You are on page 1of 5

‫من المسلم به في الفكر الجنائي (تشريعًا وفقهًا وقضاءًا) أن التفتيش أيًا كان محله من إجراءات التحقيق التي تهدف

إلى ضبط األدلة‬


‫وليس من إجراءات االستدالل أو االستقصاء أو البحث األولي أو التمهيدي‪ ،‬وقد نصت بعض التشريعات صراحة على أن التفتيش من‬
‫إجراءات أو معامالت التحقيق(‪)1‬على حين اكتفت تشريعات أخرى بالنص على أن التفتيش ضمن الفعل الخاص بإجراءات أو معامالت‬
‫التحقيق االبتدائي أو (اإلعدادي) (‪ )2‬فالتفتيش على النحو المتقدم هو إجراء يتضمن القيام بعمل معين من أجل الحصول على أدلة‬
‫الجريمة تمهيدًا لممارسة حق المجتمع في العقاب وهو بوصفه عمًال إجرائيا واقعة قانونية يرتب عليها القانون أثرًا إجرائيا‪ ،‬لذا فهو إجراء‬
‫تقوم به السلطة القضائية بقصد الكشف على كل شيء من شأنه أن يكون قد ساعد أو سهل على ارتكاب جريمة‪ ،‬وضبطه في محل يتمتع‬
‫بحرمة حق السرية(‪ ،)3‬وبذلك يختلف مدلوله عن باقي اإلجراءات التي أوردناها آنفًا‪ ،‬ومعيار التمييز في ذلك ال يرجع إلى اختالف‬
‫السلطة التي تباشر كًال منهما‪ ،‬فقد تقوم بالعمليتين‪.‬أي إجراءات االستدالل وإجراءات التحقيق االبتدائي سلطة واحدة كما هو الحال بالنسبة‬
‫الى مأمور الضبط القضائي(أو الضابطة العدلية او الشرطة القضائية) (‪ ،)4‬ولكن معيار التميز بينهما على ما يبدو يجمع بين أمرين وقت‬
‫اإلجراء والغاية منه(‪،)5‬فمن حيث التتابع الزمني لإلجراءات نجد إجراءات االستدالل مجرد تمهيٍد أو تحضيٍر للتحقيق في التهمة(‬
‫‪، ،)6‬لكونها تتخذ بعد وقوع الجريمة‪ ،‬وال تتطلب حتمًا اتجاه الشبهات إلى متهم معين بالذات‪ ،‬وأما من حيث الغاية‪ ،‬فإجراءات االستدالل‬
‫هي عبارة عن جمع المعلومات والبيانات الخاصة بالجريمة عن طريق البحث والتحري واالستقصاء(‪،)7‬والبحث عن مرتكبها بشتى الطرق‬
‫القانونية وإعداد العناصر الالزمة للبدء في التحقيق‪ ،‬وبعبارة أخرى إن غايتها إمداد سلطة التحقيق بعناصر التقرير (‪ ،)8‬أما إجراءات‬
‫التحقيق فالهدف منها كشف الحقيقة بصدد الجريمة التي يجري التحقيق فيها‪ ،‬لذلك ال تكون إال بعد أن تظهر الجريمة ويتجه التحقيق فيها‬
‫ومن الواضح انه على الرغم من التميز بين إجراءات االستدالل وإجراءات التحقيق إال انه ال فرق بينهما في‬ ‫إلى متهم معين(‪.)9‬‬
‫اإلثبات الجنائي بمعنى انه قد ينتج عن االستدالل أدلة قانونية لها نفس القيمة التدليلية التي لألدلة الناتجة عن التحقيق بالمعنى الفني(‪،)10‬‬
‫ويرى بعضهم (‪ )11‬أن العنصر الحاكم بينهما هو مبدأ حرية القاضي(سلطة القاضي التقديرية) في تكوين عقيدته من أية أوراق من‬
‫أوراق الدعوى‪ ،‬على اعتبار أن العبرة في المحاكمات الجزائية هي اقتناع القاضي في جميع العناصر المطروحة أمامه‪ ،‬وعليه ال يصح‬
‫مطالبته باألخذ بدليل دون اآلخر شريطة أال ُيكون عقيدته من دليل لم يطرح في الجلسة ‪ ،‬وعلة ذلك أن يتسنى للخصوم االطالع عليه‬
‫‪ .‬وإبداء رأيهم فيه‬

‫ومن جهة أخرى إن إجراءات االستدالل والتحقيق وان كانت من اإلجراءات التي تتخذ خارج المحكمة ‪ ،‬إال إنها تعد من األعمال القضائية‪،‬‬
‫ألنها تهدف إلى إعداد الدعوى الجزائية قبل رفعها أمام القضاء(‪ ، )12‬لذلك ال تخضع هذه اإلجراءات لرقابة القضاء اإلداري سواء أكان‬
‫قضاء اإللغاء أم قضاء التعويض‪ ،‬عالوة على إنها تتمتع بحصانة عدم مسؤولية الدولة عنها(‪ )13‬ولكي يتميز التفتيش بوصفه اجراءًا من‬
‫إجراءات التحقيق التي تستهدف جمع األدلة في جريمة معينة عن صور اخرى من التفتيش ‪ ،‬كالتفتيش الوقائي والتفتيش اإلداري ‪ ،‬فقد‬
‫وضع الفقه عدة شروط لهذا النوع من التفتيش مستقاة من طبيعته ومن طبيعة الحق الذي يمسه‪ ،‬لذلك ينبغي بحث شروط التفتيش وبعض‬
‫‪ :‬صوره وكما ياتي‬

‫‪ :‬أ ‪ -‬شروط التفتيش‬

‫ال بد أن هناك مبادئ أساسية عامة للقضاء أيًا كان مدنيًا أو جنائيًا أو إداريًا يجب تطبيقها بوصفها نظرية عامة تنسحب على كل األعمال‬
‫اإلجرائية أيًا كانت مثل فكرة الدعوى والخصومة والصالحية والمخاصمة واإلجراء(‪ ،)14‬فالقواعد العامة التي تخضع لها اإلجراءات‬
‫القضائية على اختالفها تشترط لصحة اإلجراء مجموعة من العناصر القانونية‪ ،‬يطلق عليها مفترضات أو (مقتضيات) العمل اإلجرائي وتشمل‬
‫السبب والمحل والصالحية واالختصاص(‪ ،)15‬فضًال عن أن هناك شروطًا شكلية يتعين توافرها لصحة العمل اإلجرائي(‪ .)16‬وللتفرقة‬
‫بين مفترضات العمل اإلجرائي وشروطه الشكلية أهميتها في تحديد طبيعة البطالن الذي يترتب على تخلف أي منها ولما أوضحنا أن‬
‫التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق التي تعد من األعمال القضائية بالمعنى الواسع‪ ،‬أي التي تخضع للقواعد العامة التي تخضع لها‬
‫اإلجراءات القضائية‪ ،‬فقد آثرنا أن نميز بين مفترضات التفتيش‪ ،‬وهي ما يطلق عليها في الفقه الجنائي(‪)17‬الشروط أو الضوابط الموضوعية‬
‫‪ :‬وبين الشروط أو الضوابط الشكلية وكما يأتي‬

‫‪ .‬أوًال‪ :‬الشروط الموضوعية‬

‫لما كان التفتيش إجراءًا خطيرًا يمس الحرية الشخصية ويكشف أستار حق اإلنسان في الخصوصية والسرية ‪ ،‬حرصت القوانين على‬
‫إحاطته بشروط وضمانات أساسية من حيث سببه ومحله والسلطة التي تقوم به وشروط تنفيذه‪ ،‬حتى ال يساء استعماله فتعدو عمًال تعسفيًا‬
‫باطًال مع كل ما ينتج عنه من آثار(‪ ، )18‬ومن جهة اخرى تحقيق الموازنة الضرورية بين مصلحة الهيئة االجتماعية في القصاص من‬
‫المجرم وردعه‪ ،‬وبين حقوق الفرد وحرياته(‪)19‬ومن هذه الشروط والضمانات التي ينبغي توافرها إلجراء التفتيش هي الشروط الموضوعية‬
‫‪:‬وتتمثل بالسبب والمحل واالختصاص(الصالحية)للجهة التي تباشره‪ ،‬وسنتناول كًال من هذه الشروط الموضوعية بالدراسة على النحو اآلتي‬

‫سبب التفتيش ‪ :‬السبب هو األمر الظاهر المضبوط الذي جعله المشرع إمارة لوجود الحكم‪ ،‬لذا يجب أن يكون سابقًا في وجوده على ‪1-‬‬
‫الحكم‪ ،‬كما أن وجوده يستلزم وجود الحكم(‪ )20‬والتفتيش إجراء من إجراءات التحقيق‪ ،‬بمعنى انه يجب أن يكون سببه الحصول على‬
‫الدليل في تحقيق قائم‪ ،‬بقصد الوصول إلى الحقيقة وبعبارة أكثر وضوحًا إن ضرورة الحصول مع قيام القرائن على وجود ذلك الدليل لدى‬
‫شخص معين أو في مكان معين‪ ،‬إنما يمثل السبب الذي يحرك السلطة المختصة إلى إصدار قرار بالتفتيش ومباشرته(‪ .)21‬فإذا تخلف‬
‫هذا السبب فان اإلجراء المتخذ يعد اعتداءًا بوليسيًا على حقوق األفراد في المجتمع‪ ،‬ويتجرد من صفته القانونية ليصبح مجرد عمل مادي‬
‫ينطوي على التعسف واهدار الحقوق المشروعة لإلفراد‪ ،‬وعليه فحق المجتمع في إجراء التفتيش مرتبط بوجود سبب‪ ،‬فإذا انعدم السبب فان‬
‫التفتيش يعد إجراء باطًال ‪ ،‬ومن ثم فان سبب التفتيش ال يقوم إال بعد وقوع الجريمة‪ ،‬ووجود قرائن قوية على حيازة شخص معين لما يفيد‬
‫‪:‬في كشف الحقيقة‪ ،‬ومن ثم تنقسم عناصر السبب إلى‬

‫العنصر األول ‪ :‬ارتكاب جريمة ‪ ،‬ال يجوز التفتيش إال في جريمة وقعت‪ ،‬فإذا لم تقع الجريمة فال يصح التفتيش ‪ ،‬وعليه فالتفتيش الذي‬
‫يقع لضبط أدلة في جريمة قد تقع في المستقبل غير جائز(‪ ،)22‬فعلى سبيل المثال إذا دلت التحريات على أن شخصًا يريد قتل غريم له‬
‫فصدر أمر من سلطة التحقيق بتفتيش منزله بناءًا على ذلك فإن هذا األمر يعد باطًال‪ ،‬النه صدر من اجل جريمة مستقبلية قد تقع وقد ال‬
‫تقع‪ ،‬ومن ثم فالتفتيش الذي يقع من اجل فعل ال يشكل جريمة يعد باطًال(‪،)23‬وال يشترط أن يكون التفتيش مسبوقًا بإجراء من إجراءات‬
‫التحقيق‪ ،‬فيصبح أن يكون أول إجراء‪ ،‬وفي هذه الحالة يستند التفتيش إلى محضر الضابطة العدلية(‪ .)24‬ويرى بعضهم (‪)25‬انه يكفي‬
‫إلصدار أمر التفتيش االعتماد على محضر جمع االستدالالت متى تأكد القاضي في حتمية وقوع الجريمة من خالل التحريات المذكورة‬
‫ويخضع تقرير مدى كفاية األدلة من هذه التحريات إلى رقابة محكمة الموضوع‪ ،‬في حين يرى بعضهم اآلخر(‪)26‬إن إجراءات التحقيق إذا‬
‫كانت في مرحلة االستدالل فال يجوز إصدار أمر بالتفتيش إذ أن مجرد الظن دون أن يصحبه تحقيق قضائي يؤيده غير كاف إلصدار هذا‬
‫األمر‪ ،‬غير أن بعض التشريعات(‪ )27‬حسمت هذا الخالف وأجازت إصدار أمر التفتيش في أية مرحلة من مراحل التحقيق مهما كان نوع‬
‫‪.‬الجريمة‪ ،‬في الوقت الذي يشترط فيه بعضها اآلخر (‪)28‬إن يكون نوع الجريمة جناية أو جنحة‬

‫العنصر الثاني ‪ :‬اتهام الشخص بارتكاب جريمة إذ ال يكفي مجرد وقوع الجريمة لمباشرة التفتيش‪ ،‬بل يتعين توجيه االتهام إلى شخص‬
‫معين بارتكابه الجريمة أو باشتراكه فيها‪،‬أو بحيازته أشياء تتعلق بها‪ ،‬وأن تكون الغاية ضبط األدلة التي تفيد التحقيق(‪ ،)29‬والمقصود بذلك‬
‫هو وجود قرائن ودالئل كافية تدل على ارتكاب ذلك الشخص لجريمة معينة سواء أكان فاعًال اصليًا أم شريكًا‪ ،‬وال بد أن يكون هذا‬
‫االتهام جديًا وغير مبني على الشك‪،‬ومما ال شك فيه أن أمر ذلك يعود الى تقدير قاضي التحقيق أو السلطات القائمة به(‪ .)30‬في الواقع‬
‫لم تتضمن غالبية التشريعات نصًا يضع تعريفًا للمتهم إال تشريعات(‪ )31‬تقرر أن كل شخص تقام عليه الدعوى فهو مدٍع عليه أو(مشتكى‬
‫عليه)‪.‬ويسمى ظنينًا إذًا ظن فيه بجنحه ومتهمًا إذا اتهم بجناية‪ ،‬ومعنى ذلك أن صفته مدعى عليه تسبق صفته ظنينًا أو متهمًا‪ ،‬فصفته‬
‫مدعى عليه أو مشتكى عليه تبدأ منذ إسناد الجريمة إليها سواء وردت في أخبار أم شكوى أم في محضر ضبط أم تحقيق‪ ،‬أما صفة‬
‫الظنين أو المتهم فتبدأ بقرار الظن أو االتهام وتنتهي بصدور الحكم أو بانقضاء الدعوى ألي سبب آخر من أسباب االنقضاء(‪،)32‬بمعنى‬
‫أن التشريعات التي تضمنت تعريفًا للمتهم‪ ،‬ويقصد به الخصم الثاني في الدعوى الجنائية‪ ،‬أي من يتم تكليفه بالحضور أمام القاضي الجنائي‬
‫التهامه بارتكاب جريمة معينة‪ ،‬ومعنى ذلك أن إجراءات االستدالل والتحقيق أسفرت عن أدلة وقرائن رجحت اتهام ذلك الشخص بارتكاب‬
‫غير أن التشريعات كقاعدة عامة ال تأخذ بالمفهوم الدقيق أو‬ ‫الجريمة‪ ،‬ومن ثم يقع عليه االلتزام بمواجهة االدعاء بمسؤولية عنها‪.‬‬
‫الضيق المتقدم للمتهم فحسب‪ ،‬بل تتبنى مفهومًا واسعًا بحيث يصبح الشخص متهمًا إذا توافرت دالئل كافية على نسبة الجريمة إليه مما يجيز‬
‫القبض عليه وتفتيشه وتفتيش منزله…الخ‪،‬لذلك فإن السائد فقهًا أن تثبت خالل مرحلة التحقيق(‪ )33‬وعليه ال يجوز الخلط من الناحية‬
‫القانونية بين المشتبه به والمتهم‪ ،‬فالفرق بينهما يكون في قيمة الشبهات أو األدلة المسندة إلى كل منهما‪،‬فإذا ما وصلت إلى حد الشك في‬
‫إسناد التهمة‪ ،‬كان متهمًا‪ ،‬أما إذا كانت من الضعف والبساطة بحيث ال يرجح معها االتهام كان الشخص موضع االشتباه(‪)34‬وبناءًا على‬
‫‪.‬ذلك ال يعد الشخص متهمًا لمجرد تقويم بالغ أو شكوى ضده ‪ ،‬أو حتى لو اتخذت في مواجهته بعض إجراءات االستدالل(‪)35‬‬

‫العنصر الثالث‪ :‬كشف الحقيقة أو وجود مبرر للتفتيش‪ ،‬يهدف التفتيش إلى كشف الحقيقة سواء أكانت األدلة المراد البحث عنها الثبات‬
‫التهمة ام لنفيها‪.‬وتشترط كل التشريعات اإلجرائية الجزائية تحقيق هذا الهدف عند القيام بالتفتيش(‪)36‬وال يكون ذلك‪-‬باعتقادنا المتواضع‪ -‬إال‬
‫من خالل وجود قرائن ودالئل كافية على االتهام وهذه الدالئل الكافية يقصد بها العالمات المستفادة من ظاهرة الحالة‪ ،‬دون ضرورة التعمق‬
‫في تمحيصها وتقليب وجوه الرأي فيها وهي ال ترقى إلى مرتبة األدلة ويتم استنتاجها من وقائع ال تؤدي إلى ثبوت التهمة بالضرورة(‬
‫‪ )37‬فهي وصف يشير إلى الشبهات أو العالمات الخارجية التي تتخذ صورة قول أو فعل أو مجرد التعبير على وجه المتهم(‪.)38‬‬
‫وبناءًا على ذلك فالدالئل الكافية شرط ال غنى عنه لمباشرة التفتيش بوصفه إجراء تضمن مساسًا بحق السر وحرمة المسكن‪ ،‬بل هي شرط‬
‫ألي إجراء يمس الشخص وتوافرها يجعل سبب التفتيش صحيحًا‪ ،‬ولو تبين فيما بعد انها كانت شبهات ظالمة ال أساس لها في واقع األمور‬
‫متى كان لها ما يبررها في ذهن الجهة التي أصدرت أمر التفتيش‪ ،‬فتقدير جدية التحريات او كفايتها إلصدار األذن بالتفتيش من المسائل‬
‫الموضوعية التي يوكل األمر فيها إلى سلطة التحقيقات تحت أشراف محكمة الموضوع‪ ،‬عالوة على ذلك يشترط أن تكون إجراءات االستدالل‬
‫التي أنتجت هذه الدالئل أو القرائن قد أجريت فعًال بطريق مشروع ‪،‬واطلع عليها المحقق فوجدها جدية وأمر بالتفتيش أو أجراه على‬
‫أساسها(‪ .)39‬ومفاد هذا أن كشف الحقيقة يعني توخي الوصول إلى ما هو صحيح ومفيد لتحقيق الجريمة‪ ،‬أي سواء اكانت األدلة المراد‬
‫البحث عنهاالثبات التهمة أم لنفيها‪ ،‬فإذا كان الهدف من التفتيش ليس البحث عن الحقيقة‪ ،‬بل لإلساءة الى المشتكى عليه اوغير ذلك من‬
‫‪.‬األغراض‪ ،‬فأن التفتيش يكون باطًال‪ ،‬ومشوبًا بالتعسف في استعمال السلطة(‪)40‬‬

‫محل التفتيش ‪ :‬وهو المستودع الذي يحتفظ فيه المرء باألشياء المادية التي تتضمن سره(‪)41‬ويسبغ عليه حرمة تمنع تعرض اآلخرين ‪2-‬‬
‫وانتهاكهم له‪ ،‬ولذلك قيدت التشريعات التفتيش الذي يقع على ما يعد مستودعًا للسر بقيود خاصة(‪ ،)42‬لذا يشترط في محل التفتيش بوصفه‬
‫مفترضًا للعمل اإلجرائي إن يكون موجودًا ومعينًا‪ ،‬وان قابًال للتعامل فيه‪ ،‬أي قابليته الن يكون محًال للعمل اإلجرائي من الناحية القانونية(‬
‫‪،)43:‬لذلك يشترط في محل التفتيش شرطان هما‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون محل التفتيش معينًا ‪ :‬التفتيش يجري لضبط أدلة تتعلق بجريمة معينة في محل معين إذ انه إجراء من إجراءات‬
‫التحقيق ال يجوز االلتجاء إليه إال بناءًا على تهمة موجهة إلى شخص بارتكاب جريمة‪ ،‬أو إذا وجدت أمارات أو قرائن تدل على انه حائز‬
‫على أشياء تتعلق بالجريمة‪ ،‬وهو يعني أن التفتيش ينبغي إجراؤه في محل معين‪ .‬وحيث ينبغي أن يكون المحل محددًا‪ ،‬فان هذا التحديد‬
‫يكفي فيه عنوان المنزل‪ ،‬ولو كان خطًأ في اسم من يقيم فيه‪ .‬بل يكفي مجرد قابليته للتحديد عن طريق الظروف المحيطة بأمر التفتيش(‬
‫‪ .)44‬وعلى ذلك فاألمر بالتفتيش العام لمجموعة غير محددة في المنازل أو األشخاص هو أمر باطل لعدم تحديد محله(‪ ،)45‬غير أن‬
‫الخطأ في اسم المطلوب تفتيشه في أذن التفتيش ال يبطل األذن‪ ،‬مادامت المحكمة قد استظهرت أن من حصل تفتيشه هو بذاته المقصود(‬
‫‪)46.‬ويكفي تحديد الشخص بصفته أو باسمه األول دون بيان اسم العائلة ‪،‬مع تعين محل أقامته‬

‫أما الشرط الثاني‪ :‬أن يكون المحل مما يجوز تفتيشه أي(أن يكون محل التفتيش مشروعًا)‪ :‬إذ يشترط في التفتيش‪ -‬بوصفه عمًال اجرائيًا‬
‫‪-‬أن يرد على محل جائز تفتيشه قانونًا وبناءًا على ذلك إذا أضفى القانون على بعض المحال حصانة معينة‪ ،‬فانه ال يصح تفتيشها برغم‬
‫ما يوجب إجراء التفتيش‪ ،‬وترجع الحصانة التي يضفيها القانون على تلك المحال التي تعلقها بمصلحة معينة عامة أو فردية‪ ،‬اذ يرى‬
‫المشرع أنها أولى بالرعاية من مصلحة التحقيق التي تتطلب أجراء التفتيش(‪)47‬وأهم الحصانات التي تقف عقبة أو عائقًا في وجه ممارسة‬
‫‪ :‬سلطة التحقيق عند اتخاذها إلصدار أمر التفتيش أو تنفيذه هي‬

‫*‬ ‫الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬إذ يقرر العرف الدولي حصانات معينة للمبعوثين الدبلوماسيين في أشخاصهم‪ ،‬وأماكن إقامتهم‪ ،‬ومقار أعمالهم وأهم‬
‫الحصانات التي يتمتع بها هؤالء المبعوثين عدم خضوعهم لإلجراءات الجنائية في أقليم الدولة المبعوثين إليها(‪)48‬غير إن تلك الحصانة ال‬
‫تحيط بالمبعوث إال خالل الفترة التي يتمتع فيها بالصفة الدبلوماسية‪ ،‬فان فقد صفته زالت عنه جميع االمتيازات ‪ ،‬ومن بينها الحصانة‬
‫‪.‬الجنائية(‪ ،)49‬وتمتد الحصانة إلى مقر البعثة والى أشخاص المبعوثين‪ ،‬كما تمتد إلى مساكنهم الخاصة ومراسالتهم(‪)50‬‬

‫*‬ ‫الحصانة البرلمانية ‪ :‬يتمتع أعضاء البرلمان بحصانة خاصة تمنع من اتخاذ اإلجراءات الجنائية تجاههم‪ ،‬دون اذن المجلس التابعين له‪،‬‬
‫والعلة من هذه الحصانة هي الخشية من أن تتخذ السلطة التنفيذية ضدهم إجراءات كيدية يدفع إليها ما يبدونه من أراء داخل المجلس إزاء‬
‫السلطة الموجودة في الحكم‪ ،‬والتي تملك عادة سلطة االتهام‪ ،‬إذ أن تلك السلطة األخيرة تابعة للهيئة التنفيذية‪ ،‬ولذلك تحرص مختلف الدساتير‬
‫على تقرير حصانة أعضاء البرلمان‪ ،‬حتى تتضمن للنائب حريته في تنفيذ نيابته‪ ،‬إذ إن تلك الحصانة نتيجة ضرورية من نتائج الفصل بين‬
‫السلطات(‪ .)51‬وعليه فالمحال التي يرد التفتيش عليها هي التي تعد مستودعًا للسر‪ ،‬فتشمل األماكن المسكونة‪ ،‬والمعدة للسكن وملحقاتها‬
‫والسيارة واألمكنة العامة عندما تنقلب إلى خاصة‪ ،‬وكذلك تفتيش الشخص وجسده ومالبسه ومعدته‪ ،‬كما يمتد التفتيش الى مكتبه والى ما‬
‫‪.‬يحمله من أمتعة‪ ،‬وكل ما يفيد في كشف الحقيقة‪ ،‬متى قامت القرائن على نسبتها إلى شخص معين(‪)52‬‬

‫االختصاص بالتفتيش ‪ :‬يقصد باالختصاص بالتفتيش صالحية السلطة لمباشرة األجراء وهو أحد مفترضات التفتيش بوصفه عمًال قضائيًا‪3- ،‬‬
‫واعتبار التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق ينبني عليه انه ال يمكن مباشرته إال لمن خوله القانون سلطة التحقيق بحسب األصل‪ ،‬أو‬
‫استثناءًا في األحوال المحددة قانونًا‪.‬أي تلك التي يجوز فيها ندب مأمور الضبط القضائي للقيام به أو في حاالت التلبس او ما في حكمه‬
‫وعلى ذلك فاالختصاص بأجراء التفتيش أما أن يكون اصليًا واما أن يكون استثنائيًا(‪ ،)53‬لذلك سنشير إلى موقف بعض التشريعات لبيان‬
‫من له الحق في إصدار أمر التفتيش أو مباشرته‪ ،‬ففي مصر يمنح قانون اإلجراءات الجنائية سلطة التحقيق بما فيها سلطة التفتيش إلى كل‬
‫من قاضي التحقيق وعضو النيابة العامة وهو الذي يمارس سلطة التحقيق في جميع األحوال تقريبًا‪ ،‬وال يمارس قاضي التحقيق هذه السلطة‬
‫إال بناءًا على طلب النيابة العامة(‪ ،)54‬وفي اإلمارات العربية المتحدة يمنح قانون اإلجراءات الجزائية سلطة التحقيق بما فيها سلطة‬
‫التفتيش إلى النيابة العامة وحدها(‪ ،)55‬وفي العراق فقاضي التحقيق أو المحقق هو المختص بإجراءات التحقيق بما فيها التفتيش‪ ،‬وبأمر منه‬
‫يجوز قيام عضو الضبط القضائي بالتفتيش(‪،)56‬أما في األردن فإن المدعي العام هو المختص بالتحقيق وبما ينطوي عليه من إجراءات‬
‫التفتيش(‪ ،)57‬إذ أن وظيفة المدعي العام في األردن مماثلة إلى حد ما لوظيفة عضو النيابة العامة في مصر‪ ،‬أما بالنسبة الى سلطة‬
‫التفتيش بالندب‪ ،‬فيجب أن يصدر هذا الندب أو التفويض من سلطة التحقيق المختصة أصًال بالتفتيش إلى أحد مأموري الضبط القضائي أو‬
‫الضابطة العدلية‪ ،‬مخوًال إياها إجراء التفتيش‪ ،‬والندب إجراء جوازي في اغلب القوانين تتخذه سلطة التحقيق عندما ترتأي ذلك(‪ ،)58‬كما‬
‫هو مقرر في التشريعات المقارنة(‪ )59‬ولكن قد يكون الندب وجوبيًا في بعض األحيان كما في حالة التلبس بجناية او جنحة عمدية(‬
‫‪)60.‬‬

‫‪ .‬ثانيا‪ :‬الشروط الشكلية‬

‫عرضنا فيما تقدم شروط التفتيش الموضوعية بوصفها إجراءًا قضائيًا‪ ،‬وانتهينا إلى إن تلك الشروط أو المفترضات هي مقومات العمل‬
‫القضائي التي ال وجود له دونها‪ ،‬وسنتناول في هذا السياق الشروط الشكلية الالزمة لصحة اإلجراء لكي ينتج آثاره القانونية‪ ،‬وإذا كان معنى‬
‫الشرط اصطالحًا هو (ما ال يتم الشيء إال به دون أن يكون داخًال في حقيقته) (‪ ،)61‬فمعنى ذلك أن الشرط ال يلزم وجوده لوجود‬
‫اإلجراء‪ ،‬بل يلزم لصحة اإلجراء لكي ينتج آثاره القانونية‪ ،‬ومن ثم ال يثار البحث في هذه الشروط(الشكلية) إال بعد التأكد من توافر‬
‫مقومات اإلجراء(الشروط الموضوعية)‪ ،‬ولذلك فإن الشروط الشكلية تكون معاصرة له في الغالب‪ .‬والشروط الشكلية ال تهدف إلى تحقيق‬
‫مصلحة العدالة في ضمان صحة االجراءات التي تتخذ لجمع االدلة فحسب ‪،‬بل تقيم فضًال عن الضمانات او مفترضات االجراء سياجًا يحمي‬
‫الحريات الفردية (‪ . )62‬وعلة تمييز التفتيش من غيره بهذه القواعد ‪ ،‬هي أن التفتيش بجميع أنواعه اطالع على اسرار الغير التي‬
‫يجرم القانون االطالع عليها ‪ ،‬واذا كانت الضرورة تقتضي اطالع المحقق على هذه االسرار تحقيقا لمصلحة العدالة‪ ،‬فان الضرورة تقدر‬
‫‪ :-‬بقدرها ‪،‬وللتحقق من سالمة التفتيش يجب مراعاة الشروط الشكلية اآلتية‬

‫تسبيب امر التفتيش ‪ ،‬والمقصود بالتسبيب بيان العناصر التي استخلص منها المحقق توافر الدالئل الكافية المبررة للتفتيش ‪ ،‬والتي ‪1-‬‬
‫اصدر امره بناءًا عليها ‪ ،‬حتى يتاح لمحكمة الموضوع أن تراقب تقديره لجدية هذه الدالئل وكفايتها (‪، )63‬وعليه فالتسبيب ضمان لتوافر‬
‫العناصر الواقعية التي يتوافر بها سبب التفتيش ليضمن جدية اتخاذ هذا االجراء ويحول دون االعتداء على حرمة الحق في الخصوصية‬
‫للمواطنين دون موجب او اقتضاء (‪،)64‬وانه استهدف الغاية التي حددها القانون الجراء التفتيش ‪ ،‬وتقدير بطالنه إذا ثبت انه يستهدف‬
‫‪ .‬غير ما حدد القانون(‪)65‬‬

‫الحضور الضروري لبعض االشخاص عند التفتيش ‪ ،‬يستلزم القانون في تفتيش المكان محل التفتيش حضور بعض االشخاص في اثناء ‪2-‬‬
‫اجرائه والقصد من ذلك ضمان االطمئنان إلى سالمة االجراء وصحة الضبط (‪ ، )66‬والتفتيش له طبيعته الخاصة التي تميزه من‬
‫اجراءات التحقيق االبتدائي االخرى بصفة خاصة فيما يتعلق بمبدأ سرية التحقيق ‪ ،‬فاألصل أن الشخص الذي يستوجب القانون حضوره هو‬
‫المتهم ‪ ،‬وهذا الشرط يكون قائما حتما في تفتيش االشخاص‪ ،‬طالما أن التفتيش يقع عليهم ‪ ،‬غير أنه من المتصور تفتيش المسكن مثًال في‬
‫غياب صاحبه ولذلك يشترط القانون على أن يكون التفتيش في حضور المتهم او من ينيبه ‪ ،‬او في حضور شاهدين من جيرانه او حضور‬
‫مختار المحلة (‪ ، )67‬وكذا بالنسبة الى تفتيش غير المتهم(‪ . )68‬وعليه يتضمن التفتيش تقيدًا لقاعدة عالنية التحقيق بالنسبة الى‬
‫الخصوم ‪ ،‬إذ يقتصر الحضور على المتهم او من ينوب عنه وقاضي التحقيق او المحقق او من يندبه او النيابة العامة او االدعاء العام ‪،‬‬
‫وعلة ذلك أن التفتيش اطالع على اسرار الغير التي تحرم التشريعات االطالع عليها لغير ضرورة ‪ ،‬بمعنى انه يجب اال يتوسع في اعطاء‬
‫الخصوم الحق في هذا االطالع اال من كانت له مصلحة جوهرية كالمتهم او من ينوب عنه والسلطة المختصة بالتفتيش (‪ . )69‬لذلك ال‬
‫يسمح للمجني عليه او المدعي بالحقوق المدنية او المسؤول عنها ‪ ،‬بحضور التفتيش ‪ .‬ومن جهة اخرى يطوي التفتيش خروجا على قاعدة‬
‫سرية التحقيق بالنسبة الى الجمهور‪ ،‬اذ يستلزم في بعض االحوال حضور اشخاص ممن ليسوا خصوما في الدعوى الجنائية ‪ ،‬كصاحب‬
‫المسكن الذي يجري تفتيشه إذا كان غير متهم ‪ ،‬او حضور شاهدين الن في حضور هؤالء االشخاص وتوقيعهم على المحضر دليل على‬
‫صحة التفتيش والضبط ‪ ،‬فضال عن انه نوع من الرقابة الذي يضمن االلتزام بأحكام القانون وعدم التعسف في التنفيذ ‪ ،‬وال يؤثر على‬
‫القائم بالتفتيش الذي ينشد الحقيقة أن يكون عمله تحت سمع هؤالء وبصرهم (‪ ، )70‬اذ أن العبارات الواردة في النصوص التشريعية‬
‫بشأن صاحب المكان محل التفتيش او المتهم او من ينوب عنهما او الشهود والسلطة المختصة بالتفتيش جاءت صريحة في مدلولها بحيث ال‬
‫تسري عليها قاعدة سرية التحقيق بالنسبة الى الخصوم في حالة االستعجال والضرورة (‪ . )71‬وخالصة ما تقدم أن قاعدة حضور المتهم‬
‫او بعض االشخاص في اثناء التفتيش ‪ ،‬بقدر ما هي واجب لضمان حقوق المتهم ‪،‬فهي تتيح له القدرة على مواجهة‌دس الدليل عليه ‪،‬‬
‫وبذلك فهي أوجب لمصلحة التحقيق واالثبات الجنائي في كشف الحقيقة ‪ ،‬اذ تضمن زيادة الثقة في صحة التفتيش وسالمة االدلة المتحصلة‬
‫‪ .‬عنه‬

‫التفتيش ‪ ،‬ال يكفي المكان اجراء تفتيش صحيح أن تتوافر عناصره وشرائطه القانونية فحسب ‪ ،‬بل يتعين فضًال عن ذلك أن ‪3-‬‬ ‫تنفيذ‬
‫تنفيذه لمجموعة من الضوابط والقواعد التي تهدف إلى التنسيق بين اعتبارين اولهما ‪ :‬تمكين القائم به من توجيه التفتيش إلى تحقيق‬ ‫يخضع‬
‫منه في ضبط االشياء التي تفيد في كشف الحقيقة ‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬حصر المساس بحرمة المكان الذي يجري تفتيشه في النطاق الذي‬ ‫الفرض‬
‫تحقيق غرضه (‪ . )72‬فهذه القواعد اما أن تنص عليها القوانين صراحة او يستخلصها الفقه والقضاء من روح القوانين بما يتفق‬ ‫يقتضيه‬
‫‪ :-‬والقيم االخالقية واالنسانية في المجتمع ‪ ،‬وتتمثل هذه الضوابط بما يأتي‬

‫من يجوز له تنفيذ التفتيش ‪ ،‬اذ أن التفتيش اجراء خطير لما فيه مساس بحرمة الحق في السر والخصوصية ‪ ،‬لذلك ال يجوز القيام به *‬
‫اال من خوله القانون ذلك أي المحقق او مأمور الضبط القضائي بناءا على ندبه ‪ ،‬او استنادًا إلى سلطته الذاتية في االحوال االخرى‬
‫المحددة في القانون (‪ )73‬ومن ثم ال يجوز تكليف غير هؤالء بالتنفيذ ‪ ،‬غير انه يجوز للقائم بالتفتيش االستعانة باعوانه من رجال‬
‫‪ .‬الضبط القضائي ‪ ،‬بحيث يكونون على مرأى منه وتحت بصره (‪)74‬‬

‫اجراء تنفيذ التفتيش ‪ ،‬فالقاعدة أن طريقة تنفيذ التفتيش موكولة للقائم به ‪ ،‬فله أن يتخذ من الوسائل ما يمكنه من تحقيق الغرض منه ‪* ،‬‬
‫وفي سبيل ذلك يحق له استخدام القوة لدخول مكان التفتيش اذا رفض المتهم او صاحب المكان او حائزه السماح له بالدخول الجراء‬
‫التفتيش ‪ ،‬اذ أن استخدام القوة واالستعانة بها عند مباشرة االجراءات القضائية حق عام ‪ ،‬لذلك حرصت بعض التشريعات على النص عليه‬
‫‪ .‬صراحة بصدد تنفيذ امر التفتيش (‪)75‬‬

‫*‬ ‫مراعاة القيود التي يلتزم بها القائم بالتفتيش عند التنفيذ ‪ ،‬وهي ال تتعارض مع الضمير االنساني وروح العدالة لذا ال يجوز أن يتم‬
‫التفتيش في اماكن يستحيل بطبيعتها أن تحتوي على اشياء تفيد في الكشف عن ادلة الجريمة الجاري التفتيش بشأنها (‪ )76‬كما ال يجوز‬
‫استعمال القوة أو العنف اال بالقدر الضروري الجراء التفتيش ‪ ،‬فال محل لزيادة اآلثار النفسية بالعبث بكل محتويات محل التفتيش ‪ ،‬تحت‬
‫‪ .‬شعار مباشرته ويحرم بتاتًا اتالف أي مال في اثناء التفتيش ‪ ،‬إذا كان باالمكان االطالع على ما به دون اتالف (‪)77‬‬

‫وقت تنفيذ التفتيش أو ميعاد اجرائه ‪ ،‬اذ يعد وقت تنفيذ التفتيش من الشروط الشكلية لالطار الذي يتحرك بداخله الحق ‪ ،‬بمعنى اخر *‬
‫كيف ينبغي لهذا الحق ان يعمل ‪ ،‬فالشروط الشكلية على هذا النحو تنظيم كيفية ممارسة الحق بعد نشأته فعًال (‪ ، )78‬وعليه فوقت تنفيذ‬
‫التفتيش ظرف شكلي للعمل مما يتصل بزمان اتخاذه ‪ ،‬على الرغم من اننا لم نجد نصًا يمنع اجراء التفتيش ليًال او في ايام األعياد (‬
‫‪ ، )79 .‬لذلك فالسائد انه يجوز التفتيش ليًال أو نهارًا‬

‫ضرورة التقيد بقاعدة أن تفتيش االنثى ال يكون اال بمعرفة انثى (‪ . )80‬فقاعدة تفتيش االنثى ‪ ،‬بمعرفة انثى توجبها مقتضيات حماية *‬
‫‪ .‬الحياء واآلداب العامة حتى لو لم يكن هناك نص يقررها(‪)81‬‬

‫‪4-‬‬ ‫محضر التفتيش ‪ :‬المحضر هو الشهادة المكتوبة التي يعلن بمقتضاها القائم على التفتيش ما شاهده من وقائع وما اتخذه بشأنها من‬
‫اجراءات وما توصل اليه من نتائج (‪ ،)82‬والتفتيش بوصفه عمًال من اعمال التحقيق يجب أن ينظم به محضر شأن سائر اعمال التحقيق‬
‫التي يجب اثباتها بالكتابة حتى تكون حجة للتعامل بها (‪ ، )83‬وتنظيم المحضر اجراء وجوبي لصحة أعمال التفتيش التي تقوم بها سلطة‬
‫التحقيق ‪ ،‬ولو أن القانون لم يتطلب شكًال خاصًا في محضر التفتيش (‪ ، )84‬ومن ثم فانه ال يشترط لصحته سوى ما تستوجبه القواعد‬
‫العامة في المحاضر عمومًا (‪ ، )85‬وهو أن يكون مكتوبًا باللغة الرسمية وان يحمل تاريخ تحريره ‪ ،‬وتوقيع محرره ‪ ،‬كما ينبغي أن‬
‫يتضمن كل االجراءات التي اتخذت بشأن الوقائع التي تم اثباتها ‪ ،‬فضًال عن ذلك ينبغي عدم الكشط أو الشطب أو التعديل أو االضافة ‪،‬‬
‫وان ال يتخلل سطور المحضر تحشيه ‪ ،‬واذا اقتضى األمر شطب كلمة أو زيادتها وجب على القائم باالجراء والكاتب والشهود التوقيع عليها‬
‫‪ .‬في هامش المحضر ‪ ،‬ومن ثم يعد الغيًا كل كشط أو شطب أو اضافة غير مصادق عليه(‪)86‬‬

‫‪ :‬ب‪ -‬صور اخرى للتفتيش‬

‫يتميز التفتيش بوصفه اجراءًا من اجراءات التحقيق جمع االدلة في جريمة معينة ‪ ،‬فالتفتيش محل البحث ‪ ،‬كما بينه القانون ‪ ،‬ذلك االجراء‬
‫الذي رخص المشرع فيه بالتعرض لحرمة ما ‪ ،‬بسبب جريمة وقعت أو ترجح وقوعها ‪ ،‬وذلك تغليبًا للمصلحة العامة على مصالح االفراد‬
‫‪ .‬الخاصة (‪ ، )87‬والتفتيش على هذا النحو يفترق عن صور اخرى جرى االصطالح على وصفها بالتفتيش الوقائي والتفتيش اإلداري‬

‫التفتيش الوقائي ‪ :‬في الواقع يستهدف تفتيش األشخاص احد غرضين ‪ ،‬فقد يتخذ بوصفه إجراء من اجراءات التحقيق للبحث عن ‪1 -‬‬
‫ادلة جريمة معينة ‪ ،‬وقد يكون عمًال تمليه ضرورة األمن ‪ ،‬حفاظًا على سالمة الشخص الذي يجري تفتيشه أو غيره من االشخاص ‪،‬‬
‫بتجريد هذا الشخص مما يحمله معه من اسلحة وادوات قد يستخدمها في االعتداء على نفسه أو على غيره(‪ ، )88‬والتفتيش الذي يقصد‬
‫إلى الغرض االول هو وحده الذي خصه القانون بالتنظيم عندما تناول احكام التفتيش ‪ ،‬اما التفتيش بالمعنى الثاني ‪ ،‬فله نطاق ال يختلط فيه‬
‫بالتفتيش القانوني ‪ ،‬من حيث انه ليس من اعمال التحقيق‪،‬بل هو اجراء احتياطي يتخذ للتغلب على مقاومة من يقع عليه ‪ ،‬ولذلك جرى‬
‫‪.‬االصطالح على تسميته بـ (التفتيش الوقائي) (‪)89‬‬

‫فالتفتيش الوقائي يعد مشروعا إذا اسفر عن ضبط مادة ممنوعة ‪ ،‬كمادة مخدرة ‪ ،‬أو سالح ناري غير مرخص ‪ ،‬فان الضبط يكون‬
‫صحيحًا لوقوعه في حالة الجرم المشهود (‪()90‬التلبس)‪ ،‬ويستند التفتيش من حيث االصل إلى فكرة الضرورة ‪ ،‬فال جوز لمأمور الضبط‬
‫الوقائي أن يقصد غير غاية التجرد من سالح عدواني ‪ ،‬اما اذا كشف التفتيش الوقائي عرضًا عن اية ادلة او اشياء حيازتها محظورة او‬
‫‪ .‬تفيد في كشف الحقيقة فلمأمور الضبط الوقائي أن يضبطها (‪)91‬‬

‫التفتيش االداري ‪ :‬التفتيش االداري هو اجراء تقوم به السلطات االدارية ‪ ،‬وتقرره القوانين واللوائح للتحقق من تنفيذ ما تأمر به وما ‪2 -‬‬
‫‪.‬تنهى عنه ‪ ،‬فهو ال يجري اصًال للبحث عن االدلة ‪ ،‬وانما للتحقق من سالمة تطبيق القوانين (‪)92‬‬

‫وفي جميع االحوال فاذا ما اسفر التفتيش االداري عن دليل يتعلق بالجريمة وكان اجراؤه صحيحًا ‪ ،‬فان االعتداد به وبنتائجه يكون على‬
‫أساس من الواقع المادي الملموس ‪ ،‬وبالتالي يكون ذلك الدليل نتيجة اجراء مشروع تبيحه القوانين (‪ ، )93‬اما إذا حصل التفتيش خارج‬
‫‪ .‬النطاق الذي تبيحه القوانين واالنظمة ‪ ،‬فانه يعد باطًال وال يعتد به وال بما يسفر عنه (‪)94‬‬

‫وعليه فقد يكون التفتيش االداري بنص قانون أو الئحة ‪ ،‬وتشمل هذه الحالة على نوعين ‪ :‬اولهما يتعلق بالتفتيش االداري الذي يستهدف‬
‫المحافظة على األمن والنظام (‪ . )95‬ومن امثلة ذلك ما تقضي به قوانين ولوائح السجون اذ تخول القوانين المقارنة (‪ . )96‬مأموري‬
‫السجون سلطة تفتيش من يؤمر بادخالهم السجن ‪ ،‬ويمتد ليشمل الزوار ‪ ،‬بحيث إذا توفر لدى مأمور السجن سبب معقول يدعو لالرتياب‬
‫جاز له أن يفتشه ‪ ،‬فاذا رفض الزائر الخضوع للتفتيش ‪ ،‬فان لمأمور السجن أن يرفض دخوله إلى السجن من أجل الزيارة (‪، )97‬‬
‫وكذلك تفتيش االمتعة واالشخاص عند ركوب الطائرات (‪ ، )98‬فاجراء التفتيش للركاب وامتعتهم اجراء متبع في معظم مطارات العالم ‪،‬‬
‫فالتفتيش الذي تقوم به السلطات الجمركية في الدوائر الجمركية للمغادرين والقادمين والمتعتهم ليس اجراءًا من اجراءات التحقيق النه لم يكن‬
‫بصدد جريمة مكتشفة وللبحث عن ادلتها ‪ ،‬كما انه ليس تفتيشا وقائيا لشخص قيدت حريته بالقبض أو االستيقاف فالمسافر على الطائرة ليس‬
‫شخص مسلوب الحرية (‪ ، )99‬ومن ثم يتولى التفتيش االداري كل موظف حسب اختصاصه من تنفيذ قوانين وانظمة معينة ‪ ،‬لتأمين‬
‫‪ .‬المصلحة العامة (‪)100‬‬

‫وقد يكون التفتيش االداري باالتفاق بين من يقع عليه التفتيش وبين القائم به أو من ينوب عنه ‪ ،‬والحقيقة أن هذا التفتيش يستمد صحته من‬
‫‪ .‬رضاء صاحب الشأن (‪ ، )101‬كما هو الحال في تفتيش عمال المصانع ونحوها عند مغادرتهم اماكن عملهم (‪)102‬‬

‫واخيرًا قد يكون التفتيش االداري بحكم الضرورة ‪ ،‬ومن ابرز االمثلة لهذه الحالة ما تمليه الضرورة من حصر االشياء التي يحملها‬
‫المصاب للتحقق من شخصيته قبل نقله إلى المستشفى‪ ،‬ولذلك قضي (‪ )103‬بان ما يقوم به رجل اإلسعاف من بحث في جيوب الشخص‬
‫الغائب عن صوابه ‪ ،‬قبل نقله إلى المستشفى ‪ ،‬لجمع ما فيها ‪ ،‬وتعرفه عليه وحصرها ‪ ،‬فان هذا األجراء ال مخالفة فيه للقانون ‪ ،‬اذ هو‬
‫من الواجبات التي تمليها على رجال االسعاف الظروف التي يؤدون فيها خدماتهم وليس من شأنه أن يكون فيه اعتداء على حرية المريض‬
‫أو المصاب الذي يقومون باسعافه وحرمته ‪ ،‬لذا فهو ال يعد تفتيشًا بالمعنى الذي قصد المشرع إلى وصفه عمًال من أعمال التحقيق ‪ ،‬لذلك‬
‫فهذا التفتيش جائز دون حاجة إلى رضاء صاحب الشأن ‪ ،‬لذلك يشترط أن ال يكون المصاب قادرًا على التعبير عن ارادته ‪ ،‬وان يكون‬
‫التفتيش الزمًا لتحقيق احد اغراضه المتمثلة بالتعرف على شخصية المصاب أو محاولة انقاذه أو حفظ ما معه من نقود وأوراق (‪)104‬‬
‫‪ … .‬ألخ‬

You might also like