَ ُع ْد أم ًرا مضمونًا‪.‬‬
‫•بعــد فوزهــا يف االنتخابــات للمــرة الثانيــة يف عــام ‪ ،1983‬بــدأ تحــرك تاتــر نحــو‬
‫إعــادة تقييــم العالقــات بــن الــرق والغــرب‪ ،‬وقــد تزامــن ذلــك مــع اهتاممهــا‬
‫بالحــوار مــع القيــادة الســوفيتية الشــابة‪ ،‬وعــى رأســها ميخائيــل غورباتشــوف‪،‬‬
‫الــذي عقــدت معــه اجتــاع غــداء يف تشــيكرز يف ديســمرب ‪ .1984‬كانــت تاتــر‬
‫متفائلة بشكل حذر بشأن إمكانية إجراء حوار مثمر مع غورباتشوف‪.‬‬
‫•يف أعقــاب قمــة ريكيافيــك‪ ،‬شــعرت تاتــر بالقلــق بســبب وجهــة نظــر ريغــان يف‬
‫قضيــة التخلــص مــن األســلحة النوويــة‪ .‬وبذلــت جهودهــا لدفــع ريغــان إىل‬
‫اتخــاذ موقــف أكــر صالبــة‪ ،‬وقامــت بزيــارة إىل كامــب ديفيــد يف نوفمــر ‪،1986‬‬
‫األمــر الــذي أســفر عــن اتفــاق بشــأن األســلحة الهجوميــة االس ـراتيجية‪ ،‬وأكــد‬
‫عىل استمرار الناتو يف االعتامد عىل الردع النووي‪.‬‬
‫•هــذا الــدور الــذي قامــت بــه تاتــر يف تقديــم املشــورة إىل ريغــان‪ ،‬والتأكيــد‬
‫عــى العقيــدة الدفاعيــة لحلــف الناتــو‪ ،‬أدى إىل إظهــار حــدود العالقــات‬
‫الربيطانية األمريكية‪ ،‬يف حقبة شهدت اختالاًلً يف التوازنات‪.‬‬
‫•لعبــت اململكــة املتحــدة بقيــادة تاتــر دو ًرا مهـ ًـا يف النزاعــات العامليــة خــارج‬
‫الناتــو والحــرب البــاردة‪ .‬وقــد أثــار غــزو صــدام حســن للكويــت عــام ‪1990‬‬
‫مخــاوف لديهــا‪ ،‬وجعلهــا تقــارن هــذا الوضــع مبحــاوالت االســرضاء الســابقة‪.‬‬
‫ولهــذا كانــت مصممــة عــى اســتعادة ســيادة الكويــت‪ ،‬وكان لهــذا املوقــف‬
‫األخالقي الواضح تأثري عىل اإلدارة األمريكية آنذاك‪.‬‬
‫•يف البدايــة كان هنــاك رد حــذر مــن الرئيــس جــورج بــوش األب‪ ،‬ولكــن حضــور‬
‫تاتــر وموقفهــا يف مؤمتــر أســن كان لــه أثــره يف اتخــاذ رد فعــل أقــوى‪ .‬لقــد‬
‫أكــدت تاتــر أن الغــزو العراقــي انتهــاك لســيادة دولــة الكويــت‪ ،‬ودعــت إىل‬
‫اتخاذ موقف دويل قوي ضد هذا العدوان‪.‬‬
‫•أبــدت تاتــر عــدم رغبتهــا يف إرشاك األمــم املتحــدة يف تحريــر الكويــت‪ ،‬وفضّ لت‬
‫الحفــاظ عــى حريــة اململكــة املتحــدة يف التــرف بالشــكل الــذي تـراه مناسـبًا‪.‬‬
‫وقــد تأثــر موقفهــا بالضغــوط السياســية املحليــة واألمريكيــة‪ .‬وأخ ـ ًرا اســتقالت‬
‫تاترش من منصبها يف نوفمرب ‪.1990‬‬
‫•مــا ال خــاف عليــه أن رجــال الدولــة العظــاء يعملــون عــى توســيع حــدود‬
‫الحكمــة التقليديــة‪ ،‬وتوجيــه املناقشــات يف اتجاهــات جديــدة‪ .‬وينبغــي اإلشــارة إىل‬
‫أن موقــف تاتــر مــن إعــادة توحيــد أملانيــا ‪ -‬بعــد ســقوط جــدار برلــن ‪ -‬تســبب‬
‫يف حــدوث خالفــات‪ ،‬إذ كانــت قلقــة مــن فكــرة توحيــد أملانيــا الرشقيــة والغربيــة؛‬
‫بسبب املخاوف التاريخية‪ ،‬والتغيري الذي قد يحدث يف ميزان القوى‪.‬‬
‫•ت ُعــزى شــكوك تاتــر يف النوايــا األملانيــة إىل تجربتهــا خــال الحــرب العامليــة‬
‫الثانيــة‪ .‬ولهــذا اصطدمــت خطــط التكامــل األوروبيــة باعتقــاد تاتــر بــأن دمــج‬
‫أملانيــا يف االتحــاد األورويب ســيزيد مــن قوتهــا‪ .‬ولكــن عــى الرغــم مــن مخــاوف‬
‫تاتــر‪ ،‬اســتمرت عمليــة توحيــد أملانيــا‪ ،‬وثبــت أن بعــض آراء تاتــر حــول‬
‫الشخصية األملانية مل يكن صائبًا‪.‬‬
‫•عارضــت تاتــر فكــرة التكامــل األورويب؛ بســبب إميانهــا بالســيادة الربملانيــة‪،‬‬
‫وعــدم ثقتهــا يف نقــل الســلطات إىل مؤسســات غــر منتخبــة خــارج الدولــة‪.‬‬
‫كانــت تدعــو إىل التحريــر االقتصــادي ولكــن دون االندمــاج الســيايس مــع أوروبــا‪،‬‬
‫وت ُشــدد عــى الجوانــب العمليــة والسياســات املؤيــدة للســوق والحفــاظ عــى‬
‫الدول القومية‪.‬‬
‫•يف خطــاب ألقتــه يف كليــة أوروبــا مبدينــة بروجــس البلجيكيــة‪ ،‬انتقــدت تاتــر‬
‫الضغــوط الســاعية إىل تركيــز الســلطات وتكويــن دولــة أوروبية عظمــى‪ ،‬وقارنتها‬
‫بالتخطيــط املركــزي الســوفيتي الفاشــل‪ .‬وســلط خطابهــا الضــوء عــى تعاطفهــا‬
‫مــع نضــال أوروبــا الرشقيــة يف ســبيل الحريــة‪ ،‬وإعجابهــا بالواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة‪ .‬وتكمــن أهميــة هــذا الخطــاب يف أن تاتــر توقعــت فيــه حــدوث‬
‫التوترات بني الهوية الربيطانية والتكامل األورويب‪.‬‬
‫•أدت معارضــة تاتــر للتكامــل األورويب إىل حــدوث انقســامات داخــل حكومتهــا‬
‫بشــأن السياســة االقتصاديــة‪ .‬ومــن املعــروف أن النظــام الربيطــاين يعتمــد عــى‬
‫التعــاون بــن رئيــس الــوزراء والحكومــة مــن أجــل العمــل بفعاليــة‪ .‬وعندمــا‬
‫تضــاءل الدعــم الــذي تحظــى بــه تاتــر مــن حكومتهــا‪ ،‬قــدم مايــكل هيســيلتني‬
‫بدياًل لها‪.‬‬
‫نفسه مرش ًحا ً‬
‫•اختــارت تاتــر احـرام االلتزامــات الدوليــة بــداًلً مــن البقــاء ملواجهــة التحــدي‪،‬‬
‫وقــررت االســتقالة يف نهايــة املطــاف‪ .‬وعــى الرغــم مــن خروجهــا مــن الســلطة‬
‫ظلــت تاتــر تدافــع عــن إنجــازات حكومتهــا‪ ،‬وحظيــت بالثنــاء مــن السياســيني‪،‬‬
‫حتى من خارج حزبها‪.‬‬
‫•كان إحيــاء تاتــر لربيطانيــا يشــمل الجانــب االقتصــادي والروحــي عــى حــد‬
‫ســواء‪ ،‬حيــث واجهــت االقتنــاع الســائد آنــذاك بفكــرة تراجــع مكانــة بريطانيــا‪،‬‬
‫وقاومــت هــذا اإلجــاع الســائد يف الســبعينيات‪ ،‬وقدمــت رؤيــة إيجابيــة‬
‫للمســتقبل‪ .‬وأظهــرت تاتــر التزا ًمــا قويًــا بقناعاتهــا‪ ،‬وواصلــت مســرتها عــى‬
‫الرغم من التحديات والنقد العام‪.‬‬
‫•شــملت اس ـراتيجيات تاتــر كبــح جــاح التضخــم‪ ،‬واتخــاذ موقــف حــازم يف‬
‫الـراع بشــأن جــزر فوكالنــد‪ ،‬وااللتـزام بسياســاتها أثنــاء إرضاب عــال املناجــم‪.‬‬
‫وكانــت تــوازن بــن الوجــود الحكومــي القــوي وبــن الحريــة االقتصاديــة الفرديــة‪،‬‬
‫وجذبــت رشائــح جديــدة مــن الناخبــن‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن أعداءهــا اتهموهــا‬
‫بخيانــة مبــادئ الحــزب‪ ،‬فإنهــا ‪ -‬يف الحقيقــة ‪ -‬كانــت تعمــل عــى اســتعادة تلــك‬
‫املبادئ والتمسك بها‪.‬‬
‫•يف الشــؤون الدوليــة‪ ،‬تحــاورت تاتــر مــع غورباتشــوف‪ ،‬ودافعــت عــن العمــل‬
‫البيئــي‪ ،‬وعالجــت املخــاوف بشــأن التغــر املناخــي‪ .‬وأســهمت سياســتها الخارجية‬
‫يف تعزيــز الرشاكــة الربيطانيــة األمريكيــة‪ ،‬واملحافظــة عــى النفــوذ الربيطــاين عــى‬
‫املــرح العاملــي‪ .‬وبعــد تقاعــد تاتــر‪ ،‬راحــت تصــارع إليجــاد دور لهــا بعي ـ ًدا‬
‫عــن السياســة‪ .‬كانــت قيادتهــا مدفوعــة بحــب الوطــن‪ ،‬وكان تأثريهــا واض ًحــا يف‬
‫االحرتام الذي حظيت به يف جنازتها‪.‬‬
‫الخامتة‪ :‬تطور القيادة‬
‫•ك ٌُّل مــن كونـراد أدينــاور‪ ،‬وشــارل ديغــول‪ ،‬وريتشــارد نيكســون‪ ،‬وأنــور الســادات‪،‬‬
‫ويل كــوان يــو‪ ،‬ومارغريــت تاتــر‪ ،‬قــد أثّــروا عــى الظــروف التاريخيــة وتأثــروا‬
‫بها‪ .‬وكان لكل واحد منهم دور يف ظهور نظام عاملي جديد‪.‬‬
‫•واجــه هــؤالء القــادة تحديــات الحــرب البــاردة‪ ،‬ونهايــة االســتعامر‪ ،‬وتأث ـرات‬
‫العوملــة‪ .‬وظهــروا يف فــرة التحــول الثقــايف مــن األرســتقراطية الوراثيــة إىل حكــم‬
‫الجــدارة‪ .‬كانــت األرســتقراطية تعنــي يف األصــل حكــم األفضــل‪ ،‬ولكنهــا أصبحــت‬
‫فيــا بعــد تشــر إىل ال ُن ْبــل املتــوارث‪ .‬وبفضــل مبــادئ الجــدارة والدميقراطيــة‪،‬‬
‫ظهــر قــادة مــن الطبقــة الوســطى‪ .‬إذ مل ينحــدر أي مــن هــؤالء القــادة الســتة‬
‫من الطبقة العليا‪.‬‬
‫•جمــع هــؤالء القــادة بــن الصفــات األرســتقراطية وبــن طموحــات الجــدارة‪ ،‬إىل‬
‫جانــب ِق َيــم الطبقــة الوســطى‪ ،‬التــي تشــمل االنضبــاط‪ ،‬وتحســن الــذات‪،‬‬
‫والوطنيــة‪ ،‬واإلميــان باملجتمــع‪ .‬كان لديهــم شــعور قــوي بالهويــة الوطنيــة‬
‫وباملســؤولية تجــاه مواطنيهــم‪ .‬وقــد تــرىب معظمهــم تربيــة متدينــة‪ ،‬غرســت‬
‫فيهم إتقان العمل والتفكري عىل املدى الطويل‪.‬‬
‫•كان الصــدق والرصاحــة ســات مشــركة بــن هــؤالء القــادة الســتة‪ .‬حيــث كانــوا‬
‫يتجنبــون اســتخدام الخطــاب الــذي يتــم اســتخدامه يف اســتطالعات الــرأي‬
‫والنقاشــات املركــزة‪ .‬ومل يكونــوا يخشــون قــول الحقيقــة الصعبــة وتحــدي اآلراء‬
‫الســائدة‪ .‬وكان لديهــم إحســاس عميــق بالواقــع ورؤيــة للمســتقبل‪ .‬فالقــادة‬
‫العظــام مييــزون العنــارص املهمــة عــن العاديــة‪ .‬وجرأتهــم يف مناقشــة القضايــا‬
‫الوطنيــة املهمــة مكنتهــم مــن تــرك أثــر تاريخــي‪ .‬وكانــت هــذه صفــات مشــركة‬
‫بني القادة الستة‪ ،‬عىل الرغم من اختالف املجتمعات التي ينتمون إليها‪.‬‬
‫•إذا كانــت التطــورات التكنولوجيــة تفــرض عــى القــادة فهــم آثارهــا‪ ،‬وتعزيــز‬
‫ضبــط النفــس االســراتيجي‪ ،‬فــإن قــادة اليــوم ينبغــي عليهــم التحــي بالعزميــة‬
‫القويــة‪ ،‬واالبتــكار يف التعامــل مــع التعقيــدات؛ لتحقيــق النتائــج التــي‬
‫يطمحون إليها‪.‬‬

You might also like