You are on page 1of 259

‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫جميع الحقوق محفوظة ملكتبة دار املعارف للكتب الجامعية‬ ‫©‬


‫كلية اآلداب _ جامعة البصرة‬
‫البص ــرة ـ الع ــراق‬
‫الطبعة الثانية ‪2018‬‬

‫ال يجوز إعادة طبع أو نسخ أو تصوير هذا الكتاب بأي وسيلة كانت‪،‬‬
‫دون إذن من املكتبة صاحبة الحق‪.‬‬

‫طبـ ــع في بي ـ ــروت‬

‫‪0‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مقدمة يف‬
‫علم البيئة ومشكالتها‬

‫الدكتور شكري إبراهيم احلسن‬


‫أستاذ علم البيئة والتلوث املساعد‬
‫قسم الجغرافيا‬
‫كلية اآلداب – جامعة البصرة‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫اإلهــــــــداء‬

‫إىل‪( ..‬نهر احلب) الذي يرويين‪ ..‬ومل أزل عطشاً‬

‫وإىل‪ ..‬مجيع طلبيت األوفيـــاء‬

‫شكري‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫احملتويات‬
‫املقدمة ‪10‬‬
‫الباب األول‪ :‬علم البيئة‬

‫الفصل األول‪ :‬تعريف علم البيئة وتارخيه وجماله ومناهجه‬


‫‪14‬‬ ‫تعريف علم البيئة وأقسامه‬
‫‪17‬‬ ‫نبذة تارخيية عن تطور علم البيئة‬
‫‪17‬‬ ‫البدايات املبكرة لعلم البيئة‬
‫‪19‬‬ ‫تطور علم البيئة منذ القرن العرشين‬
‫‪21‬‬ ‫جمال علم البيئة‬
‫‪22‬‬ ‫مناهج البحث احلديثة يف علم البيئة‬
‫‪22‬‬ ‫منهج استخدام الدراسات احلقلية يف اختبار النظريات‬
‫‪24‬‬ ‫منهج التشارك ما بني الدراسات احلقلية واملختربية‬
‫‪26‬‬ ‫منهج املسوحات احلقلية‬
‫‪28‬‬ ‫منهج استالل املعلومات من سجالت حبوب اللقاح‬
‫منهج االستفادة من دراسة التاريخ الطبيعي ‪29‬‬

‫‪31‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل الثاين‪ :‬مفاهيم أساسية يف علم البيئة‬
‫‪32‬‬ ‫املكونات البيئية‬
‫‪32‬‬ ‫الغالف احليايت‬
‫‪33‬‬ ‫اإلقليم االحيائي‬
‫‪34‬‬ ‫النظام البيئي‬
‫‪35‬‬ ‫املجتمع االحيائي واجلامعة والكائن احلي‬
‫‪36‬‬ ‫بيئة عيش الكائن احلي‬
‫‪37‬‬ ‫املوطن الطبيعي‬
‫‪37‬‬ ‫املوئل‬
‫‪38‬‬ ‫الكائنات الناقلة للطاقة عرب النظام البيئي‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املنتجات ‪39‬‬
‫‪40‬‬ ‫قياس اإلنتاجية األحيائية‬
‫‪41‬‬ ‫املستهلكات‬
‫‪42‬‬ ‫مسارات رسيان الطاقة عرب النظام البيئي‬
‫‪43‬‬ ‫السالسل والشبكات الغذائية‬
‫‪44‬‬ ‫انتقال الطاقة‬
‫‪46‬‬ ‫حمددات املستويات الغذائية‬
‫‪46‬‬ ‫الدورات البيئية الكربى‬
‫دورة املاء يف الطبيعة ‪47‬‬
‫‪48‬‬ ‫دورة الكربون‬
‫‪50‬‬ ‫دورة النرتوجني‬
‫‪51‬‬ ‫دورة الفسفور‬
‫‪53‬‬ ‫التعاقب والثبات البيئي‬
‫‪53‬‬ ‫التعاقب البيئي‬
‫العوامل املؤثرة يف التعاقب ‪53‬‬
‫‪54‬‬ ‫أنواع التعاقب البيئي‬
‫‪56‬‬ ‫التعاقب البيئي بحسب نظرية كلمنتس‬
‫‪56‬‬ ‫الثبات البيئي‬
‫‪57‬‬ ‫أنواع الثبات البيئي‬
‫‪57‬‬ ‫عنارص الثبات البيئي‬

‫‪58‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل الثالث‪ :‬نامذج من العالقات البيئوية‬
‫التكيف ‪60‬‬
‫‪61‬‬ ‫مبادئ التكيف‬
‫‪61‬‬ ‫التحمل‬
‫ّ‬ ‫منحنى‬
‫‪61‬‬ ‫ضبط الكائنات احلية ألوضاعها الداخلية‬
‫‪62‬‬ ‫اهلروب من الظروف غري املناسبة‬
‫‪62‬‬ ‫أمثلة عن التكيف‬
‫التكيف مع درجة احلرارة‪62‬‬
‫‪67‬‬ ‫التكيف مع املاء‬
‫التنافس ‪70‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪70‬‬ ‫التنافس اإلقصائي‬


‫‪72‬‬ ‫التنافس املؤدي إىل تقليص حجم املوئل‬
‫املنافسة وتغيري الصفات الوراثية ‪72‬‬
‫‪74‬‬ ‫املنافسة وتقاسم املورد‬
‫‪74‬‬ ‫االفرتاس‬
‫‪74‬‬ ‫الوسائل اهلجومية للمفرتسات‬
‫الوسائل الدفاعية لدى الفرائس ‪74‬‬
‫‪75‬‬ ‫وسائل دفاع الفرائس احليوانية‬
‫‪77‬‬ ‫وسائل دفاع الفرائس النباتية‬
‫‪78‬‬ ‫التكافل‬
‫‪78‬‬ ‫التطفل‬
‫‪79‬‬ ‫تبادل املنفعة‬
‫‪80‬‬ ‫االعتياش‬
‫‪83‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬

‫الباب الثاين‪ :‬املشكالت البيئية العاملية‬

‫الفصل الرابع‪ :‬العالقة ما بني اإلنسان والبيئة ومفهوم املشكلة البيئية‬


‫تاريخ العالقة ما بني اإلنسان والبيئة ‪86‬‬
‫‪87‬‬ ‫أمثلة عن دور اإلنسان يف تغيري الطبيعة‬
‫‪89‬‬ ‫املراحل التارخيية لتأثري اإلنسان يف البيئة‬
‫‪90‬‬ ‫مفهوم املشكلة البيئية‬
‫هيكل املشكلة البيئية ‪90‬‬
‫سامت املشكلة البيئية ‪92‬‬
‫‪93‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬مشكلة التلوث البيئي‬
‫‪94‬‬ ‫أساسيات عن التلوث البيئي‬
‫تعريف التلوث وامللوثات البيئية ‪94‬‬
‫عوامل تفاقم التلوث ‪95‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪96‬‬ ‫مكامن خطورة التلوث‬


‫‪96‬‬ ‫تصنيف خطورة التلوث‬

‫‪98‬‬ ‫أنواع التلوث ومصادره وآثاره‬


‫‪98‬‬ ‫تلوث اهلواء‬
‫‪98‬‬ ‫تلوث اهلواء املحيل واإلقليمي‬
‫‪102‬‬ ‫تلوث اهلواء العاملي‬

‫‪103‬‬ ‫تلوث املياه‬


‫ملوثات املياه التقليدية ‪103‬‬
‫‪104‬‬ ‫ملوثات املياه غري التقليدية‬

‫‪106‬‬ ‫تلوث الرتبة‬


‫‪106‬‬ ‫سوء استخدام الرتبة‬
‫‪107‬‬ ‫النفايات الصلبة‬

‫‪110‬‬ ‫التلوث اإلشعاعي‬


‫‪112‬‬ ‫التلوث باملبيدات‬
‫التلوث الضوضائي ‪115‬‬

‫‪117‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل السادس‪ :‬مشكلة حتطيب الغابات املدارية‬
‫‪119‬‬ ‫الغابات املدارية ومعدالت حتطيبها‬
‫‪119‬‬ ‫جغرافية الغابات املدارية‬
‫‪121‬‬ ‫تعريف حتطيب الغابات‬
‫‪122‬‬ ‫معدالت حتطيب الغابات‬

‫‪123‬‬ ‫أسباب حتطيب الغابات املدارية‬


‫‪125‬‬ ‫أمثلة حول مسببات حتطيب الغابات املدارية يف بعض البلدان‬
‫‪125‬‬ ‫فيتنام‬
‫‪126‬‬ ‫ساحل العاج‬

‫‪6‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪127‬‬ ‫الفلبني‬
‫‪127‬‬ ‫الربازيل‬

‫‪128‬‬ ‫عواقب حتطيب الغابات املدارية‬


‫‪129‬‬ ‫التأثري يف املوارد املائية‬
‫‪130‬‬ ‫التأثري يف خزانات السدود ويف منسوب املياه اجلوفية‬
‫التأثري يف تدهور الرتبة ‪131‬‬
‫‪133‬‬ ‫التأثري يف املناخ‬
‫التأثري يف احلياة النباتية واحليوانية ‪135‬‬
‫‪136‬‬ ‫مشكلة احلرائق‬

‫‪137‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل السابع‪ :‬مشكلة التصحر‬
‫تعريف التصحر ‪139‬‬
‫‪142‬‬ ‫أسباب التصحر ونتائجه‬
‫‪142‬‬ ‫الرعي اجلائر‬
‫‪146‬‬ ‫الزراعة املفرطة‬
‫االستغالل اجلائر للغطاء النبايت ‪147‬‬
‫‪149‬‬ ‫مشكلة امللوحة‬
‫‪152‬‬ ‫أسباب أخرى‬

‫‪153‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل الثامن‪ :‬مشكلة التغري املناخي‬
‫أثر البرش يف الغالف اجلوي ‪155‬‬
‫‪160‬‬ ‫غازات الدفيئة وظاهرة االحتباس احلراري‬
‫‪160‬‬ ‫غازات الدفيئة‬
‫‪162‬‬ ‫ظاهرة االحتباس احلراري‬

‫‪7‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪165‬‬ ‫األثار البيئية لظاهرة االحتباس احلراري‬


‫‪174‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬
‫الفصل التاسع‪ :‬مشكلة خسارة التنوع األحيائي‬
‫‪176‬‬ ‫معنى خسارة التنوع األحيائي‬
‫‪177‬‬ ‫التهديدات التي تواجه التنوع األحيائي‬
‫األنواع املهددة باالنقراض ‪179‬‬
‫التهديدات التي تواجه احلياة النباتية واحليوانية ‪180‬‬
‫‪182‬‬ ‫مظاهر هتديد التنوع األحيائي‬
‫‪182‬‬ ‫تدمري املواطن الطبيعية‬
‫‪187‬‬ ‫االستغالل اجلائر‬
‫‪190‬‬ ‫انقراض األنواع املستوطنة يف اجلزر‬

‫‪193‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل العارش‪ :‬مشكلة األمن الغذائي العاملي‬
‫‪195‬‬ ‫تعريف األمن الغذائي ومعدالته‬
‫‪196‬‬ ‫تعريف األمن الغذائي‬
‫‪197‬‬ ‫معدالت العوز الغذائي‬

‫‪198‬‬ ‫التحديات البيئية التي تعرتض حتقيق األمن الغذائي‬


‫‪198‬‬ ‫ندرة املياه‬
‫‪200‬‬ ‫تدهور الرتبة‬
‫‪200‬‬ ‫التغري املناخي‬
‫‪201‬‬ ‫اآلفات الزراعية‬
‫‪202‬‬ ‫دور احلكومات‬

‫‪203‬‬ ‫املخاطر التي هتدد األمن الغذائي العاملي‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫النمو السكاين ‪203‬‬


‫‪204‬‬ ‫االعتامد عىل الوقود االحفوري‬
‫‪205‬‬ ‫التهجني واهلندسة الوراثية وخسارة التنوع األحيائي‬

‫‪206‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫الفصل احلادي عرش‪ :‬مشكلة إنتاج الطاقة‬
‫‪208‬‬ ‫مفهوم الطاقة ومصادرها‬
‫األثار البيئية إلنتاج الطاقة ‪210‬‬
‫‪211‬‬ ‫الطاقة املائية‬
‫‪212‬‬ ‫طاقة الرياح‬
‫‪214‬‬ ‫الطاقة الشمسية‬
‫‪215‬‬ ‫طاقة املد واجلزر‬
‫طاقة احلرارة الباطنية ‪217‬‬
‫‪219‬‬ ‫الطاقة النووية‬
‫‪221‬‬ ‫الوقود احليوي‬
‫‪224‬‬ ‫الوقود االحفوري‬
‫‪228‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬
‫الفصل الثاين عرش‪ :‬الكوارث الطبيعية‬
‫‪230‬‬ ‫الكوارث الطبيعية وتصنيفها‬
‫‪232‬‬ ‫نامذج من الكوارث الطبيعية‬
‫‪232‬‬ ‫الزالزل‬
‫‪236‬‬ ‫الثورانات الربكانية‬
‫‪239‬‬ ‫األعاصري املدارية العمالقة‬
‫‪243‬‬ ‫الفيضانات‬
‫‪246‬‬ ‫األوبئة الفتاكة‬
‫‪247‬‬ ‫الكولريا‬
‫‪249‬‬ ‫املالريا‬

‫‪254‬‬ ‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫املصادر واملراجع ‪256‬‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مقدمة‬
‫من دواعي رسوري أن أقدم بني أيدي الطلبة األعزاء يف املرحلة اجلامعية ومعهم‬
‫كل الباحثني واملهتمني بموضوع البيئة ومشكالهتا‪ ،‬ثمرة اجلهد املتواضع املتمثلة‬
‫عصارة خربة علمية متتد ألكثر من عرش سنوات قضيتها يف‬
‫ّ‬ ‫هبذا الكتاب‪ ،‬وهو‬
‫تدريس هذا املقرر اجلامعي‪.‬‬
‫إن دراسة علم البيئة واملشكالت املرتبطة هبا واتقان فهمها والوعي جتاهها‪،‬‬
‫بات أمر ًا رضوري ًا بالنسبة للطالب اجلامعي‪ ،‬فهو املرش األقوى لقيادة عملية‬
‫التوعية البيئية يف املجتمع‪ ،‬السيام أننا قد غدونا نعيش يف ظل واقع بيئي حميل وعاملي‬
‫يتداعى باضطراد مع استمرار تزايد مسببات ذلك التداعي‪ .‬لذا‪ ،‬فأن هذا الكتاب‬
‫يمثل حماولة إلفهام واقناع القارئ‪ ،‬أكان طالب ًا جامعي ًا أم سواه‪ ،‬باألمهية اجلوهرية‬
‫للبيئة وبعظمة اخلدمات التي تقدمها للبرشية مجعاء من ناحية‪ ،‬وبخطورة املشكالت‬
‫التي نسببها هلا من ناحية أخرى‪.‬‬
‫الكتاب يف األصل عبارة عن جملدين مضغوطني بني دفتي كتاب واحد‪:‬‬
‫علم البيئة من جهة واملشكالت البيئية من جهة أخرى‪ .‬وعىل الرغم من أن هذين‬
‫املوضوعني مرتابطني مع بعض‪ ،‬فأهنام واسعني بام ال حيتمالن أن يكونا ضمن مقرر‬
‫جامعي منفرد‪ .‬غري أن االضطرار دفعني إىل تقديم الكتاب بالشكل االستخاليص‬
‫احلايل تلبي ًة للمفردات املنهجية التي أقرهتا وزارة التعليم العايل والبحث العلمي‬
‫العراقية‪ ،‬مراعي ًا يف ذلك ـ قدر املستطاع ـ وضوح املعلومة وتنويعها وسالسة‬
‫أسلوب عرضها وبساطتها ومنطقية تسلسلها وتفسريها فض ً‬
‫ال عن إضفاء عنرص‬
‫التشويق‪ ،‬مع األخذ باحلسبان عامل الوقت املتاح‪ .‬لكن حرصت يف الوقت نفسه أن‬
‫ال يكون هذا العرض املستخلص عىل حساب قيمة املادة العلمية للموضوعات‬
‫املطروحة‪ ،‬إذ توخيت استالل املعلومات من أفضل املصادر األجنبية وأحدثها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫خيتص الباب األول من الكتاب بعلم البيئة ‪ ،Ecology‬منقس ًام إىل ثالثة‬
‫فصول‪ :‬األول منها يقدم تعريف ًا هلذا العلم مع بيان لتاريخ تطوره ومناهجه العلمية‪،‬‬
‫ويتطرق الفصل الثاين ألهم املفاهيم األساسية يف علم البيئة من قبيل املكونات‬
‫البيئية والنظام البيئي والدورات البيئية الكربى‪ .‬أما الفصل الثالث فيعرض لرشح‬
‫العالقات البيئوية القائمة بني الكائنات احلية والتي حتكم املجتمع األحيائي مثل‬
‫التكيف والتنافس واالفرتاس والتكافل‪.‬‬
‫أما الباب الثاين فهو هيتم بموضوع املشكالت البيئية العاملية‬
‫‪ .Global Environmental Issues‬وعىل الرغم من تعدد هذه املشكالت وتنوعها‪،‬‬
‫فقد كان االختيار مقيد ًا نوع ًا ما باملفردات املنهجية ّ‬
‫املقرة‪ .‬وضمن هذا الباب‪ ،‬يمهد‬
‫الفصل الرابع إىل حتديد معنى املشكلة البيئية وبيان هيكلها وتاريخ نشوئها‪ .‬وبدء ًا‬
‫من الفصل اخلامس جيري استعراض املشكالت البيئية متمثلة أوالً بمشكلة التلوث‬
‫البيئي بأنواعه املختلفة وآثاره املتنوعة‪ ،‬فيام يعنى الفصل السادس بمشكلة حتطيب‬
‫الغابات املدارية‪ ،‬وهيتم الفصل السابع بمشكلة التصحر‪ ،‬ويعرض الفصل الثامن‬
‫ملشكلة التغري املناخي وأبعادها البيئية‪ ،‬أما الفصل التاسع فيختص بتحليل مشكلة‬
‫خسارة التنوع االحيائي‪ ،‬وينتقل الفصل العارش إىل اختالل األمن الغذائي العاملي‬
‫بوصفه مشكلة بيئية ناشئة‪ ،‬فيام يستعرض الفصل احلادي عرش مشكلة إنتاج الطاقة‬
‫واآلثار البيئية النامجة عنها‪ .‬ويمثل الفصل الثاين عرش ختام هذا الكتاب عرب تناوله‬
‫بعض الكوارث الطبيعية باعتبارها مشكالت بيئية مؤثرة مثل الزالزل‬
‫واالنفجارات الربكانية والفيضانات العارمة واالعاصري املدمرة وتفيش األوبئة‬
‫الفتاكة‪.‬‬
‫ينتهي كل فصل من فصول هذا الكتاب‪ ،‬بسلسلة من األسئلة املتنوعة‬
‫األنامط‪ ،‬غايتها جتديد ذهنية الطالب ـ أو القارئ عموم ًا ـ وإثارة رغبة النقاش لديه‬
‫واستذكار املواضيع ومراجعتها‪ .‬وتعد فقرة األسئلة هذه مهمة جد ًا لقياس مستوى‬

‫‪11‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫فهم الطالب واستيعابه ملحتوى املواضيع املطروحة‪ .‬وبطبيعة احلال تظل مثل هذه‬
‫املواضيع تثري مزيد ًا من األسئلة العلمية عدا ما أدرج منها هنا‪.‬‬
‫آمل أن يكون نصيبي التوفيق يف تقديم هذا الكتاب للمكتبة العربية‬
‫ولطالبيها‪ ..‬وغاية رجائي أن يكون الكتاب إضافة علمية متواضعة ترتقي درجاهتا‬
‫بام ينفع الناس مجيع ًا‪.‬‬

‫واهلل ويل التوفيـــق‪،،،‬‬

‫د‪ .‬شكري إبراهيم احلسن‬


‫البرصة ‪2014 /2 /8‬‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الباب األول‬

‫علم البيئة‬

‫‪13‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل األول‬
‫تعريف علم البيئة‬
‫وتاريخه ومجاله ومناهجه‬
‫هيتم الفصل األول من هذا الكتاب بتقديم تعريف ملفهوم علم البيئة وتقسيامته‬
‫الرئيسة‪ ،‬مع نبذة تارخيية عن نشوؤه وتطوره عرب الزمن‪ ،‬ثم بيان ملجال هذا العلم‪،‬‬
‫فض ً‬
‫ال عن استعراض أهم مناهجه العلمية احلديثة‪.‬‬

‫تعريف علم البيئة وأقسامه‬


‫مشتق من الكلمة‬ ‫‪Ecology‬‬ ‫إن مصطل علم البيئة‬
‫االغريقية (‪ oiko‬التي تعني مسكن‪ ،‬و ‪ oyia‬ومعناها‬
‫دراسة أو علم)‪ .‬ويقصد به ذلك العلم الذي يعنى‬
‫بدراسة العالقات الرابطة ما بني الكائنات احلية‬
‫وبيئتها‪ ،‬واملتمثلة بعالقة الكائنات احلية مع بعضها‬
‫البعض من جهة أو مع مكونات البيئة غري احلية التي‬
‫علم البيئة يعني تفاعل األحياء مع بيئة‬
‫كوكب األرض‬ ‫تعيش فيها من جهة أخرى‪ .‬وهيتم املختصون يف جمال‬
‫علم البيئة بدراسة التنوع بني الكائنات احلية وبتوزيعها اجلغرايف وأعدادها‬
‫وتكاثرها‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن االهتامم بطبيعة العالقات التي تربطها‪ ،‬مثل املنافسة والتكافل‬
‫والتطفل واالفرتاس‪.‬‬
‫‪Biology‬‬ ‫إن علم البيئة علم متداخل املعارف جيمع ما بني علم األحياء‬
‫‪ .Earth‬وجتدر اإلشارة إىل أن اصطالح علم البيئة ليس‬ ‫وعلم األرض‬ ‫‪science‬‬
‫مرادف ًا ملصطل البيئة ‪ Environment‬أو العلوم البيئية ‪ Environmental science‬أو‬
‫التاريخ الطبيعي ‪ ،Natural history‬فتلك جماالت علمية أخرى هلا هنجها اخلاص‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫عىل هذا‪ ،‬فأن من األشياء املهمة التي متيز علم البيئة عن غريه من العلوم‪ ،‬هي‬
‫تأكيد علم البيئة وحماولته تفسري املسائل اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬عمليات تكوين احلياة والتفاعالت الرابطة بينها والتكيفات التي جتري‬
‫بموجبها‪.‬‬
‫‪ .2‬حركة املواد والطاقة السائرة عرب املجتمعات االحيائية‪.‬‬
‫‪ .3‬التطور التعاقبي لألنظمة البيئية‪.‬‬
‫‪ .4‬تواجد الكائنات احلية وتوزيعها وتنوعها داخل البيئة‪.‬‬
‫إن علم البيئة علم واسع وممتد اآلفق‪ ،‬لذا يتطلب اإلملام به مجع معلومات كثرية‬
‫حول الكائنات احلية وظروف بيئاهتا‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن مراقبة التفاعالت اجلارية وقياسها‪،‬‬
‫وفهم األنامط الناجتة عن ذلك مع حماولة تفسري تلك األنامط وتعليلها‪.‬‬
‫ينقسم علم البيئة عموم ًا إىل قسمني رئيسني‪ :‬علم بيئة الفرد ‪،Autecology‬‬
‫وعلم بيئة اجلامعة ‪ .Synecology‬فأما علم بيئة الفرد‪ ،‬فاملقصود به دراسة فرد أو نوع‬
‫معني من الكائنات احلية‪ ،‬من حيث عالقاته وتفاعالته بالظروف البيئية املحيطة به‪.‬‬
‫وأما علم بيئة اجلامعة‪ ،‬فيعني دراسة مجاعة أو جمتمع من الكائنات احلية سواء أكانت‬
‫من النوع نفسه أم ال‪ ،‬وحتليل عالقاهتا مع البيئة املحيطة‪ .‬ولذا فأن هذا األخري‬
‫ينقسم بدوره إىل فروع أخرى هي‪ :‬علم بيئة السكان ‪ ،Population ecology‬علم‬
‫‪Ecosystem ecology‬‬ ‫‪ ،Community‬وعلم بيئة النظم‬ ‫‪ecology‬‬ ‫البيئة املجتمعي‬
‫(الشكل ‪.)1-1‬‬

‫الشكل (‪ :)1-1‬األقسام الرئيسة لعلم البيئة ولعلم بيئة اجلامعة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫حقيل علم بيئة الفرد وعلم بيئة اجلامعة بشكل مستقل عن بعضهام‬ ‫ّ‬ ‫لقد تطور‬
‫األخر‪ ،‬لكن اإلملام بكليهام يعد أمر ًا رضوري ًا لفهم طبيعة الكائن احلي فرد ًا كان أم‬
‫مجاعة أم نظام ًا بيئي ًا‪ .‬ويتصف علم بيئة الفرد بكونه عل ًام جتريبي ًا واستقرائي ًا من‬
‫الناحية املنهجية‪ ،‬أما علم بيئة اجلامعة فهو ذي منحى فلسفي واستنباطي‪ .‬وألن علم‬
‫بيئة الفرد هيتم بدراسة عالقة الكائن احلي بواحد أو أكثر من املتغريات البيئية‬
‫كالضوء أو درجة احلرارة أو الرطوبة أو امللوحة‪ ،‬لذا فأن من السهل قياسه‬
‫واخضاعه لل تجربة سواء يف املخترب أو يف احلقل‪ .‬أما علم بيئة اجلامعة فيعتمد عىل‬
‫الوصف بدرجة كبرية وليس من السهولة بمكان اخضاعه لتجارب‪.‬‬
‫علمي الفيزياء والكيمياء‪ .‬أما علم‬
‫ّ‬ ‫يستعني علم بيئة الفرد بمعظم تقنياته من‬
‫بيئة اجلامعة‪ ،‬فلم يدخل بقوة إىل مرحلة التجريب إال يف السنوات األخرية‪ ،‬بعد‬
‫تطور تقنيات كاحلواسيب واقتفاء األثر اإلشعاعي مثالً‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬ومع تسارع ركب التقدم العلمي يف الوقت احلارض‪ ،‬أخذ‬
‫يقسمون هذا العلم إىل حقول متعددة أكثر ختصص ًا وتفصيالً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املعنيون بعلم البيئة‬
‫مثلام يتض بعضها مث ً‬
‫ال يف اآليت‪:‬‬
‫علم البيئة البرشية ‪Human ecology‬‬
‫علم البيئة االجتامعي ‪Social ecology‬‬
‫علم البيئة السلوكي ‪Behavioral ecology‬‬
‫علم بيئة املجهريات ‪Microbial ecology‬‬
‫‪Molecular ecology‬‬ ‫علم البيئة اجلزيئي‬
‫علم بيئة اإلشعاع ‪Radiation ecology‬‬
‫علم بيئة التلوث ‪Pollution ecology‬‬
‫علم البيئة اجلغرافية ‪Geographical ecology‬‬
‫علم بيئة معامل األرض ‪ ... Landscape ecology‬الخ‪،،،‬‬

‫‪16‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يمكن أيض ًا تقسيم علم البيئة إىل تقسيامت ثانوية أخرى‪ ،‬منها مث ً‬
‫ال عىل‬
‫املائية ‪Aquatic ecology‬‬ ‫أساس نوع البيئة الطبيعية‪ ،‬وذلك بتقسيمه إىل علم البيئة‬
‫‪ ،Terrestrial‬مع كل تفرعاهتام‪ ،‬وعىل النحو اآليت‬ ‫‪ecology‬‬ ‫وعلم البيئة الربية‬
‫(الشكل ‪:)1-2‬‬

‫الشكل (‪ :)1-2‬تقسيم علم البيئة عىل أساس نوع البيئة الطبيعية‪.‬‬

‫نبذة تاريخية عن تطور علم البيئة‬


‫البدايات املبكرة لعلم البيئة‬
‫لعلم البيئة جذور تارخيية متشعبة‪ ،‬ويرجع سبب هذا التشعب بالدرجة األساس إىل‬
‫طبيعته املتشابكة مع علوم أخرى كثرية‪ .‬وعىل العموم‪ ،‬يعد فالسفة االغريق‬
‫القدامى من أمثال هيبوكراتس ‪ Hippocrates‬وأرسطو طاليس ‪ Aristotle‬أول من‬
‫دونوا مالحظات عن التاريخ الطبيعي‪ .‬إذ كانوا ينظرون للحياة عىل أهنا "ماهيوية‬
‫‪ ،"Essentialism‬تكون فيها األنواع االحيائية جمرد أشياء ساكنة ال تتغري‪ ،‬أما التنوع‬
‫املوجود ــ من وجهة نظرهم ــ فام هو إال شذوذ عن احلالة املثالية‪ .‬وهذا يناقض‬
‫بطبيعة احل ال النظرية البيئوية احلديثة التي ترى أن التنوع هو الظاهرة الفعلية‬
‫الواجبة االهتامم وأن له دور يف نشأة التأقلم من طريق االنتقاء الطبيعي‪ .‬ويمكن‬
‫إرجاع أصول أوىل مفاهيم علم البيئة‪ ،‬كتوازن الطبيعة مثالً‪ ،‬إىل هريودوتس‬
‫‪( Herodotus‬املتوىف عام ‪ 425‬ق‪.‬م)‪ ،‬حيث كان أول من وصف عملية األيض لدى‬

‫‪17‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الكائنات احلية‪ .‬وبينام يعد أرسطو أول من ترك أثر ًا عىل التطور الفلسفي لعلم‬
‫دون الكثري من املالحظات حول‬
‫ّ‬ ‫‪Theophrastus‬‬ ‫البيئة‪ ،‬فأن تلميذه ثيوفراستس‬
‫النباتات واحليوانات‪ ،‬يف ضوء هجرهتا وجغرافيتها احلياتية وفسيولوجيتها‬
‫وسلوكيتها‪ ،‬وهو ما شكل اللبنة األوىل لعلم البيئة بمفهومه احلديث‪.‬‬
‫ظهرت املفاهيم البيئية املتمثلة بالسلسلة الغذائية والتنظيم السكاين‬
‫واإلنتاجية ألول مرة خالل القرن الثامن عرش‪ ،‬وذلك عىل يد عامل األحياء الدقيقة‬
‫انتوين فان لوينهوك ‪ )1723 - 1632( Antoni van Leeuwenhoek‬وعامل النبات‬
‫ريتشارد براديل ‪ .)1723- 1688( Richard Bradley‬أما اجلغرايف ألكسندر فون‬
‫مهبولدت ‪ ،)1859 - 1769( Alexander von Humbolt‬فيعد من الرواد األوائل‬
‫يف الفكر البيئي وهو أول من م ّي َز التدرج البيئي‪ ،‬وهو التدرج الذي تتباين بموجبه‬
‫أجناس األحياء وتستبدل تبع ًا لتدرج ظروف البيئة بتأثري عامل االرتفاع‪ .‬هذا وقد‬
‫وضع مؤرخو الطبيعة األوائل من أمثال‪ ،‬مهبولدت وجيمس هيوتن‬
‫‪ James Hutton‬وجان المارك ‪ Jean-Baptiste Lamarck‬وأخرين‪ ،‬وضعوا اللبنات‬
‫األوىل لعلم البيئة احلديث‪.‬‬
‫يعد عامل األحياء األملاين أرنست هيغل ‪ Ernst Haeckel‬أول من استخدم‬
‫كلمة "‪ "Ecology‬بمفهومها احلديث‪ ،‬وذلك يف كتابه املوسوم (املورفولوجيا‬
‫التكوينية للكائنات احلية) الصادر عام ‪ .1866‬وكان هيغل عامل حيوان وفنان ًا‬
‫وكاتب ًا واستاذ ًا يف علم الترشي املقارن‪.‬‬
‫لكن هناك اختالف ًا يف الرأي‬
‫حول حتديد املؤسس احلقيقي لعلم البيئة‬
‫احلديث‪ .‬فبينام يعد البعض هيغل هو‬
‫املؤسس األول‪ ،‬يرى أخرون أن يوغنس‬
‫يوغنس ورمنغ‬ ‫ارنست هيغل‬
‫مؤسسا علم البيئة الحديث‬ ‫هو‬ ‫‪Eugenius‬‬ ‫‪Warming‬‬ ‫ورمنغ‬

‫‪18‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املؤسس من خالل كتابه (علم بيئة النباتات‪ :‬املدخل إىل دراسة املجتمعات النباتية)‬
‫الصادر عام ‪ ،1895‬فيام يرى البعض األخر أن كارل لينيوس ‪ Carl Linnaeus‬هو‬
‫املؤسس األول‪ ،‬وذلك بكتابه (اقتصاد الطبيعة)‪ ،‬معترب ًا فيه علم البيئة عىل أنه‬
‫اقتصاد الطبيعة‪ .‬وقد تأثر لينيوس بمبادئ تشارلز داروين‪ ،‬وعىل ضوئها كان أول‬
‫من وضع نظرية التوازن الطبيعي‪.‬‬
‫ل قد كانت النظرة السائدة لعامل الطبيعة‪ ،‬منذ عهد أرسطو ولغاية جميء‬
‫داروين‪ ،‬أنه عامل ساكن ال يتغري‪ .‬وقبل نرش الكتاب الشهري (أصل األنواع)‬
‫لداروين‪ ،‬مل يلتفت أحد ملسألة العالقات املتغرية واملتبادلة ما بني الكائنات احلية‬
‫والبيئة‪ ،‬وتكيفها يف ضوء ذلك‪ .‬واالستثناء الوحيد لذلك هو كتاب (التاريخ‬
‫(‪- 1720‬‬ ‫‪Gilbert White‬‬ ‫الطبيعي لسليبورن ‪ )Selborne‬ملؤلفه غيلربت وايت‬
‫‪ )1793‬الصادر يف العام ‪ .1789‬إذ يعدّ البعض هذا الكتاب من أول الكتب عن‬
‫علم البيئة‪.‬‬
‫(‪ 1809‬ــ‬ ‫‪Charles Darwin‬‬ ‫أما تشارلز داروين‬
‫‪ ،)1882‬فإن كتابه (أصل األنواع) ـ الذي نرش يف العام‬
‫‪ 1859‬ـ يعد بمثابة أول اختبار لعلم البيئة‪ .‬ويعد داروين‬
‫مؤسس ًا لعلم بيئة الرتبة ‪ Soil ecology‬عىل الرغم من أن‬
‫كتابه ذاك اشتهر بنظرية النشوء والتطور ‪ .Evolution‬وقد‬
‫تشارلز داروين‪..‬‬
‫صاحب األثر األكبر في‬
‫تطور علم البيئة الحديث‬
‫كان هلذه النظرية دور ًا مه ًام يف تغيري مسار الباحثني نحو‬
‫انتهاج العلوم البيئية‪.‬‬

‫تطور علم البيئة منذ القرن العشرين‬


‫الزال علم البيئة احلديث يافع ًا‪ ،‬فهو مل يصب عل ًام متكام ً‬
‫ال إال يف هنايات القرن‬
‫التاسع عرش‪ ،‬كام أسلفنا قبل قليل‪ .‬عىل أن علم البيئة حتول‪ ،‬منذ مطلع القرن‬
‫العرشين‪ ،‬من جمرد علم ذي طابع يصف التاريخ الطبيعي إىل أخر ذي طابع أكثر‬

‫‪19‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪Frederic‬‬ ‫علمي ًة يقوم عىل حتليل معمق للتاريخ الطبيعي‪ .‬إذ نرش فريدريك كلمنتس‬
‫‪ Clements‬أول كتاب أمريكي حول علم البيئة يف العام ‪ ،1905‬وفيه طرح نظريته‬
‫القائلة أن املجتمعات النباتية هي بمثابة الكائن احلي األعظم ‪ ،Superorganism‬كام‬
‫أنه كان رائد مفهوم التعاقب البيئي‪ .‬ويف العام ‪ ،1926‬استخدم جان كرستني سمتز‬
‫‪ ،Jan Christian Smuts‬مصطل "التكامل البيئي ‪ ،"Holism‬مستله ًام هذه الفكرة‬
‫من نظرية الكائن احلي األعظم لكلمنتس‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬طرح تشارلز ألتون‬
‫‪ ، Charles Elton‬مفهوم السالسل الغذائية يف كتابه األصيل (علم بيئة احليوان)‪.‬‬
‫يف العام ‪ ،1942‬كتب رايموند لندمان ‪ ،Raymond Lindeman‬بحث ًا شهري ًا‬
‫حول حركية املستويات الغذائية يف علم البيئة‪ ،‬وقد أصب هذا البحث فيام بعد‬
‫األساس لنظرية رسيان الطاقة واملواد عرب األنظمة البيئية‪ .‬وخالل عقد اخلمسينيات‬
‫من القرن العرشين‪ ،‬أدخل روبرت ماك آرثر ‪ Robert E. MacArthur‬إىل علم البيئة‪،‬‬
‫النظريات والتنبؤات واالختبارات الرياضية‪.‬‬
‫شهد علم البيئة تطور ًا أيض ًا من خالل إسهامات جاءته من علامء يف بلدان‬
‫أخرى‪ ،‬مثال ذلك الرويس فالديمري فرنادسكي ‪ ،Vladimir Vernadsky‬صاحب‬
‫‪Kinji Imanishi‬‬ ‫مفهوم الغالف احليايت يف العرشينات‪ .‬والياباين كنجي امانييش‬
‫صاحب مفهومي التناغم يف الطبيعة وعزلة املواطن الطبيعية خالل اخلمسينيات‪.‬‬
‫هذا وشهد علم البيئة اهتامم ًا ملحوظ ًا عىل الصعيدين العلمي والشعبي‬
‫دي الستينيات والسبعينيات‪ ،‬وذلك بفضل احلراك اجلامهريي حول‬ ‫خالل عق ّ‬
‫القضايا البيئية آنذاك‪ ،‬عرب ما يسمى باحلركة البيئية ‪.Environmental movement‬‬
‫فهنالك ترابط تارخيي وعلمي قوي ما بني علم البيئة وإدارة البيئة ومحايتها‪ .‬وكان‬
‫وآرثر تانسيل‬ ‫‪Aldo Leopold‬‬ ‫لكتابات عاشقي الطبيعة من أمثال آلدو ليوبولد‬
‫‪ ،Arthur Tansley‬دور ًا مؤثر ًا يف الدعوة إىل محاية الطبيعة املنفصلة عن املراكز‬
‫احلرضية حيث يرتكز فيها التلوث والتدهور البيئي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يف العام ‪ ،1962‬ساعد كتاب (الربيع الصامت)‬


‫‪Rachel‬‬ ‫لعاملة األحياء والبيئة البحرية راتشيل كارسون‬
‫عىل دفع احلركة البيئية إىل األمام‪ ،‬وذلك بعدما‬ ‫‪Carson‬‬
‫لفتت كارسون الرأي العام العاملي إىل قضية التلوث‬
‫راتشيل كارسون‪..‬‬
‫باملبيدات السامة والرتاكم احليوي ملبيد الـ د‪.‬د‪.‬ت ‪ DDT‬يف‬
‫مفجرة الحركة البيئية‬
‫البيئة‪ .‬واستفادت كارسون من علم البيئة يف إثبات عالقة‬
‫طرح السموم إىل البيئة بصحة اإلنسان والنظام البيئي‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬بات علامء البيئة‬
‫يكرسون‪ ،‬منذ ذلك احلني‪ ،‬جل اهتاممهم عىل ربط تدهور األنظمة البيئية لكوكب‬
‫األرض بالسياسة والقوانني املتعلقة بالبيئة وبالكيفية التي تدار هبا املوارد الطبيعية‪.‬‬

‫مجال علم البيئة‬


‫يشمل جمال علم البيئة ‪ The scope of ecology‬حيز ًا واسع ًا من مستويات التنظيم‬
‫والتفاعل ما بني األحياء تبدأ من أصغر مستوى (الذي يتمثل باخللية) وينتهي بأكرب‬
‫مستوى الذي يتمثل بكوكب األرض بأكمله (أو ما يسمى بالغالف احليايت)‪.‬‬
‫فالنظم البيئية‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬تشمل موارد ًا غري حية وأشكاالً أخرى متفاعلة مع‬
‫احلياة‪ ،‬ولذا جتد دراستها غاية يف التعقيد‪ ،‬لكوهنا تتطلب تفصيالت ملجاالت علمية‬
‫عديدة وتتبع ًا دقيق ًا لتطور أشكال احلياة بحسب طبيعة الكائن قيد الدراسة‪ .‬لكن‬
‫مثل هذه الدراسة تتباين أيض ًا من حيث املجال اجلغرايف‪ ،‬فقد تتضمن جمرد تناول‬
‫حرشة صغرية ضمن نطاق ال يتعدى بضعة سنتمرتات مربعة إىل تناول غابة تغطي‬
‫مساحة إقليم بأكمله يمتد لعدة كليو أمتار مربعة‪.‬‬
‫هلذا‪ ،‬يمكن تقسيم جمال علم البيئة عىل مستوى التنظيم إىل مخسة مستويات‬
‫أو نطاقات‪ ،‬نظر ًا للتعقيد الذي يتسم به جمال هذا العلم‪ .‬وتتض هذه املستويات يف‬
‫الشكل (‪ ،)1-3‬الذي يبني تنظي ًام هرمي ًا لنطاق الدراسة البيئية‪ .‬إذ يمكن أن يرتتب‬

‫‪21‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫من األكرب إىل األصغر ليشمل‪ :‬الغالف احليايت‪ ،‬اإلقليم احليايت‪ ،‬النظام البيئي‪،‬‬
‫املجتمع احليايت‪ ،‬ثم اجلامعة األحيائية‪ ،‬وأخري ًا الكائن احلي املنفرد‪ .‬وسنأيت إىل رشح‬
‫كل واحدة من هذه املكونات البيئية يف الفصل القادم‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)1-3‬التنظيم اهلرمي للنطاقات اجلغرافية االحيائية عىل وفق املجال الدرايس لعلم البيئة‪.‬‬

‫مناهج البحث الحديثة في علم البيئة‬


‫يعتمد موضوع البحث يف علم البيئة وطبيعته وجماله اجلغرايف عىل اختيار املنهج‬
‫العلمي املناسب الذي حيقق األهداف املتوخاة للبحث‪ .‬عىل هذا‪ ،‬ينتهج الباحثون يف‬
‫علم البيئة حالي ًا عدد ًا من الطرائق املنهجية لتحقيق أفضل النتائج‪ ،‬وتتمثل هذه‬
‫املناهج باآليت معززة بأمثلة توضيحية لكل واحد منها‪:‬‬

‫منهج استخدام الدراسات الحقلية في اختبار النظريات‬


‫(مثال بيئة طيور الغابات)‬
‫دراسة بيئية لثالثة‬ ‫‪Robert McArthur‬‬ ‫يف العام ‪ 1955‬أجرى روبرت ماك آرثر‬
‫أنواع من الطيور املغردة (بالبل) تعيش جمتمعة يف الغابات الصنوبرية الواقعة يف‬
‫القسم الشاميل الرشقي من أمريكا الشاملية‪ .‬وتتشابه تقريب ًا هذه األنواع الثالثة من‬

‫‪22‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫حيث احلجم والشكل واالغتذاء عىل احلرشات‪ ،‬وهذه األنواع هي‪ :‬بلبل كاب ماي‬
‫‪ Dendroica tigrina‬والبلبل ذي الردف األصفر ‪ D.coronata‬والبلبل ذي الصدر‬
‫الكستنائي ‪ .D.castanea‬وتقوم دراسة ماك آرثر عىل تفنيد النظرية القائلة بأنه إذا‬
‫كان هناك نوعان من األحياء حيتاجان إىل نفس املتطلبات البيئية فسوف ينافس‬
‫أحدمها اآلخر‪ ،‬ونتيجة لذلك فإهنام سوف لن يستطيعا العيش يف البيئة ذاهتا‪ .‬ولذا‬
‫أراد ماك آرثر معرفة كيفية عيش هذه الطيور املغردة جنب ًا إىل جنب وهي يف الغابة‬
‫نفسها‪.‬‬
‫تتغذى الطيور املغردة بالدرجة األساس عىل التقاط ومجـع احلشــرات مـن‬
‫حلاء األشجار ومن أورقها‪ .‬ويعتقد آرثر أن بمقدور هذه الطيور التعايش مع بعضها‬
‫البعض وأن ال ينافس أحدها األخر إذا ما تغذت عىل احلشـرات ضـمن مسـتويات‬
‫خمتلفة من الشجرة الواحدة‪ .‬وقد أثبت اعتقاد آرثر صحته‪ .‬إذ أظهـرت املالحظـات‬
‫دوهنا أن هذه األنواع الثالثة من البالبل إنام تأخذ غذائها من مستويات‬
‫امليدانية التي ّ‬
‫متعددة ضمن شجرة الصنوبر الواحدة‪ .‬ومثلام يوض الشكل (‪ ،)1-4‬فـإن البلبـل‬
‫املسمى كاب ماي يتغذى أساسـ ًا مـن منطقـة األوراق األبريـة والـرباعم اجلديـدة‬
‫املوجودة يف أعايل األشجار‪ .‬أما البلبل ذي الصدر الكستنائي فيتغـذى عـىل اجلـزء‬
‫األوسط من الشجرة‪ .‬فيام يتغذى البلبل ذي الردف األصفر عىل األقسام التحتية من‬
‫الشجرة وعىل األطراف السفىل من اجلزء األوسط‪.‬‬
‫لقد دللت مشاهدات ماك آرثر عىل أنه بالرغم مـن عـيش هـذه الطيـور يف‬
‫الغابة نفسها‪ ،‬فإهنا حتصل عىل غذائها من مناطق خمتلفة ألشجار الغابة‪ .‬وقد توصل‬
‫هذا الباحث إىل أن هذه التغذية املتعددة املستويات ربام تكون هي السبب يف ضعف‬
‫املنافسة بني هذه الطيور يف الغابات الصنوبرية‪ .‬وبذلك فقد تم اختبار نظرية كانـت‬
‫تبدو صحيحة‪ ،‬لكن بواسطة املراقبة والدراسة احلقليـة تـم تفنيـدها والربهنـة عـىل‬
‫خطئها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)1-4‬مناطق اغتذاء الطيور املغردة ضمن الغابة الصنوبرية‪.‬‬

‫منهج التشارك ما بين الدراسات الحقلية واملختبرية‬


‫ّان)‬
‫(مثال النحل الطن‬
‫قد يتطلب حتليل بعض املشكالت البيئية املعقدة القيام بعدد من الدراسات امليدانيـة‬
‫واملختربية مع ًا‪ .‬فأما الدراسات امليدانية فإهنا متدنا بمعلومـات عـن واقـع الطبيعـة‪،‬‬
‫وأما الدراسات املختربية فهي متدنا بقياسات دقيقـة ضـمن حـدود بيئـات مسـيطر‬
‫عليها‪ .‬وكلتا الطريقتني يكمالن بعضهام األخر‪.‬‬
‫من األمثلة عىل تطبيق هذا املنهج‪ ،‬ما أتبعه بريند هرينش ‪Bernd Heirnrich‬‬
‫يف تناول العديد من املشكالت البيئية املعقدة عن طريق جمموعة من الدراسات‬
‫امليدانية واملختربية مع ًا‪ .‬إذ يذكر يف أحدى مشاريعه البحثية أن النحل الطنّان‪ ،‬عىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬يعيش يف معظم األقاليم الباردة من العامل‪ .‬وأن هنالك نوعان منها‬
‫يعيشان يف املناطق الشاملية الشديدة الربودة بعدد يزيد عن عدد البرش املوجودين‪.‬‬
‫ويف مجيع هذه املناطق املذكورة يقوم النحل الطنّان أثناء عمله وحتركه باحلفاظ عىل‬
‫منطقته الصدرية دافئ ًة‪ ،‬ألن ذلك اجلزء من جسمها هو الذي توجد فيه العضالت‬

‫‪24‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التي تساعدها عىل التحليق كام ترتبط به األجنحة واألرجل‪ ،‬لكن عملية املحافظة‬
‫عىل درجة حرارة اجلسم دافئة يف بيئة باردة تتطلب يف احلقيقة وجود طاقة‪ .‬لذا جيب‬
‫معرفة مقدار الطاقة املفقودة واملكتسبة‪.‬‬
‫من أجل ذلك قام هرينش بإجراء عدد من الدراسـات احلقليـة واملختربيـة‬
‫لتخمني موازنات الطاقة لنحل يتغذى عىل أنـواع خمتلفـة مـن األزهـار يف درجـات‬
‫حرارية متباينة‪ .‬ولكي حتافظ مستعمرة النحل الطنّان عىل بقاءها جيب موازنة الفرق‬
‫بني الوارد من الطاقة واخلارج عنهـا‪ .‬ويمثـل اغتـذاء النحـل عـىل األزهـار ضـمن‬
‫درجات حرارة معينة اكتساب ًا للطاقة فيام متثل عملية جتواهلا بحث ًا عن الطعـام فقـدان ًا‬
‫للطاقة‪ .‬ويمكن للنحل استثامر مـا يكسـبه مـن‬
‫طاقة يف عملية إنتاج العسل إلطعـام مسـتعمرة‬
‫النحل وكذلك يف إعادة إنتاجه من جديـد‪ .‬أمـا‬
‫عملية التجوال بحثـ ًا عـن الطعـام فإهنـا تعنـي‬
‫فقدان للطاقة ومن ثـم غـذا ًء أقـل وتضـاؤالً يف‬
‫دراسة النحل الطنّان ما بين الحقل والمختبر‪..‬‬
‫كشفت حقيقة علمية مذهلة‬ ‫اإلنتاجية وبالنتيجة عدم االستطاعة عىل البقـاء‬
‫لفرتات طويلة‪.‬‬
‫يف احلقل‪ ،‬استخدم هرينش ساعة توقيت لقياس املدة التي يقطعهـا النحـل‬
‫الطنّان يف طريانه واغتذاءه‪ .‬وقام أيض ًا باصطياد عدد منها ثـم قـاس درجـة حـرارة‬
‫صدورها بواسـطة حمـرار خـاص‪ .‬أمـا يف املختـرب‪ ،‬قـام بتحليـل فسـيولوجي عـرب‬
‫استخدام عدد من األجهزة واملعدات املختربية اخلاصة‪ ،‬وذلك لتقدير كمية الطاقـة‬
‫املستنفذة يف أثناء عملية حتليق النحل ومقدار الطاقة الالزمة لتسخني أجسامها‪.‬‬
‫لقد توصل هرينش‪ ،‬يف هناية املطاف‪ ،‬إىل أن النحل حيافظ عىل درجة حـرارة‬
‫منطقته الصدرية بام يرتاوح من ‪ 37 - 30‬م‪ ،‬حتى عندما هتبط درجة حرارة اهلـواء‬
‫‪0‬‬

‫إىل ما دون الصفر املئوي‪ .‬وهنا السؤال كيف يمكن هلذا النحل املحافظة عىل درجـة‬

‫‪25‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫حرارة صدوره مرتفعة يف مثل هذه البيئات البـاردة أهنـا تقـوم بـذلك مـن خـالل‬
‫تقليص عضالهتا يف أثناء التحليق‪ ،‬إذ تتقلص هذه العضالت يف كل حركـة صـعود‬
‫ونزول ألجنحتها‪ ،‬ونتيجة لـذلك تـدفت تـدرجيي ًا‪ ،‬وأال سـوف يصـيبها االرتعـاش‬
‫واالرجتاف إن مل تفعل ذلك‪.‬‬
‫من هذا املثال‪ ،‬يتض كيف أن تضافر العمل احلقيل مع التحليـل املختـربي‬
‫الفسيولوجي استطاع أن جييب عن تساؤالت علمية ربام مل يكـن باملقـدور اإلجابـة‬
‫عنها لو تم االعتامد عىل أسلوب واحد فقط‪.‬‬

‫منهج املسوحات الحقلية‬


‫(مثال الموازنات الغذائية في الغابات)‬
‫إن أول عمل يقوم به املتخصصون يف جمال‬
‫علــم البيئــة لــدى دراســتهم للــدورات‬
‫الغذائيـــة كـــالنرتوجني أو الفســـفور أو‬
‫الكالســيوم هــو اســتطالع تواجــد هــذه‬
‫العنــارص الغذائيــة ومســحها ومعرفــة‬
‫ناليني نادكارني‪..‬‬
‫ساعد تسلقها الغابة على حل لغز علمي‬ ‫توزيعها ضمن النظام البيئي‪ .‬فاملسوحات‬
‫‪ ،Nalini‬قد غـريت مـن أفكارنـا‬ ‫التي أجرهتا عاملة البيئة ناليني نادكارين ‪Nadkarni‬‬
‫جتاه الرتكيبة التي تتميز هبا الغابات املدارية واملعتدلة املطرية وكيفيـة أداء عملهـا‪ .‬إذ‬
‫تسلقت نادكارين ببطء عرب عدد من أشجار أحدى الغابـات املطـرية يف كوسـتاريكا‬
‫وصوالً إىل قممها‪ ،‬وهناك وجدت عامل ًا مل يسبقه إليه أحد فأصـبحت بـذلك رائـدة‬
‫هلذا االكتشاف اجلديد‪ .‬لقد أصابتها الدهشة ملا رأته فوق قمم األشـجار مـن تنـوع‬
‫هائل يف الكائنات احلية وما يتخلل ذلك من عالقـات بيئيـة تـربط هـذه الكائنـات‬
‫بعضها ببعض وهو ما مل يكن متوقع ًا أن جتده يف مثل هذا القطاع من األشجار‪ .‬لكن‬
‫دهشتها هذه رسعان ما قادهتا إىل ابتكار طريقـة جديـدة يف البحـث العلمـي‪ ،‬إذ أن‬

‫‪26‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫نادكارين ال تعد أول من بحث يف أعايل األشجار فحسب بل تعد أيض ًا أول من سرب‬
‫أغوار بيئة هذا العامل املجهول‪.‬‬
‫تتصف ترب العديد من الغابات املطرية بكوهنا تفتقر إىل العنـارص الغذائيـة‬
‫كالنرتوجني والفسفور‪ ،‬وذلك بسبب ترشحها مع مياه األمطار الغزيـرة باسـتمرار‪.‬‬
‫وقد أثارت هذه الشحة يف العنارص الغذائية يف ترب تلك الغابات لغـز ًا ّ‬
‫حـري علـامء‬
‫البي ئة يف حينها‪ .‬إذ كان أكثر ما يشغل باهلم هو كيف يمكن هلذه احلياة التي تزخر هبا‬
‫الغابات املطرية أن تدوم وتستمر يف مثل هـذه الـرتب الفقـرية بالعنـارص الغذائيـة‪.‬‬
‫واحلقيقة أن هناك عدة عوامل تسهم يف ديمومة هذا النشاط احليوي الزاخـر‪ .‬فجـاء‬
‫بحث نادكارين هذا ليكشف النقاب عـن واحـد مـن تلـك العوامـل‪ ،‬وهـو يتمثـل‬
‫بوجود خزين هائل من العنارص الغذائية يف قمم أشجار هذه الغابات املطرية‪.‬‬
‫هناك نوع من النباتات يعرف بالنباتات اهلوائية ‪ Epiphytes‬يرتبط وجودهـا‬
‫هبذه املستودعات الغذائية يف الغابات املطرية‪ .‬والنباتات اهلوائية‪ ،‬شأهنا شأن الكثـري‬
‫من النباتات السحلبية والرسخسيات‪ ،‬عبارة عن نباتات تنمو فوق أغصان وجذوع‬
‫غريها من النباتات‪ .‬عىل أن النباتات اهلوائية ليست طفيلية‪ ،‬فهي ال تسـتمد غـذائها‬
‫من نبات أخر تنمو عليه‪ ،‬بل أهنا تنمو فوق أغصان األشجار فقط ألجل حفظ املادة‬
‫العضوية‪ ،‬لتتحول فيام بعـد إىل مـا يشـبه احلصـرية‪ .‬ويأخـذ سـمك هـذه احلصـائر‬
‫باالزدياد حتى يصل إىل أكثر من ‪ 30‬سم‪ ،‬فتوفر بذلك تركيبة معقـدة تكـون داعـ ًام‬
‫حلياة كثري من املجتمعات النباتية واحليوانية‪.‬‬
‫حتتوي حصائر النباتات اهلوائية عىل كميات كبرية مـن العنـارص الغذائيـة‪.‬‬
‫وقدرت نادكارين بأن هذه الكميات يف بعض الغابات املدارية املطرية تعـادل تقريبـ ًا‬
‫نصف املحتوى الغذائي املوجود يف أوراق أعايل األشجار‪ .‬وتبني من بحـث العاملـة‬
‫نادكارين أيض ًا أن األشجار يف كل من الغابات املعتدلـة واملداريـة املطـرية تصـل إىل‬
‫هذه املستودعات الغذائية من طريق نشــر وتفريـع اجلـذور املمتـدة مـن جـذوعها‬

‫‪27‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وأغصاهنا بدء ًا من األرضية وصعود ًا إىل األعىل‪ .‬وحصيلة ملا قدمه لنا هذا البحـث‪،‬‬
‫فقد بات باملقدور اآلن فهم االقتصاد الغذائي يف الغابات املطرية‪.‬‬

‫منهج استالل املعلومات من سجالت حبوب اللقاح‬


‫(مثال تغير الغطاء النباتي)‬
‫إن األرض وما عليها من حياة يف حالة تغـري دائـم ومسـتمر‪ .‬عـىل أن أغلـب هـذه‬
‫التغريات املهمة إنام حتدث عرب فرتات زمنية طويلة وعرب مساحات مكانيـة شاسـعة‬
‫مما جيعل دراستها ومتابعتها أمـر ًا عسـري ًا‪ .‬إال أن هنالـك مـنهج جيعلنـا نستشــرف‬
‫العمليات الزمنية البعيدة واملكانية الشاسعة‪ ،‬ذلك هو منهج تفحص حبوب اللقـاح‬
‫املحفوظة يف رواسب البحريات‪.‬‬
‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬قامت مارغريت ديفز ‪ Margaret Davis‬ببحث ومتحيص‬
‫دقيقني لعينة حتتوي عىل حبوب لقاح مأخوذة من رواسب أحدى البحريات الواقعة‬
‫يف جبال األبالشيان بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬حيـث سـتكون حبـوب اللقـاح‬
‫هذه بمثابة وثيقة تعينها عىل أدراك التغريات التي اعرتت النباتات النامية عىل مقربة‬
‫من هذه البحرية عىل مر بضعة آالف مـن السـنني املاضـية‪ .‬والسـيدة ديفـز هـي يف‬
‫حقيقتهـا عاملــة يف جمــال البيئـات القديمــة خمتصــة بتحليـل ودراســة البيئــات عــىل‬
‫ال من عمرهـا وعملهـا‬ ‫املستويات املكانية والزمانية السحيقة‪ .‬وقد أفنت ردح ًا طوي ً‬
‫يف استقصاء التغريات التي طرأت عىل الغطاء النبايت إبان الزمن اجليولوجي الرابع‪،‬‬
‫السيام إبان الـ ‪ 20000‬سنة األخرية‪.‬‬
‫إن بعض حبوب اللقاح التي تنتجها النباتات النامية بجوار البحرية تسـقط‬
‫فوق سط البحرية وتغوص إىل األعامق ومن ثم تطمر مع رواسـب البحـرية‪ .‬وملـا‬
‫كانت رواسب البحرية ترجع يف أصوهلا إىل عدة قـرون‪ ،‬فـإن حبـوب اللقـاح هـذه‬
‫ال تارخيي ًا يدون أنواع النباتات التي عاشت هنـا‬
‫حتفظ بني طياهتا وتؤلف بذلك سج ً‬
‫وفصائلها‪ .‬وألن النباتات التي تغطي ضفاف البحرية تتعرض باستمرار للتغري‪ ،‬فأن‬

‫‪28‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مزيج حبوب اللقاح املحفوظ يف رواسب البحرية هذه يتعرض لليشء نفسه أيضـ ًا‪.‬‬
‫فمث ً‬
‫ال يرجع أول ظهور حلبوب اللقاح املتسـاقطة عـن أشـجار صـنوبرية مـن نـوع‬
‫البيسية ‪ Picea‬املوجودة يف الرواسب البحريية إىل حوايل ‪ 12000‬سـنة خلـت‪ ،‬أمـا‬
‫‪ ،Fagus‬فإن أول ظهور هلا يف‬ ‫الزان نوع ‪grandifolia‬‬
‫احلبوب املتساقطة عن أشجار ّ‬
‫الرواسب يمتد إىل نحو ‪ 8000‬سنة خلت‪ .‬فيام مل يظهر وجود حلبوب لقاح أشـجار‬
‫الكستناء يف تلك الرواسب أال منذ ‪ 2000‬سنة تقريب ًا‪ .‬لـذا باإلمكـان إعـادة كتابـة‬
‫تاريخ الغطاء النبايت عن أية منطقة من خالل تفحص حبـوب اللقـاح املحفوظـة يف‬
‫رواسب بحريات أخرى‪ .‬ومثلام فعلـت العاملـة‬
‫ديفز فقد كان لبعض أعامهلا قيمة كبرية يف إعادة‬
‫كتابة تاريخ الغابات النفضية يف اجلزء الشـرقي‬
‫من أمريكا الشاملية‪ ،‬وكشـفت عـن دور التغـري‬
‫املناخي يف تبدل ظروف تلك الغابات‪.‬‬
‫يمكن لحبوب اللقاح‪..‬‬
‫أن تكشف عمر غابات بأكملها‬

‫منهج االستفادة من دراسة التاريخ الطبيعي‬


‫(مثال متنزه شجرة المطر الوطني)‪:‬‬
‫هلذا املنهج‬ ‫‪Daniel Janzen‬‬ ‫املثال عىل ذلك هو انتهاج عامل البيئة دانيال جانزن‬
‫وإفادتـه من دراسة التاريخ الطبيعي يف الوصول إىل احلقائق العلمية‪ .‬كان جانزن‬
‫يطم إلعادة إحياء غابة متنزه شجرة املطر الوطني يف كوستاريكا‪ ،‬التي كانت يف‬
‫يوم من األيام تزخر باحلياة كام هي عليه الغابات املدارية املطرية تقريب ًا‪ ،‬أما اآلن فأهنا‬
‫تقارب اجلفاف بعدما فقدت العديد من أشجارها‪ ،‬السيام شجرة املطر‬
‫‪ .Enterobbium‬وحينام رشع هذا‬ ‫‪cyclocarpum‬‬ ‫‪ ،Guanacaste‬وهي من نوع‬
‫الباحث بدراسة أسباب تناقص أعداد هذه األشجار‪ ،‬الحظ وجود يشء مفقود يف‬
‫الغابة احلالية‪ .‬فمن خالل تفحصه ألرجاء هذه الغابة اجلرداء‪ ،‬مل يلم أي وجود‬

‫‪29‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫حليوانات حملية قادرة عىل بعثرة بذور شجرة املطر‪ .‬ذلك أن شجرة املطر هذه‪ ،‬وهي‬
‫عضو من عائلة البازالء‪ ،‬تنتج ثامر ًا عىل شكل أقراص يبلغ قطر الواحدة منها ‪10‬‬
‫سم ويرتاوح سمكها من ‪ 4‬إىل ‪ 10‬ملم‪ .‬ويصل إنتاج كل شجرة كبرية منها سنوي ًا‬
‫إىل أكثر من ‪ 5000‬ثمرة‪ ،‬إذ تسقط عىل األرض بعد نضوجها‪.‬‬
‫لقد أستطاع جانزن‪ ،‬بالرجوع إىل‬
‫سجالت التاريخ الطبيعي‪ ،‬فهم العمليات‬
‫احليوية التي سببت توقف شجر املطر عن‬
‫التكاثر‪ .‬فقد ظهر أن هذه املنطقة كانت تزخر‬
‫يف السابق بوجود حيوانات ضخمة عاشبة‬
‫قاد تتبع التاريخ الطبيعي لشجرة المطر‬
‫إلى إعادة إحياء غابة مدارية من جديد‬ ‫كاجلامل واخليول الربية‪ ،‬التي تقتات مع العشب‬
‫عىل البذور املتساقطة ألشجار املطر‪ ،‬ومن ثم تسهم يف نرشها من طريق الرباز الذي‬
‫تطرحه أو من طريق بعثرهتا بحوافرها عند جتواهلا يف املنطقة‪ .‬عىل أن هذه احليوانات‬
‫أبيدت وانقرضت منذ ما يقرب من ‪ 10000‬سنة خلت‪ ،‬ولعل لعمليات الصيد‬
‫املفرط التي كان يقوم هبا اإلنسان يف ذلك الوقت دور ًا يف ذلك‪ .‬وبذلك ظلت‬
‫أشجار املطر تطرح سنوي ًا آالف ًا من بذورها غري أهنا ال جتد من يساعد عىل نرشها‬
‫عرب أرض الغابة‪ .‬فأدرك جانزن القيمة العملية للامشية يف بعثرة البذور ونرشها وقام‬
‫بضمها إىل خطته إلعادة تأهيل الغابة املدارية يف متنزه شجر املطر الوطني‬
‫بكوستاريكا‪ .‬وبالفعل بدأت الغابة اليوم تستعيد عافيتها بعد إدخال حيوانات‬
‫املاشية واخليول إليها‪ ،‬إذ أهنا تقوم بدور فاعل يف تكاثر شجر املطر عرب أرجاء الغابة‪.‬‬
‫إن سعة وعمق النظرة التي يقدمها التاريخ الطبيعي‪ ،‬متـن البـاحثني رؤيـة‬
‫واضحة يستطيعوا من خالهلا النفاذ إىل ما وراء رؤية األشياء الظاهرية‪ .‬فمن خـالل‬
‫عدسات التاريخ الطبيعي‪ ،‬يمكن مدّ النظر إىل ما وراء اعتبار بعض احليوانات جمـرد‬
‫كائنات متطفلة‪ ،‬بل اعتبارها حيوانات أساسية إلعادة إحياء نظام بيئي بكاملـه‪ .‬ويف‬

‫‪30‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مثال جانزن‪ ،‬مل يبادر أي شخص من قبله إىل مالحظـة غيـاب هـذه احليوانـات ومل‬
‫يلحظ أحد أثرها البيئي املهم عىل حياة الغابات املدارية‪ ،‬ولكن باإلفادة من مراجعة‬
‫التاريخ الطبيعي حقق ما يصبوا إليه‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ -1‬ما الركزتني األساسيتني يف تعريف علم البيئة وما العنرص املشرتك بينهام‬
‫‪ -2‬بام يتميز علم البيئة عن غريه من العلوم‬
‫‪ -3‬ما الفروقات اجلوهرية بني علم بيئة الفرد وعلم بيئة اجلامعة‬
‫‪ -4‬أرسم خمططات انسيابية لتقسيم علم البيئة إىل أقسام متعددة أكثر تفصي ً‬
‫ال مبنيـة‬
‫عىل أسس علمية خمتلفة‪.‬‬
‫‪ -5‬من هم مؤسسو علم البيئة من القدامى واملتـأخرين ومـا هـي مسـامهات كـل‬
‫واحد منهم يف تطوير علم البيئة‬
‫‪ -6‬ملاذا يتصف جمال علم البيئة بالتعقيـد ومـا هـي مسـتويات أو نطاقـات جمالـه‬
‫اجلغرايف‬
‫‪ -7‬أذكر مناهج البحث احلديثة يف علم البيئة‪ ،‬مع اإلشارة إىل احلقائق العلمية التـي‬
‫خلـص إجابتـك بصـيغة‬
‫ّ‬ ‫توصل إليها بعض الباحثني بفضل تطبيقهم هلذه املنـاهج‪.‬‬
‫نقاط واضحة‪.‬‬
‫‪ -8‬بامذا يمكن أن تنفعك دراسة علم البيئة يف حياتك اليومية أورد أمثلـة تطبيقيـة‬
‫عن ذلك‪ ،‬بام تستطيع‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪31‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل الثاني‬
‫مفاهيم أساسية في علم البيئة‬
‫يعرض هذا الفصل إىل جمموعة مفاهيم أساسية ذات صلة بعلم البيئة‪ .‬إذ نتعرف‬
‫أوالً عىل مكونات البيئة‪ ،‬ذلك أن معرفتها يعد أمر ًا رضوري ًا لفهم التفاعالت‬
‫احليوية الدائرة ضمن النظام البيئي‪ .‬وسيتم أيض ًا إيضاح مفهوم النظام البيئي‬
‫وتفاعالته والدورات الكربى اجلارية يف أطاره‪ .‬هذا إضافة إىل رشح مفاهيم أخرى‬
‫مثل رسيان الطاقة والعنارص الغذائية يف البيئة والسالسل والشبكات الغذائية‬
‫والتعاقب والثبات‪.‬‬

‫املكونات البيئية‬
‫تتكون البيئة احلياتية من جمموعة مكونات يكمل بعضها األخر‪ .‬وقد أرشنا يف‬
‫الفصل السابق إىل أن املجال البيئي يتألف من تنظيم هرمي متباين النطاق واملستوى‬
‫(أنظر الشكل ‪ .)1 – 3‬وفيام ييل تعريف لبعض املكونات البيئية األساسية‪.‬‬

‫الغالف الحياتي‬
‫يعد الغالف احليايت ‪ Biosphere‬الوحدة األكرب ضمن‬
‫التنظيم البيئي‪ .‬وتعيش ضمن هذا الغالف كل أنواع‬
‫الكائنات احلية (النباتات‪ ،‬احليوانات‪ ،‬األحياء‬
‫املجهرية‪ ..‬الخ)‪ .‬وهو يشتمل عىل أجزاء من الغالف‬
‫‪Hydrosphere‬‬ ‫والغالف املائي‬ ‫‪Atmosphere‬‬ ‫اجلوي‬
‫الغالف الحياتي‪ ..‬وأقسامه األساسية‬ ‫وأجزاء من الغالف الصخري (الرتبة) ‪،Lithosphere‬‬
‫‪ .Ecosphere‬ويعد‬ ‫وتوجد من ضمنه أيض ًا املواطن الطبيعية والبيئات البرشية‬

‫‪32‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الغالف احليايت غالف ًا رقيق ًا ال تتعدى سامكته يف اإلمجال ‪ 20‬كم‪ ،‬منها حوايل‬
‫‪ 10 – 8‬كم فوق سط األرض والباقي يمتد إىل أعمق نقطة يف قيعان املحيطات‪.‬‬
‫وعىل سبيل املقارنة‪ ،‬يبلغ نصف قطر األرض حوايل ‪ 12.700‬كم‪ ،‬وهو ما يزيد‬
‫بنحو ‪ 600‬مرة عن سامكة الغالف احليايت‪ .‬فإذا ما اعتربنا أن األرض تفاحة‪ ،‬فأن‬
‫الغالف احليايت هو بالضبط قرشة هذه التفاحة‪ .‬وتتباين الكائنات احلية يف توزيعها‬
‫اجلغرايف فوق هذا الغالف‪ ،‬كام أن معظمها ال يعيش إال ضمن سمك بضع أمتار من‬
‫سط اليابسة أو املحيطات‪.‬‬

‫اإلقليم االحيائي‬
‫عبارة عن‬ ‫‪Biome‬‬ ‫االقليم االحيائي‬
‫وحدة بيئية كبرية احلجم تتصف‬
‫بوجود جماميع نباتية وحيوانية وظروف‬
‫بيئية خاصة (كاملناخ‪ ،‬الرتبة‪ ،‬املياه‪)..‬‬
‫ختتلف هبا عن غريها من األقاليم‪.‬‬
‫وتتضمن االقاليم االحيائية الكربى‬
‫تضفي االقاليم االحيائية‪ ..‬تنوع ًا بيئي ًا لكوكب األرض‬
‫الغابات املدارية املطرية والغابات‬
‫املعتدلة والغابات النفضية والغابات الصنوبرية واحلشائش والصحاري احلارة‬
‫والباردة والتندرا‪ ،‬موزعة بشكل متباين عىل سط األرض مثلام يظهر ذلك من‬
‫الشكل ‪.2 – 1‬‬
‫هناك من الباحثني من يصنف االقاليم االحيائية إىل أخرى جمهرية أو حملية‪.‬‬
‫فمثالً‪ ،‬يعد جسم اإلنسان بالنسبة للميكروبات هو إقليمها وعاملها احليايت‪ .‬وعىل‬
‫العموم‪ ،‬تؤدي األقاليم االحيائية دور ًا مه ًام يف تفعيل الكيمياء احليوية لبيئة كوكب‬
‫األرض‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)2 – 1‬التوزيع اجلغرايف لألقاليم االحيائية الرئيسة فوق سط األرض‪.‬‬

‫النظام البيئي‬
‫(ظهرت‬ ‫‪Ecosystem‬‬ ‫يعرف النظام البيئي‬
‫تسميته عىل يد العامل األملاين آرثر تانسيل يف العام‬
‫‪ )1935‬أنه عبارة عن كيان طبيعي معقد ضمن‬
‫حيز معني‪ ،‬وعادة ما يكون أصغر من االقليم‬
‫االحيائي من ناحية الكثافة واحلجم واملساحة‪.‬‬
‫النظام البيئي مترابط ومتوازن‪ ..‬وهو تفاعل‬
‫متناغم بين الموجودات الحية وغير الحية‬ ‫ويضم جمموعات حية ‪( Biotic‬نباتية وحيوانية)‬
‫ّ‬
‫ومعامل طبيعية غري حية ‪( Abiotic‬مياه‪ ،‬تربة‪ ،‬تضاريس‪ ،‬مناخ‪ .)..‬وتسعى الكائنات‬
‫احلية‪ ،‬ضمن أي نظام بيئي‪ ،‬إىل التفاعل مع املكونات احلياتية والطبيعية للبيئة التي‬
‫تعيش فيها بقصد التكيف معها من أجل البقاء‪ .‬ولذا غالب ًا ما تتصف النظم البيئية‬
‫بالتعقيد‪ ،‬ألن عملية التفاعل التي تقوم هبا األحياء تشكل أنامط ًا حياتية تتباين مكاني ًا‬
‫وزماني ًا‪ ،‬وهذا التباين يفيض يف املحصلة النهائية إىل رضب خاص من التنوع‬
‫االحيائي ‪ .Biodiversity‬وطاملا أن النظام البيئي الواحد مكون من جمموعة حلقات‬

‫‪34‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مرتابطة ببعضها بشكل وثيق ومتوازنة بشكل دقيق‪ ،‬فأن فقدان أية حلقة من هذه‬
‫احللقات ألسباب تتعلق بتلوث أو تدمري موطن طبيعي أو تدهور بيئي‪ ،‬يقود حت ًام‬
‫إىل اختالل توازن الطبيعة ووقوع مشكالت بيئية عدة‪.‬‬

‫املجتمع االحيائي والجماعة والكائن الحي‬


‫يف الوقت الذي يضم فيه النظام البيئي كل من املكونات احلية وغري احلية‪ ،‬فأن‬
‫املجتمع االحيائي ال يضم سوى املكونات احلية‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬فأن املقصود باملجتمع‬
‫االحيائي ‪ Living community‬هو كل الكائنات احلية التي تعيش متفاعلة يف منطقة‬
‫من املناطق‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬متثل السالحف واالسامك والنباتات والطحالب‬
‫والبكرتيا التي تعيش يف بركة من الربك جمتمع ًا قائ ًام بذاته‪ .‬وبالرغم من كون املجتمع‬
‫أصغر من النظام البيئي‪ ،‬فأنه يتصف بالتعقيد الشديد أيض ًا‪ ،‬إذ يمكن أن حيتوي‬
‫املجتمع الواحد عىل آالف األنواع من الكائنات احلية‪ .‬وغالب ًا ما يركز علامء البيئة يف‬
‫دراستهم للمجتمعات االحيائية عىل كيفية تفاعل الكائنات وعىل كيفية تأثري هذه‬
‫التفاعالت يف طبيعة املجتمع‪ .‬ويتطلب فهم املجتمع االحيائي حتليل الروابط ما بني‬
‫املنتجات واملستهلكات وبني املفرتسات والفرائس املوجودة ضمن املنطقة اجلغرافية‬
‫نفسها‪ ،‬وكذلك فهم الشبكات الغذائية ومستوياهتا الرابطة بني الكائنات احلية‪.‬‬
‫بعد املجتمع‬ ‫‪Population‬‬ ‫تأيت اجلامعة‬
‫االحيائي يف مستوى التنظيم البيئي‪ ،‬ويقصد هبا‬
‫كل األفراد املنتمية إىل جنس أو نوع معني‬
‫وتعيش ضمن مكان وزمان معينني‪ ،‬وعادة ما‬
‫تتصف بعالقات متناغمة فيام بينها وبني بيئتها‪.‬‬
‫تتكون الجماعة من كائنات تنتمي للنوع نفسه‬
‫وتعيش ضمن المنطقة نفسها‬ ‫ومثال ذلك حقل من الزهور الربية أو قطيع من‬
‫اجلواميس األفريقية أو رسب من طيور البجع املهاجرة‪ ..‬الخ‪ .‬وختضع اجلامعة‬
‫عموم ًا إىل سلوكيات خاصة بكل منها وإىل قوانني حتكم تكاثرها ونموها‬

‫‪35‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وانتشارها‪ .‬ومن أشهر قوانني نمو اجلامعة‪ ،‬هو قانون مالثوس (نسبة إىل مبتكره‬
‫توماس مالثوس ‪ )Thomas Malthus‬الذي ينص عىل أن "اجلامعة تتكاثر طردي ًا‬
‫طاملا ظلت البيئة التي تعيش فيها بال تغيري"‪ .‬وذلك عىل وفق املعادلة التالية‪:‬‬
‫‪P(t) = P0ert‬‬
‫حيث أن‪:‬‬
‫حجم اجلامعة (السكان) األساس = ‪P0‬‬
‫معدل نمو اجلامعة = ‪r‬‬
‫الزمن = ‪t‬‬
‫عل ًام أن نمو اجلامعة يتوقف بالدرجة الرئيسة عىل متغريات مثل الوالدات والوفيات‬
‫واهلجرة الوافدة واخلارجة‪ ،‬وأيض ًا عىل سعة التحمل ‪ Carrying capacity‬الالزمة‬
‫الستيعاب حجم مجاعة ما عىل وفق ما متوفر من متطلبات معيشتها يف البيئة‪.‬‬
‫أما الكائن احلي ‪ Organism‬فهو أصغر مكون من املكونات البيئية‪ ،‬ويكون‬
‫مرادف ًا ملصطل نوع احيائي ‪ .Species‬ويركز الباحثون الذي يتناولون دراسة كائن‬
‫حي ما‪ ،‬عىل مسألة التكيفات التي تبدهيا الكائنات احلية ملواجهة التحديات البيئية‬
‫التي تطرأ عليها‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬فأن الكائنات احلية تتباين عن بعضها البعض من ناحية‬
‫السلوك والطريقة التي تنتهجها للتكيف والتأقلم مع التغريات احلاصلة يف بيئتها‪،‬‬
‫فلكل نوع منها أسلوبه اخلاص يف العيش والتكيف مع هذه البيئة أو تلك‪.‬‬

‫بيئة عيش الكائن الحي‬


‫لكي يتواجد الكائن احلي ويستمر بالبقاء‪ ،‬فالبد من وجود بيئة حتتضنه ومتده‬
‫بأسباب العيش‪ .‬واملقصود هنا بلفظة البيئة ‪ Environment‬كل ما حييط بالكائن احلي‬
‫من عنارص وعوامل حية وغري حية تؤثر فيه وتتأثر به ضمن حيز مكاين معني‪ .‬وعىل‬
‫هذا‪ ،‬تنقسم بيئات عيش الكائن احلي إىل قسمني رئيسني‪ :‬املوطن الطبيعي واملوئل‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املوطن الطبيعي‬
‫يقصد باملوطن الطبيعي ‪ Habitat‬البيئة املناسبة التي يتواجد يف ظلها نوع معني من‬
‫الكائنات احلية ويتحدد بموجبها نوع املجتمع االحيائي‪ .‬ويقصد باملوطن الطبيعي‬
‫أيض ًا أنه تلك املنطقة التي تتوافر فيها جمموعة‬
‫من املتغريات والعنارص البيئية احلية وغري احلية‬
‫املالئمة ملعيشة نوع ما من الكائنات احلية‪ ،‬وتؤثر‬
‫يف تواجدها بشكل مبارش أو غري مبارش‪،‬‬
‫وبخالف تلك املوائمة يف العنارص البيئية يعجز‬
‫تستطيع النباتات والحيوانات العيش في الموطن‬
‫الطبيعي نفسه‪ ..‬إال أن لكل منها موئله الخاص‬ ‫الكائن احلي العيش بصورة سليمة‪.‬‬
‫قد يكون املوطن الطبيعي عبارة عن بيئة مائية أو برية‪ ،‬ويمكن أن يتجزأ إىل‬
‫بيئات متنوعة عدة (هنر‪ ،‬بحرية‪ ،‬بحر‪ ...‬صحراء‪ ،‬غابة‪ ،‬جبل)‪ .‬وتفيض التحوالت‬
‫يف بيئة املوطن الطبيعي إىل تغيري رشوط املنافسة داخل اجلامعة نفسها التي من نوع‬
‫معني‪ ،‬ومن ثم القيام بتغيري أشكاهلا قياس ًا بجامعات أخرى من النوع نفسه تعيش يف‬
‫بيئات خمتلفة‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬للسحايل االستوائية (نوع ‪)Tropidurus hispidus‬‬
‫أجسام مفلطحة ختتلف هبا عن السحايل التي تعيش يف إقليم السفانا املفتوح‪ ،‬وذلك‬
‫ألن اجلسم املفلط يمنحها ميزة االختباء وسط شقوق الصخور أو األشجار‪.‬‬
‫ويشهد تاريخ تطور احلياة عىل حدوث عدة حتوالت يف املواطن الطبيعية‪ .‬فمثالً‬
‫هنالك كثري من الربمائيات واحلرشات قد حولت موطنها الطبيعي من بيئة مائية إىل‬
‫أخرى برية‪ ،‬األمر الذي يؤكد ديمومة التغري يف الطبيعة‪.‬‬

‫املوئـل‬
‫املوئل ‪ Niche‬هو حيز مكاين أضيق من املوطن الطبيعي‪ ،‬ويعرف بأنه املوضع الذي‬
‫تتوفر فيه ظروف وعنارص حية وغري حية متدّ أي نوع من الكائنات احلية بأسباب‬
‫البقاء وحتافظ عىل استقرار نموه‪ .‬وتتكيف الكائنات احلية مع موئلها بشكل أفضل‬

‫‪37‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫من تكيفها للموطن الطبيعي‪ ،‬ألهنا ال تستطيع أن تتواجد أو تعيش مرة واحدة مع‬
‫كل أجزاء موطنها الطبيعي األوسع نطاق ًا‪ .‬وحيتوي املوئل عىل جمموعة من الظروف‬
‫التي حيبذها الكائن احلي‪ ،‬وكذلك عىل املوارد التي يستخدمها‪ ،‬والوسائل التي‬
‫يستطيع بواسطتها احلصول عىل تلك املوارد‪ .‬كام يتضمن املوئل عىل ذرية الكائن‬
‫احلي وعىل زمن تكاثره وعىل كل التفاعالت األخرى مع بيئته‪.‬‬
‫هناك ما يسمى بالعواميات ‪ Generalists‬وهي الكائنات التي تتمتع بموائل‬
‫واسعة النطاق‪ ،‬بحيث يمكنها العيش حتت خمتلف الظروف واملوارد‪ .‬ومثال ذلك‬
‫حيوان أبوسوم فرجينيا (من فصيلة اجلرابيات)‪ ،‬فهو حيوان يطيق العيش يف خمتلف‬
‫أنحاء الواليات املتحدة‪ ،‬إذ أنه يستطيع أكل أي يشء تقريب ًا بدء ًا من البيض‬
‫والفواكه والنباتات وانتها ًء باحليوانات امليتة‪ .‬وعىل نقيض ذلك‪ ،‬فأن هنالك كائنات‬
‫ال يمكنها العيش إال يف موئل ضيق جد ًا تسمى باخلصوصيات ‪ .Specialists‬ومثاهلا‬
‫حيوان الكواال االسرتايل الذي ال يتغذى إال عىل أوراق نوع معني من شجر‬
‫اليوكالبتوس‪.‬‬
‫هناك أيض ًا من الكائنات من يتنقل عرب أكثر من موئل خالل مراحل حياته‬
‫ال تتغذى يرقات الفراش عىل أوراق النباتات‪ ،‬لكنها حني تغدو فراش ًا‬
‫املختلفة‪ .‬فمث ً‬
‫يافع ًا فأن رحيق الزهور يصب غذائها الرئيس‪.‬‬

‫الكائنات الناقلة للطاقة عبر النظام البيئي‬


‫سبق القول أن النظام البيئي عبارة عن شبكة غاية يف التعقيد من املكونات‬
‫والعالقات احليوية وغري احليوية‪ .‬وأن هذا النظام ال يمكن أن يتحرك ويدوم دون‬
‫وجود طاقة تغذي مفاصله املختلفة‪ .‬لذا حتتاج مجيع الكائنات احلية إىل الطاقة من‬
‫أجل أداء وظائفها األساسية‪ ،‬كالنمو واحلركة واإلدامة واإلصالح والتكاثر‪ .‬وتنتقل‬
‫الطاقة‪ ،‬يف أي نظام بيئي‪ ،‬من الشمس إىل الكائنات ذاتية التغذية‪ ،‬ثم إىل الكائنات‬

‫‪38‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫احلية التي تتغذى عىل الكائنات ذاتية التغذية‪ ،‬ومن ثم إىل كائنات تتغذى عىل غريها‬
‫من الكائنات‪ .‬عل ًام أن كمية الطاقة التي يتلقاها النظام البيئي وتلك التي تنتقل من‬
‫كائن ألخر تؤثر يف بنية ذلك النظام بشكل أو أخر‪.‬‬
‫عىل هذا‪ ،‬تتمثل يف الشكل (‪ )2 – 2‬الكائنات األساسية املكونة آللية انتقال‬
‫الطاقة عرب النظام البيئي‪ ،‬وهي تشمل ما ييل‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 2‬الكائنات الناقلة للطاقة عرب النظام البيئي‪.‬‬


‫ُ‬
‫املنتجات‬
‫تقوم الكائنات ذاتية التغذية ‪ ،Autotrophs‬املتمثلة بالنباتات وبعض األنواع من‬
‫وحيدات اخللية والبكرتيا‪ ،‬بصنع غذائها من تلقاء نفسها‪ .‬وملا كانت هذه األحياء‬
‫تلجأ إىل اكتساب الطاقة ومن ثم تستعملها يف تكوين جزيئات عضوية‪ ،‬لذا دعيت‬
‫باملنتجات ‪ .Producers‬واجلزيئات العضوية هذه عبارة عن جزيئات يشكل‬
‫الكربون قوامها األساس‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تعتمد معظم املنتجات يف صنع غذائها عىل عملية الرتكيب الضوئي‬


‫‪ ،Photosynthesis‬ولذا فأهنا تستخدم الطاقة الشمسية إلنتاج الغذاء‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فأن بعض البكرتيا ذاتية التغذية قد تقوم بعملية صنع غذائها كيمياوي ًا‬
‫‪ ،Chemosynthesis‬إذ تستخدم الطاقة املخزونة يف اجلزيئات الالعضوية لغرض‬
‫إنتاج الكربوهيدرات‪ .‬ويف حالة النظم البيئية الربية‪ ،‬عاد ًة ما تكون النباتات هي‬
‫املنتجات الرئيسة‪ .‬أما يف النظم البيئية املائية‪ ،‬فأن وحيدات اخللية والبكرتيا هي‬
‫املنتجات الرئيسة يف الغالب‪.‬‬

‫قياس اإلنتاجية االحيائية‬


‫‪Biological‬‬ ‫ثمة مفهوم مهم يتعلق باملنتجات‪ ،‬يسمى باإلنتاجية االحيائية‬
‫‪Gross‬‬ ‫‪ .productivity‬وقد تكون هذه اإلنتاجية عىل شكل إنتاجية أولية إمجالية‬
‫‪ ،primary productivity‬واملقصود هبا معدل حصول املنتجات يف نظام بيئي ما عىل‬
‫الطاقة الشمسية إلنتاج مركّبات عضوية‪ .‬فالكائنات املنتجة املعتمدة عىل عملية‬
‫التمثيل الضوئي تقوم باستخدام الطاقة وثنائي أكسيد الكربون لصنع السكر‪ ،‬وهو‬
‫جزيئي عضوي غني بالطاقة‪ .‬وخيصص جزء من هذا السكر لتنفس اخلاليا‪ ،‬وجزء‬
‫لإلدامة واإلصالح‪ ،‬فيام يستخدم جزء أخر لصنع مواد عضوية جديدة ألجل النمو‬
‫أو التكاثر‪ .‬ويطلق علامء البيئة عىل املادة العضوية املوجودة يف النظام البيئي أسم‬
‫الكتلة احليوية ‪ .Biomass‬إذ تقوم املنتجات بإضافة كتلة حيوية إىل النظام البيئي من‬
‫طريق صنع جزيئات عضوية‪.‬‬
‫ال يتوفر للكائنات احلية األخرى يف النظام البيئي غري الطاقة املختزنة يف‬
‫الكتلة احليوية فقط‪ .‬ولذا غالب ًا ما يلجأ علامء البيئة إىل قياس معدل تراكم الكتلة‬
‫احليوية‪ ،‬الذي يدعى بصايف اإلنتاجية األولية ‪ .Net primary productivity‬ويعرب‬
‫هذا االصطالح عن وحدات الطاقة مقاسة بوحدة املساحة يف السنة (كيلو سعرة‬
‫حرارية‪/‬م ‪/‬سنة) أو مقاسة بوحدات كتلة عضوية جافة لكل وحدة مساحية يف‬ ‫‪2‬‬

‫‪40‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫السنة (غم‪/‬م ‪/‬سنة)‪ .‬ويساوي صايف اإلنتاجية األولية إمجايل اإلنتاجية األولية‬ ‫‪2‬‬

‫مطروح ًا من معدل التنفس لدى الكائنات املنتجة‪.‬‬


‫يبني الشكل (‪ )2 - 3‬إمكانية تباين صايف اإلنتاجية األولية تباين ًا كبري ًا بني‬
‫النظم البيئية‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬يزداد معدل صايف اإلنتاجية األولية يف غابة مدارية‬
‫بمقدار ‪ 25‬ضعف ًا عام عليه يف صحراء باحلجم نفسه‪ .‬وعىل الرغم من أن الغابات‬
‫املدارية ال تشغل سوى ‪ 5‬باملائة من مساحة سط الكوكب‪ ،‬فأهنا تنتج ما يقارب‬
‫‪ 30‬با ملائة من صايف اإلنتاجية األولية يف العامل‪ .‬ويؤدي التباين يف ثالثة عوامل‬
‫أساسية ــ الضوء ودرجة احلرارة والتساقط ــ إىل التباين يف اإلنتاجية بني النظم‬
‫البيئية الربية‪ .‬إذ أن أية زيادة يف هذه املتغريات تفيض يف العادة إىل زيادة يف اإلنتاجية‪،‬‬
‫والعكس صحي ‪ .‬أما يف النظم البيئية املائية‪ ،‬فعامالن فقط يتحكامن باإلنتاجية‪ ،‬مها‪:‬‬
‫الضوء ووفرة العنارص الغذائية‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 3‬مقارنة معدالت صايف اإلنتاجية األولية عرب نظم بيئية خمتلفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫املستهلكات‬
‫إن كل احليوانات‪ ،‬ومعظم الكائنات االحادية اخللية‪ ،‬ومجيع الفطريات‪ ،‬وأغلب‬
‫البكرتيا تعد من الكائنات غري ذاتية التغذية ‪ .Heterotrophs‬إذ ال تستطيع هذه الفئة‬
‫من الكائنات‪ ،‬عىل خالف الكائنات ذاتية التغذية‪ ،‬صنع غذائه بنفسها‪ .‬إنام تلجأ‬
‫عوض ًا عن ذلك للحصول عىل الطاقة من طريق التهام كائنات أخرى أو التغذي‬
‫عىل فضالت عضوية‪ .‬وعىل هذا يمكن القول أن الكائنات غري ذاتية التغذية هي‬

‫‪41‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫بمثابة مستهلكات ‪ .Consumers‬إذ حتصل عىل الطاقة بفعل استهالك اجلزيئات‬


‫العضوية التي تصنعها كائنات غريها‪ .‬ويمكن تصنيف املستهلكات عىل أساس نوع‬
‫تأكل الكائنات‬ ‫‪Herbivores‬‬ ‫الطعام الذي تأكله‪ .‬فهناك كائنات مستهلكة عاشبة‬
‫املنتجة املتمثلة باألعشاب واحلشائش‪ ،‬ومثال ذلك األرانب واالغنام والغزالن‬
‫واجلواميس‪ ..‬الخ‪ .‬وهناك كائنات مستهلكة المحة ‪ Carnivores‬تتغذى عىل غريها‬
‫من املستهلكات‪ ،‬مثل األسود والذئاب واألفاعي وحرشة فرس النبي‪ .‬وهناك أيض ًا‬
‫كائنات مستهلكة خمتلطة التغذية (أعشاب وحلوم) ‪ ،Omnivores‬تتغذى عىل‬
‫املنتجات واملستهلكات يف آن واحد‪ ،‬ومثاهلا الدب األمريكي الذي يتنوع غذائه من‬
‫ثامر شجر التوت إىل أسامك السلمون‪.‬‬
‫التي تشكل‬ ‫‪Detritivores‬‬ ‫تتضمن قائمة املستهلكات أيض ًا ّ‬
‫القاممات‬
‫"القاممة" املوجودة يف أي نظام بيئي طعامها الرئيس‪ .‬وقد تشمل هذه القاممة أو‬
‫الفضالت ج ّيف حيوانية أو أوراق نباتية متساقطة أو براز حيوانات أخرى‪ .‬وتعد‬
‫القاممة‪ .‬وتعد البكرتيا‬
‫النسور والضباع من األمثلة البارزة عن احليوانات ّ‬
‫القاممات أيض ًا لكوهنا تتسبب بتفسخ وحتلل اجلزيئات املعقدة‬
‫والفطريات من ّ‬
‫وحتويلها إىل جزيئات ذات تركيبة أكثر بساطة‪ .‬ولذا فأهنا عاد ًة ما تسمى باملحلالت‬
‫‪ .Decomposers‬وتقوم املحلالت بامتصاص بعض اجلزيئات املتفككة من جراء‬
‫عملية التفسخ‪ ،‬فيام يعود بعض هذه اجلزيئات إىل الرتبة أو املياه‪ .‬وتعمل املحلالت‬
‫أيض ًا عىل هتيئة العنارص الغذائية التي تتضمنها املواد املتفسخة وإعادهتا جمدد ًا إىل‬
‫الكائنات ذاتية التغذية املوجودة ضمن نظام بيئي معني‪ .‬هلذا‪ ،‬فأن عملية التحلل إنام‬
‫هي عبارة عن تدوير للعنارص الغذائية الكياموية يف الطبيعة (أنظر الشكل ‪.)2 – 2‬‬

‫مسارات سريان الطاقة عبر النظام البيئي‬


‫حينام يتغذى كائن حي عىل أخر‪ ،‬جيري تأييض اجلزيئات العضوية ومن ثم عملية‬
‫انتقال للطاقة‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ترسي الطاقة وتتدفق عرب النظام البيئي‪ ،‬منتقلة من‬

‫‪42‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املنتجات إىل املستهلكات‪ .‬ولكي نستطيع تعقب مسار رسيان الطاقة عرب نظام بيئي‬
‫معني‪ ،‬البد من ترتيب الكائنات بحسب مستويات حصوهلا عىل الطاقة‪ ،‬وهو ما‬
‫يعرف باملستوى الغذائي ‪ .Trophic level‬إذ يشري هذا املستوى إىل موقع الكائن‬
‫احلي ضمن سلسلة رسيان الطاقة‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬تنتمي مجيع الكائنات املنتجة‬
‫إىل املستوى الغذائي األول‪ .‬وتكون الكائنات غري ذاتية التغذية (العواشب‬
‫خصوص ًا) ضمن املستوى الغذائي الثاين‪ ،‬فيام تقع املفرتسات (اللواحم) ضمن‬
‫املستوى الغذائي الثالث‪ .‬وتتصف معظم األنظمة البيئية الربية بوجود ثالثة أو‬
‫أربعة مستويات غذائية‪ ،‬يف حني قد يصل العدد إىل أكثر من ذلك يف حالة النظم‬
‫البيئية البحرية‪.‬‬
‫السالسل والشبكات الغذائية‬
‫السلسلة الغذائية ‪ Food chain‬عبارة عن مسار منفرد من العالقات التغذوية القائمة‬
‫بني جمموعة من الكائنات احلية ضمن نظام بيئي ما‪ ،‬األمر الذي يؤدي باملحصلة‬
‫النهائية إىل رسيان الطاقة وانتقاهلا عرب حلقات هذه السلسلة‪ .‬ومثلام يبني الشكل‬
‫(‪ ، )2 – 4‬قد تبدأ احللقة األوىل من السلسلة الغذائية بعشبة نباتية معينة‪ ،‬التي متثل‬
‫هنا منتج ًا أولي ًا‪ .‬وتستمر لتصل إىل كائن مستهلك هلذه العشبة‪ ،‬كأن يكون مثالً‬
‫ال هنا مستهلك ًا‬
‫جندب ًا‪ ،‬ويمثل هنا مستهلك ًا أولي ًا‪ .‬ثم تصل إىل فأر يأكل اجلندب‪ ،‬ممث ً‬
‫ثانوي ًا‪ .‬وتنتهي السلسلة بمستهلك ثالثي الحم يتغذى عىل الفأر‪ ،‬كأن يكون بومة‬
‫مثالً‪.‬‬
‫عاد ًة ما تتسم العالقات التغذوية يف أي نظام بيئي بالتعقيد الشديد‪ ،‬بخالف‬
‫البساطة التي تبدو عليها السلسلة الغذائية ذات املسار الواحد‪ .‬ذلك ألن العديد من‬
‫املستهلكات إنام تتغذى عىل أكثر من نوع واحد من الطعام‪ .‬فض ً‬
‫ال عن هذا‪ ،‬فأن‬
‫هناك كثري من الكائنات احلية تتغذى عىل كائنات من نفس نوعها وجنسها‬
‫وفصيلتها‪ .‬ولذا تتصف العديد من السالسل الغذائية بتشابكها مع بعض‪ ،‬حتى أن‬

‫‪43‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫شكل مرتسم العالقات التغذوية الرابطة بني مجيع األحياء ضمن النظام البيئي أشبه‬
‫ما يكون بشبكة (أنظر املقارنة يف الشكل ‪ .)2 – 4‬وهلذا يدعى جمموع السالسل‬
‫الغذائية املرتابطة ببعض ضمن نظام بيئي معني بالشبكة الغذائية ‪.Food web‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 4‬مقارنة بني السلسلة الغذائية املنفردة والشبكة الغذائية املرتابطة ضمن نظام بيئي بري‪.‬‬

‫يمكن القول‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬أنه كلام ازدادت أطوال السالسل الغذائية كلام‬
‫يضمها‪ ،‬يف مقابل‬
‫ّ‬ ‫ازداد تعقيد شبكاهتا ومن ثم تضخم حجم النظام البيئي الذي‬
‫تناقص الطاقة عند كل مستوى غذائي تعاقبي‪ .‬ولذا غالب ًا ما ينتاب السالسل‬
‫الغذائية الطويلة حالة من عدم االستقرار‪ .‬هذا وينتفع علامء البيئة من جراء تعقبهم‬
‫للسالسل والشبكات الغذائية يف دراسة تسمم البيئات ويف تتبع مسارات امللوثات‬
‫البيئية وتراكمها يف األحياء‪.‬‬

‫انتقال الطاقة‬
‫يبني الشكل ‪ 2 – 5‬كمية الطاقة املختزنة بصيغة مادة عضوية يف كل مستوى غذائي‬
‫ضمن نظام بيئي ما‪ .‬ويشري الشكل اهلرمي للمرتسم إىل تناقص النسبة املئوية مع‬

‫‪44‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫انتقال الطاقة من مستوى أدنى إىل أعىل‪ .‬إذ يظهر حصول تناقص يف الطاقة اإلمجالية‬
‫بام معدله ‪ 10‬باملائة عند كل مستوى غذائي تايل نتيجة لقيام الكائنات الواقعة يف‬
‫املستوى الذي قبله باستهالكها‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 5‬املثلث اهلرمي النتقال الطاقة عرب املستويات الغذائية يف النظام البيئي‪.‬‬

‫يعزى سبب هذا التناقص يف انتقال الطاقة إىل قيام بعض الكائنات‬
‫املوجودة يف مستوى غذائي معني بالفرار من مفرتساهتا التي تقع يف املستوى األعىل‪،‬‬
‫ويف أخر األمر متوت وتصب طعام ًا للمحلالت‪ ،‬وهلذا ال حيدث انتقال للطاقة‬
‫املختزنة يف أجسامها إىل املستوى الغذائي األعىل‪ .‬وحتى حينام يتم افرتاس كائن حي‬
‫ما‪ ،‬فأن بعض اجلزيئات يف جسم الفريسة تكون بحالة ال يستطيع معها املفرتس‬
‫القيام بتحليلها واإلفادة منها‪ .‬فمثالً‪ ،‬ال يمكن لألسد أو النمر أو الضبع احلصول‬
‫عىل الطاقة املوجودة يف قرون الغزال أو يف حوافره أو شعره‪ .‬كام أن ليس بوسع‬
‫املفرتسات يف العموم اإلفادة من الطاقة التي تستخدمها الفريسة يف التنفس اخللوي‪،‬‬
‫يمكنها من صنع كتلة حيوية جديدة‪ .‬وأخري ًا‪ ،‬فأن حتول الطاقة وانتقاهلا ال‬
‫بحيث ّ‬

‫‪45‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يتم مائة باملائة من الفريسة إىل املفرتس‪ .‬إذ قد يستنفذ جزء من الطاقة يف التفاعالت‬
‫األيضية‪ ،‬فيام قد يستنفذ جزء أخر بعد حتوله إىل طاقة حرارية‪.‬‬

‫محددات املستويات الغذائية‬


‫إن ضعف وترية رسيان الطاقة وانتقاهلا بني املستويات الغذائية هو ما يفرس قلة عدد‬
‫هذه املستويات يف معظم األنظمة البيئية‪ .‬وألن حوايل ‪ 10‬باملائة فقط من الطاقة‬
‫املتوفرة يف كل مستوى غذائي تنتقل إىل املستوى الغذائي الذي يليه‪ ،‬لذا ال تتوفر‬
‫هناك طاق ة كافية يف املستوى الغذائي األعىل لكي تدعم تشكيل مزيد من املستويات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫غالب ًا ما تتواجد األحياء التي تعيش يف املستويات الغذائية األدنى بأعداد‬
‫تفوق بكثري عدد األحياء املتواجدة يف املستويات األعىل‪ .‬ففي أفريقيا‪ ،‬مثالً‪ ،‬يكون‬
‫هناك أسد أو نمر واحد مقابل كل ‪ 1000‬محار وحيش أو غزال أو غريمها من‬
‫العواشب‪ ،‬فيام تكون كثافة احلشائش‬
‫والشجريات أكرب بكثري من أعداد هذه‬
‫احليوانات العاشبة‪ .‬وطاملا أن كمية الطاقة‬
‫املتوفرة يف املستويات الغذائية العليا تكون أقل‬
‫يف العادة‪ ،‬لذا ال نجد سوى أعداد قليلة من‬
‫العالقة عكسية دائم ًا‪ ..‬بين أعداد الكائنات الحية‬
‫والمستوى الغذائي الذي تعيش ضمنه‬
‫الكائنات احلية تعيش ضمن هذه املستويات‪.‬‬

‫الدورات البيئية الكبرى‬


‫حينام ترسي الطاقة واملادة عرب نظام بيئي ما‪ ،‬فالبد من إعادة تدويرها واستخدامها‬
‫جمدد ًا‪ .‬وجتري كل املواد‪ ،‬املتمثلة باملاء والكربون والنرتوجني والكالسيوم والفسفور‬
‫عرب سلسلة من العنارص احلية وغري احلية‪ ،‬التي تسمى بالدورات الكياموية احليوية‬

‫‪46‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يف الطبيعة ‪ .Biogeochemical cycles‬وسنأيت هنا إىل إجياز آلية عمل كل واحدة من‬
‫هذه الدورات‪.‬‬

‫دورة املاء في الطبيعة‬


‫إن املاء عنرص رضوري لديمومة احلياة‪ .‬إذ يؤلف ما نسبته ‪ 70‬إىل ‪ 90‬باملائة من‬
‫خاليا اجلسم‪ ،‬كام أن املاء يغذي البيئة التي جتري يف أطارها معظم التفاعالت‬
‫ال أساسي ًا ينظم إنتاجية النظم البيئية الربية‪.‬‬
‫الكياموية احلياتية‪ .‬ويعد وجود املاء عام ً‬
‫ومع هذا‪ ،‬فأن الكائنات احلية ال تضم يف أجسامها سوى كميات ضئيلة جد ًا مما‬
‫متوفر من مياه فوق كوكب األرض‪ .‬يف حني تضم املسطحات املائية‪ ،‬كالبحريات‬
‫واألهنار واجلداول واملحيطات‪ ،‬اجلزء األعظم من مياه الكوكب‪ .‬وحيتوي الغالف‬
‫اجلوي عىل املاء أيض ًا‪ ،‬وذلك يف صورة بخار‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬توجد كميات من‬
‫املياه يف جوف األرض ويف داخل الرتبة‪ ،‬تسمى باملاء اجلويف‪.‬‬
‫تعرف حركة املياه بني هذه املستودعات املختلفة بدورة املاء يف الطبيعة‬
‫‪ ،Hydrological cycle‬إذ تسلك مسارات عدة مثلام تتض من الشكل (‪.)2 – 6‬‬
‫وتتمثل العمليات الرئيسة الثالث يف الدورة املائية بالتبخر والنت والتساقط‪.‬‬
‫تقوم عملية التبخر بإضافة املاء بصورة بخار إىل الغالف اجلوي‪ .‬وتعمل‬
‫احلرارة عىل تبخري املاء من املسطحات املائية ومن الرتبة ومن أجسام الكائنات‬
‫احلية‪ .‬فيام تسمى العملية التي يتبخر بموجبها املاء من أوراق النباتات يف البيئات‬
‫الربية بالنت ‪ .Transpiration‬ويؤدي النت إىل قيام النبات بسحب املاء عرب جذوره‬
‫ليعوض عن ذلك الذي فقده من طريق األوراق‪ .‬وتشارك احليوانات بدورة املاء يف‬
‫الطبيعة أيض ًا‪ .‬إذ تقوم احليوانات برشب املاء مبارش ًة أو احلصول عليه من الطعام‬
‫الذي تتناوله‪ .‬ثم تطلق هذا املاء جمدد ًا إىل الطبيعة عند التنفس أو التعرق أو التبول‪.‬‬
‫ويغادر املاء الغالف اجلوي من طريق التساقط‪ .‬وتعتمد كمية املاء التي‬
‫حيملها الغالف اجلوي عىل عدد من العوامل الالحياتية مثل درجة احلرارة والضغط‬

‫‪47‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫اجلوي‪ .‬وما أن يصب الغالف اجلوي مشبع ًا ببخار املاء‪ ،‬حيدث التساقط أما بصورة‬
‫مطر أو ثلج أو مطر ثلجي أو َبرد أو ضباب‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 6‬دورة املاء يف الطبيعة‪.‬‬

‫دورة الكربون‬
‫تشكل عمليتي الرتكيب الضوئي والتنفس اخللوي أساس دورة الكربون يف الطبيعة‬
‫‪ ،Carbon cycle‬املبينة يف الشكل (‪ .)2 – 7‬ففي عملية الرتكيب الضوئي‪ ،‬تستخدم‬
‫النباتات وغريها من األحياء ذاتية التغذية غاز ثنائي أكسيد الكربون (‪ ،)CO2‬إىل‬
‫جانب املاء والطاقة الشمسية‪ ،‬وذلك لصنع الكربوهيدرات‪ .‬وتستهلك كل من‬
‫األحياء ذاتية التغذية وتلك غري ذاتية التغذية األكسجني لغرض حتطيم‬
‫الكربوهيدرات وتفكيكها يف أثناء عملية التنفس اخللوي‪ .‬وتكون النواتج العرضية‬
‫لعملية التنفس هذه هو غاز ثنائي أكسيد الكربون زائد ًا املاء‪ .‬فيام تطلق املحلالت‬
‫ثنائي أكسيد الكربون إىل اجلو عندما تقوم بتفكيك املركّبات العضوية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)2 – 7‬دورة الكربون يف الطبيعة‪.‬‬

‫عىل أن تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو تضاعف بنسبة ‪ 30‬باملائة‬
‫خالل الـ ‪ 150‬سنة األخرية‪ .‬ويعد اإلنسان مصدر ًا مه ًام حلدوث هذه الزيادة من‬
‫جراء حرق الوقود االحفوري وغريه من املواد العضوية‪ .‬فاملجتمع الصناعي يعتمد‬
‫اعتامد ًا رئيس ًا عىل الطاقة التي يولدها حرق الوقود االحفوري كالفحم والنفط‬
‫والغاز الطبيعي‪ .‬والوقود االحفوري هذا عبارة عن بقايا كائنات حتولت إىل‬
‫جزيئات غنية بالطاقة بعد تفسخها وتعرضها لضغط وحرارة شديدين‪ .‬وتطلق‬
‫عملية احلرق الطاقة املختزنة يف هذه اجلزئيات‪ ،‬لكن حترر معها أيض ًا غاز ثنائي‬
‫أكسيد الكربون‪ .‬وألنه جيري سنوي ًا حرق مساحات شاسعة من الغابات بقصد‬
‫حتضريها للزراعة‪ ،‬فهذا يعني زيادة كمية ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو نتيجة‬
‫عول عليه يف امتصاص هذا الغاز بواسطة‬
‫التقلص املستمر للغطاء النبايت الطبيعي امل ّ‬
‫عملية الرتكيب الضوئي‪ ،‬وهو ما سيزيد من رضره عىل الطبيعة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫دورة النتروجين‬
‫حتتاج مجيع الكائنات إىل النرتوجني ألجل صنع الربوتينات واألمحاض النووية‪.‬‬
‫ويدعى املسار املعقد الذي يسلكه النرتوجني ضمن النظام البيئي بدورة النرتوجني‬
‫‪ ،Nitrogen‬مثلام يوضحها الشكل (‪ .)2 – 8‬يشكل غاز‬ ‫‪cycle‬‬ ‫يف الطبيعة‬
‫النرتوجني (‪ )N2‬قرابة ‪ 78‬باملائة من الغالف اجلوي‪ ،‬بحيث يبدو أن من السهولة‬
‫بمكان عىل الكائنات احلية احلصول عليه‪ .‬غري أن معظم النباتات ال تستطيع يف‬
‫الواقع االستفادة من النرتوجني إال حني يكون بصورة نرتات‪ .‬فتسمى عملية حتويل‬
‫غاز النرتوجني إىل نرتات بتثبيت النرتوجني ‪.Nitrogen fixation‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 8‬دورة النرتوجني يف الطبيعة‪.‬‬

‫‪Nitrogen-fixing‬‬ ‫تعتمد أغلب األحياء عىل البكرتيا املثبتة للنرتوجني‬


‫‪ bacteria‬لتحويل غاز النرتوجني إىل مادة مفيدة‪ .‬إذ تعيش هذه البكرتيا يف الرتبة‬
‫ويف داخل األورام اجلذرية لبعض أنواع النباتات‪ ،‬كالفاصوليا والبازالء والربسيم‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وتقوم هذه النباتات بمد البكرتيا بالكربوهيدرات‪ ،‬فيام تقوم البكرتيا من جانبها‬
‫بإنتاج نرتوجني مفيد للنبات‪ ،‬أما النرتوجني الزائد فيتحرر إىل الرتبة‪.‬‬
‫إن أجساد الكائنات امليتة حتتوي عىل النرتوجني‪ ،‬السيام يف الربوتينات‬
‫واالمحاض النووية‪ .‬كام أن البول (اليوريا) والرباز حيتويان عىل النرتوجني أيض ًا‪ .‬لذا‬
‫تعمل املحلالت عىل تفكيك هذه املواد وتطلق النرتوجني املحتبس يف داخلها عىل‬
‫هيئة أمونيا (‪ ،)NH3‬ويف الرتبة يتحول إىل أمونيوم (‪ .)NH4‬وتعرف هذه العملية‬
‫بالتحول االموين ‪ .Ammonification‬ويكون النرتوجني خالل هذه العملية متاح ًا‬
‫من جديد لكائنات أخرى‪.‬‬
‫تقوم بكرتيا الرتبة بامتصاص االمونيوم وأكسدته إىل نرتيت (‪)NO2‬‬
‫ونرتات (‪ ،)NO3‬يف عملية تدعى بالنرتتة ‪ .Nitrification‬كام ينتج عن عملية تعرية‬
‫الصخور الغنية بالنرتات حترر هذه املادة أيض ًا إىل النظام البيئي‪ .‬فتستخدم النباتات‬
‫النرتات لتكوين أمحاض أمينية‪ .‬وال يعود النرتوجني إىل الغالف اجلوي جمدد ًا إال‬
‫من طريق العملية املسامة إزالة النرتوجني ‪ .Denitrification‬وحتدث هذه العملية‬
‫عندما تقوم البكرتيا الالهوائية بتفكيك النرتات حمرر ًة غاز النرتوجني إىل اجلو‪ .‬وفيام‬
‫تستطيع النباتات امتصاص النرتات من الرتبة‪ ،‬فأن احليوانات ال يمكنها فعل ذلك‪.‬‬
‫ولذا حتصل احليوانات عىل النرتوجني بطريقة مشاهبة حلصوهلا عىل الطاقة ــ أي‬
‫بالتهام النباتات والكائنات األخرى ومن ثم هضم الربوتينات واالمحاض النووية‬
‫املوجودة فيها‪.‬‬

‫دورة الفسفور‬
‫يعد الفسفور عنرص ًا وماد ًة رضورية حتتاجها احليوانات لبناء العظام واألسنان‬
‫وقسم من اجلزيئات‪ ،‬مثل احلمض النووي ‪ DNA‬و ‪ .RNA‬تأخذ النباتات حاجتها‬
‫من الفسفور من الرتبة واملاء‪ ،‬فيام حتصل احليوانات عليه من خالل التغذي عىل‬
‫النباتات أو عىل غريها من احليوانات‪ .‬واملقصود بدورة الفسفور يف الطبيعة‬

‫‪51‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ Phosphorus cycle‬حركة الفسفور من البيئة إىل الكائنات احلية ومن ثم رجوع ًا إىل‬
‫البيئة مرة أخرى‪ ،‬مثلام تتض يف الشكل (‪ .)2 – 9‬وتتسم هذه الدورة بالبطء وال‬
‫حتدث عاد ًة يف الغالف اجلوي‪ ،‬وذلك لندرة تواجد الفسفور يف حالة غازية‪.‬‬

‫انجراف‬
‫الفوسفات‬
‫من‬
‫االراضي‬
‫الزراعية‬

‫الشكل (‪ :)2 – 9‬دورة الفسفور يف الطبيعة‪.‬‬

‫عندما تتعرض الصخور للتعرية‪ ،‬فأن كميات صغرية من الفسفور تذوب‬


‫وتتحول إىل فوسفات (‪ )PO4‬يتواجد يف الرتبة واملاء‪ .‬فتقوم النباتات بامتصاص‬
‫الفوسفات من الرتبة من طريق جذورها‪ .‬كام تضاف كميات من الفوسفات إىل املاء‬
‫والرتبة عندما تطرح الكائنات احلية الفسفور الزائد مع فضالهتا‪ ،‬وكذلك عندما‬
‫متوت وتتفسخ‪ .‬هذا ويصل بعض الفسفور إىل األهنر واملياه اجلوفية بعدما ينجرف‬
‫من احلقول الزراعية التي يستخدم فيها أسمدة وخمصبات‪ .‬وبعد استقراره يف قيعان‬
‫البحريات والبحار‪ ،‬يرجع الفسفور إىل البيئة جمدد ًا عند حدوث نشاط رفع‬
‫جيولوجي يعيده للتحلل مرة أخرى من الصخور الظاهرة (أنظر الشكل ‪.)2 – 9‬‬

‫‪52‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التعاقب والثبات البيئي‬


‫ثمة مفهومان مهامن يف علم البيئة‪ ،‬هلام دور يف فهم حركية ونمط النظام البيئي ألي‬
‫منطقة خالل زمن معني‪ ،‬مها‪ :‬التعاقب البيئي والثبات البيئي‪ .‬سنتعرف عليهام يف‬
‫الفقرات اآلتية ألمهية ذلك يف استكامل مفهوم النظام البيئي احليوي‪.‬‬

‫التعاقب البيئي‬
‫أنه عملية تغري متعاقب يتم فيها‬ ‫‪Ecological succession‬‬ ‫يعرف التعاقب البيئي‬
‫نشوء أو جتديد نوع معني أو جمموعة أنواع من الكائنات احلية ضمن جمتمع بيئي‬
‫معني وبمرور زمن طويل‪ .‬إذ يبدأ هذا املجتمع بالتشكل أوالً ببضع نباتات‬
‫وحيوانات أولية ثم يتطور ويزداد تعقيد ًا حتى يصل إىل حالة من االستقرار أو‬
‫يصب مكتفي ًا ذاتي ًا فيسمى حينها بمجتمع الذروة ‪ .Climax community‬وعاد ًة ما‬
‫تستغرق هذه العملية مرور زمن يرتاوح من عرشات إىل آالف السنني‪.‬‬

‫العوامل المؤثرة في التعاقب‬


‫يتأثر مسار التغري التعاقبي للمجتمع االحيائي بمجموعة من العوامل اجلغرافية‬
‫كعنارص الطقس (الضوء‪ ،‬احلرارة‪ ،‬الرطوبة‪ )..‬وطوبوغرافية املنطقة ونوع الرتبة‬
‫ال عن عوامل أخرى مثل تفاعالت األحياء املوجودة‬ ‫وبتبايناهتا املكانية‪ ،‬فض ً‬
‫وقدرهتا التنافسية وتوفر املستعمرات احلاضنة أو البذور يف وقت حدوث التعاقب‪.‬‬
‫بصورة عامة‪ ،‬هتيمن األحياء الرسيعة النمو واالنتشار عىل املجتمعات‬
‫االحيائية يف مراحل التعاقب األوىل‪ ،‬ومع تقدم التعاقب متيل األنواع ذات القدرة‬
‫التنافسية األكرب عىل احللول حمل األحياء األضعف منافس ًة‪ .‬إذ حيدث أن يزداد‬
‫التنوع االحيائي بالرضورة خالل مرحلة التعاقب األويل مع دخول نوع جديد من‬
‫األحياء‪ ،‬لكن قد يتناقص يف مراحل التعاقب الالحقة بعدما تقيض املنافسة عىل‬
‫األنواع االنتهازية من الكائنات احلية مما يؤدي إىل هيمنة املنافسني املحليني األقوى‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وعىل هذا‪ ،‬تتباين معدالت صايف اإلنتاجية األولية وحجم الكتلة احليوية‬
‫واملستويات الغذائية عرب مراحل التعاقب املختلفة‪ ،‬وذلك تبع ًا لنوع النظام البيئي‬
‫وموقعه اجلغرايف‪ .‬كام تؤثر خصائص املجتمع االحيائي يف تطور بعض صفات‬
‫النظم البيئية‪ ،‬السيام يف خواص الرتبة ودورات العنارص الغذائية‪ ،‬وهو ما يؤثر‬
‫بدوره يف أي تطورات تعاقبية أخرى للمجتمع االحيائي نفسه‪.‬‬
‫أنواع التعاقب‬
‫ال جيري التعاقب البيئي عىل شاكلة واحدة‪ ،‬بل ينقسم إىل مراحل وأنواع عدة‪،‬‬
‫وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ :Primary‬هو املرحلة األوىل من التطور‬ ‫‪succession‬‬ ‫‪ -1‬التعاقب األويل‬
‫التعاقبي التي تبدأ باجتياح واستعامر منطقة معني مل يشغلها من قبل أي‬
‫جمتمع احيائي أخر‪ ،‬ومثال ذلك التعاقب الذي ينشأ فوق سطوح صخرية‬
‫أو رملية تكونت حديث ًا أو فوق محم بركانية بردت وتصلبت أو ركامات‬
‫جليدية تعرضت لالنكشاف‪ ..‬الخ‪ .‬وتشتمل هذه املرحلة األولية من‬
‫التعاقب عىل نمو نباتات بدائية كاألشنات والطحالب ثم نباتات عشبية ثم‬
‫شجريات قزمية وأخري ًا تغدو غابة كاملة‪ .‬ثم تأخذ احليوانات تنترش يف‬
‫املنطقة بعد أن جتد هلا ما يكفيها من طعام تأكله متمث ً‬
‫ال بالنباتات‪ .‬وحينام‬
‫يعمل النظام البيئي بكامل مفاصله‪ ،‬نصل إىل مرحلة جمتمع الذروة اآلنفة‬
‫الذكر‪.‬‬
‫‪ -2‬التعاقب الثانوي ‪ :Secondary succession‬هو حالة التعاقب والتجدد التي‬
‫تتبع وقوع أحداث واضطرابات عنيفة (احلرائق الطبيعية‪ ،‬الفيضانات‪،‬‬
‫الرياح العاتية‪ ،‬بعض النشاطات البرشية املتمثلة بتحطيب الغابات‬
‫والزراعة) تقيض عىل املجتمع االحيائي الذي كان قائ ًام يف السابق‪ .‬وتتأثر‬
‫حركية التعاقب الثانوي تأثر ًا كبري ًا بالظروف السائدة ما قبل االضطراب‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫من قبيل بنية الرتبة وكميات البذور املرتاكمة واملادة العضوية املتخلفة‬
‫وكذلك ما متبقي من كائنات حية‪ .‬وبفضل احتفاظ الرتبة ببعض خصوبتها‬
‫ووجود عدد من الكائنات من املجتمع السابق‪ ،‬فقد يغلب عىل املراحل‬
‫األوىل من التعاقب الثانوي تغري رسيع نسبي ًا ينتاب املجتمع االحيائي‬
‫اجلديد (الشكل ‪.)2 – 10‬‬

‫الشكل (‪ :)2 – 10‬مراحل التعاقب البيئي األويل والثانوي ضمن جمتمع نبايت نموذجي‪.‬‬

‫‪ :Seasonal‬عىل‬ ‫‪and cyclic succession‬‬ ‫‪ -3‬التعاقب املوسمي أو الدوري‬


‫خالف التعاقب الثانوي‪ ،‬حيدث هذا النوع من التعاقب دون أي تدخل‬
‫الضطراب عنيف أو ما شاكل‪ ،‬بل حيصل بصفة دورية من حني ألخر‪ .‬إذ‬
‫تتعرض أنواع من الغطاء النبايت لتغريات دورية نتيجة حلصول تقلبات‬
‫طبيعية يف التفاعالت االحيائية‪ ،‬وهو ما يعده بعض علامء البيئة دلي ً‬
‫ال عىل‬
‫أن املجتمع احليايت يف حراك وتغري مستمرين وليس جمتمع يتمتع باالستقرار‬
‫والسكون بمجرد وصوله إىل مرحلة الذروة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التعاقب البيئي بحسب نظرية كلمنتس‬


‫طرح فريدريك كلمنتس يف العام ‪ 1916‬نظريته الوصفية حول التعاقب وقدمها‬
‫عىل أهنا مفهوم بيئي عام‪ .‬وقد تركت هذه النظرية صد ًى قوي ًا عىل الفكر البيئوي‪.‬‬
‫وبحسب كلمنتس‪ ،‬فأن التعاقب عملية تنطوي عىل عدد من املراحل‪ ،‬هي كاآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬التعرية والتجريد ‪ :Nudation‬يبدأ نشوء أحياء بدائية فوق منطقة جرداء‪.‬‬
‫من أنواع‬ ‫‪Propagules‬‬ ‫‪ -2‬االجتياح ‪ :Invasion‬وصول األجزاء التكاثرية‬
‫خمتلفة من الكائنات احلية إىل املنطقة‪.‬‬
‫‪ -3‬التوطن ‪ :Ecesis‬يرتسخ الغطاء النبايت ويبدأ بنمو أويل‪.‬‬
‫‪ -4‬التنافس ‪ :Competition‬مع استمرار توطن الغطاء النبايت ونموه وانتشاره‪،‬‬
‫تبدأ أنواع حياتية خمتلفة بالتنافس عىل املكان وعىل الضوء والعنارص الغذائية‪.‬‬
‫‪ -5‬التفاعل ‪ :Reaction‬يف هذه املرحلة تؤثر التغريات اجلينية التلقائية يف‬
‫املوطن الطبيعي نتيجة إلحالل جمتمع نبايت حمل أخر‪.‬‬
‫‪ -6‬الثبات واالستقرار ‪ :Stabilization‬يف هذه املرحلة يتكون جمتمع الذروة‬
‫بصيغته النهائية‪.‬‬

‫الثبات البيئي‬
‫يقصد بمفهوم الثبات البيئي ‪ Ecological stability‬قدرة أي نظام بيئي عىل املقاومة‬
‫واالستمرارية واالستدامة والرجوع رسيع ًا إىل الوضع الذي كان عليه سابق ًا عند‬
‫حدوث أي نوع من االضطرابات‪ .‬ومن منظور علم البيئة‪ ،‬فأن املقصود بثباتية‬
‫اجلامعة االحيائية واستقراريتها هو مقدرهتا عىل عدم االنقراض‪ .‬ويعتقد علامء البيئة‬
‫أن ثبات املجتمع االحيائي يعتمد عىل التوازن ما بني األحياء ومدى وفرهتا‪،‬‬
‫فاملجتمع الذي حيظى بأنواع أكثر يتمتع بروابط أقوى بني أعضائه‪ .‬وقد تكون هذه‬
‫الروابط سبب ًا يف احلد من انتشار تأثريات االضطرابات احلاصلة أو يف التخفيف من‬
‫تدمريها للمجتمع االحيائي بحد ذاته‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أنواع الثبات البيئي‬


‫ثمة نوعان من الثبات البيئي‪ ،‬مها‪ :‬الثبات املحيل ‪ Local stability‬الذي يظل فيه‬
‫النظام البيئي مستقر ًا يف حالة حدوث اضطرابات حمدودة قصرية املدى‪ ،‬واألخر هو‬
‫الثبات الكوين ‪ Global stability‬ويراد به املقاومة الشديدة التي يبدهيا أي نظام بيئي‬
‫للتغريات التي حتصل يف تركيبة األنواع االحيائية أو يف تفاعالت الشبكات الغذائية‬
‫القائمة فيه‪.‬‬
‫عناصر الثبات البيئي‬
‫يتكون الثبات البيئي من جمموعة من العنارص التي ترسم صريورته وعمله عرب‬
‫مراحل التغريات واالضطرابات التي يتعرض إليها نظام بيئي معني‪ .‬وتتمثل هذه‬
‫العنارص بام ييل‪:‬‬
‫‪ :Constancy‬وهي قدرة‬ ‫‪and substantiality‬‬ ‫‪ -1‬االستمرارية واالستدامة‬
‫النظام البيئي عىل استمرارية إبقاء األحياء فيه وإدامتها دون أي تغيري‪.‬‬
‫‪ -2‬املقاومة واملواصلة‪ :‬حينام يبدي أي نظام بيئي قدر من املقاومة واملواصلة‬
‫ملواجهة اضطراب ما‪ ،‬يرافق ذلك حدوث بعض التشوش يف املنظومة البيئية‪.‬‬
‫واملقصود بالتشوش ‪ Perturbation‬هنا‪ ،‬أي تغري مفروض من اخلارج يعرتي‬
‫األحوال الطبيعية للنظام البيئي‪ ،‬وغالب ًا ما يقع ضمن مدة زمنية قصرية‪ .‬أما‬
‫املقاومة ‪ Resistance‬فهي قدرة النظام البيئي عىل التجاوب والصمود بوجه‬
‫إمكانية النظام‬ ‫‪Persistence‬‬ ‫الضغوطات اخلارجية‪ .‬فيام تعني املواصلة‬
‫االحيائي عىل مواصلة مقاومة التقلبات اخلارجية التي تعرتيه‪.‬‬
‫نزوع‬ ‫‪Resilience‬‬ ‫‪ -3‬الرجوعية واملرونة ومدى الرتدد ‪ :‬يقصد بالرجوعية‬
‫نظام بيئي ما إىل الرجوع إىل وضعه السابق الذي كان عليه قبل وقوع‬
‫االضطراب‪ .‬أما املرونة ومدى الرتدد فأهنا تعد مقاييس للرجوعية‪.‬‬
‫تعني رسعة رجوع النظام‪ ،‬فيام يعني مدى‬ ‫‪Elasticity‬‬ ‫فاملرونة‬
‫الرتدد ‪ Amplitude‬الفاصل بني النقطة التي كان عليها النظام بوضعه السابق‬

‫‪57‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ونقطة الرجوع التي عليها حالي ًا‪ .‬عل ًام أن علم البيئة قد استعار هذه املفاهيم‬
‫من نظرية النظم الدينامية‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ -1‬خلّص يف نقاط واضحة‪:‬‬
‫أ‪ .‬الفروقات اجلغرافية بني الغالف احليايت واإلقليم االحيائي والنظام‬
‫البيئي‪.‬‬
‫مفهومي املجتمع االحيائي واجلامعة االحيائية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ب‪ .‬االختالف البيئي بني‬
‫ج‪ .‬التباين املكاين بني املوطن الطبيعي واملوئل‪.‬‬
‫‪ -2‬ملاذا يتسم عمل النظام البيئي بالتعقيد الشديد‬
‫‪ -3‬صنّف الكائنات احلية بحسب طبيعة نقلها للطاقة‪ ،‬معزز ًا اإلجابة بمرتسم‬
‫توضيحي‪.‬‬
‫‪-4‬كيف حتصل الكائنات املنتجة واملستهلكة عىل الطاقة‬
‫‪ -5‬ما سبب تباين معدل صايف اإلنتاجية االحيائية بني النظم البيئية املختلفة‬
‫‪ -6‬ما أمهية دور املحلالت يف النظام البيئي‬
‫‪ -7‬ما وجه االختالف بني السلسلة الغذائية والشبكة الغذائية‬
‫‪ -8‬أرسم خمطط ًا ــ أنت تقرتحه ــ يوض سلسلة غذائية برية مكونة من أربعة‬
‫مستويات‪ ،‬وأخرى بحرية مكونة من مخسة مستويات‪.‬‬
‫‪ -9‬أذكر سببني يعلالن ضعف وترية انتقال الطاقة ضمن معظم األنظمة البيئية‪.‬‬
‫‪ -10‬ملاذا ال تتعدى السالسل الغذائية ثالثة أو أربعة مستويات غذائية يف العادة‬
‫وض ‪ ،‬مع الرسم‪ ،‬آلية عمل أثنني من الدورات البيئية الكربى‪ :‬دورة املاء يف‬
‫‪ّ -11‬‬
‫الطبيعة‪ ،‬دورة الكربون‪ ،‬دورة النرتوجني‪ ،‬دورة الفسفور‪.‬‬
‫‪ -12‬ما فائدة دور البكرتيا ضمن دورة النرتوجني يف الطبيعة‬

‫‪58‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -13‬ما هي الفروقات العلمية بني التعاقب البيئي األويل والثانوي والدوري‬


‫‪ -14‬أذكر مراحل عملية التعاقب البيئي بحسب نظرية كلمنتس‪.‬‬
‫‪ -15‬ما هو الثبات البيئي وما املقصود باملفاهيم اآلتية املرتبطة به‪ :‬االستمرارية‪،‬‬
‫املقاومة‪ ،‬املواصلة‪ ،‬الرجوعية‪ ،‬املرونة‪ ،‬املتسعة‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪59‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل الثالث‬
‫نماذج من العالقات البيئوية‬
‫نستعرض يف هذا الفصل عدد ًا من النامذج واألمثلة حول أهم العالقات البيئوية‬
‫التي تقوم هبا األحياء مع بعضها البعض من جهة ومع بيئتها اخلارجية من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬بام تنطوي عليه تلك العالقات من ردود أفعال واستجابات ونشاطات‬
‫ختتلف باختالف األحياء نفسها وباختالف التغريات التي تطرأ عىل بيئتها‪ .‬فهي‬
‫تتباين لتشمل عالقات التكيف والتنافس واالفرتاس والتكافل بأشكاهلا املتنوعة‪.‬‬
‫وألن هذه العالقات تعد مبادئ مهمة يف دراسة علم البيئة‪ ،‬لذا من الرضوري اإلملام‬
‫هبا وفهمها جيد ًا‪.‬‬

‫التكيف‬
‫البد أوالً من متييز مصطل التكيف عن التأقلم‪ .‬إذ يشتبه الكثريين يف تطابق‬
‫معنيهام‪ ،‬مع أهنام يف احلقيقة خمتلفان عن بعض وإن كانا يشريان إىل املبدأ نفسه‪.‬‬
‫التغيريات والتعديالت الفسيولوجية‬ ‫‪Acclimation‬‬ ‫يقصد بالتكيف‬
‫(اجلسامنية والسلوكية) التي يلجأ إليها كائن حي معني ملواجهة حصول تغري يف‬
‫واحد أو أكثر من الظروف البيئية املحيطة به‪ ،‬وقد تستمر عملية التكيف هذه من‬
‫فهو التغيريات والتعديالت‬ ‫‪Adaptation‬‬ ‫بضعة دقائق إىل عدة أيام‪ .‬أما التأقلم‬
‫الفسيولوجية التي تقوم هبا مجاعة من كائنات حية من نوع معني‪ ،‬وعىل مدى أجيال‬
‫التمكن من العيش والبقاء والتكاثر‬
‫عدة وملدة قد تستغرق مئات السنني‪ ،‬من أجل ّ‬
‫يف بيئة ما‪ ،‬أي أن يكون التأقلم يف اجلينات الوراثية ‪ Genetic adaptation‬مثالً‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مبادئ التكيف‬
‫ّل‬
‫منحنى التحم‬
‫ال يوجد كائن حي يستطيع العيش يف مجيع األحوال البيئية‪ ،‬ذلك ألن لكل كائن‬
‫نطاق عيش حمدد‪ ،‬مثلام سبقت اإلشارة إىل هذا الصدد (راجع الفصل الثاين)‪ .‬فعىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬هنالك كائنات ال تستطيع أداء مهامها إال ضمن مدى معني من‬
‫درجات احلرارة‪ .‬وباإلمكان معرفة هذا املدى احلراري الذي ينشط فيه أداء الكائن‬
‫احلي من خالل قياس كفاءة وظائفه يف ظل درجات حرارة خمتلفة‪ .‬فيسمى املنحنى‬
‫الذي يرسم صورة عالقة اإلداء الوظيفي للكائن احلي مع قيمة املتغري البيئي‪ ،‬كأن‬
‫التحمل ‪.Tolerance curve‬‬
‫ّ‬ ‫يكون درجة احلرارة مثالً‪ ،‬بمنحنى‬
‫هناك بعض الكائنات احلية بإمكاهنا العيش والبقاء يف ظروف خترج عن‬
‫املدى املثايل لعيشها‪ ،‬لكن أداءها الوظيفي ينخفض إىل أدنى مستوى‪ .‬عىل أن تلك‬
‫الكائنات ال تطيق االستمرار بالعيش حني هتبط مستويات تلك الظروف أو ترتفع‬
‫التحملية‪ .‬لذا تلجأ بعض األحياء إىل تكييف طاقتها‬
‫ّ‬ ‫إىل ما يتعدى حدودها‬
‫التحملية بام يناسب مستوى العوامل الالحياتية املحيطة هبا من خالل عملية‬
‫ّ‬
‫التكيف املارة الذكر‪.‬‬

‫ضبط الكائنات الحية ألوضاعها الداخلية‬


‫تتباين البيئات من حيث درجة حرارة والضوء والرطوبة وامللوحة وعوامل كياموية‬
‫أخرى‪ .‬وثمة نوعان من الكائنات احلية يف مواجهة بعض هذه التغريات يف بيئتها‪.‬‬
‫فهناك املتكيفات ‪ Conformers‬وهي كائنات ال تقوم بضبط أوضاعها الداخلية‪ ،‬بل‬
‫تلجأ عوض ًا عن ذلك إىل التغري بحسب تغري ظروف بيئتها اخلارجية‪ .‬إذ تعمل فقط‬
‫عىل إبقاء أوضاعها الداخلية ضمن املدى املثايل ملعيشتها طاملا بقيت أحوال بيئتها‬
‫وهي‬ ‫‪Regulators‬‬ ‫ضمن ذلك املدى‪ .‬وعىل العكس من ذلك‪ ،‬هناك املنظامت‬
‫الكائنات التي تستخدم طاقتها لتنظيم بعض أوضاعها الداخلية وضبطها‪ .‬إذ بوسع‬

‫‪61‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫هذا النوع من الكائنات املحافظة عىل وضعها الداخيل ضمن املدى املثايل‪ ،‬حتى لو‬
‫حصل تباين كبري يف ظروف بيئتها‪.‬‬

‫الهروب من الظروف غير المناسبة‬


‫تضطر بعض األنواع من األحياء إىل جتنب مواجهة الظروف البيئية التي ال تناسبها‪،‬‬
‫وذلك باهلروب منها وقتي ًا‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬عاد ًة ما تلجأ احليوانات الصحراوية‬
‫حر النهار‪ .‬ولذا تكون‬
‫إىل االختباء حتت األرض أو اللجوء إىل الظل عند اشتداد ّ‬
‫كثري من كائنات الصحاري نشطة يف أثناء الليل تزامن ًا مع انخفاض درجة احلرارة‪.‬‬
‫وهناك أحياء تلجأ إىل إتباع اسرتاتيجية بعيدة املدى أال وهي دخوهلا يف حالة من‬
‫اخلمول وختفيض النشاط‪ ،‬تسمى السبات ‪ ،Dormancy‬وذلك خالل فرتات‬
‫الظروف غري املناسبة كأن يكون خالل الشتاء أو اجلفاف‪ .‬وتتبع بعض الكائنات‬
‫اسرتاتيجية أخرى تتمثل باالنتقال إىل بيئات أنسب ملعيشتها‪ ،‬ويدعى ذلك باهلجرة‬
‫‪ .Migration‬ومثال ذلك احلركات املوسمية للطيور التي متيض الربيع والصيف يف‬
‫املناطق ذات املناخ البارد وهتاجر إىل املناطق الدافئة يف فصل اخلريف‪.‬‬

‫أمثلة عن التكيف‬
‫التكيف مع درجة الحرارة‬
‫ثمة مفهوم يف علم البيئة يقول أن العديد من الكائنـات احليـة قـد طـورت لنفسـها‬
‫أساليب للتكيف مع التغريات الطارئة يف حرارة البيئة وذلك عـرب تنظيمهـا لدرجـة‬
‫حرارة أجسـامها‪ .‬ولتوضـي ذلـك‪ ،‬نسـتعرض بعـض األمثلـة حـول التكيفـات‬
‫احلرارية لكائنات نباتية وحيوانية عىل حدّ سواء‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪1‬ـ التكيف احلراري للنباتات الصحراوية والقطبية واجلبلية‪:‬‬


‫يتمثل التحدي األكرب الذي تواجهه النباتات يف البيئة الصحراوية بضــرورة تـاليف‬
‫احلرارة الزائدة‪ ،‬بمعنى أن عىل النباتات التقليل من خمزوهنا احلراري‪ .‬فكيف يا ترى‬
‫تواجه النباتات الصحراوية مثل هذا التحدي إهنا يف احلقيقـة تسـتخدم‪ ،‬شـأهنا يف‬
‫ذلك شأن نباتـات البيئـات األخـرى‪ ،‬هيئتهـا‬
‫الشكلية وسلوكها لتغيري درجـة حرارهتـا تبعـ ًا‬
‫حلرارة البيئة املحيطة‪ .‬وتسلك النباتات يف هذه‬
‫احلالة مسالك متعددة‪ .‬إذ أن أمـام النباتـات يف‬
‫تحاول النباتات الصحراوية‪ ..‬التخلص دائم ًا‬
‫من الحرارة الزائدة‬
‫الصحاري احلارة ثالثة خيارات رئيسـة لـتاليف‬
‫ارتفاع احلرارة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أ‪ .‬ختفيض احلرارة من طريق عملية التوصيل‪ :‬تقوم معظم النباتات الصحراوية‬
‫بوضع أوراقها عىل بعد كاف فوق األرض لكي تقلـل مـا تكسـبه مـن حـرارة‬
‫بواسطة التوصيل‪.‬‬
‫ب‪ .‬زيادة معدالت التربيد باحلمل‪ :‬أن أغلب النباتات الصحراوية قد طورت‬
‫ال مفتوح ًا يف نموهـا‪ ،‬وهـي أسـاليب‬
‫لنفسها أوراق صغرية جد ًا واختذت شك ً‬
‫متنحها قدر ًا عالي ًا من التربيد باحلمل ألن ذلك يزيـد مـن حركـة اهلـواء حـول‬
‫سيقان النبات وأوراقه‪.‬‬
‫ج‪ .‬تقليل معدالت احلرارة اإلشعاعية‪ :‬تعمل بعض النباتات الصحراوية عـىل‬
‫صدّ احلرارة اإلشعاعية الكبرية الواردة إليهـا‪ ،‬وذلـك بفضـل وجـود سـطوح‬
‫عاكسة عىل أوراقها‪ .‬وهناك الكثري من النباتات الصحراوية تكتســي أوراقهـا‬
‫بطبقة كثيفة من الشعريات البيضاء اللون‪ ،‬حيث تعمـل هـذه الشـعريات عـىل‬

‫‪63‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التقليل من احلرارة الواردة من خالل عكس األشعة املرئية‪ ،‬التي تشكل تقريب ًا‬
‫نصف ما حتتويه أشعة الشمس من طاقة‪ .‬كام أن بوسـع النباتـات أيضـ ًا القيـام‬
‫بتعديل ما يردها من حرارة إشعاعية‪ ،‬وذلك مـن خـالل تغيـري اجتـاه أوراقهـا‬
‫وسيقاهنا‪ .‬فالعديد مـن النباتـات الصـحراوية تـتخلص مـن احلـرارة الزائـدة‬
‫بتوجيه أوراقها بشكل ٍ‬
‫مواز ألشعة الشمس أو بطيها عند انتصاف النهار‪ ،‬حني‬
‫تكون أشعة الشمس عىل أشدها‪.‬‬
‫بخصوص النباتات القطبية‪ ،‬فإهنـا تفعـل‬
‫نقيض مـا تفعلـه النباتـات الصـحراوية‪ ،‬فهـي‬
‫تقوم بمحاولة اكتساب احلرارة لتدفئة أجسامها‬
‫والتخلص من التربيـد الزائـد يف حماولـة لرفـع‬
‫درجة حرارهتا إىل حدود تفـوق درجـة حـرارة‬
‫على نقيض النباتات الصحراوية‪ ..‬تسعى النباتات‬
‫اهلواء املحيط الشديد الـربودة يف العـادة‪ .‬ولـذا‬
‫القطبية إلى اكتساب الحرارة قدر المستطاع‬

‫فإن أمام النباتات القطبية ثالثة خيارات أيض ًا لفعل ذلك‪ ،‬مع أن معظمها يلجأ إليها‬
‫كلها مرة واحدة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬زيادة اكتساب احلرارة بالتوصيل‪ :‬تقوم العديد من النباتات القطبية بكسـب‬
‫احلرارة من املحيط املجـاور بفضـل نموهـا بشـكل أشـبه "بوسـادة" متشـبثة‬
‫باألرض‪ .‬واملعروف أن األرض غالب ًا ما تعمل عىل رفع درجـات احلـرارة بـام‬
‫يتجاوز درجة حرارة اهلواء الواقع فوقها حيث أهنا تشع أشعة حتـت احلمـراء‪،‬‬
‫فتقوم تلك النباتات بامتصاصها بطريقة التوصيل احلراري‪.‬‬
‫ب‪ .‬التقليل من معـدل التربيـد باحلمـل‪ :‬إن لطريقـة "الوسـادة" هـذه فائـدة‬
‫أخرى‪ ،‬فهي تقلل من فقدان احلرارة باحلمل بالنسبة للنباتات القطبية‪ ،‬وذلـك‬
‫ألن نموها قرب األرض يمنحها شيئ ًا من احلامية من الرياح‪ ،‬وأن نمو النبـات‬

‫‪64‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫بشكل مرتاص ومكور أشبه بالوسادة إنام يقلل من مساحتها السطحية نسبة إىل‬
‫احلجم‪ ،‬وهذا بدوره يبطأ من حركة الرياح عرب األجزاء الداخلية من النبات‪.‬‬
‫ج‪ .‬زيادة معدل التسخني باإلشعاع‪ :‬تقوم النباتـات القطبيـة بامتصـاص تلـك‬
‫األشعة وذلك من خالل صبغتها الداكنة‪ .‬إذ تزيد هذه الصبغات الداكنـة مـن‬
‫اكتساب احلرارة باإلشعاع‪ ،‬أو اكتساب النباتات للحرارة عرب توجيـه أوراقهـا‬
‫وأزهارها بشكل متعامد عىل الشمس‪.‬‬
‫أما بالنسبة للتكيف احلراري لنباتات املناطق اجلبلية‪ ،‬فأن أبرز األمثلة عنها‬
‫يأيت من نبات يستوطن بقاعـ ًا نائيـة مـن العـامل حيـث يعـيش فـوق جبـال املنـاطق‬
‫االستوائية‪ .‬إذ تتميز مثل هذه املناطق ذات البيئة الفريدة بعدم وجود تفاوت سنوي‬
‫كبري يف درجة حرارهتا عىل الرغم من وجود تقلب حراري يومي كبـري‪ ،‬فقـد تصـل‬
‫ال إىل حـدود التجمـد‬ ‫فيها درجات احلرارة لـي ً‬
‫تتبعها درجات حرارة مرتفعة هنار ًا‪ .‬وهنا نأخذ‬
‫‪ Giant‬الـذي يكسـو‬ ‫الـورد العمـالق ‪rosette‬‬
‫سفوح اجلبال االستوائية عرب العامل كله‪ ،‬كمثال‬
‫مذهل عن كيفيـة اسـتطاعة هـذا النبـات عـىل‬
‫يعد نبات الورد العمالق في الجبال االستوائية‪..‬‬
‫مثاالً على التكيف في ظل بيئة متفاوتة الحرارة‬ ‫التكيف مع تلك األجواء املتقلبة‪.‬‬
‫يتميز شكل الورد العمالق بامتالك عدد من املزايا التي حتميه من التقلبـات‬
‫اليومية احلادة يف درجة احلرارة يف املناطق اجلبلية االستوائية‪ .‬إذ حيتفظ هـذا النبـات‬
‫عموم ًا بأوراقها امليتة ليعمل منها وقاء ًا عازالً لساقه جينبه االنجامد‪ .‬فيام يغطي زغب‬
‫كثيف األوراق احلية منه‪ ،‬وبسمك يصل أحيان ًا بني ‪ 3 - 2‬سم‪ .‬ويعمل هذا الزغب‬
‫الكثيف عىل رفع درجة حرارة الورقة النباتية يف مثل هذه البيئة اجلبلية الباردة وذلك‬
‫بتكوينه فجوة هوائية فوق سط الورقة تقلل بدورها من ضـياع احلـرارة باحلمـل‪.‬‬
‫ويكون عمل الزغب الذي يتميز به هذا النبات اجلبيل شبيه ًا بعمل الفـرو احليـواين‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ويقوم الورد العمالق باالحتفاظ بعدة لرتات من املـاء يف داخـل عناقيـده الزهريـة‬
‫الضخمة املجوفة‪ .‬وألن املاء يفقد حرارته ببطء‪ ،‬فأن هـذا القـدر القليـل مـن امليـاه‬
‫الدافئة يقلل من إمكانية انجامد النبات ليالً‪ .‬كـام يكـون عمـل أوراق النبـات شـبيه‬
‫بعمل املرايا املقعرة‪ ،‬وذلك لتسخني القمم الربعمية للنبتة‪ ،‬فيام يلجأ النبات إىل غلق‬
‫قممه الربعمية لي ً‬
‫ال حلاميتها من التجمد‪ .‬وهبذه األسـاليب املتنوعـة العجيبـة‪ ،‬يقـي‬
‫نبات الورد العمالق نفسه من التباين احلراري الكبـري بـني الليـل والنهـار يف تلـك‬
‫البيئات اجلبلية‪.‬‬
‫‪2‬ـ التكيف احلراري للحيوانات‪:‬‬
‫إن مــن أفضــل األمثلــة عــىل قــدرة بعــض‬
‫احليوانــات عــىل التكيــف احلــراري يكمــن يف‬
‫جبال األنديز‪ ،‬حيث يعيش هنـاك أحـد أنـوع‬
‫‪.Liolaemus‬‬ ‫السحايل مـن نـوع ‪multiformis‬‬
‫وقد قام بعض علامء البيئـة بدراسـة تفصـيلية‬
‫سحلية جبال األنديز‪ ..‬مثال رائع على التكيف‬
‫مع درجات الحرارة الشديدة البرودة‬ ‫هلذا النوع من السـحايل التـي ينـدر يف العـادة‬
‫حتملها العيش يف بيئة شديدة الربودة كجبال األنديز األمريكية اجلنوبية وعىل ارتفاع‬
‫ّ‬
‫يزيد عن ‪ 4800‬مرت فوق مستوى البحر‪ .‬ففي مثل هذه البيئات‪ ،‬يكون اجلـو بـارد ًا‬
‫عىل مدار السنة ودرجات حرارة الصباح تنخفض إىل مـا يقـرب مـن ‪ْ 5-‬م‪ .‬لكـن‬
‫هذا النوع من السحايل يقيض الليل خمتبئ ًا يف جحر‪ ،‬حيث تكون أجواء الـربودة فيـه‬
‫أقل مما عليه يف العراء اخلارجي‪ .‬ومـع هـذا وجـد العلـامء أن درجـة حـرارة جسـم‬
‫السحلية خالل الليل قد تظل منخفض ًة إىل حدود ‪ْ 2.5‬م‪ .‬وما أن حيل أول الصباح‪،‬‬
‫حتى خترج هذه السحلية من جحرها وتأخذ فور ًا بالتشـمس واالسـتمتاع بالضـوء‬
‫والدفء‪ ،‬وتقف عاد ًة فوق قطعة من بقايا نباتية‪ .‬وببقائها جاثمة فوق تلـك القطعـة‬

‫‪66‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫النباتية وحتاشيها مالمسة األحجار من حتتها‪ ،‬فإهنا تقلل بـذلك مـن معـدل فقـدان‬
‫احلرارة بالتوصيل عرب األرض‪.‬‬
‫وبينام تأخذ هذه السحلية بالتشمس‪ ،‬فإهنا تقف بوجه الشـمس لكـي تزيـد‬
‫من اكتساهبا للحرارة اإلشعاعية‪ .‬كام أهنا تفرش نفسها فوق األرض لكي تقلل مـن‬
‫تعرضها للرياح الباردة ومن ثم تتجنب فقدان احلرارة باحلمـل‪ .‬فضـ ً‬
‫ال عـن ذلـك‪،‬‬
‫الحظ العلامء أن هذه السحايل خترج من خمدعها وهي داكنة اللون‪ .‬وقد عللوا ذلك‬
‫بأن اللون الداكن يمنحها زيادة يف اكتساب احلرارة اإلشعاعية‪ .‬وقد تبني هلم أن هذه‬
‫السلوكيات التي تتبعها سحلية جبال األنديز تؤدي إىل رفـع رسيـع لدرجـة حـرارة‬
‫جسمها‪ .‬فبعد ميض ساعة من عملية التشمس‪ ،‬وبيـنام تكـون درجـة حـرارة اهلـواء‬
‫بحدود ‪ ْ 1.5‬م‪ ،‬فأن درجة حرارة جسم السـحلية تصـل حينهـا إىل نحـو ‪ْ 33‬م‪ ،‬أي‬
‫أعىل بأكثر من ‪ْ 30‬م عن درجة حرارة اهلواء املحـيط‪ .‬ومـع تقـدم سـاعات النهـار‪،‬‬
‫وارتفاع درجة حرارة اهلواء تدرجيي ًا‪ ،‬تظل السحلية حمافظة عىل حرارة جسمها ثابتـ ًة‬
‫تقريب ًا وبحدود ‪ْ 35‬م‪.‬‬

‫التكيف مع الماء‬
‫تلجأ النباتات واحليوانات الربية إىل تنظيم مياهها الباطنية عرب املوازنة ما بني الـوارد‬
‫والفاقد املائي‪ .‬إذ حني تنتقل الكائنات احلية إىل البيئـة الربيـة‪ ،‬فإهنـا تواجـه حتـديني‬
‫بيئيني رئيسني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أ‪ .‬حدوث ضائعات مائية كبرية إىل البيئة بفعل التبخر‪.‬‬
‫ب‪ .‬ضألة فرص احلصول عىل ماء بديل‪.‬‬
‫عىل أن الكائنات الربية استعانت بكثري من أساليب التكيف ملواجهـة هـذه‬
‫التحديات واكتساب القدرة عىل تنظيم املاء املوجود يف جوفها‪ .‬وهنا بعـض األمثلـة‬
‫عىل ذلك‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪1‬ـ احلصول عىل املاء لدى احليوانات‪:‬‬


‫حتصل بعض احليوانات التي تعيش يف الصحاري القاحلة عىل املـاء النـادر الوجـود‬
‫ال بطرائق عجيبة غريبة‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬تتسم صحراء ناميب ‪ Namib‬الواقعة‬‫أص ً‬
‫عىل الساحل اجلنويب الغريب من أفريقيا بضآلة كمية األمطار التي هتطل فوقهـا لكـن‬
‫الضباب يلفها دوم ًا‪ .‬وتعد هـذه الرطوبـة اهلوائيـة املصـدر املـائي الوحيـد لـبعض‬
‫احليوانات املوجودة يف هذه الصحراء‪ .‬ومن بني هذه احليوانـات خنفسـاء مـن نـوع‬
‫‪ ،Lepidochora‬حتصــل عــىل املــاء بطريقــة‬
‫هندسية‪ .‬إذ تقوم هذه اخلنفساء بحفر أخاديـد‬
‫عــىل ســط الكثبــان الرمليــة ألجــل تكثيــف‬
‫الضباب وتركيزه‪ .‬وترسي الرطوبة املتجمعـة‬
‫يف هــذه األخاديــد إىل الطــرف األدنــى منهــا‪،‬‬
‫تحفر بعض أنواع الخنافس في صحراء ناميب‪..‬‬
‫أخاديد على األرض لتكثف الضباب وتروي‬
‫عطشها‬
‫حيث تنتظرهـا اخلنفسـاء هنـاك لرتتـوي مـن‬
‫ماءها‪.‬‬
‫ثمة نوع أخر من اخلنـافس أخـر يـدعى ‪ ،Onymacris unguicularis‬يقـوم‬
‫بجمع الرطوبة من خالل رفع اجلـزء األخـري مـن جسـمه‪ ،‬حيـث يســري بـذلك‬
‫الضباب املتكاثف عىل جسم هذا اخلنفس وصوالً إىل فمه‪ .‬وحيصل هذا النـوع مـن‬
‫اخلنافس عـىل املـاء أيضـ ًا مـن الطعـام الـذي‬
‫يأكله‪ .‬إذ يكون جزء مـن هـذا املـاء ممتصـ ًا يف‬
‫داخــل أنســجة الغــذاء‪ .‬ويظهــر املــاء املتبقــي‬
‫عنـــدما تقـــوم اخلنفســـاء بعمليـــة تـــأييض‬
‫الكربوهيـــدرات والربوتينـــات والـــدهون‬
‫ثمة نوع أخر‪ ..‬يرفع جسمه الستقبال الرياح‬
‫الرطبة نسبي ًا‪ ..‬فتتحول إلى قطرات ماء وتشربها‬ ‫املوجودة يف ذلك الغذاء‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪2‬ـ احلصول عىل املاء لدى النباتات‪:‬‬


‫يعد نبـات الصـبري مثـاالً ممتـاز ًا عـىل تكيـف النباتـات مـع نـدرة امليـاه يف املنـاطق‬
‫الصحراوية‪ .‬إذ أنه يتبع طريقة فريدة يف احلصول عـىل املـاء واحلفـاظ عليـه يف ظـل‬
‫ظروف اجلفاف والقحط الشديد‪ .‬فجذع النبات وأذرعه تكون بمثابـة مسـتودعات‬
‫متّكن الصبري من خزن كميات كبـرية مـن املـاء عنـد هطـول األمطـار‪ .‬لكـن يقـوم‬
‫النبات‪ ،‬خالل فرتات اجلفاف‪ ،‬بسحب املـاء مـن هـذه‬
‫املستودعات لريتوي منها وهبذا يستطيع البقاء لفـرتات‬
‫طويلة بدون ماء‪ .‬وعند هطول األمطـار مـرة أخـرى‪،‬‬
‫يستطيع الصبري استيعاب كميات كبرية من املاء‪ ،‬مـثلام‬
‫يفعل اجلمل لدى بلوغه واحة ما‪ ،‬لكن بدالً من رشهبا‬
‫فأنه حيصل عليها من خالل شـبكته اجلذريـة الضـحلة‬
‫الكثيفة‪ .‬ومتتد جذوره هذه بشكل دائري تقريب ًا ملسـافة‬
‫تعادل حوايل ارتفـاع النبـات نفسـه‪ .‬فـإذا كـان طـول‬
‫ينجو الصبير من عطش الصحراء‪..‬‬
‫بفضل أساليبه الناجحة في الحصول‬ ‫النبات ‪ 15‬مرت ًا مثالً‪ ،‬فهـذا معنـاه أن جـذوره تغطـي‬
‫على الماء والحفاظ عليه‬
‫مساحة قدرها ‪ 700‬م عرب الرتبة‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫يلج ًا الصبري أيض ًا إىل التقليل بطرق عدة من معدل فقدان املاء الذي حيصل‬
‫بواسطة التبخر النت ‪ .‬الطريقة األوىل‪ ،‬جلوئه إىل إغالق ثغوره يف أثنـاء فـرتة النهـار‬
‫حني تكون الضائعات املائية بواسطة النت عىل أشـدها‪ .‬وعنـدما يتضـافر حـدوث‬
‫النت مع الشمس الالهبة‪ ،‬ترتفع درجة احلرارة الداخلية لنبات الصبري إىل أكثر مـن‬
‫‪ o50‬م‪ ،‬وهي أعىل درجة حرارة مسجلة يف عامل النبات‪ .‬إال أن ارتفاع درجة حرارته‬
‫هبذا الشكل قد تكون ميزة حسنة ال سيئة‪ ،‬ذلك ألن الصبري هبذه الوسـيلة يسـتطيع‬
‫تقليص الفارق مع حرارة اهلواء املحيط‪ ،‬متجنب ًا فقدان مياهه بطريقة التبخـر النـت ‪.‬‬
‫كام أن بمقدور الصبري حفظ مياهه يف جوفـه بفضـل وجـود طبقـة مـن الشـعريات‬

‫‪69‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫واألشواك العازلة للحرارة التي تغطي أذرع النبات وجذعه‪ ،‬إذ تعمل هـذه الطبقـة‬
‫عىل عكس أشعة الشمس الساطعة وتوفري ظل لألطراف النامية من النبات‪ .‬وهبـذه‬
‫التكتيكات الفريدة‪ ،‬ينجو النبات من عطش حمقق يف ظل ظروف الصحراء املجدبة‪.‬‬

‫التنافس‬
‫‪ Interspecific‬هو ذلك التفاعل القائم عىل تنـافس‬ ‫التنافس االحيائي ‪competition‬‬
‫نوعني أو أكثر من األحياء عىل استخدام مورد حمدود ما‪ .‬فمـثالً‪ ،‬يتنـافس كـل مـن‬
‫األسود والضباع عىل نفس الفريسة كأن تكون جاموسـ ًا أفريقيـ ًا أو محـار ًا وحشـي ًا‪.‬‬
‫وعىل الغرار ذاته‪ ،‬تتنافس كثري من األنواع النباتية عىل الرتبة وعىل ضوء الشمس‪ .‬إذ‬
‫تقوم بعض األنواع من النباتات بمنع أنواع ًا أخرى من النمو بجوارهـا وذلـك مـن‬
‫خالل إفراز سموم إىل الرتبة‪ .‬وبمقتضــى قـانون التنـافس‪ ،‬لـو تنافسـت مجاعتـان‬
‫احيائيتان عىل مورد ما‪ ،‬فقـد يـؤدي ذلـك إىل‬
‫تناقص يف عدد أحد املنافسني أو القضاء عليـه‬
‫هنائي ًا‪ .‬وغالب ًا ما يكون أحد األنواع أكثر مقدرة‬
‫وكفاءة من األخر عىل استغالل مـورد معـني‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬فسوف لـن يكـون مـن حصـة‬
‫حينما تكون الفريسة مشتركة بين مفترسين‪..‬‬
‫فأن التنافس بينهما يكون على أشده‬ ‫النوع املنافس األخر سوى النـزر اليسـري مـن‬
‫املورد املتنافس عليه‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويكون التنافس بني األحياء عىل األشكال اآلتية‪:‬‬
‫التنافس اإلقصائي‬
‫قام بعض علامء البيئة بإجراء جتارب خمتربية لدراسـة التنـافس مـا بـني األحيـاء‪ .‬إذ‬
‫قاموا‪ ،‬مثالً‪ ،‬بأخذ أنابيب اختبـار ووضـعوا يف داخلهـا طعامـ ًا بكترييـ ًا‪ .‬واختـاروا‬
‫دراسة نوعني من الكائنـات األحاديـة اخلليـة تـدعى الباراميسـيوم‪ .‬فزرعـوا نـوع‬

‫‪70‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ Paramecium caudtum‬يف انبوب اختبار مستقل ونـوع ‪ Paramecium aurelia‬يف‬


‫انبوب أخر‪ ،‬وما كان إال أن تكاثر كال النوعني فيهام بشكل طبيعي‪ .‬لكـن حيـنام تـم‬
‫مجعهام يف انبوب اختبار واحد‪ ،‬كان نوع ‪ P.caudtum‬يموت دائ ًام ألن النوع األخـر‬
‫(‪ (P.aurelia‬كان أكثر كفاءة منه يف املنافسة عىل البكرتيا‪ .‬وهلذا يطلـق علـامء البيئـة‬
‫تعبري التنافس اإلقصائي ‪ Competitive exclusion‬لوصف احلاالت التي جيري فيها‬
‫إقصاء نوع معني من االحياء من جمتمع احيائي ما بسبب املنافسة عىل املورد املحدود‬
‫نفسه‪ .‬وعليه فأن التنافس اإلقصائي حيدث حينام يستهلك أحد األنواع احلية املـورد‬
‫املحدود بكفاءة أعىل مما يفعله النوع األخر‪.‬‬
‫من األمثلة املشهورة األخرى عن التنافس االحيائي يف الطبيعة هـو دراسـة‬
‫أجريت عىل نوعني بحريني من هـدابيات االرجـل يعيشـان عـىل امتـداد السـاحل‬
‫‪ .Chthamalus‬إذ يتواجــد‬ ‫االســكتلندي‪ ،‬مهــا ‪ Balanus balanoides‬و ‪stellatus‬‬
‫كليهام يف املنطقة املحصورة ما بني نطاق املد واجلزر‪ ،‬حيـث تنكشـف هـذه املنطقـة‬
‫وينحرس عنها ماء البحر يف حالة اجلزر‪ .‬ومثلام يتض من الشـكل ‪ ،3 – 1‬فـأن كـال‬
‫هذين النوعني يشكالن جتمع ًا خاص ًا هبام ضمن هذا النطاق مـن املنطقـة السـاحلية‪.‬‬
‫فنوع ‪ Chthamalus‬حيتل اجلزء العلوي من الصخور بعكس النوع األخر ‪.Balanus‬‬
‫وقد تبني لدى علامء البيئة أن هذا االختالف يرجع جزئي ًا إىل عامل املنافسة‪ .‬فحيـنام‬
‫تم نقل صخرة مغطاة هبدابيات من نوع ‪ Chthamalus‬إىل املنطقة الساحلية السفلية‪،‬‬
‫بدى أن هذا النوع بإمكانه العيش والتكيـف مـع الظـروف يف هـذه املنطقـة‪ .‬لكـن‬
‫رسعان ما زحف النوع األخر ‪ Balanus‬عىل الصخرة ثم ما لبث يف النهاية أن توطن‬
‫فوقها كامل ًة طارد ًا النوع األخر نحو اجلزء األعىل‪ .‬وعىل هذا خلـص العلـامء إىل أن‬
‫املنافسة إنام تعمل عىل تضييق نطاق تواجد النوع ‪ .Chthamalus‬وعـىل الـرغم مـن‬
‫إمكانية نوع ‪ Chthamalus‬من العيش يف املنطقة السفىل‪ ،‬فأن منافسـة نـوع ‪Balanus‬‬
‫له منعته من القيـام بـذلك‪ .‬ولكـن يف اجلـزء العلـوي مـن الصـخور‪ ،‬ال جيـد نـوع‬

‫‪71‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ Chthamalus‬من ينافسه هناك ألن بوسعه العيش يف ظروف اجلفاف عنـد انحسـار‬
‫ماء البحر فيام ال يستطيع نوع ‪ Balanus‬فعل ذلك‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)3 – 1‬التنافس االحيائي بني نوعني من هدابيات االرجل ضمن املنطقة الساحلية‪.‬‬

‫التنافس املؤدي إلى تقليص حجم املوئل‬


‫سبقت اإلشارة إىل أمهية الدور التي يؤديه املوئل بالنسبة للكائن احلي‪ .‬عـىل أن هـذا‬
‫الدور قد يتفاوت بحسب التفاعالت مع أنواع احيائية أخرى‪ .‬وهلـذا‪ ،‬يلجـأ علـامء‬
‫البيئة إىل التفريق بني ما يسمى باملوئل األسايس واملوئل الفعيل للكـائن احلـي‪ .‬فأمـا‬
‫املوئل األسايس ‪ Fundamental niche‬فيقصد بـه ذلـك املـدى مـن الظـروف التـي‬
‫يمكن للكائن احلي العيش والبقاء يف ظله وذلك املدى مـن املـوارد الـذي يسـتطيع‬
‫بموجبه استغالهلا‪ .‬ولكن غالب ًا ما تعمل املنافسة واالفرتاس عىل تقليص إمكانيـات‬
‫استفادة الكائن احلي من تلك املديات‪ .‬وهنـا يـربز املوئـل الفعـيل ‪Realized niche‬‬
‫الذي يقصد به ذلك اجلزء من املوئل الـذي تتواجـد فيـه بالضـبط الكائنـات احليـة‬
‫وتستغل فعلي ًا املوارد املتاحة فيه (أنظر الشكل ‪.)3 – 1‬‬
‫املنافسة وتغيير الصفات‬
‫إن للتنافس قدرة عىل التأثري يف طبيعة أي جمتمع احيائي تأثري ًا بالغ ًا‪ .‬فقد يتغري قانون‬
‫التنافس بني األحياء ضمن جمتمع ما بحسب فوز املتنافسني أو خسـارهتم أو بسـبب‬

‫‪72‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫نشوء فوارق ختفف من شدة التنافس‪ .‬وحينام توجد فـوارق بـني املتنافسـني ينشـط‬
‫عامل االنتقاء الطبيعي‪ ،‬خصوص ًا يف حالة تـداخل موائـل املتنافسـني مـع بعضـها‪.‬‬
‫ويدعى هذا النشوء يف الفوارق بني صـفات الكائنـات احليـة الناشـت عـن املنافسـة‬
‫بتغيري الصفات ‪ .Character displacement‬ذلك أن هذا التغيري يعـد طريقـة للحـد‬
‫من تداخل املوائل مع بعضها‪.‬‬
‫تعد مناقري عصافري جزيرة غالباكوس ‪ Galapagos‬مثاالً عن هذا الضــرب‬
‫من املنافسة‪ .‬إذ تتغذى كثري من هذه العصـافري املتجـاورة عـىل أطعمـة توفرهـا هلـا‬
‫بعض النباتات يف اجلزيرة‪ .‬فض ً‬
‫ال عـن ذلـك‪ ،‬فـأن هـذه العصـافري تتنـاول غـذائها‬
‫بحسب حجم الطعام املتاح وحجم مناقريها‪ .‬فعند مقارنـة حجـم منقـار كـل نـوع‬
‫بحجم مناقري األنواع األخرى‪ ،‬ظهر أن أكرب فرق يف حجم املناقري يقع بـني األنـواع‬
‫التي تتشارك العيش يف هذه اجلزيرة (الشكل ‪ .)3 – 2‬ولذا فأن االختالف يف حجم‬
‫املناقري قلل من حصول التنافس بني هذه األنواع من الطيور ألنه سـم لكـل منهـا‬
‫بالتغذي عىل حجم خمتلف من الطعام‪.‬‬

‫الشكل (‪ :) 3 – 2‬تغيري صفات وأشكال مناقري عصافري جزيرة غالباكوس بحسب نوع الطعام‬
‫كوسيلة لتجنب املنافسة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املنافسة وتقاسم املورد‬


‫من املرج أن يكون التنافس عىل أشده بني األنواع املتشاهبة التـي حتتـاج إىل املـورد‬
‫نفسه‪ .‬فعندما يتواجد نوعان متشاهبان من األنواع‪ ،‬فقد يعمل كـل نـوع مـنهام عـىل‬
‫جتنب التنافس مع النوع األخـر وذلـك باسـتغالل جـزء معـني مـن املـورد املتـاح‪.‬‬
‫‪ .Resource‬ويعد مثـال‬ ‫ويسمى هذا النمط من املنافسة بتقاسم املورد ‪partitioning‬‬
‫الطيور املغردة التي تعيش يف غابات الصـنوبر‪ ،‬الـذي سـبق عرضـه يف صـدر هـذا‬
‫الكتاب مثاالً ممتاز ًا عىل هذه احلالة (راجع الفصل األول)‪.‬‬

‫االفتراس‬
‫يقصــد بــاالفرتاس ‪ ،Predation‬قيــام نــوع معــني مــن األحيــاء ويــدعى بــاملفرتس‬
‫‪ ،Predator‬بأكل والتهام نـوع أخـر مـن الكائنـات كلـه أو جـزء منـه‪ ،‬فيـدعى ذاك‬
‫بالفريسة ‪ .Prey‬ويعد االفرتاس قوة فعالة يف أي جمتمع احيائي‪ .‬إذ تؤثر العالقـة مـا‬
‫بني املفرتس والفريسة يف حجم كل مجاعة احيائية كام تـؤثر يف مكـان تواجـدها ويف‬
‫طريقة عيشها‪ .‬وعاد ًة ما يتمثل االفرتاس باللواحم (التي تتغـذى عـىل احليوانـات)‬
‫وبالعواشب (التي تتغذى عىل النباتات)‪ .‬ويمكن لكثري من الكائنات أن تؤدي دور ًا‬
‫مزدوج ًا‪ ،‬فتار ًة تكون مفرتسات وتار ًة أخـرى تكـون فريسـة لغريهـا‪ .‬وتعـد مجيـع‬
‫الكائنات غري ذاتية التغذية أما مفرتسات أو متطفالت أو كليهام مع ًا‪.‬‬

‫الوسائل الهجومية للمفترسات‬


‫لقد طورت املفرتسات لنفسـها‪ ،‬بحكـم االنتقـاء الطبيعـي‪ ،‬العديـد مـن الوسـائل‬
‫اهلجومية التي متّكنها من العثور عىل فرائسها واصـطيادها والتهامهـا‪ .‬فعـىل سـبيل‬
‫املثال‪ ،‬تتمتع األفعى املجلجلة (ذات اجلرس) بحاسة شم حادة وبفتحات متحسسة‬
‫للحرارة تقع حتت أنفيها‪ .‬إذ متّكن هذه الفتحات األفعى من الكشف عـن الفـرائس‬

‫‪74‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ذوات الدم احلار‪ ،‬حتى يف الظالم احلالك‪ .‬كام‬


‫ـم لشــل‬
‫تســتخدم الكثــري مــن األفــاعي السـ ّ‬
‫فريستها أو قتلها‪.‬‬
‫من الوسائل األخرى املسـاعدة عـىل‬
‫االفرتاس الشبكات الالصقة التي تستخدمها‬
‫لألفعى المجللة مجسات حرارية لكشف فرائسها‪..‬‬
‫جعلت منها مفترس ًا شرس ًا‬ ‫العناكب لإلمساك بفريستها‪ ،‬واألسنان احلادة‬
‫لتمزيق اللحم وتقطيعه لدى الذئاب ومعظم السنوريات‪ ،‬والرسعــة اخلارقـة التـي‬
‫تتمتع هبا الفهود الصيادة ملطاردة فريستها‪ ،‬واجللـد املـرقط للنمـور الـذي يمنحهـا‬
‫إمكانية متويه فريستها بني احلشائش‪ .‬كام تتمتع معظـم العواشـب بفكـوك وأسـنان‬
‫متّكنها من قطع النباتات القاسية وقضمها ومضغها‪.‬‬
‫هذا ويعتمد بقاء املفرتس عىل قدرته يف احلصول عـىل الطعـام‪ ،‬فـيام تعتمـد‬
‫الفريسة يف بقائها عىل قدرهتا يف جتنب إمسـاك املفرتسـات هبـا‪ .‬ولـذلك‪ ،‬فقـد كـان‬
‫لالنتقاء الطبيعي دور أيض ًا يف جرب الفرائس عىل أن تطور لنفسها وسائل متّكنها مـن‬
‫اهلروب من مفرتساهتا أو حتاشيها أو االفالت منها بأي شكل من األشكال‪.‬‬

‫الوسائل الدفاعية لدى الفرائس‬


‫للفرائس‪ ،‬كام ذكرنا‪ ،‬وسائلها الدفاعيـة اخلاصـة للـتخلص مـن املفرتسـات‪ .‬وهـي‬
‫تتنوع بني الفرائس احليوانية والنباتية‪ .‬لنتبني كليهام‪:‬‬
‫وسائل دفاع الفرائس الحيوانية‬
‫بوسع احليوانات أن تتالىف إمساك املفرتسات هبا بوسائل عـدة‪ .‬فـبعض احليوانـات‬
‫تفر بمجرد اقرتاب املفرتس‪ ،‬وبعضها األخر يلجأ إىل االختباء أو يتظاهر عـىل هيئـة‬
‫يشء ال يصل لألكل‪ .‬وهناك من احليوانات من يستخدم مظاهر خادعة‪ ،‬كأن تكون‬
‫هلا عيون ًا ومهية أو رؤوس ًا كاذبة إلخافة املفـرتس‪ .‬كـام أن لـدى احليوانـات وسـائل‬

‫‪75‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ال يفرز ضفدع األمازون سموم ًا ويستخدم ألوان ًا براقـة لتحـذير‬


‫دفاع كيميائية‪ ،‬فمث ً‬
‫املفرتسات من سميته‪.‬‬

‫ضفدع األمازون السام‪ ..‬يحمل السم في‬ ‫سرعوف الورقة الخضراء‪..‬‬


‫جسمه ويتلون بألوان براقة‪ ..‬لتحذير المفترسات‬ ‫يخدع المفترسات بكونه شيء ال يصلح لألكل‬

‫يف حالة التنكـر البيئـي ‪ ،Mimicry‬يقـوم نـوع معـني مـن الكائنـات احليـة‬
‫بمحاكاة نوع أخر والتشبه به متام ًا‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬حتاكي أفعى امللك غري املؤذيـة‬
‫األفعى املرجانية السامة لالستفادة من ألواهنا الرباقة يف التحذير من افرتاسـها‪ .‬كـام‬
‫تتشبه فراشة امللك بالفراشة األمريكية املعروفة باسم فايرسوي مـن حيـث احلجـم‬
‫والشكل واأللوان‪ .‬ويعتقد أن األوىل مستساغة الطعم لـدى الطيـور‪ ،‬عـىل عكـس‬
‫الثانية‪ .‬وهبذا تنجو الفراشة األمريكية من الطيور بفضل تشاهبها مع فراشـة امللـك‪.‬‬
‫ويدعى هذا الشكل من التنكر بالتنكر الباتسيني ‪.Batesian mimicry‬‬

‫أفعى الملك غير المؤذية‪ ..‬تتشبه بنفس ألوان‬ ‫األفعى المرجانية السامة‪..‬‬
‫األفعى المرجانية لتبعد خطر المفترسات عنها‬ ‫ألوانها البراقة إشارة تحذير للمفترسات‬

‫يدعى الشكل األخر بالتنكر املولري ‪ ،Mullerian mimicry‬وحيـدث حيـنام‬


‫يبدو نوعا ن أو أكثر من األحياء اخلطرة أو املقززة متشاهبني يف مظهرمها‪ .‬فعىل سبيل‬

‫‪76‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املثال‪ ،‬تتنكر العديد من أنواع النحل والدبابري بأنامط متشاهبة من اخلطـوط املتعاقبـة‬
‫الصفراء والسـوداء اللـون‪ .‬ويسـتفيد كـال النـوعني مـن هـذا الشـكل للتنكـر ألن‬
‫املفرتسات تعلمت جتنب الكائنات ذات املظهر املتشابه‪.‬‬

‫وسائل دفاع الفرائس النباتية‬


‫ال تستطيع النباتات أن تلوذ بالفرار من مفرتسـاهتا مـثلام تفعـل احليوانـات‪ ،‬بـل أن‬
‫الكثري منها بدالً عن ذلك طور لنفسه وسائل دفاعية حتميـه مـن األكـل وااللتهـام‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم هذه الوسائل إىل فيزيائية وأخرى كيميائية‪ .‬فأما الوسائل الفيزيائيـة‪،‬‬
‫كاألشواك والنتوءات احلادة والشعريات اللزجة واألوراق القاسية‪ ،‬فهي تعمل عىل‬
‫زيادة صعوبة التهام النبات‪ .‬وأما وسائل الدفاع الكيميائية املتمثلة بالسموم واملـواد‬
‫املهيجة واملذاق الالذع‪ ،‬فهي غالب ًا ما تكون عبارة عن نواتج ثانوية لعملية التـأييض‬
‫‪ .Secondary‬ومثـال‬ ‫التي يقوم هبا النبات فتسمى باملركّبـات الثانويـة ‪compounds‬‬
‫تلك املركّبات الثانويـة التـي تقـوم بالوظيفـة‬
‫الدفاعية مادة اإلسرتكنني ‪ ،Strychnine‬الذي‬
‫تنتجـه النباتـات مــن الفصـيلة اإلســرتوكنية‪،‬‬
‫وأيض ًا مادة النيكوتني ‪ Nicotine‬التـي ينتجهـا‬
‫نبات التبغ‪ .‬أما شجر اللبالب السام والبلـوط‬
‫شجر اللبالب السام‪ ..‬يفرز على أرواقه‬
‫مادة كيمائية مهيجة تسبب حساسية شديدة لكل من‬ ‫السام فينتجان مادة كيامئية مهيجة تسبب إثارة‬
‫حساســـية شـــديدة للجلـــد لـــدى بعـــض‬
‫يلمسها كوسيلة للدفاع عن نفسه‬

‫احليوانات‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التكافل‬
‫التكافل ‪ Symbiosis‬هو عالقة محيمة طويلة األمد تقوم بـني فـردين مـن الكائنـات‬
‫احلية‪ .‬وتكون هذه العالقة التكافلية عىل ثالثة أشكال‪ ،‬هي‪ :‬التطفل وتبـادل املنفعـة‬
‫واالعتياش‪ .‬فأما التطفل ‪ Parasitism‬فهو عالقة تؤدي إىل ترضر أحد الكائنني فـيام‬
‫ينتفع الكائن األخـر‪ .‬وأمـا تبـادل املنفعـة ‪ Mutualism‬فهـي العالقـة التـي حيصـل‬
‫بموجبها كال الكائنني عىل فائدة ما‪ .‬فيام يقصد باالعتياش ‪ Commensalism‬انتفـاع‬
‫أحد الكائنني يف مقابل عدم استفادة الكائن األخر وال ترضره‪.‬‬
‫لنأيت اآلن إىل تناول هذه املفاهيم الثالثة بيشء من التفصيل‪:‬‬
‫التطفل‬
‫يشبه التطفل االفرتاس من ناحية أن أحد الكائنات احلية‪ ،‬املسـمى باملضـيف ‪،Host‬‬
‫يلحق به رضر فيام ينتفع الكائن األخر‪ ،‬املسمى بـالطفييل ‪ .Parasite‬لكـن التطفـل‪،‬‬
‫وعىل خالف كثري مـن أشـكال االفـرتاس‪ ،‬ال يفضــي يف العـادة إىل مـوت مبـارش‬
‫للمضيف‪ .‬فبشكل عام‪ ،‬يظل الطفييل يقتات عىل املضيف ملدة طويلة قبل أن يقتلـه‪.‬‬
‫وتسمى طفيليات مثل امل ّن والقمل والعلق والرباغيث والقرا ّد والبعوض التي تبقى‬
‫تقتات عىل اجلزء اخلارجي من مضيفها بالطفيليـات اخلارجيـة ‪ .Ectoparasites‬أمـا‬
‫الطفيليات التـي تعـيش يف داخـل جسـم مضـيفها فتـدعى بالطفيليـات الداخليـة‬
‫‪ .Endoparasites‬ومــن الطفيليــات الداخليــة‬
‫الشهرية الديدان القلبية والفريوسات املرضية‬
‫والديــدان الشـــريطية‪ .‬وقــد كــان لالنتقــاء‬
‫الطبيعي دور يف جعل الطفييل يستغل مضـيفه‬
‫أبشع استغالل‪ .‬فالطفيليات يف العادة خلقـت‬
‫تعد الديدان الشريطية من الطفيليات الداخلية‪..‬‬
‫وتقضي حياتها كلها في استغالل جوف مضيفها‬
‫من الناحيـة التشــرحيية والفسـلجية لـتامرس‬
‫التطفل طوال حياهتا‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫قد يكون للطفيليات تأثري سلبي قوي عىل صحة املضيف وعىل تكاثره‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬فقد طورت املضيفات جمموعة من الدفاعات لتحصني نفسها من‬
‫الطفيليات‪ .‬ويعد اجللد وسيلة دفاعية مهمة تقي املضيف من اخرتاق الطفيليات‬
‫جلسمه‪ .‬كام تعد الدموع والبصاق واملخاط وسائل دفاعية أولية ضد أي خرق من‬
‫قبل الطفيليات للعيون أو للفم أو لألنف‪ .‬ويف األخري تعمل خاليا اجلهاز املناعي‬
‫عىل مهامجة الطفيليات من تلك التي تنج يف اخرتاق هذه الدفاعات السابقة‪.‬‬
‫قد تكون كثري من الفطريات والنباتات املتسلقة طفيلية يف طبيعتها أيض ًا‪.‬‬
‫فمثالً‪ ،‬يفقد النبات املعرتش مادته اخلرضاء‬
‫وأوراقه خالل مراحل نموه حتى يصل إىل‬
‫مرحلة عدم القدرة عىل صنع غذائه بنفسه‪.‬‬
‫ولتعويض ذلك‪ ،‬يقوم هذا النبات باحلصول‬
‫عىل الغذاء من النباتات املضيفة له التي ينمو‬
‫يلتف النبات المعترش حول النبات المضيف‪..‬‬
‫ويمتص العناصر الغذائية منه‬ ‫ويتسلق عليها‪ ،‬بعد غرس ما يشبه األسنان يف‬
‫جسد النبات األخر وامتصاص غذائه منها‪.‬‬

‫تبادل املنفعة‬
‫مثلام سبقت اإلشارة‪ ،‬فأن تبادل املنفعة هو عالقة حيصل بموجبها كال الطـرفني مـن‬
‫الكائنات احلية عىل بعض املنفعة من الطرف األخر‪ .‬وتكون بعض العالقات القائمة‬
‫عىل تبادل املنفعة محيمة جد ًا لدرجة أن أحد الطرفني ال يستطيع العيش بدون وجود‬
‫الطرف األخر‪.‬‬
‫من أهم عالقات تبادل املنفعة يف العامل هو التلقي ‪ .‬وتدعى احليوانات التي‬
‫تنقل حبوب اللقاح بني النباتات الزهرية بامللقحـات ‪ ،Pollinators‬وأمثاهلـا النحـل‬
‫رشك‬
‫والفراش والذباب واخلنافس واخلفـافيش والطيـور‪ .‬فـالزهرة تكـون بمثابـة َ َ‬
‫جتذب إليها امللقحات بفضل إغراء ألواهنا أو أشـكاهلا أو عطرهـا‪ .‬يف املقابـل يقـوم‬

‫‪79‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫النبات عاد ًة بتوفري الغذاء للملقحات‪ ،‬وذلـك يف صـورة رحيـق أو حبـوب لقـاح‪.‬‬
‫وحينام يتغذى ملق ما عىل زهرة معينة‪ ،‬يعلق فيه كميـة مـن حبـوب اللقـاح التـي‬
‫حيملها إىل زهرة أخرى من النوع نفسه‪ ،‬وبذلك تتلق األزهار فيام بينها‪.‬‬
‫من األمثلة األخرى عىل تبادل املنفعـة‬
‫هو العالقة القائمة بني النمـل ونبـات األقاقيـا‬
‫‪ .Acacia‬إذ يبنــي النمــل أعشاشــه يف جــوف‬
‫األشواك الضخمة لشجرة األقاقيا وحيصل عىل‬
‫الطعام منها‪ .‬وباملقابل‪ ،‬يقوم النمل بحامية هذه‬
‫يتبادل شجر األقاقيا والنمل المنفعة بينهما‪..‬‬ ‫الشجرة من أكالت األعشاب واحلرشات ومن‬
‫فاألول يوفر المأوى والطعام والثاني يوفر‬
‫الحماية‬ ‫مزامحة النباتات املنافسة هلا‪.‬‬
‫ثمة مثال أخر عىل تبادل املنفعة هو العالقة بني‬
‫طيور البلشون األبيض واجلاموس األفريقي يف تنزانيا‪.‬‬
‫إذ تنتفع هذه الطيور وتتغذى عـىل حيوانـات صـغرية‬
‫مثل احلرشات والسحايل التي جتربها حركة اجلـاموس‬
‫عــرب احلشــائش عــىل اخلــروج مــن خمابئهــا‪ .‬ويقتــات‬
‫البلشون األبيض أيض ًا بني حني وأخر عىل الطفيليـات‬
‫املوجودة عىل جلد اجلاموس‪ ،‬أما اجلـاموس فيسـتفيد‬
‫تتبادل طيور البلشون‬
‫والجاموس األفريقي المنفعة‪..‬‬ ‫من وجود البلشون يف تنظيفها جلسمه مـن احلشــرات‬
‫وختليصه من أذى الطفيليات‪.‬‬
‫فكليهما ينفع األخر من ناحية معينة‬

‫االعتياش‬
‫االعتياش هو التفاعل الذي حيصل بموجبه أحد الكائنات احلية عىل فائدة مـن دون‬
‫أن يؤثر ذلك يف النوع األخر‪ .‬فالكائن الذي يعتاش عىل التقاط الفتات املتبقـي مـن‬
‫طعام كائن أخـر تسـمى يف الغالـب بالكائنـات املعتاشـة‪ .‬وعليـه غالبـ ًا مـا يكـون‬

‫‪80‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫االعتياش عبارة عن عالقة من طرف واحد ينتفع منها أحدهم فيام ال جيني الطـرف‬
‫األخر منها أية فائدة بالرغم من تقديم خدمة للطرف األول‪ .‬ومع هذا‪ ،‬فأن العالقة‬
‫التي تبدو عىل أهنا نوع من اعتياش كائن عىل أخر قد تكون يف احلقيقة عالقـة قائمـة‬
‫عىل تبادل املنفعة‪ ،‬وإن كانت املنافع املتبادلة بني الطرفني غري ظاهرة‪.‬‬
‫من األمثلة عىل االعتياش يف الطبيعة‪ ،‬هـو نمـو نـوع مـن النباتـات يـدعى‬
‫بالنباتات اهلوائية ‪ Epiphytes‬عىل فروع وأغصان النباتات األخرى (راجـع الفصـل‬
‫األول)‪ .‬وتستمد النباتات اهلوائية غذائها مـن اهلـواء واملطـر ولـيس مـن النباتـات‬
‫املتواجدة عليها‪ .‬إذ يتمثل دور النبات الذي حيتضنها بكونـه يشـكل دعامـة تسـتند‬
‫إليها النباتات اهلوائية فحسب دون أن يستفيد أو يترضر من وجودها فوقه‪.‬‬
‫كام تعتاش كائنات بحرية خمتلفة مثل هدابيات األرجل عىل كائنات أخـرى‬
‫بعد نموها فوقهـا‪ ،‬وبخاصـة فـوق احليوانـات‬
‫البحريــة النشــيطة احلركــة كاحليتــان مــثالً‪ .‬إذ‬
‫حتصل هذه اهلدابيات املسافرة جمان ًا فوق ظهور‬
‫احليتان عىل محاية أكـرب مـن االفـرتاس ممـا لـو‬
‫بقيت قابعة يف مكـان واحـد‪ ،‬فضـ ً‬
‫ال عـن أهنـا‬
‫تعتاش هدابيات األرجل فوق ظهور الحيتان‪..‬‬
‫فتحصل على فوائد عديدة‬ ‫حتصــل باســتمرار هب ـذه الطريقــة عــىل مــوارد‬
‫غذائية جديدة‪ .‬ومع ذلك فأهنا ال تسبب رضر ًا‬
‫للحيوان الذي حيملها‪.‬‬
‫ربام تعد العالقة ما بني نوع معني مـن‬
‫األســامك املداريــة الصــغرية (يــدعى الســمك‬
‫املهرج) وشقائق نعامن البحر (وهي حيوانـات‬
‫بحرية هلا جمسات السعة) مـن أفضـل األمثلـة‬
‫ينتفع السمك المهرج من الحماية التي توفرها‬
‫شقائق نعمان البحر الالسعة‪ ..‬فيعيش آمن ًا‬ ‫عىل االعتياش‪ .‬فقـد طـورت السـمكة املهـرج‬

‫‪81‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫لنفسها وسيلة تستطيع بموجبها العيش وسط املجسات املميتة لشقائق الـنعامن دون‬
‫أن تتأذى من لسعاهتا‪ .‬إذ بإمكان هذه املجسات أن تصقع أي نوع أخر من األسـامك‬
‫وتشل حركته عىل الفور‪ ،‬موفر ًة بذلك محاية للسمكة املهرج من املفرتسات‪.‬‬
‫وهكذا يتصف املجتمـع االحيـائي كونـه كتلـة نابضـة باحليـاة‪ ،‬تسـري فيـه‬
‫العالقات البيئوية بني األحياء بانتظام متنا ًه وعىل وفق ما يقـرره االنتقـاء الطبيعـي‪.‬‬
‫ومن خالل هذه العالقات يتضـ أن لكـل كـائن حـي دور خـاص يؤديـه ضـمن‬
‫املجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ -1‬وض ّ مبدأ منحى التحمل بوصفه أحد مبادئ التك ّيف لدى األحياء‪.‬‬
‫‪ -2‬بامذا تتميز الكائنات املنظمة عن الكائنات املتكيفة‬
‫‪ -3‬ملاذا ومتى تلجأ بعض الكائنات احلية إىل أسلوب السبات‬
‫‪ -4‬ما أوجه االختالف بني النباتات الصحراوية والقطبية يف ضوء تكيفها لدرجات‬
‫احلرارة املتطرفة‬
‫‪ -5‬كيف يستطيع نبات الـورد العمـالق العـيش وسـط بيئـة شـديدة التفـاوت يف‬
‫معدالت حرارهتا اليومية‬
‫‪ -6‬أرضب مثاالً عن حيوان يتحمل العيش يف درجات حرارة منخفضة جـد ًا‪ ،‬ثـم‬
‫وض ّ كيف يفعل ذلك‬
‫‪ -7‬كيف تستطيع بعض احليوانات والنباتات حتمل ظـروف نـدرة املـاء يف البيئـات‬
‫الصحراوية أرضب أمثلة عن ذلك مع أساليب التك ّيف التي تتبعها‪.‬‬
‫‪ -8‬ما املقصود بعالقات التنافس واالفرتاس والتكافل بني الكائنات احلية‬
‫‪ -9‬لكل من الكائنني (‪ )A‬و (‪ )B‬موئل متشابه جد ًا‪ .‬وقـد وصـل الكـائن (‪ )A‬إىل‬
‫املوقع حديث ًا بعد أن كان يشغله يف السابق الكـائن (‪ ،)B‬حيـث حيمـل معـه مرضـ ًا‬
‫يفتك بكل أفراد الكائن (‪ . )B‬ضمن أي نوع من العالقـات البيئويـة تصـنف هـذه‬
‫احلالة وماذا تسمى بالضبط‬
‫‪ -10‬ما املقصود باملوئل األسايس واملوئل الفعيل وما السبب الـذي يـدفع بـبعض‬
‫الكائنات احلية إىل تقليص موئلها األسايس‬
‫‪ -11‬ملواجهة الوسائل اهلجومية لدى املفرتسات‪ ،‬فأن للحيوانـات والنباتـات عـىل‬
‫خلصها يف نقاط واضحة‪ ،‬مع ذكـر أمثلـة عـن‬
‫حدّ سواء أساليب للدفاع عن نفسها‪ّ .‬‬
‫كل حالة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -12‬هل يوجد نبات يفـرتس حلـ ًام (أبحـث عـن اإلجابـة يف مصـادر مكتبيـة أو‬
‫إلكرتونية متاحة)‪.‬‬
‫‪ -13‬ينقسم التكافل إىل ثالثة أقسام‪ ،‬ماهي وما الفرق بني كل واحدة منها‬
‫‪ -14‬أرضب أمثلة توضيحية خمتلفة عن حاالت التكافل يف الطبيعة‪.‬‬
‫‪ -15‬درست يف هذا الفصل عالقات التك ّيف والتنافس واالفرتاس والتكافـل‪ .‬أيـ ًا‬
‫منها يندرج ضمن علم بيئة الفرد أو ضمن علم بيئة اجلامعة‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪84‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الباب الثاني‬

‫املشكالت البيئية‬
‫العاملية‬

‫‪85‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل الرابع‬
‫العالقة ما بين اإلنسان والبيئة‬
‫ومفهوم املشكلة البيئية‬
‫يقدم هذا الفصل إجياز ًا لتاريخ العالقة التي حكمت اإلنسان والبيئة الطبيعية‪،‬‬
‫وكيفية بدأ األفعال البرشية املختلفة بإحداث مشكالت يف البيئة املحلية تفاقمت‬
‫تدرجيي ًا حتى حتولت إىل مشكالت عاملية تعم كوكب األرض كله‪ .‬ثم يعرج الفصل‬
‫إىل إيضاح مفهوم "املشكلة البيئية"‪ ،‬يف ضوء هيكلها العام وأهم سامهتا احلالية‪.‬‬

‫تاريخ العالقة ما بين اإلنسان والبيئة‬


‫يؤكد العديد من الباحثني‪ ،‬أن جذور املشكالت التـي تعـاين منهـا بيئتنـا يف الوقـت‬
‫احلارض‪ ،‬إنمـا ترجع إىل عهـد بعيـد‪ ،‬بل أهنا بدأت منذ ظهـور اإلنسـان عـىل وجـه‬
‫األرض‪ ،‬بعدما رشع بمزاولة خمتلف النشاطات باالعتامد عىل موارد بيئـته الطبيعيـة‬
‫اعتامد ًا رئيس ًا‪ .‬عل ًام أن األرضار التي أحدثها اإلنسان يف البيئة يف ذلك احلـني مل تكـن‬
‫ذات أثر بليغ‪ ،‬لكون البيئة كانت قادرة آنذاك عىل تعديل نفسها‪ ،‬ألن عملية اهلـدم مل‬
‫تكن بالرسعة احلالية‪ .‬إذ أخذ اإلنسان يستخدم بشكل متزايد اآللـة والتكنولوجيـا‪،‬‬
‫مما كانت له عواقب وخيمة عىل البيئة حتـى غــدت املشـكالت النامجـة عـن ذلـك‬
‫مشكالت عسرية عىل احلل هتدد النظام البيئي برمته سواء يف الوقـت احلـارض أو يف‬
‫املستقبل‪.‬‬
‫لـقد عمل اجلنس البرشي منذ زمن بعيد‪ ،‬عىل تغيري صفات موطنه الطبيعي‬
‫دون أي وعي لعواقب ذلك‪ .‬إذ سعى إىل تغيري معامل من األرض مل تطاهلـا مـن قبـل‬

‫‪86‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ٍ‬
‫أراض زراعيـة أو إىل مــدن عامــرة‪ .‬كـام قــام‬ ‫قدم إنسان قـط وقام بتحويلهـا إىل‬
‫بتحويل األهنار والبحريات ذات األمهيـة احليوية إىل ممرات للنقل أو إىل بالوعــات‬
‫إللقـاء النفايـات أو باستغالهلا كمنتجعات سياحية‪ .‬وقــام كذلك بتلويـث اهلـواء‬
‫بالغبـــار وبالغــازات الضــارة‪ ،‬وكــان الســبب‬
‫الـــرئيس يف تنـــاقص وانقـــراض كثـــري مـــن‬
‫احليوانات تناقص ًا حاد ًا‪ ،‬وقـام كـذلك بتجريـد‬
‫املجتمعـات النباتيــة الطبيعيـة‪ ،‬ووصــل احلــال‬
‫حديث ًا إىل استخدام اإلنسان ألنواع من الغـذاء‬
‫االصــطناعي مــن خــالل حتــوير اجلينـــات‬
‫بالرغم من العالقة الحميمة بين اإلنسان وبيئته‬
‫الطبيعية في العصور الباكرة‪..‬‬
‫إال أنه كان قد بدأ يسبب بعض المشكالت‬
‫الوراثيــة‪ .‬وهــذه كلهــا عوامــل جعلــت مــن‬
‫اإلنسان قوة ال يستهان به يف حتدي الطبيعـة‪ ،‬يف‬
‫مقابـل أنه أصب رسيـع التأثـر بام يسببه من أرضار وكائن ًا مش ّبـع ًا بالسمـوم‪.‬‬
‫إن اإلنسان‪ ،‬وهـو أكثر احليوانات ذكــا ًء وأشدهــا بأســ ًا فـوق األرض‪،‬‬
‫يقوم اليوم بتغيري وجه هـذا الكوكب تغيري ًا جذري ًا بكل مـا فيـه مـن مظـاهر احليـاة‬
‫الطبيعية‪.‬‬

‫أمثلة تاريخية عن دور اإلنسان في تغيير الطبيعة‬


‫لنـورد اآلن بعـض األمثــلة التارخييـة حـول دور اإلنسـان يف تغيـري وجـه البيئــة‬
‫الطبيعية‪:‬‬
‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬يعتقد بعض العلامء‪ ،‬أن كثري ًا من الثدييات الضخمة التي‬
‫كانت تستوطن أمريكا الشاملية وأوراسيا خالل عرص اجلليـدي (الباليوستوسـني)‪،‬‬
‫مثل فيـلة املاستودن واملاموث والعديد من اجلامل واخليول والغزالن العمالقة ودببة‬
‫الكهوف العمالقة والقندس العمالق ووحيد القرن الصويف‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن كثيــر مـن‬
‫األنواع األخرى التي كانت تعيش يف قارة أمريكا الشاملية‪ ،‬كـل هـذه املخلوقـات مل‬

‫‪87‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تنقرض بسبب تغريات مناخية استثنائية أصابت الغطاء النبـايت‪ ،‬كـام كـان االعتقـاد‬
‫سائد‪ ،‬بل أهنا يف واقـع األمر تعرضت لإلبـادة من قبـل مجاعـات إنســان العصــر‬
‫اجلليدي الصياد‪ ،‬الذي كانت له القدرة آنـذاك عىل قذف الرماح وإشعال النار‪ .‬ومما‬
‫يدعم هذا الرأي هو العثور عىل عظـام يف مواضع النريان املوجودة يف الكهوف‪ ،‬كام‬
‫تدعمه أيض ًا احلقيقة القائلة بأن تلك العظام كانت ترجع أساس ًا إىل حيوانات أقـاليم‬
‫احلشائش التي اختفت هنائيـ ًا‪ ،‬فيام نجـت حيوانـات الغابـات الضـخمة مـن تلـك‬
‫اإلبادة‪ .‬إضافة إىل هذا‪ ،‬فأن هناك أنواع عديـدة مـن احليوانـات مل تتعـرض لإلبـادة‬
‫حتى وقت متأخر من العرص اجلليدي األخـري‪ .‬إذ تـذكر بعـض دراسـات أن مجيـع‬
‫الثدييات الصغرية قد بقيت عـىل قيــد احليــاة‪ .‬وطبقـ ًا ملـا يعتقـد األنثروبولـوجني‬
‫(املختصني بدراسة اإلنسان)‪ ،‬فأن إنسان العرص اجلليدي قد مـر بتطـور عقـيل أدى‬
‫أي اإلنسان املفكـر‪ ،‬الـذي ال‬
‫‪ّ ،Homo‬‬ ‫يف النهاية إىل ظهور اإلنسان العاقل ‪Sapiens‬‬
‫يوجد أحد سواه يستطيـع اصطيـاد تلـك احليوانـات بمثــل هـذا النجـاح البـاهر‪.‬‬
‫وبحسب رأهيم‪ ،‬فقد كان ذلك سـبب ًا يف انقـراض حـوايل ‪ 100‬نـوع مـن الثـدييات‬
‫الكربى من قارة أمريكا الشاملية لوحدها يف غضون ألف عام عقب العرص اجلليدي‬
‫األخري‪ .‬عل ًام أن هذا الرأي مازال مثار جدل ونقاش بني أوساط العلامء‪.‬‬
‫ثمة مثال أخر للداللة عىل قدم تأثري اإلنسان يف البيئة‪ ،‬نسـتمده مـن منطقـة‬
‫البحر املتوسط‪ .‬إذ كان حييط بحوض البحر املتوسط يوم ًا مـا خـالل هنايـة العصــر‬
‫اجلليدي األخيـر ويف الفرتة التي أعقبتـه‪ ،‬نطاق هائل من الغابات يمتد من الساحل‬
‫األفريقي الغريب وحتى منطقة الرشق األدنى بام يف ذلك شبه اجلزر الـثالث الواقعـة‬
‫جنوب أوربا‪ .‬ومع انتشار احلضارات البشــرية عـرب سـائر أرجـاء حـوض البحـر‬
‫حموالً إياها إىل مناطق شجريات‬
‫املتوسط‪ ،‬قـام اإلنسان‪ ،‬وبال هوادة‪ ،‬بقطع الغابات ّ‬
‫مبعثرة وإىل مناطق شبه صحراوية ومناطق أخرى جرداء ذات صخور جريية‪ .‬وكان‬
‫املاعز هو أحد احليوانات األليفة التي أعانت اإلنسان عىل ذلك الفعل‪ ،‬بسبب رعيـه‬

‫‪88‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫اجلائر للمرعى‪ .‬وبالرغم من مسامهة العوامل املناخية يف إحداث هذا التغـري البيئـي‬
‫أيض ًا‪ ،‬فأن من اجلدير بالـذكر أن الصحراء الكربى مل تكن منذ حوايل ‪ 4000‬عامــ ًا‬
‫ال كانت الصحراء الليبية احلالية منذ قرابـة‬‫مضت بمثل السعة التي عليها اليوم‪ ،‬فمث ً‬
‫‪ 2000‬عامـ ًا خلت تـعد جنة من البساتني الغنـّاء‪.‬‬

‫املراحل التاريخية لتأثير اإلنسان في البيئة‬


‫يتعزز فهم مسؤولية اإلنسان عن ظهور املشكالت البيئية املختلفة وتفاقم تأثريها يف‬
‫عاملنا اليوم‪ ،‬بتتبع املراحل التارخيية لدوره يف التأثري عىل البيئة‪ .‬إذ يمكن تقسيم هـذا‬
‫الدور إىل ثالث مراحل رئيسة‪ ،‬وذلك عىل النحو آاليت‪:‬‬
‫‪ .1‬مرحلة العرص احلجري وما قبلـه‪ :‬كان اإلنسان حينها يف طور اجلمع والصيد‪ ،‬إذ‬
‫كان الصيادون هنا يعملون عىل شكل مجاعات تعتمد عـىل صـيد قطعـان الثـدييات‬
‫الكربى يف أقاليم التندرا والتيغا الواقعة عىل هوامش الغطاء اجلليدي يف شامل أوربا‬
‫وأمريكا الشاملية‪ .‬ومن املؤكد أهنم قـد استعلموا بعض األسلحـة واملعدات لرضب‬
‫احليوانات وقتلها‪ ،‬وقـد جلــأوا إىل اسـتخدام النــار أيضـ ًا‪ .‬ومـع هـذا‪ ،‬مل يتسـبب‬
‫اإلنسان يف ذلك الوقت بتغيريات عميـقة ملحوظة يف بنية البيئـة الطبيعية‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة املجتمع الزراعي‪ :‬ظهر املجتمع الزراعي إىل حيـز الوجـود مـع هنايـات‬
‫أي يف "ثورة العرص احلجري‬
‫العرص احلجري األول منذ حوايل ‪ 5000‬سنـة خلت‪ّ ،‬‬
‫القديم"‪ .‬ونتيجة لتزايد انتشار ظاهرة حتويل الغابات إىل حقـول زراعية واالستفادة‬
‫من أخشاهبا يف عمليات البناء‪ ،‬فقد كـان لـذلك أثـر بـالغ يف تغيـري مالمـ صـورة‬
‫الطبيعة‪ .‬وقد صاحب هذه املرحلة زيادة مفاجئة يف نمـو الســكان‪ ،‬إذ بـدأت هـذه‬
‫الزيادة السكانية باالمتداد من وسط وجنوب أسيـا ثـم توسـعت لتشـمل الشــرق‬
‫األدنى وأوروبا‪.‬‬
‫‪ . 3‬مرحلة الثورة الصناعية‪ :‬تعد من أهم مراحل التطور احلضاري لإلنسـان‪ ،‬التـي‬
‫انطلقــت منــذ حــوايل ‪ 150‬سنـــة‪ .‬وخالهلــا اســتعان اإلنســان باآللـــة واخــرتع‬

‫‪89‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التكنولوجيــا‪ ،‬ممــا اســهم يف تعزيـــز قـــدرته بشــكل هائـــل عــىل تطويــع الطبيعــة‬
‫واستغالل موارد األرض لصاحله‪ .‬وأدى قيام املجتمع الصناعي إىل إضـعاف تـأثري‬
‫املجتمع الزراعي وازداد تدمري املناطق الطبيعية وارتفاع مسـتويات التلـوث البيئـي‬
‫عىل نحو غري مسبوق‪.‬‬

‫شهدت العالقة ما بين اإلنسان والبيئة الطبيعية عبر التاريخ تغيرات كبرى‪ ..‬فمن مجتمع بدائي متناغم مع البيئة‬
‫إلى مجتمع زراعي يقوم على استغالل جزء من مواردها ثم إلى مجتمع صناعي يستغلها أبشع استغالل ويلوثها ويدمرها‬

‫مفهوم املشكلة البيئية‬


‫يمكن تعريف املشكلة البيئـية ‪ Environmental issue‬أهنا عبارة عن أي خلل يطرأ‬
‫عىل املكونات الطبيعية للبيئة يف منطقة من املناطق جراء فعـل برشي يف الغالب‪.‬‬
‫ولتسليط مزيد من الضوء عىل هذا املفهوم‪ ،‬نتناول هنا املشكلة البيئية من‬
‫حيث هيكليتها وسامهتا املعارصة‪.‬‬

‫هيكل املشكلة البيئية‬


‫احلقيقة أن املشكلة البيئية هي نتاج ألزمة بيئية أكرب وأعمق وأوسع‪ .‬واألزمة البيئيـة‬
‫عبارة عن جمموعة معقـدة من املشكالت البيئية‪ ،‬جمتمعة أو منفـردة‪ ،‬حتـدث ضـمن‬
‫منطقة معينة‪ .‬وبيشء من التبسيـط‪ ،‬يمكن حتليل مكونات األزمة البيئية عىل نحو ما‬
‫مبني يف الشكل (‪:)4 -1‬‬

‫الشكل ‪ :4 – 1‬املكونات األساسية لألزمة البيئية‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫نفهـم من الشكل أعـاله‪ ،‬أن حصيلة تفاعل هذه املكونات هي التي تولد‬
‫األزمـة إذا ما توافرت ظروف مواتيـة لذلك‪ .‬وهـذا ما يمكن استنباطه من قراءة‬
‫املوضحة يف أدناه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معادلـة املشكلة البيئـية وتفاعالهتـا‪،‬‬
‫إن املشكلة البيئية أشبه مـا تكـون يف هيكلهـا الصـوري قريبـة مـن صـيغة‬
‫املعادلة احلسابية‪ .‬فهي‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬حصيلة منطقية للتفاعل بـني متغـريات متعــددة‬
‫ال تبادلي ًا يتفاوت يف مقدار قوته وتأثريه عىل وفق ظروف ذلك التفاعل‪ .‬وعـىل‬
‫تفاعـ ً‬
‫العموم‪ ،‬تتخذ املشكلة البيئية الصيغة اآلتية املتجسدة يف الشكل (‪:)4 -2‬‬

‫الشكل ‪ :4 – 2‬مسار نشوء املشكلة البيئية وتفاقمها‪.‬‬

‫بموجب ذلك‪ ،‬تتكون البيئـة من عنرصين أساسيني أحدمها طبيعي واألخر‬


‫ويولد التفاعل السلبي بني هذين العنرصين (كأن يكون مـثالً‪ ،‬االسـتخدام‬
‫برشي‪ّ .‬‬
‫اخلاطت للموارد الطبيعيـة أو التـأثريات اجلانبيـة للتكنولوجيـا أو احلـوادث البيئيـة‬
‫املفاجئة‪ ..‬الخ)‪ ،‬رضر ًا يف أغلب األحوال‪ ،‬وقد يتحـول بمـرور الـزمن وباسـتمرار‬
‫الفعل إىل مشكلة خطرية‪ .‬وهذه املشكلة تنعكس بآثارها املؤذيـة عـىل البيئـة نفسـها‬
‫وعىل عنرصهيا الطبيعي والبرشي عىل حدّ سـواء‪ ،‬فيـزداد بـذلك التفاعـل السـلبي‬
‫بينهام‪ ،‬وهو ما يؤدي إىل وقوع مزيد من الضـرر‪ ...‬فتأخـذ املشـكلة بالتفـاقم أكثــر‬
‫فأكثـر‪ ،‬مامل يوضع حد لوقفها‪.‬‬
‫واملالحظ أن صيغة املعادلة تسـلك سـلوك ًا دورانيـ ًا متواصـالً‪ ،‬يكـون لـه‬
‫مفعول تضخمي عىل املشكلـة يف حالـة ديمومة فعـل كـل عنرص منها عىل األخر‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫سمات املشكلة البيئية‬


‫تتخذ املشكالت البيئيـة املعـارصة اجتاهـات ومالمـ وسـامت متعـددة‪ .‬إذ يمكـن‬
‫تشخيص مخس سامت رئيسـة ترسـم صـورة اإلطـار النظـري للمشـكالت البيئيـة‬
‫العاملية وآثارها الراهنة وأبعادها املستقبلية‪ ،‬وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬تزايد أنواع وأشكال املشكالت‪ :‬حصلت هـذه الزيادة استجابة لزيادة األساليب‬
‫التي يتبعها اإلنسان يف التأثري عىل البيئة‪ ،‬مـثلام احلـال يف زيـادة اسـتخدام املبيـدات‬
‫الفعالة ابتكار مئات األنواع اجلديدة من املواد الكيميائية وطرحها إىل البيئـة يف كـل‬
‫سنة‪.‬‬
‫‪ .2‬اشتداد حدة املشكالت‪ :‬لوحظ يف السنوات األخرية‪ ،‬زيادة قوة تأثري املشكالت‬
‫وتكرارها‪ .‬لذا‪ ،‬عاد ًة ما يصاحب ذلك تصاعد وترية وقوع الكـوارث البيئيـة التـي‬
‫باتت أكثر قسوة من ذي قبل‪ .‬ومثال ذلك زيادة حـدة التلوث الضوضائي يف املـدن‬
‫وارتفاع مستويات تلوث اهلواء واملاء والرتبة‪ ،‬وكذلك تعاظم تدهور الغابات وتدين‬
‫إنتاجية املحاصيل الزراعية جراء ذلك‪.‬‬
‫‪ . 3‬اتساع الرقعة اجلغرافـية للمشكالت‪ :‬توسعت مساحة املشكالت البيئـية وامتد‬
‫نطاقها‪ ،‬حتى حتولت من مشـكالت حمليـة حمـدودة النطـاق إىل مشـكالت إقليميـة‬
‫وعاملية مرتامية األطراف‪ .‬بل أصـبحت كثـري مـن املشـكالت الوطنيـة ذات أمهيـة‬
‫دولية‪ ،‬مثل مشكلة احرتاق أبار النفط الكويتية خـالل حـرب اخللـيج عـام ‪1991‬‬
‫وجتفيف بحر األورال ومشكلة املطر احلميض والتلوث بمبيد ‪ DDT‬وتلوث األهنـار‬
‫واملحيطات‪ ..‬وغريها‪.‬‬
‫‪ . 4‬تعاظم تعقيد املشكالت وتزايد مضاعفاهتا‪ :‬مما يساعد عىل ذلك هـو التـأثريات‬
‫غري املبارشة املرتتبة عن النشاطات البشـرية املختلفـة‪ ،‬مـثلام يف‪ :‬التغـريات املناخيـة‬
‫وتدهور خصوبة الرتبة والضـرر الذي يلحـق بالغابـات جـراء األمطـار احلمضـية‬
‫والتغريات يف مواطن الكائنات احليوانية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ . 5‬تزايد حصة الفرد من املشكالت البيئية‪ :‬مما يضاعف من التأثريات الناشئة عـن‬
‫التضخم السـكاين مث ً‬
‫ال هو الزيادة العامة يف االسـتهالك الفـردي والتـأثري البيئـي‪.‬‬
‫وهذا االجتاه واض يف الدول النامية والدول املتقدمة عىل حـدّ سـواء‪ ،‬إذ ارتفعـت‬
‫حصة الفرد مما يصيبـه من أرضار املشـكالت البيئــية ارتفاعـ ًا ملحوظـ ًا يف الوقـت‬
‫احلارض باملقارنة مع السابق‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ .1‬ما طبيعة العالقة بني اإلنسان والبيئة وما الدالئل امللموسة عىل التغري الذي‬
‫اعرتى هذه العالقة وتعقدها عرب التاريخ‬

‫‪ .2‬تدرج تأثري اإلنسان يف البيئة الطبيعية مع تطور قدراته عىل التعامل معها‪ .‬وض ّ‬
‫املراحل التارخيية هلذا التأثري‪.‬‬
‫‪ .3‬أرشح مفهوم املشكلة البيئية يف ضوء هيكلها النظري وكيفية تفاعلها‪.‬‬
‫‪ . 4‬ما أهم سامت املشكالت البيئية املعارصة وملاذا يتوقع أن يكون اجتاه هذه‬
‫املشكالت تصاعدي ًا يف الوقت احلارض ويف املستقبل‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪93‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل اخلامس‬
‫مشكلة التلوث البيئي‬
‫يبدأ الفصل اخلامس من هذا الكتاب بدراسة أخطر املشكالت التي هتدد اليوم البيئة‬
‫العاملية وصحة بني البرش عىل وجه اخلصوص‪ ،‬تلك هي مشكلة التلوث البيئي‪ .‬إذ‬
‫سيعرض الفصل إىل نبذة عن هذا املوضوع‪ ،‬عرب تعريف التلوث وامللوثات البيئية‬
‫وأنواع التلوث ومصادره وأسبابه فض ً‬
‫ال عن اإلشارة إىل آثاره يف الصحة البرشية‬
‫ويف البيئة عموم ًا‪.‬‬

‫أساسيات عن التلوث‬
‫تعريف التلوث وامللوثات البيئية‬
‫يقصد بالتلوث ‪ Pollution‬أي تغيـري مبـارش أو غـري‬
‫مبارش يطرأ عىل أي جزء من أجزاء البيئة‪ ،‬وذلك من‬
‫جراء ترصيف أو انبعــاث أو ترسـيب فضـالت أو‬
‫مـواد بكميات تؤثـر عىل البيئـة تأثيــر ًا ضــار ًا‪ ،‬ممـا‬
‫يسبب خطورة عىل الصحة البرشيـة وهيـدد سـالمة‬
‫يعد التلوث بمختلف أشكاله‪ ..‬أخطر‬
‫المشكالت التي تهدد البيئة العالمية‬ ‫األحياء النباتية واحليوانية بشتى أصنافها‪.‬‬
‫يفهم من التعريف أعـاله أن التلوث إذا ما أصاب منطقة ما‪ ،‬فأنه يؤدي إىل‬
‫اختالل توازن البيئة وإىل شل فاعلية النظـام البيئـي وفقـدان قدرتـه عـىل أداء دوره‬
‫املميز يف التخلص من امللوثات بشكل طبيعي (وهو ما يسمى بالتنقية الطبيعية)‪.‬‬
‫أما امللوثات ‪ Pollutants‬فهي املواد املسببة للتلوث التي تنتج عن مصدر ما‪،‬‬
‫ويؤدي طرحها إىل البيئة بأية طريقة كانت إىل تدهور يف نوعيتها وتعطل يف خدماهتا‪.‬‬
‫وتتنوع هذه امللوثات بحسب مصـدر نشـوئها‪ ،‬فتكـون أمـا ذات أصـل طبيعـي أو‬

‫‪94‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫برشي‪ ،‬أو بحسب تركيبتها فتكون أما فيزيائيـة أو كيميائيـة أو جرثوميـة‪ ،‬وكـذلك‬
‫بحسب شكلها فتكون أما غازية أو سائلة أو صلبة أو إشعاعية‪.‬‬

‫عوامل تفاقم التلوث‬


‫ثمة عوامل تدفع باجتاه تفاقم مشكلة التلوث‬
‫البيئي حول العامل‪ ،‬منذ أن اقرتن ظهورها مع‬
‫الثورة الصناعية يف منتصف القرن الثامن عرش‪.‬‬
‫ويمكن إمجال هذه العوامل عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫انطلق التلوث بشكله المعروف‪ ..‬مع انطالقة‬
‫‪ -1‬تزايد أعداد سـكان العـامل عـىل وفــق‬
‫الثورة الصناعية قبل ما يزيد عن ‪ 150‬عام ًا‬
‫متوالية طردية‪ ،‬وما يصاحب ذلك مـن‬
‫تزايد الطلب عىل السكن واإلنتاج والسلع االستهالكية وعىل وسائط النقل‬
‫والطاقة‪ .‬وهي كلها متطلبات تقتيض استغالل مزيـد ًا مـن مـوارد الطبيعـة‬
‫وطرح مزيد ًا من الفضالت إىل البيئة‪.‬‬
‫‪ -2‬تزايد االبتكارات التقنية وظهور كثري مـن املصـانع والعمليـات الصـناعية‬
‫املعقدة جراء ذلك‪ .‬وهو أمر يؤدي بالضـرورة إىل رمـي خملفـات صـناعية‬
‫خطرية ذات تراكيب معقدة تعمل عىل تلويث البيئة املحيطة وال تتحلل فيها‬
‫بسهولة‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم مراعاة أحوال البيئة من قبـل الـنظم السياسـية واالقتصـادية العامليـة‬
‫القائمة‪ .‬إذ يركز النظام العـاملي عـىل مصـال آنيـة تتعلـق بترسيــع النمـو‬
‫حتمـل‬
‫الصناعي ورفع مستوى املعيشة‪ ،‬دون إيالء االهتامم بأن للبيئة سـعة ّ‬
‫حمدودة‪ ،‬األمر الذي يفيض بدوره إىل زيادة تلويث البيئة وتدهورها بشـكل‬
‫كبري‪.‬‬
‫‪ -4‬رداءة أساليب ترصيف الفضالت إىل البيئة‪ ،‬وعـدم نجاعـة معظـم طرائـق‬
‫معاجلتها‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -5‬عدم سـ ّن ترشيعات وقوانني وضوابط صارمة ورادعة بحق املسؤولني عن‬


‫التلوث‪ ،‬يف كثري من دول العامل‪ ،‬وهو ما يشجع عىل استمرار تلويـث البيئـة‬
‫من املصادر املسببة لذلك‪.‬‬

‫مكامن خطورة التلوث‬


‫ينتج عن وقوع التلوث عـدد من املخاطر املحتملة تؤثر يف جممل مفاصل البيئة‪،‬‬
‫ولذا فأن للتلوث مكامن خطر تتمثل عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬خطورة التلوث عىل البيئة الطبيعية من ناحية إحلاق الرضر بنمو النباتات‬
‫واحليوانات واملحاصيل الزراعيـة والرتبـة واملاء‪.‬‬
‫‪ -2‬خطورة التلوث عىل صحة اإلنسان من جراء تركز امللوثات يف اهلواء واملاء‬
‫والغذاء ذات املساس اليومي بحياة اإلنسان‪ ،‬وتعرضه أيضـ ًا لإلشـعاعات‬
‫املضـرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬للتلوث خطورة ترض بالنواحي اجلاملية للطبيعـة‪ ،‬مـثلام احلـال يف األرضار‬
‫الناشئة عن انبعاث الغازات والدخان وإثـارة الغبـار وإصـدار الضوضـاء‬
‫ورمي الفضالت الصلبة إىل البيئة‪.‬‬
‫‪ -4‬اخلطورة املتمثلة باألثار البعيدة املدى النامجة عن التلوث‪ ،‬التي ال يمكن يف‬
‫الغالب الشعور هبا آني ًا‪ ،‬السيام حينام تكون امللوثات برتاكيـز ضـئيلة جـد ًا‬
‫بحيث يمتصها اجلسم البرشي ببطء وال يظهر مفعوهلا إال بعد مـرور مـدة‬
‫زمنية طويلة‪ .‬ومثال ذلك تأثري املواد املرسطنة واملشعة والتعـرض املسـتمر‬
‫للضوضاء‪.‬‬

‫تصنيف خطورة التلوث‬


‫يمكن تصنيف التلوث إىل ثالثة أصناف طبق ًا لدرجة خطورته‪ ،‬وذلك عىل النحو‬
‫اآليت‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -1‬التلوث املعقول‪ :‬يعني وجود تلوث لكن بـدرجات منخفضـة‪ ،‬وال يصـاحبه‬
‫يف الغالب وقوع أية مشكالت أو أخطار واضحة عىل احلياة العامة‪ .‬لكن يمكن‬
‫القول أنه ال توجـد يف الوقت احلايل بيئـة ختلـو متامـ ًا مـن امللوثـات‪ .‬فـالتلوث‬
‫موجود يف كافة بقاع الكرة األرضية‪ ،‬عىل الرغم من وجـود منـاطق حمـدودة يف‬
‫العامل لـم تصلها بعـد مؤثرات التلـوث إىل حـد اخلطـر احلقيقـي‪ .‬إذ أن الـنظم‬
‫البيئية يف مثل تلك املناطق ال زالت قادرة عىل ختليص نفسها ذاتي ًا من امللوثات‪.‬‬
‫‪ -2‬التلوث اخلطـري‪ :‬مرحلة تتعدى فيها تراكيز امللوثات خط األمان وتؤثر تأثري ًا‬
‫كبري ًا يف توازن النظام البيئي‪ ،‬إذ تعتل شتى أنواع الكائنات احلية‪ .‬وقد ظهرت‬
‫بوادر هذه املرحلة منذ الثورة الصناعية‪ .‬واملثال األبرز عىل ذلك‪ ،‬هو ما أصاب‬
‫العالـم من تلوث خطري للهواء يفوق حد األمان جراء حرق الفحم‪ ،‬الذي‬
‫تشري التقديرات إىل استهالك حوايل ‪ 130‬بليون طن منه خالل املدة من ‪1860‬‬
‫إىل ‪.1970‬‬
‫‪ -3‬التلوث الكارثي‪ :‬أخطر أصناف التلوث عىل اإلطالق‪ .‬وإذا ما وقع‪ ،‬حتصل‬
‫كارثة بكل معنى الكلمة بفعل بلوغ تراكيز امللوثات مستويات قاتلة‪ .‬ويظل‬
‫ال يف أي وقت من األوقات‪ .‬ومن‬‫حدوث هذه املرحلة من التلوث أمر ًا حمتم ً‬
‫األمثلة عن ذلك كارثة تفجري القنبلة الذرية عىل‬
‫وناكازاكي‬ ‫‪Hiroshima‬‬ ‫هريوشيام‬ ‫مدينتي‬
‫‪ Nagasaki‬اليابانيتني خالل احلرب العاملية الثانية‬
‫عام ‪ ،1945‬وكارثة التلوث اإلشعاعي جراء‬
‫النووي يف‬ ‫‪Chernobyl‬‬ ‫انفجار مفاعل ترشنوبيل‬
‫االحتاد السوفيتي السابق عام ‪ ،1986‬وكارثة‬
‫‪Methyl‬‬ ‫التسمم بغاز ميثيل أيزوسيانيت‬
‫يمكن لكوارث التلوث البيئي‪..‬‬
‫أن تودي بحياة آالف البشر‬
‫‪ isocyanate‬القاتل يف بلدة بوبال ‪ Phobal‬اهلنديـة‬

‫‪97‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يف العام ‪1984‬جراء الترسب من أحد املصانع‪ .‬هذا فض ً‬


‫ال عن العديد من‬
‫كوارث التلوث البيئي األخرى‪ ،‬التي أودت كلها بحياة اآلالف من البرش‬
‫وتدمري جمتمعات برشية وطبيعية عىل حدّ سواء‪.‬‬

‫أنواع التلوث ومصادره وآثاره‬


‫يؤثر التلوث يف خمتلف مفاصل البيئة بحسب نوع امللوثات املطروحة من املصادر‪،‬‬
‫لذا يمكن حتديد التلوث بأنواع عدة عىل وفق ما مبني هنا‪.‬‬

‫تلوث الهواء‬
‫يقصد بتلوث اهلواء ‪ Air pollution‬تراكم مواد‬
‫ضارة يف الغالف اجلوي برتاكيز تكفي للتسبب‬
‫بخطر عىل الصحة البرشية أو التسبب بتأثريات‬
‫سلبية عىل الكائنات احلية واملواد األخرى‪ .‬وتعد‬
‫حمطات توليد الطاقة ومعامل حرق النفايات‬
‫يسبب تلوث الهواء من مصادره المختلفة‪..‬‬
‫تدمير ًا لسالمة الغالف الجوي‬
‫الصلبة والعمليات الصناعية املختلفة ووسائط‬
‫النقل من أهم مصادر تلوث اهلواء اجلوي‪ .‬أما أهم ملوثات اهلواء فهي أحادي‬
‫أكسيد الكربون (‪ )CO‬وثنائي أكسيد الكربون (‪ )CO2‬وأكاسيد النرتوجني (‪)NOx‬‬
‫وثنائي أكسيد الكربيت (‪ )SO2‬واهليدروكربونات (‪ )HCs‬وجسيامت الغبار ( ‪PM10,‬‬
‫‪ )PM2 5‬واملؤكسدات الناجتة عن التفاعل الكيامضوئي‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫تلوث الهواء المحلي واإلقليمي‬


‫يؤثر الضباب الدخاين ‪ Smog‬يف اإلنسان بشكل خطري أكثر من أي شكل أخر من‬
‫ملوثات اهلواء‪ .‬ويمكن تعريفه عىل أنه ذلك النوع من تلوث اهلواء الذي يتصف‬
‫بسعة انتشاره وبتعدد مصادره ويتشكل يف أجواء املدن يف العادة‪ .‬وينشأ الضباب‬
‫الدخاين‪ ،‬وهو مزيج من الضباب والدخان‪ ،‬من حرق الفحم حينام يتكاثف املاء‬

‫‪98‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫فوق دقائق الدخان‪ .‬ومن احلوادث املشهورة يف هذا الصدد حادثة تلوث اهلواء يف‬
‫لندن عام ‪ 1952‬التي أودت بحياة زهاء ‪ 4000‬شخص‪ .‬وهناك شكل أخر من هذا‬
‫التلوث يدعى الضباب اجلليدي ‪ ،Ice fog‬وحيدث يف العروض العليا فقط عندما‬
‫يؤدي انخفاض درجات احلرارة الشديد إىل جتمع الدخان فوق البلورات اجلليدية‪.‬‬
‫ال عن الفحم يف االقتصاد‪ ،‬بات الدخان‬ ‫مع االعتامد تدرجيي ًا عىل النفط بدي ً‬
‫الكيامضوئي ‪ Photochemical smog‬هو السائد يف أجواء كثري من املدن عوض ًا عن‬
‫الضباب الدخاين‪ .‬وينشأ هذا النوع من الدخان بفعل تفاعل اإلشعاع الشميس مع‬
‫اهليدروكربونات وغريها من امللوثات يف اجلو‪ ،‬التي تنبعث أساس ًا من الوقود غري‬
‫املكتمل االحرتاق الناتج عن عوادم السيارات ومصادر االحرتاق األخرى (الشكل‬
‫‪ .)5 – 1‬وينجم عن هذا التفاعل الكيميائي الضوئي املعقد سلسلة من الغازات‬
‫واملواد الضارة للجو مثل الدقائق العضوية واألوزون وااللدهييد والكيتونات‬
‫ونرتات بريوكسيد واحلوامض العضوية وغريها من املؤكسدات‪ .‬وإذا ما كان ثنائي‬
‫ال حامض الكربيتيد‬ ‫أكسيد الكربيت متواجد ًا يف اجلو‪ ،‬فأنه يتأكسد ويتميء مش ّك ً‬
‫ويصب جزء ًا من اجلسيامت الغبارية العالقة يف اجلو‪ .‬فض ً‬
‫ال عن ذلك‪ ،‬ال تسبب‬
‫الغازات املنبعثة عن السيارات تفاعالت‬
‫كيامضوئية فحسب‪ ،‬بل أيض ًا تلوث ًا للهواء‬
‫بأشكال أخرى‪ ،‬فهي مسؤولة عن إضافة‬
‫كميات كبرية من اجلسيامت الغبارية إىل اهلواء‪،‬‬
‫ناهيك عن كوهنا مصدر ًا رئيس ًا ألحادي‬
‫تسبب عوادم السيارات عند تفاعل أبخرتها‬
‫في الجو‪ ..‬دخان ًا كيماضوئي ًا ملوث ًا للهواء‬ ‫أكسيد الكربون الذي يعد من أكثر الغازات‬
‫المدن‬
‫سمية‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪99‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)5 – 1‬عملية تشكل الدخان الكيامضوئي وتفاعالته يف اجلو‪.‬‬


‫يسبب الضباب الدخاين بصوره املختلفة إثارة حساسية اجلهاز التنفيس‬
‫وتناقص يف مدى الرؤية‪ ،‬ويستثنى الضباب اجلليدي من ذلك الفعل‪ .‬وتشري‬
‫الدراسات اإلحصائية إىل أن الضباب الدخاين يعد مصدر ًا للعديد من األمراض‪ ،‬إذ‬
‫يسبب حساسية العينني والدمعان فض ً‬
‫ال عن تلف كثري من النباتات‪ ،‬السيام‬
‫املحاصيل الزراعية املهمة‪ .‬ويعد ارتفاع معدل‬
‫الوفيات نتيجة أخرى لتلوث اهلواء‪ ،‬خصوص ًا‬
‫بني صفوف األشخاص الذين يعانون من‬
‫القلبية‬ ‫واألمراض‬ ‫التنفسية‬ ‫االلتهابات‬
‫يسبب تلوث الهواء‪ ..‬تأثيرات سلبية‬ ‫(الشكل ‪ .)5 – 2‬كام أن لتلوث اهلواء أثر يف‬
‫على الصحة العامة وربما يؤدي إلى الوفاة‬
‫ختريب األعامل الفنية كالتامثيل واملنحوتات‬
‫اآلثارية النفيسة‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)5 – 2‬نسب الوفيات العاملية جراء تلوث اهلواء يف املدن‪.‬‬

‫يرجع سبب تلوث اهلواء عىل املستوى اإلقليمي جزئي ًا إىل تلوث اهلواء‬
‫املحيل بحد ذاته الناتج عن مصادر تلوث حملية كعوادم السيارات وغريها‪ .‬إذ يمكن‬
‫لتلك امللوثات املحلية االنتشار بعيد ًا وتغطية مساحات تصل لعدة آالف الكيلو‬
‫مرتات امل ربعة‪ .‬وقد تساعد األحوال اجلوية والتضاريس األرضية عىل زيادة تراكيز‬
‫ملوثات اهلواء يف مكان معني‪ ،‬عىل املستوى املحيل واإلقليمي‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬من‬
‫املحتمل أن املدن الواقعة يف بطون األودية حيث تكثر فيها ظاهرة االنعكاس‬
‫احلراري التي تكون بمثابة طبقة حاجزة تغطي سامئها‪ ،‬تعاين من حدوث ضباب‬
‫دخاين كثيف (الشكل ‪ .)5 – 3‬كام أن أكاسيد الكربيت والنرتوجني التي تنتقل‬
‫ملسافات طويلة عرب الغالف اجلوي ثم ترتسب عىل شكل مطر محيض ‪،Acid rain‬‬
‫قد تلحق أرضار ًا بليغة للنباتات وللمجاري املائية وللمباين عىل حدّ سواء‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)5 – 3‬انحباس امللوثات اجلوية فوق املدن بتأثري ظاهرة االنعكاس احلراري‪.‬‬

‫تلوث الهواء العالمي‬


‫يقوم البرش بتلويث الغالف اجلوي عىل املستوى العاملي أيض ًا‪ ،‬عىل الرغم من أن‬
‫االلتفات لألثار السلبية النامجة عن مثل هذا التلوث مل حيصل إال يف مطلع‬
‫السبعينيات تقريب ًا‪ .‬إذ تشري القياسات إىل زيادة تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون يف‬
‫الغالف اجلوي بنسبة ‪ %0.2‬سنوي ًا‪ .‬وقد تكون هذه الزيادة نذير ًا بارتفاع معدل‬
‫درجات احلرارة فوق كوكب األرض‪ ،‬وما لذلك من تداعيات بيئية وخيمة‪ .‬وتعمل‬
‫بعض امللوثات عىل نضوب طبقة األوزون اجلوي املفيدة حلامية سط األرض من‬
‫األشعة فوق البنفسجية‪ ،‬وما لذلك األمر من آثار ضارة عديدة‪ .‬فقد تسبب هذه‬
‫األشعة تلف ًا للنباتات وتزيد من اإلصابة برسطان اجللد‪ .‬ومن األمثلة األخرى عىل‬
‫امللوثات املؤثرة عىل الغالف اجلوي أكاسيد النرتوجني املنبعثة من الطائرات اخلارقة‬
‫لرسعة الصوت وكذلك الكلورفلوركربون املستخدم يف الثالجات وضواغط‬
‫أجهزة التربيد‪ .‬إذ تصل هذه الغازات إىل طبقة األوزون وتتفاعل هناك مسببة‬
‫انخفاض تركيزه وتآكل الطبقة تدرجيي ًا‪ ،‬وهو ما حيصل اآلن فوق منطقة القطبني‬
‫حتديد ًا‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تلوث املياه‬
‫طرح‬ ‫‪Water pollution‬‬ ‫يقصد بتلوث املياه‬
‫مواد كياموية وفيزيائية وبيولوجية إىل املياه‬
‫العذبة أو إىل البحار واملحيطات‪ ،‬مما يسبب‬
‫تردي ًا لنوعية املياه ويؤثر يف الكائنات التي‬
‫تعاني معظم المجاري المائية في العالم‪..‬‬ ‫تعيش فيها‪ .‬وترتاوح هذه املواد من ملوثات‬
‫من طرح مستمر للملوثات‬
‫بسيطة كاملواد الصلبة الذائبة أو العالقة إىل‬
‫ملوثات معقدة سامة تتصف بخطورهتا وطول مدة بقائها يف الوسط املائي‬
‫(كاملبيدات واملعادن الثقيلة واملركّبات الكياموية غري القابلة للتحلل أو تلك ذات‬
‫القابلية الرتاكمية يف أجسام األحياء)‪ .‬هذا ويمكن تقسيم ملوثات املياه إىل تقليدية‬
‫‪ Conventional pollutants‬وأخرى غري تقليدية ‪.Nonconventional pollutants‬‬

‫ملوثات المياه التقليدية‬


‫ترتبط امللوثات التقليدية للمياه عموم ًا باملخلفات البرشية بدرجة رئيسة‪ .‬إذ ختلف‬
‫عن النمو احلرضي والزيادة السكانية الرسيعة مشكالت تتعلق برصف املياه الثقيلة‬
‫وبعدم مواكبة تلك الزيادة إلنشاء حمطات معاجلة تلك امللوثات‪ .‬إذ تسهم مياه‬
‫الرصف الصحي غري اخلاضعة للمعاجلة املطروحة من شبكات املجاري البلدية‬
‫ومن البالوعات بإضافة كميات كبرية من األمالح املغذية واملواد الصلبة العالقة‬
‫والذائبة والزيوت واملعادن (كالزرنيخ والزئبق والكروم والرصاص واحلديد‬
‫ال عن الكربون العضوي املتحلل وطرحها مجيع ًا إىل البيئة املائية‪.‬‬
‫واملنغنيز‪ ،)..‬فض ً‬
‫يمكن للملوثات التقليدية التسبب بمشكالت كثرية للمياه‪ .‬فزيادة املواد‬
‫الصلبة العالقة تؤدي إىل حجب وصول الطاقة من الشمس ومن ثم التأثري سلب ًا يف‬
‫عملية صنع الغذاء بالنسبة لألحياء املائية‪ ،‬التي تعد حيوية جد ًا لديمومة السلسلة‬

‫‪103‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الغذائية األحيائية‪ .‬كام تسبب الرتاكيز العالية من املواد الصلبة العالقة طمر جماري‬
‫األهنار والقنوات املالحية‪ ،‬مما يستلزم كرهيا باستمرار‪ .‬أما ارتفاع تركيز املواد‬
‫الصلبة الذائبة فيقلل من صالحية املياه للرشب ولري املحاصيل الزراعية‪.‬‬
‫عىل الرغم من أمهية األمالح املغذية كالنرتوجني والفوسفات للحياة املائية‪،‬‬
‫فأهنا قد تسبب أيض ًا حدوث ظاهرة اإلثراء الغذائي ‪ Eutrophication‬يف البحريات‬
‫وتعجل يف عملية شيخوختها طبيعي ًا‪ .‬إذ تفيض هذه الظاهرة إىل تزايد نمو النباتات‬
‫املائية وازدهار الطحالب بشكل واسع ومن ثم حدوث تغري كيل للمجتمع‬
‫االحيائي‪ ،‬وحتوله من انتاجية منخفضة ذات تنوع أحيائي عايل إىل انتاجية مرتفعة‬
‫ذات عدد كبري ألنواع أحيائية قليلة ومرضة بالطبيعة يف العادة‪ .‬وتقوم البكرتيا‬
‫بأكسدة الكربون العضوي القابل للتحلل وباستهالك‬
‫األكسجني الذائب يف املاء‪ .‬وحني تكون احلمولة‬
‫بالكربون العضوي عالية يف بعض احلاالت‪ ،‬قد يؤدي‬
‫استهالك األكسجني إىل انخفاضه بشكل شديد (فقد‬
‫تصل كمية األكسجني املذاب إىل أقل من ‪ 2‬ملغم‪/‬لرت‬
‫فيام يكون يف احلالة الطبيعية بحدود ‪ 5‬أو ‪7‬‬
‫يؤدي نضوب األكسجين المذاب‬
‫ملغم‪/‬لرت)‪ ،‬وقد يسبب هذا االنخفاض احلاد هالك‬
‫األسامك وحدوث اضطراب خطري يف تكاثر الكائنات‬
‫في الوسط المائي بسبب التلوث‬
‫إلى هالك الكائنات التي تعيش فيه‬

‫التي تعتمد يف وجودها عىل األكسجني‪.‬‬

‫ملوثات المياه غير التقليدية‬


‫يشمل هذا الصنف من امللوثات املعادن السامة وغري السامة بشكليها الذائبة‬
‫والعالقة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن املركّبات الكربونية العضوية القابلة للتحلل والثابتة التي يتم‬
‫ترصيفها إىل الوسط املائي بصورة خملفات صناعية أو جزء من فضالت مستهلكة‪.‬‬
‫فمث ً‬
‫ال هناك أكثر من ‪ 13000‬انسكاب نفطي بكميات متباينة حيدث يف أرجاء العامل‬

‫‪104‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫سنوي ًا‪ .‬كام يطرح روتيني ًا إىل املجاري املائية آالف املواد الكياموية جمهولة األثر عىل‬
‫البيئة حلد اآلن‪ .‬إذ يقدر أن نحو ‪ 400‬إىل ‪ 500‬مركّب جديد يدخل إىل السوق يف‬
‫ال عن ذلك‪ ،‬يتخلف عن عمليات تعدين الفحم طرح كميات كبرية‬ ‫كل سنة‪ .‬فض ً‬
‫من املخلفات احلمضية إىل الوسط املائي املجاور‪ .‬هذا وتتفاوت امللوثات غري‬
‫التقليدية من مواد خاملة بيولوجي ًا كاهليدروكربونات املهلجنة (ومثاهلا مركّب ‪DDT‬‬
‫والكيبون واملريكس والفينوالت املكلورة ‪.)PCB‬‬
‫وتسبب هذه املر ّكبات األخرية أرضار ًا بيولوجية‬
‫شديدة تتطلب تطهري ًا كام ً‬
‫ال للمجرى املائي امللوث‬
‫هبا‪ ،‬ناهيك عن حدوث تأثريات مزمنة شبه مميتة قد‬
‫يتعذر اكتشاف مفعوهلا لسنني طوال‪ .‬وقد ظهر أن‬
‫األثار املزمنة للملوثات الواطئة املستوى من الصعوبة‬
‫عاد ًة ما تكون ملوثات الماء غير‬ ‫بمكان ازالتها أو التخفيف من أثرها بسبب انتشارها‬
‫التقليدية‪ ..‬خطيرة جد ًا على‬
‫الصحة العامة‬ ‫الواسع وكوهنا ملوثات مستقرة كيميائي ًا‪.‬‬
‫يف املحصلة‪ ،‬فأن امللوثات عىل تنوع أشكاهلا تسبب تردي نوعية املياه‬
‫والتقليل من صالحيته لالستخدامات املختلفة (الرشب‪ ،‬االستعامل املنزيل‪،‬‬
‫الزراعي‪ ،‬الصناعي‪ ،)..‬وما ينتج عن ذلك من أخطار عىل الصحة العامة وترضر‬
‫اجلدوى االقتصادية عموم ًا‪ .‬ويف كثري من البلدان تعد جودة املياه أحد مؤرشات‬
‫الرفاهية االجتامعية‪ ،‬فالبالد ذات جودة املياه العالية توصف بارتفاع رفاهيتها‬
‫االجتامعية والصحية‪ ،‬فيام تكون البالد ذات جودة املياه املنخفضة عىل نقيض ذلك‬
‫(الشكل ‪.)5 – 4‬‬

‫‪105‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)5 – 4‬تصنيف بلدان العامل بحسب جودة املياه وصالحيتها لالستخدام البرشي‪.‬‬

‫تلوث التربة‬
‫تدهور سط األرض جراء سوء استخدام‬ ‫‪Soil pollution‬‬ ‫يقصد بتلوث الرتبة‬
‫الرتبة بفعل إتباع ممارسات زراعية خاطئة وسوء التنقيب عن املعادن وطرح‬
‫املخلفات الصناعية والتكديس العشوائي لنفايات املدن‪.‬‬
‫سوء استخدام التربة‬
‫تؤدي تعرية الرتبة‪ ،‬الناجتة عن إتباع ممارسات‬
‫خاطئة يف الزراعة عادةً‪ ،‬إىل إزالة مادة الد ّبال‬
‫الغنية من الطبقة السطحية والتي استغرقت وقت ًا‬
‫طوي ً‬
‫ال يف التكّون بفضل تفسخ النباتات‬
‫يؤدي سوء استخدام األرض‪ ..‬إلى تفاقم مشكلة‬ ‫وعمليات التحلل امليكرويب‪ ،‬فيفيض ذلك‬
‫باملحصلة إىل جتريد األرض من عنارصها‬
‫تعرية التربة وتلوثها وفقدان استخدامها النفعي‬

‫الغذائية األساسية الالزمة لنمو املحاصيل الزراعية‪ .‬كام تسبب أعامل التعدين‬
‫للتنقيب عن املعادن والفحم تراكم خملفات متتد عىل مساحات شاسعة فوق األرض‬

‫‪106‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫سنوي ًا‪ ،‬مما يؤدي إىل جتريد الرتبة وتعرض املنطقة التي تم تعدينها إىل مشكالت‬
‫التعرية الكثرية‪ .‬ويطرح التوسع احلرضي الناجم عن الزيادة السكانية مزيد ًا من‬
‫املشكالت ذات العالقة بتعرية الرتبة‪ .‬فمث ً‬
‫ال قد تزداد محولة األهنار من الرواسب يف‬
‫املناطق احلرضية بمقدار ‪ 500‬إىل ‪ 1000‬ضعف ًا مما عليه يف املناطق البعيدة عن‬
‫املدن‪ .‬من جهة أخرى ال تعني تعرية الرتبة جتريد األرض من غطائها الواقي‬
‫فحسب‪ ،‬بل تلويث األهنر بمواد صلبة عالقة‪ .‬وقد يؤثر ذلك عىل عمل البيئات‬
‫الطبيعية ويسبب أيض ًا تراكم الغرين يف القنوات املالحية‪ ،‬مما يؤدي إىل تقليل فائدة‬
‫هذه املياه لألغراض التجارية‪.‬‬

‫النفايات الصلبة‬
‫تشكل النفايات البلدية الصلبة ‪ ،Solid wastes‬التي تشمل نفايات املنازل واملتاجر‬
‫وأعامل التنظيف البلدية‪ ،‬أعظم املشاكل املهددة للرتبة يف الوقت الراهن‪ .‬وفض ً‬
‫ال‬
‫عن هذا النوع من النفايات‪ ،‬هنالك نفايات صلبة مصدرها عمليات التعدين‬
‫واإلنتاج الصناعي والزراعة‪ .‬وعىل الرغم من‬
‫أن النفايات البلدية تبدو أوض للعيان‪ ،‬فأن‬
‫ركامات األنواع األخرى من النفايات هي يف‬
‫احلقيقة أكرب حج ًام بكثري‪ ،‬كام أن التخلص منها‬
‫أكثر صعوبة يف بعض األحيان وتشكل خطر ًا‬
‫التهديد األكبر للتربة في معظم مناطق‬
‫العالم اليوم‪ ..‬هي النفايات الصلبة‬
‫أكرب عىل البيئة من سواها‪.‬‬
‫يعد الطمر الصحي ‪ Landfilling‬هو أكثر طرائق التخلص من النفايات‬
‫الصلبة البلدية شيوع ًا وأنسبها‪ .‬وهناك املكبات املفتوحة التي تعد مظهر ًا مقرف ًا يف‬
‫العديد من مدن العامل‪ ،‬إذ جتذب إليها أعداد ًا كبرية من القوارض وغريها من‬
‫احلرشات وغالب ًا ما تكون مبعث ًا لروائ كرهية‪ .‬يف حني أن الطمر الصحي يعد طريقة‬
‫أفضل للسيطرة عىل تكدس النفايات وال يصدر عنه روائ مقززة يف العادة‪ .‬وجيري‬

‫‪107‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يف الغالب خلط النفايات املنزلية بنفايات صناعية جمهولة املحتوى‪ .‬وقد أفىض‬
‫ترش هذه املواد الكياموية السامة إىل املياه اجلوفية وتلويثها إلسالة املياه إىل قيام‬
‫بلدان عدة مؤخر ًا بإتباع ضوابط أكثر رصامة يف كل من مواقع الطمر الصحي ويف‬
‫طرائق التخلص من املخلفات الصناعية‪ .‬وعمل إتباع اجراءات دقيقة يف إدارة‬
‫مكبات الطمر الصحي كتوفري عملية تصفية ومعاجلة املياه السطحية ناهيك عن‬
‫التغطية اليومية للمكب بطبقة من الرتاب‪ ،‬عىل التخفيف من وطأة املشكالت‬
‫النامجة عن املكبات املفتوحة‪ .‬عىل أن املساحة املخصصة ملكبات النفايات يف بعض‬
‫املناطق آخذة بالتقلص لذا جيب دوم ًا البحث عن بدائل‪.‬‬
‫يعد تدوير املواد وإعادة االستفادة منها ‪ Recycling‬أحد الطرائق العملية‬
‫للتخلص من النفايات البلدية والصناعية عىل حدّ سواء‪ ،‬إذ أن هناك اليوم تزايد يف‬
‫اعتامد هذا األسلوب وإن كان اليزال حمدود ًا يف بعض املناطق‪ .‬لكن حينام جيري‬
‫خلط النفايات‪ ،‬فأن عملية استعادهتا تغدو صعبة ومكلفة للغاية‪ .‬وعىل هذا تم‬
‫تطوير وسيلة لفرز النفايات من مصادر طرحها وتصنيفها إىل معدنية وغري معدنية‪،‬‬
‫ورق‪ ،‬زجاج‪ ،‬بالستيك‪ ،‬مواد عضوية (بقايا‬
‫الطعام)‪ ..‬الخ‪ ،‬حتى باتت هذه طريقة إجبارية‬
‫يف العديد من املجتمعات اليوم‪ .‬وقد أفىض‬
‫اعتامد طريقة إعادة التدوير إىل ابتكار العديد من‬
‫يعد تدوير النفايات‪ ..‬أحد الوسائل الناجعة‬ ‫الوسائل ملعاجلة املواد املطروحة وتصنيع‬
‫للتخفيف من تلوث التربة واألراضي‬
‫منتجات جديدة من املواد املعادة فض ً‬
‫ال عن‬
‫إجياد أسواق جديدة لترصيفها‪.‬‬
‫أما احلرق ‪ Incineration‬فهو طريقة أخرى للتخلص من النفايات الصلبة‪.‬‬
‫فهنالك حمارق متطورة تقوم باستخدام النفايات الصلبة كوقود‪ ،‬وذلك بحرق‬
‫كميات كبرية من القاممة واالستفادة من احلرارة الناجتة لتوليد البخار ملحطات‬

‫‪108‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الطاقة الكهربائية‪ .‬ومن رشوط ذلك وجوب حرق النفايات بدرجات حرارة عالية‬
‫جد ًا‪ ،‬ولذا جيب أن تكون مداخن املحارق مزودة بمرشحات وبأجهزة متطورة‬
‫للتخلص من غاز الدوكسني وغريه من امللوثات السامة‪ .‬ومع هذا‪ ،‬تصاحب‬
‫املحارق مجلة من املشكالت منها مث ً‬
‫ال الرماد املتخلف الذي حيتوي عىل نسب عالية‬
‫من املعادن الثقيلة فيتحول بذلك إىل مادة خطرة بحد ذاته‪.‬‬
‫هناك أيض ًا طريقة َ‬
‫اإلسمدة ‪ Composting‬التي باتت تستخدم بشكل متزايد‬
‫للتعامل مع بعض املخلفات الزراعية‪ ،‬ناهيك عن استخدامها يف معاملة نفايات‬
‫بلدية كأوراق النباتات والريش‪ .‬ويمكن االستفادة من هذه املنتجات يف زيادة‬
‫ختصيب الرتبة‪ ،‬إذ أهنا تتحول إىل مادة د ّبالية يف غضون أشهر قليلة تسمى‬
‫الكمبوست ‪.Compost‬‬
‫عىل الرغم من كل ذلك‪ ،‬فقد تزايدت النشاطات البرشية املؤدية إىل تدهور‬
‫الرتبة‪ ،‬وتزايدت معها مساحات الرتب املتدهورة حول العامل‪ .‬ومثلام يبني الشكل‬
‫(‪ ،)5 – 5‬فأن مساحة الرتب من الصنفني املتدهورة واملتدهورة جد ًا باتت تشكل‬
‫نسبة مهمة من أمجايل الرتب املستقرة‪ ،‬وربام ستتسع رقعة تدهور الرتبة مستقبالً‬

‫الشكل (‪ :)5 – 5‬أصناف الرتبة بحسب درجات تدهورها الناتج عن النشاطات البرشية املختلفة‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫باستمرار املامرسات املسيئة الستخدامها وتكديس النفايات فوقها‪ ،‬األمر الذي‬


‫سوف يسفر عن مزيد من املشكالت البيئية املرتبطة بذلك‪.‬‬

‫التلوث اإلشعاعي‬
‫يعرف التلوث اإلشعاعي ‪ Radiation pollution‬أنه أي‬
‫ّ‬
‫شكل من أشكال اإلشعاع املؤين وغري املؤين الناتج‬
‫من فعاليات برشية‪ .‬وغالب ًا ما كان منشأ حاالت‬
‫التلوث اإلشعاعي املعروفة التي حصلت حتى اآلن هو‬
‫انفجار املعدات النووية أو حترر إشعاعات مسيطر‬
‫عليها من حمطات توليد الطاقة النووية‪ .‬وتشكل‬
‫يشكل التلوث اإلشعاعي‪..‬‬ ‫وحدات معاجلة املحروقات والنواتج العرضية‬
‫هاجس ًا مقلق ًا لدى جميع بني البشر‬
‫لعمليات التعدين والتجارب املختربية مصادر أخرى‬
‫النبعاث اإلشعاعات‪ .‬كام أن التعرض املتزايد ألشعة أكس ‪ X rays‬يف الفحوصات‬
‫الطبية واإلشعاعات املنبعثة من أفران املايكرويف ومن غريها من األجهزة املنزلية‬
‫متثل كلها مصادر للتلوث اإلشعاعي‪.‬‬
‫لقد تصاعد القلق الشعبي كثري ًا حيال حترر‬
‫اإلشعاعات إىل البيئة يف أعقاب الكشف عن آثارها‬
‫الضارة املحتملة عىل اإلنسان‪ ،‬وذلك بعد انبعاث نسب‬
‫عالية من هذه اإلشعاعات جراء اختبارات األسلحة‬
‫النووية وكذلك جراء بعض احلوادث مثل حادثة حمطة‬
‫النووية لتوليد‬ ‫‪Three Mile Island‬‬ ‫ثري مايل آيلند‬
‫يعد انفجار محطة تشرنوبل أكبر‬
‫الطاقة الواقعة بوالية بنسلفانيا األمريكية عام ‪،1979‬‬
‫وكارثة انفجار حمطة ترشنوبل ‪ Chernobyl‬النووية عام‬
‫كارثة تلوث إشعاعي في العالم‬

‫‪ ،1986‬ومؤخر ًا حادثة الترسب اإلشعاعي من حمطة فوكشيام ‪ Fukushima‬النووية‬

‫‪110‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يف اليابان عام ‪ .2011‬كام تزايدت خماوف الرأي العام إبان الثامنينات إثر الكشف‬
‫عن وقوع مشكالت تلوث إشعاعي مقلقة يف مفاعالت األسلحة النووية‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫لقد تم توثيق التداعيات البيئية النامجة عن التعرض ملستويات مرتفعة من‬
‫اإلشعاعات املؤينة‪ ،‬وذلك عرب دراسات أجريت عىل أفراد تعرضوا إىل إشعاع‬
‫نووي يف اليابان عقب إلقاء القنبلة الذرية عليها خالل احلرب العاملية الثانية‪ .‬إذ‬
‫ظهرت اإلصابة ببعض أنواع الرسطان عىل الفور‪ ،‬لكن هناك أمراض كامنة للتسمم‬
‫باإلشعاع لن تظهر إال بعد مرور ‪ 10‬إىل ‪30‬‬
‫عام ًا من التعرض إليه‪ .‬هذا وال يعرف لغاية‬
‫اآلن األثار التي يمكن أن تنتج عن التعرض‬
‫للمستويات اإلشعاعية املنخفضة‪ ،‬لكن أكرب‬

‫يؤدي التعرض لالنبعاثات اإلشعاعية المرتفعة‪..‬‬


‫قلق حيال هذا النوع من التعرض اإلشعاعي‬
‫إلى عواقب وخيمة على الصحة البشرية‬
‫يتمثل يف احتامل ترضر اجلينات الوراثية‪.‬‬
‫هذا وال يمكن معاجلة النفايات النووية املشعة بالطرائق الكياموية التقليدية‪،‬‬
‫لذا ينبغي خزهنا يف حاويات مغلقة بإحكام ويف مناطق نائية بعيد ًا عن أي تواجد‬
‫للكائنات احلية‪ .‬وتعتمد أكثر مواقع التخزين أمان ًا يف الوقت احلارض عىل استخدام‬
‫الكهوف العميقة غري املنفذة للامء أو مناجم املل املهجورة‪ .‬ومع هذا فأن معظم‬
‫النفايات املشعة لدهيا أنصاف أعامر ال تقل عن مئات أو آالف السنني‪ ،‬كام أنه ال‬
‫توجد طريقة خلزن النفايات مأمونة متام ًا‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التلوث باملبيدات‬
‫هي مواد كياموية مصنّعة‪،‬‬ ‫‪Pesticides‬‬ ‫املبيدات‬
‫بعضها ذي أصل عضوي وبعضها األخر ال‬
‫عضوي‪ ،‬وقد جرى استخدامها بفعالية ألول‬
‫مرة بقصد حتسني البيئة البرشية للقضاء عىل‬
‫يمثل التلوث بالمبيدات‪ ..‬تسمم ًا مباشر ًا‬
‫بعض األنواع األحيائية غري املرغوب فيها‬
‫للبيئة واإلنسان‬
‫كالبكرتيا واآلفات الزراعية واحلرشات املؤذية‪.‬‬
‫غري أن فعاليتها هذه تسببت بتلوث ال يستهان به من ناحية اخلطورة واملساحة التي‬
‫ت غطيها‪ .‬إذ ال يقترص التلوث باملبيدات عىل املكان الذي استخدمت فيه فقط‪ ،‬بل‬
‫يمكن أن ينترش عىل مساحات واسعة ويسلك طرق ًا متعددة يلوث من خالهلا أجزاء‬
‫خمتلفة من البيئة مما يؤثر يف مناطق أخرى ويف كائنات أخرى غري الكائن املستهدف‪.‬‬
‫وبذلك تكون دورة املبيدات يف البيئة متنوعة يف مسالكها ومتباينة يف تأثريها البيئي‬
‫(الشكل ‪.)5 – 6‬‬

‫الشكل (‪ :)5 – 6‬دورة املبيدات يف البيئة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تكمن خطورة التلوث باملبيدات يف صنف يدعى باملبيدات املستديمة أو‬


‫الشديدة الفعالية تتسم بقدرهتا عىل مقاومة التحلل من قبل النشاطات الكيميائية أو‬
‫البيولوجية‪ ،‬وهلا قابلية أيض ًا عىل الرتاكم التدرجيي والبقاء يف أجسام الكائنات احلية‬
‫املستهلكة هلا ومن ثم ترتكز مع كل مستوى تايل من السلسلة الغذائية األحيائية‬
‫(وهو ما يسمى بالرتاكم احليوي ‪ .)Bioaccumulation‬ويعد مبيد ‪ DDT‬مثاالً ممتاز ًا‬
‫يف منطقة ما‬ ‫‪DDT‬‬ ‫عىل األثر الرتاكمي احليوي للمبيدات‪ .‬فلو تم استعامل مبيد‬
‫بحيث ال تتجاوز مستوياته يف البيئة‬
‫املحيطة واحد جزء بالبليون‪ ،‬فأن‬
‫البكرتيا وغريها من الكائنات املجهرية‬
‫ستقوم هبضم املبيد واالحتفاظ به‪،‬‬
‫وبذلك قد يتضاعف الرتكيز مئات أو‬
‫آالف املرات بالتدريج‪ .‬وحيصل هذا‬
‫التضاعف عندما يتواصل ابتالع‬
‫املبيدات من قبل الكائنات احلية األعىل‬
‫مرتبة فاألعىل‪ :‬األشنات والطحالب‪،‬‬
‫املحار‪ ،‬األسامك‪ ،‬الطيور‪ ،‬ومن ثم‬
‫الشكل (‪ :)5 – 7‬الرتاكم احليوي لبقايا مبيد‬ ‫اإلنسان‪ .‬وقد يصل هذا الرتكيز يف‬
‫‪ DDT‬وتضاعف تركيزه يف السلسلة الغذائية‪.‬‬ ‫الكائنات األعىل رتبة إىل آالف أو‬
‫ماليني األجزاء بالبليون (الشكل ‪.)5 – 7‬‬
‫تتميز معظم املبيدات بكوهنا متعددة االستخدام‪ ،‬بمعنى أهنا ليس خمصصة‬
‫‪DDE‬‬ ‫لنبات أو كائن حي معني‪ .‬ومن األمثلة املشهورة عىل ذلك هو تأثري مبيد‬
‫(وهو ناتج عريض يتحلل عن مبيد ‪ DDT‬بحد ذاته)‪ ،‬ويتميز بفعاليته عىل تثبيط‬
‫إنتاج الطيور ملادة الكالسيوم الرضورية لبناء قشور بيضها‪ ،‬مما يؤدي إىل رقاقة قشور‬

‫‪113‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫البيض وتفقيسه قبل أوانه‪ .‬وهناك أثر جانبي أخر للمبيدات وهو تأثريها يف اجلهاز‬
‫العصبي للحيوانات واألسامك‪ ،‬إذ قد تسبب فقدان التوازن والتشوش وربام تقود‬
‫أحيان ًا إىل املوت‪ .‬ومتثل هذه األمثلة يف العموم حاالت التأثري الشديد عىل املدى‬
‫القصري حني تكون مستويات املبيدات يف جسم الكائن احلي مرتفعة نسبي ًا‪.‬‬
‫أما األثار البعيدة األمد (املزمنة) للمبيدات املستديمة فال زالت غري معروفة‬
‫متام ًا يف واقع احلال‪ ،‬بيد أن العديد من العلامء يرون أن خطرها عىل البيئة كبري بقدر‬
‫خطر التأثريا ت القصرية األمد‪ .‬أما املبيدات أو البدائل غري املستديمة (القابلة‬
‫للتحلل بسهولة) وتقنيات التعقيم والتطهري وإدخال مفرتسات تتغذى عىل‬
‫احلرشات واآلفات الضارة‪ ،‬فهي تعطي صورة أكثر إرشاق ًا للسيطرة عىل اآلفات من‬
‫دون أن تكون هناك أرضار كبرية عىل البيئة‪.‬‬
‫هذا ويبني الشكل (‪ ،)5 – 8‬بعض ًا من أشد بؤر التلوث باملبيدات يف العامل‬
‫الناجتة عن العمليات الزراعية مقرون ًا بعدد السكان املحتمل تعرضهم للخطر من‬
‫جراء ذلك‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)5 – 8‬بؤر التلوث باملبيدات يف العامل وعدد السكان املترضرين‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التلوث الضوضائي‬
‫يعد التلوث الضوضائي ‪ Noise pollution‬حديث‬
‫النشأة نسبي ًا‪ .‬واملقصود به جمموع األصوات‬
‫املتولدة عن نشاطات برشية والتي تتفاوت من‬
‫ضوضاء ناجتة عن األجهزة املكربة للصوت إىل‬
‫ضوضاء طائرات النقل اخلارقة حلاجز الصوت‪.‬‬
‫التلوث الضوضائي‪ ..‬مشكلة العصر‬
‫وضريبة التقدم‬ ‫وعىل الرغم من أن درجة تردد الضوضاء (احلدة‬
‫الصوتية) تعد ذات أمهية كربى يف هذا املجال‪ ،‬فأن معظم مصادر الضوضاء تقاس‬
‫يف ضوء شدة املجال الصويت أو قوته‪ .‬إذ تقاس الضوضاء بوحدة مقياس تسمى‬
‫الديسبل (‪ ،)dB‬وهي متثل مقدار الصوت املسموع من قبل األذن البرشية‪ .‬هذا‬
‫وتكون الضوضاء يف العادة مصاحبة للمجتمعات الصناعية‪ ،‬حيث أصوات املكننة‬
‫الثقيلة والسيارات والطائرات التي أصبحت شيئ ًا معتاد ًا يف حياتنا اليومية‪ .‬ويكون‬
‫التلوث الضوضائي أكثر شدة يف بيئة العمل مما عليه يف البيئة العامة اخلارجية‪ ،‬عل ًام‬
‫أن الضوضاء اخلارجية قد شهدت زيادة ملحوظة يف مستوياهتا منذ ثامنينات القرن‬
‫املايض‪ .‬هذا ويرتاوح معدل اخللفية الضوضائية يف منزل نموذجي اليوم بني ‪ 40‬و‬
‫‪ 50‬ديسبل‪ .‬ومن األمثلة املعتادة حول مستويات الضوضاء املرتفعة يف البيئة هي‬
‫األصوات الصادرة عن الشاحنات الثقيلة (‪ 90‬ديسبل عىل بعد ‪ 15‬مرت) وقطارات‬
‫الشحن (‪ 75‬ديسبل عىل بعد ‪ 15‬مرت) ومكيفات اهلواء (‪ 60‬ديسبل عىل بعد ‪6‬‬
‫أمتار) (اجلدول ‪.)5 – 1‬‬

‫‪115‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫اجلدول (‪ :)5 – 1‬مقياس مستوى الصوت ودرجة الضوضاء بوحدة الديسبل‪.‬‬

‫يعد ترضر السمع من أكثر اآلثار الفسيولوجي الناجتة عن التلوث‬


‫الضوضائي التي يمكن قياسها بسهولة‪ ،‬وقد يكون هذا الترضر وقتي ًا أو دائمي ًا وقد‬
‫يسبب إرباك ًا يف القيام بالنشاطات االعتيادية أو قد يكون جمرد ازعاج عابر‪.‬‬
‫ويتفاوت هذا األثر تبع ًا حلساسية الفرد ومدة التعرض وطبيعة مصدر الضوضاء‬
‫(درجة الصخب) والتوزيع الزمني للتعرض (كأن يكون ثابت ًا أو متقطع ًا)‪ .‬وتبدأ‬
‫معاناة كل شخص حني يصل مستوى الضوضاء يف املعدل إىل ‪ 75‬أو ‪ 80‬ديسبل‬
‫ملدة عدة ساعات‪ .‬وال تتوقف املعاناة حتى يزول املصدر املسبب للضوضاء‪ .‬وثمة‬
‫مستوى ضوضائي مهم أخر يؤثر عىل الوظائف الفسيولوجية لإلنسان ذلك هو ما‬

‫‪116‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يسمى بعتبة األمل‪ ،‬وهي العتبة التي ينتج‬


‫عنها أمل ًا جسامني ًا (تبلغ ‪ 130‬إىل ‪140‬‬
‫ديسبل) حتى لو كان التعرض لوقت‬
‫قصري‪ .‬وعىل هذا فأن أي ضوضاء تقع‬
‫من أخطر نتائج التلوث الضوضائي‪ ..‬هو فقدان السمع‬ ‫ضمن هذا العتبة قد تسبب ضعف ًا دائمي ًا‬
‫يف السمع‪ .‬وحني تبلغ الضوضاء أقىص مستوياهتا (أكثر من ‪ 150‬ديسبل)‪ ،‬فأهنا قد‬
‫أذى جراحي ًا يف داخل األذن وفقدان ًا تام ًا للسمع‪.‬‬
‫تسبب ً‬
‫عىل الرغم من قلة املعلومات املتوفرة حول اآلثار اجلانبية النفسية ملستويات‬
‫الضوضاء املرتفعة‪ ،‬فأن باحثني كثر يعزون حاالت رسعة االنفعال وانخفاض‬
‫االنتاجية وتعكر املزاج واخلشونة يف معاملة األخرين فض ً‬
‫ال عن زيادة اإلصابة‬
‫بأمراض القرحة والصداع النصفي واإلعياء‪ ،‬إىل التعرض املستمر ملستويات عالية‬
‫من الضوضاء سواء يف بيئة العمل أم يف البيئة اخلارجية‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ -1‬ما تعريف التلوث وامللوثات البيئية ومتى يستكمل التلوث رشوطه‬
‫‪ -2‬ما العوامل التي تدفع باجتاه تفاقم مشكلة التلوث البيئي منذ قيام الثورة‬
‫الصناعية وحتى اآلن‬
‫‪ -3‬للتلوث مكامن خطورة عديدة‪ ،‬وعىل ضوء ذلك يصنف إىل ثالثة أصناف‪.‬‬
‫وض تلك املكامن وهذه األصناف‪.‬‬
‫‪ -4‬ماذا يعني تلوث اهلواء وما امللوثات الرئيسة للغالف اجلوي وما هو البعد‬
‫اجلغرايف ملشكلة تلوث اهلواء‬
‫‪ -5‬ما الفرق بني الضباب الدخاين والدخان الكيامضوئي وكيف حيدث هذا‬
‫األخري عزز إجابتك برسم توضيحي‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -6‬ما تعريف تلوث املياه وامللوثات التقليدية وغري التقليدية للمياه‬


‫‪ -7‬كيف حتدث ظاهرة اإلثراء الغذائي وما أثرها يف البيئة األحيائية‬
‫‪ -8‬أين ترتكز األصناف الثالثة للمياه جغرافي ًا بحسب درجة جودهتا‪ :‬العالية‬
‫واملتوسطة واملنخفضة اجلودة‬
‫‪ -9‬يعد سوء استخدام الرتبة سبب ًا مه ًام لتلوثها‪ .‬حد ّد هذه املشكلة يف نقاط واضحة‪.‬‬
‫‪ -10‬ما املعاجلات املتبعة يف السيطرة عىل مشكلة تكدس النفايات الصلبة بوصفها‬
‫أحد أسباب تلوث الرتبة واألرايض‬
‫‪ -11‬ملاذا يشكل التلوث اإلشعاعي قلق ًا كبري ًا لدى الناس أجب من خالل بيان‬
‫املخاطر البيئية الناجتة عنه‪.‬‬
‫‪ّ -12‬بني يف مرتسم توضيحي دورة املبيدات يف البيئة‪ .‬ثم علل سبب انتشار‬
‫املبيدات عىل رقعة جغرافية واسعة حتى وإن استخدمت ضمن منطقة حمدودة‪.‬‬
‫‪ -13‬ما املقصود بالرتاكم احليوي وملاذا يشكل خطر ًا كبري ًا عىل البيئة واألحياء‬
‫حني يتعلق األمر باملبيدات الفتاكة‬
‫‪ -14‬ملاذا تعد مشكلة التلوث الضوضائي حديثة نسبي ًا‬
‫خلص‪ ،‬يف نقاط واضحة‪ ،‬أثار املستويات املرتفعة للضوضاء عىل صحة‬
‫ّ‬ ‫‪-15‬‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪118‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل السادس‬
‫مشكلة تحطيب الغابات املدارية‬
‫يعرض هذا الفصل إىل بحث مشكلة حتطيب الغابات املدارية التي تعدّ من أكثر‬
‫املشكالت البيئية قلق ًا‪ .‬ويتم هنا أوالً التعريف بجغرافية الغابات املدارية املطرية‬
‫بوصفها حمط املشكلة‪ ،‬ثم حتديد معنى حتطيب الغابات واملعدالت اجلارية عليها‪،‬‬
‫وبحث العوامل املسببة لتدمريها‪ ،‬ثم استعراض أهم العواقب البيئية الناجتة عن‬
‫ذلك الفعل‪.‬‬

‫الغابات املدارية ومعدالت تحطيبها‬


‫جغرافية الغابات املدارية‬
‫تعد الغابات املدارية من أكثر حدائق الطبيعة‬
‫سحر ًا ومجاالً‪ .‬وعرب سقف الغابة املدارية التي‬
‫تتصف بأوراقها الضاربة إىل اللون األخرض‬
‫تتوغل أشعة الشمس الساطعة عرب أغصان‬
‫األشجار‪ ،‬لرتسم مشهد ًا ال مثيل له يف عامل‬
‫تعد الغابات المدارية المطيرة‪..‬‬
‫أكثر اإلقليم االحيائية فوق الكوكب جماالً وتنوعاً‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫تقع الغابات املدارية املطرية حول خط االستواء يف ثالثة أقاليم رئيسة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫جنوب رشقي أسيا‪ ،‬وغرب أفريقيا‪ ،‬ويف أمريكا اجلنوبية والوسطى‪ .‬ويتحدد نطاق‬
‫توزيع معظمها بني دائريت عرض ‪ 10‬درجة شامل وجنوب خط االستواء‪ ،‬وهناك‬
‫أيض ًا أجزاء متفرقة من الغابات املدارية تتمثل يف كل من أمريكا الوسطى واملكسيك‬

‫‪119‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وجنوب رشقي الربازيل واألجزاء الرشقية من جزيرة مدغشقر وجنوب اهلند‬


‫وكذلك يف األقسام الشاملية الرشقية من أسرتاليا (أنظر الشكل ‪.)2 – 1‬‬
‫يتميز مناخ إقليم الغابات املدارية بكونه دافئ ًا ورطب ًا عىل مدار السنة‪ ،‬مع‬
‫درجات حرارة قليلة التباين فصلي ًا لكنها ذات تباين واض خالل اليوم الواحد‪.‬‬
‫وال يتسم إقليم الغابات املدارية باحلر الشديد كام جيري االعتقاد‪ ،‬فمعدل درجة‬
‫احلرارة يف هذه املناطق يرتاوح بني ‪ o25‬إىل ‪ o27‬مئوية‪ ،‬وهو يف احلقيقة معدل‬
‫حراري أقل بكثري من معدالت درجات احلرارة يف كثري من الصحاري واألقاليم‬
‫املعتدلة‪ .‬أما األمطار‪ ،‬فهي تعد األكثر غزارة يف هذا اإلقليم‪ ،‬إذ ترتاوح كميتها‬
‫السنوية ما بني ‪ 2000‬إىل ‪ 4000‬ملم‪ ،‬أو أكثر من ذلك أحيان ًا‪ .‬وهتطل األمطار‬
‫بشكل متساوي تقريب ًا طيلة أيام السنة‪ ،‬وال يكاد يوجد شهر أو فصل جاف يف هذه‬
‫املنطقة‪.‬‬
‫تعد تربة الغابات املدارية فقرية يف عنارصها الغذائية عىل وجه العموم‪،‬‬
‫ويرجع ذلك لعمليات الغسيل املستمرة بفعل األمطار الغزيرة والتحلل الرسيع‬
‫للامدة العضوية املتزامن مع الرطوبة واحلرارة العاليتني‪ .‬ونتيجة لذلك غالب ًا ما متيل‬
‫تربة الغابات املدارية إىل احلامضية وتكون قليلة السمك وشحيحة يف مادهتا‬
‫العضوي ة‪ .‬ولذا تستمد الغابات هنا املادة الغذائية من الغطاء اخلرضي واالحيائي‬
‫املكون للغابة أكثر من اعتامدها عىل الرتبة‪ .‬عىل أنه توجد غابات مدارية متتاز‬
‫ال هناك غابات تنمو فوق ترب بركانية ناشئة‪ ،‬بحيث أن‬‫بخصوبة تربتها جد ًا‪ ،‬فمث ً‬
‫األمطار الغزيرة مل تؤثر بعد يف غسل العنارص الغذائية منها‪ .‬وتوجد مثل هذه الرتب‬
‫أيض ًا بجوار األهنار‪ ،‬حيث تتزود هذه املناطق بكميات جديدة من العنارص الغذائية‬
‫مع كل فيضان حيدث‪.‬‬
‫من الناحية األحيائية‪ ،‬فأن الغابات املدارية تعد األكثر تنوع ًا‪ .‬إذ يوجد يف‬
‫اهلكتار الواحد (‪ 10.000‬مرت مربع) من الغابة املدارية أكثر من ‪ 300‬نوع من‬

‫‪120‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫األشجار التي يمكن أن يصل ارتفاع بعضها إىل ما يزيد عن ‪ 150‬مرت ًا‪ ،‬ناهيك عن‬
‫أعداد هائلة من النباتات اهلوائية واملتسلقة واألعشاب وغريها‪ .‬وتعج الغابة املدارية‬
‫أيض ًا بأعداد وفرية من احليوانات كالببغاوات واخلفافيش ودببة الكسالن واألفاعي‬
‫والضفادع والقردة وغريها‪ ،‬إذ يكون ارتباطها باألشجار شديد ًا‪ .‬أما أعايل األشجار‬
‫فعاد ًة ما تكون مأوى ألعداد هائلة من احلرشات التي تدب فوقها‪ ،‬فقد تضم‬
‫ال عىل أكثر من ‪ 250‬نوع من النمل‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن آالف األنواع‬ ‫الشجرة الواحدة مث ً‬
‫األخرى التي الزال العلامء مل يعرفوها بعد‪.‬‬

‫تعريف تحطيب الغابات‬


‫يمكن تعريف حتطيب الغابات ‪ Deforestation‬عىل أنه عملية قطع أشجار الغابات‬
‫وإزالتها من مكاهنا األصيل بمساحات شاسعة‪ ،‬وذلك ألغراض شتى‪.‬‬
‫لقد عمل اإلنسان منذ القدم عىل إزالة‬
‫الغابات‪ ،‬أما الستخدام أخشاهبا بحد ذاهتا أو‬
‫الستثامر األرض التي تنتصب فوقها‪ .‬وعىل مر‬
‫التاريخ‪ ،‬كان حتطيب الغابات من أوىل‬
‫مارس اإلنسان قطع األشجار كمهنة قديمة‪..‬‬
‫اخلطوات التي نفذها اإلنسان برصف النظر عن‬
‫حرفتي الصيد وااللتقاط ومن ثم رعي املاشية‬
‫لكنها تحولت في الوقت الحاضر إلى مشكلة‬

‫وصوالً إىل حرفة الزراعة املستقرة وغريها من املهن االقتصادية‪ .‬وقد تعرضت‬
‫الغابات لعمليات اإلزالة يف أوربا إبان العرصين احلجريني األوسط واحلديث‪ ،‬لكن‬
‫األقسام الوسطى والغربية من القارة شهدت مرحلة حتطيب كثيفة يف املدة ما بني‬
‫‪1250 -1050‬ميالدي‪ .‬وبعد ذاك‪ ،‬حينام وصل املستوطنون األوربيون إىل أمريكا‬
‫الشاملية‪ ،‬شهدت مساحات واسعة من غاباهتا عمليات حتطيب بمعدل أرسع بكثري‬
‫مما شهدته أوربا‪ ،‬إذ اجتث من غابات أمريكا الشاملية يف غضون ‪ 200‬سنة أكثر مما‬
‫اجتث يف أوربا عىل مدى ‪ 2000‬سنة‪ .‬وتشري تقديرات منظمة الزراعة واألغذية‬

‫‪121‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الدولية ‪ FAO‬إىل أنه يف عصور ما قبل الزراعة كانت مساحة الغطاء الغايب يف العامل‬
‫تناهز ‪ 5‬بليون هكتار‪ ،‬وقد انخفض هذا الرقم إىل ‪ 3.9‬بليون هكتار مع مطلع العام‬
‫‪ . 2000‬وعىل الرغم من أن معظم هذه اخلسارة قد حصلت يف العروض املعتدلة‬
‫من نصف الكرة األرضية الشاميل‪ ،‬فأن نسبة اخلسارة يف ذلك النطاق قد شهدت‬
‫انخفاض ًا ملحوظ ًا يف العقود األخرية‪ ،‬إذ حتولت العديد من البلدان إىل ممارسة‬
‫برامج زراعة البستنة‪ .‬يف الوقت ذاته‪ ،‬أدى تضافر الزيادة السكانية الرسيعة وتطور‬
‫وسائط الوصول إىل الغابات يف املناطق املدارية يف اآلونة األخرية إىل تسارع‬
‫معدالت حتطيب الغابات فيها نتيجة لذلك‪.‬‬

‫معدالت تحطيب الغابات‬


‫تتباين تقديرات املعدل السنوي لتحطيب الغابات املداريـة مـن عقـد ألخـر‪ ،‬ففـي‬
‫مطلع سبعينيات القرن املايض تـراوح املعـدل بـني ‪ 11‬إىل ‪ 15‬مليـون هكتـار‪ ،‬ثـم‬
‫أنخفض يف أواخر السبعينيات ليرتاوح من ‪ 6.1‬إىل ‪ 7.5‬مليون هكتار ‪ ،‬لكـن عـاد‬
‫وارتفع يف الثامنينيـات ليـرتاوح بـني ‪ 12.2‬إىل ‪ 14.2‬مليـون هكتـار‪ .‬ويظهـر مـن‬

‫الشكل (‪ :)6 – 1‬معدل تغري الغطاء الغايب بحسب البلدان للمدة ‪.2000 – 1990‬‬

‫‪122‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ )6 - 1‬أحدث التقييامت ملعدالت تغري الغطـاء الغـايب بحسـب البلـدان‪،‬‬


‫الذي أعدته منظمة الزراعة واألغذية الدولية‪ .‬إذ تبني هذه اخلريطة بشـكل واضـ‬
‫تزايد مساحة الغطاء الغـايب أو اسـتقراره عمومـ ًا يف منـاطق العـروض العليـا‪ ،‬أمـا‬
‫البلدان املدارية فهي تعاين يف واقع احلال من تناقص واضـ يف مسـاحات غاباهتـا‪.‬‬
‫وبحسب التخمينات‪ ،‬فأن معدل حتطيب الغابات يف مجيـع املنـاطق املداريـة للمـدة‬
‫‪ 2000 - 1990‬قد بلغ ‪ 14.2‬مليون هكتار سنوي ًا‪ .‬عىل أن هذا املعـدل كـان أقـل‬
‫من ذلك خالل املدة ‪ ، 1990 - 1981‬إذ بلغت نحو ‪ 13.1‬مليون هكتار‪.‬‬

‫أسباب تحطيب الغابات املدارية‬


‫ليس من السهل إجياز أسباب حتطيـب الغابـات‬
‫يف املنــاطق املداريــة املطــرية‪ ،‬ذلــك ألن قطــع‬
‫األشجار يمثل النتيجة النهائية لسلسـلة طويلـة‬
‫من العوامل واملسببات التي ترتابط مـع بعضـها‬
‫بصــور شــتى‪ .‬لكــن يمكــن القــول عموم ـ ًا أن‬
‫تتعدد أسباب تحطيب الغابات المدارية‪..‬‬
‫وتتداخل مع بعضها بشكل معقد‬
‫األشــخاص الــذين يقومــون بقطــع األشــجار‬
‫يتمثلون باملزارعني ومريب املوايش واحلطابني‪.‬‬
‫عىل أن الفهم السليم لعملية حتطيب الغابات يسـتلزم بحثـ ًا معمقـ ًا للقـوى‬
‫الكامنة وراء هذه العوامل‪ .‬فمثالً‪ ،‬يعد الوصول إىل الغابات أمر ًا مه ًام‪ ،‬وهذا يتـوفر‬
‫عادة من خالل مد شبكات الطرق‪ .‬وهلذا‪ ،‬فأن شق طريق جديد‪ ،‬سواء أكـان ذلـك‬
‫بواسطة أحدى رشكات التحطيب أو كجزء من مشاريع التنمية الوطنية‪ ،‬يعد جـزء ًا‬
‫مكم ً‬
‫ال من عملية حتطيب الغابات‪ .‬ويتمثل الطرف األخر من املعادلة بالدور الـذي‬
‫تلعبه العوامل االجتامعية واالقتصادية التي تدفع بالناس إىل جماورة الغابـة‪ :‬فـالفقر‬
‫وتدين اإلنتاج الزراعي وعدم املساواة يف توزيع األرايض عوامل مهمـة يف الغالـب‪،‬‬
‫أما معدالت النمو السكاين السـريعة التي تتصـف هبـا العديـد مـن بلـدان املنطقـة‬

‫‪123‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املدارية فهي أيض ًا تلعب دور ًا يف ذلك‪ .‬ويعد دور احلكومـات عـام ً‬
‫ال أخـر يشـجع‬
‫بعض اجلامعات عىل استثامر موارد الغابـات‪ ،‬وذلـك مـن خـالل تقـديم القـروض‬
‫للحطابني ومريب املوايش‪ ،‬مثالً‪ ،‬أو من خالل خطط إعادة التوطني الواسعة النطاق‪.‬‬
‫وعىل الصعيد العاملي‪ ،‬البد أيض ًا من األخذ بعني االعتبار دور األسواق الدوليـة يف‬
‫تداول بعض منتجات الغابات‪ ،‬كاخلشب املنشور‪ ،‬وغريها من املنتجات الواردة من‬
‫البساتني الزراعية‪.‬‬
‫تتباين أمهية هذه العوامل من بلد إىل أخر ومن منطقة إىل أخرى‪ ،‬وقد تتغري‬
‫بمرور الزمن‪ .‬ويمثل اجلدول (‪ )6 - 1‬العوامل الرئيسة التـي تكمـن وراء حتطيـب‬
‫الغابات يف أهم أقاليم الغابات املدارية‪ .‬إذ تغريت طبيعة حتطيب الغابات من عملية‬
‫كانت تقع أساس ًا عىل عاتق الدولـة إىل عمليـة راحـت تنفـذها رشكـات خاصـة يف‬
‫العقود األخرية من القرن العرشين‪ .‬فخالل فرتة السبعينيات أدى شق الطرقات من‬
‫قبل الدولة والربامج االستعامرية إىل فت مناطق عديدة بوجه االسـتيطان البشــري‬
‫والرشوع بتحطيب الغابات عرب سائر أرجاء املناطق املدارية‪ .‬وبحلول التسـعينيات‬
‫تالشت مجيع هذه الربامج‪ ،‬ليحل حملها عمليات حتطيب تقوم هبـا رشكـات خاصـة‬
‫أخذت تتوسع مدياهتا وتتنوع وسائلها منذ عقد السبعينيات من القرن املنرصم‪.‬‬

‫اجلدول (‪ :)6 - 1‬العوامل املسببة لتحطيب الغابات املدارية يف بحسب أقاليمها الرئيسة يف العامل‪.‬‬

‫العوامل الرئيسة‬ ‫اإلقليم‬


‫ا ةةرو العف ي ةةةة الر ا ةةا ال شال ةةاة ‪ ،‬ةةاكاغ ال ةةر ة ال ة ة‬ ‫تربي ةةة ايا‪ ،‬ةةيةة ال ةةا و الر ة‬ ‫أمريكا الالتينية‬
‫السكاينة الاىن االجرمالية غري ايركافئة‪.‬‬
‫السكاين‪.‬‬ ‫مجا ح ب ال ق ة حت يب األ‪ ،‬اشة الر اا ال شالاة ال‬ ‫أفريقيا‬
‫السكاينة الر اا ال شالاة الفسا اإل اشية مجا األلالفة مجا ح ب ال ق ‪.‬‬ ‫ال‬ ‫جن ب آايا‬
‫السكاين‪.‬‬ ‫الفسا اإل اشية الر اا ال شالاة حت يب األ‪ ،‬اشة ال‬ ‫جن ب ‪،‬ر آايا‬

‫‪124‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أمثلة حول مسببات تحطيب الغابات املدارية في بعض البلدان‬


‫فيتنام‬
‫يتض أثر العوامل اخلارجية عـىل حجـم حتطيـب الغابـات الـذي جـرى يف بعـض‬
‫البلدان‪ ،‬من جتربة فيتنام‪ ،‬وهو بلد كان يف عصور مـا قبـل الزراعـة مغطـى بأكملـه‬
‫تقريب ًا بالغابات لكنه خرس أكثر من ‪ %80‬مـن مسـاحته الغابيـة األصـلية‪ ،‬وحصـل‬
‫معظم ذلك خالل النصف الثاين مـن القـرن املـايض (الشـكل ‪ .)6 - 2‬إذ شـهدت‬
‫القرون القليلة املنرصمة إزالـة الغابـات مـن منـاطق السـهول السـاحلية والوديـان‬
‫لغرض الزراعة‪ ،‬وكذلك إبان فرتة االستعامر الفرنيس عندما جرى إزالة مسـاحات‬
‫واسعة يف اجلنوب لزراعتها ببساتني املوز والبن واملطاط‪ ،‬ومع ذلك بقيت ‪ %45‬من‬
‫مساحة البالد مغطاة بالغابات لغاية أربعينيات القرن العشـرين‪ .‬لكن تلـك النسـبة‬
‫هبطت إىل حوايل ‪ %17‬حتى أواخر الثامنينات عىل إثر تدمري منـاطق شاسـعة جـراء‬
‫احلرب الفيتنامية‪ ،‬والزالت تلك املساحات املزالة من الغابات آخذة باالتساع نظـر ًا‬
‫للتدمري الناتج عن النمو السكاين الرسيع وأعامل إعادة اإلعامر ما بعد احلرب‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)6 – 2‬التناقص التدرجيي للغطاء الغايب يف فيتنام‪ 1945 ،‬ـــ ‪.1982‬‬

‫‪125‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ساحل العاج‬
‫لعبت قوى االقتصاد الدويل التي تعد مكملة لتحطيب الغابـات يف منـاطق عديـدة‬
‫دور ًا أساسي ًا يف غرب أفريقيا‪ ،‬حيث بات من الصعب أن جتد يف معظم بلدان املنطقة‬
‫إقلي ًام نباتي ًا طبيعي ًا بكر ًا إال وطالته يد إنسان‪ .‬واملثال التقليدي عىل ذلك هـو سـاحل‬
‫العاج‪ .‬إذ ال يوجد هناك يف الواقع دراسة تناولت حتطيب الغابات يف املنطقة املدارية‬
‫إال وخلصت إىل أن ساحل العاج قـد عانـت مـن أرسع معـدل إلزالـة الغابـات يف‬
‫العامل‪ ،‬إذ بلغ ‪ 3500 - 2800‬كم سنوي ًا خالل الـ ‪ 40‬عام ًا املايض‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫تنظــر ســاحل العــاج‪ ،‬شــأهنا شــأن معظــم‬


‫احلكومــات األفريقيــة‪ ،‬إىل غاباهتــا كمصــدر للريــع‬
‫والتبادل اخلارجي‪ .‬ومع هذا‪ ،‬فإذا ما سلمنا بالديون‬
‫اخلارجية الكبرية للـبالد‪ ،‬وبتـدين األسـعار الدوليـة‬
‫جتاه صادرات السلع الزراعية‪ ،‬فأن ليس أمام الـبالد‬
‫بــدائل كثــرية ســوى التوجــه إىل اســتغالل غاباهتــا‬
‫تعد ساحل العاج‪ ..‬من أكثر البلدان‬ ‫بكثافــة‪ .‬ففــي العــام ‪ ،1973‬وفــرت صــادرات‬
‫المدارية استغالالً لغاباتها‬
‫املنتجات اخلشبية ‪ %35‬من العائدات املالية‪ ،‬غـري أن‬
‫هذا الرقم انخفض إىل ‪ %11‬فقط مع هناية القرن املايض نتيجة للتناقص السـريع يف‬
‫قاعدة هذا الـمورد‪ .‬ويف أواخر السبعينيات‪ ،‬كان يستخرج يف كـل سـنة نحـو ‪5.5‬‬
‫‪3‬‬
‫مليون م من اخلشب املدور الصناعي‪ ،‬لكن هذا اإلنتاج هبط إىل ما دون ‪ 3‬مليون م‬ ‫‪3‬‬

‫بحلول العام ‪ .1991‬ويف العام ‪ 1997‬وضعت ساحل العـاج قيـود ًا عـىل تصـدير‬
‫األخشاب هبدف زيادة إيراداهتا من خالل تصنيعه يف الـداخل‪ .‬وأسـفر ذلـك عـن‬
‫تزايد معامل تقطيع األخشاب وزيادة تصنيع املنتجات اخلشبية‪ ،‬لكنه أدى أيضـ ًا إىل‬
‫هبوط أسعار اخلشب بالنسبة ملالكي الغابـات‪ ،‬وإىل تـدين املـورد الغـايب وحـدوث‬
‫تداعيات سلبية يف جمال إدارة الغابات‪ .‬هذا وبلغ إنتاج اخلشب املـدور الصـناعي يف‬

‫‪126‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫العام ‪ 2004‬نحو ‪ 1.7‬مليون م ‪ .‬ومن األمور التي حفزت عىل حتطيب الغابـات يف‬
‫‪3‬‬

‫ساحل العاج أيض ًا هو نمو السكان من ‪ 5‬مليون نسمة يف عام ‪ 1970‬إىل حوايل ‪15‬‬
‫مليون نسـمة يف العـام ‪ ،2000‬وكـذلك عـدم سـيطرة املـزارعني عـىل االسـتيطان‬
‫البرشي والقيام بإزالة الغابات لغرض إنشاء بساتني لزراعـة الـبن والكاكـاو بـدعم‬
‫وتشجيع حكومي‪.‬‬
‫الفلبين‬
‫يعد حتطيب األخشاب والزراعة العاملني الرئيسني إلزالة الغابـات يف الفلبـني منـذ‬
‫أربعينيات القرن املايض‪ .‬إذ تقلص الغطاء الغايب يف الفلبـني مـن ‪ %70‬مـن مسـاحة‬
‫أرض البالد إىل ‪ %50‬بني األعوام ‪ 1900‬و ‪ ،1950‬ثم تقلصت املساحة مرة أخرى‬
‫إىل أقل من ‪ %25‬يف مطلع التسعينيات‪ ،‬يف الوقت الذي اختفت فيه غابات األرايض‬
‫املنخفضة من البالد متام ًا‪ .‬ولغاية العام ‪ ،2000‬تقدر نسبة الغابـات الطبيعيـة التـي‬
‫تغطي مساحة البالد بحوايل ‪ %17‬فقط‪.‬‬
‫البرازيل‬
‫لقد كان للسياسة احلكومية دور ًا أساسي ًا يف حتطيب غابات حوض األمازون يف‬
‫الربازيل‪ ،‬إذ متت املبارشة عىل نطاق واسع يف أواسط سبعينيات القرن العرشين‬
‫بخطة متفق عليها لتطوير املناطق املدارية من البالد‪ .‬وكان التوسع الزراعي أهم‬
‫عامل مسؤول عن إزالة الغابات يف ذلك الوقت‪ ،‬سواء من قبل املزارعني الصغار أو‬
‫من مزارعي املزارع التجارية الواسعة‪ ،‬بام يف ذلك مريب األبقار اإلنتاجية لسد حاجة‬
‫السوق املحلية‪ .‬وحفزت رؤية احلكومة الربازيلية ملنطقة األمازون عىل كوهنا أرض‬
‫فارغة لكنها غنية باملوارد عىل الرشوع بربامج إعادة التوطني‪ ،‬السيام يف واليتي‬
‫روندونيا ‪ Rondonia‬وبارا ‪ Para‬حتت شعار "شعب بدون أرض يف أرض بدون‬
‫شعب"‪ ،‬إىل جانب برامج للتوسع الزراعي وخطط الستغالل املعادن واملوارد‬
‫األحيائية والكهرومائية‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تعد منطقة روندونيا في غابات األمازون البرازيلية‪..‬‬


‫مثاالً بارز ًا على أثر السياسات التشجيعية الحكومية في زيادة رقعة تحطيب الغابات بمرور السنين‬

‫تتلخص أسباب حتطيب الغابات يف األمازون الربازيلية‪ ،‬يف قيـام املعونـات‬


‫احلكومية بتشجيع تربية املوايش نظر ًا ملا تتسم به األرض واملاشية من جاذبية الدخار‬
‫الثروة أثناء فرتات التضخم العايل‪ .‬وتعد طريقة زراعة "أقطع وأحرق" التي أتبعهـا‬
‫املزارعون األوائل الذين جاؤوا إىل األمازون من املناطق األخرى‪ ،‬كبـديل لطريقـة‬
‫الزراعة املتنقلة التي كان السكان األصليون يف املنطقة يامرسـوهنا منـذ وقـت بعيـد‪،‬‬
‫سبب ًا مه ًام أخر ًا لتحطيب الغابات‪ ،‬حيث كان هذا األسـلوب سـائد ًا منـذ القـدم يف‬
‫مناطق األمازون يف كل من بريو واألكوادور‪ .‬ويـتم إتبـاع أسـلوب أقطـع وأحـرق‬
‫املبتكر حيثام كانت الكثافة السكانية كبرية جد ًا‪ ،‬إذ ال يوجد يف الغالب فرتات كافيـة‬
‫إلراحة األرض ويعقب زراعة األرض بمحصـول أويل زراعتهـا بالعشـب ألجـل‬
‫الرعي‪ ،‬األمر الذي جيعل األرض تفقد استدامتها يف النهاية‪.‬‬

‫عواقب تحطيب الغابات املدارية‬


‫حيدث حتطيب الغابات يف املناطق املدارية‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن التحطيب يف أي مكان‬
‫أخر من العامل‪ ،‬بدافع رغبة الناس يف االستفادة من موارد الغابات‪ .‬وعىل هـذا‪ ،‬فـأن‬
‫مجـة كالطعـام واألخشـاب‬ ‫حتطيب الغابات املدارية يمد املجتمعات البرشية بفوائد ّ‬
‫ال عن توفري فرص عمل ومـردود مـايل لعـدد كبـري مـن‬ ‫واملواد اخلام األخرى‪ ،‬فض ً‬

‫‪128‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫البلدان‪ ،‬أغلبها بلدان فقرية نسبي ًا‪ .‬غري أن خسارة الغابات قد تؤدي أيض ًا إىل تدهور‬
‫بعض خدماهتا البيئية‪ ،‬إذ أن معظم القلق الدائر اليوم حول قضية حتطيـب الغابـات‬
‫املدارية يكمن يف احتامل تعرض الدور الذي تلعبه الغابـات يف دعـم أنظمـة احليـاة‬
‫البرشية إىل االضطراب‪ ،‬ذلك الدور املتمثل يف تعديل املناخ املحيل ويف جريان امليـاه‬
‫ويف الدورات الغذائية‪ ،‬ناهيـك عـن دورهـا يف‬
‫كوهنا خمزنـ ًا للتنـوع األحيـائي وموطنـ ًا طبيعيـ ًا‬
‫للكثري من األحياء‪ .‬هذا ويمكـن أن يتبـاين أثـر‬
‫العواقــب البيئيــة الســلبية اهلائلــة النامجــة عــن‬
‫خسارة الغابات املدارية من نطاق حميل إىل أخـر‬
‫يؤدي تحطيب الغابات المدارية‪..‬‬
‫إلى خسارة خدمات بيئية قيمة‬ ‫عاملي‪ .‬وعىل ذلك سنبحث هنا التأثريات البيئية‬
‫لتحطيب الغابات عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫التأثير في املوارد املائية‬


‫إن لتحطيب الغابـات أثـر جسـيم عـىل املـوارد‬
‫املائية‪ .‬إذ يؤدي حتطيب الغابات عموم ًا إىل زيادة‬
‫اجلريان السطحي وتسارع ترصيف مياه األهنار‪،‬‬
‫وهــي عالقــة ســببية أثبتتهــا الدراســات التــي‬
‫أجريت عىل األحواض النهرية الصـغرية (التـي‬
‫يعني فقدان الغابات‪ ..‬اختالل دورة الماء في‬
‫الطبيعة وتزايد الفيضانات المدمرة‬ ‫تقــل مســاحتها عــن ‪ 10‬كــم ) يف كــل املنــاطق‬
‫‪2‬‬

‫املدارية‪ .‬ومن املحتمل أن تتأثر النظم النهرية األكرب بالطريقة عينها‪ .‬وثمة قلق حيال‬
‫دور الغابة يف تنظيم جريان األهنار واجلداول املائية املتدفقة من املنابع العليا‪ .‬ويتجىل‬
‫هذا القلق يف أوض صوره يف مدى التأثري اإلقليمي عـىل األنظمـة الطبيعيـة جـراء‬
‫حتطيـب الغابـات يف جبـال اهلاماليــا‪ .‬وهنالـك نظريـة القــت رواجـ ًا واسـع ًا هبـذا‬
‫اخلصوص مفادها أن التحطيب الواسع الذي شهدته املنطقة منذ العـام ‪ 1950‬هـو‬

‫‪129‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املسؤول عن تزايد فيضانات هنري الغـانغ والربامهـابوترا‪ .‬عـىل أن هـذه النظريـة مل‬
‫تسلم يف احلقيقة من االنتقادات كوهنا مل تقدم أدلة كافية عىل العالقـة املفرتضـة بـني‬
‫حتطيب الغابات وتزايد الفيضانات‪ .‬لكن أحدى الدراسات التي أجريت عىل بعض‬
‫البلدان النامية وجدت عالقة واضحة ما بـني زيـادة الفيضـانات وتقلـص مسـاحة‬
‫الغابة الطبيعية‪ .‬وظهر أيض ًا وجود عالقة طردية بني تناقص الغطاء الغايب الطبيعـي‬
‫من جهة ومقاييس أخرى للفيضانات (مثل‪ :‬طول فرتة حدوثها‪ ،‬عدد الناس الـذي‬
‫لقوا حتفهم ونزحوا عن ديارهم بسببها‪ ،‬األرضار اإلمجالية‪ )..‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫التأثير في خزانات السدود وفي منسوب املياه الجوفية‬


‫يمكن أن تسبب كميات الرواسب الكبرية التـي‬
‫حتملهــا األهنــار نتيجــة لتحطيــب الغابــات يف‬
‫املناطق التي تنبع منها‪ ،‬أثر ًا سلبي ًا عـىل خزانـات‬
‫السدود‪ .‬إذ إهنا تؤدي‪ ،‬مثالً‪ ،‬إىل تقصـري عمرهـا‬
‫املفيد كمجهزات للطاقـة ومليـاه الـري ويسـتلزم‬
‫يسهم تحطيب الغابات‪..‬‬
‫في رفع منسوب المياه الجوفية‬ ‫إعادة تنظيفها مبالغ طائلة‪ .‬ومن املحتمـل أيضـ ًا‬
‫تأثر منسوب املياه اجلوفية املحليـة بتحطيـب الغابـات‪ .‬فعنـدما حتـل احلشـائش أو‬
‫املحاصيل الزراعية الضحلة اجلذور حمل األشجار العميقة اجلذور يمكن أن تـؤدي‬
‫التغذية املتزايدة ملستودعات امليـاه الباطنيـة إىل ارتفـاع يف منسـوب امليـاه اجلوفيـة‪.‬‬
‫ويمكن االستشهاد هبذا التأثري من منطقة املرتفعات التايالنديـة الشـاملية الشــرقية‬
‫حيث أسفر إزالة الغابات املحلية عن ظهور مشكلة متلـ السـفوح الـدنيا وبطـون‬
‫األودية نتيجة الرتفاع منسوب املياه اجلوفية املاحلة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التأثير في تدهور التربة‬


‫يعد تـدهور الرتبـة‪ ،‬بمظـاهره املختلفـة املتمثلـة‬
‫بالتعريـــة واالنــــزالق األريض واالنضــــغاط‬
‫والتطبــق‪ ،‬مــن املشــكالت املعقــدة التــي ترافــق‬
‫حتطيب الغابات يف أي إقليم حيايت‪ ،‬لكنهـا غالبـ ًا‬
‫ما تكون عىل أشـدها يف املنـاطق املداريـة بوجـه‬
‫خـاص‪ .‬إذ تتصـف األمطـار يف املنطقـة املداريــة‬
‫الرطبة بغزارة كمياهتا السنوية وبـديمومتها عـىل‬
‫يؤثر تحطيب الغابات في تدهور التربة‪..‬‬
‫ومنها حدوث انزالقات أرضية‬ ‫مدار العام وبقدرهتا الكبرية عـىل فعـل التعريـة‪.‬‬
‫ولذا‪ ،‬فأن إزالة الغطاء النبايت الواقي رسعان ما تفيض إىل التعجيـل بفقـدان الرتبـة‪،‬‬
‫عل ًام أن معدل ذلك الفقدان يعتمد عىل نـوع اسـتعامل األرض الـذي سـيحل حمـل‬
‫الغطاء الغايب‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬توصـل البـاحثون‪ ،‬يف دراسـتهم إلحـدى غابـات‬
‫جنوب رشق أسيا‪ ،‬إىل أن أعىل مستويات فقدان الرتبة بحسب كل وحـدة مسـاحية‬
‫متأثرة تأيت عموم ًا من الطرقات ودروب القوافل‪ ،‬بيد أن الفقدان الذي حيصل جراء‬
‫حتول أرض الغابة يكون عالي ًا يف املناطق اجلبلية إذا ما جرى استغالل بعض املواقـع‬
‫استغالالً مكثف ًا لألغراض الزراعية أو عندما تكون املحاصيل والبسـاتني فقـرية يف‬
‫غطاءها من الرتبة عموم ًا‪ .‬كام الحظ أولئـك البـاحثون أن فقـدان الرتبـة يـؤدي إىل‬
‫حدوث انزالقات أرضية السيام فوق مناطق التالل‪ ،‬التي قد تقود بعد مرور وقـت‬
‫طويل إىل تراكم كميات من الرواسب تضاهي ما موجود يف مناطق السهول برمتها‪.‬‬
‫عىل أن احتامالت حدوث االنزالقات األرضية تزداد يف واقع احلال حتى بعد مرور‬
‫عدة سنوات عىل حتول الغابة وقد تبقى متواصلة احلدوث إذا مـا اسـتمرت زراعـة‬
‫املحاصيل والبساتني ذات اجلذور الضعيفة بدالً عنها‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يمكن أن تتفاقم تعرية الرتبة أيض ًا بفعل االنضغاط الذي ينجم عـن مـرور‬
‫آليات ثقيلة فوق الرتبة‪ ،‬أو تعرض الرتبة للسحق بأقدام املاشية حني تتحـول الغابـة‬
‫إىل مرعى‪ ،‬أو جراء التعرض إىل الشمس واألمطار‪ .‬ويؤدي سط الرتبـة املنضـغط‬
‫إىل تزايد اجلريان السطحي وغالب ًا ما يكون ذلك سبب ًا مه ًام لفقدان الرتبة‪ .‬أما الطبقية‬
‫‪ ،Laterization‬وهي عبارة عن تكّون طبقة سطحية صلدة وغري نفـاذة مـن الرتبـة‪،‬‬
‫لكن من املحتمل أن نسبة خطرها ال تغطي سـوى ‪ %2‬مـن مسـاحة أرايض املنطقـة‬
‫املدارية الرطبة‪.‬‬
‫يعد فقر حمتوى العديد من ترب الغابات املدارية بالعنارص الغذائيـة عـام ً‬
‫ال‬
‫يسهم يف احلد من إمكانية قيام الكثري من استعامالت األرض التـي أزيلـت ألجلهـا‬
‫الغابة‪ .‬ففي بعض أنحاء حوض األمازون‪ ،‬مثالً‪ ،‬تبلـغ كميـة الفسـفور وغـريه مـن‬
‫العنارص الغذائية يف الرتبة ذروهتا أوالً بعد القيام بحرق النباتات املزالة‪ ،‬األمر الذي‬
‫يدر إنتاجية زراعية عالية نسبي ًا ومن ثم حصول املـزارعني عـىل إيـرادات مرتفعـة‪.‬‬
‫لكن حيدث بعد ذلك يف الغالب أن ينخفض مستوى العنارص الغذائية نتيجة لعملية‬
‫الغسل‪ ،‬وتصب األرض غري قادرة حتى عىل إنبات أعشاب للمرعى بعد مرور أقل‬
‫من عرش سنوات‪ .‬ورسعان ما يعمـل تعـرض الرتبـة لنضـوب عنارصهـا الغذائيـة‬
‫ولالنضغاط وغزو األعشاب الضـارة عـىل اسـتنفاذ فائـدة الرتبـة كـأرض صـاحلة‬
‫للزراعة والرعي‪ .‬وبعد حني من الوقت سوف لن تصب تربية األبقار أمر ًا مربح ًا مما‬
‫سوف يصار إىل هجر األرض يف هناية املطاف (الشكل ‪.)6 – 3‬‬
‫واليشء نفسه يقال يف حالة الزراعة املتنقلة غري املستدامة التـي رسعـان مـا‬
‫جترد الرتبة من عنارصها الغذائية‪ ،‬وتؤدي إىل تناقص إنتاجيتها برسعة‪ ،‬وكـذلك إىل‬
‫تدهور صالحيتها للرعي‪ ،‬وتدفع بمسـتوطنيها إىل هجرهـا والبحـث عـن غابـات‬
‫جديدة أخرى ليقوموا بإزالتها وتكرار العملية مرة أخرى‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)6 – 3‬دورة التدهور البيئي يف الغابة املعرضة للتحطيب‪.‬‬

‫التأثير في املناخ‬
‫من املمكن حدوث تداعيات مناخية حمتملة عىل‬
‫نطاق حميل وإقليمـي وحتـى عـاملي بفعـل إزالـة‬
‫مســاحات شاســعة مــن الغابــات‪ ،‬والتــي تــؤثر‬
‫باملحصلة النهائية عىل دوريت املـاء والكربـون يف‬
‫الطبيعة‪ .‬فعىل سـبيل املثـال‪ ،‬تكشـف سـجالت‬
‫لتحطيب الغابات المدارية‪ ..‬عواقب وخيمة‬
‫على تغير المناخ‬ ‫األمطار يف أمريكا الوسطى عن حصول تأثريات‬
‫حملية لتحطيب الغابات‪ .‬ففي غواتيامال واملناطق املجاورة إليها‪ ،‬أظهر حتليل بيانـات‬
‫مستله من ‪ 266‬حمطة أنواء جوية‪ ،‬حدوث انخفاض واض يف كمية األمطـار أثنـاء‬
‫فصل اجلفاف يف منـاطق أزيلـت عنهـا الغابـات مقارنـ ًة بمنـاطق جمـاورة مازالـت‬
‫الغابات تكسوها‪ .‬وعموم ًا‪ ،‬توصلت بعض الدراسات إىل أن املواطن الطبيعية التي‬
‫أزيلت عنها الغابات تتسم خالل فصل اجلفاف بدرجات حرارة مرتفعة عند النهـار‬

‫‪133‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وبغيوم أقل وبرطوبة تربة أدنى مما يف املناطق املكسوة بالغابات ضمن اإلقليم البيئي‬
‫نفسه‪ .‬واحلصيلة النهائية هي اتسام املناطق التي أزيلـت عنهـا الغابـات هبـواء حـار‬
‫وجاف وبقلة تشكل الغيوم والتساقط‪.‬‬
‫عىل الصعيد اإلقليمي‪ ،‬ويف منطقة واسعة كاألمازون‪ ،‬حيث تعود أكثر مـن‬
‫نصف كمية األمطار املتساقطة إىل الغالف اجلوي ثانية عن طريق التبخر ـــ النـت ‪،‬‬
‫فأن إزالة مساحات شاسعة من الغابة قد ينطوي أيض ًا عـىل تـأثري خطـري يف الـدورة‬
‫املائية‪ ،‬وما يعقب ذلك من أثار سلبية عىل األمطار ومن ثم عىل وجود الغابة نفسـها‬
‫وعىل الزراعة التي تقام حملها‪ .‬وقد جرى اختبار مثـل تلـك النظريـات مـن خـالل‬
‫حماكاة الظروف املستقبلية بنامذج الدورة املناخية العامة‪ ،‬واتفقـت النتـائج التـي تـم‬
‫احلصول عليها عموم ًا عىل حدوث تناقص يف كمية التساقط وتغري حمدود يف درجـة‬
‫حرارة السط ‪ .‬وتشري العديد من الدراسات أيض ًا إىل أن حتطيب حوايل ‪%40 - 30‬‬
‫من غابة األمازون قد أفىض إىل سيادة نظام مناخ جاف فوق معظـم أرجـاء حـوض‬
‫األمازون‪.‬‬
‫أما عىل الصعيد العاملي‪ ،‬فيمكن أن يكون للتغريات احلاصلة عىل خصائص‬
‫السط من جراء حتطيب الغابات املدارية واختالف انعكاسية اإلشـعاع الشمســي‬
‫مردود ًا سلبي ًا عىل مناخ العروض الوسطى والعليا‪ .‬وقد تم مالحظة حصول بعـض‬
‫التأثريات العاملية لتحطيـب الغابـات عـىل دورة الكربـون مـثالً‪ .‬إذ يعمـل حتطيـب‬
‫الغابات عىل زيادة إطالق ثنائي أكسـيد الكربـون إىل اجلـو‪ ،‬سـواء بفعـل عمليـات‬
‫اإلحراق أو التفسخ‪ ،‬وربام يسهم ذلك يف تفاقم ظاهرة االحتباس احلراري‪ .‬ولـيس‬
‫معلوم ًا حلد اآلن مدى املسامهة الفعلية لتحطيب الغابات املداريـة يف إضـافة ثنـائي‬
‫أكسيد الكربون إىل اجلو‪ ،‬وذلـك نظـر ًا لعـدم املعرفـة الدقيقـة بمعـدالت حتطيـب‬
‫الغابات من جهة وبكمية الكربون املوجودة يف كل وحدة مساحية من الغابات مـن‬
‫جهة أخرى‪ .‬ومـع أن إسـهام حتطيـب الغابـات يف زيـادة تركيـزات ثنـائي أكسـيد‬

‫‪134‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الكربون اجلوي هو أقل مما يسهم به حرق الوقود األحفـوري‪ ،‬فـأن التحطيـب قـد‬
‫يسهم بام يزيد عن نسبة الثلث يف هذا املجال‪.‬‬

‫التأثير في الحياة النباتية والحيوانية‬


‫يعد خسارة األحياء النباتية واحليوانية مـن أشـد عواقـب حتطيـب غابـات املنـاطق‬
‫املدارية خطورةً‪ .‬إذ تتميز الغابات املدارية املطرية بتنوع حيايت فريد قياس ًا بغريها من‬
‫األقاليم األحيائية األخرى‪ .‬وعـىل الـرغم مـن أن املعلومـات حـول العـدد الكـيل‬
‫لألنواع األحيائية املوجود فوق وجه األرض الزالت ضـئيلة‪ ،‬فقـد أمجعـت معظـم‬
‫التقديرات عىل أن أكثر من نصف هذه األحياء إنام يعيش يف الغابات املدارية املطرية‬
‫التي ال تغطي سوى ‪ %6‬فقط من مساحة اليابس العاملي‪ ،‬مما يـدلل عـىل أمهيـة هـذه‬
‫البقعة من األرض يف دعم احلياة‪ .‬هـذا وتتصـف الكثـري مـن األحيـاء بـالتقوقع يف‬
‫توزيعها وبعالقات محيمة أو بموائل بيئية ضيقة‪ ،‬األمر الذي يسفر عن تكافل دقيـق‬
‫بني كل نوع وأخر‪ .‬وهلذا‪ ،‬يمكن أن يلحق هبا دمار شـديد يف النظـام البيئـي للغابـة‬
‫بمجرد إزالة مساحة صغرية منها‪ .‬وعموم ًا‪ ،‬هناك إمجاع واسـع يف الوسـط العلمـي‬
‫عىل أن حتطيب الغابات يف املناطق املدارية يمثـل هتديـد ًا خطـري ًا لألحيـاء وللتنـوع‬
‫اجليني فوق كوكب األرض‪.‬‬
‫تشري إحدى الدراسات التي أجريـت يف‬
‫وسط منطقة األمازون إىل أن تقطيع الغابة يؤدي‬
‫إىل حصول عدم جتانس خطري بالنسبة لألشـجار‬
‫الكبرية‪ ،‬وأن فقدان تلك األشـجار سـيكون لـه‬
‫تداعيات وخيمـة عـىل النظـام البيئـي للغابـات‬
‫يؤدي تقطيع الغابة وتجزئتها إلى‪..‬‬
‫عواقب وخيمة على النظام البيئي للغابة‬ ‫املطرية‪ .‬ويعزى رسعة تأثر األشـجار الكبـرية يف‬
‫الغابات املداريـة املجزئـة إىل أسـباب عـدة‪ .‬فهـي قـد تتعـرض بصـفة خاصـة إىل‬
‫االجتثاث من جذورها وإىل التكرس نظر ًا لقوامها الطويـل وسـمكها نسـبي ًا وعـدم‬

‫‪135‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مرونة جذوعها‪ ،‬السيام بالقرب من أطراف الغابة حيث يـزداد هنـاك تـأثري الريـاح‬
‫العاتية‪ .‬وتكون األشجار اهلرمة الكبرية أيضـ ًا عرضـة لالبـتالء بالنباتـات املتسـلقة‬
‫(وهي نباتات معرتشة خشبية طفيلية يقلل وجودهـا مـن عمـر الشـجرة)‪ ،‬ويـزداد‬
‫نموها بشكل خاص قرب أطراف الغابة‪ .‬فض ً‬
‫ال عن ذلك‪ ،‬تتصف األشجار املدارية‬
‫الكبرية‪ ،‬وبسبب تعرض تيجاهنا إىل إشعاع شميس وتبخــر شـديدين‪ ،‬بحساسـيتها‬
‫ملوجات جلفاف وقد يتعرض املوجود منها قـرب أطـراف الغابـة إىل التيـبس بفعـل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫إن فقدان األشجار الكبرية من الغابة املدارية أمر يبعـث عـىل القلـق حقـ ًا‪،‬‬
‫ذلك ألهنا املنبع املهم للفاكهـة واألزهـار واملـأوى الضــروري للحيوانـات‪ .‬ومـن‬
‫املرج أيض ًا أن خسارة هذه األشجار يقلل من حجم الغابة ومن تركيبتهـا املعقـدة‬
‫ويشجع عىل تكاثر األنواع املحلية ذات العمر القصري‪ ،‬ويؤدي ذلك أيض ًا إىل تبـدل‬
‫الدورات الكياموية احليوية يف الغابة واضطراب نظام التبخر ــ النت وتعطل تـدوير‬
‫الكربون مما يساعد عىل انبعاث غازات الدفيئة املرضة‪ .‬ومن األمور املقلقة أيض ًا هـو‬
‫احتامل عدم عودة األحياء يف املناطق التي أزيلت عنها الغابـة‪ ،‬نظـر ًا لتزايـد هـالك‬
‫األشجار يف أجزاء الغابات التي يرتاوح فيها عمر األشجار الكبرية من مائة إىل أكثر‬
‫من ألف عام‪.‬‬

‫مشكلة الحرائق‬
‫تعــد احلرائــق عــام ً‬
‫ال أخــر هيــدد النظــام البيئــي‬
‫للغابات املتأثرة بالتحطيب‪ .‬فعـىل سـبيل املثـال‪،‬‬
‫أثرت احلرائـق التـي انـدلعت يف إعقـاب موجـة‬
‫اجلفاف خالل العام ‪ 1983/1982‬تأثري ًا بليغـ ًا‬
‫عىل مساحة قدرها ‪ 950.000‬هكتار من غابات‬
‫يساعد تحطيب الغابات على زيادة تكرار‬
‫الحرائق وتأثيرها في النظام البيئي للغابة‬ ‫جزيرة صباح ‪ Sabah‬وكـذلك عـىل حـوايل ‪2.7‬‬

‫‪136‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مليون هكتار من املستنقعات وغابات كاليامنتان ‪ Kalimantan‬الواقعة رشق جزيـرة‬


‫بورينو ‪ Boreno‬اإلندونيسية‪ ،‬وانترشت احلرائق بالدرجة األساس يف املنـاطق التـي‬
‫تعرضت للتحطيب حيث تكسو أرضية الغابة بقايا خشبية مبعثرة ختلفت عن قطـع‬
‫األشجار وتتميز بقابليتها الرسيعة لالشتعال‪ .‬ويعـد تـدهور الغابـة واجتثاثهـا مـن‬
‫األرض السبب الرئيس أيض ًا لكارثة احلرائق التي اندلعت يف إندونيسيا خالل العام‬
‫‪ 1998/1997‬والتي خيمت سحابتها الدخانية فوق ‪ 20‬مليون نسمة عرب جنـوب‬
‫رشق أسيا وألشهر عدة‪ ،‬وما صاحبها من عواقب كارثية عىل الصحة املحلية‪ .‬هـذا‬
‫ويف الوقت الذي يسبب فيه نظام الزراعة املتنقلة التقليـدي الـذي عـادة مـا يرافقـه‬
‫إشعال حرائق حمدودة النطاق اضطراب ًا بسيط ًا للغابات املدارية املطرية تسـتطيع فيـه‬
‫املحافظة عىل تنوعهـا األحيـائي العـايل‪ ،‬فـأن احلرائـق الكـربى تسـبب يف الغالـب‬
‫ال جـد ًا حتـى تسـرتد حالتهـا‬
‫اضطراب ًا أعظم بكثري‪ ،‬تستغرق خالله الغابة وقت ًا طوي ً‬
‫الطبيعية‪.‬‬

‫أسئلة للمراجعة واملناقشة‬


‫‪ .1‬حد ّد‪ ،‬يف نقاط‪ ،‬أبرز اخلصائص اجلغرافية إلقليم الغابات املدارية املطرية‪.‬‬
‫‪ .2‬ما معنى حتطيب الغابات وملاذا حتولت إىل مشكلة بيئية كربى يف الوقت‬
‫احلارض‬
‫‪ .3‬تَتبع‪ ،‬يف عمود زمني‪ ،‬معدالت حتطيب الغابات عاملي ًا‪ .‬ثم ّ‬
‫فرس سبب اجتاه زيادة‬
‫هذه املعدالت صوب مناطق العروض املدارية وتناقصها يف مناطق العروض‬
‫املعتدلة والعليا‪.‬‬
‫أوجز‪ ،‬يف نقاط حمددة‪ ،‬أهم العوامل العامة املساعدة عىل زيادة حتطيب الغابات‬
‫ّ‬ ‫‪.4‬‬
‫املدارية‪.‬‬
‫مركزة‪ ،‬وضع حتطيب الغابات املدارية يف كل من فيتنام والفلبني‬
‫‪ .5‬أرشح‪ ،‬يف أمثلة ّ‬
‫وساحل العاج والربازيل‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ . 6‬ما العواقب البيئية املحتملة التي خيلفها حتطيب الغابات املدارية عىل املوارد املائية‬
‫خلص أجابتك يف نقاط حمددة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والسدود واملياه اجلوفية‬
‫‪ . 7‬ما هي مظاهر التدهور التي تتعرض إليها الرتبة يف املناطق املدارية الرطبة عند‬
‫خلصها‪ ..‬وأرسم خمطط ًا يبني مالحمها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إزالة الغطاء الغايب عنها‬
‫‪ .8‬يتوزع تأثري حتطيب الغابات املدارية يف املناخ عىل ثالثة أصعدة‪ .‬وض ّ خصائص‬
‫تغري املناخ يف كل واحدة منها‪.‬‬
‫‪ .9‬ملاذا يشكل حتطيب الغابات املدارية هتديد ًا خطري ًا عىل النظام البيئي االحيائي‬
‫وما هي مظاهر هذا التهديد‬
‫‪ .10‬ملاذا يعمل حتطيب الغابات املدارية عىل زيادة احتاملية تعرضها حلرائق كربى‬
‫وما األمثلة عىل ذلك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪138‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل السابع‬
‫مشكلة التصحــر‬
‫يبحث الفصل احلايل يف واحدة من أكثر املشكالت البيئية استفحاالً‪ ،‬إذ بات‬
‫التصحر يشكل هتديد ًا فعلي ًا لألقاليم اجلافة وشبه اجلافة وكذلك لتلك شبه الرطبة‬
‫الواقعة عىل هوامشها‪ .‬لذا سيتم هنا حتديد تعريف التصحر‪ ،‬فضالً عن التفصيل يف‬
‫أسبابه والنتائج املرتتبة عنه معززة بأمثلة كثرية‪.‬‬

‫تعريف التصحر‬
‫ظهرت كلمـة التصـحر ‪ Desertification‬ألول‬
‫مرة من قبـل أحـد العلـامء الفرنسـيني لوصـف‬
‫حتول ظروف املناطق الرطبة املجاورة للصحراء‬
‫الكــربى يف غــرب أفريقيــا إىل ظــروف أشــبه‬
‫بالصحراوية عىل إثر إزالـة الغابـات يف املنطقـة‬
‫يشكل التصحر اليوم‪ ..‬أكبر مشكلة‬
‫في األقاليم الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة‬ ‫تــدرجيي ًا‪ .‬ويعنــي التصــحر حرفيـ ًا التحــول إىل‬
‫صحراء‪ ،‬لكن وعىل الرغم من استخدام املصـطل ألكثـر مـن مخسـني عامـ ًا‪ ،‬فـأن‬
‫اإلمجاع عىل تعريف املصطل مل يتم التوصل إليه إال مؤخر ًا‪ .‬وأظهر مس ألدبيـات‬
‫املوضوع وجود أكثر من مائة تعريف خمتلف‪ .‬ويشري معظم هذه التعريفـات عمومـ ًا‬
‫إىل اتساع رقعة الصحراء‪ ،‬وبخاصة يف األرايض املحاذية للصحاري‪ .‬كـام اشـتملت‬
‫العديد من التعريفات عىل عبارات مثل فقدان املنطقة ملواردهـا الكامنـة أو اسـتنفاذ‬
‫خصوبة الرتبة أو نضوب الغطاء النبايت وبعض األصناف النباتية املفيدة‪ ،‬فـيام يشـري‬
‫بعض التعريفات إىل معنى استحالة تعويض مثل تلك اخلسـائر ضـمن مـدى عمـر‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يتفق معظم اخلرباء‪ ،‬إن مل يكن أمجعهم‪ ،‬عىل أن ظـاهرة التصـحر حتـدث يف‬
‫األرايض اجلافة‪ ،‬والتي يمكن حتديدها بموجب حدود التصنيفات املناخية (الشكل‬
‫‪ ،)7 - 1‬حيث تشكل مساحتها أكثر من ثلث مساحة اليابس العاملي‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)7 – 1‬التوزيع اجلغرايف لألرايض اجلافة يف العامل‪.‬‬


‫يمكن اعتبار األرايض اجلافة بأهنا تلك املناطق اجلافـة وشـبه اجلافـة وشـبه‬
‫الرطبة اجلافة التي تكون عرضة للتصحر‪ ،‬باستثناء املناطق القاحلة لكوهنـا ال تقـدم‬
‫للسكان سوى موارد حمدودة جد ًا نادر ًا ما يستفاد منها ولذلك تكون ظروفها شبيهة‬
‫بالصحاري‪ .‬وترى النظرة العلمية احلديثة التصحر عىل أنه عمليـة تـدهور تصـيب‬
‫ا ألرض يف املناطق اجلافة‪ .‬ويرتبط مفهوم التدهور باستخدام موارد األرض ــ التي‬
‫تشمل عىل الرتبة والغطاء النبايت واملوارد املائية املحليـة ـــ بطريقـة غـري مسـتدامة‪.‬‬
‫فاألرض التي جيري استخدامها بطريقة غري مستدامة تكون عرضة للتدهور‪ ،‬بمعنى‬
‫أن التصحر يعني التدين الذي يلحق باملوارد املتاحة نتيجـة لعمليـة أو لسلسـلة مـن‬
‫العمليات املتفاعلة يف املنطقة‪ .‬أما التعريف الرسمي الذي اعتمدته األمم املتحدة يف‬
‫مؤمتر مكافحة التصحر‪ ،‬والذي أصب نافذ املفعول يف العام ‪ ،1996‬فيعترب التصحر‬
‫عىل أنه "تدهور األرض يف املناطق اجلافة وشبه اجلافة وشـبه الرطبـة اجلافـة نتيجـة‬

‫‪140‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫لعوامل متعددة مثل التغريات املناخية والنشاطات البرشية"‪ .‬ويدلل التعريـف عـىل‬
‫واحدة من املشكالت التي تنطوي عليها قضـية التصـحر‪ ،‬أال وهـي‪ :‬أن املصـطل‬
‫بذاته يشمل أشكاالً خمتلفة عديدة من تدهور األرض‪.‬‬
‫إن األرايض اجلافة‪ ،‬بحسب التعريف املذكور‪ ،‬إنام هي مناطق تعاين من ش‬
‫يف توفر املياه عىل مدار السنة‪ ،‬غري أن التساقط عىل األرايض اجلافة يتسم بتباين كبري‬
‫عىل املستوى الزماين واملكاين‪ .‬إذ ال هتطل األمطار عاد ًة إال يف مناسبات قليلة وعىل‬
‫نطاق مكاين ضيق‪ ،‬نظر ًا ألن أكثرها حيدث بفعل تيارات احلمل‪ .‬وفض ً‬
‫ال عن هذا‬
‫التباين السنوي‪ ،‬فإن التغريات عىل املدى األبعد‪ ،‬كموجات اجلفاف مثالً‪ ،‬إنام حتدث‬
‫عىل فرتات متتد لعرشات السنني‪ .‬ويتناغم الوضع البيئي لألرايض اجلافة مع هذا‬
‫التباين يف مقدار الرطوبة املتاحة وهلذا يتصف هذه الوضع برسعة تغريه وتكيفه‪.‬‬
‫من الناحية العملية‪ ،‬فإن مـن الصـعوبة بمكـان التمييـز يف امليـدان مـا بـني‬
‫عوامل التصحر النامجة من األفعال البرشية عن تلك النامجة من التغـريات الطبيعيـة‬
‫احلاصلة يف كمية الرطوبة‪ .‬ومن األمثلة اجليدة عىل ذلك هـو االرتفـاع امللحـوظ يف‬
‫مقدار ضياع الرتبة نتيجة التعرية الرياحية الذي أصاب بعض أجزاء إقليم السـاحل‬
‫اإلفريقي ‪( The Sahel‬نطاق رشيطي يقع عىل امتداد جنوب الصحراء الكـربى مـن‬
‫ســاحل غــرب إفريقيــا إىل رشقهــا) خــالل‬
‫سبعينيات وثامنينيات القرن املايض بحسـب مـا‬
‫أظهره العدد السنوي أليام العواصف الغبارية‪.‬‬
‫ففي نواكشوط عاصمة موريتانيـا‪ ،‬كـان معـدل‬
‫العواصف الغبارية يقل عن عرشة أيام يف السنة‬
‫خالل عقد السـتينيات‪ ،‬لكنـه أزداد يف أواسـط‬
‫الثامنينيات إىل حوايل ‪ 80‬يوم ًا يف السنة‪ .‬ويمكن‬
‫يعد إقليم الساحل اإلفريقي‪..‬‬
‫أكثر مناطق العالم معانا ًة من التصحر‬ ‫تعليل هذه الزيادة يف ضياع الرتبـة إىل كـل مـن‬

‫‪141‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫اجلفاف‪ ،‬الذي رضب املنطقـة إبـان عقـدي السـبعينيات والثامنينيـات‪ ،‬وإىل أفعـال‬
‫اإلنسان أيض ًا‪ ،‬غري أنه من الصعب حتديـد مقـدار مسـامهة كـل واحـد مـن هـذين‬
‫العاملني بالضبط‪.‬‬

‫أسباب التصحر ونتائجه‬


‫تتعدد األسباب املؤدية إىل إهناك األرض ومـن ثـم إسـهامها يف حـدوث التصـحر‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف هـذه األسـاليب حتـت عنـاوين الرعـي اجلـائر والزراعـة املفرطـة‬
‫واالستغالل اجلائر للغطاء النبايت‪ .‬أمـا مشـكلة ملوحـة األرايض الزراعيـة املرويـة‬
‫فيجري تصنيفها غالب ًا يف فئة منفصلة عنها‪ .‬وعىل الـرغم مـن معرفـة الكيفيـة التـي‬
‫تؤدي بموجبها استعامالت األرض غري املناسبة إىل التصحر مـن الناحيـة النظريـة‪،‬‬
‫فأن من الناحية العملية هناك بعض املنـاطق تعـد متصـحرة لسـبب مـن األسـباب‬
‫اعتامد ًا عىل تقييامت ذاتية يف الغالب وليس عىل رصد علمي طويـل األجـل‪ .‬فضـ ً‬
‫ال‬
‫عن ذلك‪ ،‬ومع أن بعض استعامالت األرض كانـت تنـال حصـة أكـرب مـن اهـتامم‬
‫الباحثني يف موضوع التصحر أكثر من غريها‪ ،‬فأن من املهم معرفة األسباب احلقيقية‬
‫التي تقف وراء إساءة استعامل النـاس للمـوارد‪ .‬إذ أن مثـل تلـك األسـباب‪ ،‬التـي‬
‫تسهل أو تشـجع أو‬
‫يرتبط أكثرها باألنظمة االجتامعية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬قد ّ‬
‫تدفع باللجوء إىل إتباع ممارسات خاطئة تؤدي يف املحصلة النهائية إىل التصحر‪ .‬عىل‬
‫هذا‪ ،‬يمكن إمجال أهم أسباب التصحر ونتائجه بام ييل‪:‬‬

‫الرعي الجائر‬
‫لقد كان اجلور يف استخدام املراعي الطبيعية‪ ،‬الذي يأيت من السامح ألعداد كبرية من‬
‫احليوانات أو ألنواع غري مناسبة منها بالتهام املرعى‪ ،‬سبب ًا للتدهور يف أكثـر املنـاطق‬
‫املتصحرة عىل النطاق العاملي طبق ًا لتقديرات برنامج األمم املتحـدة للبيئـة ‪.UNEP‬‬
‫فمن بني ‪ 3592‬مليون هكتار قدرت يف العام ‪ 1992‬كوهنا تعاين من التصحر‪ ،‬فـأن‬

‫‪142‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ما ال يقل عن ‪ 2576‬مليون هكتار‪ ،‬أي حوايل ‪ ،%72‬مـن تلـك األرايض تتعـرض‬
‫لتدهور يف غطائها النبايت‪ .‬ويمكن أن يسفر الرعي اجلائر عىل حدّ سـواء عـن إزالـة‬
‫فعلية للكتلة األحيائية جراء رعي احليوانات فض ً‬
‫ال عن أثار أخرى تنتج عن املاشـية‬
‫كسحق الرتبة والتسبب يف انضغاطها‪ .‬ومن العواقب الشـائعة النامجـة عـن الرعـي‬
‫اجلائر هي تناقص الغطاء النبايت‪ ،‬مما يفضــي إىل زيـادة يف معـدل التعريـة املائيـة أو‬
‫الرياحية‪.‬‬
‫ثمة تأثري شائع أخر عن الرعـي اجلـائر‬
‫ذلك هو نمو الشجريات غري املستساغة الطعـم‬
‫أو الضارة يف أرايض املرعى‪ .‬إذ يمكـن للرعـي‬
‫الطويل األمد يف مناطق احلشائش شبة اجلافة أن‬
‫يقود يف العادة إىل تزايد عدم االنسـجام املكـاين‬
‫يعد الرعي الجائر المؤدي إلى تجريد‬
‫الغطاء النباتي‪ ..‬أهم أسباب التصحر‬ ‫والزماين بني املوارد املائية والغذائية وغريها من‬
‫موارد الرتبة‪ ،‬مما يشجع عىل اجتياح النباتات الصحراوية للمنطقـة‪ ،‬والـذي يـؤدي‬
‫بدوره إىل مزيد من تقوقع ملوارد الرتبـة يف ظـل غـزو الشـجريات الضـارة وهكـذا‬
‫دواليك‪ .‬أما يف املساحة اجلرداء التي تتخلل الشجريات‪ ،‬فإن خصوبة الرتبة تتناقص‬
‫فيها بفعل التعرية وبفعل االنبعاثـات الغازيـة‪ .‬ويـؤدي تعـاظم اجلريـان السـطحي‬
‫والتعرية إىل جتريد وتقشري الطبقة السطحية من الرتبة‪ ،‬وإىل تكوين ما يشـبه سـطوح‬
‫صحراوية متحجرة يف املساحات التـي ختلـو مـن الشـجريات‪ ،‬وكـذلك إىل تكّـون‬
‫مسيالت مائية عند هطول األمطار‪ .‬ويفيض هذا التدهور يف املوارد النباتية بدوره إىل‬
‫تناقص عدد املوايش التي يمكن رعيها يف املنطقة‪.‬‬
‫من الناحية العملية‪ ،‬فإن أسباب زيادة ضغط الرعي عىل املراعـي الطبيعيـة‬
‫أسباب عديدة ومعقدة‪ .‬ومـن بينهـا املنافسـة عـىل األرض نتيجـة لتوسـع املنـاطق‬
‫الزراعية‪ ،‬مما يدفع بالرعاة إىل زيادة استغالل املراعـي اهلامشـية‪ .‬ففـي العديـد مـن‬

‫‪143‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أرجاء إقليم الساحل األفريقي‪ ،‬كان التوسع يف مساحات زراعة حمصويل السـرغوم‬
‫والدخن من العوامل الرئيسة املسـؤولة عـن التنـاقص الكبـري يف مسـاحة املراعـي‬
‫الطبيعية‪ .‬وألن مكانة الرعاة يف نظر العديد من احلكومات املركزية كانـت تضـعهم‬
‫عىل هامش املجتمع وأهنم أناس يقبعون يف هناية سلسلة األحداث‪ ،‬لذا كانـت هـذه‬
‫احلكومات تشجع عىل توسيع األرايض املروية اخلاصة بزراعـة املحاصـيل النقديـة‬
‫التي حلت حمل الزراعة املعيشية املعتمدة عىل األمطار حيث جتـاوز املزارعـون عـىل‬
‫أرايض املراعي التقليدية‪ ،‬ما أضطر معه الرعاة إىل اللجوء إىل مراعي أصغر مساحة‪.‬‬
‫وتتمثل هذه احلالة يف جنويب الصومال بشكل خاص‪ ،‬إذ أدى توسع الزراعة املرويـة‬
‫بمحاذاة هنري جوبا وشبايل إىل قيام املزارعني الصغار بإزالـة مسـاحات كبـرية مـن‬
‫أرايض األحراش ملصلحة الزراعة‪ .‬وبالنسـبة للرعـاة البـدو‪ ،‬تعـد منطقـة السـفانا‬
‫والوديان النهرية بحد ذاهتا أرايض رعي مهمة خـالل فصـل اجلفـاف‪ .‬وأدى أيضـ ًا‬
‫اشتداد ضغوط الرعي ضمن مساحات صغرية إىل توطن بعض اجلامعات البدويـة‪،‬‬
‫وهو اجتاه شجعته السياسات احلكومية يف سبعينيات القرن املايض‪ ،‬وقد شـهد هـذا‬
‫االجتاه تسارع ًا يف اآلونة األخرية بفعل موجـات اجلفـاف‪ .‬والزال التـوطني الـذي‬
‫ترعاه احلكومات جيري عىل قدم وساق يف العديد من البلدان األفريقية األخرى ويف‬
‫غريها من األماكن‪.‬‬
‫من األسباب األخرى املساعدة عىل الرعي اجلائر هـو حفـر أبـار ارتوازيـة‬
‫لتوفري إمدادات مائية جديدة مضمونة‪ ،‬الذي إىل ازدياد ضغوطات الرعي يف معظـم‬
‫أقاليم التصحر‪ ،‬السيام يف إقليم الساحل ويف صحراء كاهلاري ‪ Kalahari‬يف بتسوانا‪،‬‬
‫حيث ازداد عدد رؤوس املاشية وموارد الرعي املتيرسة للفرتة بـني ‪ 1965‬و ‪1976‬‬
‫بمقدار حوايل الضعفني والنصف‪ .‬ففي بعض أنحـاء العـامل‪ ،‬يعـد تـدهور األرايض‬
‫عــىل أنــه نتيجــة حلصــول تغــري يف طريقــة اســتغالل املرعــى‪ :‬إذ حتــول احلــال مــن‬
‫اسرتاتيجية مرنة كان ينتهجها الرعـاة البـدو التقليـديون بحسـب التغـري الطبيعـي‬

‫‪144‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫للغطاء النبايت يف األرايض اجلافة حيث يتحركون مع قطعاهنم بانتظام مع االحتفـاظ‬


‫بأنواع خمتلفة عديدة من احليوانات‪ ،‬إىل طريقة أقل مرونة تقلد الغـرب تعتمـد عـىل‬
‫تسييج املرعى وترك األبقار فقط ترعى فيـه‪ ،‬ممـا يسـبب ضـغط ًا هـائ ً‬
‫ال عـىل أرض‬
‫املرعى املسيج‪.‬‬
‫مـن احلــاالت التــي يشــار إليهــا كثــري ًا‬
‫والتي تعـد نموذجـ ًا للمنـاطق املتصـحرة هـي‬
‫فقـدان الغطــاء النبــايت حــوايل اآلبــار أو الــربك‬
‫املائيــة‪ ،‬إذ تتكــون مــن حوهلــا منــاطق جــرداء‬
‫بعكس ما يفرتض أهنا تكون مكسوة بالنباتات‪.‬‬
‫يؤدي وجود برك مائية لسقي الماشية‪..‬‬
‫وهذه البقاع املجدبة عبارة عن تربـة مضـغوطة‬
‫إلى تكوين بقع مجدبة حولها‪..‬‬

‫بمحيط ‪ 100 - 50‬مرت ًا ناجتة عن رعي املاشية فوقها وتعرضها للسـحق بأقـدامها‪،‬‬
‫إذ تعد من املظاهر الواضحة بجوار العديد من اآلبار املائية يف املراعي‪ .‬عىل أن مثـل‬
‫تلك املناطق تتصف أيض ًا بارتفاع مستويات العنارص الغذائية قياس ًا بام جياورها مـن‬
‫مناطق وذلك بفضل ما يلقى فيها بشكل منتظم من روث احليوانات وبوهلا‪ ،‬التي قد‬
‫تعمل عىل معادلة أي تأثريات سلبية تنتج عن فقـدان الرتبـة بفعـل التعريـة‪ .‬وربـام‬
‫يمكن عدّ هذه البقاع املجدبة عىل أهنا مناطق يتعادل فيها فقدان املورد النبايت بفوائد‬
‫وجود متوين مائي مضمون‪ .‬أما املناطق التي تقع ما بعد البقاع املجدبة هذه‪ ،‬فيمكن‬
‫عدّ ها مناطق متصحرة من جراء التعدي عىل ما موجود فيها من نباتات‪ .‬ويعتقـد أن‬
‫وجود املاشية بكثافة كبرية يشجع عىل غزو املرعى باألحراش والنباتات الشوكية كام‬
‫ذكرنا ذلك آنف ًا‪ .‬ومع أن األبقـار سـوف ترعـى عـىل األحـراش مـثلام ترعـى عـىل‬
‫العشب‪ ،‬فإهنا متيل إىل جتنب بعض األنواع النباتية املحتويـة عـىل أشـواك‪ ،‬ولـذلك‬
‫يصب هذا النوع من النباتات هو السائد يف املنطقة بمرور الـزمن‪ .‬ويسـبب وجـود‬
‫غطاء كثيف من األحراش الشوكية إعاقـة نمـو احلشـائش واألعشـاب املستسـاغة‬

‫‪145‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ويمنع األبقار من الـدخول إىل األدغـال‪ .‬وقـد أدى هـذا النـوع مـن التعـدي عـىل‬
‫النباتات إىل حصول تناقص كبـري يف مسـاحة املراعـي الطبيعيـة اجليـدة النوعيـة يف‬
‫بتسوانا بصورة خاصة‪.‬‬

‫الزراعة املفرطة‬
‫تتنوع مظاهر الزراعة املفرطة‪ ،‬فبعضها ينتج من‬
‫اإلكثار يف زراعة األرض‪ ،‬ممـا يمكـن أن يسـفر‬
‫عن قصـر فـرتات إراحـة األرض‪ ،‬ويـؤدي إىل‬
‫اســتنفاذ خصــوبتها وأخــري ًا تــدين إنتاجيتهــا‪.‬‬
‫وبعضها األخر ينـتج مـن االسـتخدام املفـرط‬
‫تؤدي األفراط في الزراعة إلى مشكالت‬
‫عدة للتربة ومن ثم إلى تصحرها‬ ‫للرتبــة‪ ،‬فيــؤدي إىل تعريتهــا بواســطة الريــاح‬
‫واملياه‪ ،‬وهي نتيجة تنشأ من ضعف بناء الرتبة وقلة الغطاء النبايت‪ .‬ويمكن أيضـ ًا أن‬
‫تؤدي الزراعة األحادية إىل حدوث كل هـذه األشـكال مـن تـدهور الرتبـة‪ ،‬مـثلام‬
‫أظهرت ذلك البيانات املستحصلة من مراقبة دامت ‪ 27‬عام ًا لألرايض الزراعيـة يف‬
‫إقليم البمبا ‪ Pampa‬شبه اجلاف يف األرجنتني‪ .‬فقد ظهر أن زراعـة الـدخن لفـرتات‬
‫طويلة قد أرضت بصورة بالغة باخلصائص الفيزيائية والكيميائية للرتبة‪ ،‬مما أدى إىل‬
‫تناقص استقرارية الكتلة اجلافة للرتبة (بمقدار ‪ )%10‬وإىل تنـاقص املـادة العضـوية‬
‫للرتبــة (‪ )%30‬وتنــاقص جاهزيــة العنــارص الغذائيــة كالفســفور (‪ ،)%44‬احلديــد‬
‫(‪ )%20‬والزنك (‪ .)%90‬من جهة أخرى يفيض استنفاذ خصوبة الرتبـة إىل اإلكثـار‬
‫من استخدام املخصبات واألسمدة بغية املحافظة عىل إنتاجيتها مرتفعة وهذا يعنـي‬
‫مزيد ًا من اإلهناك للرتبة‪ ،‬فيام يعني نقص املـادة العضـوية وعـدم اسـتقرارية الرتبـة‬
‫زيادة تعرضها للتعرية‪.‬‬
‫حتــدث التعريــة أيضـ ًا‪ ،‬يف أحيــان كثــرية‪ ،‬بفعــل إدخــال املكننــة الزراعيــة‬
‫واستخدامها يف احلقـول الواسـعة لغـرض حرثهـا عميقـ ًا‪ ،‬ممـا يسـبب مزيـد ًا مـن‬

‫‪146‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫االضطراب لبنية الرتبـة والعمـل عـىل زيـادة تعرضـها لعوامـل التعريـة املختلفـة‪.‬‬
‫ولوحظت نتائج مماثلة يف املناطق التي شـهدت توسـع ًا يف الزراعـة لتشـمل منـاطق‬
‫جديدة تقع عىل هامش االستخدام الزراعي لكوهنا أكثر عرضـة للجفـاف‪ ،‬أو أهنـا‬
‫عبارة عن منحدرات شديدة تكون أكثر عرضة للتعرية‪ .‬ويف مجيع األحوال‪ ،‬تكـون‬
‫النتيجة النهائية هي ضعف اإلنبات فوق الرتبة وهجرها وحتوهلـا إىل ظـروف أشـبه‬
‫بالرتبة الصحراوية‪ ،‬األمر الذي يزيد من رقعة التصحر بشكل من األشكال‪.‬‬

‫االستغالل الجائر للغطاء النباتي‬


‫تشهد أرايض الغابات إزالة ألشجارها ألسباب‬
‫عدة سبق ذكرها يف الفصل السادس‪ ،‬لكـن مـن‬
‫أهم هذه األسباب هو توسع الرعي أو الزراعـة‬
‫أو ألسباب تتعلق بتأمني حطب الوقـود‪ .‬ويعـد‬
‫مثل هذا العمل تدهور ًا للموارد النباتية ويـؤدي‬
‫االستغالل المفرط للغطاء النباتي‪..‬‬
‫سبب مهم للتصحر‬ ‫أيض ًا إىل تقليل احلامية التـي توفرهـا للرتبـة مـن‬
‫خالل غطاءها الشجري‪ .‬وقد يعمل ذلك عىل تسارع معـدالت التعريـة‪ ،‬وحرمـان‬
‫الرتبة عىل املدى البعيد من العنارص الغذائية ومن املادة العضوية التي حتصل عليهـا‬
‫من تفسخ األوراق املتساقطة‪ .‬ويمكن أن تفيض كلتا هاتني العمليتني إىل تدهور بنية‬
‫الرتبة وخصوبتها يف آن واحد‪ .‬وقد يتأثر منسوب املياه اجلوفية جراء ذلك أيض ًا‪.‬‬
‫إن إلزالة الغطاء النبـايت تـاريخ طويـل يف كثـري مـن املنـاطق‪ .‬ففـي شـاميل‬
‫األرجنتني‪ ،‬مثالً‪ ،‬تعرضت غابات تشاكون ‪ Chacoan‬شبه اجلافة إىل االستغالل عىل‬
‫مدى أكثـر مـن قـرن مـن الزمـان‪ ،‬وذلـك ألن يف البدايـة كانـت أخشـاهبا تصـل‬
‫كعوارض لسكك احلديد‪ ،‬لكن بعد ذلك أخـذ جيـري إزالـة أشـجارها السـتغالل‬
‫أراضيها يف التوسع الزراعي‪ ،‬الذي شجعه ارتفاع أسعار احلبـوب وزيـادة كميـات‬
‫األمطار منذ السبعينيات‪ .‬أما يف األرايض اجلافة األفريقية‪ ،‬يتعـرض الغطـاء النبـايت‬

‫‪147‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إلزالة كاملة تقريب ًا يف العديد من أنحاء إقليم الساحل‪ .‬ويعد التوسع الزراعي سـبب ًا‬
‫رئيس ًا لتحطيب الغابات يف بوركينا فاسو‪ ،‬إذ يقدر أن ‪ 50.000‬هكتار ًا من الغابات‬
‫كان يتعرض لإلزالة كل سنة منذ مطلع ثامنينيات القرن املايض‪ .‬وباملثل‪ ،‬فقد حلـت‬
‫الزراعة حمل مساحات واسعة من أشجار السفانا عىل مدى الفرتة املمتدة من ‪1957‬‬
‫إىل ‪ 1987‬بدء ًا من منطقة نارا ‪ Nara‬عىل احلـدود املاليـة ـ املوريتانيـة‪ ،‬إذ تضـاعفت‬
‫املساحة الزراعية فعلي ًا خالل تلك الفرتة‪.‬‬
‫إن االستغالل املفرط للغابات لألغراض املنزلية (وبخاصة ألغراض‬
‫حطب الوقود وصنع الفحم) مل ِ‬
‫يؤد يف العادة إىل اإلزالة الكاملة لكل ما موجود من‬
‫غطاء نبايت‪ ،‬لكنه يمثل استغالالً للغطاء النبايت لدرجة تفوق قدرته الطبيعية عىل‬
‫جتديد نفسه‪ ،‬مما يسفر عن حصول تدهور يف الغطاء النبايت من جراء ذلك‪.‬‬
‫يف باكستان‪ ،‬فأن األشجار القليلة املتبقية من الغابات الشوكية املدارية التـي‬
‫كانت تكسو يوم ًا ما سهول البنجاب‪ ،‬والتي أزيلت بالدرجة األساس لتحويلهـا إىل‬
‫أرايض زراعية مروية‪ ،‬تتعرض اليوم إىل ضغط متواصـل السـتخدامها منـذ عهـد‬
‫طويل كمصدر حلطب الوقود‪ .‬وقد تسبب مجع احلطـب حـول العديـد مـن املراكـز‬
‫احلرضية يف اهلند بحصـول انكـامش كبـري يف مسـاحة الغابـات الواقعـة يف منـاطق‬
‫الضواحي إبان العقود األخرية‪ ،‬حيث يضطر الفقراء يف املدن إىل استخدام احلطـب‬
‫بشكل متزايد بسبب ارتفـاع أسـعار الـنفط األبـيض والفحـم‪ .‬وأظهـرت إحـدى‬
‫الدراسات التي أجريت عن املدن اهلندية الكربى‪ ،‬باستخدام الصـور الفضـائية‪ ،‬أن‬
‫أكثر من نصف الغطاء الغايب املغلق ضمن شعاع ‪ 100‬كم حول العديـد مـن مـدن‬
‫األرايض اجلافة قد أزيل يف السنوات العرش األخرية‪.‬‬
‫لقد عدت املشكالت البيئية النامجة عن مجع حطب الوقود‪ ،‬يف سبعينيات‬
‫وثامنينيات القرن املايض‪ ،‬من املشكالت اخلطرية يف إقليم الساحل اإلفريقي لدرجة‬
‫خيش معها من حدوث "أزمة حطب"‪ .‬وترى التقارير الدولية أن احلطب إذا ما تم‬

‫‪148‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التعامل معه بطريقة مستدامة يمكن أن يدعم حوايل ثلثي عدد سكان إقليم‬
‫الساحل‪.‬‬
‫عىل الرغم مـن أن أزمـة احلطـب التـي‬
‫كان يتوقع حصوهلا يف إقليم السـاحل مل حتصـل‬
‫عىل النطاق الذي كان خيشى أن تقـع فيـه‪ ،‬فقـد‬
‫شهدت بعض املنـاطق تـدهور ًا بيئيـ ًا‪ .‬إذ يرتكـز‬
‫معظم هذا الشكل من أشـكال التصـحر حـول‬
‫إن جمع الحطب في المناطق الجافة‪..‬‬
‫سبب من مجوعة أسباب تؤدي إلى التصحر‬ ‫املناطق احلرضية التي شهدت توسع ًا رسيع ًا منذ‬
‫أواخر الستينيات بسبب اهلجرة الريفية الناجتة عن تداعيات اجلفـاف‪ .‬وقـد أفـادت‬
‫التقارير الواردة من العديد من مدن إقليم السـاحل كـاخلرطوم وداكـار وأغوداكـو‬
‫ونيامي بتعرض املناطق املنكوبة إىل تعرية شديدة‪.‬‬

‫مشكلة امللوحة‬
‫تعـد امللوحـة مـن أكثـر مظـاهر تـدهور الرتبـة‬
‫شيوع ًا التي تواجه املناطق ذات املنـاخ اجلـاف‪،‬‬
‫مع أهنا حتدث أيض ًا يف البيئات األكثر رطوبة‪ .‬إذ‬
‫تنتشـر الـرتب املتـأثرة بامللوحـة طبيعيـ ًا‪ ،‬أو مـا‬
‫يعرف بالرتب امللحيـة "األصـلية"‪ ،‬يف املنـاطق‬
‫يعني تملح األراضي‪ ..‬تصحرها بوجه أخر‬
‫اجلافة ألن معـدل التبخـر الكـامن للميـاه مـن‬
‫الرتبة يتعدى الوارد من املاء بصورة أمطار‪ ،‬األمر الـذي يسـم لألمـالح بـالرتاكم‬
‫قرب السط عند جفاف الرتبة‪ .‬وبينام تتواجد هذه الرتب املتأثرة بـاألمالح طبيعيـ ًا‬
‫بشكل واسع يف ظل ظروف طبيعية‪ ،‬فأن مشكالت امللوحة تثـري قلقـ ًا خاصـ ًا لـدى‬
‫املزارعني وذلك حينام تصب الرتبة التي كانت منتجة يوم ًا ما متملحة نتيجة ضـعف‬
‫إدارة األرايض‪ ،‬وهو ما يسمى بامللوحة "الثانوية"‪ .‬وحتتـل الرتبـة املتـأثرة بامللوحـة‬

‫‪149‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الثانوية‪ ،‬أو الرتب املتملحة بفعل اإلنسان‪ ،‬مساحة أصغر ممـا حتتلـه الـرتب امللحيـة‬
‫األصلية‪ ،‬عىل أن امللوحة الثانوية متثل مشكلة أكثـر خطـورة بالنسـبة للمجتمعـات‬
‫البرشية وذلك ألهنا تؤثر بالدرجة األساس عـىل إنتـاج املحاصـيل الزراعيـة‪ .‬إذ أن‬
‫حتمل لألمالح قليلة قياس ًا بالنباتات الربية التـي‬
‫للمحاصيل الزراعية الرئيسة قابلية ّ‬
‫حتمل عالية (املحبة للملوحة)‪ ،‬وهلذا تـؤدي امللوحـة إىل حـدوث تنـاقص‬ ‫هلا قابلية ّ‬
‫رسيع يف إنتاج املحاصيل‪ .‬وإزاء ذلك فأن األرض الزراعية‪ ،‬التي تعدو مورد ًا نـادر ًا‬
‫ونفيس ًا يف مناطق األرايض اجلافة‪ ،‬كثري ًا ما تتعرض للهجران حينام تصب متملحـة‪،‬‬
‫وذلك بسبب الكلفة املرتفعة جد ًا الالزمة الستصالحها‪.‬‬
‫إن امللوحة الثانوية حتصل يف ظل جمموعة من الظروف‪ ،‬لكن أكثرها شيوع ًا‬
‫وتبني إحدى التقديرات أن نحو ‪ %50‬مـن جممـل‬
‫يقرتن بسوء إدارة مشاريع الري‪ّ .‬‬
‫األرايض املروية يف املناطق اجلافة وشبه اجلافة إنام هـي متـأثرة إىل حـد مـا بامللوحـة‬
‫الثانوية‪ .‬وتشتهر العملية بكوهنا من أهم املشـكالت البيئيـة التـي تعانيهـا الزراعـة‬
‫املروية‪.‬‬
‫يكون تأثري امللوحة عـىل إنتـاج املحاصـيل غـري‬
‫مبارش ًا من خالل تأثريها عىل الرتبة ومن خالل تأثريهـا‬
‫املبارش عىل النباتات نفسها‪ .‬إذ يعمل تراكم األمالح عىل‬
‫تقليل املسافات بني مسامات الرتبـة ويقلـل مـن قابليـة‬
‫الرتبــة عــىل االحتفــاظ بــاهلواء وبالرطوبــة وبالعنــارص‬
‫الغذائية‪ ،‬مما يسفر عـن حصـول تـدهور يف بنيـة الرتبـة‬
‫وتدين يف صـالحيتها كوسـط مناسـب لنمـو النباتـات‪.‬‬
‫التربة المتملحة‪ ..‬تقتل النبات‬
‫فتكون سبب ًا أخر للتصحر‬
‫وتعمل امللوحة أيض ًا عىل القضاء بشكل مبارش عىل نمـو‬
‫النباتات‪ ،‬وذلك بسبب أوالً ّ‬
‫سمية األمـالح بالنسـبة للنباتـات‪ ،‬خاصـة يف مرحلـة‬
‫اإلنبات‪ ،‬وثاني ًا من خالل تأثريها عىل الضغط التنافذي‪ .‬إذ أن مالمسة حملول الرتبة‬

‫‪150‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املحتوي عىل كميات كبرية من األمالح الذائبة خلليـة النبتـة تسـبب انكـامش بطانـة‬
‫اخللية من جراء احلركة التنافذية للامء من اخلليـة إىل حملـول الرتبـة األكثـر تركيـز ًا‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك تنهار اخللية ويموت النبات‪.‬‬
‫تؤدي امللوحة أيض ًا إىل مجلة من األخطار اجلانبية‪ .‬إذ غالب ًا ما يعمـل البـزل‬
‫من املناطق املتملحة عىل زيادة تركيز األمالح يف اجلداول واألهنار واألرايض الرطبة‬
‫مما يؤثر سلب ًا عىل احلياة النباتية يف املياه العذبة‪ ،‬كام يسفر ذلك يف بعض احلاالت عن‬
‫خسارة يف التنوع األحيائي‪ .‬وقد تصب امليـاه اجلوفيـة التـي تصـاب بـالتمل غـري‬
‫صاحلة لالستعامالت البرشية (كمياه الشــرب مـثالً)‪ ،‬يف حـني قـد يسـبب ارتفـاع‬
‫األمالح بفعل اخلاصية الشعرية من مثل هذه املياه اجلوفية "الضـارة" إىل أساسـات‬
‫املباين وإىل غريها من املنشآت بإحلاق أرضار بالغة بمواد البناء وذلك بفعل التجويـة‬
‫امللحية‪.‬‬
‫إن ســوء إدارة مشــاريع الــري ليســت‬
‫السبب البشـري الوحيد ملشـكالت امللوحـة يف‬
‫بيئــات األرايض اجلافــة‪ .‬إذ يمكــن أن حيــدث‬
‫ارتفاع ملنسوب املياه اجلوفية حـني جيـري إزالـة‬
‫الغطاء النبايت الطبيعي وحتويله إىل مرعى طبيعي‬
‫في صحراء تاكالماكان الصينية‪..‬‬
‫يجري العمل حثيث ًا لزراعتها بأشجار األثل‬ ‫أو زراعته بمحصول ال حيتاج إىل كميات كبـرية‬
‫لمكافحة تصحر وتملح المناطق المجاورة لها‬
‫مــن املــاء‪ .‬وتعمــل قلــة التبخــر والنــت مــن‬
‫املحاصيل الزراعية ومن املراعي قياس ًا بنباتات املنطقة األصلية ذات اجلذور العميقة‬
‫عىل زيادة كمية املياه التي تغور يف الرتبة وصوالً إىل مكامن املياه الباطنية‪ .‬فقـد أدى‬
‫إزالة أشجار اليوكالبتوس األصلية من مساحات واسعة يف اجلنوب الغـريب لواليـة‬
‫أسرتاليا الغربية إىل ارتفاع املياه اجلوفية املاحلة نتيجة لذلك‪ ،‬فسبب مشـكلة "النزيـز‬
‫امللحي"‪ .‬ومن املمكن أيض ًا إجياد حلول ملثل هذه املشكالت النامجـة عـن امللوحـة‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫فاألمالح يمكن أن ترتش عن مقد الرتبة باستخدام أمـا البـزل شـبه السـطحي أو‬
‫اآلبار املعقودة بالقرميد أو اآلبار األنبوبية الرأسية أو بزراعة النباتات التـي تتحمـل‬
‫امللوحة‪ .‬فقد أدت زراعة أشجار األثل ‪ Tamarix‬ذي اجلذور العميقـة يف األطـراف‬
‫اجلنوبية من صحراء تاكالماكان ‪ Taklimakan‬يف الصني إىل احلـد مـن تغـدق امليـاه‬
‫ال عن توفري مصدر جديد حلطب الوقود للقرويني املحليني‪.‬‬‫وامللوحة فض ً‬

‫أسباب أخرى‬
‫ثمة جمموعة أخرى من األسباب املتداخلة تسـاعد عـىل تفـاقم ظـاهرة التصـحر يف‬
‫جهات واسعة من املناطق اجلافـة يف العـامل‪ .‬وقـد تكـون معظـم هـذه األسـباب أو‬
‫العوامل ذات نطاق عاملي وتأثريها واسع النطاق‪.‬‬
‫إن التغريات التي تطرأ عىل درجة انعكاس اإلشعاع الشــميس (االلبيـدو)‬
‫فوق مساحات واسعة من جراء تقلص الغطـاء النبـايت‪ ،‬سـواء أكـان ذلـك بسـبب‬
‫اجلفاف أو بسبب الرعي اجلائر‪ ،‬قد يكون هلا أثر ًا سلبي ًا يف كمية األمطـار‪ .‬إذ يـؤدي‬
‫فقدان الغطاء النبايت إىل انعكاس أرسع لألشعة الشمسية‪ ،‬مما يسفر عن تـربد سـط‬
‫األرض‪ ،‬األمر الذي يقلل بدوره من نشاط تيارات احلمل ومـن ثـم قلـة األمطـار‪.‬‬
‫وتؤدي كمية األمطار القليلة بدورها إىل قلة الغطاء النبايت‪ ،‬وهكـذا دواليـك‪ .‬وعـدّ‬
‫بعض الباحثني هذه األسباب بمثابة تفسري لطول فرتات اجلفاف التي يشهدها إقليم‬
‫الساحل منذ أواخر ستينيات القرن املايض‪.‬‬
‫من املرج أيض ًا أن يتولـد عـن‬
‫تكوين كميات كبرية من الغبـار اجلـوي‬
‫الناشت من تدهور تربة األرايض اجلافـة‬
‫تداعيات عىل العمليات اجلوية‪ ،‬املتمثلـة‬
‫بتشــكيل الغيــوم وهط ـول األمطــار‪ .‬إذ‬
‫تعد العواصف الغبارية في األراضي الجافة‪ ..‬سبب ًا محتم ً‬
‫ال‬
‫النحباس األمطار ومن ثم تزايد رقعة التصحر‬ ‫يمكن أن نجد ملثل هذه التعرية الرياحية‬

‫‪152‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أسباب ًا ترجع أصوهلا إىل بعض العمليات الطبيعية كاجلفاف مـثالً‪ ،‬أو أسـباب ًا ترجـع‬
‫أصوهلا مرة أخرى لنشاطات برشية كالرعي اجلـائر والزراعـة املكثفـة‪ .‬فـالقطرات‬
‫املائية املكونة للسحب تأخذ بالتشكل عـىل جزيئـات صـغرية كالغبـار‪ ،‬لكـن كثـرة‬
‫دقائق الغبار قد متنع حدوث التساقط وذلك ألهنا جتعل من القطرات صغرية وليس‬
‫كبرية بام يكفي هلطوهلا بشكل مطر‪ .‬وثمة عامل أخر يؤثر يف عـدم هطـول األمطـار‬
‫ذلك هو التغريات التي تطرأ عىل نشاط تيارات احلمل‪ ،‬إذ يـؤدي وجـود الغبـار إىل‬
‫تغيري يف املنحدرات احلرارية يف الغالف اجلوي‪.‬‬
‫عىل الرغم من ذلك‪ ،‬فإن مثل هذه التغريات البيئية النامجة عـن البشــر قـد‬
‫يكون هلا جذور تارخيية موغلة يف القدم‪ .‬إذ ترى إحـدى النظريـات حـول انحسـار‬
‫هطول األمطار املوسمية يف وسط أسرتاليا يف عرص اهلولوسني بأن اإلنسـان القـديم‬
‫عمل عىل إحداث تغيريات هامة ملعامل املنطقة وذلك عرب إشـعال احلرائـق‪ .‬وتقـرتح‬
‫النظرية أن عمليات اإلحراق املنتظمة عملت عىل تغيري وجه املناطق شبه اجلافـة بـام‬
‫تزخر به من أنواع نباتية (أشـجار‪ ،‬شـجريات‪ ،‬حشـائش) وحتويلهـا إىل مظهـر مـن‬
‫مظاهر الصحاري احلديثة‪ ،‬ومن ثم إضعاف العوامل األحيائية التي تسـهم بإضـافة‬
‫كميات من الرطوبة إىل الغالف اجلوي‪ ،‬وهو ما قد يؤدي إىل حدوث تصحر طويل‬
‫األجل يف عموم القارة‪.‬‬

‫أسئلة للمراجعة واملناقشة‬


‫‪ -1‬عىل الرغم من تعدد تعاريف "التصحر"‪ ،‬فأهنا حتمل مضامني مشرتكة‪ .‬حد ّدها‬
‫يف شكل نقاط‪ .‬ثم أذكر التعريف الرسمي ملصطل التصحر‪.‬‬
‫ال خطري ًا يؤدي إىل‬
‫‪ -2‬ما األمهية التي يتميز هبا الرعي اجلائر لكي يكون عام ً‬
‫خلص إجابتك يف نقاط حمددة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التصحر‬
‫‪ -3‬أين تتكون "البقع املجدبة" وكيف تكون سبب ًا غري مبارش ًا حلدوث التصحر‬

‫‪153‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -4‬ما دور عامل الزراعة املفرطة يف التسبب بالتصحر‬


‫أوجز يف‬
‫ّ‬ ‫ال مه ًام يف حدوث التصحر‪.‬‬
‫‪ -5‬يعد االستغالل اجلائر للغطاء النبايت عام ً‬
‫نقاط واضحة أثر هذا العامل‪ ،‬مع ذلك أمثلة كلام تطلب ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬كيف تكون ملوحة الرتبة سبب ًا مبارش ًا وغري مبارش ًا يف التسبب بالتصحر‬
‫‪ -7‬ما هي األسباب "العاملية" املساعدة عىل حدوث التصحر حد ّدها يف صيغة‬
‫نقاط‪.‬‬
‫‪ -8‬هل العواصف الغبارية سبب أم نتيجة للتصحر وملاذا‬
‫‪ -9‬ملاذا يعد إقليم الساحل اإلفريقي من أشهر املناطق يف العامل التي تعاين من‬
‫ظاهرة التصحر وما هي أبرز عوامل ومظاهر التصحر املتمثلة فيه أكتب تقرير ًا‬
‫موجز ًا عن ذلك يف ضوء دراستك ملوضوع التصحر‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪154‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل الثامن‬
‫ُ‬
‫مشكلة التغير املناخي‬
‫ال مستفيض ًا ملشكلة التغري املناخي‪ ،‬بوصفها أهم املشكالت‬
‫سيقدم هذا الفصل حتلي ً‬
‫البيئية التي تشغل يف الوقت احلارض الوسط العلمي والرأي العام عىل حدّ سواء‪.‬‬
‫وسيتم هنا بحث املوضوع من ثالث زاويا‪ :‬األوىل تناقش أثر البرش يف الغالف‬
‫اجلوي‪ ،‬والثانية توض مفهوم غازات الدفيئة وظاهرة االحتباس احلراري‪ ،‬والثالثة‬
‫تستعرض األثار البيئية النامجة عن هذه الظاهرة‪.‬‬

‫أثر البشر في الغالف الجوي‬


‫‪Climatic change‬‬ ‫هيمنت قضية التغري املناخي‬
‫الناجتة من زيادة تركيزات غازات الدفيئة عىل‬
‫األجندة البيئية منذ منتصف ثامنينات القرن‬
‫املنرصم وأحدثت جدالً دولي ًا سياسي ًا وعلمي ًا‬
‫حمتدم ًا‪ .‬وما من شك أنه عىل مدى املائتني سنة‬
‫يعد التغير المناخي الناتج عن البشر‪ ..‬أكثر‬
‫القضايا البيئية قلق ًا في الوقت الحاضر‬ ‫املاضية أو نحو ذلك‪ ،‬عمل البرش عىل زيادة‬
‫تركيزات العديد من غازات الدفيئة يف اجلو زيادة ملحوظة‪ ،‬األمر الذي له عالقة‬
‫أن هلذه الرتكيزات‬ ‫كبرية بارتفاع درجة حرارة األرض‪ .‬ويبدو عىل األرج‬
‫املتزايدة‪ ،‬تأثري بالغ عىل املناخ العاملي‪ ،‬وإن كانت معرفتنا وفهمنا مازاال قارصين‬
‫جتاه ما ستكون عليه املوازنة احلرارية العاملية اآلن ويف املستقبل‪ .‬أما التوقعات حيال‬
‫طبيعة مناخ األرض يف القرن القادم‪ ،‬والتداعيات املحتملة للتغريات املناخية عىل‬
‫جوانب أخرى من البيئة الطبيعية والبرشية‪ ،‬فال تزال غري هنائية بعد‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إن النشاطات البرشية تؤثر سلبي ًا يف الغالف اجلوي بطرق عدة‪ ،‬وغالب ًا ما‬
‫يكون هلا تداعيات حمتملة عىل النظم املناخية (اجلدول ‪ .)8 - 1‬فاملدخالت املبارشة‬
‫والطاقة‬ ‫‪Aerosols‬‬ ‫املتمثلة بالغازات واجلسيامت الصغرية املسامة اهلباء اجلوي‬
‫احلرارية يمكنها كلها التأثري يف عمل املناخ عىل مقاييس خمتلفة‪ .‬إذ يكون انبعاثات‬
‫اهلباء اجلوي واحلرارة مسؤولني عن نشوء اجلزر احلرارية املحلية املحيطة باملناطق‬
‫احلرضية‪ ،‬وكذلك عن تكوين الضباب الدخاين‪ ،‬وزيادة هبوب العواصف الغبارية‪،‬‬
‫السيام من املناطق الزراعية الواقعة يف األقاليم اجلافة‪ ،‬وتكون مسؤولة أيض ًا عن‬
‫التأثري يف خصائص اإلشعاع الشميس الواصل إىل الغالف اجلوي‪ ،‬األمر الذي‬
‫يمكن أن يؤدي إىل تناقص هطول األمطار حملي ًا‪ .‬لكن‪ ،‬عىل النطاق األوسع‪ ،‬يعتقد‬
‫أن االنبعاثات الغازية هي السبب يف زيادة تأثري مفعول الدفيئة ويف تآكل طبقة‬
‫األوزون يف أعايل طبقات الغالف اجلوي‪ .‬وعىل العموم‪ ،‬يمكن إمجال أهم‬
‫التأثريات البرشية عىل الغالف اجلوي بالنحو اآليت‪:‬‬
‫اجلدول (‪ :)8 -1‬األثار املحتملة لتغري املناخ بفعل النشاطات البرشية‪.‬‬
‫التأثير في المدخال ت الووـــة الماشرر‬
‫االناعاثاغ ال ازية (ثاين أكسيد الكرب نة اييثانة الكل شفل شكرب نة أكسيد‬ ‫‪‬‬
‫النرت ج ة الكرايار نة خباش اياءة ال ازاغ الن شو)‬
‫ا ااء اجل ي‬ ‫‪‬‬
‫الرل ث احلراشي‬ ‫‪‬‬
‫التغيرا ت في سطوح اليشبسة‬
‫الر ري يف اإل‪،‬عاع الشمسا اينعكس (حت يب ال اباغة الرش رية الرلا‬ ‫‪‬‬
‫اجلائرة تراكم ال ااش ف ال اءاغ اجلليدية)‬
‫الر ري يف ل شو األشض (حت يب ال اباغة الرش رية الرح ر)‬ ‫‪‬‬
‫الر اا يف الري‬ ‫‪‬‬
‫خ اناغ ايياه‬ ‫‪‬‬
‫التغيرا ت في المحيطش ت‬
‫الر رياغ اجلاشية بفعل ‪،‬ق ايمراغ ايالحية‬ ‫‪‬‬
‫الر رياغ بفعل ت يري جماشي ايياه العذبة ص ب احملي اغ‬ ‫‪‬‬

‫‪156‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ 1‬ـ التسبب بتآكل طبقة األوزون‪:‬‬


‫يلعب األوزون اجلوي دور ًا رئيسـ ًا يف العمليـات‬
‫املناخيــة يتمثــل بقدرتــه عــىل امتصــاص األشــعة‬
‫الشمسية فـوق البنفسـجية الواصـلة إىل األرض‪.‬‬
‫وتـــؤدي هـــذه العمليـــة إىل تســـخني طبقـــة‬
‫السرتاتوســـفري التـــي تتواجـــد ضـــمنها طبقـــة‬
‫األوزون‪ .‬ويعمــل عــىل انعكــاس كبــري لدرجــة‬
‫ثقب األوزون‪ ..‬كما يبدو فوق القارة‬
‫احلرارة ما بني حوايل ‪ 15‬و ‪ 50‬كـم فـوق سـط‬
‫القطبية الجنوبية (الصورة ‪)2012‬‬
‫األرض‪ ،‬األمر الـذي يـؤثر عـىل تيـارات احلمـل‬
‫وعىل الدورة اجلوية يف طبقة الرتوبوسفري الواقعة حتتها‪ .‬ويف العـام ‪ 1985‬اكتشـف‬
‫ألول مرة وجود ثقب يف طبقة األوزون فوق القارة القطبيـة اجلنوبيـة‪ .‬ومنـذ ذلـك‬
‫احلني‪ ،‬انصب االهتامم كثري ًا عىل التداعيات البيئية التي قد تنجم عن تزايـد وصـول‬
‫األشعة فوق البنفسجية إىل سط األرض‪ .‬فمـن املـرج أن يـؤثر ذلـك يف عمليـة‬
‫الرتكيب الضوئي‪ ،‬ومن ثم حدوث تأثريات بالغة عىل العديد من الكائنـات احليـة‪.‬‬
‫كام من املحتمل حصول تناقص يف إنتاجية األحياء املائية كاهلائامت النباتية والنباتات‬
‫الربية‪ .‬أما األثر املبارش عىل صـحة اإلنسـان فيتمثـل يف زيـادة احـتامالت اإلصـابة‬
‫برسطان اجللد والعمى‪ .‬ومل تعد املشكلة حمصورة فقط يف نصف الكرة اجلنـويب‪ ،‬بـل‬
‫اكتشف اآلن ثقب يف طبقة األوزون فـوق العـروض الوسـطى مـن نصـف الكـرة‬
‫الشاميل وفوق القطب الشاميل‪ .‬وعىل الرغم من اجلهـود الدوليـة احلثيثـة للحـد مـن‬
‫انبعاثــات غــاز الكلورفلوركربــون ‪ ،Chlorofluorocarbon‬وهــو املر ّكــب الــرئيس‬
‫املسؤول عن نضوب طبقة األوزون‪ ،‬فأن االنبعاثات التي متت يف املايض ستستمر يف‬
‫زيادة تدهور طبقة األوزون لعقود أخرى من الزمن‪ .‬ومن املتوقع أن ال تصل طبقـة‬
‫األوزون إىل درجة التعايف التام إال بحلول العام ‪ 2050‬عىل أقل تقدير‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ 2‬ـ تغيري كمية اإلشعاع الشميس املنعكس‪:‬‬


‫من املحتمل أن هناك عدد من األفعال البرشية التي جتـري عـىل سـط اليابسـة هلـا‬
‫تأثريات مناخية حملية من خالل تغيري قابلية رد اإلشعاع الشـميس املـنعكس‪ ،‬أو مـا‬
‫يسمى بالبيدو ‪ .Albedo‬إذ ازداد اإلشعاع الشميس املنعكس بفعل التغريات الكبرية‬
‫التي تعرض إليها الغطاء النبايت الطبيعـي كتحطيـب الغابـات والرعـي الكثيـف أو‬
‫بفعل دقائق الغبار اهلابة من الرتب الزراعيـة واملرتسـبة فـوق الغطـاءات اجلليديـة‪.‬‬
‫ويمكن لبعض العمليات الطبيعية أيض ًا العمل عـىل زيـادة رد اإلشـعاع الشمســي‬
‫املـنعكس‪ ،‬ومثــال ذلــك موجــات اجلفــاف التـي تــؤثر بــدورها يف الغطــاء النبــايت‬
‫والثورانات الربكانية التي بوسعها لفظ كميات هائلة من الغبار إىل اجلو‪.‬‬
‫إن التغريات يف مقدار اإلشعاع الشميس املـنعكس تـؤثر بالنتيجـة يف كميـة‬
‫الطاقة الشمسية املمتصة من السط ‪ ،‬ومن ثم يف كمية الطاقة احلرارية املتحررة مـن‬
‫السط ‪ .‬ويؤثر ذلـك بـدوره أيضـ ًا يف عمليـات جويـة كتيـارات احلمـل وهطـول‬
‫األمطار‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬كلام ازداد رد اإلشعاع الشميس املنعكس من السـط أدى‬
‫ذلك إىل تربيد سط األرض‪ ،‬األمر الذي يقلل بدوره مـن نشـاط تيـارات احلمـل‬
‫ومــن هطــول األمطــار‪ .‬وقــد يــؤدي ذلــك إىل‬
‫تــداعيات عديــدة كحصــول موجــات جفــاف‬
‫طويلة كالتي رضبت إقليم الساحل األفريقي يف‬
‫أواخر الستينيات‪ .‬وحصلت حاالت مشـاهبة يف‬
‫منــاطق شــهدت عمليــات حتطيــب واســعة‬
‫يؤدي زيادة انعكاس اإلشعاع الشمسي‪..‬‬
‫إلى مشكالت بيئية عديدة‬ ‫للغابات‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تغيري كمية الرطوبة ودرجة احلرارة‪:‬‬
‫إن للتغريات التي جيرهيا اإلنسان عىل دورة املاء يف الطبيعـة انعكاسـات عـىل املنـاخ‬
‫أيض ًا‪ .‬فالزيادة يف مساحة الزراعة املرويـة يف العديـد مـن بقـاع العـامل واسـتحداث‬

‫‪158‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مسطحات مائية شاسعة خلف السدود‪ ،‬يعمل كليهام عىل تغيري قابليـة رد اإلشـعاع‬
‫الشميس املنعكس عىل النطاق املحيل‪ ،‬وكذلك عىل زيادة معدالت التبخـر والنـت ‪.‬‬
‫فتحويل استعامل األرض إىل نمط الزراعة املروية‪ ،‬الذي يعمل عـىل تعـديل توزيـع‬
‫الرطوبة يف املنطقة اجلذرية‪ ،‬يؤثر يف موازنة الطاقة يف سط الرتبة‪ .‬ويمكن أن يكون‬
‫لذلك تأثريات ملحوظة عىل درجة احلرارة املحلية يف املناطق التي تتبع نظـام الـري‬
‫عىل نطاق واسع‪ .‬ففي بعض املناطق من السهول األمريكية العظمى حيث أن أكثـر‬
‫من ‪ % 80‬من استعامل األرض تبدل من نمط الزراعة غري املروية إىل املروية‪ ،‬خـالل‬
‫النصف الثاين من القرن العرشين‪ ،‬انخفضت معدالت درجة احلرارة خالل موسـم‬
‫النمو إىل ما يزيد عن درجتني مئويتني عام كانت عليـه سـابق ًا‪ .‬هـذا وأن للتوسـع يف‬
‫الزراعة املرويـة آثـار واسـعة النطـاق أيضـ ًا‪ .‬إذ‬
‫يعتقد أن الزيادة يف مقـدار اإلشـعاع الشــميس‬
‫املنعكس من املنطقة التي كان يشغلها سابق ًا بحر‬
‫األورال‪ ،‬قد أسـهمت يف زيـادة درجـة القاريـة‬
‫وتغري املنـاخ‪ ،‬متمثلـة هببـوط الرطوبـة النسـبية‬
‫أدى تجفيف بحر األورال‪ ..‬إلى‬
‫تغير المناخ اإلقليمي لدول أسيا الوسطى‬ ‫وارتفاع درجـات احلـرارة والتغـري يف موسـمية‬
‫الصقيع وزيادة عدد أيام اجلفاف بمقدار ثالثة أضعاف‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تغيري نسبة ملوحة املحيطات‪:‬‬
‫يمكن للمؤثرات البرشية اجلاريـة عـىل الطبيعـة‬
‫وعىل نظام املحيطات إحداث تغيـريات يف نمـط‬
‫املناخ املحيل‪ .‬فالتغريات التي تطرأ عـىل ملوحـة‬
‫مياه السواحل نتيجة لتحوير النظم النهرية مثالً‪،‬‬
‫حينما تزداد ملوحة البحار‪ ..‬فأنها تفضي‬
‫إنــام تعمــل تغيــري قابليــة امليــاه البحريــة عــىل‬
‫إلى تغيير قابليتها على امتصاص الحرارة‬
‫ومن ثم تغير المناخ‬ ‫امتصاص احلرارة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫غازات الدفيئة وظاهرة االحتباس الحراري‬


‫غازات الدفيئة‬
‫إن من أبرز النتائج التي ختلفها النشاطات‬
‫البرشية عىل املناخ هو انبعاثات ما يسمى بغازات‬
‫‪ .Greenhouse‬إذ أن احرتار‬ ‫‪gases‬‬ ‫الدفيئة‬
‫الغالف اجلوي الناجم عن غازات الدفيئة التي‬
‫تتواجد يف اجلو بكميات ضئيلة هو يف احلقيقة‬
‫تعد غازات الدفيئة‪ ..‬وعلى رأسها غاز‬
‫ثنائي أكسيد الكربون‪ ..‬المسؤولة الرئيسة‬
‫عن حدوث االحتباس الحراري‬
‫ظاهرة طبيعية تنتج عن مفعول هذه الغازات‬
‫التي تكون شفافة أمام دخول موجات األشعة‬
‫الشمسية القصرية‪ ،‬لكنها تكون معتمة بوجه األشعة الشمسية املرتدة من سط‬
‫األرض ذات املوجات الطويلة (األشعة حتت احلمراء)‪ ،‬مما يؤدي إىل تسخني اهلواء‬
‫(أنظر الشكل ‪.)8 – 2‬‬
‫عىل أن قدر ًا حمدود ًا من غازات الدفيئة يكـون مفيـد ًا‪ .‬فبـدوهنا‪ ،‬سـيبلغ‬
‫معدل درجة حرارة سط األرض حوايل – ‪ْ 18‬م‪ ،‬ما سـيجعل األرض مكانـ ًا غـري‬
‫مناسب ًا للحياة عىل اإلطالق‪ .‬كام تساعد غازات الدفيئة عىل إبقاء درجة حرارة سط‬
‫األرض يف حدود مالئمة جد ًا للحياة‪ ،‬أي حوايل ‪ْ 15‬م‪ .‬لكن نظر ًا الرتفاع تركيزات‬
‫غازات الدفيئة بسبب األنشطة البرشية يف العصور احلديثة‪ ،‬فأن ما حيـدث اآلن هـو‬
‫تصاعد معدل درجة حرارة الكوكب وإحداث تغـريات خطـرية يف املنـاخ سنشـهد‬
‫مجيعنا وقوعها من حولنا‪ .‬وعادة ما يكون ثنائي أكسـيد الكربـون (‪ )CO2‬املسـؤول‬
‫األول عن وقوع ذلك ألنه يمثل ما نسبته ‪ %80‬من إمجايل انبعاثات غازات الدفيئـة‪.‬‬
‫إذ أننا حينام نقوم بحرق الوقود االحفوري (الـنفط‪ ،‬الغـاز الطبيعـي‪ ،‬والفحـم) يف‬
‫منازلنا‪ ،‬وسياراتنا‪ ،‬ومصانعنا‪ ،‬وحمطات توليد الطاقة‪ ،‬أو حينام نقوم بقطع الغابـات‬
‫وحرقها‪ ،‬أو حينام نقوم بإنتاج اإلسمنت‪ ،‬فأننا نقوم يف احلقيقة بإطالق ثنائي أكسـيد‬

‫‪160‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الكربون إىل اجلو‪ .‬وتشري البيانات العلمية املأخوذة من عينات لب اجلليد ملـدة تزيـد‬
‫عن ‪ 400.000‬سنة خلت‪ ،‬إىل أن الزيادة يف نسبة غاز ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو‬
‫قد رافقها ارتفاع متزامن يف درجة حرارة جو األرض بشـكل يكـاد يكـون متطابقـ ًا‬
‫متام ًا (الشكل ‪ .)8 – 1‬ولذا يستدل العلامء من هذا االرتباط الوثيق عىل اعتبار ثنائي‬
‫أكسيد الكربون املتسبب الرئيس يف احرتار األرض‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)8 - 1‬التطابق يف مستويات غاز ثنائي أكسيد الكربون ودرجة حرارة جو األرض‪.‬‬

‫غازي امليثان (‪)CH4‬‬


‫ّ‬ ‫ومثلام احلال مع غاز ثنائي أكسيد الكربون‪ ،‬فأن وجود‬
‫وأكسيد النرتوجني (‪ )N2O‬يسبق وجودنا فوق األرض لكنهام حصال عىل زيادات‬
‫كبرية من لدن بني البرش‪ .‬إذ أن ‪ %60‬من غاز امليثان املوجود حالي ًا يف اجلو ناتج عن‬
‫البرش بدرجة رئيسة‪ ،‬فهو يأيت من مواقع طمر النفايات ومن تربية املاشية وحرق‬
‫الوقود االحفوري ومن حمطات معاجلة مياه الفضالت ومن صناعات أخرى‪ .‬ففي‬
‫حالة تربية املوايش الواسعة النطاق‪ ،‬جيري خزن السامد السائل يف خزانات كبرية ما‬
‫يسبب انبعاث غاز امليثان‪ .‬أما غاز أكسيد النرتوجني فأنه يتواجد طبيعي ًا أيض ًا‪ ،‬غري‬
‫أن النشاطات البرشية املختلفة عملت عىل زيادة نسبته يف الغالف اجلوي بحدود‬

‫‪161‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ % 17‬منذ قيام الثورة الصناعية‪ ،‬حيث ينجم بالدرجة األساس من صناعة األسمدة‬
‫الكياموية ومن الوقود االحفوري ومن حرق الغابات وبقايا املحاصيل املتفسخة‪.‬‬
‫ال عن ذلك‪ ،‬تعد غازات هكسافلوريد الكربيت (‪)SF6‬‬ ‫فض ً‬
‫والبريفلوروكربون (‪ )PFCS‬وهيدروفلوريد كربون (‪ )HFCS‬غازات دفيئة تنجم‬
‫حرصي ًا عن األنشطة البرشية‪ .‬وال عجب أن نجد أن انبعاثات هذه الغازات آخذ يف‬
‫االرتفاع أيض ًا‪ .‬فغاز هيدروفلوريد الكربون يستخدم كامدة مساعدة إلنتاج غاز‬
‫الكلورفلوروكربون (‪ ،)CFCS‬الذي تم منع استخدامه بسبب انبعاثاته من أنظمة‬
‫التربيد ويمثل وجوده أينام كان دمار ًا لطبقة األوزون‪ .‬كام يعد غاز‬
‫غازي‬
‫ّ‬ ‫الكلورفلوركربون هذا من غازات الدفيئة البالغة التأثري‪ .‬فيام يتحرر‬
‫البريفلوروكربون وهكسافلوريد الكربيت إىل اجلو من جراء بعض الفعاليات‬
‫الصناعية كصهر األملونيوم وتصنيع املوصالت الكهربائية‪ ،‬إضافة إىل انبعاثهام من‬
‫حمطات توليد الكهرباء التي تنري مدننا‪.‬‬
‫هذا وتعد الواليات املتحدة األمريكية من أكـرب مصـادر هـذه االنبعاثـات‬
‫الصناعية‪ ،‬إذ تسهم لوحدها بقرابة ‪ %30.3‬من هذه االنبعاثات‪ .‬فيام تأيت أوربا ثانيـ ًا‬
‫بنحو ‪ ،%27.7‬ثم روسيا بحوايل ‪ ،%13.7‬وتسهم دول جنوب رشقي أسـيا واهلنـد‬
‫والصني جمتمعـة بحـوايل ‪ ،%12.2‬ثـم تليهـا أمريكـا اجلنوبيـة واليابـان والشــرق‬
‫األوسط وأفريقيا وكنـدا وأسـرتاليا بمسـامهات قـدرها ‪ %3.8‬و ‪ %3.7‬و ‪ %2.6‬و‬
‫‪ %2.5‬و ‪ %2.3‬و ‪ %1.1‬عىل التوايل‪ .‬ويف اآلونة األخرية أصبحت معظم املسامهات‬
‫بغاز ثنائي أكسيد الكربون يف املناطق املدارية تأيت من جراء حتطيب الغابات‪.‬‬

‫ظاهرة االحتباس الحراري‬


‫الواقع أن الغالف اجلوي لكوكب األرض رقيق لدرجة أن بإمكان البرش القيام‬
‫بإحداث تغريات كبرية يف تراكيز بعض من عنارصه اجلزيئية األساسية‪ .‬ودليل ذلك‬

‫‪162‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫هو الزيادة امللحوظة يف كمية غاز ثنائي أكسيد الكربون‪ ،‬وهو من أهم غازات ما‬
‫يسمى بغازات الدفيئة مثلام ذكر سابق ًا‪.‬‬
‫يقوم املبدأ األسايس لظاهرة االحتباس احلراري ‪ Global warming‬عىل ما‬
‫‪ .Greenhouse‬وحتدث هذه‬ ‫‪effect‬‬ ‫يعرف بمفعول الدفيئة (الصوبة احلرارية)‬
‫يوضحها الشكل (‪ )8 – 2‬عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫الظاهرة مثلام ّ‬

‫الشكل (‪ :)8 – 2‬مفعول الدفيئة وأثره يف حدوث ظاهرة االحتباس احلراري‪.‬‬

‫تدخل الطاقة الشمسية إىل الغالف اجلوي يف شكل موجات قصرية‪ .‬ويقوم‬
‫جزء من تلك الطاقة بتسخني األرض ومن ثم يرتد راجع ًا إىل الفضاء اخلارجي مرة‬
‫أخرى يف شكل موجات حتت احلمراء‪.‬‬
‫ويف الظروف االعتيادية‪ ،‬يقوم الغالف اجلوي طبيعي ًا باحتجاز جزء من‬
‫األشعة حتت احلمراء اخلارجة‪ ،‬ويعد ذلك أمر ًا حسن ًا‪ ،‬ألنه حيافظ عىل درجة احلرارة‬
‫فوق األرض يف حدود مرحية‪ .‬ففي كوكب الزهرة تتسم غازات الدفيئة هناك‬
‫بسامكتها الكبرية لدرجة تكون فيه درجات احلرارة مرتفعة جد ًا بالنسبة للبرش‪ .‬فيام‬

‫‪163‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يكاد كوكب املريخ أن خيلو من أي وجود لغازات الدفيئة فوقه‪ ،‬ولذا تكون درجة‬
‫احلرارة منخفضة جد ًا هناك‪ .‬وهذا ما يفرس سبب وصف األرض أحيان ًا بكوهنا‬
‫"الكوكب املتوازن"‪ ،‬ذلك أن درجات احلرارة فوقه تكون مناسبة جد ًا للحياة‪.‬‬
‫املشكلة التي نواجها اآلن هي أن هذه الطبقة الرقيقة من الغالف اجلوي قد‬
‫أخذ سمكها يزداد بفعل الكميات الكبرية التي يتسبب هبا البرش يف طرح ثنائي‬
‫أكسيد الكربون وغريه من غازات الدفيئة‪ .‬وكلام أزداد ذلك الغالف سمك ًا‪ ،‬كلام‬
‫عمل عىل حبس قدر ًا أعظم من األشعة حتت احلمراء التي سوف لن جتد هلا طريق ًا‬
‫للخروج إىل الفضاء‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬سيزداد ارتفاع درجة حرارة الغالف اجلوي‬
‫لألرض‪ ،‬وكذلك درجة حرارة املحيطات عىل نحو ينذر بخطر كبري‪ .‬وهذا هو ما‬
‫نعنيه بظاهرة االحتباس احلراري‪.‬‬
‫إن األدلة التي تم مجعها من مؤرشات شتى‪ ،‬تشـري إىل أن القـرن العرشيــن‬
‫كان األدىف من بني قرون األلفية املاضية‪ .‬وأن التغـريات التـي طـرأت عـىل معـدل‬
‫درجة حرارة العامل التي تم رصدها منذ منتصف القرن التاسع عرش إنام تدلل‪ ،‬مـثلام‬
‫يظهر يف الشكل (‪ ،)8 - 3‬عىل أن كوكب األرض قد ارتفعت درجة حرارته إمجـاالً‬
‫بنحو ‪ 0.74‬درجة مئوية عىل مدى املائة سنة املنرصمة ــ أي ما بني العـامني ‪1906‬‬
‫و ‪ .2005‬وعىل الرغم من احتاملية أن يكون هذا االجتاه احلـراري املتصـاعد دلـي ً‬
‫ال‬
‫عىل هناية العرص اجلليدي الصغري‪ ،‬فأن معظم الباحثني يرون عدم أرجحية أن يمثـل‬
‫ذلك االجتاه حالة طبيعية يف واقع احلال‪ .‬فهو قد يكون انعكاس ًا لتأثري مفعول الدفيئة‬
‫الناجم عن النشاطات البرشية امللوثة للغـالف اجلـوي بشـكل أو أخـر‪ .‬ويف تقريـر‬
‫اهليئة الدولية للتغريات املناخية ‪ IPCC‬لعام ‪ ،2007‬تم اإلقرار أن "ألفعال اإلنسان‬
‫دور واض يف حدوث االحتباس احلراري"‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)8 – 3‬التباينات يف درجة حرارة سط األرض من العام ‪ 1000‬إىل ‪ 2100‬ميالدي‪.‬‬

‫األثار البيئية لظاهرة االحتباس الحراري‬


‫نظر ًا الرتباط الغالف اجلوي ارتباط ًا وثيق ًا بالغالف احليايت واملائي والصخري‪ ،‬فأن‬
‫أي تغريات مستقبلية تطرأ عىل املناخ العاملي سيكون هلا عواقب وخيمـة عـىل مجيـع‬
‫مفاصل الطبيعة التي نحيا يف ظلها‪ .‬وفيام ييل إجياز ًا بأهم التأثريات املحتملة لظـاهرة‬
‫االحتباس احلراري‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ انكامش جليد القطب الشاميل‪:‬‬
‫تتميز العروض العليا بكوهنا أكثر املناطق التي قد تـؤثر‬
‫فيها ظاهرة االحتباس احلراري‪ .‬فقد شـهدت درجـات‬
‫حرارة اهلواء قرب السط عند خط العرض ‪ ْ 65‬شـامالً‬
‫زيادة بنحو ضعفني عن املعدل العاملي خالل املائـة سـنة‬
‫املاضــية‪ .‬ومــن املتوقــع حصــول تغــريات مهمــة يف‬
‫العمليات اجلليدية‪ ،‬األمر الذي يؤثر يف جليد الثالجات‬
‫سيكون الدب القطبي‪ ..‬أول‬ ‫ويف اجلليد األريض وجليد البحار عىل حـدّ سـواء‪ ،‬ممـا‬
‫الخاسرين من ذوبان جليد القطب‬
‫الشمالي‬ ‫ينعكس بدوره عىل الغطاء النبـايت وعـىل بيئـات احليـاة‬

‫‪165‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الربية وعىل املنشآت واملرافق البرشية عموم ًا‪ .‬ومن املحتمل حدوث تغريات مـؤثرة‬
‫حول الدائرة القطبية الشاملية إىل الشامل من كندا‪ .‬فثمة احتامل قوي بتاليش الغطـاء‬
‫اجلليدي للمحيط املتجمد الشاميل‪ ،‬األمر الذي قد يسهل النقل البحـري واسـتغالل‬
‫النفط والغاز من جهة‪ ،‬ولكن أيض ًا قد يزيد املخاطر املتأتية من اجلبال اجلليديـة مـن‬
‫جهة أخرى‪ .‬والواقع‪ ،‬أن معـدل الـتقلص يف جليـد املحـيط املتجمـد الشـاميل منـذ‬
‫اخلمسينيات كان أرسع من املتوقع‪ ،‬إذ يصل املعدل إىل نحو ‪ %8‬لكل عرش سـنوات‬
‫خالل شهر أيلول الذي يمثل هناية فصل الذوبان‪ ،‬وذلك للمدة ‪ 1953‬ــ ‪.2006‬‬
‫إن الختفاء اجلليد البحري تداعيات مهمة نظر ًا ألن اجلليد إنام يعد عاكسـ ًا‬
‫كبري ًا لإلشعاع الشميس‪ ،‬وبفضل ذلك ترتد نسـبة كبـرية مـن اإلشـعاع إىل الفضـاء‬
‫اخلارجي ويزداد عامل التربيد‪ .‬أما املساحات املعتمة مـن امليـاه املفتوحـة‪ ،‬اآلخـذة‬
‫بالتوسع نتيجة لذوبان اجلليد‪ ،‬فإهنا متتص كميات أكرب من اإلشعاع الشميس فرتتفع‬
‫بذلك درجة احلرارة‪ .‬وتسهم هذه العملية يف حصول مزيد مـن الضـياع للجليـد‪..‬‬
‫وهكذا دواليك‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ذوبان القارة القطبية اجلنوبية والثالجات اجلبلية‪:‬‬
‫لقــد تــم رصــد تــأثر مســاحات واســعة مــن‬
‫الغطاءات اجلليدية للقارة القطبية اجلنوبية منـذ‬
‫أربعينيات القرن املايض بفعل ارتفـاع درجـات‬
‫حرارة املناخ‪ .‬إذ كانت حتدث يف منتصف القرن‬
‫املايض مواسم شتاء بـاردة يـزداد خالهلـا سـعة‬
‫سيمثل ذوبان جليد القارة القطبية الجنوبية‬
‫والثالجات الجبلية‪ ..‬كارثة بيئية ال تحمد عقبها‬ ‫الغطاء اجلليدي يف كل أربع سنوات مـن أصـل‬
‫مخس‪ ،‬لكن هذا الرقم تناقص إىل فقط سـنة أو سـنتني يف كـل مخـس سـنوات منـذ‬
‫أواسط السبعينيات‪ .‬ويؤدي ارتفاع درجات احلـرارة إىل تسـارع ذوبـان الثالجـات‬
‫اجلليدية وانحسارها يف القارة القطبية اجلنوبية ويف معظـم بقـاع العـامل‪ .‬إذ تتعـرض‬

‫‪166‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الثالجات إىل الرتاجع عىل نحو رسيع السيام يف اهلاماليا‪ ،‬األمـر الـذي يسـبب قلقـ ًا‬
‫بالغ ًا بالنسبة للتجهيزات املائية عىل املدى الطويل ملاليني الناس يف كـل مـن الصـني‬
‫واهلند والنيبال التي تعتمد أهنارها عىل املياه الذائبـة مـن الثالجـات‪ .‬وهنـاك أيضـ ًا‬
‫دالئل موثقة لتقلص واختفاء ثالجات بأكملها يف أالسكا ويف جبال األنديز بأمريكا‬
‫اجلنوبية وجبال األلب بأوروبا وكذلك يف جبل كلمنجارو بأفريقيا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تقلص مساحة مناطق الصقيع الدائم‪:‬‬
‫إن تراجع خط الصقيع الدائم باجتـاه الشـامل لـه‬
‫العديــد مــن التــأثريات عــىل الطرقــات واملبــاين‬
‫وأنابيــب الــنفط املشــيدة حاليــ ًا فــوق أرايض‬
‫الصقيع الدائم وعىل التصاميم اهلندسية وتقنيات‬
‫البناء اجلديدة‪ .‬واألمر اخلطـري الـذي يمكـن أن‬
‫لم تعد أراضي الصقيع الدائم نافعة لالستخدام‬
‫مثل السابق‪ ..‬فالتغير المناخي أدي إلى ذوبانها‬ ‫يــنجم عــن ذوبــان الصــقيع الــدائم يف أرايض‬
‫العروض العليا‪ ،‬هو حترر امليثان‪ ،‬أحد غازات الدفيئة املسـامهة يف زيـادة االحتبـاس‬
‫احلراري‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬كلام ارتفعت درجة احلرارة كلام طال فصل النمو وحترك‬
‫خط الغطاء النبايت صوب الشامل‪ ،‬ومن املحتمل أن يزيد ذلك من احتجاز الكربـون‬
‫وخزنه بفعل عملية الرتكيب الضوئي‪ .‬وقد سبب ارتفـاع درجـات احلـرارة خـالل‬
‫القرن العشــرين بحصـول تقلـص كبـري يف أشـجار الغابـات الشـاملية يف سـيبرييا‬
‫وأالسكا وتراجعها صوب الشامل‪ ،‬مثلام أظهرت ذلك صور األقامر االصطناعية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نقص املياه العذبة‪:‬‬
‫يمكن لتغريات صـغرية نسـبي ًا يف املنـاخ أن تـؤثر يف جاهزيـة امليـاه العذبـة‪ .‬إذ مـن‬
‫املحتمل أن يتسبب ذلك بمشكالت خطرية السيام يف األقاليم اجلافـة وشـبه اجلافـة‬
‫ويف املناطق األكثر منها رطوبة‪ ،‬وذلك أما نتيجة لزيادة الطلب عىل املياه أو لتلوثهـا‪،‬‬
‫األمر الذي قد يؤدي إىل ندرهتا وشحتها‪ .‬ويعد حوض البحر املتوسط أحد األمثلـة‬

‫‪167‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫عىل ذلك‪ .‬إذ شهدت اجلهات الغربية والوسطى من احلوض خالل العقود األخـرية‬
‫تناقص ًا ملحوظ ًا يف جمموع األمطار‪ ،‬كام لوحظ حدوث تغريات واضحة يف موسمية‬
‫سقوطها‪ .‬وأصب هطول األمطار يرتكز يف فرتات أقرص من السنة مـثلام يف جنـوب‬
‫الربتغال مثالً‪ ،‬إذ انخفضت نسبة التساقط السنوي خالل اخلريف وكان ما يسقط يف‬
‫الشتاء عىل حساب جمموع املتساقط يف الربيع‪ .‬وشهدت مناطق جنوب إسبانيا أيض ًا‬
‫تراجع ًا يف هطول األمطار الربيعية‪ .‬أما األجزاء الشاملية الشـرقية مـن الـبالد‪ ،‬فقـد‬
‫سجلت زيادة يف كمية التساقط خالل الشتاء والربيع منذ عرشينات القـرن املـايض‪،‬‬
‫ال عن حصول زيادة عموم ًا يف عدد األيـام املمطـرة الشـديدة تتخللهـا فـرتات‬
‫فض ً‬
‫جفاف أطول‪ .‬وقد كان للتغريات يف توزيـع األمطـار أثـر سـلبي يف جاهزيـة امليـاه‬
‫للمحاصيل الزراعية‪ ،‬األمر الذي أسهم يف زيادة معدل تعرية الرتبة‪ .‬كام من املتوقـع‬
‫أن يكون ملثل هذه التغريات يف موسمية األمطار وشدهتا تأثري يف مواسـم فيضـانات‬
‫األهنر‪ .‬وقد توصلت الدراسات التي أجريت حول عدد من األحـواض النهريـة يف‬
‫العامل إىل ارتفاع احتاملية خطورة الفيضانات العارمة خالل القرن العرشين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حترر الكربون من الرتبة‪:‬‬
‫يؤثر االحتباس احلراري أيض ًا يف الرتبة السيام يف‬
‫العـــروض الوســـطى‪ .‬إذ وجـــدت إحـــدى‬
‫الدراسات‪ ،‬التي تفحصت أكثر من ‪ 5600‬عينة‬
‫للرتبة يف كل مـن إنكلـرتا وويلـز‪ ،‬أن املحتـوى‬
‫الكربوين قد تناقص بمعدل ‪ 13‬مليـون طـن يف‬
‫تحرر الكربون من التربة بفعل التغير المناخي‬
‫سيزيد من فعل االحتباس الحراري‬ ‫الســـنة للمـــدة ‪ .2003 - 1978‬ونظـــر ًا ألن‬
‫الكربون املخزون يف الرتبة يبدو أنه قد حترر إىل اجلـو بشـكل أو أخـر‪ ،‬فقـد توصـل‬
‫الباحثون إىل أن السبب الرئيس يف ذلك البد أن يرجع إىل التغري املناخي الـذي أدى‬
‫إىل ارتفاع درجة احلرارة وزيادة معدل حتلل املادة العضوية ومن ثم حتـرر الكربـون‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫وتعد هذه النتائج مقلقة حق ًا نظر ًا ألن الرتب تقوم مقام "اجللد" الـذي يمـتص أيـة‬
‫زيادة يف الكربون اجلوي كلام ازدادت معها مستويات ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو‪،‬‬
‫وهي بذلك تكون أشبه باحلجاب الذي يقي من تأثريات االحتباس احلراري‪ .‬ولكن‬
‫بدالً من ذلك أصبحت الرتبة اآلن تطلق الكربون وتعيده مرة ثانية إىل اجلـو بسـبب‬
‫ارتفاع درجات حرارة األرض‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تدهور املناطق اجلافة‪:‬‬
‫من املحتمل أن تتأثر املناطق اجلافة وشبه اجلافـة‬
‫بشكل خـاص مـن التغـري املنـاخي العـاملي‪ .‬إذ‬
‫ازدادت وتــرية ظــاهرة تغــري املنــاخ يف بعــض‬
‫احلاالت بفعل نشاطات اإلنسان املدمرة للغطاء‬
‫النبايت ولسط الرتبـة‪ .‬ويف الوقـت نفسـه‪ ،‬قـد‬
‫ستزداد معاناة المناطق الجافة بفعل‬
‫التغير المناخي‬ ‫يـــؤثر التغـــري املنـــاخي عـــىل العمليـــات‬
‫اجليموفولوجية يف هذه األقـاليم‪ ،‬وذلـك بفعـل التـأثري املبـارش الرتفـاع درجـات‬
‫احلرارة وما يرتبط هبا من تغريات عىل نظـم التسـاقط ودرجـات احلـرارة والغطـاء‬
‫النبايت‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬حيـدث يف العديـد مـن املنـاطق شـبه اجلافـة‪ ،‬تنـاقص يف‬
‫رطوبة الرتبة بسبب ازدياد الضائعات من التبخر والنت وتناقص اجلريان السطحي‬
‫خالل الصيف وارتفـاع معـدالت تعريـة الرتبـة بفعـل الريـاح‪ .‬وأظهـرت بعـض‬
‫الدراسات التي أجريت يف جنوب أفريقيا‪ ،‬أنه خـالل القـرن احلـايل سـوف تصـب‬
‫معظم الكثبان الرملية يف صحراء كاهلاري ‪ Kalahari‬كثبان ًا متنقلـة ونشـطة احلركـة‬
‫نتيجة لتضافر مجلة من العوامل مثل تناقص رطوبة الرتبة وفقدان النبـات الطبيعـي‬
‫وتزايد طاقة الرياح‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ 7‬ـ تدهور نوعية اهلواء‪:‬‬


‫من املحتمل أن يؤدي تضافر التغري املنـاخي مـع التـأثريات البشــرية األخـرى إىل‬
‫اإلرضار يف الكثري من جوانب البيئة الطبيعية‪ .‬فارتفاع درجات احلرارة ي ّعجـل مـن‬
‫تكوين غاز األوزون الضار القريب من سـط األرض‪ ،‬ممـا سـيديم مكـوث هـذه‬
‫الرتكيزات العالية من األوزون مدة أطول يف اجلو‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬من املرج أن يكـون‬
‫االحتباس احلراري سبب ًا لزيادة معـدالت التفاعـل الكيامضـوئي ‪Photochemical‬‬
‫‪ reaction‬بني امللوثات الكياموية املوجودة يف الغالف اجلوي‪ ،‬األمر الذي يزيـد مـن‬
‫تلوث هواء املدن وترضر الصحة العامة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ زيادة محوضة املياه البحرية‪:‬‬
‫تتعدد تأثريات ارتفاع درجات احلرارة عىل نوعية البيئات البحرية‪ .‬لكـن ثمـة تغـري‬
‫كياموي أسايس يتمثل بزيادة محوضة مياه البحار واملحيطات‪ .‬وحتدث هذه العمليـة‬
‫جراء قيام مياه املحيطات بامتصاص قسم من غاز ثنائي أكسيد الكربون املنبعث إىل‬
‫اجلو من النشاطات البرشية املختلفة‪ .‬فعندما يذوب ثنائي أكسيد الكربـون يف املـاء‪،‬‬
‫فأنه يتحول إىل حامض الكربونيك‪ ،‬وعىل هذا تصب مياه املحيطات أكثر محوضـة‪.‬‬
‫وقد أظهرت الدراسات أن املياه البحرية احلمضية يمكنها التسـبب بتآكـل اهلياكـل‬
‫الكربونية التي تكسو أبـدان الكثـري مـن األحيـاء البحريـة‪ ،‬مـثلام حيـدث اليـوم يف‬
‫الشعاب املرجانية التي تشكل محوضة البحار هتديد ًا قد يقيض عليها هنائي ًا‪.‬‬

‫شعاب مرجاني ميت‬ ‫شعاب مرجاني حي‬


‫يؤدي ارتفاع حموضة مياه البحار بفعل االحتباس الحراري‪ ..‬إلى تفاعل كيمائي يقضي على‬
‫الشعاب المرجانية ويحولها إلى مجرد هياكل عظمية‪ ..‬في ظاهرة تعرف بـ "ابيضاض" المرجان‬

‫‪170‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ 9‬ـ ارتفاع منسوب البحر‪:‬‬


‫إن من أخطر املشكالت التي تواجـه البحـار وحظيـت بـاهتامم كبـري‪ ،‬هـي ارتفـاع‬
‫مناسيب البحار نتيجة للتمـدد احلـراري الـذي تتعـرض إليـه البحـار واملحيطـات‬
‫وكذلك من جراء ما يضاف إليها من مياه اجلليد الذائب‪ .‬إذ يرى بعـض العلـامء أن‬
‫ارتفاع منسوب البحر سيكون بال شك األثر األبرز لظـاهرة االحتبـاس احلـراري‪.‬‬
‫وإذا ما عرفنا أن أغلب البرش يقطنون عىل طول املناطق الساحلية‪ ،‬فأن ما ستتعرض‬
‫إليه املناطق املنخفضة من السواحل سيكون حدث ًا خطـري ًا بالتأكيـد‪ .‬وتفيـد تقـارير‬
‫اهليئة الدولية للتغريات املناخية‪ ،‬بأن منسوب سط البحر قد ارتفـع خـالل القـرن‬
‫العرشين بمقدار ‪ 1.5‬ـــ ‪ 2‬ملم‪/‬سـنة‪ .‬واألدق مـن ذلـك‪ ،‬أن القياسـات العامليـة‬
‫ملنسوب البحر املأخوذة من األقامر االصطناعية تشري إىل هذا املعدل آخذ باالزديـاد‬
‫يف القرن احلادي والعرشين‪ ،‬وهـي نتيجـة تـدعو إىل مزيـد مـن القلـق‪ .‬ويف أقىصـ‬
‫احلاالت‪ ،‬فإذا ما تعرضت الغطاءات اجلليدية يف غرينالند والقارة القطبية اجلنوبيـة‬
‫للذوبان متام ًا‪ ،‬فمن املحتمل ارتفاع منسوب البحر بنحو ‪ 70‬مرت ًا‪ .‬وقد يكون أيضـ ًا‬
‫لتدفق املياه العذبة من هذه الغطاءات اجلليدية تأثري يف الدورة املائية املحيطية بحيث‬
‫تسهم يف حدوث مزيد من تداعيات التغري املناخي (الشكل ‪.)8 – 4‬‬

‫الشكل (‪ :)8 – 4‬كيفية تغري منسوب البحر بفعل التغري املناخي‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ 10‬ـ الفيضانات وغرق السواحل واجلزر‪:‬‬


‫يمكن أن يؤدي ارتفاع مناسـيب البحـار إىل حـدوث فيضـانات مفاجئـة وهيجـان‬
‫البحر وغرق املستوطنات البرشية املنخفضة الواقعة عىل السواحل القاريـة‪ ،‬السـيام‬
‫املدن الكبرية مثل بانكوك والغوس ولندن ونيويورك وريو دي جـانريو وطوكيـو‪.‬‬
‫أما مدينة البندقية اإليطالية الواقعة عىل البحر املتوسـط‪ ،‬فمـن املتوقـع تعرضـها إىل‬
‫خطر داهم لكون أن معظم املنطقة احلرضية فيها ال تقع سوى عىل ارتفـاع ‪ 80‬سـم‬
‫فقط فوق منسوب سط البحر‪ .‬عل ًام أن هـذه املدينـة قـد تعرضـت أيضـ ًا للهبـوط‬
‫واالنخساف بفعل البرش يف العقود األخرية‪.‬‬
‫لقد كان عدد كبري من اجلزر الواقعة يف املحيط اهلـادي قبـل ‪ 18000‬سـنة‬
‫غارقة حتت املاء أص ً‬
‫ال‪ ،‬وعىل هذا فأن االرتفاع املستمر ملياه البحر بضعة أمتار سوف‬
‫يغري بشكل كبري من اخلريطة احلالية للمحيطني اهلادي واهلندي‪ .‬وقد ختتفي العديـد‬
‫من البلـدان اجلزريـة الصـغرية يف املحـيط اهلـادي‪ ،‬مثـل توغـاال ‪ Tokelau‬وجـزر‬
‫‪Line Islands‬‬ ‫املارشال ‪ Marshall Islands‬وتوفاال ‪ Tuvalu‬وجزر الين والكريبايت‬
‫‪ ،and Kiribati‬إذا ما حتققت أسوء سيناريوهات ارتفاع مستوى سـط البحـر‪ .‬كـام‬
‫يتوقع حدوث الكثري من األثار الطبيعية األخرى بالنسبة لغريها من اجلزر املحيطية‪.‬‬
‫فمع ارتفاع مناسيب البحر‪ ،‬سوف يزداد معـدل التعريـة السـاحلية‪ ،‬وإن كـان هـذا‬
‫يعتمد عىل عدد مـن العوامـل مثـل التـاريخ التكتـوين للجـزر‪ ،‬ومعـدل الرتسـيب‬
‫واهلبوط‪ ،‬وسعة الشعاب املرجانية ومعـدل نموهـا‪ ،‬وطبيعـة الرصـيف الصـخري‬
‫للجزر‪ ،‬ومدى محاية الشواطت من األمواج البحرية‪ ،‬وكثافة الغطـاء النبـايت املتمثـل‬
‫بغابات القرم (املانغروف)‪.‬‬
‫إن ارتفاع منسوب البحـر يتضـ بـأخطر صـوره عـىل البلـدان املنخفضـة‬
‫والكثيفة السكان كبنغالديش مثالً‪ .‬ويمثل الغـرق وتوغـل امللوحـة البحريـة أهـم‬

‫‪172‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫هتديدين يواجهان االقتصاد الـوطني يف تلـك الـبالد‪ .‬إذ يمكـن حصـول احلـالتني‬
‫التاليتني‪:‬‬
‫‪ ‬ارتفاع منسوب البحر بمقدار ‪ 30‬سم‪ ،‬إذا ازدادت درجة احلرارة بمقدار ‪2‬‬
‫درجة مئوية‪.‬‬
‫‪ ‬ارتفاع منسوب البحر بمقدار ‪ 100‬سم‪ ،‬إذا ازدادت درجة احلرارة بمقـدار‬
‫‪ 4‬درجة مئوية‪.‬‬

‫عند ارتفاع منسوب البحر‬ ‫منسوب البحر الحالي‬


‫ستكون بنغالديش عرضة للغرق بمياه البحر إذا ما ارتفع بمنسوب ‪ 100- 30‬سم بفعل االحتباس الحراري‬

‫‪ 11‬ـ زيادة تكرار األعاصري املدارية‪:‬‬


‫تعــد الزيــادة يف تكــرار حــدوث األعاصــري املداريــة العمالقــة ‪ Hurricanes‬أحــد‬
‫التهديدات املقلقة النامجة عن ظاهرة االحتباس احلراري‪ .‬إذ ينشط هـذا النـوع مـن‬
‫األعاصري يف العروض املدارية التي تزيد فيها درجة حرارة ميـاه سـط البحـر عـن‬
‫‪ 26.5‬درجة مئوية‪ .‬ويمكن هلذه األعاصري التسبب بأرضار جسيمة لألنظمة البيئية‬
‫الساحلية واجلزرية‪ ،‬ناهيك عن إحلاقها الضـرر بـالبنى االجتامعيـة‪ .‬ويشـري حتليـل‬
‫لتكرار األعاصري املدارية يف املحيط األطليس إىل أن حدوثها منذ مطلع هـذا القـرن‬
‫قد تضاعف مرتني يف السنة الواحدة قياس ًا بام كان عليه قبل نحو ‪ 100‬عام‪ .‬ويعزى‬
‫سبب هذه الزيادة عىل األرج إىل ارتفاع درجة حرارة املياه السطحية للبحر وتبدل‬
‫أنامط الرياح‪ ،‬وذلك تزامن ًا مع التغريات املناخيـة العامليـة‪ .‬ولـوحظ أيضـ ًا حصـول‬
‫زيادة يف تكرار تلك األعاصري ويف شدهتا خالل الربع األخري من القـرن العشــرين‬

‫‪173‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يف حميطات أخرى‪ ،‬كشامل املحيط اهلـادي وجنوبـه الغـريب ويف املحـيط اهلنـدي‪ ،‬إذ‬
‫ازدادت بشكل كبري األعاصري املدارية من الفئة الرابعة واخلامسة‪.‬‬
‫إن الزيادة يف تكرار األعاصـري املداريـة‬
‫الشديدة مـا هـو إال مظهـر واحـد مـن مظـاهر‬
‫الطقس العنيف التـي شخصـتها اهليئـة الدوليـة‬
‫للتغريات املناخيـة وأقـرت أهنـا أخـذت تـزداد‬
‫تكرار ًا وعنف ًا ومساح ًة يف العديد من أنحاء العامل‬
‫تعد األعاصير المدارية العمالقة‪ ..‬أكثر‬
‫مظاهر االحتباس الحراري رعب ًا وتدمير ًا‬ ‫خالل القرن احلـادي والعشــرين‪ .‬أمـا املظـاهر‬
‫األخرى فتتمثل بزيادة موجات احلر القائظ وموجات اجلفـاف واألمطـار الغزيـرة‪.‬‬
‫وما األعاصري املدارية العنيفة كإعصـار هوغـو (‪ ،)1989‬أنـدرو (‪ ،)1992‬إيفـان‬
‫(‪ ،)2004‬كاترينا‪ ،‬ويلام‪ ،‬وريتا (مجيعها حدثت يف العام ‪ ،)2005‬فض ً‬
‫ال عن الكثـري‬
‫من العواصف اهلوجاء التي رضبت أوربا للفرتة ‪ ،1999 - 1990‬إال دليل عىل أن‬
‫ظاهرة االحتباس احلراري إنام بدأت ترتك أثر ًا واضح ًا ال يمكن نكرانـه يف الطبيعـة‬
‫واملجتمع البرشي عىل حدّ سواء‪.‬‬

‫أسئلة للمراجعة واملناقشة‬


‫‪ -1‬أحدث اإلنسان تغيريات جسيمة يف الغالف اجلوي‪ ،‬منها تآكل طبقة األوزون‬
‫خلص‪ ،‬يف نقاط واضحة‪ ،‬أبرز التأثريات‬
‫والتغري يف اإلشعاع الشميس املنعكس‪ّ .‬‬
‫البرشية يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬أكتب مقاالً ّ‬
‫مركز ًا عن دور اإلنسان يف تغيري مناخ وسط أسيا عرب قيامه‬
‫بتجفيف بحر األورال‪( .‬أستعن بمصادر مكتبية أو إلكرتونية)‪.‬‬
‫‪ -3‬ما املقصود بغازات الدفيئة وما هي أنواعها وما فائدهتا ورضرها وأي ًا منها‬
‫برأيك أكثر خطر ًا عىل البيئة‬

‫‪174‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -4‬كيف حيدث االحتباس احلراري وملاذا يعد مشكلة عويصة بحد ذاته عزز‬
‫إجابتك بمرتسم قدر املستطاع‪.‬‬
‫‪ -5‬ملاذا تعد العروض العليا أكثر حتسس ًا من غريها لتأثريات االحتباس احلراري‬
‫‪ -6‬يشكل ذوبان جليد القطبني اجلنويب والشاميل وجليد الثالجات اجلبلية وذوبان‬
‫مناطق الصقيع الدائم بفعل االحتباس احلراري كارثة كربى لكوكب األرض‪.‬‬
‫أرشح أوجه هذه الكارثة وانعكاسات حدوثها عىل البيئة‪.‬‬
‫‪ -7‬ما العالقة الرابطة بني التغري املناخي والنقص املتوقع يف املياه العذبة العاملية‬
‫‪ -8‬كيف يتحرر الكربون من الرتبة وما خطورة ذلك يف التسبب بمزيد من‬
‫االحتباس احلراري‬
‫‪ّ -9‬بني أوجه معاناة املناطق اجلافة وشبه اجلافة من التغري املناخي‪.‬‬
‫‪ -10‬كيف يكون االحتباس احلراري مسؤوالً عن تغري التفاعالت الكيميائية يف‬
‫الغالف اجلوي وما خطورة ذلك عىل جو املدن بشكل خاص‬
‫‪ -11‬ما هي أبرز النتائج املتوقعة لالحتباس احلراري عىل مياه البحار واملحيطات‬
‫أكتب ما يفي عن ذلك‪.‬‬
‫‪ -12‬ملاذا ازداد تكرار حدوث األعاصري املدارية العمالقة واشتدت عنف ًا واتسعت‬
‫نطاق ًا بشكل ملحوظ يف اآلونة األخرية أذكر تفسري ًا علمي ًا دقيق ًا لذلك‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪175‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل التاسع‬
‫مشكلة خسارة التنوع األحيائي‬
‫يعرض الفصل احلايل ملشكلة بيئية مقلقة أخرى‪ ،‬هي خسارة التنوع األحيائي‪ .‬إذ أن‬
‫فقدان كوكب األرض لتنوعه األحيائي الذي يشكل شبكة احلياة‪ ،‬سيكون بمثابة‬
‫اضمحالل للوجود برمته فيام لو استمر ذلك عىل الوترية الراهنة‪ .‬سنتناول معنى‬
‫التنوع األحيائي أوالً‪ ،‬ثم نعرض للتهديدات التي تواجه التنوع األحيائي‪ ،‬ونحدد‬
‫بعض األنواع املهددة باالنقراض‪ ،‬مع بيان ملظاهر ذلك التهديد وأمثلة عديدة عنه‪.‬‬

‫معنى خسارة التنوع األحيائي‬


‫‪Biodiversity‬‬ ‫لقد باتت خسارة التنوع األحيائي‬
‫‪ ،loss‬وهو اصطالح يعني فقدان تعدد الكائنـات‬
‫احلية وتنوعها ووجودها‪ ،‬متثل مشكلة بيئية حمـط‬
‫جدل كبري يف اآلونة األخرية‪ .‬فعىل الرغم من أننا‬
‫نعيش يف كوكب يتسم بـاحلراك املسـتمر بحكـم‬
‫يعني التنوع األحيائي‪ ..‬تعدد أنواع األحياء‬ ‫طبيعتــه‪ ،‬حيــث تتعــرض األنــواع األحيائيــة إىل‬
‫والبيئات في منطقة معينة بحيث يتشكل‬
‫فيما بينها ترابط ًا وثيق ًا‬ ‫االنقراض واألنظمة البيئية إىل التغري‪ ،‬فإن التنوع‬
‫األحيائي أصب قضية حمل قلق كبري ألن أفعال اإلنسان تـؤدي إىل خسـارته بـوترية‬
‫غري مسبوقة‪ .‬فقد رافق الزيادة الكبرية والرسيعة يف عديـد السـكان خـالل القـرون‬
‫األخرية اتساع جمال تغيري األنظمة البيئية وتبدهلا إىل صـورة أخـرى وذلـك لصـال‬
‫الزراعة وغريها من النشاطات البرشية‪ .‬يف الوقت ذاتـه‪ ،‬فـأن هنالـك العديـد مـن‬
‫احلاالت املوثقة التي تثبت بأن النشـاطات البرشيــة تقـف وراء تعـرض كثـري مـن‬
‫األنواع لالنقراض‪ ،‬وهو ما سنأيت عليه يف هذا الفصل‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫عىل الرغم من أن التعريف الدقيق لكلمة التنوع األحيائي (أو ما يسمى‬


‫أحيان ًا بالتنوع البيولوجي ‪ )Biological biodiversity‬مازال خمتلف ًا عليه‪ ،‬فمن‬
‫املمكن تعريفه عموم ًا عىل أنه عبارة عن األجناس واألنواع األحيائية واألنظمة‬
‫البيئية‪ ،‬بحسب ترتيبها إىل ثالثة مستويات رئيسة ضمن التنظيم األحيائي‪ .‬ويصنف‬
‫البعض اإلنسان أيض ًا كعنرص منفصل يف تعريفاهتم‪ ،‬فيسمون ذلك بالتنوع األحيائي‬
‫وتعرف اتفاقية التنوع األحيائي هذا املصطل‬
‫ّ‬ ‫احلضاري ‪.Cultural biodiversity‬‬
‫أنه عبارة عن "الكائنات احلية بمختلف أنواعها وأشكاهلا‪ ،‬لتشمل األنواع الربية‬
‫والبحرية وما بينهام إضافة إىل غريها من األنظمة البيئية املائية واملجتمعات البيئية"‪.‬‬
‫أما التنوع اجليني فيشمل التباين ما بني األفراد وما بني اجلامعات ضمن نوع أحيائي‬
‫معني ‪ .Species‬وعىل هذا فأن التنوع األحيائي يعني األنواع املختلفة من احليوانات‬
‫والنباتات وأشكال احلياة األخرى املوجودة ضمن منطقة معينة‪ .‬أما تنوع األنظمة‬
‫البيئية فيقصد به تعدد البيئات الطبيعية املوجودة يف منطقة من املناطق‪.‬‬

‫التهديدات التي تواجه التنوع األحيائي‬


‫حني تتعرض األنظمة البيئية إىل تغريات‪ ،‬فأن األنواع األحيائية يمكن أن تنقرض يف‬
‫ظل الظروف الطبيعية‪ .‬فنحن نعلم أن مناخ األرض يف تغري دائـم عـىل مـر الـزمن‪،‬‬
‫وأن املجتمعات النباتية واحليوانية أما أهنا قد كيفت نفسها هلذه التغريات أو واجهت‬
‫خطر االنقراض ‪ .Extinction‬وقد تتعرض األنواع لالنقراض أيض ًا بسبب جمموعـة‬
‫من الظروف الطبيعية األخرى غري املناخ‪ ،‬كـاحلوادث الكارثيـة املفاجئـة أو بسـبب‬
‫املنافسة مع أنواع أخرى أو بسبب األمراض أو االفرتاس‪ .‬واحلقيقة‪ ،‬مثلام يذكر أحد‬
‫علامء األحياء‪ ،‬أن "االنقراض يعد جزء ًا أساسي ًا من الطبيعـة‪ ،‬إذ أن أكثـر مـن ‪%99‬‬
‫من مجيع األنواع التي عاشت يف املايض هي منقرضة اآلن"‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إن الدراسات املعتمدة عىل السجل األحفوري‪ ،‬الذي يعـد أرشـيف ًا طبيعيـ ًا‬
‫ممتاز ًا حلاالت االنقراض‪ ،‬بينت أن العصور اجليولوجية الطويلـة‪ ،‬يـوم كـان وقتهـا‬
‫انقراض األنواع جيري بوترية واحدة تقريب ًا‪ ،‬كانت تتخللها عـىل مـا يبـدو أحـداث‬
‫كارثية انطوت عىل انقراض شـامل‪ .‬ففـي ‪ 570‬مليـون سـنة األخـرية مـن تـاريخ‬
‫األرض وقعت مخسة حوادث انقراض شامل‪ ،‬يعتقد أن كل واحدة منها قضت عىل‬
‫أكثر من ‪ %60‬مـن األحيـاء البحريـة‪ .‬وحـدث‬
‫أعنفها خالل العرص الربمي ‪ Permain‬قبل نحـو‬
‫‪ 245‬مليون سنة خلت‪ ،‬فيام وقعـت أحـدثها يف‬
‫هناية العصـر الكريتايس ‪ Cretaceous‬قبـل نحـو‬
‫‪ 65‬مليون سنة‪ ،‬إذ تعرضت فيـه الديناصـورات‬
‫مع أن االنقراض حالة طبيعية‪ ..‬فقد يكون‬
‫بسبب حدث كارثي مثلما حصل للديناصورات‬ ‫والعديد من األحياء األخرى لالنقراض هنائي ًا‪.‬‬
‫أما يف الوقت الراهن‪ ،‬فهنالك خشية كبـرية مـن حـدوث انقـراض شـامل‬
‫أخر‪ ،‬يكون بني البرش الالعب الرئيس فيه‪ .‬ومع أننا لـيس عـىل يقـني تـام باملعـدل‬
‫الذي جيري به انقراض األحياء حالي ًا‪ ،‬فمن املمكن تشـخيص سـتة أسـباب رئيسـة‬
‫تسهم يف خسارة التنوع األحيائي‪ ،‬وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬ارتفاع معدل النمو السـكاين لبنـي البشــر ومعـدل اسـتهالكهم للمـوارد‬
‫الطبيعية ارتفاع ًا كبري ًا‪.‬‬
‫‪ -2‬حمدودية الواردات احلالية املتأتية من الزراعة والغابات والثروة السمكية‪.‬‬
‫‪ -3‬فشل النظم االقتصادية يف تقدير قيمة البيئة ومواردها‪.‬‬
‫‪ -4‬عــدم املســاواة يف امللكيــة ويف إدارة املنــافع املتأتيــة مــن اســتخدام املــوارد‬
‫األحيائية وصيانتها‪.‬‬
‫‪ -5‬القصور احلاصل يف املعرفة العلمية وتطبيقاهتا‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -6‬وجود أنظمة قانونية ومؤسسـاتية تشـجع عـىل االسـتغالل املفـرط ملـوارد‬


‫الطبيعة‪.‬‬
‫األنواع املهددة باالنقراض‬
‫يواجه بعض األحياء بشكل خاص خطر التهديد بـاالنقراض ال لسـبب إال لكوهنـا‬
‫توجد ضمن حيز جغرايف ضيق‪ ،‬أو لكوهنا تعيش فقط يف مـوطن طبيعـي واحـد أو‬
‫بضعة مواطن طبيعية معينة‪ ،‬أو لكوهنا تتواجد بأعداد قليلة‪ .‬وتعرف األحيـاء التـي‬
‫تعيش يف مكان واحد فقط باألحياء املسـتوطنة ‪ .Endemic‬وهنالـك أيضـ ًا عوامـل‬
‫أخرى يمكنها التأثري يف درجة اخلطورة التـي تواجههـا أنـواع معينـة مـن األحيـاء‪،‬‬
‫تتمثل باآليت‪:‬‬
‫‪ ‬هبوط معدالت تكاثر األحياء‪.‬‬
‫‪ ‬ضخامة أجسام األحياء (التي تتطلب يف املحصلة مكان ًا أكرب وطعامـ ًا أكثـر‬
‫مما يسهل من عملية صيدها من قبل اإلنسان)‪.‬‬
‫‪ ‬ضعف قابلية األحياء عىل االنتشار‪.‬‬
‫‪ ‬احلاجة إىل بيئة مستقرة‪.‬‬
‫‪ ‬احلاجة إىل اهلجرة ما بني بيئات خمتلفة‪.‬‬
‫‪ ‬أدراك خطورهتا من قبل البرش‪.‬‬
‫هذا وتتباين األثار البيئية النامجة عن خسارة كائن حي معني من نـوع ألخـر‪ .‬إذ‬
‫أن أبرز جانب يف قضية االنقراض يكمن يف أمهية بعض األنـواع الرئيسـة يف حتديـد‬
‫قابلية بقاء عدد كبري ألحياء ثانوية من نوع أخر‪ .‬وعليه فأن خسارة نوع رئييس معني‬
‫قد يسفر بالنتيجة عن حدوث سلسلة من االنقراضات املتتالية‪ .‬وخيشى مـن وقـوع‬
‫مثل هذه احلاالت بالنسبة للحرشات االسـتوائية مـثالً‪ ،‬إذ أن الكثـري منهـا يتطلـب‬
‫تغذية من شكل خاص‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫لقد قام االحتاد الدويل لصون الطبيعة ‪ IUCN‬بتوثيق األنواع التي تواجـه خطـر‬
‫التهديد باالنقراض تبع ًا خلطورة التهديد الذي تالقيه وقرهبا من حافـة االنقـراض‪،‬‬
‫ووضعها ضمن قائمة محراء (اجلدول ‪.)9 – 1‬‬
‫اجلدول (‪ :)9 – 1‬تصنيف درجات انقراض األنواع األحيائية يف ضوء القائمة احلمراء‬
‫لالحتاد الدويل لصون الطبيعة ‪.IUCN‬‬
‫الوصف‬ ‫مرتاة انقراض النوع األحيشئي‬
‫الرأكد يقيناً مب غ آخر فر من ن ع أحيائا مع ‪.‬‬ ‫منقرض‬
‫غري معر ف لن ج ه اال باالارنااغ ان كان نااتاًة أ اقا يف األار‬ ‫منقرض من الربية‬
‫حمر يف مكان غري مكانه ال ايعا السابق ان كان حي اناً‪.‬‬
‫ي اجه خ راً ‪،‬ديداً لالنقراض من الربية يف القريب العاجل‪.‬‬ ‫مهد للى حن خ ري‬
‫ي اجه خ راًكارياً لالنقراض من الربية يف ايسرقال القريب‪.‬‬ ‫مهد باالنقراض‬
‫ي اجه خ راًكارياً لالنقراض من الربية يف ايسرقال اير ا ‪.‬‬ ‫معرض لالنقراض‬
‫أنه للى ‪،‬ك هتديد ‪،‬ديد باالنقراض أ أنه مهد أ معرض لالنقراض‪.‬‬ ‫للى ‪،‬ك الرهديد باالنقراض‬
‫ليس للى ‪،‬ك الرهديد باالنقراض بعد‪.‬‬ ‫أقل قلقاً‬
‫الاياناغ غري كافية لرصنيفه يف القائمة حيراج ا شاجه اىل م يد من الاحثة‬ ‫نقص يف ايعل ماغ‬
‫لكن هناك اقراش ب ر شو تصنيفه ضمن القائمة‪.‬‬
‫ليس مصنفاً بعد يف القائمة‪.‬‬ ‫غري مصنف بعد‬

‫التهديدات التي تواجه الحياة النباتية والحيوانية‬


‫إن أغلب العوامل املهددة حاليـ ًا لألنـواع النباتيـة واحليوانيـة إنـام هـي يف حقيقتهـا‬
‫حصيلة ألفعال برشية‪ .‬وقد تكون مثل تلك األفعال مقصودة أحيانـ ًا‪ ،‬كـام يف حالـة‬
‫الصيد‪ ،‬أو غري مقصودة كام يف حالة حتـوير البيئـات الطبيعيـة وتـدمريها مـن أجـل‬
‫استغال ل األرض ألغراض خمتلفة‪ .‬من الوجهة العملية‪ ،‬فأن العديد من األحياء إنام‬
‫تواجه أكثر من هتديد واحد‪ ،‬وقد تتضافر بعض التهديـدات مـع بعضـها الـبعض‪:‬‬
‫فمث ً‬
‫ال يؤدي إزالة الغابات إىل جعل عملية صيد الثدييات أكثر سهولة‪ .‬وقـد تتبـاين‬

‫‪180‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التهديدات أيض ًا التي تواجه نوع ًا معين ًا من األحياء عىل مـر الـزمن‪ .‬إذ بـدأ تـاليش‬
‫نبات اهلدال الدبق ‪ ،Trilepidea adamsti‬وهو نبات طفـييل يتواجـد يف نيوزيلنـدا‪،‬‬
‫بعدما تقلصت مساحات موطنه الطبيعي بفعل عمليات حتطيب الغابات‪ ،‬أوالً مـن‬
‫قبل السكان األصليني ومن ثم بوترية متسارعة من قبل املسـتوطنني الربيطـانيني يف‬
‫أواخر القرن التاسع عرش‪ .‬وحصل أن تعرضت مستعمرات هـذا النبـات للـتاليش‬
‫أكثر فأكثر بفعل ممتهني اجلمع وااللتقاط وكذلك بفعل تعرض الطيور التـي كانـت‬
‫تقوم بنرش بذوره إىل التناقص يف أعدادها بعد إزالة الغابات‪ .‬وقد تـم القضـاء عـىل‬
‫آخر ما تبقى من هذا النبات مـن عـىل وجـه اجلزيـرة الشـاملية لنيوزيلنـدا يف العـام‬
‫‪ ،1954‬حيث التهمتها حيوان األبوسوم ذي الذيل الكثيف الذي جلب عمـد ًا مـن‬
‫أسرتاليا خالل ستينيات القرن التاسع عرش مـن‬
‫أجل املتاجرة بفرائه‪ .‬وعىل الرغم مـن أن طبيعـة‬
‫التهديدات قد تتسم بالتعقيد والتباين يف كثري من‬
‫األحيــان‪ ،‬فــأن الشــكل (‪ )9 - 1‬يبــني األمهيــة‬
‫النسبية لبعض التهديدات املختلفة التي تواجهها‬
‫انقرض نبات الهدال الدبق من نيوزيلندا‬
‫بسبب األفعال البشرية بالدرجة الرئيسة‬ ‫مــث ً‬
‫ال الطيــور يف العــامل والثــدييات يف أســرتاليا‬
‫واألمريكتني بصفة خاصة‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)9 – 1‬أهم التهديدات التي تواجه الثدييات والطيور‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إن كل هذه األسباب البرشية املؤدية إىل زوال األنواع يرجع تارخيها إىل‬
‫املايض‪ .‬ففي بريطانيا مث ً‬
‫ال أدى تضافر عمليات الصيد وتدمري البيئة الطبيعية بسبب‬
‫حتطيب الغابات إىل اختفاء الكثري من األنواع احليوانية األصلية عىل مر مئات‬
‫السنني‪.‬‬
‫ومثلام يظهر من الشكل (‪ ،)9 – 2‬فأن أكثر اجلهات يف العامل التي يواجه‬
‫التنوع األحيائي هتديد ًا فيها (اللون األمحر) ترتكز يف املناطق املتحرضة من أمريكا‬
‫الشاملية وأوروبا ويف بعض أرجاء قارة أسيا السيام الصني شبه القارة اهلندية ويف‬
‫أجزاء من أفريقيا وأسرتاليا‪ ،‬وذلك ألسباب عدة سنأيت عىل ذكرها بعد قليل‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)9 – 2‬درجات هتديد التنوع األحيائي حول العامل‪.‬‬

‫مظاهر تهديد التنوع األحيائي‬


‫تدمير املواطن الطبيعية‬
‫يعد تدمري البيئات الطبيعية من أخطر التهديدات التي تواجه التنوع األحيـائي‪ ،‬فـيام‬
‫تعد التجزئة والتدهور‪ ،‬اللذان غالب ًا ما يكونان نذير ًا بحصول دمـار شـامل الحـق‪،‬‬
‫سببني مهمني يدعوان للقلـق أيضـ ًا‪ .‬إن تـدمري املـوطن الطبيعـي وتـدهوره يمثـل‬

‫‪182‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التهديد األكرب بالنسبة للطيور والثدييات والنباتات‪ ،‬طبق ًا للقائمة احلمراء املعدة من‬
‫قبل االحتاد الدويل لصون الطبيعة يف عام ‪( 2004‬أنظر الشكل ‪ ،)9 – 1‬وهـو يـؤثر‬
‫يف حوايل ‪ %86‬من جمموع الطيور املهددة باالنقراض‪ ،‬و أيض ًا يف ‪ %86‬من الثدييات‬
‫و ‪ %88‬من الربمائيات‪.‬‬
‫يف العديد من البلدان‪ ،‬السيام يف اجلـزر‪،‬‬
‫التي تعاين من كثافات برشية عالية‪ ،‬حلـق الـدمار‬
‫بمعظم بيئات املواطن الطبيعية بسبب اسـتغالهلا‬
‫للزراعة أو للرعي أو لغرض االستيطان وتوطني‬
‫الصناعات‪ .‬ويعتقد أن نحو ‪ 49‬بلـد ًا مـن أصـل‬
‫يعد تدمير المواطن الطبيعية‪ ..‬أهم عامل‬
‫مسبب لخسارة التنوع األحيائي‬ ‫‪ 61‬بلد ًا من البلدان االستوائية يف إفريقيا وأسـيا‪،‬‬
‫قد خرست أكثر من ‪ %50‬من مواطنها الطبيعية‪ .‬ففي بلدان أفريقيا االسـتوائية‪ ،‬تـم‬
‫خسارة ‪ %65‬من مواطنها الطبيعيـة األصـلية‪ ،‬وبمعـدالت تـدمري مرتفعـة بشـكل‬
‫خــاص يف كــل مــن‪ :‬غامبيــا (‪ ،)%89‬ليبرييــا (‪ ،)%87‬روانــدا (‪ ،)%87‬بورنــدي‬
‫(‪ ،)%86‬وسرياليون (‪ .)%85‬أما يف بلدان أسيا االستوائية فقد كان إمجـايل اخلسـارة‬
‫بحدود ‪ ،%68‬مع وجود معدالت خسارة خطرية يف كل من هونـغ كونـغ (‪،)%97‬‬
‫بنغالديش (‪ ،)%94‬سريالنكا (‪ ،)%83‬فيتنام (‪ )%80‬واهلند (‪.)%80‬‬
‫إن املواطن الطبيعية تواجه التدمري بمختلف أنواعهـا مـن غابـات مداريـة‬
‫‪Mangrove‬‬ ‫مطرية وشعاب مرجانيـة وأرايض رطبـة وغابـات القـرم (املـانغروف‬
‫‪ ،)forest‬ويعد ذلك أمر ًا خطري ًا ألن تلك البيئات تزخر بتنوع حيايت هائل‪ .‬وعليـه‪،‬‬
‫فأن معظم االنقراضات التي تواجهها األنواع يف الوقت احلارض عىل يد اإلنسان إنام‬
‫حتدث يف مناطق الغابات االستوائية املطرية‪ ،‬وتقـع احلشــرات يف صـدارة األنـواع‬
‫املهددة بالزوال يف تلك املناطق‪ .‬ومـع هـذا‪ ،‬تواجـه مـواطن طبيعيـة أخـرى خطـر‬
‫التدمري عىل قدم املساواة‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫هنالك أمثلة كثرية عىل وقوف أنواع أحيائية عـىل حافـة االنقـراض بسـبب‬
‫فقداهنا ملواطنها الطبيعية‪ .‬ففي بريطانيا‪ ،‬مثالً‪ ،‬أدى تدمري نباتـات السـحلبيات ذات‬
‫‪ Orchis‬املهددة باالنقراض إىل تقلصها عىل نحـو خطـري‬ ‫‪morio‬‬ ‫األجنحة اخلرضاء‬
‫بعدما تالشى ‪ %40‬من منـاطق املـروج مـا بـني الفـرتة ‪ 1932‬و ‪ .1992‬أمـا عـىل‬
‫الصعيد الدويل‪ ،‬فقد عانى أيض ًا واحد من أشهر األنواع املهددة بـاالنقراض‪ ،‬وهـو‬
‫دب الباند ‪ ،Ailuropoda meanoleuca‬من التجاوزات البرشـية املتصـاعدة ملوطنـه‬
‫الطبيعي‪ .‬إذ كان هذا احليوان يوجد يوم ًا ما يف كل املناطق الواقعة يف العروض العليا‬
‫من الصني وما بعـدها‪ ،‬لكـن وجـوده بـات اآلن‬
‫مقترص ًا عىل بضعة مواقع بـالقرب مـن مقاطعـة‬
‫تشنغدو ‪ .Chengdu‬إذ كان اعتامد حيـوان البانـد‬
‫الشديد عىل نبات اخليـزران يف طعامـه‪ ،‬جيـربه يف‬
‫بعض األحيان عىل النزول إىل املناطق املنخفضـة‬
‫دب الباندا‪ ..‬أكثر الحيوانات المعرضة لخطر‬
‫االنقراض بسبب تدمير موطنها الطبيعي‬ ‫عند انتهاء موسم نمو اخليزران‪ ،‬وهنالك يصـب‬
‫هذا احليوان اجلبان واخلجول عاد ًة يف مواجهة مبارشة مع بني البرش‪.‬‬
‫أما جتزئة املواطن الطبيعية فهي ال تعني التقلص يف مساحة املوطن فحسب‪،‬‬
‫بـل أيضـ ًا التــأثري يف عمليتــي انتشــار األحيـاء واســتقرارها مــن جهــة‪ ،‬وحمدوديــة‬
‫املساحات التي تبحث فيها عن طعامها من جهة أخرى‪ .‬فتجزئـة مـوطن البانـدا ال‬
‫تعد جمرد هتديد لعدد أشجار اخليزران املتبقية‪ ،‬ذلك أن األعداد القليلة واملنعزلة من‬
‫حيوان الباندا تواجه أيض ًا خطر عدم االستيالد فيام بينها إذا ما تفرقت عن بعضـها‪.‬‬
‫ويمكن هلذا األمر أن يقـود إىل ضـعف املناعـة مـن األمـراض وعـدم التـأقلم مـع‬
‫التغريات البيئية‪ ،‬وتناقص معدالت اإلنجاب‪ .‬وتعمـل التجزئـة أيضـ ًا عـىل زيـادة‬
‫املخاطر املتأتية من أحداث مثل احلرائق واألمراض ومن الغزو من قبل املنافسني أو‬
‫من املفرتسني‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬يعـزى االنخفـاض الـذي شـهدته مـؤخر ًا أعـداد‬

‫‪184‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الطيور املغردة يف أمريكـا الشـاملية إىل زيـادة االفـرتاس والتطفـل الـذي حيـدث يف‬
‫أعشاشها املوجودة يف مناطق جمزئة‪ .‬وتظهر نتائج الدراسات حول العالقـة مـا بـني‬
‫األنواع واملساحة التي أجريت عىل اجلزر املحيطية بأن عدد األنـواع يـرتبط ارتباطـ ًا‬
‫مبارش ًا بمساحة املنطقة املجزئة‪.‬‬
‫تبني األبحاث التي أجريت يف غابات األمازون الربازيليـة حـول خنـافس‬
‫الروث (أبو اجلعل) أن هذه األحياء تتـأثر بشـكل كبـري بعامـل التجزئـة‪ ،‬إذ كانـت‬
‫املناطق الصغرية املجزئة من الغابة تضم أنواع ًا أقل مـن اخلنـافس وبكثافـات قليلـة‬
‫لكل نوع منها وبأحجام أصغر إذا ما قيست باخلنافس التي تعـيش يف غابـات ممتـدة‬
‫غري جمزئة‪ .‬إذ تعد خنافس الروث كائن ًا رئيس ًا يف النظام البيئي الغايب‪ ،‬وذلك لدورها‬
‫يف دفن الروث واجليف كمصدر للطعام لريقاهتا‪،‬‬
‫وامهيتهــا يف تســهيل وتســـريع دورة العنــارص‬
‫الغذائية ويف إنبات البذور التـي ختـرج مـع بـراز‬
‫احليوانات التي تتغـذى عـىل الـثامر‪ ،‬واحلـد مـن‬
‫تفيش األمراض للحيوانات الفقارية نتيجـة قتـل‬
‫تتناقص أعداد خنفساء أبو الجعل ذات‬
‫الفوائد العديدة‪ ..‬مع تزايد تجزئة الغابات‬ ‫الطفيليات التي تعيش يف الروث‪.‬‬
‫يمكن للتغيريات التي جيرهيا اإلنسان عىل املواطن الطبيعية أن تـؤدي أيضـ ًا‬
‫إىل خسارة األنواع‪ ،‬سواء بشكل مبارش أو غري مبارش من طريق التأثري يف العمليـات‬
‫البيئية الطبيعية‪ .‬وربام يعد التلوث بأشكاله املتعددة أبرز مشكلة يف هذا املجال‪ .‬وهنا‬
‫بعض األمثلة عىل ذلك‪ :‬فقد لوحظ وجود تأثريات كيامويـة وتـدهور واضـ عـىل‬
‫املخلوقات التي تعتيل قمة السلسلة الغذائية حيث األحياء التي تعتمد عـىل الـرتاكم‬
‫احليوي للمواد يف أجسامها‪ .‬وتعد الطيور اجلارحة مثاالً عىل هذه احلالـة‪ ،‬إذ عانـت‬
‫أعدادها من انخفاض حاد يف سنوات ما بعد احلرب العاملية الثانية تزامن ًا مـع زيـادة‬
‫استعامل املبيدات املكلورة‪ ،‬السيام مبيد ‪ ،DDT‬الذي أثر يف رقرقة قشور البيض ومن‬

‫‪185‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ثم تكرسها وهي يف العش وحدوث تبدالت يف طريقة التفقيس‪ .‬كام أسفر استخدام‬
‫السمية يف تعفـري حبيبـات البـذور ويف تلقـي‬
‫الشديدي ّ‬
‫ّ‬ ‫مبيدا الدلدرين وااللدرين‬
‫األغنام بطريقـة الغطـس‪ ،‬وهـي طريقـة متبعـة منـذ العـام ‪ 1956‬يف بريطانيـا‪ ،‬إىل‬
‫انخفاض أعدادها بشكل كبري نتيجة لزيادة معدل اهلالكات‪.‬‬
‫عىل هذا‪ ،‬أدى اإلقـالع عـن اسـتخدام املبيـدات املكلـورة يف العديـد مـن‬
‫البلدان الغربية إىل تزايد أعداد الطيور اجلارحة مرة أخرى‪ .‬ففي بريطانيا‪ ،‬انخفضت‬
‫أعداد الصقر اجلـوال ‪ Falco peregrinus‬التـي كانـت تبلـغ نحـو ‪ 850‬زوجـ ًا يف‬
‫ثالثينات القرن املايض‪ ،‬إىل ‪ 360‬زوج ًا فقط بحلول العام ‪ ،1962‬لكنه ارتفع جمدد ًا‬
‫بعد منع استخدام املبيدات إىل ‪ 1050‬زوج ًا يف العام ‪.1991‬‬
‫قــد يكــون لتلــوث امليــاه بأشــكاله املختلفــة تــأثري حــدي عــىل النباتــات‬
‫واحليوانات املائية‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬يؤثر ارتفاع حامضية مياه البحريات واألهنر يف‬
‫طيور املاء ويف غريها من احليوانات الفقارية‪ .‬ومن األمثلة عىل حدوث انقراض نوع‬
‫‪،Lagochila‬‬ ‫‪lacera‬‬ ‫أحيائي جراء تلوث املياه هو ما حصل لسـمكة مفلوقـة الفـم‬
‫التي اكتشفت يف هنر تشكيامكا بوالية تنســي يف أواخـر‬
‫القرن التاسع عشــر وعرفـت يف وقتهـا بكوهنـا جـنس‬
‫جديد‪ .‬وكان هذا النوع مـن األسـامك يكثـر يف املنطقـة‬
‫هنـري وايـت‬
‫ّ‬ ‫ويوجد يف تنيس ويف كمربالند ويف جمـرى‬
‫وأوهايو اللذان يصبان ببحرية آيري‪ .‬وقد شـوهد هـذا‬
‫النوع ألخر مرة يف هنر أكاليـز بواليـة أوهـايو يف العـام‬
‫سمكة مفلوقة الفم في المتحف‪..‬‬
‫‪ .1893‬ويبدو أن سـبب انقراضـه يرجـع إىل عمليـات‬
‫بعدما انقرضت بسبب تلوث‬
‫موطنها الطبيعي‬ ‫التلويث املستمرة ملوطنه الطبيعي‪ ،‬ليعد بذلك أول نـوع‬
‫من أسامك املياه العذبـة يف أمريكـا الشـاملية يفنـى متامـ ًا‬
‫بفعل البرش‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أمــا تلــوث اهلــواء فقــد يكــون لــه أيض ـ ًا عواقــب وخيمــة عــىل النباتــات‬
‫واحليوانات‪ .‬إذ أن الرتفاع درجة احلامضية يف الغالف اجلوي العديد من التـأثريات‬
‫عىل األشجار وعىل غريها من األنواع النباتية‪ .‬فالتناقص الواسـع لألشـنات‪ ،‬التـي‬
‫تعد حساسة للغاية لتلوث اهلواء‪ ،‬عرب أرجاء واسعة من أوربا وأمريكـا الشـاملية لـه‬
‫عالقة بزيادة ثنائي أكسـيد الكربيـت (‪ )SO2‬وظـاهرة الضـباب الـدخاين‪ .‬ويمكـن‬
‫للملوثات اجلوية املنبعثة من الصناعات الثقيلة أن تدمر ما حوهلا من عنارص بيئية‪.‬‬

‫االستغالل الجائر‬
‫تشري القائمة احلمراء لالحتاد الدويل لصون الطبيعة لعـام ‪ 2004‬إىل أن االسـتغالل‬
‫اجلائر الذي ينطوي عىل عمليات الصيد واجلمع وصيد األسامك وتأثريات املتـاجرة‬
‫باألنواع وبأعضائها‪ ،‬يشكل هتديد ًا رئيس ًا عىل الثدييات (بام نسـبته ‪ %33‬مـن مجيـع‬
‫األنواع املهددة) وكذلك عىل الطيور (بام نسبته ‪ %30‬مـن مجيـع األنـواع)‪ .‬ويشـكل‬
‫أيض ًا التهديد األكرب بالنسبة لألحياء البحرية‪ .‬ويعد البرش متورطون منذ زمن بعيـد‬
‫بانقراض األنواع بفعل االستغالل اجلائر‪ ،‬السيام جراء صيدها ألجل الغذاء‪ .‬ويرى‬
‫البعض أن مثل هذه األفعال قـد ترجـع إىل العصــر احلجـري وإىل أواخـر عصــر‬
‫الباليستوسني‪ ،‬الـذي شـهد فقـدان ثـدييات ضـخمة كفيلـة املـاموث والنمـر ذي‬
‫األنياب وذلك بسـبب عمليـات الصـيد املفـرط اللـذين تعرضـا إلـيهام‪ ،‬وإن كـان‬
‫للتغريات املناخية العنيفة إسهام يف انقراض مثل تلك الكائنات أيض ًا‪.‬‬
‫لقد عانت كائنات ضخمة مـن جـور االسـتغالل منـذ ذلـك احلـني‪ .‬ففـي‬
‫العرص الروماين‪ ،‬أستأصل الصيادون كل حيوانات الفيلة ووحيـد القـرن والزرافـة‬
‫من أ فريقيا شامل الصحراء‪ ،‬واألسود من أسيا الصـغرى ومـن سـوريا‪ .‬وواجهـت‬
‫النمور يف هريسينا وشامل بالد فارس املصري نفسه‪ .‬ويف أحيان كثرية‪ ،‬كـان خلسـارة‬
‫‪Rapbus‬‬ ‫كائن معني أثار جانبية عىل غريه من الكائنات‪ .‬فهالك آخر طيـور الـدودو‬
‫‪( cucullatus‬طائر من فصيلة احلامم ولكنه أكرب من الديك الرومي)‪ ،‬الذي قتل عـىل‬

‫‪187‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يد بحارة يف جزيرة مورشيوس يف العـام ‪،1681‬‬


‫كان يعني أن نوع ًا أخر من األحيـاء املسـتوطنة يف‬
‫‪Sideroxylon‬‬ ‫اجلزيرة‪ ،‬وهو شـجرة التمبوالكـو‬
‫‪ ،sessilisiorum‬قد فقد قدرته عـىل التكـاثر عـىل‬
‫مدى الـ ‪ 300‬سنة املاضية ألن الطري الـذي كـان‬
‫أدى انقراض طائر الدودو قبل ‪ 300‬سنة‪..‬‬
‫إلى توقف شجرة التمبوالكو عن التكاثر منذ‬
‫ذلك الوقت‬
‫يتغذى عىل ثامرها وهييت الثمرة يف معدته لتصـب‬
‫صاحلة لإلنبات قد اختفى لألبد‪.‬‬
‫بظهور السالح الناري‪ ،‬حصل حتول مهم يف طرائق الصيد‪ ،‬فقد تعززت‬
‫قدرة اإلنسان بشكل كبري يف القضاء عىل الكائنات وبأعداد ضخمة‪ ،‬األمر الذي‬
‫ال وكذلك‬‫أسفر عن هالك القسم األعظم من حيوان اجلاموس األمريكي مث ً‬
‫‪Ectopistes‬‬ ‫انقراض احلامم املهاجر من أمريكا الشاملية‪ .‬إذ يعتقد أن احلامم املهاجر‬
‫‪ migratorius‬كان يعد من أكثر الطيور عدد ًا التي قطنت الكوكب عىل اإلطالق‪.‬‬
‫وتقدر التخمينات املتحفظة بأن عددها ربام وصل إىل نحو ‪ 10.000‬مليون طائر يف‬
‫النصف األول من القرن التاسع عرش‪ .‬وأهنا كان تعيش يف ارساب هائلة وكثيفة‬
‫جد ًا‪ ،‬بعضها يضم ما يزيد عن ‪ 2000‬مليون طائر‪ ،‬بحيث أن السامء كانت تظلم‬
‫لثالثة أيام حينام كان يف املايض تطري مهاجرة‪ .‬وقد تعرضت هذه الطيور للقتل‬
‫الكثيف من أجل احلصول عىل حلمها‪ ،‬فأدى هذا االستغالل اجلائر فض ً‬
‫ال عن تدمري‬
‫موطنها الطبيعي الذي تتكاثر فيه‪ ،‬إىل تناقص‬
‫أعدادها بشكل حاد‪ .‬وقد شوهدت آخر محامة‬
‫مهاجرة يف الربية وأطلق النار عليها يف العام‬
‫‪ 1900‬فيام ماتت آخر واحدة أسرية يف حديقة‬
‫حيوان سنسنايت يف العام ‪ .1914‬ويف غضون‬
‫انقرض الحمام المهاجر نهائي ًا من الوجود‬
‫بفعل الصيد الجائر‪ ..‬بعدما كان ينتشر بكثافة‬ ‫بضعة عقود فقط‪ ،‬انقرض متام ًا واحدة من أكثر‬

‫‪188‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الطيور التي كانت جتوب املعمورة‪.‬‬


‫والزالت الطيور املهاجرة تتعرض للقتل بأعداد هائلة من قبل الصيادين يف‬
‫بعض أنحاء العامل‪ .‬وتعد بلدان حوض البحر املتوسط األوربية كإيطاليا ومالطا مـن‬
‫البلدان املتورطة يف ذلك‪ .‬وال يزال الصيد اجلائر يعد أيض ًا هتديد ًا بالغ اخلطورة عـىل‬
‫الكثري من الثدييات الكبرية‪ ،‬وبخاصة لتلك التي تدر مردودات مرتفعة يف السوقني‬
‫املحلية والدولية‪ .‬فعىل سبيل املثـال‪ ،‬تقلصـت أعـداد‬
‫الفيلة األفريقية إىل النصف خالل الثامنينيات‪ ،‬وذلـك‬
‫من جـراء قتلهـا للحصـول عـىل العـاج مـن أنياهبـا‪،‬‬
‫فانخفضت أعدادها من ‪ 1.3‬مليون فيل إىل أقـل مـن‬
‫‪ 600.000‬فيل فقط‪ ،‬قبل أن يمنـع صـيدها دوليـ ًا يف‬
‫العام ‪( 1989‬عىل الرغم من أن هذا املنع لـيس فعـاالً‬
‫‪ .)%100‬وباملثل‪ ،‬تعمل سوق منتجات احليتـان عـىل‬
‫يشكل الصيد الجائر للفيلة اإلفريقية‬
‫للحصول على العاج‪ ..‬قلق ًا حقيقي ًا‬ ‫تشجيع صيد أنواعها‪ ،‬بحيث أصبحت خيارات بقـاء‬
‫العديد منها يف الوقت احلارض حمدودة للغاية‪.‬‬
‫من احتمال انقراضها‬

‫ال رئيس ًا أيض ًا وراء اإلفراط‬


‫هذا ويعد الطلب عىل بعض األنواع النباتية عام ً‬
‫يف استغالهلا‪ .‬فبعض األنواع من نبات الصبار والسحلبيات تواجه اخلطر من قبل‬
‫جامعي النباتات‪ ،‬كام أن الكثري من فصائل األشجار انخفضت أعدادها بشكل كبري‬
‫جراء التحطيب االنتقائي هلا‪ .‬ويشار هنا إىل اختفاء شجرة الصندل املعطر‬
‫‪ Santalum fernandeziaanum‬متام ًا من جزر جان فرنانديز‪ ،‬حيث تم قطعها‬
‫وشحنها كلها إىل بريو وتشييل بحلول العام ‪ ،1908‬وكذلك الشجر املسمى بوس‬
‫من جزر مورشيوس ورينون‪ ،‬املعروف‬ ‫‪Drypetes caustica‬‬ ‫دي برن بالنك‬
‫يتبق منه سوى ‪ 12‬شجرة فقط‪.‬‬
‫بصالبة خشبه وجودته‪ ،‬والذي مل َ‬

‫‪189‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫انقراض األنواع املستوطنة في الجزر‬


‫عىل الرغم مـن أن اجلـزر ال تشـغل سـوى نسـبة‬
‫صغرية من إمجايل مساحة سط اليـابس العـاملي‪،‬‬
‫فــأن احليــاة النباتيــة واحليوانيــة فيهــا مهــددة‬
‫بــاالنقراض عــىل أي حــال‪ .‬إذ تتميــز األنــواع‬
‫املستوطنة يف اجلزر باحلساسية الشديدة عىل وجـه‬
‫ألن الجزر تكون منعزلة‪ ..‬فأن التنوع‬
‫األحيائي فيها يكون أكثر عرضة لالنقراض‬ ‫اخلصوص‪ ،‬وذلك جلملة من األسباب‪ .‬فالعديـد‬
‫من هذه األنواع املستوطنة قد نشأت وتطورت منعزلة عن غريها‪ ،‬لـذا فأهنـا تكـون‬
‫عرضة للخطر لدى دخول أي منافسني وأمـراض ومفرتسـني جـدد إليهـا‪ .‬ويعنـي‬
‫احلجم الطبيعي للجزر أيض ًا أن بوسـع النشـاطات البشــرية العمـل عـىل إحـداث‬
‫تدهور رسيع ألجزاء واسعة من أنظمتها البيئية األمر الذي يكون له أثر عظيم عـىل‬
‫األحياء اجلزرية القليلة العدد نسبي ًا‪.‬‬
‫إن مدى تأثر األحياء املستوطنة يف اجلزر بـالتغريات التـي حيـدثها اإلنسـان‬
‫تؤكده حقيقة أن ما ال يقل عن ‪ %75‬من انقراضات احليوانات الفقارية إنـام وقعـت‬
‫بني صفوف احليوانات القاطنة يف اجلزر‪ .‬والواقع أن القائمة احلمراء لالحتاد الـدويل‬
‫لصون الطبيعة توض أن الغالبية الساحقة جلميع االنقراضات التـي حصـلت منـذ‬
‫العام ‪ 1500‬قبل امليالد قد حدثت يف اجلزر املحيطية‪ .‬وجـدير بالـذكر أن أرجحيـه‬
‫تعرض الطيور املستوطنة يف اجلزر لالنقراض أكرب بـ‪ 40‬مرة من تلـك التـي تعـيش‬
‫فوق القارات‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬تضم اجلزر املحيطية ما يزيد عـن ربـع إمجـايل أنـواع‬
‫الطيور املهددة باالنقراض يف العامل‪.‬‬
‫وغالب ًا ما تكون األنواع األكرب حج ًام املستوطنة يف اجلزر هي أول من يعـاين‬
‫من أفعال اإلنسان املبارشة‪ .‬ففي جزيرة مدغشقر‪ ،‬مثالً‪ ،‬انقرضت من عىل الوجـود‬
‫ستة أجناس وما ال يقل عن ‪ 14‬نوع ًا من حيوان الل ّيمور‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن عدة أنواع مـن‬

‫‪190‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الطيور التي ال تطري والسالحف الربية‪ ،‬وذلك لدى وصول اإلنسان إىل هنـاك منـذ‬
‫قرابة ‪ 2000‬سنة مضت‪ .‬وثمة دليل واض يشري إىل أن البرش هم املسـؤولون عـن‬
‫ذلك‪ ،‬وربام كان الصيد هو السبب الرئيس‪.‬‬
‫يرجع تاريخ العديد من األرضار التي حلقت بالبيئة يف كثـري مـن اجلـزر إىل‬
‫وصول املستكشفني واملستعمرين األوربيني األوائل‪ ،‬الذين كان يشكل هلم استيطان‬
‫تلك اجلزر أمهية اسرتاتيجية‪ .‬فقد كان‪ ،‬مث ً‬
‫ال‪ ،‬إلدخال املاعز إىل جزيرة سانت هيلينا‬
‫‪ St.Helena‬الواقعة جنويب املحيط األطليس يف العام ‪ ،1513‬إن حتولـت إىل قطعـان‬
‫هائلة يف غضون ‪ 75‬عام ًا وراحت جتوب اجلزيرة لوحدها لرتعى دون منـافس عـىل‬
‫النباتات املستوطنة وتقضـي عليها‪ .‬ومـن املعلـوم أن هنـاك اليـوم ‪ 46‬نوعـ ًا نباتيـ ًا‬
‫مستوطن ًا يف هذه اجلزيرة‪ 7 ،‬منها انقرضت متام ًا‪ ،‬لكـن بعـض التقـديرات تـرى أن‬
‫العدد احلقيقي للنباتات املستوطنة يزيد عن املائة‪ .‬وتبقى جزيرة سانت هيلينا واحدة‬
‫من أكثر اجلزر التي تعاين فيها النباتات املستوطنة من خطر االنقراض‪.‬‬
‫ومع هذا‪ ،‬ليس املستعمرين األوربيني هم املسؤولون الوحيدون عن ذلك‪.‬‬
‫فالرضر الذي حلق باحلياة الربية جلزر هاواي ‪ ،Hawaii‬حيث تسـتوطن فيهـا قرابـة‬
‫‪ %100‬من احلرشات املحليـة‪ ،‬فضـ ً‬
‫ال عـن ‪ %98‬مـن الطيـور‪ %93 ،‬مـن النباتـات‬
‫الزهرية‪ %65 ،‬من الرسخسيات‪ ،‬كان قد بدأ قبل وقت طويل من وصـول الكـابتن‬
‫كوك‪ ،‬أول املستكشفني األوربيني إليهـا‪ ،‬يف العـام ‪ .1778‬إذ أن البـولينزيني الـذين‬
‫قطنوا اجلزيرة حوايل العام ‪ 750‬قبل املـيالد‪ ،‬قـاموا بإزالـة األشـجار الكثيفـة مـن‬
‫املناطق املنخفضة بغية زراعتها وجلبوا اجلرذان والكالب واخلنازير ودجاج الغابـة‪.‬‬
‫وتشري األدلة املستمدة من املتحجرات القديمة إىل أن ما ال يقل عـن نصـف أمجـايل‬
‫األنواع الـ ‪ 83‬املعروفة من طيور هاواي قـد أصـبحت منقرضـة يف عهـد مـا قبـل‬
‫األوربيني‪ .‬وعىل أي حال‪ ،‬فقد أدى املزيد من عمليـات التـدمري وإدخـال كائنـات‬

‫‪191‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫دخيلة إىل البيئة الطبيعية جلزر هاواي منذ العام ‪ ،1778‬إىل خسارة مـا ال يقـل عـن‬
‫‪ 23‬نوع ًا من الطيور و ‪ 177‬نوع ًا من النباتات املحلية‪.‬‬
‫يف بعض األحيان‪ ،‬قد يسفر إدخال نـوع دخيـل واحـد إىل جزيـرة مـا عـن‬
‫‪Boiga‬‬ ‫حدوث انقراض حميل ألنواع مستوطنة كثـرية‪ .‬وتعـد أفعـى الشـجر البنيـة‬
‫‪ irregularis‬مثاالً بارز ًا عىل ذلك‪ ،‬حيث تم إدخاهلا إىل جمموعـة مـن جـزر املحـيط‬
‫اهل ادي فام كان إال أن تسببت بأثار مدمرة للطيور املستوطنة‪ .‬وأفعـى الشـجر البنيـة‬
‫هذه أفعى نحيلة وبارعة يف التسلق يصل طوهلا يف العادة ما بـني ‪ 2 - 1‬مـرت‪ .‬وهـي‬
‫مفرتسة ليلية تصطاد طعامها عىل مجيع املستويات من الغابة‪ .‬وقد تم جلبها بالصدفة‬
‫إىل جزيرة غوام ‪ ،Guam‬من غينيا اجلديدة عىل األرج ‪ ،‬يف األربعينيات مـن القـرن‬
‫املايض‪ .‬وقبل وصول هذه األفعى‪ ،‬كانت غوام ختلو من األفاعي تقريبـ ًا‪ ،‬إذ مل تكـن‬
‫تأوي سوى األفعى الدودية العمياء غري املؤذيـة‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬ازدهرت احليـاة الربيـة يف جزيـرة‬
‫غوام يف ظل غياب املفرتسات من األفاعي‪ .‬غـري‬
‫أن العديــد مــن األنــواع املســتوطنة يف اجلــزر‬
‫أصبحت لقمة سـائغة لتلـك األفـاعي املفرتسـة‬
‫تكاد أفعى الشجر البنية‪ ..‬أن تتسبب‬
‫بانقراض طيور جزيرة غوام بأكملها‬ ‫بمج ـرد وصــوهلا‪ ،‬نظــر ًا لعــدم تطــوير األنــواع‬
‫املستوطنة لسلوكيات تقي فيها نفسها من األفاعي‪.‬‬
‫وبعدما أصبحت هذه األفعى الدخيلة واحدة من احليوانـات املسـتوطنة يف‬
‫اجلزيرة خالل اخلمسينيات‪ ،‬بدأت بتدمري حياة الطيور األصلية يف جزيرة غوام عـن‬
‫بكرة أبيها‪ .‬وأخذ عدد أفاعي الشجر البنية باالزدياد بشكل كبري يف مقابـل تنـاقص‬
‫أعداد الطيور بشكل حاد‪ .‬وتالشت من جزيرة غوام تسـعة أنـواع مـن أصـل أحـد‬
‫عرش نوع ًا من الطيور املحلية املقيمة يف الغابة‪ .‬ثالثة منها اآلن قد أصبحت يف عـداد‬
‫املنقرضة‪ .‬وهنالك اليوم العديد من أنواع الطيور األخرى مازالـت موجـودة لكـن‬

‫‪192‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫بأعداد قليلة جد ًا‪ ،‬وأن مستقبلها يف جزيرة غوام حمفوف باملخاطر‪ .‬وإمجاالً‪ ،‬فأن ‪22‬‬
‫نوع ًا من أصل األنواع الـ ‪ 25‬املقيمة يف جزيرة غـوام‪ ،‬بضـمنها ‪ 17‬مـن أصـل ‪18‬‬
‫نوع ًا حملي ًا‪ ،‬قد تأثرت تأثر ًا شديد ًا من هذه األفاعي‪.‬‬

‫أسئلة للمراجعة واملناقشة‬


‫‪ -1‬ما املقصود بخسارة التنوع األحيائي وما هي مجلة التعاريف التي وضعت‬
‫لتحديد معنى التنوع األحيائي‬
‫‪ -2‬هل االنقراض جز ٌء من مسرية الطبيعة ومتى يصب حالة غري طبيعية‬
‫‪ -3‬ما األسباب الرئيسة املؤدية إىل خسارة التنوع األحيائي وما العوامل املساعدة‬
‫عىل الترسيع هبذه اخلسارة‬
‫‪ -4‬صنّف الكائنات احلية اآلتية يف ضوء درجة انقراضها بحسب القائمة احلمراء‬
‫لالحتاد الدويل لصون الطبيعة ‪ :IUCN‬النمر اآلسيوي‪ ،‬الدب القطبي‪ ،‬احلامم‬
‫املهاجر‪ ،‬النمل األمحر‪ ،‬دب الكواال‪ ،‬الصقر اجلوال‪ ،‬شجر الصندل املعطر‪ ،‬احلوت‬
‫الدوري‪ ،‬نبات ملكة األنديز‪ ،‬الغاق السوقطري‪ ،‬نرس‬
‫ّ‬ ‫األزرق‪ ،‬دب الباندا‪ ،‬عصفور‬
‫األوذون‪ ،‬الل ّيمور‪ ،‬زنبور اجلوهرة العمالقة‪ ،‬ضفدع الطني‪ ،‬اخلفاش ذو الذيل‬
‫املسط ‪ ،‬ببغاء الرباكيت الصغري‪ ،‬خنزير آسام الربي‪ ،‬سلحفاة الغابة‪.‬‬
‫‪ -5‬ما سبب تزايد درجة التهديد عىل التنوع األحيائي يف املناطق األكثر حترض ًا دون‬
‫غريها‬
‫‪ -6‬يعد تدمري املوطن الطبيعي أكثر املظاهر املؤدية إىل خسارة التنوع األحيائي‪.‬‬
‫ال يف أسباب ذلك‪ ،‬مع رضب أمثلة متنوعة‪.‬‬ ‫أبحث مفص ً‬
‫‪ -7‬ما األمثلة عىل دور االستغالل اجلائر يف التسبب بكثري من اخلسائر يف التنوع‬
‫األحيائي‬

‫‪193‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -8‬ملاذا تكون قابلية خسارة التنوع األحيائي يف اجلزر أكرب مما حيدث مع بيئات‬
‫جغرافية أخرى‬
‫‪ -9‬ملاذا كان دخول أفعى الشجر البنية مدمر ًا عىل التنوع األحيائي يف جزيرة غوام‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال‬
‫‪ -10‬ملاذا تشكل خسارة التنوع األحيائي خطر ًا عىل الوجود فوق كوكب األرض‬
‫برمته‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪194‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل العاشر‬
‫مشكلة األمن الغذائي العاملي‬
‫يتناول هذا الفصل مشكلة غاية يف اخلطورة‪ ،‬لعالقتها املبارشة بحياة الناس‪ ،‬تلك‬
‫هي مشكلة األمن الغذائي املرتبطة باإلنتاج الزراعي‪ ،‬الذي يتعرض اليوم للتدهور‬
‫واالختالل يف العديد من دول العامل وهيددها بحصول جماعات حمتملة‪ .‬وسنعرض‬
‫هلذه املشكلة يف ضوء تعريف املقصود باألمن الغذائي ومعدالت العوز الغذائي يف‬
‫بعض مناطق العامل‪ ،‬ثم التعريج عىل أهم التحديات التي تعرتض حتقيق األمن‬
‫الغذائي العاملي واملخاطر املسببة ذلك‪.‬‬

‫تعريف األمن الغذائي ومعدالته‬


‫ترجع نشأة الزراعة‪ ،‬بشقيها املتمثل بإنتاج‬
‫املحاصيل الزراعية وتربية املاشية‪ ،‬إىل قرابة‬
‫‪ 10.000‬سنة‪ ،‬أي مع بداية عرص‬
‫اهلولوسني ‪ .Holocene‬وقبل هذا التاريخ‬
‫كان اإلنسان القديم الذي ظهر للوجود منذ‬
‫بدأ اإلنسان بالزراعة منذ نحو ‪ 5000‬سنة‬
‫وتزداد التحديات أمامه اليوم ألسباب عدة‬
‫أكثر من ‪ 2‬مليون عام ًا يعتمد يف غذائه عىل‬
‫مجع والتقاط النباتات وصيد احليوانات‪ .‬واستمر اإلنسان العاقل‪ ،‬الذي ظهر قبل‬
‫نحو ‪ 100.000‬عام ًا‪ ،‬عىل إتباع الطريقة نفسها‪ .‬لكن يف الـ ‪ 5000‬سنة األخرية من‬
‫ذلك‪ ،‬أصب سكان العامل أمجعهم يعتمدون يف الواقع عىل املزارعني والرعاة الذي‬
‫أخذوا بتهجني النباتات الطبيعية واحليوانات بقصد تأمني الغذاء‪ .‬ومع تزايد أعداد‬
‫سكان العامل تدرجيي ًا‪ ،‬توسعت املساحة املخصصة إلنتاج الغذاء وأصبحت‬
‫األساليب املتبعة يف ذلك أكثر تطور ًا شيئ ًا فشيئ ًا‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬كان البد أن يكون‬

‫‪195‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مجة عىل البيئة‪ .‬وإزاء ذلك‬


‫للتوسع الكمي والنوعي يف اإلنتاج الغذائي تداعيات ّ‬
‫التدهور البيئي بات اإلنتاج الغذائي يف خطر داهم‪ .‬وكانت النتيجة بروز مشكلة‬
‫بيئية جديدة إىل العامل يف الوقت احلارض‪ ،‬السيام يف بلدان العامل النامي‪ ،‬تدعى‬
‫بمشكلة األمن الغذائي‪.‬‬

‫تعريف األمن الغذائي‬


‫‪ ،Food‬طبق ًا‬ ‫‪security‬‬ ‫يقصد باألمن الغذائي‬
‫ملنظمة الغذاء والزراعة الدولية ‪ ،FAO‬أنه تلك‬
‫احلالة التي يستطيع بموجبها مجيع الناس من‬
‫الناحية املادية واالقتصادية ويف كل االوقات‬
‫احلصول عىل قدر ٍ‬
‫كاف وآمن من الطعام املغذي‬
‫يعني األمن الغذائي‪ ..‬ضمان استمرار‬
‫اإلنتاج الزراعي إلطعام الجميع‬ ‫بام يسد احتياجاهتم الغذائية ويؤ ّمن هلم حياة‬
‫‪Household food security‬‬ ‫صحية سليمة‪ .‬فيام يقصد باألمن الغذائي العائيل‬
‫حصول مجيع أفراد األرسة ويف مجيع األوقات عىل غذاء ٍ‬
‫كاف بام يؤ ّمن حياة صحية‬
‫سليمة‪ .‬فاألفراد الذين لدهيم ما يكفيهم من طعام ال يعيشون حياهتم جياع ًا وال‬
‫خيشى عليهم من جماعة‪.‬‬
‫يعد األمن الغذائي مقياس ًا لقدرة الشعوب عىل مواجهة أية مشكالت قد‬
‫حتدث يف املستقبل مثل موجات اجلفاف أو االضطرابات السياسية أو عدم‬
‫االستقرار االقتصادي أو حصول نقص خطري يف التموين والشحنات الغذائية أو‬
‫ش الوقود أو احلروب‪ ..‬الخ‪ .‬وقد أقرت منظمة الغذاء والزراعة الدولية برضورة‬
‫توفر أربعة مقومات لتحقيق األمن الغذائي‪ ،‬هي‪ :‬الوفرة وإمكانية احلصول عىل‬
‫الطعام واالنتفاع واالستقرار‪.‬‬
‫لقد تسبب الفشل يف تنظيم سوق الزراعة وانعدام وجود آليات متنع‬
‫االحتكار بحدوث أزمة عوز غذائي عاملية‪ .‬ومثال ذلك ما حصل يف أواخر العام‬

‫‪196‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ ،2007‬حني ارتفعت أسعار احلبوب إىل أعىل مستوياهتا‪ ،‬عىل إثر أزمة هبوط قيمة‬
‫الدوالر األمريكي‪ ،‬التي سببت بدورها تلكؤ الصادرات وعزوف كبري عن الرشاء‪،‬‬
‫فض ً‬
‫ال عن تزايد استثامر الزراعة يف جمال صناعة الوقود احليوي وارتفاع سعر برميل‬
‫النفط إىل أكثر من ‪ 100‬دوالر‪ ،‬يرافق ذلك تزايد سكان العامل والتغري املناخي‬
‫وتقلص األرايض الزراعية نتيجة التوسع السكني والصناعي وارتفاع طلبات‬
‫املستهلكني يف كل من الصني واهلند‪ .‬وعىل هذا تشهد العديد من بلدان العامل حالي ًا‬
‫اختالالً يف أمنها الغذائي‪.‬‬

‫معدالت العوز الغذائي‬


‫تفيد تقارير منظمة الغذاء والزراعة الدولية‪ ،‬استناد ًا إىل مؤرش العوز‬
‫الغذائي ‪ ،Undernourishment indicator‬أن قرابة ‪ 870‬مليون نسمة يعيشون يف‬
‫عوز غذائي مزمن يف العام ‪ ،2012 – 2010‬وهو ما يمثل نحو ‪ %12.5‬من أمجايل‬
‫سكان العامل‪ ،‬أي ما يعادل شخص ًا واحد ًا لكل ثامنية أشخاص‪ .‬وتسجل البلدان‬
‫النامية أعىل املعدالت‪ ،‬إذ أن ‪ 852‬مليون نسمة (أو حوايل ‪ %15‬من سكان العامل)‬
‫هم يف عوز غذائي مزمن وأن أمنهم الغذائي يف أدنى مستوياته (الشكل ‪.)10 – 1‬‬
‫وتفيد التقارير أيض ًا أن أسيا وأمريكا الالتينية قد شهدت انخفاض ًا يف معدالت‬
‫العوز الغذائي‪ ،‬إذ تسعى دول تلك املنطقتني إىل خفض معدالت العوز الغذائي فيها‬
‫إىل النصف بحلول العام ‪ .2015‬ومع هذا فأن بعض التقارير الدولية تشري إىل أن‬
‫نحو ملياري نسمة ال يستهلكون كمية كافية من‬
‫الفيتامينات واملعادن‪ .‬ففي اهلند‪ ،‬مثالً‪ ،‬التي تعد‬
‫ثاين أكرب بلد يف العامل بعدد السكان‪ ،‬أضيف نحو‬
‫‪ 30‬مليون نسمة إىل طبقة اجلياع منذ منتصف‬
‫التسعينيات كام أن نحو ‪ %46‬من األطفال هناك‬
‫‪ 870‬مليون إنسان يعيشون اليوم في‬
‫عوز غذائي مزمن في العالم‬ ‫هم دون الوزن الطبيعي‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)10 – 1‬مستويات األمن الغذائي يف العامل‪.‬‬

‫التحديات البيئية التي تعترض تحقيق األمن الغذائي‬


‫ندرة املياه‬
‫من املمكن أن يؤدي نقص املياه إىل حث البلدان العمالقة كالصني واهلند إىل‬
‫استرياد كميات كبرية من احلبوب‪ ،‬مثلام فعلت من قبلها البلدان الصغرية اليشء‬
‫نفسه‪ .‬إذ تشهد املياه انخفاض ًا ملحوظ ًا يف مناسيبها يف العديد من البلدان (مثلام يف‬
‫األجزاء الشاملية من الصني ويف الواليات املتحدة واهلند)‪ ،‬وذلك جراء االجرتار‬
‫الواسع النطاق واملفرط للمياه اجلوفية عرب استخدام مضخات فائقة القدرة تعمل‬
‫بطاقة الوقود والكهرباء‪ .‬وهناك ثمة بلدان ستتأثر هبذه املشكلة أيض ًا مثل باكستان‬
‫وأفغانستان وإيران‪ .‬وسيفيض األمر يف هناية املطاف إىل حصول ندرة يف املياه ومن‬
‫ثم انخفاض إنتاج حماصيل احلبوب‪ .‬وعىل الرغم من حماولة الصني استغالل مياهها‬
‫اجلوفية يف هذا املجال‪ ،‬فأهنا ستواجه أزمة نقص يف احلبوب‪ .‬ولو حصل ذلك‪،‬‬
‫فسوف تشهد أسعار احلبوب صعود ًا هائالً‪ .‬من ناحية اخرى‪ ،‬فأن معظم الثالثة‬
‫مليار شخص الذين من املتوقع والدهتم يف العامل مع حلول منتصف القرن احلايل إنام‬

‫‪198‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫سيولدون يف بلدان تعاين من نقص يف املياه‪ .‬ويأيت‬


‫بعد الصني واهلند‪ ،‬فئة ثانية من بلدان أصغر‬
‫حج ًام لكنها تواجه نقص ًا حاد ًا يف املياه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أفغانستان واجلزائر ومرص وإيران واملكسيك‬
‫تهدد ندرة المياه األمن الغذائي مستقب ً‬
‫ال‬
‫وباكستان‪ .‬وتقوم أربعة من هذه البلدان حالي ًا‬
‫في العديد من دول العالم‬
‫باسترياد كميات ضخمة من احلبوب‪ .‬وعىل‬
‫الرغم من حتقيق باكستان اكتفا ًء ذاتي ًا يف إنتاج احلبوب‪ ،‬فأن من املتوقع أن تلجأ قريب ًا‬
‫إىل استرياد احلبوب تزامن ًا مع نمو السكان فيها بمقدار ‪ 4‬مليون نسمة سنوي ًا‪.‬‬
‫عىل املستوى اإلقليمي‪ ،‬تعد البلدان األفريقية الواقعة جنوب الصحراء‬
‫الكربى أكثر البلدان يف العامل التي تعاين من أزمة ندرة املياه وجيمعها مكان واحد‪ .‬إذ‬
‫يقدر أن من بني الـ ‪ 800‬مليون نسمة الذين يعيشون يف قارة أفريقيا‪ ،‬فأن هناك‬
‫‪ 300‬مليون منهم يعيشون يف بيئة تفتقر إىل مياه كافية‪ .‬ومن املتوقع أنه بحلول العام‬
‫‪ ،2030‬سوف يعيش ما بني ‪ 75‬مليون إىل ‪ 250‬مليون نسمة من سكان أفريقيا‬
‫ضمن مناطق تعاين شح ًا شديد ًا يف املياه‪ ،‬ومن املرج أيض ًا نزوح ما بني ‪ 24‬مليون‬
‫و ‪ 700‬مليون نسمة إىل مناطق أخرى نتيجة ملواجهتهم ظروف قاسية بشكل متزايد‬
‫من جراء ذلك‪ .‬وألن معظم األفارقة‬
‫يعتمدون يف معيشتهم عىل امتهان الزراعة‬
‫وأن ‪ %80‬إىل ‪ %90‬من أمجايل العوائل‬
‫األفريقية تعتمد عىل إنتاج غذائها بنفسها‪،‬‬
‫فأن ندرة املياه ستفيض يف املحصلة النهائية‬
‫ستفقد البلدان األفريقية جنوب الصحراء‪..‬‬
‫أمنها الغذائي بسبب أزمة ندرة مياه وشيكة‬ ‫إىل فقدان األمن الغذائي يف تلك املناطق‬
‫عىل نحو خطري‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تدهور التربة‬
‫غالب ًا ما تؤدي الزراعة املفرطة إىل حدوث دورة مهلكة تسبب استنزاف ًا خلصوبة‬
‫الرتبة وتدني ًا لإلنتاج الزراعي‪ .‬إذ تعاين حوايل ‪ %40‬من األرايض الزراعية يف العامل‬
‫اليوم من تدهور شديد‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬إذا ما استمرت معدالت تدهور الرتبة‬
‫عىل ما عليه حالي ًا يف أفريقيا‪ ،‬فقد ال تتمكن القارة من إطعام سوى ‪ %25‬من سكاهنا‬
‫بحلول العام ‪ ،2025‬وذلك طبق ًا لتوقعات معهد املوارد الطبيعية األفريقي‬
‫‪.Institute for Natural Resources in Africa‬‬
‫التغير املناخي‬
‫من املتوقع أن تزداد شدة وتكرار الظواهر املتطرفة كاجلفاف والفيضانات مع ميض‬
‫التغري املناخي قدم ًا‪ .‬إذ سيكون للفيضانات العارمة وموجات اجلفاف املتفاقمة‬
‫تدرجيي ًا مجلة من التأثريات يف القطاع الزراعي‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬من املتوقع أن‬
‫تتحول كل مناطق نيجرييا تقريب ًا‪ ،‬التي كانت تضم فيام مىض مساحات شاسعة من‬
‫األرايض الزراعية املروية‪ ،‬إىل صحراء قاحلة حيث ستغدو الزراعة مستحيلة جراء‬
‫ش املياه‪ .‬وطبق ًا إىل أحد التقارير الدولية‪ ،‬فأن تأثريات التغري املناخي ستسبب تغري ًا‬
‫يف أنامط اإلنتاج الزراعي وتربية‬
‫املوايش‪ ،‬وستسبب خسائر اقتصادية‬
‫فادحة وتؤثر يف البنية التحتية ويف‬
‫األسواق العاملية‪ .‬لذا سيكون األمن‬
‫الغذائي يف املستقبل مرتبط ًا بمقدرتنا‬
‫يؤدي التغير المناخ إلى نتائج كارثية عديدة‬
‫على األمن الغذائي العالمي‬ ‫عىل تكييف النظم الزراعية للظواهر‬
‫املتطرفة‪.‬‬
‫من املحتمل تعرض نحو ‪ 2.4‬مليار نسمة ممن يعيشون يف حوض أهنار‬
‫يف كل من اهلند والصني وباكستان وأفغانستان وبنغالديش‬ ‫‪Himalayan‬‬ ‫اهلاماليا‬

‫‪200‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫والنيبال ومينامار إىل خطر الفيضانات والتي ستعقبها موجات جفاف شديدة‬
‫‪Ganges‬‬ ‫متوقعة خالل العقود القليلة القادمة‪ .‬ففي اهلند وحدها‪ ،‬يوفر هنر الغانغ‬
‫املياه الصاحلة للرشب وللزراعة ألكثر من ‪ 500‬مليون نسمة‪ .‬أما عىل الساحل‬
‫الغريب ألمريكا الشاملية‪ ،‬فمن املحتمل أيض ًا تأثر إمدادات املياه التي يتم احلصول‬
‫‪Rocky Mountains‬‬ ‫عىل معظمها من الثالجات اجلبلية يف سالسل جبال الروكي‬
‫وسيريا نيفادا ‪ .Sierra Nevada‬هذا وال يشكل ذوبان الثالجات القلق الوحيد الذي‬
‫يؤرق الدول النامية‪ ،‬بل هناك أيض ًا قلق متصاعد من ارتفاع منسوب سط البحر‬
‫بفعل التغري املناخي‪ ،‬األمر الذي سيقلص من رقعة األرايض الصاحلة للزراعة‪.‬‬
‫من املرج أيض ًا أن يكون للتغري املناخي أثر كبري سيؤدي إىل انخفاض‬
‫اإلنتاج الزراعي يف أنحاء أخرى من العامل‪ ،‬السيام يف مناطق العروض الدنيا التي‬
‫تقع فيها معظم الدول النامية‪ .‬وهلذا سرتتفع أسعار احلبوب‪ ،‬إىل جانب سعي الدول‬
‫النامية إىل زراعة احلبوب‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬سيفيض كل ارتفاع يف األسعار بمقدار ‪2‬‬
‫– ‪ %2.5‬إىل تزايد عدد اجلياع بمقدار ‪ .%1‬لكن انخفاض اإلنتاج الزراعي ال يعد‬
‫سوى مشكلة واحدة تواجه املزارعني يف مناطق العروض الدنيا واملدارية‪ ،‬إذ من‬
‫املتوقع أن يؤدي اختالف توقيتات فصل النمو ومدته الناتج عن االختالف يف‬
‫درجة حرارة الرتبة والرطوبة‪ ،‬إىل حدوث نتائج كارثية عند قيام املزارعني بزرع‬
‫حماصيلهم‪.‬‬
‫اآلفات الزراعية‬
‫يمكن أن يكون لألمراض واآلفات التي تؤثر يف املاشية واملحاصيل الزراعية عىل‬
‫حدّ سواء آثار مدمرة عىل الوفرة الغذائية خصوص ًا يف حالة عدم وجود أية خطط‬
‫طوارئ جاهزة‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬أن مرض ‪ ،Ug99‬وهو مرض ينتمي لساللة آفة‬
‫صدأ ساق احلنطة التي تؤدي إىل القضاء عىل حمصول احلنطة بنسبة ‪ ،%100‬ينترش يف‬
‫حقول احلنطة يف العديد من بلدان أفريقيا والرشق األوسط ومن املتوقع انتشاره‬

‫‪201‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫بشكل رسيع يف هذه البلدان ويف غريها أيض ًا‪ ،‬مما‬


‫قد يسبب كارثة بالنسبة إلنتاج حمصول احلنطة‬
‫ستطال آثارها األمن الغذائي يف العامل كله‪.‬‬
‫يمكن استخدام التنوع اجليني لفصائل‬
‫مرض الصدأ ‪ ،Ug99‬مرض فتاك‪..‬‬
‫حمصول احلنطة الربية يف حتسني األنواع احلالية‬
‫يصب محصول الحنطة ويهدد األمن الغذائي‬
‫اكثر مقاومة لآلفات‪.‬‬ ‫للحنطة بحيث تصب‬
‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬جيري اآلن يف العديد من مراكز األبحاث الزراعية تعريض‬
‫الفصائل الربية من احلنطة إىل مرض الصدأ لتعزيز مقاومتها له‪ ،‬ثم جيري دراسة‬
‫اخلريطة اجلينية هلا وبعدها يتم زراعة النباتات الربية مع الفصائل احلالية للحنطة‬
‫عرب تقنيات االستزراع احلديثة‪ ،‬وذلك بغية نقل جينات املقاومة من النباتات الربية‬
‫إىل فصائل احلنطة احلالية‪.‬‬

‫دور الحكومات‬
‫يف الوقت الذي تعد فيه موجات اجلفاف وغريها من الظواهر الطبيعية سبب ًا حلدوث‬
‫جماعات يف بعض البلدان‪ ،‬فأن للحكومات دور ًا يف تقرير درجة قسوة تلك املجاعة‪،‬‬
‫ال من عدمه‪ .‬والقرن العرشين حافل بالعديد من األمثلة عىل دور‬ ‫أو يف وقوعها أص ً‬
‫احلكومات يف إضعاف األمن الغذائي يف بلداهنا‪ ،‬وبشكل متعمد أحيان ًا‪.‬‬
‫حينام تفرض بعض احلكومات سيطرهتا عىل البالد بالقوة وال تأيت عن‬
‫طريق صناديق االقرتاع أو بواسطة انتخابات نزهية‪ ،‬فمن املؤكد أن تكون قاعدهتا‬
‫اجلامهريية ضيقة وحمدودة وال تقوم إال عىل املقربني واملنتفعني وأصحاب املصال ‪.‬‬
‫ويف ظل مثل تلك الظروف‪ ،‬يصب توزيع الغذاء يف داخل البلد قضية سياسية‬
‫بامتياز‪ .‬فاحلكومات يف معظم البلدان تعطي األولوية للمناطق احلرضية‪ ،‬ذلك ألن‬
‫األرس املتنفذة وأصحاب السلطة واملشاريع تقطن فيها يف العادة‪ .‬أما املناطق الريفية‪،‬‬
‫حيث الفالحني والفقراء عادةً‪ ،‬فغالب ًا ما يكون نصيبها اإلمهال‪ .‬كام أن معظم‬

‫‪202‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫احلكومات ال تويل اهتامم ًا باملناطق النائية من البالد التي مل يشملها التطوير‪ ،‬وقلام‬
‫تلبي حاجياهتا الرضورية عىل نحو فعال‪ .‬وغالب ًا ما تتصف السياسات الزراعية‪،‬‬
‫السيام فيام خيص تسعري السلع الزراعية‪ ،‬بالتمييز ضد املناطق الريفية‪ .‬إذ حتاول‬
‫احلكومات يف الغالب املحافظة عىل تسعرية منخفضة ملحاصيل احلبوب األساسية‬
‫بحيث يعجز املزارعني عن مجع ما يكفي من رأسامل لتحسني إنتاجهم الزراعي‪.‬‬
‫ولذا‪ ،‬فأهنا هبذه الطريقة متنعهم دوم ًا من أن يرتقوا إىل منزلة أعىل ربام قد تشكل‬
‫خطر ًا عىل السلطة احلاكمة يف املستقبل‪.‬‬
‫كثري ًا ما كان الزعامء املستبدين واحلكام‬
‫العسكريني اجلائرين يستخدمون الغذاء كسالح‬
‫سيايس جتاه شعوهبم‪ ،‬إذ يكافأ املؤيدون بمؤن‬
‫غذائية ضخمة فيام حترم من ذلك املناطق التي‬
‫تأوي املعارضني حلكمهم‪ .‬ويف مثل تلك‬
‫في بعض البلدان‪ ..‬تحول السلطات الحاكمة‬
‫الطعام إلى سالح إلذالل المعارضين‬ ‫احلاالت يغدو الطعام سلعة حيصل الطواغيت‬
‫يف مقابلها عىل الدعم والتأييد فيام يصب القحط والعوز واملجاعة من الناحية‬
‫األخرى سالح ًا فعاالً يشهر بوجه املعارضني‪.‬‬

‫املخاطر التي تهدد األمن الغذائي العاملي‬


‫النمو السكاني‬
‫تشري التوقعات احلالية لألمم املتحدة إىل تزايد مستمر يف أعداد سكان العامل يف‬
‫املستقبل القريب (عىل الرغم من حصول انخفاض مضطرد يف معدل النمو‬
‫السكاين)‪ ،‬إذ من املتوقع أن يبلغ تعداد سكان العامل ما بني ‪ 8.3‬و ‪ 10.9‬مليار نسمة‬
‫بحلول العام ‪ ،2050‬وأن العدد سيصل إىل ‪ 24.8‬مليار نسمة يف العام ‪.2150‬‬
‫ويشك بعض املحللني يف تواصل النمو السكاين العاملي مستقبالً‪ ،‬بسبب تزايد‬

‫‪203‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الضغوط عىل البيئة والتجهيزات الغذائية العاملية ومواد الطاقة‪ .‬ومن املؤكد أن هذا‬
‫الزيادة السكانية االنفجارية ستشكل خطر ًا جدي ًا هيدد األمن الغذائي العاملي‪ ،‬ألن‬
‫األفواه املتزايدة تعني طعام ًا متزايد ًا‪ ،‬مما يستلزم حتصني األمن الغذائي من االهنيار‬
‫مستقبالً‪.‬‬
‫يبني الشكل (‪ ،)10 – 2‬االجتاه‬
‫املتصاعد للنمو السكاين العاملي املتوقع يف مقابل‬
‫املعدل املتهاوي لإلنتاج الغذائي‪ ،‬إذ أن اهلوة ما‬
‫بني املتغريين قد تعني يف احلقيقة حدوث جماعة‬
‫كارثية‪.‬‬
‫قد تعني زيادة السكان‪ ..‬حلول مجاعة كارثية‬

‫الشكل (‪ :)10 – 2‬االجتاه املتوقع للنمو السكاين واإلنتاج الغذائي العاملي‪.‬‬

‫االعتماد على الوقود االحفوري‬


‫يف الوقت الذي يشهد فيه اإلنتاج الزراعي زياد ًة نتيجة للثورة اخلرضاء يف عامل‬
‫الزراعة‪ ،‬فأن اإلنتاج احلايل من الطاقة (الالزمة لتشغيل العمليات الزراعية) يزداد‬
‫هو األخر بوترية أكرب‪ ،‬بحيث أن نسبة اإلنتاج الزراعي إىل إنتاج الطاقة تتقلص‬
‫بمرور الزمن‪ .‬إذ باتت التقنيات الزراعية احلديثة تعتمد بصورة كبرية عىل األسمدة‬

‫‪204‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الكياموية واملبيدات احلرشية والعشبية‪ ،‬التي البد من تصنيع بعضها من الوقود‬


‫االحفوري‪ ،‬مما جعل الزراعة تعتمد بشكل متزايد عىل املنتجات البرتولية‪.‬‬
‫ما بني األعوام ‪ 1950‬و ‪ ،1984‬وبعدما عمت الثورة الزراعية أرجاء العامل‬
‫كله‪ ،‬ازداد اإلنتاج العاملي للحبوب بمقدار ‪ ،%250‬وقد ازدادت معه نسبة استهالك‬
‫الوقود األحفوري الالزم لتصنيع األسمدة (الغاز الطبيعي) واملبيدات (النفط)‬
‫واهليدروكربونات الالزمة لتشغيل نظم الري املختلفة‪ .‬لذا‪ ،‬فأن زيادة اعتامد‬
‫العمليات الزراعية عىل الوقود‪ ،‬يف‬
‫وقت تشهد فيه أسعار هذا الوقود‬
‫ارتفاع ًا عاملي ًا‪ ،‬سيؤدي يف املحصلة‬
‫إىل رفع أسعار اإلنتاج الزراعي ومن‬
‫مع اتكال العمليات الزراعية المتزايد على الوقود‪..‬‬ ‫ثم معاناة البلدان الفقرية من‬
‫فقد ترتفع أسعار المنتجات الغذاء ارتفاع ًا كبير ًا‬
‫احلصول عىل ما يكفيها من الغذاء‪.‬‬

‫التهجين والهندسة الوراثية وخسارة التنوع األحيائي‬


‫شاع مؤخر ًا استخدام تقنية التهجني يف جمال الزراعة واالقتصاد احليواين وذلك‬
‫سعي ًا لزيادة اإلنتاج من خالل تكوين أصناف عالية اإلنتاجية‪ .‬ويف الغالب تشهد‬
‫البلدان النامية عمليات هتجني أكثر لألصناف املحلية وذلك لتكوين سالالت ذات‬
‫إنتاجية عالية هلا قدرة عىل مقاومة ظروف املناخ املحيل واألمراض‪ .‬ونظر ًا لقيام‬
‫احلكومات املحلية والصناعة بالتشجيع عىل التهجني‪ ،‬فأن ذلك قد متخض عن‬
‫تعرض عدة أصناف حملية إىل خطر االنقراض‪ .‬إذ أدى االمهال من جراء عدم الرب‬
‫واإلخصاب اهلجيني‬ ‫وانعدام السيطرة املقصودة وغري املقصودة عىل التلقي‬
‫(التلوث اجليني ‪ ،)Genetic pollution‬إىل اهنيار األحواض اهلائلة لتهجني اجلينات‬
‫التي كانت حتتوي يف السابق عىل أصناف برية وحملية شتى‪ ،‬مما سبب تلوث ًا وتعرية‬

‫‪205‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫واسعة النطاق‪ .‬وقد أسفر ذلك عن حدوث خسارة يف‬ ‫‪Genetic erosion‬‬ ‫جينية‬
‫التنوع اجليني واألحيائي بأرسه‪.‬‬
‫‪Genetically modified‬‬ ‫إزاء ذلك‪ ،‬ظهر ما يسمى بالكائن املعدّ ل وراثي ًا‬
‫‪ ،organism‬وهو عبارة عن كائن يتم التالعب بجيناته الوراثية باستخدام تقنيات‬
‫اهلندسة الوراثية‪ ،‬بحيث يصب أفضل من حيث اإلنتاجية والنوعية‪ .‬لكن املحاصيل‬
‫املعدلة وراثي ًا أصبحت اليوم مصدر ًا شائع ًا للتلوث اجليني‪ ،‬ليس لألصناف الربية‬
‫فحسب‪ ،‬بل أيض ًا لغريها من األصناف الداجنة املستمدة من التهجني الطبيعي‬
‫نسبي ًا‪ .‬فقد يؤدي تظافر التعرية اجلينية مع‬
‫التلوث اجليني إىل ظهور أنامط جينية فريدة‬
‫تدمريية‪ ،‬ومن ثم ظهور أزمة خفية هتدد عىل‬
‫نحو خطري أمننا الغذائي‪ .‬فقد يتوقف ظهور‬
‫مواد جينية منوعة‪ ،‬وهو أمر سيؤثر يف قدرتنا‬
‫تؤدي الهندسة الوراثية والتهجين الجيني‪..‬‬
‫إلى مخاطر خفية تهدد األمن الغذائي‬ ‫عىل هتجني مزيد من املحاصيل الزراعية واملاشية‬
‫املقاومة لآلفات املرضية وللتغريات املناخية‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ -1‬ما معنى األمن الغذائي وما الرشوط الالزمة لتحقيقه وما هي دواعي القلق‬
‫جتاه احتامل اختالله يف احلارض واملستقبل‬
‫‪ -2‬تفيد التقارير الدولية أن نحو ‪ %15‬من سكان العامل يف عوز غذائي مزمن‪ ،‬وأن‬
‫معظمهم يرتكزون يف قارة أفريقيا حتديد ًا‪ .‬ملاذا ناقش هذا املوضوع من وجهة‬
‫نظرك العلمية الشخصية‪.‬‬
‫‪ – 3‬تعد مشكلة ندرة املياه من أبرز التحديات البيئية التي تعرتض األمن الغذائي‬
‫العاملي‪ .‬ما هي أوجه تأثريات هذه املشكلة‬

‫‪206‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫خلص ذلك يف‬


‫ّ‬ ‫‪ -4‬كيف يؤثر التغري املناخي يف اختالل األمن الغذائي العاملي‬
‫صورة نقاط حمددة‪.‬‬
‫‪ -5‬أكتب تقرير ًا عن دور اآلفات الزراعية يف هتديد األمن الغذائي العاملي‪( .‬استعن‬
‫بمصادر مكتبية أو إلكرتونية)‬
‫‪ -6‬كيف تعمل بعض احلكومات املستبدة عىل تعكري األمن الغذائي يف بلداهنا‬
‫وملاذا‬
‫‪ -7‬يعد النمو السكاين املتصاعد خطر ًا يداهم األمن الغذائي‪ .‬وض ّ ذلك باألرقام‬
‫وبمرتسم بياين مع التفسري‪.‬‬
‫‪ -8‬ملاذا يعد اتكال الزراعة عىل الوقود االحفوري خطر ًا عىل األمن الغذائي‬
‫‪ -9‬ناقش مسألة التهجني واهلندسة الوراثية واخطارها املحتملة عىل األمن الغذائي‬
‫العاملي يف املستقبل‪.‬‬
‫‪ – 10‬أرسد قائمة بأسامء بلدان العامل بحسب مستويات األمن الغذائي فيها‪ ،‬من‬
‫خالل ذكر عرشة بلدان لكل فئة‪( .‬استعن بالشكل ‪)10 – 1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪207‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل احلادي عشر‬


‫مشكلة إنتاج الطاقة‬
‫هيتم الفصل احلايل بعرض املشكالت البيئية املصاحبة إلنتاج الطاقة بأشكاهلا‬
‫املختلفة‪ .‬ففي الوقت الذي تتصاعد فيه معدالت إنتاج الطاقة واستهالكها عاملي ًا‪،‬‬
‫ينجم عنها بالوترية ذاهتا أرضار بيئية عديدة متفاوتة التأثري واملدى‪ .‬لذا‪ ،‬سيتم أوالً‬
‫حتديد مفهوم الطاقة ومصادرها‪ ،‬ثم العروج عىل بيان األثر البيئي لكل نوع منها‪.‬‬

‫مفهوم الطاقة ومصادرها‬


‫لطاملا كانت الطاقة مطلب ًا أساسي ًا للمجتمعات‬
‫البرشية‪ .‬إذ تشري األدلة اآلثارية من بعض الكهوف يف‬
‫أفريقيا إىل قيام اإلنسان القديم باستخدام النار منذ‬
‫قرابة مليونا سنة خلت‪ ،‬إذ احتاج إليها ألغراض‬
‫اإلنارة والتدفئة وطهي الطعام‪ .‬وبذلك فقد كانت‬
‫تتنوع مصادر الطاقة اليوم‪..‬‬
‫وتتنوع أثارها البيئة أيضاً‬ ‫النار هي الوقود التي يغذي التكنولوجيا التي قامت‬
‫عليها املجتمعات املتحرضة آنذاك‪ .‬أما اليوم فقد باتت اإلمدادات املنتظمة للطاقة‬
‫هي من يسري املركبات وحيرك املدن والصناعات والنقل التي تشكل اليوم أساس‬
‫احلياة البرشية القائمة فوق كوكب األرض‪ .‬وبمرور الزمن‪ ،‬أصبحت قدرة‬
‫احلضارات البرشية يف احلصول عىل الطاقة وكمية الطاقة املستخدمة مؤرش ًا عىل‬
‫تطور املجتمع‪ .‬عىل أن استخدام الطاقة‪ ،‬وبخاصة منذ الثورة الصناعية‪ ،‬رافقه‬
‫مشكالت بيئية عدة‪ .‬إذ أن عمليات إنتاج الطاقة ونقلها وحتويلها واستخدامها‪،‬‬
‫السيام تلك املستمدة من الوقود االحفوري‪ ،‬مسؤولة عن بعض أكثر املشكالت‬
‫البيئية خطورة يف العامل اليوم‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إن معظم الطاقة التي نحصل عليها اليوم مصدرها الشمس يف املحصلة‬
‫النهائية‪ .‬وتتحول هذه الطاقة اإلشعاعية بواسطة عملية التمثيل الضوئي إىل طاقة‬
‫كياموية‪ ،‬متد احلياة النباتية ومعها كل أشكال احلياة احليوانية باالستمرار والبقاء‪ .‬كام‬
‫يستفيد منها املجتمع البرشي يف صورة وقود حيوي وأحفوري عىل حدّ سواء‪ ،‬ذلك‬
‫الوقود الذي كان يف يوم من األيام نبات ًا حي ًا بحد ذاته‪ .‬وينتفع املجتمع البرشي من‬
‫اإلشعاع الشميس أيض ًا بشكل مبارش وغري مبارش عرب االفادة منه يف حتريك الرياح‬
‫والتيارات املائية بوصفها جزء ًا ال يتجزأ من دورة املاء يف الطبيعة‪.‬‬
‫تصنف مصادر الطاقة يف الغالب إىل مصادر متجددة ‪ Renewable‬وأخرى‬
‫غري متجددة ‪ .Nonrenewable‬وعىل الرغم من أن الوقود االحفوري يعد مورد ًا‬
‫متجدد ًا ضمن املقياس اجليولوجي‪ ،‬فأنه يمكن أن ينضب ويغدو غري متجدد ًا ضمن‬
‫مدى عمر اإلنسان إذا ما استمر معدل استهالكه عىل ما عليه يف الوقت احلارض‬
‫إىل أن النفط‬ ‫‪WEC‬‬ ‫(الشكل ‪ .)11 – 1‬إذ تشري تقديرات جملس الطاقة العاملي‬
‫سينضب بحدود ‪ 40 - 30‬سنة القادمة والغاز ‪ 60 - 50‬سنة والفحم بحدود‬

‫الشكل (‪ :)11 – 1‬التوزيع اجلغرايف لالستهالك العاملي احلايل للطاقة‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ 200‬سنة القادمة‪ ،‬إذا ما استمر االستهالك عىل املعدالت احلالية‪ .‬وعىل الرغم من‬
‫تأكيد جملس الطاقة العاملي عىل عدم وجود أي استنفاد أو ندرة ملوارد الطاقة يف‬
‫الوقت احلارض‪ ،‬فأن حمدودية كميات الوقود االحفوري‪ ،‬إىل جانب تزايد الوعي‬
‫جتاه األثار البيئية الستخدامها‪ ،‬قد شجع عىل رضورة االهتامم باحلفاظ عىل الطاقة‬
‫وصوهنا وتطوير طرائق أكثر استدامة إلنتاج طاقة من موارد متجددة عوض ًا عن‬
‫تلك غري املتجددة‪.‬‬
‫مع هذا‪ ،‬ومثلام يتض يف الشكل (‪ ،)11 – 2‬فأن معدالت إنتاج الطاقة يف‬
‫العامل الزالت ترتكز بشكل كبري عىل الوقود االحفوري (الفحم‪ ،‬الغاز‪ ،‬النفط)‪،‬‬
‫ويأيت من بعدها الوقود احليوي‪ ،‬ثم الطاقة الكهرومائية‪ ،‬والنووية‪ ،‬ومن ثم بنسب‬
‫أقل األنواع األخرى من مصادر الطاقة احلديثة االستخدام‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)11 – 2‬اإلنتاج العاملي من الطاقة بأنواعها املختلفة‪.‬‬

‫األثار البيئية إلنتاج الطاقة‬


‫سنبحث هنا األثار البيئية املحتملة لكل مصدر من مصادر الطاقة من التي اعتادت‬
‫املجتمعات البرشية عىل استخدامها يف الوقت احلارض‪ .‬إذ أن مجيع مصادر الطاقة‬
‫تؤثر بطريقة أو أخرى يف البيئة‪ ،‬وال يوجد يشء أسمه طاقة "نظيفة" متام ًا‪ .‬وحيدث‬
‫تأثري الطاقة يف البيئة بأشكال متعددة‪ ،‬ويؤثر بعض مصادرها بشكل أكرب من غريه‪.‬‬
‫وفيام ييل بيان ألنواع الطاقة وأهم تأثرياهتا السلبية يف البيئة‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الطاقة املائية‬
‫املورد املتجدد‬ ‫‪Hydropower‬‬ ‫تعد الطاقة املائية‬
‫الوحيد الذي يستخدم عىل نطاق واسع اليوم‬
‫لتوليد الطاقة الكهربائية‪ .‬فخالل القرن احلايل‪،‬‬
‫تعتمد حوايل ثلث بلدان العامل عىل الطاقة‬
‫الكهرومائية يف تلبية أكثر من نصف حاجتها من‬
‫تعد الطاقة المائية أهم المصادر المتجددة‬
‫لتوليد الكهرباء‪ ..‬لكنها ال تخلو من أثر في البيئة‬ ‫الطاقة الكهربائية‪ ،‬وأن السدود الكبرية تولد‬
‫نحو ‪ %19‬من أمجايل الطاقة الكهربائية العاملية (أنظر الشكل ‪.)11 – 2‬‬
‫عىل هذا‪ ،‬فأن هنالك العديد من املشكالت االجتامعية والبيئية التي ترافق‬
‫إنشاء السدود ألغراض توليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬
‫يف الوقت الذي ال تسبب فيه الطاقة الكهرومائية تلوث ًا للمياه أو للهواء‪،‬‬
‫فأهنا أيض ًا ال ختلو من تأثري يف البيئة‪ .‬فقد تؤثر حمطات توليد الطاقة الكهرومائية يف‬
‫األنظمة البيئية للمجاري العليا والدنيا من األهنار‪ ،‬ومن بني ذلك تأثريها يف‬
‫املجاميع السمكية‪ ،‬وتعمل عىل تغيري درجة حرارة املياه وتدفقها (مسببة اضطراب ًا‬
‫للنباتات واحليوانات)‪ ،‬كام يضطر الناس واحليوانات املتواجدين بالقرب من موقع‬
‫السدود إىل إعادة التوطن يف أماكن أخرى‪ .‬وقد حيول إنشاء سدود الطاقة‬
‫الكهرومائية دون وصول بعض األسامك‪ ،‬كالسلمون مث ً‬
‫ال‪ ،‬إىل املجاري العليا‬
‫لألهنار ألجل التفريخ والتكاثر‪ .‬وتساعد بعض‬
‫التقنيات كسالمل األسامك عىل تسلق سمك‬
‫السلمون من عىل السدود والوصول إىل مناطق‬
‫التفريخ يف أعىل النهر‪ ،‬لكن وجود هذه السدود‬
‫جيربها من ناحية أخرى عىل تغيري نمط هجرهتا‬
‫ينجم عن إنشاء السدود ألغراض توليد‬
‫الطاقة الكهرومائية‪ ..‬مشكالت بيئية عدة‬ ‫مما يلحق رضر ًا باألسامك‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تسبب حمطات الطاقة الكهرومائية أيض ًا انخفاض مستويات األكسجني‬


‫الذائب يف املاء‪ ،‬األمر الذي يرض بالبيئات النهرية‪ .‬كام قد يؤدي إنشاء اخلزانات‬
‫املائية الواقعة خلف السدود وركود املياه فيها إىل انبعاث غاز امليثان‪ ،‬أحد غازات‬
‫الدفيئة املرضة بالبيئة‪ .‬ونتيجة لرتاكم الرواسب التي حتملها األهنار يف خزانات‬
‫السدود هذه‪ ،‬فأن ذلك سيمنع من جتدد خصوبة الرتبة الواقعة عىل ضفاف املجاري‬
‫الدنيا من تلك األهنار‪ .‬كام أن تلك الضفاف تتعرض للتعرية والتآكل عندما يتم فت‬
‫بوابات السد وتتدفق منه املياه بقوة‪.‬‬
‫يكون إنشاء السدود ألغراض توليد الطاقة الكهرومائية سبب ًا أيض ًا إلجبار‬
‫السفن وقوارب الصيد عىل إجياد مسالك بديلة بعيد ًا عن منظومة السد‪ .‬كام أن‬
‫حوادث تشقق السدود او اهنيارها قد تلحق رضر ًا فادح ًا باملناطق املأهولة الواقعة‬
‫أسفل السد‪ ،‬وتؤدي إىل وقوع كوارث ال حتمد عقباها‪.‬‬

‫طاقة الرياح‬
‫يف تسيري السفن الرشاعية وحتريك‬ ‫‪Wind energy‬‬ ‫استخدم اإلنسان طاقة الرياح‬
‫طواحني اهلواء منذ آالف السنني‪ ،‬والتزال اليوم مضخات املياه العاملة بقوة الرياح‬
‫تعد من املظاهر الشائعة يف املناطق الريفية‪ ،‬السيام يف األقاليم اجلافة حيث تستخدم‬
‫لسحب املياه اجلوفية إىل السط ‪ .‬أما توربينات الرياح اخلاصة بتوليد الكهرباء فهي‬
‫ظاهرة حديثة نسبي ًا‪ ،‬فهي ال تزال تغطي حوايل ‪ %2‬فقط من الطلب العاملي عىل‬
‫الطاقة الكهربائية (أنظر الشكل ‪.)11 – 2‬‬
‫تعد الرياح مصدر ًا نظيف ًا نسبي ًا إلنتاج الطاقة‪ .‬إذ أهنا ال تسبب تلوث ًا للهواء‬
‫أو املاء نظر ًا ألهنا ال حتتاج إىل حرق وقود لتوليد الطاقة الكهربائية‪ .‬لكن هناك بعض‬
‫األثار البيئية التي ترافق مزارع إنتاج الطاقة بواسطة الرياح‪ .‬إذ كانت الضوضاء أحد‬
‫املشكالت املهمة التي تنجم عن دوران مراوح الرياح يف التصاميم القديمة‪ ،‬أما‬
‫التصاميم احلديثة فبالكاد يسمع منها صوت غري صوت هبوب الرياح‪ .‬لكن‬

‫‪212‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مازالت هناك مشكالت تتعلق بدور املراوح الفوالذية يف التسبب بقتل الطيور من‬
‫ذوات األحجام الكبرية كالنسور مث ً‬
‫ال وكذلك التسبب بتشويش مستقبالت البث‬
‫اإلذاعي والتلفازي وغريها من األجهزة اإللكرتونية احلساسة‪ .‬وتعد رضورة توفري‬
‫مساحات واسعة من األرايض إلنشاء مزارع طاقة الرياح فوقها مشكلة أخرى‪ ،‬عىل‬
‫الرغم من إمكانية استخدام األرايض الواقعة بني املراوح لنشاطات أخرى كالزراعة‬
‫أو الرعي مثالً‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬ارتفعت قيمة األرض يف منطقة ألتاماونت‬
‫‪ Altamount‬بوالية كاليفورنيا األمريكية ارتفاع ًا‬
‫ملحوظ ًا يف أعقاب إنشاء مزارع لتوليد طاقة‬
‫الرياح هناك‪ ،‬فأضافت اإلجيارات املرتفعة لتلك‬
‫األرايض مدخوالً إضافي ًا للرعاة فض ً‬
‫ال عن‬
‫استمرارهم برعي ماشيتهم‪.‬‬
‫بالرغم من كون طاقة الرياح نظيفة نسبي ًا‪..‬‬
‫فأنها مسببة لبعض المشكالت في البيئة‬

‫ألن توليد طاقة كهربائية من مراوح الرياح العمالقة يتطلب احلصول عىل‬
‫رياح مستمرة بقوة تزيد عىل ‪ 7‬مرت‪/‬ثا‪ ،‬لذا غالب ًا ما نجدها تقع عىل امتداد السواحل‬
‫أو فوق السالسل اجلبلية‪ .‬ويرى البعض أن وضع هذه املراوح العمالقة يف مثل‬
‫تلك األماكن إنام يعمل عىل تشويه مجال املناظر الطبيعية‪ ،‬وهلذا فهم يرفضون فكرة‬
‫حتويل تلك املناظر اخلالبة إىل جمرد حمطات ومراوح متناثرة لتوليد طاقة الرياح‪.‬‬
‫وربام يعد ذلك من أكرب املشكالت التي تعرتض استخدام طاقة الرياح يف كثري من‬
‫املناطق‪ .‬ففي بريطانيا‪ ،‬مثالً‪ ،‬ظهرت العديد من االحتجاجات الشعبية يف العام‬
‫‪Haworth‬‬ ‫‪ 1994‬لالعرتاض عىل خطط زيادة مراوح الرياح يف مروج هاورث‬
‫خشية ختريب الطبيعة الساحرة لتلك املنطقة‪.‬‬
‫ونظر ًا لوجود بعض مزارع الرياح اليوم فوق مياه البحار املقابلة للسواحل‪،‬‬
‫فمن املحتمل حدوث بعض التأثريات يف البيئة البحرية‪ .‬إذ قد حتدث هناك بعض‬

‫‪213‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التأثريات يف مرحلة إنشاء املراوح تؤدي إىل اإلرضار باملناطق التي تضم أنواع‬
‫أحيائية أو مواطن طبيعية نادرة‪ .‬لكن من ناحية أخرى‪ ،‬ال تشكل االضطرابات التي‬
‫ترافق عملية تشغيل املراوح ـ املتمثلة بالضوضاء واالهتزازات واحلقول‬
‫الكهرومغناطيسية ـ أمهية تذكر بالنسبة للبيئة‬
‫البحرية‪ .‬لكن من املحتمل حدوث أكرب تأثري‬
‫املاء‪ ،‬وذلك عند تثبيت أساسات‬ ‫حتت سط‬
‫اصطناعية لقواعد مراوح طاقة الرياح‪ .‬إذ يؤدي‬
‫مثل هذا األثر إىل تغيري جريان الرواسب حتت‬
‫تسبب مزارع مراوح الرياح الممتدة‬
‫على السواحل بعض الضرر للبيئة البحرية‬ ‫املاء‪ ،‬كام قد يكون هلا أثر ًا مه ًام عىل تركيبة األنواع‬
‫املحلية والبنية األحيائية‪.‬‬
‫الطاقة الشمسية‬
‫من املتوقع عىل املدى الطويل جد ًا‪ ،‬ربام ما بعد‬
‫‪Solar‬‬ ‫القرن احلايل‪ ،‬أن تكون الطاقة الشمسية‬
‫بأشكاهلا املختلفة قادرة عىل سد الطلب‬ ‫‪energy‬‬
‫العاملي من الطاقة‪ ،‬عىل الرغم من توقع أن ترتفع‬
‫نسبة مسامهتها يف ذلك بشكل أكرب عىل املدى‬
‫يتزايد اليوم استخدام الطاقة الشمسية‪..‬‬
‫دون اعتبار يذكر ألثرها البيئي‬ ‫القصري (أنظر الشكل ‪ .)11 – 2‬يمكن االفادة‬
‫من الطاقة الشمسية عىل نحو فعال من خالل تصميم مباين تتالءم مع ضوء الشمس‬
‫والطاقة احلرارية الناجتة عنه‪ ،‬بحيث يمكن االفادة منها يف تسخني املياه أو تدفئة‬
‫املباين أو توليد الكهرباء‪ .‬وتعد الطاقة الكهروضوئية (‪ )PV‬أحد الطرائق املبارشة‬
‫لتحويل أشعة الشمس إىل كهرباء‪ ،‬وذلك عندما يتم امتصاص ذرات الضوء الفردية‬
‫وصلة مولد ًة بذلك تيار ًا كهربائي ًا‪ .‬ولذلك ال‬
‫(الفوتونات) بواسطة خاليا شبه م ّ‬
‫يتخلف عن اخلاليا الشمسية أي ضوضاء أو تلوث أخر يذكر‪ .‬كام أن أنظمة اخلاليا‬

‫‪214‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشمسية ال حتتاج إىل أدامة كبرية وال إىل ماء‪ ،‬ولذا فأهنا تعد ناجحة يف املناطق النائية‬
‫كالصحاري مثالً‪ ،‬عىل الرغم من أن ارتفاع درجات احلرارة يمكن أن يؤثر بشكل‬
‫سلبي يف عملها‪.‬‬
‫بالرغم من هذه املزايا‪ ،‬فأن ملزارع توليد‬
‫الطاقة الشمسية بعض األثر عىل البيئة‪ .‬إذ قد‬
‫ينتج عنها تكوين جزر حرارية أو إحداث رضر‬
‫بيئي كخسارة مواطن طبيعية مثالً‪ .‬إذ تتطلب‬
‫املزارع الشمسية مساحات شاسعة قد تصل إىل‬
‫عاد ًة ما تحتاج مزارع الطاقة الشمسية‪..‬‬
‫إلى مساحات واسعة مما يسبب أثر ًا بيئي ًا‬ ‫مئات الكيلو مرتات املربعة‪ ،‬ولذا قد يكون هلا أثر‬
‫كبري يف الرتبة واألرض التي تشغلها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فأن املناطق املشمسة كالبيئات‬
‫اجلافة مث ً‬
‫ال قلام توجد فيها نباتات‪ ،‬لذا يكون االضطراب الذي يصيب البيئة ليس‬
‫كبري ًا بقدر ما يصيب املناطق التي حتتوي عىل غابات ونباتات كثيفة‪ .‬وعىل الرغم‬
‫من عدم تسبب اخلاليا الشمسية التي تستعمل يف املنازل بأرضار بيئية كبرية‪ ،‬فأهنا‬
‫تؤدي أحيان ًا إىل خسارة جزء من املواطن الطبيعية عندما يتم إزالة بعض األشجار‬
‫لغرض تاليف حجب اإلشعاع الشميس الواصل إىل اخللية الشمسية املثبتة فوق‬
‫سقوف املنازل‪.‬‬

‫طاقة املد والجزر‬


‫تتمثل الطاقة املوجودة يف البحار واملحيطات يف هيئة مد وجزر وأمواج وتيارات‬
‫بحرية وفروقات يف درجات احلرارة ومنحدرات امللوحة والكتل األحيائية البحرية‪.‬‬
‫وعىل الرغم من سعة توفر هذه الطاقة فأن إمكانية االستفادة منها التزال حمدودة‬
‫جد ًا يف الوقت احلارض وحتى يف املستقبل املنظور (أنظر الشكل ‪ ،)11 – 2‬وذلك‬
‫ألن هذا النوع من الطاقة متشتت عىل مساحة واسعة من البحار واملحيطات من‬
‫ال عن أن معظم الطاقة إذا ما تم توليدها فهي بعيدة جد ًا عن مراكز‬
‫جهة‪ ،‬فض ً‬

‫‪215‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫االستهالك من جهة ثانية‪ .‬وتعد طاقة املد واجلزر ‪ Tidal energy‬هي النوع الوحيدة‬
‫من الطاقة املستمدة من البحار واملحيطات الذي تم استخدامه حتى اآلن‪ .‬وهي يف‬
‫احلقيقة من أقدم أشكال الطاقة التي استغلها اإلنسان‪ ،‬ومثال ذلك الطواحني التي‬
‫كانت تعمل حينها بقوة املد قبالة سواحل كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا منذ‬
‫القرن األول امليالدي‪ .‬وألن املد واجلزر يعتمد عىل تأثري قوة اجلاذبية للشمس‬
‫واألرض والقمر‪ ،‬لذلك من املمكن التنبؤ بمواعيدها بدقة مما يمن طاقة املد ميزة‬
‫تتفوق هبا عىل غريها من مصادر الطاقة األخرى‪ .‬ويستفاد من طاقة املد بنفس مبدأ‬
‫االستفادة من الطاقة الكهرومائية‪ ،‬وذلك ببناء سد عرب مصب بحري مناسب‪ .‬لكن‬
‫فيام يعتمد السد الكهرومائي عىل تدفق املياه من‬
‫اجتاه واحد‪ ،‬فأن السد املدي خيتلف عنه من ناحية‬
‫أنه يسم للمياه الواقعة خلفه باحلركة جيئ ًة‬
‫وذهاب ًا تزامن ًا مع حركة املد واجلزر‪ .‬وتتولد‬
‫الكهرباء نتيجة دوران التوربني هبذه احلركة‬
‫توفر حركة المياه في البحار والمحيطات‪..‬‬
‫مصدر ًا مهم ًا لتوليد الطاقة‬ ‫املتناوبة للمياه عرب السد املشيد‪.‬‬
‫تعتمد كمية الطاقة الكامنة املتولدة عن املد واجلزر عىل مدى ارتفاع املد‬
‫وانخفاض اجلزر وكذلك عىل مساحة املصب الذي تشيد عليه حمطة توليد الطاقة‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل حمطات الطاقة التي تعمل بقوى املد واجلزر املحطة الواقعة عىل‬
‫الواقع عند ساحل بريتاين شاميل فرنسا‪ ،‬إذ تقع هذه‬ ‫‪La Rance‬‬ ‫مصب الرانس‬
‫املحطة يف مصب يصل فيه املدى املدي ‪ 8‬أمتار وتتكون من سد يمتد بطول ‪800‬‬
‫مرت ًا حيتوي عىل ‪ 24‬توربني وتولد طاقة كهربائية تكفي لسد احتياج مدينة تضم‬
‫‪ 300.000‬نسمة‪ .‬وهناك أيض ًا حمطة خليج فندي ‪ Fundy‬عىل الساحل األطليس‬
‫لكندا الذي يبلغ فيه املدى املدي ‪ 10.8‬مرت ًا‪ ،‬وكذلك حمطة مصب سيفرن ‪Severn‬‬
‫يف بريطانيا الذي يصل فيه معدل املدى املدي ‪ 8.8‬مرت‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يكتنف مثل هذه املشاريع الكثري من اجلدل حول رضورة إنشاءها من عدمه‬
‫بسبب األثار البيئية املحتملة‪ .‬فعىل الرغم مما حيمله توليد الطاقة الكهربائية بواسطة‬
‫قوى املد واجلزر من مزايا بيئية عديدة كخلوه من امللوثات ودور السدود التي تشيد‬
‫يف املحطة يف محاية السواحل من األمواج البحرية اهلائجة‪ ،‬فأن تلك املشاريع ال ختلو‬
‫بطبيعة احلال من بعض املساوئ كقيامها بتغيري حركية املياه عرب املصب‪ .‬إذ أن‬
‫التغريات التي حتدث يف املدى املدي ويف حركة التيارات املائية ومنطقة املد واجلزر‬
‫ضمن منطقة املحطة ستؤثر يف عدة متغريات بيئية أخرى مثل حركة الرواسب‬
‫ونوعية املياه‪ ،‬التي ستؤثر بدورها يف السلسلة‬
‫الغذائية ويف املحصلة النهائية يف الطيور والثروة‬
‫السمكية‪ .‬كام قد تؤثر السدود واحلواجز التي يتم‬
‫إنشاء لغرض توليد الطاقة املدية يف مسارات سري‬
‫السفن التجارية والسياحية واضطرارها إىل إجياد‬
‫تنشأ عن سدود توليد طاقة المد والجزر‪..‬‬
‫بعض المشكالت البيئية‬ ‫مسالك بديلة أو إنشاء أنظمة مكلفة يف السدود‬
‫ألبحار السفن من خالهلا‪.‬‬
‫طاقة الحرارة الباطنية‬
‫‪Geothermal‬‬ ‫تتولد طاقة احلرارة الباطنية‬
‫‪ ،energy‬التي تتمثل عاد ًة بالينابيع احلارة‬
‫والرباكني‪ ،‬من جراء احتباس احلرارة وخروجها‬
‫من باطن األرض وكذلك من جراء حتلل املواد‬
‫املشعة املوجودة يف الصخور‪ .‬ويمكن احلصول‬
‫ال يجري استغالل طاقة الحرارة الباطنية‬
‫إال في أماكن محدودة من العالم‪..‬‬ ‫عىل مثل هذه الطاقة بشكل خاص يف املناطق‬
‫الفاصلة بني صفائ القرشة األرضية‪ ،‬مع أن من املمكن احلصول عليها من مناطق‬
‫أخرى بعيدة عن تلك الفواصل‪ .‬وهبذا فأن طاقة احلرارة الباطنية ال تتوفر إال يف‬

‫‪217‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫مواقع حمدودة‪ ،‬وذلك عندما تكون محم جوف األرض قريبة من السط فتعمل عىل‬
‫تسخني املياه اجلوفية حتى تصل إىل درجات حرارة قريبة من نقطة الغليان‪.‬‬
‫لقد تعرضت هذه الطاقة لالستغالل التجاري منذ مطلع القرن العرشين‪،‬‬
‫وذلك لغرض تأمني احلرارة الالزمة للتدفئة أو استخدامها كقوة حتريك ميكانيكية‬
‫أو لتوليد الكهرباء‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬كانت أيسلندا أول من شيدت يف العام‬
‫‪ 1930‬وعىل نطاق واسع أنظمة تدفئة يف املباين تعتمد عىل طاقة احلرارة الباطنية‪.‬‬
‫وأعقبتها يف تطبيق املبدأ نفسه كل من فرنسا وإيطاليا ونيوزيلندا والواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫عىل الرغم من ضعف احتاملية مسامهة طاقة احلرارة الباطنية يف سد حاجة‬
‫الطاقة العاملية يف املستقبل القريب (أنظر الشكل ‪ ،)11 -2‬فأن من املمكن مع ذلك‬
‫أن تلعب دور ًا رئيس ًا بالنسبة لبعض البلدان التي تتصف بوجود طاقة كامنة من هذا‬
‫النوع بكميات كبرية يف الوقت الذي اليزال الطلب فيها عىل الطاقة قليل حالي ًا‬
‫(ومثاهلا جيبويت والسلفادور وكينيا والفلبني)‪ .‬وأفضل األمثلة عىل استغالل هذه‬
‫الطاقة الكامنة هو يف نيكاراغوا حيث تم تشييد حمطة مموتومبو ‪ Momotombo‬يف‬
‫العام ‪ ،1989‬التي ينتج بفضلها اليوم ‪ %40‬من حاجة هذا البلد إىل الكهرباء‪.‬‬
‫يمكن تقسيم األثار البيئية املصاحبة الستخدام طاقة احلرارة الباطنية إىل أثار‬
‫وقتية ناجتة عن عمليات احلفر واالستخراج هلذه الطاقة وأخرى دائمة تنشأ من‬
‫أعامل أدامة اآلبار وتشغيل املحطات‪ .‬وألن هذه‬
‫املحطات حتتل مساحة من األرايض فأهنا غالب ًا ما‬
‫تواجه اعرتاضات شديدة بخصوص إنشاءها يف‬
‫مناطق تتسم بجامهلا الطبيعي األخاذ‪ .‬ويعد تلوث‬
‫اهلواء أكرب املشكالت التي تنجم عن حمطات‬
‫من أبرز التأثيرات البيئية لمحطات طاقة‬
‫الحرارة الباطنية‪ ..‬هو انبعاث غازات ضارة‬
‫توليد طاقة احلرارة األرضية‪ ،‬ذلك ألن الغازات‬

‫‪218‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫التي تتحرر يف أثناء إنتاج الطاقة‪ ،‬كثنائي أكسيد الكربون ومركّبات الكربيت‪ ،‬ليس‬
‫من السهل إعادة حقنها إىل باطن األرض جمدد ًا‪ ،‬عل ًام أن هذه املحطات يتخلف عنها‬
‫يف العموم انبعاثات غازية أقل مما ينبعث من استخدام الوقود االحفوري‪ .‬ومن‬
‫املشكالت البيئية األخرى‪:‬‬
‫‪ ‬الضوضاء‬
‫‪ ‬طرح نفايات صلبة ومياه عادمة‬
‫‪ ‬حدوث هزات أرضية حمدودة النطاق‬
‫‪ ‬حدوث هبوط أريض‪.‬‬

‫الطاقة النووية‬
‫عندما تم توليد الطاقة بواسطة االنشطار النووي‬
‫أول مرة لالستخدامات املدنية يف اخلمسينيات‪،‬‬
‫كان السبب املعلن وقتئذ هو كون هذا النوع من‬
‫الطاقة رخيص ونظيف وآمن‪ .‬ثم جرى بعد ذلك‬
‫تطوير عدد من برامج األسلحة النووية يف بعض‬
‫أصبح استخدام الطاقة النووية اليوم‪..‬‬
‫يمثل مجازفة بيئية‬ ‫البلدان الستخدامها لألغراض العسكرية‪.‬‬
‫وتبدلت صورة الطاقة النووية ‪ Nuclear energy‬منذ ذلك احلني تبدالً كبري ًا‪ ،‬وباتت‬
‫اليوم واحدة من أكثر أشكال الطاقة إثارة للجدل واخلالف من وجهتي النظر‬
‫االقتصادية والبيئية‪ .‬ولغاية هناية العام ‪ ،2005‬انترشت املفاعالت النووية سواء‬
‫الداخلة يف اخلدمة أو قيد اإلنشاء عرب أكثر من ‪ 30‬بلد ًا‪ ،‬وأصبحت حمطات الطاقة‬
‫النووية جتهز حوايل ‪ %16‬من أمجايل إنتاج الطاقة الكهربائية يف العامل منذ العام‬
‫‪( 1990‬أنظر الشكل ‪ .)11 -2‬وتعد الطاقة النووية مصدر ًا غري متجدد ًا من‬
‫مصادر الطاقة‪ ،‬ذلك ألن اليورانيوم ‪ Uranium‬وهو الوقود الرئيس املستخدم يف‬

‫‪219‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إنتاج الطاقة النووية‪ ،‬هو معدن قابل للنضوب‪ .‬عىل أن مستقبل الطاقة النووية‬
‫سيعتمد بشكل كبري عىل ما يصاحبها من مشكالت بيئية‪.‬‬
‫تستند هذه املشكالت إىل حقيقة أن املادة النووية هي مادة مشعة ومن ثم‬
‫من املمكن أن تشكل خطورة عالية عىل الكائنات احلية‪ ،‬وأن بعض العنارص املشعة‬
‫املستخدمة قد يدوم نشاطها اإلشعاعي لفرتات طويلة جد ًا تستغرق آالف السنني‪،‬‬
‫مما حيول دون إمكانية إعادة استخدام األرض التي تلوثت هبا‪ .‬ويمكن هلذه املواد‬
‫املشعة أن تتحرر إىل البيئة عرب دورة الوقود النووي‪ ،‬التي تبدأ من التعدين‬
‫والتحويل وحتضري وقود املفاعل وتنتهي بطرح النفايات النووية ومعاجلتها‪ .‬وعىل‬
‫الرغم من أن معظم النفايات النووية تكون ذات مستوى إشعاعي منخفض ويمكن‬
‫التخلص منها‪ ،‬مثلام احلال مع الغبار اإلشعاعي‪،‬‬
‫فأن الوقود املستنفذ قد حيتوي عىل مستويات‬
‫إشعاعية عالية لذا جيب خزنه يف منشآت خاصة‬
‫معدة هلذا الغرض‪ .‬وإىل جانب الوقود املستنفذ‪،‬‬
‫هناك الكثري من املعدات املستخدمة يف حمطات‬
‫الطاقة النووية تصب ملوثة باإلشعاع وتتحول إىل‬
‫تعد النفايات المشعة‪ ..‬أعظم خطر ينتج‬
‫من محطات توليد الطاقة النووية‬ ‫مواد مشعة بعد إغالق املحطة‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تستهلك حمطات الطاقة النووية كميات كبرية من املياه‬
‫ألغراض التربيد وتوليد البخار‪ ،‬مما يؤثر يف األسامك ويف غريها من أشكال احلياة‬
‫املائية‪ .‬كام يمكن أن ترتسب املعادن الثقيلة واألمالح املوجودة يف املاء عىل أنظمة‬
‫املحطة النووية‪ .‬وحني يتم طرح املياه من املحطة‪ ،‬فقد تسبب امللوثات املوجودة فيها‬
‫تأثري ًا سلبي ًا يف نوعية املياه ويف احلياة املائية‪.‬‬
‫لقد ركزت أبحاث كثرية عىل خماطر ارتفاع معدالت الوفيات بالرسطان‬
‫حول املحطات النووية العاملة‪ .‬وبينام تشري تلك البحوث إىل عدم وجود عالقة‬

‫‪220‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫واضحة بخصوص الوفيات بني البالغني‪ ،‬فأن هناك عالقة أوض بالنسبة للوفيات‬
‫من األطفال‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬ربام تعزى األسباب احلقيقية وراء االرتفاع غري‬
‫الطبيعي ملرض رسطان الدم (اللوكيميا ‪ )Leukemia‬بني األطفال بجوار حمطة‬
‫سيالفيلد ‪ Sellafield‬يف بريطانيا‪ ،‬إىل عالقتها باالنبعاثات النووية من تلك املحطة‪.‬‬
‫ومع أن األبحاث حول إثبات ارتفاع معدالت اإلصابة برسطان الدم وغريه من‬
‫األمراض الرسطانية وعالقتها باملنشآت النووية مستمرة دون انقطاع‪ ،‬فأن القلق‬
‫األكرب يأيت من طرح النفايات النووية (اجلدول ‪ ،)11 – 1‬ومن خماطر احلوادث‬
‫النووية الكربى التي سبق اإلشارة إليها يف طيات هذا الكتاب‪.‬‬
‫اجلدول (‪ :)11 - 1‬أصناف النفايات النووية بحسب مستويات خطورهتا‪.‬‬
‫النفشـش ت ذا ت المستوى اإلرعشعي المنخفض‬
‫ها تلك النفاياغ السائلة الصلاة اليت ينرج لنها تل ث قليل بفعل ن يداغ مشعة قصريو األمد (مثا ا‪ :‬ايالبس‬
‫ال اقية اليت جيري شميها من العامل باجملال اإل‪،‬عالاة م ا الاناء ايل ثةة خملفاغ مناجم الي شاني م‪)..‬‬
‫النفشـش ت ذا ت المستوى اإلرعشعي المتوسط‬
‫ها اي ا ايل ثة بن يداغ ا‪،‬عالية يلة األمد كالال ت ني م العناصر ايرخلفة لن الي شاني مة اذ ينشأ معظمها من‬
‫لملياغ انراج ال اقة الا و معاملرها (مثل‪ :‬ق اان الرحكم الس ائل ايسرعملة يف خ ن ال ق ايسرنفذ قال‬
‫ايعاجلة‪)..‬‬
‫النفشـش ت ذا ت المستوى اإلرعشعي العشلي‬
‫ها تلك اي ا ايل ثة بن يداغ ذاغ نشاط ا‪،‬عالا لايل ا أنصاف ألماش يلةة تساب اشتفالاً كارياً يف شجة‬
‫حراشو ايخلفاغ (مثا ا‪ :‬ال ق ايسرنفذ غري ايعاجلة النفاياغ السائلة اليت تنشأ خالل لملية معاجلة ال ق‬
‫ايسرنفذ)‬

‫الوقود الحيوي‬
‫تعد املواد النباتية‪ ،‬أو ما يسمى بالكتلة األحيائية ‪ ،Biomass‬شك ً‬
‫ال من أشكال الطاقة‬
‫التي استخدمها اإلنسان ألغراض التدفئة واإلنارة وطهي الطعام منذ اكتشافه للنار‪.‬‬
‫والزال حطب الوقود يف العديد من البلدان النامية يعد مصدر الطاقة الرئيس‪ ،‬إذ‬
‫يقدر أن ‪ 2.5‬مليار نسمة‪ ،‬أي ما يعادل حوايل نصف عدد سكان العامل‪ ،‬يعتمدون‬

‫‪221‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫بشكل رئييس أو كيل عىل الوقود احليوي يف سد حاجتهم اليومية من الطاقة‪ ،‬ولذا‬
‫فأنه يأيت بالرتتيب الثاين بعد الوقود االحفوري من حيث االستخدام (أنظر الشكل‬
‫‪ .)11 – 2‬وعىل الرغم من أن مجع حطب الوقود يف بعض أجزاء العامل النامي جيري‬
‫بطريقة غري مستدامة وهلا آثار بيئية شديدة‪ ،‬فأن الوقود احليوي من الضخامة يف‬
‫كمياته بحيث يمكن عده وقود ًا متجدد ًا من عدة نواحي‪.‬‬
‫يكون الوقود احليوي ‪ Biofuel‬بأشكال شتى‪ ،‬فقد يكون وقود ًا غري مصنع ًا‬
‫(كاخلشب والقش والروث واملواد النباتية واملخلفات الزراعية) وقد يكون مصنع ًا‬
‫(ومثال ذلك الفحم اخلشبي وغاز امليثان الناتج من معامل تصنيع الغاز احليوي‬
‫ومكبات النفايات‪ ،‬وكذلك بقايا عمليات التحطيب والنشارة والكحول الناتج من‬
‫عملية التخمري)‪ .‬وقد استخدمت املخلفات الصناعية والزراعية لسنوات عدة‬
‫لتوليد البخار يف حمطات إنتاج الطاقة الكهربائية التقليدية‪ .‬ويف بعض البلدان‬
‫اإلسكندنافية‪ ،‬حيث يسهم الوقود احليوي بنسبة عالية نوع ًا ما من استهالك الطاقة‬
‫الوطنية‪ ،‬تعد املخلفات اخلشبية من معامل الورق أهم عنرص هناك‪ .‬وحققت بعض‬
‫البلدان‪ ،‬وبخاصة الربازيل‪ ،‬تقدم ًا ملحوظ ًا يف استبدال البرتول املستخدم يف‬
‫السيارات بوقود مستخلص من قصب السكر‪ ،‬كام يتم حجز االنبعاثات الغازية‬
‫الناجتة من حرق النفايات البلدية يف املحارق الستخدامها يف توليد الطاقة‪.‬‬
‫عىل هذا‪ ،‬ينظر إىل الوقود احليوي كونه‬
‫ال مثالي ًا لقضية الطاقة‪ .‬فطاملا أن النباتات‬
‫يعد ح ً‬
‫متتص غاز ثنائي أكسيد الكربون عند مراحل‬
‫نموها املختلفة‪ ،‬فأهنا بذلك ختلصنا من هذا الغاز‬
‫الضار الذي تطلقه السيارات وغريها‪ .‬كام إهنا‬
‫يمثل الوقود الحيوي حالً واعداً لمشكلة الطاقة‬
‫لكن استغالله ال يخلو من صعوبات‬ ‫تعد مورد ًا متجدد ًا‪ ،‬ويمكن زراعته باستمرار‬
‫لسد النقص يف إمدادات الوقود‪ .‬لكن لآلسف الشديد‪ ،‬ليس األمر هبذه البساطة‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫فزراعة النباتات تتطلب رصف كميات هائلة من الطاقة بحد ذاهتا‪ ،‬وذلك لغرض‬
‫تصنيع األسمدة واملبيدات التي حيتاجها النبات أثناء مراحل زراعته حتى يتحول إىل‬
‫ال‪ ،‬قد حيتاج وقود االيثانول املستخلص من الذرة الصفراء إىل رصف‬ ‫وقود‪ .‬فمث ً‬
‫طاقة أكرب من التي تستخدم لزراعة حمصول الذرة ألغراض الطعام‪ .‬كام أن الوقود‬
‫احليوي ال يؤ ّمن يف احلقيقة قدر ًا كبري ًا من الطاقة مثل التي يؤ ّمنها إنتاج الوقود‬
‫ال عن النفط مادامت الطاقة‬‫االحفوري‪ ،‬ولذا فقد ال يكون الوقود احليوي بدي ً‬
‫املنتجة عنه تتطلب رصف كميات كبرية جد ًا من املحاصيل الزراعية‪.‬‬
‫إىل بنزين‬ ‫‪Ethanol‬‬ ‫يضاف االيثانول‬
‫السيارات يف الغالب‪ ،‬ومع أن هذا املزيج حيرتق‬
‫بشكل أنظف من البنزين النقي‪ ،‬فأنه خيلف كثري ًا‬
‫من االنبعاثات غازية واألبخرة من خزانات وقود‬
‫السيارات ومن جهاز مقسم الوقود (الكاربريرت)‪.‬‬
‫ينطوي الوقود الحيوي على بعض األضرار‬
‫البيئية‪ ..‬لكنها أقل من الوقود االحفوري‬ ‫وتسهم هذه االنبعاثات يف مشكالت لطبقة‬
‫األوزون أو حدوث الضباب الدخاين‪ .‬وال خيلو استخدام وقود االيثانول من غاز‬
‫ثنائي أكسيد الكربون أيض ًا‪ .‬أما الديزل احليوي ‪ Biodiesel‬فأنه حينام حيرتق ال‬
‫خيلف سوى القليل من أكاسيد الكربيت واجلسيامت الغبارية وأحادي أكسيد‬
‫الكربون واهليدروكربونات قياس ًا بالديزل التقليدي املشتق من النفط‪ .‬لكنه يف‬
‫املقابل يطرح كميات أكرب من أكسيد النرتوجني باملقارنة مع الديزل النفطي‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬يسبب حرق الكتلة االحيائية عموم ًا انبعاث غازات‬
‫ضارة مثل ثنائي أكسيد الكربون والكربيت‪ ،‬وإن كان ما يتخلف عنها من تلوث‬
‫أقل بكثري مما يتخلف عن الوقود االحفوري‪ .‬إذ أن حرق اخلشب يف املواقد أو‬
‫األفران قد يسبب تكوين ملوثات كأحادي أكسيد الكربون مثالً‪ .‬كام يمكن أن ينتج‬
‫أيض ًا عن حرق النفايات الصلبة والقاممة يف مكبات الطمر الصحي انبعاثات غازية‬

‫‪223‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫خطرية‪ .‬فقد يرتتب عن الرماد الناتج من عملية احلرق مشكلة بيئية‪ ،‬لكونه قد‬
‫حيتوي عىل معادن سامة كالرصاص والكادميوم‪.‬‬

‫الوقود االحفوري‬
‫يكون الوقود االحفوري ‪ Fossil fuels‬على ثالثة أنواع‪ ،‬هو‪ :‬الفحم احلجري والنفط‬
‫والغاز الطبيعي‪ .‬ويقدر أن نسبة مسامهة هذه املصدر تبلغ يف الوقت احلارض نحو‬
‫‪ %86‬من أمجايل الطاقة املنتجة يف العامل‪ ،‬وهو يشكل بذلك أكرب مصدر لتجهيز‬
‫الطاقة العاملية حلد اآلن (أنظر الشكل ‪.)11 – 2‬‬
‫يعد الوقود االحفوري مورد ًا غري متجدد‪ ،‬ويتطلب إنتاجه القيام بعمليات‬
‫تنقيب وتعدين واستخراج وحفر واسعة النطاق‪ .‬كام يعد الوقود االحفوري ـ سواء‬
‫يف مرحلة اإلنتاج أو االستهالك ـ من أبرز املصادر امللوثة للبيئة يف العامل عىل‬
‫اإلطالق‪ ،‬إذ يتخلف عن حرقه إمجاالً حوايل ‪ 21.3‬مليار طن من غاز ثنائي أكسيد‬
‫الكربون يف السنة‪ ،‬وال يمكن للعلميات الطبيعية املختلفة أال أن متتص حوايل نصف‬
‫هذه الكمية فقط‪ ،‬ولذا فأن صايف الزيادة هلذا الغاز الذي يرتاكم يف الغالف اجلوي‬
‫يكون بمقدار ‪ 10.65‬طن سنوي ًا‪ .‬ومثلام عرفنا‬
‫سابق ًا‪ ،‬فأن لغاز ثنائي أكسيد الكربون عدة‬
‫تأثريات بيئية كونه يعد أحد غازات الدفيئة املسببة‬
‫لظاهرة االحتباس احلراري التي تؤدي إىل ارتفاع‬
‫معدل درجات حرارة األرض وما يرتتب عىل‬
‫يعد الوقود االحفوري المصدر األكبر‬
‫لتلوث البيئة العالمية‬ ‫ذلك من تداعيات سلبية عىل البيئة‪.‬‬

‫عىل هذا‪ ،‬يمكن بحث األثار البيئية لكل شكل من أشكال الوقود‬
‫االحفوري عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫‪224‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -1‬الفحم احلجري‪:‬‬
‫يعد الفحم احلجري ‪ Coal‬من أبرز مصادر الطاقة‬
‫منذ الثورة الصناعية وحتى اليوم‪ ،‬وأكثرها تلويث ًا‬
‫للبيئة‪ .‬ويرتافق األثر البيئي للفحم مع عمليات‬
‫تعدينه وتصنيعه واستخدامه‪ .‬إذ يؤدي استخراج‬
‫الفحم احلجري إىل تدمري شديد للبيئة وتلويث ًا‬
‫كان الفحم الحجري واليزال‪..‬‬
‫لنوعية اهلواء واملاء والرتبة عىل حدّ سواء‪ .‬فضالً‬
‫من أكثر مصادر الطاقة تلويث ًا للبيئة‬

‫عن ترسب املياه احلمضية من املناجم إىل املياه اجلوفية‪ ،‬فيام يفيض حرق الفحم إىل‬
‫انبعاث مواد ضارة حتتوي عىل ثنائي أكسيد الكربون وأكاسيد الكربيت والزئبق‬
‫والثوريوم والزرنيخ وغريها من املعادن الثقيلة‪ ،‬ناهيك عن تطاير الرماد السام‪.‬‬
‫ثمة العديد من األثار الصحية اخلطرية التي تنتج عن حرق الفحم‪.‬‬
‫فبحسب تقارير منظمة الصحة العاملية ‪ WHO‬وبعض املنظامت البيئية‪ ،‬يقدر أن‬
‫التلوث بجسيامت الفحم املتطايرة يعجل بحياة قرابة مليون إنسان سنوي ًا يف سائر‬
‫أنحاء العامل‪ .‬كام ينجم عن عمليات تعدين الفحم عدة أثار بيئية سلبية ترض بالصحة‬
‫البرشية‪ ،‬من بينها تدفق املياه امللوثة حني يتم حفر مناجم الفحم‪ .‬ويؤدي تعدين‬
‫الفحم أيض ًا إىل تغيري األشكال التضاريسية وربام إىل إزالة قمم جبلية أو تالل‬
‫بأكملها‪.‬‬
‫تارخيي ًا‪ ،‬كان تعدين الفحم واليزال يعد نشاط ًا خطري ًا للغاية حتى أن قائمة‬
‫احلوادث والكوارث املتعلقة بذلك طويلة جد ًا‪ .‬وتتنوع تلك الكوارث ما بني‬
‫االختناق والتسمم بالغاز واهنيار سقوف املناجم وانفجار الغازات‪ .‬ويف الواليات‬
‫املتحدة األمريكية وحدها لقي أكثر من ‪ 100.000‬عامل من عامل املناجم حتفهم‬
‫جراء حوادث وقعت يف القرن املايض‪ ،‬منهم ‪ 3.200‬عامل قتلوا يف العام ‪1907‬‬
‫وحده‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -2‬النفط‪:‬‬
‫يعد النفط من أهم مصادر الطاقة يف الوقت‬
‫احلارض عىل اإلطالق‪ ،‬غري أنه ذي أثر سلبي‬
‫بالنسبة ملعظم أشكال احلياة فوق كوكب‬
‫األرض‪ .‬وعىل الرغم من أن النفط يعد وقود ًا‬
‫أنظف من الفحم‪ ،‬فأنه حيفل بالعديد من األرضار‬
‫بالرغم من أهمية النفط كمصدر للطاقة‪..‬‬
‫فأنه له أضرار خطيرة على البيئة‬ ‫عىل البيئة‪.‬‬
‫السمي ‪ ."Toxic‬فالنفط‬
‫من أبرز أرضار النفط املؤثرة يف البيئة هو مفعوله " ّ‬
‫اخلام ‪ Crude oil‬عىل وجه اخلصوص يتكون من مزيج عدة مركّبات عضوية‪ ،‬أغلبها‬
‫ال حقيقي ًا بالنسبة‬
‫السمية وسبب ًا ألمراض الرسطان‪ .‬كام يعد النفط قات ً‬
‫ّ‬ ‫تكون شديد‬
‫لألسامك‪ ،‬التي رسعان ما هتلك بمجرد بلوغ تركيز النفط يف املياه ‪ 4000‬جزء‬
‫باملليون‪ .‬ويسبب التعرض للمشتقات النفطية أيض ًا تشوهات خلقية بالنسبة‬
‫لألجنة‪ .‬ويعد البنزين ‪ ،Benzene‬عىل سبيل املثال‪ ،‬وهو أحد مشتقات النفط‪ ،‬سبب ًا‬
‫إلصابة اإلنسان برسطان الدم ورسطان الغدد اللمفاوية وأمراض اجلهاز املناعي‬
‫األخرى‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تسبب عمليات تكرير النفط تلوث ًا للهواء‪ ،‬فتحويل النفط‬
‫اخلام إىل مواد برتوكياموية يطلق كميات من السموم للغالف اجلوي مؤثر ًة يف‬
‫الصحة البرشية والنظام البيئي عىل نحو خطري‪ .‬ويؤدي حرق الكازولني إىل حترر‬
‫ال عن أن‬ ‫ثنائي أكسيد الكربون مسامه ًا يف حدوث ظاهرة االحتباس احلراري‪ .‬فض ً‬
‫االنسكابات النفطية الواسعة النطاق التي حتدث خالل عمليات احلفر أو النقل أو‬
‫االستخدام تسفر عن أرضار جسيمة يف البيئة املحيطة‪ .‬ومن أشهر حوادث‬
‫االنسكابات النفطية التي أدت إىل أثار كارثية عىل البيئة‪ ،‬حادثة ناقلة النفط أكسون‬
‫يف آالسكا عام ‪ ،1989‬وحادثة الترسب النفطي من منصة‬ ‫‪Exxon Valdez‬‬ ‫فالديز‬

‫‪226‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ديبووتر هورزن ‪ Deepwater Horizon‬التابعة لرشكة ‪ BP‬يف خليج املكسيك عام‬


‫‪ .2010‬هذا فض ً‬
‫ال عن ترسب املشتقات النفطية من السيارات والطائرات‬
‫والزوارق وأعامل طرح املخلفات النفطية غري القانونية‪.‬‬

‫‪ -3‬الغاز الطبيعي‪:‬‬
‫يعد الغاز الطبيعي ‪ Natural gas‬من أنظف أنواع الوقود االحفوري‪ .‬غري أنه ال خيلو‬
‫من بعض الرضر البيئي‪ .‬فالغاز الطبيعي عبارة عن مركّب مكون بالدرجة األساس‬
‫من امليثان‪ ،‬والذي يطلق عند احرتاقه ثنائي أكسيد الكربون وبخار املاء‪ ،‬وهي نفس‬
‫املركّبات التي نطلقها يف عملية الزفري‪ .‬وباملقارنة مع الفحم والنفط‪ ،‬يطلق الغاز‬
‫الطبيعي عند االحرتاق كميات صغرية من ثنائي أكسيد الكربيت وأكاسيد‬
‫النرتوجني لذا يكون ذي رائحة كرهية يف العادة‪ .‬وال يتخلف عن حرق الغاز‬
‫الطبيعي عملي ًا أي رماد أو جسيامت عالقة‪ ،‬بالرغم من حترر كميات ضئيلة من‬
‫غازات أحادي وثنائي الكربون وغريها من‬
‫اهليدروكربونات‪ .‬ومع هذا‪ ،‬حني جيري حرق‬
‫الغاز الطبيعي عىل نطاق واسع لغرض عزله عن‬
‫النفط اخلام املستخرج‪ ،‬فمن املمكن أن يتسبب‬
‫ذلك بمستويات تلويث شديدة للهواء اجلوي‪،‬‬
‫الغاز الطبيعي أنظف أنواع الوقود االحفوري‬
‫لكن حين يستغل بكثافة يسبب تلوث ًا بيئي ًا‬ ‫وربام املسامهة يف تفاقم ظاهرة االحتباس‬
‫احلراري‪.‬‬
‫ونظر ًا حلاجة عملية استخراج الغاز الطبيعي من باطن األرض إىل حقن‬
‫مزيج من مواد كياموية سائلة مع رمل ومياه إىل املكمن الصخري احلاوي عىل الغاز‬
‫مع تسليط ضغط شديد‪ ،‬وذلك إلخراج الغازات املحتبسة يف املكمن إىل السط ‪،‬‬
‫فأن هذه املواد الكياموية والرمل الذي يرتك يف املكمن تؤدي إىل تلويث املياه اجلوفية‬
‫وربام حتى إىل زعزعة استقرار الطبقات الصخرية الباطنية‪ .‬لذا‪ ،‬يساور العلامء قلق‬

‫‪227‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫من حدوث هزات أرضية حالي ًا يف منطقة الغرب األوسط األمريكي‪ ،‬عىل سبيل‬
‫املثال‪ ،‬نتيجة حلقن مياه عادمة إىل مكامن الغاز الطبيعي املوجودة فيها‪ ،‬عل ًام أن‬
‫املنطقة مل تكن تعاين يف السابق من أي هزات أرضية‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫‪ -1‬ما األساس العلمي لتصنيف مصادر الطاقة إىل موارد متجددة وأخرى غري‬
‫متجددة وما املعيار الرئيس يف إنتاج الطاقة واستهالكها حول العامل‬
‫‪ -2‬خلّص‪ ،‬يف صيغة نقاط‪ ،‬األثار البيئية لكل من مصادر الطاقة املتجددة اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬الطاقة املائية‪.‬‬
‫‪ ‬طاقة الرياح‪.‬‬
‫‪ ‬الطاقة الشمسية‪.‬‬
‫‪ ‬طاقة املد واجلزر‪.‬‬
‫‪ ‬طاقة احلرارة الباطنية‪.‬‬
‫‪ -3‬عىل الرغم من تدابري السالمة واألمان الصارمة التي يتم اختاذها يف حمطات‬
‫توليد الطاقة النووية‪ ،‬فأن وقوع أي حادث طارئ فيها يسبب كارثة ال حتمد عقبها‪.‬‬
‫ناقش هذه العبارة يف ضوء اآليت‪:‬‬
‫‪ ‬أصناف اإلشعاعات والنفايات النووية‪.‬‬
‫‪ ‬األرضار الصحية لإلشعاعات النووية‪.‬‬
‫‪ ‬أمثلة عن بعض كوارث التلوث اإلشعاعي يف حمطات الطاقة النووية‪.‬‬
‫ال واعد ًا حلل مشكلة الطاقة‪ ،‬لكنه ال خيلو من‬
‫‪ -4‬يمثل إنتاج الوقود احليوي مستقب ً‬
‫خلصها يف صيغة نقاط حمددة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعضها األرضار البيئية‪.‬‬
‫‪ -5‬تتباين مصادر الوقود االحفوري الثالثة يف تأثريها عىل البيئة‪ .‬خلّص هذه‬
‫التأثريات تبع ًا لكل مصدر منها‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -6‬صنّف مصادر الطاقة‪ ،‬يف صيغة جمدولة‪ ،‬بحسب آثارها البيئية يف ضوء األسس‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬شدة وخطورة التأثري البيئي‪.‬‬
‫‪ ‬أمد التأثري البيئي ومساحته‪.‬‬
‫‪ ‬نوع البيئة املترضرة من كل مصدر من مصادر الطاقة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪229‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الفصل الثاني عشر‬


‫الكوارث الطبيعية‬
‫يف الفصل األخري من هذا الكتاب‪ ،‬سنعرض ملوضوع الكوارث الطبيعية باعتبارها‬
‫قضية بيئية عظمى عاد ًة ما ينتج عنها خسائر فادحة يف األرواح البرشية ويف‬
‫املمتلكات املادية وتسبب تدمري ًا ملكونات البيئة التي نحيا فيها‪ .‬وسيتم هنا حتديد‬
‫واف لنامذج من هذه‬‫ٍ‬ ‫مفهوم الكوارث الطبيعية وتصنيفها‪ ،‬ثم تقديم عرض‬
‫الكوارث واملخاطر احلقيقية النامجة عنها‪ ،‬معزز ًا بكثري من األمثلة‪.‬‬

‫الكوارث الطبيعية وتصنيفها‬


‫تعـــد الكـــوارث الطبيعيـــة ‪Natural Disasters‬‬
‫كــالزالزل والفيضــانات واألعاصــري املداريــة‬
‫وتفيش األوبئة الفتاكة مظاهر مألوفة مـن مظـاهر‬
‫البيئة الطبيعية‪ .‬وهي تؤثر يف سائر الكائنات احلية‬
‫ولذا فعاد ًة ما يشار إليها عىل أهنا كـوارث لكوهنـا‬
‫تعد الكوارث الطبيعية‪ ..‬خطر ًا فتاكاً‬
‫يهدد اإلنسان وبيئته من حين آلخر‬ ‫تــؤثر يف املجتمــع البشـــري وتســبب اضــطراب ًا‬
‫اجتامعي ًا وأرضار ًا مادية وخسائر يف األرواح‪ .‬وعىل هـذا‪ ،‬ينبغـي دراسـة الكـوارث‬
‫الطبيعية وتعريفها يف ضوء العمليات الطبيعية التي تنطوي عليها ويف ضوء العوامل‬
‫البرشية املسببة لتعريض جمموعة من الناس إىل خماطر هذه الكوارث‪.‬‬
‫عىل الرغم من أن بعض األماكن تعد أخطر من غريها‪ ،‬فأن كل املواقع عىل‬
‫سط األرض معرضة خلطر الكوارث الطبيعية يف واقع احلال‪ ،‬فهنالك دائ ًام فرصـة‬
‫حلدوث كارثة من جراء خطر طبيعي ما‪ .‬ومع أن ال يوجد هناك مكان خيلو من مزايا‬
‫طبيعية معينة‪ ،‬فأن الذي حيدد وجود النشاطات البرشية من عدمها يف هذا املكـان أو‬

‫‪230‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ذاك هو املقارنة ما بني خطورة ذلك املكان مع مزاياه‪ .‬ففي كثري مـن املواقـع‪ ،‬تتمتـع‬
‫الظاهرة الطبيعية املسؤولة عن كارثة ما بمخاطر ومنافع يف آن واحـد‪ .‬فـالنهر‪ ،‬عـىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬يتعرض إىل الفيضان مما قد جيعله خطـر ًا‪ ،‬لكـن يعـد يف الوقـت نفسـه‬
‫مصدر ًا للمياه ويمثل سهله الفييض مكان ًا للرتب اخلصبة واالنبسـاط‪ .‬وعـىل هـذا‪،‬‬
‫فإن الكارثة الطبيعية بقدر ما حتمل من خماطر مجة‪ ،‬فأهنا أيض ًا قد تكون نافعة للنشاط‬
‫البرشي عرب أزمان خمتلفة‪.‬‬
‫هذا ويمكن تصنيف الكوارث الطبيعية بحسـب نوعهـا وتكـرار حـدوثها‬
‫وأمد تأثريها مثلام مبني يف اجلدول (‪.)12 - 1‬‬
‫اجلدول (‪ :)12 - 1‬تصنيف الكوارث الطبيعية تبع ًا لنوعها وتكرار حدوثها وأمد تأثريها‪.‬‬

‫أمد تأثيرهش‬ ‫تكرار حدوثهش ونوعهش‬ ‫الكشرث ـ ــة‬


‫حلظة‬ ‫لش ائا‬ ‫بة ة ة ة ة ةةر ص الق‬
‫ث ان ة قائق‬ ‫م مسا‪ /‬ي ما لش ائا‬ ‫اهنياش جليدي‬
‫ث ان ة قائق‬ ‫‪،‬اه منرظم‬ ‫زالزل‬
‫ث ان ة االاغ‬ ‫م مسا‬ ‫ز بعة قمعية‬
‫ث ان ة لق‬ ‫م مسا‪ /‬غري منرظم‬ ‫اهنياش أشضا‬
‫قائق‬ ‫م مسا‪ /‬ي ما‬ ‫لاصفة م رية ‪،‬ديدو‬
‫قائق ة االاغ‬ ‫‪،‬اه منرظم‬ ‫تس ناما‬
‫قائق ة أيام‬ ‫م مسا‪، /‬اه منرظم‬ ‫في ان‬
‫قائق ة لق‬ ‫مفاجئ أ تدشجيا‬ ‫ها ط أشضا‬
‫االاغ‬ ‫م مسا‪ /‬تصالدي‬ ‫لاصفة ه جاء‬
‫االاغ‬ ‫م مسا‪ /‬غري منرظم‬ ‫الص ة ة ةةاش مداشي‬
‫االاغ‬ ‫م مسا‬ ‫لاصفة ثل ية‬
‫االاغ ة أيام‬ ‫م مسا‪ /‬لش ائا‬ ‫حريق ايعا‬
‫االاغ ة أيام‬ ‫م مسا‪ /‬ي ما‬ ‫ضااب‬
‫االاغ ة ان اغ‬ ‫غري منرظم‬ ‫ث شان بركاين‬
‫االاغ ة آالف السني‬ ‫تدشجيا‬ ‫تعرية تربة‬
‫أيام ة ان اغ‬ ‫م مسا‪ /‬غري منرظم‬ ‫م جة جفاف‬
‫أاابيا ة ‪،‬ه ش‬ ‫م مسا‪ /‬غري منرظم‬ ‫آفة زشالية‬

‫‪231‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫نماذج من الكوارث الطبيعية‬


‫سنلقي فيام ييل نظرة عن كثب عـىل بعـض األسـباب الطبيعيـة الرئيسـة املؤديـة إىل‬
‫حدوث الكوارث‪ .‬ويستند االختيار هنا إىل حتليل أسباب الوفيات مـن كافـة أنـواع‬
‫الك ـوارث عــىل مــدى الفــرتة ‪ 1999 - 1900‬الــذي أعدتــه الــدائرة األمريكيــة‬
‫للمساعدات بشـأن الكـوارث اخلارجيـة‪ .‬وعـىل الـرغم مـن أن احلـروب األهليـة‬
‫واملجاعات تعد من أبرز أسباب الوفيات‪ ،‬إذ تبلغ الوفيات النامجة عنهـا نحـو ‪%88‬‬
‫من أمجايل اخلسائر‪ ،‬فأن احلوادث الطبيعية كموجات اجلفاف والفيضانات غالبـ ًا مـا‬
‫تعد سبب ًا لبداية وقوع املجاعات‪ ،‬ومـع هـذا تعـد الـزالزل والرباكـني واألعاصـري‬
‫واألوبئة الفتاكة والفيضانات من أهـم األسـباب املبـارشة للوفيـات (الشـكل ‪– 1‬‬
‫‪.)12‬‬

‫الشكل (‪ :)12 – 1‬درجة ترضر دول العامل من جراء الكوارث الطبيعية‪.‬‬

‫الـزالزل‬
‫يسجل فوق سط األرض يف كل عـام حـوايل مليـون هـزة أرضـية ‪،Earthquakes‬‬
‫لكن الغالبية العظمى منها تكون عبارة عن هزات صغرية جد ًا بحيث ال يشـعر هبـا‬
‫الناس‪ .‬لكن‪ ،‬ال يتسبب سوى عدد قليل جد ًا من الزالزل الكربى التي تقـع يف كـل‬

‫‪232‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫سنة بإحداث رضر ًا واسع ًا مسبب ًة بذلك بعض ًا من أكثر الكوارث الطبيعيـة يف العـامل‬
‫ال عانت من بعض أسوء النكبات من جراء زالزل أرضية عنيفة‪:‬‬ ‫تدمري ًا‪ .‬فالصني مث ً‬
‫فقد أدى زلزال العام ‪ 1556‬الذي رضب شنيـيس ‪ Shensi‬إىل مقتـل مـا يزيـد عـن‬
‫‪ 800.000‬شخص‪ ،‬فيام أسفر زلزال تانغشن ‪ Tangshan‬يف العام ‪ 1976‬عن مقتل‬
‫أكثر من ‪ 250.000‬شخص ًا‪.‬‬
‫حتدث معظم الزالزل نتيجة لضغوط تكتونية شديدة تتحرر عىل مقربة مـن‬
‫حافات الصفائ الصخرية لألرض‪ ،‬مع أهنا قد حتـدث أيضـ ًا يف املنـاطق الضـعيفة‬
‫الواقعة يف وسط تلك الصفائ ‪ .‬وعىل الـرغم مـن معرفتنـا اجليـدة بمواقـع حـدود‬
‫الصفائ ومعظم الصدوع املرتبطة هبا (الشـكل ‪ ،)12 – 2‬إال أن التحديـد الـدقيق‬
‫لوقت ومكان حدوث اهلزات الفردية أمر غري ممكن التنبؤ به واقع ًا عىل وجه الدقـة‪.‬‬
‫وقد كان استخدام مراقبة املوجات الزلزالية إىل جانب معاينة الظواهر الطبيعية‪ ،‬بـام‬
‫يف ذلك ترصفات احليوانات‪ ،‬يعد الـتكهن النـاج الوحيـد بوقـوع زلـزال مـدمر‪،‬‬
‫كالذي رضب مدينة هاتشنغ ‪ Haicheng‬الصينية يف شـباط ‪ .1976‬إذ صـدر األمـر‬
‫بإخالء هاتشنغ مع مدينتني أخريني قبل ‪ 48‬ساعة من وقوع الزلـزال‪ ،‬األمـر الـذي‬
‫حفظ أرواح اآلالف‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)12 – 2‬التوزيع اجلغرايف للنطاقات الزلزالية والرباكني النشطة يف العامل‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫إن أهم خطر بيئي ينشأ عن احلركات األرضية الزلزالية هو اهتزاز األرض‪،‬‬
‫‪ ،Richter‬وهو عبارة عن مقياس‬ ‫‪scale‬‬ ‫الذي يمكن قياسه عىل مقياس رخيرت‬
‫لوغاريتمي يقيس الطاقة االهتزازية للهزة‪ .‬ويف نيسان من العام ‪ ،1906‬تسبب‬
‫بوالية كاليفورنيا‬ ‫‪San Andreas‬‬ ‫زلزال وقع عىل طول صدع سان أندرياس‬
‫األمريكية‪ ،‬بانزالق الصدع لستة أمتار عىل مسافة ‪ 300‬كم‪ ،‬وتسببت األمواج‬
‫العابرة التي حتررت عن االنزالق بدمار واسع لسان فرانسيسكو‪ .‬وقد كان لظروف‬
‫املوقع املحلية أثر مهم عىل احلركة األرضية‪ ،‬إذ وقعت أكرب األرضار للمنشآت يف‬
‫املناطق املرتكزة عىل ترب ضعيفة عىل نقيض تلك املرتكزة عىل صخور صلبة‪ .‬أما‬
‫الزلزال الذي رضب األجزاء الوسطى من العاصمة املكسيكية مكسيكو سيتي يف‬
‫العام ‪ ،1985‬فقد تسبب بخسائر فادحة‪ ،‬وذلك‬
‫ألن املدينة كانت تقوم فوق قاع بحرية جافة‪.‬‬
‫وباملثل‪ ،‬فقد تسبب زلزال متوسط بقوة ‪ 5.4‬عىل‬
‫مقياس رخيرت رضب مدينة سان سلفادور يف‬
‫العام ‪ ،1986‬بدمار واسع عىل نحو استثنائي‪،‬‬
‫تتكرر الزالزل في العاصمة المكسيكية‪..‬‬
‫لكونها تقع فوق قاع بحيرة جافة نشطة تكتوني ًا‬ ‫وذلك ألن املدينة مبنية فوق طبقة من الرماد‬
‫الربكاين يصل سمكها إىل ما يزيد عن ‪ 25‬مرت ًا‪.‬‬
‫ثمة خطر جدي أخر للزالزل يرتبط بالرواسب الطرية املشبعة باملاء‪ ،‬ذلـك‬
‫هو سيولة الرتبة‪ .‬إذ يمكن لالهتزاز العنيف أن يؤدي إىل طراوة الرواسب وضـعف‬
‫متاسكها وحتوهلا إىل ما يشبه السائل‪ .‬ويمكن هلذه احلالة أن تـؤول إىل هبـوط املبـاين‬
‫وتدفق الرتبة من عىل السفوح التي تزيد درجة انحدارها عن ‪ 3‬درجات‪ .‬وغالب ًا مـا‬
‫تلعب التدفقات الطينية واالنزالقات األرضية واالهنيارات الصخرية والثلجية التي‬
‫تنجم عن االهتزازات األرضية دور ًا رئيس ًا يف كوارث الزالزل‪ ،‬السـيام يف املنـاطق‬

‫‪234‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫اجلبلية‪ .‬ويف دراسة للزالزل الكربى يف اليابان‪ ،‬وجد أن االنزالقات األرضـية هـي‬
‫السبب وراء وقوع أكثر من نصف الوفيات املرتبطة بالزالزل‪.‬‬
‫تعــد الزحزحــة التكتونيــة لقــاع البحــر‬
‫الســبب الــرئيس حلــدوث األمــواج البحريــة‬
‫العمالقــة‪ ،‬أو مــا يســمى بــأمواج التســونامي‬
‫‪ ،Tsunamis‬التي يمكنها قطـع مسـافات تصـل‬
‫آلالف الكيلو مرتات وبسـرعة تزيـد عـن ‪900‬‬
‫تسبب أمواج التسونامي الناجمة عن الزالزل‬
‫البحرية‪ ..‬دمار ًا هائالً للمناطق الساحلية‬ ‫كم‪/‬ساعة والتسبب بأرضار جسيمة عند رضهبا‬
‫للسواحل‪ .‬ويكثر حدوث أمواج التسونامي يف املحيط اهلادي حيث تسببت أحـدى‬
‫أضخم املوجات وأكثرها تدمري ًا‪ ،‬بعـدما بلـغ ارتفاعهـا ‪ 24‬مـرت ًا‪ ،‬بغـرق ‪26000‬‬
‫شخص ًا يف سانريكو ‪ Sanriku‬باليابان يف العام ‪ .1896‬أما موجـة التسـونامي التـي‬
‫وقعت يف املحيط اهلندي يف كانون األول من العام ‪ 2004‬فقد أحلقت خسـائر أكـرب‬
‫يف األرواح‪ ،‬إذ يقدر عـدد اللـذين لقـوا مصــرعهم أو فقـدوا بحـوايل ‪300.000‬‬
‫شخص ًا‪ ،‬مما جيعلهـا تعـد واحـدة مـن أكـرب الكـوارث الطبيعيـة دمـار ًا يف التـاريخ‬
‫احلديث‪ .‬إذ وقع زلزال عنيف قبالة ساحل شاميل سومطرة يعـد األعنـف حلـد اآلن‬
‫بعدما بلغت قوته عىل مقياس رخيرت ‪ ،9.3‬وتسبب بحدوث أمواج وصـل ارتفاعهـا‬
‫إىل ‪ 30‬مرت ًا انترشت عرب أرجاء املحيط برسعة تقارب رسعة الطائرة النفاثـة‪ .‬وبلـغ‬
‫عدد الذين تأثروا مبارشة هبذه األمواج قرابة مليونني نسمة‪ .‬وحدثت أكرب الفواجع‬
‫وأعنف دمار وأوسعه يف مقاطعـة آيش ‪ Aceh‬بجزيـرة سـومطرة‪ ،‬إذ كـان سـاحلها‬
‫األقرب إىل مركز الزلزال‪ ،‬إذ مل يستغرق وصول موجة التسونامي إليه سوى عشــر‬
‫دقائق‪ .‬أما ثاين أكثر املناطق ترضر ًا فكان ساحل تايالند‪ ،‬يليه اهلند وسريالنكا‪ ،‬لكن‬
‫تم تسجيل وقوع أرضار وخسائر يف األرواح يف مناطق تقع عىل مسافات بعيدة جد ًا‬

‫‪235‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫عن مركز الزلزال كام يف بنغالديش وجزر سيشيل والصومال‪ .‬وقدر جمموع اخلسائر‬
‫االقتصادية التي نجمت عن هذه الكارثة الدولية بمليارات الدوالرات‪.‬‬

‫الثورانات البركانية‬
‫‪Volcanic‬‬ ‫تســـببت الثورانـــات الربكانيـــة‬
‫‪ eruptions‬بمقتل زهاء ‪ 250.000‬شخص عىل‬
‫مدى الـ ‪ 400‬سـنة األخـرية نتيجـة للمخـاطر‬
‫الكثرية التـي ترافقهـا‪ ،‬مثـل تسـاقط الصـخور‬
‫والرماد‪ ،‬وانبعاث الغـازات السـامة واهنيـارات‬
‫الزالت البراكين تشكل كارثة مدمرة‪..‬‬
‫إذا ما ثارت وانفجرت‬ ‫احلطــام الصــخري وانســياب احلمــم الربكانيــة‬
‫والتدفقات الطينية والتـدفقات الفلذبركانيـة ‪ Pyroclastic‬امل ّكونـة مـن رغـوة مـن‬
‫املفتتات الصخرية والغازات‪ .‬ويمكن أن تصل التـأثريات البيئيـة هلـذه املظـاهر إىل‬
‫مسافات بعيدة جد ًا‪ .‬وقد تسبب الرباكني النشطة أيض ًا بمخاطر طويلـة األمـد عـىل‬
‫الصحة البرشية وذلـك جـراء التعـرض املسـتمر لغـازات ثنـائي أكسـيد الكربـون‬
‫والرادون وغريمها من امللوثات‪ .‬ويعتقد أن نحو ‪ 500‬بركان فقط قـد ثـارت فعليـ ًا‬
‫عرب التاريخ‪ ،‬وبغض النظر عن تصنيفها كوهنا براكني نشطة أو خاملـة أو منقرضـة‪،‬‬
‫فإهنا تسبب يف بعض األحيان دمار ًا واسع ًا (مثلام يف بركان جبل بانتيبو ‪ Pinatubo‬يف‬
‫الفلبني عام ‪ .)1991‬وكام احلال مع الزالزل‪ ،‬فإن العامل املؤثر يف توزيـع الرباكـني‬
‫ونشاطها هو الوضع التكتوين لألرض (أنظر الشكل ‪.)12 – 2‬‬
‫يمكن للدقائق الصلبة التي يلفظها الربكـان يف أثنـاء ثورانـه‪ ،‬التـي تـدعى‬
‫عموم ًا بالرماد الربكاين‪ ،‬التسبب بأخطار شتى تبعد مئات الكيلو أمتار عن الربكان‪.‬‬
‫فالدقائق الصغرية قد يتم استنشاقها‪ ،‬مما يسبب مشكالت تنفسـية كـالربو والتهـاب‬
‫الشعب اهلوائية وترضر العيون واجللد‪ .‬وقد يرتاكم الرماد الربكاين أيض ًا عىل املباين‪،‬‬
‫مسبب ًا اهنيارها جراء ثقله فوق السـقوف‪ .‬ويمكـن أيضـ ًا اإلرضار بالغطـاء النبـايت‪،‬‬

‫‪236‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫كاملحاصيل الزراعية مـثالً‪ ،‬وذلـك بفعـل أطامرهـا أو تلوثهـا‪ .‬وقـد يكـون الرمـاد‬
‫الربكاين ملوث ًا بغازات سامة كالفلورين (‪ )F‬الذي ينبعث بكميـات كبـرية يف بعـض‬
‫الثورانات‪ ،‬مما قد يشكل خطر ًا عىل احليوانات التي ترعى يف املراعي‪ .‬ويعد التسـمم‬
‫بالفلوريد من املشكالت اخلطرية التي تعاين منها‬
‫بشكل خاص املاشية يف أيسـلندا‪ ،‬حيـث تسـبب‬
‫مث ً‬
‫ال هبالكات آلالف األغنام يف أعقـاب ثـوران‬
‫بركان هيكال ‪ .1970‬كام أن ميـاه الشــرب قـد‬
‫يسبب الرماد البركاني نتائج كارثية‬
‫تصب ملوثة بالفلورين من الرماد الربكاين‪ ،‬عل ًام‬
‫على الصحة العامة‬
‫أن تسمم البرش بالفلورين يبدو أمر ًا نادر ًا‪.‬‬
‫أما تدفق احلمم الربكانية‪ ،‬التي تعـد مـن أكثـر املخـاطر التـي تتصـف هبـا‬
‫الرباكني‪ ،‬فأهنا نادر ًا ما تكـون رسيعـة بـام يكفـي للتسـبب بحـدوث وفيـات لكـن‬
‫بوسعها أن تسحق متام ًا كل ما يعـرتض طريقهـا‪ .‬وتتبـاين االسـتجابات للتصـدي‬
‫لتدفق احلمم الربكانية بني الدول‪ .‬إذ متيل الدول الناميـة إىل االعـتامد عـىل أسـلوب‬
‫التحذير من اخلطر واإلخالء‪ ،‬فيام حتاول بعض الدول املتقدمة التخفيف من اخلطـر‬
‫من خالل تعـديل مسـار احلمـم املتدفقـة بواسـطة املتفجـرات‪ ،‬ووضـع احلـواجز‬
‫واملتاريس حلامية املناطق املأهولة بالسـكان‪ ،‬وكـذلك‬
‫التحكم بالتدفق باسـتخدام امليـاه (مـثلام معمـول يف‬
‫هاواي‪ ،‬أيسلندا‪ ،‬إيطاليـا‪ ،‬واليابـان)‪ ،‬علـ ًام أن هـذه‬
‫البلدان تلجأ أيض ًا إىل أسـلوب التحـذير واإلخـالء‪.‬‬
‫ويقــرتح الــبعض أنــه بــات باإلمكــان اآلن جتنــب‬
‫حدوث "وفيات كثرية" مـن خـالل تطبيـق طرائـق‬
‫التنبؤ البسيطة إىل حـد مـا‪ ،‬ذلـك ألن نشـاط معظـم‬
‫تعد الحمم البركانية‪..‬‬
‫أكبر أخطار البراكين‬ ‫الرباكني يقوم عىل حجم الثوران‪ ،‬والثوران هو الذي‬

‫‪237‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫يبني الربكان‪ ،‬وبناء الربكان يمكن كشفه‪ ،‬إذا مـا تـوفرت مراقبـة كافيـة باسـتخدام‬
‫املقاييس الزلزالية وحتليل عينات الغازات‪ .‬ومع هـذا‪ ،‬تبقـى هنـاك حقيقـة وجـود‬
‫العديد من املنشآت البرشية يف سائر العامل تقع يف مرمى الكوارث الربكانية املحتملة‪،‬‬
‫مثلام يف بعض املدن الكربى الواقعة عىل مقربة من الرباكني كمكسيكو سيتي (قـرب‬
‫‪Tangkuban‬‬ ‫بركان بوبوكاتبيتل ‪ ،)Popocatepetl‬بانكوك (قرب بركان تانغبن براها‬
‫‪ ،)Parahu‬نابويل (قرب بركان فسيفيوس ‪ ،)Vesuvius‬ماناغوا (قرب بركان ماسـايا‬
‫ننديري ‪ ،)Masaya Nindiri‬إذ تقع مجيعها عىل مسافة ال تزيد عن ‪ 50‬كم مـن تلـك‬
‫الرباكني‪ .‬وقد يؤدي التوسع احلرضي‪ ،‬السيام يف البلدان النامية‪ ،‬إىل زيادة التعـرض‬
‫ملخاطر الثورانات الربكانية املحيطة بالعديد من املدن الكربى يف العامل‪.‬‬
‫أما يف العرص احلايل‪ ،‬فثمة فارق واض بني التنبؤ الصائب وعملية اإلخـالء‬
‫الناجحة كام حصل بالنسـبة للمنطقـة املحيطـة بجبـل بـانتيبو ‪ Pinatubo‬الواقـع يف‬
‫جزيرة الزيو الفلبينية خالل العام ‪ ،1991‬وبني الفشل يف عملية اإلخالء يف الوقت‬
‫املناسب الذي حدث خالل ثوران بركان نيفـادو ديـل ريـوز ‪ Nevado del Ruiz‬يف‬
‫كولومبيا خالل العام ‪ .1985‬إذ تم رصد حدوث اهتزازات وغريها مـن الظـواهر‬
‫غري املألوفة يف نشاط بركان نيفادو قبل نحو عام من ثورانه‪ ،‬واستدعي العديـد مـن‬
‫اجليولوجيني واملتخصصني يف جمـال علـم الـزالزل لتقيـيم الوضـع‪ ،‬لكـن ضـعف‬
‫التواصل واإلجراءات احلكومية البريوقراطية حالـت دون اختـاذ قـرار اإلخـالء يف‬
‫الوقت املناسب‪ .‬وثار الربكان يف ‪ 13‬ترشين الثاين‪ ،‬وأذاب جزء ًا من اجلليد املتجمع‬
‫يف قمة اجلبل‪ ،‬واجتاح سيل جارف من املياه الذائبة واملفتتات الصخرية املتدفقة من‬
‫القمة القنوات املائية الواقعة يف األسفل مقتلع ًا الغطاء النبايت وتكونـت عـىل الفـور‬
‫سيول هادرة من املـاء والوحـل‪ .‬وقـد لقـي زهـاء ‪ %70‬مـن سـكان بلـدة أرمـريو‬
‫‪( Armero‬أي حوايل ‪ 20.000‬نسمة) حتفهم جراء التدفق الطيني فيام قتـل ‪1800‬‬
‫شخص ًا عىل اجلهة األخرى من الربكان‪ .‬وحلـق الـدمار واألرضار بـام جمموعـه ‪50‬‬

‫‪238‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ال صناعي ًا‪ ،‬فض ً‬


‫ال عن العديد من الطرقات واجلسـور‬ ‫مدرسة‪ 2 ،‬مستشفى‪ 58 ،‬معم ً‬
‫وخطوط نقل الطاقة‪ ،‬وتعرضت ‪ %60‬من موايش املنطقة للهالك‪ .‬وقـدرت الكلفـة‬
‫اإلمجالية عىل االقتصاد الكولومبي بنحـو ‪ 7.7‬مليـار دوالر أمريكـي‪ ،‬أو ‪ %20‬مـن‬
‫الناتج القومي للبالد يف ذلك العام‪.‬‬

‫األعاصير املدارية العمالقة‬


‫تعد األعاصـري املداريـة العمالقـة‪ ،‬التـي تـدعى‬
‫أيض ًا بإسم ‪ Hurricanes‬يف املحيط األطلســي و‬
‫‪ Typhoons‬يف غريب املحـيط اهلـادي‪ ،‬مـن أكثـر‬
‫األخطار الطبيعية تدمري ًا عـىل اإلطـالق‪ .‬وهـذه‬
‫األعاصري تنشأ فوق املحيطـات املداريـة الدافئـة‬
‫تعد األعاصير المدارية‪ ..‬من أكثر األخطار‬
‫الطبيعية تدمير ًا وتكرار ًا‬ ‫وتتشكل بموجب جمموعة من العمليات املعقدة‬
‫حتى تنضج ومن ثم تتالشى يف هناية املطاف‪ .‬وتكون املياه البحريـة الدافئـة بمثابـة‬
‫الوقود الذي يغذي املاكينة احلرارية لإلعصار‪ ،‬إذ ال يتشكل اإلعصار إال حينام تصل‬
‫درجة حرارة اخلمسني مرت ًا العلوية من ميـاه سـط البحـر إىل قرابـة ‪ْ 26.5‬م‪ .‬وأن‬
‫تتصف درجة حرارة اهلواء الواقع يف األعىل باالنخفاض الســريع مـع الصـعود إىل‬
‫األعىل‪ ،‬بحيث تتكون يف بداية األمر زوابع رعدية‪ .‬ويساعد نشاط الزوبعة الرعديـة‬
‫الذي يتزود بالطاقة من حرارة مياه املحيط عىل تشكيل اإلعصار املداري (الشكل ‪3‬‬
‫– ‪ .)12‬وال يمكن هلذه الظروف إال أن حتدث ضمن النطاق املحصور بـ ‪ 500‬كـم‬
‫عىل كال جانبي خط االستواء‪ .‬ويرجع السبب يف ذلك إىل تأثري قـوة دوران األرض‬
‫ال مكم ً‬
‫ال لتشكيل اإلعصار املـداري‪،‬‬ ‫حول نفسها (قوة كوريولس) التي تضفي عام ً‬
‫وتنخفض حدة هذه القوة كلام ابتعدنا عن خط االستواء‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل ‪ :12 – 3‬كيفية تشكل اإلعصار املداري‪.‬‬

‫حيــدث الــدمار الــذي تتســبب فيــه‬


‫األعاصري املدارية نتيجـة لتضـافر جمموعـة مـن‬
‫العوامل كالرياح الشديدة التي تصل رسعتها إىل‬
‫‪ 33‬م‪/‬ثا‪ ،‬ويمكن أن تبلـغ ‪ 80‬م‪/‬ثـا‪ ،‬وهطـول‬
‫أمطار غزيرة بحيث قد تسبب حدوث فيضانات‬
‫عادةّ ما يسبب هيجان البحر الناجم عن‬
‫األعاصير المدارية‪ ..‬دمار ًا فادح ًا للسواحل‬ ‫وانزالقات أرضـية وتـدفقات طينيـة‪ ،‬وأمـواج‬
‫عاتية التي تسفر إىل جانب تضافر تأثري الرياح إىل هيجان البحـر وارتفـاع منسـوب‬
‫مياهه بحيث يتسبب بغرق السواحل وحدوث اهنيارات أرضـية‪ .‬والواقـع أن نحـو‬
‫‪ %15‬من سكان العامل هم يف خطر حقيقي من األعاصري املدارية‪ ،‬ذلـك ألن معظـم‬
‫الوفيات التي حتدث جراء هبوهبا إنام تكون نتيجة الغرق من أمواج البحرية اهلائجة‪.‬‬
‫ويوض اجلدول (‪ )12 - 2‬اخلسائر البرشية والكلف االقتصادية لألرضار النامجـة‬
‫عن األعاصري املدارية لبعض أسـوء الكـوارث اإلعصـارية احلديثـة خـالل الفـرتة‬

‫‪240‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ ،2006 - 1970‬فمث ً‬
‫ال تفوق اخلسائر االقتصادية النامجـة عـن إعصـاري كاترينـا‬
‫‪ Katrina‬وأندرو ‪ Andrew‬أمجايل ما نجم عن اعتداءات ‪ 11‬سبتمرب ‪.2001‬‬

‫اجلدول (‪ :)12 - 2‬بعض األعاصري املدارية األكثر تدمري ًا للفرتة ‪.2006 – 1970‬‬
‫‪0‬‬

‫الخسشئر المشدـة‬ ‫الضحشـش‬ ‫الالد‬ ‫أسم اإلعصشر‬ ‫التشرـخ‬


‫(مليشرا ت‬ ‫(قتلى‬
‫الدوالرا ت)‬ ‫ومفقودـن)‬
‫‪66.3‬‬ ‫‪1836‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الاهاما‬ ‫كاترينا‬ ‫‪ 25‬آب ‪2006‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪43‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الاهاما‬ ‫أندش‬ ‫‪ 23‬آب ‪1992‬‬
‫‪13.7‬‬ ‫‪124‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الكاشييب‬ ‫ايفان‬ ‫‪ 2‬أيل ل ‪2004‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪35‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة ايكسيك‬ ‫‪19‬تشرين أ ل ‪ 2005‬يلما‬
‫‪10.4‬‬ ‫‪34‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الكاشييب‬ ‫شيرا‬ ‫‪ 20‬أيل ل ‪2004‬‬
‫‪8.6‬‬ ‫‪24‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الكاشييب‬ ‫تشاشيل‬ ‫‪ 11‬آب ‪2004‬‬
‫‪8.4‬‬ ‫‪51‬‬ ‫اليابان‬ ‫مرييل شقم ‪19‬‬ ‫‪ 27‬أيل ل ‪1991‬‬
‫‪7.4‬‬ ‫‪71‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الكاشييب‬ ‫هغ‬ ‫‪ 15‬أيل ل ‪1989‬‬
‫‪5.5‬‬ ‫‪38‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الاهاما‬ ‫فرانسس‬ ‫‪ 26‬آب ‪2004‬‬
‫‪4.9‬‬ ‫‪26‬‬ ‫اليابان‬ ‫باشغ شقم ‪18‬‬ ‫‪ 22‬أيل ل ‪1999‬‬
‫‪4.4‬‬ ‫‪600‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الكاشييب‬ ‫ج شجس‬ ‫‪ 20‬أيل ل ‪1998‬‬
‫‪4.1‬‬ ‫‪41‬‬ ‫ال الياغ ايرحدو‬ ‫أليس ن‬ ‫‪ 5‬ح يران ‪2001‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3034‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الكاشييب‬ ‫جيان‬ ‫‪ 13‬أيل ل ‪2004‬‬
‫‪3.8‬‬ ‫‪45‬‬ ‫اليابانة ك شيا اجلن بية‬ ‫ا نكدا شقم ‪18‬‬ ‫‪ 6‬أيل ل ‪2004‬‬
‫‪3.4‬‬ ‫‪70‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة الاهاما‬ ‫فل يد‬ ‫‪ 10‬أيل ل ‪1999‬‬
‫‪3.3‬‬ ‫‪59‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة ايكسيك‬ ‫‪ 1‬تشرين أ ل ‪ 1995‬أ بال‬
‫‪2.4‬‬ ‫‪30‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة كندا‬ ‫اي ابيل‬ ‫‪ 18‬أيل ل ‪2003‬‬
‫‪2.3‬‬ ‫‪39‬‬ ‫ال الياغ ايرحدو‬ ‫فرين‬ ‫‪ 5‬أيل ل ‪1996‬‬
‫‪2.3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ال الياغ ايرحدوة ش ا ا ي‬ ‫أنكا‬ ‫‪ 11‬أيل ل ‪1992‬‬
‫‪2.2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ال الياغ ايرحدو‬ ‫فريدشيك‬ ‫‪ 12‬أيل ل ‪1979‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫هند شاس‬ ‫فيفا‬ ‫‪ 18‬أيل ل ‪1974‬‬

‫‪241‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ونظر ًا لفشل حماوالت السيطرة عىل األعاصري املدارية أو تغيري مسـارها أو‬
‫تدمريها‪ ،‬فأن أهم ما تركز عليه املجتمعات هو حماولـة تقليـل األرضار مـن خـالل‬
‫االستعداد الكامل ملواجهة اإلعصار‪ .‬إذ تعد األقامر االصـطناعية املختصـة برصـد‬
‫املناخ من أهم الوسائل الكفيلة بالكشف عن األعاصري املدارية ومراقبتها‪ ،‬وبـذلك‬
‫تكون وسيلة ناجعة لإلنذار املبكر‪ .‬وقد عملت التحسينات يف جمال التنبؤ واإلنـذار‬
‫وخطط اإلخالء عىل التقليل من حجم اخلسائر البرشية يف العديد من البلدان خالل‬
‫العقود األخرية‪ ،‬يف مقابل ارتفاع األرضار يف املمتلكـات‪ .‬ففـي الواليـات املتحـدة‬
‫األمريكية‪ ،‬يقدر أن نحو ‪ 70‬مليون نسمة هم عرضة خلطر األعاصري املداريـة‪ ،‬وأن‬
‫قرابة ‪ %10‬منهم يقطنون يف فلوريدا‪ .‬والحظ بعض املراقبني وجود فارق جـوهري‬
‫يف التأثري ما بني البلدان املتقدمة والنامية‪ ،‬فاألوىل أفضـل تنظـي ًام وأقـدر عـىل إبـالغ‬
‫التحذيرات وتسهيل اإلخالء‪.‬‬
‫إن من أكثر البلدان املتأثرة تـأثر ًا شـديد ًا‬
‫وبشــكل متكــرر مــن األعاصــري املداريــة هــي‬
‫بنغالديش‪ ،‬التي رضهبا خالل املـدة املمتـدة مـن‬
‫‪ 1797‬إىل ‪ 1997‬نحو ‪ 61‬إعصـار ًا عنيفـ ًا‪32 ،‬‬
‫إعصار ًا منها كان مصحوب ًا بأمواج بحرية عاتيـة‪.‬‬
‫تعد بنغالديش‪ ..‬أكثر البلدان المفجوعة من‬
‫األعاصير المدارية‬ ‫وكانت بعض هذه األعاصري قد أوقعت خسـائر‬
‫ال أسفر إعصار ترشين األول من العام ‪ ،1876‬الذي نجمت عنه أمواج‬ ‫فادحة‪ .‬فمث ً‬
‫عاتية بارتفاع ‪ 12‬مرت ًا‪ ،‬عن خسـائر يف األرواح وصـلت إىل ‪ 400.000‬قتيـل‪ ،‬كـام‬
‫قتل ‪ 300.000‬أخرين يف موجة بحرية عاتية بلـغ ارتفاعهـا ‪ 10‬أمتـار يف تشــرين‬
‫الثاين من العام ‪ ،1970‬فيام فقد ‪ 140.000‬أرواحهم جراء إعصار جوركي ‪Gorky‬‬
‫يف نيسان من العام ‪ .1991‬إن ارتفاع الكثافة السكانية لبنغالديش يعني أن النـاجني‬
‫رسعان ما يبادروا إىل إشغال األرايض الساحلية املنخفضة بعد زوال الكارثة‪ .‬وهلذا‬

‫‪242‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫تبنت احلكومة البنغالدشية مرشوع احلامية مـن األعاصـري الـذي هيـدف إىل إعـادة‬
‫تأهيل السدود الساحلية املبنية يف الستينيات والسبعينيات‪ ،‬وذلك لتـوفري قـدر مـن‬
‫احلامية هلذه املناطق‪ .‬ومع هذا‪ ،‬فأن استئصـال التهديـد املتـأيت مـن األعاصـري ومـا‬
‫ال يف احلقيقة‪ .‬وقد بذلت جهود كبـرية يف‬‫يصاحبها من أمواج عاتية يعد أمر ًا مستحي ً‬
‫جمال تبليغ التحذيرات ملعظم سكان األرياف حتى أنه تم بناء أكثر من ‪ 3400‬ملجـأ‬
‫ومأوى هلذا الغرض‪ .‬وصدرت أيض ًا دعوات إىل إتباع وسائل محاية أكثر فعالية مـن‬
‫خالل إعادة زراعة املنـاطق املهـددة مـن غابـة القـرم (املـانغروف) يف سـندربانس‬
‫‪ Sundarbans‬ويف أماكن أخرى عىل امتداد الساحل‪ ،‬وذلك لتأمني محاية طبيعية مـن‬
‫األمواج البحرية العاتية‪ .‬غري أن فعالية هذه السبل عىل املدى البعيد مـا زالـت مثـار‬
‫شك‪ ،‬بسبب بعض التغريات املتوقع حدوثها يف املنطقة من جراء ظاهرة االحتبـاس‬
‫احلراري وارتفاع منسوب سط البحر‪.‬‬

‫الفيضانات‬
‫تعد الفيضانات ‪ Floods‬من أكثر مظاهر‬
‫الكــوارث الطبيعيــة شــيوع ًا ويمكــن‬
‫حدوثها يف أي بلـد (الشـكل ‪.)12 – 4‬‬
‫والفيضانات عبارة عـن غمـر األرايض‬
‫اليابســة بامليــاه‪ ،‬ويمكــن تصــنيفها إىل‬
‫تعد الفيضانات‪ ..‬أكثر الكوارث الطبيعية شيوعاً‬
‫فيضانات ساحلية التي يكـون معظمهـا‬
‫مرتبط ًا هبيجان أمواج البحر‪ ،‬وفيضانات هنرية‪ .‬وعـاد ًة مـا تكـون الظـواهر اجلويـة‬
‫السبب الرئيس لفيضان األهنر‪ .‬ويف الغالب تكون األمطار الغزيرة هي املسؤولة عن‬
‫ذلك‪ ،‬أما ذوبان الثلج واالنسداد املؤقت ملجاري األهنار بفعـل اجلليـد الطـايف فقـد‬
‫تكون من األسباب املهمة للفيضانات عىل املستوى الفصيل‪ .‬وتتـأثر ارجحيـة هـذه‬
‫العوامل املؤدية إىل حدوث فيضان معني بالعديد من اخلصـائص املختلفـة حلـوض‬

‫‪243‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫النهر‪ ،‬كالطوبوغرافيا وكثافة الترصيف النهري والغطـاء النبـايت والتـأثري البشــري‬


‫املتمثل يف حتوير استعامالت األرض احلرضية بشكل خاص‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)12 – 4‬خريطة الفيضانات العارمة حول العامل للمدة ‪.2002 – 1985‬‬

‫تعد تقنيات التنبؤ بالفيضانات متطورة جـد ًا‪ .‬فمعظـم الفيضـانات حتـدث‬
‫موسمي ًا وغالب ًا ما يتم التكهن بوقوعها من خالل مراقبة األحوال اجلوية‪ ،‬كام أصب‬
‫باإلمكان حساب الفـرتة التـي يصـل فيهـا جريـان النهـر إىل الـذروة عنـد هطـول‬
‫األمطار‪ .‬وبات ممكن ًا أيض ًا حساب فـرتات تكـرار حـدوث الفيضـانات‪ ،‬وإن كـان‬
‫ذلك يتطلب بيانات ترجع لفرتات بعيدة‪.‬‬
‫يعد هنر املسيسبي ‪ Mississippi‬يف الواليات املتحـدة األمريكيـة مـن أكـرب‬
‫األهنار يف العامل واألكثر دقة يف إدارهتا‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬بورش بجعل مسـار النهـر‬
‫مستقي ًام منذ الثالثينيات من القرن املايض وذلك لزيادة منحدر جمـرى النهـر ورفـع‬
‫رسعته بحيث تعمل مياهه عىل نحت املجرى وتعميقه باسـتمرار‪ ،‬ومـن ثـم زيـادة‬
‫قدرته الفيضانية‪ .‬كام تم عمل منشآت هندسية عىل نطـاق واسـع عـرب جمـراه‪ ،‬إذ أن‬

‫‪244‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫أكثر من ‪ 4500‬كم من املجرى املسيسبي تتخلله سدود أو كتوف مصـممة حلصــر‬


‫مياه الفيضان‪.‬‬
‫عىل الرغم من املحاوالت الكثرية لدرء‬
‫خطر الفيضان‪ ،‬فإن املسيسبي ال يزال يطف من‬
‫عىل كلتا ضفتيه وما لذلك من عواقب وخيمـة‪.‬‬
‫ويعــد فيضــان العــام ‪ 1993‬الــذي حــدث يف‬
‫األقســام العليــا مــن النهــر مــن أخطــر األمثلــة‬
‫بالرغم من اإلدارة الدقيقة لنهر المسيسبي‪..‬‬
‫فأنه حين يفيض يسبب خسائر فادحة‬ ‫احلديثة عىل ذلك‪ .‬فقد سـاعد ارتفـاع املحتـوى‬
‫الرطويب للرتبة نتيجة لألمطار الغزيرة التي هطلت يف العـام السـابق للحادثـة عـىل‬
‫حدوث جريان سطحي خالل الفرتة ما بني نيسان وآب من العـام ‪ ،1993‬وعنـدما‬
‫ارتفعت كمية األمطار فوق املعدل يف الواليات الشاملية والوسطى فشلت الكتـوف‬
‫النهرية يف أكثر من ‪ 1000‬موقع وفاضت املياه يف العديد من جمـاري النهـر مسـجلة‬
‫فيضان ًا قياسي ًا‪ .‬وغمرت مياه الفيضان مساحة قدرها ‪ 4‬مليون هكتـار‪ ،‬ودمـرت أو‬
‫تسببت بأرضار بالغة ملا يزيد عن ‪ 40.000‬مبنى‪ ،‬وقد ظلت املياه التي طفحت فوق‬
‫الكتوف فرتة طويلة ومل ترجع إىل قناة النهر حتـى بعـد زوال ذروة الفيضـان‪ .‬وبلـغ‬
‫جمموع خسائر رشكات التأمني ‪ 755‬مليون دوالر‪ ،‬فيام قدر أمجـايل تكلفـة اخلسـائر‬
‫املادية بنحو ‪ 12‬مليار دوالر‪ .‬وقد لقي ‪ 45‬شخص ًا حـتفهم‪ .‬هـذا ويمكـن إرجـاع‬
‫سبب التغريات التي اعرتت تكرار حـدوث فيضـانات املسيسـبي إىل تـأثري ظـاهرة‬
‫االحتباس احلراري‪ ،‬إذ لوحظ وجود عالقة قوية ما بني هذين املتغريين بعد دراسـة‬
‫لسجالت رواسب فيضانات املسيسبي وروافـده عـىل مـدى ‪ 7000‬سـنة‪ .‬إذ كـان‬
‫حجم الفيضانات وتكرار حدوثها يتباين عىل نحـو كبـري كلـام حـدثت تغـريات يف‬
‫درجات احلرارة السنوية بمقدار ‪ْ 2 - 1‬م وكلام اختلـف معـدل التسـاقط السـنوي‬
‫بنحو ‪.%20 - 10‬‬

‫‪245‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫بالنظر لكثرة حدوث الفيضانات العارمة يف منطقـة دلتـا بـنغالديش‪ ،‬فقـد‬


‫صري إىل مرشوع يستهدف بناء سدود كبرية عىل طول جماري األهنار الكربى يف تلك‬
‫الدلتا‪ .‬إذ أن حوايل ‪ %80‬من أرايض البالد عبارة عن سهل فييض‪ ،‬وعرضة عىل حدّ‬
‫سواء لفيضانات من األعاصري ومن األهنار الكربى (الغانغ‪ ،‬برامهـابوترا‪ ،‬وميغانـا)‬
‫التي جتري عرب البالد‪ .‬وكانت آخر فيضانات شـهدهتا تلـك األهنـر قـد حـدثت يف‬
‫العامني ‪ 1987‬و ‪ ،1988‬مما أدى إىل غرق ‪ %40‬و ‪ %57‬من أرايض الـبالد خـالل‬
‫ذا نيك العامني عىل التوايل‪ .‬وقد وقعت مثل هذه احلوادث منـذ مـا يزيـد عـن ‪100‬‬
‫عام‪ ،‬وكان ملا خلفته من تداعيات سبب ًا القرتاح املشـروع املشار إليه كجزء من خطة‬
‫عمل شاملة لدرء الفيضانات برعاية البنك الدويل‪.‬‬

‫األوبئة الفتاكة‬
‫تعد األمراض الوبائيـة‪ ،‬التـي باإلمكـان‬
‫الوقاية والشفاء من معظمهـا‪ ،‬مـن أهـم‬
‫األسباب املؤديـة إىل تفشــي األمـراض‬
‫والوفيات عىل مستوى العامل‪ .‬إذ أهنا تعد‬
‫السبب حلوايل نصف الوفيات يف البلدان‬
‫تشكل األوبئة الفتاكة‪ ..‬خطراً دائم ًا‬
‫على البلدان النامية بشكل خاص‬ ‫النامية‪ ،‬حيث يكون األطفـال دون سـن‬
‫اخلامسة من أبرز ضحاياها‪ .‬أما يف البلـدان املتقدمـة‪ ،‬فتكـون أمـراض الشـيخوخة‬
‫واألمراض الشائعة كـأمراض القلـب والســرطانات هـي القاتـل الـرئيس ولـيس‬
‫األوبئة‪ .‬وتأيت حقيقة معاناة أعداد كبـرية جـد ًا مـن النـاس يف البلـدان الناميـة مـن‬
‫األمراض الوبائية بشكل خاص‪ ،‬نتيجة جلملة من العوامل مثل سوء التغذية وعـدم‬
‫كفاية املياه الصاحلة للرشب وانعدام الرصف الصحي وضعف املامرسـات الصـحية‬
‫وظروف العيش املزدحم‪ .‬والواقع يمكن عدّ تصاعد النمو احلرضي الذي يبلغ أعىل‬

‫‪246‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫ال رئيسـ ًا يف زيـادة تكـرار العديـد مـن هـذه‬


‫معدالته يف أكثر بلدان العامل فقر ًا‪ ،‬عام ً‬
‫األمراض‪.‬‬
‫هناك ما يعرف باملرض املعدي ‪ Infectious disease‬وهو ذلك املرض الذي‬
‫ينتج عن تعرض املضيف إىل الغزو من قبل طفيليات أو مسببات مرضية أخرى‪ ،‬قد‬
‫تكون بكترييا أو فريوس أو دودة ما‪ .‬ويقيض هذا املسبب املـريض قسـط ًا مـن دورة‬
‫حياته يف داخل املضيف وغالب ًا ما يكون املرض الذي ينشأ عن ذلك هو أحد نـواتج‬
‫تلك الفعاليات التي جتري يف داخل جسم املضيف‪ .‬وحتتـاج الكثـري مـن املسـببات‬
‫املرضية إىل ناقل‪ ،‬أو "رشيك"‪ ،‬يساعدها عىل االنتشار من مضيف إىل أخر‪ ،‬وتقـوم‬
‫احلرشات هبذا الدور يف العادة‪ .‬وحني ينترش املرض عىل نطاق واسـع يصـب وبـاء ًا‬
‫فتاك ًا أو جائح ًا ‪ .Epidemic‬وعىل الرغم من كون أن أي مرض مـن األمـراض إنـام‬
‫يمثل خطر ًا طبيعي ًا عىل بني البرش أفراد ًا كانوا أم مجاعات‪ ،‬فأن الرتكيز هنا سينصـب‬
‫عىل نوعني من األمراض يرتبطان باملاء مها الكولريا واملالريا‪.‬‬
‫الكوليرا‬
‫ينشأ مرض الكولريا عن نوع من البكرتيا يـدعى‬
‫ــميات الكـــولريا ‪( Vibrio cholera‬شـــبيهه‬
‫ضـ ّ‬
‫الشكل بحرف ‪ ،)S‬الذي بوسعه العـيش خـارج‬
‫أمعــاء اإلنســان يف أوســاط كالوســط املــائي‬
‫والـرباز البشــري واأليـدي‬
‫ّ‬ ‫واألطعمة الرطبـة‬
‫تسبب بكتريا الكوليرا وباء ًا جائح ًا‪..‬‬
‫من الممكن أن يفتك بماليين البشر‬ ‫الوسخة‪ ،‬حيث تعد كلها وسط ًا مناسب ًا النتقاهلا‪.‬‬
‫أصل املرض يعود إىل جنوب أسيا‪ ،‬وبالتحديد يف دلتا هنري الغـانغ والربامهـابوترا‪،‬‬
‫ويبدو أنه ينترش ويتقهقر جغرافي ًا يف شكل حلقات‪ .‬مع هذا‪ ،‬ومثلام يظهر يف الشكل‬
‫(‪ ،)12 – 5‬يبدو أن التوزيع اجلغرايف للكولريا يتمثل يف بلدان معينة تكـون موبـوءة‬
‫باملرض‪ ،‬فيام تكون بلدان أخرى مستوردة له حني تنتقل العدوى إليها بطرق خمتلفة‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الشكل (‪ :)12 – 5‬التوزيع اجلغرايف العاملي النتشار مرض الكولريا بني البلدان املوبوءة واملستوردة‪.‬‬

‫تارخيي ًا‪ ،‬وصل وباء الكولريا للمرة األوىل إىل أوربا يف القرن التاسع عشــر‪،‬‬
‫مسبب ًا ست موجات وبائية رئيسة‪ ،‬والواقع أن املياه القذرة التي لعبت دور ًا أساسـي ًا‬
‫يف انتقاله كانت دافع ًا قوي ًا وراء النهضة يف جمال الصحة العامة التي شـهدهتا العديـد‬
‫من البلدان األوربية يف القرن التاسـع عشــر‪ .‬وقـد سـاعدت هـذه اإلجـراءات يف‬
‫القضاء تقريب ًا عىل مرض الكولريا من معظم البلدان املتقدمة‪ ،‬غري أنه وقعـت هنـاك‬
‫موجة وبائية سابعة يف مطلع الستينيات من القرن العرشين انتشـرت من إندونيسـيا‬
‫ووصلت إىل أفريقيا وجنويب أوربا يف غضون عشـر سنوات‪ .‬وقـد سـبب انتشـارها‬
‫الرسيع يف أفريقيا بوفيات كثرية بعد مرور حوايل ‪ 75‬سنة كان خالهلـا القلـق حيـال‬
‫املرض قد خف نسبي ًا‪ .‬ووصل الوباء إىل أمريكا اجلنوبية جمتاح ًا العاصـمة البريونيـة‬
‫ليام ‪ Lima‬يف كانون الثاين من العام ‪ 1991‬حيث يعتقد أنه جلب من أسيا مـع ميـاه‬
‫التوازن إلحدى السفن‪ .‬وقد يكون دفء املياه الساحلية بفعـل ظـاهرة النينـو التـي‬
‫حدثت يف ذلك الوقت‪ ،‬ساعد عىل نمـو نـوع مـن اهلـائامت النباتيـة تـأوي بكترييـا‬
‫الكولريا‪ .‬فتعرضت األسامك واملحار إىل تلوث بكتريي‪ ،‬ثم جـرى اسـتهالكها مـن‬

‫‪248‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫قبل السكان املحليني‪ ،‬ومما سهل من تفيش املرض هو دخوله إىل مياه الشـرب التـي‬
‫جتهز هبا العاصمة ليام عن طريق وحدات معاجلة غري كفؤة‪ .‬ومـا أن بلـغ اليابسـة يف‬
‫بريو ‪ ،‬انترش املرض عرب معظم أرجاء قارة أمريكا اجلنوبية يف غضون سـنة واحـدة‪،‬‬
‫وأعلن عن ‪ 1700‬حالة إصابة يومي ًا خالل األربعة أشهر األوىل‪ .‬هذا وحصل آخـر‬
‫تفيش للوباء يف بنغالديش هناية العام ‪ ،1992‬حيث شمل هذه املرة عىل سـاللة مـن‬
‫بكترييا الكولريا أحدث وأعتى تم تشخيصها للمرة األوىل يف طحلب ساحيل‪ ،‬وقـد‬
‫أثارت خماوف من أن تكون موجة وبائيـة ثامنـة‪ .‬وعـىل الـرغم مـن عـدم إمكانيـة‬
‫احليلولة متام ًا من ظهور سالالت جديدة من الكولريا واالنتشار احللقـي للمـرض‪،‬‬
‫فام من شك أن اختاذ تدابري النظافة األساسية وتوفري مياه الرشب اآلمنـة والتشـجيع‬
‫عىل تبني ظروف معيشة أقل ازدحام ًا يف البلدان النامية سيكون له أثر كبـري يف اجتـاه‬
‫احلد من انتشار هذا املرض الفتاك‪ .‬فمثالً‪ ،‬كان النعدام هذه الشـروط األساسية أن‬
‫ال مشهور ًا يف خميامت الالجئني يف بعض املناطق املدارية‪.‬‬
‫جعل من الكولريا قات ً‬
‫المالريا‬
‫مثلام يف الكولريا‪ ،‬حتتاج املالريا ‪ Malaria‬أيض ًا إىل‬
‫وسط ناقل النتقاهلا‪ .‬وحيدث املرض نتيجة لطفيل‬
‫وحيد اخللية يدعى بجرثومة املالريا التـي تنتقـل‬
‫من شخص إىل أخر من طريق لسعة أنثى بعوض‬
‫املالريــا‪ ،‬التــي حتتــاج إىل الــدم حلضــن بيضــها‪.‬‬
‫تنتقل الجرثومة المسببة لمرض المالريا‪..‬‬
‫بواسطة أنثى بعوض المالريا‬ ‫وحيصل انتقال جرثومة املالريا هذه طبيعي ًا ضمن‬
‫حدود مناخية معينة‪ :‬تلك هي خـط درجـة احلـرارة املتسـاوي ‪ْ 15‬م يف شـهر متـوز‬
‫وكانون الثاين الواقع متام ًا مع أقىص دائـريت عـرض ‪ ْ 64‬ش و ‪ ْ 32‬ج (الشـكل ‪– 6‬‬
‫‪ .)12‬وهلذا حيدث مرض املالريا يف ظل الظروف الطبيعية عرب سـائر بقـاع اليـابس‬

‫‪249‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫العاملي تقريب ًا‪ .‬لكن‪ ،‬يف الوقت احلارض‪ ،‬تغري توزيعه اجلغرايف تغـري ًا جـذري ًا بفضـل‬
‫النجاحات املهمة التي حتققت عىل صعيد مكافحة املالريا‪.‬‬
‫لو عدنا إىل نحو ‪ 100‬عام ًا إىل الوراء‪ ،‬أو حتديد ًا إىل مطلع القرن العشـرين‪،‬‬
‫كانت املناطق املتأثرة باملالريا متتد بعيد ًا باجتاه الشـامل عـرب جنـويب كنـدا والنـرويج‬
‫والســويد وفنلنــدا وروســيا‪ .‬ويف إنكلــرتا‪ ،‬كــان املــرض يعــرف بإســم "قشــعريرة‬
‫املستنقعات" أو "محى املستنقعات"‪ ،‬وكان يعد من األسباب الشائعة للوفاة بني كثري‬
‫من الناس القاطنني بالقرب من األرايض الرطبة خالل القرن التاسع عرش‪ .‬وقد ظل‬
‫مرض املالريا شائع ًا يف بعض أنحاء أوربا‪ ،‬كدلتا الـراين واجلهـات املنخفضـة مـن‬
‫بلدان حوض البحر املتوسط لغاية انتهاء احلـرب العامليـة الثانيـة‪ ،‬إذ أعلنـت أوربـا‬
‫الغربية خلوها متام ًا من املرض يف العام ‪.1975‬‬

‫الشكل (‪ :)12 – 6‬النطاق اجلغرايف املفرتض النتشار مرض املالريا يف العامل‪.‬‬

‫لقد أسفرت جهود مكافحة املالريا عن حتقيق نجاحات مهمة والقضاء عىل‬
‫املرض يف مناطق عديدة‪ .‬فمع حلول العام ‪ ،1900‬كان هناك ‪ 140‬بلد ًا يعـاين مـن‬
‫مرض املالريا‪ ،‬لكن بحلول العام ‪ 2002‬انخفـض العـدد إىل ‪ 88‬بلـد ًا‪ .‬ويف ضـوء‬
‫نسبة سكان العامل املعرضني خلطر اإلصابة باملالريا‪ ،‬فـأن هـذا االنخفـاض يف عـدد‬

‫‪250‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫الدول يعادل انخفاض ًا يف عدد اإلصابات بني السكان من ‪ %77‬يف العـام ‪ 1900‬إىل‬
‫‪ %48‬يف العام ‪.2002‬‬
‫اعتمدت املحاوالت األوىل ملكافحة املالريا عىل الربط ما بني املرض واملياه‬
‫الراكدة واملستنقعات‪ ،‬وقد تم إدراك ذلك من قبل اإلغريق القدماء والرومـان منـذ‬
‫العام ‪ 2600‬قبل املـيالد‪ .‬وقـاد إدراك هـذا االرتبـاط إىل القيـام بتجفيـف منـاطق‬
‫األرايض الرطبة هبدف حتسني األحوال الصحية للسكان القاطنني بقرهبا‪ .‬وقد كـان‬
‫هلذه الربامج أيض ًا فائدة إضافية يف توفري مزيد من األرايض لالسـتخدام الزراعـي‪،‬‬
‫ومن ثم رفع اإلنتاج الزراعي‪.‬‬
‫عىل أن دور الناقل‪ ،‬أي البعوضة‪ ،‬التي تضع بيضها يف املياه الراكدة‪ ،‬مل يتبني‬
‫إال يف أواخر القرن التاسع عرش‪ ،‬األمر الذي أتاح بذل مزيد مـن اجلهـود للمعاجلـة‬
‫‪Panama‬‬ ‫البيئية‪ .‬وحتقق نجاح كبري يف جمال مكافحـة البعـوض يف منطقـة قنـاة بـنام‬
‫‪ Canal‬خالل مطلع القرن العرشين‪ .‬إذ كان السبب يف فشل املحاوالت األوىل لشق‬
‫القناة من قبل الفرنسيني يف أواخر القرن الثامن عرش يرجع إىل وفاة أعداد كبرية من‬
‫العامل من جراء املالريا واحلمى الصفراء‪ ،‬وهو مرض أخر يسببه البعوض‪ .‬وعندما‬
‫أنجزت القناة أخري ًا من قبل األمريكيني يف العام ‪ ،1914‬فأن الفضل يف ذلك يعـود‬
‫يف جزء منه إىل مكافحة هذه األمراض بعد القضـاء عـىل البعـوض‪ .‬إذ تـم جتفيـف‬
‫مناطق املستنقعات ورشت كل املسطحات املائية الراكدة أو البطيئة احلركـة املتبقيـة‬
‫بمزيج من النفط واملبيدات احلرشية‪ .‬وجهزت بلدات مدينة بنام سـيتي بشـبكة مـن‬
‫أنابيب املياه اجلارية بدالً من خزانات املياه املنزلية التي تعد مكانـ ًا مفضـ ً‬
‫ال لتفقـيس‬
‫بيض البعوض‪ ،‬كام تم تعبيد الطرقات للقضاء عىل الربك الصغرية‪.‬‬
‫شهد النصف األول من القـرن العرشيــن أمثلـة مشـاهبة عديـدة يف جمـال‬
‫املعاجلة البيئية يف أنحاء أخرى من العامل‪ ،‬تقوم عىل حتسني وسائل الترصيف والبنـى‬
‫التحتية‪ ،‬هدفها احلد من انتشار املالريا‪ .‬وقد طبق هـذا الـنهج يف اخلمسـينيات مـن‬

‫‪251‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫القرن املايض بحمالت منظمة باستخدام مبيد ‪ DDT‬وغريه من املبيـدات احلرشيــة‬


‫الفتاكة‪ .‬وألن مبيد ‪ DDT‬يقتل البعوض فقد استخدم عىل نطاق واسع إلعاقـة نقـل‬
‫املرض‪ .‬ويف العام ‪ ،1955‬تبنت منظمة الصحة العاملية ‪ WHO‬محلة عامليـة للقضـاء‬
‫عىل البعوض باستخدام وسائل املكافحة الكياموية للبعوض مـن خـالل رش مبيـد‬
‫‪ DDT‬يف البيوت‪ .‬وقد ساعدت هذه االسرتاتيجيات عىل القضاء عـىل املالريـا مـن‬
‫معظم املناطق املعتدلة ومن مناطق شبه مدارية عديـدة‪ ،‬واختفـى املـرض تقريبـ ًا يف‬
‫أوربا وأمريكا الشاملية (بالرغم من أن ازدياد األسفار الدولية يف الوقت احلـارض إىل‬
‫املناطق االستوائية قد أدى إىل حاالت إصابة بني صفوف بعض السكان املقيمـني يف‬
‫مناطق العروض املعتدلة)‪.‬‬
‫مع هذا‪ ،‬الزالت املالريا وباء ًا يف معظم أرجاء العامل النـامي‪ ،‬وبـالرغم مـن‬
‫املحاوالت الكثرية للقضاء عليها عاملي ًا منذ اخلمسينيات‪ ،‬فقد وصل املرض إىل حـد‬
‫الوباء يف عدد من البلدان التي تتصف بكثافاهتا السكانية املرتفعة وبرداءة الصــرف‬
‫الصحي ووجود تدهور بيئي ونشوب حروب أهلية فيهـا‪ .‬ومـن الصـعوبة بمكـان‬
‫إجراء تقييم دقيق لدور املالريا يف ذلـك ألن أغلـب الوفيـات بسـبب هـذا املـرض‬
‫حتدث يف البيوت‪ ،‬كام أن الصفات الرسيرية لتشخيص املالريا تشابه كثري ًا تلك التي‬
‫تتصف هبا العديد من األمراض الوبائية األخرى وال يتـوفر تشـخيص دقيـق هلـذه‬
‫احلاالت إال يف عدد حمدود فقط من املراكز الصحية‪ .‬لكن‪ ،‬يعتقد أن املالريا مسؤولة‬
‫عام ال يقل عن مليون حالـة وفـاة سـنوي ًا عـىل‬
‫نطاق العامل‪ ،‬معظمهم من األطفال‪ ،‬وذلك من‬
‫بني حوايل ‪ 500‬مليون حالـة رسيريـة‪ .‬وتعـد‬
‫أفريقيا جنوب الصحراء أهـم املنـاطق املتـأثرة‬
‫حيـث أن مــا ال يقــل عـن ‪ %90‬مــن حــاالت‬
‫الزالت المالريا وباءاً‪ ..‬يعذب‬
‫الكثير من سكان المناطق الفقيرة في العالم‬ ‫الوفيات سببها املالريا‪ .‬وقد سـامهت مقاومـة‬

‫‪252‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املسبب املريض للعقاقري ومقاومة البعوض للمبيدات احلرشيـة‪ ،‬فض ً‬


‫ال عن مسـتوى‬
‫اخلدمات الصحية املتخلف يف العديد من املناطق‪ ،‬يف زيادة مشكلة املالريا يف أفريقيا‬
‫جنوب الصحراء عىل مر العقود الثالثة املنصـرمة‪ .‬وقد أجريت يف الواليات املتحدة‬
‫األمريكية الكثري من األبحاث اخلاصة بصنع عقاقري مضادة للمالريا يف أثناء حرب‬
‫فيتنام‪ ،‬لكن ومنذ ذلك احلني مل تبذل جهود حثيثة ملكافحة املرض الذي ال يـزال إىل‬
‫اليوم يعذب سكان املناطق الفقرية من العامل‪.‬‬
‫ثمة عامل أخر يؤثر يف النمط اجلغرايف لإلصابة باملالريا وهو ظاهرة‬
‫االحتباس احلراري العاملي‪ .‬إذ يمكن أن يكون للتغريات يف درجات احلرارة وعدم‬
‫ثباهتا أثر مهم يف توزيع املالريا‪ .‬وتشري نامذج التغريات املناخية العاملية إىل أن‬
‫املستوى احلايل حلاالت اإلصابة سنوي ًا قد يزداد بشكل ملحوظ بحلول العام‬
‫‪ . 2100‬وستحدث أكرب التغريات يف انتقال املالريا يف املناطق املوسمية والقريبة من‬
‫ال (الشكل ‪ .)12 – 7‬وقد ثبت‬ ‫هوامش مناطق تواجدها احلالية‪ ،‬كاملناطق اجلبلية مث ً‬
‫إبان السنوات‬ ‫‪Rwanda‬‬ ‫حدوث مثل هذا االمتداد يف نطاق املالريا يف رواندا‬
‫األخرية‪ ،‬حيث أدت الزيادة امللحوظة يف درجات احلرارة منذ مطلع الستينيات‬

‫الشكل (‪ :)12 – 7‬تغري نمط انتشار مرض املالريا بعد توسع مناطق تواجد البعوض الناقل‬
‫للمرض صوب املناطق املرتفعة‪ ،‬بفعل تأثريات االحتباس احلراري‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫والتي بلغت ذروهتا يف أواخر الثامنينات‪ ،‬إىل توطن املالريا يف مناطق نادر ًا ما كانت‬
‫سابق ًا تتواجد فيها أو كان يستحيل عيشها فيها عىل اإلطالق‪ .‬إذ ارتفعت نسبة‬
‫اإلصابة باملرض يف املناطق املرتفعة بمقدار ‪ ،%500‬ومرد معظم هذه الزيادة هو‬
‫ارتفاع درجات احلرارة وزيادة األمطار‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬يمكن أن تعزى الزيادات‬
‫األخرية يف معدل اإلصابة باملالريا يف املناطق اجلبلية لرشق أفريقيا إىل ظاهرة‬
‫االحتباس احلراري‪ .‬أما يف املناطق املنخفضة من رشق أفريقيا‪ ،‬فأن عوامل الزيادة‬
‫يف مقاومة املرض للعقاقري املضادة واهلجرات السكانية والرتدي يف اخلدمات‬
‫الصحية ويف وسائل مكافحة البعوض‪ ،‬قد أسهمت مجيعها يف إحياء املالريا من‬
‫جديد هناك‪ ،‬إذ مل يسجل يف تلك املناطق أي دور يذكر للتغري املناخي هبذا‬
‫اخلصوص‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة واملراجعة‬


‫ثم صنفها إىل فئات مستقلة يف ضوء تكرار‬
‫‪ -1‬حد ّد مفهوم الكوارث الطبيعية‪ّ .‬‬
‫حدوثها تارةً‪ ،‬ويف ضوء أمد تأثريها تار ًة أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬أين ينشط وقوع الزالزل بالتحديد وملاذا تتسبب يف العادة بخسائر مادية‬
‫وبرشية جسيمة‬
‫‪ -3‬ما سبب القلق من خماطر وقوع زالزل مدمرة يف املناطق املشبعة باملاء من جهة‪،‬‬
‫ويف القيعان البحرية من جهة أخرى‬
‫وبني أثرها يف‬
‫‪ -4‬تتجسد املخاطر النامجة عن الرباكني بعدد من النقاط‪ .‬حد ّدها ّ‬
‫البرش والبيئة‪ ،‬معزز ًا إجابتك ببعض األمثلة‪.‬‬
‫‪ -5‬ما الدرس املستفاد من كارثة ثوران بركان نيفادو ديل ريوز يف كوملبيا‬
‫‪ -6‬كيف ينشأ اإلعصار املداري وملاذا يتسم بالعنف‪ ،‬ويتسبب بخسائر مادية‬
‫وبرشية فادحة يف العادة‬
‫‪ -7‬متى تكون الفيضانات مدمرة وما سبب إمكانية حدوثها حول العامل كله‬

‫‪254‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫‪ -8‬ملاذا تعد البلدان النامية واملناطق الفقرية الضحية األوىل النتشار األوبئة الفتاكة‬
‫يف الغالب‬
‫‪ -9‬ثمة وباءان جائحان فتكا بماليني البرش عرب التاريخ‪ .‬أذكرمها‪ ،‬وحتدث عنهام يف‬
‫ضوء ما ييل‪ :‬املسببات املرضية‪ ،‬التوزيع اجلغرايف‪ ،‬عوامل التفيش‪ ،‬الضحايا‪ ،‬وسائل‬
‫املكافحة‪.‬‬
‫‪ -10‬من وجهة نظرك العلمية‪ ،‬ملاذا تعد بنغالديش باخلصوص من أكثر البلدان يف‬
‫العامل معانا ًة من ويالت الكوارث الطبيعية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪255‬‬
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

‫املصادر واملراجع‬
Burton V. Barnes, Donald R. Zak, Shirley R. Denton and Stephen H. Spurr, Forest
Ecology, 4th ed., Wiley, London, 1998.
Charles J. Krebs, Ecology: The Experimental Analysis of Distribution and Abundance , 6th
ed., Benjamin Cummings, New York, 2008.
Charles L. Harper, Environment and Society: Human Perspectives on Environmental
Issues, 5th ed., Pearson, Boston, 2011.
Clair L. Kucera, The Challenge of Ecology, 2nd ed, The C.V. Mosby Company, Saint
Louis, 1978.
Colin R. Townsend, Michael Begon and John L. Harper, Essentials of Ecology, 3rd ed.,
Wiley-Blackwell, Massachusetts, 2008.
Daniel B. Botkin and Edward A. Keller, Environmental Science: Earth as a Living Planet,
8th ed., Wiley, London, 2010.
David D. Kemp, Exploring Environmental Issues: An Integrated Approach , Routledge,
London, 2004.
David T. Krohne, General Ecology, 2nd ed., Cengage Learning, Belmont, 2000.
Donald K. Swearer, Daniel P. Schrag, Lawrence Buell and Michael D. Jackson, Ecology
and the Environment: Perspectives from the Humanities, Center for the Study
of World Religions, London, 2009.
Eugene P. Odum and Gary W. Barrett, Fundamentals of Ecology, 5th ed., Cengage
Learning, Belmont, 2004.
Frances Harris, Global Environmental Issues, 2nd ed., Wiley-Blackwell, New York, 2012.
F. Stuart Chapin III, Pamela A. Matson, Peter Vitousek and M.C. Chapin, Principles of
Terrestrial Ecosystem Ecology, 2nd ed., Springer, New York, 2011.
G. Tyler Miller and Scott Spoolman, Essentials of Ecology, 6th ed., Cengage Learning,
Belmont, 2012.
Gerald G. Marten, Human Ecology, Routledge, New York, 2001.
Herbert C. Hanson, Dictionary of Ecology, Philosophic Library, Washington DC, 1962.
Hermann Remmert, Ecology: A Textbook, Springer, New York, 1980.
John B. Sowell, Desert Ecology, University of Utah Press, Utah, 2001.
James Brower, Jerrold Zar and Carl N. von Ende, Field and Laboratory Methods for
General Ecology, 4th ed., McGraw-Hill, New York, 1997.
J. L. Chapman and M. J. Reiss, Ecology: Principles and Applications, 2nd ed., Cambridge
University Press, Cambridge, 1998.

256
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

John B. Sowell, Desert Ecology, University of Utah Press, Utah, 2001.


John H. Postlethwait and Janet L. Hopson, Modern Biology, Holt, Rinehart and
Winston, Orlando, 2006.
John Kricher, Tropical Ecology, Princeton University Press, New York, 2011.
Karrie Lynn Pennington and Thomas V. Cech, Introduction to Water Resources and
Environmental Issues, Cambridge University Press, Cambridge, 2010.
Larry L. Barton and Diana E. Northup, Microbial Ecology, Wiley-Blackwell,
Massachusetts, 2011.
Larry L. Rockwood, Introduction to Population Ecology, Wiley-Blackwell,
Massachusetts, 2006.
Lewis A. Owen and Kevin T. Pickering, An Introduction to Global Environmental
Issues, 2nd ed., Routledge, New York, 1997.
Manuel C. Molles, Jr. Ecology: Concepts and Applications, 3rd ed., McGraw Hill, New
York, 2005.
Mark B. Bush, Ecology of a Changing Planet, 3rd ed., Benjamin Cummings, New York,
2002.
M. Begon, J. L. Harper and C. R. Townsend, Ecology: Individuals, Populations and
Communities, 3rd ed., Wiley-Blackwell, Massachusetts, 1999.
Michael Allaby, Basics of Environmental Science, 2nd ed., Routledge, New York, 2000.
Michael Begon, Colin R. Townsend and John L. Harper, Ecology: From Individuals to
Ecosystems, 4th ed., Wiley-Blackwell, Massachusetts, 2006.
Michael L. Cain, William D. Bowman and Sally D. Hacker, Ecology, 2nd ed., Sinauer
Associates, New York, 2011.
Mick Crawley, Plant Ecology, 2nd ed., Wiley-Blackwell, Massachusetts, 1997.
Mike Dobson and Chris Frid, Ecology of Aquatic Systems, 2nd ed., Oxford University
Press, New York, 2009.
N. S. Subrahmanyam and A. V. S. S. Sambamurty, Ecology, 2nd ed., Alpha Science Intl
Ltd, London, 2006.
Nicholas J. Gotelli, A Primer of Ecology, 4th ed., Sinauer Associates, New York, 2008.
Nick Middleton, The Global Casino: An Introduction to Environmental Issues , 4th ed.,
Hodder Education, London, 2008.
Norman Myers and Scott Spoolman, Environmental Issues and Solutions: A Modular
Approach, Cengage Learning, Belmont, 2013.
O. Kinne (ed.), Excellence of Ecology, Ecology Institute Press, Oldendorf, 1987.
P. W. Price, R. F. Denno, M. D. Eubanks and D. L. Finke, Insect Ecology: Behavior,
Populations and Communities, Cambridge University Press, Cambridge, 2011.

257
‫مقدمة في علم البيئة ومشكالتها‬

Peter J. Morin, Community Ecology, 2nd ed., Wiley-Blackwell, Massachusetts, 2011.


Peter Stiling, Ecology: Theories and Applications, 4th ed., Prentice Hall, New York,
2001.
Peter Stiling, Ecology: Global Insights and Investigations, McGraw-Hill, New York,
2011.
R. S. K. Barnes and R. N. Hughes, An Introduction to Marine Ecology, 3rd ed., Wiley-
Blackwell, Massachusetts, 1999.
Richard A. Matthew, Global Environmental Change and Human Security, The MIT
Press, New York,2009.
Robert E. Ricklefs and Gary Miller, Ecology, 4th ed., W. H. Freeman, New York, 1999.
Robert L. McConnell and Daniel C. Abel , Environmental Issues: Measuring, Analyzing,
Evaluating, 2nd ed., Prentice Hall, New York, 2001.
Robert L. McConnell and Daniel C. Abel, Environmental Issues: An Introduction to
Sustainability, 3rd ed., Benjamin Cummings, New York, 2007.
Robert L. Smith and Thomas M. Smith, Ecology and Field Biology, 6th ed., Benjamin
Cummings, New York, 2000.
Robert May and Angela McLean, Theoretical Ecology: Principles and Applications, 3rd
ed., Oxford University Press, New York, 2007.
Slattery Michael, Contemporary Environmental Issues , 2nd ed., Kendall Hunt Publishing,
New York, 2010.
Sandra Alters, Biology: Understanding Life, 3rd ed., Jones and Bartlett Publishers, Boston,
2000.
Simon A. Levin (ed.), The Princeton Guide to Ecology, Princeton University Press, New
York, 2012.
Sven Erik Jorgensen, Introduction to Systems Ecology, CRC Press, New York, 2012.
Thomas M. Smith and Robert Leo Smith, Elements of Ecology, 8th ed., Benjamin
Cummings, New York, 2012.
Trevor Beebee and Graham Rowe, An Introduction to Molecular Ecology, 2nd ed.,
Oxford University Press, New York, 2008.
William Cunningham and Mary Cunningham, Principles of Environmental Science:
Inquiry and Applications, 4th ed., McGraw-Hill Science, New York, 2008.
William Cunningham and Mary Cunningham, Environmental Science: A Global
Concern, 12th ed., McGraw-Hill Science, New York, 2011.

* * *

258

You might also like