يقصد بالتحقيق اإلداري مجموعة اإلجراءات التي تهدف
إلى الكشف عن حقيقة العالقة بين الموظف المحال للتحقيق والواقعة محل التحقيق ،كإجراء تمهيدي للمحاكمة التأديبية واستصدار قرار إداري تأديبي في حالة ثبوت المخالفة . وقد قررت هيئة التأديب في القضية رقم 34لعام 1397بتاريخ 1397\9 \ 16هـ (إن عدم إجراء أي تحقيق مع المتهم قبل إحالته إلى هيئة التأديب يؤدي إلى تخلف ركن من أركان الدعوى ،وبالتالي إلى عدم قبولها ،والقول بغير ذلك – فضال عن تعارضه مع التفسير الصحيح ألحكام النظام – يؤدي بمجلس المحاكمة إلى الجمع بين التحقيق والمحاكمة في نفس الوقت ،وفي ذلك تعارض واضح مع أصل من األصول العامة في مجال التأديب من مقتضاه الفصل بين سلطة التحقيق ( واالتهام ) من ناحية ،وبين سلطة المحاكمة من ناحية أخرى ) مجموعة أحكام هيئة التأديب ، المجموعة الثانية من األحكام الصادرة حتى نهاية 1397هـ ص . 512 التمييز بين التحقيق اإلداري والتحقيق الجنائي
يعرف التحقيق الجنائي بأنه مجموعة اإلجراءات التي
تهدف للوصول إلى الحقيقة بشان جريمة جنائية معينة ، ومن ثم فان ثمة اختالفا بين التحقيق اإلداري والتحقيق الجنائي من زاوية الجهة المختصة بكل منهما ،وان كانت هيئة الرقابة والتحقيق تتولى التحقيق واالتهامـ في بعض الجرائم الجنائية ،كذلك ثمة اختالف بينهما من زاوية موضوع كل منهما فالتحقيق اإلداري يتعلق بالمخالفات الوظيفية والجرائم الناشئة عن الوظيفة العامة او ما يعرف ( بتأديب الموظفين ) اما التحقيق الجنائي فيتعلقـ بالجرائم الجنائية ،وقد يكون الفعل الواحد مكونا لجريمة تأديبية وجنائية في الوقت ذاته . ويبدو ان القاعدة المعمول بها في المملكة العربية السعودية أن الجنائي يوقف اإلداري بمعنى ان اإلجراءات التأديبية تتوقف إلى حين صدور حكم جنائي نهائي وبات بشان الجريمة المقترفة من قبل الموظف فإذا ثبت أن الموظف بريء النتفاء األدلة فيجب تبرئته إداريا أما إذا ثبت أن األدلة غير كافية إلدانته جزائيا رغم وجود شبهات قوية تدور حوله فان ذلك ال يمنع من تحريك المسؤولية التأديبية بحقه ومعاقبته إداريا . كما ينظر إلى الفرق بين التحقيق الجنائي والتحقيق اإلداري من زاوية سلطات المحقق في كل منهما . فسلطات المحقق الجنائي أوسع من سلطات المحقق اإلداري نظرا الختالف النظام القانوني الذي يحكم عمل المحقق ،كما ان العقوبات التي يمكن إيقاعها على المتهم تختلف في النظام التأديبي عنها في النظام الجنائي ،وهذا يعكس النتائج المترتبة على التحقيق اإلداري وأثرها على المركز الوظيفي للموظف العام ، أما التحقيق الجنائي فنجد آثاره تنعكس على الوضع االجتماعي للمتهم والتي قد تصل إلى سلبه حريته ( الحبس او السجن او التوقيف ) وأحيانا تطال العقوبة حياة الشخص الى حد اإلعدام . وأخيرا فان الغاية من التحقيق اإلداري هو ضبط العمل اإلداري وتامين سير المرافق العامة بانتظام واطراد من خالل ردع الموظفين الذين يرتكبون مخالفات وظيفية ، بينما يهدف التحقيق الجنائي من اكتشاف الجرائم إلى إنزال العقوبات بمن يمس امن المجتمع و يهدد سالمته . وتجدر اإلشارة إلى أن التحقيق الجنائي تتواله هيئة التحقيق واالدعاء العام ويستثنى من ذلك الحاالت التي تتولى فيها هيئة الرقابة والتحقيق مهمة التحقيق في بعض الجرائم المتصلة بالوظيفة العامة ،أما التحقيق اإلداري فتتواله الجهة اإلدارية او هيئة الرقابة والتحقيق . التمييز بين التحقيق اإلداري والتفتيش اإلداري التفتيش اإلداري عبارة عن إجراء من إجراءات الرقابة اإلدارية بهدف التحري للكشف عن المخالفات الوظيفية والخلل في تنفيذ الواجبات الوظيفية . ويجب مالحظة ان المقصود بالتفتيش اإلداري هنا يختلف عن التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق على النحو الذي سنتناوله فيما بعد . ويتفق التفتيش اإلداري مع التحقيق اإلداري في كونهما يهدفان إلى البحث عن الحقيقة ،بيد أن التحقيق اإلداري يتميز بضرورة مراعاة ضوابط نظامية أكثر صرامة منه في حالة التفتيش اإلداري.. تراجع المادة الخامسة من نظام تأديب الموظفين . أهدا ف التحقيق اإلداري يسعى التحقيق اإلداري إلى تحقيق األهداف اآلتية : -1التحقق من وجود مخالفة أو مخالفات معينة . -2التأكد من نسبة المخالفات التي ثبت وقوعها إلى موظف معين أو موظفين معينين . -3جمع األدلة الالزمة لتوجيه التهمة . -4اقتراح العقوبة المالئمة . -5يؤدي التحقيق اإلداري نوعا من الردع العام والردع الخاص ،ذلك أن مجرد اإلحالة إلى التحقيق ترهب كل من تسول له نفسه ارتكاب مخالفة وظيفية أن يفكر مليا قبل اإلقدام على ارتكابهاـ .ناهيك عن إيقاع العقوبة لمن يثبت انه ارتكب مخالفة تأديبية . نطاق التحقيق :
يتعلق نطاق التحقيق بالواجبات والمهام الوظيفية
الموكولة للموظف بحيث يترتب على مخالفتها قيام المسؤولية التأديبية بحقه ،ومن أهم الواجبات الوظيفية ،ان يكرس الموظف وقته لخدمة الوظيفة أثناء الدوامـ الرسمي ،وان يلتزم بواجب الطاعة الرئاسية ،وان يؤدي الواجبات المناطة به بأمانة ،وان يحرص على األموال العامة ،وان يحافظ على الكرامة الوظيفية ، وان يتجنب إساءة استعمال السلطة او استغالل الوظيفة او قبول الرشاوى او الهدايا لقاء قيامه بأداء الخدمة العامة ...الخ ( انظر المواد 12و 13من نظام الخدمة المدنية )
الشروط الواجب توافرها في المحقق :
هناك مجموعة من الصفات والشروط يتعين توافرها في المحقق : .1الحيدة :وهي أهم الشروط التي يجب توافرها في المحقق ،فال يجوز أن يحدد المحقق موقفه مسبقا من المتهم سواء بالبراءة او اإلدانة ،كما ينبغي ان ال يتأثر او يخضع ألي اعتبار يفقده عنصري الحيدة والنزاهة ، وهو ما أكدته الفقرة ج من المادة التاسعة من الالئحة الداخلية لهيئة الرقابة والتحقيق حيث نصت على انه " ال يجوز ان يتولى التحقيق من يتصل بأحد الخصوم بصلة القرابة او النسب حتى الدرجة الرابعة " ولكن وفقا للقواعد العامة يفقد المحقق صالحية التحقيق ألي سبب يفقده الحيدة . .2الدرجة الوظيفية :وفقا للقواعد العامة يجب ان يكون المحقق من نفس المرتبة الوظيفية لمن يجري التحقيق معه او أعلى منها .ولكن ال يوجد أي نص نظامي يوجب ذلك سوى المبادئ العامة للتحقيق اإلداري واألعراف المستقرة بهذا الشأن . .3الدراية بشؤون التحقيق :ال يوجد نصوص نظامية تحتم ان يكون المحقق متخصصا بشؤون التحقيق ،بيد ان اإللمام بفنيات التحقيق ومهاراته المتعددةـ واإلحاطة باإلجراءات القانونية شروط الزمة إلجراء تحقيق ناجح ومنتج ومفيد . مالحظة :يترتب على تخلف شرط الحيدة في المحقق بطالن التحقيق ،اما فيما يتعلق بالدرجة الوظيفية والتخصص بشؤون التحقيق فال يترتب على تخلف أي منهما البطالن . ضمانات التحقيق اإلداري : يقصد بضمانات التحقيق مجموعة القواعد واإلجراءات والضوابط التي يتعين االلتزام بها أثناء التحقيق والتي يترتب على مخالفتها بطالن التحقيق : .1كتابة التحقيق :يشترط أن يكون التحقيق مكتوبا ، وعدم كتابة التحقيق تؤدي إلى بطالنه وهذا ما أكدته المادة رقم ( )11من نظام تأديب الموظفين " يكون التحقيق كتابة "........والمادة رقم ( )10من الالئحة الداخلية لهيئة الرقابة والتحقيق " يتولى المحقق او كاتب التحقيق ان وجد تحرير محاضر االستجواب وال يجوز للمأخوذ أقواله كتابة إجابته على نفسه "....... كما نصت المادة ( )35من نظام تأديب الموظفين على انه " ......وال يجوز توقيع عقوبة تأديبية على الموظف اال بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه واثبات ذلك في القرار الصادر بالعقاب او في محضر مرفق. وتبرز أهمية الكتابة أنها تسهل عملية اإلثبات أمام القضاء ويسهل للقاضي الرجوع إلى محاضر جلسات التحقيق وإفادات الشهود وتقرير الخبراء ومحاضر المعاينة والتفتيش واألدلة الخطية والبينات الكتابية التي دونت في ملف التحقيق ،مما ييسر الوصولـ إلى حكم رشيد يخدم العدالة ويحترم كرامة اإلنسان . .2كفالة حقوق الدفاع :يعد هذا الحق من أهم ضمانات المتهم سواء في مرحلة التحقيق او في مرحلة المحاكمة ،اذ ال بد من تمكين المتهم من تقديم أوجه دفاعه ، ويترتب على اإلخالل بهذه الضمانة بطالن التحقيق ، وقد أكدت المادة ( )35من نظام تأديب الموظفين ذلك ، كما نصت عليه المادة رقم ( )13من الالئحة الداخلية لهيئة الرقابة والتحقيق على انه " ال يجوز للمحقق إبداء الرأي قبل استجواب الموظف وسماع الشهود واستكمال جميع عناصر القضية وقفل التحقيق . ومن أهم مظاهر كفالة حق الدفاع :سماع شهود النفي ومواجهة المتهم بشهود اإلثبات ،وإتاحة الفرصة للمتهم لتقديم ما لديه من مستندات او أوراق ومنح المتهم مهلة كافية لتحضير أوجه دفاعه ،ومنح المتهم فرصة توكيلـ محامي ان طلب ذلك ،وتمكين المتهم من مناقشة الشهود ودحض البينات التي تقدم ضده واالستعانة بكل وسائل اإلثبات لدرء التهمة عن نفسه . وقد قرر ديوان المظالم ( من الضمانات الجوهرية التي يجب مراعاتها في التحقيق اإلداري المواجهة ،وذلك بإيقاف المتهم على حقيقة التهمة المسندة إليه وإحاطته علما بمختلف األدلة التي تشير إلى ارتكابه المخالفة حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه ويلزم حتى تؤدي مواجهة الموظف بالتهمة غايتها – كضمانة أساسية له –ان تتم على وجه يستشعر معه الموظف ان اإلدارة بسبيل مؤاخذته اذا ما ترجحت لديها أدلة إدانته حتى يكون على بينة من خطورة موقفه فينشط للدفاع عن نفسه ) القرار رقم 29/86لعام 1400القضية رقم /336/1ق لعامـ 1400هـ المنشور في مجموعة المبادئ لعام 1400هـ ص . 323 .3إحاطة الموظف بالتهمة المنسوبة إليه :ويقصد بذلك إحاطة المتهم علما بالمخالفة المنسوبة إليه وباألدلة القائمة ضده حتى يتمكن من الرد عليها ،وهذا ما أكدته المادة رقم 16من الالئحة الداخلية لهيئة الرقابة والتحقيق حيث نصت على انه " يجب مواجهة الموظف المحقق معه في نهاية التحقيق بجميع األدلة والقرائن القائمة ضده وان يطلب منه الرد عليها كل منها على حدة " وقد قررت هيئة التأديب " ..إن المتهم لم يواجه بهذه المخالفة ولم يسال عنها في أي مرحلة من مراحل التحقيق حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه ويتضح موقفه
إزاء هذه الواقعة وذلك ما تقتضيه المادة ( ) 35من
نظام تأديب الموظفين حيث قضت بعدم جواز توقيع العقوبة التأديبية على الموظف إال بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه " جلسة 24/5/1395المنشورة في مجموعة أحكام هيئة التأديب لعامـ 1397ص .114 .4حق المتهم في الصمت :يعني امتناع الموظف عن اإلجابة عن أسئلة المحقق وهو ال يمثل اعترافا حيث ال يسند إلى ساكت قول ،وهنا ينبغي على المحقق أن يسجل امتناع المتهم عن اإلدالء بأقواله في محضر التحقيق وإبالغ مرجعه بنصحه بالعدول عن موقفه ، فإذا أصر على الصمت جاز للمحقق أن يستمر بإجراءات التحقيق باالستماع للشهود واستكمال البينات وإصدار التوصية المناسبة ويكون المتهم هو الذي ضيع عن نفسه فرصة الدفاع عن نفسه " تراجع المادة () 14 من الالئحة الداخلية لهيئة الرقابة والتحقيق" .5عدم استخدام اإلكراه أو الضغط او التهديد أو أي وسيلة من شانها تجبر المتهم على اإلدالء بأقوال ال يرغب بقولها ،وهو ما ذهبت إليه المادة ( /9أ ) من الالئحة الداخلية لهيئة الرقابة والتحقيق حيث نصت على انه " ال يجوز للمحقق استعمال وسائل اإلكراه او الضغط أو التهديد في تحقيقه وعليه أن يقتصر على التحقيق في األمور المباشرة المتصلة بالتهمة والكاشفة عن حقيقتها " .6حق المتهم في االستعانة بمحامي ،هذا الحق يمثل احد مظاهر حق الدفاع في مرحلة التحقيق ،فيكون للمتهم االستعانة بمحام وال يجوز للمحقق أن يرفض حضور محام مع المتهم .