Professional Documents
Culture Documents
1يعتبر التحقيق اإلعدادي مرحلة حساسة من مراحل البحث عن وسائل اإلثبات ،وقد
استحوذت على اهتمام كبير لخطورتها أوال ،وللضمانات التي توفرها في سبيل الوصول
إلى المحاكمة العادلة ،ومن بين هذه الضمانات استنطاق المتهم من طرف قاضي التحقيق
وتمتعه بمؤازرة الدفاع.
إن مرحلة التحقيق اإلعدادي هي ثمرة مباشرة لنضج وتقدم الفكر الجنائي العلمي الذي عمل
على تنقية مساطر التحقيق مع المتهم من جميع المظاهر العشوائية واألساليب القمعية
ألإلنسانية التي كانت سائدة على نطاق واسع في المحاكمات الجنائية.
ومرحلة التحقيق اإلعدادي تأتي كمرحلة هامة بعد مرحلة البحث التمهيدي التي تنعدم فيها
الكثير من الضمانات بالنسبة للمتهم،والتي تتعرض مع كذلك للعديد من االنتقادات األمر
الذي يبرز وجود مسطرة التحقيق اإلعدادي ويبرز كذلك أهميتها.
كما أشارنا سابقا على كون التحقيق اإلعدادي مرحلة وسطية ويتموقع بين البحث التمهيدي
والمحاكمة النهائية،وبكونها ذات طبيعة قضائية تندرج ضمن مجموعة من الخطوات التي
تتمثل في التحري والتحقيق والبحث عن األدلة ،وجمع الحجج التي قد تثبت األفعال
المنسوبة للمتهم أو تبرئته منها ،وهي االستنتاجات التي يصل إليها قاضي التحقيق في نهاية
بحثه،ويمارس مهامه في استقاللية تامة عن جميع المتدخلين في الدعوى العمومية من
أطراف ونيابة عامة ومحكمة .
وبذلك يكون التحقيق اإلعدادي مرتعا خصبا للدراسة والبحث ،وتتبع مختلف هذه اإلجراءات
ومعرفة آثارها ،ناهيك عن الوقوف على كيفية ممارسة مسطرة الطعن باالستئناف في
إجراءات وأوامر قاضي التحقيق من طرف األطراف والنيابة العامة وتصدي الغرفة
الجنحية بمحكمة االستئناف لذلك ،ومدى إلزامية تنفيذ قراراتها.
فماهو مفهوم التحقيق اإلعدادي وما نطاقه ؟وماهي أهميته والخصائص التي يتميز بها
؟وما طبيعته القانونية وماهي هذه الجهات المكلفة بالتحقيق هل هي مستقلة ام ال ؟
1
إبراهيم بونجرة مؤسسة قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية دراسة علمية رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي
للقضاء 2007ص .9
1
المبحث األول :ماهية التحقيق اإلعدادي ونطاقه في ق ,م ,ج.
2تتجلى فلسفة التحقيق اإلعدادي في مجموعة من التحريات واألبحاثث التي يكون الهدف
األساسي منها هو استكمال المعلومات المتوفرة والمرتبطة بظروف ومالبسات ارتكاب
الجريمة موضوع التحقيق وكذا جمع الحجج واألدلة عنها ،وقد تفضي هذه األبحاث
والتحريات أما إلى نسبة األفعال للمتهم أو تبرئيه مما كان منسوبا إليه.
ويتحدد 3مجال التحقيق اإلعدادي من خالل صنف الجرائم التي تخضع للتحقيق،مع
التمييز بين الجنايات والجنح التي تخضع للتحقيق وجوبا في الجنايات المرتكبة من طرف
األحداث أو الجنايات المعاقب عليها باإلعدام أو السجن المؤبد .وبين التي يطالها التحقيق
اختيارا ضمن حدود وشروط تمليها أحيانا ظروف ومالبسات بعض القضايا
المطلب االول:مفهوم التحقيق اإلعدادي وأهميته في ق,م,ج.
يشمل التحقيق في 4مفهومها الواسع مرحلة التحقيق التمهيدي الذي تباشره الضابطة
القضائية ومرحلة التحقيق اإلعدادي الذي يقوم بها قاضي التحقيق،ويمتد كذلك
إلى مرحلة التحقيق التكميلي الذي يقوم به القاضي اثناء المحاكمة.
غير أن المشرع المغربي تبنى مفهوما ضيقا للتحقيق اإلعدادي وحصره في المرحلة
التي يقوم بأعبائها قاضي التحقيق مستثنيا كل اإلجراءات التي يقوم بإنجازها جهاز الشرطة
القضائية.
الفقرة األولى :تعريف التحقيق اإلعدادي في ق,م,ج.
لقد تفادى المشروع المغربي تحديد تعريف للتحقيق اإلعدادي ،و اكتفى بتنظيم مجاله
ومجمل اإلجراءات التي يسير وفقها ،مقتفيا بذلك نهج التشريعات المقارنة كالتشريع
المصري واألردني وبعض التشريعات العربية األخرى .
اوال:المفهوم الواسع
ويعرف التحقيق اإلعدادي في معناه الواسع بأنه مجموعة من اإلجراءات المنتهجة
https://www.etawdif.info/2020/03/blog-post.html2
ذ.3أحمد قيلش ذ مجيدي السعدية و اخرون الشرح العلمي لقانون المسطرة الجنائية مطبعة األمنية الرباط الطبعة الثانية 2016
ص 145
إبراهيم بونجرة مرجع سابق ص 104
2
من أجل إنجاز مختلف التحريات من استنطاق وتفتيش و معاينات وتستهدف جمع األدلة
قصد القيام بإحالتها على المحكمة ،واألمر سيان سواء أقام بهذه اإلجراءات قاضي التحقيق
او ضابط الشرطة القضائية في إطار البحث التمهيدي .
ثانيا :المفهومالضيق
غير انه يقصد بالتحقيق اإلعدادي بمفهومه الضيق .وهو الذي تبناه قانون المسطرة
الجنائية .جميع اإلجراءات القضائية التي يقوم بها قاضي التحقيق على الوجه المحدد قانونا
من أجل جمع األدلة بخصوص الجريمة المقترنة وتمحيصها ومعرفة مدى كفاية األدلة
قصد إحالة المهتم على هيئة الحكم أو عدم كفايتها للقيام بذلك
وقد نص المشرع المغربي في )المادة ( 85من القانون المسطرة الجنائية على أنه
يقوم قاضي التحقيق بجمع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة كما
نص في المواد( 53،52،54و) 55،من نفس القانون على الجهة المختصرة بالتحقيق
اإلعدادي وهم القضاة المكلفون بالتحقيق مما يكون معه قد تبني المفهوم الضيق للتحقيق
اإلعدادي،
والتحقيق كما يدل عليه اسمه هو استجالء الحقيقة قصد الوصول إلى إدانة المتهم
من عدمه ،بعد جمع األدلة القائمة على ارتكاب الجريمة ،وتمحيصها تمهيدا لرفع الدعوى
العمومية ضد الفاعل إذا تبث أن األدلة كافية إلحالته من التحقيق على المحكمة ،وفحص
تلك األدلة من طرف هده األخيرة لتقرير إدانته أو برأته بحسب مقتضى الحال.
الفقرة الثانية:أهمية التحقيق اإلعدادي في ق ،م،ج.
إن أهمية التحقيق اإلعدادي تكمن في كون أن قاضي التحقيق يقوم بإجراء بحث حول
شخصية المتهم ،وحالته العائلية و االجتماعية ،بحيث ال يخفى ما لهذا اإلجراء من أهمية
تتمثل في التعرف على الظروف الحيطة بشخص المتهم والتي ال يخفى على أحد ما لها من
تأثير على ملف القضية .
ويتمتع كذلك بأهمية كبيرة باعتباره مرحلة حاسمة في حياة الدعوى العمومية ،وهي المرحلة
التي تؤدي إلى تحضير الدعوى وتحديد مدى قابليتها للنظر فها أمام قضاء الحكم ،
3
ونظرا إلى أنها تتم على إثر وقوع الجريمة ،فإنها تتيح للقائمين عليها فرصة جمع األدلة
قبل ضياعها ،ألن كل تأخير في تحقيق هذه المهمة يؤدي إلى تشويه صورة الحقيقة.
المطلب الثاني:خصائص التحقيق اإلعدادي
أ جمل الفقه خصائص التحقيق اإلعدادي في أربعة خصائص أساسية تعطيه بعده النظري
واإلجرائي،تتمثل في العناصر التالية :الخاصية القضائية و الخاصية االستقاللية والخاصية
التفتيشية والخاصية العينية
4
الفقرة الثانية :خصائص مرتبطة بموضوع التحقيق
هناك خصائص يستمدها التحقيق اإلعدادي من خالل موضوعاته ومجال اختصاصه ،والتي
تطبع إجراءاته بطابع خاص ،وتتمثل في الخاصية التفتيشية والخاصية العينية.
أوال :الخاصية التفتيشية
تعتبر هذه الخاصية من أهم الخصائص المميزة لمرحلة التحقيقات وتتجلى في ثالث نقط
أساسية:
أ :خضوع التحقيق اإلعدادي للسرية
تم تكريس مفهوم السرية من خالل جملة من المعطيات اإلجرائية ،حيث تتم إجراءات
التحقيق بمكتب قاضي التحقيق في جلسة سرية ويمنع على العموم حضورها ،وتضل
السرية مالزمة للتحقيق اإلعدادي في جميع أطواره إلى إن تحال القضية على المحكمة للبت
فيها في جلسة علنية .
إال أن هذه السرية ليست مطلقة بل تعرف بعض المرونة فيما يخدم مصالح األطراف،
وتتجلى هذه المرونة في األوجه التالية:
_وجوب مآزرة المتهم بمحامي (المادة \134ف 2من قانون المسطرة الجنائية)
_إشعار المتهم بالمنسوب إليه (المادة 134ف 9من قانون المسطرة الجنائية).
_جواز اتصال المحامي بموكله وبكامل الحرية (المادة 136ف 1من قانون المسطرة
الجنائية(.
_حضور المحامي جلسات التحقيق اإلعدادي)المادة 139ف 1من قانون المسطرة
الجنائية(.
_وضع وثائق ملف التحقيق رهن إشارة المحامي قبل االستنطاق بيوم واحد على األقل
(المادة 139ف 3من قانون المسطرة الجنائية).
ب:توتيق إجراءات وعمليات التحقيق
يقوم كاتب الضبط بتدوين محاضر التحقيق اإلعدادي والذي يحضر جميع جلساته إلى جانب
قاضي التحقيق ,كما أن عملية الكتابة هامة يقومها أيضا ضابط الشرطة القضائية الذي
يكلف ببعض إجراءات التحقيق في إطار ما يسمى باإلنابة القضائية.
5
ت:عدم حضور التحقيق اإلعدادي
ينسجم هذا المقتضى مع سرية التحقيق اإلعدادي إن لم يكن متولدا عنها ،ومؤدى ذلك عدم
السماح بحضور الجمهور أو العموم ،وعدم السماح بمرافعة األطراف ،باستثناء جواز
توجيه األسئلة لكل من المتهم أو الشهود طبقا( للمادة )14من قانون المسطرة الجنائية ،
والتنصيص على ضرورة القيام بالتفتيش بحضور بعض األشخاص الذين حددهم القانون
طبقا (للمادة )103من قانون المسطرة الجنائية ،كما أنه يجوز طلب انتداب خبير أو عدة
خبراء أو مترجم ،ويجوز لكل هؤالء االستماع إلى تصريحات أطراف التحقيق طبقا للمادة
من قانون المسطرة الجنائية.
ثانيا :خاصية العينية
حدد المشرع الجرائم واألفعال التي يمكن إجراء التحقيق اإلعدادي بشأنها ،فالتحقيق قد
يكون اختياريا أو إجباريا باإلحالة من طرف النيابة العامة أو عن طريق شكاية يتقدم بها
المتضرر مباشرة إلى قاضي التحقيق .
فقاضي التحقيق ملزم و مقيد باألفعال المعروضة عليه وال يتعداها إلى غيرها ،وهي التي
تكون مضمنة بملتمس النيابة العامة بإجراء تحقيق في وقائع معينة ومحددة.
فخاصية العينية ،إذا تنصرف إلى األفعال فقط ،في حين ال يتقيد قاضي التحقيق باألشخاص
المحالين عليه ،إذ يمكنه التحقيق مع غيرهم.
6
المبحث الثاني:الطبيعة القانونية للتحقيق اإلعدادي
يشكل التحقيق االعدادي -مرحلة وسطية -بين البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية
والمحاكمة ،يتمتع خاللها قاضي التحقيق بمجموعة من الصالحيات ذات طبيعة قضائية صرفة ،
تهدف الى تعميق البحث و تمحيص األدلة ووسائل اإلثبات وتحديد معالم الجريمة وأوصافها .
وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعرف التحقيق اإلعدادي،ولم يعرض لذلك ضمن
قانون المسطرة الجنائية الجديد ،مما قد يجعل البعض يخلط بين التحقيق بوجه عام الذي يطبع
الخصومة الجنائية منذ بداية البحث التمهيدي فيها إلى غاية صدور حكم بشأنها ،وبين مرحلة
التحقيق اإلعدادي التي تتميزبصبغتها القضائية المحضة وبإجرائتها الدقيقة حيث تتوسط مرحلة
البحث التمهيدي ومرحلة المحاكمة .
عالوة على ذلك ،وضع القانون للتحقيق االعدادي نظاما قانونيا وإجرائيا متميزا من خالل سن
مجموعة من القواعد واألحكام ضمن القسم الثالت من الكتاب األول ضمن المواد 83إلى 250من
ق.م.ج المتعلقة بالتحري عن الجرائم ومعاينتها .
انسجاما مع ذلك ،يمكن تعريف التحقيق اإلعدادي بأنه مرحلة قضائية تتوسط البحث التمهيدي
والمحاكمة ،تنصب على الجنايات و الجنح على حد سواء ،وتهدف إلى تمحيص األدلة والتثبت
من وقوع الجرائم بإتخاد مجموعة من اإلجراءات والبت في وضعية المتهم بمتابعته وإحالته على
المحكمة أوعدم متابعته وحفظ القضية في حقه.
وعليه سنتطرق إلى الجهات المكلفة بالتحقيق اإلعدادي ومدى استقالليته في مطلب أول ،وفي
مطلب ثاني مجال التحقيق االعدادي.
يمثل التحقيق اإلعدادي المرحلة الثانية في البحث والتثبت من الجرائم،يقوم به قاض من قضاة
الحكم المعينين بمحاكم اإلستئناف والمحاكم اإلبتدائية ،وهو يمثل السلطة الثالتة في التحري عن
7
الجرائم بعد النيابة والشرطة القضائية ،ويحتل موقعا وسطا بين مرحلة البحث التمهيدي
6
وإجراءات المحاكمة.
تكمن فلسفة التحقيق اإلعدادي في مجموعة من اإلجراءات والتحريات التي خولها المشرع
لقاضي التحقيق بغية الوصول الى الحقيقة التي تتمثل في توجيه اإلتهام إلى شخص معين أو
نفيه عنه .
يعتبرقاضي التحقيق هو الطرف األصيل في القيام بمهام التحقيق ،ألنه المكلف أساسا بالتحقيق
اإلعدادي ،في حين تتداخل معه بعض الجهات األخرى ،إما بإعتبارها تمارس نوعا من الرقابة
على إجراءات وأوامر قضاة التحقيق ،وهي بهذا المعنى درجة من درجات التحقيق اإلعدادي
كما هو بالنسبة للغرفة الجنحية بمحكمة اإلستئناف ،أو في إطار اإلنابة القضائية حيث يعهد
لضباط الشرطة القضائية القيام بمهام التحقيق في إطار مسطرة خاصة ،وكذلك عندما تكلف
بعض الجهات استثناءا القيام ببعض إجراءات التحقيق بمقتضى نص خاص مثل الغرفة
الجنائية بمحكمة النقض
حدد المشرع المغربي بمقتضى ق.م.ج ،الجهات األصلية التي أنيط بها التحقيق اإلعدادي
وتتمثل في:
-قاضي التحقيق :يتم تعيين قضاة التحقيق سواء بمحاكم اإلستئناف أوالمحاكم اإلبتدائية بقرار
لوزير العدل والحريات لمدة ثالت سنوات قابلة للتجديد،ويتم إعفاؤهم بنفس الطريقة وذلك بناءا
على إقتراح من طرف الرئيس األول بالنسبة لمحاكم اإلستئناف ،ورئيس المحكمة اإلبتدائية
بالنسبة لمحاكم الدرجة األولى.
إال أنه إذا لم يوجد في المحكمة سوى قاض واحد مكلف بالتحقيق وحال مانع مؤقت دون
ممارسته مهامه ،يمكن لرئيسها في حالة اإلستعجال ،وبناء على طلب من النيابة العامة،
8
وفي انتظار زوال المانع أو صدور التعيين بقرارنظامي،أن يتعين أحد قضاة أو مستشاري
المحكمة لممارسة هذه المهام،كما تقضي بذلك مقتضيات المادة 53من ق.م.ج.
كماأنه يمكن لوزير العدل و الحريات عن طريق مسطرة اإلنتداب ،أن ينتدب قاضيا للتحقيق
7
لمدة ال تتجاوز ثالثة أشهر مع إمكانية تجديدها لمدة ثالثة أشهر أخرى
-الغرفة الجنحية :تتصل الغرفة الجنحية بمحاكم اإلستئناف بالتحقيق اإلعدادي في كونها الجهة
قاضي التحقيق ،وبالتالي يمكن اعتبارها درجة ثانية من درجات التحقيق اإلعدادي.
"تنظر الغرفة الجنحية بمحاكم اإلستئناف وهي مكونة من الرئيس األول أو من ينوب عنه ومن
مستشارين اثنين بحضورممثل النيابة العامة وكاتب الظبط:
أ -في طلبات اإلفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة
. 160 من المادة ، 179وفي تدابيرالوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة
ب -في طلبات بطالن إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد 210إلى 231من ق.م.ج.
ت -في اإلستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاض التحقيق طبقا للمادة 222وما يليها من ق.م.ج.
ج -في كل أخالل منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خالل مزاولته لمهامه طبقا لما
8
هو منصوص عليه في المواد من 29إلى 35من هذا القانون ".
وإذا كان التجقيق اإلعدادي يهدف إلى تعميق البحث وتمحيص األدلة بغية الوصول إلى الحقيقة
اإلجرامية ،فإن الغرفة الجنحية يمكنها هي األخرى أن تقوم بإجراء أي تحقيق تكميلي تراه
مفيدا إما تلقائيا أوبطلب من الوكيل العام للملك أو بطلب من أحد األطراف .
-7الفصل 57من الظهير بمثابة القانون األساسي رجال القضاء ()1974.11.11كما وقع تعديله.
-8تجري المناقشات في الغرفة الجنحية بصفة سرية وفي إطار غرفة المشورة .
9
عالوة على قاضي التحقيق والغرفة الجنحية بمحكمة اإلستئناف ،فهناك جهات أخرى أسند لها
المشرع القيام بإجراءات التحقيق استثناء وضمن شروط شكلية خاصة حددها المشرع ونظمها
بأحكام وقواعد إجرائية ،وتتمثل هذه الحهات اإلستثتنائية في:
*الغرفة الجنائية بمحكمة النقض :قد يجري التحقيق إستثناء من طرف جهة نص القانون
على إسناد هذا اإلختصاص لها بمقتضى نص خاص وألسباب ودواعي إستثنائية.وذلك يتضح
في المادة 256من ق.م.ج .على أن الغرفة الجنحية بمحكمة النقض هي المختصة بالتحقيق في
األفعال المنسوبة لبعض كبار الموظفين الذين التي تم ذكرهم غلى سبيل الحصر ،إال أن هذا
اإلستثناء على مستوى األشخاص الخاضعين إلجراءات التخقيق التي تباشره الغرفة الجنائية
بمحكمة النقض اليؤثر على طبيعتها القانونبة بل يتم وفق األخكام المنصوص عليها في المواد
9
83غلى 250من ق.م.ج.
*ضباط الشرطة القضائية وقضاة الحكم(اإلنابة القضائية) :منح المشرع لقاضي التحقيق
حق إنتداب أي قاضي آخر للقيام بأحد إجراءات التحقيق من قضاة الحكم ،أو ضابط من ضباط
11
الشرطة القضائية للقيام بإجراء مايراه الزما من أعمال التحقيق بواسطة اإلنابة القضائية.
ومايهمنا بخصوص إثارة موضوع اإلنابة،هو إدخال جهات أخرى غيرأصلية للقيام بإجراءات
التحقيق اإلعدادي وتتمثل في قضاة الحكم وضباط الشرطة القضائية،فهؤالء جميعا يحلون محل
قاضي التحقيق في بعض اإلختصاصات الموكولة إليهم والتي يجب أن يتقيدوا بها.
نظرا للمهام التي يضطلع بها قاضي التحقيق و األدوار والوظائف التي أناطها به المشرع
المغربي بغية الوصول إلى توجيه اإلتهام للمتهم من عدمه ،فقد مكنه من ممارسة مجموعة من
اإلجراءات وإصدار العديد من األوامر ،ناهيك عن تمتيعه بإستقاللية تامة عن جميع االطراف
المتدخلة في الدعوى العمومية من أطراف ،ونيابة عامة،ومحكمة.
10
نص دستور المملكة المغربية( 1يوليوز ) 2011على إستقالل السلطة القضائية عن السلطتين
التشريعية والتنفيذية ،ودور القضاء المستقل في ضمان حماية حقوق األشخاص والجماعات
10
وحرياتهم وتوفير األمن القضائي لهم ،في بابه السابع منه ( الفصول من 107إلى .)116
شكل القضاء محور اهتمام واسع في أغلب الخطب الملكية .وقد تم تحديد توجهات هذا
اإلصالح في خطاب العرش لسنة ، 2008و بشكل مفصل في خطاب 20غشت 2009
الذي حدد ست مجاالت رئيسية ينبغي أن يطالها اإلصالح منها توفير ضمانات معززة
الستقالل القضاء ،عصرنة اإلطار التنظيمي ،إصالح شامل للهيكلة والموظفين ،زيادة
الفعالية ،تنفيذ قواعد لمنع الرشوة وسوء استخدام السلطة ،ثم التطبيق األمثل لإلصالحات
وشكل هذا الخطاب مرجعية كل ما سيأتي من مبادرات إصالحية سواء أثناء التحضير
لمراجعة الدستور ،أو خالل مرحلة تطبيق مقتضياته وإخراجها في شكل نصوص قانونية.
وبصدور قانون المسطرة الجنائية الحالية (ق )22.01تجد م 52منه تنص على:
"يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحكمة االبتدائية من بين قضاة الحكم لمدة ثالث
سنوات قابلة للتجديد بقرار من وزير العدل ،بناء على اقتراح من رئيس المحكمة االبتدائية.
يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم االستئناف من بين مستشاريها لمدة ثالث سنوات
قابلة للتجديد بقرار من الرئيس األول بمحكمة االستئناف.
يمكن من خالل هذه المدة إعفاؤهم من مهامهم بنفس الكيفية ،يباشر هؤالء القضاة مهامهم
وفق ماهو منصوص عليه في القسم الثالث بعده "...
ينص الفصل 107من الدستور أن السلطة القضائي مستقل عن السلطة التشريعية وعن
السلطة التنفيذية ،والملك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية كما نص دستور 1يوليوز
2011بشأن دسترة حقوق التقاضي وممارسة السلطة القضائية في سبيل ارساء دعائم قضاء
11
مستقل و قوي ،ومن اجل ضمان وحماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم
القضائي ،على مجموعة من المقتضيات تهم استقالل القضاء من جهة( الفصول من 107الى
116من الدستور) ،وحقوق المتقاضيين وسير العدالة( الفصول من 117الى 128من
الدستور).
-2منع التدخل في شؤون القضاء بحيث ال يتلقى القاضي التعليمات أو األوامر وال يخضع
ألي ضغط كيفما كان نوعه أو جهته.
-3يجب على القاضي أن يتمسك باستقالليته وان يعطيها بعدها الممارسات من حياده
وتجرده عن األطراف و الخصوم ،وعن كل ما من شأنه أن يتدخل في وظيفته القضائية
-5مسؤولية القاضي :تظهر من خالل عدم االلتزام بواجب االستقاللية والتجرد الذي يعتبر
خطأ مهنيا بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.
تم اختزال أبعاد وأهداف السلطة القضائية في الخطاب الملكي ل 8أكتوبر 2010بشأن
11
المفهوم الجديد إلصالح القضاء في القضاء في خدمة المواطن
فالخطاب الملكي أعطى تصورا جديدا للمواطن ،المتقاضي الذي أصبح زبونا للمحاكم
وأضحت هذه األخيرة مطالبة بتقديم خدمات للوافدين عليها بجودة خدماتها القضائية التي
يجب أن تطبعها المؤشرات التالية:
* السرعة :نقصد بذلك أن تكون مدد و إجراءات الدعوى بشكل عام تحكمها آجال قانونية
قصيرة ومعقولة ،ألن إطالة أمد النزاع أحيانا يفقد ثقة األطراف في القضاء.
12
*الن جاعة :أي أن األحكام التي تصدرها مختلف المحاكم يجب أن تنسجم مع روح القانون و
تطبيقاته وأن يسعى القاضي إلى تطبيق القانون كما ابتغاه المشرع وأن ال تصدر أحكام
القضاء أال على أساس التطبيق العادل للقانون.
*اإللزامية :ومفادها أن األحكام والقرارات التي يتخذها القضاء ملزمة لجميع األطراف
وجميع األشخاص ذاتيين كانوا أو معنويين.
*التنفيذ :بمعنى جعل التنفيذ هو غاية التقاضي ،وألن عدم التنفيذ األحكام يمس بقدسيتها و
بالوظيفة القضائية ككل ،و ألنه ال ينفع التكلم بحق ال نفاذ له كما قال عمر بن الخطاب
لقاضيه أبي موسى األشعري وهو يحثه بالحرص على حقوق العباد.
* األمن القضائي :الذي يعتبر نتيجة لما سبق ،فتواجد مؤسسة قضائية مستقلة ناجعة وفعالة
تؤدي إلى ترسيخ ثقافة الثقة بين المواطن والسلطة القضائية ،ومن خاللها النظام السياسي
الذي يحكم الجميع ،حيث يطمئن المواطنون أن حقوقهم الفردية والجماعية وحرياتهم
محفوظة ومحمية كلما تم المساس بها من طرف حصن منيع اسمه القضاء.
قاضي التحقيق ومن خالل المهام واألدوار المنوطة به ال ينفك عما قلناه بخصوص استقالل
السلطة القضائية ،فهو كذلك معني بتوخي الحذر و الحرص التام والتزام التجرد و الحياد و
االستقاللية عن جميع المتدخلين في الدعوى العمومية ,وقد كرس المشرع هذه االستقاللية
على مجموعة من المستويات ،تتمثل في استقالل قاضي التحقيق عن النيابة العامة ؛
واستقالل قاضي التحقيق عن المحكمة ؛ و استقالل قاضي التحقيق عن األطراف.
تتجلى هذه االستقاللية في كون النيابة العامة سلطة خصها المشرع بحق المتابعة
وإعمال سلطة المالئمة ،في حين أوكل مهم التحقيق لجهة ثانية ،وبمجرد إحال
القضية على قاضي التحقيق بواسطة ملتمس النيابة العامة أو مباشرة من طرف
المطالب بالحق المدني ،فإن القاضي المكلف بالتحقيق ينهض بأعباء التحقيق في
13
حدود األفعال المسطرة بملتمس النيابة العامة أو الواردة بشكاية المتضرر دون
14
تحريك الدعوى العمومية
إذا كان قاضي التحقيق يقوم بجمع األدلة وتحميصها فإنه يبحث عن الدليل الذي
يجعل الشبهة قائمة في تقديره وال يهتم إذا كان قاطعا أو حاسما في إدانة المتهم أم ال
وبالتالي يختلف مفهوم الدليل بين قضاء الحكم و قضاة التحقيق ،فإذا كان هذا األخير
يلتمس أي دليل يؤسس عليه اتهامه ولو كان مجرد شبهة في تقديره ،بحيث ال يملك
سلطة الترجيح بين أدلة اإلثبات وأدلة النفي ،وال يمكن رد أي دليل بحجة عدم
اقتناعه به ،فإن قضاء الحكم يملك سلطة الترجيح بين األدلة وال يأخذ منها إال ما
كان قاطعا و اقتنع بحجته ويرى ما لم يقنعه به.
وفي هذا الصدد فقد جاء في الفقرة الرابعة من المادة 52من ق .م .ج .ما يلي:
يباشر هؤالء القضاة مهامهم وفق ما هو منصوص عليه في القسم الثالث بعده
ال يمكن لقضاة التحقيق تحت طائلة البطالن أن يشاركوا في إصدار الحكم في
القضايا الزجرية التي سبق أن أحيلت إليهم بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق
كما تنص الفقرة الثانية من المادة 471من نفس القانون على ،و يمكن لغرفة
الجنايات في القضايا التي تستوجب مناقشات طويلة أن تضم إليها ،بإضافة إلى
أعضائها الذكورين مستشارا أو أكثر يعينه الرئيس األول لمحكمة االستئناف ،
14
وال يمكن تحت طائلة البطالن أن يكون من بين أعضائها أحد القضاة الذين قاموا
بأي إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق في القضايا أو شاركوا في البث فيها
و يتبين من المقتضيات السابقة عدم جواز جمع السلطتين في يد واحدة ،أي أنه
يحظر على قاضي التحقيق الذي انتقل إلى وظيفة الحكم أن يجلس و يفصل عن
الدعوى التي سبق له أن حقق فيها ،ومن ثم يفقد صالحيته للنظر فيها باعتباره قاض
للحكم ،والمحكمة من ذلك ترجع الى الرغبة في تكريس مراحل الخصومة الجنائية
و عدم تداخلها ،إمعانا في تمحيص األدلة و إقرار الرقابة المتعددة على صحتها.
تدعيما لما سبق ذكره يرى األستاذ فريد السموني أن قضاء الحكم هم أسياد تكييفهم
بحيث يعترف لهذه الهيئة المذكورة باليد العليا Jean Claudeعلى غرار الفقيه
لتصحيح وصف األفعال و حتى يتمكن األطراف و خاصة منهم المتهم من تهيئ
دفاعهم وفق إستراتيجية كفيلة بمواجهة اتهام واضح وال لبس فيه
و هذه القاعدة أكدتها الفقرة األولى من المادة 432من ق .م .ج ،حيث نصت على أنه :
ال ترتبط غرفة الجنايات بتكييف الجريمة المحال عليها ويجب عليها أن تكيف قانونيا
األفعال التي تحال عليها و أن تطبق عليها النصوص الجنائية المالئمة مع نتيجة بحث
القضية بالجلسة.
إن قاضي التحقيق يمارس مهام و يباشر الصالحيات المخولة له بتجرد وحياد و
استقاللية تامة عن األطراف و الخصوم ،وجميع اإلجراءات التي يقوم باتخاذها
تكون وفق أحكام وقواعد القانون تحت إشراف النيابة العامة و مراقبة الغرفة
16
الجنحية بمحكمة االستئناف
فقاضي التحقيق يلتزم بأحكام القانون وقواعده دون انحيازه إلى طرف على حساب
آخر ،وإذا كان يملك سلطة واسعة للتقرير في حرية المواطنين وفي ممتلكاتهم ،فإنها
15
مقيدة و مؤطرة بمجموعة من النصوص القانونية ،إضافة إلى األخالقيات المهنية
وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقة.
يتحدد مجال التحقيق اإلعدادي من خالل صنف الجرائم التي تخضع للتحقيق ،مع
التمييز بين الجنايات والجنح التي تخضع للتحقيق وجوبا ،وبين التي يطالها التحقيق
اختيارا ضمن حدود وشروط تمثيلها أحيانا ظروف ومالبسات بعض القضايا.
حدد المشرع طبيعة الجرائم التي يكون فيها التحقيق إلزاميا من الجنايات و الجنح
المتمثلة في األنواع التالية:
في بداية الحديث عن التحقيق اإلجباري ينبغي لنا في هذا الصدد أن نتناول ما ورد
في القوانين السابقة لصدور قانون المسطرة الجنائية بشأن التحقيق اإلجباري.
وبالرجوع إلى الظهير 10فبراير ،18 1959في الفصل 84منه نجد أن المشرع قد
نص فيه على ما يلي :إن التحقيق األولي يكون إلزاميا في القضايا الجنائية ،مما
يوضح أن المشرع قد اتخذ ما يلي:
16
وهذا األسلوب الذي سلكه مشرع ظهير العاشر من فبراير 1959جعل من التحقيق
اإلعدادي مؤسسة لها دورها الملحوظ و المتميز في مسيرة الخصومة الجنائية إلى
19
جانب كل من النيابة العامة وهيئة الحكم
أما بخصوص المقتضيات التي جاء بها المشرع على صعيد القانون 22.01فيما
يهم التحقيق اإلعدادي نجده قد نص من خالل منطوق المادة 83من ق.م.ج على
الحاالت التي يصبح فيها التحقيق إجباريا ،مما يتضح أن اللجوء إلى التحقيق
اإلعدادي يصبح بمثابة أمر إلزامي في الحاالت التالية :
حينما يتعلق األمر بجناية معاقب عليها باإلعدام ،أو الجنايات المعاقب عنها بالسجن
المؤبد ،فضال عن الجنايات المعاقب عليها بعقوبة سجنية يصل حدها األقصى إلى
30سنة ،ولو تم ضبط الفاعل في حالة تلبس ،وفي هذا الصدد نورد قرار صادر
عن محكمة النقض والذي قضى منطوقة بما يلي ":التحقيق إلزامي في الجنايات
المعاقب عليها باإلعدام وبالسجن المؤبد ،وهو إجراء جوهري يؤدي عدم إنجازه
على الوجه األكمل إلى بطالن جميع اإلجراءات المتخذة بما فيها القرار الذي أدان
22
المتهم"
كما يعتبر التحقيق إلزاميا بخصوص الجنايات المرتكبة من طرف األحداث أيا كانت
العقوبة المقررة لها ،فكلما تعلق األمر بجناية ارتكبها حدث يقل عن 18سنة شمسية
كاملة ،يتوجب على الوكيل العام للملك أن يتقدم بملتمس بإجراء تحقيق بشأنها ،في
حالة ما إذا قرر متابعة الحدث.
17
فهذه األنواع من الجنايات يجري التحقيق بشأنها بشكل إجباري ،بمعنى أن الوكالء
العامين بمحاكم االستئناف ال يجدون بداً من إحالة القضايا المعروضة عليهم من
طرف الشرطة القضائية والتي تدخل في زمرة جرائم الجنايات ،على قضاة التحقيق
ا23
المعينين بالمحاكم التي يمارسون به
نص المشرع في الفصل 84من ظهير 10فبراير - 1959المشار إليه سلفا -في
فقرته الثانية على مايلي:
أما في القضايا الجنحية فيكون اختياريا اللهم إذا كانت هناك مقتضيات خصوصية
واستنادا إلى الفصل المذكور نجد أن المشرع جعل من سلوك مسطرة التحقيق إجرا ًء
اختياريا كقاعدة عامة ،واستثناء يمكن اللجوء إليه في حاالت معينة وضمن مقتضيات
خاصة.
أما على مستوى ظهير اإلجراءات االنتقالية لسنة 1974فلم ينص على وجوبية
التحقيق في الجنح ،مما يتبين معه أن المشرع سعى إلى تقليص دائرة الجرائم
المشمولة بالتحقيق بالرغم من ضرورة إعمال التحقيق بها نظرا لخطورة الفعل
الجرمي المرتكب .
وهذا الموقف الذي تبناه المشرع والقاضي مبدئيا باستبعاد إخضاع الجنح للتحقيق
اإلعدادي ،فيه تجاهل واضح لتعقد المالبسات التي قد تحيط ببعض الجنح،
وخصوصا التأديبية منها ،والتي قد تقترن بظروف مشددة فتغير بذلك من وصفها
لتجعلها جناية ،أو تبقيها على وصفها ولكن عقوبتها تصبح عقوبة جنائية (القتل
18
الخطأ أو خيانة األمانة أو النصب…) ،مما كان يقتضي معه ترك اللجوء إلجراء
تحقيق أولي فيها أفيد ،لما يشكله من ضمان في سبيل تحصيل عدالة جنائية فعالة،
ولكن شريطة أال يستغل ذلك من قبل النيابة العامة للزيادة من هيمنتها على القضية
10
الجنائية
وبالرغم من قصور المقتضيات التي تضمنتها طيات هذا الظهير والمتجسدة في
تحجيم رقعة التحقيق اإلعدادي ،إال أنه تم االستمرار به إلى غاية صدور قانون
7
المسطرة الجنائية الذي حاول المشرع من خالله قدر اإلمكان أن ينتدب منزلة
وسطى بخصوص اعتماد التحقيق.
فبالنسبة للصنف األول يكون التحقيق إجباريا بمقتضى نص خاص ،وتعد المواد من
255إلى 275من ق.م.ج نموذجا للنصوص الخاصة إلحالة الجنح والمخالفات غير
القابلة للتجزئة عن الجنايات و المرتبطة بها للتحقيق مع هذه الجنايات.
وإجبارية التحقيق في الجنح تمنع على وكالء الملك بالمحاكم االبتدائية تكييف األفعال
المعروضة عليهم إجراء المتابعة دون اإلحالة على التحقيق اإلعدادي تحت طائلة
14
بطالن اإلجراءات المتخذة
من المعلوم أن المشرع حدد الجنايات والجنح التي تدخل في مجال الجرائم الخاضعة
وجوبا للتحقيق اإلعدادي ،لكن ذلك ال يعني عدم إعمال التحقيق في باقي الجنايات
والجنح األخرى ،بل نص على إمكانية التحقيق إذا ما اقتضت الضرورة ذلك على
سبيل االختيار ،وهذا ما يدل وبما ال يدع مجاال للشك على رغبة المشرع في توسيع
نطاق الجرائم المشمولة بالتحقيق اإلعدادي
تم تحديد الجنايات المنصوص على إلزامية التحقيق بشأنها من خالل المادة 83آنفة
الذكر ،بيد إن المشرع عاد لينص على اختيارية التحقيق اإلعدادي فيما ما عدا تلك
الجنايات ،وهاته األخيرة هي التي ال تدخل في زمرة الجنايات المعاقب عليها بعقوبة 8
وتتخذ النيابات العامة لدى محاكم االستئناف قرار اإلحالة على غرفة التحقيق اختيارا
في هذا النوع من الجنايات بغية تعميق البحث في بعض الجوانب التي لم يطلها
8
13ظهير شريف رقم 1.10.07بتاريخ 26صفر 11( 1431فبراير )2010بتنفيذ القانون رقم 52.05المتعلق بمدونة السير على
الطرق ،الجريدة الرسمية عدد 5824بتاريخ 8ربيع اآلخر 25( 1431مارس ،)2010ص2168:
14أحمد قيلش -محمد زنون ،مرجع سابق ،ص45:
20
البحث التمهيدي ،أو بقيت ملتبسة بهدف كشفها واستكمال البحث بشأنها قبل إحالتها
15
على غرفة الجنايات االبتدائية
ويجدر اإلشارة إلى أن التحقيق يكون اختياريا كذلك في الجنايات متى تعلق األمر
بالتلبس بجناية عمال بمقتضيات المادة ،16 56وتبين لممثل النيابة العامة أن القضية
غير جاهزة للحكم
ويتضح من ذلك أنه ال خيار للوكيل العام للملك في إحالة القضية على قاضي
التحقيق إذا كانت غير جاهزة للحكم ،أي متى تبين له أن وسائل اإلثبات غير كافية
9
وأن الحقيقة لم تتضح بعد من البحث الذي أنجزته الشرطة القضائية ،كما أن مفهوم
االختيارية ليس متروكا إلى تقدير عضو النيابة العامة وإنما هو مرتبط بمدى تحقق
17
أو انتفاء مقتضيات المادة 73بالنسبة للجنايات التي غير المعاقب عليها
إذا كان المشرع قد وسع من دائرة األفعال الخاضعة للتحقيق اإلعدادي ،بشموله
الجنايات والجنح على حد سواء ،فإنه على ما يبدو ظل متحفظا بخصوص هذا النوع
من الجرائم ،بحيث ال يتم إجراء تحقيق إعدادي بشكل إجباري في الجنح إال بنص
خاص وضمن حدود ضيقة ،السيما وأنه لم يحدد الجنح التي تقبل التحقيق اإلجباري
18
كما هو الشأن بالنسبة للجنايات
و بالنظر إلى خطورة بعض الجنح التي قد تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات
حبسا أو أكثر ،فقد أتى القانون بمسطرة التحقيق االختياري بالنسبة لهذه الجنح
باإلضافة للجنح التي يجيز أو يوجب نص خاص التحقيق فيها ،و لتحقيق هذه الغاية
تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحاكم االبتدائية باإلضافة الستمرار
19
المؤسسة الموجودة لدى محاكم االستئناف
أحمد قيلش وآخرون ،الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية ،الطبعة الثانية ،مطبعة األمنية – الرباط ،2016 ،ص1489 15:
16تنص المادة 56من ق.م.ج على ما يلي“ :تتحقق حالة التلبس بجناية أو جنحة
17وزارة العدل ،شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء األول ،مرجع سابق ،ص221:
18أحمد قيلش -محمد زنون ،مرجع سابق،ص47 :
21
و التحقيق االختياري في الجنح ال يسع كل أنواع الجرائم الجنحية ،حيث ينصب على
الجنح التأديبية بدل الضبطية ،وبالتالي فإن المشرع أخذ بعين االعتبار إجراء التحقيق
اإلعدادي في الجنح تبعا لخطورتها ،باقتصاره على الجنح التأديبية التي يصل الحد
األقصى لعقوبتها خمس سنوات ،عوض الجنح الضبطية التي ال تتجاوز عقوبتها
20
الحبسية سنتين كحد أقصى
ول قد ميز المشرع بين التحقيق االختياري المعمول به بخصوص الجنح المرتكبة من
طرف الرشداء و األحداث
حيث يكون التحقيق اختياريا في الجنح المرتكبة من طرف الرشداء متى كان الحد
األقصى للعقوبة المقررة لها يوازي على األقل خمس سنوات ،وتتمثل االختيارية في
تقدير ما إذا كان المناسب أو غير المناسب إحالة القضية على المحكمة ،وهي ليست
متروكة لتقدير عضو النيابة العامة ،ولكنها مقررة بهدف استجماع كافة األدلة
10
المتعلقة بالفعل الجرمي ،سواء كانت في صالح المتهم أو ضده ،ولذلك يتعين على
وكيل الملك أن يأخذ بعين االعتبار في اختياره المطالبة بإجراء تحقيق أو اللجوء
إلى مسطرة اإلحالة المباشرة على قضاء الحكم ،النتائج المتوخاة من التحقيق ،فالغاية
21
من إتاحة إجراء التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة كاملة وليست إجراء شكليا
وبالنسبة للجنح المرتكبة من طرف األحداث نجد أن المشرع لم يميز بشأنها من حيث
العقوبة المقررة لها أو كيفية ضبط فاعليها.