Professional Documents
Culture Documents
ال يجوز إعادة طبع أو نسخ أو تصوير هذا الكتاب بأي وسيلة كانت،
دون إذن من املكتبة صاحبة الحق.
0
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مقدمة يف
علم البيئة ومشكالتها
1
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
اإلهــــــــداء
شكري
2
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
احملتويات
املقدمة 10
الباب األول :علم البيئة
3
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املنتجات 39
40 قياس اإلنتاجية األحيائية
41 املستهلكات
42 مسارات رسيان الطاقة عرب النظام البيئي
43 السالسل والشبكات الغذائية
44 انتقال الطاقة
46 حمددات املستويات الغذائية
46 الدورات البيئية الكربى
دورة املاء يف الطبيعة 47
48 دورة الكربون
50 دورة النرتوجني
51 دورة الفسفور
53 التعاقب والثبات البيئي
53 التعاقب البيئي
العوامل املؤثرة يف التعاقب 53
54 أنواع التعاقب البيئي
56 التعاقب البيئي بحسب نظرية كلمنتس
56 الثبات البيئي
57 أنواع الثبات البيئي
57 عنارص الثبات البيئي
4
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
5
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
6
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
127 الفلبني
127 الربازيل
7
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
8
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
9
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مقدمة
من دواعي رسوري أن أقدم بني أيدي الطلبة األعزاء يف املرحلة اجلامعية ومعهم
كل الباحثني واملهتمني بموضوع البيئة ومشكالهتا ،ثمرة اجلهد املتواضع املتمثلة
عصارة خربة علمية متتد ألكثر من عرش سنوات قضيتها يف
ّ هبذا الكتاب ،وهو
تدريس هذا املقرر اجلامعي.
إن دراسة علم البيئة واملشكالت املرتبطة هبا واتقان فهمها والوعي جتاهها،
بات أمر ًا رضوري ًا بالنسبة للطالب اجلامعي ،فهو املرش األقوى لقيادة عملية
التوعية البيئية يف املجتمع ،السيام أننا قد غدونا نعيش يف ظل واقع بيئي حميل وعاملي
يتداعى باضطراد مع استمرار تزايد مسببات ذلك التداعي .لذا ،فأن هذا الكتاب
يمثل حماولة إلفهام واقناع القارئ ،أكان طالب ًا جامعي ًا أم سواه ،باألمهية اجلوهرية
للبيئة وبعظمة اخلدمات التي تقدمها للبرشية مجعاء من ناحية ،وبخطورة املشكالت
التي نسببها هلا من ناحية أخرى.
الكتاب يف األصل عبارة عن جملدين مضغوطني بني دفتي كتاب واحد:
علم البيئة من جهة واملشكالت البيئية من جهة أخرى .وعىل الرغم من أن هذين
املوضوعني مرتابطني مع بعض ،فأهنام واسعني بام ال حيتمالن أن يكونا ضمن مقرر
جامعي منفرد .غري أن االضطرار دفعني إىل تقديم الكتاب بالشكل االستخاليص
احلايل تلبي ًة للمفردات املنهجية التي أقرهتا وزارة التعليم العايل والبحث العلمي
العراقية ،مراعي ًا يف ذلك ـ قدر املستطاع ـ وضوح املعلومة وتنويعها وسالسة
أسلوب عرضها وبساطتها ومنطقية تسلسلها وتفسريها فض ً
ال عن إضفاء عنرص
التشويق ،مع األخذ باحلسبان عامل الوقت املتاح .لكن حرصت يف الوقت نفسه أن
ال يكون هذا العرض املستخلص عىل حساب قيمة املادة العلمية للموضوعات
املطروحة ،إذ توخيت استالل املعلومات من أفضل املصادر األجنبية وأحدثها.
10
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
خيتص الباب األول من الكتاب بعلم البيئة ،Ecologyمنقس ًام إىل ثالثة
فصول :األول منها يقدم تعريف ًا هلذا العلم مع بيان لتاريخ تطوره ومناهجه العلمية،
ويتطرق الفصل الثاين ألهم املفاهيم األساسية يف علم البيئة من قبيل املكونات
البيئية والنظام البيئي والدورات البيئية الكربى .أما الفصل الثالث فيعرض لرشح
العالقات البيئوية القائمة بني الكائنات احلية والتي حتكم املجتمع األحيائي مثل
التكيف والتنافس واالفرتاس والتكافل.
أما الباب الثاين فهو هيتم بموضوع املشكالت البيئية العاملية
.Global Environmental Issuesوعىل الرغم من تعدد هذه املشكالت وتنوعها،
فقد كان االختيار مقيد ًا نوع ًا ما باملفردات املنهجية ّ
املقرة .وضمن هذا الباب ،يمهد
الفصل الرابع إىل حتديد معنى املشكلة البيئية وبيان هيكلها وتاريخ نشوئها .وبدء ًا
من الفصل اخلامس جيري استعراض املشكالت البيئية متمثلة أوالً بمشكلة التلوث
البيئي بأنواعه املختلفة وآثاره املتنوعة ،فيام يعنى الفصل السادس بمشكلة حتطيب
الغابات املدارية ،وهيتم الفصل السابع بمشكلة التصحر ،ويعرض الفصل الثامن
ملشكلة التغري املناخي وأبعادها البيئية ،أما الفصل التاسع فيختص بتحليل مشكلة
خسارة التنوع االحيائي ،وينتقل الفصل العارش إىل اختالل األمن الغذائي العاملي
بوصفه مشكلة بيئية ناشئة ،فيام يستعرض الفصل احلادي عرش مشكلة إنتاج الطاقة
واآلثار البيئية النامجة عنها .ويمثل الفصل الثاين عرش ختام هذا الكتاب عرب تناوله
بعض الكوارث الطبيعية باعتبارها مشكالت بيئية مؤثرة مثل الزالزل
واالنفجارات الربكانية والفيضانات العارمة واالعاصري املدمرة وتفيش األوبئة
الفتاكة.
ينتهي كل فصل من فصول هذا الكتاب ،بسلسلة من األسئلة املتنوعة
األنامط ،غايتها جتديد ذهنية الطالب ـ أو القارئ عموم ًا ـ وإثارة رغبة النقاش لديه
واستذكار املواضيع ومراجعتها .وتعد فقرة األسئلة هذه مهمة جد ًا لقياس مستوى
11
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
فهم الطالب واستيعابه ملحتوى املواضيع املطروحة .وبطبيعة احلال تظل مثل هذه
املواضيع تثري مزيد ًا من األسئلة العلمية عدا ما أدرج منها هنا.
آمل أن يكون نصيبي التوفيق يف تقديم هذا الكتاب للمكتبة العربية
ولطالبيها ..وغاية رجائي أن يكون الكتاب إضافة علمية متواضعة ترتقي درجاهتا
بام ينفع الناس مجيع ًا.
12
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الباب األول
علم البيئة
13
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل األول
تعريف علم البيئة
وتاريخه ومجاله ومناهجه
هيتم الفصل األول من هذا الكتاب بتقديم تعريف ملفهوم علم البيئة وتقسيامته
الرئيسة ،مع نبذة تارخيية عن نشوؤه وتطوره عرب الزمن ،ثم بيان ملجال هذا العلم،
فض ً
ال عن استعراض أهم مناهجه العلمية احلديثة.
14
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
عىل هذا ،فأن من األشياء املهمة التي متيز علم البيئة عن غريه من العلوم ،هي
تأكيد علم البيئة وحماولته تفسري املسائل اآلتية:
.1عمليات تكوين احلياة والتفاعالت الرابطة بينها والتكيفات التي جتري
بموجبها.
.2حركة املواد والطاقة السائرة عرب املجتمعات االحيائية.
.3التطور التعاقبي لألنظمة البيئية.
.4تواجد الكائنات احلية وتوزيعها وتنوعها داخل البيئة.
إن علم البيئة علم واسع وممتد اآلفق ،لذا يتطلب اإلملام به مجع معلومات كثرية
حول الكائنات احلية وظروف بيئاهتا ،فض ً
ال عن مراقبة التفاعالت اجلارية وقياسها،
وفهم األنامط الناجتة عن ذلك مع حماولة تفسري تلك األنامط وتعليلها.
ينقسم علم البيئة عموم ًا إىل قسمني رئيسني :علم بيئة الفرد ،Autecology
وعلم بيئة اجلامعة .Synecologyفأما علم بيئة الفرد ،فاملقصود به دراسة فرد أو نوع
معني من الكائنات احلية ،من حيث عالقاته وتفاعالته بالظروف البيئية املحيطة به.
وأما علم بيئة اجلامعة ،فيعني دراسة مجاعة أو جمتمع من الكائنات احلية سواء أكانت
من النوع نفسه أم ال ،وحتليل عالقاهتا مع البيئة املحيطة .ولذا فأن هذا األخري
ينقسم بدوره إىل فروع أخرى هي :علم بيئة السكان ،Population ecologyعلم
Ecosystem ecology ،Communityوعلم بيئة النظم ecology البيئة املجتمعي
(الشكل .)1-1
15
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
حقيل علم بيئة الفرد وعلم بيئة اجلامعة بشكل مستقل عن بعضهام ّ لقد تطور
األخر ،لكن اإلملام بكليهام يعد أمر ًا رضوري ًا لفهم طبيعة الكائن احلي فرد ًا كان أم
مجاعة أم نظام ًا بيئي ًا .ويتصف علم بيئة الفرد بكونه عل ًام جتريبي ًا واستقرائي ًا من
الناحية املنهجية ،أما علم بيئة اجلامعة فهو ذي منحى فلسفي واستنباطي .وألن علم
بيئة الفرد هيتم بدراسة عالقة الكائن احلي بواحد أو أكثر من املتغريات البيئية
كالضوء أو درجة احلرارة أو الرطوبة أو امللوحة ،لذا فأن من السهل قياسه
واخضاعه لل تجربة سواء يف املخترب أو يف احلقل .أما علم بيئة اجلامعة فيعتمد عىل
الوصف بدرجة كبرية وليس من السهولة بمكان اخضاعه لتجارب.
علمي الفيزياء والكيمياء .أما علم
ّ يستعني علم بيئة الفرد بمعظم تقنياته من
بيئة اجلامعة ،فلم يدخل بقوة إىل مرحلة التجريب إال يف السنوات األخرية ،بعد
تطور تقنيات كاحلواسيب واقتفاء األثر اإلشعاعي مثالً.
من ناحية أخرى ،ومع تسارع ركب التقدم العلمي يف الوقت احلارض ،أخذ
يقسمون هذا العلم إىل حقول متعددة أكثر ختصص ًا وتفصيالً،
ّ املعنيون بعلم البيئة
مثلام يتض بعضها مث ً
ال يف اآليت:
علم البيئة البرشية Human ecology
علم البيئة االجتامعي Social ecology
علم البيئة السلوكي Behavioral ecology
علم بيئة املجهريات Microbial ecology
Molecular ecology علم البيئة اجلزيئي
علم بيئة اإلشعاع Radiation ecology
علم بيئة التلوث Pollution ecology
علم البيئة اجلغرافية Geographical ecology
علم بيئة معامل األرض ... Landscape ecologyالخ،،،
16
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يمكن أيض ًا تقسيم علم البيئة إىل تقسيامت ثانوية أخرى ،منها مث ً
ال عىل
املائية Aquatic ecology أساس نوع البيئة الطبيعية ،وذلك بتقسيمه إىل علم البيئة
،Terrestrialمع كل تفرعاهتام ،وعىل النحو اآليت ecology وعلم البيئة الربية
(الشكل :)1-2
17
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الكائنات احلية .وبينام يعد أرسطو أول من ترك أثر ًا عىل التطور الفلسفي لعلم
دون الكثري من املالحظات حول
ّ Theophrastus البيئة ،فأن تلميذه ثيوفراستس
النباتات واحليوانات ،يف ضوء هجرهتا وجغرافيتها احلياتية وفسيولوجيتها
وسلوكيتها ،وهو ما شكل اللبنة األوىل لعلم البيئة بمفهومه احلديث.
ظهرت املفاهيم البيئية املتمثلة بالسلسلة الغذائية والتنظيم السكاين
واإلنتاجية ألول مرة خالل القرن الثامن عرش ،وذلك عىل يد عامل األحياء الدقيقة
انتوين فان لوينهوك )1723 - 1632( Antoni van Leeuwenhoekوعامل النبات
ريتشارد براديل .)1723- 1688( Richard Bradleyأما اجلغرايف ألكسندر فون
مهبولدت ،)1859 - 1769( Alexander von Humboltفيعد من الرواد األوائل
يف الفكر البيئي وهو أول من م ّي َز التدرج البيئي ،وهو التدرج الذي تتباين بموجبه
أجناس األحياء وتستبدل تبع ًا لتدرج ظروف البيئة بتأثري عامل االرتفاع .هذا وقد
وضع مؤرخو الطبيعة األوائل من أمثال ،مهبولدت وجيمس هيوتن
James Huttonوجان المارك Jean-Baptiste Lamarckوأخرين ،وضعوا اللبنات
األوىل لعلم البيئة احلديث.
يعد عامل األحياء األملاين أرنست هيغل Ernst Haeckelأول من استخدم
كلمة " "Ecologyبمفهومها احلديث ،وذلك يف كتابه املوسوم (املورفولوجيا
التكوينية للكائنات احلية) الصادر عام .1866وكان هيغل عامل حيوان وفنان ًا
وكاتب ًا واستاذ ًا يف علم الترشي املقارن.
لكن هناك اختالف ًا يف الرأي
حول حتديد املؤسس احلقيقي لعلم البيئة
احلديث .فبينام يعد البعض هيغل هو
املؤسس األول ،يرى أخرون أن يوغنس
يوغنس ورمنغ ارنست هيغل
مؤسسا علم البيئة الحديث هو Eugenius Warming ورمنغ
18
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املؤسس من خالل كتابه (علم بيئة النباتات :املدخل إىل دراسة املجتمعات النباتية)
الصادر عام ،1895فيام يرى البعض األخر أن كارل لينيوس Carl Linnaeusهو
املؤسس األول ،وذلك بكتابه (اقتصاد الطبيعة) ،معترب ًا فيه علم البيئة عىل أنه
اقتصاد الطبيعة .وقد تأثر لينيوس بمبادئ تشارلز داروين ،وعىل ضوئها كان أول
من وضع نظرية التوازن الطبيعي.
ل قد كانت النظرة السائدة لعامل الطبيعة ،منذ عهد أرسطو ولغاية جميء
داروين ،أنه عامل ساكن ال يتغري .وقبل نرش الكتاب الشهري (أصل األنواع)
لداروين ،مل يلتفت أحد ملسألة العالقات املتغرية واملتبادلة ما بني الكائنات احلية
والبيئة ،وتكيفها يف ضوء ذلك .واالستثناء الوحيد لذلك هو كتاب (التاريخ
(- 1720 Gilbert White الطبيعي لسليبورن )Selborneملؤلفه غيلربت وايت
)1793الصادر يف العام .1789إذ يعدّ البعض هذا الكتاب من أول الكتب عن
علم البيئة.
( 1809ــ Charles Darwin أما تشارلز داروين
،)1882فإن كتابه (أصل األنواع) ـ الذي نرش يف العام
1859ـ يعد بمثابة أول اختبار لعلم البيئة .ويعد داروين
مؤسس ًا لعلم بيئة الرتبة Soil ecologyعىل الرغم من أن
كتابه ذاك اشتهر بنظرية النشوء والتطور .Evolutionوقد
تشارلز داروين..
صاحب األثر األكبر في
تطور علم البيئة الحديث
كان هلذه النظرية دور ًا مه ًام يف تغيري مسار الباحثني نحو
انتهاج العلوم البيئية.
19
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
Frederic علمي ًة يقوم عىل حتليل معمق للتاريخ الطبيعي .إذ نرش فريدريك كلمنتس
Clementsأول كتاب أمريكي حول علم البيئة يف العام ،1905وفيه طرح نظريته
القائلة أن املجتمعات النباتية هي بمثابة الكائن احلي األعظم ،Superorganismكام
أنه كان رائد مفهوم التعاقب البيئي .ويف العام ،1926استخدم جان كرستني سمتز
،Jan Christian Smutsمصطل "التكامل البيئي ،"Holismمستله ًام هذه الفكرة
من نظرية الكائن احلي األعظم لكلمنتس .ويف الوقت نفسه ،طرح تشارلز ألتون
، Charles Eltonمفهوم السالسل الغذائية يف كتابه األصيل (علم بيئة احليوان).
يف العام ،1942كتب رايموند لندمان ،Raymond Lindemanبحث ًا شهري ًا
حول حركية املستويات الغذائية يف علم البيئة ،وقد أصب هذا البحث فيام بعد
األساس لنظرية رسيان الطاقة واملواد عرب األنظمة البيئية .وخالل عقد اخلمسينيات
من القرن العرشين ،أدخل روبرت ماك آرثر Robert E. MacArthurإىل علم البيئة،
النظريات والتنبؤات واالختبارات الرياضية.
شهد علم البيئة تطور ًا أيض ًا من خالل إسهامات جاءته من علامء يف بلدان
أخرى ،مثال ذلك الرويس فالديمري فرنادسكي ،Vladimir Vernadskyصاحب
Kinji Imanishi مفهوم الغالف احليايت يف العرشينات .والياباين كنجي امانييش
صاحب مفهومي التناغم يف الطبيعة وعزلة املواطن الطبيعية خالل اخلمسينيات.
هذا وشهد علم البيئة اهتامم ًا ملحوظ ًا عىل الصعيدين العلمي والشعبي
دي الستينيات والسبعينيات ،وذلك بفضل احلراك اجلامهريي حول خالل عق ّ
القضايا البيئية آنذاك ،عرب ما يسمى باحلركة البيئية .Environmental movement
فهنالك ترابط تارخيي وعلمي قوي ما بني علم البيئة وإدارة البيئة ومحايتها .وكان
وآرثر تانسيل Aldo Leopold لكتابات عاشقي الطبيعة من أمثال آلدو ليوبولد
،Arthur Tansleyدور ًا مؤثر ًا يف الدعوة إىل محاية الطبيعة املنفصلة عن املراكز
احلرضية حيث يرتكز فيها التلوث والتدهور البيئي.
20
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
21
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
من األكرب إىل األصغر ليشمل :الغالف احليايت ،اإلقليم احليايت ،النظام البيئي،
املجتمع احليايت ،ثم اجلامعة األحيائية ،وأخري ًا الكائن احلي املنفرد .وسنأيت إىل رشح
كل واحدة من هذه املكونات البيئية يف الفصل القادم.
الشكل ( :)1-3التنظيم اهلرمي للنطاقات اجلغرافية االحيائية عىل وفق املجال الدرايس لعلم البيئة.
22
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
حيث احلجم والشكل واالغتذاء عىل احلرشات ،وهذه األنواع هي :بلبل كاب ماي
Dendroica tigrinaوالبلبل ذي الردف األصفر D.coronataوالبلبل ذي الصدر
الكستنائي .D.castaneaوتقوم دراسة ماك آرثر عىل تفنيد النظرية القائلة بأنه إذا
كان هناك نوعان من األحياء حيتاجان إىل نفس املتطلبات البيئية فسوف ينافس
أحدمها اآلخر ،ونتيجة لذلك فإهنام سوف لن يستطيعا العيش يف البيئة ذاهتا .ولذا
أراد ماك آرثر معرفة كيفية عيش هذه الطيور املغردة جنب ًا إىل جنب وهي يف الغابة
نفسها.
تتغذى الطيور املغردة بالدرجة األساس عىل التقاط ومجـع احلشــرات مـن
حلاء األشجار ومن أورقها .ويعتقد آرثر أن بمقدور هذه الطيور التعايش مع بعضها
البعض وأن ال ينافس أحدها األخر إذا ما تغذت عىل احلشـرات ضـمن مسـتويات
خمتلفة من الشجرة الواحدة .وقد أثبت اعتقاد آرثر صحته .إذ أظهـرت املالحظـات
دوهنا أن هذه األنواع الثالثة من البالبل إنام تأخذ غذائها من مستويات
امليدانية التي ّ
متعددة ضمن شجرة الصنوبر الواحدة .ومثلام يوض الشكل ( ،)1-4فـإن البلبـل
املسمى كاب ماي يتغذى أساسـ ًا مـن منطقـة األوراق األبريـة والـرباعم اجلديـدة
املوجودة يف أعايل األشجار .أما البلبل ذي الصدر الكستنائي فيتغـذى عـىل اجلـزء
األوسط من الشجرة .فيام يتغذى البلبل ذي الردف األصفر عىل األقسام التحتية من
الشجرة وعىل األطراف السفىل من اجلزء األوسط.
لقد دللت مشاهدات ماك آرثر عىل أنه بالرغم مـن عـيش هـذه الطيـور يف
الغابة نفسها ،فإهنا حتصل عىل غذائها من مناطق خمتلفة ألشجار الغابة .وقد توصل
هذا الباحث إىل أن هذه التغذية املتعددة املستويات ربام تكون هي السبب يف ضعف
املنافسة بني هذه الطيور يف الغابات الصنوبرية .وبذلك فقد تم اختبار نظرية كانـت
تبدو صحيحة ،لكن بواسطة املراقبة والدراسة احلقليـة تـم تفنيـدها والربهنـة عـىل
خطئها.
23
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
24
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التي تساعدها عىل التحليق كام ترتبط به األجنحة واألرجل ،لكن عملية املحافظة
عىل درجة حرارة اجلسم دافئة يف بيئة باردة تتطلب يف احلقيقة وجود طاقة .لذا جيب
معرفة مقدار الطاقة املفقودة واملكتسبة.
من أجل ذلك قام هرينش بإجراء عدد من الدراسـات احلقليـة واملختربيـة
لتخمني موازنات الطاقة لنحل يتغذى عىل أنـواع خمتلفـة مـن األزهـار يف درجـات
حرارية متباينة .ولكي حتافظ مستعمرة النحل الطنّان عىل بقاءها جيب موازنة الفرق
بني الوارد من الطاقة واخلارج عنهـا .ويمثـل اغتـذاء النحـل عـىل األزهـار ضـمن
درجات حرارة معينة اكتساب ًا للطاقة فيام متثل عملية جتواهلا بحث ًا عن الطعـام فقـدان ًا
للطاقة .ويمكن للنحل استثامر مـا يكسـبه مـن
طاقة يف عملية إنتاج العسل إلطعـام مسـتعمرة
النحل وكذلك يف إعادة إنتاجه من جديـد .أمـا
عملية التجوال بحثـ ًا عـن الطعـام فإهنـا تعنـي
فقدان للطاقة ومن ثـم غـذا ًء أقـل وتضـاؤالً يف
دراسة النحل الطنّان ما بين الحقل والمختبر..
كشفت حقيقة علمية مذهلة اإلنتاجية وبالنتيجة عدم االستطاعة عىل البقـاء
لفرتات طويلة.
يف احلقل ،استخدم هرينش ساعة توقيت لقياس املدة التي يقطعهـا النحـل
الطنّان يف طريانه واغتذاءه .وقام أيض ًا باصطياد عدد منها ثـم قـاس درجـة حـرارة
صدورها بواسـطة حمـرار خـاص .أمـا يف املختـرب ،قـام بتحليـل فسـيولوجي عـرب
استخدام عدد من األجهزة واملعدات املختربية اخلاصة ،وذلك لتقدير كمية الطاقـة
املستنفذة يف أثناء عملية حتليق النحل ومقدار الطاقة الالزمة لتسخني أجسامها.
لقد توصل هرينش ،يف هناية املطاف ،إىل أن النحل حيافظ عىل درجة حـرارة
منطقته الصدرية بام يرتاوح من 37 - 30م ،حتى عندما هتبط درجة حرارة اهلـواء
0
إىل ما دون الصفر املئوي .وهنا السؤال كيف يمكن هلذا النحل املحافظة عىل درجـة
25
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
حرارة صدوره مرتفعة يف مثل هذه البيئات البـاردة أهنـا تقـوم بـذلك مـن خـالل
تقليص عضالهتا يف أثناء التحليق ،إذ تتقلص هذه العضالت يف كل حركـة صـعود
ونزول ألجنحتها ،ونتيجة لـذلك تـدفت تـدرجيي ًا ،وأال سـوف يصـيبها االرتعـاش
واالرجتاف إن مل تفعل ذلك.
من هذا املثال ،يتض كيف أن تضافر العمل احلقيل مع التحليـل املختـربي
الفسيولوجي استطاع أن جييب عن تساؤالت علمية ربام مل يكـن باملقـدور اإلجابـة
عنها لو تم االعتامد عىل أسلوب واحد فقط.
26
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
نادكارين ال تعد أول من بحث يف أعايل األشجار فحسب بل تعد أيض ًا أول من سرب
أغوار بيئة هذا العامل املجهول.
تتصف ترب العديد من الغابات املطرية بكوهنا تفتقر إىل العنـارص الغذائيـة
كالنرتوجني والفسفور ،وذلك بسبب ترشحها مع مياه األمطار الغزيـرة باسـتمرار.
وقد أثارت هذه الشحة يف العنارص الغذائية يف ترب تلك الغابات لغـز ًا ّ
حـري علـامء
البي ئة يف حينها .إذ كان أكثر ما يشغل باهلم هو كيف يمكن هلذه احلياة التي تزخر هبا
الغابات املطرية أن تدوم وتستمر يف مثل هـذه الـرتب الفقـرية بالعنـارص الغذائيـة.
واحلقيقة أن هناك عدة عوامل تسهم يف ديمومة هذا النشاط احليوي الزاخـر .فجـاء
بحث نادكارين هذا ليكشف النقاب عـن واحـد مـن تلـك العوامـل ،وهـو يتمثـل
بوجود خزين هائل من العنارص الغذائية يف قمم أشجار هذه الغابات املطرية.
هناك نوع من النباتات يعرف بالنباتات اهلوائية Epiphytesيرتبط وجودهـا
هبذه املستودعات الغذائية يف الغابات املطرية .والنباتات اهلوائية ،شأهنا شأن الكثـري
من النباتات السحلبية والرسخسيات ،عبارة عن نباتات تنمو فوق أغصان وجذوع
غريها من النباتات .عىل أن النباتات اهلوائية ليست طفيلية ،فهي ال تسـتمد غـذائها
من نبات أخر تنمو عليه ،بل أهنا تنمو فوق أغصان األشجار فقط ألجل حفظ املادة
العضوية ،لتتحول فيام بعـد إىل مـا يشـبه احلصـرية .ويأخـذ سـمك هـذه احلصـائر
باالزدياد حتى يصل إىل أكثر من 30سم ،فتوفر بذلك تركيبة معقـدة تكـون داعـ ًام
حلياة كثري من املجتمعات النباتية واحليوانية.
حتتوي حصائر النباتات اهلوائية عىل كميات كبرية مـن العنـارص الغذائيـة.
وقدرت نادكارين بأن هذه الكميات يف بعض الغابات املدارية املطرية تعـادل تقريبـ ًا
نصف املحتوى الغذائي املوجود يف أوراق أعايل األشجار .وتبني من بحـث العاملـة
نادكارين أيض ًا أن األشجار يف كل من الغابات املعتدلـة واملداريـة املطـرية تصـل إىل
هذه املستودعات الغذائية من طريق نشــر وتفريـع اجلـذور املمتـدة مـن جـذوعها
27
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
وأغصاهنا بدء ًا من األرضية وصعود ًا إىل األعىل .وحصيلة ملا قدمه لنا هذا البحـث،
فقد بات باملقدور اآلن فهم االقتصاد الغذائي يف الغابات املطرية.
28
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مزيج حبوب اللقاح املحفوظ يف رواسب البحرية هذه يتعرض لليشء نفسه أيضـ ًا.
فمث ً
ال يرجع أول ظهور حلبوب اللقاح املتسـاقطة عـن أشـجار صـنوبرية مـن نـوع
البيسية Piceaاملوجودة يف الرواسب البحريية إىل حوايل 12000سـنة خلـت ،أمـا
،Fagusفإن أول ظهور هلا يف الزان نوع grandifolia
احلبوب املتساقطة عن أشجار ّ
الرواسب يمتد إىل نحو 8000سنة خلت .فيام مل يظهر وجود حلبوب لقاح أشـجار
الكستناء يف تلك الرواسب أال منذ 2000سنة تقريب ًا .لـذا باإلمكـان إعـادة كتابـة
تاريخ الغطاء النبايت عن أية منطقة من خالل تفحص حبـوب اللقـاح املحفوظـة يف
رواسب بحريات أخرى .ومثلام فعلـت العاملـة
ديفز فقد كان لبعض أعامهلا قيمة كبرية يف إعادة
كتابة تاريخ الغابات النفضية يف اجلزء الشـرقي
من أمريكا الشاملية ،وكشـفت عـن دور التغـري
املناخي يف تبدل ظروف تلك الغابات.
يمكن لحبوب اللقاح..
أن تكشف عمر غابات بأكملها
29
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
حليوانات حملية قادرة عىل بعثرة بذور شجرة املطر .ذلك أن شجرة املطر هذه ،وهي
عضو من عائلة البازالء ،تنتج ثامر ًا عىل شكل أقراص يبلغ قطر الواحدة منها 10
سم ويرتاوح سمكها من 4إىل 10ملم .ويصل إنتاج كل شجرة كبرية منها سنوي ًا
إىل أكثر من 5000ثمرة ،إذ تسقط عىل األرض بعد نضوجها.
لقد أستطاع جانزن ،بالرجوع إىل
سجالت التاريخ الطبيعي ،فهم العمليات
احليوية التي سببت توقف شجر املطر عن
التكاثر .فقد ظهر أن هذه املنطقة كانت تزخر
يف السابق بوجود حيوانات ضخمة عاشبة
قاد تتبع التاريخ الطبيعي لشجرة المطر
إلى إعادة إحياء غابة مدارية من جديد كاجلامل واخليول الربية ،التي تقتات مع العشب
عىل البذور املتساقطة ألشجار املطر ،ومن ثم تسهم يف نرشها من طريق الرباز الذي
تطرحه أو من طريق بعثرهتا بحوافرها عند جتواهلا يف املنطقة .عىل أن هذه احليوانات
أبيدت وانقرضت منذ ما يقرب من 10000سنة خلت ،ولعل لعمليات الصيد
املفرط التي كان يقوم هبا اإلنسان يف ذلك الوقت دور ًا يف ذلك .وبذلك ظلت
أشجار املطر تطرح سنوي ًا آالف ًا من بذورها غري أهنا ال جتد من يساعد عىل نرشها
عرب أرض الغابة .فأدرك جانزن القيمة العملية للامشية يف بعثرة البذور ونرشها وقام
بضمها إىل خطته إلعادة تأهيل الغابة املدارية يف متنزه شجر املطر الوطني
بكوستاريكا .وبالفعل بدأت الغابة اليوم تستعيد عافيتها بعد إدخال حيوانات
املاشية واخليول إليها ،إذ أهنا تقوم بدور فاعل يف تكاثر شجر املطر عرب أرجاء الغابة.
إن سعة وعمق النظرة التي يقدمها التاريخ الطبيعي ،متـن البـاحثني رؤيـة
واضحة يستطيعوا من خالهلا النفاذ إىل ما وراء رؤية األشياء الظاهرية .فمن خـالل
عدسات التاريخ الطبيعي ،يمكن مدّ النظر إىل ما وراء اعتبار بعض احليوانات جمـرد
كائنات متطفلة ،بل اعتبارها حيوانات أساسية إلعادة إحياء نظام بيئي بكاملـه .ويف
30
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مثال جانزن ،مل يبادر أي شخص من قبله إىل مالحظـة غيـاب هـذه احليوانـات ومل
يلحظ أحد أثرها البيئي املهم عىل حياة الغابات املدارية ،ولكن باإلفادة من مراجعة
التاريخ الطبيعي حقق ما يصبوا إليه.
31
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل الثاني
مفاهيم أساسية في علم البيئة
يعرض هذا الفصل إىل جمموعة مفاهيم أساسية ذات صلة بعلم البيئة .إذ نتعرف
أوالً عىل مكونات البيئة ،ذلك أن معرفتها يعد أمر ًا رضوري ًا لفهم التفاعالت
احليوية الدائرة ضمن النظام البيئي .وسيتم أيض ًا إيضاح مفهوم النظام البيئي
وتفاعالته والدورات الكربى اجلارية يف أطاره .هذا إضافة إىل رشح مفاهيم أخرى
مثل رسيان الطاقة والعنارص الغذائية يف البيئة والسالسل والشبكات الغذائية
والتعاقب والثبات.
املكونات البيئية
تتكون البيئة احلياتية من جمموعة مكونات يكمل بعضها األخر .وقد أرشنا يف
الفصل السابق إىل أن املجال البيئي يتألف من تنظيم هرمي متباين النطاق واملستوى
(أنظر الشكل .)1 – 3وفيام ييل تعريف لبعض املكونات البيئية األساسية.
الغالف الحياتي
يعد الغالف احليايت Biosphereالوحدة األكرب ضمن
التنظيم البيئي .وتعيش ضمن هذا الغالف كل أنواع
الكائنات احلية (النباتات ،احليوانات ،األحياء
املجهرية ..الخ) .وهو يشتمل عىل أجزاء من الغالف
Hydrosphere والغالف املائي Atmosphere اجلوي
الغالف الحياتي ..وأقسامه األساسية وأجزاء من الغالف الصخري (الرتبة) ،Lithosphere
.Ecosphereويعد وتوجد من ضمنه أيض ًا املواطن الطبيعية والبيئات البرشية
32
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الغالف احليايت غالف ًا رقيق ًا ال تتعدى سامكته يف اإلمجال 20كم ،منها حوايل
10 – 8كم فوق سط األرض والباقي يمتد إىل أعمق نقطة يف قيعان املحيطات.
وعىل سبيل املقارنة ،يبلغ نصف قطر األرض حوايل 12.700كم ،وهو ما يزيد
بنحو 600مرة عن سامكة الغالف احليايت .فإذا ما اعتربنا أن األرض تفاحة ،فأن
الغالف احليايت هو بالضبط قرشة هذه التفاحة .وتتباين الكائنات احلية يف توزيعها
اجلغرايف فوق هذا الغالف ،كام أن معظمها ال يعيش إال ضمن سمك بضع أمتار من
سط اليابسة أو املحيطات.
اإلقليم االحيائي
عبارة عن Biome االقليم االحيائي
وحدة بيئية كبرية احلجم تتصف
بوجود جماميع نباتية وحيوانية وظروف
بيئية خاصة (كاملناخ ،الرتبة ،املياه)..
ختتلف هبا عن غريها من األقاليم.
وتتضمن االقاليم االحيائية الكربى
تضفي االقاليم االحيائية ..تنوع ًا بيئي ًا لكوكب األرض
الغابات املدارية املطرية والغابات
املعتدلة والغابات النفضية والغابات الصنوبرية واحلشائش والصحاري احلارة
والباردة والتندرا ،موزعة بشكل متباين عىل سط األرض مثلام يظهر ذلك من
الشكل .2 – 1
هناك من الباحثني من يصنف االقاليم االحيائية إىل أخرى جمهرية أو حملية.
فمثالً ،يعد جسم اإلنسان بالنسبة للميكروبات هو إقليمها وعاملها احليايت .وعىل
العموم ،تؤدي األقاليم االحيائية دور ًا مه ًام يف تفعيل الكيمياء احليوية لبيئة كوكب
األرض.
33
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
النظام البيئي
(ظهرت Ecosystem يعرف النظام البيئي
تسميته عىل يد العامل األملاين آرثر تانسيل يف العام
)1935أنه عبارة عن كيان طبيعي معقد ضمن
حيز معني ،وعادة ما يكون أصغر من االقليم
االحيائي من ناحية الكثافة واحلجم واملساحة.
النظام البيئي مترابط ومتوازن ..وهو تفاعل
متناغم بين الموجودات الحية وغير الحية ويضم جمموعات حية ( Bioticنباتية وحيوانية)
ّ
ومعامل طبيعية غري حية ( Abioticمياه ،تربة ،تضاريس ،مناخ .)..وتسعى الكائنات
احلية ،ضمن أي نظام بيئي ،إىل التفاعل مع املكونات احلياتية والطبيعية للبيئة التي
تعيش فيها بقصد التكيف معها من أجل البقاء .ولذا غالب ًا ما تتصف النظم البيئية
بالتعقيد ،ألن عملية التفاعل التي تقوم هبا األحياء تشكل أنامط ًا حياتية تتباين مكاني ًا
وزماني ًا ،وهذا التباين يفيض يف املحصلة النهائية إىل رضب خاص من التنوع
االحيائي .Biodiversityوطاملا أن النظام البيئي الواحد مكون من جمموعة حلقات
34
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مرتابطة ببعضها بشكل وثيق ومتوازنة بشكل دقيق ،فأن فقدان أية حلقة من هذه
احللقات ألسباب تتعلق بتلوث أو تدمري موطن طبيعي أو تدهور بيئي ،يقود حت ًام
إىل اختالل توازن الطبيعة ووقوع مشكالت بيئية عدة.
35
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
وانتشارها .ومن أشهر قوانني نمو اجلامعة ،هو قانون مالثوس (نسبة إىل مبتكره
توماس مالثوس )Thomas Malthusالذي ينص عىل أن "اجلامعة تتكاثر طردي ًا
طاملا ظلت البيئة التي تعيش فيها بال تغيري" .وذلك عىل وفق املعادلة التالية:
P(t) = P0ert
حيث أن:
حجم اجلامعة (السكان) األساس = P0
معدل نمو اجلامعة = r
الزمن = t
عل ًام أن نمو اجلامعة يتوقف بالدرجة الرئيسة عىل متغريات مثل الوالدات والوفيات
واهلجرة الوافدة واخلارجة ،وأيض ًا عىل سعة التحمل Carrying capacityالالزمة
الستيعاب حجم مجاعة ما عىل وفق ما متوفر من متطلبات معيشتها يف البيئة.
أما الكائن احلي Organismفهو أصغر مكون من املكونات البيئية ،ويكون
مرادف ًا ملصطل نوع احيائي .Speciesويركز الباحثون الذي يتناولون دراسة كائن
حي ما ،عىل مسألة التكيفات التي تبدهيا الكائنات احلية ملواجهة التحديات البيئية
التي تطرأ عليها .وعىل هذا ،فأن الكائنات احلية تتباين عن بعضها البعض من ناحية
السلوك والطريقة التي تنتهجها للتكيف والتأقلم مع التغريات احلاصلة يف بيئتها،
فلكل نوع منها أسلوبه اخلاص يف العيش والتكيف مع هذه البيئة أو تلك.
36
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املوطن الطبيعي
يقصد باملوطن الطبيعي Habitatالبيئة املناسبة التي يتواجد يف ظلها نوع معني من
الكائنات احلية ويتحدد بموجبها نوع املجتمع االحيائي .ويقصد باملوطن الطبيعي
أيض ًا أنه تلك املنطقة التي تتوافر فيها جمموعة
من املتغريات والعنارص البيئية احلية وغري احلية
املالئمة ملعيشة نوع ما من الكائنات احلية ،وتؤثر
يف تواجدها بشكل مبارش أو غري مبارش،
وبخالف تلك املوائمة يف العنارص البيئية يعجز
تستطيع النباتات والحيوانات العيش في الموطن
الطبيعي نفسه ..إال أن لكل منها موئله الخاص الكائن احلي العيش بصورة سليمة.
قد يكون املوطن الطبيعي عبارة عن بيئة مائية أو برية ،ويمكن أن يتجزأ إىل
بيئات متنوعة عدة (هنر ،بحرية ،بحر ...صحراء ،غابة ،جبل) .وتفيض التحوالت
يف بيئة املوطن الطبيعي إىل تغيري رشوط املنافسة داخل اجلامعة نفسها التي من نوع
معني ،ومن ثم القيام بتغيري أشكاهلا قياس ًا بجامعات أخرى من النوع نفسه تعيش يف
بيئات خمتلفة .فعىل سبيل املثال ،للسحايل االستوائية (نوع )Tropidurus hispidus
أجسام مفلطحة ختتلف هبا عن السحايل التي تعيش يف إقليم السفانا املفتوح ،وذلك
ألن اجلسم املفلط يمنحها ميزة االختباء وسط شقوق الصخور أو األشجار.
ويشهد تاريخ تطور احلياة عىل حدوث عدة حتوالت يف املواطن الطبيعية .فمثالً
هنالك كثري من الربمائيات واحلرشات قد حولت موطنها الطبيعي من بيئة مائية إىل
أخرى برية ،األمر الذي يؤكد ديمومة التغري يف الطبيعة.
املوئـل
املوئل Nicheهو حيز مكاين أضيق من املوطن الطبيعي ،ويعرف بأنه املوضع الذي
تتوفر فيه ظروف وعنارص حية وغري حية متدّ أي نوع من الكائنات احلية بأسباب
البقاء وحتافظ عىل استقرار نموه .وتتكيف الكائنات احلية مع موئلها بشكل أفضل
37
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
من تكيفها للموطن الطبيعي ،ألهنا ال تستطيع أن تتواجد أو تعيش مرة واحدة مع
كل أجزاء موطنها الطبيعي األوسع نطاق ًا .وحيتوي املوئل عىل جمموعة من الظروف
التي حيبذها الكائن احلي ،وكذلك عىل املوارد التي يستخدمها ،والوسائل التي
يستطيع بواسطتها احلصول عىل تلك املوارد .كام يتضمن املوئل عىل ذرية الكائن
احلي وعىل زمن تكاثره وعىل كل التفاعالت األخرى مع بيئته.
هناك ما يسمى بالعواميات Generalistsوهي الكائنات التي تتمتع بموائل
واسعة النطاق ،بحيث يمكنها العيش حتت خمتلف الظروف واملوارد .ومثال ذلك
حيوان أبوسوم فرجينيا (من فصيلة اجلرابيات) ،فهو حيوان يطيق العيش يف خمتلف
أنحاء الواليات املتحدة ،إذ أنه يستطيع أكل أي يشء تقريب ًا بدء ًا من البيض
والفواكه والنباتات وانتها ًء باحليوانات امليتة .وعىل نقيض ذلك ،فأن هنالك كائنات
ال يمكنها العيش إال يف موئل ضيق جد ًا تسمى باخلصوصيات .Specialistsومثاهلا
حيوان الكواال االسرتايل الذي ال يتغذى إال عىل أوراق نوع معني من شجر
اليوكالبتوس.
هناك أيض ًا من الكائنات من يتنقل عرب أكثر من موئل خالل مراحل حياته
ال تتغذى يرقات الفراش عىل أوراق النباتات ،لكنها حني تغدو فراش ًا
املختلفة .فمث ً
يافع ًا فأن رحيق الزهور يصب غذائها الرئيس.
38
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
احلية التي تتغذى عىل الكائنات ذاتية التغذية ،ومن ثم إىل كائنات تتغذى عىل غريها
من الكائنات .عل ًام أن كمية الطاقة التي يتلقاها النظام البيئي وتلك التي تنتقل من
كائن ألخر تؤثر يف بنية ذلك النظام بشكل أو أخر.
عىل هذا ،تتمثل يف الشكل ( )2 – 2الكائنات األساسية املكونة آللية انتقال
الطاقة عرب النظام البيئي ،وهي تشمل ما ييل:
39
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
40
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
السنة (غم/م /سنة) .ويساوي صايف اإلنتاجية األولية إمجايل اإلنتاجية األولية 2
الشكل ( :)2 – 3مقارنة معدالت صايف اإلنتاجية األولية عرب نظم بيئية خمتلفة.
ُ
املستهلكات
إن كل احليوانات ،ومعظم الكائنات االحادية اخللية ،ومجيع الفطريات ،وأغلب
البكرتيا تعد من الكائنات غري ذاتية التغذية .Heterotrophsإذ ال تستطيع هذه الفئة
من الكائنات ،عىل خالف الكائنات ذاتية التغذية ،صنع غذائه بنفسها .إنام تلجأ
عوض ًا عن ذلك للحصول عىل الطاقة من طريق التهام كائنات أخرى أو التغذي
عىل فضالت عضوية .وعىل هذا يمكن القول أن الكائنات غري ذاتية التغذية هي
41
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
42
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املنتجات إىل املستهلكات .ولكي نستطيع تعقب مسار رسيان الطاقة عرب نظام بيئي
معني ،البد من ترتيب الكائنات بحسب مستويات حصوهلا عىل الطاقة ،وهو ما
يعرف باملستوى الغذائي .Trophic levelإذ يشري هذا املستوى إىل موقع الكائن
احلي ضمن سلسلة رسيان الطاقة .فعىل سبيل املثال ،تنتمي مجيع الكائنات املنتجة
إىل املستوى الغذائي األول .وتكون الكائنات غري ذاتية التغذية (العواشب
خصوص ًا) ضمن املستوى الغذائي الثاين ،فيام تقع املفرتسات (اللواحم) ضمن
املستوى الغذائي الثالث .وتتصف معظم األنظمة البيئية الربية بوجود ثالثة أو
أربعة مستويات غذائية ،يف حني قد يصل العدد إىل أكثر من ذلك يف حالة النظم
البيئية البحرية.
السالسل والشبكات الغذائية
السلسلة الغذائية Food chainعبارة عن مسار منفرد من العالقات التغذوية القائمة
بني جمموعة من الكائنات احلية ضمن نظام بيئي ما ،األمر الذي يؤدي باملحصلة
النهائية إىل رسيان الطاقة وانتقاهلا عرب حلقات هذه السلسلة .ومثلام يبني الشكل
( ، )2 – 4قد تبدأ احللقة األوىل من السلسلة الغذائية بعشبة نباتية معينة ،التي متثل
هنا منتج ًا أولي ًا .وتستمر لتصل إىل كائن مستهلك هلذه العشبة ،كأن يكون مثالً
ال هنا مستهلك ًا
جندب ًا ،ويمثل هنا مستهلك ًا أولي ًا .ثم تصل إىل فأر يأكل اجلندب ،ممث ً
ثانوي ًا .وتنتهي السلسلة بمستهلك ثالثي الحم يتغذى عىل الفأر ،كأن يكون بومة
مثالً.
عاد ًة ما تتسم العالقات التغذوية يف أي نظام بيئي بالتعقيد الشديد ،بخالف
البساطة التي تبدو عليها السلسلة الغذائية ذات املسار الواحد .ذلك ألن العديد من
املستهلكات إنام تتغذى عىل أكثر من نوع واحد من الطعام .فض ً
ال عن هذا ،فأن
هناك كثري من الكائنات احلية تتغذى عىل كائنات من نفس نوعها وجنسها
وفصيلتها .ولذا تتصف العديد من السالسل الغذائية بتشابكها مع بعض ،حتى أن
43
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
شكل مرتسم العالقات التغذوية الرابطة بني مجيع األحياء ضمن النظام البيئي أشبه
ما يكون بشبكة (أنظر املقارنة يف الشكل .)2 – 4وهلذا يدعى جمموع السالسل
الغذائية املرتابطة ببعض ضمن نظام بيئي معني بالشبكة الغذائية .Food web
الشكل ( :)2 – 4مقارنة بني السلسلة الغذائية املنفردة والشبكة الغذائية املرتابطة ضمن نظام بيئي بري.
يمكن القول ،بصفة عامة ،أنه كلام ازدادت أطوال السالسل الغذائية كلام
يضمها ،يف مقابل
ّ ازداد تعقيد شبكاهتا ومن ثم تضخم حجم النظام البيئي الذي
تناقص الطاقة عند كل مستوى غذائي تعاقبي .ولذا غالب ًا ما ينتاب السالسل
الغذائية الطويلة حالة من عدم االستقرار .هذا وينتفع علامء البيئة من جراء تعقبهم
للسالسل والشبكات الغذائية يف دراسة تسمم البيئات ويف تتبع مسارات امللوثات
البيئية وتراكمها يف األحياء.
انتقال الطاقة
يبني الشكل 2 – 5كمية الطاقة املختزنة بصيغة مادة عضوية يف كل مستوى غذائي
ضمن نظام بيئي ما .ويشري الشكل اهلرمي للمرتسم إىل تناقص النسبة املئوية مع
44
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
انتقال الطاقة من مستوى أدنى إىل أعىل .إذ يظهر حصول تناقص يف الطاقة اإلمجالية
بام معدله 10باملائة عند كل مستوى غذائي تايل نتيجة لقيام الكائنات الواقعة يف
املستوى الذي قبله باستهالكها.
الشكل ( :)2 – 5املثلث اهلرمي النتقال الطاقة عرب املستويات الغذائية يف النظام البيئي.
يعزى سبب هذا التناقص يف انتقال الطاقة إىل قيام بعض الكائنات
املوجودة يف مستوى غذائي معني بالفرار من مفرتساهتا التي تقع يف املستوى األعىل،
ويف أخر األمر متوت وتصب طعام ًا للمحلالت ،وهلذا ال حيدث انتقال للطاقة
املختزنة يف أجسامها إىل املستوى الغذائي األعىل .وحتى حينام يتم افرتاس كائن حي
ما ،فأن بعض اجلزيئات يف جسم الفريسة تكون بحالة ال يستطيع معها املفرتس
القيام بتحليلها واإلفادة منها .فمثالً ،ال يمكن لألسد أو النمر أو الضبع احلصول
عىل الطاقة املوجودة يف قرون الغزال أو يف حوافره أو شعره .كام أن ليس بوسع
املفرتسات يف العموم اإلفادة من الطاقة التي تستخدمها الفريسة يف التنفس اخللوي،
يمكنها من صنع كتلة حيوية جديدة .وأخري ًا ،فأن حتول الطاقة وانتقاهلا ال
بحيث ّ
45
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يتم مائة باملائة من الفريسة إىل املفرتس .إذ قد يستنفذ جزء من الطاقة يف التفاعالت
األيضية ،فيام قد يستنفذ جزء أخر بعد حتوله إىل طاقة حرارية.
46
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يف الطبيعة .Biogeochemical cyclesوسنأيت هنا إىل إجياز آلية عمل كل واحدة من
هذه الدورات.
47
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
اجلوي .وما أن يصب الغالف اجلوي مشبع ًا ببخار املاء ،حيدث التساقط أما بصورة
مطر أو ثلج أو مطر ثلجي أو َبرد أو ضباب.
دورة الكربون
تشكل عمليتي الرتكيب الضوئي والتنفس اخللوي أساس دورة الكربون يف الطبيعة
،Carbon cycleاملبينة يف الشكل ( .)2 – 7ففي عملية الرتكيب الضوئي ،تستخدم
النباتات وغريها من األحياء ذاتية التغذية غاز ثنائي أكسيد الكربون ( ،)CO2إىل
جانب املاء والطاقة الشمسية ،وذلك لصنع الكربوهيدرات .وتستهلك كل من
األحياء ذاتية التغذية وتلك غري ذاتية التغذية األكسجني لغرض حتطيم
الكربوهيدرات وتفكيكها يف أثناء عملية التنفس اخللوي .وتكون النواتج العرضية
لعملية التنفس هذه هو غاز ثنائي أكسيد الكربون زائد ًا املاء .فيام تطلق املحلالت
ثنائي أكسيد الكربون إىل اجلو عندما تقوم بتفكيك املركّبات العضوية.
48
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
عىل أن تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو تضاعف بنسبة 30باملائة
خالل الـ 150سنة األخرية .ويعد اإلنسان مصدر ًا مه ًام حلدوث هذه الزيادة من
جراء حرق الوقود االحفوري وغريه من املواد العضوية .فاملجتمع الصناعي يعتمد
اعتامد ًا رئيس ًا عىل الطاقة التي يولدها حرق الوقود االحفوري كالفحم والنفط
والغاز الطبيعي .والوقود االحفوري هذا عبارة عن بقايا كائنات حتولت إىل
جزيئات غنية بالطاقة بعد تفسخها وتعرضها لضغط وحرارة شديدين .وتطلق
عملية احلرق الطاقة املختزنة يف هذه اجلزئيات ،لكن حترر معها أيض ًا غاز ثنائي
أكسيد الكربون .وألنه جيري سنوي ًا حرق مساحات شاسعة من الغابات بقصد
حتضريها للزراعة ،فهذا يعني زيادة كمية ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو نتيجة
عول عليه يف امتصاص هذا الغاز بواسطة
التقلص املستمر للغطاء النبايت الطبيعي امل ّ
عملية الرتكيب الضوئي ،وهو ما سيزيد من رضره عىل الطبيعة.
49
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
دورة النتروجين
حتتاج مجيع الكائنات إىل النرتوجني ألجل صنع الربوتينات واألمحاض النووية.
ويدعى املسار املعقد الذي يسلكه النرتوجني ضمن النظام البيئي بدورة النرتوجني
،Nitrogenمثلام يوضحها الشكل ( .)2 – 8يشكل غاز cycle يف الطبيعة
النرتوجني ( )N2قرابة 78باملائة من الغالف اجلوي ،بحيث يبدو أن من السهولة
بمكان عىل الكائنات احلية احلصول عليه .غري أن معظم النباتات ال تستطيع يف
الواقع االستفادة من النرتوجني إال حني يكون بصورة نرتات .فتسمى عملية حتويل
غاز النرتوجني إىل نرتات بتثبيت النرتوجني .Nitrogen fixation
50
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
وتقوم هذه النباتات بمد البكرتيا بالكربوهيدرات ،فيام تقوم البكرتيا من جانبها
بإنتاج نرتوجني مفيد للنبات ،أما النرتوجني الزائد فيتحرر إىل الرتبة.
إن أجساد الكائنات امليتة حتتوي عىل النرتوجني ،السيام يف الربوتينات
واالمحاض النووية .كام أن البول (اليوريا) والرباز حيتويان عىل النرتوجني أيض ًا .لذا
تعمل املحلالت عىل تفكيك هذه املواد وتطلق النرتوجني املحتبس يف داخلها عىل
هيئة أمونيا ( ،)NH3ويف الرتبة يتحول إىل أمونيوم ( .)NH4وتعرف هذه العملية
بالتحول االموين .Ammonificationويكون النرتوجني خالل هذه العملية متاح ًا
من جديد لكائنات أخرى.
تقوم بكرتيا الرتبة بامتصاص االمونيوم وأكسدته إىل نرتيت ()NO2
ونرتات ( ،)NO3يف عملية تدعى بالنرتتة .Nitrificationكام ينتج عن عملية تعرية
الصخور الغنية بالنرتات حترر هذه املادة أيض ًا إىل النظام البيئي .فتستخدم النباتات
النرتات لتكوين أمحاض أمينية .وال يعود النرتوجني إىل الغالف اجلوي جمدد ًا إال
من طريق العملية املسامة إزالة النرتوجني .Denitrificationوحتدث هذه العملية
عندما تقوم البكرتيا الالهوائية بتفكيك النرتات حمرر ًة غاز النرتوجني إىل اجلو .وفيام
تستطيع النباتات امتصاص النرتات من الرتبة ،فأن احليوانات ال يمكنها فعل ذلك.
ولذا حتصل احليوانات عىل النرتوجني بطريقة مشاهبة حلصوهلا عىل الطاقة ــ أي
بالتهام النباتات والكائنات األخرى ومن ثم هضم الربوتينات واالمحاض النووية
املوجودة فيها.
دورة الفسفور
يعد الفسفور عنرص ًا وماد ًة رضورية حتتاجها احليوانات لبناء العظام واألسنان
وقسم من اجلزيئات ،مثل احلمض النووي DNAو .RNAتأخذ النباتات حاجتها
من الفسفور من الرتبة واملاء ،فيام حتصل احليوانات عليه من خالل التغذي عىل
النباتات أو عىل غريها من احليوانات .واملقصود بدورة الفسفور يف الطبيعة
51
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
Phosphorus cycleحركة الفسفور من البيئة إىل الكائنات احلية ومن ثم رجوع ًا إىل
البيئة مرة أخرى ،مثلام تتض يف الشكل ( .)2 – 9وتتسم هذه الدورة بالبطء وال
حتدث عاد ًة يف الغالف اجلوي ،وذلك لندرة تواجد الفسفور يف حالة غازية.
انجراف
الفوسفات
من
االراضي
الزراعية
52
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التعاقب البيئي
أنه عملية تغري متعاقب يتم فيها Ecological succession يعرف التعاقب البيئي
نشوء أو جتديد نوع معني أو جمموعة أنواع من الكائنات احلية ضمن جمتمع بيئي
معني وبمرور زمن طويل .إذ يبدأ هذا املجتمع بالتشكل أوالً ببضع نباتات
وحيوانات أولية ثم يتطور ويزداد تعقيد ًا حتى يصل إىل حالة من االستقرار أو
يصب مكتفي ًا ذاتي ًا فيسمى حينها بمجتمع الذروة .Climax communityوعاد ًة ما
تستغرق هذه العملية مرور زمن يرتاوح من عرشات إىل آالف السنني.
53
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
وعىل هذا ،تتباين معدالت صايف اإلنتاجية األولية وحجم الكتلة احليوية
واملستويات الغذائية عرب مراحل التعاقب املختلفة ،وذلك تبع ًا لنوع النظام البيئي
وموقعه اجلغرايف .كام تؤثر خصائص املجتمع االحيائي يف تطور بعض صفات
النظم البيئية ،السيام يف خواص الرتبة ودورات العنارص الغذائية ،وهو ما يؤثر
بدوره يف أي تطورات تعاقبية أخرى للمجتمع االحيائي نفسه.
أنواع التعاقب
ال جيري التعاقب البيئي عىل شاكلة واحدة ،بل ينقسم إىل مراحل وأنواع عدة،
وذلك عىل النحو اآليت:
:Primaryهو املرحلة األوىل من التطور succession -1التعاقب األويل
التعاقبي التي تبدأ باجتياح واستعامر منطقة معني مل يشغلها من قبل أي
جمتمع احيائي أخر ،ومثال ذلك التعاقب الذي ينشأ فوق سطوح صخرية
أو رملية تكونت حديث ًا أو فوق محم بركانية بردت وتصلبت أو ركامات
جليدية تعرضت لالنكشاف ..الخ .وتشتمل هذه املرحلة األولية من
التعاقب عىل نمو نباتات بدائية كاألشنات والطحالب ثم نباتات عشبية ثم
شجريات قزمية وأخري ًا تغدو غابة كاملة .ثم تأخذ احليوانات تنترش يف
املنطقة بعد أن جتد هلا ما يكفيها من طعام تأكله متمث ً
ال بالنباتات .وحينام
يعمل النظام البيئي بكامل مفاصله ،نصل إىل مرحلة جمتمع الذروة اآلنفة
الذكر.
-2التعاقب الثانوي :Secondary successionهو حالة التعاقب والتجدد التي
تتبع وقوع أحداث واضطرابات عنيفة (احلرائق الطبيعية ،الفيضانات،
الرياح العاتية ،بعض النشاطات البرشية املتمثلة بتحطيب الغابات
والزراعة) تقيض عىل املجتمع االحيائي الذي كان قائ ًام يف السابق .وتتأثر
حركية التعاقب الثانوي تأثر ًا كبري ًا بالظروف السائدة ما قبل االضطراب،
54
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
من قبيل بنية الرتبة وكميات البذور املرتاكمة واملادة العضوية املتخلفة
وكذلك ما متبقي من كائنات حية .وبفضل احتفاظ الرتبة ببعض خصوبتها
ووجود عدد من الكائنات من املجتمع السابق ،فقد يغلب عىل املراحل
األوىل من التعاقب الثانوي تغري رسيع نسبي ًا ينتاب املجتمع االحيائي
اجلديد (الشكل .)2 – 10
الشكل ( :)2 – 10مراحل التعاقب البيئي األويل والثانوي ضمن جمتمع نبايت نموذجي.
55
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الثبات البيئي
يقصد بمفهوم الثبات البيئي Ecological stabilityقدرة أي نظام بيئي عىل املقاومة
واالستمرارية واالستدامة والرجوع رسيع ًا إىل الوضع الذي كان عليه سابق ًا عند
حدوث أي نوع من االضطرابات .ومن منظور علم البيئة ،فأن املقصود بثباتية
اجلامعة االحيائية واستقراريتها هو مقدرهتا عىل عدم االنقراض .ويعتقد علامء البيئة
أن ثبات املجتمع االحيائي يعتمد عىل التوازن ما بني األحياء ومدى وفرهتا،
فاملجتمع الذي حيظى بأنواع أكثر يتمتع بروابط أقوى بني أعضائه .وقد تكون هذه
الروابط سبب ًا يف احلد من انتشار تأثريات االضطرابات احلاصلة أو يف التخفيف من
تدمريها للمجتمع االحيائي بحد ذاته.
56
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
57
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ونقطة الرجوع التي عليها حالي ًا .عل ًام أن علم البيئة قد استعار هذه املفاهيم
من نظرية النظم الدينامية.
58
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
59
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل الثالث
نماذج من العالقات البيئوية
نستعرض يف هذا الفصل عدد ًا من النامذج واألمثلة حول أهم العالقات البيئوية
التي تقوم هبا األحياء مع بعضها البعض من جهة ومع بيئتها اخلارجية من جهة
أخرى ،بام تنطوي عليه تلك العالقات من ردود أفعال واستجابات ونشاطات
ختتلف باختالف األحياء نفسها وباختالف التغريات التي تطرأ عىل بيئتها .فهي
تتباين لتشمل عالقات التكيف والتنافس واالفرتاس والتكافل بأشكاهلا املتنوعة.
وألن هذه العالقات تعد مبادئ مهمة يف دراسة علم البيئة ،لذا من الرضوري اإلملام
هبا وفهمها جيد ًا.
التكيف
البد أوالً من متييز مصطل التكيف عن التأقلم .إذ يشتبه الكثريين يف تطابق
معنيهام ،مع أهنام يف احلقيقة خمتلفان عن بعض وإن كانا يشريان إىل املبدأ نفسه.
التغيريات والتعديالت الفسيولوجية Acclimation يقصد بالتكيف
(اجلسامنية والسلوكية) التي يلجأ إليها كائن حي معني ملواجهة حصول تغري يف
واحد أو أكثر من الظروف البيئية املحيطة به ،وقد تستمر عملية التكيف هذه من
فهو التغيريات والتعديالت Adaptation بضعة دقائق إىل عدة أيام .أما التأقلم
الفسيولوجية التي تقوم هبا مجاعة من كائنات حية من نوع معني ،وعىل مدى أجيال
التمكن من العيش والبقاء والتكاثر
عدة وملدة قد تستغرق مئات السنني ،من أجل ّ
يف بيئة ما ،أي أن يكون التأقلم يف اجلينات الوراثية Genetic adaptationمثالً.
60
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مبادئ التكيف
ّل
منحنى التحم
ال يوجد كائن حي يستطيع العيش يف مجيع األحوال البيئية ،ذلك ألن لكل كائن
نطاق عيش حمدد ،مثلام سبقت اإلشارة إىل هذا الصدد (راجع الفصل الثاين) .فعىل
سبيل املثال ،هنالك كائنات ال تستطيع أداء مهامها إال ضمن مدى معني من
درجات احلرارة .وباإلمكان معرفة هذا املدى احلراري الذي ينشط فيه أداء الكائن
احلي من خالل قياس كفاءة وظائفه يف ظل درجات حرارة خمتلفة .فيسمى املنحنى
الذي يرسم صورة عالقة اإلداء الوظيفي للكائن احلي مع قيمة املتغري البيئي ،كأن
التحمل .Tolerance curve
ّ يكون درجة احلرارة مثالً ،بمنحنى
هناك بعض الكائنات احلية بإمكاهنا العيش والبقاء يف ظروف خترج عن
املدى املثايل لعيشها ،لكن أداءها الوظيفي ينخفض إىل أدنى مستوى .عىل أن تلك
الكائنات ال تطيق االستمرار بالعيش حني هتبط مستويات تلك الظروف أو ترتفع
التحملية .لذا تلجأ بعض األحياء إىل تكييف طاقتها
ّ إىل ما يتعدى حدودها
التحملية بام يناسب مستوى العوامل الالحياتية املحيطة هبا من خالل عملية
ّ
التكيف املارة الذكر.
61
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
هذا النوع من الكائنات املحافظة عىل وضعها الداخيل ضمن املدى املثايل ،حتى لو
حصل تباين كبري يف ظروف بيئتها.
أمثلة عن التكيف
التكيف مع درجة الحرارة
ثمة مفهوم يف علم البيئة يقول أن العديد من الكائنـات احليـة قـد طـورت لنفسـها
أساليب للتكيف مع التغريات الطارئة يف حرارة البيئة وذلك عـرب تنظيمهـا لدرجـة
حرارة أجسـامها .ولتوضـي ذلـك ،نسـتعرض بعـض األمثلـة حـول التكيفـات
احلرارية لكائنات نباتية وحيوانية عىل حدّ سواء:
62
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
63
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التقليل من احلرارة الواردة من خالل عكس األشعة املرئية ،التي تشكل تقريب ًا
نصف ما حتتويه أشعة الشمس من طاقة .كام أن بوسـع النباتـات أيضـ ًا القيـام
بتعديل ما يردها من حرارة إشعاعية ،وذلك مـن خـالل تغيـري اجتـاه أوراقهـا
وسيقاهنا .فالعديد مـن النباتـات الصـحراوية تـتخلص مـن احلـرارة الزائـدة
بتوجيه أوراقها بشكل ٍ
مواز ألشعة الشمس أو بطيها عند انتصاف النهار ،حني
تكون أشعة الشمس عىل أشدها.
بخصوص النباتات القطبية ،فإهنـا تفعـل
نقيض مـا تفعلـه النباتـات الصـحراوية ،فهـي
تقوم بمحاولة اكتساب احلرارة لتدفئة أجسامها
والتخلص من التربيـد الزائـد يف حماولـة لرفـع
درجة حرارهتا إىل حدود تفـوق درجـة حـرارة
على نقيض النباتات الصحراوية ..تسعى النباتات
اهلواء املحيط الشديد الـربودة يف العـادة .ولـذا
القطبية إلى اكتساب الحرارة قدر المستطاع
فإن أمام النباتات القطبية ثالثة خيارات أيض ًا لفعل ذلك ،مع أن معظمها يلجأ إليها
كلها مرة واحدة ،وهي:
أ .زيادة اكتساب احلرارة بالتوصيل :تقوم العديد من النباتات القطبية بكسـب
احلرارة من املحيط املجـاور بفضـل نموهـا بشـكل أشـبه "بوسـادة" متشـبثة
باألرض .واملعروف أن األرض غالب ًا ما تعمل عىل رفع درجـات احلـرارة بـام
يتجاوز درجة حرارة اهلواء الواقع فوقها حيث أهنا تشع أشعة حتـت احلمـراء،
فتقوم تلك النباتات بامتصاصها بطريقة التوصيل احلراري.
ب .التقليل من معـدل التربيـد باحلمـل :إن لطريقـة "الوسـادة" هـذه فائـدة
أخرى ،فهي تقلل من فقدان احلرارة باحلمل بالنسبة للنباتات القطبية ،وذلـك
ألن نموها قرب األرض يمنحها شيئ ًا من احلامية من الرياح ،وأن نمو النبـات
64
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
بشكل مرتاص ومكور أشبه بالوسادة إنام يقلل من مساحتها السطحية نسبة إىل
احلجم ،وهذا بدوره يبطأ من حركة الرياح عرب األجزاء الداخلية من النبات.
ج .زيادة معدل التسخني باإلشعاع :تقوم النباتـات القطبيـة بامتصـاص تلـك
األشعة وذلك من خالل صبغتها الداكنة .إذ تزيد هذه الصبغات الداكنـة مـن
اكتساب احلرارة باإلشعاع ،أو اكتساب النباتات للحرارة عرب توجيـه أوراقهـا
وأزهارها بشكل متعامد عىل الشمس.
أما بالنسبة للتكيف احلراري لنباتات املناطق اجلبلية ،فأن أبرز األمثلة عنها
يأيت من نبات يستوطن بقاعـ ًا نائيـة مـن العـامل حيـث يعـيش فـوق جبـال املنـاطق
االستوائية .إذ تتميز مثل هذه املناطق ذات البيئة الفريدة بعدم وجود تفاوت سنوي
كبري يف درجة حرارهتا عىل الرغم من وجود تقلب حراري يومي كبـري ،فقـد تصـل
ال إىل حـدود التجمـد فيها درجات احلرارة لـي ً
تتبعها درجات حرارة مرتفعة هنار ًا .وهنا نأخذ
Giantالـذي يكسـو الـورد العمـالق rosette
سفوح اجلبال االستوائية عرب العامل كله ،كمثال
مذهل عن كيفيـة اسـتطاعة هـذا النبـات عـىل
يعد نبات الورد العمالق في الجبال االستوائية..
مثاالً على التكيف في ظل بيئة متفاوتة الحرارة التكيف مع تلك األجواء املتقلبة.
يتميز شكل الورد العمالق بامتالك عدد من املزايا التي حتميه من التقلبـات
اليومية احلادة يف درجة احلرارة يف املناطق اجلبلية االستوائية .إذ حيتفظ هـذا النبـات
عموم ًا بأوراقها امليتة ليعمل منها وقاء ًا عازالً لساقه جينبه االنجامد .فيام يغطي زغب
كثيف األوراق احلية منه ،وبسمك يصل أحيان ًا بني 3 - 2سم .ويعمل هذا الزغب
الكثيف عىل رفع درجة حرارة الورقة النباتية يف مثل هذه البيئة اجلبلية الباردة وذلك
بتكوينه فجوة هوائية فوق سط الورقة تقلل بدورها من ضـياع احلـرارة باحلمـل.
ويكون عمل الزغب الذي يتميز به هذا النبات اجلبيل شبيه ًا بعمل الفـرو احليـواين.
65
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ويقوم الورد العمالق باالحتفاظ بعدة لرتات من املـاء يف داخـل عناقيـده الزهريـة
الضخمة املجوفة .وألن املاء يفقد حرارته ببطء ،فأن هـذا القـدر القليـل مـن امليـاه
الدافئة يقلل من إمكانية انجامد النبات ليالً .كـام يكـون عمـل أوراق النبـات شـبيه
بعمل املرايا املقعرة ،وذلك لتسخني القمم الربعمية للنبتة ،فيام يلجأ النبات إىل غلق
قممه الربعمية لي ً
ال حلاميتها من التجمد .وهبذه األسـاليب املتنوعـة العجيبـة ،يقـي
نبات الورد العمالق نفسه من التباين احلراري الكبـري بـني الليـل والنهـار يف تلـك
البيئات اجلبلية.
2ـ التكيف احلراري للحيوانات:
إن مــن أفضــل األمثلــة عــىل قــدرة بعــض
احليوانــات عــىل التكيــف احلــراري يكمــن يف
جبال األنديز ،حيث يعيش هنـاك أحـد أنـوع
.Liolaemus السحايل مـن نـوع multiformis
وقد قام بعض علامء البيئـة بدراسـة تفصـيلية
سحلية جبال األنديز ..مثال رائع على التكيف
مع درجات الحرارة الشديدة البرودة هلذا النوع من السـحايل التـي ينـدر يف العـادة
حتملها العيش يف بيئة شديدة الربودة كجبال األنديز األمريكية اجلنوبية وعىل ارتفاع
ّ
يزيد عن 4800مرت فوق مستوى البحر .ففي مثل هذه البيئات ،يكون اجلـو بـارد ًا
عىل مدار السنة ودرجات حرارة الصباح تنخفض إىل مـا يقـرب مـن ْ 5-م .لكـن
هذا النوع من السحايل يقيض الليل خمتبئ ًا يف جحر ،حيث تكون أجواء الـربودة فيـه
أقل مما عليه يف العراء اخلارجي .ومـع هـذا وجـد العلـامء أن درجـة حـرارة جسـم
السحلية خالل الليل قد تظل منخفض ًة إىل حدود ْ 2.5م .وما أن حيل أول الصباح،
حتى خترج هذه السحلية من جحرها وتأخذ فور ًا بالتشـمس واالسـتمتاع بالضـوء
والدفء ،وتقف عاد ًة فوق قطعة من بقايا نباتية .وببقائها جاثمة فوق تلـك القطعـة
66
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
النباتية وحتاشيها مالمسة األحجار من حتتها ،فإهنا تقلل بـذلك مـن معـدل فقـدان
احلرارة بالتوصيل عرب األرض.
وبينام تأخذ هذه السحلية بالتشمس ،فإهنا تقف بوجه الشـمس لكـي تزيـد
من اكتساهبا للحرارة اإلشعاعية .كام أهنا تفرش نفسها فوق األرض لكي تقلل مـن
تعرضها للرياح الباردة ومن ثم تتجنب فقدان احلرارة باحلمـل .فضـ ً
ال عـن ذلـك،
الحظ العلامء أن هذه السحايل خترج من خمدعها وهي داكنة اللون .وقد عللوا ذلك
بأن اللون الداكن يمنحها زيادة يف اكتساب احلرارة اإلشعاعية .وقد تبني هلم أن هذه
السلوكيات التي تتبعها سحلية جبال األنديز تؤدي إىل رفـع رسيـع لدرجـة حـرارة
جسمها .فبعد ميض ساعة من عملية التشمس ،وبيـنام تكـون درجـة حـرارة اهلـواء
بحدود ْ 1.5م ،فأن درجة حرارة جسم السـحلية تصـل حينهـا إىل نحـو ْ 33م ،أي
أعىل بأكثر من ْ 30م عن درجة حرارة اهلواء املحـيط .ومـع تقـدم سـاعات النهـار،
وارتفاع درجة حرارة اهلواء تدرجيي ًا ،تظل السحلية حمافظة عىل حرارة جسمها ثابتـ ًة
تقريب ًا وبحدود ْ 35م.
التكيف مع الماء
تلجأ النباتات واحليوانات الربية إىل تنظيم مياهها الباطنية عرب املوازنة ما بني الـوارد
والفاقد املائي .إذ حني تنتقل الكائنات احلية إىل البيئـة الربيـة ،فإهنـا تواجـه حتـديني
بيئيني رئيسني ،مها:
أ .حدوث ضائعات مائية كبرية إىل البيئة بفعل التبخر.
ب .ضألة فرص احلصول عىل ماء بديل.
عىل أن الكائنات الربية استعانت بكثري من أساليب التكيف ملواجهـة هـذه
التحديات واكتساب القدرة عىل تنظيم املاء املوجود يف جوفها .وهنا بعـض األمثلـة
عىل ذلك:
67
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
68
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يلج ًا الصبري أيض ًا إىل التقليل بطرق عدة من معدل فقدان املاء الذي حيصل
بواسطة التبخر النت .الطريقة األوىل ،جلوئه إىل إغالق ثغوره يف أثنـاء فـرتة النهـار
حني تكون الضائعات املائية بواسطة النت عىل أشـدها .وعنـدما يتضـافر حـدوث
النت مع الشمس الالهبة ،ترتفع درجة احلرارة الداخلية لنبات الصبري إىل أكثر مـن
o50م ،وهي أعىل درجة حرارة مسجلة يف عامل النبات .إال أن ارتفاع درجة حرارته
هبذا الشكل قد تكون ميزة حسنة ال سيئة ،ذلك ألن الصبري هبذه الوسـيلة يسـتطيع
تقليص الفارق مع حرارة اهلواء املحيط ،متجنب ًا فقدان مياهه بطريقة التبخـر النـت .
كام أن بمقدور الصبري حفظ مياهه يف جوفـه بفضـل وجـود طبقـة مـن الشـعريات
69
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
واألشواك العازلة للحرارة التي تغطي أذرع النبات وجذعه ،إذ تعمل هـذه الطبقـة
عىل عكس أشعة الشمس الساطعة وتوفري ظل لألطراف النامية من النبات .وهبـذه
التكتيكات الفريدة ،ينجو النبات من عطش حمقق يف ظل ظروف الصحراء املجدبة.
التنافس
Interspecificهو ذلك التفاعل القائم عىل تنـافس التنافس االحيائي competition
نوعني أو أكثر من األحياء عىل استخدام مورد حمدود ما .فمـثالً ،يتنـافس كـل مـن
األسود والضباع عىل نفس الفريسة كأن تكون جاموسـ ًا أفريقيـ ًا أو محـار ًا وحشـي ًا.
وعىل الغرار ذاته ،تتنافس كثري من األنواع النباتية عىل الرتبة وعىل ضوء الشمس .إذ
تقوم بعض األنواع من النباتات بمنع أنواع ًا أخرى من النمو بجوارهـا وذلـك مـن
خالل إفراز سموم إىل الرتبة .وبمقتضــى قـانون التنـافس ،لـو تنافسـت مجاعتـان
احيائيتان عىل مورد ما ،فقـد يـؤدي ذلـك إىل
تناقص يف عدد أحد املنافسني أو القضاء عليـه
هنائي ًا .وغالب ًا ما يكون أحد األنواع أكثر مقدرة
وكفاءة من األخر عىل استغالل مـورد معـني.
ونتيجة لذلك ،فسوف لـن يكـون مـن حصـة
حينما تكون الفريسة مشتركة بين مفترسين..
فأن التنافس بينهما يكون على أشده النوع املنافس األخر سوى النـزر اليسـري مـن
املورد املتنافس عليه.
هذا ،ويكون التنافس بني األحياء عىل األشكال اآلتية:
التنافس اإلقصائي
قام بعض علامء البيئة بإجراء جتارب خمتربية لدراسـة التنـافس مـا بـني األحيـاء .إذ
قاموا ،مثالً ،بأخذ أنابيب اختبـار ووضـعوا يف داخلهـا طعامـ ًا بكترييـ ًا .واختـاروا
دراسة نوعني من الكائنـات األحاديـة اخلليـة تـدعى الباراميسـيوم .فزرعـوا نـوع
70
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
71
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
Chthamalusمن ينافسه هناك ألن بوسعه العيش يف ظروف اجلفاف عنـد انحسـار
ماء البحر فيام ال يستطيع نوع Balanusفعل ذلك.
الشكل ( :)3 – 1التنافس االحيائي بني نوعني من هدابيات االرجل ضمن املنطقة الساحلية.
72
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
نشوء فوارق ختفف من شدة التنافس .وحينام توجد فـوارق بـني املتنافسـني ينشـط
عامل االنتقاء الطبيعي ،خصوص ًا يف حالة تـداخل موائـل املتنافسـني مـع بعضـها.
ويدعى هذا النشوء يف الفوارق بني صـفات الكائنـات احليـة الناشـت عـن املنافسـة
بتغيري الصفات .Character displacementذلك أن هذا التغيري يعـد طريقـة للحـد
من تداخل املوائل مع بعضها.
تعد مناقري عصافري جزيرة غالباكوس Galapagosمثاالً عن هذا الضــرب
من املنافسة .إذ تتغذى كثري من هذه العصـافري املتجـاورة عـىل أطعمـة توفرهـا هلـا
بعض النباتات يف اجلزيرة .فض ً
ال عـن ذلـك ،فـأن هـذه العصـافري تتنـاول غـذائها
بحسب حجم الطعام املتاح وحجم مناقريها .فعند مقارنـة حجـم منقـار كـل نـوع
بحجم مناقري األنواع األخرى ،ظهر أن أكرب فرق يف حجم املناقري يقع بـني األنـواع
التي تتشارك العيش يف هذه اجلزيرة (الشكل .)3 – 2ولذا فأن االختالف يف حجم
املناقري قلل من حصول التنافس بني هذه األنواع من الطيور ألنه سـم لكـل منهـا
بالتغذي عىل حجم خمتلف من الطعام.
الشكل ( :) 3 – 2تغيري صفات وأشكال مناقري عصافري جزيرة غالباكوس بحسب نوع الطعام
كوسيلة لتجنب املنافسة.
73
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
االفتراس
يقصــد بــاالفرتاس ،Predationقيــام نــوع معــني مــن األحيــاء ويــدعى بــاملفرتس
،Predatorبأكل والتهام نـوع أخـر مـن الكائنـات كلـه أو جـزء منـه ،فيـدعى ذاك
بالفريسة .Preyويعد االفرتاس قوة فعالة يف أي جمتمع احيائي .إذ تؤثر العالقـة مـا
بني املفرتس والفريسة يف حجم كل مجاعة احيائية كام تـؤثر يف مكـان تواجـدها ويف
طريقة عيشها .وعاد ًة ما يتمثل االفرتاس باللواحم (التي تتغـذى عـىل احليوانـات)
وبالعواشب (التي تتغذى عىل النباتات) .ويمكن لكثري من الكائنات أن تؤدي دور ًا
مزدوج ًا ،فتار ًة تكون مفرتسات وتار ًة أخـرى تكـون فريسـة لغريهـا .وتعـد مجيـع
الكائنات غري ذاتية التغذية أما مفرتسات أو متطفالت أو كليهام مع ًا.
74
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
75
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يف حالة التنكـر البيئـي ،Mimicryيقـوم نـوع معـني مـن الكائنـات احليـة
بمحاكاة نوع أخر والتشبه به متام ًا .فعىل سبيل املثال ،حتاكي أفعى امللك غري املؤذيـة
األفعى املرجانية السامة لالستفادة من ألواهنا الرباقة يف التحذير من افرتاسـها .كـام
تتشبه فراشة امللك بالفراشة األمريكية املعروفة باسم فايرسوي مـن حيـث احلجـم
والشكل واأللوان .ويعتقد أن األوىل مستساغة الطعم لـدى الطيـور ،عـىل عكـس
الثانية .وهبذا تنجو الفراشة األمريكية من الطيور بفضل تشاهبها مع فراشـة امللـك.
ويدعى هذا الشكل من التنكر بالتنكر الباتسيني .Batesian mimicry
أفعى الملك غير المؤذية ..تتشبه بنفس ألوان األفعى المرجانية السامة..
األفعى المرجانية لتبعد خطر المفترسات عنها ألوانها البراقة إشارة تحذير للمفترسات
76
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املثال ،تتنكر العديد من أنواع النحل والدبابري بأنامط متشاهبة من اخلطـوط املتعاقبـة
الصفراء والسـوداء اللـون .ويسـتفيد كـال النـوعني مـن هـذا الشـكل للتنكـر ألن
املفرتسات تعلمت جتنب الكائنات ذات املظهر املتشابه.
احليوانات.
77
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التكافل
التكافل Symbiosisهو عالقة محيمة طويلة األمد تقوم بـني فـردين مـن الكائنـات
احلية .وتكون هذه العالقة التكافلية عىل ثالثة أشكال ،هي :التطفل وتبـادل املنفعـة
واالعتياش .فأما التطفل Parasitismفهو عالقة تؤدي إىل ترضر أحد الكائنني فـيام
ينتفع الكائن األخـر .وأمـا تبـادل املنفعـة Mutualismفهـي العالقـة التـي حيصـل
بموجبها كال الكائنني عىل فائدة ما .فيام يقصد باالعتياش Commensalismانتفـاع
أحد الكائنني يف مقابل عدم استفادة الكائن األخر وال ترضره.
لنأيت اآلن إىل تناول هذه املفاهيم الثالثة بيشء من التفصيل:
التطفل
يشبه التطفل االفرتاس من ناحية أن أحد الكائنات احلية ،املسـمى باملضـيف ،Host
يلحق به رضر فيام ينتفع الكائن األخر ،املسمى بـالطفييل .Parasiteلكـن التطفـل،
وعىل خالف كثري مـن أشـكال االفـرتاس ،ال يفضــي يف العـادة إىل مـوت مبـارش
للمضيف .فبشكل عام ،يظل الطفييل يقتات عىل املضيف ملدة طويلة قبل أن يقتلـه.
وتسمى طفيليات مثل امل ّن والقمل والعلق والرباغيث والقرا ّد والبعوض التي تبقى
تقتات عىل اجلزء اخلارجي من مضيفها بالطفيليـات اخلارجيـة .Ectoparasitesأمـا
الطفيليات التـي تعـيش يف داخـل جسـم مضـيفها فتـدعى بالطفيليـات الداخليـة
.Endoparasitesومــن الطفيليــات الداخليــة
الشهرية الديدان القلبية والفريوسات املرضية
والديــدان الشـــريطية .وقــد كــان لالنتقــاء
الطبيعي دور يف جعل الطفييل يستغل مضـيفه
أبشع استغالل .فالطفيليات يف العادة خلقـت
تعد الديدان الشريطية من الطفيليات الداخلية..
وتقضي حياتها كلها في استغالل جوف مضيفها
من الناحيـة التشــرحيية والفسـلجية لـتامرس
التطفل طوال حياهتا.
78
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
قد يكون للطفيليات تأثري سلبي قوي عىل صحة املضيف وعىل تكاثره.
ونتيجة لذلك ،فقد طورت املضيفات جمموعة من الدفاعات لتحصني نفسها من
الطفيليات .ويعد اجللد وسيلة دفاعية مهمة تقي املضيف من اخرتاق الطفيليات
جلسمه .كام تعد الدموع والبصاق واملخاط وسائل دفاعية أولية ضد أي خرق من
قبل الطفيليات للعيون أو للفم أو لألنف .ويف األخري تعمل خاليا اجلهاز املناعي
عىل مهامجة الطفيليات من تلك التي تنج يف اخرتاق هذه الدفاعات السابقة.
قد تكون كثري من الفطريات والنباتات املتسلقة طفيلية يف طبيعتها أيض ًا.
فمثالً ،يفقد النبات املعرتش مادته اخلرضاء
وأوراقه خالل مراحل نموه حتى يصل إىل
مرحلة عدم القدرة عىل صنع غذائه بنفسه.
ولتعويض ذلك ،يقوم هذا النبات باحلصول
عىل الغذاء من النباتات املضيفة له التي ينمو
يلتف النبات المعترش حول النبات المضيف..
ويمتص العناصر الغذائية منه ويتسلق عليها ،بعد غرس ما يشبه األسنان يف
جسد النبات األخر وامتصاص غذائه منها.
تبادل املنفعة
مثلام سبقت اإلشارة ،فأن تبادل املنفعة هو عالقة حيصل بموجبها كال الطـرفني مـن
الكائنات احلية عىل بعض املنفعة من الطرف األخر .وتكون بعض العالقات القائمة
عىل تبادل املنفعة محيمة جد ًا لدرجة أن أحد الطرفني ال يستطيع العيش بدون وجود
الطرف األخر.
من أهم عالقات تبادل املنفعة يف العامل هو التلقي .وتدعى احليوانات التي
تنقل حبوب اللقاح بني النباتات الزهرية بامللقحـات ،Pollinatorsوأمثاهلـا النحـل
رشك
والفراش والذباب واخلنافس واخلفـافيش والطيـور .فـالزهرة تكـون بمثابـة َ َ
جتذب إليها امللقحات بفضل إغراء ألواهنا أو أشـكاهلا أو عطرهـا .يف املقابـل يقـوم
79
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
النبات عاد ًة بتوفري الغذاء للملقحات ،وذلـك يف صـورة رحيـق أو حبـوب لقـاح.
وحينام يتغذى ملق ما عىل زهرة معينة ،يعلق فيه كميـة مـن حبـوب اللقـاح التـي
حيملها إىل زهرة أخرى من النوع نفسه ،وبذلك تتلق األزهار فيام بينها.
من األمثلة األخرى عىل تبادل املنفعـة
هو العالقة القائمة بني النمـل ونبـات األقاقيـا
.Acaciaإذ يبنــي النمــل أعشاشــه يف جــوف
األشواك الضخمة لشجرة األقاقيا وحيصل عىل
الطعام منها .وباملقابل ،يقوم النمل بحامية هذه
يتبادل شجر األقاقيا والنمل المنفعة بينهما.. الشجرة من أكالت األعشاب واحلرشات ومن
فاألول يوفر المأوى والطعام والثاني يوفر
الحماية مزامحة النباتات املنافسة هلا.
ثمة مثال أخر عىل تبادل املنفعة هو العالقة بني
طيور البلشون األبيض واجلاموس األفريقي يف تنزانيا.
إذ تنتفع هذه الطيور وتتغذى عـىل حيوانـات صـغرية
مثل احلرشات والسحايل التي جتربها حركة اجلـاموس
عــرب احلشــائش عــىل اخلــروج مــن خمابئهــا .ويقتــات
البلشون األبيض أيض ًا بني حني وأخر عىل الطفيليـات
املوجودة عىل جلد اجلاموس ،أما اجلـاموس فيسـتفيد
تتبادل طيور البلشون
والجاموس األفريقي المنفعة.. من وجود البلشون يف تنظيفها جلسمه مـن احلشــرات
وختليصه من أذى الطفيليات.
فكليهما ينفع األخر من ناحية معينة
االعتياش
االعتياش هو التفاعل الذي حيصل بموجبه أحد الكائنات احلية عىل فائدة مـن دون
أن يؤثر ذلك يف النوع األخر .فالكائن الذي يعتاش عىل التقاط الفتات املتبقـي مـن
طعام كائن أخـر تسـمى يف الغالـب بالكائنـات املعتاشـة .وعليـه غالبـ ًا مـا يكـون
80
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
االعتياش عبارة عن عالقة من طرف واحد ينتفع منها أحدهم فيام ال جيني الطـرف
األخر منها أية فائدة بالرغم من تقديم خدمة للطرف األول .ومع هذا ،فأن العالقة
التي تبدو عىل أهنا نوع من اعتياش كائن عىل أخر قد تكون يف احلقيقة عالقـة قائمـة
عىل تبادل املنفعة ،وإن كانت املنافع املتبادلة بني الطرفني غري ظاهرة.
من األمثلة عىل االعتياش يف الطبيعة ،هـو نمـو نـوع مـن النباتـات يـدعى
بالنباتات اهلوائية Epiphytesعىل فروع وأغصان النباتات األخرى (راجـع الفصـل
األول) .وتستمد النباتات اهلوائية غذائها مـن اهلـواء واملطـر ولـيس مـن النباتـات
املتواجدة عليها .إذ يتمثل دور النبات الذي حيتضنها بكونـه يشـكل دعامـة تسـتند
إليها النباتات اهلوائية فحسب دون أن يستفيد أو يترضر من وجودها فوقه.
كام تعتاش كائنات بحرية خمتلفة مثل هدابيات األرجل عىل كائنات أخـرى
بعد نموها فوقهـا ،وبخاصـة فـوق احليوانـات
البحريــة النشــيطة احلركــة كاحليتــان مــثالً .إذ
حتصل هذه اهلدابيات املسافرة جمان ًا فوق ظهور
احليتان عىل محاية أكـرب مـن االفـرتاس ممـا لـو
بقيت قابعة يف مكـان واحـد ،فضـ ً
ال عـن أهنـا
تعتاش هدابيات األرجل فوق ظهور الحيتان..
فتحصل على فوائد عديدة حتصــل باســتمرار هب ـذه الطريقــة عــىل مــوارد
غذائية جديدة .ومع ذلك فأهنا ال تسبب رضر ًا
للحيوان الذي حيملها.
ربام تعد العالقة ما بني نوع معني مـن
األســامك املداريــة الصــغرية (يــدعى الســمك
املهرج) وشقائق نعامن البحر (وهي حيوانـات
بحرية هلا جمسات السعة) مـن أفضـل األمثلـة
ينتفع السمك المهرج من الحماية التي توفرها
شقائق نعمان البحر الالسعة ..فيعيش آمن ًا عىل االعتياش .فقـد طـورت السـمكة املهـرج
81
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
لنفسها وسيلة تستطيع بموجبها العيش وسط املجسات املميتة لشقائق الـنعامن دون
أن تتأذى من لسعاهتا .إذ بإمكان هذه املجسات أن تصقع أي نوع أخر من األسـامك
وتشل حركته عىل الفور ،موفر ًة بذلك محاية للسمكة املهرج من املفرتسات.
وهكذا يتصف املجتمـع االحيـائي كونـه كتلـة نابضـة باحليـاة ،تسـري فيـه
العالقات البيئوية بني األحياء بانتظام متنا ًه وعىل وفق ما يقـرره االنتقـاء الطبيعـي.
ومن خالل هذه العالقات يتضـ أن لكـل كـائن حـي دور خـاص يؤديـه ضـمن
املجتمع الذي يعيش فيه.
82
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
83
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-12هل يوجد نبات يفـرتس حلـ ًام (أبحـث عـن اإلجابـة يف مصـادر مكتبيـة أو
إلكرتونية متاحة).
-13ينقسم التكافل إىل ثالثة أقسام ،ماهي وما الفرق بني كل واحدة منها
-14أرضب أمثلة توضيحية خمتلفة عن حاالت التكافل يف الطبيعة.
-15درست يف هذا الفصل عالقات التك ّيف والتنافس واالفرتاس والتكافـل .أيـ ًا
منها يندرج ضمن علم بيئة الفرد أو ضمن علم بيئة اجلامعة
84
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الباب الثاني
املشكالت البيئية
العاملية
85
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل الرابع
العالقة ما بين اإلنسان والبيئة
ومفهوم املشكلة البيئية
يقدم هذا الفصل إجياز ًا لتاريخ العالقة التي حكمت اإلنسان والبيئة الطبيعية،
وكيفية بدأ األفعال البرشية املختلفة بإحداث مشكالت يف البيئة املحلية تفاقمت
تدرجيي ًا حتى حتولت إىل مشكالت عاملية تعم كوكب األرض كله .ثم يعرج الفصل
إىل إيضاح مفهوم "املشكلة البيئية" ،يف ضوء هيكلها العام وأهم سامهتا احلالية.
86
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ٍ
أراض زراعيـة أو إىل مــدن عامــرة .كـام قــام قدم إنسان قـط وقام بتحويلهـا إىل
بتحويل األهنار والبحريات ذات األمهيـة احليوية إىل ممرات للنقل أو إىل بالوعــات
إللقـاء النفايـات أو باستغالهلا كمنتجعات سياحية .وقــام كذلك بتلويـث اهلـواء
بالغبـــار وبالغــازات الضــارة ،وكــان الســبب
الـــرئيس يف تنـــاقص وانقـــراض كثـــري مـــن
احليوانات تناقص ًا حاد ًا ،وقـام كـذلك بتجريـد
املجتمعـات النباتيــة الطبيعيـة ،ووصــل احلــال
حديث ًا إىل استخدام اإلنسان ألنواع من الغـذاء
االصــطناعي مــن خــالل حتــوير اجلينـــات
بالرغم من العالقة الحميمة بين اإلنسان وبيئته
الطبيعية في العصور الباكرة..
إال أنه كان قد بدأ يسبب بعض المشكالت
الوراثيــة .وهــذه كلهــا عوامــل جعلــت مــن
اإلنسان قوة ال يستهان به يف حتدي الطبيعـة ،يف
مقابـل أنه أصب رسيـع التأثـر بام يسببه من أرضار وكائن ًا مش ّبـع ًا بالسمـوم.
إن اإلنسان ،وهـو أكثر احليوانات ذكــا ًء وأشدهــا بأســ ًا فـوق األرض،
يقوم اليوم بتغيري وجه هـذا الكوكب تغيري ًا جذري ًا بكل مـا فيـه مـن مظـاهر احليـاة
الطبيعية.
87
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
تنقرض بسبب تغريات مناخية استثنائية أصابت الغطاء النبـايت ،كـام كـان االعتقـاد
سائد ،بل أهنا يف واقـع األمر تعرضت لإلبـادة من قبـل مجاعـات إنســان العصــر
اجلليدي الصياد ،الذي كانت له القدرة آنـذاك عىل قذف الرماح وإشعال النار .ومما
يدعم هذا الرأي هو العثور عىل عظـام يف مواضع النريان املوجودة يف الكهوف ،كام
تدعمه أيض ًا احلقيقة القائلة بأن تلك العظام كانت ترجع أساس ًا إىل حيوانات أقـاليم
احلشائش التي اختفت هنائيـ ًا ،فيام نجـت حيوانـات الغابـات الضـخمة مـن تلـك
اإلبادة .إضافة إىل هذا ،فأن هناك أنواع عديـدة مـن احليوانـات مل تتعـرض لإلبـادة
حتى وقت متأخر من العرص اجلليدي األخـري .إذ تـذكر بعـض دراسـات أن مجيـع
الثدييات الصغرية قد بقيت عـىل قيــد احليــاة .وطبقـ ًا ملـا يعتقـد األنثروبولـوجني
(املختصني بدراسة اإلنسان) ،فأن إنسان العرص اجلليدي قد مـر بتطـور عقـيل أدى
أي اإلنسان املفكـر ،الـذي ال
ّ ،Homo يف النهاية إىل ظهور اإلنسان العاقل Sapiens
يوجد أحد سواه يستطيـع اصطيـاد تلـك احليوانـات بمثــل هـذا النجـاح البـاهر.
وبحسب رأهيم ،فقد كان ذلك سـبب ًا يف انقـراض حـوايل 100نـوع مـن الثـدييات
الكربى من قارة أمريكا الشاملية لوحدها يف غضون ألف عام عقب العرص اجلليدي
األخري .عل ًام أن هذا الرأي مازال مثار جدل ونقاش بني أوساط العلامء.
ثمة مثال أخر للداللة عىل قدم تأثري اإلنسان يف البيئة ،نسـتمده مـن منطقـة
البحر املتوسط .إذ كان حييط بحوض البحر املتوسط يوم ًا مـا خـالل هنايـة العصــر
اجلليدي األخيـر ويف الفرتة التي أعقبتـه ،نطاق هائل من الغابات يمتد من الساحل
األفريقي الغريب وحتى منطقة الرشق األدنى بام يف ذلك شبه اجلزر الـثالث الواقعـة
جنوب أوربا .ومع انتشار احلضارات البشــرية عـرب سـائر أرجـاء حـوض البحـر
حموالً إياها إىل مناطق شجريات
املتوسط ،قـام اإلنسان ،وبال هوادة ،بقطع الغابات ّ
مبعثرة وإىل مناطق شبه صحراوية ومناطق أخرى جرداء ذات صخور جريية .وكان
املاعز هو أحد احليوانات األليفة التي أعانت اإلنسان عىل ذلك الفعل ،بسبب رعيـه
88
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
اجلائر للمرعى .وبالرغم من مسامهة العوامل املناخية يف إحداث هذا التغـري البيئـي
أيض ًا ،فأن من اجلدير بالـذكر أن الصحراء الكربى مل تكن منذ حوايل 4000عامــ ًا
ال كانت الصحراء الليبية احلالية منذ قرابـةمضت بمثل السعة التي عليها اليوم ،فمث ً
2000عامـ ًا خلت تـعد جنة من البساتني الغنـّاء.
89
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التكنولوجيــا ،ممــا اســهم يف تعزيـــز قـــدرته بشــكل هائـــل عــىل تطويــع الطبيعــة
واستغالل موارد األرض لصاحله .وأدى قيام املجتمع الصناعي إىل إضـعاف تـأثري
املجتمع الزراعي وازداد تدمري املناطق الطبيعية وارتفاع مسـتويات التلـوث البيئـي
عىل نحو غري مسبوق.
شهدت العالقة ما بين اإلنسان والبيئة الطبيعية عبر التاريخ تغيرات كبرى ..فمن مجتمع بدائي متناغم مع البيئة
إلى مجتمع زراعي يقوم على استغالل جزء من مواردها ثم إلى مجتمع صناعي يستغلها أبشع استغالل ويلوثها ويدمرها
90
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
نفهـم من الشكل أعـاله ،أن حصيلة تفاعل هذه املكونات هي التي تولد
األزمـة إذا ما توافرت ظروف مواتيـة لذلك .وهـذا ما يمكن استنباطه من قراءة
املوضحة يف أدناه.
ّ معادلـة املشكلة البيئـية وتفاعالهتـا،
إن املشكلة البيئية أشبه مـا تكـون يف هيكلهـا الصـوري قريبـة مـن صـيغة
املعادلة احلسابية .فهي ،يف الواقع ،حصيلة منطقية للتفاعل بـني متغـريات متعــددة
ال تبادلي ًا يتفاوت يف مقدار قوته وتأثريه عىل وفق ظروف ذلك التفاعل .وعـىل
تفاعـ ً
العموم ،تتخذ املشكلة البيئية الصيغة اآلتية املتجسدة يف الشكل (:)4 -2
91
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
92
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
. 5تزايد حصة الفرد من املشكالت البيئية :مما يضاعف من التأثريات الناشئة عـن
التضخم السـكاين مث ً
ال هو الزيادة العامة يف االسـتهالك الفـردي والتـأثري البيئـي.
وهذا االجتاه واض يف الدول النامية والدول املتقدمة عىل حـدّ سـواء ،إذ ارتفعـت
حصة الفرد مما يصيبـه من أرضار املشـكالت البيئــية ارتفاعـ ًا ملحوظـ ًا يف الوقـت
احلارض باملقارنة مع السابق.
.2تدرج تأثري اإلنسان يف البيئة الطبيعية مع تطور قدراته عىل التعامل معها .وض ّ
املراحل التارخيية هلذا التأثري.
.3أرشح مفهوم املشكلة البيئية يف ضوء هيكلها النظري وكيفية تفاعلها.
. 4ما أهم سامت املشكالت البيئية املعارصة وملاذا يتوقع أن يكون اجتاه هذه
املشكالت تصاعدي ًا يف الوقت احلارض ويف املستقبل
93
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل اخلامس
مشكلة التلوث البيئي
يبدأ الفصل اخلامس من هذا الكتاب بدراسة أخطر املشكالت التي هتدد اليوم البيئة
العاملية وصحة بني البرش عىل وجه اخلصوص ،تلك هي مشكلة التلوث البيئي .إذ
سيعرض الفصل إىل نبذة عن هذا املوضوع ،عرب تعريف التلوث وامللوثات البيئية
وأنواع التلوث ومصادره وأسبابه فض ً
ال عن اإلشارة إىل آثاره يف الصحة البرشية
ويف البيئة عموم ًا.
أساسيات عن التلوث
تعريف التلوث وامللوثات البيئية
يقصد بالتلوث Pollutionأي تغيـري مبـارش أو غـري
مبارش يطرأ عىل أي جزء من أجزاء البيئة ،وذلك من
جراء ترصيف أو انبعــاث أو ترسـيب فضـالت أو
مـواد بكميات تؤثـر عىل البيئـة تأثيــر ًا ضــار ًا ،ممـا
يسبب خطورة عىل الصحة البرشيـة وهيـدد سـالمة
يعد التلوث بمختلف أشكاله ..أخطر
المشكالت التي تهدد البيئة العالمية األحياء النباتية واحليوانية بشتى أصنافها.
يفهم من التعريف أعـاله أن التلوث إذا ما أصاب منطقة ما ،فأنه يؤدي إىل
اختالل توازن البيئة وإىل شل فاعلية النظـام البيئـي وفقـدان قدرتـه عـىل أداء دوره
املميز يف التخلص من امللوثات بشكل طبيعي (وهو ما يسمى بالتنقية الطبيعية).
أما امللوثات Pollutantsفهي املواد املسببة للتلوث التي تنتج عن مصدر ما،
ويؤدي طرحها إىل البيئة بأية طريقة كانت إىل تدهور يف نوعيتها وتعطل يف خدماهتا.
وتتنوع هذه امللوثات بحسب مصـدر نشـوئها ،فتكـون أمـا ذات أصـل طبيعـي أو
94
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
برشي ،أو بحسب تركيبتها فتكون أما فيزيائيـة أو كيميائيـة أو جرثوميـة ،وكـذلك
بحسب شكلها فتكون أما غازية أو سائلة أو صلبة أو إشعاعية.
95
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
96
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-1التلوث املعقول :يعني وجود تلوث لكن بـدرجات منخفضـة ،وال يصـاحبه
يف الغالب وقوع أية مشكالت أو أخطار واضحة عىل احلياة العامة .لكن يمكن
القول أنه ال توجـد يف الوقت احلايل بيئـة ختلـو متامـ ًا مـن امللوثـات .فـالتلوث
موجود يف كافة بقاع الكرة األرضية ،عىل الرغم من وجـود منـاطق حمـدودة يف
العامل لـم تصلها بعـد مؤثرات التلـوث إىل حـد اخلطـر احلقيقـي .إذ أن الـنظم
البيئية يف مثل تلك املناطق ال زالت قادرة عىل ختليص نفسها ذاتي ًا من امللوثات.
-2التلوث اخلطـري :مرحلة تتعدى فيها تراكيز امللوثات خط األمان وتؤثر تأثري ًا
كبري ًا يف توازن النظام البيئي ،إذ تعتل شتى أنواع الكائنات احلية .وقد ظهرت
بوادر هذه املرحلة منذ الثورة الصناعية .واملثال األبرز عىل ذلك ،هو ما أصاب
العالـم من تلوث خطري للهواء يفوق حد األمان جراء حرق الفحم ،الذي
تشري التقديرات إىل استهالك حوايل 130بليون طن منه خالل املدة من 1860
إىل .1970
-3التلوث الكارثي :أخطر أصناف التلوث عىل اإلطالق .وإذا ما وقع ،حتصل
كارثة بكل معنى الكلمة بفعل بلوغ تراكيز امللوثات مستويات قاتلة .ويظل
ال يف أي وقت من األوقات .ومنحدوث هذه املرحلة من التلوث أمر ًا حمتم ً
األمثلة عن ذلك كارثة تفجري القنبلة الذرية عىل
وناكازاكي Hiroshima هريوشيام مدينتي
Nagasakiاليابانيتني خالل احلرب العاملية الثانية
عام ،1945وكارثة التلوث اإلشعاعي جراء
النووي يف Chernobyl انفجار مفاعل ترشنوبيل
االحتاد السوفيتي السابق عام ،1986وكارثة
Methyl التسمم بغاز ميثيل أيزوسيانيت
يمكن لكوارث التلوث البيئي..
أن تودي بحياة آالف البشر
isocyanateالقاتل يف بلدة بوبال Phobalاهلنديـة
97
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
تلوث الهواء
يقصد بتلوث اهلواء Air pollutionتراكم مواد
ضارة يف الغالف اجلوي برتاكيز تكفي للتسبب
بخطر عىل الصحة البرشية أو التسبب بتأثريات
سلبية عىل الكائنات احلية واملواد األخرى .وتعد
حمطات توليد الطاقة ومعامل حرق النفايات
يسبب تلوث الهواء من مصادره المختلفة..
تدمير ًا لسالمة الغالف الجوي
الصلبة والعمليات الصناعية املختلفة ووسائط
النقل من أهم مصادر تلوث اهلواء اجلوي .أما أهم ملوثات اهلواء فهي أحادي
أكسيد الكربون ( )COوثنائي أكسيد الكربون ( )CO2وأكاسيد النرتوجني ()NOx
وثنائي أكسيد الكربيت ( )SO2واهليدروكربونات ( )HCsوجسيامت الغبار ( PM10,
)PM2 5واملؤكسدات الناجتة عن التفاعل الكيامضوئي. .
98
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
فوق دقائق الدخان .ومن احلوادث املشهورة يف هذا الصدد حادثة تلوث اهلواء يف
لندن عام 1952التي أودت بحياة زهاء 4000شخص .وهناك شكل أخر من هذا
التلوث يدعى الضباب اجلليدي ،Ice fogوحيدث يف العروض العليا فقط عندما
يؤدي انخفاض درجات احلرارة الشديد إىل جتمع الدخان فوق البلورات اجلليدية.
ال عن الفحم يف االقتصاد ،بات الدخان مع االعتامد تدرجيي ًا عىل النفط بدي ً
الكيامضوئي Photochemical smogهو السائد يف أجواء كثري من املدن عوض ًا عن
الضباب الدخاين .وينشأ هذا النوع من الدخان بفعل تفاعل اإلشعاع الشميس مع
اهليدروكربونات وغريها من امللوثات يف اجلو ،التي تنبعث أساس ًا من الوقود غري
املكتمل االحرتاق الناتج عن عوادم السيارات ومصادر االحرتاق األخرى (الشكل
.)5 – 1وينجم عن هذا التفاعل الكيميائي الضوئي املعقد سلسلة من الغازات
واملواد الضارة للجو مثل الدقائق العضوية واألوزون وااللدهييد والكيتونات
ونرتات بريوكسيد واحلوامض العضوية وغريها من املؤكسدات .وإذا ما كان ثنائي
ال حامض الكربيتيد أكسيد الكربيت متواجد ًا يف اجلو ،فأنه يتأكسد ويتميء مش ّك ً
ويصب جزء ًا من اجلسيامت الغبارية العالقة يف اجلو .فض ً
ال عن ذلك ،ال تسبب
الغازات املنبعثة عن السيارات تفاعالت
كيامضوئية فحسب ،بل أيض ًا تلوث ًا للهواء
بأشكال أخرى ،فهي مسؤولة عن إضافة
كميات كبرية من اجلسيامت الغبارية إىل اهلواء،
ناهيك عن كوهنا مصدر ًا رئيس ًا ألحادي
تسبب عوادم السيارات عند تفاعل أبخرتها
في الجو ..دخان ًا كيماضوئي ًا ملوث ًا للهواء أكسيد الكربون الذي يعد من أكثر الغازات
المدن
سمية.
ّ
99
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
100
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يرجع سبب تلوث اهلواء عىل املستوى اإلقليمي جزئي ًا إىل تلوث اهلواء
املحيل بحد ذاته الناتج عن مصادر تلوث حملية كعوادم السيارات وغريها .إذ يمكن
لتلك امللوثات املحلية االنتشار بعيد ًا وتغطية مساحات تصل لعدة آالف الكيلو
مرتات امل ربعة .وقد تساعد األحوال اجلوية والتضاريس األرضية عىل زيادة تراكيز
ملوثات اهلواء يف مكان معني ،عىل املستوى املحيل واإلقليمي .فعىل سبيل املثال ،من
املحتمل أن املدن الواقعة يف بطون األودية حيث تكثر فيها ظاهرة االنعكاس
احلراري التي تكون بمثابة طبقة حاجزة تغطي سامئها ،تعاين من حدوث ضباب
دخاين كثيف (الشكل .)5 – 3كام أن أكاسيد الكربيت والنرتوجني التي تنتقل
ملسافات طويلة عرب الغالف اجلوي ثم ترتسب عىل شكل مطر محيض ،Acid rain
قد تلحق أرضار ًا بليغة للنباتات وللمجاري املائية وللمباين عىل حدّ سواء.
101
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشكل ( :)5 – 3انحباس امللوثات اجلوية فوق املدن بتأثري ظاهرة االنعكاس احلراري.
102
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
تلوث املياه
طرح Water pollution يقصد بتلوث املياه
مواد كياموية وفيزيائية وبيولوجية إىل املياه
العذبة أو إىل البحار واملحيطات ،مما يسبب
تردي ًا لنوعية املياه ويؤثر يف الكائنات التي
تعاني معظم المجاري المائية في العالم.. تعيش فيها .وترتاوح هذه املواد من ملوثات
من طرح مستمر للملوثات
بسيطة كاملواد الصلبة الذائبة أو العالقة إىل
ملوثات معقدة سامة تتصف بخطورهتا وطول مدة بقائها يف الوسط املائي
(كاملبيدات واملعادن الثقيلة واملركّبات الكياموية غري القابلة للتحلل أو تلك ذات
القابلية الرتاكمية يف أجسام األحياء) .هذا ويمكن تقسيم ملوثات املياه إىل تقليدية
Conventional pollutantsوأخرى غري تقليدية .Nonconventional pollutants
103
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الغذائية األحيائية .كام تسبب الرتاكيز العالية من املواد الصلبة العالقة طمر جماري
األهنار والقنوات املالحية ،مما يستلزم كرهيا باستمرار .أما ارتفاع تركيز املواد
الصلبة الذائبة فيقلل من صالحية املياه للرشب ولري املحاصيل الزراعية.
عىل الرغم من أمهية األمالح املغذية كالنرتوجني والفوسفات للحياة املائية،
فأهنا قد تسبب أيض ًا حدوث ظاهرة اإلثراء الغذائي Eutrophicationيف البحريات
وتعجل يف عملية شيخوختها طبيعي ًا .إذ تفيض هذه الظاهرة إىل تزايد نمو النباتات
املائية وازدهار الطحالب بشكل واسع ومن ثم حدوث تغري كيل للمجتمع
االحيائي ،وحتوله من انتاجية منخفضة ذات تنوع أحيائي عايل إىل انتاجية مرتفعة
ذات عدد كبري ألنواع أحيائية قليلة ومرضة بالطبيعة يف العادة .وتقوم البكرتيا
بأكسدة الكربون العضوي القابل للتحلل وباستهالك
األكسجني الذائب يف املاء .وحني تكون احلمولة
بالكربون العضوي عالية يف بعض احلاالت ،قد يؤدي
استهالك األكسجني إىل انخفاضه بشكل شديد (فقد
تصل كمية األكسجني املذاب إىل أقل من 2ملغم/لرت
فيام يكون يف احلالة الطبيعية بحدود 5أو 7
يؤدي نضوب األكسجين المذاب
ملغم/لرت) ،وقد يسبب هذا االنخفاض احلاد هالك
األسامك وحدوث اضطراب خطري يف تكاثر الكائنات
في الوسط المائي بسبب التلوث
إلى هالك الكائنات التي تعيش فيه
104
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
سنوي ًا .كام يطرح روتيني ًا إىل املجاري املائية آالف املواد الكياموية جمهولة األثر عىل
البيئة حلد اآلن .إذ يقدر أن نحو 400إىل 500مركّب جديد يدخل إىل السوق يف
ال عن ذلك ،يتخلف عن عمليات تعدين الفحم طرح كميات كبرية كل سنة .فض ً
من املخلفات احلمضية إىل الوسط املائي املجاور .هذا وتتفاوت امللوثات غري
التقليدية من مواد خاملة بيولوجي ًا كاهليدروكربونات املهلجنة (ومثاهلا مركّب DDT
والكيبون واملريكس والفينوالت املكلورة .)PCB
وتسبب هذه املر ّكبات األخرية أرضار ًا بيولوجية
شديدة تتطلب تطهري ًا كام ً
ال للمجرى املائي امللوث
هبا ،ناهيك عن حدوث تأثريات مزمنة شبه مميتة قد
يتعذر اكتشاف مفعوهلا لسنني طوال .وقد ظهر أن
األثار املزمنة للملوثات الواطئة املستوى من الصعوبة
عاد ًة ما تكون ملوثات الماء غير بمكان ازالتها أو التخفيف من أثرها بسبب انتشارها
التقليدية ..خطيرة جد ًا على
الصحة العامة الواسع وكوهنا ملوثات مستقرة كيميائي ًا.
يف املحصلة ،فأن امللوثات عىل تنوع أشكاهلا تسبب تردي نوعية املياه
والتقليل من صالحيته لالستخدامات املختلفة (الرشب ،االستعامل املنزيل،
الزراعي ،الصناعي ،)..وما ينتج عن ذلك من أخطار عىل الصحة العامة وترضر
اجلدوى االقتصادية عموم ًا .ويف كثري من البلدان تعد جودة املياه أحد مؤرشات
الرفاهية االجتامعية ،فالبالد ذات جودة املياه العالية توصف بارتفاع رفاهيتها
االجتامعية والصحية ،فيام تكون البالد ذات جودة املياه املنخفضة عىل نقيض ذلك
(الشكل .)5 – 4
105
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشكل ( :)5 – 4تصنيف بلدان العامل بحسب جودة املياه وصالحيتها لالستخدام البرشي.
تلوث التربة
تدهور سط األرض جراء سوء استخدام Soil pollution يقصد بتلوث الرتبة
الرتبة بفعل إتباع ممارسات زراعية خاطئة وسوء التنقيب عن املعادن وطرح
املخلفات الصناعية والتكديس العشوائي لنفايات املدن.
سوء استخدام التربة
تؤدي تعرية الرتبة ،الناجتة عن إتباع ممارسات
خاطئة يف الزراعة عادةً ،إىل إزالة مادة الد ّبال
الغنية من الطبقة السطحية والتي استغرقت وقت ًا
طوي ً
ال يف التكّون بفضل تفسخ النباتات
يؤدي سوء استخدام األرض ..إلى تفاقم مشكلة وعمليات التحلل امليكرويب ،فيفيض ذلك
باملحصلة إىل جتريد األرض من عنارصها
تعرية التربة وتلوثها وفقدان استخدامها النفعي
الغذائية األساسية الالزمة لنمو املحاصيل الزراعية .كام تسبب أعامل التعدين
للتنقيب عن املعادن والفحم تراكم خملفات متتد عىل مساحات شاسعة فوق األرض
106
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
سنوي ًا ،مما يؤدي إىل جتريد الرتبة وتعرض املنطقة التي تم تعدينها إىل مشكالت
التعرية الكثرية .ويطرح التوسع احلرضي الناجم عن الزيادة السكانية مزيد ًا من
املشكالت ذات العالقة بتعرية الرتبة .فمث ً
ال قد تزداد محولة األهنار من الرواسب يف
املناطق احلرضية بمقدار 500إىل 1000ضعف ًا مما عليه يف املناطق البعيدة عن
املدن .من جهة أخرى ال تعني تعرية الرتبة جتريد األرض من غطائها الواقي
فحسب ،بل تلويث األهنر بمواد صلبة عالقة .وقد يؤثر ذلك عىل عمل البيئات
الطبيعية ويسبب أيض ًا تراكم الغرين يف القنوات املالحية ،مما يؤدي إىل تقليل فائدة
هذه املياه لألغراض التجارية.
النفايات الصلبة
تشكل النفايات البلدية الصلبة ،Solid wastesالتي تشمل نفايات املنازل واملتاجر
وأعامل التنظيف البلدية ،أعظم املشاكل املهددة للرتبة يف الوقت الراهن .وفض ً
ال
عن هذا النوع من النفايات ،هنالك نفايات صلبة مصدرها عمليات التعدين
واإلنتاج الصناعي والزراعة .وعىل الرغم من
أن النفايات البلدية تبدو أوض للعيان ،فأن
ركامات األنواع األخرى من النفايات هي يف
احلقيقة أكرب حج ًام بكثري ،كام أن التخلص منها
أكثر صعوبة يف بعض األحيان وتشكل خطر ًا
التهديد األكبر للتربة في معظم مناطق
العالم اليوم ..هي النفايات الصلبة
أكرب عىل البيئة من سواها.
يعد الطمر الصحي Landfillingهو أكثر طرائق التخلص من النفايات
الصلبة البلدية شيوع ًا وأنسبها .وهناك املكبات املفتوحة التي تعد مظهر ًا مقرف ًا يف
العديد من مدن العامل ،إذ جتذب إليها أعداد ًا كبرية من القوارض وغريها من
احلرشات وغالب ًا ما تكون مبعث ًا لروائ كرهية .يف حني أن الطمر الصحي يعد طريقة
أفضل للسيطرة عىل تكدس النفايات وال يصدر عنه روائ مقززة يف العادة .وجيري
107
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يف الغالب خلط النفايات املنزلية بنفايات صناعية جمهولة املحتوى .وقد أفىض
ترش هذه املواد الكياموية السامة إىل املياه اجلوفية وتلويثها إلسالة املياه إىل قيام
بلدان عدة مؤخر ًا بإتباع ضوابط أكثر رصامة يف كل من مواقع الطمر الصحي ويف
طرائق التخلص من املخلفات الصناعية .وعمل إتباع اجراءات دقيقة يف إدارة
مكبات الطمر الصحي كتوفري عملية تصفية ومعاجلة املياه السطحية ناهيك عن
التغطية اليومية للمكب بطبقة من الرتاب ،عىل التخفيف من وطأة املشكالت
النامجة عن املكبات املفتوحة .عىل أن املساحة املخصصة ملكبات النفايات يف بعض
املناطق آخذة بالتقلص لذا جيب دوم ًا البحث عن بدائل.
يعد تدوير املواد وإعادة االستفادة منها Recyclingأحد الطرائق العملية
للتخلص من النفايات البلدية والصناعية عىل حدّ سواء ،إذ أن هناك اليوم تزايد يف
اعتامد هذا األسلوب وإن كان اليزال حمدود ًا يف بعض املناطق .لكن حينام جيري
خلط النفايات ،فأن عملية استعادهتا تغدو صعبة ومكلفة للغاية .وعىل هذا تم
تطوير وسيلة لفرز النفايات من مصادر طرحها وتصنيفها إىل معدنية وغري معدنية،
ورق ،زجاج ،بالستيك ،مواد عضوية (بقايا
الطعام) ..الخ ،حتى باتت هذه طريقة إجبارية
يف العديد من املجتمعات اليوم .وقد أفىض
اعتامد طريقة إعادة التدوير إىل ابتكار العديد من
يعد تدوير النفايات ..أحد الوسائل الناجعة الوسائل ملعاجلة املواد املطروحة وتصنيع
للتخفيف من تلوث التربة واألراضي
منتجات جديدة من املواد املعادة فض ً
ال عن
إجياد أسواق جديدة لترصيفها.
أما احلرق Incinerationفهو طريقة أخرى للتخلص من النفايات الصلبة.
فهنالك حمارق متطورة تقوم باستخدام النفايات الصلبة كوقود ،وذلك بحرق
كميات كبرية من القاممة واالستفادة من احلرارة الناجتة لتوليد البخار ملحطات
108
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الطاقة الكهربائية .ومن رشوط ذلك وجوب حرق النفايات بدرجات حرارة عالية
جد ًا ،ولذا جيب أن تكون مداخن املحارق مزودة بمرشحات وبأجهزة متطورة
للتخلص من غاز الدوكسني وغريه من امللوثات السامة .ومع هذا ،تصاحب
املحارق مجلة من املشكالت منها مث ً
ال الرماد املتخلف الذي حيتوي عىل نسب عالية
من املعادن الثقيلة فيتحول بذلك إىل مادة خطرة بحد ذاته.
هناك أيض ًا طريقة َ
اإلسمدة Compostingالتي باتت تستخدم بشكل متزايد
للتعامل مع بعض املخلفات الزراعية ،ناهيك عن استخدامها يف معاملة نفايات
بلدية كأوراق النباتات والريش .ويمكن االستفادة من هذه املنتجات يف زيادة
ختصيب الرتبة ،إذ أهنا تتحول إىل مادة د ّبالية يف غضون أشهر قليلة تسمى
الكمبوست .Compost
عىل الرغم من كل ذلك ،فقد تزايدت النشاطات البرشية املؤدية إىل تدهور
الرتبة ،وتزايدت معها مساحات الرتب املتدهورة حول العامل .ومثلام يبني الشكل
( ،)5 – 5فأن مساحة الرتب من الصنفني املتدهورة واملتدهورة جد ًا باتت تشكل
نسبة مهمة من أمجايل الرتب املستقرة ،وربام ستتسع رقعة تدهور الرتبة مستقبالً
الشكل ( :)5 – 5أصناف الرتبة بحسب درجات تدهورها الناتج عن النشاطات البرشية املختلفة.
109
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التلوث اإلشعاعي
يعرف التلوث اإلشعاعي Radiation pollutionأنه أي
ّ
شكل من أشكال اإلشعاع املؤين وغري املؤين الناتج
من فعاليات برشية .وغالب ًا ما كان منشأ حاالت
التلوث اإلشعاعي املعروفة التي حصلت حتى اآلن هو
انفجار املعدات النووية أو حترر إشعاعات مسيطر
عليها من حمطات توليد الطاقة النووية .وتشكل
يشكل التلوث اإلشعاعي.. وحدات معاجلة املحروقات والنواتج العرضية
هاجس ًا مقلق ًا لدى جميع بني البشر
لعمليات التعدين والتجارب املختربية مصادر أخرى
النبعاث اإلشعاعات .كام أن التعرض املتزايد ألشعة أكس X raysيف الفحوصات
الطبية واإلشعاعات املنبعثة من أفران املايكرويف ومن غريها من األجهزة املنزلية
متثل كلها مصادر للتلوث اإلشعاعي.
لقد تصاعد القلق الشعبي كثري ًا حيال حترر
اإلشعاعات إىل البيئة يف أعقاب الكشف عن آثارها
الضارة املحتملة عىل اإلنسان ،وذلك بعد انبعاث نسب
عالية من هذه اإلشعاعات جراء اختبارات األسلحة
النووية وكذلك جراء بعض احلوادث مثل حادثة حمطة
النووية لتوليد Three Mile Island ثري مايل آيلند
يعد انفجار محطة تشرنوبل أكبر
الطاقة الواقعة بوالية بنسلفانيا األمريكية عام ،1979
وكارثة انفجار حمطة ترشنوبل Chernobylالنووية عام
كارثة تلوث إشعاعي في العالم
110
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يف اليابان عام .2011كام تزايدت خماوف الرأي العام إبان الثامنينات إثر الكشف
عن وقوع مشكالت تلوث إشعاعي مقلقة يف مفاعالت األسلحة النووية
األمريكية.
لقد تم توثيق التداعيات البيئية النامجة عن التعرض ملستويات مرتفعة من
اإلشعاعات املؤينة ،وذلك عرب دراسات أجريت عىل أفراد تعرضوا إىل إشعاع
نووي يف اليابان عقب إلقاء القنبلة الذرية عليها خالل احلرب العاملية الثانية .إذ
ظهرت اإلصابة ببعض أنواع الرسطان عىل الفور ،لكن هناك أمراض كامنة للتسمم
باإلشعاع لن تظهر إال بعد مرور 10إىل 30
عام ًا من التعرض إليه .هذا وال يعرف لغاية
اآلن األثار التي يمكن أن تنتج عن التعرض
للمستويات اإلشعاعية املنخفضة ،لكن أكرب
111
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التلوث باملبيدات
هي مواد كياموية مصنّعة، Pesticides املبيدات
بعضها ذي أصل عضوي وبعضها األخر ال
عضوي ،وقد جرى استخدامها بفعالية ألول
مرة بقصد حتسني البيئة البرشية للقضاء عىل
يمثل التلوث بالمبيدات ..تسمم ًا مباشر ًا
بعض األنواع األحيائية غري املرغوب فيها
للبيئة واإلنسان
كالبكرتيا واآلفات الزراعية واحلرشات املؤذية.
غري أن فعاليتها هذه تسببت بتلوث ال يستهان به من ناحية اخلطورة واملساحة التي
ت غطيها .إذ ال يقترص التلوث باملبيدات عىل املكان الذي استخدمت فيه فقط ،بل
يمكن أن ينترش عىل مساحات واسعة ويسلك طرق ًا متعددة يلوث من خالهلا أجزاء
خمتلفة من البيئة مما يؤثر يف مناطق أخرى ويف كائنات أخرى غري الكائن املستهدف.
وبذلك تكون دورة املبيدات يف البيئة متنوعة يف مسالكها ومتباينة يف تأثريها البيئي
(الشكل .)5 – 6
112
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
113
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
البيض وتفقيسه قبل أوانه .وهناك أثر جانبي أخر للمبيدات وهو تأثريها يف اجلهاز
العصبي للحيوانات واألسامك ،إذ قد تسبب فقدان التوازن والتشوش وربام تقود
أحيان ًا إىل املوت .ومتثل هذه األمثلة يف العموم حاالت التأثري الشديد عىل املدى
القصري حني تكون مستويات املبيدات يف جسم الكائن احلي مرتفعة نسبي ًا.
أما األثار البعيدة األمد (املزمنة) للمبيدات املستديمة فال زالت غري معروفة
متام ًا يف واقع احلال ،بيد أن العديد من العلامء يرون أن خطرها عىل البيئة كبري بقدر
خطر التأثريا ت القصرية األمد .أما املبيدات أو البدائل غري املستديمة (القابلة
للتحلل بسهولة) وتقنيات التعقيم والتطهري وإدخال مفرتسات تتغذى عىل
احلرشات واآلفات الضارة ،فهي تعطي صورة أكثر إرشاق ًا للسيطرة عىل اآلفات من
دون أن تكون هناك أرضار كبرية عىل البيئة.
هذا ويبني الشكل ( ،)5 – 8بعض ًا من أشد بؤر التلوث باملبيدات يف العامل
الناجتة عن العمليات الزراعية مقرون ًا بعدد السكان املحتمل تعرضهم للخطر من
جراء ذلك.
114
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التلوث الضوضائي
يعد التلوث الضوضائي Noise pollutionحديث
النشأة نسبي ًا .واملقصود به جمموع األصوات
املتولدة عن نشاطات برشية والتي تتفاوت من
ضوضاء ناجتة عن األجهزة املكربة للصوت إىل
ضوضاء طائرات النقل اخلارقة حلاجز الصوت.
التلوث الضوضائي ..مشكلة العصر
وضريبة التقدم وعىل الرغم من أن درجة تردد الضوضاء (احلدة
الصوتية) تعد ذات أمهية كربى يف هذا املجال ،فأن معظم مصادر الضوضاء تقاس
يف ضوء شدة املجال الصويت أو قوته .إذ تقاس الضوضاء بوحدة مقياس تسمى
الديسبل ( ،)dBوهي متثل مقدار الصوت املسموع من قبل األذن البرشية .هذا
وتكون الضوضاء يف العادة مصاحبة للمجتمعات الصناعية ،حيث أصوات املكننة
الثقيلة والسيارات والطائرات التي أصبحت شيئ ًا معتاد ًا يف حياتنا اليومية .ويكون
التلوث الضوضائي أكثر شدة يف بيئة العمل مما عليه يف البيئة العامة اخلارجية ،عل ًام
أن الضوضاء اخلارجية قد شهدت زيادة ملحوظة يف مستوياهتا منذ ثامنينات القرن
املايض .هذا ويرتاوح معدل اخللفية الضوضائية يف منزل نموذجي اليوم بني 40و
50ديسبل .ومن األمثلة املعتادة حول مستويات الضوضاء املرتفعة يف البيئة هي
األصوات الصادرة عن الشاحنات الثقيلة ( 90ديسبل عىل بعد 15مرت) وقطارات
الشحن ( 75ديسبل عىل بعد 15مرت) ومكيفات اهلواء ( 60ديسبل عىل بعد 6
أمتار) (اجلدول .)5 – 1
115
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
116
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
117
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
118
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل السادس
مشكلة تحطيب الغابات املدارية
يعرض هذا الفصل إىل بحث مشكلة حتطيب الغابات املدارية التي تعدّ من أكثر
املشكالت البيئية قلق ًا .ويتم هنا أوالً التعريف بجغرافية الغابات املدارية املطرية
بوصفها حمط املشكلة ،ثم حتديد معنى حتطيب الغابات واملعدالت اجلارية عليها،
وبحث العوامل املسببة لتدمريها ،ثم استعراض أهم العواقب البيئية الناجتة عن
ذلك الفعل.
119
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
120
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
األشجار التي يمكن أن يصل ارتفاع بعضها إىل ما يزيد عن 150مرت ًا ،ناهيك عن
أعداد هائلة من النباتات اهلوائية واملتسلقة واألعشاب وغريها .وتعج الغابة املدارية
أيض ًا بأعداد وفرية من احليوانات كالببغاوات واخلفافيش ودببة الكسالن واألفاعي
والضفادع والقردة وغريها ،إذ يكون ارتباطها باألشجار شديد ًا .أما أعايل األشجار
فعاد ًة ما تكون مأوى ألعداد هائلة من احلرشات التي تدب فوقها ،فقد تضم
ال عىل أكثر من 250نوع من النمل ،فض ً
ال عن آالف األنواع الشجرة الواحدة مث ً
األخرى التي الزال العلامء مل يعرفوها بعد.
وصوالً إىل حرفة الزراعة املستقرة وغريها من املهن االقتصادية .وقد تعرضت
الغابات لعمليات اإلزالة يف أوربا إبان العرصين احلجريني األوسط واحلديث ،لكن
األقسام الوسطى والغربية من القارة شهدت مرحلة حتطيب كثيفة يف املدة ما بني
1250 -1050ميالدي .وبعد ذاك ،حينام وصل املستوطنون األوربيون إىل أمريكا
الشاملية ،شهدت مساحات واسعة من غاباهتا عمليات حتطيب بمعدل أرسع بكثري
مما شهدته أوربا ،إذ اجتث من غابات أمريكا الشاملية يف غضون 200سنة أكثر مما
اجتث يف أوربا عىل مدى 2000سنة .وتشري تقديرات منظمة الزراعة واألغذية
121
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الدولية FAOإىل أنه يف عصور ما قبل الزراعة كانت مساحة الغطاء الغايب يف العامل
تناهز 5بليون هكتار ،وقد انخفض هذا الرقم إىل 3.9بليون هكتار مع مطلع العام
. 2000وعىل الرغم من أن معظم هذه اخلسارة قد حصلت يف العروض املعتدلة
من نصف الكرة األرضية الشاميل ،فأن نسبة اخلسارة يف ذلك النطاق قد شهدت
انخفاض ًا ملحوظ ًا يف العقود األخرية ،إذ حتولت العديد من البلدان إىل ممارسة
برامج زراعة البستنة .يف الوقت ذاته ،أدى تضافر الزيادة السكانية الرسيعة وتطور
وسائط الوصول إىل الغابات يف املناطق املدارية يف اآلونة األخرية إىل تسارع
معدالت حتطيب الغابات فيها نتيجة لذلك.
الشكل ( :)6 – 1معدل تغري الغطاء الغايب بحسب البلدان للمدة .2000 – 1990
122
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
123
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املدارية فهي أيض ًا تلعب دور ًا يف ذلك .ويعد دور احلكومـات عـام ً
ال أخـر يشـجع
بعض اجلامعات عىل استثامر موارد الغابـات ،وذلـك مـن خـالل تقـديم القـروض
للحطابني ومريب املوايش ،مثالً ،أو من خالل خطط إعادة التوطني الواسعة النطاق.
وعىل الصعيد العاملي ،البد أيض ًا من األخذ بعني االعتبار دور األسواق الدوليـة يف
تداول بعض منتجات الغابات ،كاخلشب املنشور ،وغريها من املنتجات الواردة من
البساتني الزراعية.
تتباين أمهية هذه العوامل من بلد إىل أخر ومن منطقة إىل أخرى ،وقد تتغري
بمرور الزمن .ويمثل اجلدول ( )6 - 1العوامل الرئيسة التـي تكمـن وراء حتطيـب
الغابات يف أهم أقاليم الغابات املدارية .إذ تغريت طبيعة حتطيب الغابات من عملية
كانت تقع أساس ًا عىل عاتق الدولـة إىل عمليـة راحـت تنفـذها رشكـات خاصـة يف
العقود األخرية من القرن العرشين .فخالل فرتة السبعينيات أدى شق الطرقات من
قبل الدولة والربامج االستعامرية إىل فت مناطق عديدة بوجه االسـتيطان البشــري
والرشوع بتحطيب الغابات عرب سائر أرجاء املناطق املدارية .وبحلول التسـعينيات
تالشت مجيع هذه الربامج ،ليحل حملها عمليات حتطيب تقوم هبـا رشكـات خاصـة
أخذت تتوسع مدياهتا وتتنوع وسائلها منذ عقد السبعينيات من القرن املنرصم.
اجلدول ( :)6 - 1العوامل املسببة لتحطيب الغابات املدارية يف بحسب أقاليمها الرئيسة يف العامل.
124
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشكل ( :)6 – 2التناقص التدرجيي للغطاء الغايب يف فيتنام 1945 ،ـــ .1982
125
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ساحل العاج
لعبت قوى االقتصاد الدويل التي تعد مكملة لتحطيب الغابـات يف منـاطق عديـدة
دور ًا أساسي ًا يف غرب أفريقيا ،حيث بات من الصعب أن جتد يف معظم بلدان املنطقة
إقلي ًام نباتي ًا طبيعي ًا بكر ًا إال وطالته يد إنسان .واملثال التقليدي عىل ذلك هـو سـاحل
العاج .إذ ال يوجد هناك يف الواقع دراسة تناولت حتطيب الغابات يف املنطقة املدارية
إال وخلصت إىل أن ساحل العاج قـد عانـت مـن أرسع معـدل إلزالـة الغابـات يف
العامل ،إذ بلغ 3500 - 2800كم سنوي ًا خالل الـ 40عام ًا املايض.
2
بحلول العام .1991ويف العام 1997وضعت ساحل العـاج قيـود ًا عـىل تصـدير
األخشاب هبدف زيادة إيراداهتا من خالل تصنيعه يف الـداخل .وأسـفر ذلـك عـن
تزايد معامل تقطيع األخشاب وزيادة تصنيع املنتجات اخلشبية ،لكنه أدى أيضـ ًا إىل
هبوط أسعار اخلشب بالنسبة ملالكي الغابـات ،وإىل تـدين املـورد الغـايب وحـدوث
تداعيات سلبية يف جمال إدارة الغابات .هذا وبلغ إنتاج اخلشب املـدور الصـناعي يف
126
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
العام 2004نحو 1.7مليون م .ومن األمور التي حفزت عىل حتطيب الغابـات يف
3
ساحل العاج أيض ًا هو نمو السكان من 5مليون نسمة يف عام 1970إىل حوايل 15
مليون نسـمة يف العـام ،2000وكـذلك عـدم سـيطرة املـزارعني عـىل االسـتيطان
البرشي والقيام بإزالة الغابات لغرض إنشاء بساتني لزراعـة الـبن والكاكـاو بـدعم
وتشجيع حكومي.
الفلبين
يعد حتطيب األخشاب والزراعة العاملني الرئيسني إلزالة الغابـات يف الفلبـني منـذ
أربعينيات القرن املايض .إذ تقلص الغطاء الغايب يف الفلبـني مـن %70مـن مسـاحة
أرض البالد إىل %50بني األعوام 1900و ،1950ثم تقلصت املساحة مرة أخرى
إىل أقل من %25يف مطلع التسعينيات ،يف الوقت الذي اختفت فيه غابات األرايض
املنخفضة من البالد متام ًا .ولغاية العام ،2000تقدر نسبة الغابـات الطبيعيـة التـي
تغطي مساحة البالد بحوايل %17فقط.
البرازيل
لقد كان للسياسة احلكومية دور ًا أساسي ًا يف حتطيب غابات حوض األمازون يف
الربازيل ،إذ متت املبارشة عىل نطاق واسع يف أواسط سبعينيات القرن العرشين
بخطة متفق عليها لتطوير املناطق املدارية من البالد .وكان التوسع الزراعي أهم
عامل مسؤول عن إزالة الغابات يف ذلك الوقت ،سواء من قبل املزارعني الصغار أو
من مزارعي املزارع التجارية الواسعة ،بام يف ذلك مريب األبقار اإلنتاجية لسد حاجة
السوق املحلية .وحفزت رؤية احلكومة الربازيلية ملنطقة األمازون عىل كوهنا أرض
فارغة لكنها غنية باملوارد عىل الرشوع بربامج إعادة التوطني ،السيام يف واليتي
روندونيا Rondoniaوبارا Paraحتت شعار "شعب بدون أرض يف أرض بدون
شعب" ،إىل جانب برامج للتوسع الزراعي وخطط الستغالل املعادن واملوارد
األحيائية والكهرومائية.
127
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
128
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
البلدان ،أغلبها بلدان فقرية نسبي ًا .غري أن خسارة الغابات قد تؤدي أيض ًا إىل تدهور
بعض خدماهتا البيئية ،إذ أن معظم القلق الدائر اليوم حول قضية حتطيـب الغابـات
املدارية يكمن يف احتامل تعرض الدور الذي تلعبه الغابـات يف دعـم أنظمـة احليـاة
البرشية إىل االضطراب ،ذلك الدور املتمثل يف تعديل املناخ املحيل ويف جريان امليـاه
ويف الدورات الغذائية ،ناهيـك عـن دورهـا يف
كوهنا خمزنـ ًا للتنـوع األحيـائي وموطنـ ًا طبيعيـ ًا
للكثري من األحياء .هذا ويمكـن أن يتبـاين أثـر
العواقــب البيئيــة الســلبية اهلائلــة النامجــة عــن
خسارة الغابات املدارية من نطاق حميل إىل أخـر
يؤدي تحطيب الغابات المدارية..
إلى خسارة خدمات بيئية قيمة عاملي .وعىل ذلك سنبحث هنا التأثريات البيئية
لتحطيب الغابات عىل النحو اآليت:
املدارية .ومن املحتمل أن تتأثر النظم النهرية األكرب بالطريقة عينها .وثمة قلق حيال
دور الغابة يف تنظيم جريان األهنار واجلداول املائية املتدفقة من املنابع العليا .ويتجىل
هذا القلق يف أوض صوره يف مدى التأثري اإلقليمي عـىل األنظمـة الطبيعيـة جـراء
حتطيـب الغابـات يف جبـال اهلاماليــا .وهنالـك نظريـة القــت رواجـ ًا واسـع ًا هبـذا
اخلصوص مفادها أن التحطيب الواسع الذي شهدته املنطقة منذ العـام 1950هـو
129
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املسؤول عن تزايد فيضانات هنري الغـانغ والربامهـابوترا .عـىل أن هـذه النظريـة مل
تسلم يف احلقيقة من االنتقادات كوهنا مل تقدم أدلة كافية عىل العالقـة املفرتضـة بـني
حتطيب الغابات وتزايد الفيضانات .لكن أحدى الدراسات التي أجريت عىل بعض
البلدان النامية وجدت عالقة واضحة ما بـني زيـادة الفيضـانات وتقلـص مسـاحة
الغابة الطبيعية .وظهر أيض ًا وجود عالقة طردية بني تناقص الغطاء الغايب الطبيعـي
من جهة ومقاييس أخرى للفيضانات (مثل :طول فرتة حدوثها ،عدد الناس الـذي
لقوا حتفهم ونزحوا عن ديارهم بسببها ،األرضار اإلمجالية )..من جهة أخرى.
130
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
131
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يمكن أن تتفاقم تعرية الرتبة أيض ًا بفعل االنضغاط الذي ينجم عـن مـرور
آليات ثقيلة فوق الرتبة ،أو تعرض الرتبة للسحق بأقدام املاشية حني تتحـول الغابـة
إىل مرعى ،أو جراء التعرض إىل الشمس واألمطار .ويؤدي سط الرتبـة املنضـغط
إىل تزايد اجلريان السطحي وغالب ًا ما يكون ذلك سبب ًا مه ًام لفقدان الرتبة .أما الطبقية
،Laterizationوهي عبارة عن تكّون طبقة سطحية صلدة وغري نفـاذة مـن الرتبـة،
لكن من املحتمل أن نسبة خطرها ال تغطي سـوى %2مـن مسـاحة أرايض املنطقـة
املدارية الرطبة.
يعد فقر حمتوى العديد من ترب الغابات املدارية بالعنارص الغذائيـة عـام ً
ال
يسهم يف احلد من إمكانية قيام الكثري من استعامالت األرض التـي أزيلـت ألجلهـا
الغابة .ففي بعض أنحاء حوض األمازون ،مثالً ،تبلـغ كميـة الفسـفور وغـريه مـن
العنارص الغذائية يف الرتبة ذروهتا أوالً بعد القيام بحرق النباتات املزالة ،األمر الذي
يدر إنتاجية زراعية عالية نسبي ًا ومن ثم حصول املـزارعني عـىل إيـرادات مرتفعـة.
لكن حيدث بعد ذلك يف الغالب أن ينخفض مستوى العنارص الغذائية نتيجة لعملية
الغسل ،وتصب األرض غري قادرة حتى عىل إنبات أعشاب للمرعى بعد مرور أقل
من عرش سنوات .ورسعان ما يعمـل تعـرض الرتبـة لنضـوب عنارصهـا الغذائيـة
ولالنضغاط وغزو األعشاب الضـارة عـىل اسـتنفاذ فائـدة الرتبـة كـأرض صـاحلة
للزراعة والرعي .وبعد حني من الوقت سوف لن تصب تربية األبقار أمر ًا مربح ًا مما
سوف يصار إىل هجر األرض يف هناية املطاف (الشكل .)6 – 3
واليشء نفسه يقال يف حالة الزراعة املتنقلة غري املستدامة التـي رسعـان مـا
جترد الرتبة من عنارصها الغذائية ،وتؤدي إىل تناقص إنتاجيتها برسعة ،وكـذلك إىل
تدهور صالحيتها للرعي ،وتدفع بمسـتوطنيها إىل هجرهـا والبحـث عـن غابـات
جديدة أخرى ليقوموا بإزالتها وتكرار العملية مرة أخرى.
132
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التأثير في املناخ
من املمكن حدوث تداعيات مناخية حمتملة عىل
نطاق حميل وإقليمـي وحتـى عـاملي بفعـل إزالـة
مســاحات شاســعة مــن الغابــات ،والتــي تــؤثر
باملحصلة النهائية عىل دوريت املـاء والكربـون يف
الطبيعة .فعىل سـبيل املثـال ،تكشـف سـجالت
لتحطيب الغابات المدارية ..عواقب وخيمة
على تغير المناخ األمطار يف أمريكا الوسطى عن حصول تأثريات
حملية لتحطيب الغابات .ففي غواتيامال واملناطق املجاورة إليها ،أظهر حتليل بيانـات
مستله من 266حمطة أنواء جوية ،حدوث انخفاض واض يف كمية األمطـار أثنـاء
فصل اجلفاف يف منـاطق أزيلـت عنهـا الغابـات مقارنـ ًة بمنـاطق جمـاورة مازالـت
الغابات تكسوها .وعموم ًا ،توصلت بعض الدراسات إىل أن املواطن الطبيعية التي
أزيلت عنها الغابات تتسم خالل فصل اجلفاف بدرجات حرارة مرتفعة عند النهـار
133
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
وبغيوم أقل وبرطوبة تربة أدنى مما يف املناطق املكسوة بالغابات ضمن اإلقليم البيئي
نفسه .واحلصيلة النهائية هي اتسام املناطق التي أزيلـت عنهـا الغابـات هبـواء حـار
وجاف وبقلة تشكل الغيوم والتساقط.
عىل الصعيد اإلقليمي ،ويف منطقة واسعة كاألمازون ،حيث تعود أكثر مـن
نصف كمية األمطار املتساقطة إىل الغالف اجلوي ثانية عن طريق التبخر ـــ النـت ،
فأن إزالة مساحات شاسعة من الغابة قد ينطوي أيض ًا عـىل تـأثري خطـري يف الـدورة
املائية ،وما يعقب ذلك من أثار سلبية عىل األمطار ومن ثم عىل وجود الغابة نفسـها
وعىل الزراعة التي تقام حملها .وقد جرى اختبار مثـل تلـك النظريـات مـن خـالل
حماكاة الظروف املستقبلية بنامذج الدورة املناخية العامة ،واتفقـت النتـائج التـي تـم
احلصول عليها عموم ًا عىل حدوث تناقص يف كمية التساقط وتغري حمدود يف درجـة
حرارة السط .وتشري العديد من الدراسات أيض ًا إىل أن حتطيب حوايل %40 - 30
من غابة األمازون قد أفىض إىل سيادة نظام مناخ جاف فوق معظـم أرجـاء حـوض
األمازون.
أما عىل الصعيد العاملي ،فيمكن أن يكون للتغريات احلاصلة عىل خصائص
السط من جراء حتطيب الغابات املدارية واختالف انعكاسية اإلشـعاع الشمســي
مردود ًا سلبي ًا عىل مناخ العروض الوسطى والعليا .وقد تم مالحظة حصول بعـض
التأثريات العاملية لتحطيـب الغابـات عـىل دورة الكربـون مـثالً .إذ يعمـل حتطيـب
الغابات عىل زيادة إطالق ثنائي أكسـيد الكربـون إىل اجلـو ،سـواء بفعـل عمليـات
اإلحراق أو التفسخ ،وربام يسهم ذلك يف تفاقم ظاهرة االحتباس احلراري .ولـيس
معلوم ًا حلد اآلن مدى املسامهة الفعلية لتحطيب الغابات املداريـة يف إضـافة ثنـائي
أكسيد الكربون إىل اجلو ،وذلـك نظـر ًا لعـدم املعرفـة الدقيقـة بمعـدالت حتطيـب
الغابات من جهة وبكمية الكربون املوجودة يف كل وحدة مساحية من الغابات مـن
جهة أخرى .ومـع أن إسـهام حتطيـب الغابـات يف زيـادة تركيـزات ثنـائي أكسـيد
134
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الكربون اجلوي هو أقل مما يسهم به حرق الوقود األحفـوري ،فـأن التحطيـب قـد
يسهم بام يزيد عن نسبة الثلث يف هذا املجال.
135
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مرونة جذوعها ،السيام بالقرب من أطراف الغابة حيث يـزداد هنـاك تـأثري الريـاح
العاتية .وتكون األشجار اهلرمة الكبرية أيضـ ًا عرضـة لالبـتالء بالنباتـات املتسـلقة
(وهي نباتات معرتشة خشبية طفيلية يقلل وجودهـا مـن عمـر الشـجرة) ،ويـزداد
نموها بشكل خاص قرب أطراف الغابة .فض ً
ال عن ذلك ،تتصف األشجار املدارية
الكبرية ،وبسبب تعرض تيجاهنا إىل إشعاع شميس وتبخــر شـديدين ،بحساسـيتها
ملوجات جلفاف وقد يتعرض املوجود منها قـرب أطـراف الغابـة إىل التيـبس بفعـل
ذلك.
إن فقدان األشجار الكبرية من الغابة املدارية أمر يبعـث عـىل القلـق حقـ ًا،
ذلك ألهنا املنبع املهم للفاكهـة واألزهـار واملـأوى الضــروري للحيوانـات .ومـن
املرج أيض ًا أن خسارة هذه األشجار يقلل من حجم الغابة ومن تركيبتهـا املعقـدة
ويشجع عىل تكاثر األنواع املحلية ذات العمر القصري ،ويؤدي ذلك أيض ًا إىل تبـدل
الدورات الكياموية احليوية يف الغابة واضطراب نظام التبخر ــ النت وتعطل تـدوير
الكربون مما يساعد عىل انبعاث غازات الدفيئة املرضة .ومن األمور املقلقة أيض ًا هـو
احتامل عدم عودة األحياء يف املناطق التي أزيلت عنها الغابـة ،نظـر ًا لتزايـد هـالك
األشجار يف أجزاء الغابات التي يرتاوح فيها عمر األشجار الكبرية من مائة إىل أكثر
من ألف عام.
مشكلة الحرائق
تعــد احلرائــق عــام ً
ال أخــر هيــدد النظــام البيئــي
للغابات املتأثرة بالتحطيب .فعـىل سـبيل املثـال،
أثرت احلرائـق التـي انـدلعت يف إعقـاب موجـة
اجلفاف خالل العام 1983/1982تأثري ًا بليغـ ًا
عىل مساحة قدرها 950.000هكتار من غابات
يساعد تحطيب الغابات على زيادة تكرار
الحرائق وتأثيرها في النظام البيئي للغابة جزيرة صباح Sabahوكـذلك عـىل حـوايل 2.7
136
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
137
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
. 6ما العواقب البيئية املحتملة التي خيلفها حتطيب الغابات املدارية عىل املوارد املائية
خلص أجابتك يف نقاط حمددة.
ّ والسدود واملياه اجلوفية
. 7ما هي مظاهر التدهور التي تتعرض إليها الرتبة يف املناطق املدارية الرطبة عند
خلصها ..وأرسم خمطط ًا يبني مالحمها.
ّ إزالة الغطاء الغايب عنها
.8يتوزع تأثري حتطيب الغابات املدارية يف املناخ عىل ثالثة أصعدة .وض ّ خصائص
تغري املناخ يف كل واحدة منها.
.9ملاذا يشكل حتطيب الغابات املدارية هتديد ًا خطري ًا عىل النظام البيئي االحيائي
وما هي مظاهر هذا التهديد
.10ملاذا يعمل حتطيب الغابات املدارية عىل زيادة احتاملية تعرضها حلرائق كربى
وما األمثلة عىل ذلك
138
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل السابع
مشكلة التصحــر
يبحث الفصل احلايل يف واحدة من أكثر املشكالت البيئية استفحاالً ،إذ بات
التصحر يشكل هتديد ًا فعلي ًا لألقاليم اجلافة وشبه اجلافة وكذلك لتلك شبه الرطبة
الواقعة عىل هوامشها .لذا سيتم هنا حتديد تعريف التصحر ،فضالً عن التفصيل يف
أسبابه والنتائج املرتتبة عنه معززة بأمثلة كثرية.
تعريف التصحر
ظهرت كلمـة التصـحر Desertificationألول
مرة من قبـل أحـد العلـامء الفرنسـيني لوصـف
حتول ظروف املناطق الرطبة املجاورة للصحراء
الكــربى يف غــرب أفريقيــا إىل ظــروف أشــبه
بالصحراوية عىل إثر إزالـة الغابـات يف املنطقـة
يشكل التصحر اليوم ..أكبر مشكلة
في األقاليم الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة تــدرجيي ًا .ويعنــي التصــحر حرفيـ ًا التحــول إىل
صحراء ،لكن وعىل الرغم من استخدام املصـطل ألكثـر مـن مخسـني عامـ ًا ،فـأن
اإلمجاع عىل تعريف املصطل مل يتم التوصل إليه إال مؤخر ًا .وأظهر مس ألدبيـات
املوضوع وجود أكثر من مائة تعريف خمتلف .ويشري معظم هذه التعريفـات عمومـ ًا
إىل اتساع رقعة الصحراء ،وبخاصة يف األرايض املحاذية للصحاري .كـام اشـتملت
العديد من التعريفات عىل عبارات مثل فقدان املنطقة ملواردهـا الكامنـة أو اسـتنفاذ
خصوبة الرتبة أو نضوب الغطاء النبايت وبعض األصناف النباتية املفيدة ،فـيام يشـري
بعض التعريفات إىل معنى استحالة تعويض مثل تلك اخلسـائر ضـمن مـدى عمـر
اإلنسان.
139
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يتفق معظم اخلرباء ،إن مل يكن أمجعهم ،عىل أن ظـاهرة التصـحر حتـدث يف
األرايض اجلافة ،والتي يمكن حتديدها بموجب حدود التصنيفات املناخية (الشكل
،)7 - 1حيث تشكل مساحتها أكثر من ثلث مساحة اليابس العاملي.
140
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
لعوامل متعددة مثل التغريات املناخية والنشاطات البرشية" .ويدلل التعريـف عـىل
واحدة من املشكالت التي تنطوي عليها قضـية التصـحر ،أال وهـي :أن املصـطل
بذاته يشمل أشكاالً خمتلفة عديدة من تدهور األرض.
إن األرايض اجلافة ،بحسب التعريف املذكور ،إنام هي مناطق تعاين من ش
يف توفر املياه عىل مدار السنة ،غري أن التساقط عىل األرايض اجلافة يتسم بتباين كبري
عىل املستوى الزماين واملكاين .إذ ال هتطل األمطار عاد ًة إال يف مناسبات قليلة وعىل
نطاق مكاين ضيق ،نظر ًا ألن أكثرها حيدث بفعل تيارات احلمل .وفض ً
ال عن هذا
التباين السنوي ،فإن التغريات عىل املدى األبعد ،كموجات اجلفاف مثالً ،إنام حتدث
عىل فرتات متتد لعرشات السنني .ويتناغم الوضع البيئي لألرايض اجلافة مع هذا
التباين يف مقدار الرطوبة املتاحة وهلذا يتصف هذه الوضع برسعة تغريه وتكيفه.
من الناحية العملية ،فإن مـن الصـعوبة بمكـان التمييـز يف امليـدان مـا بـني
عوامل التصحر النامجة من األفعال البرشية عن تلك النامجة من التغـريات الطبيعيـة
احلاصلة يف كمية الرطوبة .ومن األمثلة اجليدة عىل ذلك هـو االرتفـاع امللحـوظ يف
مقدار ضياع الرتبة نتيجة التعرية الرياحية الذي أصاب بعض أجزاء إقليم السـاحل
اإلفريقي ( The Sahelنطاق رشيطي يقع عىل امتداد جنوب الصحراء الكـربى مـن
ســاحل غــرب إفريقيــا إىل رشقهــا) خــالل
سبعينيات وثامنينيات القرن املايض بحسـب مـا
أظهره العدد السنوي أليام العواصف الغبارية.
ففي نواكشوط عاصمة موريتانيـا ،كـان معـدل
العواصف الغبارية يقل عن عرشة أيام يف السنة
خالل عقد السـتينيات ،لكنـه أزداد يف أواسـط
الثامنينيات إىل حوايل 80يوم ًا يف السنة .ويمكن
يعد إقليم الساحل اإلفريقي..
أكثر مناطق العالم معانا ًة من التصحر تعليل هذه الزيادة يف ضياع الرتبـة إىل كـل مـن
141
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
اجلفاف ،الذي رضب املنطقـة إبـان عقـدي السـبعينيات والثامنينيـات ،وإىل أفعـال
اإلنسان أيض ًا ،غري أنه من الصعب حتديـد مقـدار مسـامهة كـل واحـد مـن هـذين
العاملني بالضبط.
الرعي الجائر
لقد كان اجلور يف استخدام املراعي الطبيعية ،الذي يأيت من السامح ألعداد كبرية من
احليوانات أو ألنواع غري مناسبة منها بالتهام املرعى ،سبب ًا للتدهور يف أكثـر املنـاطق
املتصحرة عىل النطاق العاملي طبق ًا لتقديرات برنامج األمم املتحـدة للبيئـة .UNEP
فمن بني 3592مليون هكتار قدرت يف العام 1992كوهنا تعاين من التصحر ،فـأن
142
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ما ال يقل عن 2576مليون هكتار ،أي حوايل ،%72مـن تلـك األرايض تتعـرض
لتدهور يف غطائها النبايت .ويمكن أن يسفر الرعي اجلائر عىل حدّ سـواء عـن إزالـة
فعلية للكتلة األحيائية جراء رعي احليوانات فض ً
ال عن أثار أخرى تنتج عن املاشـية
كسحق الرتبة والتسبب يف انضغاطها .ومن العواقب الشـائعة النامجـة عـن الرعـي
اجلائر هي تناقص الغطاء النبايت ،مما يفضــي إىل زيـادة يف معـدل التعريـة املائيـة أو
الرياحية.
ثمة تأثري شائع أخر عن الرعـي اجلـائر
ذلك هو نمو الشجريات غري املستساغة الطعـم
أو الضارة يف أرايض املرعى .إذ يمكـن للرعـي
الطويل األمد يف مناطق احلشائش شبة اجلافة أن
يقود يف العادة إىل تزايد عدم االنسـجام املكـاين
يعد الرعي الجائر المؤدي إلى تجريد
الغطاء النباتي ..أهم أسباب التصحر والزماين بني املوارد املائية والغذائية وغريها من
موارد الرتبة ،مما يشجع عىل اجتياح النباتات الصحراوية للمنطقـة ،والـذي يـؤدي
بدوره إىل مزيد من تقوقع ملوارد الرتبـة يف ظـل غـزو الشـجريات الضـارة وهكـذا
دواليك .أما يف املساحة اجلرداء التي تتخلل الشجريات ،فإن خصوبة الرتبة تتناقص
فيها بفعل التعرية وبفعل االنبعاثـات الغازيـة .ويـؤدي تعـاظم اجلريـان السـطحي
والتعرية إىل جتريد وتقشري الطبقة السطحية من الرتبة ،وإىل تكوين ما يشـبه سـطوح
صحراوية متحجرة يف املساحات التـي ختلـو مـن الشـجريات ،وكـذلك إىل تكّـون
مسيالت مائية عند هطول األمطار .ويفيض هذا التدهور يف املوارد النباتية بدوره إىل
تناقص عدد املوايش التي يمكن رعيها يف املنطقة.
من الناحية العملية ،فإن أسباب زيادة ضغط الرعي عىل املراعـي الطبيعيـة
أسباب عديدة ومعقدة .ومـن بينهـا املنافسـة عـىل األرض نتيجـة لتوسـع املنـاطق
الزراعية ،مما يدفع بالرعاة إىل زيادة استغالل املراعـي اهلامشـية .ففـي العديـد مـن
143
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
أرجاء إقليم الساحل األفريقي ،كان التوسع يف مساحات زراعة حمصويل السـرغوم
والدخن من العوامل الرئيسة املسـؤولة عـن التنـاقص الكبـري يف مسـاحة املراعـي
الطبيعية .وألن مكانة الرعاة يف نظر العديد من احلكومات املركزية كانـت تضـعهم
عىل هامش املجتمع وأهنم أناس يقبعون يف هناية سلسلة األحداث ،لذا كانـت هـذه
احلكومات تشجع عىل توسيع األرايض املروية اخلاصة بزراعـة املحاصـيل النقديـة
التي حلت حمل الزراعة املعيشية املعتمدة عىل األمطار حيث جتـاوز املزارعـون عـىل
أرايض املراعي التقليدية ،ما أضطر معه الرعاة إىل اللجوء إىل مراعي أصغر مساحة.
وتتمثل هذه احلالة يف جنويب الصومال بشكل خاص ،إذ أدى توسع الزراعة املرويـة
بمحاذاة هنري جوبا وشبايل إىل قيام املزارعني الصغار بإزالـة مسـاحات كبـرية مـن
أرايض األحراش ملصلحة الزراعة .وبالنسـبة للرعـاة البـدو ،تعـد منطقـة السـفانا
والوديان النهرية بحد ذاهتا أرايض رعي مهمة خـالل فصـل اجلفـاف .وأدى أيضـ ًا
اشتداد ضغوط الرعي ضمن مساحات صغرية إىل توطن بعض اجلامعات البدويـة،
وهو اجتاه شجعته السياسات احلكومية يف سبعينيات القرن املايض ،وقد شـهد هـذا
االجتاه تسارع ًا يف اآلونة األخرية بفعل موجـات اجلفـاف .والزال التـوطني الـذي
ترعاه احلكومات جيري عىل قدم وساق يف العديد من البلدان األفريقية األخرى ويف
غريها من األماكن.
من األسباب األخرى املساعدة عىل الرعي اجلائر هـو حفـر أبـار ارتوازيـة
لتوفري إمدادات مائية جديدة مضمونة ،الذي إىل ازدياد ضغوطات الرعي يف معظـم
أقاليم التصحر ،السيام يف إقليم الساحل ويف صحراء كاهلاري Kalahariيف بتسوانا،
حيث ازداد عدد رؤوس املاشية وموارد الرعي املتيرسة للفرتة بـني 1965و 1976
بمقدار حوايل الضعفني والنصف .ففي بعض أنحـاء العـامل ،يعـد تـدهور األرايض
عــىل أنــه نتيجــة حلصــول تغــري يف طريقــة اســتغالل املرعــى :إذ حتــول احلــال مــن
اسرتاتيجية مرنة كان ينتهجها الرعـاة البـدو التقليـديون بحسـب التغـري الطبيعـي
144
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
بمحيط 100 - 50مرت ًا ناجتة عن رعي املاشية فوقها وتعرضها للسـحق بأقـدامها،
إذ تعد من املظاهر الواضحة بجوار العديد من اآلبار املائية يف املراعي .عىل أن مثـل
تلك املناطق تتصف أيض ًا بارتفاع مستويات العنارص الغذائية قياس ًا بام جياورها مـن
مناطق وذلك بفضل ما يلقى فيها بشكل منتظم من روث احليوانات وبوهلا ،التي قد
تعمل عىل معادلة أي تأثريات سلبية تنتج عن فقـدان الرتبـة بفعـل التعريـة .وربـام
يمكن عدّ هذه البقاع املجدبة عىل أهنا مناطق يتعادل فيها فقدان املورد النبايت بفوائد
وجود متوين مائي مضمون .أما املناطق التي تقع ما بعد البقاع املجدبة هذه ،فيمكن
عدّ ها مناطق متصحرة من جراء التعدي عىل ما موجود فيها من نباتات .ويعتقـد أن
وجود املاشية بكثافة كبرية يشجع عىل غزو املرعى باألحراش والنباتات الشوكية كام
ذكرنا ذلك آنف ًا .ومع أن األبقـار سـوف ترعـى عـىل األحـراش مـثلام ترعـى عـىل
العشب ،فإهنا متيل إىل جتنب بعض األنواع النباتية املحتويـة عـىل أشـواك ،ولـذلك
يصب هذا النوع من النباتات هو السائد يف املنطقة بمرور الـزمن .ويسـبب وجـود
غطاء كثيف من األحراش الشوكية إعاقـة نمـو احلشـائش واألعشـاب املستسـاغة
145
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ويمنع األبقار من الـدخول إىل األدغـال .وقـد أدى هـذا النـوع مـن التعـدي عـىل
النباتات إىل حصول تناقص كبـري يف مسـاحة املراعـي الطبيعيـة اجليـدة النوعيـة يف
بتسوانا بصورة خاصة.
الزراعة املفرطة
تتنوع مظاهر الزراعة املفرطة ،فبعضها ينتج من
اإلكثار يف زراعة األرض ،ممـا يمكـن أن يسـفر
عن قصـر فـرتات إراحـة األرض ،ويـؤدي إىل
اســتنفاذ خصــوبتها وأخــري ًا تــدين إنتاجيتهــا.
وبعضها األخر ينـتج مـن االسـتخدام املفـرط
تؤدي األفراط في الزراعة إلى مشكالت
عدة للتربة ومن ثم إلى تصحرها للرتبــة ،فيــؤدي إىل تعريتهــا بواســطة الريــاح
واملياه ،وهي نتيجة تنشأ من ضعف بناء الرتبة وقلة الغطاء النبايت .ويمكن أيضـ ًا أن
تؤدي الزراعة األحادية إىل حدوث كل هـذه األشـكال مـن تـدهور الرتبـة ،مـثلام
أظهرت ذلك البيانات املستحصلة من مراقبة دامت 27عام ًا لألرايض الزراعيـة يف
إقليم البمبا Pampaشبه اجلاف يف األرجنتني .فقد ظهر أن زراعـة الـدخن لفـرتات
طويلة قد أرضت بصورة بالغة باخلصائص الفيزيائية والكيميائية للرتبة ،مما أدى إىل
تناقص استقرارية الكتلة اجلافة للرتبة (بمقدار )%10وإىل تنـاقص املـادة العضـوية
للرتبــة ( )%30وتنــاقص جاهزيــة العنــارص الغذائيــة كالفســفور ( ،)%44احلديــد
( )%20والزنك ( .)%90من جهة أخرى يفيض استنفاذ خصوبة الرتبـة إىل اإلكثـار
من استخدام املخصبات واألسمدة بغية املحافظة عىل إنتاجيتها مرتفعة وهذا يعنـي
مزيد ًا من اإلهناك للرتبة ،فيام يعني نقص املـادة العضـوية وعـدم اسـتقرارية الرتبـة
زيادة تعرضها للتعرية.
حتــدث التعريــة أيضـ ًا ،يف أحيــان كثــرية ،بفعــل إدخــال املكننــة الزراعيــة
واستخدامها يف احلقـول الواسـعة لغـرض حرثهـا عميقـ ًا ،ممـا يسـبب مزيـد ًا مـن
146
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
االضطراب لبنية الرتبـة والعمـل عـىل زيـادة تعرضـها لعوامـل التعريـة املختلفـة.
ولوحظت نتائج مماثلة يف املناطق التي شـهدت توسـع ًا يف الزراعـة لتشـمل منـاطق
جديدة تقع عىل هامش االستخدام الزراعي لكوهنا أكثر عرضـة للجفـاف ،أو أهنـا
عبارة عن منحدرات شديدة تكون أكثر عرضة للتعرية .ويف مجيع األحوال ،تكـون
النتيجة النهائية هي ضعف اإلنبات فوق الرتبة وهجرها وحتوهلـا إىل ظـروف أشـبه
بالرتبة الصحراوية ،األمر الذي يزيد من رقعة التصحر بشكل من األشكال.
147
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إلزالة كاملة تقريب ًا يف العديد من أنحاء إقليم الساحل .ويعد التوسع الزراعي سـبب ًا
رئيس ًا لتحطيب الغابات يف بوركينا فاسو ،إذ يقدر أن 50.000هكتار ًا من الغابات
كان يتعرض لإلزالة كل سنة منذ مطلع ثامنينيات القرن املايض .وباملثل ،فقد حلـت
الزراعة حمل مساحات واسعة من أشجار السفانا عىل مدى الفرتة املمتدة من 1957
إىل 1987بدء ًا من منطقة نارا Naraعىل احلـدود املاليـة ـ املوريتانيـة ،إذ تضـاعفت
املساحة الزراعية فعلي ًا خالل تلك الفرتة.
إن االستغالل املفرط للغابات لألغراض املنزلية (وبخاصة ألغراض
حطب الوقود وصنع الفحم) مل ِ
يؤد يف العادة إىل اإلزالة الكاملة لكل ما موجود من
غطاء نبايت ،لكنه يمثل استغالالً للغطاء النبايت لدرجة تفوق قدرته الطبيعية عىل
جتديد نفسه ،مما يسفر عن حصول تدهور يف الغطاء النبايت من جراء ذلك.
يف باكستان ،فأن األشجار القليلة املتبقية من الغابات الشوكية املدارية التـي
كانت تكسو يوم ًا ما سهول البنجاب ،والتي أزيلت بالدرجة األساس لتحويلهـا إىل
أرايض زراعية مروية ،تتعرض اليوم إىل ضغط متواصـل السـتخدامها منـذ عهـد
طويل كمصدر حلطب الوقود .وقد تسبب مجع احلطـب حـول العديـد مـن املراكـز
احلرضية يف اهلند بحصـول انكـامش كبـري يف مسـاحة الغابـات الواقعـة يف منـاطق
الضواحي إبان العقود األخرية ،حيث يضطر الفقراء يف املدن إىل استخدام احلطـب
بشكل متزايد بسبب ارتفـاع أسـعار الـنفط األبـيض والفحـم .وأظهـرت إحـدى
الدراسات التي أجريت عن املدن اهلندية الكربى ،باستخدام الصـور الفضـائية ،أن
أكثر من نصف الغطاء الغايب املغلق ضمن شعاع 100كم حول العديـد مـن مـدن
األرايض اجلافة قد أزيل يف السنوات العرش األخرية.
لقد عدت املشكالت البيئية النامجة عن مجع حطب الوقود ،يف سبعينيات
وثامنينيات القرن املايض ،من املشكالت اخلطرية يف إقليم الساحل اإلفريقي لدرجة
خيش معها من حدوث "أزمة حطب" .وترى التقارير الدولية أن احلطب إذا ما تم
148
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التعامل معه بطريقة مستدامة يمكن أن يدعم حوايل ثلثي عدد سكان إقليم
الساحل.
عىل الرغم مـن أن أزمـة احلطـب التـي
كان يتوقع حصوهلا يف إقليم السـاحل مل حتصـل
عىل النطاق الذي كان خيشى أن تقـع فيـه ،فقـد
شهدت بعض املنـاطق تـدهور ًا بيئيـ ًا .إذ يرتكـز
معظم هذا الشكل من أشـكال التصـحر حـول
إن جمع الحطب في المناطق الجافة..
سبب من مجوعة أسباب تؤدي إلى التصحر املناطق احلرضية التي شهدت توسع ًا رسيع ًا منذ
أواخر الستينيات بسبب اهلجرة الريفية الناجتة عن تداعيات اجلفـاف .وقـد أفـادت
التقارير الواردة من العديد من مدن إقليم السـاحل كـاخلرطوم وداكـار وأغوداكـو
ونيامي بتعرض املناطق املنكوبة إىل تعرية شديدة.
مشكلة امللوحة
تعـد امللوحـة مـن أكثـر مظـاهر تـدهور الرتبـة
شيوع ًا التي تواجه املناطق ذات املنـاخ اجلـاف،
مع أهنا حتدث أيض ًا يف البيئات األكثر رطوبة .إذ
تنتشـر الـرتب املتـأثرة بامللوحـة طبيعيـ ًا ،أو مـا
يعرف بالرتب امللحيـة "األصـلية" ،يف املنـاطق
يعني تملح األراضي ..تصحرها بوجه أخر
اجلافة ألن معـدل التبخـر الكـامن للميـاه مـن
الرتبة يتعدى الوارد من املاء بصورة أمطار ،األمر الـذي يسـم لألمـالح بـالرتاكم
قرب السط عند جفاف الرتبة .وبينام تتواجد هذه الرتب املتأثرة بـاألمالح طبيعيـ ًا
بشكل واسع يف ظل ظروف طبيعية ،فأن مشكالت امللوحة تثـري قلقـ ًا خاصـ ًا لـدى
املزارعني وذلك حينام تصب الرتبة التي كانت منتجة يوم ًا ما متملحة نتيجة ضـعف
إدارة األرايض ،وهو ما يسمى بامللوحة "الثانوية" .وحتتـل الرتبـة املتـأثرة بامللوحـة
149
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الثانوية ،أو الرتب املتملحة بفعل اإلنسان ،مساحة أصغر ممـا حتتلـه الـرتب امللحيـة
األصلية ،عىل أن امللوحة الثانوية متثل مشكلة أكثـر خطـورة بالنسـبة للمجتمعـات
البرشية وذلك ألهنا تؤثر بالدرجة األساس عـىل إنتـاج املحاصـيل الزراعيـة .إذ أن
حتمل لألمالح قليلة قياس ًا بالنباتات الربية التـي
للمحاصيل الزراعية الرئيسة قابلية ّ
حتمل عالية (املحبة للملوحة) ،وهلذا تـؤدي امللوحـة إىل حـدوث تنـاقص هلا قابلية ّ
رسيع يف إنتاج املحاصيل .وإزاء ذلك فأن األرض الزراعية ،التي تعدو مورد ًا نـادر ًا
ونفيس ًا يف مناطق األرايض اجلافة ،كثري ًا ما تتعرض للهجران حينام تصب متملحـة،
وذلك بسبب الكلفة املرتفعة جد ًا الالزمة الستصالحها.
إن امللوحة الثانوية حتصل يف ظل جمموعة من الظروف ،لكن أكثرها شيوع ًا
وتبني إحدى التقديرات أن نحو %50مـن جممـل
يقرتن بسوء إدارة مشاريع الريّ .
األرايض املروية يف املناطق اجلافة وشبه اجلافة إنام هـي متـأثرة إىل حـد مـا بامللوحـة
الثانوية .وتشتهر العملية بكوهنا من أهم املشـكالت البيئيـة التـي تعانيهـا الزراعـة
املروية.
يكون تأثري امللوحة عـىل إنتـاج املحاصـيل غـري
مبارش ًا من خالل تأثريها عىل الرتبة ومن خالل تأثريهـا
املبارش عىل النباتات نفسها .إذ يعمل تراكم األمالح عىل
تقليل املسافات بني مسامات الرتبـة ويقلـل مـن قابليـة
الرتبــة عــىل االحتفــاظ بــاهلواء وبالرطوبــة وبالعنــارص
الغذائية ،مما يسفر عـن حصـول تـدهور يف بنيـة الرتبـة
وتدين يف صـالحيتها كوسـط مناسـب لنمـو النباتـات.
التربة المتملحة ..تقتل النبات
فتكون سبب ًا أخر للتصحر
وتعمل امللوحة أيض ًا عىل القضاء بشكل مبارش عىل نمـو
النباتات ،وذلك بسبب أوالً ّ
سمية األمـالح بالنسـبة للنباتـات ،خاصـة يف مرحلـة
اإلنبات ،وثاني ًا من خالل تأثريها عىل الضغط التنافذي .إذ أن مالمسة حملول الرتبة
150
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املحتوي عىل كميات كبرية من األمالح الذائبة خلليـة النبتـة تسـبب انكـامش بطانـة
اخللية من جراء احلركة التنافذية للامء من اخلليـة إىل حملـول الرتبـة األكثـر تركيـز ًا.
ونتيجة لذلك تنهار اخللية ويموت النبات.
تؤدي امللوحة أيض ًا إىل مجلة من األخطار اجلانبية .إذ غالب ًا ما يعمـل البـزل
من املناطق املتملحة عىل زيادة تركيز األمالح يف اجلداول واألهنار واألرايض الرطبة
مما يؤثر سلب ًا عىل احلياة النباتية يف املياه العذبة ،كام يسفر ذلك يف بعض احلاالت عن
خسارة يف التنوع األحيائي .وقد تصب امليـاه اجلوفيـة التـي تصـاب بـالتمل غـري
صاحلة لالستعامالت البرشية (كمياه الشــرب مـثالً) ،يف حـني قـد يسـبب ارتفـاع
األمالح بفعل اخلاصية الشعرية من مثل هذه املياه اجلوفية "الضـارة" إىل أساسـات
املباين وإىل غريها من املنشآت بإحلاق أرضار بالغة بمواد البناء وذلك بفعل التجويـة
امللحية.
إن ســوء إدارة مشــاريع الــري ليســت
السبب البشـري الوحيد ملشـكالت امللوحـة يف
بيئــات األرايض اجلافــة .إذ يمكــن أن حيــدث
ارتفاع ملنسوب املياه اجلوفية حـني جيـري إزالـة
الغطاء النبايت الطبيعي وحتويله إىل مرعى طبيعي
في صحراء تاكالماكان الصينية..
يجري العمل حثيث ًا لزراعتها بأشجار األثل أو زراعته بمحصول ال حيتاج إىل كميات كبـرية
لمكافحة تصحر وتملح المناطق المجاورة لها
مــن املــاء .وتعمــل قلــة التبخــر والنــت مــن
املحاصيل الزراعية ومن املراعي قياس ًا بنباتات املنطقة األصلية ذات اجلذور العميقة
عىل زيادة كمية املياه التي تغور يف الرتبة وصوالً إىل مكامن املياه الباطنية .فقـد أدى
إزالة أشجار اليوكالبتوس األصلية من مساحات واسعة يف اجلنوب الغـريب لواليـة
أسرتاليا الغربية إىل ارتفاع املياه اجلوفية املاحلة نتيجة لذلك ،فسبب مشـكلة "النزيـز
امللحي" .ومن املمكن أيض ًا إجياد حلول ملثل هذه املشكالت النامجـة عـن امللوحـة.
151
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
فاألمالح يمكن أن ترتش عن مقد الرتبة باستخدام أمـا البـزل شـبه السـطحي أو
اآلبار املعقودة بالقرميد أو اآلبار األنبوبية الرأسية أو بزراعة النباتات التـي تتحمـل
امللوحة .فقد أدت زراعة أشجار األثل Tamarixذي اجلذور العميقـة يف األطـراف
اجلنوبية من صحراء تاكالماكان Taklimakanيف الصني إىل احلـد مـن تغـدق امليـاه
ال عن توفري مصدر جديد حلطب الوقود للقرويني املحليني.وامللوحة فض ً
أسباب أخرى
ثمة جمموعة أخرى من األسباب املتداخلة تسـاعد عـىل تفـاقم ظـاهرة التصـحر يف
جهات واسعة من املناطق اجلافـة يف العـامل .وقـد تكـون معظـم هـذه األسـباب أو
العوامل ذات نطاق عاملي وتأثريها واسع النطاق.
إن التغريات التي تطرأ عىل درجة انعكاس اإلشعاع الشــميس (االلبيـدو)
فوق مساحات واسعة من جراء تقلص الغطـاء النبـايت ،سـواء أكـان ذلـك بسـبب
اجلفاف أو بسبب الرعي اجلائر ،قد يكون هلا أثر ًا سلبي ًا يف كمية األمطـار .إذ يـؤدي
فقدان الغطاء النبايت إىل انعكاس أرسع لألشعة الشمسية ،مما يسفر عن تـربد سـط
األرض ،األمر الذي يقلل بدوره من نشاط تيارات احلمل ومـن ثـم قلـة األمطـار.
وتؤدي كمية األمطار القليلة بدورها إىل قلة الغطاء النبايت ،وهكـذا دواليـك .وعـدّ
بعض الباحثني هذه األسباب بمثابة تفسري لطول فرتات اجلفاف التي يشهدها إقليم
الساحل منذ أواخر ستينيات القرن املايض.
من املرج أيض ًا أن يتولـد عـن
تكوين كميات كبرية من الغبـار اجلـوي
الناشت من تدهور تربة األرايض اجلافـة
تداعيات عىل العمليات اجلوية ،املتمثلـة
بتشــكيل الغيــوم وهط ـول األمطــار .إذ
تعد العواصف الغبارية في األراضي الجافة ..سبب ًا محتم ً
ال
النحباس األمطار ومن ثم تزايد رقعة التصحر يمكن أن نجد ملثل هذه التعرية الرياحية
152
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
أسباب ًا ترجع أصوهلا إىل بعض العمليات الطبيعية كاجلفاف مـثالً ،أو أسـباب ًا ترجـع
أصوهلا مرة أخرى لنشاطات برشية كالرعي اجلـائر والزراعـة املكثفـة .فـالقطرات
املائية املكونة للسحب تأخذ بالتشكل عـىل جزيئـات صـغرية كالغبـار ،لكـن كثـرة
دقائق الغبار قد متنع حدوث التساقط وذلك ألهنا جتعل من القطرات صغرية وليس
كبرية بام يكفي هلطوهلا بشكل مطر .وثمة عامل أخر يؤثر يف عـدم هطـول األمطـار
ذلك هو التغريات التي تطرأ عىل نشاط تيارات احلمل ،إذ يـؤدي وجـود الغبـار إىل
تغيري يف املنحدرات احلرارية يف الغالف اجلوي.
عىل الرغم من ذلك ،فإن مثل هذه التغريات البيئية النامجة عـن البشــر قـد
يكون هلا جذور تارخيية موغلة يف القدم .إذ ترى إحـدى النظريـات حـول انحسـار
هطول األمطار املوسمية يف وسط أسرتاليا يف عرص اهلولوسني بأن اإلنسـان القـديم
عمل عىل إحداث تغيريات هامة ملعامل املنطقة وذلك عرب إشـعال احلرائـق .وتقـرتح
النظرية أن عمليات اإلحراق املنتظمة عملت عىل تغيري وجه املناطق شبه اجلافـة بـام
تزخر به من أنواع نباتية (أشـجار ،شـجريات ،حشـائش) وحتويلهـا إىل مظهـر مـن
مظاهر الصحاري احلديثة ،ومن ثم إضعاف العوامل األحيائية التي تسـهم بإضـافة
كميات من الرطوبة إىل الغالف اجلوي ،وهو ما قد يؤدي إىل حدوث تصحر طويل
األجل يف عموم القارة.
153
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
154
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل الثامن
ُ
مشكلة التغير املناخي
ال مستفيض ًا ملشكلة التغري املناخي ،بوصفها أهم املشكالت
سيقدم هذا الفصل حتلي ً
البيئية التي تشغل يف الوقت احلارض الوسط العلمي والرأي العام عىل حدّ سواء.
وسيتم هنا بحث املوضوع من ثالث زاويا :األوىل تناقش أثر البرش يف الغالف
اجلوي ،والثانية توض مفهوم غازات الدفيئة وظاهرة االحتباس احلراري ،والثالثة
تستعرض األثار البيئية النامجة عن هذه الظاهرة.
155
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إن النشاطات البرشية تؤثر سلبي ًا يف الغالف اجلوي بطرق عدة ،وغالب ًا ما
يكون هلا تداعيات حمتملة عىل النظم املناخية (اجلدول .)8 - 1فاملدخالت املبارشة
والطاقة Aerosols املتمثلة بالغازات واجلسيامت الصغرية املسامة اهلباء اجلوي
احلرارية يمكنها كلها التأثري يف عمل املناخ عىل مقاييس خمتلفة .إذ يكون انبعاثات
اهلباء اجلوي واحلرارة مسؤولني عن نشوء اجلزر احلرارية املحلية املحيطة باملناطق
احلرضية ،وكذلك عن تكوين الضباب الدخاين ،وزيادة هبوب العواصف الغبارية،
السيام من املناطق الزراعية الواقعة يف األقاليم اجلافة ،وتكون مسؤولة أيض ًا عن
التأثري يف خصائص اإلشعاع الشميس الواصل إىل الغالف اجلوي ،األمر الذي
يمكن أن يؤدي إىل تناقص هطول األمطار حملي ًا .لكن ،عىل النطاق األوسع ،يعتقد
أن االنبعاثات الغازية هي السبب يف زيادة تأثري مفعول الدفيئة ويف تآكل طبقة
األوزون يف أعايل طبقات الغالف اجلوي .وعىل العموم ،يمكن إمجال أهم
التأثريات البرشية عىل الغالف اجلوي بالنحو اآليت:
اجلدول ( :)8 -1األثار املحتملة لتغري املناخ بفعل النشاطات البرشية.
التأثير في المدخال ت الووـــة الماشرر
االناعاثاغ ال ازية (ثاين أكسيد الكرب نة اييثانة الكل شفل شكرب نة أكسيد
النرت ج ة الكرايار نة خباش اياءة ال ازاغ الن شو)
ا ااء اجل ي
الرل ث احلراشي
التغيرا ت في سطوح اليشبسة
الر ري يف اإل،عاع الشمسا اينعكس (حت يب ال اباغة الرش رية الرلا
اجلائرة تراكم ال ااش ف ال اءاغ اجلليدية)
الر ري يف ل شو األشض (حت يب ال اباغة الرش رية الرح ر)
الر اا يف الري
خ اناغ ايياه
التغيرا ت في المحيطش ت
الر رياغ اجلاشية بفعل ،ق ايمراغ ايالحية
الر رياغ بفعل ت يري جماشي ايياه العذبة ص ب احملي اغ
156
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
157
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
158
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مسطحات مائية شاسعة خلف السدود ،يعمل كليهام عىل تغيري قابليـة رد اإلشـعاع
الشميس املنعكس عىل النطاق املحيل ،وكذلك عىل زيادة معدالت التبخـر والنـت .
فتحويل استعامل األرض إىل نمط الزراعة املروية ،الذي يعمل عـىل تعـديل توزيـع
الرطوبة يف املنطقة اجلذرية ،يؤثر يف موازنة الطاقة يف سط الرتبة .ويمكن أن يكون
لذلك تأثريات ملحوظة عىل درجة احلرارة املحلية يف املناطق التي تتبع نظـام الـري
عىل نطاق واسع .ففي بعض املناطق من السهول األمريكية العظمى حيث أن أكثـر
من % 80من استعامل األرض تبدل من نمط الزراعة غري املروية إىل املروية ،خـالل
النصف الثاين من القرن العرشين ،انخفضت معدالت درجة احلرارة خالل موسـم
النمو إىل ما يزيد عن درجتني مئويتني عام كانت عليـه سـابق ًا .هـذا وأن للتوسـع يف
الزراعة املرويـة آثـار واسـعة النطـاق أيضـ ًا .إذ
يعتقد أن الزيادة يف مقـدار اإلشـعاع الشــميس
املنعكس من املنطقة التي كان يشغلها سابق ًا بحر
األورال ،قد أسـهمت يف زيـادة درجـة القاريـة
وتغري املنـاخ ،متمثلـة هببـوط الرطوبـة النسـبية
أدى تجفيف بحر األورال ..إلى
تغير المناخ اإلقليمي لدول أسيا الوسطى وارتفاع درجـات احلـرارة والتغـري يف موسـمية
الصقيع وزيادة عدد أيام اجلفاف بمقدار ثالثة أضعاف.
4ـ تغيري نسبة ملوحة املحيطات:
يمكن للمؤثرات البرشية اجلاريـة عـىل الطبيعـة
وعىل نظام املحيطات إحداث تغيـريات يف نمـط
املناخ املحيل .فالتغريات التي تطرأ عـىل ملوحـة
مياه السواحل نتيجة لتحوير النظم النهرية مثالً،
حينما تزداد ملوحة البحار ..فأنها تفضي
إنــام تعمــل تغيــري قابليــة امليــاه البحريــة عــىل
إلى تغيير قابليتها على امتصاص الحرارة
ومن ثم تغير المناخ امتصاص احلرارة.
159
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
160
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الكربون إىل اجلو .وتشري البيانات العلمية املأخوذة من عينات لب اجلليد ملـدة تزيـد
عن 400.000سنة خلت ،إىل أن الزيادة يف نسبة غاز ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو
قد رافقها ارتفاع متزامن يف درجة حرارة جو األرض بشـكل يكـاد يكـون متطابقـ ًا
متام ًا (الشكل .)8 – 1ولذا يستدل العلامء من هذا االرتباط الوثيق عىل اعتبار ثنائي
أكسيد الكربون املتسبب الرئيس يف احرتار األرض.
الشكل ( :)8 - 1التطابق يف مستويات غاز ثنائي أكسيد الكربون ودرجة حرارة جو األرض.
161
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
% 17منذ قيام الثورة الصناعية ،حيث ينجم بالدرجة األساس من صناعة األسمدة
الكياموية ومن الوقود االحفوري ومن حرق الغابات وبقايا املحاصيل املتفسخة.
ال عن ذلك ،تعد غازات هكسافلوريد الكربيت ()SF6 فض ً
والبريفلوروكربون ( )PFCSوهيدروفلوريد كربون ( )HFCSغازات دفيئة تنجم
حرصي ًا عن األنشطة البرشية .وال عجب أن نجد أن انبعاثات هذه الغازات آخذ يف
االرتفاع أيض ًا .فغاز هيدروفلوريد الكربون يستخدم كامدة مساعدة إلنتاج غاز
الكلورفلوروكربون ( ،)CFCSالذي تم منع استخدامه بسبب انبعاثاته من أنظمة
التربيد ويمثل وجوده أينام كان دمار ًا لطبقة األوزون .كام يعد غاز
غازي
ّ الكلورفلوركربون هذا من غازات الدفيئة البالغة التأثري .فيام يتحرر
البريفلوروكربون وهكسافلوريد الكربيت إىل اجلو من جراء بعض الفعاليات
الصناعية كصهر األملونيوم وتصنيع املوصالت الكهربائية ،إضافة إىل انبعاثهام من
حمطات توليد الكهرباء التي تنري مدننا.
هذا وتعد الواليات املتحدة األمريكية من أكـرب مصـادر هـذه االنبعاثـات
الصناعية ،إذ تسهم لوحدها بقرابة %30.3من هذه االنبعاثات .فيام تأيت أوربا ثانيـ ًا
بنحو ،%27.7ثم روسيا بحوايل ،%13.7وتسهم دول جنوب رشقي أسـيا واهلنـد
والصني جمتمعـة بحـوايل ،%12.2ثـم تليهـا أمريكـا اجلنوبيـة واليابـان والشــرق
األوسط وأفريقيا وكنـدا وأسـرتاليا بمسـامهات قـدرها %3.8و %3.7و %2.6و
%2.5و %2.3و %1.1عىل التوايل .ويف اآلونة األخرية أصبحت معظم املسامهات
بغاز ثنائي أكسيد الكربون يف املناطق املدارية تأيت من جراء حتطيب الغابات.
162
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
هو الزيادة امللحوظة يف كمية غاز ثنائي أكسيد الكربون ،وهو من أهم غازات ما
يسمى بغازات الدفيئة مثلام ذكر سابق ًا.
يقوم املبدأ األسايس لظاهرة االحتباس احلراري Global warmingعىل ما
.Greenhouseوحتدث هذه effect يعرف بمفعول الدفيئة (الصوبة احلرارية)
يوضحها الشكل ( )8 – 2عىل النحو اآليت:
الظاهرة مثلام ّ
تدخل الطاقة الشمسية إىل الغالف اجلوي يف شكل موجات قصرية .ويقوم
جزء من تلك الطاقة بتسخني األرض ومن ثم يرتد راجع ًا إىل الفضاء اخلارجي مرة
أخرى يف شكل موجات حتت احلمراء.
ويف الظروف االعتيادية ،يقوم الغالف اجلوي طبيعي ًا باحتجاز جزء من
األشعة حتت احلمراء اخلارجة ،ويعد ذلك أمر ًا حسن ًا ،ألنه حيافظ عىل درجة احلرارة
فوق األرض يف حدود مرحية .ففي كوكب الزهرة تتسم غازات الدفيئة هناك
بسامكتها الكبرية لدرجة تكون فيه درجات احلرارة مرتفعة جد ًا بالنسبة للبرش .فيام
163
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يكاد كوكب املريخ أن خيلو من أي وجود لغازات الدفيئة فوقه ،ولذا تكون درجة
احلرارة منخفضة جد ًا هناك .وهذا ما يفرس سبب وصف األرض أحيان ًا بكوهنا
"الكوكب املتوازن" ،ذلك أن درجات احلرارة فوقه تكون مناسبة جد ًا للحياة.
املشكلة التي نواجها اآلن هي أن هذه الطبقة الرقيقة من الغالف اجلوي قد
أخذ سمكها يزداد بفعل الكميات الكبرية التي يتسبب هبا البرش يف طرح ثنائي
أكسيد الكربون وغريه من غازات الدفيئة .وكلام أزداد ذلك الغالف سمك ًا ،كلام
عمل عىل حبس قدر ًا أعظم من األشعة حتت احلمراء التي سوف لن جتد هلا طريق ًا
للخروج إىل الفضاء .ونتيجة لذلك ،سيزداد ارتفاع درجة حرارة الغالف اجلوي
لألرض ،وكذلك درجة حرارة املحيطات عىل نحو ينذر بخطر كبري .وهذا هو ما
نعنيه بظاهرة االحتباس احلراري.
إن األدلة التي تم مجعها من مؤرشات شتى ،تشـري إىل أن القـرن العرشيــن
كان األدىف من بني قرون األلفية املاضية .وأن التغـريات التـي طـرأت عـىل معـدل
درجة حرارة العامل التي تم رصدها منذ منتصف القرن التاسع عرش إنام تدلل ،مـثلام
يظهر يف الشكل ( ،)8 - 3عىل أن كوكب األرض قد ارتفعت درجة حرارته إمجـاالً
بنحو 0.74درجة مئوية عىل مدى املائة سنة املنرصمة ــ أي ما بني العـامني 1906
و .2005وعىل الرغم من احتاملية أن يكون هذا االجتاه احلـراري املتصـاعد دلـي ً
ال
عىل هناية العرص اجلليدي الصغري ،فأن معظم الباحثني يرون عدم أرجحية أن يمثـل
ذلك االجتاه حالة طبيعية يف واقع احلال .فهو قد يكون انعكاس ًا لتأثري مفعول الدفيئة
الناجم عن النشاطات البرشية امللوثة للغـالف اجلـوي بشـكل أو أخـر .ويف تقريـر
اهليئة الدولية للتغريات املناخية IPCCلعام ،2007تم اإلقرار أن "ألفعال اإلنسان
دور واض يف حدوث االحتباس احلراري".
164
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
165
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الربية وعىل املنشآت واملرافق البرشية عموم ًا .ومن املحتمل حدوث تغريات مـؤثرة
حول الدائرة القطبية الشاملية إىل الشامل من كندا .فثمة احتامل قوي بتاليش الغطـاء
اجلليدي للمحيط املتجمد الشاميل ،األمر الذي قد يسهل النقل البحـري واسـتغالل
النفط والغاز من جهة ،ولكن أيض ًا قد يزيد املخاطر املتأتية من اجلبال اجلليديـة مـن
جهة أخرى .والواقع ،أن معـدل الـتقلص يف جليـد املحـيط املتجمـد الشـاميل منـذ
اخلمسينيات كان أرسع من املتوقع ،إذ يصل املعدل إىل نحو %8لكل عرش سـنوات
خالل شهر أيلول الذي يمثل هناية فصل الذوبان ،وذلك للمدة 1953ــ .2006
إن الختفاء اجلليد البحري تداعيات مهمة نظر ًا ألن اجلليد إنام يعد عاكسـ ًا
كبري ًا لإلشعاع الشميس ،وبفضل ذلك ترتد نسـبة كبـرية مـن اإلشـعاع إىل الفضـاء
اخلارجي ويزداد عامل التربيد .أما املساحات املعتمة مـن امليـاه املفتوحـة ،اآلخـذة
بالتوسع نتيجة لذوبان اجلليد ،فإهنا متتص كميات أكرب من اإلشعاع الشميس فرتتفع
بذلك درجة احلرارة .وتسهم هذه العملية يف حصول مزيد مـن الضـياع للجليـد..
وهكذا دواليك.
2ـ ذوبان القارة القطبية اجلنوبية والثالجات اجلبلية:
لقــد تــم رصــد تــأثر مســاحات واســعة مــن
الغطاءات اجلليدية للقارة القطبية اجلنوبية منـذ
أربعينيات القرن املايض بفعل ارتفـاع درجـات
حرارة املناخ .إذ كانت حتدث يف منتصف القرن
املايض مواسم شتاء بـاردة يـزداد خالهلـا سـعة
سيمثل ذوبان جليد القارة القطبية الجنوبية
والثالجات الجبلية ..كارثة بيئية ال تحمد عقبها الغطاء اجلليدي يف كل أربع سنوات مـن أصـل
مخس ،لكن هذا الرقم تناقص إىل فقط سـنة أو سـنتني يف كـل مخـس سـنوات منـذ
أواسط السبعينيات .ويؤدي ارتفاع درجات احلـرارة إىل تسـارع ذوبـان الثالجـات
اجلليدية وانحسارها يف القارة القطبية اجلنوبية ويف معظـم بقـاع العـامل .إذ تتعـرض
166
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الثالجات إىل الرتاجع عىل نحو رسيع السيام يف اهلاماليا ،األمـر الـذي يسـبب قلقـ ًا
بالغ ًا بالنسبة للتجهيزات املائية عىل املدى الطويل ملاليني الناس يف كـل مـن الصـني
واهلند والنيبال التي تعتمد أهنارها عىل املياه الذائبـة مـن الثالجـات .وهنـاك أيضـ ًا
دالئل موثقة لتقلص واختفاء ثالجات بأكملها يف أالسكا ويف جبال األنديز بأمريكا
اجلنوبية وجبال األلب بأوروبا وكذلك يف جبل كلمنجارو بأفريقيا.
3ـ تقلص مساحة مناطق الصقيع الدائم:
إن تراجع خط الصقيع الدائم باجتـاه الشـامل لـه
العديــد مــن التــأثريات عــىل الطرقــات واملبــاين
وأنابيــب الــنفط املشــيدة حاليــ ًا فــوق أرايض
الصقيع الدائم وعىل التصاميم اهلندسية وتقنيات
البناء اجلديدة .واألمر اخلطـري الـذي يمكـن أن
لم تعد أراضي الصقيع الدائم نافعة لالستخدام
مثل السابق ..فالتغير المناخي أدي إلى ذوبانها يــنجم عــن ذوبــان الصــقيع الــدائم يف أرايض
العروض العليا ،هو حترر امليثان ،أحد غازات الدفيئة املسـامهة يف زيـادة االحتبـاس
احلراري .فعىل سبيل املثال ،كلام ارتفعت درجة احلرارة كلام طال فصل النمو وحترك
خط الغطاء النبايت صوب الشامل ،ومن املحتمل أن يزيد ذلك من احتجاز الكربـون
وخزنه بفعل عملية الرتكيب الضوئي .وقد سبب ارتفـاع درجـات احلـرارة خـالل
القرن العشــرين بحصـول تقلـص كبـري يف أشـجار الغابـات الشـاملية يف سـيبرييا
وأالسكا وتراجعها صوب الشامل ،مثلام أظهرت ذلك صور األقامر االصطناعية.
4ـ نقص املياه العذبة:
يمكن لتغريات صـغرية نسـبي ًا يف املنـاخ أن تـؤثر يف جاهزيـة امليـاه العذبـة .إذ مـن
املحتمل أن يتسبب ذلك بمشكالت خطرية السيام يف األقاليم اجلافـة وشـبه اجلافـة
ويف املناطق األكثر منها رطوبة ،وذلك أما نتيجة لزيادة الطلب عىل املياه أو لتلوثهـا،
األمر الذي قد يؤدي إىل ندرهتا وشحتها .ويعد حوض البحر املتوسط أحد األمثلـة
167
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
عىل ذلك .إذ شهدت اجلهات الغربية والوسطى من احلوض خالل العقود األخـرية
تناقص ًا ملحوظ ًا يف جمموع األمطار ،كام لوحظ حدوث تغريات واضحة يف موسمية
سقوطها .وأصب هطول األمطار يرتكز يف فرتات أقرص من السنة مـثلام يف جنـوب
الربتغال مثالً ،إذ انخفضت نسبة التساقط السنوي خالل اخلريف وكان ما يسقط يف
الشتاء عىل حساب جمموع املتساقط يف الربيع .وشهدت مناطق جنوب إسبانيا أيض ًا
تراجع ًا يف هطول األمطار الربيعية .أما األجزاء الشاملية الشـرقية مـن الـبالد ،فقـد
سجلت زيادة يف كمية التساقط خالل الشتاء والربيع منذ عرشينات القـرن املـايض،
ال عن حصول زيادة عموم ًا يف عدد األيـام املمطـرة الشـديدة تتخللهـا فـرتات
فض ً
جفاف أطول .وقد كان للتغريات يف توزيـع األمطـار أثـر سـلبي يف جاهزيـة امليـاه
للمحاصيل الزراعية ،األمر الذي أسهم يف زيادة معدل تعرية الرتبة .كام من املتوقـع
أن يكون ملثل هذه التغريات يف موسمية األمطار وشدهتا تأثري يف مواسـم فيضـانات
األهنر .وقد توصلت الدراسات التي أجريت حول عدد من األحـواض النهريـة يف
العامل إىل ارتفاع احتاملية خطورة الفيضانات العارمة خالل القرن العرشين.
5ـ حترر الكربون من الرتبة:
يؤثر االحتباس احلراري أيض ًا يف الرتبة السيام يف
العـــروض الوســـطى .إذ وجـــدت إحـــدى
الدراسات ،التي تفحصت أكثر من 5600عينة
للرتبة يف كل مـن إنكلـرتا وويلـز ،أن املحتـوى
الكربوين قد تناقص بمعدل 13مليـون طـن يف
تحرر الكربون من التربة بفعل التغير المناخي
سيزيد من فعل االحتباس الحراري الســـنة للمـــدة .2003 - 1978ونظـــر ًا ألن
الكربون املخزون يف الرتبة يبدو أنه قد حترر إىل اجلـو بشـكل أو أخـر ،فقـد توصـل
الباحثون إىل أن السبب الرئيس يف ذلك البد أن يرجع إىل التغري املناخي الـذي أدى
إىل ارتفاع درجة احلرارة وزيادة معدل حتلل املادة العضوية ومن ثم حتـرر الكربـون.
168
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
وتعد هذه النتائج مقلقة حق ًا نظر ًا ألن الرتب تقوم مقام "اجللد" الـذي يمـتص أيـة
زيادة يف الكربون اجلوي كلام ازدادت معها مستويات ثنائي أكسيد الكربون يف اجلو،
وهي بذلك تكون أشبه باحلجاب الذي يقي من تأثريات االحتباس احلراري .ولكن
بدالً من ذلك أصبحت الرتبة اآلن تطلق الكربون وتعيده مرة ثانية إىل اجلـو بسـبب
ارتفاع درجات حرارة األرض.
6ـ تدهور املناطق اجلافة:
من املحتمل أن تتأثر املناطق اجلافة وشبه اجلافـة
بشكل خـاص مـن التغـري املنـاخي العـاملي .إذ
ازدادت وتــرية ظــاهرة تغــري املنــاخ يف بعــض
احلاالت بفعل نشاطات اإلنسان املدمرة للغطاء
النبايت ولسط الرتبـة .ويف الوقـت نفسـه ،قـد
ستزداد معاناة المناطق الجافة بفعل
التغير المناخي يـــؤثر التغـــري املنـــاخي عـــىل العمليـــات
اجليموفولوجية يف هذه األقـاليم ،وذلـك بفعـل التـأثري املبـارش الرتفـاع درجـات
احلرارة وما يرتبط هبا من تغريات عىل نظـم التسـاقط ودرجـات احلـرارة والغطـاء
النبايت .فعىل سبيل املثال ،حيـدث يف العديـد مـن املنـاطق شـبه اجلافـة ،تنـاقص يف
رطوبة الرتبة بسبب ازدياد الضائعات من التبخر والنت وتناقص اجلريان السطحي
خالل الصيف وارتفـاع معـدالت تعريـة الرتبـة بفعـل الريـاح .وأظهـرت بعـض
الدراسات التي أجريت يف جنوب أفريقيا ،أنه خـالل القـرن احلـايل سـوف تصـب
معظم الكثبان الرملية يف صحراء كاهلاري Kalahariكثبان ًا متنقلـة ونشـطة احلركـة
نتيجة لتضافر مجلة من العوامل مثل تناقص رطوبة الرتبة وفقدان النبـات الطبيعـي
وتزايد طاقة الرياح.
169
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
170
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
171
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
172
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
هتديدين يواجهان االقتصاد الـوطني يف تلـك الـبالد .إذ يمكـن حصـول احلـالتني
التاليتني:
ارتفاع منسوب البحر بمقدار 30سم ،إذا ازدادت درجة احلرارة بمقدار 2
درجة مئوية.
ارتفاع منسوب البحر بمقدار 100سم ،إذا ازدادت درجة احلرارة بمقـدار
4درجة مئوية.
173
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يف حميطات أخرى ،كشامل املحيط اهلـادي وجنوبـه الغـريب ويف املحـيط اهلنـدي ،إذ
ازدادت بشكل كبري األعاصري املدارية من الفئة الرابعة واخلامسة.
إن الزيادة يف تكرار األعاصـري املداريـة
الشديدة مـا هـو إال مظهـر واحـد مـن مظـاهر
الطقس العنيف التـي شخصـتها اهليئـة الدوليـة
للتغريات املناخيـة وأقـرت أهنـا أخـذت تـزداد
تكرار ًا وعنف ًا ومساح ًة يف العديد من أنحاء العامل
تعد األعاصير المدارية العمالقة ..أكثر
مظاهر االحتباس الحراري رعب ًا وتدمير ًا خالل القرن احلـادي والعشــرين .أمـا املظـاهر
األخرى فتتمثل بزيادة موجات احلر القائظ وموجات اجلفـاف واألمطـار الغزيـرة.
وما األعاصري املدارية العنيفة كإعصـار هوغـو ( ،)1989أنـدرو ( ،)1992إيفـان
( ،)2004كاترينا ،ويلام ،وريتا (مجيعها حدثت يف العام ،)2005فض ً
ال عن الكثـري
من العواصف اهلوجاء التي رضبت أوربا للفرتة ،1999 - 1990إال دليل عىل أن
ظاهرة االحتباس احلراري إنام بدأت ترتك أثر ًا واضح ًا ال يمكن نكرانـه يف الطبيعـة
واملجتمع البرشي عىل حدّ سواء.
174
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-4كيف حيدث االحتباس احلراري وملاذا يعد مشكلة عويصة بحد ذاته عزز
إجابتك بمرتسم قدر املستطاع.
-5ملاذا تعد العروض العليا أكثر حتسس ًا من غريها لتأثريات االحتباس احلراري
-6يشكل ذوبان جليد القطبني اجلنويب والشاميل وجليد الثالجات اجلبلية وذوبان
مناطق الصقيع الدائم بفعل االحتباس احلراري كارثة كربى لكوكب األرض.
أرشح أوجه هذه الكارثة وانعكاسات حدوثها عىل البيئة.
-7ما العالقة الرابطة بني التغري املناخي والنقص املتوقع يف املياه العذبة العاملية
-8كيف يتحرر الكربون من الرتبة وما خطورة ذلك يف التسبب بمزيد من
االحتباس احلراري
ّ -9بني أوجه معاناة املناطق اجلافة وشبه اجلافة من التغري املناخي.
-10كيف يكون االحتباس احلراري مسؤوالً عن تغري التفاعالت الكيميائية يف
الغالف اجلوي وما خطورة ذلك عىل جو املدن بشكل خاص
-11ما هي أبرز النتائج املتوقعة لالحتباس احلراري عىل مياه البحار واملحيطات
أكتب ما يفي عن ذلك.
-12ملاذا ازداد تكرار حدوث األعاصري املدارية العمالقة واشتدت عنف ًا واتسعت
نطاق ًا بشكل ملحوظ يف اآلونة األخرية أذكر تفسري ًا علمي ًا دقيق ًا لذلك.
175
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل التاسع
مشكلة خسارة التنوع األحيائي
يعرض الفصل احلايل ملشكلة بيئية مقلقة أخرى ،هي خسارة التنوع األحيائي .إذ أن
فقدان كوكب األرض لتنوعه األحيائي الذي يشكل شبكة احلياة ،سيكون بمثابة
اضمحالل للوجود برمته فيام لو استمر ذلك عىل الوترية الراهنة .سنتناول معنى
التنوع األحيائي أوالً ،ثم نعرض للتهديدات التي تواجه التنوع األحيائي ،ونحدد
بعض األنواع املهددة باالنقراض ،مع بيان ملظاهر ذلك التهديد وأمثلة عديدة عنه.
176
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
177
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إن الدراسات املعتمدة عىل السجل األحفوري ،الذي يعـد أرشـيف ًا طبيعيـ ًا
ممتاز ًا حلاالت االنقراض ،بينت أن العصور اجليولوجية الطويلـة ،يـوم كـان وقتهـا
انقراض األنواع جيري بوترية واحدة تقريب ًا ،كانت تتخللها عـىل مـا يبـدو أحـداث
كارثية انطوت عىل انقراض شـامل .ففـي 570مليـون سـنة األخـرية مـن تـاريخ
األرض وقعت مخسة حوادث انقراض شامل ،يعتقد أن كل واحدة منها قضت عىل
أكثر من %60مـن األحيـاء البحريـة .وحـدث
أعنفها خالل العرص الربمي Permainقبل نحـو
245مليون سنة خلت ،فيام وقعـت أحـدثها يف
هناية العصـر الكريتايس Cretaceousقبـل نحـو
65مليون سنة ،إذ تعرضت فيـه الديناصـورات
مع أن االنقراض حالة طبيعية ..فقد يكون
بسبب حدث كارثي مثلما حصل للديناصورات والعديد من األحياء األخرى لالنقراض هنائي ًا.
أما يف الوقت الراهن ،فهنالك خشية كبـرية مـن حـدوث انقـراض شـامل
أخر ،يكون بني البرش الالعب الرئيس فيه .ومع أننا لـيس عـىل يقـني تـام باملعـدل
الذي جيري به انقراض األحياء حالي ًا ،فمن املمكن تشـخيص سـتة أسـباب رئيسـة
تسهم يف خسارة التنوع األحيائي ،وذلك عىل النحو اآليت:
-1ارتفاع معدل النمو السـكاين لبنـي البشــر ومعـدل اسـتهالكهم للمـوارد
الطبيعية ارتفاع ًا كبري ًا.
-2حمدودية الواردات احلالية املتأتية من الزراعة والغابات والثروة السمكية.
-3فشل النظم االقتصادية يف تقدير قيمة البيئة ومواردها.
-4عــدم املســاواة يف امللكيــة ويف إدارة املنــافع املتأتيــة مــن اســتخدام املــوارد
األحيائية وصيانتها.
-5القصور احلاصل يف املعرفة العلمية وتطبيقاهتا.
178
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
179
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
لقد قام االحتاد الدويل لصون الطبيعة IUCNبتوثيق األنواع التي تواجـه خطـر
التهديد باالنقراض تبع ًا خلطورة التهديد الذي تالقيه وقرهبا من حافـة االنقـراض،
ووضعها ضمن قائمة محراء (اجلدول .)9 – 1
اجلدول ( :)9 – 1تصنيف درجات انقراض األنواع األحيائية يف ضوء القائمة احلمراء
لالحتاد الدويل لصون الطبيعة .IUCN
الوصف مرتاة انقراض النوع األحيشئي
الرأكد يقيناً مب غ آخر فر من ن ع أحيائا مع . منقرض
غري معر ف لن ج ه اال باالارنااغ ان كان نااتاًة أ اقا يف األار منقرض من الربية
حمر يف مكان غري مكانه ال ايعا السابق ان كان حي اناً.
ي اجه خ راً ،ديداً لالنقراض من الربية يف القريب العاجل. مهد للى حن خ ري
ي اجه خ راًكارياً لالنقراض من الربية يف ايسرقال القريب. مهد باالنقراض
ي اجه خ راًكارياً لالنقراض من الربية يف ايسرقال اير ا . معرض لالنقراض
أنه للى ،ك هتديد ،ديد باالنقراض أ أنه مهد أ معرض لالنقراض. للى ،ك الرهديد باالنقراض
ليس للى ،ك الرهديد باالنقراض بعد. أقل قلقاً
الاياناغ غري كافية لرصنيفه يف القائمة حيراج ا شاجه اىل م يد من الاحثة نقص يف ايعل ماغ
لكن هناك اقراش ب ر شو تصنيفه ضمن القائمة.
ليس مصنفاً بعد يف القائمة. غري مصنف بعد
180
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التهديدات أيض ًا التي تواجه نوع ًا معين ًا من األحياء عىل مـر الـزمن .إذ بـدأ تـاليش
نبات اهلدال الدبق ،Trilepidea adamstiوهو نبات طفـييل يتواجـد يف نيوزيلنـدا،
بعدما تقلصت مساحات موطنه الطبيعي بفعل عمليات حتطيب الغابات ،أوالً مـن
قبل السكان األصليني ومن ثم بوترية متسارعة من قبل املسـتوطنني الربيطـانيني يف
أواخر القرن التاسع عرش .وحصل أن تعرضت مستعمرات هـذا النبـات للـتاليش
أكثر فأكثر بفعل ممتهني اجلمع وااللتقاط وكذلك بفعل تعرض الطيور التـي كانـت
تقوم بنرش بذوره إىل التناقص يف أعدادها بعد إزالة الغابات .وقد تـم القضـاء عـىل
آخر ما تبقى من هذا النبات مـن عـىل وجـه اجلزيـرة الشـاملية لنيوزيلنـدا يف العـام
،1954حيث التهمتها حيوان األبوسوم ذي الذيل الكثيف الذي جلب عمـد ًا مـن
أسرتاليا خالل ستينيات القرن التاسع عرش مـن
أجل املتاجرة بفرائه .وعىل الرغم مـن أن طبيعـة
التهديدات قد تتسم بالتعقيد والتباين يف كثري من
األحيــان ،فــأن الشــكل ( )9 - 1يبــني األمهيــة
النسبية لبعض التهديدات املختلفة التي تواجهها
انقرض نبات الهدال الدبق من نيوزيلندا
بسبب األفعال البشرية بالدرجة الرئيسة مــث ً
ال الطيــور يف العــامل والثــدييات يف أســرتاليا
واألمريكتني بصفة خاصة.
181
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إن كل هذه األسباب البرشية املؤدية إىل زوال األنواع يرجع تارخيها إىل
املايض .ففي بريطانيا مث ً
ال أدى تضافر عمليات الصيد وتدمري البيئة الطبيعية بسبب
حتطيب الغابات إىل اختفاء الكثري من األنواع احليوانية األصلية عىل مر مئات
السنني.
ومثلام يظهر من الشكل ( ،)9 – 2فأن أكثر اجلهات يف العامل التي يواجه
التنوع األحيائي هتديد ًا فيها (اللون األمحر) ترتكز يف املناطق املتحرضة من أمريكا
الشاملية وأوروبا ويف بعض أرجاء قارة أسيا السيام الصني شبه القارة اهلندية ويف
أجزاء من أفريقيا وأسرتاليا ،وذلك ألسباب عدة سنأيت عىل ذكرها بعد قليل.
182
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التهديد األكرب بالنسبة للطيور والثدييات والنباتات ،طبق ًا للقائمة احلمراء املعدة من
قبل االحتاد الدويل لصون الطبيعة يف عام ( 2004أنظر الشكل ،)9 – 1وهـو يـؤثر
يف حوايل %86من جمموع الطيور املهددة باالنقراض ،و أيض ًا يف %86من الثدييات
و %88من الربمائيات.
يف العديد من البلدان ،السيام يف اجلـزر،
التي تعاين من كثافات برشية عالية ،حلـق الـدمار
بمعظم بيئات املواطن الطبيعية بسبب اسـتغالهلا
للزراعة أو للرعي أو لغرض االستيطان وتوطني
الصناعات .ويعتقد أن نحو 49بلـد ًا مـن أصـل
يعد تدمير المواطن الطبيعية ..أهم عامل
مسبب لخسارة التنوع األحيائي 61بلد ًا من البلدان االستوائية يف إفريقيا وأسـيا،
قد خرست أكثر من %50من مواطنها الطبيعية .ففي بلدان أفريقيا االسـتوائية ،تـم
خسارة %65من مواطنها الطبيعيـة األصـلية ،وبمعـدالت تـدمري مرتفعـة بشـكل
خــاص يف كــل مــن :غامبيــا ( ،)%89ليبرييــا ( ،)%87روانــدا ( ،)%87بورنــدي
( ،)%86وسرياليون ( .)%85أما يف بلدان أسيا االستوائية فقد كان إمجـايل اخلسـارة
بحدود ،%68مع وجود معدالت خسارة خطرية يف كل من هونـغ كونـغ (،)%97
بنغالديش ( ،)%94سريالنكا ( ،)%83فيتنام ( )%80واهلند (.)%80
إن املواطن الطبيعية تواجه التدمري بمختلف أنواعهـا مـن غابـات مداريـة
Mangrove مطرية وشعاب مرجانيـة وأرايض رطبـة وغابـات القـرم (املـانغروف
،)forestويعد ذلك أمر ًا خطري ًا ألن تلك البيئات تزخر بتنوع حيايت هائل .وعليـه،
فأن معظم االنقراضات التي تواجهها األنواع يف الوقت احلارض عىل يد اإلنسان إنام
حتدث يف مناطق الغابات االستوائية املطرية ،وتقـع احلشــرات يف صـدارة األنـواع
املهددة بالزوال يف تلك املناطق .ومـع هـذا ،تواجـه مـواطن طبيعيـة أخـرى خطـر
التدمري عىل قدم املساواة.
183
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
هنالك أمثلة كثرية عىل وقوف أنواع أحيائية عـىل حافـة االنقـراض بسـبب
فقداهنا ملواطنها الطبيعية .ففي بريطانيا ،مثالً ،أدى تدمري نباتـات السـحلبيات ذات
Orchisاملهددة باالنقراض إىل تقلصها عىل نحـو خطـري morio األجنحة اخلرضاء
بعدما تالشى %40من منـاطق املـروج مـا بـني الفـرتة 1932و .1992أمـا عـىل
الصعيد الدويل ،فقد عانى أيض ًا واحد من أشهر األنواع املهددة بـاالنقراض ،وهـو
دب الباند ،Ailuropoda meanoleucaمن التجاوزات البرشـية املتصـاعدة ملوطنـه
الطبيعي .إذ كان هذا احليوان يوجد يوم ًا ما يف كل املناطق الواقعة يف العروض العليا
من الصني وما بعـدها ،لكـن وجـوده بـات اآلن
مقترص ًا عىل بضعة مواقع بـالقرب مـن مقاطعـة
تشنغدو .Chengduإذ كان اعتامد حيـوان البانـد
الشديد عىل نبات اخليـزران يف طعامـه ،جيـربه يف
بعض األحيان عىل النزول إىل املناطق املنخفضـة
دب الباندا ..أكثر الحيوانات المعرضة لخطر
االنقراض بسبب تدمير موطنها الطبيعي عند انتهاء موسم نمو اخليزران ،وهنالك يصـب
هذا احليوان اجلبان واخلجول عاد ًة يف مواجهة مبارشة مع بني البرش.
أما جتزئة املواطن الطبيعية فهي ال تعني التقلص يف مساحة املوطن فحسب،
بـل أيضـ ًا التــأثري يف عمليتــي انتشــار األحيـاء واســتقرارها مــن جهــة ،وحمدوديــة
املساحات التي تبحث فيها عن طعامها من جهة أخرى .فتجزئـة مـوطن البانـدا ال
تعد جمرد هتديد لعدد أشجار اخليزران املتبقية ،ذلك أن األعداد القليلة واملنعزلة من
حيوان الباندا تواجه أيض ًا خطر عدم االستيالد فيام بينها إذا ما تفرقت عن بعضـها.
ويمكن هلذا األمر أن يقـود إىل ضـعف املناعـة مـن األمـراض وعـدم التـأقلم مـع
التغريات البيئية ،وتناقص معدالت اإلنجاب .وتعمـل التجزئـة أيضـ ًا عـىل زيـادة
املخاطر املتأتية من أحداث مثل احلرائق واألمراض ومن الغزو من قبل املنافسني أو
من املفرتسني .فعىل سبيل املثال ،يعـزى االنخفـاض الـذي شـهدته مـؤخر ًا أعـداد
184
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الطيور املغردة يف أمريكـا الشـاملية إىل زيـادة االفـرتاس والتطفـل الـذي حيـدث يف
أعشاشها املوجودة يف مناطق جمزئة .وتظهر نتائج الدراسات حول العالقـة مـا بـني
األنواع واملساحة التي أجريت عىل اجلزر املحيطية بأن عدد األنـواع يـرتبط ارتباطـ ًا
مبارش ًا بمساحة املنطقة املجزئة.
تبني األبحاث التي أجريت يف غابات األمازون الربازيليـة حـول خنـافس
الروث (أبو اجلعل) أن هذه األحياء تتـأثر بشـكل كبـري بعامـل التجزئـة ،إذ كانـت
املناطق الصغرية املجزئة من الغابة تضم أنواع ًا أقل مـن اخلنـافس وبكثافـات قليلـة
لكل نوع منها وبأحجام أصغر إذا ما قيست باخلنافس التي تعـيش يف غابـات ممتـدة
غري جمزئة .إذ تعد خنافس الروث كائن ًا رئيس ًا يف النظام البيئي الغايب ،وذلك لدورها
يف دفن الروث واجليف كمصدر للطعام لريقاهتا،
وامهيتهــا يف تســهيل وتســـريع دورة العنــارص
الغذائية ويف إنبات البذور التـي ختـرج مـع بـراز
احليوانات التي تتغـذى عـىل الـثامر ،واحلـد مـن
تفيش األمراض للحيوانات الفقارية نتيجـة قتـل
تتناقص أعداد خنفساء أبو الجعل ذات
الفوائد العديدة ..مع تزايد تجزئة الغابات الطفيليات التي تعيش يف الروث.
يمكن للتغيريات التي جيرهيا اإلنسان عىل املواطن الطبيعية أن تـؤدي أيضـ ًا
إىل خسارة األنواع ،سواء بشكل مبارش أو غري مبارش من طريق التأثري يف العمليـات
البيئية الطبيعية .وربام يعد التلوث بأشكاله املتعددة أبرز مشكلة يف هذا املجال .وهنا
بعض األمثلة عىل ذلك :فقد لوحظ وجود تأثريات كيامويـة وتـدهور واضـ عـىل
املخلوقات التي تعتيل قمة السلسلة الغذائية حيث األحياء التي تعتمد عـىل الـرتاكم
احليوي للمواد يف أجسامها .وتعد الطيور اجلارحة مثاالً عىل هذه احلالـة ،إذ عانـت
أعدادها من انخفاض حاد يف سنوات ما بعد احلرب العاملية الثانية تزامن ًا مـع زيـادة
استعامل املبيدات املكلورة ،السيام مبيد ،DDTالذي أثر يف رقرقة قشور البيض ومن
185
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ثم تكرسها وهي يف العش وحدوث تبدالت يف طريقة التفقيس .كام أسفر استخدام
السمية يف تعفـري حبيبـات البـذور ويف تلقـي
الشديدي ّ
ّ مبيدا الدلدرين وااللدرين
األغنام بطريقـة الغطـس ،وهـي طريقـة متبعـة منـذ العـام 1956يف بريطانيـا ،إىل
انخفاض أعدادها بشكل كبري نتيجة لزيادة معدل اهلالكات.
عىل هذا ،أدى اإلقـالع عـن اسـتخدام املبيـدات املكلـورة يف العديـد مـن
البلدان الغربية إىل تزايد أعداد الطيور اجلارحة مرة أخرى .ففي بريطانيا ،انخفضت
أعداد الصقر اجلـوال Falco peregrinusالتـي كانـت تبلـغ نحـو 850زوجـ ًا يف
ثالثينات القرن املايض ،إىل 360زوج ًا فقط بحلول العام ،1962لكنه ارتفع جمدد ًا
بعد منع استخدام املبيدات إىل 1050زوج ًا يف العام .1991
قــد يكــون لتلــوث امليــاه بأشــكاله املختلفــة تــأثري حــدي عــىل النباتــات
واحليوانات املائية .فعىل سبيل املثال ،يؤثر ارتفاع حامضية مياه البحريات واألهنر يف
طيور املاء ويف غريها من احليوانات الفقارية .ومن األمثلة عىل حدوث انقراض نوع
،Lagochila lacera أحيائي جراء تلوث املياه هو ما حصل لسـمكة مفلوقـة الفـم
التي اكتشفت يف هنر تشكيامكا بوالية تنســي يف أواخـر
القرن التاسع عشــر وعرفـت يف وقتهـا بكوهنـا جـنس
جديد .وكان هذا النوع مـن األسـامك يكثـر يف املنطقـة
هنـري وايـت
ّ ويوجد يف تنيس ويف كمربالند ويف جمـرى
وأوهايو اللذان يصبان ببحرية آيري .وقد شـوهد هـذا
النوع ألخر مرة يف هنر أكاليـز بواليـة أوهـايو يف العـام
سمكة مفلوقة الفم في المتحف..
.1893ويبدو أن سـبب انقراضـه يرجـع إىل عمليـات
بعدما انقرضت بسبب تلوث
موطنها الطبيعي التلويث املستمرة ملوطنه الطبيعي ،ليعد بذلك أول نـوع
من أسامك املياه العذبـة يف أمريكـا الشـاملية يفنـى متامـ ًا
بفعل البرش.
186
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
أمــا تلــوث اهلــواء فقــد يكــون لــه أيض ـ ًا عواقــب وخيمــة عــىل النباتــات
واحليوانات .إذ أن الرتفاع درجة احلامضية يف الغالف اجلوي العديد من التـأثريات
عىل األشجار وعىل غريها من األنواع النباتية .فالتناقص الواسـع لألشـنات ،التـي
تعد حساسة للغاية لتلوث اهلواء ،عرب أرجاء واسعة من أوربا وأمريكـا الشـاملية لـه
عالقة بزيادة ثنائي أكسـيد الكربيـت ( )SO2وظـاهرة الضـباب الـدخاين .ويمكـن
للملوثات اجلوية املنبعثة من الصناعات الثقيلة أن تدمر ما حوهلا من عنارص بيئية.
االستغالل الجائر
تشري القائمة احلمراء لالحتاد الدويل لصون الطبيعة لعـام 2004إىل أن االسـتغالل
اجلائر الذي ينطوي عىل عمليات الصيد واجلمع وصيد األسامك وتأثريات املتـاجرة
باألنواع وبأعضائها ،يشكل هتديد ًا رئيس ًا عىل الثدييات (بام نسـبته %33مـن مجيـع
األنواع املهددة) وكذلك عىل الطيور (بام نسبته %30مـن مجيـع األنـواع) .ويشـكل
أيض ًا التهديد األكرب بالنسبة لألحياء البحرية .ويعد البرش متورطون منذ زمن بعيـد
بانقراض األنواع بفعل االستغالل اجلائر ،السيام جراء صيدها ألجل الغذاء .ويرى
البعض أن مثل هذه األفعال قـد ترجـع إىل العصــر احلجـري وإىل أواخـر عصــر
الباليستوسني ،الـذي شـهد فقـدان ثـدييات ضـخمة كفيلـة املـاموث والنمـر ذي
األنياب وذلك بسـبب عمليـات الصـيد املفـرط اللـذين تعرضـا إلـيهام ،وإن كـان
للتغريات املناخية العنيفة إسهام يف انقراض مثل تلك الكائنات أيض ًا.
لقد عانت كائنات ضخمة مـن جـور االسـتغالل منـذ ذلـك احلـني .ففـي
العرص الروماين ،أستأصل الصيادون كل حيوانات الفيلة ووحيـد القـرن والزرافـة
من أ فريقيا شامل الصحراء ،واألسود من أسيا الصـغرى ومـن سـوريا .وواجهـت
النمور يف هريسينا وشامل بالد فارس املصري نفسه .ويف أحيان كثرية ،كـان خلسـارة
Rapbus كائن معني أثار جانبية عىل غريه من الكائنات .فهالك آخر طيـور الـدودو
( cucullatusطائر من فصيلة احلامم ولكنه أكرب من الديك الرومي) ،الذي قتل عـىل
187
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
188
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
189
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
190
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الطيور التي ال تطري والسالحف الربية ،وذلك لدى وصول اإلنسان إىل هنـاك منـذ
قرابة 2000سنة مضت .وثمة دليل واض يشري إىل أن البرش هم املسـؤولون عـن
ذلك ،وربام كان الصيد هو السبب الرئيس.
يرجع تاريخ العديد من األرضار التي حلقت بالبيئة يف كثـري مـن اجلـزر إىل
وصول املستكشفني واملستعمرين األوربيني األوائل ،الذين كان يشكل هلم استيطان
تلك اجلزر أمهية اسرتاتيجية .فقد كان ،مث ً
ال ،إلدخال املاعز إىل جزيرة سانت هيلينا
St.Helenaالواقعة جنويب املحيط األطليس يف العام ،1513إن حتولـت إىل قطعـان
هائلة يف غضون 75عام ًا وراحت جتوب اجلزيرة لوحدها لرتعى دون منـافس عـىل
النباتات املستوطنة وتقضـي عليها .ومـن املعلـوم أن هنـاك اليـوم 46نوعـ ًا نباتيـ ًا
مستوطن ًا يف هذه اجلزيرة 7 ،منها انقرضت متام ًا ،لكـن بعـض التقـديرات تـرى أن
العدد احلقيقي للنباتات املستوطنة يزيد عن املائة .وتبقى جزيرة سانت هيلينا واحدة
من أكثر اجلزر التي تعاين فيها النباتات املستوطنة من خطر االنقراض.
ومع هذا ،ليس املستعمرين األوربيني هم املسؤولون الوحيدون عن ذلك.
فالرضر الذي حلق باحلياة الربية جلزر هاواي ،Hawaiiحيث تسـتوطن فيهـا قرابـة
%100من احلرشات املحليـة ،فضـ ً
ال عـن %98مـن الطيـور %93 ،مـن النباتـات
الزهرية %65 ،من الرسخسيات ،كان قد بدأ قبل وقت طويل من وصـول الكـابتن
كوك ،أول املستكشفني األوربيني إليهـا ،يف العـام .1778إذ أن البـولينزيني الـذين
قطنوا اجلزيرة حوايل العام 750قبل املـيالد ،قـاموا بإزالـة األشـجار الكثيفـة مـن
املناطق املنخفضة بغية زراعتها وجلبوا اجلرذان والكالب واخلنازير ودجاج الغابـة.
وتشري األدلة املستمدة من املتحجرات القديمة إىل أن ما ال يقل عـن نصـف أمجـايل
األنواع الـ 83املعروفة من طيور هاواي قـد أصـبحت منقرضـة يف عهـد مـا قبـل
األوربيني .وعىل أي حال ،فقد أدى املزيد من عمليـات التـدمري وإدخـال كائنـات
191
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
دخيلة إىل البيئة الطبيعية جلزر هاواي منذ العام ،1778إىل خسارة مـا ال يقـل عـن
23نوع ًا من الطيور و 177نوع ًا من النباتات املحلية.
يف بعض األحيان ،قد يسفر إدخال نـوع دخيـل واحـد إىل جزيـرة مـا عـن
Boiga حدوث انقراض حميل ألنواع مستوطنة كثـرية .وتعـد أفعـى الشـجر البنيـة
irregularisمثاالً بارز ًا عىل ذلك ،حيث تم إدخاهلا إىل جمموعـة مـن جـزر املحـيط
اهل ادي فام كان إال أن تسببت بأثار مدمرة للطيور املستوطنة .وأفعـى الشـجر البنيـة
هذه أفعى نحيلة وبارعة يف التسلق يصل طوهلا يف العادة ما بـني 2 - 1مـرت .وهـي
مفرتسة ليلية تصطاد طعامها عىل مجيع املستويات من الغابة .وقد تم جلبها بالصدفة
إىل جزيرة غوام ،Guamمن غينيا اجلديدة عىل األرج ،يف األربعينيات مـن القـرن
املايض .وقبل وصول هذه األفعى ،كانت غوام ختلو من األفاعي تقريبـ ًا ،إذ مل تكـن
تأوي سوى األفعى الدودية العمياء غري املؤذيـة.
ونتيجة لذلك ،ازدهرت احليـاة الربيـة يف جزيـرة
غوام يف ظل غياب املفرتسات من األفاعي .غـري
أن العديــد مــن األنــواع املســتوطنة يف اجلــزر
أصبحت لقمة سـائغة لتلـك األفـاعي املفرتسـة
تكاد أفعى الشجر البنية ..أن تتسبب
بانقراض طيور جزيرة غوام بأكملها بمج ـرد وصــوهلا ،نظــر ًا لعــدم تطــوير األنــواع
املستوطنة لسلوكيات تقي فيها نفسها من األفاعي.
وبعدما أصبحت هذه األفعى الدخيلة واحدة من احليوانـات املسـتوطنة يف
اجلزيرة خالل اخلمسينيات ،بدأت بتدمري حياة الطيور األصلية يف جزيرة غوام عـن
بكرة أبيها .وأخذ عدد أفاعي الشجر البنية باالزدياد بشكل كبري يف مقابـل تنـاقص
أعداد الطيور بشكل حاد .وتالشت من جزيرة غوام تسـعة أنـواع مـن أصـل أحـد
عرش نوع ًا من الطيور املحلية املقيمة يف الغابة .ثالثة منها اآلن قد أصبحت يف عـداد
املنقرضة .وهنالك اليوم العديد من أنواع الطيور األخرى مازالـت موجـودة لكـن
192
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
بأعداد قليلة جد ًا ،وأن مستقبلها يف جزيرة غوام حمفوف باملخاطر .وإمجاالً ،فأن 22
نوع ًا من أصل األنواع الـ 25املقيمة يف جزيرة غـوام ،بضـمنها 17مـن أصـل 18
نوع ًا حملي ًا ،قد تأثرت تأثر ًا شديد ًا من هذه األفاعي.
193
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-8ملاذا تكون قابلية خسارة التنوع األحيائي يف اجلزر أكرب مما حيدث مع بيئات
جغرافية أخرى
-9ملاذا كان دخول أفعى الشجر البنية مدمر ًا عىل التنوع األحيائي يف جزيرة غوام،
عىل سبيل املثال
-10ملاذا تشكل خسارة التنوع األحيائي خطر ًا عىل الوجود فوق كوكب األرض
برمته
194
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الفصل العاشر
مشكلة األمن الغذائي العاملي
يتناول هذا الفصل مشكلة غاية يف اخلطورة ،لعالقتها املبارشة بحياة الناس ،تلك
هي مشكلة األمن الغذائي املرتبطة باإلنتاج الزراعي ،الذي يتعرض اليوم للتدهور
واالختالل يف العديد من دول العامل وهيددها بحصول جماعات حمتملة .وسنعرض
هلذه املشكلة يف ضوء تعريف املقصود باألمن الغذائي ومعدالت العوز الغذائي يف
بعض مناطق العامل ،ثم التعريج عىل أهم التحديات التي تعرتض حتقيق األمن
الغذائي العاملي واملخاطر املسببة ذلك.
195
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
196
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
،2007حني ارتفعت أسعار احلبوب إىل أعىل مستوياهتا ،عىل إثر أزمة هبوط قيمة
الدوالر األمريكي ،التي سببت بدورها تلكؤ الصادرات وعزوف كبري عن الرشاء،
فض ً
ال عن تزايد استثامر الزراعة يف جمال صناعة الوقود احليوي وارتفاع سعر برميل
النفط إىل أكثر من 100دوالر ،يرافق ذلك تزايد سكان العامل والتغري املناخي
وتقلص األرايض الزراعية نتيجة التوسع السكني والصناعي وارتفاع طلبات
املستهلكني يف كل من الصني واهلند .وعىل هذا تشهد العديد من بلدان العامل حالي ًا
اختالالً يف أمنها الغذائي.
197
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
198
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
199
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
تدهور التربة
غالب ًا ما تؤدي الزراعة املفرطة إىل حدوث دورة مهلكة تسبب استنزاف ًا خلصوبة
الرتبة وتدني ًا لإلنتاج الزراعي .إذ تعاين حوايل %40من األرايض الزراعية يف العامل
اليوم من تدهور شديد .فعىل سبيل املثال ،إذا ما استمرت معدالت تدهور الرتبة
عىل ما عليه حالي ًا يف أفريقيا ،فقد ال تتمكن القارة من إطعام سوى %25من سكاهنا
بحلول العام ،2025وذلك طبق ًا لتوقعات معهد املوارد الطبيعية األفريقي
.Institute for Natural Resources in Africa
التغير املناخي
من املتوقع أن تزداد شدة وتكرار الظواهر املتطرفة كاجلفاف والفيضانات مع ميض
التغري املناخي قدم ًا .إذ سيكون للفيضانات العارمة وموجات اجلفاف املتفاقمة
تدرجيي ًا مجلة من التأثريات يف القطاع الزراعي .فعىل سبيل املثال ،من املتوقع أن
تتحول كل مناطق نيجرييا تقريب ًا ،التي كانت تضم فيام مىض مساحات شاسعة من
األرايض الزراعية املروية ،إىل صحراء قاحلة حيث ستغدو الزراعة مستحيلة جراء
ش املياه .وطبق ًا إىل أحد التقارير الدولية ،فأن تأثريات التغري املناخي ستسبب تغري ًا
يف أنامط اإلنتاج الزراعي وتربية
املوايش ،وستسبب خسائر اقتصادية
فادحة وتؤثر يف البنية التحتية ويف
األسواق العاملية .لذا سيكون األمن
الغذائي يف املستقبل مرتبط ًا بمقدرتنا
يؤدي التغير المناخ إلى نتائج كارثية عديدة
على األمن الغذائي العالمي عىل تكييف النظم الزراعية للظواهر
املتطرفة.
من املحتمل تعرض نحو 2.4مليار نسمة ممن يعيشون يف حوض أهنار
يف كل من اهلند والصني وباكستان وأفغانستان وبنغالديش Himalayan اهلاماليا
200
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
والنيبال ومينامار إىل خطر الفيضانات والتي ستعقبها موجات جفاف شديدة
Ganges متوقعة خالل العقود القليلة القادمة .ففي اهلند وحدها ،يوفر هنر الغانغ
املياه الصاحلة للرشب وللزراعة ألكثر من 500مليون نسمة .أما عىل الساحل
الغريب ألمريكا الشاملية ،فمن املحتمل أيض ًا تأثر إمدادات املياه التي يتم احلصول
Rocky Mountains عىل معظمها من الثالجات اجلبلية يف سالسل جبال الروكي
وسيريا نيفادا .Sierra Nevadaهذا وال يشكل ذوبان الثالجات القلق الوحيد الذي
يؤرق الدول النامية ،بل هناك أيض ًا قلق متصاعد من ارتفاع منسوب سط البحر
بفعل التغري املناخي ،األمر الذي سيقلص من رقعة األرايض الصاحلة للزراعة.
من املرج أيض ًا أن يكون للتغري املناخي أثر كبري سيؤدي إىل انخفاض
اإلنتاج الزراعي يف أنحاء أخرى من العامل ،السيام يف مناطق العروض الدنيا التي
تقع فيها معظم الدول النامية .وهلذا سرتتفع أسعار احلبوب ،إىل جانب سعي الدول
النامية إىل زراعة احلبوب .ونتيجة لذلك ،سيفيض كل ارتفاع يف األسعار بمقدار 2
– %2.5إىل تزايد عدد اجلياع بمقدار .%1لكن انخفاض اإلنتاج الزراعي ال يعد
سوى مشكلة واحدة تواجه املزارعني يف مناطق العروض الدنيا واملدارية ،إذ من
املتوقع أن يؤدي اختالف توقيتات فصل النمو ومدته الناتج عن االختالف يف
درجة حرارة الرتبة والرطوبة ،إىل حدوث نتائج كارثية عند قيام املزارعني بزرع
حماصيلهم.
اآلفات الزراعية
يمكن أن يكون لألمراض واآلفات التي تؤثر يف املاشية واملحاصيل الزراعية عىل
حدّ سواء آثار مدمرة عىل الوفرة الغذائية خصوص ًا يف حالة عدم وجود أية خطط
طوارئ جاهزة .فعىل سبيل املثال ،أن مرض ،Ug99وهو مرض ينتمي لساللة آفة
صدأ ساق احلنطة التي تؤدي إىل القضاء عىل حمصول احلنطة بنسبة ،%100ينترش يف
حقول احلنطة يف العديد من بلدان أفريقيا والرشق األوسط ومن املتوقع انتشاره
201
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
دور الحكومات
يف الوقت الذي تعد فيه موجات اجلفاف وغريها من الظواهر الطبيعية سبب ًا حلدوث
جماعات يف بعض البلدان ،فأن للحكومات دور ًا يف تقرير درجة قسوة تلك املجاعة،
ال من عدمه .والقرن العرشين حافل بالعديد من األمثلة عىل دور أو يف وقوعها أص ً
احلكومات يف إضعاف األمن الغذائي يف بلداهنا ،وبشكل متعمد أحيان ًا.
حينام تفرض بعض احلكومات سيطرهتا عىل البالد بالقوة وال تأيت عن
طريق صناديق االقرتاع أو بواسطة انتخابات نزهية ،فمن املؤكد أن تكون قاعدهتا
اجلامهريية ضيقة وحمدودة وال تقوم إال عىل املقربني واملنتفعني وأصحاب املصال .
ويف ظل مثل تلك الظروف ،يصب توزيع الغذاء يف داخل البلد قضية سياسية
بامتياز .فاحلكومات يف معظم البلدان تعطي األولوية للمناطق احلرضية ،ذلك ألن
األرس املتنفذة وأصحاب السلطة واملشاريع تقطن فيها يف العادة .أما املناطق الريفية،
حيث الفالحني والفقراء عادةً ،فغالب ًا ما يكون نصيبها اإلمهال .كام أن معظم
202
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
احلكومات ال تويل اهتامم ًا باملناطق النائية من البالد التي مل يشملها التطوير ،وقلام
تلبي حاجياهتا الرضورية عىل نحو فعال .وغالب ًا ما تتصف السياسات الزراعية،
السيام فيام خيص تسعري السلع الزراعية ،بالتمييز ضد املناطق الريفية .إذ حتاول
احلكومات يف الغالب املحافظة عىل تسعرية منخفضة ملحاصيل احلبوب األساسية
بحيث يعجز املزارعني عن مجع ما يكفي من رأسامل لتحسني إنتاجهم الزراعي.
ولذا ،فأهنا هبذه الطريقة متنعهم دوم ًا من أن يرتقوا إىل منزلة أعىل ربام قد تشكل
خطر ًا عىل السلطة احلاكمة يف املستقبل.
كثري ًا ما كان الزعامء املستبدين واحلكام
العسكريني اجلائرين يستخدمون الغذاء كسالح
سيايس جتاه شعوهبم ،إذ يكافأ املؤيدون بمؤن
غذائية ضخمة فيام حترم من ذلك املناطق التي
تأوي املعارضني حلكمهم .ويف مثل تلك
في بعض البلدان ..تحول السلطات الحاكمة
الطعام إلى سالح إلذالل المعارضين احلاالت يغدو الطعام سلعة حيصل الطواغيت
يف مقابلها عىل الدعم والتأييد فيام يصب القحط والعوز واملجاعة من الناحية
األخرى سالح ًا فعاالً يشهر بوجه املعارضني.
203
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الضغوط عىل البيئة والتجهيزات الغذائية العاملية ومواد الطاقة .ومن املؤكد أن هذا
الزيادة السكانية االنفجارية ستشكل خطر ًا جدي ًا هيدد األمن الغذائي العاملي ،ألن
األفواه املتزايدة تعني طعام ًا متزايد ًا ،مما يستلزم حتصني األمن الغذائي من االهنيار
مستقبالً.
يبني الشكل ( ،)10 – 2االجتاه
املتصاعد للنمو السكاين العاملي املتوقع يف مقابل
املعدل املتهاوي لإلنتاج الغذائي ،إذ أن اهلوة ما
بني املتغريين قد تعني يف احلقيقة حدوث جماعة
كارثية.
قد تعني زيادة السكان ..حلول مجاعة كارثية
204
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
205
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
واسعة النطاق .وقد أسفر ذلك عن حدوث خسارة يف Genetic erosion جينية
التنوع اجليني واألحيائي بأرسه.
Genetically modified إزاء ذلك ،ظهر ما يسمى بالكائن املعدّ ل وراثي ًا
،organismوهو عبارة عن كائن يتم التالعب بجيناته الوراثية باستخدام تقنيات
اهلندسة الوراثية ،بحيث يصب أفضل من حيث اإلنتاجية والنوعية .لكن املحاصيل
املعدلة وراثي ًا أصبحت اليوم مصدر ًا شائع ًا للتلوث اجليني ،ليس لألصناف الربية
فحسب ،بل أيض ًا لغريها من األصناف الداجنة املستمدة من التهجني الطبيعي
نسبي ًا .فقد يؤدي تظافر التعرية اجلينية مع
التلوث اجليني إىل ظهور أنامط جينية فريدة
تدمريية ،ومن ثم ظهور أزمة خفية هتدد عىل
نحو خطري أمننا الغذائي .فقد يتوقف ظهور
مواد جينية منوعة ،وهو أمر سيؤثر يف قدرتنا
تؤدي الهندسة الوراثية والتهجين الجيني..
إلى مخاطر خفية تهدد األمن الغذائي عىل هتجني مزيد من املحاصيل الزراعية واملاشية
املقاومة لآلفات املرضية وللتغريات املناخية.
206
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
207
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
208
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إن معظم الطاقة التي نحصل عليها اليوم مصدرها الشمس يف املحصلة
النهائية .وتتحول هذه الطاقة اإلشعاعية بواسطة عملية التمثيل الضوئي إىل طاقة
كياموية ،متد احلياة النباتية ومعها كل أشكال احلياة احليوانية باالستمرار والبقاء .كام
يستفيد منها املجتمع البرشي يف صورة وقود حيوي وأحفوري عىل حدّ سواء ،ذلك
الوقود الذي كان يف يوم من األيام نبات ًا حي ًا بحد ذاته .وينتفع املجتمع البرشي من
اإلشعاع الشميس أيض ًا بشكل مبارش وغري مبارش عرب االفادة منه يف حتريك الرياح
والتيارات املائية بوصفها جزء ًا ال يتجزأ من دورة املاء يف الطبيعة.
تصنف مصادر الطاقة يف الغالب إىل مصادر متجددة Renewableوأخرى
غري متجددة .Nonrenewableوعىل الرغم من أن الوقود االحفوري يعد مورد ًا
متجدد ًا ضمن املقياس اجليولوجي ،فأنه يمكن أن ينضب ويغدو غري متجدد ًا ضمن
مدى عمر اإلنسان إذا ما استمر معدل استهالكه عىل ما عليه يف الوقت احلارض
إىل أن النفط WEC (الشكل .)11 – 1إذ تشري تقديرات جملس الطاقة العاملي
سينضب بحدود 40 - 30سنة القادمة والغاز 60 - 50سنة والفحم بحدود
209
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
200سنة القادمة ،إذا ما استمر االستهالك عىل املعدالت احلالية .وعىل الرغم من
تأكيد جملس الطاقة العاملي عىل عدم وجود أي استنفاد أو ندرة ملوارد الطاقة يف
الوقت احلارض ،فأن حمدودية كميات الوقود االحفوري ،إىل جانب تزايد الوعي
جتاه األثار البيئية الستخدامها ،قد شجع عىل رضورة االهتامم باحلفاظ عىل الطاقة
وصوهنا وتطوير طرائق أكثر استدامة إلنتاج طاقة من موارد متجددة عوض ًا عن
تلك غري املتجددة.
مع هذا ،ومثلام يتض يف الشكل ( ،)11 – 2فأن معدالت إنتاج الطاقة يف
العامل الزالت ترتكز بشكل كبري عىل الوقود االحفوري (الفحم ،الغاز ،النفط)،
ويأيت من بعدها الوقود احليوي ،ثم الطاقة الكهرومائية ،والنووية ،ومن ثم بنسب
أقل األنواع األخرى من مصادر الطاقة احلديثة االستخدام.
210
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الطاقة املائية
املورد املتجدد Hydropower تعد الطاقة املائية
الوحيد الذي يستخدم عىل نطاق واسع اليوم
لتوليد الطاقة الكهربائية .فخالل القرن احلايل،
تعتمد حوايل ثلث بلدان العامل عىل الطاقة
الكهرومائية يف تلبية أكثر من نصف حاجتها من
تعد الطاقة المائية أهم المصادر المتجددة
لتوليد الكهرباء ..لكنها ال تخلو من أثر في البيئة الطاقة الكهربائية ،وأن السدود الكبرية تولد
نحو %19من أمجايل الطاقة الكهربائية العاملية (أنظر الشكل .)11 – 2
عىل هذا ،فأن هنالك العديد من املشكالت االجتامعية والبيئية التي ترافق
إنشاء السدود ألغراض توليد الطاقة الكهربائية.
يف الوقت الذي ال تسبب فيه الطاقة الكهرومائية تلوث ًا للمياه أو للهواء،
فأهنا أيض ًا ال ختلو من تأثري يف البيئة .فقد تؤثر حمطات توليد الطاقة الكهرومائية يف
األنظمة البيئية للمجاري العليا والدنيا من األهنار ،ومن بني ذلك تأثريها يف
املجاميع السمكية ،وتعمل عىل تغيري درجة حرارة املياه وتدفقها (مسببة اضطراب ًا
للنباتات واحليوانات) ،كام يضطر الناس واحليوانات املتواجدين بالقرب من موقع
السدود إىل إعادة التوطن يف أماكن أخرى .وقد حيول إنشاء سدود الطاقة
الكهرومائية دون وصول بعض األسامك ،كالسلمون مث ً
ال ،إىل املجاري العليا
لألهنار ألجل التفريخ والتكاثر .وتساعد بعض
التقنيات كسالمل األسامك عىل تسلق سمك
السلمون من عىل السدود والوصول إىل مناطق
التفريخ يف أعىل النهر ،لكن وجود هذه السدود
جيربها من ناحية أخرى عىل تغيري نمط هجرهتا
ينجم عن إنشاء السدود ألغراض توليد
الطاقة الكهرومائية ..مشكالت بيئية عدة مما يلحق رضر ًا باألسامك.
211
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
طاقة الرياح
يف تسيري السفن الرشاعية وحتريك Wind energy استخدم اإلنسان طاقة الرياح
طواحني اهلواء منذ آالف السنني ،والتزال اليوم مضخات املياه العاملة بقوة الرياح
تعد من املظاهر الشائعة يف املناطق الريفية ،السيام يف األقاليم اجلافة حيث تستخدم
لسحب املياه اجلوفية إىل السط .أما توربينات الرياح اخلاصة بتوليد الكهرباء فهي
ظاهرة حديثة نسبي ًا ،فهي ال تزال تغطي حوايل %2فقط من الطلب العاملي عىل
الطاقة الكهربائية (أنظر الشكل .)11 – 2
تعد الرياح مصدر ًا نظيف ًا نسبي ًا إلنتاج الطاقة .إذ أهنا ال تسبب تلوث ًا للهواء
أو املاء نظر ًا ألهنا ال حتتاج إىل حرق وقود لتوليد الطاقة الكهربائية .لكن هناك بعض
األثار البيئية التي ترافق مزارع إنتاج الطاقة بواسطة الرياح .إذ كانت الضوضاء أحد
املشكالت املهمة التي تنجم عن دوران مراوح الرياح يف التصاميم القديمة ،أما
التصاميم احلديثة فبالكاد يسمع منها صوت غري صوت هبوب الرياح .لكن
212
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مازالت هناك مشكالت تتعلق بدور املراوح الفوالذية يف التسبب بقتل الطيور من
ذوات األحجام الكبرية كالنسور مث ً
ال وكذلك التسبب بتشويش مستقبالت البث
اإلذاعي والتلفازي وغريها من األجهزة اإللكرتونية احلساسة .وتعد رضورة توفري
مساحات واسعة من األرايض إلنشاء مزارع طاقة الرياح فوقها مشكلة أخرى ،عىل
الرغم من إمكانية استخدام األرايض الواقعة بني املراوح لنشاطات أخرى كالزراعة
أو الرعي مثالً .فعىل سبيل املثال ،ارتفعت قيمة األرض يف منطقة ألتاماونت
Altamountبوالية كاليفورنيا األمريكية ارتفاع ًا
ملحوظ ًا يف أعقاب إنشاء مزارع لتوليد طاقة
الرياح هناك ،فأضافت اإلجيارات املرتفعة لتلك
األرايض مدخوالً إضافي ًا للرعاة فض ً
ال عن
استمرارهم برعي ماشيتهم.
بالرغم من كون طاقة الرياح نظيفة نسبي ًا..
فأنها مسببة لبعض المشكالت في البيئة
ألن توليد طاقة كهربائية من مراوح الرياح العمالقة يتطلب احلصول عىل
رياح مستمرة بقوة تزيد عىل 7مرت/ثا ،لذا غالب ًا ما نجدها تقع عىل امتداد السواحل
أو فوق السالسل اجلبلية .ويرى البعض أن وضع هذه املراوح العمالقة يف مثل
تلك األماكن إنام يعمل عىل تشويه مجال املناظر الطبيعية ،وهلذا فهم يرفضون فكرة
حتويل تلك املناظر اخلالبة إىل جمرد حمطات ومراوح متناثرة لتوليد طاقة الرياح.
وربام يعد ذلك من أكرب املشكالت التي تعرتض استخدام طاقة الرياح يف كثري من
املناطق .ففي بريطانيا ،مثالً ،ظهرت العديد من االحتجاجات الشعبية يف العام
Haworth 1994لالعرتاض عىل خطط زيادة مراوح الرياح يف مروج هاورث
خشية ختريب الطبيعة الساحرة لتلك املنطقة.
ونظر ًا لوجود بعض مزارع الرياح اليوم فوق مياه البحار املقابلة للسواحل،
فمن املحتمل حدوث بعض التأثريات يف البيئة البحرية .إذ قد حتدث هناك بعض
213
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التأثريات يف مرحلة إنشاء املراوح تؤدي إىل اإلرضار باملناطق التي تضم أنواع
أحيائية أو مواطن طبيعية نادرة .لكن من ناحية أخرى ،ال تشكل االضطرابات التي
ترافق عملية تشغيل املراوح ـ املتمثلة بالضوضاء واالهتزازات واحلقول
الكهرومغناطيسية ـ أمهية تذكر بالنسبة للبيئة
البحرية .لكن من املحتمل حدوث أكرب تأثري
املاء ،وذلك عند تثبيت أساسات حتت سط
اصطناعية لقواعد مراوح طاقة الرياح .إذ يؤدي
مثل هذا األثر إىل تغيري جريان الرواسب حتت
تسبب مزارع مراوح الرياح الممتدة
على السواحل بعض الضرر للبيئة البحرية املاء ،كام قد يكون هلا أثر ًا مه ًام عىل تركيبة األنواع
املحلية والبنية األحيائية.
الطاقة الشمسية
من املتوقع عىل املدى الطويل جد ًا ،ربام ما بعد
Solar القرن احلايل ،أن تكون الطاقة الشمسية
بأشكاهلا املختلفة قادرة عىل سد الطلب energy
العاملي من الطاقة ،عىل الرغم من توقع أن ترتفع
نسبة مسامهتها يف ذلك بشكل أكرب عىل املدى
يتزايد اليوم استخدام الطاقة الشمسية..
دون اعتبار يذكر ألثرها البيئي القصري (أنظر الشكل .)11 – 2يمكن االفادة
من الطاقة الشمسية عىل نحو فعال من خالل تصميم مباين تتالءم مع ضوء الشمس
والطاقة احلرارية الناجتة عنه ،بحيث يمكن االفادة منها يف تسخني املياه أو تدفئة
املباين أو توليد الكهرباء .وتعد الطاقة الكهروضوئية ( )PVأحد الطرائق املبارشة
لتحويل أشعة الشمس إىل كهرباء ،وذلك عندما يتم امتصاص ذرات الضوء الفردية
وصلة مولد ًة بذلك تيار ًا كهربائي ًا .ولذلك ال
(الفوتونات) بواسطة خاليا شبه م ّ
يتخلف عن اخلاليا الشمسية أي ضوضاء أو تلوث أخر يذكر .كام أن أنظمة اخلاليا
214
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشمسية ال حتتاج إىل أدامة كبرية وال إىل ماء ،ولذا فأهنا تعد ناجحة يف املناطق النائية
كالصحاري مثالً ،عىل الرغم من أن ارتفاع درجات احلرارة يمكن أن يؤثر بشكل
سلبي يف عملها.
بالرغم من هذه املزايا ،فأن ملزارع توليد
الطاقة الشمسية بعض األثر عىل البيئة .إذ قد
ينتج عنها تكوين جزر حرارية أو إحداث رضر
بيئي كخسارة مواطن طبيعية مثالً .إذ تتطلب
املزارع الشمسية مساحات شاسعة قد تصل إىل
عاد ًة ما تحتاج مزارع الطاقة الشمسية..
إلى مساحات واسعة مما يسبب أثر ًا بيئي ًا مئات الكيلو مرتات املربعة ،ولذا قد يكون هلا أثر
كبري يف الرتبة واألرض التي تشغلها .ومع ذلك ،فأن املناطق املشمسة كالبيئات
اجلافة مث ً
ال قلام توجد فيها نباتات ،لذا يكون االضطراب الذي يصيب البيئة ليس
كبري ًا بقدر ما يصيب املناطق التي حتتوي عىل غابات ونباتات كثيفة .وعىل الرغم
من عدم تسبب اخلاليا الشمسية التي تستعمل يف املنازل بأرضار بيئية كبرية ،فأهنا
تؤدي أحيان ًا إىل خسارة جزء من املواطن الطبيعية عندما يتم إزالة بعض األشجار
لغرض تاليف حجب اإلشعاع الشميس الواصل إىل اخللية الشمسية املثبتة فوق
سقوف املنازل.
215
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
االستهالك من جهة ثانية .وتعد طاقة املد واجلزر Tidal energyهي النوع الوحيدة
من الطاقة املستمدة من البحار واملحيطات الذي تم استخدامه حتى اآلن .وهي يف
احلقيقة من أقدم أشكال الطاقة التي استغلها اإلنسان ،ومثال ذلك الطواحني التي
كانت تعمل حينها بقوة املد قبالة سواحل كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا منذ
القرن األول امليالدي .وألن املد واجلزر يعتمد عىل تأثري قوة اجلاذبية للشمس
واألرض والقمر ،لذلك من املمكن التنبؤ بمواعيدها بدقة مما يمن طاقة املد ميزة
تتفوق هبا عىل غريها من مصادر الطاقة األخرى .ويستفاد من طاقة املد بنفس مبدأ
االستفادة من الطاقة الكهرومائية ،وذلك ببناء سد عرب مصب بحري مناسب .لكن
فيام يعتمد السد الكهرومائي عىل تدفق املياه من
اجتاه واحد ،فأن السد املدي خيتلف عنه من ناحية
أنه يسم للمياه الواقعة خلفه باحلركة جيئ ًة
وذهاب ًا تزامن ًا مع حركة املد واجلزر .وتتولد
الكهرباء نتيجة دوران التوربني هبذه احلركة
توفر حركة المياه في البحار والمحيطات..
مصدر ًا مهم ًا لتوليد الطاقة املتناوبة للمياه عرب السد املشيد.
تعتمد كمية الطاقة الكامنة املتولدة عن املد واجلزر عىل مدى ارتفاع املد
وانخفاض اجلزر وكذلك عىل مساحة املصب الذي تشيد عليه حمطة توليد الطاقة.
ومن األمثلة عىل حمطات الطاقة التي تعمل بقوى املد واجلزر املحطة الواقعة عىل
الواقع عند ساحل بريتاين شاميل فرنسا ،إذ تقع هذه La Rance مصب الرانس
املحطة يف مصب يصل فيه املدى املدي 8أمتار وتتكون من سد يمتد بطول 800
مرت ًا حيتوي عىل 24توربني وتولد طاقة كهربائية تكفي لسد احتياج مدينة تضم
300.000نسمة .وهناك أيض ًا حمطة خليج فندي Fundyعىل الساحل األطليس
لكندا الذي يبلغ فيه املدى املدي 10.8مرت ًا ،وكذلك حمطة مصب سيفرن Severn
يف بريطانيا الذي يصل فيه معدل املدى املدي 8.8مرت.
216
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يكتنف مثل هذه املشاريع الكثري من اجلدل حول رضورة إنشاءها من عدمه
بسبب األثار البيئية املحتملة .فعىل الرغم مما حيمله توليد الطاقة الكهربائية بواسطة
قوى املد واجلزر من مزايا بيئية عديدة كخلوه من امللوثات ودور السدود التي تشيد
يف املحطة يف محاية السواحل من األمواج البحرية اهلائجة ،فأن تلك املشاريع ال ختلو
بطبيعة احلال من بعض املساوئ كقيامها بتغيري حركية املياه عرب املصب .إذ أن
التغريات التي حتدث يف املدى املدي ويف حركة التيارات املائية ومنطقة املد واجلزر
ضمن منطقة املحطة ستؤثر يف عدة متغريات بيئية أخرى مثل حركة الرواسب
ونوعية املياه ،التي ستؤثر بدورها يف السلسلة
الغذائية ويف املحصلة النهائية يف الطيور والثروة
السمكية .كام قد تؤثر السدود واحلواجز التي يتم
إنشاء لغرض توليد الطاقة املدية يف مسارات سري
السفن التجارية والسياحية واضطرارها إىل إجياد
تنشأ عن سدود توليد طاقة المد والجزر..
بعض المشكالت البيئية مسالك بديلة أو إنشاء أنظمة مكلفة يف السدود
ألبحار السفن من خالهلا.
طاقة الحرارة الباطنية
Geothermal تتولد طاقة احلرارة الباطنية
،energyالتي تتمثل عاد ًة بالينابيع احلارة
والرباكني ،من جراء احتباس احلرارة وخروجها
من باطن األرض وكذلك من جراء حتلل املواد
املشعة املوجودة يف الصخور .ويمكن احلصول
ال يجري استغالل طاقة الحرارة الباطنية
إال في أماكن محدودة من العالم.. عىل مثل هذه الطاقة بشكل خاص يف املناطق
الفاصلة بني صفائ القرشة األرضية ،مع أن من املمكن احلصول عليها من مناطق
أخرى بعيدة عن تلك الفواصل .وهبذا فأن طاقة احلرارة الباطنية ال تتوفر إال يف
217
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
مواقع حمدودة ،وذلك عندما تكون محم جوف األرض قريبة من السط فتعمل عىل
تسخني املياه اجلوفية حتى تصل إىل درجات حرارة قريبة من نقطة الغليان.
لقد تعرضت هذه الطاقة لالستغالل التجاري منذ مطلع القرن العرشين،
وذلك لغرض تأمني احلرارة الالزمة للتدفئة أو استخدامها كقوة حتريك ميكانيكية
أو لتوليد الكهرباء .فعىل سبيل املثال ،كانت أيسلندا أول من شيدت يف العام
1930وعىل نطاق واسع أنظمة تدفئة يف املباين تعتمد عىل طاقة احلرارة الباطنية.
وأعقبتها يف تطبيق املبدأ نفسه كل من فرنسا وإيطاليا ونيوزيلندا والواليات املتحدة
األمريكية.
عىل الرغم من ضعف احتاملية مسامهة طاقة احلرارة الباطنية يف سد حاجة
الطاقة العاملية يف املستقبل القريب (أنظر الشكل ،)11 -2فأن من املمكن مع ذلك
أن تلعب دور ًا رئيس ًا بالنسبة لبعض البلدان التي تتصف بوجود طاقة كامنة من هذا
النوع بكميات كبرية يف الوقت الذي اليزال الطلب فيها عىل الطاقة قليل حالي ًا
(ومثاهلا جيبويت والسلفادور وكينيا والفلبني) .وأفضل األمثلة عىل استغالل هذه
الطاقة الكامنة هو يف نيكاراغوا حيث تم تشييد حمطة مموتومبو Momotomboيف
العام ،1989التي ينتج بفضلها اليوم %40من حاجة هذا البلد إىل الكهرباء.
يمكن تقسيم األثار البيئية املصاحبة الستخدام طاقة احلرارة الباطنية إىل أثار
وقتية ناجتة عن عمليات احلفر واالستخراج هلذه الطاقة وأخرى دائمة تنشأ من
أعامل أدامة اآلبار وتشغيل املحطات .وألن هذه
املحطات حتتل مساحة من األرايض فأهنا غالب ًا ما
تواجه اعرتاضات شديدة بخصوص إنشاءها يف
مناطق تتسم بجامهلا الطبيعي األخاذ .ويعد تلوث
اهلواء أكرب املشكالت التي تنجم عن حمطات
من أبرز التأثيرات البيئية لمحطات طاقة
الحرارة الباطنية ..هو انبعاث غازات ضارة
توليد طاقة احلرارة األرضية ،ذلك ألن الغازات
218
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
التي تتحرر يف أثناء إنتاج الطاقة ،كثنائي أكسيد الكربون ومركّبات الكربيت ،ليس
من السهل إعادة حقنها إىل باطن األرض جمدد ًا ،عل ًام أن هذه املحطات يتخلف عنها
يف العموم انبعاثات غازية أقل مما ينبعث من استخدام الوقود االحفوري .ومن
املشكالت البيئية األخرى:
الضوضاء
طرح نفايات صلبة ومياه عادمة
حدوث هزات أرضية حمدودة النطاق
حدوث هبوط أريض.
الطاقة النووية
عندما تم توليد الطاقة بواسطة االنشطار النووي
أول مرة لالستخدامات املدنية يف اخلمسينيات،
كان السبب املعلن وقتئذ هو كون هذا النوع من
الطاقة رخيص ونظيف وآمن .ثم جرى بعد ذلك
تطوير عدد من برامج األسلحة النووية يف بعض
أصبح استخدام الطاقة النووية اليوم..
يمثل مجازفة بيئية البلدان الستخدامها لألغراض العسكرية.
وتبدلت صورة الطاقة النووية Nuclear energyمنذ ذلك احلني تبدالً كبري ًا ،وباتت
اليوم واحدة من أكثر أشكال الطاقة إثارة للجدل واخلالف من وجهتي النظر
االقتصادية والبيئية .ولغاية هناية العام ،2005انترشت املفاعالت النووية سواء
الداخلة يف اخلدمة أو قيد اإلنشاء عرب أكثر من 30بلد ًا ،وأصبحت حمطات الطاقة
النووية جتهز حوايل %16من أمجايل إنتاج الطاقة الكهربائية يف العامل منذ العام
( 1990أنظر الشكل .)11 -2وتعد الطاقة النووية مصدر ًا غري متجدد ًا من
مصادر الطاقة ،ذلك ألن اليورانيوم Uraniumوهو الوقود الرئيس املستخدم يف
219
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إنتاج الطاقة النووية ،هو معدن قابل للنضوب .عىل أن مستقبل الطاقة النووية
سيعتمد بشكل كبري عىل ما يصاحبها من مشكالت بيئية.
تستند هذه املشكالت إىل حقيقة أن املادة النووية هي مادة مشعة ومن ثم
من املمكن أن تشكل خطورة عالية عىل الكائنات احلية ،وأن بعض العنارص املشعة
املستخدمة قد يدوم نشاطها اإلشعاعي لفرتات طويلة جد ًا تستغرق آالف السنني،
مما حيول دون إمكانية إعادة استخدام األرض التي تلوثت هبا .ويمكن هلذه املواد
املشعة أن تتحرر إىل البيئة عرب دورة الوقود النووي ،التي تبدأ من التعدين
والتحويل وحتضري وقود املفاعل وتنتهي بطرح النفايات النووية ومعاجلتها .وعىل
الرغم من أن معظم النفايات النووية تكون ذات مستوى إشعاعي منخفض ويمكن
التخلص منها ،مثلام احلال مع الغبار اإلشعاعي،
فأن الوقود املستنفذ قد حيتوي عىل مستويات
إشعاعية عالية لذا جيب خزنه يف منشآت خاصة
معدة هلذا الغرض .وإىل جانب الوقود املستنفذ،
هناك الكثري من املعدات املستخدمة يف حمطات
الطاقة النووية تصب ملوثة باإلشعاع وتتحول إىل
تعد النفايات المشعة ..أعظم خطر ينتج
من محطات توليد الطاقة النووية مواد مشعة بعد إغالق املحطة.
من جهة أخرى ،تستهلك حمطات الطاقة النووية كميات كبرية من املياه
ألغراض التربيد وتوليد البخار ،مما يؤثر يف األسامك ويف غريها من أشكال احلياة
املائية .كام يمكن أن ترتسب املعادن الثقيلة واألمالح املوجودة يف املاء عىل أنظمة
املحطة النووية .وحني يتم طرح املياه من املحطة ،فقد تسبب امللوثات املوجودة فيها
تأثري ًا سلبي ًا يف نوعية املياه ويف احلياة املائية.
لقد ركزت أبحاث كثرية عىل خماطر ارتفاع معدالت الوفيات بالرسطان
حول املحطات النووية العاملة .وبينام تشري تلك البحوث إىل عدم وجود عالقة
220
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
واضحة بخصوص الوفيات بني البالغني ،فأن هناك عالقة أوض بالنسبة للوفيات
من األطفال .فعىل سبيل املثال ،ربام تعزى األسباب احلقيقية وراء االرتفاع غري
الطبيعي ملرض رسطان الدم (اللوكيميا )Leukemiaبني األطفال بجوار حمطة
سيالفيلد Sellafieldيف بريطانيا ،إىل عالقتها باالنبعاثات النووية من تلك املحطة.
ومع أن األبحاث حول إثبات ارتفاع معدالت اإلصابة برسطان الدم وغريه من
األمراض الرسطانية وعالقتها باملنشآت النووية مستمرة دون انقطاع ،فأن القلق
األكرب يأيت من طرح النفايات النووية (اجلدول ،)11 – 1ومن خماطر احلوادث
النووية الكربى التي سبق اإلشارة إليها يف طيات هذا الكتاب.
اجلدول ( :)11 - 1أصناف النفايات النووية بحسب مستويات خطورهتا.
النفشـش ت ذا ت المستوى اإلرعشعي المنخفض
ها تلك النفاياغ السائلة الصلاة اليت ينرج لنها تل ث قليل بفعل ن يداغ مشعة قصريو األمد (مثا ا :ايالبس
ال اقية اليت جيري شميها من العامل باجملال اإل،عالاة م ا الاناء ايل ثةة خملفاغ مناجم الي شاني م)..
النفشـش ت ذا ت المستوى اإلرعشعي المتوسط
ها اي ا ايل ثة بن يداغ ا،عالية يلة األمد كالال ت ني م العناصر ايرخلفة لن الي شاني مة اذ ينشأ معظمها من
لملياغ انراج ال اقة الا و معاملرها (مثل :ق اان الرحكم الس ائل ايسرعملة يف خ ن ال ق ايسرنفذ قال
ايعاجلة)..
النفشـش ت ذا ت المستوى اإلرعشعي العشلي
ها تلك اي ا ايل ثة بن يداغ ذاغ نشاط ا،عالا لايل ا أنصاف ألماش يلةة تساب اشتفالاً كارياً يف شجة
حراشو ايخلفاغ (مثا ا :ال ق ايسرنفذ غري ايعاجلة النفاياغ السائلة اليت تنشأ خالل لملية معاجلة ال ق
ايسرنفذ)
الوقود الحيوي
تعد املواد النباتية ،أو ما يسمى بالكتلة األحيائية ،Biomassشك ً
ال من أشكال الطاقة
التي استخدمها اإلنسان ألغراض التدفئة واإلنارة وطهي الطعام منذ اكتشافه للنار.
والزال حطب الوقود يف العديد من البلدان النامية يعد مصدر الطاقة الرئيس ،إذ
يقدر أن 2.5مليار نسمة ،أي ما يعادل حوايل نصف عدد سكان العامل ،يعتمدون
221
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
بشكل رئييس أو كيل عىل الوقود احليوي يف سد حاجتهم اليومية من الطاقة ،ولذا
فأنه يأيت بالرتتيب الثاين بعد الوقود االحفوري من حيث االستخدام (أنظر الشكل
.)11 – 2وعىل الرغم من أن مجع حطب الوقود يف بعض أجزاء العامل النامي جيري
بطريقة غري مستدامة وهلا آثار بيئية شديدة ،فأن الوقود احليوي من الضخامة يف
كمياته بحيث يمكن عده وقود ًا متجدد ًا من عدة نواحي.
يكون الوقود احليوي Biofuelبأشكال شتى ،فقد يكون وقود ًا غري مصنع ًا
(كاخلشب والقش والروث واملواد النباتية واملخلفات الزراعية) وقد يكون مصنع ًا
(ومثال ذلك الفحم اخلشبي وغاز امليثان الناتج من معامل تصنيع الغاز احليوي
ومكبات النفايات ،وكذلك بقايا عمليات التحطيب والنشارة والكحول الناتج من
عملية التخمري) .وقد استخدمت املخلفات الصناعية والزراعية لسنوات عدة
لتوليد البخار يف حمطات إنتاج الطاقة الكهربائية التقليدية .ويف بعض البلدان
اإلسكندنافية ،حيث يسهم الوقود احليوي بنسبة عالية نوع ًا ما من استهالك الطاقة
الوطنية ،تعد املخلفات اخلشبية من معامل الورق أهم عنرص هناك .وحققت بعض
البلدان ،وبخاصة الربازيل ،تقدم ًا ملحوظ ًا يف استبدال البرتول املستخدم يف
السيارات بوقود مستخلص من قصب السكر ،كام يتم حجز االنبعاثات الغازية
الناجتة من حرق النفايات البلدية يف املحارق الستخدامها يف توليد الطاقة.
عىل هذا ،ينظر إىل الوقود احليوي كونه
ال مثالي ًا لقضية الطاقة .فطاملا أن النباتات
يعد ح ً
متتص غاز ثنائي أكسيد الكربون عند مراحل
نموها املختلفة ،فأهنا بذلك ختلصنا من هذا الغاز
الضار الذي تطلقه السيارات وغريها .كام إهنا
يمثل الوقود الحيوي حالً واعداً لمشكلة الطاقة
لكن استغالله ال يخلو من صعوبات تعد مورد ًا متجدد ًا ،ويمكن زراعته باستمرار
لسد النقص يف إمدادات الوقود .لكن لآلسف الشديد ،ليس األمر هبذه البساطة.
222
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
فزراعة النباتات تتطلب رصف كميات هائلة من الطاقة بحد ذاهتا ،وذلك لغرض
تصنيع األسمدة واملبيدات التي حيتاجها النبات أثناء مراحل زراعته حتى يتحول إىل
ال ،قد حيتاج وقود االيثانول املستخلص من الذرة الصفراء إىل رصف وقود .فمث ً
طاقة أكرب من التي تستخدم لزراعة حمصول الذرة ألغراض الطعام .كام أن الوقود
احليوي ال يؤ ّمن يف احلقيقة قدر ًا كبري ًا من الطاقة مثل التي يؤ ّمنها إنتاج الوقود
ال عن النفط مادامت الطاقةاالحفوري ،ولذا فقد ال يكون الوقود احليوي بدي ً
املنتجة عنه تتطلب رصف كميات كبرية جد ًا من املحاصيل الزراعية.
إىل بنزين Ethanol يضاف االيثانول
السيارات يف الغالب ،ومع أن هذا املزيج حيرتق
بشكل أنظف من البنزين النقي ،فأنه خيلف كثري ًا
من االنبعاثات غازية واألبخرة من خزانات وقود
السيارات ومن جهاز مقسم الوقود (الكاربريرت).
ينطوي الوقود الحيوي على بعض األضرار
البيئية ..لكنها أقل من الوقود االحفوري وتسهم هذه االنبعاثات يف مشكالت لطبقة
األوزون أو حدوث الضباب الدخاين .وال خيلو استخدام وقود االيثانول من غاز
ثنائي أكسيد الكربون أيض ًا .أما الديزل احليوي Biodieselفأنه حينام حيرتق ال
خيلف سوى القليل من أكاسيد الكربيت واجلسيامت الغبارية وأحادي أكسيد
الكربون واهليدروكربونات قياس ًا بالديزل التقليدي املشتق من النفط .لكنه يف
املقابل يطرح كميات أكرب من أكسيد النرتوجني باملقارنة مع الديزل النفطي.
من ناحية أخرى ،يسبب حرق الكتلة االحيائية عموم ًا انبعاث غازات
ضارة مثل ثنائي أكسيد الكربون والكربيت ،وإن كان ما يتخلف عنها من تلوث
أقل بكثري مما يتخلف عن الوقود االحفوري .إذ أن حرق اخلشب يف املواقد أو
األفران قد يسبب تكوين ملوثات كأحادي أكسيد الكربون مثالً .كام يمكن أن ينتج
أيض ًا عن حرق النفايات الصلبة والقاممة يف مكبات الطمر الصحي انبعاثات غازية
223
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
خطرية .فقد يرتتب عن الرماد الناتج من عملية احلرق مشكلة بيئية ،لكونه قد
حيتوي عىل معادن سامة كالرصاص والكادميوم.
الوقود االحفوري
يكون الوقود االحفوري Fossil fuelsعلى ثالثة أنواع ،هو :الفحم احلجري والنفط
والغاز الطبيعي .ويقدر أن نسبة مسامهة هذه املصدر تبلغ يف الوقت احلارض نحو
%86من أمجايل الطاقة املنتجة يف العامل ،وهو يشكل بذلك أكرب مصدر لتجهيز
الطاقة العاملية حلد اآلن (أنظر الشكل .)11 – 2
يعد الوقود االحفوري مورد ًا غري متجدد ،ويتطلب إنتاجه القيام بعمليات
تنقيب وتعدين واستخراج وحفر واسعة النطاق .كام يعد الوقود االحفوري ـ سواء
يف مرحلة اإلنتاج أو االستهالك ـ من أبرز املصادر امللوثة للبيئة يف العامل عىل
اإلطالق ،إذ يتخلف عن حرقه إمجاالً حوايل 21.3مليار طن من غاز ثنائي أكسيد
الكربون يف السنة ،وال يمكن للعلميات الطبيعية املختلفة أال أن متتص حوايل نصف
هذه الكمية فقط ،ولذا فأن صايف الزيادة هلذا الغاز الذي يرتاكم يف الغالف اجلوي
يكون بمقدار 10.65طن سنوي ًا .ومثلام عرفنا
سابق ًا ،فأن لغاز ثنائي أكسيد الكربون عدة
تأثريات بيئية كونه يعد أحد غازات الدفيئة املسببة
لظاهرة االحتباس احلراري التي تؤدي إىل ارتفاع
معدل درجات حرارة األرض وما يرتتب عىل
يعد الوقود االحفوري المصدر األكبر
لتلوث البيئة العالمية ذلك من تداعيات سلبية عىل البيئة.
عىل هذا ،يمكن بحث األثار البيئية لكل شكل من أشكال الوقود
االحفوري عىل النحو اآليت:
224
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-1الفحم احلجري:
يعد الفحم احلجري Coalمن أبرز مصادر الطاقة
منذ الثورة الصناعية وحتى اليوم ،وأكثرها تلويث ًا
للبيئة .ويرتافق األثر البيئي للفحم مع عمليات
تعدينه وتصنيعه واستخدامه .إذ يؤدي استخراج
الفحم احلجري إىل تدمري شديد للبيئة وتلويث ًا
كان الفحم الحجري واليزال..
لنوعية اهلواء واملاء والرتبة عىل حدّ سواء .فضالً
من أكثر مصادر الطاقة تلويث ًا للبيئة
عن ترسب املياه احلمضية من املناجم إىل املياه اجلوفية ،فيام يفيض حرق الفحم إىل
انبعاث مواد ضارة حتتوي عىل ثنائي أكسيد الكربون وأكاسيد الكربيت والزئبق
والثوريوم والزرنيخ وغريها من املعادن الثقيلة ،ناهيك عن تطاير الرماد السام.
ثمة العديد من األثار الصحية اخلطرية التي تنتج عن حرق الفحم.
فبحسب تقارير منظمة الصحة العاملية WHOوبعض املنظامت البيئية ،يقدر أن
التلوث بجسيامت الفحم املتطايرة يعجل بحياة قرابة مليون إنسان سنوي ًا يف سائر
أنحاء العامل .كام ينجم عن عمليات تعدين الفحم عدة أثار بيئية سلبية ترض بالصحة
البرشية ،من بينها تدفق املياه امللوثة حني يتم حفر مناجم الفحم .ويؤدي تعدين
الفحم أيض ًا إىل تغيري األشكال التضاريسية وربام إىل إزالة قمم جبلية أو تالل
بأكملها.
تارخيي ًا ،كان تعدين الفحم واليزال يعد نشاط ًا خطري ًا للغاية حتى أن قائمة
احلوادث والكوارث املتعلقة بذلك طويلة جد ًا .وتتنوع تلك الكوارث ما بني
االختناق والتسمم بالغاز واهنيار سقوف املناجم وانفجار الغازات .ويف الواليات
املتحدة األمريكية وحدها لقي أكثر من 100.000عامل من عامل املناجم حتفهم
جراء حوادث وقعت يف القرن املايض ،منهم 3.200عامل قتلوا يف العام 1907
وحده.
225
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-2النفط:
يعد النفط من أهم مصادر الطاقة يف الوقت
احلارض عىل اإلطالق ،غري أنه ذي أثر سلبي
بالنسبة ملعظم أشكال احلياة فوق كوكب
األرض .وعىل الرغم من أن النفط يعد وقود ًا
أنظف من الفحم ،فأنه حيفل بالعديد من األرضار
بالرغم من أهمية النفط كمصدر للطاقة..
فأنه له أضرار خطيرة على البيئة عىل البيئة.
السمي ."Toxicفالنفط
من أبرز أرضار النفط املؤثرة يف البيئة هو مفعوله " ّ
اخلام Crude oilعىل وجه اخلصوص يتكون من مزيج عدة مركّبات عضوية ،أغلبها
ال حقيقي ًا بالنسبة
السمية وسبب ًا ألمراض الرسطان .كام يعد النفط قات ً
ّ تكون شديد
لألسامك ،التي رسعان ما هتلك بمجرد بلوغ تركيز النفط يف املياه 4000جزء
باملليون .ويسبب التعرض للمشتقات النفطية أيض ًا تشوهات خلقية بالنسبة
لألجنة .ويعد البنزين ،Benzeneعىل سبيل املثال ،وهو أحد مشتقات النفط ،سبب ًا
إلصابة اإلنسان برسطان الدم ورسطان الغدد اللمفاوية وأمراض اجلهاز املناعي
األخرى.
من جهة أخرى ،تسبب عمليات تكرير النفط تلوث ًا للهواء ،فتحويل النفط
اخلام إىل مواد برتوكياموية يطلق كميات من السموم للغالف اجلوي مؤثر ًة يف
الصحة البرشية والنظام البيئي عىل نحو خطري .ويؤدي حرق الكازولني إىل حترر
ال عن أن ثنائي أكسيد الكربون مسامه ًا يف حدوث ظاهرة االحتباس احلراري .فض ً
االنسكابات النفطية الواسعة النطاق التي حتدث خالل عمليات احلفر أو النقل أو
االستخدام تسفر عن أرضار جسيمة يف البيئة املحيطة .ومن أشهر حوادث
االنسكابات النفطية التي أدت إىل أثار كارثية عىل البيئة ،حادثة ناقلة النفط أكسون
يف آالسكا عام ،1989وحادثة الترسب النفطي من منصة Exxon Valdez فالديز
226
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-3الغاز الطبيعي:
يعد الغاز الطبيعي Natural gasمن أنظف أنواع الوقود االحفوري .غري أنه ال خيلو
من بعض الرضر البيئي .فالغاز الطبيعي عبارة عن مركّب مكون بالدرجة األساس
من امليثان ،والذي يطلق عند احرتاقه ثنائي أكسيد الكربون وبخار املاء ،وهي نفس
املركّبات التي نطلقها يف عملية الزفري .وباملقارنة مع الفحم والنفط ،يطلق الغاز
الطبيعي عند االحرتاق كميات صغرية من ثنائي أكسيد الكربيت وأكاسيد
النرتوجني لذا يكون ذي رائحة كرهية يف العادة .وال يتخلف عن حرق الغاز
الطبيعي عملي ًا أي رماد أو جسيامت عالقة ،بالرغم من حترر كميات ضئيلة من
غازات أحادي وثنائي الكربون وغريها من
اهليدروكربونات .ومع هذا ،حني جيري حرق
الغاز الطبيعي عىل نطاق واسع لغرض عزله عن
النفط اخلام املستخرج ،فمن املمكن أن يتسبب
ذلك بمستويات تلويث شديدة للهواء اجلوي،
الغاز الطبيعي أنظف أنواع الوقود االحفوري
لكن حين يستغل بكثافة يسبب تلوث ًا بيئي ًا وربام املسامهة يف تفاقم ظاهرة االحتباس
احلراري.
ونظر ًا حلاجة عملية استخراج الغاز الطبيعي من باطن األرض إىل حقن
مزيج من مواد كياموية سائلة مع رمل ومياه إىل املكمن الصخري احلاوي عىل الغاز
مع تسليط ضغط شديد ،وذلك إلخراج الغازات املحتبسة يف املكمن إىل السط ،
فأن هذه املواد الكياموية والرمل الذي يرتك يف املكمن تؤدي إىل تلويث املياه اجلوفية
وربام حتى إىل زعزعة استقرار الطبقات الصخرية الباطنية .لذا ،يساور العلامء قلق
227
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
من حدوث هزات أرضية حالي ًا يف منطقة الغرب األوسط األمريكي ،عىل سبيل
املثال ،نتيجة حلقن مياه عادمة إىل مكامن الغاز الطبيعي املوجودة فيها ،عل ًام أن
املنطقة مل تكن تعاين يف السابق من أي هزات أرضية.
228
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-6صنّف مصادر الطاقة ،يف صيغة جمدولة ،بحسب آثارها البيئية يف ضوء األسس
اآلتية:
شدة وخطورة التأثري البيئي.
أمد التأثري البيئي ومساحته.
نوع البيئة املترضرة من كل مصدر من مصادر الطاقة.
229
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
230
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ذاك هو املقارنة ما بني خطورة ذلك املكان مع مزاياه .ففي كثري مـن املواقـع ،تتمتـع
الظاهرة الطبيعية املسؤولة عن كارثة ما بمخاطر ومنافع يف آن واحـد .فـالنهر ،عـىل
سبيل املثال ،يتعرض إىل الفيضان مما قد جيعله خطـر ًا ،لكـن يعـد يف الوقـت نفسـه
مصدر ًا للمياه ويمثل سهله الفييض مكان ًا للرتب اخلصبة واالنبسـاط .وعـىل هـذا،
فإن الكارثة الطبيعية بقدر ما حتمل من خماطر مجة ،فأهنا أيض ًا قد تكون نافعة للنشاط
البرشي عرب أزمان خمتلفة.
هذا ويمكن تصنيف الكوارث الطبيعية بحسـب نوعهـا وتكـرار حـدوثها
وأمد تأثريها مثلام مبني يف اجلدول (.)12 - 1
اجلدول ( :)12 - 1تصنيف الكوارث الطبيعية تبع ًا لنوعها وتكرار حدوثها وأمد تأثريها.
231
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الـزالزل
يسجل فوق سط األرض يف كل عـام حـوايل مليـون هـزة أرضـية ،Earthquakes
لكن الغالبية العظمى منها تكون عبارة عن هزات صغرية جد ًا بحيث ال يشـعر هبـا
الناس .لكن ،ال يتسبب سوى عدد قليل جد ًا من الزالزل الكربى التي تقـع يف كـل
232
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
سنة بإحداث رضر ًا واسع ًا مسبب ًة بذلك بعض ًا من أكثر الكوارث الطبيعيـة يف العـامل
ال عانت من بعض أسوء النكبات من جراء زالزل أرضية عنيفة: تدمري ًا .فالصني مث ً
فقد أدى زلزال العام 1556الذي رضب شنيـيس Shensiإىل مقتـل مـا يزيـد عـن
800.000شخص ،فيام أسفر زلزال تانغشن Tangshanيف العام 1976عن مقتل
أكثر من 250.000شخص ًا.
حتدث معظم الزالزل نتيجة لضغوط تكتونية شديدة تتحرر عىل مقربة مـن
حافات الصفائ الصخرية لألرض ،مع أهنا قد حتـدث أيضـ ًا يف املنـاطق الضـعيفة
الواقعة يف وسط تلك الصفائ .وعىل الـرغم مـن معرفتنـا اجليـدة بمواقـع حـدود
الصفائ ومعظم الصدوع املرتبطة هبا (الشـكل ،)12 – 2إال أن التحديـد الـدقيق
لوقت ومكان حدوث اهلزات الفردية أمر غري ممكن التنبؤ به واقع ًا عىل وجه الدقـة.
وقد كان استخدام مراقبة املوجات الزلزالية إىل جانب معاينة الظواهر الطبيعية ،بـام
يف ذلك ترصفات احليوانات ،يعد الـتكهن النـاج الوحيـد بوقـوع زلـزال مـدمر،
كالذي رضب مدينة هاتشنغ Haichengالصينية يف شـباط .1976إذ صـدر األمـر
بإخالء هاتشنغ مع مدينتني أخريني قبل 48ساعة من وقوع الزلـزال ،األمـر الـذي
حفظ أرواح اآلالف.
233
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
إن أهم خطر بيئي ينشأ عن احلركات األرضية الزلزالية هو اهتزاز األرض،
،Richterوهو عبارة عن مقياس scale الذي يمكن قياسه عىل مقياس رخيرت
لوغاريتمي يقيس الطاقة االهتزازية للهزة .ويف نيسان من العام ،1906تسبب
بوالية كاليفورنيا San Andreas زلزال وقع عىل طول صدع سان أندرياس
األمريكية ،بانزالق الصدع لستة أمتار عىل مسافة 300كم ،وتسببت األمواج
العابرة التي حتررت عن االنزالق بدمار واسع لسان فرانسيسكو .وقد كان لظروف
املوقع املحلية أثر مهم عىل احلركة األرضية ،إذ وقعت أكرب األرضار للمنشآت يف
املناطق املرتكزة عىل ترب ضعيفة عىل نقيض تلك املرتكزة عىل صخور صلبة .أما
الزلزال الذي رضب األجزاء الوسطى من العاصمة املكسيكية مكسيكو سيتي يف
العام ،1985فقد تسبب بخسائر فادحة ،وذلك
ألن املدينة كانت تقوم فوق قاع بحرية جافة.
وباملثل ،فقد تسبب زلزال متوسط بقوة 5.4عىل
مقياس رخيرت رضب مدينة سان سلفادور يف
العام ،1986بدمار واسع عىل نحو استثنائي،
تتكرر الزالزل في العاصمة المكسيكية..
لكونها تقع فوق قاع بحيرة جافة نشطة تكتوني ًا وذلك ألن املدينة مبنية فوق طبقة من الرماد
الربكاين يصل سمكها إىل ما يزيد عن 25مرت ًا.
ثمة خطر جدي أخر للزالزل يرتبط بالرواسب الطرية املشبعة باملاء ،ذلـك
هو سيولة الرتبة .إذ يمكن لالهتزاز العنيف أن يؤدي إىل طراوة الرواسب وضـعف
متاسكها وحتوهلا إىل ما يشبه السائل .ويمكن هلذه احلالة أن تـؤول إىل هبـوط املبـاين
وتدفق الرتبة من عىل السفوح التي تزيد درجة انحدارها عن 3درجات .وغالب ًا مـا
تلعب التدفقات الطينية واالنزالقات األرضية واالهنيارات الصخرية والثلجية التي
تنجم عن االهتزازات األرضية دور ًا رئيس ًا يف كوارث الزالزل ،السـيام يف املنـاطق
234
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
اجلبلية .ويف دراسة للزالزل الكربى يف اليابان ،وجد أن االنزالقات األرضـية هـي
السبب وراء وقوع أكثر من نصف الوفيات املرتبطة بالزالزل.
تعــد الزحزحــة التكتونيــة لقــاع البحــر
الســبب الــرئيس حلــدوث األمــواج البحريــة
العمالقــة ،أو مــا يســمى بــأمواج التســونامي
،Tsunamisالتي يمكنها قطـع مسـافات تصـل
آلالف الكيلو مرتات وبسـرعة تزيـد عـن 900
تسبب أمواج التسونامي الناجمة عن الزالزل
البحرية ..دمار ًا هائالً للمناطق الساحلية كم/ساعة والتسبب بأرضار جسيمة عند رضهبا
للسواحل .ويكثر حدوث أمواج التسونامي يف املحيط اهلادي حيث تسببت أحـدى
أضخم املوجات وأكثرها تدمري ًا ،بعـدما بلـغ ارتفاعهـا 24مـرت ًا ،بغـرق 26000
شخص ًا يف سانريكو Sanrikuباليابان يف العام .1896أما موجـة التسـونامي التـي
وقعت يف املحيط اهلندي يف كانون األول من العام 2004فقد أحلقت خسـائر أكـرب
يف األرواح ،إذ يقدر عـدد اللـذين لقـوا مصــرعهم أو فقـدوا بحـوايل 300.000
شخص ًا ،مما جيعلهـا تعـد واحـدة مـن أكـرب الكـوارث الطبيعيـة دمـار ًا يف التـاريخ
احلديث .إذ وقع زلزال عنيف قبالة ساحل شاميل سومطرة يعـد األعنـف حلـد اآلن
بعدما بلغت قوته عىل مقياس رخيرت ،9.3وتسبب بحدوث أمواج وصـل ارتفاعهـا
إىل 30مرت ًا انترشت عرب أرجاء املحيط برسعة تقارب رسعة الطائرة النفاثـة .وبلـغ
عدد الذين تأثروا مبارشة هبذه األمواج قرابة مليونني نسمة .وحدثت أكرب الفواجع
وأعنف دمار وأوسعه يف مقاطعـة آيش Acehبجزيـرة سـومطرة ،إذ كـان سـاحلها
األقرب إىل مركز الزلزال ،إذ مل يستغرق وصول موجة التسونامي إليه سوى عشــر
دقائق .أما ثاين أكثر املناطق ترضر ًا فكان ساحل تايالند ،يليه اهلند وسريالنكا ،لكن
تم تسجيل وقوع أرضار وخسائر يف األرواح يف مناطق تقع عىل مسافات بعيدة جد ًا
235
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
عن مركز الزلزال كام يف بنغالديش وجزر سيشيل والصومال .وقدر جمموع اخلسائر
االقتصادية التي نجمت عن هذه الكارثة الدولية بمليارات الدوالرات.
الثورانات البركانية
Volcanic تســـببت الثورانـــات الربكانيـــة
eruptionsبمقتل زهاء 250.000شخص عىل
مدى الـ 400سـنة األخـرية نتيجـة للمخـاطر
الكثرية التـي ترافقهـا ،مثـل تسـاقط الصـخور
والرماد ،وانبعاث الغـازات السـامة واهنيـارات
الزالت البراكين تشكل كارثة مدمرة..
إذا ما ثارت وانفجرت احلطــام الصــخري وانســياب احلمــم الربكانيــة
والتدفقات الطينية والتـدفقات الفلذبركانيـة Pyroclasticامل ّكونـة مـن رغـوة مـن
املفتتات الصخرية والغازات .ويمكن أن تصل التـأثريات البيئيـة هلـذه املظـاهر إىل
مسافات بعيدة جد ًا .وقد تسبب الرباكني النشطة أيض ًا بمخاطر طويلـة األمـد عـىل
الصحة البرشية وذلـك جـراء التعـرض املسـتمر لغـازات ثنـائي أكسـيد الكربـون
والرادون وغريمها من امللوثات .ويعتقد أن نحو 500بركان فقط قـد ثـارت فعليـ ًا
عرب التاريخ ،وبغض النظر عن تصنيفها كوهنا براكني نشطة أو خاملـة أو منقرضـة،
فإهنا تسبب يف بعض األحيان دمار ًا واسع ًا (مثلام يف بركان جبل بانتيبو Pinatuboيف
الفلبني عام .)1991وكام احلال مع الزالزل ،فإن العامل املؤثر يف توزيـع الرباكـني
ونشاطها هو الوضع التكتوين لألرض (أنظر الشكل .)12 – 2
يمكن للدقائق الصلبة التي يلفظها الربكـان يف أثنـاء ثورانـه ،التـي تـدعى
عموم ًا بالرماد الربكاين ،التسبب بأخطار شتى تبعد مئات الكيلو أمتار عن الربكان.
فالدقائق الصغرية قد يتم استنشاقها ،مما يسبب مشكالت تنفسـية كـالربو والتهـاب
الشعب اهلوائية وترضر العيون واجللد .وقد يرتاكم الرماد الربكاين أيض ًا عىل املباين،
مسبب ًا اهنيارها جراء ثقله فوق السـقوف .ويمكـن أيضـ ًا اإلرضار بالغطـاء النبـايت،
236
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
كاملحاصيل الزراعية مـثالً ،وذلـك بفعـل أطامرهـا أو تلوثهـا .وقـد يكـون الرمـاد
الربكاين ملوث ًا بغازات سامة كالفلورين ( )Fالذي ينبعث بكميـات كبـرية يف بعـض
الثورانات ،مما قد يشكل خطر ًا عىل احليوانات التي ترعى يف املراعي .ويعد التسـمم
بالفلوريد من املشكالت اخلطرية التي تعاين منها
بشكل خاص املاشية يف أيسـلندا ،حيـث تسـبب
مث ً
ال هبالكات آلالف األغنام يف أعقـاب ثـوران
بركان هيكال .1970كام أن ميـاه الشــرب قـد
يسبب الرماد البركاني نتائج كارثية
تصب ملوثة بالفلورين من الرماد الربكاين ،عل ًام
على الصحة العامة
أن تسمم البرش بالفلورين يبدو أمر ًا نادر ًا.
أما تدفق احلمم الربكانية ،التي تعـد مـن أكثـر املخـاطر التـي تتصـف هبـا
الرباكني ،فأهنا نادر ًا ما تكـون رسيعـة بـام يكفـي للتسـبب بحـدوث وفيـات لكـن
بوسعها أن تسحق متام ًا كل ما يعـرتض طريقهـا .وتتبـاين االسـتجابات للتصـدي
لتدفق احلمم الربكانية بني الدول .إذ متيل الدول الناميـة إىل االعـتامد عـىل أسـلوب
التحذير من اخلطر واإلخالء ،فيام حتاول بعض الدول املتقدمة التخفيف من اخلطـر
من خالل تعـديل مسـار احلمـم املتدفقـة بواسـطة املتفجـرات ،ووضـع احلـواجز
واملتاريس حلامية املناطق املأهولة بالسـكان ،وكـذلك
التحكم بالتدفق باسـتخدام امليـاه (مـثلام معمـول يف
هاواي ،أيسلندا ،إيطاليـا ،واليابـان) ،علـ ًام أن هـذه
البلدان تلجأ أيض ًا إىل أسـلوب التحـذير واإلخـالء.
ويقــرتح الــبعض أنــه بــات باإلمكــان اآلن جتنــب
حدوث "وفيات كثرية" مـن خـالل تطبيـق طرائـق
التنبؤ البسيطة إىل حـد مـا ،ذلـك ألن نشـاط معظـم
تعد الحمم البركانية..
أكبر أخطار البراكين الرباكني يقوم عىل حجم الثوران ،والثوران هو الذي
237
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
يبني الربكان ،وبناء الربكان يمكن كشفه ،إذا مـا تـوفرت مراقبـة كافيـة باسـتخدام
املقاييس الزلزالية وحتليل عينات الغازات .ومع هـذا ،تبقـى هنـاك حقيقـة وجـود
العديد من املنشآت البرشية يف سائر العامل تقع يف مرمى الكوارث الربكانية املحتملة،
مثلام يف بعض املدن الكربى الواقعة عىل مقربة من الرباكني كمكسيكو سيتي (قـرب
Tangkuban بركان بوبوكاتبيتل ،)Popocatepetlبانكوك (قرب بركان تانغبن براها
،)Parahuنابويل (قرب بركان فسيفيوس ،)Vesuviusماناغوا (قرب بركان ماسـايا
ننديري ،)Masaya Nindiriإذ تقع مجيعها عىل مسافة ال تزيد عن 50كم مـن تلـك
الرباكني .وقد يؤدي التوسع احلرضي ،السيام يف البلدان النامية ،إىل زيادة التعـرض
ملخاطر الثورانات الربكانية املحيطة بالعديد من املدن الكربى يف العامل.
أما يف العرص احلايل ،فثمة فارق واض بني التنبؤ الصائب وعملية اإلخـالء
الناجحة كام حصل بالنسـبة للمنطقـة املحيطـة بجبـل بـانتيبو Pinatuboالواقـع يف
جزيرة الزيو الفلبينية خالل العام ،1991وبني الفشل يف عملية اإلخالء يف الوقت
املناسب الذي حدث خالل ثوران بركان نيفـادو ديـل ريـوز Nevado del Ruizيف
كولومبيا خالل العام .1985إذ تم رصد حدوث اهتزازات وغريها مـن الظـواهر
غري املألوفة يف نشاط بركان نيفادو قبل نحو عام من ثورانه ،واستدعي العديـد مـن
اجليولوجيني واملتخصصني يف جمـال علـم الـزالزل لتقيـيم الوضـع ،لكـن ضـعف
التواصل واإلجراءات احلكومية البريوقراطية حالـت دون اختـاذ قـرار اإلخـالء يف
الوقت املناسب .وثار الربكان يف 13ترشين الثاين ،وأذاب جزء ًا من اجلليد املتجمع
يف قمة اجلبل ،واجتاح سيل جارف من املياه الذائبة واملفتتات الصخرية املتدفقة من
القمة القنوات املائية الواقعة يف األسفل مقتلع ًا الغطاء النبايت وتكونـت عـىل الفـور
سيول هادرة من املـاء والوحـل .وقـد لقـي زهـاء %70مـن سـكان بلـدة أرمـريو
( Armeroأي حوايل 20.000نسمة) حتفهم جراء التدفق الطيني فيام قتـل 1800
شخص ًا عىل اجلهة األخرى من الربكان .وحلـق الـدمار واألرضار بـام جمموعـه 50
238
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
239
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
240
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
،2006 - 1970فمث ً
ال تفوق اخلسائر االقتصادية النامجـة عـن إعصـاري كاترينـا
Katrinaوأندرو Andrewأمجايل ما نجم عن اعتداءات 11سبتمرب .2001
اجلدول ( :)12 - 2بعض األعاصري املدارية األكثر تدمري ًا للفرتة .2006 – 1970
0
241
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
ونظر ًا لفشل حماوالت السيطرة عىل األعاصري املدارية أو تغيري مسـارها أو
تدمريها ،فأن أهم ما تركز عليه املجتمعات هو حماولـة تقليـل األرضار مـن خـالل
االستعداد الكامل ملواجهة اإلعصار .إذ تعد األقامر االصـطناعية املختصـة برصـد
املناخ من أهم الوسائل الكفيلة بالكشف عن األعاصري املدارية ومراقبتها ،وبـذلك
تكون وسيلة ناجعة لإلنذار املبكر .وقد عملت التحسينات يف جمال التنبؤ واإلنـذار
وخطط اإلخالء عىل التقليل من حجم اخلسائر البرشية يف العديد من البلدان خالل
العقود األخرية ،يف مقابل ارتفاع األرضار يف املمتلكـات .ففـي الواليـات املتحـدة
األمريكية ،يقدر أن نحو 70مليون نسمة هم عرضة خلطر األعاصري املداريـة ،وأن
قرابة %10منهم يقطنون يف فلوريدا .والحظ بعض املراقبني وجود فارق جـوهري
يف التأثري ما بني البلدان املتقدمة والنامية ،فاألوىل أفضـل تنظـي ًام وأقـدر عـىل إبـالغ
التحذيرات وتسهيل اإلخالء.
إن من أكثر البلدان املتأثرة تـأثر ًا شـديد ًا
وبشــكل متكــرر مــن األعاصــري املداريــة هــي
بنغالديش ،التي رضهبا خالل املـدة املمتـدة مـن
1797إىل 1997نحو 61إعصـار ًا عنيفـ ًا32 ،
إعصار ًا منها كان مصحوب ًا بأمواج بحرية عاتيـة.
تعد بنغالديش ..أكثر البلدان المفجوعة من
األعاصير المدارية وكانت بعض هذه األعاصري قد أوقعت خسـائر
ال أسفر إعصار ترشين األول من العام ،1876الذي نجمت عنه أمواج فادحة .فمث ً
عاتية بارتفاع 12مرت ًا ،عن خسـائر يف األرواح وصـلت إىل 400.000قتيـل ،كـام
قتل 300.000أخرين يف موجة بحرية عاتية بلـغ ارتفاعهـا 10أمتـار يف تشــرين
الثاين من العام ،1970فيام فقد 140.000أرواحهم جراء إعصار جوركي Gorky
يف نيسان من العام .1991إن ارتفاع الكثافة السكانية لبنغالديش يعني أن النـاجني
رسعان ما يبادروا إىل إشغال األرايض الساحلية املنخفضة بعد زوال الكارثة .وهلذا
242
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
تبنت احلكومة البنغالدشية مرشوع احلامية مـن األعاصـري الـذي هيـدف إىل إعـادة
تأهيل السدود الساحلية املبنية يف الستينيات والسبعينيات ،وذلك لتـوفري قـدر مـن
احلامية هلذه املناطق .ومع هذا ،فأن استئصـال التهديـد املتـأيت مـن األعاصـري ومـا
ال يف احلقيقة .وقد بذلت جهود كبـرية يفيصاحبها من أمواج عاتية يعد أمر ًا مستحي ً
جمال تبليغ التحذيرات ملعظم سكان األرياف حتى أنه تم بناء أكثر من 3400ملجـأ
ومأوى هلذا الغرض .وصدرت أيض ًا دعوات إىل إتباع وسائل محاية أكثر فعالية مـن
خالل إعادة زراعة املنـاطق املهـددة مـن غابـة القـرم (املـانغروف) يف سـندربانس
Sundarbansويف أماكن أخرى عىل امتداد الساحل ،وذلك لتأمني محاية طبيعية مـن
األمواج البحرية العاتية .غري أن فعالية هذه السبل عىل املدى البعيد مـا زالـت مثـار
شك ،بسبب بعض التغريات املتوقع حدوثها يف املنطقة من جراء ظاهرة االحتبـاس
احلراري وارتفاع منسوب سط البحر.
الفيضانات
تعد الفيضانات Floodsمن أكثر مظاهر
الكــوارث الطبيعيــة شــيوع ًا ويمكــن
حدوثها يف أي بلـد (الشـكل .)12 – 4
والفيضانات عبارة عـن غمـر األرايض
اليابســة بامليــاه ،ويمكــن تصــنيفها إىل
تعد الفيضانات ..أكثر الكوارث الطبيعية شيوعاً
فيضانات ساحلية التي يكـون معظمهـا
مرتبط ًا هبيجان أمواج البحر ،وفيضانات هنرية .وعـاد ًة مـا تكـون الظـواهر اجلويـة
السبب الرئيس لفيضان األهنر .ويف الغالب تكون األمطار الغزيرة هي املسؤولة عن
ذلك ،أما ذوبان الثلج واالنسداد املؤقت ملجاري األهنار بفعـل اجلليـد الطـايف فقـد
تكون من األسباب املهمة للفيضانات عىل املستوى الفصيل .وتتـأثر ارجحيـة هـذه
العوامل املؤدية إىل حدوث فيضان معني بالعديد من اخلصـائص املختلفـة حلـوض
243
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشكل ( :)12 – 4خريطة الفيضانات العارمة حول العامل للمدة .2002 – 1985
تعد تقنيات التنبؤ بالفيضانات متطورة جـد ًا .فمعظـم الفيضـانات حتـدث
موسمي ًا وغالب ًا ما يتم التكهن بوقوعها من خالل مراقبة األحوال اجلوية ،كام أصب
باإلمكان حساب الفـرتة التـي يصـل فيهـا جريـان النهـر إىل الـذروة عنـد هطـول
األمطار .وبات ممكن ًا أيض ًا حساب فـرتات تكـرار حـدوث الفيضـانات ،وإن كـان
ذلك يتطلب بيانات ترجع لفرتات بعيدة.
يعد هنر املسيسبي Mississippiيف الواليات املتحـدة األمريكيـة مـن أكـرب
األهنار يف العامل واألكثر دقة يف إدارهتا .فعىل سبيل املثال ،بورش بجعل مسـار النهـر
مستقي ًام منذ الثالثينيات من القرن املايض وذلك لزيادة منحدر جمـرى النهـر ورفـع
رسعته بحيث تعمل مياهه عىل نحت املجرى وتعميقه باسـتمرار ،ومـن ثـم زيـادة
قدرته الفيضانية .كام تم عمل منشآت هندسية عىل نطـاق واسـع عـرب جمـراه ،إذ أن
244
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
245
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
األوبئة الفتاكة
تعد األمراض الوبائيـة ،التـي باإلمكـان
الوقاية والشفاء من معظمهـا ،مـن أهـم
األسباب املؤديـة إىل تفشــي األمـراض
والوفيات عىل مستوى العامل .إذ أهنا تعد
السبب حلوايل نصف الوفيات يف البلدان
تشكل األوبئة الفتاكة ..خطراً دائم ًا
على البلدان النامية بشكل خاص النامية ،حيث يكون األطفـال دون سـن
اخلامسة من أبرز ضحاياها .أما يف البلـدان املتقدمـة ،فتكـون أمـراض الشـيخوخة
واألمراض الشائعة كـأمراض القلـب والســرطانات هـي القاتـل الـرئيس ولـيس
األوبئة .وتأيت حقيقة معاناة أعداد كبـرية جـد ًا مـن النـاس يف البلـدان الناميـة مـن
األمراض الوبائية بشكل خاص ،نتيجة جلملة من العوامل مثل سوء التغذية وعـدم
كفاية املياه الصاحلة للرشب وانعدام الرصف الصحي وضعف املامرسـات الصـحية
وظروف العيش املزدحم .والواقع يمكن عدّ تصاعد النمو احلرضي الذي يبلغ أعىل
246
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
247
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشكل ( :)12 – 5التوزيع اجلغرايف العاملي النتشار مرض الكولريا بني البلدان املوبوءة واملستوردة.
تارخيي ًا ،وصل وباء الكولريا للمرة األوىل إىل أوربا يف القرن التاسع عشــر،
مسبب ًا ست موجات وبائية رئيسة ،والواقع أن املياه القذرة التي لعبت دور ًا أساسـي ًا
يف انتقاله كانت دافع ًا قوي ًا وراء النهضة يف جمال الصحة العامة التي شـهدهتا العديـد
من البلدان األوربية يف القرن التاسـع عشــر .وقـد سـاعدت هـذه اإلجـراءات يف
القضاء تقريب ًا عىل مرض الكولريا من معظم البلدان املتقدمة ،غري أنه وقعـت هنـاك
موجة وبائية سابعة يف مطلع الستينيات من القرن العرشين انتشـرت من إندونيسـيا
ووصلت إىل أفريقيا وجنويب أوربا يف غضون عشـر سنوات .وقـد سـبب انتشـارها
الرسيع يف أفريقيا بوفيات كثرية بعد مرور حوايل 75سنة كان خالهلـا القلـق حيـال
املرض قد خف نسبي ًا .ووصل الوباء إىل أمريكا اجلنوبية جمتاح ًا العاصـمة البريونيـة
ليام Limaيف كانون الثاين من العام 1991حيث يعتقد أنه جلب من أسيا مـع ميـاه
التوازن إلحدى السفن .وقد يكون دفء املياه الساحلية بفعـل ظـاهرة النينـو التـي
حدثت يف ذلك الوقت ،ساعد عىل نمـو نـوع مـن اهلـائامت النباتيـة تـأوي بكترييـا
الكولريا .فتعرضت األسامك واملحار إىل تلوث بكتريي ،ثم جـرى اسـتهالكها مـن
248
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
قبل السكان املحليني ،ومما سهل من تفيش املرض هو دخوله إىل مياه الشـرب التـي
جتهز هبا العاصمة ليام عن طريق وحدات معاجلة غري كفؤة .ومـا أن بلـغ اليابسـة يف
بريو ،انترش املرض عرب معظم أرجاء قارة أمريكا اجلنوبية يف غضون سـنة واحـدة،
وأعلن عن 1700حالة إصابة يومي ًا خالل األربعة أشهر األوىل .هذا وحصل آخـر
تفيش للوباء يف بنغالديش هناية العام ،1992حيث شمل هذه املرة عىل سـاللة مـن
بكترييا الكولريا أحدث وأعتى تم تشخيصها للمرة األوىل يف طحلب ساحيل ،وقـد
أثارت خماوف من أن تكون موجة وبائيـة ثامنـة .وعـىل الـرغم مـن عـدم إمكانيـة
احليلولة متام ًا من ظهور سالالت جديدة من الكولريا واالنتشار احللقـي للمـرض،
فام من شك أن اختاذ تدابري النظافة األساسية وتوفري مياه الرشب اآلمنـة والتشـجيع
عىل تبني ظروف معيشة أقل ازدحام ًا يف البلدان النامية سيكون له أثر كبـري يف اجتـاه
احلد من انتشار هذا املرض الفتاك .فمثالً ،كان النعدام هذه الشـروط األساسية أن
ال مشهور ًا يف خميامت الالجئني يف بعض املناطق املدارية.
جعل من الكولريا قات ً
المالريا
مثلام يف الكولريا ،حتتاج املالريا Malariaأيض ًا إىل
وسط ناقل النتقاهلا .وحيدث املرض نتيجة لطفيل
وحيد اخللية يدعى بجرثومة املالريا التـي تنتقـل
من شخص إىل أخر من طريق لسعة أنثى بعوض
املالريــا ،التــي حتتــاج إىل الــدم حلضــن بيضــها.
تنتقل الجرثومة المسببة لمرض المالريا..
بواسطة أنثى بعوض المالريا وحيصل انتقال جرثومة املالريا هذه طبيعي ًا ضمن
حدود مناخية معينة :تلك هي خـط درجـة احلـرارة املتسـاوي ْ 15م يف شـهر متـوز
وكانون الثاين الواقع متام ًا مع أقىص دائـريت عـرض ْ 64ش و ْ 32ج (الشـكل – 6
.)12وهلذا حيدث مرض املالريا يف ظل الظروف الطبيعية عرب سـائر بقـاع اليـابس
249
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
العاملي تقريب ًا .لكن ،يف الوقت احلارض ،تغري توزيعه اجلغرايف تغـري ًا جـذري ًا بفضـل
النجاحات املهمة التي حتققت عىل صعيد مكافحة املالريا.
لو عدنا إىل نحو 100عام ًا إىل الوراء ،أو حتديد ًا إىل مطلع القرن العشـرين،
كانت املناطق املتأثرة باملالريا متتد بعيد ًا باجتاه الشـامل عـرب جنـويب كنـدا والنـرويج
والســويد وفنلنــدا وروســيا .ويف إنكلــرتا ،كــان املــرض يعــرف بإســم "قشــعريرة
املستنقعات" أو "محى املستنقعات" ،وكان يعد من األسباب الشائعة للوفاة بني كثري
من الناس القاطنني بالقرب من األرايض الرطبة خالل القرن التاسع عرش .وقد ظل
مرض املالريا شائع ًا يف بعض أنحاء أوربا ،كدلتا الـراين واجلهـات املنخفضـة مـن
بلدان حوض البحر املتوسط لغاية انتهاء احلـرب العامليـة الثانيـة ،إذ أعلنـت أوربـا
الغربية خلوها متام ًا من املرض يف العام .1975
لقد أسفرت جهود مكافحة املالريا عن حتقيق نجاحات مهمة والقضاء عىل
املرض يف مناطق عديدة .فمع حلول العام ،1900كان هناك 140بلد ًا يعـاين مـن
مرض املالريا ،لكن بحلول العام 2002انخفـض العـدد إىل 88بلـد ًا .ويف ضـوء
نسبة سكان العامل املعرضني خلطر اإلصابة باملالريا ،فـأن هـذا االنخفـاض يف عـدد
250
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الدول يعادل انخفاض ًا يف عدد اإلصابات بني السكان من %77يف العـام 1900إىل
%48يف العام .2002
اعتمدت املحاوالت األوىل ملكافحة املالريا عىل الربط ما بني املرض واملياه
الراكدة واملستنقعات ،وقد تم إدراك ذلك من قبل اإلغريق القدماء والرومـان منـذ
العام 2600قبل املـيالد .وقـاد إدراك هـذا االرتبـاط إىل القيـام بتجفيـف منـاطق
األرايض الرطبة هبدف حتسني األحوال الصحية للسكان القاطنني بقرهبا .وقد كـان
هلذه الربامج أيض ًا فائدة إضافية يف توفري مزيد من األرايض لالسـتخدام الزراعـي،
ومن ثم رفع اإلنتاج الزراعي.
عىل أن دور الناقل ،أي البعوضة ،التي تضع بيضها يف املياه الراكدة ،مل يتبني
إال يف أواخر القرن التاسع عرش ،األمر الذي أتاح بذل مزيد مـن اجلهـود للمعاجلـة
Panama البيئية .وحتقق نجاح كبري يف جمال مكافحـة البعـوض يف منطقـة قنـاة بـنام
Canalخالل مطلع القرن العرشين .إذ كان السبب يف فشل املحاوالت األوىل لشق
القناة من قبل الفرنسيني يف أواخر القرن الثامن عرش يرجع إىل وفاة أعداد كبرية من
العامل من جراء املالريا واحلمى الصفراء ،وهو مرض أخر يسببه البعوض .وعندما
أنجزت القناة أخري ًا من قبل األمريكيني يف العام ،1914فأن الفضل يف ذلك يعـود
يف جزء منه إىل مكافحة هذه األمراض بعد القضـاء عـىل البعـوض .إذ تـم جتفيـف
مناطق املستنقعات ورشت كل املسطحات املائية الراكدة أو البطيئة احلركـة املتبقيـة
بمزيج من النفط واملبيدات احلرشية .وجهزت بلدات مدينة بنام سـيتي بشـبكة مـن
أنابيب املياه اجلارية بدالً من خزانات املياه املنزلية التي تعد مكانـ ًا مفضـ ً
ال لتفقـيس
بيض البعوض ،كام تم تعبيد الطرقات للقضاء عىل الربك الصغرية.
شهد النصف األول من القـرن العرشيــن أمثلـة مشـاهبة عديـدة يف جمـال
املعاجلة البيئية يف أنحاء أخرى من العامل ،تقوم عىل حتسني وسائل الترصيف والبنـى
التحتية ،هدفها احلد من انتشار املالريا .وقد طبق هـذا الـنهج يف اخلمسـينيات مـن
251
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
252
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
الشكل ( :)12 – 7تغري نمط انتشار مرض املالريا بعد توسع مناطق تواجد البعوض الناقل
للمرض صوب املناطق املرتفعة ،بفعل تأثريات االحتباس احلراري.
253
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
والتي بلغت ذروهتا يف أواخر الثامنينات ،إىل توطن املالريا يف مناطق نادر ًا ما كانت
سابق ًا تتواجد فيها أو كان يستحيل عيشها فيها عىل اإلطالق .إذ ارتفعت نسبة
اإلصابة باملرض يف املناطق املرتفعة بمقدار ،%500ومرد معظم هذه الزيادة هو
ارتفاع درجات احلرارة وزيادة األمطار .وعىل هذا ،يمكن أن تعزى الزيادات
األخرية يف معدل اإلصابة باملالريا يف املناطق اجلبلية لرشق أفريقيا إىل ظاهرة
االحتباس احلراري .أما يف املناطق املنخفضة من رشق أفريقيا ،فأن عوامل الزيادة
يف مقاومة املرض للعقاقري املضادة واهلجرات السكانية والرتدي يف اخلدمات
الصحية ويف وسائل مكافحة البعوض ،قد أسهمت مجيعها يف إحياء املالريا من
جديد هناك ،إذ مل يسجل يف تلك املناطق أي دور يذكر للتغري املناخي هبذا
اخلصوص.
254
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
-8ملاذا تعد البلدان النامية واملناطق الفقرية الضحية األوىل النتشار األوبئة الفتاكة
يف الغالب
-9ثمة وباءان جائحان فتكا بماليني البرش عرب التاريخ .أذكرمها ،وحتدث عنهام يف
ضوء ما ييل :املسببات املرضية ،التوزيع اجلغرايف ،عوامل التفيش ،الضحايا ،وسائل
املكافحة.
-10من وجهة نظرك العلمية ،ملاذا تعد بنغالديش باخلصوص من أكثر البلدان يف
العامل معانا ًة من ويالت الكوارث الطبيعية
255
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
املصادر واملراجع
Burton V. Barnes, Donald R. Zak, Shirley R. Denton and Stephen H. Spurr, Forest
Ecology, 4th ed., Wiley, London, 1998.
Charles J. Krebs, Ecology: The Experimental Analysis of Distribution and Abundance , 6th
ed., Benjamin Cummings, New York, 2008.
Charles L. Harper, Environment and Society: Human Perspectives on Environmental
Issues, 5th ed., Pearson, Boston, 2011.
Clair L. Kucera, The Challenge of Ecology, 2nd ed, The C.V. Mosby Company, Saint
Louis, 1978.
Colin R. Townsend, Michael Begon and John L. Harper, Essentials of Ecology, 3rd ed.,
Wiley-Blackwell, Massachusetts, 2008.
Daniel B. Botkin and Edward A. Keller, Environmental Science: Earth as a Living Planet,
8th ed., Wiley, London, 2010.
David D. Kemp, Exploring Environmental Issues: An Integrated Approach , Routledge,
London, 2004.
David T. Krohne, General Ecology, 2nd ed., Cengage Learning, Belmont, 2000.
Donald K. Swearer, Daniel P. Schrag, Lawrence Buell and Michael D. Jackson, Ecology
and the Environment: Perspectives from the Humanities, Center for the Study
of World Religions, London, 2009.
Eugene P. Odum and Gary W. Barrett, Fundamentals of Ecology, 5th ed., Cengage
Learning, Belmont, 2004.
Frances Harris, Global Environmental Issues, 2nd ed., Wiley-Blackwell, New York, 2012.
F. Stuart Chapin III, Pamela A. Matson, Peter Vitousek and M.C. Chapin, Principles of
Terrestrial Ecosystem Ecology, 2nd ed., Springer, New York, 2011.
G. Tyler Miller and Scott Spoolman, Essentials of Ecology, 6th ed., Cengage Learning,
Belmont, 2012.
Gerald G. Marten, Human Ecology, Routledge, New York, 2001.
Herbert C. Hanson, Dictionary of Ecology, Philosophic Library, Washington DC, 1962.
Hermann Remmert, Ecology: A Textbook, Springer, New York, 1980.
John B. Sowell, Desert Ecology, University of Utah Press, Utah, 2001.
James Brower, Jerrold Zar and Carl N. von Ende, Field and Laboratory Methods for
General Ecology, 4th ed., McGraw-Hill, New York, 1997.
J. L. Chapman and M. J. Reiss, Ecology: Principles and Applications, 2nd ed., Cambridge
University Press, Cambridge, 1998.
256
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
257
مقدمة في علم البيئة ومشكالتها
* * *
258