You are on page 1of 4

‫عَّر ف منهج البحث التاريخي بأنه دراسة لموضوع أو مشكلة محددة األركان‪ ،‬ويتضمن ذلك عملية التسجيل لما‬

‫مضى من أحداث‪ ،‬ومن ثم القيام بالتحليل والتفسير وفًقا لقواعد وإجراءات منهجية‪ ،‬وبما يساعد على التنبؤ بما هو‬
‫كائن في المستقبل‪ ،‬وُيستخدم ذلك المنهج في أبحاث العلوم االجتماعية والتربوية‪ ،‬وكذلك في أبحاث العلوم‬
‫الطبيعية‪ ،‬وأشهر من استخدموا ذلك المنهج في دراساتهم كل من‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬وماكس فايبر‪،‬‬
‫ودار حول معظمهم كثير من الجدليات فيما تم تأصيله من نظريات‪ ،‬وسنتناول في مقالنا خطوات منهج البحث‬
‫‪.‬التاريخي بالتفصيل‬

‫ما خطوات منهج البحث التاريخي ؟‬


‫‪:‬تتمثل خطوات منهج البحث التاريخي فيما يلي‬

‫‪:‬تحديد مشكلة البحث‬


‫‪،‬إن المشكلة البحثية هي أساس البحث العلمي‪ ،‬وفي حالة عدم وجودها فلن يكون للبحث أي معنى أو هدف‬

‫وتعرف المشكلة البحثية على أنها أمر مخالف لما هو معتاد ويثير الشكوك‪ ،‬ويؤثر بصورة سلبية في نطاق معين‪،‬‬
‫‪،‬سواء أكان محدوًدا أو متسًعا‬

‫‪،‬وذلك ينحو بنا إلى تعريف البحوث األساسية‪ ،‬وهي تنصُّب على الوصول لنظريات وقواعد عمومية‬

‫أما البحوث التطبيقية فتنصُّب على معالجة جانب محدود تخصصي‪ ،‬ومن المهم أن تكون المشكلة البحثية معلومة‪،‬‬
‫‪،‬ولها جوانب واضحة‪ ،‬وتلك هي أولى خطوات منهج البحث التاريخي‬

‫‪.‬ويشترك في ذلك جميع مناهج البحث العلمي األخرى كالوصفي والتجريبي وغيرهما‬

‫‪:‬كتابة األسئلة أو صياغة الفرضيات البحثية‬


‫‪‬‬ ‫كتابة األسئلة البحثية والفرضيات من أهم خطوات منهج البحث التاريخي‪ ،‬وأسئلة البحث العلمي تتمثل في‬
‫‪،‬سؤال أو أكثر يطرحه الباحث كتخمين للحل‪ ،‬ومن ثم يسعى نحو اإلجابة عنها‬
‫‪،‬ويستخدم الباحث في ذلك أدوات االستفهام المتعارف عليها‪ ،‬مثل‪ :‬ما‪ ،‬أو ماذا‪ ،‬أو كيف‪ ،‬أو هل… إلخ‬

‫‪،‬وبالنسبة للفرضيات فهي تتضمن عالقة بين متغيرين أحدهما يطلق عليه المتغير المستقل‪ ،‬واآلخر التابع‬

‫وللباحث أن يصوغ ما يراه مناسًبا من فرضيات‪ ،‬وبالمثل فإن الفرضيات تمثل توقعات لحل المشكلة‪ ،‬غير أنها‬
‫‪.‬تكتب في صورة خبرية‬

‫‪‬‬ ‫ُتعِّبر األسئلة والفروض عن أهداف البحث في صورتها العملية‪ ،‬وتأتي صعوبة صياغة األسئلة‬
‫‪،‬والفروض في البحث التاريخي؛ نتيجة وجود عديد من األسباب التي أدت لنشوء الواقعة‬
‫ُت‬
‫وفي حالة بلورة الباحث لسبب واحد فإنه سيكون بمثابة السبب المحوري؛ نظًرا لوجود ظروف متباينة حيط‬
‫‪،‬بواقعة البحث‪ ،‬ومن الصعب اإللمام بها جميًعا‬

‫كما أن هناك بعض الحاالت التي تختفي فيها عوامل النشأة‪ ،‬أما نتيجة إغفال مؤلف المصدر لها بشكل عمدي‪ ،‬أو‬
‫بغير قصد؛‬
‫لذا نجد أن الفرضيات في البحث التاريخي يشوبها غموض تختلف نسبته على حسب طبيعة موضوع البحث‬
‫‪،‬ومصادره‬

‫وذلك على خالف الفروض المصاغة في البحوث الطبيعية‪ ،‬والتي ُتعد أكثر دقة‪ ،‬لذا نجد أن نتائج البحث التاريخي‬
‫‪.‬يصعب تعميمها‬

‫‪:‬تجميع المادة التاريخية للبحث‬


‫بعد أن يفرع الباحث من تحديد اإلشكالية البحثية‪ ،‬وصياغة األسئلة أو الفرضيات أو االثنين مًعا‪ ،‬يلجأ إلى المصادر‬
‫‪،‬التاريخية األولية والثانوية‬

‫وتلك من بين خطوات منهج البحث التاريخي المهمة‪ ،‬وُتعرف المصادر التاريخية األولية على أنها مؤلفات من‬
‫‪،‬شهدوا الوقائع‬

‫‪،‬أما المصادر التاريخية الثانوية فهي مؤلفات وتدوينات من عاشوا في فترات زمنية تالية‪ ،‬ودَّو نوا حول تلك الوقائع‬

‫ويشير الخبراء إلى أن االعتماد على المصادر الثانوية أكثر إيجابية؛ نظًرا ألنها ُك تبت بحيادية‪ ،‬وتتسم باإلنصاف‪،‬‬
‫‪.‬ودون أي تأثير سياسي من أصحاب السلطات‬

‫يصعب الفصل بين المصادر األولية والثانوية في كثير من المواضع‪ ،‬نظًر ا ألن معظم من المؤلفات التاريخية‬
‫‪،‬تجمع بين المصادر األولية والثانوية في مادتها‬

‫كما أوضح العالم “ديوبولد فإن دالين” أحد الُم ؤِّص لين لمناهج البحث العلمي في التربية وعلم النفس‪ ،‬وله كثير من‬
‫‪:‬الكتب في هذا الميدان‪ ،‬ومن أهم أنواع المصادر األولية والثانوية ما يلي‬

‫‪:‬المصادر التاريخية األولية‬


‫‪:‬وهي تنقسم إلى‬

‫‪،‬الوثائق الرسمية‪ :‬وهي تشمل السجالت التنفيذية والتشريعية والسجالت المالية‪ ،‬والقوانين‬

‫‪،‬والسجالت الرقمية‪ :‬بمعنى األسطوانات والشرائط المسجلة لالجتماعات والمقابالت‪ ،‬وملفات الكمبيوتر‬

‫‪،‬والدوريات العلمية‪ :‬وتتضمن منشورات لمقاالت وكتيبات وبحوث‬

‫‪،‬والتراث المنقول شفهًّيا‪ :‬بمعنى الحكايات والخرافات واألساطير‪ ،‬والتي تم نقلها عن شهود العيان‬

‫‪،‬السجالت الشخصية للمدونين‪ :‬وتتضمن العقود والخطابات واليوميات والمسودات والوصايا‬

‫‪،‬اآلثار‪ :‬وهي تتضمن آثاًر ا مادية‪ ،‬مثل‪ :‬البقايا التاريخية للمباني والمنشآت والهياكل العظمية‪ ،‬واألسلحة‬

‫‪.‬وآثار نصية مثل‪ :‬المخطوطات والمطبوعات‬

‫‪:‬المصادر التاريخية الثانوية‬


‫وهي عبارة عن منقوالت ألشخاص لم يعايشوا األحداث على أرض الواقع‪ ،‬حيث يتم التدوين من خالل أجيال‬
‫‪،‬متتابعة‬

‫وينبغي على الباحث أن يعقد مقارنة بين المصادر التاريخية األولية والثانوية‪ ،‬وفي ذلك يمكن استخراج الصالح‬
‫‪،‬من المعلومات‬

‫‪.‬واستبعاد الرديء منها‪ ،‬حيث إن رأي التابعين أو من عاشوا في فترة قريبة تالية على األحداث أقرب إلى الصحيح‬

‫‪:‬تقييم المادة التاريخية (النقد)‬


‫‪،‬بعد حصر الباحث لكل المعلومات والبيانات التاريخية‪ ،‬تأتي الخطوة األهم من خطوات منهج البحث التاريخي‬

‫‪:‬والتي تميزه عن غيره من البحوث‪ ،‬ويتمثل ذلك في عملية التقييم أو النقد‪ ،‬وينقسم ذلك إلى‬

‫‪:‬النقد الخارجي‬
‫‪،‬ويهدف النقد الخارجي التأكد من موثوقية مصدر المعلومات‪ ،‬ويحتاج ذلك إلى الَّتعُّر ف على تاريخ النشر‬

‫والتاريخ العلمي لمؤلف المصدر‪ ،‬وهل يمكن أن ننسب هذا العمل إلى مؤلفه؟ وهل المصدر أصلي أم ُم عَّد ل عليه؟‬

‫وهل عايش المؤلف األحداث أم اعتمد على حكايات من عاصروا األحداث؟ وكثير من األسئلة األخرى التي‬
‫‪.‬يستهدف منها الباحث التيقن من جودة المصدر‬

‫‪:‬النقد الداخلي‬
‫وينصُّب النقد الداخلي في تيقن الباحث من جودة المعلومات الُم صاغة في المصدر أو المرجع‪ ،‬ومدى موضوعيتها‬
‫‪،‬وبعدها عن التحيز‬

‫‪.‬ويلزم ذلك حدس وتفكير متعمق‪ ،‬وخاصة في ظل وجود الكثير من المؤلفات التاريخية التي يشوبها عدم الدقة‬

‫‪:‬استخالص االستنتاجات وكتابة التوصيات والمقترحات‬

‫‪:‬استخالص النتائج‬
‫‪،‬بعد قيام الباحث بعملية فحص للمصادر والمراجع‪ ،‬وما احتوته من معلومات بطريقة النقد الداخلي والخارجي‬

‫تأتي الخطوة األبرز بين خطوات منهج البحث التاريخي‪ ،‬وهي التي يعول عليها القراء كثيًرا في سبيل الحصول‬
‫‪،‬على حلول نهائية‬

‫‪،‬وهي تفصيل شامل لألسئلة أو الفرضيات‪ ،‬وهل يمكن االعتماد على تلك النتائج كونها منطقية من عدمه‬

‫‪،‬ومن المهم أن يقوم الباحث بتدوين النتائج في ضوء ما تم عرضه في المحتوى النظري‬
‫‪،‬وكذا ما استعان به من دراسات سابقة ذات صلة بموضوع الدراسة‬

‫‪.‬ومن المهم أن يسوق الباحث البراهين والدالئل القوية في النتائج‬

‫‪:‬كتابة التوصيات‬
‫بعد استخراج الباحث لنتائج البحث يبدأ في كتابة توصيات ذاتية‪ ،‬ومن قريحة ذهنية‪ ،‬ويستهدف الباحث من ذلك‬
‫‪،‬إبداء الرأي‬

‫‪.‬في ظل ما فهمه من موضوع الدراسة‬

‫‪:‬كتابة المقترحات‬
‫يحتوي كل بحث أو رسالة علمية على أسئلة أو فرضيات أو كليهما‪ ،‬وبعد أن يوضح الباحث أبعاد وجوانب‬
‫‪،‬المشكلة فقد ينجم عن ذلك أسئلة أو فرضيات أخرى‬

‫وبالطبع فإن البحث الراهن يظل في حدود معينة‪ ،‬ومن الممكن في ظل اإلشكاليات الجديدة المنبثقة أن يقدم الباحث‬
‫موضوعات أخرى لغيره من الباحثين؛ لكي يتم تناولها في المستقبل‬

‫‪ .‬أوجه االختالف بين المنهج التاريخي و العلمي‬

‫األسلوب التاريخي ال يعتمد على التجربة العلمية المضبوطة ‪ ،‬بمعنى أن الحقائق و األحداث ال يمكن أن تكرر ‪1‬‬
‫‪ .‬بصورتها ‪ ،‬وذلك بسبب اختالف العوامل المؤثرة‬

‫المصادر التاريخية في المعرفة غير مباشرة مثل المالحظات العلمية ‪ ،‬بل تعتمد على اآلثار و السجال ت و ‪.2‬‬
‫‪.‬الوثائق والمخطوطات وغيرها‬

‫ال يستطيع الباحث التاريخي الوصول إلى كل الحقيقة‪ ،‬وذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بالبعد الزمني و المكاني ‪.3‬‬
‫‪ .‬ومنها ما يتعلق بصحة األحداث وصعوبة الحصول على المادة التاريخية‬

You might also like