You are on page 1of 22

‫الفصل األول ‪:‬اإلطار العام لتحقيق اإلعدادي‪.

‬‬
‫‪1‬يعتبر التحقيق اإلعدادي مرحلة حساسة من مراحل البحث عن وسائل اإلثبات‪ ،‬وقد‬
‫استحوذت على اهتمام كبير لخطورتها أوال ‪،‬وللضمانات التي توفرها في سبيل الوصول‬
‫إلى المحاكمة العادلة ‪،‬ومن بين هذه الضمانات استنطاق المتهم من طرف قاضي التحقيق‬
‫وتمتعه بمؤازرة الدفاع‪.‬‬
‫إن مرحلة التحقيق اإلعدادي هي ثمرة مباشرة لنضج وتقدم الفكر الجنائي العلمي الذي عمل‬
‫على تنقية مساطر التحقيق مع المتهم من جميع المظاهر العشوائية واألساليب القمعية‬
‫ألإلنسانية التي كانت سائدة على نطاق واسع في المحاكمات الجنائية‪.‬‬
‫ومرحلة التحقيق اإلعدادي تأتي كمرحلة هامة بعد مرحلة البحث التمهيدي التي تنعدم فيها‬
‫الكثير من الضمانات بالنسبة للمتهم‪،‬والتي تتعرض مع كذلك للعديد من االنتقادات األمر‬
‫الذي يبرز وجود مسطرة التحقيق اإلعدادي ويبرز كذلك أهميتها‪.‬‬
‫كما أشارنا سابقا على كون التحقيق اإلعدادي مرحلة وسطية ويتموقع بين البحث التمهيدي‬
‫والمحاكمة النهائية‪،‬وبكونها ذات طبيعة قضائية تندرج ضمن مجموعة من الخطوات التي‬
‫تتمثل في التحري والتحقيق والبحث عن األدلة‪ ،‬وجمع الحجج التي قد تثبت األفعال‬
‫المنسوبة للمتهم أو تبرئته منها‪ ،‬وهي االستنتاجات التي يصل إليها قاضي التحقيق في نهاية‬
‫بحثه‪،‬ويمارس مهامه في استقاللية تامة عن جميع المتدخلين في الدعوى العمومية من‬
‫أطراف ونيابة عامة ومحكمة ‪.‬‬
‫وبذلك يكون التحقيق اإلعدادي مرتعا خصبا للدراسة والبحث‪ ،‬وتتبع مختلف هذه اإلجراءات‬
‫ومعرفة آثارها‪ ،‬ناهيك عن الوقوف على كيفية ممارسة مسطرة الطعن باالستئناف في‬
‫إجراءات وأوامر قاضي التحقيق من طرف األطراف والنيابة العامة وتصدي الغرفة‬
‫الجنحية بمحكمة االستئناف لذلك‪ ،‬ومدى إلزامية تنفيذ قراراتها‪.‬‬

‫فماهو مفهوم التحقيق اإلعدادي وما نطاقه ؟وماهي أهميته والخصائص التي يتميز بها‬
‫؟وما طبيعته القانونية وماهي هذه الجهات المكلفة بالتحقيق هل هي مستقلة ام ال ؟‬
‫‪1‬‬
‫إبراهيم بونجرة مؤسسة قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية دراسة علمية رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي‬
‫للقضاء ‪ 2007‬ص ‪.9‬‬
‫‪1‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية التحقيق اإلعدادي ونطاقه في ق‪ ,‬م ‪,‬ج‪.‬‬

‫‪2‬تتجلى فلسفة التحقيق اإلعدادي في مجموعة من التحريات واألبحاثث التي يكون الهدف‬
‫األساسي منها هو استكمال المعلومات المتوفرة والمرتبطة بظروف ومالبسات ارتكاب‬
‫الجريمة موضوع التحقيق وكذا جمع الحجج واألدلة عنها ‪،‬وقد تفضي هذه األبحاث‬
‫والتحريات أما إلى نسبة األفعال للمتهم أو تبرئيه مما كان منسوبا إليه‪.‬‬

‫ويتحدد ‪3‬مجال التحقيق اإلعدادي من خالل صنف الجرائم التي تخضع للتحقيق‪،‬مع‬
‫التمييز بين الجنايات والجنح التي تخضع للتحقيق وجوبا في الجنايات المرتكبة من طرف‬
‫األحداث أو الجنايات المعاقب عليها باإلعدام أو السجن المؤبد‪ .‬وبين التي يطالها التحقيق‬
‫اختيارا ضمن حدود وشروط تمليها أحيانا ظروف ومالبسات بعض القضايا‬
‫المطلب االول‪:‬مفهوم التحقيق اإلعدادي وأهميته في ق‪,‬م‪,‬ج‪.‬‬
‫يشمل التحقيق في ‪4‬مفهومها الواسع مرحلة التحقيق التمهيدي الذي تباشره الضابطة‬
‫القضائية ومرحلة التحقيق اإلعدادي الذي يقوم بها قاضي التحقيق‪،‬ويمتد كذلك‬
‫إلى مرحلة التحقيق التكميلي الذي يقوم به القاضي اثناء المحاكمة‪.‬‬
‫غير أن المشرع المغربي تبنى مفهوما ضيقا للتحقيق اإلعدادي وحصره في المرحلة‬
‫التي يقوم بأعبائها قاضي التحقيق مستثنيا كل اإلجراءات التي يقوم بإنجازها جهاز الشرطة‬
‫القضائية‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪:‬تعريف التحقيق اإلعدادي في ق‪,‬م‪,‬ج‪.‬‬
‫لقد تفادى المشروع المغربي تحديد تعريف للتحقيق اإلعدادي ‪ ،‬و اكتفى بتنظيم مجاله‬
‫ومجمل اإلجراءات التي يسير وفقها ‪ ،‬مقتفيا بذلك نهج التشريعات المقارنة كالتشريع‬
‫المصري واألردني وبعض التشريعات العربية األخرى ‪.‬‬
‫اوال‪:‬المفهوم الواسع‬
‫ويعرف التحقيق اإلعدادي في معناه الواسع بأنه مجموعة من اإلجراءات المنتهجة‬
‫‪https://www.etawdif.info/2020/03/blog-post.html2‬‬
‫ذ‪.3‬أحمد قيلش ذ مجيدي السعدية و اخرون الشرح العلمي لقانون المسطرة الجنائية مطبعة األمنية الرباط الطبعة الثانية ‪2016‬‬
‫ص ‪145‬‬
‫إبراهيم بونجرة مرجع سابق ص ‪104‬‬

‫‪2‬‬
‫من أجل إنجاز مختلف التحريات من استنطاق وتفتيش و معاينات وتستهدف جمع األدلة‬
‫قصد القيام بإحالتها على المحكمة ‪،‬واألمر سيان سواء أقام بهذه اإلجراءات قاضي التحقيق‬
‫او ضابط الشرطة القضائية في إطار البحث التمهيدي ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المفهومالضيق‬
‫غير انه يقصد بالتحقيق اإلعدادي بمفهومه الضيق‪ .‬وهو الذي تبناه قانون المسطرة‬
‫الجنائية‪ .‬جميع اإلجراءات القضائية التي يقوم بها قاضي التحقيق على الوجه المحدد قانونا‬
‫من أجل جمع األدلة بخصوص الجريمة المقترنة وتمحيصها ومعرفة مدى كفاية األدلة‬
‫قصد إحالة المهتم على هيئة الحكم أو عدم كفايتها للقيام بذلك‬
‫وقد نص المشرع المغربي في )المادة ‪( 85‬من القانون المسطرة الجنائية على أنه‬
‫يقوم قاضي التحقيق بجمع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة كما‬
‫نص في المواد( ‪53،52،54‬و‪) 55،‬من نفس القانون على الجهة المختصرة بالتحقيق‬
‫اإلعدادي وهم القضاة المكلفون بالتحقيق مما يكون معه قد تبني المفهوم الضيق للتحقيق‬
‫اإلعدادي‪،‬‬
‫والتحقيق كما يدل عليه اسمه هو استجالء الحقيقة قصد الوصول إلى إدانة المتهم‬
‫من عدمه ‪ ،‬بعد جمع األدلة القائمة على ارتكاب الجريمة ‪ ،‬وتمحيصها تمهيدا لرفع الدعوى‬
‫العمومية ضد الفاعل إذا تبث أن األدلة كافية إلحالته من التحقيق على المحكمة ‪،‬وفحص‬
‫تلك األدلة من طرف هده األخيرة لتقرير إدانته أو برأته بحسب مقتضى الحال‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬أهمية التحقيق اإلعدادي في ق‪ ،‬م‪،‬ج‪.‬‬
‫إن أهمية التحقيق اإلعدادي تكمن في كون أن قاضي التحقيق يقوم بإجراء بحث حول‬
‫شخصية المتهم ‪،‬وحالته العائلية و االجتماعية ‪،‬بحيث ال يخفى ما لهذا اإلجراء من أهمية‬
‫تتمثل في التعرف على الظروف الحيطة بشخص المتهم والتي ال يخفى على أحد ما لها من‬
‫تأثير على ملف القضية ‪.‬‬
‫ويتمتع كذلك بأهمية كبيرة باعتباره مرحلة حاسمة في حياة الدعوى العمومية ‪،‬وهي المرحلة‬
‫التي تؤدي إلى تحضير الدعوى وتحديد مدى قابليتها للنظر فها أمام قضاء الحكم ‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫ونظرا إلى أنها تتم على إثر وقوع الجريمة ‪ ،‬فإنها تتيح للقائمين عليها فرصة جمع األدلة‬
‫قبل ضياعها ‪ ،‬ألن كل تأخير في تحقيق هذه المهمة يؤدي إلى تشويه صورة الحقيقة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬خصائص التحقيق اإلعدادي‬
‫أ جمل الفقه خصائص التحقيق اإلعدادي في أربعة خصائص أساسية تعطيه بعده النظري‬
‫واإلجرائي‪،‬تتمثل في العناصر التالية‪ :‬الخاصية القضائية و الخاصية االستقاللية والخاصية‬
‫التفتيشية والخاصية العينية‬

‫الفقرة األولى‪:‬خصائص مرتبطة بشخص قاضي التحقيق‬


‫إن ‪ 5‬الخصائص المميزة لقضاء التحقيق ‪،‬بعضها يستمد من شخصية قاضي التحقيق الذي‬
‫ينتمي إلى جهاز القضائي وما يفرضه عليه ذلك من ضرورة التزام الحياد والتجرد و‬
‫االستقاللية ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الخاصية القضائية‬
‫إن إسناد بعض إجراءات التحقيق لبعض الجهات استثناء ال يخرج عن هذه القاعدة فقاضي‬
‫التحقيق وبحكم صفته وبحكم القضائية يخضع لمراقبة الغرفة الجناحية لدى محكمة‬
‫االستئناف ‪ ،‬وهي نوع من الرقابة القضائية عن أوامر وإجراءات قضاة التحقيق كلما جانبت‬
‫أو خرقت القانون ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬خاصية االستقاللية‬
‫قضاة التحقيق يحتل موقعا وسطا بين النيابة العامة التي تملك سلطة تحريك الدعوى‬
‫العمومية والمتابعة ‪ ،‬وبين هيئة الحكم التي تفصل في النزاع ‪ ،‬وهو يشكل مرحلة متقدمة في‬
‫البحث والتحري بعد البحث التمهيدي ‪ ،‬وبذلك يشكل مرحلة حاسمة ومهمة في توجيه االتهام‬
‫من عدمه‪.‬‬
‫لذلك أوكل المشرع التحقيق اإلعدادي لعناصر تنتمي إلى السلطة القضائية والتي يجب أن‬
‫تتصف بتجربة ودراية اكتسبها عن طول ممارسة في ردهات المحاكم‪ ،‬وتتوفر على بعد‬
‫نظر وقوة شخصية تنم عن نزاهة وفطنة واستقاللية قد ال توجد إال في القاضي المتمرس‪.‬‬
‫أحمد قيلش و ذ مجيدي السعدية واخرون مرجع سابق ص‪142 -143-144-1455‬‬

‫‪4‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص مرتبطة بموضوع التحقيق‬
‫هناك خصائص يستمدها التحقيق اإلعدادي من خالل موضوعاته ومجال اختصاصه‪ ،‬والتي‬
‫تطبع إجراءاته بطابع خاص ‪،‬وتتمثل في الخاصية التفتيشية والخاصية العينية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الخاصية التفتيشية‬
‫تعتبر هذه الخاصية من أهم الخصائص المميزة لمرحلة التحقيقات وتتجلى في ثالث نقط‬
‫أساسية‪:‬‬
‫أ‪ :‬خضوع التحقيق اإلعدادي للسرية‬
‫تم تكريس مفهوم السرية من خالل جملة من المعطيات اإلجرائية ‪ ،‬حيث تتم إجراءات‬
‫التحقيق بمكتب قاضي التحقيق في جلسة سرية ويمنع على العموم حضورها ‪ ،‬وتضل‬
‫السرية مالزمة للتحقيق اإلعدادي في جميع أطواره إلى إن تحال القضية على المحكمة للبت‬
‫فيها في جلسة علنية ‪.‬‬
‫إال أن هذه السرية ليست مطلقة بل تعرف بعض المرونة فيما يخدم مصالح األطراف‪،‬‬
‫وتتجلى هذه المرونة في األوجه التالية‪:‬‬
‫_وجوب مآزرة المتهم بمحامي (المادة ‪\134‬ف ‪2‬من قانون المسطرة الجنائية)‬
‫_إشعار المتهم بالمنسوب إليه (المادة‪ 134‬ف ‪ 9‬من قانون المسطرة الجنائية)‪.‬‬
‫_جواز اتصال المحامي بموكله وبكامل الحرية (المادة ‪136‬ف ‪1‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية(‪.‬‬
‫_حضور المحامي جلسات التحقيق اإلعدادي)المادة ‪139‬ف ‪1‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية(‪.‬‬
‫_وضع وثائق ملف التحقيق رهن إشارة المحامي قبل االستنطاق بيوم واحد على األقل‬
‫(المادة ‪139‬ف ‪3‬من قانون المسطرة الجنائية)‪.‬‬
‫ب‪:‬توتيق إجراءات وعمليات التحقيق‬
‫يقوم كاتب الضبط بتدوين محاضر التحقيق اإلعدادي والذي يحضر جميع جلساته إلى جانب‬
‫قاضي التحقيق ‪,‬كما أن عملية الكتابة هامة يقومها أيضا ضابط الشرطة القضائية الذي‬
‫يكلف ببعض إجراءات التحقيق في إطار ما يسمى باإلنابة القضائية‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ت‪:‬عدم حضور التحقيق اإلعدادي‬
‫ينسجم هذا المقتضى مع سرية التحقيق اإلعدادي إن لم يكن متولدا عنها ‪،‬ومؤدى ذلك عدم‬
‫السماح بحضور الجمهور أو العموم ‪ ،‬وعدم السماح بمرافعة األطراف ‪،‬باستثناء جواز‬
‫توجيه األسئلة لكل من المتهم أو الشهود طبقا( للمادة ‪)14‬من قانون المسطرة الجنائية ‪،‬‬
‫والتنصيص على ضرورة القيام بالتفتيش بحضور بعض األشخاص الذين حددهم القانون‬
‫طبقا (للمادة ‪)103‬من قانون المسطرة الجنائية ‪ ،‬كما أنه يجوز طلب انتداب خبير أو عدة‬
‫خبراء أو مترجم ‪ ،‬ويجوز لكل هؤالء االستماع إلى تصريحات أطراف التحقيق طبقا للمادة‬
‫من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬خاصية العينية‬
‫حدد المشرع الجرائم واألفعال التي يمكن إجراء التحقيق اإلعدادي بشأنها ‪،‬فالتحقيق قد‬
‫يكون اختياريا أو إجباريا باإلحالة من طرف النيابة العامة أو عن طريق شكاية يتقدم بها‬
‫المتضرر مباشرة إلى قاضي التحقيق ‪.‬‬
‫فقاضي التحقيق ملزم و مقيد باألفعال المعروضة عليه وال يتعداها إلى غيرها ‪،‬وهي التي‬
‫تكون مضمنة بملتمس النيابة العامة بإجراء تحقيق في وقائع معينة ومحددة‪.‬‬
‫فخاصية العينية ‪،‬إذا تنصرف إلى األفعال فقط ‪ ،‬في حين ال يتقيد قاضي التحقيق باألشخاص‬
‫المحالين عليه ‪،‬إذ يمكنه التحقيق مع غيرهم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬الطبيعة القانونية للتحقيق اإلعدادي‬
‫يشكل التحقيق االعدادي ‪ -‬مرحلة وسطية ‪ -‬بين البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية‬
‫والمحاكمة ‪ ،‬يتمتع خاللها قاضي التحقيق بمجموعة من الصالحيات ذات طبيعة قضائية صرفة ‪،‬‬
‫تهدف الى تعميق البحث و تمحيص األدلة ووسائل اإلثبات وتحديد معالم الجريمة وأوصافها ‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعرف التحقيق اإلعدادي‪،‬ولم يعرض لذلك ضمن‬
‫قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬مما قد يجعل البعض يخلط بين التحقيق بوجه عام الذي يطبع‬
‫الخصومة الجنائية منذ بداية البحث التمهيدي فيها إلى غاية صدور حكم بشأنها ‪ ،‬وبين مرحلة‬
‫التحقيق اإلعدادي التي تتميزبصبغتها القضائية المحضة وبإجرائتها الدقيقة حيث تتوسط مرحلة‬
‫البحث التمهيدي ومرحلة المحاكمة ‪.‬‬

‫عالوة على ذلك ‪ ،‬وضع القانون للتحقيق االعدادي نظاما قانونيا وإجرائيا متميزا من خالل سن‬
‫مجموعة من القواعد واألحكام ضمن القسم الثالت من الكتاب األول ضمن المواد ‪ 83‬إلى ‪ 250‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬ج المتعلقة بالتحري عن الجرائم ومعاينتها ‪.‬‬

‫انسجاما مع ذلك‪ ،‬يمكن تعريف التحقيق اإلعدادي بأنه مرحلة قضائية تتوسط البحث التمهيدي‬
‫والمحاكمة ‪ ،‬تنصب على الجنايات و الجنح على حد سواء‪ ،‬وتهدف إلى تمحيص األدلة والتثبت‬
‫من وقوع الجرائم بإتخاد مجموعة من اإلجراءات والبت في وضعية المتهم بمتابعته وإحالته على‬
‫المحكمة أوعدم متابعته وحفظ القضية في حقه‪.‬‬

‫وعليه سنتطرق إلى الجهات المكلفة بالتحقيق اإلعدادي ومدى استقالليته في مطلب أول‪ ،‬وفي‬
‫مطلب ثاني مجال التحقيق االعدادي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الجهات المكلفة بالتحقيق اإلعدادي وإستقالليته‪.‬‬

‫يمثل التحقيق اإلعدادي المرحلة الثانية في البحث والتثبت من الجرائم‪،‬يقوم به قاض من قضاة‬
‫الحكم المعينين بمحاكم اإلستئناف والمحاكم اإلبتدائية‪ ،‬وهو يمثل السلطة الثالتة في التحري عن‬

‫‪7‬‬
‫الجرائم بعد النيابة والشرطة القضائية‪ ،‬ويحتل موقعا وسطا بين مرحلة البحث التمهيدي‬
‫‪6‬‬
‫وإجراءات المحاكمة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجهات المكلفة بالتحقيق اإلعدادي‬

‫تكمن فلسفة التحقيق اإلعدادي في مجموعة من اإلجراءات والتحريات التي خولها المشرع‬
‫لقاضي التحقيق بغية الوصول الى الحقيقة التي تتمثل في توجيه اإلتهام إلى شخص معين أو‬
‫نفيه عنه ‪.‬‬

‫يعتبرقاضي التحقيق هو الطرف األصيل في القيام بمهام التحقيق‪ ،‬ألنه المكلف أساسا بالتحقيق‬
‫اإلعدادي‪ ،‬في حين تتداخل معه بعض الجهات األخرى‪ ،‬إما بإعتبارها تمارس نوعا من الرقابة‬
‫على إجراءات وأوامر قضاة التحقيق‪ ،‬وهي بهذا المعنى درجة من درجات التحقيق اإلعدادي‬
‫كما هو بالنسبة للغرفة الجنحية بمحكمة اإلستئناف‪ ،‬أو في إطار اإلنابة القضائية حيث يعهد‬
‫لضباط الشرطة القضائية القيام بمهام التحقيق في إطار مسطرة خاصة‪ ،‬وكذلك عندما تكلف‬
‫بعض الجهات استثناءا القيام ببعض إجراءات التحقيق بمقتضى نص خاص مثل الغرفة‬
‫الجنائية بمحكمة النقض‬

‫أوال‪:‬الجهات األصلية للتحقيق اإلعدادي‬

‫حدد المشرع المغربي بمقتضى ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬الجهات األصلية التي أنيط بها التحقيق اإلعدادي‬
‫وتتمثل في‪:‬‬

‫‪ -‬قاضي التحقيق‪ :‬يتم تعيين قضاة التحقيق سواء بمحاكم اإلستئناف أوالمحاكم اإلبتدائية بقرار‬
‫لوزير العدل والحريات لمدة ثالت سنوات قابلة للتجديد‪،‬ويتم إعفاؤهم بنفس الطريقة وذلك بناءا‬
‫على إقتراح من طرف الرئيس األول بالنسبة لمحاكم اإلستئناف‪ ،‬ورئيس المحكمة اإلبتدائية‬
‫بالنسبة لمحاكم الدرجة األولى‪.‬‬

‫إال أنه إذا لم يوجد في المحكمة سوى قاض واحد مكلف بالتحقيق وحال مانع مؤقت دون‬
‫ممارسته مهامه‪ ،‬يمكن لرئيسها في حالة اإلستعجال‪ ،‬وبناء على طلب من النيابة العامة‪،‬‬

‫‪ :6‬د‪.‬أحمد قيلش‪-‬دة‪.‬مجيدي السعدية واخرون مرجع سابق ص‪134.135‬‬

‫‪8‬‬
‫وفي انتظار زوال المانع أو صدور التعيين بقرارنظامي‪،‬أن يتعين أحد قضاة أو مستشاري‬
‫المحكمة لممارسة هذه المهام‪،‬كما تقضي بذلك مقتضيات المادة ‪ 53‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫كماأنه يمكن لوزير العدل و الحريات عن طريق مسطرة اإلنتداب‪ ،‬أن ينتدب قاضيا للتحقيق‬
‫‪7‬‬
‫لمدة ال تتجاوز ثالثة أشهر مع إمكانية تجديدها لمدة ثالثة أشهر أخرى‬

‫‪-‬الغرفة الجنحية‪ :‬تتصل الغرفة الجنحية بمحاكم اإلستئناف بالتحقيق اإلعدادي في كونها الجهة‬
‫قاضي التحقيق‪ ،‬وبالتالي يمكن اعتبارها درجة ثانية من درجات التحقيق اإلعدادي‪.‬‬

‫وتنص المادة ‪ 231‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬غلى أنه ‪:‬‬

‫"تنظر الغرفة الجنحية بمحاكم اإلستئناف وهي مكونة من الرئيس األول أو من ينوب عنه ومن‬
‫مستشارين اثنين بحضورممثل النيابة العامة وكاتب الظبط‪:‬‬

‫أ‪ -‬في طلبات اإلفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة‬
‫‪. 160‬‬ ‫من المادة ‪ ، 179‬وفي تدابيرالوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة‬

‫ب‪ -‬في طلبات بطالن إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد ‪ 210‬إلى ‪ 231‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫ت‪ -‬في اإلستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاض التحقيق طبقا للمادة ‪ 222‬وما يليها من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫ج‪ -‬في كل أخالل منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خالل مزاولته لمهامه طبقا لما‬
‫‪8‬‬
‫هو منصوص عليه في المواد من‪ 29‬إلى ‪ 35‬من هذا القانون ‪".‬‬

‫وإذا كان التجقيق اإلعدادي يهدف إلى تعميق البحث وتمحيص األدلة بغية الوصول إلى الحقيقة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬فإن الغرفة الجنحية يمكنها هي األخرى أن تقوم بإجراء أي تحقيق تكميلي تراه‬
‫مفيدا إما تلقائيا أوبطلب من الوكيل العام للملك أو بطلب من أحد األطراف ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الجهات اإلستثنائية للتحقيق اإلعدادي‬

‫‪-7‬الفصل ‪ 57‬من الظهير بمثابة القانون األساسي رجال القضاء (‪)1974.11.11‬كما وقع تعديله‪.‬‬

‫‪ -8‬تجري المناقشات في الغرفة الجنحية بصفة سرية وفي إطار غرفة المشورة ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫عالوة على قاضي التحقيق والغرفة الجنحية بمحكمة اإلستئناف‪ ،‬فهناك جهات أخرى أسند لها‬
‫المشرع القيام بإجراءات التحقيق استثناء وضمن شروط شكلية خاصة حددها المشرع ونظمها‬
‫بأحكام وقواعد إجرائية‪ ،‬وتتمثل هذه الحهات اإلستثتنائية في‪:‬‬

‫*الغرفة الجنائية بمحكمة النقض‪ :‬قد يجري التحقيق إستثناء من طرف جهة نص القانون‬
‫على إسناد هذا اإلختصاص لها بمقتضى نص خاص وألسباب ودواعي إستثنائية‪.‬وذلك يتضح‬
‫في المادة ‪ 256‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬على أن الغرفة الجنحية بمحكمة النقض هي المختصة بالتحقيق في‬
‫األفعال المنسوبة لبعض كبار الموظفين الذين التي تم ذكرهم غلى سبيل الحصر‪ ،‬إال أن هذا‬
‫اإلستثناء على مستوى األشخاص الخاضعين إلجراءات التخقيق التي تباشره الغرفة الجنائية‬
‫بمحكمة النقض اليؤثر على طبيعتها القانونبة بل يتم وفق األخكام المنصوص عليها في المواد‬
‫‪9‬‬
‫‪ 83‬غلى ‪ 250‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫*ضباط الشرطة القضائية وقضاة الحكم(اإلنابة القضائية)‪ :‬منح المشرع لقاضي التحقيق‬
‫حق إنتداب أي قاضي آخر للقيام بأحد إجراءات التحقيق من قضاة الحكم‪ ،‬أو ضابط من ضباط‬
‫‪11‬‬
‫الشرطة القضائية للقيام بإجراء مايراه الزما من أعمال التحقيق بواسطة اإلنابة القضائية‪.‬‬

‫ومايهمنا بخصوص إثارة موضوع اإلنابة‪،‬هو إدخال جهات أخرى غيرأصلية للقيام بإجراءات‬
‫التحقيق اإلعدادي وتتمثل في قضاة الحكم وضباط الشرطة القضائية‪،‬فهؤالء جميعا يحلون محل‬
‫قاضي التحقيق في بعض اإلختصاصات الموكولة إليهم والتي يجب أن يتقيدوا بها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إستقاللية التحقيق اإلعدادي‪.‬‬

‫نظرا للمهام التي يضطلع بها قاضي التحقيق و األدوار والوظائف التي أناطها به المشرع‬
‫المغربي بغية الوصول إلى توجيه اإلتهام للمتهم من عدمه‪ ،‬فقد مكنه من ممارسة مجموعة من‬
‫اإلجراءات وإصدار العديد من األوامر‪ ،‬ناهيك عن تمتيعه بإستقاللية تامة عن جميع االطراف‬
‫المتدخلة في الدعوى العمومية من أطراف‪ ،‬ونيابة عامة‪،‬ومحكمة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إستقاللية السلطة القضائية‬

‫‪ :9‬د‪.‬أحمد قيلش‪-‬دة‪.‬مجيدي السعدية وآخرون مرجع ساببق ص ‪138.137‬‬

‫‪10‬‬
‫نص دستور المملكة المغربية(‪ 1‬يوليوز ‪ ) 2011‬على إستقالل السلطة القضائية عن السلطتين‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ودور القضاء المستقل في ضمان حماية حقوق األشخاص والجماعات‬
‫‪10‬‬
‫وحرياتهم وتوفير األمن القضائي لهم‪ ،‬في بابه السابع منه ( الفصول من ‪ 107‬إلى ‪.)116‬‬

‫شكل القضاء محور اهتمام واسع في أغلب الخطب الملكية‪ .‬وقد تم تحديد توجهات هذا‬
‫اإلصالح في خطاب العرش لسنة ‪ ، 2008‬و بشكل مفصل في خطاب ‪ 20‬غشت ‪2009‬‬
‫الذي حدد ست مجاالت رئيسية ينبغي أن يطالها اإلصالح منها توفير ضمانات معززة‬
‫الستقالل القضاء‪ ،‬عصرنة اإلطار التنظيمي ‪ ،‬إصالح شامل للهيكلة والموظفين ‪ ،‬زيادة‬
‫الفعالية‪ ،‬تنفيذ قواعد لمنع الرشوة وسوء استخدام السلطة‪ ،‬ثم التطبيق األمثل لإلصالحات‬

‫وشكل هذا الخطاب مرجعية كل ما سيأتي من مبادرات إصالحية سواء أثناء التحضير‬
‫لمراجعة الدستور ‪ ،‬أو خالل مرحلة تطبيق مقتضياته وإخراجها في شكل نصوص قانونية‪.‬‬

‫وبصدور قانون المسطرة الجنائية الحالية (ق‪ )22.01‬تجد م‪ 52‬منه تنص على‪:‬‬

‫"يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحكمة االبتدائية من بين قضاة الحكم لمدة ثالث‬
‫سنوات قابلة للتجديد بقرار من وزير العدل‪ ،‬بناء على اقتراح من رئيس المحكمة االبتدائية‪.‬‬

‫يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم االستئناف من بين مستشاريها لمدة ثالث سنوات‬
‫قابلة للتجديد بقرار من الرئيس األول بمحكمة االستئناف‪.‬‬

‫يمكن من خالل هذه المدة إعفاؤهم من مهامهم بنفس الكيفية‪ ،‬يباشر هؤالء القضاة مهامهم‬
‫وفق ماهو منصوص عليه في القسم الثالث بعده ‪"...‬‬

‫أ‪ -‬مبادئ استقاللية القضاء‬

‫ينص الفصل ‪ 107‬من الدستور أن السلطة القضائي مستقل عن السلطة التشريعية وعن‬
‫السلطة التنفيذية ‪ ،‬والملك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية كما نص دستور ‪ 1‬يوليوز‬
‫‪ 2011‬بشأن دسترة حقوق التقاضي وممارسة السلطة القضائية في سبيل ارساء دعائم قضاء‬
‫‪11‬‬
‫مستقل و قوي ‪ ،‬ومن اجل ضمان وحماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم‬
‫القضائي ‪ ،‬على مجموعة من المقتضيات تهم استقالل القضاء من جهة( الفصول من ‪ 107‬الى‬
‫‪ 116‬من الدستور) ‪ ،‬وحقوق المتقاضيين وسير العدالة( الفصول من ‪ 117‬الى ‪ 128‬من‬
‫الدستور)‪.‬‬

‫ب‪ -‬مظاهر استقاللية السلطة القضائية في القواعد الدستور التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬دسترة والتنصيص على مفهوم االستقاللية في الفصل ‪ 107‬من الدستور‪.‬‬

‫‪ -2‬منع التدخل في شؤون القضاء بحيث ال يتلقى القاضي التعليمات أو األوامر وال يخضع‬
‫ألي ضغط كيفما كان نوعه أو جهته‪.‬‬

‫‪ -3‬يجب على القاضي أن يتمسك باستقالليته وان يعطيها بعدها الممارسات من حياده‬
‫وتجرده عن األطراف و الخصوم ‪ ،‬وعن كل ما من شأنه أن يتدخل في وظيفته القضائية‬

‫‪ -4‬حماية استقاللية القضاء‪.‬‬

‫‪ -5‬مسؤولية القاضي ‪ :‬تظهر من خالل عدم االلتزام بواجب االستقاللية والتجرد الذي يعتبر‬
‫خطأ مهنيا بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة‪.‬‬

‫ت‪ -‬أبعاد استقاللية السلطة القضائية‪:‬‬

‫تم اختزال أبعاد وأهداف السلطة القضائية في الخطاب الملكي ل ‪ 8‬أكتوبر ‪ 2010‬بشأن‬
‫‪11‬‬
‫المفهوم الجديد إلصالح القضاء في القضاء في خدمة المواطن‬

‫فالخطاب الملكي أعطى تصورا جديدا للمواطن ‪ ،‬المتقاضي الذي أصبح زبونا للمحاكم‬
‫وأضحت هذه األخيرة مطالبة بتقديم خدمات للوافدين عليها بجودة خدماتها القضائية التي‬
‫يجب أن تطبعها المؤشرات التالية‪:‬‬

‫* السرعة ‪ :‬نقصد بذلك أن تكون مدد و إجراءات الدعوى بشكل عام تحكمها آجال قانونية‬
‫قصيرة ومعقولة ‪ ،‬ألن إطالة أمد النزاع أحيانا يفقد ثقة األطراف في القضاء‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫*الن جاعة ‪ :‬أي أن األحكام التي تصدرها مختلف المحاكم يجب أن تنسجم مع روح القانون و‬
‫تطبيقاته وأن يسعى القاضي إلى تطبيق القانون كما ابتغاه المشرع وأن ال تصدر أحكام‬
‫القضاء أال على أساس التطبيق العادل للقانون‪.‬‬

‫*اإللزامية ‪ :‬ومفادها أن األحكام والقرارات التي يتخذها القضاء ملزمة لجميع األطراف‬
‫وجميع األشخاص ذاتيين كانوا أو معنويين‪.‬‬

‫*التنفيذ ‪ :‬بمعنى جعل التنفيذ هو غاية التقاضي ‪ ،‬وألن عدم التنفيذ األحكام يمس بقدسيتها و‬
‫بالوظيفة القضائية ككل ‪ ،‬و ألنه ال ينفع التكلم بحق ال نفاذ له كما قال عمر بن الخطاب‬
‫لقاضيه أبي موسى األشعري وهو يحثه بالحرص على حقوق العباد‪.‬‬

‫* األمن القضائي ‪ :‬الذي يعتبر نتيجة لما سبق ‪ ،‬فتواجد مؤسسة قضائية مستقلة ناجعة وفعالة‬
‫تؤدي إلى ترسيخ ثقافة الثقة بين المواطن والسلطة القضائية ‪ ،‬ومن خاللها النظام السياسي‬
‫الذي يحكم الجميع‪ ،‬حيث يطمئن المواطنون أن حقوقهم الفردية والجماعية وحرياتهم‬
‫محفوظة ومحمية كلما تم المساس بها من طرف حصن منيع اسمه القضاء‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬استقاللية قاض التحقيق‬

‫قاضي التحقيق ومن خالل المهام واألدوار المنوطة به ال ينفك عما قلناه بخصوص استقالل‬
‫السلطة القضائية ‪ ،‬فهو كذلك معني بتوخي الحذر و الحرص التام والتزام التجرد و الحياد و‬
‫االستقاللية عن جميع المتدخلين في الدعوى العمومية ‪ ,‬وقد كرس المشرع هذه االستقاللية‬
‫على مجموعة من المستويات ‪ ،‬تتمثل في استقالل قاضي التحقيق عن النيابة العامة ؛‬
‫واستقالل قاضي التحقيق عن المحكمة ؛ و استقالل قاضي التحقيق عن األطراف‪.‬‬

‫أ‪ -‬استقاللية قاضي التحقيق عن النيابة العامة‪:‬‬

‫تتجلى هذه االستقاللية في كون النيابة العامة سلطة خصها المشرع بحق المتابعة‬
‫وإعمال سلطة المالئمة ‪ ،‬في حين أوكل مهم التحقيق لجهة ثانية ‪ ،‬وبمجرد إحال‬
‫القضية على قاضي التحقيق بواسطة ملتمس النيابة العامة أو مباشرة من طرف‬
‫المطالب بالحق المدني‪ ،‬فإن القاضي المكلف بالتحقيق ينهض بأعباء التحقيق في‬
‫‪13‬‬
‫حدود األفعال المسطرة بملتمس النيابة العامة أو الواردة بشكاية المتضرر دون‬
‫‪14‬‬
‫تحريك الدعوى العمومية‬

‫ب‪ -‬استقالل قاضي التحقيق عن هيئة الحكم‪:‬‬

‫إذا كان قاضي التحقيق يقوم بجمع األدلة وتحميصها فإنه يبحث عن الدليل الذي‬
‫يجعل الشبهة قائمة في تقديره وال يهتم إذا كان قاطعا أو حاسما في إدانة المتهم أم ال‬
‫وبالتالي يختلف مفهوم الدليل بين قضاء الحكم و قضاة التحقيق ‪ ،‬فإذا كان هذا األخير‬
‫يلتمس أي دليل يؤسس عليه اتهامه ولو كان مجرد شبهة في تقديره ‪ ،‬بحيث ال يملك‬
‫سلطة الترجيح بين أدلة اإلثبات وأدلة النفي ‪ ،‬وال يمكن رد أي دليل بحجة عدم‬
‫اقتناعه به ‪ ،‬فإن قضاء الحكم يملك سلطة الترجيح بين األدلة وال يأخذ منها إال ما‬
‫كان قاطعا و اقتنع بحجته ويرى ما لم يقنعه به‪.‬‬

‫و استقالل قاضي التحقيق عن قاضي الحكم له ما يبرره أيضا إذ أن الفصل في‬


‫مجموع الدعوى العمومية يرجع للمحكمة وحدها ويمتنع عن قاضي التحقيق الذي‬
‫حقق في القضية مخافة تأثره بما توصل به من رأي أثناء التحقيق ‪ ،‬حتى ولو تأكد له‬
‫خطأه فبما بعد ‪ ،‬والحال أن الذي يفصل في جوهر الدعوى يجب أن يكون متحررا‬
‫‪15‬‬
‫من تأثير أي رأي مسبق فيها‬

‫وفي هذا الصدد فقد جاء في الفقرة الرابعة من المادة ‪ 52‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪ .‬ما يلي‪:‬‬
‫يباشر هؤالء القضاة مهامهم وفق ما هو منصوص عليه في القسم الثالث بعده‬

‫ال يمكن لقضاة التحقيق تحت طائلة البطالن أن يشاركوا في إصدار الحكم في‬
‫القضايا الزجرية التي سبق أن أحيلت إليهم بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق‬

‫كما تنص الفقرة الثانية من المادة ‪ 471‬من نفس القانون على ‪ ،‬و يمكن لغرفة‬
‫الجنايات في القضايا التي تستوجب مناقشات طويلة أن تضم إليها ‪ ،‬بإضافة إلى‬
‫أعضائها الذكورين مستشارا أو أكثر يعينه الرئيس األول لمحكمة االستئناف ‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫وال يمكن تحت طائلة البطالن أن يكون من بين أعضائها أحد القضاة الذين قاموا‬
‫بأي إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق في القضايا أو شاركوا في البث فيها‬

‫و يتبين من المقتضيات السابقة عدم جواز جمع السلطتين في يد واحدة ‪ ،‬أي أنه‬
‫يحظر على قاضي التحقيق الذي انتقل إلى وظيفة الحكم أن يجلس و يفصل عن‬
‫الدعوى التي سبق له أن حقق فيها ‪ ،‬ومن ثم يفقد صالحيته للنظر فيها باعتباره قاض‬
‫للحكم ‪ ،‬والمحكمة من ذلك ترجع الى الرغبة في تكريس مراحل الخصومة الجنائية‬
‫و عدم تداخلها ‪ ،‬إمعانا في تمحيص األدلة و إقرار الرقابة المتعددة على صحتها‪.‬‬

‫تدعيما لما سبق ذكره يرى األستاذ فريد السموني أن قضاء الحكم هم أسياد تكييفهم‬
‫بحيث يعترف لهذه الهيئة المذكورة باليد العليا ‪ Jean Claude‬على غرار الفقيه‬
‫لتصحيح وصف األفعال و حتى يتمكن األطراف و خاصة منهم المتهم من تهيئ‬
‫دفاعهم وفق إستراتيجية كفيلة بمواجهة اتهام واضح وال لبس فيه‬

‫و هذه القاعدة أكدتها الفقرة األولى من المادة ‪ 432‬من ق‪ .‬م ‪.‬ج ‪،‬حيث نصت على أنه ‪:‬‬

‫ال ترتبط غرفة الجنايات بتكييف الجريمة المحال عليها ويجب عليها أن تكيف قانونيا‬
‫األفعال التي تحال عليها و أن تطبق عليها النصوص الجنائية المالئمة مع نتيجة بحث‬
‫القضية بالجلسة‪.‬‬

‫ت‪ -‬استقالل قاضي التحقيق عن األطراف‪:‬‬

‫إن قاضي التحقيق يمارس مهام و يباشر الصالحيات المخولة له بتجرد وحياد و‬
‫استقاللية تامة عن األطراف و الخصوم ‪ ،‬وجميع اإلجراءات التي يقوم باتخاذها‬
‫تكون وفق أحكام وقواعد القانون تحت إشراف النيابة العامة و مراقبة الغرفة‬
‫‪16‬‬
‫الجنحية بمحكمة االستئناف‬

‫فقاضي التحقيق يلتزم بأحكام القانون وقواعده دون انحيازه إلى طرف على حساب‬
‫آخر ‪ ،‬وإذا كان يملك سلطة واسعة للتقرير في حرية المواطنين وفي ممتلكاتهم‪ ،‬فإنها‬

‫‪15‬‬
‫مقيدة و مؤطرة بمجموعة من النصوص القانونية ‪ ،‬إضافة إلى األخالقيات المهنية‬
‫وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجال التحقيق اإلعدادي‬

‫يتحدد مجال التحقيق اإلعدادي من خالل صنف الجرائم التي تخضع للتحقيق ‪،‬مع‬
‫التمييز بين الجنايات والجنح التي تخضع للتحقيق وجوبا‪ ،‬وبين التي يطالها التحقيق‬
‫اختيارا ضمن حدود وشروط تمثيلها أحيانا ظروف ومالبسات بعض القضايا‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التحقيق اإلجباري‬

‫حدد المشرع طبيعة الجرائم التي يكون فيها التحقيق إلزاميا من الجنايات و الجنح‬
‫المتمثلة في األنواع التالية‪:‬‬

‫*الجنايات المعاقب عليها باإلعدام ‪.‬‬

‫*الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤبد‪.‬‬

‫*الجنايات التي يصل الحد األقصى للعقوبة المقرر لها ‪ 30‬سنة‪.‬‬

‫*الجنايات المرتكبة من طرف األحداث‪.‬‬

‫*الجنح بنص خاص‪،‬كما هو الشأن بالنسبة لحوادث السير المميتة‪.‬‬

‫أوال‪:‬التحقيق اإلجباري في الجنايات‬

‫في بداية الحديث عن التحقيق اإلجباري ينبغي لنا في هذا الصدد أن نتناول ما ورد‬
‫في القوانين السابقة لصدور قانون المسطرة الجنائية بشأن التحقيق اإلجباري‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى الظهير ‪ 10‬فبراير ‪،18 1959‬في الفصل ‪ 84‬منه نجد أن المشرع قد‬
‫نص فيه على ما يلي‪ :‬إن التحقيق األولي يكون إلزاميا في القضايا الجنائية‪ ،‬مما‬
‫يوضح أن المشرع قد اتخذ ما يلي‪:‬‬

‫* مبدأ الوجوب في الجرائم التي لها صفة الجناية‬

‫‪16‬‬
‫وهذا األسلوب الذي سلكه مشرع ظهير العاشر من فبراير ‪ 1959‬جعل من التحقيق‬
‫اإلعدادي مؤسسة لها دورها الملحوظ و المتميز في مسيرة الخصومة الجنائية إلى‬
‫‪19‬‬
‫جانب كل من النيابة العامة وهيئة الحكم‬

‫لكن بصدور الظهير المتعلق باإلجراءات االنتقالية في ‪ 28‬شتنبر ‪ ،1974‬حصلت‬


‫خلخلة كبيرة لمؤسسة التحقيق اإلعدادي‪ ،‬كانت نتيجتها تقليص التحقيق اإلعدادي‬
‫بكيفية ملحوظة جدا ألسباب متعددة لعل أهمها توفير الجهد وتحقيق سرعة البت في‬
‫القضايا‪ ،‬وهكذا أصبح التحقيق اإلعدادي إجباريا في الجنايات المعاقبة باإلعدام أو‬
‫السجن لمدى الحياة‪ ،‬مع مراعاة ما إذا كان المتهم حدثا فيكون التحقيق اإلعدادي في‬
‫‪21‬‬
‫جميع الجنايات‬

‫أما بخصوص المقتضيات التي جاء بها المشرع على صعيد القانون ‪ 22.01‬فيما‬
‫يهم التحقيق اإلعدادي نجده قد نص من خالل منطوق المادة ‪ 83‬من ق‪.‬م‪.‬ج على‬
‫الحاالت التي يصبح فيها التحقيق إجباريا‪ ،‬مما يتضح أن اللجوء إلى التحقيق‬
‫اإلعدادي يصبح بمثابة أمر إلزامي في الحاالت التالية ‪:‬‬

‫حينما يتعلق األمر بجناية معاقب عليها باإلعدام‪ ،‬أو الجنايات المعاقب عنها بالسجن‬
‫المؤبد‪ ،‬فضال عن الجنايات المعاقب عليها بعقوبة سجنية يصل حدها األقصى إلى‬
‫‪ 30‬سنة‪ ،‬ولو تم ضبط الفاعل في حالة تلبس‪ ،‬وفي هذا الصدد نورد قرار صادر‬
‫عن محكمة النقض والذي قضى منطوقة بما يلي‪ ":‬التحقيق إلزامي في الجنايات‬
‫المعاقب عليها باإلعدام وبالسجن المؤبد‪ ،‬وهو إجراء جوهري يؤدي عدم إنجازه‬
‫على الوجه األكمل إلى بطالن جميع اإلجراءات المتخذة بما فيها القرار الذي أدان‬
‫‪22‬‬
‫المتهم"‬

‫كما يعتبر التحقيق إلزاميا بخصوص الجنايات المرتكبة من طرف األحداث أيا كانت‬
‫العقوبة المقررة لها‪ ،‬فكلما تعلق األمر بجناية ارتكبها حدث يقل عن ‪ 18‬سنة شمسية‬
‫كاملة‪ ،‬يتوجب على الوكيل العام للملك أن يتقدم بملتمس بإجراء تحقيق بشأنها‪ ،‬في‬
‫حالة ما إذا قرر متابعة الحدث‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫فهذه األنواع من الجنايات يجري التحقيق بشأنها بشكل إجباري‪ ،‬بمعنى أن الوكالء‬
‫العامين بمحاكم االستئناف ال يجدون بداً من إحالة القضايا المعروضة عليهم من‬
‫طرف الشرطة القضائية والتي تدخل في زمرة جرائم الجنايات‪ ،‬على قضاة التحقيق‬
‫ا‪23‬‬
‫المعينين بالمحاكم التي يمارسون به‬

‫ونستنتج من كل ما سبق أن المشرع عاد ليتبنى نظاما متوازنا في تحديد نطاق‬


‫التحقيق اإلعدادي‪ ،‬فلم يجعله واسعا كما كان عليه الحال في ظهير ‪ ،59/2/10‬ولم‬
‫يقلصه إلى الحد الذي أخذ به في ظهير ‪ ،74/4/28‬وإنما وسع من هامش الجرائم‬
‫التي يكون التحقيق فيها اختياري‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحقيق اإلجباري في الجنح‬

‫نص المشرع في الفصل ‪ 84‬من ظهير ‪ 10‬فبراير ‪- 1959‬المشار إليه سلفا‪ -‬في‬
‫فقرته الثانية على مايلي‪:‬‬

‫أما في القضايا الجنحية فيكون اختياريا اللهم إذا كانت هناك مقتضيات خصوصية‬

‫واستنادا إلى الفصل المذكور نجد أن المشرع جعل من سلوك مسطرة التحقيق إجرا ًء‬
‫اختياريا كقاعدة عامة‪ ،‬واستثناء يمكن اللجوء إليه في حاالت معينة وضمن مقتضيات‬
‫خاصة‪.‬‬

‫أما على مستوى ظهير اإلجراءات االنتقالية لسنة ‪ 1974‬فلم ينص على وجوبية‬
‫التحقيق في الجنح ‪ ،‬مما يتبين معه أن المشرع سعى إلى تقليص دائرة الجرائم‬
‫المشمولة بالتحقيق بالرغم من ضرورة إعمال التحقيق بها نظرا لخطورة الفعل‬
‫الجرمي المرتكب ‪.‬‬

‫وهذا الموقف الذي تبناه المشرع والقاضي مبدئيا باستبعاد إخضاع الجنح للتحقيق‬
‫اإلعدادي‪ ،‬فيه تجاهل واضح لتعقد المالبسات التي قد تحيط ببعض الجنح‪،‬‬
‫وخصوصا التأديبية منها‪ ،‬والتي قد تقترن بظروف مشددة فتغير بذلك من وصفها‬
‫لتجعلها جناية‪ ،‬أو تبقيها على وصفها ولكن عقوبتها تصبح عقوبة جنائية (القتل‬
‫‪18‬‬
‫الخطأ أو خيانة األمانة أو النصب…)‪ ،‬مما كان يقتضي معه ترك اللجوء إلجراء‬
‫تحقيق أولي فيها أفيد‪ ،‬لما يشكله من ضمان في سبيل تحصيل عدالة جنائية فعالة‪،‬‬
‫ولكن شريطة أال يستغل ذلك من قبل النيابة العامة للزيادة من هيمنتها على القضية‬
‫‪10‬‬
‫الجنائية‬

‫وبالرغم من قصور المقتضيات التي تضمنتها طيات هذا الظهير والمتجسدة في‬
‫تحجيم رقعة التحقيق اإلعدادي ‪ ،‬إال أنه تم االستمرار به إلى غاية صدور قانون‬
‫‪7‬‬

‫المسطرة الجنائية الذي حاول المشرع من خالله قدر اإلمكان أن ينتدب منزلة‬
‫وسطى بخصوص اعتماد التحقيق‪.‬‬

‫فالمشرع أخذ بازدواجية التحقيق في الجنايات والجنح بإحداثه قضاء التحقيق‬


‫بالمحاكم االبتدائية‪ ،‬و عهد إليه التحقيق في الجنح ‪ ،11‬وبالتالي فإن التحقيق يكون‬
‫إلزاميا في صنفين من الجنح‬

‫في بعض الجنح بنص خاص في القانون؛‬

‫في الجنح المتعلقة بالقتل الخطأ في حوادث السير المميتة؛‬

‫فبالنسبة للصنف األول يكون التحقيق إجباريا بمقتضى نص خاص‪ ،‬وتعد المواد من‬
‫‪ 255‬إلى ‪ 275‬من ق‪.‬م‪.‬ج نموذجا للنصوص الخاصة إلحالة الجنح والمخالفات غير‬
‫القابلة للتجزئة عن الجنايات و المرتبطة بها للتحقيق مع هذه الجنايات‪.‬‬

‫فالمادة ‪ 255‬تنص على ان المحكمة المختصة بالنظر في الجريمة األشد تكون‬


‫مختصة بالنظر في الجرائم المرتبطة بها أو غير القابلة للتجزئة عنها‪ ،‬ويؤدي هذا‬
‫األمر إلى أن المخالفات والجنح المرتبطة بجنايات خاضعة للتحقيق اإللزامي أو غير‬
‫قابلة للتجزئة عنها تصبح هي األخرى قابلة للتحقيق‪ ،‬بل يجب التحقيق فيها مع‬
‫‪12‬‬
‫الجنايات المذكورة‬

‫عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪217 10:‬‬


‫‪ 11‬أحمد قيلش‪ -‬محمد زنون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪44:‬‬
‫‪ 12‬وزارة العدل‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪223:‬‬
‫‪19‬‬
‫أما الصنف الثاني فيتعلق بالجنح المتصلة بالقتل الخطأ في حوادث السير المميتة‪،‬‬
‫حيث تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 137‬من مدونة السير على الطرق‪ 13‬على ما‬
‫يلي‪" :‬يجب أن تكون حوادث السير المميتة موضوع تحقيق إعدادي وفقا ألحكام‬
‫المادة ‪ 83‬من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية"‬

‫وإجبارية التحقيق في الجنح تمنع على وكالء الملك بالمحاكم االبتدائية تكييف األفعال‬
‫المعروضة عليهم إجراء المتابعة دون اإلحالة على التحقيق اإلعدادي تحت طائلة‬
‫‪14‬‬
‫بطالن اإلجراءات المتخذة‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التحقيق االختياري‬

‫من المعلوم أن المشرع حدد الجنايات والجنح التي تدخل في مجال الجرائم الخاضعة‬
‫وجوبا للتحقيق اإلعدادي‪ ،‬لكن ذلك ال يعني عدم إعمال التحقيق في باقي الجنايات‬
‫والجنح األخرى‪ ،‬بل نص على إمكانية التحقيق إذا ما اقتضت الضرورة ذلك على‬
‫سبيل االختيار‪ ،‬وهذا ما يدل وبما ال يدع مجاال للشك على رغبة المشرع في توسيع‬
‫نطاق الجرائم المشمولة بالتحقيق اإلعدادي‬

‫أوال ‪ :‬التحقيق االختياري في الجنايات‬

‫تم تحديد الجنايات المنصوص على إلزامية التحقيق بشأنها من خالل المادة ‪ 83‬آنفة‬
‫الذكر‪ ،‬بيد إن المشرع عاد لينص على اختيارية التحقيق اإلعدادي فيما ما عدا تلك‬
‫الجنايات‪ ،‬وهاته األخيرة هي التي ال تدخل في زمرة الجنايات المعاقب عليها بعقوبة‬ ‫‪8‬‬

‫اإلعدام؛ أو السجن المؤبد أو المحدد والذي يصل إلى ثالثين سنة‬

‫وتتخذ النيابات العامة لدى محاكم االستئناف قرار اإلحالة على غرفة التحقيق اختيارا‬
‫في هذا النوع من الجنايات بغية تعميق البحث في بعض الجوانب التي لم يطلها‬

‫‪8‬‬
‫‪ 13‬ظهير شريف رقم ‪ 1.10.07‬بتاريخ ‪ 26‬صفر ‪ 11( 1431‬فبراير‪ )2010‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 52.05‬المتعلق بمدونة السير على‬
‫الطرق‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5824‬بتاريخ ‪ 8‬ربيع اآلخر‪ 25( 1431‬مارس ‪ ،)2010‬ص‪2168:‬‬
‫‪ 14‬أحمد قيلش‪ -‬محمد زنون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪45:‬‬
‫‪20‬‬
‫البحث التمهيدي‪ ،‬أو بقيت ملتبسة بهدف كشفها واستكمال البحث بشأنها قبل إحالتها‬
‫‪15‬‬
‫على غرفة الجنايات االبتدائية‬

‫ويجدر اإلشارة إلى أن التحقيق يكون اختياريا كذلك في الجنايات متى تعلق األمر‬
‫بالتلبس بجناية عمال بمقتضيات المادة ‪ ،16 56‬وتبين لممثل النيابة العامة أن القضية‬
‫غير جاهزة للحكم‬

‫ويتضح من ذلك أنه ال خيار للوكيل العام للملك في إحالة القضية على قاضي‬
‫التحقيق إذا كانت غير جاهزة للحكم‪ ،‬أي متى تبين له أن وسائل اإلثبات غير كافية‬
‫‪9‬‬

‫وأن الحقيقة لم تتضح بعد من البحث الذي أنجزته الشرطة القضائية‪ ،‬كما أن مفهوم‬
‫االختيارية ليس متروكا إلى تقدير عضو النيابة العامة وإنما هو مرتبط بمدى تحقق‬
‫‪17‬‬
‫أو انتفاء مقتضيات المادة ‪ 73‬بالنسبة للجنايات التي غير المعاقب عليها‬

‫ثانيا‪ :‬التحقيق االختياري في الجنح‬

‫إذا كان المشرع قد وسع من دائرة األفعال الخاضعة للتحقيق اإلعدادي‪ ،‬بشموله‬
‫الجنايات والجنح على حد سواء‪ ،‬فإنه على ما يبدو ظل متحفظا بخصوص هذا النوع‬
‫من الجرائم‪ ،‬بحيث ال يتم إجراء تحقيق إعدادي بشكل إجباري في الجنح إال بنص‬
‫خاص وضمن حدود ضيقة‪ ،‬السيما وأنه لم يحدد الجنح التي تقبل التحقيق اإلجباري‬
‫‪18‬‬
‫كما هو الشأن بالنسبة للجنايات‬

‫و بالنظر إلى خطورة بعض الجنح التي قد تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات‬
‫حبسا أو أكثر‪ ،‬فقد أتى القانون بمسطرة التحقيق االختياري بالنسبة لهذه الجنح‬
‫باإلضافة للجنح التي يجيز أو يوجب نص خاص التحقيق فيها‪ ،‬و لتحقيق هذه الغاية‬
‫تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحاكم االبتدائية باإلضافة الستمرار‬
‫‪19‬‬
‫المؤسسة الموجودة لدى محاكم االستئناف‬

‫أحمد قيلش وآخرون‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة األمنية – الرباط‪ ،2016 ،‬ص‪1489 15:‬‬
‫‪ 16‬تنص المادة ‪ 56‬من ق‪.‬م‪.‬ج على ما يلي‪“ :‬تتحقق حالة التلبس بجناية أو جنحة‬
‫‪ 17‬وزارة العدل‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪221:‬‬
‫‪ 18‬أحمد قيلش‪ -‬محمد زنون‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪47 :‬‬
‫‪21‬‬
‫و التحقيق االختياري في الجنح ال يسع كل أنواع الجرائم الجنحية‪ ،‬حيث ينصب على‬
‫الجنح التأديبية بدل الضبطية‪ ،‬وبالتالي فإن المشرع أخذ بعين االعتبار إجراء التحقيق‬
‫اإلعدادي في الجنح تبعا لخطورتها‪ ،‬باقتصاره على الجنح التأديبية التي يصل الحد‬
‫األقصى لعقوبتها خمس سنوات‪ ،‬عوض الجنح الضبطية التي ال تتجاوز عقوبتها‬
‫‪20‬‬
‫الحبسية سنتين كحد أقصى‬

‫ول قد ميز المشرع بين التحقيق االختياري المعمول به بخصوص الجنح المرتكبة من‬
‫طرف الرشداء و األحداث‬

‫حيث يكون التحقيق اختياريا في الجنح المرتكبة من طرف الرشداء متى كان الحد‬
‫األقصى للعقوبة المقررة لها يوازي على األقل خمس سنوات‪ ،‬وتتمثل االختيارية في‬
‫تقدير ما إذا كان المناسب أو غير المناسب إحالة القضية على المحكمة‪ ،‬وهي ليست‬
‫متروكة لتقدير عضو النيابة العامة‪ ،‬ولكنها مقررة بهدف استجماع كافة األدلة‬
‫‪10‬‬

‫المتعلقة بالفعل الجرمي‪ ،‬سواء كانت في صالح المتهم أو ضده‪ ،‬ولذلك يتعين على‬
‫وكيل الملك أن يأخذ بعين االعتبار في اختياره المطالبة بإجراء تحقيق أو اللجوء‬
‫إلى مسطرة اإلحالة المباشرة على قضاء الحكم‪ ،‬النتائج المتوخاة من التحقيق‪ ،‬فالغاية‬
‫‪21‬‬
‫من إتاحة إجراء التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة كاملة وليست إجراء شكليا‬

‫وبالنسبة للجنح المرتكبة من طرف األحداث نجد أن المشرع لم يميز بشأنها من حيث‬
‫العقوبة المقررة لها أو كيفية ضبط فاعليها‪.‬‬

‫ديباجة قانون رقم ‪ 22.01‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬ص‪1710 19:‬‬


‫‪ 20‬أحمد قيلش‪ -‬محمد زنون‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪47 :‬‬
‫‪ 21‬وزارة العدل‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪221:‬‬
‫‪22‬‬

You might also like