Professional Documents
Culture Documents
حضارات الأحساء القديمة حتى ظهور الاسلام
حضارات الأحساء القديمة حتى ظهور الاسلام
ُتمّثل األحساء مشهًد ا ثقافًيا ُم تجّدًد ا عبر تاريخ امتَّد ألكثر من 6000سنة ،بسبب وفرة مياهها وُخ صوبة أراضيها ،وأقدم ُس كانها
هم من الكنعانيين الذين سكنوا المنطقة منذ 3000سنة قبل الميالد ،ومن ساللتهم العمالقة الفينيقيون الذين اشتهروا بأعمال ال ّر ي
والزراعة وهو ما يتناسب مع ظروف المنطقة .تبعهم الكلدانيون في القرن السابع قبل الميالد عند نزوحهم من أرض بابل سنة
694ق م ،وأَّسسوا مدينة الجرهاء حيث قامت على أنقاضها هجر ثم األحساء اليوم التي تضم مجموعة من المواقع األثرية.
وهكذا احتضنت األحساء في قلب واحتها الخضراء حضارة الجرهاء التي كانت من أعظم حضارات العالم القديم فكانت
ومملكة سبأ أغنى مملكتين في العالم القديم ،تبوأت مركز الصدارة بفضل موقعها المتميز في اإلشراف على طرق التجارة البرية
والبحرية بين أهم المراكز التجارية النشطة في جنوب الجزيرة العربية ووادي الرافدين.
الحضارة الجرهائية:
في إثر غ روب شمس الحضارة الدلمونية ،والتي دب فيها الضعف والهوان نتيجة الحمالت العسكرية المتزايدة عليه ا وتعرض
المناطق التي تغذي أسواقها بالمواد التجاري ة لالحتالل واألزم ات من ناحية أخرى ،بدأت تفقد مقوماتها وجودها بالتدريج حتى
أصيبت بالشلل وألت إلى السقوط في القرن الخامس قبل الميالد قامت على إثرها وفي مكانها حضارة أخرى ال تقل عنها شاًنا
في األهمي ة واإلس هام الحض اري ،فق د مألت ش هرتها أس ماع الع الم الق ديم ،لم ا ك ان يتمت ع ب ه أص حابها من غ نى واس ع وث راء
ع ريض ،بفض ل نش اطهم الف ائق في الحرك ة التجاري ة والمالحي ة والنق ل ،فق د ك ان لتوس ط بالدهم بين مراك ز الحض ارات القديم ة،
وإ شرافها على الطرق التجارية البحرية والبرية ،أبعد األثر فيما وصلوا إليه من التفوق والنجاح في هذا المضمار ،هذا إلى جانب
ما توفر لهم من خبرة واسعة ونشاط عظيم في سبر أغوار البحر ،وفهم أسراره ،والسيطرة على عبابه ،ثم االنتفاع من ذلك كله
على أحسن صورة ،فبنوا السفن ،وعبروا الخلجان والبحار ،ووصلوا إلى أعالي الفرات وشواطئ البحر األحمر ،والبحر األبيض
التوسط ،واقتحموا المحيطات حتى وصلوا الهند وسواحل إفريقيا ،فامتلكوا ناحية المالحة ،ولعبوا دوًر ا بارًز ا في التبادل التجاري
والنقل البحري بين األمم ،فحققوا من ذلك عائدات مادية ضخمة ،تمكنوا بواسطتها من السيطرة على طرق التجارة البرية أيًض ا،
فقدموا األموال وفرضوا الرسوم لرجال العشائر الذين تفع طرق القوافل في نطاق تهديدهم ،فضمنوا ب ذلك والءهم ومس اعدتهم في
تأمين سير القوافل.
ومن هن ا ازدادت التج ارة في الجره اء نم ًو ا وازده اًر ا .إن تف وق الجره ائيين في ه ذا الل ون من النش اط االقتص ادي
تمخض عنه ميالد وتطوير عدد من المراكز التجارية الواقعة على طول الساحل الممتد من كاظمة شمااًل إلى عمان جنوًب ا ،بحيث
أصبح كل من هذه المراكز فيما بعد مدينة قائمة بذاتها وميناء تجارًي ا هاًم ا ،فقد سجل بطليموس في جغرافيته إلى جانب مدينة
الجره اء م دينتين س احليتين إح داهما بلبان ة وتق ع في القطي ف ،أم ا المدين ة األخرى فهي مجندنات ه وتق ع جن وب ش به جزي رة قط ر
ش رًقا ،حيث يوج د هن اك موض ع ال ي زال معروًف ا باس م المج ان أو نيج ان .كم ا س جل بطليم وس أيًض ا مدين ة داخلي ة تع رف باس م
(ساتا) إلى الجنوب من مجنداناته بحوالي خمسين ميال ،وتقع على عند الطرف الجنوبي لخليج البحرين ،بالقرب من مدينة س لوى،
أما استرابون فلم يذكر سوى الجرهاء وتيروس وتاروت وأرادوس (عراد) وماتا ،وهي كما يرى تقع في مواضع على الساحل
الشرقي للجزيرة العربية المطل على الخليج .وفي مدينة الجرهاء من ناحية البحر وعلى مسافة ٥٠ميال منه تقع جزيرة تيلوس
(أوال) المشهورة باللؤلؤ.
من مراكز الجرهائيين التجارية الهامة ميناءان رئيسان على شاطئ الخليج عند النقطة الني بدأت منها رحلتهم إلى أعالي
الف رات .وق د س جلتا تحت اس م أبول وجرس ب القرب من لس ان نه ر الف رات وعمان ا ،وكانت ا تس تقبالن البض ائع ال واردة من جن وب
الجزيرة العربية ،ومن ثم تنقل عبر أراضي الهالل الخصيب إلى بلدان حوض البحر األبيض المتوسط .
-موقع الجرهاء :إن تعدد المراكز التجارية والمدن الهامة الواردة في كتب جغرافيي ومؤرخي اليونان والرومان على أنها من
أراضي الجرهاء أفضى إلى اختالفهم في تحديد موقع مدينة الجرهاء الرئيسية ،فقد اختار كل فريق من الباحثين مدينة من مدن
هجر القديمة ورشحها موقعا محتماًل لمدينة الجرهاء الرئيسية التي استمدت المنطلقة اسمها منها ،وألن المقام ال يحتمل استعراض
جميع تلك اآلراء ،فسنقتصر هنا على ذكر األرجح من تلك اآلراء،
ورد اسم الجرهاء والجرهائيين في عدد من المصادر القديمة من أهمها:
-1المخطوطات البردية الي تحمل اسم زينون وزير مالية الملك بطليموس فيالدلفوس ،ولقد ورد فيها اسم الجرهاء مرتين.
-2ورد اسم الجرهاء في جغرافية آسيا وتاريخها للمؤرخ اليوناني أجاثارخيدس الذي عاش في الشطر األول من القرن الثاني
قبل الميالد.
-3ورد اس م الجره ائيين ض من أس ماء عربي ة في نق وش يوناني ة يع ود تاريخه ا إلى الق رن الث اني قب ل الميالد وع ثر عليه ا في
دالوس.
-4ورد اسم الجرهاء عند استرابون الرحالة اليوناني المتوفي سنة ٢٥-٢١م.
ومما خلصت إليه المصادر يتضح أن الجرهاء في نظر الكتاب المعاصرين لها تقع على الساحل الشرقي لجزيرة العرب
المط ل على الخليج ،أسس ها كل دانيون في أرض س بخة ،وق د ب نيت بيوته ا من حج ارة الملح ،وهي في نظ ر اس ترابون مدين ة بري ة
تبعد عن البحر مسافة مائتي استاديون ،والبد أن تكون في واحة معروفة .وقد خلص الكاتب الروماني بلينيوس األصغر وبعض
المؤرخين إلى القول إن ثمة مدينتين إحداهما جرهاء العاصمة واألخرى ميناء يعمل في خدمتها ،وكون الجرهاء اس ًم ا لموقعين
ربما يفسر وقوع المكانين في األحساء ،أحدهما داخل الواحة في إحدى المواقع المرشحة لذلك كهجر والجرعاء والقارة وغيرها،
واآلخر على الساحل أو قريًب ا منه كالعقير وأبي زهمول وسلوى وساحل هجر .ومن هنا ذهب البعض إلى القول إن اسم الجرهاء
في األصل من الجرعاء على اعتبار أنها مدينة كبرى كانت في األحساء ،وإ ن الجرهاء المار ذكرها عند بطليموس الكائنة في
الساحل هي العقير نفسها.
وإ ذا سلمنا أن الجرهاء اسم لمدينتين إحداهما العاصمة في داخل الواحة واألخرى ميناؤها على ساحل الخليج ،فإن علينا
أن نحاول تحديد موقعي المدينتين في الداخل والساحل ،ولعل أفضل ما يمكن ترشيحه للجرهاء العاصمة هو موقع مدينة هجر
األثرية القديمة ،أما األخرى فعلى الساحل المعروف بساحل هجر ،وهكذا تنطبق جميع السمات المار ذكرها في وصف الجرهاء
على هذين المك انين تماًم ا ،ولق د س جل بعض الب احثين كأل من هج ر واألحس اء القريب تين من بعض هما البعض في منطق ة البطالية
على مسافة ميل أو ما يزيد قليال شمال شرقي المبرز حيث توجد أطالل كثيرة حول حطام موقع يعرف ب (البهيته) .إن المسافة
التي ذكرها استرابون بين الجرهاء وساحل الخليج والبالغة نحو ٤٠كم تساوي المسافة بين موقع مدينة هجر والساحل المذكور
تقريًبا.
-األهمية التجارية للجرهاء :تبين مما مضى أن الجرهاء كانت مركزا من المراكز التجارية الهامة ،وسوًقا من أكبر األسواق
في بالد الع رب رواًج ا بمختل ف البض ائع ،وذل ك بس بب موقعه ا المتم يز ال ذي جع ل منه ا ملتقى ط رق القواف ل القادم ة من جن وب
الجزي رة العربي ة ومن الحجاز والشام والع راق ،كم ا أنه ا ك انت سوًقا من أسواق التجارة البحرية فتس تقبل تج ارة أفريقيا والهند،
وتعيد تصديرها إلى مختلف األسواق عن طريق القوافل البرية ،حيث ترسل عن طريق حائل وتيماء إلى موانئ حرض البحر
األبيض المتوس ط ومص ر أو إلى بالد الش ام ،وق د ترس ل بالس فن إلى س لوقبا أو باب ل ،ومنه ا ب البر إلى م وانئ البح ر األبيض
المتوسط .كانت الجرهاء تستقبل تجارة البحر المتوسط والعراق واألسواق الي تعاملت معها لتتوسط في تصديرها إلى العربية
الجنوبي ة وأفريقي ا والهن د ،وربم ا إلى م ا وراء الهن د ،في ع الم ينتج ويس تهلك أيًض ا ،فالجره اء س وق وس اطة ،والوس يط يص در
ويستورد ،وبعمله هذا يكتنز الثروة والمال.
ويت اجر الجره ائيون م ع حض رمرت فتص ل ق وافلهم إليه ا في أربعين يوًم ا وهي محمل ة بحاص الت العربي ة الجنوبي ة،
وحاص الت أفريقي ا المرس لة بواس طتها وهي بض اعة رائج ة ذات أثم ان عالي ة في األس واق التجاري ة في ذل ك العه د .ل ذا أص بحت
الجرهاء بمثابة وكالة تجارية عالية وسوًقا ضخًم ا يعج بمختلف السلع الصادرة والواردة من تمور وعطور وبخور ولبان وبر
وعق اقير طبي ة وحدي د ونح اس وأخش اب .من هن ا ص ار الجره ائيون من كب ار الرأس ماليين ونافس وا الس بئيين ،وك انوا من أغ نى
ش عوب الجزي رة ،فق د اقتن وا ال ذهب والفض ة والمص نوعات الذهبي ة والفض ية كاألرائ ك والس رر واألواني وازدانت من ازلهم
بالزخارف الجميلة فكانت األبواب والجدران تطعم بالعاج والذهب والفضة واألحجار الكريمة ،فأسالوا بذلك لعاب الطامعين في
ثروتهم ،لذا قام الملك السلوقي أنطيوخس الثالث ( 205ق.م) بمحاولة االستيالء على مدينتهم ،فأرسلت المدينة المسالمة رسواًل إلى
الملك يحمل رجاءها إليه أن ال يحرمها نعمتين عظيمتين أنعمتهما اآللهة عليهم هما نعمة السالم ونعمة الحرية ،وأغروه بالهدايا
الغالية ،ولما ترجم خطابهم إلى الملك السلوقي وكان مكتوًب ا باللغة اآلرامية لبى رجاءهم وقبل هداياهم وعدل عن حربهم ،وقد
اش تملت ه داياهم إلي ه على ٥٠٠ :ت النت من الفض ة (تع ادل )١٣٠٠٨كيل وجرام من الفض ة و ١٠٠٠ت النت من اللب ان تع ادل (
)٢٦١٦٠كيلو جرام و ٢٠٠من الطيب المسمى بالميعة (تعادل )٥٢٣٢كيلو جرام.
-األصول العرقية للجرهائيين :تدل النصوص الكتابية بوضوح على أن الجرهائيين كانوا من الكلدانيين ،قدموا من العراق إلى
الخليج ،وأسس وا م دينتهم الجره اء في أراض ي ش اطئه الغ ربي واس تقروا به ا ،والب د أن أقواًم ا من الس كان المحل يين ق د ش اركوهم
سكناها .كما انضم إليهم أيضا جماعات من النبط ،فقد ذكرت المصادر أن قبائل تنوخ عندما قدمت إلى البحرين ،رأت بها قوًم ا
من النبط فأجلتهم عنها .بل أن بقايا من هؤالء ظلوا في البحرين ،وأصبحوا أحد عناصر نسيجها السكاني ،فقد وصفتهم المصادر
أنهم أهل األرض في إشارة إلى اتخاذهم الفالحة والزراعة حرفة لهم ،وربما إلى الوقت الحاضر.
كم ا خص ت المص ادر بال ذكر قبيل ة س متها (أج اروم) وق الت ب أنهم أه ل هج ر ،ونستش ف من ه ذا الوص ف أن فيهم بيت الس لطة
والملك ،ومنهم األمراء والملوك ،فمن خالل ما تم اكتشافه من قطع النقود المعدنية في ثاج وفيلكة وجزر البحرين ومواقع أخرى
تعرف الباحثون على أسماء بعض ملوك الجرهاء ،منهم( :أبياطع ٢٠٠-٢٢٠ق.م) وحري طات (١٦٠-١٨٠ق.م) و -أبي إيل.
ومما تجدر اإلشارة إليه أن هذه النقود ضربت في الجرهاء.
-اللغ ة والت دوين :ليس ل دينا من المص ادر م ا يوض ح م دى م ا ل دى الجره ائيين من المع ارف والعل وم ال تي الب د أن تك ون على
درجة عالية تتناسب مع ما توفر لهم من أسباب التقدم والرقي في مجال التجارة والمال ،ويمكن القول ألهم تحدثوا باللغة اآلرامية
أو النبطي ة أو بهم ا مع ا ،فمن خط ابهم الى المل ك الس لوقي الم دون باللغ ة اآلرامي ة ،ومن بعض النص وص الكتابي ة نستش ف أن
اآلرامية كانت اللغة السائدة عندهم آنذاك ،وبها دونوا معارفهم ،فهذا نص تم العثور عليه في واحة القطيف ،تعرف الباحثون في
سطريه األخيرين على أرقام ومالحظات عن إقامة عيد ودفع نقود وقد لوحظ أثر اللغة اآلرامية به ي بعض النقاط منها :اس تعمال
المفرد في حالة األرقام ،واستخدام الواو والنون في نهاية بعض الكلمات.
وهناك جملة نصوص قيمة تم التقاطها من ثاج والحناءة يسجل معظمها عبارات جنائزية ُد ون بعضها بالخط اآلرامي.
وردت فيه بعض الكلمات مرتبة وفق الطبيعة العرقية للحضارة اآلرامية.
-العبادة :فيما يتصل بالعبادة عند الجرهائيين البد أن نضع في االعتبار ما كان لبالدهم من مكانة دينية متميزة إبان الحضارة
الدلمونية ،ويما أن الجرهائيين هم ورثة تلك الحضارة ومعطياتها ،فالبد أن تكون عنايتهم بالنواحي الدينية كبيرة ج ًد ا ،فقد أشارت
بعض النق وش المكتش فة إلى ص ور جره ائيين ك انوا يمارس ون بعض الطق وس الديني ة كتق ديم الق رابين لآلله ة وم ا ش اكل ذل ك من
أنماط العبادات الشائعة في ذلك الزمان ،وقد اسُتشف من أسماء القرى في جزر البحرين أن الجرهائيين ربما تعبدوا لصنم اسمه
(جدا).
-حي اة الجره اء وزواله ا :ال تس عفنا المص ادر بت اريخ مح دد لنش أة الجره اء وتتحص ر المعلوم ات الخاص ة ب ذلك فيم ا تق دمت
اإلش ارة إلي ه من الق ول ب ان الجره اء ق د تأسس ت على ي د كل دانيين ق دموا إليه ا من باب ل ف راًر ا من مل وك آش ور أو المتغل بين على
العراق من ملوك الفرس في القرن السادس قبل الميالد تقريًبا.
يلقي بطليم وس في ح والي ١٥٠م ش يًئا من الض وء على حي اة الجره اء والجره ائبين عن د بطليم وس باعتب ارهم إح دى
القبائل المقيمة على ساحل الخليج ،وأن الجرهاء كانت التزال إحدى موانئهم.
من هنا يتضح أن مدينة الجرهاء قد نشأت في القرن السادس السابق للميالد ،وظلت قائمة حتى القرن الثالث بع د الميالد،
حيث لم تع د المص ادر تتح دث عنه ا بع د ه ذا الت اريخ .وق د ذك ر الب احثون لزواله ا ع دة أس باب تع ود إلى تح ول الط رق التجاري ة
والمالحية عنها ربما لظهور مدن وموانئ وقرى جديدة نافست الجرهائيين وتغلبت عليهم في مضمار التجارة والمالحة ،وبخاص ة
حين تحقق لليونانيين والرومانيين عوامل الهيمنة على الشؤون التجارية في الخليج ،فقد عمل هؤالء أواًل مع الجرهائيين كشركاء
في التجارة والنقل البجري ،وانتهوا بالتغلب عليهم في هذا المجال بعد أن اكتشفوا مسالك الطرق اآلمنة في البحار وعرفوا أس رار
الرياح الموسمية التي ظلت الى ذلك الحين سًر ا يحتفظ به المالحون العرب ألنفسهم ،وقد تم ذلك لمالح روماني يدعى (هيدالوس)
كما طوروا سفنهم التجارية فلم تعد في حاجة الى التوقف عند كثير من الموانئ .حينئذ عجز الجرهائيون عن منافستهم في هذا
المج ال ،فتالش ى نش اطهم التج اري إلى أن م ني بالش لل ففق دوا ب ذلك أهم مص ادر ث روتهم وغن اهم ،وعج زوا أيًض ا عن استرض اء
رجال البادية الذين كانوا يشاركونهم في نقل البضائع ،ويؤمنون لهم طرق القوافل ،مقابل ما يحصلون عليه منهم من اإلتاوات
والرسوم .لذا اتحدت كلمة أهل البادية على مهاجمة مدن الجرهائيين ونهبها وتخريبها ،كما ذكر في هذا السياق أن أردشير بن
بابك مؤسس الدولة الساسانية قام في سنة 210 – 208م بمهاجمة البحرين ،وحاصر قلعة ملكها طيلة عام كامل ،وحين أدرك
الملك المذكور عجزه عن صد المهاجمين ألقى بنفسه من الحصن فمات مؤثًر ا ذلك على الستسالم للعدو .وأميل إلى االعتقاد بأن
زوال الجرهاء ال يرجع لعامل واحد مما ذكر ،بل إن هذه األسباب مجتمعة قد أسهمت في إنهاكها وإ ضعاف قدراتها االقتصادية
والعس كرية والدفاعي ة إلى ح د كب ير ،فعج زت عن الص مود أم ام الزح ف الج ارف للقبائ ل العربي ة ال تي انح درت إلى البح رين من
عمان وتهامة واليمن بعد انهيار سد مأرب ،فانهارت هذه اإلمارة تماًم ا تحت سنابك خيولهم ،فاستولوا على مقدراتها ،وتحالفوا
على الت آزر والتناص ر فيم ا بينهم في حل ف أطلق وا علي ه اس م (تن وخ) وظلت لهم الكلم ة العلي ا في البالد الى أن أجلتهم عنه ا قبائ ل
عبدالقيس الى العراق حيث صار لهم فيه ملك ودولة.